هرجه از دست توآبد خوش بود ... كرهمه درياى بر آتش بود
وفى الآية اشارة الى اعدآء النفوس الكافرة فانها تحمل القلوب والارواح على مخالفات الشريعة وموافقات الطبيعة وتمحو الذكر من ألواحها بغلبة المحبة الدنيا وشهواتها لكن الله تعالى ينصرها ويؤيدها حتى تغلب على النفوس الكافرة بسطوات الذكر فيحصل لها غاية الذلة كأهل الذمة فى بلدة المسلمين وذلك لان الله تعالى كتب فحائف الاستعدادات غلبتها على النفوس وذلك من باب الفضل والكرم(15/191)
لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)
{ لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر } الخطاب للنبى عليه السلام او لكل احد وتجدا مامتعد الى اثنين فقوله تعالى { يوادون من حاد الله ورسوله } مفعوله الثانى او الى واحد بأن كان بمنى صادف فهو حال من مفعوله لتخصيصه بالصفة وهو يؤمنون والموادة المحابة مفاعله من المودة بمعنى المحبة وهى حالة تكون فى القلب اولا ويظهر آثارها فى القلب ثانيا والمراد بمن حاد الله ورسوله المنافقون واليهود والفساق والظلمة والمبتدعة والمراد بنفى الوجدان نفى الموادة على معنى انه لاينبغى أن يتحقق ذلك حقه أن يمتنع ولا يوجد بحال وان جد فى طلبه كل أحد وجعل مالا ينبغى وجوده غير موجود لشركته فى فقد الخير ويجوز أن يقال لاتجد قوما كاملى الايمان على مايدل عليه سياق النظم فعدم الوجدان على حقيقته قال فى كشف الاسرار أخبر أن الايمن يفسد بموادة الكفار وكذا بموادة من حكمهم وعن سهل بن عبدالله التسترى قدس سره من صحح ايمانه واخلص توحيده فانه لايأنس الى مبتدع ولايجالسه ولا يؤاكله ولا يشاربه ولا يصاحبه ولايظهر من نفسه العداوة والبغضاء ومن داهن مبتدعا سلبه الله حلاوة السنن ومن تحب الى مبتدع لطلب عز فى الدنيا او عرض منها اذله الله بتلك العزة وأفقره الله بذلك الغنى ومن ضحك الى مبتدع نزع الله نور الايمان من قلبه ومن لم يصدق فليجرب واما المعاملة للمبايعة العادية او للمجاورة او للمرافقة بحيث لاتضر بالدين فليست بمحرمة بل قد تكون مستحبة فى مواضعها قال ابن الشيخ المعنى لايجتمع الايمان مع ودادة اعدآء الله فان قيل اجتمعت الامة على أن يجوز مخالطتهم ومعاملتهم ومعاشرتهم فما هذه الموادة المحرمة فالجواب ان الموادة المحرمة هى ارادة منافعه دينا ودنيا مع كونه كافرا وما سوى ذلك جائز ( روى ) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه كان يقول « اللهم لاتجعل لفاجر عندى نعمة فانى وجدت فيما أوحى الى لاتجد قوما » الخ فعلم منه ان الفساق واهل الظلم داخلون فيمن حادالله ورسوله اى خالفهما وعاداهما واستدل مالك بهذه الآية على معاداة القدرية وترك مجالستهم وهم القائلون بنفى كون الخير والشر كله بتقدير الله ومشيئته يعنى هم الذين يزعمون ان كل عبد خالق لفعله ولا يرون الكفر والمعاصى بتقدير شالله وسموا بذلك لمبالغتهم فى نفيه وكثرة مدافعتهم اياه وقيل لاثباتهم للعبد قدرة الايجاد وليس بشىء لان المناسب حينئذ القدرى بضم القاف { ولو كانوا } اى من حاد الله ورسوله وبالفارسية واكرجه باشند از مخالفان خدا ورسول ، والجمع باعتبار معنى من كما انلا الافراد فيما قبله باعتبار لفظها { آباءهم } اى آباء الموادين { او ابناءهم } قدم الاقدم حرمة ثم الاحكم محبة { او اخوانهم } نسبا { او عشيرتهم } العشيرة اهل الرجل الذين يتكثر بهم اى يصيرون بمنزلة العدد الكامل وذلك ان العشرة هو العدد الكامل فصار العشيرة لكل جماعة من أقارب الرجل يتكثر بهم والعشير والمعاشر قريبا او معارفا وفى القاموس عشيرة الرجل بنوا أبيه الادنون او قبيلته انتهى(15/192)
يعنى ان المؤمنين المتصلين فى الدين لايوالون هؤلاء الاقرباء بعد ان كانوا محادين الله ورسوله فكيف بغيرهم فان قضية الايمان بالله ان يهجر الجميع بالكلية بل أن يقتلهم ويقصدهم بالسوء كما روى ان أبا عبيدة قتل أباه الجراح يوم بدر وان عبدالله بن عبدالله بن ابى بن سلول جلس الى جنب رسول الله عليه السلام فشرب رسول الله الماء فقال عبدالله رضى الله عنه يارسول الله ابق فضلة من شرابك قال « فما تصنع بها » فقال اسقيها أبى لعل الله يطهر قلبه ففعل فآتهاها فقال ماهذا قال فضلة من شرا ب رسول الله جئتك بها لتشربها لعل الله يطهر قلبك فقال له أبوه هلا جئتنى ببول امك فرجع الى النبى عليه السلام فقال يارسول الله ائذن لى فى قتل أبى فقال عليه السلام « بل ترفق به وتحسن اليه » وان أبا قحافة قبل ان اسلم سب النبى عليه السلام فصكه أبو بكر رضى الله عنه صكة اى ضربه ضربة سقط منها فقال عليه عليه السلام « او فعتله » قال نعم قال « فلا تعد اليه » قال والله لو كان السيف قريبا منى لقتلته قال فى التكملة فى هذه الرواية نظر لان هذه السورة مدنية أبو بكر مع أبيه الآن بمكة انتهى .
يقول الفقير لعله على قول من قال ان العشر الاولى من هذه السورة مدنى والباقى مكى وان أبا بكر رضى الله عنه دعا ابنه عبدالرحمن الى البراز يوم بدر فأمره عليه السلام أن يقعد قال يارسول الله دعنى اكن فى الرعلة الاولى وهى القطعة من الفرسان فقال عليه السلام « متعنا بنفسك ياأبابرك أما تعلم ان بمنزلة سمعى وبصرى » ، يقول الفقير يعلم منه فضل أبى بكر على على رضى الله عنهما فان هذا فوق قوله عليه السلام « لعلى أنت منى بمنزلة هرون من موسى » فتفطن لذلك وان مصعبا رضى الله عنه قتل أخاه عبدي بن عمير بأحد وان عمر رضى الله عنه قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر وان عليا وحمزة وعبيد بن الحارث رضى الله عنهم قتلوا يوم بدر عتبة وشبية ابنى ربيعة والوليد بن عتبة وكانوا من عشيرتهم وقرابتهم وكل ذلك من باب الغيرة والصلابة كما قال عليه السلام « الغيرة من الايمان والمنية من النفاق ومن لاغيره له لادين له »(15/193)
( وروى ) عن الثورى انه قال كانوا يرون انها نزلت فيمن يصحب السلطان ففيه زجر عن مصاحبتهم وعن عبدالعزيز بن أبى داؤد انه لقيه المنصور فى الطواف فلما عرفه هرب منه وتلاها وفى الحديث « من مشى خلف ظالم سبع خطوات فقد أجرم » وقد قال الله تعالى { انا من المجرمين منتقمون } { اولئك } اشارة الى الذين لا يوادونهم وان كانوا أقرب الناس اليهم وأمسهم رحما { كتب } الله سبحانه { فى قلوبهم الايمان } اى اثبته فيها وهو الايمان الوهبى ا لذى وهبه الله لهم قبل خلق الاصلاب والارحام اذ لا يزال بحال ابدا كالايمان المستعار وفيه دلالة على خروج العمل من مفهوم الايمان فان الجزء الثابت فى القلب ثابت فيه قطعا ولا شىء من اعمال الجوارح يثبت فيه وهو حجة ظاهرة على القدرية حيث زعموا أن الايمان والكفر يستقل بعملهما العبد { وأيدهم } اى قواهم واصله قوى يدهم { روح منه } اى من عندالله فمن لابتدآء الغاية وهو نور القرءآن او النصر على العدو او نور القلب وهو بادراك حقيقة لحال والرغبة فى الارتقاء الى المدارج الرفيعة الروحانية والخلاص من درك عالم الطبيعة الدنية وكل ذلك سمى روحا لكونه سببا للحياة قال سهل رحمه الله حياة الروح بالتأييد وحياة النفس بالروح وحياة الروح بالذكر وحياة الذكر بالذاكر وحياة الذاكر بالمذكور { ويدخلهم } فى الآخرة { جنات تجرى من تحتها } اى من تحت اشجارها او قصورها { الانهار } الاربعة يعنى جويها ازاب وشير وخمر وعسل { خالدين فيها } ابد الآباد لايقرب منهم زوال ولا موت ولا مرض ولا فقر كما قال عليه السلام « ينادى مناد آن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وآن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وآن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا وآن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا » { رضى الله عنهم } خشنود شد خداى ازايشان بطاعتى كه دردنيا كردند ، وفى الارشاد استئناف جار مجرى التعليل لما أفاض عليهم من آثار رحمته العاجلة والآجلة والرضى ترك السخط { ورضوا عنه } وخشنود شدند ايشان ازخداى بكرامتى كه وعده كرده ايشانرا درعقبى ، وفى الارشاد بيان لابتهاجهم بما اوتوه عاجلا وآجلا { اولئك حزب الله } تشريف لهم ببيان اختصاصهم به عز وجل اى جنده وانصار دينه قال سهل رضى الله عنه الحزب الشيعة وهم الابدال وارفع منهم الصديقون { الا ان حزب لله هم المفلحون } الناجون من المكروه والفائزون بالمحبوب دون غيرهم المقابلين لهم من حزب الشيطان المخصوصين بالخذلان والخسران وهو بيان لاختصاصهم بالفوز بسعادة النشأتين وخير الدارين وقال بعض أهل الاشارة حزب الله أهل معرفته ومحبته وأهل توحيده هم الفائزون بنصرة الله من مهالك القهريات ومصارع الامتحانات وجدوا الله بالله اذا ظهر واحد منهم ينهزم المبطلون ويتفرق المغالطون لان الله تعالى أسبل على وجوهم نور هيبته وأعطى لهم اعلام عظمته يفر منهم الاسود ويخضع لهم الشامخات كلأهم الله بحسن رعايته ونورهم بسنا قدرته ورفع لهم اذكارهم فى العالمين وعظم اقدارهم وكتم اسرادهم ، واما ثعلبى ازجرجانى كه اوازمشايخ خود شنيده كه داود عليه السلام از حق تعالى برسيد كه حزب توكيست خطاب آمد از حضرت عمزت كه الغاضة ابصارهم والسليمة اكفهم والنقية قلوبهم اولئك حزبى وحول عرشى هركه جشم اواز محارم فروبسته بود ودست او از آزار خلق واخذ حرام كوناه باشد ودل حود ازما سوى باكيزه كرده از جمله حزب حضرت الله است ودرين باب كفته اند(15/194)
ازهرجه نار واست بروديدها ببند ... وزهر جه نابسند بود دست بازدار
لوح دل ازغبار تعلق بشوى باك ... تابا شدت بحلقه اهل قلوب بار
وفى الآية اشارة الى ابوة الروح بالنسبة الى السر والخفى والقلب والنفس والهوى وصفاتها لولادة الكل عن مادة ازدواج الروح مع القالب والى نبوة الكل الى الروح والى اخوة السر مع النفس واخوة القلب مع الهوى وعشيرة صفاتهما مع الخفى لكون الكل من واد واحد واصل متحد هو الروح فمن قطع ارتباط التعلق مع النفس والهوى وصفاتهما الظلمانية الشيطانية بالتوجه الكلى الروحى والسرى والقلبى والخلفى الى الحضرة الالهية فهم الذين كتب الله فى ألواح قلوبهم وصفاح اسرارهم الايمان الحقيقى الشهودى العيانى وأيدهم بروح الشهود الكلى الجمعى الجامع بين شهود الوحدة الذاتية الحقيقية وبين شهود الكثرة الاسمائية النسبية والجمع بين الشهودين دفعة واحدة من غير تخلل بينهما ومن غير احتجاب أحدهما عن الآخر ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الانهار مياه التجليات الذاتية والصفاتية والاسمائية المشتملة على العلوم والمعارف والحقائق والحكم على الدوام والاستمرار رضى الله عنهم بفنائهم عن الناسوتية ورضوا عنه ببقائهم بلا هوتيته اولئك حزب الله اى مظاهر ذاته وصفاته واسمائه ألا ان حزب الله هم المفلحون لقيامهم بقيومية الحق تعالى ، واعلم انه كائن الدنيا والآخرة يومان متعاقبان متصلاقان فمن ذلك يعبر الدنيا باليوم وعن الآخرة بغد ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من ابناء الآخرة ولا تكونوا من ابناء الدنيا فانكم اليوم فى دار العمل والاحساب وأنتم غدا فى دار الآخرة ولاعمل ونعيم الدنيا منقطع دون نعيم الآخرة ثم ان هذا شأن الابرار واما المقربون فهم أهل الله لا أهل الدارين ونعيمهم ماذكر من التجليات فهم حزب الله حقيقة لكمال نصرتهم فى الدين ظاهرا او باطنا(15/195)
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)
{ سبح لله مافى السموات ومافى الارض } التسبيح تبعيد الهل عن السوء وتظهيره عما لايليق بشأن الوهيته ويكون بالجنان واللسان والحال والاول اعتقاد العبد بتعاليه عما لايليق بالالوهية وذلك لان من معانى التفعيل الاعتقاد بشىء والحكم به مثل التوحيد والتمجيد والتعظيم بمعنى الاعتقاد بالوحدة والمجد والعظمة والحكم بها وعلى هذا المعنى مثل التكفير والتضليل ومثل التجويز والترجيح والثانى القول بما يدعل على تعاليه مثل التكبير والتهليل والتأمين بمعنى أن يقول الله اكبر ولا اله الا الله وآمين وهو المشهور وعند الناس والثالث دلالة المصنوعات على ان صانعها متصف بنعوت الجلال متقدس عن الامكان وما يتبعه والمفسرون فسروا مافى القرءآن من امثال الآية الكريمة على كل من الثانى والثالث ليعم تسبيح الكل كذا فى بعض التفاسير وجمهور المحققين على ان هذا التسبيح تسبيح بلسان العبارة والاشارة لا بلسان الاشارة فقط فجميع الموجودات من العقلاء وغيرهم سبحه تعالى يعنى تسبيح ميكويد كه وبه باكى مستأنس ميكند مرخدايرا كه مستحق ثناست ، كما سبق تحقيقه فى اول سورة الحديد وفى مواضع أخر من القرءآن
بذكرش هرجه بينى در خروش است ... دل داند درين معنى كه كوش است
نه بلبل بر كلش تسبيح خوانست ... كه هر خارى به توحيد ش زبانست
وفى الحديث « انى لأعرف حجرا بمكة كان سلم على قبل أن أبعث انى لأعرفه الآن » وعن ابن مسعود رضى الله عنه ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل على ان شهادة الجوارح والجلود مما نطق به القرءآن الكريم وقال مجاهد كل الاشياء تسبح لله حيا كان او جمادا وتسبيحها سبحان الله وبحمده وهذا على الاطلاق واما بالنسبة الى كل موجود فالتسابيح مختلفة فلكل موجود تسبيح مخصوص به من حيث مايقتضيه نشأته كما قال بعض الكبار فاذا رأيت هؤلاء العوالم مشتغلين بالذكر الذى أنت عليه فكشفك خيالى غير صحيح لاحقيقى وانما ذلك خيالك أقيم لك فى الموجودات فاذا شهدت فى هؤلاء تنوعات الاذكار فهو الكشف الصحيح انتهى { وهو العزيز } ذو العزة القاهرة { الحكيم } ذو الحكمة الباهرة وفى ايراد الوصفين بعد التسبيح اشارة الى الباعث له والداعى اليه لان العزة أثر الجلال والحكمة أثر الجمال فله الاتصاف بصفات الكمال
وفى التأويلات النجمية { سبح لله مافى السموات } واقامة البراهين القطعية والادلة الفكرية لعدم جدواها فى تحصيل المطلوب فان ذاته المطلقة جامعة للتنزيه العقلى والتشبيه النفسى كما قال { ليس كمثله شىء } وهو التنزيه { وهو السميع البصير } وهو التشبيه فجمعت ذاته المطلقة باحدية الجمعية بين التنزيه والتشبيه دفعة واحدة بحيث يكون التنزيه عين التشبيه والتشبيه عن التنزيه كما قال العارف المحقق قدس سره ( فان قلت بالامرين كنت مسددا ، وكنت اماما فى المعارف سيدا ) فان التنزيه نتيجة اسمه الباطن والتشبيه نتيجة اسمه الظاهر فافهم جدا وهو العزيز المنيع جنابه أن ينزه من غير التشبيه الحكيم الذى تقتضى حكمته أن لايشبه من غير التنزيه ( روى ) ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة صالح بن النضير كأمير وهم رهط من اليهود من ذرية هرون أخى موسى عليه السلام قال السهيلى رحمه الله ونسبتهم الى هرون صحيحة لان النبى عليه السلام قال لصفية رضى اللع نها بنت حيى بن أخطب سيد بنى النضير وقد وجدها تبكى لكلام قيل لها أبوك هرون وعمك موسى وبعلك محمد عليه السلام والحديث معروف ومشهور وفى بعض الكتب من أولاد الكاهن بن هرون ونزلوا قريبا من المدية فى فتن بنى اسرآئيل انتظارا لبعثة النبى عليه السلام وكان يقال لهم ولبنى قريظة الكاهنان لانهم من أولاده ايضا وكان بنو النضير وقريظة وبنوا قينقاع فى وسط ارض العرب من الحجاز وان كانوا يهودا والسبب فى ذلك ان بنى اسرآئيل كانت تغير عليهم العمالييق فى ارض الحجاز وكانت منازلهم يثرب والجحفة الى مكة فشكت بنوا اسرآئيل ذلك الى موسى عليه السلام فوجه اليهم جيشا وأمرهم أن يقتلوهم ولا يبقوا منهم أحدا ففعلوا ذلك وترك منهم ابن مالك لهم كان غلاما حسنا فرقوا له ثم رجعوا الى الشأم وموسى قد مات فقالت بنو اسرآئيل قد عصيتم وخالفتم فلا نؤويكم فقالوا نرجع الى البلاد التى غلبنا عليها ونكون بها فرجعوا الى يثرب فساتوطنوها وتناسلوا بها الى أن نزل عليهم الاوس والخزرج بعد سيل العرم فكانوا معهم الى الاسلام فلما هاجر عليه السلام عاهد بنى النضير على أن لايكونوا له ولا عليه فلما ظهر عليه السلام اى غلب يوم بدر قالوا فيما بينهم النبى الذى نعته فى التوراة لاترد له راية يعنى نتوان بودكه كسى بروى ظفر يابد يارايت اقبال وى كسى بيفكند ، فلما فكان يوم أحد ما كان ارتابوا ونكثوا فخرج كعب من الأشرف فى اربعين راكبا الى مكة فحالفوا قريشا عند الكعبة على قتاله عليه السلام وعاهدوا على الاضرار به ناقضين العهد ، كعب اشرف باقوم خود بمدينه باز آمد وجبريل امين رسول را خبرداد ازان عهد وبيمان كه درميان ايشان رفت ، فأمر عليه السلام محمد بن مسلمة الانصارى بفتح الميم وكان أخا كعب من الرضاعة فقتل كعبا غيلة بالكسر اى خديعة فان الغيلة أن يخدعه فيذهب به الى موضع فاذا صار اليه قتله وذلك انه أتاه ليلا فاستخرجه من بيته لقوله انى أتيتك لاستقرض منك شيأ من التمر فخرج اليه فقلته ورجع الى النبى عليه السلام واخبره ففرح به لانه أضعف قلوبهم وسلب وقوتهم وفى بعض الاخبار انه عليه السلام ذهب الى بنى النضير لاستعانة فى دية فى نفر من اصحابه اى دون العشرة فيهم أبو بكر وعمر وعلى رضى الله عنهم فقالوا له يا أبا القاسم حتى تطعم وترجع بحاجتك وكان عليه السلام جالسا الى جنب جدار من بيوتهم فخلا بعضهم ببعض وقالوا انكم لن تجدوا الرجل على مثل هذه الحالة فهل من رجل يعلو على هذا البيت فيلقى عليه صخرة فيريحنا منه فقال احد ساداتهم وهو عمرو بن جحاش انا لذلك فقال لهم أحد ساداتهم وهو سلام بن مشكم لاتفعلوا والله ليخبرن بما هممتم به انه لنقض للعهد الذى بيننا وبينه فلما صعد الرجل ليلقى الصخرة أتى رسول الله الخبر من السماء بما أراد القوم فقام عليه السلام مظهرا انه يقضى حاجته وترك اصحابه فى مجالسهم ورجع مسرعا الى المدينة فسألوه فقال رأيته داخل المدينة فأقبل أصحابه حتى انتهوا عليه فأخبرهم بما أرادت بنوا النضير فندم اليهود وقالوا قد أخبر بأمرنا فأرسل عليه السلام اليهم محمد بن مسلمة رضى الله عنه ان اخرجوا من بلدى اى لان قريتهم زاهرة كانت من اعمال المدينة فلا تساكنونى بها فلقد هممتم بما هممتم من الغدر فسكتوا ولم يقولوا حرفا فأرسل اليهم المنافقون أن اقيموا فى حصونكم فانا نمدكم فارسلوا الى رسول الله انا لانخرج من ديانا فافعل مابدا لك وكان المتولى أمر ذلك سيد بنى النضير حيى بن أخطب والد صفية ام المؤمنين فاغتر بقول المنافقين فسار رسول الله عليه وسلم مع المؤمنين وهو على حمار مخطوم بليف وحمل رايته على رضى الله عنه حتى نزل بهم وصلى العصر بفنائهم وقد تحصنوا وقاموا على حصنهم يرمون النبل والحجارة وزربوا على الازقة وحصنوها فاحاصرهم النبى عليه السلام احدى وعشرين ليلة فلما قذف الله فى قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين طلبوا الصلح فأبى عليهم الا الجلاء على أن يحمل كل ثلاث ابيات على بعير ماشاؤا من متاعهم الا السلاح .(15/196)
بس ششنصد شتربار خودرا بر آراستند واظهار جلادت نموده دفعها ميزدند وسرور كويان از بازار مدينه كذشتندت ، فجاؤا الشأم الى اريحا من فلسطين والى اذرعات من دمشق الا أهل بيتين منهم آل أبى الحقيق وآل حيى بن أخطب فانهم لحقوا بخيبر ولحقت طائفة بالحيرة وهى بالكسرة بلد بقرب الكوفة ولم يسلم من بنى النضير الا رجلان احدهما سفيان بن عمير بن وهب والثانى سعد بن وهب اسلما على اموالهم فأحرزاه فأنزل الله تعالى { سبح لله } الى قوله { والله على كل شىء قدير } قال محمد جلاء بنى النضير كان مرجع النبى عليه السلام من احد سنة ثلاث من الهجرة وكان فتح بنى قريظة مرجعه من الاحزاب فى سنة خمس من الهجرة وبينهما سنتان وفى انسان العيون كانت غزوة بنى النضير فى ربيع الاول من السنة الرابعة والجلاء بالفتح الخروج من البلد والتفرق منه يقال أجليت القوم عن منازلهم وجلوتهم فاجلوا عنها وجلوا اى ابزتهم عنها قان اصل الجلو الكشف الظاهر ومنه الطريقة الجلوتية بالجيم فانها الجلاء والظهور بالصفات الالهية كما عرف فى محله والجلاء اخص من الخروج والاخراج يكون للجماعة والواحد وقيل فى الفرق بينهما ان الجلاء كان مع الاهل والولد بخلاف الخروج فانه لايستلزم ذلك قال العلماء مصالحة اهل الحرب على الجلاء من ديارهم من غير شىء لايجوز الآن وانما كان ذلك فى اول الاسلام ثم نسخ والآن لابد من قتالهم او سبيهم او ضرب الجزية عليهم(15/197)
هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)
{ هو الذى } اوست خداوندى كه ازروى اذلال { اخرج الذين كفروا من اهل الكتاب } بيان لبعض آثار عزته واحكام حكمته اى امر باخراج اهل التوراة يعنى بنى النضير { من ديارهم } جمع دار والفرق بين الدار والبيت ان الدار دار وان زالت حوآئطها والبيت ليس بيت بعدما انهدم لان البيت اسم مبنى مسقف مدخله من جانب واحد بنى للبيتوتة سوآء كان حيطانه اربعة او ثلاثة وهذا المعنى موجود فى الصفة الا ان مدخلها واسع فيتناولها اسم البيت والبيوت بالمسكن اسم اخص والابيات بالشعر كما فى المفردات { لاول الحشر } اللام تتعلق باخرج وهى للتوقيت اى عند او حشرهم الى الشأم وفى كشف الاسرار اللام لام العلة اى اخرجوا ليكن حشرهم الشام اول الحشر والحشر اخراج جمع من مكان الى آخر وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء قط اذ كان انتقالهم من بلاد الشأم الى جانب المدينة عن اختيار منهم وهم اول من اخرج به جزيرة العرب الى الشأم فعلى هذا الوجه ليس الاول مقابلا للآخر وسميت جزيرة لانه أحاط بها بحر الحبشة وبحر فارس ودجلة والفرات قال الخليل بن احمد مبدأ الجيرة من حفر أبى موسى الى اليمن فى الطول من رمل يبرين وهو موضع بحذآء الاحساء الى منقطع السماوة فى العرض والسماوة بالفتح موضع بين الكوفة والشأم او هذا اول حشرهم وآخر حشرهم اجلاء عمر رضى الله عنه اياهم من خيبر الى الشام وذلك حين بلغه الخبر عن النبى عليه السلام « لايبقين دينان فى جزيرة العرب » وقيل آخر حشرهم حشر يوم القيامة لان المحشر يكون بالشأم { ماظننتم } أيها المسلمون { ان يخرجوا } من ديارهم بهذا الذل والهوان لشدة بأسهم ووثاقة حصونهم وكثرة عددهم وعددهم { وظنوا } اى هؤلاء الكافرون ظنا قويا هو بمرتبة اليقين فانه لايقع الا بعد فعل اليقين او مانزل منزلته { انهم مانعتهم حصونهم من الله } الحصون جمع حصن بالكسر وهو كل موضع حصين لايوصل الى جوفه والقلعة الحصن الممتنع على الجبل فالاول اعم من الثانى وتحصن اذا اتخذ الحصن مسكنا ثم تجوزيه فقيل درع حصينة لكونها حصنا للبدن وفرس حصان لكونه حصنا لراكبه والمعنى ظنوا ان حصونهم تمنعهم من بأس الله وقهره وقدم الخبر وأسند الجملة الى ضميرهم للدلالة على فرط وثوقهم بحصانتها واعتقادهم فى انفسهم انهم فى عزة ومنعة لايبالى بسببها فتقديم المسند يفيد قصر المسند اليه على المسند فان معنى قائم زيد أن زيدا مقصور على القيام لايتجاوزه الى القعود وكذا معنى الآية ان حصونهم ليس لها صفة غير المانعية ويجوز أن يكون مانعتهم خبرا لأن وحصونهم مرتفعا على الفاعلية لاعتماده على المبتدأ فان قيل ما المانع من جعل مانعتهم مبتدأ وحصونهم خبرا فان كليهما معرفة قلت كون مانعتهم نكرة لان اضافتها غير مخصصة وان القصد الى الاخبار عن الحصون { فأتاهم الله } اى امر الله وقدره المقدور لهم { من حيث لم يحتسبوا } ولم يخطر ببالهم وهو قتل رئيسهم كعب من الاشرف غرة على يد اخيه فانه مما أضعف قوتهم وقل شوكتهم وسلب قلوبهم الأمن والطمأنينة بما قذف فيها من الرعب والفاء اما للتعقيب اشارة الى أن البأس لم يكن متراخيا عن ظنهم او للسبب اشارة الى انهم انما أخذوا بسبب اعجابهم بأنفسهم وقطعهم النظر الى قدرة الله وقوته { وقذف فى قلوبهم الرعب } القذف الرمى البعيد والمراد هنا الالقاء قال فى الكشاف قذف الرعب واثباته وركزه ومنه قالوا فى صفة الاسد مقذف لما ان قذف باللحم قذفا لا كتنازه وتداخل اجزآئه والرعب الانقطاع من امتلاء الخوف ولتصور الامتلاء منه قيل رعيت الحوض اى ملأته وباعتبار القطع قيل رعبت السنام اى قطعته قال بعضهم الرغب خوف يملأ القلب فيغير العقل ويعجز النفس ويشوش الرأى ويفرق التدبير ويضر البدن والمعنى أثبت فيها الخوف الذى يرعبها ويملأها لان المعتبر هو الثابت وماهو سريع الزوال فهو كغير الواقع وقال بعضهم فلا يلزم التكرار لان الرعب الذى اشتمله قوله { فأتاهم الله } هو أصل الرعب وفرق بين حصول اصله وبين ثباته ودلت الآية على ان وقوع ذلك الرعب صار سببا فى اقدامهم على بعض الافعال وبالجملة فالفعل لايحصل الا عند حصول داعية متاكدة فى القلب وحصول تلك الداعية لايكون الا من الله فكانت الافعال بأسرها مستندة الى لله بهذا الطريق كذا فى اللباب { يخربون بيوتهم بأيديهم } الجملة استئناف لبيان حالهم عند الرعب اى يخربونها بأيديهم لسيدوا بما نقضوا منها من الخشب والحجارة افواه الأزقة ولئلا تبقى بعد جلائهم مساكين للمسلمين ولينقلبوا معهم بعض آلاتها المرغوب فيها مما يقبل النقل والاخراب والتخريب واحد يقال خرب المكان خرابا وهو ضد العمارة وقد اخربه وخربه اى افسده بالنقض والهدم غير أن فى التشديد مبالغة من حيث التكثير لكثرة البيوت وهو قرآءة أبى عمرو وفرق أبى عمرو بين الاخراب والتخريب فقال خرب بالتشديد بمعنى هدم ونقض وافسد واخرب بالهمزة ترك الموضع وقال اى ابو عمرو وانما اخترت التشديد لان الاخراب ترك الشىء خرابا بغير ساكن وبنوا النضير لم يتركوها خرابا وانما خربوها بالهدم كما يدل عليه قوله { بأيديهم وأيدى المؤمنين } ان قيل البيوت هى الديار فلم يقل يخربون ديارهم على وفق ماسبق وايضا كيف ماكان الاخراج من ديارهم وهى مخربة أجيب بان الدار ماله بيوت فيجوز اخراب بعضها وابقاء بعضها على مقتضى الرأى فيكون الخروج من الباقى على ان الاخراج لايقتضى العمارة اذ يجوز أن يكون باخراب المساكن والطرح منها قال سهل رحمه الله يخربون بيوتهم بأيديهم اى قلوبهم بالبدع وفى كشف الاسرار نخست دين ودل خويش ازروى باطن خراب كردند تا خرابى باطن بظاهر سرايت كرد وخانه خد نيز خراب كردند { وأيدى المؤمنين } حيث كانوا يرخبونها ازالة لمتحصنهم ومتمنعهم وتوسيعا لمجال القال واضرار ابهم واسناد هذا اليهم لما انهم السبب فيه فكأنهم كلفوهم اياه وامروهم به وهذا كما فى قوله عليه السلام(15/198)
« لعن الله من لعن والديه » وهو كقوله عليه السلام « من اكبر الكبائر أن سب الرجل والديه » فقالوا وكيف يسب الرجل والديه فقال « يساب الرجل فيسب أباه فيسب أباه ويسب امه فيسب امه » .
يقول الفقير فى اشارة الى ان استناد الكفار الى الحصون والاحجار وان اعتماد المؤمنين على الله الملك الغفار ولاشك ان من اعتمد على المأ من الحقيقى ظفر بمراده فيه ديناه وآخرته ومن استند الى ما سوى الله تعالى خسر خسرانا مبينا فى تجارته وان الانسان بنيان الرب فربما قتل المرء نفسه وتسبب له فهدم بنيان الله فصار ملعونا وقس على هذا حال القلب فانه بيت الله واجتهد حتى لايغلب عليه النفس والشيطان ( قال الحافظ )
من آن نيكن سليمان بهيج نستانم ... كه كاه كاه برودست اهر من باشد
{ فاعتبروا } بس عبرت كيريد { ياولى الابصار } اى ياولى الالباب والعقول والبصائر يعنى اتعظوا بما جرى عليهم من الامور الهائلة على وجه لاتكاد تهتدى اليه الافكار واتقوا مباشرة ما أداهم اليه من الكفر والمعاصى وانتقلوا من حال الفريقين الى حال أنفسكم فلا تعولوا على تعاضد الاسباب كبنى النضير الذين اعتمدوا على حصونهم ونحوها بل توكلوا على الله تعالى وفى عين المعانى فاعتبروا بها خراب جميع الدينا
جهان اى بسر مالك جاويد نيست ... ز دينا وفادارى اميد نيست
والاعتبار مأخوذ من العبور وهو المجاوزة من شىء الى شىء ولهذا سميت العبرة عبرة لانها تنتقل من العين الى الحد سمى اهل التعبير لان صاحبه ينتقل من المتخيل الى المعقول وسميت الالفاظ عبارات لانها تنقل المعانى من لسان القائل الى عقل المستمع ويقال السعيد من اعتبر بغيره لانه ينتقل عقله من حال ذلك الغير الى حاله نفسه
جو بركشته بتختى در افتند ببند ... ازونيك يختان بكيرند بند
والبصر يقال للجارحة الناظرة وللقوة التى فيها ويقال القلب المدركة بصيرة وبصر ولايكاد يقال للجارحة بصيرة كما فى المفردات قال بعض التفاسير الابصار جمع بصر وهو مايكون فى الرأس وبه يشاهد عالم الملك وهو عالم الشهادة حتى لو كان بين الرآئي والمرئى مقدار عدة آلاف سنة يشاهده فى طرفة عين بوصول نور من حدقة العين الى المرئى حكاية للرآئى والبصيرة فى القلب كالبصر فى الرأس وبها يشاهد عالم الملكوت وهو عالم الغيب حتى لو كان المشاهد فى العالم وفى اللوح المحفوظ بل فى علم الله تعالى مما تتعلق مشيئة الله بمشاهدة احد اياه من عباده لشاهده فى آن واحد وقد يشاهد الممتنع والمحال وغير المتناهى بنوع مشاهدة كما نجده فى وجداننا وكل ذلك من غرآئب صنع الله وجعل البعض البصر ههنا مجازا عن المشاهدة لانه كثيرا مايكون ىلة لمشاهدتها ويكون هو معتبرا باعتبارها حتى لولاها يكون هو فى حكم المفقود وبهذا الاعتبار اورد الابصار فى مقام البصائر فقال فى تفسيره فتعظوا وانظروا فيما نزل بهم ياذوى العقول والبصائر وهذا هو الاليق بشأن الاتعاظ والاوفق لقوله تعالى فاعتبروا ياولى الالباب اذ للب وهو العقل الخالص عن الكدورات البشرية والبصيرة التى هى عين القلب حين ما كانت مجلوة خاصة بالعقلاء اللائقين للخطاب بالامر بالاعتبار واما البصر فيوجد فى البهائم والبصيرة الغير المجلوة فتوجد فى العوام وجعله البعض الآخر على حقيقته فقال فى تفسيره فاعتبرنا من عاين تلك الوقائع لكن مآل القولين واحد اذ مجرد البصر المعاين لايفيد الاعتبار بلا بصيرة صحيحة وفى الوسيط معى الاعتبار النظر فى الامور ليعرف بها شىء آخر من جنسها قال يحيى بن معاذ رحمه الله من لم يعتبر بالمعاينة استغنى عن الموعظة وقد استدل بالآية على حجية القياس من حيث انه أمر بالمجاوزة من حال الى حال وحملها عليها فى حكم لما بينهما من المشاركة المقتضية له كما فصل فى الكتب الاصولية وأشار بأهل الكتاب الى يهودى النفس ونصرانى الهوى وانما نسبنا التنصر الى الهوى والتهود الى النفس لغلبة عطلة النفس فان الهوى بالنسبة الى النفس كالروح بالنسبة الى الجسم البدنى ولهذا المعنى قيل الهوى روح النفس ينفخ فيها هوى الشهوات الحيوانية ويهوى الى هاوية الجحيم والله تعالى يستأصلها من ديار صفاتها الظلمانية بالصدمة الاولى من قتال الحشر الاول وظنوا ان حصون طباعهم الرديئة تمنعهم عن الانسلاخ من صفلتهم الخسيسة فأتاهم الله بالتجلى القهرى وقذف فى قلوب النفس والهوى رغب المفارقة بينهما فان كل واحد منهما كان متمسكا بالآخر تمسك الروح بالبدن وقيام البدن بالروح يخربون بيوت صفاتهم بأيدى اهوآئهم المضلة وبقوة أيدى الروح والسر والقلب لغلبة نوريتهم عليها فاعتبروا يا اولى الابصار الذى صار الحق تعالى بصرهم كما قال فى يبصر وبى يسمع وبى يبطش الحديث بطوله(15/199)
وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3)
{ ولولا ان كتب الله } حكم { عليهم } اى على بنى النضير { الجلاء } اى الخروج من اوطانهم على ذلك الوجه الفظيع وقد سبق الكلام فى الجلاء ولولا امتناعية وما بعدها مبتدأ فان أن منخففة من الثقيلة اسمها ضمير الشأن المقدر اى ولولا أنه وكتب الله خبرها والجملة فى محل الرفع بالابتدآء بمعنى ولولا كتاب الله عليهم الجلاء واقع فى علمه او فى لوحه { لعذبهم فى الدنيا } بالقتل والسبى كما فعل ببنى قريظة من اليهود ق لبعضهم لما استحقوا بجرمهم العظيم قهرا عظيما اخذوا بالجلاء الذى جعل عديلا لقتل النفس لقوله تعالى { ولو أنا كتبنا علم ان اقتلوا انفسكم او اخرجوا من دياركم مافعلوه الى قليل منهم } مع ان فيه احتمال ايمان بعضهم بعد مدة وايمان من يتولد منهم { ولهم فى الآخرة عذاب النار } استئناف غير متعلق بجواب لولا اذ لو كان معطوفا عليه لزم أن ينجوا من عذاب الآخرة ايضا لان لولا تقتضى انتفاء الجزآء لحصول الشرط وانما جيىء به لبيان انهم ان نجوا من عذاب الدنيا بكتابة الجلاء لانجاة لهم من عذاب الآخرة يقول الفقير لايلزم من نجاتهم من عذاب الدنيا أن لايكون جلاؤهم من قبيل العذاب وانما لم يكن منه بالنسبة الى عذاب الاستئصال والوجه فى جلائهم انهم قصدوا قتل النبى عليه السلام وقتله شر من ألف قتل فأخذوا بالجلاء ليموتوا كل يوم ألف مرة لان انقطاع النفس عن مألوفاتها بمنزلة موتها فجاء الجزآء من جنس العمل قال بعض أهل الاشارة ولولا ان كتب الله على يهودى النفس ونصرانى الهوى جلاء الانسلاخ من ديار وجوداتهم لعذبهم فى طلب الدنيا ومحبتها ولهم فى آخر الامر عذاب نار القطيعة عن مألوفاتهم الطبيعية ومستحسناتهم الحسية(15/200)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4)
{ ذلك } اى ما حاق بهم وسيحيق { بأنهم } اى بسبب انهم { شاقوا الله ورسوله } خالفوا امرهما وفعلوا مما حكى عنهم من القبائح والمشاقة كون الانسان فى شق ومخالفة فى شق { ومن يشاق الله } كائنا من كان { فان الله شديد العقاب } له فهو نفس الجزآء بحذف العائد او تعليل للجزآء المحذوف اى يعاقبه الله فان الله شديد العقاب فاذا لهم عقاب شديد ايضا لكونهم من المشاقين وأيا ما كان فالشرطية تحقيق للسببية بالطريق البرهانى وفيه اشعار بأن المخالفة تقتضى المؤاخذة بقدر قوتها وضعفها فليحذر المؤمنون من العصيان مطلقا
همينست بسندست اكر بشنوى ... كه كرخار كارى سمن ندروى
اعلم ان الله الذى هو الاسم الاعظم جامع لجميع الاسماء الالهية المنقسمة الى الاسماء الجلالية القهرية والجمالية اللطيفة والتشاقق فيه استدعاء احد الشقين من التجليين الجمالى والجلالى بأن يطلب الطالب منه اللطف والجمال وهو ممن يستحق القهر والجلال لاممن يستحق اللطف والجمال فهو يستدعى من الحق شيأ لاتقتضى حكمته البالغة اعطاءه اياه وهو من قبيل التحكم الذى لايجوز بالنسبة الى الله تعالى كما قال تعالى { ومن الناس من يعبد الله على حرف فان اصابه خير اطمأن به وان أصابه فتنة انقلب على وجهه } ( قال الحافظ )
درين جمن نكنم سرزنش بخود رويى ... جنانكه برورشم ميدهند مى رويم
والمشاقة مع الرسول عليه السلام المنازعة فى حكمة امره ونهيه مثل اسرار الصلوات الخمس واختلاف اعدادها وقرآءتها جهرا وسرا ومثل اسرار الزكاة واختلاف احكامها ومثل احكام الحج ومناسكه ونحن امرنا بمحض الامتثال والانقياد وما كلفنا بمعرفة اسرارها وحقائقها والنبى عليه السلام مع كمال عرفانه وجلال برهانه يقول ان أتبع الا مايوحى الى وقال نحن نحكم بالظواهر والله يعلم السرآئر وقوله { فان الله شديد العقاب } ومن شدة عقابه ابتلاء عبده بامتثال هذه الاشياء مع عدم تكليفه اياه بمعرفة حقائقها والمراد بالعقاب الاتعاب والا فالاحكام من قبيل ارحمة لا العذاب ولذا من قال هذه الطاعات جعلها الله علينا عذابا من غير تأويل كفر(15/201)
مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)
{ ماقطعتم من لينة } ما شرطية نصب بقطعتم واللينة فعلة نحو حنطة من اللون على ان أصلها لونه فياؤها مقلوبة عن واو لكسرة ماقبلها نحو ديمة وفيمة وتجمع على ألوان وهى كضروب النخل كلها وقيل من اللين وتجمع على لين وأليان وهى النخلة الكريمة الشجرة بكونها قريبة من الارض والطيبة الثمرة قال الراغب في المفردات اللين ضد الخشونة ويستعمل ذلك فى الاجسام ثم يستعار للخلق ولغيره من المعانى فيقال فلان لين وفلان خشن وكل واحد منهما يمدح به طورا ويذم به طورا بحسب اختلاف المواضع وقوله ماقطعتم من لينة اى من نخلة ناعمة ومخرجة مخرج فعلة نحو حنطة ولا يختص بنوع منه دون نوع انتهى والمعنى اى شىء قطعتم من نخلة من نخيلهم بأنواعها وقيل للينة ضروب النخل كلها ماخلا العجوة والبرنية وهما أجود النخل { او تركتموها } اسمير لما وتأنيثه لتفسيره باللينة كما فى قوله تعالى { مايفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها } { قائمة } حال من ضمير المفعول { على اصولها } كما كانت من غير أن تتعرضوا لها لشىء من القطع جمع اصل وهو مايتشعب منه الفرع { فباذن الله } فذاك اى قطعها وتركها بأمر الله فلا جناح عليكم فيه فان فى كل من القطع والترك حكمة ومصلحة { وليخزى الفاسقين } اى وليذل اليهود الخارجين عن دآئرة الاسلام اذن فى قطعها وتركها فهو علة لمحذوف يقال خزى الرجل لحقه انكسارا اما من نفسه وهو الحياء المفرط ومصدره الخزاية وما من غيره وهو ضرب من الاستخفاف ومصدره الخزى أذن الله فى قطعها وتركها لانهم اذا رأو المؤمنين يتحكمون فى اموالهم كيف احبوا ويتصرفون فيها حسبما شاؤا من القطع والترك يزدادون غيظا ويتضاعفون حسرة وذلك ان رسول الله عليه السلام حين أمر أن تقطع نخيلهم وتحرق قالت اليهود وهم بنوا النضير يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد فى الارض فما بال قطع النخيل واحراقها فشق ذلك على النبى عليه السلام كان فى أنفس المؤمنين ايضا من ذلك شىء فنزل وجعل أمر رسول الله أمره تعالى لانه عليه السلام ماينطق عن الهوى استدل به على جواز هدم ديار الكفرة وقطع اشجارهم مثمرة كانت او غير مثمرة واحراق زروعهم زيادة لغيظهم وتخصيص اللينة بالقطع ان كانت من الالوان ليستبقوا لأنفسهم العجوة والبرنية اللتين هما كرام النخيل وان كانت هى كرام النخيل ليكون غيظهم أشد ويقال ان العتيق والجوة كانتا مع نوح فى السفينة والعتيق الفحل وكانت العجوة أصل الاناث لكها فلذا شق على اليهود قطعها وظهر من هذا أن اللون هو ماعدا العجوة والبرنى من انواع التمر بالمدينة والبرنى بالفارسية حمل مبارك او جيد لان اصله برنيك فعرب ومن انواع تمر المدينة الصيحانى وفى شرح مسلم للنووى ان انواع التمر مائة وعشرون وفى تاريخ المدينة الكبير للسيد السمنودى أن انواع التمر بالمدينة التى أمكن جمعها بلغت مائة وبضعا وثلاثين ويوافقه قوله بعضهم اختبرناها فوجدنا اكثر مما ذكره النووى قال ولعل مازال على ما ذكر حدث بعد ذلك واما انواع التمر بغير المدينة كالمغرب فلا تكاد تنحصر فقد نقل ان عالم فاس محمد بن غازى أرسل الى عالم سلجماسة ابراهيم بن هلال يسأله عن حصر انواع التمر بتلك البلدة فأرسل اليه حملا او حملين من كل نوع تمرة واحدة فأرسل اليه هذا ماتعلق به علم الفقير وأن تعدوا نعمة الله لاتحصوها وفى نسق الازهار ان بهذه البلدة رطبا يسمى البتونى وهو أخضر اللون واحلى من عسل النحل ونواه فى غاية الصغر وكانت العجوة خير أموال بنى النضير لانهم كانوا يقتاتوتها وفى الحديث(15/202)
« العجوة من الجنة وتمرها يعذى أحسن الغذآء » روى ان آدم عليه السلام نزل بالعجوة من الجنة وفى البخارى من تصبح كل يوم على سبع تمرات عجوة لم يصبه فى ذلك اليوم سم ولا سحر وقد جاء فى العجوة العالية شفاء وانها ترياق اول البكرة وفى كلام بعضهم العجوة ضرب من التمر اكبر من الصيحانى وتضرب الى السواد وهى مما غرسه النبى عليه السلام بيده الشريفة وقد علمت انها فى نخل بنى النضير وعن ابن عباس رضى الله عنهما هبط آدم من الجنة بثلاثة اشياء بالآسة وهى سيدة ريحان الدنيا والسنبلة وهى سيدة طعام الدنيا والعجوة وهى سيدة ثمار الدنيا وفى الحديث « ان العجوة من غرس الجنة وفيها شفاء وانها ترياق اول البركة وعليكم بالتمر البرنى فكلوه فانه يسبح فى شجره ويستغفر لآكله وانه من خير تمركم وانه دوء وليس بدآء » وجاء بيت لاتمر فيه جياع أهله قال ذلك مرتين ولما قطعت العجوة شق النساء الجيوب وضربن الخدود ودعون بالويل كما فى انسان العيون قال بعض أهل الاشارة يشير الى من قطع نخلة محبة الدنيا من ارض قلبه بأمر الله وحكمته المقتضية لذلك الامر بالقطع وهم المحرومون المنقطعون عن الدنيا ومحبتها وشهواتها ولذاتها المتوجهون الى طريق السلوك الى الله بتزكية النفس وتصفية القلب وتخلية السر وتحلية الروح والى من ترك الدنيا فى ارض قلبه قائمى على اصولها على حالها باذن الله وحمته البالغة المقتضية لابقائها وهم الكاملون المكملون الواصلون المواصلون الذين ليس للدنيا و لا للآخرة عندهم قدر ومقدار مازاغ نظر ظاهرهم ولا بصر باطنهم اليهما لاشتغالهم بذكر الله اى بذكر ذاته وصفاته واسمائه كما قال فى حقهم رجال لا تلهيهم تجارة ولابيع عن ذكر الله وليخزى الفاسقين الذين خرجوا من مقام المعرفة والعرفان وما عرفوا ان للحق عبادا ليس للدنيا والآخرة عندهم قدر ومقدار ومازاغ بصر ظاهرهم ولا نظر باطنهم اليهما وطعنوا فيهم بمحبة الدنيا ونسبوا اليهم حب الشهوات الحيوانية واللذات الجسمانية فأخزاهم الله بشؤم هذا الطعن والله يشهد انهم لكاذبون ( قال الحافظ )
بس تجربه كرديم درين دير مكافات ... بادرد كشان هركه در افتاد بر افتاد(15/203)
وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)
{ وما أفاء الهل على رسوله } شروع فى بيان ح ال ماأخذ من أموالهم بعد بيان ما حل بأنفسهم من العذاب العاجل والآجل وما فعل بديارهم ونخيلهم من التخريب والقطع وما موصولة مبتدأ وقوله { فما أوجفتم } خبره ويجوز جلعها شرطية وقوله { فما اوجفتم } جوابا والفيىء فى الاصل بمعنى الرجوع وافاء أعاد وارجع فهو على اصل معناه هنا والمعنى ما أعاده اليه من مالهم اى جعله عائدا ففيه اشعار بأنه كان حقيقا بأن يكون له عليه السلام وانما وقع فى أيديهم بغير حق فرجعه الله الى مستحقه لانه تعالى خلق الناس لعبادته وخلق ما خلق ليتوسلوا به الى طاعته فهو جدير بأن يكون للمطيعين وهو عليه السلام رأسهم ورئيسهم وبه أطاع من أطاع فكان أحق به فالعود على هذا بمعنى أن يتحول الشىء الى ما فارق عنه وهو الاشهر ويجوز أن يكون معناه صيره له فالعود على هذا بمعنى أن يتحول الشىء الى مافارق عنه وان لم يكن ذلك التحول مسبوقا بالحصول له والحمل هنا على هذا المعنى لايحوج الى تكلف توجيه بخلاف الاول وكلمة على تؤيد الثانى وقال بعضهم أفاء الله مبنى على ان الفيىء الغنيمة فمعنى أفاء الله على رسوله جعله فيناله خاصة وقال الراغب الفيىء والفيئة الرجوع الى حالة محمودة وقيل للغنيمة التى لايلحق فيها مشقة فيىء قال بعضهم سمى ذلك بالفيىء تشبيها بالفيىء الذى هو الظل تنبيها على ان أشرف اعراض الدنيا يجرى مجرى ظل زآئل والفئة الجماعة المتظاهرة التى يرجع بعضهم الى بعض فى التعاضد وقال المتطرزى فى المغرب فى الفرق بين الغنيمة والفيىء والنفل ان الغنيمة عن أبى عبيد ما نيل من أهل الشرك عنوة والحرب قائمة وحكمها أن تخمس وسائرها بعد الخمس للغانمين خاصة والفيىء مانيل منهم بعد ماتضع الحرب اوزارها وتصير الدار دار اسلام وحمه أن يكون لكافة المسلمين ولا يخمس والنفل ماينفله الغازى اى يعطاه زآئدا على سهمه وهو أن يقول الامام او الامير من قتل قتيلا فله سلبه او قال للسرية ما أصبتم فلكم ربعه او نصفه ولا يخمس وعلى الامام الوفاء به وعن على بن عيسى الغنيمة اعم من النفل والفيىء اعم من الغنيمة لانه اسم لكل ماصار للمسلمين من أموال أهل الشرك قال أبو بكر الرازى فالغنيمة فيىء والجزية فيىء وما اهل الصلح فيىء والخراج فيىء لان ذلك كله مما أفاء الله على المسلمين من المشركين وعند الفقهاء كل مايحل أخذه من أموالهم فهو فيىء { منهم } اى بنى النضير { فما } نافية { اوجفتم عليه } اى فما أجريتم على تحصيله وتغنمه من الوجيف وهو سعرة السير يقال اوجفت البعير أسرعته وفى القاموس الوجيف ضرب من سير الخيل والابل وقيل اوجف فأعجب { من خيل } من زآئدة بعد النفى اى خيلا وهو جماعة الافراس لا واحدا له او واحده خائل لانه يختال والجمع اخيال وخيول كما فى القاموس وقال الراغب الخيلاء التكبر من تخيل فضيلة تترا أى للانسان من نفسه ومنها تتأول لفظة الخيل لما قيل انه لايركب أحد فرسا الا وجد فى نفسه نخوة والخيل فى الاصل اسم للافراس والفرسان جميعا قال تعالى(15/204)
{ ومن رباط الخيل } ويستعمل فى كل واحد منهما منفردا نحو ماروى يا خيل الله اركبى فهذا للفرسان وقوله عليه السلام « عفوت لكم عن صدقة الخيل » يعنى الافراس انتهى والخيل نوعان عتيق وهجين فالعتيق ما أبواه عربيان سمى بذلك لعتقه من العيوب وسلامته من الطعن فيه بالامور المنقصة وسميت الكعبة بالبيت العتيق لسلامتها من عيب الرق لانه لم يملكها ملك قط واذا ربط الفرس العتيق فى بيت الم يدخله شيطان والهجين الذى ابوه عربى وامه عجمية والفرق ان عظم البر ذونه اعظم من عظم الفرس وعظم الفرس اصلب وأثقل البر ذونة احمل من الفرس والفرس أسرع منه والعتيق بمنزلة الغزال والبر ذونة بمنزلة الشاة او الفرس برى المنامات كبنى آدم ولا طحال له وهو مثل لسرعته وحركته كما يقال للبعير لامرارة له اى له جسارة { ولاركاب } هى مايركب من الاب خاصة كما ان الراكب عندهم راكبها لاغير واما راكب الفرس فانهم يسمونه فارسا ولا واحد لها من لفظها وانما الواحدة منها راحلة قال فى المفردات الركوب فى الاصل كون الانسان على ظهر حيوان وقد يستعمل فى السفينة والراكب اختص فى التعارف بممتطى البعير جمعه ركب وركبان وركوب واختص الركاب بالمركوب والمعنى ما قطعتم ولها شقة بعيدة ولا لقيتم مشقة شديدة ولا قتالا شديدا وذلك وانه كانت قرى بنى النضير على ميلين من المدينة وهى ساعة واحدة بحساب الساعات النجومية فذهبوا اليها مشيا وما كان فيهم راكب الا النبى عليه السلام وكان يركب حمارا مخطوما بليف على ماسبق او جملا على ماقاله البعض فافتتحها صلحا من غير أن يجرى بينهم مسايفة كأنه قال ما أفاء الله على رسوله منهم فما حصلتموه بكد اليمين وعرق الجبين { ولكن الله يسلط رسوله على من يشاء } اى سنته تعالى جارية علىأن يسلطهم على من يشاء من اعدآئهم تسليطا خاصا وقد سلط النبى عليه السلام على هؤلاء تسليطا غير معتاد من غير أن تقتحموا مضايق الحطوب وتقاسموا شدآئد الحروب فلا حق لكم فى اموالهم يعنى ان الامر فيه مفوض اليه يضعه حيث يشاء فلا يقسم قسمة الغنائم التى قوتل عليها واخذت عنوة وقهرا وذلك انهم طلبوا القسمة كخيبر فنزلت { والله على كل شىء قدير } فيفعل مايشاء كما يشاء تارة على الوجوه المعهودة واخرى على غيرها(15/205)
تيغى آسمانش از فيض خود دهد آب ... تنها جهان بكيرد بى منت سباهى
اعلم ان الفيض الالهى الفائض من الله على ساحة قلب السالك على قسمين اما بالوهب المحض من خزانة اسمه الوهاب من غير تعمل من العامل فيه من ركض خيل النية الصالحة ومن سوق ركاب العمل الصالح من الفرآئض والنوافل فهو مقطوع الروابط من جانب السالك العامل فليس للسالك أن يضيف ذلك الفيض والوارد القلبى الى نفسه بوجه من الوجوه ولا الى الاعمال الصادرة منه بسبب الاعضاء والجوارح بل يتركه على صرافة الوهب الربانى وطراوة العطاء الامتنانى والآية الكريمة دالة على هذا القسم واما مشوب بتعمله فهو من خزناة اسمه الجواد فله أن يضيفه الى نفسه واعضائه وجوارحه ليظهر اثره عليها كلها والآية الثالثة الآتية تشير الى القسم الثانى وقد جمع بينهما قوله { لأكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم } افن الاول اشارة الى الاول والثانى الى الثانى وأراد برسوله رسول القلب وانما سمى القلب بالرسول لان الرسالة من حضرة الروح الى النفس الكافرة والهوى الظالم بدعوتهما الى الحق تعالى بالايمان والهدى(15/206)
مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)
{ ما افاء الله على رسوله من اهل القرى } بيان لمصارف الفيىء بعد بيان افاءته عليه صلى الله عليه وسلم من غير ان يكون للمقاتلة فه حق ولذا لم يعطف عليه كأنه لما قيل ما افاء الله على رسوله من اموال بنى النضير شىء لم تحصلوه بالقتال والغلبة فلا يقسم قسمة الغنائم فكأنه قيل فكيف يقسم فقيل ما افاء الله الخ قال فى برهان القرءآن قوله وما أفاء الله وبعده ما أفاء الله بغير واو لان الاول معطوف على قوله ما قطعتم من لينة والثانى استئناف وليس له به تعلق وقول من قال بدل من الاول مزيف عند اكثر المفسرين انتهى واعادة عين العبارة الاولى لزيادة التقرير ووضع اهل القرى موضع ضميرهم للاشعار بشمول ما لعقاراتهم ايضا فالمراد بالقرى قرى بنى النضير ( وقال الكاشفى ) من اهل القرى از اموال واملاك اهل دهها وشهرها كه بحرب كرفته نشود وفى عين المعانى اى قريظة والنضير بالمدينة وفدك وخيبر .
وفى انسان العيون وفسرت القرى بالصغرى ووادى القرى اى بثلث ذلك كما فى الامتاع وينبع وفسرت بنى النضير وخيبر اى بثلاثة حصون منها وهى الكيتيه والوطيح والسلالم كما فى الامتاع وفدك اى نصفها قال العلماء كانت الغنائم فى شرع من قبلنا الله خاصة لايحل منها شىء لأحد واذا غنمت الانبياء عليهم السلام جمعوها فتنزل نار من السماء فتأخذها فخص نبينا عليه السلام من بينهم أن احلت له الغنائم قال عليه السلام « احلت لى الغنائم ولم تحل لاحد من قبلى » { فلله وللرسول } يأمران ما احبا وقيل ذكر الله للتشريف والتعظيم والتبريك وسهم النبى عليه السلام سقط بموته ( روى ) عن عمر ابن الخطاب رضى الله عنه ان اموال بنى النضير كانت مما افاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه فكانت لرسول الله خالصة وكان ينفق على اهله منها نفقة سنة وما بقى جعله فى الخيل والسلاح عدة فى سبيل الله { ولذى القربى } وهم بنوا هاشم وبنوا المطلب الفقرآء منهم لما حرموا الصدقة اى الزكاة وروى ابو عصمة عن ابى حنفيفة رحمه الله انه يجوز دفع الزكاة الى الهاشمى وانما كان لايجوز فى ذلك الوقت يجوز النفل بالاجماع وكذا يجوز النفل للغنى كذا فى فتاوى العتابى وذكر فى المحيط بعد ما ذكر هذه الرواية ( وروى ) ابن ساعدة عن ابى يوسف رحمه الله انه لابأس بصدقة بنى هاشم بعضهم على بعض ولا أرى الصدقة عليهم وعلى مواليهم من غيرهم كذا فى النهاية وقال فى شرح الآثار عن ابى حنيفة رحمه الله ان الصدقات كلها جائزة على بنى هاشم والحرمة كانت فى عهد النبى عليه السلام لوصول خمس الخمس اليهم فلما سقط ذلك بموته حلت لهم الصدقة قال الطحاوى وبالجواز نأخذ كذا فى شرح الوقاية لابن مالك { واليتامى } جمع يتيم واليتيم انقطاع الصبى عن ابيه قبل بلوغه وفى سائر الحيوانات من قبل امه { والمساكين } جمع مسكين ويفتح ميمه وهو من لاشىء له او له مالا يكفيه او اسكنه الفقر اى قلل حركته والذليل الضعيف كما فى القاموس وهو من السكون فنونه اصلية لانون جمع ولذلك تجرى عليه الاعاريب الثلاثة { وابن السبيل } اى المسافر البعيد عن ماله وسمى به لملازمة له كما تقول للص القاطع ابن الطريق وللمعمر ابن الليالى ولطير الماء ابن الماء وللغراب ابن دأية باضافة الابن الى دأية البعير لكثرة وقوعه عليها اذا دبرت والدأية الجنب قال اهل التفسير اختلف فى قسمة الفيىء قيل يسدس لظاهر الآية ويصرف منهم الله على عمارة الكعبة وسائر المساجد ويصرف مابقى وهى خمسة اسداس الستة الى المصارف الخمسة التى يصرف اليها خمس الغنيمة وقيل يخمس لان ذكر الله للتعظيم ويصرف قول والى العساكر والثغور على قول وهو الاصح عند الشافعية والى مصالح المسلمين على قول وقيل يخمس خمسة كالغنيمة فانه عليه السلام كان يقسم الخمس كذلك ويصرف الاخماس الاربعة كما يشاء اى كان يقسم الفيىء اخماسا ويصرف الاخماس الاربعة لذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ويخمس الخمس الباقى ويختار خمس الخمس لنفسه ويصرف الاخماس الاربعة الباقية كما ياشاء والآن على الخلاف المذكور من صرف سهمه عليه السلام الى الامام او العساكر والثغور او مصالح المسلمين
وفى التأويلات النجمية ذووا القربى الروح والقلب والسر والخفى هم مقربوا الحق تعالى بقرب الحسب والنسب واليتامى المتولدات من النفس الحيوانية الباقية بعد فناء النفس بحسب سطوات تجليات القهر والمساكين هم الاعضاء والجوارح وابن السبيل القوى البشرية والحواس الخمس المسافرون الى عوالم المعقولات والمتخيلات الموهومات والمحسوسات بقدم العقل او الخيال والوهم والحس وقال بعض اهل الاشارة ذووا القربى هم الذين شاركوه فى بعض مقاماته عليه السلام واليتامى هم الذين انقطعوا عما دون الحق الى الحق فيقوا بين الفقدان والوجدان طلاب الوصول والمساكين هم الذين ليس لهم بلغة المقامات وليسوا بمتمكنين فى الحالات وابن السبيل هم الذين سافروا من الحدثان الى القدم { كيلا يكون } علة لقوله { فلله وللرسول } اى تولى الله قسمة الفيىء وبين قسمته لئلا يكون اى الفيىء الذى حقه أن يكون للفقرآء يعيشون به { دولة } بضم الدال وقرىء بفتحها وهى مايدول للانسان اى يدور من الغنى والجد والغلبة اى كيلا يكون جدا { بين الاغنياء منكم } يتكاثرون به والخطاب للانصار لانه لم يكن فى المهاجرين فى ذلك الوقت غنى كما فى فتح الرحمن او كيلا يكون دولة جاهلية بينكم فان الرؤساء منهم كانوا يستأثرون بالغنيمة ويقولون من عزيز اى من غلب سلب فيجعلون الاستقلال بمال الغنيمة والانفراد به منوطا بالغلبة عليه فكل من غلب على شىء منه يستقل به ولا يعطىء الفقرآء والضعفاء شيأ منه ( قال الكاشفى ) در معالم آورده كه اهل جاهيت جون غنيمتى كرفتندى مهتر ايشان ربعى بر داشتى واز باقى نيز بر اى خود تحفه اختيار كردى وانرا صفى كفتندى وباقى را باقوم كذا شتى وتوانكران قوم بردرويشان دران قسمت حيف كردندى جمعى از رؤساى اهل ايمان درغانيم بنى النضير همين خيال بسته كفتند يارسول الله شما ربعى ونصفى مغنم را برداريد وبكذاريد تاباقى را قسمت كنيم حق سبحانه وتعالى آنرا خاصه حضرت بيغمبر عليه السلام كردانيد وقسمت آنرا بروجهى كه مذكور شد مقرر ساخت وفرمودكه حكم فى بيدا كرديم تانباشد آن فىء كردان دست بدست ميان توانكران از شما كه زياده از حق خود بردارند وفقر ارا اندك دهند يا محروم سازند جنانكه در زمان جاهليت بوده ، وقيل الدولة بالضم ما يتداول كالغرفة اسم مايغترف اى ان الدولة اسم للشىء الذى يتداوله القوم بينهم فيكون مرة لهذا ومرة لهذا والتداول بالفارسية از يكديكر فرا كرفتن .(15/207)
وتداول القوم كذا وداول الله بينهم كذا فالمعنى كيلا يكبون الفيىء شيأ يتداوله الاغنياء بينهم ويتعاورونه فلا يصيب الفقرآء والدولة بالفتح مصدر بمعنى التداول وفيه اضمار محذوف فالمعنى كيلا يكون ذا تداول بينهم او كيلا يكون امساكه واخذه تداولا لايخرجنه الى الفقراء وقيل هى بالفتح بمعنى انتقال حالة سارة الى قوم عن قوم وتستعمل فى النفس الحالة السارة التى تحدث للانسان يقال هذه دولة فلان وقيل الضم للاغنياء والفتح للفقرآء وفى الحديث « اعتمنوا دولة الفقرآء » كما فى الكواشى وفى الآية اشارة الى اعطاء كل ذى حق حقه كيلا يحصل بين الاغنياء والفقرآء نوع من الجور والدولة الجاهلية يقال كان الفقراء فى مجلس سفيان الثورى امرآء اى كالامرآء فى التقديم والاكوام والعزة { وما آتاكم الرسول } ما موصولة والعائد محذوف والايتاء الاعطاء المناولة اى ما اعطاكموه ايها المؤمنون من الفيىء { فخذوه } فانه حقكم { وما نهاكم عنه } اى عن اخذه { فانتهوا } عنه { واتقوا الله } فى مخالفته عليه السلام { ان لله شديد العقاب } فيعاقب من يخالف امره ونهيه والاول حمل الآية على العموم فالمعنى وما آتاكم الرسول من الامر مطلقا فيئا او غيره اصولا اعتقادية او فروعا عملية فخذوه اى فتمسكوا به فانه واجب عليكم ، هر شربتى از دست او درآيد بستانيد كه حيات شما در آنست وآن لوح راخوانيد كه نويسد زيرا ضروريات شما در صفحه او بيانست وما نهاكم عن تعاطيه ايا كان فانتهوا عنه زيرا امر ونهى او بحق است هركه ممتثل امر او كردد نجات يابد وهركه از نهى او اجتناب ننمايددر ورطه هلاك افتد(15/208)
آنكس ه شد متابع امر توقد ندجا ... وانكو خلاف راى توورزيد قد هلك
وفيه دليل على ان كل ما امر به النبى عليه السلام امر من الله تعالى قال العلماء اتباع الرسول عليه السلام فى الفرآئض العينية فرض عين وفرض كفاية فى الفروش على سبيل الكفاية وواجب فى الواجبات وسنة فى السنن فما علمنا من افعاله واقعا على جهة نقتدى به فى اتباعه على تلك الجهة ومالم نعلم على اى جهة فعله فلنا فعله على أدنى منازل افعاله وهو الاباحة ( روى ) ن ابن مسعود رضى الله عنه لقى رجلا محرما وعليه ثيابه فقال انزع عنك هذا فقال الرجل أتقرأ على بهذا آية من كتاب الله قال نعم ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ( وروى ) عن ابن مسعود رضى الله عنه ( قال لعن الله الواشمات ) اى فاعلات الوشم وهو مايوشم به اليد من نؤور أو نيلج قال فى القاموس الوشم كالوعد غرز الابرة فى البدن ور النليج عليه والنؤور كصبور النيلج ودخان الشحم وحصاة كالثمد تدق فيسفها اللثة ( والمستوشمات ) يقال استوشمت الجارية طلبت ان يوشم بها ( والمتنمصات للحسن ) وهى اى المتنصمة التى تنتف شعرها يعنى بركننده موى از براى حسن ، قال فى القاموس التمص نتف العشر ولعنت النامصة وهى مزينة النساء بالنمص والمتنمصة وهى مزينة به ( المغيرات خلق الله ) آن زنانى كه تغيير كنند آفريده خدارا ، ويدخل فيه تحديد الاسنان واصلاحها ببعض الآلات وثقب الانف واما ثقب الاذن فمباح للنساء لاجل التزيين بالقرط وحرام على الرجال كحلق اللحية ( فبلغ ذلك امرأة من بنى أسد يقال لها ام يعقوب فجاءت ) بس آمدآن زن نزد ( ابن مسعود رضى الله عنه فقالت قد بلغنى انك قلت كيت وكيت ) يعنى مار رسيده است كه توكفته جنين وجنين ( فقال ومالى لا ألعن من لعن رسول الله ومن هو فى كتاب الله ) يعنى ابن مسعود كفت جكونه لعنت نكنم آنراكه لعنت كرده است رسول الله وآنراكه در كتاب الله است ( فقالت لقد قرأت مابين اللوحتين فما وحدت فيه ماتقول قال لئن كنت قرأته لقد وجدته اما قرأت وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا قالت بلى قال فانه عليه السلام قد نهى عنه ) ولذلك قرأ ابن عباس رضى الله عه هذه الآية للنهى عن الدباء والختم والنقير والمزفت والدباء بالضم والمد القرعة والختم بفتح الحاء والتاء وسكون النون قبلها جرة خضرآء والنقير مانقيب من حجر وخشب ونحوهما والمزفت بالضم والتشديد جرة او خابية طلبت ولطخت بالزفت بالكسر اى القار وحل عند الامام الاعظم اتخاذ نبيذ التمر والذرة ونحوه بأن يلقى فى هذه الاوعية وان حصل الاشتداد بسببها وفى الحديث(15/209)
« القرءآن صعب عسر على من كرهه ميسر على من تبعه وحديثى صعب مستصعب وهو الحكمة فمن استمسك بحديثى وحفظه كان مع القرءآن ومن تهاون بحديثى خسر الدنيا والآخرة وامرتم أن تأخذوا بقولى وتتبعوا سنتى فمن رضى بقولى فقد رضى بالقرءآن ومن استهزأ بقولى فقد استهزأ بالقرءآن قال الله تعالى { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهو } » وسئل سهل رحمه الله عن شرآئع الاسلام فقال ماآتاكم الرسول من خير الغيب ومكاشفة الرب فخذوه باليقين وما نهاكم عنه من النظر الى غير الله فانتهوا عنه
وفى التأويلات النجمية يخاطب به ذوى الحقوق من المراتب الاربع ويقال لهم ما أعطاكم رسول القلب من الفيض الذى حصل له بمددكم الصورى ومعونتكم المعنوية من قبل قتل النفس الكافرة والهوى الظالم فاقبلوه منه بحسن التلقى ولطف القبول وانه اعطاكم على حسب استعدادكم ومامنع عنه فامتنعوا عن الاعتراض عليه واتقوا الله فى الاعتراض فان الله شديد العقاب بحر مانكم من حسن التوجه اليه ولطف الاستفاطة عنه(15/210)
لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8)
{ للفقراء المهاجرين } بدل من لذى القربى وما عطف عليه لا من الله والرسول والا يلزم دخول الرسول فى زمرة الفقرآء وهو لايسمى فقيرا لانه يوهم الذم والنقصان لان اصل الفقر كسر فقار الظهر من قولهم فقرته ولهذا سميت الحاجة والداهية فاقرة لانهما تغلبان الانسان وتكسران فقار ظهره واذا لم يصح تسيمة الرسول فقيرا فلأن لايصح تسميته تعالى فقيرا اولى من ان الله تعالى أخرجه عليه السلام من الفقرآء هنا بقوله { وينصرون الله ورسوله } بقى ان ابن السبيل الذى له مال فى وطنه لايسمى فقيرا نص عليه فى التلويح وغيره ومن أعطى اغنياء ذوى القربى كالشافعى خص الابدال بما بعده بخلاف أبى حنيفة رحمه الله فان استحقاق ذوى القربى الفيىء مشروط عنده بالفقر واما تخصيص اعتبار الفقر بفيىء بنى النضير فتعسف ظاهر كما فى الارشاد { الذين اخرجوا من ديارهم } از سراهاى ايشان كه درمكه داشتند { واموالهم } ودور افتاده انداز مالهاى خود ، حيث اضطرهم كفار مكة الى الخروج واخذوا اموالهم ودور افتاده انداز مالهاى خود . حيث اضطرهم كفا مكة الى الخروج واخذوا اموالهم وكانوا مائة رجل فخرجوا منها والافهم هاجروا باختيارهم حبا لله ورسوله واختاروا الاسلام على ماكانوا فيه من الشدة حتى كان الرجل يعصب الحجر على بطنه ليقيم صلبه من الجوع وكان الرجل يتخذ الحفيرة فى الشتاء ماله دار غيرها وصح عن رسول الله عليه السلام انه كان يستفتح بصعاليك المهاجرين وقال عليه السلام « ابشروا يامعشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل الاغنياء بنصف يوم » وذلك مقدار خمسمائة عام { يبتغون فضلا من الله ورضوانا } اى حال كونهم طالبين منه تعالى رزقا فى الدنيا ومرضاة فى الآخرة وصفوا اولا بما يدل على استحقاقهم للفيىء من الاخراج من الديار وقد أعاد ذلك ثانيا بما يوجب تفخيم شأنهم ويؤكده فهو حال من واو واخرجوا وفى ذكر حالهم ترقٍ من العالى الى الأعلى فان رضوان الله اكبر من عطاء الدنيا { وينصرون الله ورسوله } عطف على يبتغون فهى حال مقدرة اى ناوين نصرة الله باعلاء دينه ونصرة رسوله ببذل وجودهم فى طاعته او مقارنة فان خروجهم من بين الكفار مراغمين لهم مهاجرين الى المدينة نصرة واى نصرة { اولئك } المهاجرون الموصوفون بما ذكر من الصفات الحميدة { هم الصادقون } الراسخون فى الصدق حيث ظهر ذلك بما فعلوا ظهورا بينا كأن الصدق مقصور عليهم لكمال آثاره الصدق صدقة السر يعنى صدقه ملك سراست وصداق الجنة يعنى صداق سراى سرورست وصديق الحق يعنى صديق بادشاه حق است راست كارى بيشه كن كاندر مصاف رستخيز ، نيستند از خشم حق جزرا استنكاران رستكار مصطفى عليه السلام كفت مامهتر كليت عالم ايم وبهتر ذريت آدم ومارا بدين فخرنه شربتهاى كرم بردست مانهادند وهديتهاى شريف بحجره مافرستادند ولباسهاى نفيس درمايوشيدند وطراز اعزاز براستين ماكشيدند ومارا بدان هيج فخرنه كفتند مهترا بس اختيار توجيست وافتخار توبجيست كفت اختيار ما آنست وافتخار مابدانست كه روزى ساعتى جوييم وبا اين فقراى مهاجرين جون بلال وصهيب وسلمان وعمار ساعتى حديث اوكييم(15/211)
بردل ذكر امتش نثارست مرا ... وزفقر لباس اختيارست مرا
دينار ودرم بجه كارست مرا ... باحق همه كارجن بكارست مرا
بدانكه فقر دواست يكى آنست كه رسول خدا ازان استعاذه كرده كفته أعوذ بك من الفقر وديكر آنست كه رسول خدا كفته الفقر فخرى آن يكى نزديك بكفر واين يكى نزديك بحق اما آن فقركه بكفر نزديك است فقر دلست كه علم وحكمت واخلاص وصبر ورضا وتسليم وتوكل ازدل ببرد تادل ازين ولايتها درويش كردد وجون زمين خراب شود دل خراب شود منزل شيطان كردد آنكه جون شيطان فرود آمد سباه شيطان روى بوى نهند شهوت وغضب وحسد وشرك وشك وشبه ونفاق ونشان اين فقر آن بودكه هرجه بيند همه كثر بيند سمع اوهمه مجاز شنود زبان همه دروغ وغيبت كويد قدم بكوى همه ناشايست نهد اين آن فقرست كه رسول خدا كفت كاد الفقر أن يكون كفرا الله انى أعوذ بك من الفقر والكفر اما آن فقركه كفت الفقر فخرى آنست كه مرداز دنيا برهنه كردد ودرين برهنكى بدين نزديك كردد وفى الخبر « الايمان عريان ولباسه التقوى » هما نست كد متصوفه آنرا تجريد كويندكه مرد مجرد شوادز رسوم انسانيت جنانكه تيغ مجرد شوادز نيام خويش وتيغ مادامكه درنيام باشد هنرش آشكارا نكردد وفعل او بيدا نيايد همجنين دل تادر غلاف انسانيت است هنروى آشكارا نكردد وازوى كارى نكشايد جون از غلاف انسانيت برهنه كردد صورتها وصفتها درو بنمايد ، وقال الشيخ نجم الدين الكاشفى رحمه الله الافتقار على ثلاثة اقسام افتقار الى الله دون الغير واليه الاشارة بقوله عليه السلام « الفقر سواد الوجه فى الدارين » انتها وفى كل من الاحاديث المذكورة معانٍ اخر جلية على اولى الالباب وطعن اهل الحديث فى قوله « الفقر فخرى لكن معناه صحيح اللهم اغننى بالافتقار اليك » وسئل الحسين رحمه الله من الفقرآء قال « الذين وقفوا مع الحق راضين على جريان ارادته فيهم » وقال بعضهم هم الذين تركوا اكل سبب وعلاقة ولم يلتفتوا من الكونين الى شىء سوى ربهم فجعلهم الله ملوكا وخدمهم الاغنياء تشريفا لهم
وفى التأويلات النجمية ابدل الله من ذوى القربى المهاجرين الى الله اى ذووا القربى هم المهاجرون من قرية النفس الى مدينة الروح والقلب بالسير والسلوك وقطع المفاوز النفسانية والبواد الحيوانية المخرجون من ديار وجوداتهم واموال صفاتهم واخلاقهم الى حضرة خالقهم ورازقهم طالبين من فضله وجوده جوده ونور رضوان صفاته ونعوته ناصرين الله بمظهريتم لله الاسم الجامع ورسوله بمظهريتهم لاحكامه وشرآئعه الظاهرة اولئك هم الصادقون فى مقام الفناء عنهم فى ذواتهم وصفاتهم وافعالهم والبقاء به اى بذاته وصفاته وافعاله جعلنا الله واياكم هكذا بفضله(15/212)
وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)
{ والذين تبوأوا الدار والايمان } كلام مستأنف مسوق لمدح الانصار بخصال حميدة من جملتها محبتهم للمهاجرين ورضاهم باختصاص الفيىء بهم احسن رضى واكمله والانصار بنوا الاوس والخزرج ابنى حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة ابن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الازد بن الغوث بن نيت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب ابن يعرب بن قحطان قال فى القاموس قحطان بن عامر بن شالخ ابو حى انتهى وهو اصل العرب العرباء ومن الانصار غسان كشداد ماء قرب الجحفة نزل عليه قوم من ولد الازد فشربوا منه فنسبوا اليه وأصل البوآء مساواة الاجزآء فى المكان خلال النبو الذى هو منافاة الاجزآء يقال مكان بوآء اذا لم يكن نابيا بنازله وبوأت له مكانا سويت ( وروى ) انه عليه السلام كان يتبوأ لبوله كما يتبوأ لمنزله وتبوؤا المنزل اتخاذه منزلا والتمكن والاستقرار فيه فالمتبوأ فيه لابد أن يكون من قبيل المنازل والامكنة والدار هى المدينة وتسمى قديما يثرب وحديثا طيبة وطابة كذلك بخلاف الايمان فانه ليس من هذا القبيل فمعنى تبوئهم الدار والايمان انهم اتخذوا المدينة والايمان مباءة وتمكنوا فيهما اشد تمكن على تنزيل الحال منزلة المكان وقيل ضمن النبوؤ معنى اللزوم وقيل تبوأوا الدار وأخلصوا الايمان او قبلوه او آثروه كقول من قال علفتها تبنا وماء باردا ، اى وسقيتها ماء باردا فاختصر الكلام وقيل غير ذلك .
يقول الفقير لعل اصل الكلام والذين تبوأوا دار الايمان فان المدينة يقال لها دار الايمان لكونها مظهره ومأوى اصله كما يقال لها دار الهجرة وانما عدل الى ماذكر من صورة العطف تنصيصا على ايمانهم اذ مجرد التبوء لايكفى فى المدح { من قبلهم } اى من قبل هجرة المهاجرين فقدر المضاف لان الانصار لم يؤمنوا قبل المهاجرين بل منهم من آمن قبل الهجرة ومنهم من آمن بعدها قال بعدها قال بعضهم مراد انصارندكه درديار خود ايمان آوردند وبد وسال بيش ازقدوم حضرت مساجد ساختند ، وربوا الاسلام كما يربى الطير الفرخ قال فى الارشاد يجوز أن يجعل اتخاذ الايمان مباءة ولزومه واخلاصه عبارة عن اقامة كافة حقوقه التى من جملتها اظهار عامة شعائره واحكامه ولا ريب فى تقدم الانصار فى ذلك على المهاجرين لظهور عجزهم عن اظهار بعضها لا عن اخلاصه قلبا واعتقادا اذ لايتصور تقدمهم عليهم فى ذلك وفى الآية اشارة الى دار القلب التى هى دار الصدق والاخلاص والى الايمن الاختصاصى الوهبى بتحقيقه وتثبيته { يحبون من هاجر اليهم } خبر للموصول اى يحبونهم من حيث مهاجرتهم اليهم لمحتبهم الايمان ولان الله وحبيبه احباهم وحبيب الحبيب حبيب وفى كشف الاسرار كنايتست ازمهمان دوستى انصار { ولايجدون فى صدورهم } اى فى نفوسهم { حاجة } اى شيأ محتاجا اليه { مما اوتوا } اى مما اوتى المهاجرون من الفيىء وغيره ومن بيانية يقال خذ منه حاجتك اى ماتحتاج اليه والمراد من نفى الوجدان نفى العلم لان الوجدان فى النفس ادراك علمى وفيه من المبالغة ماليس فى يعلمون وقال بعضهم طلب محتاج اليه يعنى ان نفوسهم لم تبتغ ما اوتوا ولم تطمح الى شىء منه يحتاج اليه وقيل وجدا على تقديمهم عليهم وغيظا وحسدا ونحو ذلك قال الراغب الحاجة الى الشىء الفقر اليه من محبته { ويؤثرون } اى يقدمون المهاجرين فالمفعول محذوف { على انفهسم } فى كل شىء من اسباب المعاش جودا وكرما حتى ان من كان عنده امرأتان كان ينزل عن احداهما ويزوجها واحدا منهم والايثار عطاؤك ما أنت تحتاج اليه وفى الخبر(15/213)
« لم يجتمع فى الدنيا قوم قط الا وفيهم اسخياء وبخلاء الا فى الانصار فان كلهم اسخياء مافيهم بخيل » { ولو كان بهم خصاصة } اى حاجة وخلة واصلها خصاص البيت وهى فرجة شبه حالة الفقر والحاجة ببيت ذى فرج فى الاشتمال على مواضع الحاجة قال الرغب عبر عن الفقر الذى لايسد بالخصاصة كما عبر عنه بالخلة والخص بيت من قصب وشجر وذلك لما يرى منه من الخصاصة وكان عليه السلام قسم أماول بنى النضير على المهاجرين ولم يعط الانصار الا ثلاثة نفر محتاجين ابا دجانة سماك بن خرشة وسهل بن حنيف والحارث بن الصمة رضى الله عنهم وروى لم يعط الا رجلين سهلا وابا دجانة فان الحارث بن الصمة قتل فى بئر معونة وقال لهم ان شئتم قسمتم للمهاجرين من اموالكم ودياركم وشاركتموهم فى هذه الغنيمة وان شئتم كانت لكم دياركم واموالكم ولم يقسم لكم شىء من الغنيمة فقالت الانصار بل نقسم لهم من أموالنا وديارانا ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها فنزلت وكان عليه السلام أعطى بعض الاراضى وابقى بعضها يزرع له ولما أعطى المهاجرين امرهم برد ما كان للانصار لاستغنائهم عنهم ولانهم ولم يكونوا ملوكهم وانما كانوا دفعوا لهم تلك النخيل لنتفعوا بثمرها ويدخل فى ايثارهم المهاجرين بالفيىء سائر الايثارات وعن انس رضى الله عنه انه قال اهدى لرجل من الانصار رأس شاة وكان مجهودا فوجه به الى جار له زاعما انه احوج اليه منه فوجه جاره ايضا الى آخر فلم يزل يبعث به واحدا الى آخر حتى تداول ذلك الرأس سبعة بيوت الى أن رجع الى المجهود الاول قال حذيفة العدوى انطلقت يوم اليرموك اطلب ابن عم لى ومعى شىء من الماء وانا اقول ان كان به رمق سقيته فاذا أنا به فقلت اسقيك فأشار برأسه أن نعم فاذا برجل يقول آه آه فأشار الى ابنى عمى ان انطلق اليه فاذا هو هشام بن العاص فقلت أسقيك فأشار أن نعم فسمع آخر يقول آ آه فأشار هشام أن انطلق اليه فجئت اليه فاذا هو قد مات فرجعت الى هشام فاذا هو قد مات فرجعت الى ابن عمى فاذا هو قد مات وهذا من قبيل الايثار باللنفس وهو فوق الايثار بالمال(15/214)
فداى دوست نكرديم عمر ومال دريغ ... كه كار عشق زما اين قدر نمى آيد
وقال فى التكملة الصحيح ان الآية نزلت فى أبى طلحة الانصارى رضى الله عنه حين نزل برسول الله عليه السلام ضيف ولمن يكن عنده مايضيفه به فقال ألا رجلا يضيف هذا رحمه الله فقام أبو طلحة فانطلق به الى رحله وقال لامرأته اكرمى ضيف رسول الله فنومت الصبية واطفأت السراج وجعل الضيف يأكل وهما يريان انهما يأكلان معا ولايفعلان فنزلت الآية وكان قناعت السلف اوفر ونفوسهم اقنع وبركتهم اكثر ونحن نؤثر أنفسنا على الغير فاذا وضعت مائدة بين ايدينا يريد كل منا آن يأكل قبل الآخر ويأخذ اكثر مما يأخذ الرفيق ولذلك لم توجد بركة الطعام وينفد سريعا ويروى انه وقع بين ملك ووزيره انه قال الملك ان العلماء احسن حالا واصلح بالا من الفقرآء وقال الوزير بخلاف ذلك ثم قال الوزير نمتحنهما فى أمرين فبعث احدا بعده آلاف درهم الى اهل المدرسة فقال اذهب وقل لهم ان الملك امرنى أن أعطى هذه الدراهم افضلكم واكملكم فمن هو فقال واحد منهم انا وقال الآخر كذب بل هو انا وهكذا ادعى كل منهم الافضلية فقال الرسول لم يتميز الأفضل عندى ولم أعرفه ولم يعط شيأ فعاد واخبر بما وقع ثم ارسل الوزير تلك الدراهم الى اهل الخانقاه ففعلوا عكس مافعله العلماء واعطى بيده سيفا فقال اذهب فقل لهم ان الملك امرنى أن اضرب عنق رئيسكم فمن هو فقال واحد انا وقال الآخر ل انا وهكذا قال كل منهم ايثار ابقاء اخيه واختيار فدآء رفيقه بنفسه فقال الرسول لم يتميز ماهو الواقع عندى فرجع وأخبر بما وقع فأرسل السيف الى العلماء ففعلوا عكس ما فعلوه الفقرآء فحج عليه بذلك الوزير على الامير وان تشاهد أن فقرآء زماننا على عكس هؤلاء الفقرآء فى البلاد والممالك قال أبو يزيد البسطامى قدس سره غلبنى رجل شاب من اهل بلخ حيث قال لى ماحد الزهد عندكم فقلت اذا وجدنا اكلنا واذا فقدنا صبرنا فقال هذا فعل كلاب بلخ عندنا بل اذا فقدنا شكرنا واذا وجدنا آثرنا
كريم كامل آنرامى شناسم اندرين دوران ... كه كرنانى رسد آزآسياى جرخ كردانش
زاستغناى همت باوجود فقر وبى بركى ... زخود واكير دوسازد ننثار بى نوا بانش
وفى العوارف من اخلاق الصوفية الايثار والمواساة وحملهم على ذلك فرط الشفقة والرحمة طبعا وقوة اليقين شرعا لانهم يؤثرون الموجود ويصبرون على المفقود قال يوسف بن الحسين رحمه الله من رأى لنفسه ملكا لايصح له الايثار لانه يرى نفسه احق بالشىء برؤية ملكه انما الايثار لمن يرى الاشياء للحق فمن وصل اليه فهو احق به فاذا وصل شىء من ذلك اليه يرى نفسه ويده فيه غصب اويد امانة يوصلها الى صاحبها ويؤديها اليه ، معاذ بن جبل راديدندكه دربازار مكه ميكر ديد وزيره تره ميجيد وميكفت هذا ملكك مع رضاك وملك الدنيا مع سخطك(15/215)
خيز يارا تابميخانه زمانى دم زنيم ... آتش اندر ملكت آل بنى آدم زنيم
هرجه اسبابست جمع آييم وبس جمع آوريم ... بس بحكم حال بيزارى همه برهم زنيم
{ ومن يوق شح نفسه } وهركه نكاه داشته شود ازبخل نفس او يعنى منع كند نفس را از حب مال وبغض اتفاق الوقاية حفظ الشىء مما يؤذيه ويضره والشح بالضم والكسر بخل مع حرص فيكون جامعا بين ذميمتين من صفات النفس وأضافته الى النفس لانه غريزة فيها مقتضية للحرص على المنع الذى هو البخل اى ومن يوق بتوفيق الله شحها حتى يخالفها فيما يغلب علها من حب المال وبغض الاتفاق { فاولئك هم المفلحون } الفائزون بكل مطلوب الناجون من كل مكروه والفلاح اسم لسعادة الدارين والجملة اعتراض وارد لمدح الانصار والثناء عليهم فان الفتوة هى الاوصاف المذكورة فى حقهم فلهم جلائل الصفات ودقائق الاحوال ولذا قال عليه السلام « آية الايمان حب الانصار » قال السهروردى فى العوارف السخاء صفة غريزية فى مقابلة الشح والشح من لوازم صقة النفس حكم الله بالفلاح لمن يوقى الشح اى لمن أنفق وبذلك والنبى عليه السلام نبه بقوله « ثلاث مهلكات وثلاث منجيات » فجعل احدى المهلكات شحا مطاعا ولم يقل مجرد الشح يكون مهلكا بل انما يكون مهلكا اذا كان مطاعا فاما كونه موجودا فى النفس غير مطاع لاينكر ذلك لانه من لوازم النفس مستمد من اصل جبلتها الترابى وفى التراب قبض وامساك وليس ذلك بالعجب من الآدمى وهو جبلى فيه وانما العجب وجود السخاء فى الغريزة وهو فى نفوس الصوفية الداعى لهم الى البذل والايثار والسخاء اتم واكمل من الجود وفى مقابلة الجود البخل وفى مقابلة السخاء الشح الجود والبخل يتطرق اليهما الاكتساب بطريق العادة بخلاف الشح والسخاء اذا كانا من ضرورة الغريزة وكل سخى جواد وليس كل جواد سخيا ولاحق تعالى لايوصف بالسخاء لان السخاء من نتيحة الغرآئز والله تعالى منزه عن الغريزة والجود يتطرق اليه الرياء ويأتى به الانسان متطلعا الى عوض من الخلق والثواب من الله تعالى والسخاء لا يتطرق اليه الرياء لانه ينبع من النفس الزكية المرتفعة عن الاعواض دنيا وآخرة لان طلب العوض مشعر بالبخل لكونه معلولا بالعوض فاتمحض سخاء فالسخاء لأهل الصفاء والايثار لاهل الانوار وقال الحسن رحمه الله الشح هو العمل بالمعاصى كأنه يشح بالطاعة فدخل فيه ماقيل الشح أن تطمح عين الرجل الى ماليس له وقال عليه السلام(15/216)
« من الشح نظرك الى امرأة غيرك » وذلك فان الناظر يشح بالغض والعفة فلا يفلح ( وروى ) ان رجلا قال لعبد الله بن مسعود رضى الله عنه انى أخاف أن اكون قد هلكت قال وما ذاك قال اسمع الله يقول { ومن يوق شحن نفسه فاولئك هم المفلحون } وأنا رجل شحيح لايكاد يخرج من يدى شىء فقال عبدالله ليس المراد الشح الذى ذكر الله فى القرءآن أن تأكل مال أخيك ظلما ولكن ذاك البخل ورئيس الشىء البخل وفسر الشح بغير ذلك وعن الحكيم الترمذى قدس سره الشح اضر من الفقر لان الفقير يتسع اذا وجد بخلاف الشحيح وعن أبى هريرة رضى الله عنه انه سمع رسول الله عليه السلام يقول « لايجتمع غبار فى سبيل الله ودخال جنهم فى جوف عبد ابدا ولا يجتمع الشح والايمان فى قلب عبد ابدا » وقال عليه السلام « من أدى الزكاة المفروضة وقرى الضيف واعطى فى النائبة فقد برىء من الشح والشح اقبح من البخل » وقال عليه السلام « اتقوا الظلم فان الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فانه اهلك من كان قبلكم فحملهم على أن يسفكوا دماءهم ويستحلواك محارهم » ( قال الحافظ )
احوال كنج قارون كايام داد برباد ... باغنجة باز كويد تا زر نهان ندارد
( وقال المولى الجامى فى ذم الخسيس الشحيح )
هرجند زندلاف كرم مرد درم دوست ... در يوزه احسان زدرا ونتوان كرد
ديرين مثلى هست كه از فضله حيوان ... نار نج توان ساخت ولى بو نتوان كرد(15/217)
وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)
{ والذين جاؤا من بعدهم } هم الذين هاجروا بعد ماقوى الاسلام فالمراد جاؤا الى المدينة او التابعون باحسان وهم الذين بعد الفريقين الى يوم القيامة ولذلك قيل ان الآية قد استوعبت جميع المؤمنين فالمراد حينئذ جاؤا الى فضاء الوجود وفى الحديث « مثل امتى مثل المطر لايدرى اوله خير ام آخره » يعنى در منفعت وراحت همجون باران بهار انند بارانرانندكه اول آن بهترست ياآخر نفعى است عامر او عامه خلق را حال امت من همجنين است همان درويشان آخر الزمان آن شكستكان سرافكنده وهمين عزيزان وبزركوران صحابههمه برادرانند ودر مقام منفعت وراحت همه يكدست ويكسانند هم كالقطر حيث ماوقع نفع بر مثال بارانند ياران هركجاكه رسد نفع رساند هم در بوستان هم در خارستان هم بريحان وهم بر ام غيلان همجنين اهل اسلام درراحت يكديكر ورأفت بريكديكر يكسانند ويك نشانند { يقولون } خبر للموصول والجملة مسوقة لمدحهم بمحتبهم لمن تقدمهم من المؤمنين ومراعاتهم لحقوق الآخرة فى الدين والسبق بالايمان اى يدعون لهم قائلين { ربنا اغفر لنا } مافرط منا { ولاخواننا } أى فى الدين الذى هو اعز واشرف عندهم من النسب { الذين سبقونا بالايمان } وصفوهم بذلك اعترافا بفضلهم
جو خواهى كه نامت بود جاودان ... مكن نام نيك بزركان نهان
قدموا انفسهم فى طلب المغفرة لما فى المشهور من ان العبد لابد أن يكون مغفور له حتى يستجاب دعاؤه لغيره وفيه حكم بعدم قبول دعاء العاصين قبل أن يغفر لهم وليس كذلك كما دلت عليه الاخبار فلعل الوجه ان تقديم النفس كونها اقرب النفوس مع ان فى الاستغفار اقرارا بالذنب فالاحسن للعبد أن يرى او لاذنب نفسه كذا فى بعض التفاسير يقول الفقير نفس المرء أقرب اليه من نفس غيره فكل جلب او دفع فهو انما يطلبه اولا لنفسه لاعطاء حق الاقدم واما غيره فهو بعده ومتأخر عنه وايضا ان ذنب نفسه مقطوع بالنسبة اليه واما ذنب غيره فمحتمل فلعل الله قد غفر له وهو لايدرى وايضا تقديمهم فى مثل هذا المقام لايخلوا عن سوء أدب وسوء ظن فى حق السلف { ولاتجعل فى قلوبنا غلا } اى حقدا وهو ذميمة فاحشة فورد المؤمن ليس بحقود يعنى كينه كش .
قال الراغب الغل والغلول تدرع الخيانة والعداوة لان الغلالة اسم مايلبس بين الشعار والدتار وتستعار للدرع كما تستعار الدرع لها { للذين آمنوا } على اطلاق صحابة او تابعين وفيه اشارة الى أن الحقد على غيرهم لائق لغيرة الدين وان لم يكن الحسد لائقا ( قال الشيخ سعدى )
دلم خانه مهريارست وبس ... از ان مى نكنجد درو كين كس
{ ربنا انك رؤف رحيم } اى مبالغ فى الرأفة والرحمة فحقيق بأن يجيب دعاءنا وفى الآية دليل على ان الترحم والاستغفار واجب على المؤمنين الآخرين للسابقين منهم لاسيما لآبائهم ولمعلمهم امور الدين قالت عائشة رضى الله عنها امروا أن يستغفروا لهم فسبوهم وفى الحديث(15/218)
« لاتذهب هذه الامة حتى يعلن آخرها اولها » وعن عطاء قال قال عليه السلام « من حفظنى فى اصحابى كنت له يوم القيامة حافظا ومن شتم اصحابى فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين » فالرافضة والخوارج ونحوهم شر الخلائق خارجون من اقسام المؤمنين لان الله تعالى رتبهم على ثلاثة منازل المهاجرين والانصار والتابعين الموصوفين بما ذكر الله فمن لم يكن من التابعين بهذه الصفة كان خارجا من اقسامهم قال حجة الاسلام الغزالى رحمه الله يحرم على الواعظ وغيره رواية مقتل الحسين رضى الله عنه وحكاياته وماجرى بين الصحابة من التشاجر والتخاصم فانه يهيج بغض الصحابة والطعن فيهم وهم اعلام الدين وماوقع بينهم من المنازعات فيحمل على محامل صحيحة فلعل ذلك الخطأ فى الاجتهاد لا لطلب الرياسة او الدنيا كما لايخفى وقل فى شرح الترغيب والترهيب المسمى بفتح القريب والحذر ثم الحذر من التعرض لما شجر بين الصحابة فانهم كلهم عدول خير القرون مجتهدون مصيبهم له اجران ومخطئهم له أجر واحد وقال الشيخ عز الدين بن عبدالسلام فى فصل آفات اللسان الخوض فى الباطل هو الكلام فى المعاصى كحكاية أحوال الوقاع ومجالس الخمور وتجبر الظلمة وحكاية مذاهب أهل الاهوآء وكذا حكاية ماجرى بين الصحابة رضى الله عنهم
اى دل از من اكر بجويى بند ... رو باصحاب مصطفى دل بند
همه ايشان آمده ذيشان ... خواهشى كن شفاعتى زيشان
وقال بعض أهل الاشارة ربنا اغفر لنا اى استر ظلمة وجودنا بنور وجودك واستر وجودات اخواننا الذين سبقونا بالايمان وهم الروح السر والقلب السابقون فى السلوك من قرية النفس الى مدينة الروح المؤمنين بأن الفناء الوجودى الامكانى يستلزم الوجود الواجبى الحقانى ولاتجعل فى قلوبنا شك الاثنينية والغيرية للذين آمنوا باخوانية المؤمنين لقوله تعالى { انما المؤمنون اخوة } انك رؤف بمن شاهد الكثرة قائمة بالوحدة رحيم بمن شاهد الوحدة ظاهرة بالكثرة وفى تكرير ربنا اظهار لكمال الضراعة وفى الأثر « من حز به أمر فقال خمس مرات ربنا انجه الله مما يخاف » قال الامام الرازى اعلم ان العقل يدل على تقديم ذكر الله فى الدعاء لان ذكر الله تعالى بالثناء والتعظيم بالنسبة الى جوهر الروح كالاكسير الاعظم بالنسبة الى النحاس فكما ان ذرة من الاكسير اذا وقعت على عالم النحاس انقلب الكل ذهبا ابريزا فكذا اذا وقعت ذرة من اكسير معرفة جلال الله تعالى على جوهر الروح قوى صفاء وكمل اشراقا ومتى صار كذلك كانت قوته أقوى وتأثيره اكمل وكان حضور الشىء المطلوب عنده اقوى واكمل وهذا هو السبب فى تقديم الدعاء بالثناء انتهى والوارد فى القرءآن من الدعاء مذكور غالبا بلفظ الرب فان على العبد أن يذكر اولا ايجاد الله واخراجه من العدم الى الوجود الذى هو أصل المواهب ويتفكر فى تربية الله اياه ساعة فساعة واما دعوات رسول الله عليه السلام فاكثرها الابتداء بقوله اللهم لانه مظهر الاسم الجامع وقد كان يجمع بينهما ويقول اللهم ربنا كما جمع عيسى عليه السلام وقال اللهم ربنا انزل علينا مائدة من السماء والله سميع الدعاء وقابل الرجاء(15/219)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11)
{ الم تر } استئناف لبيان التعجب مما جرى بين الكفرة والمنافقين من الاقوال الكاذبة والاحوال الفاسدة والمعنى آيانكاه نكرده يامحمد أو يا من له حظ من الخطاب { الى الذين نافقوا } من اهل المدينة قال الراغب النفق الطريق النافذ والسرب فى الارض النافذ ومنه نافقاء اليربوع وقد نافق اليربوع ونفق ومنه النفاق وهو الدخول فى الشرع من باب والخروج عنه من باب على هذا نبه بقوله { ان المنافقين هم الفاسقون } اى الخارجوع عن الشرع { يقولون لاخوانهم الذين كفروا من اهل الكتاب } اللام للتبليغ والمراد بالاخوان بنوا النضير وبأخوتهم اما توافقهم فى الكفر فان الكفر ملة واحدة او صداقتهم وموالاتهم { لئن اخرجتم } اللام موطئة للقسم وهى اللام الداخلة على حرف الشرط بعد تمام القسم ظاهرا او مقدرا ليؤذن ان الجواب له للشرط وقد تدخل علىغير الشرط والمعنى والله لئن اخرجتم أيها لاخوان من دياركم وقراكم قسرا باخراج محمد واصحابه اياكم منها { لنخرجن معكم } البتة ونذهبن فى صحبتكم اينما ذهبتم لتمام المحبة بيننا وبينكم وهو جواب للقسم وجواب الشرط مضمر ولما كان جواب القسم وجواب الشرط متماثلين اقتصر على جواب القسم واضمر جواب الشرط وجعل المذكور جوابا للقسم بسعة وكذا قوله { لا يخرجون معهم } وقوله { لا ينصرونهم } كل واحد منهما جواب القسم ولذلك رفعت الافعال ولم تجزم وحذف جواب الشرط لدلالة جواب القسم عليه { ولا نطيع فيكم } اى فى شأنكم { احدا } يمنعنا من الخروج معكم { ابدا } وان طال الزمان ونصبه على الظرفية وهو لاستغراق المستقبل كما ان الازل لاستغراق الماضى ولاستعمالهما فى طول الزمانين جدا قد يضافان الى جمعهما فيقال أبد الآباد وازل الآزال واما السرمد فلاستغراق الماضى والمستقبل يعنى لاستمرار الوجود لا الى نهاية فى جانبهما ( ومنه قول المولى الجامى )
دردت زازل آيد تاروز ابد بايد ... جوق شكر كزار دكس اين دولت سرمدرا
{ وان قوتلتم } اى قاتلكم محمد واصحابه حذفت منه اللام الموطئة { لننصرنكم } اى لنعاوننكم على عدوكم ولا نخذلكم { والله يشهد انهم لكاذبون } فى مواعيدهم المؤكدة بالايمان الفاجرة(15/220)
لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (12)
{ لئن اخرجوا } قهرا واذلالا { لايخرجون معهم } الخ تكذيب لهم فى كل واحد من اقوالهم على التفصيل بعد تكذيبهم فى الكل على الاجمال { ولئن قوتلوا لاينصرونهم } وكانا الامر كذلك فان ابن أبى واصحابه ارسلوا الى بنى النضير وذلك سرا ثم اخلفوهم يعنى ان ابن أبى ارسل اليهم لاتخرجوا من دياركم واقيموا فى حصونكم فان معى ألفين من قومى وغيرهم من العرب يدخلون حصنكم ويموتون عن آخرهم قبل أن يوصل اليكم وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان فطمع بنوا النضير فيما قاله اللعين وهو جالس فى بيته حتى قال احد سادات بنى النضير وهو سلام بن مشكم لحيى بن أخطب الذى كان هو المتولى لامر بنى النضير والله ياحيى ان قول ابن ابى الباطل وليس بشىء وانما يريد أن يورطك فى الهلكة حتى تحارب محمدا فيجلس فى بيته ويتركك فقال حيى نأبى الا عداواة محمد والا قتاله فقال سلام فهو والله جلاؤنا من ارضنا وذهاب أموالنا وشرفنا وسبى ذرارينا مع قتل مقاتلينا فكان ماكان كما سبق فى اول السورة وفيه حجة بينة لصحة النبوة واعجاز القرءآن اما الاول فلانه أخبر عما سيقع فوقع كما اخبر وذلك لان نزول الآية مقدم على الواقعة وعليه يدل النظم فان كلمة ان للاستقبال واما الثانى فمن حيث الاخبار عن الغيب { ولئن نصروهم } على الفرض والتقدير { ليولن الادبار } فرارا وانهزاما جمع دبر ودبر الشىء خلاف القبل اى الخلف وتولية الادبار كناية عن الانهزام الملزوم لتولية الادبار قال فى تاج المصادر التولية روى فراكردن وبشت بكردانيدن . وهى من الاضداد { ثم لاينصرون } اى المنافقون بعد ذلك اى يهلكهم الله ولاينفعهم نفاقهم لظهور كفرهم بنصرهم اليهود او لينهزمن اليهود ثم لاتنفعهم نصرة المنافقين وفى الآية تنبيه على ان من عصى الله ورسوله وخالف الامر فهو مقهور فى الدنيا والآخرة وان كان سلطانا ذا منعة وما يقع احيانا من الفرصة فاستدرج وغايته الى الخذلان
صعوه كوبا عقاب سازد جنك ... دهد از خون خود برش رارنك
واشارة الى ان الهوى وصفاته كالمنافقين والنفس الكافرة واتباعها كاليهود وبينهما اخوة وهى الظلمة الذاتية والصفاتية وبين حقائقهما وحقائق الروح والسر والقلب تنافر كتنافر النور والظلمة فالهوى وصفاته يقولون للنفس وصفاتها لان اخرجكم الروح والسر والقلب من ديار وجوداتكم وأنانياتكم بسبب غلبة انوارهم على ظلمات وجوداتكم لنخرجن معكم ولاتخالفكم وان قوتلتم بسيف الرياضة ورمح المجاهدة نقويكم بالقوى الشهوانية الحيوانية الهيمية السبعية وهم لايقدرون على شىء بغير اذن الله فهم كاذبون فى قولهم ولايخرج الهوى وصفاته معهم لان الهوى والنفس وان كانا متحدين بالذات لكنهما مختلفان بالصفات كاختلاف زيد وعمرو فى الصفات واتحادهما فى الذات وهو الانسانية وارتفاع احدهما لايستلزم ارتفاع الآخر والهوى بسبب غلبة روحانية القالب عليه يميل الى الروح تارة وبسبب غلطته ايضا يميل الى النفس اخرى فلا ينصر النفس دآئما ولئن نصرها بنفخ نار الظلمة فى حطب وجودها لينهزم بسبب سطوات اشعة انوار الروح والسر والقلب انهزام النور من الظلمة ونفار الليل من النهار ألا ان حزب الله هم الغالبون(15/221)
لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13)
{ لانتم } يامعشر المسلمين وبالفارسية هرآينه شماكه مؤمنانيد { اشد رهبة } الرهبة مخافة مع تحتزن واضطراب وهى هنا مصدر من المبنى للمفعول وهو رهب اى أشد مرهوبية وذلك لان أنتم خطاب للمسلمين والخوف ليس واقعا منهم بل من المنافقين فالمخاطبون مرهوبون غير خائفين { فى صدورهم } اى صدور المنافقين { من الله } اى من رهبة الله بمعنى مرهوبيته قال فى الكشاف قوله فى صدورهم دال على نفاقهم يعنى انهم يظهرون لكم فى العلانية خوف الله وأنتم اهيب فى صدورهم من الله فان قلت كأنهم كانوا يرهبون من الله حتى يكون رهبتهم منه أشد قلت معناه ان رهبتهم فى السر منكم أشد من رهبتهم من الله التى يظهر ومنها لكم وكانوا يظهرون رهبة شديدة من الله .
يقول الفقير انما رهبوا من المؤمنين لظهور نور الله فيهم فكما ان الظلمة تنفر من النور والاتقاومه فكذا أهل الظلمة ينفر من أهل النور ولايقوم معه ومرادنا بالظلمة ظلمة الشرك والكفر والرياء والنفاق وبالنور نور التوحيد والايمان والاخلاص والتقوى ولذلك قال تعالى { اعلموا ان الله مع المتقين } حيث ان الله تعالى اثبت معيته لأهل التقوى فنصرهم على مخالفيهم { ذلك } اى ماذكر من كون رهبتهم منكم أشد من رهبة الله { بانهم } اى بسبب انهم { قوم لايفقهون } اى شيأ حتى يعلموا عظمة الله تعالى فيخشوه حق خشيته قال بعض الكبار ليس العظمة بصفة للحق تعالى على التحقيق انما هى صفة للقلوب العارفة به فهى عليها كالردآء على لابسه ولو كانت العظمة وصفا للعظيم لعظم كل من رأه ولم يعرفه وفى الحديث « ان الله يتجلى يوم القيامة لهذه الامة وفيها منافقوها فيقول أنا ربكم فيستعيذون به منه ولايجدون له تعظيما وينكرونه لجهلهم به » فاذا تجلى لهم فى العلامة التى يعرفونه بها وجدوا عظمته فى قلوبهم وخروا له ساجدين والحق اذا تجلى لقلب عبد ذهب منه اخطار الاكوان ومابقى الا عظمة الحق وجلاله وفيه تنبيه على ان من علامات الفقه أن يكون خوف العبد من الله أشد من خوفه من الغير وتقبيح لحال اكثر الناس على ماترى وتشاهد قال عليه السلام « من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين » قال بعض العارفين الفقيه عند أهل الله هو الذى لايخاف الا من مولاه ولا يراقب الا اياه ولا يلتفت الى ماسواه ولا يرجوا الخير من الغير ويطير فى طلبه طيران الطير قال بعض الكبار لانقص الكمل من الرجال خوفهم من سبع او ظالم او نحو ذلك لان الجزع فى النشأة الانسانية اصلى فالنفوس ابدا مجبولة على الخوف ولذة الوجود بعدم العدم لايعدلها لذة وتوهم العدم العينى له ألم شديد فى النفوس لايعرف قدره الا العلماء بالله فكل نفس تجزع من العدم أن يلحق بها او بما يقاربها وتهرب منه وترتاع وتخاف على ذهاب عينها فالكامل اضعف الخلق فى نفسه لما يشهده من الضعف فى تألمه بقرصة برغوث فهو آدم ملئان بذله وفقره مع شهوده اصله علما وحالا كشفا ولذلك لم يصدر قط من رسول ولا نبى ولا ولى كامل فى وقت حضوره انه ادعى دعوى تناقض العبودية ابدا(15/222)
لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)
{ لايقاتلونكم } اى اليهود والمنافقون بمعنى لايقدرون على قتالكم ولايجترئون عليه { جميعا } اى مجتمعين منفقين فى موطن من المواطن { الا فى قرى } جمع قرية وهى مجتمع الناس للتوطن { محصنة } محكمة بالدروب والخنادق وما اشبه ذلك قال الراغب اى مجعولة بالاحكام كالحصون { او من ورآء جدر } دون أن يحضروا لكم ويبارزوكم اى يشافهوكم بالمحاربة لفرط رهبتهم جمع جدار وهو كالحائط الا ان الحائط يقال اعتبارا بالاحاطة بالمكان والجدار يقال اعتبار بالنتو والارتفاع ولذا قيل جدر الشجر اذا خرج ورقه كأنه حمص وجدر الصبى اذا خرج جدرية تشبيها بجدر الشجر { بأسهم بينهم شديد } استئناف سيق لبيان ان ماذكر من رهبتهم ليس لضعفهم وجبنهم فى انفسهم فان بأسهم وحربهم بالنسبة الى اقرانهم شديد وانما ضعفهم وجبنهم بالنسبة اليكم بما قذف الله فى قلوبهم من الرعب وايضا ان الشجاع يجبن والعزيز يذل اذا حارب الله ورسوله قال فى كشف الاسرار اذا أراد الله نصرة قوم استأسد أرنبهم واذا أراد الله قهر قوم استرنب اسدهم
اكر مردى ازمردى خود مكوى ... نه هرشهسوارى بدر برى كوى
ان قيل ان البأس شدة الحرب فما الحاجة الى الحكم عليه بشديد أجيب بأنه أريد من البأس هنا مطلق الحرب فاخبر بشدته لتصريح الشدة او أريد المبالغة فى اثبات الشدة لبأسهم مبالغة فى شدة بأس المؤمنين لغلبته على بأسهم بتأييد الله ونصرته لهم عليهم والظرف متعلق بشديد والتقديم للحصر ويجوز أن يكون متعلقا بمقدر صفة او حالا اى باسهم الواقع بينهم او واقعا بينهم فقولهم الظرف الواقع بعد المعرفة يكون حالا البتة ليس بمرضى فان الامرين جائزان بل قد ترحج الصفة { تحسبهم } يا محمد او يأكل من يسمع ويعقل { جميعا } مجتمعين متفقين ذوى ألفة واتحاد { وقلوبهم شتى } اى والحال ان قلوبهم متفرقة لا الفة بينها فهم بخلاف من وصفهم بقوله { ولكن الله ألف بينهم } جمع شتيت كمرضى ومريض وبالفارسية براكنده وبريشان ، يقال شت يشت شتا وشتاتا وشتيتا فرق وافترق كانشت وتشتت وجاؤا اشتاتا اى متفرقين فى النظام وفى الآية تشجيع لقلوب المؤمنين على قتالهم وتجسير لهم وان اللائق بالمؤمن الاتفاق والاتحاد صورة ومعنى كما كان المؤمنون متفقين فى عهد النبى عليه السلام ويقال الاتفاق قوة والافتراق هلكة والعدو ابليس يظفر فى الافتراق بمراده قال سهل أهل الحق مجتمعون ابدا موافقون وان تفرقوا بالابدان وتباينوا بالظواهر واهل الباطن متفرقون ابدا وان اجتمعوا بالابدان وتوافقوا بالظواهر لان الله تعالى يقول { تحسبهم } الخ { ذلك بأنهم } اى ماذكر من تشتت قلوبهم بسبب انهم { قوم لايعقلون } اى لايعقلون شيأ حتى يعرفوا الحق ويتبعوه وتطمئن به قلوبهم وتتحد كلمتهم ويرموا عن قوس واحدة فيقعون فى تيه الضلال وتتشتت قلوبهم حسب تشتت طرقه وتفرق فنونه وتشتت القلوب يوهن قواهم لان صلاح القلب يؤدى الى صلاح الجسد وفساده الى فساده كما قالوا كل اناء يترشح بما فيه علم ان الله تعالى ذم الكفار فى القرءآن بكل من عدم الفقه والعلم والعقل قال الراغب الفقه هو التوصل الى علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم والعلم ادراك الشىء بحقيقته وهو نظرى وعملى وايضا عقلى وسمعى والعقل يقول للقوة المتهيئة لقبول العلم ويقال للعلم الذى يستفيده الانسان بتلك القوة عقل ولهذا قال امير المؤمنين على رضى الله عنه ، وان العقل عقلان ، فمسموع ومطبوع ، ولانفع مطبوع ، اذا لم يك مسموع ، كما لاتنفع الشمس ، وضوء العين ممنوع ، والى الاول أشار عليه السلام بقوله(15/223)
« ماخلق الله شيأ اكرم عليه من العقل » والى الثانى أشار بقوله « ماكسب احد شيأ افضل من عقل بهدية الى هدى او يرده عن ردى » وهذا العقل هو المعنى بقوله { ومايعقلها الا العالمون } وكل موضع ذم الكفار بعدم العقل فاشار الى الثانى دون الاول وكل موضع رفع التكليف عن لعبد لعدم العقل فاشارة الى الاول انتهى
وفى الحديث « العقل نور فى القلب يفرق به بين الحق والباطل » وعن انس رضى الله عنه قيل يارسول الله الرجل يكون حسن العقل كثير الذنوب قال « وما من آدمى الا له ذنوب وخطايا يقترفها فمن كان سجيته العقل وغريزته اليقين لم تضره ذنوبه » قيل كيف ذلك يارسول الله قال « لانه كلما اخطأ لم يلبث أن يتدارك ذلك بتوبة وندامة على ما كان منه فيمحو ذنوبه ويبقى له فضل يدخل به الجنة » وعنه ايضا رضى الله عنه أتى قوم على رجل عند رسول الله حتى بالغوا فى الثناء بخصال الخير فقال رسول الله « كيف عقل الرجل » فقالوا يارسول الله نخبرك عنه باجتهاده فى العبادة واصناف الخير وتسألنا عن عقله فقال نبى الله « ان الأحمق يصيب بحمقه اعظم من فجور الفاجر وانما يرتفع العباد غدا فى الدرجات وينالون الزلفى من ربهم على قدر عقولهم » قال على بن عبيدة العقل ملك والخصال رعية فاذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل اليها فسمعه اعرابى فقال هذا الكلام يقطر عسله وقال بعضهم اذا كمل العقول نقص الفضول اى لان العقل يعقله ويمنعه عما لا يعنيه كل شىء اذا كثر رخص غير العقل فان اذا كثر غلا وقال اعرابى لو صور العقل لاضلمت معه الشمس ولو صور الحمق لاضاء معه الليل انور شىء والحمق اظلمه وقبل العاقل يعيش بعقله حيث كان كما يعيش الأسد بقوته اى ففى العقل قوة شجاعة الأسد ويعلم منه بالمقايسة ان فى الحمق ضعف حال الأرنب ونحوه
كشتى بى لنكر آمد مردشر ... كه زباد كر نيابد او حذر
لنكر عقلست عاقل را امان ... لنكرى در يوزه كن از عاقلان(15/224)
كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16)
{ كمثل الذين من قبلهم } خبر متبدأ محذوف تقديره مثلهم اى مثل المذكورين من اليهود والمنافقين وصفتهم العجيبة وحالهم الغريبة كمثل أهل بدر وهم مشركوا اهل مكمة او كمثل بنى قينقاع على ماقيل انهم اخرجوا قبل بنى النضير وبنوا قينقاع مثلثة النون والضم اشهر كانوا اشجع اليهود واكثرهم اموالا فلما كانت وقعة بدر اظهروا البغى والحسد ونبذوا العهد كبنى النضير فأخرجهم رسول الله من المدينة الى الشأم اى لان قريتهم كانت من اعمالها ودعا عليهم فلم يدر الحول عليهم حتى هلكوا اجمعون وقد عرفت قصتهم فى الجلد الاول { قريبا } انتصابه بمثل اذ التقارير كوقوع مثل الذين الخ يعنى بدلالة المقام لا لاقتضاء الاقرب اى فى زمان قريب قال مجاهد كانت وقعة بدر قبل غزوة بنى النضير بستة اشهر فلذلك قال قريبا فتكون قبل وقعة أحد وقيل بسنتين فتكون تلك الغزوة فى السنة الرابعة لان غزوة بنى النضير كانت بعد أحد وهى كانت بعد بدر بسنة { ذاقوا وبال امرهم } قال الراغب الوبل والوابل المطر الثقيل القطار ولمراعاة الثقل قيل للامر الذى يخاف ضرره وبال وطعام وبيل والامر واحد الامور لا الاوامر اى ذاقوا سوء عاقبة كفرهم فى الدنيا وهو عذاب القتل ببدر وكانت غزوة بدر فى رمضان من السنة الثانية من الهجرة قبل غزوة بنى النضير { ولهم } فى الآخرة { عذاب أليم } مؤلم لايقادر قدره حيث يكون مافى الدنيا بالنسبة اليه كالذوق بالنسبة الى الاكل والمعنى ان حال هؤلاء كحال اولئك فى الدنيا والآخرة لكن لاعلى ان حال كلهم كحالهم بل حال بعضهم الذين هم اليهود كذلك واما حال المنافقين فهو مانطق به قوله تعالى { كمثل الشيطان } فان خبر ثان للمبتدأ المقدر مبين لحالهم متضمن لحال اخرى لليهود وهى اغترارهم بمقالة المنافقين اوله وخيبتهم آخرا وقد اجمل فى النظم الكريم حيث اسند كل من الخبرين الى المقدر المضاف الى ضمير الفريقين من غير تعيين ما أسند اليه بخصوصة ثقة بأن السامع يرد كلا من المثلين الى مايماثله كأنه قيل مثل اليهود فى حلول العذاب بهم كمثل الذين من قبلهم ومثل المنافقين فى اغرآئهم اياهم على القتال حسبما حكى عنهم كمثل الشيطان { اذ قال للانسان اكفر } قول الشيطان مجاز عن الاغوآء والآغراء اى اغراء على الكفر اغرآء الآمر المأمور على المأمور به { فلما كفر } الانسان المذكور اطاعة لاغوآئه وتبعا لاهوآئه { قال } الشيطان { انى بريىء منك } اى بعيد عن عملك وأملك غير راض بكفرك وشركك وبالفارسية من بيزارم ازتو ، يقال برىء يبرأ فهو بريىء واصل البرء والبرءآءة والتبرى التفصى مما يكره مجاورته قال العلماء ان أريد يد بالانسان الجنس فهذا التبرى من الشيطان يكون يوم القيامة كما ينبىء عنه قوله تعالى { انى اخاف الله رب العالمين } وان أريد ابو جهل على أن يكون اللام للعهد فقوله تعالى { اكفر } اى دم على الكفر .(15/225)
بس جون برآن ثبات ورزيد ونهاك شرك درزمين دل او استحكام يافت ، قال انى الخى عبارة عن قول ابليس له يوم بدر لاغالب لكم اليوم من الناس وانى جار لكم فلما ترآءت الفثتان نكص على عقبيه وقل انى بريىء منكم انى أرى مالاترون انى أخاف شالله والله شديد العقاب يعنى لما قاتلوا ورأى ابليس جبرآئيل مع محمد عليهما السلام خافه فتبرأ منهم وانهزم قال بعضهم هذا من كذبات اللعين وانه لو خاف حقيقة وقال صدقا لما استمر على ما ادى الى الخوف بعد ذلك كيف وقد طلب الانظار الى البعث للاغوآء وقال أبو الليث قال ذلك على وجه الاستهزآء ولا بعد ان يقول له ليوقعه فى الحسرة والحرقة انتهى ، يقول الفقير الظاهر ان الشيطان يستشعر فى بعض المواد جلال الله تعالى وعظمته فيخافه حذرا من المؤآخذة العاجلة وان كان منظرا ولا شك ان كل احد يخاف السطوة الالهية عند طهور اماراتها ألا ترى الى قوله تعالى { وظنوا انهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين } على ان نحو قاطع الطريق وقاتل لنفس ربما فعل ما فعل وهو خائف من الأخذ(15/226)
فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17)
{ فكان عاقتبهما } اى عاقبة الشيطان وذلك الانسان وهو بالنصب على انه خبر كان واسمها قوله { أنهما فى النار } وقرىء بالعكس وهو اوضح { خالدين فيها } مقيمين لايبرحان وهو حال من الضمير المقدر فى الجار والمجرور المستقر وروى خالدان على انه خبرأن وفى النار لغو لتعلقه بخالدان { وذلك } اى الخلود فى النار { جزآء الظالمين } على الاطلاق دون هؤلاء خاصة وقال بعض أهل التفسير المراد بالانسان برصيصا الراهب من بنى اسرآئيل ، در روز كار فترت صومعه ساخته بود هفتاد سال دران صومعه مجاور كشته وخدايرا برستيده وابليس دركار وى فرومانده روزى مرده شياطين راجمع كرد وكفت من يكفينى امر هذا الرجل يكى كفت من اين كار كفايت كنم ومراد تو ازوى حاصل كنم بدر صومعه وى رفت برزى راهبان ومتعبدان كفت مرد راهم عزلت وخلوت مى طلبم تراجه زيان اكر من بصحبت توبيايم ودر خلوت خدايرا عبادت كنم برصيصا بصحبت وى تن درنداد وكفت انى لفى شغل عنك يعنى مرادر عبادت الله جندان شغلست كه براوى صحبت تونيست وعادت برصيصا آن بودكه جون درنمازشدى ده روز از نماز بيرون نيمادى وروزه دار بود وهرده روز افطار كردى شيطان برابر صومعه وى درنماز يستاد وجهد وعبادت خود برجهد وعبادت برصيصا اورا بخود راه داد جون آن عبادت وجهد فراوان وى ديد وخودرا در جنب وى قاصر ديد آنكه شيطان بعدازيك سال كفت مرا رفيقى ديكر است وظن من جنان بودكه تعبد واجتهاد توازوى زيادتست اكنون كه ترا ديدم نه جنانست كه مى بنداشتم وبا نزديك وى ميروم برصيصا مفارقت وى كراهيت داشت وبصحبت وى رغبتى تمام مى نمود شيطان كفت مرانا جارست رفتن اما ترا دعايى آموزم كه بيمار ومبتلى وديوانه كه بروى خوانى در وقت الله تعالى اورا شفادهد وترا اين به بشاد ازهزار عبادت كه كننى كه خلق خدا يرا ازتو نفع بودو راحت برصيصا كفت اين نه كار منست كه آنكه از وقت ورد خود بازمانم وسيرت وسريرت من در شغل مردم شود شيطان تا آنكه ميكوشيدكه آن دعا ويرا درآموخت واورا برسر آن خانه كفت ان بصاحبكم جنونا فأعالجه جون اوراديد كفت انى لا اقوى على جنه يعنى من باديو او برنيايم لكن شمارا رشاد كنم بكسى كه اورا دعا كند در وقت شفا يابد واو برصيصاى راهب است كه در صومعه نشيند اورا بروى بردند ودعا كرد وآن ديو ازوى باشد وصحت يافت بس اين شيطان برفت وزنى را از دختران ملوك بنى اسرآئيل رنجه وديوانه كرد وآن زن جمال باكمال داشت واورا سه برادر بودند شيطان بصورت طبيب بيش ايشان رفت وآن دختررا بوى نمودند كفت ان الذى عرض لها مارد لايطاق ولكن سأرشدكم الى من يدعو له يعنى بران راهب شويدكه دعا كند وشفايابد كفتند ترسيم كه فرمان مانبرد كفت صومعه سازيد درجنت صومعه وى وزن را دران صومعة بخابايد وباوى كوييد اين امانت است بنزديك تونهاديم ومارفيتم ازبهر خدا واميد ثواب نظر ازوى بازمكير ودعايى كن تاشفايابد ايشان همجنان كردند وراهب از صومعه خود بزير آمد واورا ديد زنى بغايت جمال واز جمال وى درفتنه افتاد شيطان او را آن ساعت وسوسه كردكه واقعها ثم تب زيرا كه درتوبه كشاده ورحمت خدا فراوانست راهب بفرمان شيطان كام خود ازوى برداشت وزن بار كرفت راهب بشيمان كشت واز فضيحت ترسيد همان شيطان دردل وى افكندكه اين زن را ببايد كشت وبنهان بايد كرد جون برادران آيند كويم كه ديواورا ببرد وايشان مرا براست دراند واز فضيحت ايمن كردم آنكه از زنا واز قتل توبه كنم برصيصا اورا كشت ودفن كرد جون برادران آمدند وخواهر را نديدند كفت جاء شيطانها فذهب بهاولم اقو عليه ايشان اورا راست داشتند وباز كستند شيطان آن برادر انرا بخواب نمودكه راهب خواهر شما كشت ودر فلان جايكه دفن كرد سه شب ببابى ايشانرا جنين خواب مى نمود تايشان رفتند وخواهر را كشته از خاك برداشتند برادران اورا ازصومعه بزير آوردند وصومعه خراب كردند واورا بيش بادشاه وقت بردند تا بفعل وكناه خود مقر آمد وبادشاه بفرمود تا اورا بردار كنند آن ساعت شيطان برا بروى آمد وكفت اين همه ساخته وآراسته منست اكر آنجه من فرمايم بجاى آرى ترا نجات وخلاص بديد آيد كفت هرجه فرمايى ترا اطاعت كنم كفت مراسجده بكن آن بدبخت اورا سجده كرد وكافر كشت واورا در كفر بردار كردند وشيطان آنكه كفت انى برىء منك انى أخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهما يعنى الشيطان وبرصيصا العابد كان آخر امرهما انهما فى النار خالدين فيها وذلك جزآء الظالمين(15/227)
خيالات نادان خلوت نشين ... بهم بركند عاقبت كفر ودين
كزودست بايد كزو برخورى ... نبايد كه فرمان دشمن برى
بى نيك مردان ببايد شتافت ... كه هركين سعادت طلب كرديافت
وليكن تو دنبال ديو خسى ... ندانم كه در صالحان كى رسى
والمراد من هذا الشيطان هو الشيطان الابيض الذى يأتى الصلحاء فى صورة الحق ( قال الكاشفى ) آن بى سعادت بعد از عبادت هفتاد سال بورطه شقاوت ابدى كرفتار كشت ، غافل مشوكه مركب مردان مردرا ، درسنكلاخ وسوسه بيها بريد اند وفى زهرة الرياض غير الله الايمان على برصيصا بعدما عبدالله مائتين وعشرين سنة لم يعص الله فيها طرفة عين وكان ستون ألفا من تلامذته يمشون فى الهوآء ببركته وعبد الله حتى تعجب الملائكة من عبادته قال الله تعالى لهم لماذا تتعجبون منه انى لاعلم مالا تعلمون ففىعلمى انه يكفر ويدخل انلار ابدا فسمع ابليس وعلم ان هلاكه على يده فجاء الى صومعته على شبه عباد وقد لبس المسح فناداه فقال له برصيصا من أنت وما تريد قال انا عابد اكون لك عونا على عبادة الله ق لله برصيصا من أراد عبادة الله فالله يكفيه صاحبا فقام ابليس يعبد الله ثلاثى ايام ولم يأكل ولم يشرب قال برصيصا انا افطر وانام وآكل واشرب وأنت لاتأكل ثم قال انى عبدت الله مائتين وعشرين سنة فلا أقدر على ترك الأكل والشرب قال ابليس انا اذنبت ذنبا فمتى ذكرته يتنغص على النوم والأكل والشرب قال برصيصا ماحيلتى حتى اصير مثلك قال اذهب واعص الله ثم تب اليه فانه رحيم حتى تجد حلاوة الطاعة قال كيف اعصيه بعد عبادته كذا وكذا سنة قال ابليس الانسان اذا اذنب يحتاج الى المعذرة قال اى ذنب تشير به قال الزنى قال لا أفعله قال أن تقتل مؤمنا قال لا أفعله قال اشرب الخمر المسكر فانه اهون وخصمك الله قال اين أجده قال اذهب الى قرية كذا فذهب فرأى امرأة جميلة تبيع خمرا فاشترى منه الخمر وشربها وسكر وزنى بها فدخل عليهما زوجها فضربه وقتله ثم ان ابليس تمثل فى صورة الانسان وسعى به الى السلطان فأخذه وجلده للخمر ثمانين جلدة وللزنى مائة وامر بالصلب لاجل الدم فلما صلب جاء اليه ابليس فى تلك الصورة قال كيف ترى حالك قال من أطاع قرين السوء فجزآؤه هكذا قال ابليس كنت فى بلائك مائتين وعشرين سنة حتى صلبتك فلو أرد النزول انزلتك قال أريد واعطيك ماتريد قال اسجد لى مرة واحدة قال كيف اسجد على الخشب قال اسجد بالايماء فسجد وكفر فذلك قوله تعالى(15/228)
{ كمثل الشيطان } الخ قال ابن عطية هذا اى كون المراد بالانسان برصيصا العابد ضعيف والتأويل الاول هو وجه الكلام وفى القصة تحذير عن فتنة النساء ( روى ) انه عليه السلام كان يصلى فى بيت ام سلمة رضى الله عنها فقام عمر بن ام سلمة ليمر بين يديه فأشار اليه ان قف فوقف ثم قامت زينب بنت ام سلمة لتمر بين يديه فأشار اليها أن قفى فأبت ومرت فلما فرغ من صلاته نظر اليها وقال « ناقصات العقل ناقصات الدين صواحب يوسف صواحب كرسف » يغلبن الكرام ويغلبهن اللثام قال الخبازى فى حواشى الهداية قال مولانا حميد الدين رحمه الله كرسف اسم زاهد وقع فى الفتنة بسبب امراة وقال المطرزى فى المغرب كرسف رجل من زهاد بنى اسرآئيل كان يقوم الليل ويصوم النهار فكفر بسبب امرأة عشقها ثم تداركه الله بما سلف منه فتاب عليه هكذا فى الفردوس ومنه الحديث(15/229)
« صاحبات يوسف صاحبات كرسف » انتهى .
قال ابن عباس رضى الله عنهما وكانت الرهبان فى بنى اسرائيل لايمشون الا بالتقية والكتمان وطمع أهل الفجور والفسق فى الاخبار فرموهم بالبهتان والقبيح حتى كان امر جريج الراهب فلما برأه الله مما رموه به انبسطت بعدها الرهبان وظهروا للناس وفى الحديث ( كان جريج رجلا عابدا فاتخذ صومعة كان فيها فأتته امه وهو يصلى فقالت ياجريج فقال أى بقلبه اى رب امى وصلاتى فاقبل على صلاته فانصرفت فلما كان الغد أتته وهو يصلى فقالت ياجريج فقال اى رب امى وصلاتى فأقبل على صلاته فانصرفت فلما كان الغد أتته فقالت ياجريج فقال اى رب امى وصلاتى فأقبل على صلاته فقالت اللهم لاتمته حتى ينظر الى وجوه المومسات فتذاكر بنوا اسرآئيل جريجا وعبادته وكانت امرأة بغى يتمثل بحسنها فقالت اى شئتم لافتننه لكم قال اى النبى عليه السلام فتعرضت له فلم يلتفت اليها فأتت راعايا كان يأوى الى صومعته فامكنته من نفسها فوقع عليها فحملت فلما ولدت قالت هو من جريج فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه فقال ما شأنكم فقالوا زنيت بهذه البغى فولدت منك فقال أين الصبى فجاؤا به فقال دعونى حتى أصلى فصلى فلما انصرف أتى بالصبى فطعن فى بطنه وقال ياغلام من أبوك فقال فلان الراعى قال اى النبى عليه السلام فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به وقالوا له نبنى لك صومعتك من ذهب قال لا اعيدوها من طين كما كانت ففعلوا وبينا صبى يرضع من امه فمر رجل راكبا على دابة فارهة وهيئته حسنة فقالت امه اللهم اجعل ابنى مثل هذا فترك الثدى واقبل عليه فنظر اليه فقال اللهم لاتجعلنى مثله ثم اقبل على ثديه فجعل يرتضع قال اى الراوى وهو أبو هريرة رضى الله عنه فكأنى انظر الى رسول الله عليه السلام وهو يحكى ارتضاعه بأصابعه السبابة فى فمه فجعل يمصها قال اى النبى عليه السلام ومر بجارية وهم يضربونها ويقولون زنيت سرقت وهى تقول حسبى الله ونعم الوكيل فقالت امه اللهم لاتجعل ابنى مثملها فترك الرضاع ونظر اليها فقال اللهم اجعلنى مثلها فهناك تراجعا الحديث فقالت امه قد مر رجل حسن الهيئة فقلت اللهم اجعل ابنى مثله فقلت اللهم لاتجعلنى مثله ومروا بهذه الامة وهم يضربونها ويقولون زنيت وسرقت فقلت اللهم لاتجعل ابنى مثلها فقلت اللهم اجعلنى مثلها قال اى الرضيع ان ذلك الرجل كان جبرا فقلت اللهم لاتجعلنى مثله وان هذه يقولون لها زنيت سرقت ولم تزن ولم تسرق فقلت اللهم اجعلنى مثلها انتهى الحديث وفيه اشارة الى انه ينبغى للمؤمن أن لايمد عينيه الى زخارف الدنيا ولا يدعو الله فيما لايدرى اهو خير له امر شر بل ينبغى له أن يطلب منه البرءآة من السوء وخير الدارين كما قال تعالى { ربنا آتنا فى الدينا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } نسأل الله سبحانه العفو والعافية مطلقا(15/230)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)
{ يا أيها الذين آمنوا } ايمانا خالصا { اتقوا الله } فى كل ما تأتون وما تذرون فتحرزوا عن العصيان بالطاعة وتجنبوا عن الكفران بالشكر وتوقوا عن النسيان بالذكر واحذروا عن الاحتجاب عنه بأفعالكم وصفاتكم بشهود افعاله وصفاته { ولتنظر نفس ماقدمت لغد } ما شرطية اى اى شىء قدمت من الاعمال ليوم القيامة ، تا ارك تقديم خيرات وطاعت كند شكر كزارى نمايد ودرزيادتى آن كوشد واكر معاصى فرستاده توبه كندو بشيمان شوده عنبر عن يوم القيامة بالغد لدنوه لان كل آت قريب بعنى سماه باليوم الذى يلى يومك تقريبا له وعن الحسن رحمه الله لم يزل بقربه حتى جعله كالغد ونحوه قوله تعالى { كأن لم تغن بالأمس } يريد تقريب الزمان الماضى او عبر عنه به لان الدنيا اى زمانها كيوم والآخر كغده لاختصاص كل منهما بأحوال واحكام متشابهة وتعقيب الثانى الاول فقوله لغد استعارة يقول الفقير انما كانت الآخرة كالغد لان الناس فى الدنيا نيام ولا انتباه الا عند الموت الذى هو مقدمة القيامة كما ورد به الخبر فكل من الموت والقيامة كالصباح بالنسبة الى الغافل كما ان الغد صباح بالنسبة الى النائم فى الليل ودل هذا على ان الدنيا ظلمانية والاخرة نوارنية وتنكيره لتفخيمه وتهويله كأنه قيل لغد لايعرف كنهه لغاية عظمه واصله غدو حذفوا الواو بلا عوض واستشهد عليه بقول البيد
وما الناس الا كالديار واهلها ... بها يوم حلوها وغدوا بلاقع
اذ جاء به على اصله والبيت من ابيات العبرة واما تنكير نفس فلاستقلال الانفس النواظر فيما قمن لذلك اليوم الهائل كأنه قيل ولتنظر نفس واحدة فى ذلك قال بعضهم الاستقلال يكون بمعنى عد الشىء قليلا وبمعنى الانفراد فى الامر فعلى الاول يكون المراد استقلال الله النفوس الناطقة كما قال تعالى { لكن اكثر الناس لايعملون } { ولكن اكثرهم يجلهون } فكأنه اقيم الأكثر مقام الكل مبالغة فأمر على الوحدة فلا يضره وجود النفس الكاملة العاقلة الناظرة الى العواقب بالنظر الصائب والرأى الثاقب وعلى الثانى يكون المراد انفراد النفوس فى النظر واكتفاءها فيه بدون انضمام نظر الاخرى فى الاطلاع على ماقدمت خيرا او شرا قليلا او كثيرا وجودا او عدما وفيه حث عظيم
جهل من وعلم توفلك راجه تفاوت ... آنجاكه بصر نيست جه خوبى وجه زشتى
{ واتقوا الله } تكرير للتأكيد والاهتمام فى شأن التقوى واشارة الى ان اللائق بالعبد أن يكون كل امره مسبوقا بالتقوى ومختوما بها او الاول فى اداء الواجبات كما يشعر به مابعده من الامر بالعمل الثانى فى ترك المحارم كما يؤذن به الوعيد بقوله سبحانه { ان الله خبير بما تعملون } اى عالم بما تعملونه من المعاصى فيجزيكم يوم الجزآء عليها ، ودر كشف الاسرار فرمه ده كه اول اشارتست باصل تقوى ودوم بكمال آن يا اول تقواى عوامست وآن برهيز كرده باشد از محرمات وسوم تقواى خواص وآن اجتناب بود از هرجه مادون حقست(15/231)
اصل تقوى كه زاد اين راهست ... ترك مجموع ماسوى اللهست
والتقوى هو التجنب عن كل مايؤثم من فعل او ترك وقال بعض البكار التقوى وقاية النفس فى الدنيا عن ترتب الضرر فى الآخرة فتقوى العامة عن ضرر الافعال وتقوى الخاصة عن ضرر الصفات وتقوى اخص الخواص عن جميع ماسوى الله تعالى ، عزيزى كفته است كه دنيا سفالى است وآن نيز درخواب وآخرت نيز جوهرى است يافته دربيدارى مردنه آنست كه درسفال بخواب ديده متقى شود مرد مردان آنست كه دركوهر دربيدارى يافته متقى شود فلابد من التقوى مع وجود العمل ( قال الصائب )
بى عمل دامن تقى زمناهى جبدن ... احتراز سك مسلخ بود از شاشه خويش
وفى الآية ترغيب فى الاعمال الصالحة وفى الأثر « ان ابن آدم اذا مات قالت الناس ما خلف وقالت الملائكة ماقدم » وعن مالك بن دينار رحمه الله مكتوب على باب الجنة وجدنا ماعلمنا ربحنا ماقدمنا خسرنا ماخلفنا
بقدر الكد تكتسب المعالى ... ومن الطلب العلى سهر الليالى
( وحكى ) عن مالك بن دينار رحمه الله ايضا انه قال دخلت جبانة البصرة فاذا انا بسعدون المجنون فقلت له كيف حالك وكيف أنت فقال يا مالك كيف حال من أصبح وأمسى يريد سفرا بعيدا بلا اهبة ولا زاد ويقدم على رب عدل حاكم بين العباد ثم بكى بكاء شديدا فقلت مايبكيك قال والله مابيكت حرصا على الدنيا ولا جزعا من الموت والبلى لكن بكيت ليوم مضى من عمرى ولم يحسن فيه عملى ابكانى والله قلة الزاد وبعد المسافة والعقبة الكؤود ولا أدرى بعد ذلك اصير الى الجنة ام الى النار فقلت ان الناس يزعمون انك مجنون فقال وأنت أغتررت بما اغتبر به بنوا الدنيا زعم الناس انى مجنون ومابى جنة لكن حب مولاى قد خالط قلبى وجرى بين لحمى ودمى فأنا من حبه هائم مشغوف فقلت ياسعدون فلم تجالس الناس ولاتخالطهم فأنشد
كن من الناس جانبا ... وارض بالله صاحبا
قلب الناس كيف ... شئبت تجدهم عقاربا
وفى التأويلات النجمية يايها الذى آمنوا بالايمان الحقيقى الشهودى الوجودى اجعلوا الله وقاية نفوسكم فى اضافة الكمالات اليه ولتنظر نفس كاملة عارفة بذات الله وصفاته ما هيأت لغد يوم الشهود واتقوا الله عن الالتفات الى غيره ان الله خبير بما تعملون من الاقبال على الله والادبار عن الدنيا ومن الادبار عن الله والاقبال على الدنيا انتهى ويدخل فى قوله نفس النفوس الجنية لانهم من المكلفين فلهم من التقوى والعمل ما للانس كما عرف فى مواضع كثيرة(15/232)
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)
{ ولاتكونوا } أيها المؤمنون { كالذين } اى كاليهود والمنافقين فالمراد بالموصول المعهودين بمعونة المقام او الجنس كائنا من كان من الكفار امواتا او احياء { نسوا الله } فيه حذف المضاف اى نسوا حقوقه تعالى ما قدروه حق قدره ولم يراعوا مواجب اموره ونواهيه حق رعايتها { فأنساهم } بسبب ذلك { أنفسهم } اى جعلهم ناسين لها فلم يسمعوا ماينفعها ولم يفعلوا مايخلصها فالمضى على اصله او أراهم يوم القيامة من الاهوال ماأنساهم أنفسهم فالمضى باعتبار التحقق قال الراغب النسيان ترك الانسان ضبط ما استودع اما لضعف قلبه وما عن غفلة او عن قصد حتى ينحذف عن القلب ذكره وكل نسيان من الانسان ذمه الله به فهو ماكان اصله من تعمد وماعذر فيه نحو ماروى عن النبى عليه السلام رفع عن امتى الخطأ والنيسان فهو مالم يكن سببه منه فقوله { فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا } هو ما كان سببه عن تعمد منهم وتركه على طريق الاهانة واذا نسب ذلك الى الله فهو تركه اياهم استهانة بهم ومجازاة لما تركوه كما قال فى اللباب قد يطلق النسيان على الترك ومنه نسو الله فنسهم اى تركوا طاعة الهل ترك الناسى فتركهم الله وقال بعض المفسرين ان قيل النسيان يكن بعد الذكر وهو ضد الذكر لانه السهو الحاصل بعد حصول العلم فهل كان الكفار يذكرون حق الله ويعترفون بربويته حتى ينسوا بعد أجيب بأنهم اعترفوا وقالو بلى يوم الميثاق ثم نسوا ذلك بعدما خلقوا والمؤمنون اعترفوا بها بعد الخلق كا اعترفوا قبله بهداية الله وراعوا حقها قل او كثر جل او صغر ( سئل ذو النون المصرى قدس سره ) عن سر ميثاق ألست بربكم هل تذكرة فقال كأنه الآن فى اذنى ، ودرنفخات مذكورست كه على سهل اصفهانى راكتند كه روز بلى راياد دارى كفت جون ندارم كويى دى بود شيخ الاسلام خواجه انصارى فرمودكه درين سخن نقص است صوفى رادى وفردا جه بود آن روز را هنوز شب درنيامده وصوفى درهمان روزست ، ويدل عليه قوله الآن انه على ماكان عليه ثم ان قوله تعالى { ولا تكونوا } الخ تنبيه على ان الانسان بمعرفته لنفسه يعرف الله فنسيانه هو من نسيانه لنفسه كما قال فى فتح الرحمن لفظ هذه الآية يدل على انه من عرف نفسه ولم ينسها عرف ربه وقد قال على رضى الله عنه اعرف نفسك تعرف ربك وقال سهل رحمه الله نسوا الله عند الذنوب فأنساهم الله أنفسهم عند الاعتذار وطلب التوبة ومن لطائف العرفى
مالب آلوده بهر توبه بكشاييم ليك ... بانك عصيان ميزند ناقوس استغفار ما
{ اولئك } الناسون المخذولون بالانساء { هم الفاسقون } الكاملون فى الفسوق والخروج عن طريق الطاعة وهم للحصر فأفاد ان فسقهم كان بحيث ان فسق الغير كأنه ليس بفسق بالنسبة اليه فالمراد هنا الكافرون لكن على المؤمن الغافل عن رعاية حق ربوبية الله ومراعاة حظ نفسه من السعادة الابدية والقربة من الحضرة الاحدية خوف شديد وخطر عظيم وفيه اشارة الى ان الذين نسوا الله هم الخارجون عن شهود الحق فى جميع المظاهر الجمالية والجلالية وحضوره الداخلقون فى مقام شهود أنفسهم فمن اشتغل بقضاء حظوظ نفسه بقى مع تجليات ربه مع الله كان من الغافلين عن اللذات الحقيقية ومن فنى عن شهوات نفسه بقى مع تجليات ربه(15/233)
لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)
{ لايستوى اصحاب النار } الذين نسوا الهل فاستحقوا الخلود فى النار والنار باللام من اعلام جهنم كالساعة للقيامة ولذا كثير ما تذكر فى مقابلة الجنة كما فى هذا المقام وجاء فى الشعر
الجنة الدار فالعم ان عملت بما ... يرضى الاله وان فرطت فالنار
هما محلان ماللناس غير هما ... فانظر لنفسك ماذا أنت تختار
والصيحة فى الاصل اقران الشىء بالشىء فى زمان ما قبل او كثر وبذلك يكون كل منهما صاحب الآخر وان كانت على المداومة والملازمة يكون كمال الصحبة ويكون الصاحب المصاحب عرفا وقد يطلق على الطرفين حينئذ صابح ومصاحب ايضا ومن ذلك يكنى عن زوجة بالصاحبة وقد يقال للمالك لكثرة صحبته بمملوكه كما قيل له الرب لوقوع تربية المالك على مملوكه فيقال صاحب المال كا يقال رب المال فاطلاق اصحاب النار واصحاب الجنة على أهلهما اما باعتبار الصحبة الابدية والاقتران الدآئم حتى لايقال للعصاة المعذبين بالنار مقدار ماشاء الله اصحاب النار او باعتبار الملك مبالغة ورمزا الى انها جزآء لاهلهما باعتبار كسبهما بأعمالهم الحسنة او السيئة { واصحاب الجنة } الذين اتقوا الله فاستحقوا الخلود فى الجنة قال فى الارشاد لعل تقديم اصحاب النار فى الذكر للايذان من اول الامر بأن القصور الذى ينبىء عنه عدم الاستوآء من جهتهم لامن جهة مقابليهم فان مفهوم عدم الاستوآء بين الشيئين المتفاوتين زيادة ونقصانا وان جاز اعتباره بحب زيادة الزآئد لكن المتبادر اعتباره بحسب نقصان الناقص وعليه قوله تعالى { هل يستوى الاعمى والبصير ام هل تستوى الظلمات والنور } الى غير ذلك من المواضع واما قوله تعالى { هل يتسوى الذين يعلمون والذين لايعلمون } فلعل تقديم الفاضل فيه لان صلته ملكة والاعدام مسبوقة بملكاتها وقال بعضهم قدم اصحاب النار لذكر الذين نسوا الله قبله ولكثرة اهلها ولان او طاعة اكثر الناس بالخوف ثم بالرجاء ثم بالمحبة فى البعض ولا دلالة فى الآية الكريمة على ان المسلم لايقتص بالكافر وان الكفار لايملكون أموال المسلمين بالقهر كما هو مذهب الشافعى لان المراد عدم الاستوآء فى الاحوال الاخروية كما ينبىء عنه التفسير من الفريقين بصاحبية النار وصاحبية الجنة وكذا قوله تعالى { اصحاب الجنة هم الفائزون } فانه استئناف مبين لكيفية عدم الاستوآء بين الفريقين فالفوز الظفر مع حصول السلامة اى هم الفائزون بكل مطلوب الناجون من كل مكروه فهم اهل الكرامة فى الدارين واصحاب النار أهل الهوان فيهما وفيه تنبيه للناس بأنهم لفرط غفلتهم ومحبتهم العاجلة اتباع الشهوات كأنهم لايعرفون الفرق بين الجنة والنار وبين اصحابهما حتى احتاجوا الى الاخبار بعدم الاستوآء كما تقول لمن يعق أباه هو أبوك تجعله بمنزلة من لايعرفه فتنبه بذلك على حق الابوة الذى يقتضى البر والتعطف فكذا نبه الله تعالى الناس بتذكير سوء حال أهل النار وحسن حال أهل الجنة على الاعتبار والاحتراز عن الغفلة ورفع الرأس عن المعاصى والتحاشى من عدم المبالاة قال عليه السلام(15/234)
{ ان أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر الى جنانه وازواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة واكرمهم على الله من ينظر الى وجهه غدوة وعشية } ثم قرأ { وجوده يومئذ ناضرة الى ربها ناضرة } وقال عليه السلام « ان أهون اهل النار عذابا من له نعلان وشرا كان من نار يغلى منهما دماغه كما يغلى المرجل مايرى ان احدا أشد منه عذابا » وروى الشيخ الحجازى ليلة يردد قوله تعالى { وجنة عرضها السموات والارض } ويبكى فقيل له قد ابكتك آية مايبكى عند مثلها فقال فما ينفعنى عرضها اذا لم يكن لى فيها موضع قدم وخرج على سهل الصعلوكى من مسخن حمام يهودى فى طمر أسود من دخانه فقال ألستم ترون الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فقال سهل على البداهة اذا صرت الى عذاب الله كانت هذه جنتك واذا صرت الى نعيم الله كانت هذه سجنى فتعجبوا من كلامه ( قال الشيخ سعدى )
جومارا بدنياتو كردى عزيز ... بعقبى همان جشم داريم نيز
عزيزى وخوارى توبخشى وبس ... عزيز توخوارى نه بيند زكس
خدايا بعزت كه خوارم مكن ... بذل كنه شرمسارم مكن
قال بعض اهل الاشارة اصحاب النار فى الحقيقة اصحاب المجاهدات الذين احترقوا بنيرانها وأصحاب الجنة أصحاب المواصلات الذين وقعوا فى روح المشاهدات وفى الظاهر أصحاب النار أصحاب النفوس والاهوآء الذين أقبلوا على الدنيا وأصحاب الجن اصحاب القلوب والمراقبات قال الحسين النورى قدس سره اصحاب النار اصحاب الرسوم والعادات وأصحاب الجنة أصحاب الحقائق والمشاهدات والمعاينات(15/235)
لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21)
{ لو أنزلنا هذا القرءآن } العظيم الشأن المنزل عليكم ايها الناس المنطوى على فنون القوارع او المنزل عليك يا محمد او على محمد بحسب الالتفات فى الخطاب قال ابن عباس رضى الله عنهما ان السماء اطت يعنى آو ازداد من ثقل الالواح لما وضعها الله عليها فى وقت موسى فبعث الله لكل حرف منها ملكا فلم يطيقوا حلمها فخففها على موسى وكذلك الانجيل على عيسى والفرقان على محمد عليهم السلام ثم انه لايلزم فى الاشارة وجود جملة المشار اليه ذى الابعاض المترتبة وجودا بل يكفى وجود بعض الاشارة حقيقة ووجود بعض آخر حكما ويحتمل أن يكون المشار اليه هنا الآية السابقة من قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا } الخ فان لفظ القرءآن كما يطلق على المجموع يطلق على البعض منه حقيقة بالاشتراك او باللغة او مجازا بالعلاقة فيكون التذكير باعتبار تذكير المشار اليه { على جبل } من الجبال وهى ستى آلاف وستمائمة وثلاثة وسبعون جبلا سوى التلول كما فى زهرة الرياض وهى محركة كل وتد للارض عظم وطال فان انفرد فأكمه وقنة بضم القاف و اعتبر معانية فاستعير واشتق منه بحسبه فقيل فلان جبل لايتد حرج تصور المعنى الثابت وجبله ا لله على كذا اشارة الى ماركب فيه من الطبع الذى يأبى على الناقل نقله { لرأيته } يامن من شأنه الرؤية اويا محمد مع كونه علما فى القسوة وعدم التأثر مما يصدمه { خاشعا } خاضعا ذليلا وهو حال من الضمير المنصوب فى قوله { لرأيته } لانه من الرؤية البصرية قال بعضهم الخشوع انقياد الباطن للحق والخضوع انقياد الظاهر له وقال بعضهم الخضوع فى البدن والخشوع فى الصوت والبصر قال الراغب الخشوع ضراعة واكثر مايستعمل فميا يوجد فى الجوارح والضراعة اكثر ماتستعمل فيما يوجد فى القلب ولذلك قيل فيما روى اذا ضرع القلب خشعت الجوارح { متصدعا من خشية الله } اى متشققا منها أن يعصيه فيعاقبه والصدع شق فى الاجسام الصلبة كالزجاج والحديد ونحوهما ومنه استعير الصداع وهو الانشقاق فى الرأس من الوجع قال العلماء هذا بيان وتصوير لعلو شأن القرءآن وقوة تأثير مافيه من المواعظ أريد به توبيخ الانسان على قسوة قلبه وعدم تخشعه عند تلاوته وقلة تدبره فيه والمعنى لو ركب فى الجبل عقبل وشعور كما ركب فيكم أيها الناس ثم أنزل عليه القرءآن ووعد وأوعد حسب حالكم لخشع وخضع وتصدع من خشية الله حذرا من ان لايؤدى حق الله تعالى فى تعظيم القرءآن والامتثال لما فيه من امره ونهيه والكافر المنكر اقسى منه ولذا لا يتأثر اصلا ( مصراع ) اى دل سنكين تويك ذره سوهان كيرنيست ، وهو كما تقول لمن تعظه ولا ينجع فيه وعظك لو كلمت هذا الحجر لأثر فيه ونظيره قول الامام مالك للشافعى لو رأسيت أبا حنيفة رأيت رجلا لو كلمك فى هذه السارية ان يجعلها ذهبا لقامت حجته(15/236)
دلرا اثر روى توكل بوش كند ... جانرا سخن خوب تو مدهوش كند
آتش كه شراب وصل تونوش كند ... از لطف تو سوختن فراموش كند
يقول الفقير فيه ذهول عن ان الله تعالى خلق الاشياء كلها ذات حياة وادراك فى الحقيقة والا لما اندك الجبل عند التجلى وملا شهد للمؤذن كل رطب ويابس سمع صوته ونحو ذلك وقد كاشف عن هذه الحياة اهل الله وغفل عنها المحجوبون على ما حقيق مرارا نعم فرق بين الجبل عند التجلى وعندما أنزل عليه القرءآن وبينه عند الاستتار وعدم الانزال فان اثر الحياة فى الصورة الاولى محسوس مشاهد للعامة والخاصة واما فى الصورة الثانية فمحسوس للخاصة فقط فاعرف { وتلك الامثال } اشارة الى هذا المثل والى امثاله فى مواضع من التنزيل اى هذا القول الغريب فى عظمة القرءآن ودناءة حال الانسان وبيان صفتهما العجيبة وسائر الامثال الواقعة فى القرءآن فان لفظ المثل حقيقة عرفية فى القول السائر ثم يستعار لكل امر غريب وصفة عجيبة الشان تشبيها له بالقول السائر فى الغرابة لانه لابخلو عن غرابة { نضربها للناس } بيان ميكنيم مرانسانرا قد جاء فى سورة الزمر ولقد ضربنا للناس فى هذا القرءآن من كل مثال بالاخبار على المضى مع انها مكية وقال هنا نضربها بالاستقبال مع ان السورة مدنية فلعل الاول من قبيل عدما سيحقق مما حقق لتحققه بلا خلاف والثانى من قبيل التعبير عن الماضى بالمضارع لاحضار الحال او لارادة الاستمرار على الاحوال بمعنى ان شأننا ان نضرب الامثال للناس { لعلهم يتفكرون } اى لمصلحة التفكر ومنفعة التذكر ، يعنى شايد كه انديشه كنند دران وبهره بردارند ازان بايمان ، ولا يقتضى كون الفعل معللا بالحكمة والمصلحة ان يكون معللا بالغرض حتى تكون افعاله تعالى معلة بالاغراض اذا الغرض من الاحتياج والحكمة اللطف بالمحتاج وعن بعض العلماء انه قال من عجز عن ثمانية فعليه بثمانية اخرى لينال فضلها من أراد فضل صلاة الليل وهو نائم فلا يعص بالنهار ومن أراد فضل صيام التطوع وهو مفطر فليحفظ لسانه عما لايعنيه ومن أراد فضل العلماء فعليه بالتفكر ومن أراد فضل المجاهدين والغزاة وهو قاعد فى بيته فليجاهد الشيطان ومن أراد فضل الصدقة وهو عاجز فليعلم الناس ماسمع من العلم ومن أراد فضل الحج وهو عاجز فليتزم الجمعة ومن اراد فضل العابدين فليصلح بين الناس ولا يوقع العداوة ومن أراد فضل الابدال فليضع يده على صدره ويرضى لاخيه مايرضى لنفسه قال عليه السلام « اعطوأ اعينكم حظها من العبادة » قالوا ماحظها من العبادة يارسول الله قال(15/237)
« النظر فى المصحف والتفكر فيه والاعتبار عند عجائبه » ( وفى المثنوى )
خوش بيان كرد آن حكيم غزنوى ... بهر محجوبان مثال معنوى
كه ز قرآن كرنه بيند غير قال ... اين عجب نبودزاصحاب ضلال
كز شعاع آفتاب برز نور ... غير كرمى مى نيابد جشم كور
وعن ابن عباس رضى الله عنهما ركعتان مقتصدتان فى تفكر خير من قيام اليلة بلا قلب وعن الحسن البصرى رحمه الله من لم يكن كلامه حكمة فهو لغو ومن لم يكن سكوته تفكرا فهو سهو ومن لم يكن نظره عبرة فهو لهو وعن أبى سليمان رحمه الله الفكرة فى الدنيا حجاب عن الآخرة وعقوبة لاهل الولاية والفكرة فى الآخرة تورث الحكمة وتحيى القلب وكثيرا ماينشد سفيان بن عيينة ويقول
اذا المرء كانت له فكرة ... ففى كل شىء له عبرة
والتفكر اما أن يكون فى الخالق او الخلق والاول اما فى ذاته او فى صفاته او فى افعاله اما فى ذاته فممنوع لانه لايعرف الله الا الله الا أن يكون التفكر فى ذاته باعتبار عظمته وجلاله وكبريائه من حيث وجوب الوجود ودوام البقاء وامتناع الامكان والفناء والصمدية التى هى الاستغناء عن الكل واما فى صفاته فهو فيها باعتبار كمالها بحيث يحيط علمه بجميع المعلومات وقدرته بجميع الاشياء وارادته بجميع الكائنات وسمعه بجميع المسموعات وبصره بجميع المبصرات ونحو ذلك واما فى افعاله فهو فيها بحسب شمولها وكثرتها ومتانتها ووقوعها على الوجه الاتم كل يوم هو فى شأن والثانى اما أن يكون فيما كان من العلويات والسفليات اوفيما سيكون من اهوال القيامة واحوال الآخرة الى الآباد قال بعض العارفين الفكر اما فى آيات الله وصنائعه فيتولد منه المعرفة واما فى عظمة الله وقدرته فيتولد منه الحياة واما فى نعم الله ومنته فيتولد منه المحبة واما فى وعد الله بالثواب فيتولد منه الرغبة فى الطاعة وما فى وعيد الله بالعقاب فيتولد منه الرهبة من المعصية واما فى تفريط العبد فى جنب الله فيتولد منه الحياء والندامة والتوبة ومن مهمات التفكر أن يتفكر المتفكر فى امر نفسه من مبدأه ومعاشه ومن اطاعته لربه ببدنه ولسانه وفؤاده ولو صرف عمره فى فكر نفسه نظرا الى اول أمره واوسطه وآخره لما اتم وفى الآية اشارة الى ان الله لو تجلى بصورة القرءآن الجمعى المشتمل على حروف الموجودات العلوية وكلمات المخلوقات السفلية على جبل الوجود الانسانى لتلاشى من سطوة التجلى والى ان العارف ينبغى أن يذوب تحت الخطاب الالهى من شدة التأثير والى ان هذه الامة حملوا بهمتهم مالم تحمله الجبال بقوتها كما قال تعالى { فأبين أن يحلمنها وأشقفن منها وحملها الانسان }(15/238)
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22)
{ هو الله الذى لا اله الا هو } هو فى اصل وضعه كناية عن المفرد المذكر الغائب وهى كناية عن المفردة المؤنثة الغائبة وكثيرا مايكنى به عمن لايتصور فيه الذكورة والانوثة كما هو ههنا فانه راجع الى الله تعالى للعلم به ولك أن تقول هو موضوع لمفرد ليس فيه تأنيث حقيقة وحكما وهر لمفرد يكون فيه ذلك وهو مبتدأ خبره لفظة الله بمعنى هو المعبود بالحق المسمى بهذا الاسم الاعظم الدال على جلال الذات وكمال الصفات فلا يلزم أن يتحد المبتدأ والخبر بأن يكون التقدير الله الله اذ لا فائدة فيه او الله بدل من هو والموصول مع صلته خبر المبتدأ او هو اشارة الى الشان والله مبتدأ والذى لا اله الا هو خبره والجملة خبر ضمير الشان ولا فى كلمة التوحيد لنفى فراد الجنس على الشمول والاستغراق واله مبنى على الفتح بها مرفوع المحل على الابتدآء والمراد به جنس المعبود بالحق لا مطلق جنس المعبود حقا او باطلا والا فلا يصح فى نفسه لتعدد الآلهة الباطلة ولا يفيد التوحيد الحق والا هو مرفوع على البدلية من محل المنفى او من ضمير الخبر المقدر للا والخبر قد يقدر موجود فيتوهم ان التوحيد يكون باعتبار الوجود لا الامكان فان نفى وجود اله غير الله لايستلزم نفى امكانه وقد يقدر ممكن فيتوهم ان اثبات الامكان لايقتضى الوقوع فكم من شىء ممكن لم يقع وقد يقدر لنا فيتوهم انه لابد من مقدر فيعود الكلام والجواب انه اذا كان المراد بالاله المعبود بالحق كما ذكر فهو لايكون الا ربع العالمين مستحقا لعبادة المكلفين فاذا نفيت الالوهية على هذا المعنى عن غيره تعالى واثبتت له سبحانه يندفع التوهم على التقدير كلها ان قيل ان أراد القائل لا اله الا الله شمول النفى له تعالى ولغيره فهو مشكل نعوذ بالله مع ان الاستثناء يكون كاذبا وان أراد شموله لغيره فقط فلا حاجة الى الاستنثاء أجيب بأن مراده فى قلبه هو الثانى الا انه يرى التعميم ظاهرا فى اول الامر ليكون الاثبات بالاستنثاء آكد فى آخر الامر فالمعنى لا اله غيره وهذا حال الاستثناء مطلقا قال الشيخ أبو القاسم هذا القول وان كان ابتدآؤه النفى لكن المراد به الاثبات ونهاية التحقيق فان قول القائل لا الخ لى سواك ولا معين لى غيرك آكد من قوله أنت أخى ومعينى كل من لا اله الا الله ولا اله الا هو كلمة توحيد لو روده فى القرءآن بخلاف لا اله الا الرحمن فانه ليس بتوحيد مع ان اطلاق الرحمن على غيره تعالى غير جائز واطلاق هو جائز نعم ان الاولى كونه توحيدا الا انه لم يشتهر به التوحيد اصالة بخلافهما .(15/239)
اعلم ان هو من اسماء الذات عند اهل المعرفة لانه بانفراده عن انضمام لفظ آخر اشارة الى الله مستجمع لجميع الصفات المدلول عليها بالاسماء الحسنى فهو جملة الاذكار عند الابرار قال الامام القشيرى رحمه الله هو للاشارة وهو عند هذه الطائفة اخبار عن نهاية التحقيق فاذا قلت هو لايسبق الى قلوبهم غيره تعالى فيكتفون به عن كل بيان يتلوه لاستهلاكهم فى حقائق القرب واستيلاء ذكر الحق على اسرارهم وقال الامام الفاضل محمد بن أبو بكر الرازى رحمه الله فى شرح الاسماء الحسنى ، اعلم ان هذا الاسم عند اهل الظاهر مبتدأ يحتاج الى خبر ليتم الكلام وعند اهل الطريق لايحتاج بل هو مفيد وكلام تام بدون شىء آخر يتصل به او يضم له لاستهلاكهم فى حقائق القرب واستيلاء ذكر الحق على اسرارهم وقال الشيخ العارف احمد الغزالى آخو الامام محمد الغزالى رحمه الله كاشف القلوب بقوله لا اله الا الله وكاشف الارواح بقو ل الله وكاشف الاسرار بقول هو هو لا الا الله قوت القلوب والله قوت الارواح وهو قوت الاسرار فلا اله الا الله مغناطيس القلوب والله مغناطيس الارواح وهو مغناطيس الاسرار والقلب والروح والسر بمنزلة درة فى صدفة فى حقة فانظر انه رحمه الله فى اى درجة وضع هو عن بعض المشايخ رأيت بعض الوالهين فقلت له ما اسمك فقال هو قلت من أنت قال هو قلت من أين تجيىء قال هو قلت من تعنى بقولك هو قال هو فما سألته عن شىء الا قال هو فقلت لعلك تريد الله فصاح وخرجت روحه فكن من الذاكرين بهو ولا تلتفت الى المخالفين فانهم من اهل لاهوآء ولكل من العقل والنفس والقلب والروح معنيان اما العقل فيطلق على قوة دراكة توجد فى الانسان بها يدرك مدركاته وعلى لطيفة ربانية هى حقيقة الانسان المستخدمة للبدن فى الامور الدنيوية والاخروية وهى العالم والعارف والعاقل وهى الجاهل والقاصر والغافل الى غير ذلك وكذا النفس تطلق على صفة كائنه فى الانسان جامعة للاخلاق المذمومة داعية الى الشهوات باعثة على الاهوآء والآفات وتطلق على تلك اللطيفة المذكورةكما قال بعض الافاضل
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته ... وتطلب الربح مما فيه خسران
عليك بالنفس فاستكمل فضائلها ... فأنت بالنفس لا بالجسم انسان
وكذا القلب يطلق على قطعة لحم صنوبرية تكون فى جوف الانسان وعلى تلك اللطيفة وكذا الروح يطلق على جسم لطيف وعلى اللطيفة الربانية المذكورة فكل من الالفاظ الأربعة يطلق على نفس الانسان الذى هو المتكلم والمخاطب والمثاب والمعاقب بالاصالة وتبيعتها يقع الثواب والعقاب للجسد الذى هو القفص لها فالتغاير على هذا اعتبارى فان النفس نفس باعتبار انها نفس الشىء وذاته وعقل باعتبار ادراكها وقلب باعتبار انقلابها من شىء الى شىء وروح باعتبار استراحتها بما يلائمها وتستلذ به وعلى المعانى الأخر لهن حقيقى ثم ان النفس اما أن تكون تابعة للهوى فهى الامارة لمبالغة أمرها للاعضاء بالسيئات فذكر دآئرة النفس لا اله الا الله واما أن يهب الله له الانصاف والندامة على تقصيراتها والميل الى التدارك لما فات من المهمات فهى اللوامة للومها صاحبها بل نفسها على سوء عملها فذكر هذه الدآئرة الله الله ويقال لها دىئرة القلب لانقلابها الى جانب الحق واما أن تطمئن الى الحق وتستقر فى الطاعة وتتلذذ بالعبادة فهى المطمئنة لاطمئنانها تحت أمر الله بحب الله ويقال لهذه الدآئرة دآئرة الروح لاستراحتها بعبادة الله وذكره وتلذذها بشكره وذكر هذ الدآئرة هو هو واما ماقال بعض الكبار من ان الذكر بلا اله الا الله أفضل من الذكر بكلمة الله الله وهو هو من حيث انها جامعة بين النفى والاثبات ومحتوية على زيادة العلم والمعرفة فبالنسبة الى حال المبتدى فكلمة التوحيد تظهر مرءآة النفس بنارها فتوصل السالك الى دآئرة القلب وكلمة الله تنور القلب بنورها فتوصل الى دائرة الروح وكلمة هو تجلى الروح فتوصل من شاء الله الى دآئرة السر والسر لفظ استأثره المشايخ للحقيقة التى هى ثمرة الطريقة التى هى خلاصة الشريعة التى هى لازمة القبول لكل مؤمن اما أخذا مما روى عن النبى عليه السلام انه قال حكاية عن الله(15/240)
« بينى وبين عبدى سر لايسعه ملك مقرب ولا نبى مرسل » واما لكونه مستورا عن اكثر الناس ليس من لوازم الشريعة والطريقة ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم يشهد الله اينما يبد واه لا اله الا هو
هست هر ذره بو خدت خويش ... بيش عارف كواه وحدت او
باك كن جامى از غبار دويى ... لو خاطر كه حق يكيست نه دو
{ عالم الغيب والشهادة } اللام للاستغراق فيعلم كل غيب وكل شهادة اى ماغاب عن الحسن من الجواهر القدسية واحوالها وما حضر له من الاجرام واعراضها ومن المعدوم والموجود فالمراد بالغيب حينئذ ماغاب عن الوجود ومن السر والعلانية ومن الآخرة والاولى ونحو ذلك قال الراغب ماغاب عن حواس الناس وبصائرهم وما شهدوه بهما والمعلومات او معدومات يمتنع وجودها او معدومات يمكن وجودها واما موجودات يمتنع عدمها او موجودات لايمتنع عدمه ولكل من هذه الاقسام الاربعة احكام وخواص والكل معلوم لله تعالى وقدم الغيب على الشهادة لتقدمه فى الوجود وعلق العلم القديم به من حيث كونه موجودا ، واعلم ان ماورد من اسناد علم الغيب الى الله فهو الغيب بالنسبة الينا لا بالنسبة اليه تعالى لانه لايخفى على الله شىء فى الارض ولا فى السماء واذا انتفى الغيب بالنسبة اليه انتفى العلم به ايضا وايضا لما سقطت جميع النسب والاضافات فى مرتبة الذات البحت والهوية انتفت النسبة العلمية مطلقا فانتفى العلم بالغيب فافهم { هو الرحمن الرحيم } كرر هو لان له شأنا شريفا ومقاما منيفا من اشتغل به ملك من اعرض عنه هلك والله تعالى رحمته الدنيوية عامة لكل انسى وجنى مؤمنا كان او كافار(15/241)
اديم زمني سفره عام اوست ... برين خان يغما جه دشمن جه دوست
على ما قال عليه السلام أيها الناس ان الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر وان الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك عادل قادر يحق فيها الحق ويبطل الباطل كونوا من ابناء الآخرة ولا تكونوا من ابناء الدنيا فان كل ام يتبعها ولدها ولذلك يقال يارحمن الدنيا لان مافيه زيادة حرف يراد به زيادة فى المعنى ورحمته الاخروية خاصة بالمؤمنين ولذا يقال يارحيم الآخرة فعلى هذا فى معنى الرحمن زيادة باعتبار المنعم عليه ونقصان باعتبار الانواع والافراد فى تخصيص هذين الاسمين المنبيئن عن وفور رحمته فى الدارين تنبيه على سبق رحمته وتبشير للعاصين أن لايقنطوا من رحمة الله وتنشيط للمطيعين بأنه يقبل القليل ويعطى الجزيل وحظ العبد من اسم الرحمن الرحيم أن يكون كثير الرحمة بأن يرحم نفسه اولا ظاهرا وباطنا ثم يرحم غيره بتحصيل مراده وارشاده والنظر اليه بعين الرحمة كما قال بعض المشايخ
وارحم جميع الخالق كلهموا ... وانظر اليهم بعين اللطف والشفقة
وقر كبير همو وارحم صغير همو ... وراع فى كل خلق حق من خلقه
قال الزروقى رحمه الله كل الاسماء يصح التخلق بمعانيها الا الاسم الله فانه للتعلق فقط وكل الاسماء راجعة اليه فالمعرفة به معرفة بها ولابد للعبد من قلب مفرد فيه توحيد مجرد وسر مفرد وبه يحصل جميع المقاصد سئل الجنيد قدس سره كيف السبيل الى الانقطاع الى الله تعالى قال بتوبة الاصرار وخوف يزيل التسويف ورجاء يبعث على مسالك لعمل واهانة النفس بقربها من الاجل وبعدها من الأمل قيل له بما يصل العبد الى هذا قال بقلب مفرد فيه توحيد مجرد انهى وهو عجيب وفى التأويلات النجمية تشير الآية الى هويته الجامعة عالم غيب الوجود المسمى باسم الباطن وعالم الشهادة الوجود المسمى باسم الظاهر وهو الرحمن الرحيم اى هو المتجلى بالتجلى الرحمانى العام وهو المتجلى بالتجلى الرحيمى الخاص وهو المطلق عن العموم والخصوص فى عين العموم والخصوص غير اعتباراته وحيثياته(15/242)
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)
{ هو الله الذى لا اله الا هو } كرر هو لابراز الاعتناء بامر التوحيد يعنى اوست خداى كه بهيج وجه نيست خداى سزاى برستش مكروى { الملك } بادشاهى كه جلال ذاتش ازوجه احتياج مصونست وكما صفاتش باستغناء مطلق مقرون فمعناه ذو الملك والسلطان والملك بالضم هو التصرف بالامر والنهى فى الجمهور وذلك يختص بسياسة الناطقين ولهذا يقال ملك الناس ولا يقال ملك الاشياء فقوله تعالى { ملك يوم الدين } تقديره الملك فى يوم الدين كما فى المفردات وعبدالملك هو الذى يملك نفسه وغيره بالتصرف فيه بما شاء الله وامره به فهو أشد الخلق على خليقته قال الامام الغزالى قدس سره مملكة العبد الخاصة به قلبه وقالبه وجنده شهوته وغضبه وهواه ورعيته لسانه وعيناه ويداه وسائر اعضائه فاذا ملكها ولم يطعها فقد نال تملكه درجة الملك فى عالمه ( قال الشيخ سعدى )
وجود توشهريست برنيك وبد ... توسلطان ودستور دانا خرد
هما ناكه دونان كردن فراز ... درين شهر كبرست وسودا وآز
جو سلطان عنايت كند بابدان ... كجا ماند آسايش بخردان
فان انظم اليه استغناؤه عن كل الناس واحتاج الناس كلهم اليه وفى حياتهم العاجلة والآجلة فهو الملك فى العالم العرضى وتلك رتبة الانبياء عليهم السلام فانهم استغنوا فى الهداية الى الحياة الآخرة عن كل احد الا عن الله تعالى واحتاج اليهم كل احد ويليهم فى هذا الملك العلماء الذين هم ورثة الانبياء وانما ملكهم بقدر مقدرتهم على ارشاد العباد واستغنائهم عن الاسترشاد وهذا الملك عطية للعبد من الملك الحق الذى لامثنوية فى ملكه والافلا ملك للعبد كما قيل لبعض العارفين الك ملك فقال انا عبد لمولاى فليس لى نملة فمن انا حتى اقول لى شء هذا كلام من استغرق فى ملاحظة ملكية الله ومالكيته فما حكى ان بعض الآمراء قال لبعض الصلحاء سلنى حاجتك قال أولى تقول هذا ولي عبدان هما سيداك قال من هما قال الشهوة والغضب وفى بعض الرواية الحرص والهوى غلبتهما وغلباك وملكتهما وملكاك فهو اخبار عن لطف الله وتمليكه من ضبط نفسه واستخدامها فيما يرضاه الهل نصحا لذلك الأمير ولغيره من السامعين شاهدين او غائبين قال بعضهم لبعض الشيوخ اوصنى فقال كن ملكا فى الدنيا تكن ملكا فى الآخرة معناه اقطع طمعك وشهوتك فى الدنيا فان الملك فى الحرية والاستغناء ومن مقالات أبى يزيد البسطامى قدس سره فى مناجاته الهى ملكى اعظم من ملكك وذلك لان الله تعلى ملك أبا يزيد وهو متناه وأبا يزيد ملك الهل وهو باق غير متناه وخاصية اسم الملك صفاء القلب حصول الفناء الاهمرة ونحوها فمن واضب عليه وقت الزوال كل يوم مائة مرة صفا قلبه وزال كدره ومن قرأه بعد الفجر مائة واحدى وعشرين مرة اغناه الله من فضله اما باسباب او بغيرها { القدوس } وهو من صيغ المالبغة من القدس وهو النزاهة والطهارة اى البليغ فى النزاهة عما يوجب نقصانا ما وعن كل عيب وهو بالعبرى قديسا ونظيره السبوح وفى تسبيح الملائكة سبوح قدوس رب الملائكة والروح قال الزمخشرى ان الضفادع تقول فى نقيقها سبحان الله الملكم القدوس قال ثعلب كل اسم على فعول فهو مفتوح الاول الا السبوح القدوس فان الضم فيهما اكثر وقد يفتحان وقال بعضهم المفتوح قليل فى الصفات كثير فى الاسماء مثل التنور والسمور والسفود وغيرها قال بعض المشايخ حقيقة القدس الاعتلاء عن قبول التغير ومنه الارض المقدسة لانها لاتتغير بملك الكافر كما يتغير غيرها من الارضين واتبع هذا الاسم اسم الملك لما يعرض للملوك من تغير أحوالهم بالجور والظلم والاعتدآء فى الاحكام وفيما يترتب عليها فان ملكه تعالى لايعرض له مايغيره لاستحالة ذلكفى وصفه وقال بعضهم التقديس التطهير وروح القدس جبريل عليه السلام لانه ينزل بالقدس من الله اى مايطهر به نفوسنا من القرءآن والحكمة والفيض الالهى والبيت المقدس هو المطهر من النجاسة اى الشرك او لانه يتطهر فيه من الذنوب وكذلك الارض المقدسة وحظيرة القدس الجنة ( قال الكاشفى ) قدوس يعنى باك از شوائب مناقص ومعايب ومنزه از طوق آفات ونوايب .(15/243)
وقال الامام الغزالى رحمه الله هن المنزه عن كل وصف يدركه حس او يتصوره خيال او يسبق اليه وهم او يختلج به ضمير أو يفضى به تفكر وليست أقول منزه عن العيوب والنقائض فان ذلك يكاد يقرب من ترك الأدب فليس من الأدب ان يقول القائل ملك البلد ليس بحائك ولا حجام ولا حذآء فان نفى الوجود يكاد يوهم امكان الوجود وفى ذلك الايهام نقص بل أقول القدوس هو المنزه عن كل وصف من اوصاف الكمال الذى يظنه اكثر الخلق كما لا قال الزروقى رحمه الله كل تنزيه توجه الخلق به الى الخالق فهو عائد اليهم لان الحق سبحانه فى جلاله لا يقبل ما يحتاج للتنزيه منه لاتصافه بعلى الصفات وكريم الاسماء وجميل الافعال على الاطلاق فليس لنا من تقدسه الا معرفة انه القدوس فافهم وعبد القدوس هو الذى قدسه الله عن الاحتجاب فلا يسع قلبه غير الله وهو الذى يسع قلبه الحق كما قال لايسعنى ارضى وسمائى ويسعنى قلب عبدى ومن وسع الحق قدس عن الغير اذا لايبقى عند تجلى الحق شىء غيره فلا يسع القدوس الا القلب المقدس عن الاكوان قال بعضهم حظ العارف منه أن يتحقق انه لايحق الوصول الا بعد العروج من عالم الشهادة الى عالم الغيب وتنزيه السر عن المتخيلات والمحسوسات والتطواف حول العلوم الالهية والمعارف الزكية عن تعلقات الحس والخيال وتطهير القصد عن أن يحوم حول الحظوظ الحيوانية واللذآئذ الجسمانية فيقبل بشرا شره على الله سبحانه شوقا الى لقائه مقصور الهم على معارفه ومطالعة جماله حتى يصل الى جناب العز وينزل بحبوحة القدس وخاصية هذا الاسم انه اذا كتب سبوح قدوس رب الملائكة والروح على خبز اثر صلاة الجمعة واكله يفتح الله له العبادة ويسلمه من الآفات وذلك بعد ذكر عدد ماوقع عليه وفى الأربعين الادريسية ياقدوس الطاهر من كل آفة فلا شىء يعادله من خلقه قال السهر وردى من قرأه كل يوم الف مرة فى خلوة اربعين يوما شمله بما يريد وظهرت له قوة التأثير فى العالم { السلام } ذو السلامة من كل آفة ونقص وبالفارسية سالم از عيوب وعلل ومبرا از ضعف وعجز وخلل وهو مصدر بمعنى السلامة وصف به للمبالغة لكونه سليما من النقائض او فى اعطائه السلامة فيكون بمعنى التسليم كالكلام بمعنى التكليم فما ورد من قوله أنت السلام معناه أنت الذى سلم من كل عيب وبرىء من كل نقص وقوله ومنك السلام اى الذى يعطى السلامة فيسلم العاجز من المكاره ويخلصه من الشدآئد فى الدارين ويستر ذنوب المؤمنين وعيوبهم فيسلمون من الخزى يوم القيامة او يسلم على المؤمنين فى الجنة لقوله تعالى(15/244)
{ سلاما قولا من رب رحيم } وقوله واليك يرجع السلام اشارة الى ان كل من عليها فان ويبقى وجه ربك وقوله وحينا ربنا بالسلام طلب السلامة منه فى الحياة الدنيا وفى الآخرة قال الامام الغزالى رحمه الله ه الذى يسلم ذاته من العيب وصفاته من النقص وافعاله من الشر يعنى ليس فى فعله شر محض بل فى ضمنه خير اعظم منه فالمقضى بالاصالة هو الخير وهو والقدوس من الاسماء الذاتية الا أن يكون بمعنى المسلم قال الراغب السلام والسلامة التعرى من الآقات الظاهرة الباطنة قيل وصف الله بالسلام من حيث لا تلحقه العيوب والآفات التى تلحق الخلق انتهى وعبد السلام هو الذى تجلى له اسم السلام فسلمه من كل نقص آفاة وعيب فكل عبد سلم من الغش والحقد والحسد وارادة الشر قلبه وسلم من الآثام والمحظورات جوارحه وسلم من الانتكاس والانعكاس صفاته فهو الذى يأتى الله بقلب سليم وهو السلام من العباد القريب فى وصفه من السلام المطلق الحق الذى لامثنوية فى صفاته وأعنى بالانتكاس فى صفاته أن يكون عقله أسير شهوته وغضبه اذ الحق عكسه هو أن تكون الشهوة والغضب اسيرى العقل وطوعه فاذا انعكس فقد انتكس ولا سلامة حيث يصير الأمير مأمورا والملك عبدا ولن يوصف بالسلام والاسلام الا من سلم المسلمون من لسانه ويده وخاصية هذا الاسم صرف المصائب والآلام حتى انه اذا قرىء على مريض مائة واحدى عشرة مرة برىء بفضل الله مالم يحضر اجله او يخفف عنه { المؤمن } اى الموحد نفسه بقوله(15/245)
{ شهد الكله انه لا اله الا هو } قاله الزجاج او واهب الأمن وهو طمأنينة النفس وزوال الخوف قال ابن عباس رضى الله عنهما هو الذى آمن الناس من ظلمه وآمن من آمن من عذابه وهو من الايمان الذى هو ضد التخويف كما فى قوله تعالى { وآمنهم من خوف } وعنه ايضا انه قال اذا كان يوم القايمة اخرج أهل التوحيد من النار واول من يخرج من وافق اسمه اسم نبى حتى اذا لم يبق فيها من يوافق اسمه اسم نبى قال الله لباقه أنتم المسلمون وانا السلام وأنتم المؤمنون وانا المؤمن فيخرجهم من النار ببركة هذين الاسمين ( قال الكاشفى ) ايمن كننده مؤمنان ازعقوبت نيران با داعى خلق بايمان وامان يامصدق رسل باظهار معجزه وبرهان ، قال الامام الغزالى رحمه الله المؤمن المطلق هو الذى لايتصور امن وامان الا ويكون مستفادا من جهته وهو الله تعالى وليس يخفى ان الاعمى يخاف أن يناله هلاك من حيث لايرى فعينه البصيرة تفيد امنا منه والأقطع يخاف آفة لاتندفع الا باليد واليد السليمة أمان منها وهكذا جميع الحواس والاطراف ولمؤمن خالقها ومصورها ومقومها ولو قدرنا انسانا وحده مطلوبا من جهة اعدآئه وهو ملقى فى مضيق لاتتحرك عليه اعضاؤه لضعفه وان تحركت فلا سلاح معه وان كان معه سلاح لم يقاوم اعدآءه وحده وان كانت له جنود لم يأمن ان تنكسر جنوده ولا يجد حصنا يأوى اليه فجاء من عالج ضعفه فقواه وامده بجنود واسلحة وبنى حوله حصنا فقد افاده امنا وامانا فبالحرى أن يسمى مؤمنا فى حقه والعبد ضعيف فى اصل فطرته وهو عرضة الامراض والجوع والعطش من باطنه وعرضة الآفات المحرقة والمغرفة والجارحة والكاسرة من طاهره ولم يؤمنه من هذه المخاوف الا الذى اعد الادوية دافعه لامراضه والاطعمة مزيلة لجوعه والأشربة مميطة لعطشه والاعضاء دافعة عن بدنه والحواس جواسيس منذرة بما يقرب من مهلكاته ثم خوفه الأعظم من هلاك الآخرة ولايحصنه منها الا كلمة التوحيد والله هاديه اليها ومرغبه فيها حيث قال لاله الا الله حصنى فمن دخله أمن من عذابى فلا امن فى العالم الا وهومستفاد من اسباب هو منفرد بخلقها والهداية الى استعمالها وعبد المؤمن هو الذى آمنه الله من العقاب وآمنه الناس على ذواتهم وأموالهم واعراضهم ومن المصطلحات فحظ العبد من هذا الوصف أن يأمن الخلق كلهم جانبه بل يرجو كل خائف الاعتضاد به فى دفع الهلاك عن نفسه فى دينه ودنياه كما قال عليه السلام « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليؤمن من جاره بوآئقه » فى ترجمة وصايا الفتوحات واكر خواهى كه از هيجكس نترسى هيج كس را مترسان تا ازهمه آمن باشى جون همه كسى ازتو آمن باشند شيخ اكبر قدس سره الاطهر فرموده كه در عنفوان شباب كه هنوز بدين طريق رجوع نكرده بودم در صحبت والده وجمعى در سفر بودم ناكاه ديدم كله كور خردر مرعى ومن برصيد ايشان عظيم حريص بودم وكو دكان من باره دور بودند در نفس من اين فكر افتادكه ايشانرا نر نجانم ودل بران نهادم وخاطررا برترك تعرض وايذاى ايشان تكين كردم وحصانى كه بروى سوار يودم بجانب ايشان ميل ميكرد سر او محكم كردم ونيزه بدست من بود جون بديشان رسيدم ودرميانه ايشان در آدم وقت بودكه سنان نيزه ببعضى ميرسيد واودر جرا كردن خود بود والله هيج يكى سر بر نداشت تامن از ميان ايشان كذشتم بعد ازان كود كان وغلامان رسيدند وآن جماعات حمر وحش از ايشان رميدند ومتفرق شدند ومن سبب آن نمى دانستم تا وقنى كه بطريق الله رجوع كردم ومرا در معامله نظر افتاد دانستم كه آن امان كه در نفس من بود در نفوس ايشان سرايت كرد واحق العباد بأسم المومن من كان سببا لأمن الحق من عذاب الله بالهداية الى طريق الله والارشاد الى سبيل النجاة وهذه حرفة الانبياء والعلماء ولذلك قال عليه السلام(15/246)
« انكم تتهافتون فى النار تهافت الفراش وانا آخذ بحجزكم » لعلك تقول الخوف من الله على الحقيقة فلا مخوف الا هو فهو الذى خوف عباده وه الذى خلق اسباب الخوف فكيف ينسب اليه الا من فجوابك ان الخوف مه والأمن منه وهو خالق سبب الأمن والخوف جميعا وكونه مخوفا لايمنع كونه مؤمنا كما ان كونه مذلا لم يمنع كونه معزا بل هو المعز والمذل وكونه خافضا لم يمنع كونه رافعا بل هو الرافع الخافض فكذلك هو المؤمن المخيف لكن المؤمن ورد التوقيف به خاصة دون المخوف وخاصية هذا الاسم وجود التأمين وحصول الصدق والتصديق وقوة الايمان فى العموم لذاكره ومن ذلك أن يذكره الخائف ستا وثلاثين مرة فانه يأمن على نفسه وماله ويزاد فى ذلك بحسب القوة والضعف { المهيمن } قال بعض المشايخ هذا الاسم من اسمائه التى علت بعلو معناها عن مجارى الاشتقاق فلا يعلم تأويله الا الله تعالى وقال بعضهم هو المبالغ فى الحفظ والصيانة عن المضار من قولهم هيمن الطائر اذا نشر جناحه على فرخه حماية له وفى الارشاد الرقيب الحافظ لكل شىء وقال الزروقى هو لغة الشاهد ومنه قوله تعالى { ومهيمنا عليه } يعنى شاهدا عالما وقال بعضهم مفيعل من الامن ضد الخوف واصله مؤأمن بهمزتين فقلبت الهمزة الثانية ياء لكراهة اجتماعهما فصار مؤيمن ثم سيرت الاولى هاء كما قالوا فى أراق الماء هراقه فيكون فى معنى المؤمن ( حكى ) ان ابن قتيبة لما قال فى المهيمن انه مصغر من مؤمن والاصل مؤيمن فأبدلت الهمزة هاء قيل له هذا يقرب من الكفر فليتق الله قائله وذلك لان فيه ترك التعظيم وقال الامام الغزالى رحمه الله معنى المهيمن فى حق الله انه القائم على خلقه باعمالهم وارزاقهم وآجالهم وانما قيامه عليهم باطلاعه واستيلائه وحفظه وكل مشرف على كنه الامر مستول عليه حافظ له فهو مهيمن عليه والاشراف يرجع الى العلم والاستيلاء الى كمال القدرة والحفظ الى الفعل فالجامع بين هذه المعانى اسمه المهيمن ولن يجمع ذلك على الاطلاق والكمال الا الله تعالى ولذلك قيل انه من اسماء الله تعالى فى الكتب القديمة وعبدالمهيمن هو الذى شاهد كون الحق رقيبا شهيدا على كل شىء فهو يرقب نفسه وغيره بايفاء حق كل ذى حق عليه لكونه مظهر الاسم المهيمن يعنى حظ العارف منه أن يراقب قلبه ويحفظ قواه وجوارحه ويأخذ حذره من الشيطان ويقوم بمراقبة عباد الله وحفظهم فمن عرف انه المهيمن خضع تحت جلاله وراقبه فى كل احواله واستحيى من اطلاعه عليه فقام بمقام المراقبة لديه ( حكى ) ان ابراهيم بن أدهم رحمه الله كان يصلى قاعدا فجلس ومد رجليه فهتف به هاتف هكذا تجالس الملوك وان الحريرى كان لايمد رجليه فى الخلوة فقيل له ليس يراك احد فقا حفظ الأدب مع الله احق .(15/247)
يقول الفقير يقرب من هذا ما وقع لى عند الكعبة فانى بعدما طفت بالبيت استندت الى مقام ابراهيم حباله فقيل لى من قبل الله تعالى ماهذا البعد عين القرب فعلمت ان ذلك من ترك الأدب فى مجالسة الله معى فلم ازل ألازم باب الكعبة فى الصف الاول مدة مجاورتى بمكة وخاصية هذا الاسم الاشراف على البواطن والاسرار ومن قرأة مائة مرة بعد الغسل والصلاة فى خلوة بجمع خاطر نال ماأراد ومن نسبته المعنوية علام الغيوب عند التأمل وفى الاربعين الادريسية ياعلام الغيوب فلا يفوت شىء من علمه ولا يؤوده قال السهرودى من دوام عليه قوى حفظه وذهب نسيانه { العزيز } غالب در حكم يابخشنده عزت ، قال بعضهم من عز اذا غلب فمرجعه القدرة المتعالية عن المعارضة والممانعة اومن عز عزازة اذا قل فالمراد عديم المثل كقوله تعالى { ليس كمثله شىء } وقال الامام الغزالى رحمه الله العزيز هو الخطير الذى يقل وجود مثله وتشتد الحاجة اليه ويصعب الوصول اليه فما لم يجمع هذه المعانى الثلاثة لم يطلق عليه العزيز فكم من شىء يقل وجوده ولكن اذا لم يعظم خطره ولم يكثر نفعه لم يسم عزيرا وكم من شىء يعظم خطره ويكثر نفعه ولا يوجد نظيره ولكن اذا لم يصعب الوصول اليه لم يسم عزيزا كالشمس مثلا فانها لانظير لها والارض كذلك والنفع عظيم فى كل واحدة منهما الحاجة شديدة اليهما ولكن لاتوصفان بالعزة لانه لايصعب الوصول الى مشاتهما فلابد من اجتماع المعانى الثلاثة ثم فى كل واحد من المعانى الثلاثة كمال ونقصان فالكمال فى قلة الوجود أن يرجع الى الواحد اذ لا اقل من الواحد ويكون بحيث يستحيل وجود مثله وليس هذا الا الله تعالى فان الشمس وان كانت واحدة فى الوجود فليست واحدة فى الامكان فيمكن وجود مثلها والكمال فى النفاسة وشدة الحاجة أن يحتاج اليه كل شىء فى كل شىء حتى فى وجوده وبقائه وصفاته وليس ذلك الكمال الا لله تعالى وعبد العزيز هو الذى اعز الله بتجلى عزته فلا يلغبه شىء من أيدى الحدثان والاكوان وهو يغلب كل شىء قال الغزالى رحمه العزيز من العباد من يحتاج اليه عباد الله فى مهام امورهم وهى الحياة الاخروية والسعادة الابدية وذلك مما يقل لامحالة وجوده ويصعب ادراكه وهذه رتبة الانبياء عليهم السلام ويشاركهم فى العز من يتفرد بالقرب منهم اى من درجتهم فى عصرهم كالخلفاء وورثتهم من العلماء وعزة كل واحد بقدر علو رتبه عن سهولة النيل والمشاركة وبقدر غنائه فى ارشاد الخلق وقال بعضهم حظ العبد من هذا الاسم أن يعز نفسه فلا يستهينها بالمطامع الدنية ولايدنيها بالسؤال من الناس والافتقار اليهم قيل انما يعرف عزيزا من اعز امر الله بطاعته فاما من استهان باوامره فمن المحال أن يكون متحققا بعزته وقال الشيخ ابو العباس المرسى رحمه الله ولله مارأيت العز الا فى رفع الهمة عن المخلوقين فمن عرف انه العزيز لايعتقد لمخلوق جلالا دون جلال الله تعالى فالعزيز بين الناس فى المشهور من جعله الله ذا قدر ومنزلة بنوع شرف باق او فان فمنهم من يكون عزيزا بطاعة الله تعالى ومنهم من يكون بالجاه ومنهم من يكون عزيز بالعلم والمعرفة والكمال ومنهم من يكون بالسطوة والشوكة والمال ثم منهم من يكون عزيزا فى الدارين ومنهم من يكون فى الدنيا لافى العقبى ومنهم من يكون على العكس فكم من ذليل عند الناس عزيز عند الله وكم من عزيز عند الناس ذليل عند الله والعزيز عند المولى هو الاصل والاولى قال فى ابكار الافكار غير رسول لله عليه السلام اسم العزيز لان العزة لله وشعار العبد الذلة والاستكانة وخاصية هذا الاسم وجود الغنى والعز صورة او حقيقة او معنى فمن ذكره اربعين يوما فى كل يوم اربعين مرة اعانه الله واعزه فلم يحوجه الى أحد من خلقه وفى الاربعين الادريسية ياعزيز المنيع الغالب على امره فلا شىء يعادله قال السهر وردى رحمه الله من قرأه سبعة ايام متواليات كل يوم الفا اهلك خصمه وان ذكره فى وجه العسكر سبعين مرة ويثير اليهم بيده فانهم ينهزمون { الجبار } الذى جبر خلقه على ماأراد اى قهرهم واكرههم عليه او جبر أحوالهم اى اصلحها فعلى هذا يكون الجبار من الثلاثى لامن الافعال وجبر بمعنى اجبر لغة تميم وكثير من الحجازيين واستدل بورود الجبار من يقول ان امثله مبالغة تأتى من المزيد عن الثلاثى فانه من اجبره على كذا اى قهره وقال الفرآء لم اسمع فعال من افعل الا فى جبر ودراك فانهما من اجبر وأدرك قال الراغب اصل الجبر اصلاح الشىء بضرب من القهر وقد يقال فى اصلاح المجرد نحو قول على رضى الله عنه ياجابر كل كسير ومسهل كل عسير والاجبار فى الاصل حمل الغير على أن يجبر الامور لكن تعورف فى الاكراه المجرد وسمى الذين يدعون ان الله تعالى يكره العباد على المعاصى فى تعارف المتكلمين مجبرة وفى قول المتقدمين جبرية والجبار فى صفة الانسان يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من المعالى لايستحقها وهذا لايقال الا على طريقة الذم وفى وصف الله لانه الذى يجبر الناس بفائض نعمه او يقهرهم على مايريده من مرض وموت وبعث ونحوها وهو لايقهر الاعلى ماتقتضى الحكمة أن يقهر عليه فالجبار المطلق هو الذى ينفذ مشيئته على سبيل الاجبار فى كل أحد ولا ينفذ فيه مشيئة احد ( روى ) ان فى بعض الكتب الاليهة عبدى تريد وأريد ولايكون الا ماأريد فان رضيت بما أريد كفيتك ماتريد وان لم ترضى بما أريد أبقيتك فيما تريد ثم لايكون الا ماأريد وعبد الجبار هو الذى يجبر كسر كل شىء ونقصه لان الحق جبر حاله وجعله بتجلى هذا الاسم جابر الحال كل شىء مستعليا عليه من علم انه الجبار دق فى عينه كل جبار كان راجعا اليه فى كل امر بوصف الافتقار بجبر المكسور من اعماله وترك الناقص من آماله فتم له الاسلام الاستسلام وارتفعت همته عن الاكوان فيكون جبارا على نفسه جابرا لكسر عباده وقال بعضهم حظ العارف من هذا الاسم أن يقبل على النفس ويجبر نقائصها باستكمال الفضائل ويحملها على ملازمة التقوى والمواظبة على الطاعة ويكسر منها الهوى والشهوات بأنواع الرياضات ويرتفع عما سوى الحق غير ملتفت الى الخلق فيتحلى بحلى السكينة والوقار بحيث لايزلزله تعاور الحواديث ولا يؤثر فيه تعاقب النوافل بل يقوى على التأثير فى الانفس والآفاق بالارشاد والاصلاح وقال الامام الغزالى رحمه الله الجبار من العباد من ارتفع عن الاتباع ونال درجة الاستتباع وتفرد بعلو رتبته بحيث يجبر الخلق بهيئته وصورته على الاقتدآء وبمتابعته فى سمته وسيرته فيفيد الخلق ولا يستفيد يؤثر ولا يتأثر ويستتبع ولا يتبع ولا يشاهده احد الى ويفنى عن ملاحظة نفسه ويصير مستوفى الهم غير ملتفت الى ذاته ولا يطمع احد فى استدراجه واستتباعه وانما حظى بهذا الوصف سيد الاولين والآخرين عليه السلام حيث قال(15/248)
« لو كان موسى بن عمران حيا ما وسعه الا اتباعى وانا سيد ولد آدم ولا فخر » وخاصية هذا الاسم الحفظ من ظلم الجبابرة والمعتدين فى السفر والاقامة يذكر بعد قرآءة المسبعات عشر صباحا ومساء احدى وعشرين مرة ذكره الزروقى فى شرح الاسماء الحسنى { المتكبر } الذى تكبر عن كل مايوجب حاجة او انقصانا او البليغ الكبرياء والعظمة يعنى ان صيغة التفعل للتكلف بما لم يكن فاذا قيل تكبر وتسخى دل على انه يرى ويظهر الكبر والسخاء وليس بكبير ولا سخى والتكلف بما لم يكن كان مستحيلا فى حق الله تعالى حمل على لازمه وهو أن يكون ماقام به من الفعل على اتم مايكون واكمله من غير أن يكون هناك تكلف واعتمال حقيقة ومنه ترحمت على ابراهيم بمعنى رحمته كمال الرحمة واتممتها عليه فاذا قيل انه تعالى متكبر كان المعنى انه البالغ فى الكبر أقصى المراتب ( روى ) عن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما قال رأيت رسول الله عليه السلام قائما على هذا المنبر يعنى منبر رسول الله فى المدينة وهو يحكى عن ربه تعالى فقال « ان الله عز وجل اذا كان يوم القيامة جمع السموات والارضيين فى قبضته تبارك وتعالى ثم قال هكذا وشد قبضته ثم بسطها ثم يقول انا الله انا الرحمن انا الرحيم انا الملك انا القدوس انا السلام انا المؤمن انا المهيمن انا العزيز انا الجبار انا المتكبر انا الذى بدأت الدنيا ولم تك شيأ انا الذى اعدتها اين الملوك اين الجبابرة »
قهار بى منازع وغفار بى ملال ... ديان بى معادل وسلطان بى سباه
باغيير او ضافت شاهى بود جنان ... بريك وجوب باره زشطرنج نام شاه
قال الراغب التكبر يقال على وجهين احدهما أن تكون الافعال الحسنة كثيرة فى الحقيقة وزآئدة على محاسن غيره وعلى هذا وصف الله بالمتكبر وهو ممدوح والثانى أن يكون متكلفا لذلك متشبعا وذلك فى وصف عامة الناس والموصوف به مذموم وفى الحديث « الكبرياء ردآئى والعظمة ازارى فمن نازعنى فى شىء منهما قصمته » قال بعضهم الفرق بين المتكبر والمستكبر ان المتكبر عام لاظهار الكبر الحق كما فى اوصاف الحق تعالى ولاظهار الكبر الباطل كما فى قوله سأصرف عن آياتى الذين يتكبرون فى الارض بغير الحق والكبر ظن الانسان انه اكبر من غيره والتكبر اظهاره ذلك كما فى العوارف والاستكبار اظهار الكبرياء باطلا كما فى قوله تعالى فى حق ابليس استكبر وغير ذلك كما تجده فى موارد استعمالاته فى القرءآن والحديث وقال فى الاسئلة المقحمة مامعنى المتكبر من اسماء الله فان التكبر مذموم فى حق الخلق والجواب معناه هو المتعظم عما لايليق به سبحانه وهو من الكبرياء لامن التكبر ومعناه المبالغة فى العظمة والكبرياء فى الله وهو الامتناع عن الانقياد فلهذا كان مذموما فى حق الخلق وهو صفة مدح فى حق الله تعالى انتهى فان قلت ماتقول فى قوله عليه السلام حين قال له عمه ابو طالب ماطوعك ربك يامحمد « وأنت ياعم لو أطعته أطاعك » قلت هذه الاطاعة والانقياد للمطيع لا للخارج عن امره فلا ينافى عدم انقياده لغيره فهو المتكبر للمتكبر كما انه المطيع للمطيع قال بعضهم المتكبر هو الذى يرى غيره حقيرا بالاضافة الى ذاته فنظير الى الغير نظر المالك الى عبده وهو على الاطلاق لا يتصور الا الله تعالى فانه المتفرد بالعظمة والكبرياء بالنسبة الى كل شىء من كل وجه ولذلك لايطلق علىغيره تعالى الا فى معرض الذم لما انه يفيد التكلف فى اظهار مالا يكون قال عليه السلام(15/249)
« تحاجت النار والجنة فقالت هذه يدخلنى الجبارون المتكبرون وقالت هذه يدخلنى الضعفاء والمساكين فقال لهذه أنت عذابى اعذب بك من أشاء وقال لهذه أنت رحمتى أرحم بك من اشاء ولكل واحدة منكما ملؤها » من عرف علوه تعالى وكبرياءه لازم طريق التواضع وسلك سبيل التذلل قيل الفقير فى خلقه احسن منه فى جديد غيره فلا شىء احسن على الخدم من لباس التواضع بحضرة السادة قال بعض الحكماء ماعز الله عبدا بمثل مايدل على ذل نفسه ما اذله بمثل مايدل على عز نفسه ( حكى ) ان بعضهم قال رأيت رجلا فى الطوف وبين يديه خادمان يطردان الناس ثم بعد ذلك رأيته يتكفف على جسر فسألته عن ذلك فقال انى تكبرت فى موضع يتواضع الناس فيه فوضعناى الله فى موضع يترفع فيه الناس وعبد المتكبر هو الذى فنى تكبره بتذلله للحق حتى قام كبرياء الله مقام كبره فيتكبر بالحق على ما سواه فلا يتذلل للغير قال الامام العزالى قدس سره المتكبر من العباد هو الزاهد ومعنى زهد العارف ان يتنزه عما يغشل سره عن الحق ويتكبر فى كل شىء سوى الله تعالى فيكون مستحقرا للدنيا والآخرة مرتفعا عن أن يشغله كلتاهما عن الحق وزهد العارف معاملة ومعاوضة فهو انما يشترى بمتاع الدنيا متاع الآخرة فتيرك الشىء عاجلا طمعا فى اضعافه آجلا وانما هو مسلم ومبايعة ومن استعبدته شهوته المطعم والمنكح فهو حقير وانما المتكبر من يستحقر كل شهوة وحظ بتصور أن تشاركه فيها البهائم وخاصية هذا الاسم الجلالة ظهور الخير والبركة حتى ان من ذكره ليلة دخوله بزوجته عند دخوله عليها وقرأه قبل جماعها عشرا رزق منها ولدا صالحا ذكرا وفى الاربعين الادريسية ياجليل المتكبر على كل شىء فالعدل امره والصدق وعده قال السهر وردى رحمه الله مداومه بلا فترة يجل قدره ويعز أمره ولايقدر أحد على معارضته بوجه ولا بحال { سبحان الله عما يشركون } تنزيه له تعالى عما يشركون به تعالى او عن اشراكهم به اثر تعداد صفات لايمكن أن يشاركه تعالى فى شىء منها شىء ما اصلا اى سبحوا الله تسبيحا ونزهوه تنزيها عما يشركه الكفار به من المخلوقات فالله تعالى اورده لاظهر كمال كبريائه او للعجب من اثبات الشريك بعد ماعينوا آثار اتصافه بجلال الكبرياء وكمال العظمة(15/250)
وفى التأويلات النجمية قوله سبحانه { هو الله الذى لا اله الا هو الملك } الخ يشير الى وحدانية ذاته وفردانية صفاته وتصرفه فى الاشياء على مقتضى حكمته الازلية والى نزاهته عن النقائص الامكانية ووصف الامن بين العدم المحض بسبب التحقق بالوجود المطلق والى حفظ الاشياء فى عين شيئيته واعزازه اولياءه وقهره واذلاله اعدآءه والى كمال كبريائه بظهوره فى جميع المظاهر والى نزاهة ذاته عما يشركون معنى فى ذاته وفى صفاته وفى عرآئس البقلى سبحان الله عما يشركون اليه بالنواظر والخواطر انتهى(15/251)
هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)
{ هو الله الخالق } اى المقدر للاشياء على مقتضى حكمته ووفق مشيئته فان اصل معنى الخلق التقدير كما يقال خلق النعل اذا قدرها وسواها بمقياس وان شاع فى معنى الايجاد على تقدير واستوآء وسوآء كان من مادة كخلق الانسان من نطفة ونحوه او من غير مادة كخلق السموات والارض وعبد الخالق هو الذى يقدر الاشياء على وفق مراد الحق لتجلية له بوصف الخلق والتقدير فلا يقدر الا بتقديره تعالى وخاصية هذا الاسم أن يذكر فى جوف الليل ساعة فما فوقها فيتنور قلب ذاكره ووجهه وفى الاربعين الادريسية خالق من فى السموات ومن فى الارض وكل اليه معاده قال السهروردى يذكر لجمع الضائع الغائب البعيد الغيبة خمسة آلاف مرة { البارىء } الموجد للاشياء بريئة من التافوت فان البرء الايجاد على وجه يكون الموجد بربئا من التفاوت والنقصان عما يقتضيه التقدير على الحكة البالغة والمصلحة الكاملة وعبدالبارىء هو الذى يبرأ عمله من التفاوت والاختلاف فلا يفعل الا مايناسب حضرة الاسم البارىء متعادلا متناسبا بريئا من التفاوت كقوله تعالى { ماترى فى خلق الرحمن من تفاوت } وخاصية هذا الاسم أن يذكره سبعة أيام متوالية كل يوم مائة مرة للسلامة ومن الآفات حتى من تعدى التراب عليه فى القبر وفى الاربعين الادريسية يابارىء النفوس بلا مثال خلا من غيره قال السهروردى يفتح لذاكرة ابواب الغنى والعز والسلامة من الآفات واذا كتب فى لوح من قير وعلق على المجنون نفعه وكذلك اصحاب الامراض الصعبة { المصور } الموجد لصور الاشياء وكيفياتها كما أراد يعنى بحشنده صورت هر مخلوق ، كما يصور الاولاد فى الارحام بالشكل واللون المخصوص فان معنى التصوير تخصيص الخلق بالصور المتميزة والاشكال المتعينة قال الراغب الصورة ماتتميز به الاعيان عن غيرها وهى محسوسة كصورة الانسان ومعقولة كالعقل وغيره من المعانى وقوله عليه السلام « ان الله خلق آدم على صورته » أراد بالصورة ماخص الانسان به من الهيئة المدركة بالبصر وبالبصيرة وبها فضله على كثير من خلقه واضفاته على الله على سبيل الملك لا على سبيل البعضية والتشبيه بل على سبيل التشريف له كقوله بيت الله وناقة الله وروح الله .
يقول الفقير الضمير المجرور فى صورته يرجع الى الله لا الى آدم والصورة الالهية عبارة عن الصفات السبع المرتبة وهى الحياة والعلم والارادة والقدرة والسمع والبصر والكلام وآدم مظهر هذه الصفات بالفعل بخلاف سائر الموجودات واطلاق الصورة على الله تعالى مجاز عند أهل الظاهر اذ لا تستعمل فى الحقيقة الا فى المحدوسات واما عند اهل الحقيقة فحقيقة لان العالم الكبير بأسره صورة الحضرة الالهية فرقا وتفصيلا وآدم صورته جمعا واجمالا
اى زهمه صورت خوب توبه ... صورك الله على صورته
روى تو آيينه حق بينى است ... در نظر مردم خود بين منه
بلكه حق آيننه وتو صورتى ... وهم توى رابميان ره مده
صورت از آيينه نباشد جدا ... انت به متحد فانتبه
هركه سر رشته وحدت نيافت ... بيش وى اين نكته بود مشتبه
رشته يكى دان وكره صد هزار ... كيست كرين نكته كشايد كره
هركه جو جامى بكره بندشد ... كر بسر رشته رود باز به(15/252)
والحاصل ان الخالق هنا المقدر على الحكمة الملائمة لنظام العالم والبارىء الموجد على ذلك التقدير والمصور المبدع لصور الكائنات واشكال المحدثات بحيث يترتب عليها خواصهم ويتم بها كمالهم وبهذ ظهر وجه الترتيب بينهما واستلزام التصوير البرء والبرء الخلق استلزام الموقوف للموقوف عليه كما قال الامام العزالى رحمه الله وقدس سره قد يظن ان هذه الاسماء مترادفة وان الكل يرجع الى الخلق والاختراع ولاينبغى أن يكون كذلك بل كل مايخرج من العدم الى الوجود يفتقر الى التقدير اولا والى الايجاد على وفق التقدير ثانيا والى التصوير بعد الايجاد ثالثا والله تعالى خالق من حيث انه مقدر وبارىء من حيث انه مخترع موجد ومصور من حيث انه مرتب صور المخترعات احسن ترتيب وهذا كالبناء مثلا فانه محتاج الى مقدر يقدر مالابد منه من الخشب واللبن ومساحة الارض وعدد الابنية وطولها وعرضها وهذا يتولاه المهندس فيرسمه ويصوره ثم يحتاج الى بناء يتولى الاعمال التى عندها تحدث وتحصل اصول الابنية ثم يحتاج الى مزين ينقش ظاهره ويزين صورته فيتولاه غير النباء هذه هى العادة فى التقدير والبناء والتصوير وليس كذلك فى افعال الله تعالى بل هو المقدر والموجد والمزين فهو الخالق البارىء المصور فقدم ذكر الخالق على البارىء لان الارادة والتقدير متقدمة على تأثير القدرة وقدم البارىء على المصور لان ايجاد الذات متقدم على ايجاد الصفات وعن حاطب بن أبى بلتعة رضى الله عنه انه قرأ البارىء المصور بفتح الواو ونصب الرآء يبرأ المصور اى يميز مايصوره بتفاوت الهيئات واختلاف الاشكال وعبد المصور هو الذى لايتصور ولا يصور الا ماطابق الحق ووافق تصويره لان فعله يصدر عن مصوريته تعالى ولذا قال بعضهم حظ العارف من هذه الاسماء أن لايرى شيأ ولايتصور امرا الا ويتأمل فيما فيه من باهر القدرة وعجائب الصنع فيترقى من المخلوق الى الخالق وينتقل من ملاحظة المصنوع الى ملاحظة الصانع حتى يصير بحيث كلما نظر الى شىء وجد الله عنده وخاصية الاسم المصور الاعانة على الصنائع العجيبة وظهور الثمار ونحوها حتى ان العاقر اذا ذكرته فى كل يوم احدى وعشرين مرة على صوم بعد الغروب وقبل الافطاعل سبعة ايام زال عقمها وتصور الولد فى رحمها باذن الله تعالى
{ له الاسماء الحسنى } لدلالتها على المعانى الحسنة كما سبق فى سورة طه ( قال الكشافى ) مر اوراست نامهاى نيكى كه در شرع وعقل بسنديده ومستحسن باشد ، والحسنى صيغة تفضيل لانها تأنيث الاحسن كالعليا فى تأنيث الاعلى وتوصيف الاسماء بها للزيادة المطلقة اذ لا نسبة لاسمائه الى غير الاسماء من اسماء الغير كما لانسبة لذاته المتعالية الى غير الذوات من ذوات الغير واسماء الله تسعة وتسعون على ماجاء فى الحديث ونقل صاحب اللباب عن الامام الرازى انه قال رأيت فى بعض كتب الذكر ان لله تعالى اربعة آلاف اسم الف منها فى القرءآن والاخبار الصحيحة والف فى التوراة والف فى الانجيل والف فى الزبور ( روى ) ان من دعاء رسو الله عليه السلام(15/253)
« اسألك بكل اسم سميت به نفسك او انزلته فى كتابك او علمته احدا من خلقك او استأثرت به فى علم الغيب » فلعل كونها تسعة وتعسين بالنظر الى الاشهر الاشرف الاجمع وتعدد الاسماء لايدل على تعدد المسمى لان الواحد يسمى ابا من وجه وجدا من وجه وخالا من وجه وعالما من جه وذاته متحدة قال عبدالرحمن البسطامى قدس سره فى ترويح القلوب اعلم ان من السر المكتوم فى الدعاء أن تأخذ حروف الاسماء التى تذكر بها مثل قولك الكبير المتعال ولا تأخذ الا الف واللام بل تأخذ كبير متعال وتنظر كم لها من الاعداد بالجمل الكبير فتذكر ذلك العدد فى موضع خال من الاصوال بالشرآئط المعتبرة عند اهل الخلوة لاتزيد على العدد ولاتنقص منه فانه يستجاب لك بالوقت وهو الكبريت الاحمر باذن الله تعالى فان الزيادة على العدد المطلوب اسراف والنقص منه اخلال والعدد فى الذكر بالاسماء كسنان المفتاح لانها زادت ونقصت لاتفتح الباب وقس عليه باب الاجابة فافهم السر وصن الدر ، ثم اعلم ان العارفين يلاحظون فى الاسماء آلة التعريف واصل الكلمة والملامية يطرحون منها آلة التعريف لانها زآئدة على اصل الكلمة قال العلماء الاسم هو اللفظ الدال على المعنى بالوضع والمسمى هو المعنى الموضع له والتسمية وضع اللفظ له او اطلاقه عليه واطلاق الاسم على الله تعالى توقيفى عند البعض بحث لايصح اطلاق شىء منه عليه الا بعد ان كان واردا فى القرءآن او الحديث الصحيح وقال آخرون كل لفظ دل على معنى يليق بجلال الله وشأنه فهو جائز الاطلاق والا فلا ومن أدلة الاولين ان الله عالم بلا مرية فيقال له عالم وعليم وعلام لوروده فى الشرع ولا يقال له عارف اوفقيه او متيقن الى غير ذلك مما يفيد معنى العلم ومن أدلة الآخرين ان الاسماء الله وصفاته مذكورة بالفارسية والتركية والهندية وغيرها مع انها لم ترد فى القرءآن والحديث ولا فى الاخبار وان المسلمين اجمعوا على جواز اطلاقها ومنها ان الله تعالى قال ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها والاسم لايحسن الا لدلالته على صفات الكمال ونعوت الجلال فكل اسم دل على هذه المعانى كان اسما حسنا وانه لافائدة فى الالفاظ الا رعاية المعانى فاذا كانت المعانى صحيحة كان المنع من اطلاق اللفظ المفيد غير لائق غاية مافى الباب أن يكون وضع اسم علما له مستحدثا وذكر مايوهم معنى غير لائق به تعالى ليس بأدب اما ذكر ماهو دال على معنى حسن ليس فيه ايهام معنى مستنكر مستنفر فليس فيه من سوء الأدب شىء(15/254)
{ يسبح له مافى السموات والارض } ينطق بتنزهه عن جميع النقائص تنزها ظاهرا قال فى كشف الاسرار يسبح له جميع الاشياء اما بيانا ونطقا واما برهانا وخلقا وقد مر الكلام فى هذا التسبيح مرارا وجمهور المحققين على انه تسبيح عبارة وهو لاينافى تسبيح الاشارة وكذا العكس { وهو العزيز الحكيم } الجامع للكمالات كافة فانها مع تكثرها وتشعبها راجعة الى الكمال فى القدرة والعلم قال الامام الغزالى رحمه الله الحيكم ذو الحكمة والحكمة عبارة عن معرفة افضل الاشياء بأجل العلوم واجل الاشياء هو الله تعالى واجل العلوم هو العلم الازلى الدآئم الذى لايتصور زواله فليس يعلم الله حقيقة الا الله ومن عرف جميع الاشياء ولم يعرف الله قدر الطاقة البشرية لم يستحق أن يسمى حكيما فمن عرف الله فهو حكيم وان كان ضعيف القوة فى العلوم الرسمية كليل اللسان قاصر البيان فيها الا نسبة حكمة العبد الى حكمة الله كنسبة معرفته الى معرفته بذاته وشتان بين المعرفتين فشتان بين الحكمتين ولكنه مع بعده عنه هو أنفس المعارف واكثرها خيرا ومن يؤت الحكمة فقد اوتى خيرا كثيرا ما يذكر الا اولوا الالباب وعبد الحكيم هو الذى بصره الله بمواقع الحكمة فى الاشياء ووفقه للسداد فى القول والصواب فى العمل وهو يرى خللا فى شىء الا يسده ولا فسادا الا يصلحه وخاصية هذا الاسم دفع الدواهى وفتح باب الحكمة فمن اكثر ذكره صرف الله عنه مايخشاه من الدواهى وفتح له باب الحكمة وانما مدح الله نفسه بهذه الصفات العظام تعليما لعباده المدح بصفاته العلى بعد فهم معانيها ومعرفة استحقاقه بذلك طلبا لزيادة تقربهم اليه قال ابو الليث فى تفسيره فان قال قائل قد قال الله فلا تزكوا أنفسكم فما الحكمة فى ان الله تعالى نهى عن عباده عن مدح أنفسهم ومدح نفسه قيل له عن هذا السؤال جوابان احدهما ان العبد وان كان فيه خصال الخير فهو ناقص واذا كان ناقصا لايجوز له أن يمدح نفسه والله تعالى تام الملك والقدرة فيستوجب بهما المدح فمدح نفسه ليعلم عباده فيمدحوه والجواب الآخر أن العبد وان كان فيه خصال لخير فتلك افضل من الله تعالى ولم يكن ذلك بقوة العبد فلهذا لايجوز أن يمدح نفسه ونظير هذه ان الله تعالى نهى عباده أن يمنوا على احد بالمعروف وقد من على عباده للمعنى الذى ذكر فى المدح قال بعض الكبار تزكية الانسان لنفسه سم قاتل وهى من باب شهادة الزور لجهله بمقامه عند الله الا أن يترتب على ذلك مصلحة دينية فللانسان ذلك كما قال عليه السلام(15/255)
« انا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر » اى لافتخر عليكم بالسيادة انما الفخر بالعبودية والفخر بالذات لايكون الا لله وحده واما الفخر فى عباده فانما هو للرتب فيقال صفة العلم افضل من صفة الجهل ونحو ذلك ولايخفى ان الرتب نسبة عدمية فما افتخر من افتخر الا بالعدم ولذلك امر الله نبيه أن يقول انما انا بشر مثلكم فلم ير لذاته فضلا على غيره ثم ذكر شرف الرتبة بقوله يوحى الى ، اعلم ان الاولى لك أن تسكت عن بحثين وتكل العلم فيهما الى الله العليم الخبير احدهما مايكون بين العلماء من ان صفات الله الثابتة هل هى موجودات بوجودات مستقلة غير وجوده تعالى اولا بعد الايمان باتصافه تعالى بها وكمالها ودوامها والثانى مايكون بين المشايخ من ان الوجود هل هو واحد والله سبحانه وتعالى هو ذلك الوجود وسائر الموجودات مظاهر له لا وجود لها بالاستقلال او له تعالى وجود زآئد على ذاته واجب لها مقتضية هى اياه ولغيره تعالى من الموجودات وجودات اخر غير الوجود الواجب على ماهو البحث الطويل بنيهم والى ذلك يرشدك ماقالوا من ان ماتصف الله به فهو واجب لايتغير اصلا ومالم يتصف به فهو ممتنع لايكون قعطا فاذا اختلف اثنان فى ذاته وصفاته تعالى فلا جرم ان واحدا منهما اما بنفى الواجب او يثبت الممتنع وكلاهما مشكل وان مابهم علمه فالأدب فيه السكوت بعد الايمان بما ظهر من القرءآن والحديث واتفاق الصحابة رضى الله عنهم فان المرء لايسأل الا عن علم لزمه فى اقامة الطاعة وادامة العبادة لمولاه قال صاحب الشرعة ولا يناظر احد فى ذاته الله وصفاته المتعال عن القياس والاشباه والا وهام والخطرات وفى الحديث « ان هلاك هذه الامة اذا نطقوا فى ربهم وان ذلك من اشراط الساعة » فقد كان عليه السلام يخر ساجدا لله تعالى متى ماسمع مايتعالى عنه رب العزة ولايجيب السائل عن الله الا بمثل ماجاء به القرءآن فى آخر سورة الحشر من ذكر افعاله وصفاته ولا يدقق الكلام فيه تدقيقا فان ذلك من الشيطان وضرر ذلك وفساده اكثر من نفعه قال بعض الكبار مافى الفرق الاسلامية اسوء حالا من المتكلمين لانهم ادعوا معرفة الله بالعقل على حسب ماعطاهم نظرهم القاصر فان الحق منزه عن أن يدرك او يعلم بأوصاف خلقه عقلا كان او علما روحا كان او سرا فان الله ماجعل الحواس الظاهرة والباطنة طريقا الا الى معرفة المحسوسات لاغير والعقل بلا شك منها فلا يدرك الحق بها لانه تعالى ليس بمحسوس ولا بمعلوم معقول وقد تبين لك بهذا خطأ جميع من تكلم فى الحق وصفاته لما لم يعلمه من الحق ولا من رسله عليه السلام وقال بعض العارفين سبب توقف العقول فى قبول ماجاء فى الكتاب والسنة من آيات الصفات واخبارها حتى يؤول ضعفها وعدم ذوقها فلو ذاقوا كاذاقة الانبياء وعلموا على ذلك بالايمان كما عملت الطائفة لأعطاهم الكشف ما اجاله العقل من حيث فكره ولم يتوقفوا فى نسبة تلك الاوصاف الى الحق فاعلم ذلك وعمل به تعرف أن علم القوم هو الفلك المحيط الحاوى على جميع العلوم ( حكى ) ان الفاضل محمد الشهرستانى صاحب كتاب الملل والنحل كان من كبار المتكلمين وفحولهم وكان له بحث كثير فى علم الكلام ربما لم يسبق اليه سواه حتى جمع فى ذلك الكتاب تلك المباحث القطيعة ثم انتهى امره الى العجز فيه والتحير فى ذاته حتى رجع الى مذهب العجائز فقال عليكم بدين العجائز فانه من أسنى الجوآئز واشند(15/256)
لقد طفت فى تلك المعاهد كلها ... وسيرت طرفى بين تلك المعالم
فلم أر الا واضعا كف حائر ... على ذقن اوقارعا سن نادم
ثم قال والوجه أن يعتقد العبد الدين الذى جاء به محمد عليه السلام ودعا اليه واليه اناب ولايدخل فى ذلك شيأ من نظر عقله لافى تنزيه ولا فى تشبيه بل يؤمن بكل آية جاءت فى ذاته الله وصفاته على بابها ويكل علمها الى الله الذى وصف ذاته بها هذا هو طريق السلامة والدين الصحيح وعلى ذلك كانت الصحابة والسلف الصالحون رضى الله عنهم واليه تنتهى الراسخون فى العلم والعقلاء المحققون عند آخر أمرهم ومن وفقه الله كان عليه وآل نظره اليه ومن بقى على ماأعطاه نظره واجتهاده فليس ذلك بمتبع محمدا عليه السلام فيما جاء به مطلقا لانه ادخل فيه حاصل نظره وتأويله واتكل على رأيه وعقله وهذه وصيتى اليكم ان أردتم السلامة وعدم المطالبة ومن أراد غير ذلك لم ينج من السؤال وكان على خطر فى المآل لان القطع بما اراد الله عسير فانا رأينا العقلاء اختلفت أدلتهم فى الله فالمعتزلى يخالف الاشعرى وبالعكس وهم يخالفون الحكماء وبالعكس كل طائفة تجهل الأخرى وتكفرها فعلمنا ان سبب ذلك هو اختلاف نظرهم وعدم عثورهم على الدليل الصحيح اما كلهم او بعضهم ورأينا الانبياء عليهم السلام لم يختلف منهم اثنان فى الله قط عز وجل وكل دعوا اليه تعالى على باب واحد وكان اختلافهم فى فروع الاحكام بحكم الله تعالى لافى اصولها قط قال الله تعالى سبحانه { شرع لكم من الدين ماوصى به نوحا والذى اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه }(15/257)
فقوله ولا تتفرقوا فيه دليل على اجتماعهم على امر واحد فى الاصول لانه الفروع معلومة بوقوع الاختلاف فيها وذلك لاضر وانما يضر الاختلاف فى الاصول اذ لو وقع الاختلاف فيها لما وقع الاتفاق ولكانت الدعوة لاتصح لان الاله الذى يدعو أليه هذا غير الاله الذى يدعو ذلك اليه والله تعالى قال { والهكم اله واحد } وعم الطوآئف كلها من آدم عليه السلام بالخطاب وهلم جرا الى يوم القيامة الى هنا من كلامه اورده حضرة الشيخ صدر الدين قدس سره فى رسالته المعمولة وصية للطالبين وعظة للراغبين ، ثم اعلم ان من شرف هذه الاسماء المذكورة فى الآخرة ماقال ابو هريرة رضى الله عنه سألت حبيبى رسول الله عليه السلام عن اسم الله الأعظم فقال « هو آخر الحشر » وفى عين المعانى قال عليه السلام « سالت جبريل عن اسم الله الأعظم فقال عليك بآخر الحشر فاكثر قرآءته فأعدت عليه فأعاد على » وعنه عليه السلام « من قال حين يصبح ثلاث مرات اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرآ ثلاثى آيات من آخر الحشر وكل الله به سبعين الف ملك يصلون عليه » وفى بعض الروايات « يحرسنه حتى يمسى فان مات فى ذلك اليوم مات شهيدا ومن قالها حين يمسى كان بتلك المنزلة » رواه مقعل بن يسار رضى الله عنه وانما جمع بين استعاذة وقرآءة آخر الحشر والله اعلم لان فى الاستعاذة الاشعار بكمال العجز والعبودية وفى آخر الحشر الاقرار بجلال القدرة والعظمة والربوبية فالاول تخلية عن العجب والثانى تخلية بالايمان الحق وبهما يتحقق منزل قوله تعالى { الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة } فيترتب عليه قوله تعالى { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا } كما فى تفسير الفاتحة للمولى الفنارى رحمه الله وعن أبى امامة رضى الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من قرأ خواتيم الحشر من ليل او نهار فقبض من ذلك اليوم او الليلة فقد استوجب الجنة » وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من قرأ سورة الحشر لم يبق جنة ولا نار ولا عرش ولا كرسى ولاحجاب ولا السموات السبع والارضون السبع والهوام والطير والريح والشجر والدواب والجبال والشمس والقمر والملائكة الا صلوا عليه فان مات اى من يومه او ليلته مات شهيدا » كما فى كشف الاسرار وقوله مات شهيدا اى يثاب ثواب الشهادة على مرتبة وللشهادة مراتب قد مرت(15/258)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1)
{ يا ايها الذين آمنوا لاتتخذوا عدو وعدوكم اولياء } نزلت فى حاطب ابن أبى بلتعة العبسى وحاطب بالحاء المهملة قال فى كشف الاسرار ولد فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم واصله من الازد وهو حى باليمن واعتقه عبيد الله بن حميد بن زهير الذى قتله على رضى الله عنه يوم بدر كافرا وكان حاطب يبيع الطعام ومات بالمدينة وصلى عليه عثمان رضى الله عنه وكان من المهاجرين وشهد بدرا وبيعة الرضوان وعمم الله الخطاب فى الآية تعميما للنصح والعدو فعلو من عدا كعفو من عفا ولكونه على زنة المصدر اوقع على الجمع ايقاعه على الواحد والمراد هنا كفار قريش وذلك انه لما تتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم لغزوة الفتح فى السنة الثامنة من الهجرة كتب حاطب الى أهل مكة ان رسول الله يريدكم فخذوا حذركم فانه قد توجه اليكم فى جيش كالليل وارسل الكتاب مع سارة مولاة بنى عبد الملطب اى معتقهم اعاطاهم عشرة دنانير وبردة وكانت سارة قدمت من مكة وكانت مغنية فقال لها عليه السلام لماذا جئت فقالت جئت لتعطينى شيأ فقال مافعلت بعطيانك من شبان قريش فقالت مذ قتلتهم ببدر لم يصل الى شىء الا القليل فأعاها شيأ فرجعت الى كة ومعها كتاب حاطب فنزل جبرآئيل عليه السلام بالخبر فبعث رسول الله عليه السلام عليا وعمارا وطلحة والزبير والمقداد وأبا مرثد وقال « انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ موضع بين الحرمين وخاخ بالمعجمتين يصرف ويمنع فان بها ظعينة وهى المرأة مادامت فى الهودج واذا لم تكن فيه فهى المرأة معها كتاب حاطب الى اهل مكة فخذوه منها فخلوها فان أبت فاضربوا عنقها » فادركوها ثمة فجحدت فسل على رضى الله عنه سيفه فأخرجته من عقاصها اى من ضفائرها ( روى ) ان رسول الله عليه السلام امن جميع الناس يوم فتح مكة الا اربعة هى أحدهم فأمر بقتلها فاستحضر رسول الله حاطبا فقال « ماحملك على هذا » فقال يارسول الله ما كفرت منذ اسملت ولا غششتك منذ نصحتك الغش ترك النصح والنصح عبارة عن التصديق بنبوته ورسالته الانقياد لأوامره ونواهيه ولكننى كنت امرأ ملصقا فى قريش اى حليفا ولم اكن من انفسهم ومن معك من المهاجرين كان له فيهم قرابات يحمون اهاليهم وأموالهم وليس فيهم من يحمى اهلى فأردت أن آخذ عندهم يدا اى اجعل عندهم شيأ فصدقه رسول الله وقبل عذره فقال عمر رضى الله عنه يارسول الله دعنى أضرب عنق هذا المنافق فقال « ياعمر انه شهد بدرا ومايدريك لعل الله اطلع على من شهد بدرا فقال اعلموا ماشئتم فقد غفرت لكم »(15/259)
ففاضت عينا عمر رضى الله عنه وفى القصة اشارة الى جواز هتك ستر الجواسيس وهتك استار المفسدين اذا كان فيه مصلحة او فى ستره مفسدة وان من تعاطى امرا محظورا ثم ادعى له تأويلا محتملا قبل منه وان العذر مقبول عند كرام الناس ( روى ) ان حاطبا رضى الله عنه لما سمع { يا أيها الذين آمنوا } غشى عليه من الفرح بخطاب الايمان لما علم ان الكتاب المذكور ماخرجه عنا لايمان لسلامة عقيدته ودل قوله { وعدوكم } على اخلاصه فان الكافر ليس بعدو للمنافق بل للمخلص { تلقون اليهم بالمودة } الود محبة الشىء وتمنى كونه ويستعمل فى كل حال واد من المعنيين اى توصلون محبتكم بالمكاتبة ونحوها من الاسباب التى تدل على المودة على ان الباء زآئدة فى المفعول كا فى قوله تعالى { ولا تقلوا بأديكم الى التهلكة } او تلقون اليهم أخبار النبى عليه السلام بسبب المودة التى بينكم وبينهم فيكون المفعول محذوفا للعلم به والباء للسببية والجملة حال من فاعل لاتتخذوا حال كونكم ملقين المودة فان قلت قد نهوا عن اتخاذهم اولياء مطلقا فى قوله تعالى { ياآيها الذين آمنوا لاتتخذوا اليهود والنصارى اولياء } والتقييد بالحال يوهم جواز اتخاذهم اولياء اذا انتفى الحال قلت عدم جوازه مطلقا لما علم من القواعد الشرعية تبين انه لا مفهوم للحال هنا البتة فان قلت كيف قال لاتتخذوا عدوى وعدوكم اولياء العداوة والمحبة لكونهما متنافيتين لاتجتمعان فى محل واحد والنهى عن الجميع بينهما فرع امكان اجتماعهما قلت انما كان الكفار أعدآء للمؤمنين بالنسبة الى معاداتهم لله ورسوله ومع ذلك يجوز أن يتحقق بينهم الموالاة والصداقة بالنسبة الى الامور الدنيوية والاغراض النفسانية فنهى الله عن ذلك يعنى فلم يتحقق وحدة النسبة من الوحدات الثمان وحيث لم يكتف بقوله عدوى بل زاد قوله وعدوكم دل على عدم مروءتهم وفتوتهم فانه يكفى فى عداوتهم لهم وترك موالاتهم كونه اعدآء الله سوآء كانوا اعدآء لهم ام لا { وقد كفروا بما جاءكم من الحق } حال من فاعل تلقون وةالحق هو القرءآن او دين الاسلام او الرسول عليه السلام { يخرجون الرسول واياكم } حال من فاعل كفورا اى مخرجين الرسول واياكم من مكة والمضارع لاستحضار الصورة { ان تؤمنوا بالله ربكم } تعليل للاخراج وفيه تغليب المخاطب على الغائب اى على الرسول والالتفات من التكلم الى الغيبة حيث لم يقل ان تؤمنوا بى للاشعار بما يوجب الايمان من الالوهية والربوبية { ان كنتم خرجتم جهادا فى سبيلى وابتغاء مرضاتى } متعلق بلا تتخذوا كأنه قيل لانتولوا اعدآئى ان كنتم اوليائى وانتصاب جهادا وابتغاء على انهما مفعول لهما لخرجتم اى ان كنتم خرجتم عن اوطانكم لاجل هذين فلا تتخذوهم اولياء لا تلقوا اليهم بالمودة والجهاد بالكسر القتال مع العدو كالمجاهدة وفى التعريفات هو الدعاء الى الدين الحق(15/260)
وفى المفردات الجهاد والمجاهدة استفراغ الوسع فى مدافعة العدو و هو جهاد العدو الظاهر وجهاد الشيطان وجهاد النفس ويكون باليد واللسان والمرضاة مصدر كالرضى وفى عطف وابتغاء مرضاتى على جهادا فى سبيلى تصريح بما علم التزاما فان الجهاد فى سبيل الله انما هو لاعلاء دين الله لا لغرض آخر واسناد الخروج اليهم معللا بالجهاد والابتغاء يدل على ان المراد من اخراج الكفرة كونهم سببا لخروجهم باذيتهم لهم فلا ينافى تلك السببية كون ارادة الجهاد والابتغاء علة له { تسرون اليهم بالمودة } استئناف وارد على نهج العتاب والتوبيخ كأنهم سألوا ماذا صدر عنا حتى عوتبنا فقيل تلقون اليهم المودة سرا على ان الباء صلة جيىء بها لتأكيد التعدية او الاخبار بسبب المودة ويجوز أن يكون تعدية الاسرار بالباء لحمله على نقيضه الذى هو الجهر { وانا اعلم } حال من فاعل تسرون اى والحال انى اعلم منكم { بما أخفيتم وما أعلنتم } من مودة الاعدآء والاعتذار وغير ذلك فاذا كان بينهما تساو فى العلم فأى فائدة فى الاسرار والاعتذار { ومن } وهركه { يفعله منكم } اى الاتخاذ المنهى عنه اى ومن يفعل مانهيت عنه من مولاتهم والاقرب من يفعل الاسرار { فقد ضل سوآء السبيل } فقد اخطأ طريق الحق والصواب الموصل الى الفوز بالسعادة الابدية وبالفارسية بس بدرستى كه او ازراه راست كم شد ، وهو من اضافة الصفة الى الموصوف وضل متعد وسوآء السبيل مفعوله ويجوز أن يجعل قاصرا وينتصب سوآء السبيل على الظرفية قال القرطبى هذا كله معاتبة لحاطب وهو يدل على فضله ونصيحته لرسول الله وصدق ايمانه فان المعاتبة لاتكون الا من حبيب لحبيب كما قيل اذا ذهب العتاب فليس ود ، ويبقى الود مابقى العتاب والعتاب اظهار الغضب على حد لشىء مع بقاء المحبة بالترك وفى الآية اشارة الى عداوة النفس والهوى والشيطان فانا تبغض عبادة الله وتعبض عباد الله ايضا اذا لم يكونوا مطيعين لها فى انفاذ شهواتها وتحصيل مراداتها واصل عداوة النفس أن تفطمها من مألوفاتها وتحبسها فى محبس المجاهدة وعلامة حب الله بغض عدو الله قال عليه السلام « أفضل الايمان الحب فى الله والبعض فى الله » قال أبو حفص رحمه الله من احب نفسه فقد اتخذ عدو الله وعدوه وليا وان النفس تخالف ماأمرت به وتعرض عن سبيل الرشد وتهلك محبها ومتبعها فى اول قدم وجاء فى اخبار داود عليه السلام ياداود عاد نفسك فليس لى فى المملكة منازع غيرها وفى كشف الاسرار بلشكر اندك روم از قيصر بتوان ستد وبجمله اولياى روى زمين نفس را ازيكى نتوان ستد زيرا نفس راحيل بسيارست احمد حضروية بلخى رحمه الله كويد نفس خودرا بانواع رياضات ومجاهدات مقهور كرده بودم روزى نشاط غزا كرد عجب داشتم كه ازنفس نشاط طاعت نيايد كفتم درزير اين كويى جه مكر باشد مكردر كرسنكى طاقت نمى داردكه بيوسته اورا روزه همى فرمايم خواهد درسفر روزه بكشايد كفتم اى نفس اكر اين سفر بيش كيرم روزه نكشايم كفت روا دارم كفتم مكر از انست كه طاقت نماز شب نميدارد مخواهدكه درسفر بخسبد كفتم درسفر قيام شب كم نكنم جنانكه در حضر كفت روا دارم تفكر كردم كه مكر ازان نشاط سفر غزا كرده كه درحضر باخلق مى نياميزدكه اورا در خلوت وعزلت ميدارم مرادش آنست كه باخلق صحبت كند كفتم اى نفس هرجاكه روم درين سفرا ترا بخرابه فروآرم كه هيج خلق رانه بينى كفت روا دارم از دست وى عاجز ماندم بالله تعالى زاريدم وتضرع كردم تا از مكروى مرا آكاهى دادكه در غزاكشن يكباركى باشد وبهمة جهان شودكه احمد حضرويه بغزا شهادت يافت كفتم سبحان الله آن خداونديكه نفسى آفريند بدين معيوبى كه بدنيا منافق باشد وبعد ازمرك مرايى باشدنه درين جهان حقيقت اسلام خواهدنه دران جهان آنكه كفتم اى نفس اماره والله كه باين غزا نروم تاتودر زير طاعت زنا ربندى بس در حضر آن رياضات ومجاهدات كه دران بودم زيادت كردم قوله بما أخفيتم اى من دعوى الانانية وما أعلنتم من العبودية كما هو شأن النفس وقال ابو الحسين الوراق رحمه الله بما أخفيتم فى باطنكم من المعصية وما أعلنتم فى ظاهركم للخلق من الطاعة انتهى(15/261)
إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2)
{ ان يقفوكم } اى يظفروا بكم ويتمكنوا منكم والثقف الحذق فى ادراك الشىء وفعله وثقفت كذا اذا ادركته ببصرك الحذق فى النظر ثم قد تجوز به فاستعمل فى الادراك وان لم يكن معه ثقافة كما فى هذا الموضع ونحوه { يكونوا لكم اعدآء } اى يظهروا مافى قلوبهم من العداوة ويرتبوا عليها احكامها ولا ينفعكم الفاء المودة اليهم { ويبسطوا } ويطيلوا { اليكم ايديهم وألسنتهم بالسوء } او بما يسوءكم من القتل والاسر والشتم { وودوا لو تكفرون } اى تمنوا ارتدادكم وكونكم مثلهم كقوله { ولن ترضى عنك اليهوم ولا النصارى حتى تتبع ملتهم } فكلمة لو هنا مصدرية وصيغة الماضى للايذان بتحقق ودادتهم قبل أن يقفوهم ايضا فهو معطوف على يبسطوا(15/262)
لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3)
{ لن تنفعكم ارحامكم } اى قراباتكم قال الراغب الرحم رحم المرأة وهى فى الاصل وعاء الولد فى بطن امه ومنه استعير الرحم للقرابة لكونهم خارجين من رحم واحدة { ولا اولادكم } الذين توالون المشركين لاجلهم وتتقربون اليهم محاماة عليهم جمع ولد بمعنى المولود يعم الذكر والانثى { يوم القيامة } بجلب نفع او دفع ضر ظرف لقوله { لن تنفعكم } فيوقف عليه ويبتدأ بما يعده { يفصل بينكم } استئناف لبيان عدم نفع الارحام والاولاد يومئذ اى يفرق الله بينكم بما اعتراكم من الهول الموجب لفرار كل منكم من الآخر حسبما نطق به قوله تعالى { يوم يفر المرء من اخيه وامه } الآية فملالكم ترفضون حق الله لمراعاة حق من يفر منكم غدا وقيل يفرق بين الوالد وولده وين القريب وقريبه فيدخل أهل طاعته الجنة اهل معصيته النار { والله بما تعملون بصير } فيجازيكم به وهو ابلغ من خبير لانه جعله كالمحسوس بحس البصر مع ان المعلوم هنا اكثره المبصرات من الكتاب والاتيان بمن يحمل الكتاب واعطاء الاجرة للحمل وغيرها وفى الآية اشارى الى عداوة النفس وصفاتها للروح واخلاقه فان النفس ظلمانية سفلية كثيفة والروح وقواه نورانية علوية لطيفة ولا شك ان بين النور والظلمة تدافعا ولذا تجتهد النفس أن تغلب الرح بظلمانيتها حتى يكون الحكم لها فى مملكة الوجود وهو تصرفها باليد واما بسط لسانه بالسوء فيمدح الاخلاق الذميمة وذم الاخلاق الحميدة فالقالب كبلد فيه اشراف وارذال كل بطن واحد لان القوى الخيرة والشريرة انما حصلت من ازدواج الروح مع القالب فالنفس وصفاتها من الارذال وعلى مشرب قابيل وكنعان ولدى آدم ونوح عليهما السلام فليست من الاهل فى الحقيقة والروح وقواه من الاشراف وعلى مشرب هابيل ونحو فهى من الاهل فى الحقيقة ولذا تنقطع هذه النسبة يوم القيامة فيكون الروح فى النعيم ولنفس فى الجحيم عند تجلى اللطف والجمال والقهر والجلال جعلنا الله واياكم من اهل الكمال والنوال(15/263)
قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5)
{ قد كانت لكم } أيها المؤمنون { اسوة حسنة } قال الراغب الاسوة والاسوة كالقدوة والقدوة هى الحالة التى يكون الانسان عليها فى اتباع غيره ان حسنا وان قبيحا ون سارا وان ضارا والاسى الحزن وحقيقته اتباع الفائت بالغم والمعنى خصلة حميدة حقيقة بأن يؤتسى ويقتدى بها ويتبع اثرها وقوله اسوة اسم كانت ولكم خبرها وحسنة صفة اسوة مقيدة ان عمت الاسوة المحمودة والمذمومة وكاشفة مادحة ان لم تعلم { فى ابراهيم والذين معه } اى من اصحابه المؤمنين صفة ثانية لاسوة وقولهم لى فى فلان اسوة اى قدوة من باب التجريد لا ان فلانا نفسه هو القدوة ويجوز أن يكون على حذف المضاف اى لى فى سنته وافعاله واقواله وقيل المراد الانبياء الذين كانوا فى عصره وقريبا منه قال ابن عطية وهذا القول ارجع لانه لم يرد أن ابراهيم كان له اتباع مؤمنون فى مكافحة نمرود وفى البخارى انه قال لسارة حين رحل به الى الشأم مهاجرا بلاد نمرود ماعلى الارض من يعبد الله غيرى وغيرك { اذ قالوا } ظرف لخبر كان ومعمول له او لكان نفسها عند من جوز عملها فى الظرف وهو الاصح { لقومهم } الكفار { انا برءآء منكم } جميع بريىء كظريف وظرفاء يعنى مابيزاريم ازشما { ومما تعبدون من دون الله } من اصنام اظهروا البرآءة او لامن انفسهم مبالغة وثانيا من عملهم الشرك اذ المقصود من البرءآة اولا من معبودهم هو البرآءة من عبادته ويحتمل أن تكون البرآءة منهم أن لايصاحبوهم ولا يخالطوهم ومن معبودهم أن لايقربوا منه ولا يلتفتوا نحوه ويحتمل أن تكون البرآءة منهم بمعنى البرآءة من قرابتهم لان الشرك يفصل بين القرابات ويقطع الموالاة وحاصل الآية هلا فعلتم كما فعل ابراهيم حيث تبرأ من أبيه وقومه لكفرهم وكذا المؤمنون { كفرنا بكم } اى بدينكم على اضمار المضاف والكفر مجاز عن عدم الاعتداد والجحد والانكار فان الدين الباطل ليس بشىء اذ الدين الحق عند الله هو الاسلام { وبدا } بدا الشىء بدوا وبدآء اى ظهر ظهورا بينا والبادية كل مكان يبدو مايعن فيه اى يعرض { بيننا } ظرف لبدا { وبينكم العداوة والبغضاء ابدا } اى هذا دأبنا معكم لانتركه والبغض ضد الحب ( وقال الكاشفى ) وآشكار اشد ميان ماوشماد شمنى بدل ودشمنى بدست يعنى محاربه ابدا هميشه يعنى بيوسته دشمنى قائم خواهد بود درميان بدل ودست { حتى } غاية لبدا { تؤمنوا بالله وحده } وتتروكوا ما أنتم عليه من الشرك فتنقلب العداوة حنيئذ ولاية والبغضاء محبة والمقت مقة والوحشة الفة فالبغض نفور النفس من الشىء الذى ترغب عنه والحب انجذاب النفس الى الشىء الذى ترغب فيه فان قلت ماوجه قوله { حتى تؤمنوا بالله وحده } ولا بد فى الايمان من الايمان بالله وملائكته وتبه ورسله واليوم الآخر قلت الايمان بالله فى ح ال وحدته يستلزم الايمان بالجميع مع ان المراد الوحدة الالهية ردا للاصنام قال بعض المشايخ اسوة ابراهيم خلة الله والتبرى مما دون الله والتخلق بخلق الله والتأوه والبكاء من شوق الله وقال ابن عطاء رحمه الله الاسوة القدوة بالخليل فى الظاهر من الاخلاق الشريفة وهو السخاء وحسن الخلق واتباع ما امر به على الكرب وفى الباطن الاخلاص فى جميع الافعال والاقبال عليه فى كل الاوقات وطرح الكل فى ذات الله تعالى واسوة رسول الله عليه السلام فى الظاهر العبادات دون البواطن والاسرار لان اسراره لايطيقها أحد من الخلق لانه باين الامة بالمكان ليلة المعراج ووقع عليه تجلى الذات(15/264)
سيهدار رسل سرخيل دركاه ... سرير افروز ملك لى مع الله
{ الا قول ابراهيم لأبيه } آزر { لأستغفرن لك } يا أبى استثناء من قوله تعالى { أسوة حسنة } فان استغفاره عليه السلام لأبيه الكافر وان ك ان جائزا عقلا وشرعا لو قومه قبل تبين انه من اصحاب الجحيم كما نطق به النص لكنه ليس مما ينبغى أن يؤتسى به اصلا اذ المراد به مايجب الائتساء به حتما لورود الوعيد على الاعراض عنه بما سيأتى من قوله تعالى { ومن يتولى فان الله هو الغنى الحميد } فاستثناؤه من الاسوة انما يفيد عدم استدعاء الايمان والمغفرة للكافر المرجو ايمانه وذلك لايرتاب فيه عاقل واما عدم جوازه فلا دلالة للاستنثاء عليه قطعا وحمل الأب على العم يخالف العقل والنقل لان الله تعالى يخرج الحى من الميت والعبرة بالحسب لا بالنسب وعن على رضى الله عنه شرف المرء بالعلم والأدب لا بالاصل والنسب
هنر بنماى اكر دارى نه كوهر ... كل از خارست وابراهيم از آزر
{ وما املك لك من الله من شىء } من تمام القول المستثنى فمحله النصب على انه حال من فاعل لاستغفرن لكم اى استغفر لك وليس فى طاقتى الا الاستغفار دون منع العذاب ان لم تؤمن فمورد الاستثناء نفس الاستغفار لا قيده الذى هو فى نفسه من خصال الخير لكونه اظهارا للعجز وتفويضا للامر الى الله تعالى وفى هذه الآية دلالة بينه على تفضيل نبيه محمد عليه السلام وذلك انه حين امر بالاقتدآء به امر على الاطلاق ولم يستثن فقال وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وحين امر بالاقتدآء بابراهمي استثنى وايضا قال تعالى فى سورة الاحزاب { لقد كان لكم فى رسول الله اسوة حسنة لمن كان يردو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا } فأطلق الاقتدآء ولم يقيده بشىء ( قال الصائب )
هلاك حسن خدا داد او شوم كه سرابا ... جو شعر حافظ شيرازى انتخاب ندارد
{ ربنا } الخ من تمام مانقل عن ابراهيم ومن معه من الاسوة الحسنة { عليك توكلنا } اعتمدنا يعنى از خلق بريديم واعتماد كلى بر كرم تونموديم { واليك أنبنا } رجعنا بالاعتراف بذنوبنا وبالطاعة { واليك المصير } اى الرجوع فى الآخرة وتقديم الجار والمجرور لقصر التوكل والانابة والمصير على الله تعالى(15/265)
سوى توكدريم روى ودل بتو بستيم ... زهمه باز آمديم وباتو نشستيم
هرجه نه بيوند يار بود بربديم ... هرجه نه بيمان دوست بود كستيم
قالوا بعد لمجاهدة وشق العصا التجاء الى الله تعالى فى جميع امورهم لاسيما فى مدافعة الكفرة وكفاية شرورهم كما ينطق به قوله تعالى { ربنا لاتجعلنا فتنة للذين كفروا } بأن تسلطهم علنا فيفتنونا بعذاب لا نطيقه فالفتنة بمعنى المفعول وربنا بدل من الاول وكذا قوله ربنا فيما بعده وقال بعضهم ربنا لاتجعلنا فتنة للذين كفروا فتقتر علينا الرزق وتبسطه عليهم فيظنوا انهم على الحق ونحن على الباطل { واغفر لنا } مافرط منا من الذنوب والا كان سببا لظهور العيوب وباعثا للابتلاء المهروب { ربنا } تكرير الندآء للمبالغة فى التضرع والجؤار فيكون لاحقا بما قبله ويجوز أن يكن سابقا لما بعده توسلا الى الثناء باثبات العزة والحكمة والاول اظهر وعليه ميل السجاوندى حيث وضع علامة الوقف الجائز على ربنا وهو فى اصطلاحه مايجوز فيه الوصل والفصل باعتبارين وتلك العلامة الجيم بمسماة وهو ، ج ، { انك انت العزيز } الغالب الذى لايذل من التجأ اليه ولا يخيب رجاء من توكل عليه { الحكيم } لايفعل الا مافيه حكمة بالغة وقال بعض أهل الاشارة تعز اولياءك بالفناء فيك وتحميهم ببقائك بلطائف حكمتك فيكون المراد بالفتنة غلبة ظلمة النفس الهوى وبالمغفرة الستر بالهوية الاحدية عن الانيات وبالصفات الواحدية عن التعينات(15/266)
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6)
{ لقد كان لكم فيهم } اى فى ابراهيم ومن معه { اسوة حسنة } تكرير للمبالغة فى الحث على الأتساء به عليه السلام وذلك صدر بالقسم وجعله الطيبى من التعميم بعد التخصيص وفى برهان القرءآن كرر لان الاول فى القول والثانى فى الفعل وفى فتح الرحمن الاولى اسوة فى العداوة والثانية فى الخوف والخشية وفى كشف الاسرار الاولى متعلقة بالبرآءة من الكفار من فعلهم والثانية امر بالأتساء بهم لينالوا من ثوابهم مانالوا وينقلبوا الى الآخرة كانقلابهم { لمن كان يرجو الله } بالايمان بلقائه { واليوم الآخر } بالتصديق بوقوعه وقيل يخاف الله ويخاف عذاب الآخرة لان الرجاء والخوف يتلا زمان والرجاء ظن يقتضى حصول مافيه مسرة وفى المفردات الرجاء والطعم توقع محبوب عن امارة مظنونة او معلومة والخوف توقع مكروه عن امارة مطنونة او معلومة وفى بعض التفاسير الرجاء يجيىء بمعنى توقع الخبر وهو الامل وبمعنى توقع الشر وهو الخوف وبمعنى التوقع مطلقا وهو فى الاول حقيقة وفى الاخيرين مجاز وفى الثانى من قبيل ذكر الشىء وارادة ضده وهو جائز وفى الثالث من قبيل ذكر الخاص وارادة العام وهو كثير قوله { لمن كان } الخ بدل من لكم وفائدته الايذان بان من يؤمن بالله واليوم الآخر لايترك الاقتدآء بهم وان تركه من مخايل عدم الايمان بهما كما ينبىء عنه قوله تعالى { ومن يتول فان الله هو الغنى لحميد } فانه مما يوعد بأمثاله الكفرة اى ومن يعرض عن الاقتداء بهم فى التبرى من الكفار ووالاهم فان الله هو الغنى وحده عن خلقه وعن موالاتهم ونصرتهم لاهل دينه لم يتعبدهم لحاجته اليهم بل هو ولى دينه وناصر حزبه وهو الحميد المستحق للحمد فى ذاته ومن صحاح الاحاديث القدسية « ياعبادى انكم لن تبلغوا ضرى فتضرونى ولن تبلغوا نفعى فتنفعونى ياعبادى لو أن اولكم وآخركم وانسكم وجنكم كانوا على اتقى قلب رجل احد منكم مازاد ذلك فى ملكى شيا ياعبادى لو ان اولكم وآخركم وانسكم وجنكم كانوا على افجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكى شيأ ياعباى لو ان اولكم وآخركم وانسكم وجنكم قاموا فى صعيد واحد فسألونى فأعطيت كل انسان مسألته مانقص ذلك من عندى الا كما ينقص المخيط اذا دخل البحر ياعبادى انما هى اعمالكم احصيها لكم ثم اوفيكم اياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه » قوله هى ضمير القصة يعنى ماجزآء اعمالكم الا محفوظ عندى لاجلكم ثم أؤديها اليكم وافية ثم الحميد فعيل بمعنى المفعول وجوز الامام القشيرى رحمه الله أن يكون بمعنى الفاعل اى حامد لنفسه وحامد للمؤمنين من عباده قال شارح المشكاة وحظ العبد من اسم الحميد أن يسعى لينخرط فى سلك المقربين الذين يحمدون الله لذاته لا لغيره قال الشيخ ابو القاسم رحمه الله حمد الله الذين هو من شكره يجب أن يكون على شهود المنعم لان حقيقة الشكر الغيبة لشهود المنعم عن شهود النعمة ( روى ) ان داود عليه السلام قال فى مناجاته كيف اشكر لك وشكرى لك نعمة منك على فأوحى الله اليه الآن قد شكرتنى وقال بعض اهل الاشارة لقد كان فى ابراهيم الخفى ومن معه من قواه الروحانية المجردة من المواد الحسية والمثالية والعقلية اسوة حسنة وهى البرآءة من قومه اى النفس الامارة والهوى المتبع فمن تأسى واستمر على ذلك بلغ المطلوب المحبوب ومن اعرض عن ذلك التأسى فان الله غنى عن تأسه حميد فى ذاته وان لم يكن حمده انتهى كلامه(15/267)
عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7)
{ عسى الله ان يجعل } شايد آنكه خداى تعالى بيدا كند { بينكم وبين الذين عاديتم منهم } اى من اقاربكم المشركين وعسى من الله وعد على عادة الملوك حيث يقولون فى بعض الحوآئج عسى ولعل فلا يبقى شبهة للمحتاج فى تمام ذلك وقال الراغب ذكر الله فى القرءآن عسى ولعل تذكرة ليكون الانسان منه على رجاء لاعلى أن يكون هو تعالى راجيا اى كونوا راجين فى ذلك والمعاداة والعداء باكسى دشمنى كردن { مودة } اى بأن يوافقوكم فى الدين وعدهم الله بذلك لما رأى منهم من التصلب فى الدين والتشدد فى معاداة آبائهم وابنائهم وسائر اقربائهم ومقاطعتهم اياهمم بالكلية تطيبا لقلوبهم ولقد انجز وعده الكريم حين أباح لهم الفتح فأسلم قمهم كأبى سفيان وسهل بن عمرو وحكيم بن حزام والحارث ابن هشام وغيرهم من صناديد العرب وكانوا اعدآء أشد العداوة فتم بينهم من التحاب والتصافى ماتم { والله قدير } اى مبالغ فى القدرة فيقدر على تقليب القلوب وتغيير الاحوال وتسهيل اسباب المودة { والله غفور رحيم } فيغفر لمن اسلم من المشركين ويرحمهم بقلب معاداة قاربهم موالاة وقيل غفور لما فرط منكم فى موالاتهم من قبل ولما بقى فى قلوبكم من ميل الرحم قال ابن عطاء رحمه الله لاتبغضوا عبادى كل البغض فانى قادر على أن أنقلكم من البغض الى المحبة كنقلى من الحياة الى الموت ومن الموت الى النشور كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا انظر الى خالد بن الوليد وعكرمة بن أبى جهل قرأ { يخرج الحى من الميت } لانهما من خيار الصحابة وابواهما اعدى عدو لله ورسوله وكان بعضهم يبغض عكرمة ويسب أباه لما سلف منه من الأذى حتى ورد النهى عنه بقوله عليه السلام « لاتؤذوا الاحياء بسبب الاموات » فقلت الله ذلك محبة فكانوا اخوانا فى الله وفى الحديث « من نظر الى اخيه نظر مودة لم يكن فى قلبه احنه لم يطرف حتى يغفر الله له ماتقدم من ذنبه » وقال سقراط أثن على ذى المودة خيرا عند من لقيت فان رأس المودة حسن الثناء كما ان رأس العداوة سوء الثناء وعنه لاتكون كاملا حتى يأمنك عدوك فكيف بك اذا لم يأمنك صديقك قال داود عليه السلام اللهم انى اعوذ بك من مال يكون على فتنة ومن ولد يكون على ربا ومن حليلة تقرب المشيب واعوذ بك من جار ترانى عيناه وترعانى اذناه ان رأى خيرا دفنه وان سمع شرا طار به ومن بلاغات الزمخشرى محل المودة والاخاء حال الشدة دون الرخاء ( قال الحافظ )
وفامجوى زكس ورسخن نمى شنوى ... بهرزه طالب سيمرغ وكيميامى باش(15/268)
لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)
{ لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين } اى على الدين او فى حق الدين واطفاء نور { ولم يخرجوكم من دياركم } اى لاينهاكم الله عن مبرة هؤلاء فان قوله تعالى { ان تبروهم } بدل من الموصول بدل الاشتمال لان بينهم وبين البر ملابسة بغير الكلية والجزيئة فكان المنهى عنه برهم بالقول وحسن المعاشرة والصلة بالمال لا انفسهم وبالفارسية از آنكه نيكويى كنيد با ايشان { وتقسطوا اليهم } تفسير لتبروا وضمن تقسطوا معنى الافضاء فعدى تعديته اى تفضوا اليهم بالقسط والعدل ولا تظلموهم وناهيك بتوصية الله المؤمنين ان يستعملوا القسط مع المشركين ويتحاموا ظلمهم مرحمة عن حال مسلم يجترىء على ظلم اخيه المسلم كما فى الكشاف وقال الراغب القسط النصيب بالعدل كالنصف والنصفة فالمعنى عدل كنيد وفرستيد قسطى وبهره براى ايشان از طعام وغير او { ان الله يحب المقسطين } اى العادلين فى المعاملات كلها ( روى ) ان قتيلة بنت عبد العزى على زنة التصغير قدمت فى المدة التى كانت فيها المصالحة بين رسول الله عليه السلام وبين كفار قريش مشركة على بنتها اسماء بنت ابى بكر رضى الله عنها بهدايا فلم تقبلها ولم تأذن لها بالدخول فنزلت فأمرها رسول الله أن تدخلها وتقبل منها وتكرمها وتحسن اليها وكانت قتيلة زوجة أبى بكر وكان طلقها فى الجاهلية ، وآورده اندكه قوم خزاعة رابا حضرت رسول عليه السلام عهد وبيمان بود وهركز قصد مسلما نان نكردند ودشمنان دين را يارى ندادند حق تعالى در باره ايشان اين آيت فرستاد يامراد زنان وكودكانند كه ايشانرا در قتل واخراج جندان مدخلى نيست ، وفى فتح الرحمن نسختها اقتلوا المشركين والاكثر على انها غير منسوخة وفى بعض التفاسير القسوط الجور والعدول عن الحق والقسط بالكسر العدل فالاقساط اما من الاول بمعنى ازالة القسوط فهمزته للسلب كأشكيته بمعنى ازلت عنه الشكاية وسلبتها فمن ازال الظلم اتصف بالعدل واما من الثانى بمعنى ان يصير ذا قسط فهمزته للصيرورة مثل اورق الشجر اى صار ذا ورق وفى الآية مدح للعدل لان المرء به يصير محبوبا لله تعالى ومن الاحاديث الصحيحة قوله عليه السلام « ان المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين للذين يعدلون فى حكمهم واهليهم وماولوا » ( قال الحافظ )
شاه را به بود از طاعت صد ساله وزهد ... قد ريكساعته عمرى كه در وداد كند
وقال خطابا لبعض الملوك
جويبار ملك را آب ازسر شمشيرتست ... خوش درخت عدل بنشان بيخ بدخواهان بكن ...(15/269)
إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)
{ انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدارين } واطفاء نوره { واخرجوكم من دياركم } وهم عتاة اهل مكة وجبابرتهم { وظاهروا على اخراجكم } وهم سائر اهلها ، يعنى معاونت كردند وهم بشت شدند با اعادى { او تولوهم } بدل اشتمال من الموصول اى انما ينهاكم عن أن تتولوهم والتولى دوستى داشتن باكسى { ومن يتولهم } وهركه دوست دارد ايشانرا { فاولئك هم الظالمون } لوضعهم الولاية فى موضع العداوة وهم الظالمون لأنفسهم بتعريضها للعذاب وحساب المتولى اكبر وفساد التولى اكثر ولذلك اورد كلمة الحصر تغليظا وجمع الخبر باعتبار معنى المبتدأ ، بكسل زدوستان دغا باز وحيله ساز ، يارى طلب كه طالب نقش بقابود ، جعلنا الله واياكم من الذين يطلبون الباقى لا الفانى .
يقول الفقير كان الظاهر من امر المقابلة فى الآيتين أن يقال فى الاولى ان تولوهم كما فى الثانية او يعكس ويقال فى الثانية أن تبروهم كما فى الاولى او يذكر كل منهما فى كل من الآيتين لكن الدلائل العقلية والشواهد النقلية دلت على ان موالاة الكافر غير جائزة مقاتلا كان او غيره بخلاف المبرة فانها جائزة لغير المقاتل غير جائزة للمقاتل كالموالاة فحيت اثبت المبرة بناء على امر ظاهر فى باب الصلة نفى الموالاة ضمنا وحيث نفى الموالاة فنى المبرة ضمنا وانما لم تجز المبرة للمقاتل لغاية عداوته ونهاية بغضه ان قيل ان الاحسان الى من اساء من اخلاق الابرار قلنا ان المبرة تقتضى الالفة فى الجملة والاحسان بقطع اللسان ويثلم السيف فيكون حائلا بين المجاهد والجهاد الحق وقد امر الله باعلاء الدين(15/270)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11)
{ يا أيها الذين آمنوا } بيان لحكم من يظهر الايمان بعد بيان حكم فريقى الكافرين { اذا جاءكم المؤمنات } اى بدلالة ظاهر حالهن واقرارهن بلسانهن او المشارفات للايمان ولا بعد أن تكون التسمية بالمؤمنات لكونهن كذلك فى علم الله وذلك لاينافى امتحان غيره تعالى { مهاجرات } من بين الكفار حال من المؤمنات { فامتحنوهن } فاختبروهن بما تغلب به على ظنكم موافقة قلوبهن للسانهن فى الايمان قيل انه من أرادت منهم اضرار زوجها قالت سأهاهجر الى محمد عليه السلام فلذلك مر النبى بامتحانهن وكان عليه السلام يقول للتى يمتحنها « بالله الذى لا اله الا هو ماخرجت عن بغض زوج اى غير بغض فى الله لحب الله بالله ماخرجت رغبة عن ارض الى ارض بالله ماخرجت التماس دنيا بالله ماخرجت عشقا لرجل من المسلمين بالله ماخرجت لحدث احدثه بالله ماخرجت الا رغبة فى الاسلام وحب لله ولرسوله » فاذا حفلت بالله الذى لا اله الا هو على ذلك اعطى النبى عليه السلام زوجها مهرها وما انفق عليها ولا يردها الى زوجها قال السهيلى نزلت فى ام كلثوم بن عقبة بن ابى معيط وهى امرأة عبدالرحمن بن عوف ولدت له ابراهيم بن عبدالرحمن وكانت ام كلثوم اخت عثمان بن عفان رضى الله عنه لامه أروى وافادت الآية ان الامتحان فى محله حسن نافع ولذا تمتحن المنكوحة ليلة الزفاف وتستوصف الاسلام مع سهولة فى السؤال واشارة الى الجواب لانها لو قالت ماأعرف بانت من زوجها
خوش بودكر محك تجربة آد بميان ... تاسيه روى شود دروغش باشد
{ والله اعلم بايمانهن } منكم لانه المطلع على مافى قلوبهن فلا حاجة له الى الامتحان وليس ذلك للبشر فيحتاج اليه والجملة اعتراض { فان علمتموهن } بعد الامتحان { مؤمنات } العلم الذى يمكنكم تحصيله وهو الظن الغالب بالحلف وظهور الامارات وانما سماه علما ايذانا بأنه جار مجرى العلم فى وجوب العلم به ففى علمتموهن استعارة تبعية { فلا ترجعوهن الى الكفار } من الرجع بمعنى الرد لا من الرجوع ولذلك عدى الى المفعول اى لاتردوهن الى ازواجهن الكفرة لقوله تعالى { لاهن حل لهن ولا هم يحلون لهن } فان تعليل للنهى عن رجعهن اليم يعنى لاتحل مؤمنة لكافر لشرف الايمان ولا نكاح كافر لمسلمة لخبث الكفر وبالفارسية نه ايشان يعنى زنان حلا لندمر كافر انرا ونه كافران حلال ميشوند مرين زنانرا جه تباين دارند جدايى افكنده ميان ايشان ، والتكرير اما لتأكيد الحرمة والا فيكفى نفى الحال من احد الجانبين اولان الاول لبيان زوال النكاح الاول والثانى لبيان امتحان النكاح الجديد { وآتوهم ما انفقوا } ها هو الحم الثانى اى واعطوا ازواجهن مثل مادفعوا اليهم من المهور وذلك اى بيان المراد بما انفقوا هو المهور أن صلح الحديبية كان على ان من جاءنا منكم رددناه فجائت سبيعة بن الحارث الاسلمية مسلمة والنبى عليه السلام بالحديبية فأقبل زوجها مسافر المخزومى طالبا لها فقال يا محمد اردد على امرأتى فانك قد شرطت أن ترد علينا من اتاك منا فنزلت لبيان ان ا لشرط انما كان فى الرجال دون النساء فاستحلفها رسول الله فحلفت فأعطى زوجها ما انفق وهوالمهر بالانفاق وتزوج بها عمر رضى الله عنه وانما رد لرجال دون النساء لضعف النساء عن الدفع عن انفهسن وعجزهن عن الصبر على الفتنة وفى اللباب ان المخاطب بهذا هو الامام ليؤتى من بيت المال الذى لايتعين له مصرف وان المقيمة منهن على شركها مردودة عليهم وان المؤمن يحل له أن ينكح كتابية فان الرجال قوامون على النساء فليس تسلطه عليها كتسلط الكافر على المسلمة ولعل المراد بايتاء ما أنفقوا رعاية جانب المؤمن بالحث على اظهار المروئة وايثار السخاء والا فمن المسائل المشهورة ان المرأة تملك تمام المهر بخلوة صحيحة فى قطعة من اليوم او الليلة وان لم يقع استمتاع اصلا وايضا ان فى الانفاق تأليف القلوب وامالتها الى جانب الاسلام وأفادت الآية ان اللائق بالولى كائنا من كان أن يحذر تزويج مؤمنة له ولاية عليها بمبتدع تفضى بدعته الى الكفر وللحاكم أن يفرق بينه وبينها ان ظهرت منه تلك البدعة الا أن يتوب ويجدد ايمانه ونكاحه سئل الرستغفنى عن المناكحة بين اهل السنة وبين اهل الاغتزال فقال لاتجوز كما فى مجمع الفتاوى وقس عليه سائر الفرق الضالة التى لم يكن اعتقادهم كاعتقاد اهل السنة ولزمهم بذلك الاعتقاد اكفارا وتضليل ولهم كثرة فى هذه الاعصار جدا قال فى بعض التفاسير اخاف أن يكون من تلك المبتدعة بعض المتصوفة من أهل زماننا الذى يدعى ان شيخه قطب الزمان يجب الاقتداء به على كل مسلم حتى ان من لم يكن من جملة مريديه كان كفارا وان مات من لم يمت مؤمنا فيستدل بقوله عليه السلام(15/271)
« من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية » ويقول المراد بالامام هو القطب وشيخنا هو القطب فمن لم يعرف قطبيته ولم يتبعه مات على سوء الحال وجوابه ان المراد بالامام هو الخليفة والسلطان وقريش اصل فيه لقوله عليه السلام « الامام من قريش ومن عداهم تبع لهم كشريف الكعبة مع آل عثمان » فالشريف احدى الذات ولذا لاقوة له وآل عثمان واحدى الذات ولذا صار مطهر سر قوله تعالى { هو الذى ايدك بنصره وبالمؤمنين } فاعرف الاشارة وايضا المراد من لامام نبى ذلك الزمان وهو فى آخر الزمان رسولنا محمد عليه السلام ولاشك ان من لم يعرفه ولم يصدقه مات ميتة جاهلية ولئن سلم ان المراد بالامام هو القطب من طريق الاشارة فلا شك ان للقطبية العظمى شرآئط لايوجد واجد منها فى الكذابين فلا يثبت لهم القطبية اصلا على ان التصديق بالقطب لايستلزم صحبته لان مبنى هذا الامر على الباطن فالاقطاب لم يهتد اليهم الا اقل الافراد فاظهارهم لقطبيتهم خارج عن الحكمة ولما قربت القيامة وقع أن يتغير احوال كل طائفة عاما فعاما شهرا فشهرا اسبواعا فاسبوعا يوما فيوما لايزال هذا التغيير الى انقراض الاخيار لانه لاتقوم الساعة الا على الاشرار وفى المرفوع(15/272)
« لايأتيكم زمان الا والذى بعده شر منه حتى تلقوا ربكم » ( قال الحافظ )
روزى اكر غمى رسدت تنك دل مباش ... روشكر كن مبادكه از يد بتر شود
وفى الحديث « ما من بنى بعثه الله فى امة قبلى الا كان له من امته حوارين واصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم انها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس ورآء ذلك من الايمان حبة خردل » رواه مسلم وقال عليه السلام « يذهب الصالحون الاول فالاول ويبقى حفالة كحفالة الشعير او التمر لايبالى بهم الله واول التغير كان فى الامرآء ثم فى العلماء ثم فى الفقرآء ففىكل طائفة اهل هدى واهل هوى فكن من اهل الهدى او المشبيهن بهم فان من تشبه بقوم فهو منهم ومن كثر سواد قوم فهو منهم » وفى الحديث « من احب قوما على عملهم حشر فى زمرتهم وحوسب بحسابهم وان لم يعلم بعملهم » { ولاجناح عليكم } هذا هو الحكم الثالث يقال جنحت السفينة اى مالت الى احد جانبيها وسمى الاثم المائل بالانسان عن الحق جناحا ثم سمى كل اثم جناحا { أن تنكحوهن } اى تنكحوا المهاجرات وتتزوجوهن وان كان لهن ازواج كفار فى دار الحرب فان اسلامهن حال بينهن وبين ازواجهن الكفار { اذا آتيتموهن اجورهن } اذا ظرفية محضة او شرطية جوابها محذوف دل عليه ماتقدمها شرط ايتاء المهر فى نكاحهن ايذانا بأن ماأعطى ازواجهن لايقوم مقام المهر لأن ظاهر النظم يقتضى ايتاءين ايتاء الى الازواج وايتاء اليهن على سبيل المهر وفى التيسير التزمتم مهورهن ولم يرد حقيقة الادآء كما فى قوله تعالى { حتى يعطوا الجزية عن يد } أى يلتزموها استدل بالآية ابو حنيفة رحمه الله على ان احد الزوجين اذا خرج من دار الحرب مسلما او بذمة وبقى الآخر حربيا وقعت الفرقة ولايرى العدة على المهاجرة ولا على الذميمة المطلقة ولا على المتوفى عنها زوجها ويبيح نكاحها الا أن تكون حاملا لانه تعالى نفى الجناح من كل وجه فى نكاحهن بع ايتاء المهور ولم يقيد بمضى العدة وقالا عليها العدة وفى الهداية قول أبى حنيفة فيما اذا كان معتقدهم انه لاعدة واما اذا كانت حاملا فقد قال عليه السلام(15/273)
« من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقين ماءه زرع غيره » { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } هذا هو الحكم الرابع والامساك جنك درزدن ، ويعدى بالباء والعصم جمع عصمة وهى مايعتصم به من عقد وسبب والكوافر جمع كافرة والكوافر طائفتان من النساء طائفة قعدت عن الهجرة وثبتت على الكفر فى دار الحرب وطائفة ارتدت عن الهجرة ولحقت بازواجها الكفار والمعنى لايكن بينكم وبين المشركات عصمة ولا علقة زوجية وقال ابن عباس رضى الله عنهما من كانت له امرأة كافرة بمكة فلا يعتدن بها من نسائه كما قال بعض اهل التفسير المراد بالعصمة هنا النكاح بمعنى من كانت له زوجة كافرة بمكة او ارتدت ورجعت اليها فلا يعتد بها وبعدها من نسائه لان اختلاف الدارين قطع عصمتها منه فجاز له أن يتزوج بأربع سواها وبرابعة وباختها من غير تربص وعدة وبالفارسية وما يستيد بنكه داشتن زنان كافره وايشانرا بزنان خود مشمريد ، فيكون اشارة الى حكم اللاتى بقين فى دار الكفر وما اسلمن ولا هاجرن بعد اسلام ازاجهن وهجرتهم وعن النخعى هى المسلمة تلحق بدار الحرب فتكفر فيكون قوله { ولاتمسكوا } بمقابلة قوله { اذا جاءكم المؤمنات } يعنى ان قوله { اذا جاءكم } الخ اشارة الى حكم اللاتى اسلمن وخرجن من دار الكفر وقوله { ولا تمسكوا } الخ اشارى الى حكم المسلمات اللاتى ارتددن وخرجن من دار الاسلام الى دار لكفر وعلى التفسيرين زال عقد النكاح بينهن وبين ازواجهن وانقطعت عصمتهن عنهم باختلاف الدارين فالعصمة هى المنع أريد بها فى الآية عقد النكاح الذى هو سبب لمنع ازواجهن اياهن عن الاطلاق اى لاتعتدوا بما كان بينكم وبينهن من العقد الكائن قبل حصول اختلاف الدارين والفرقة عند الخليفة تقع بنفس الوصول الى دار الاسلام فلا حاجة الى الطلاق بعد وقوع الفرقة وكانت زينب بنت رسول الله عليه السلاة والسلام امرأة أبى العاص ابن الربيع فلحقت بالنبى عليه السلام واقام ابو العاص بمكة مشركا ثم اتى المدينة فاسلم فرجها عليه رسول الله عليه السلام واذا اسلم الزوجان معا او اسلم زوج الكتابية فما على نكاحهما بالاتفاق واذا اسلمت المرأة فان كان مدخولا بها فأسلم فى عدتها فهى امرأته بالاتفاق وان كانت غير مدخول بها وقعت الفرقة بينهما وكان فسخا عند الثلاثة وقال ابو حنيفة يعرض عليه الاسلام فان أسلم فهى امرأته والا فرق القاضى بينهما بآبائه عن الاسلام وتكون هذه الفرقة طلاقا عند أبى حنيفة ومحمد وفسخا عند أبى يوسف ولها المهر ان كانت مدخولا بها والا فلا بالاتفاق وما اذا ارتد احد الزوجين المسلمين فقال أبو حنيفة ومالك تقع الفرقة حال الردة بلا تأخير قبل الدخول وبعده وقال الشافعى واحمد ان كانت الردة من احدهما قبل الدخول انفسخ النكاح وان كانت بعده وقعت الفرقة على انقضاء العدة فان أسلم المرتد منهما فى العدة ثبت النكاح والا انفسخ بانقضائها ثم ان كان المرتد الزوجة بعد الدخول فلها المهر وقبله لاشىء لها وان كان الزوج فلها الكل بعده والنصف قبله بالاتفاق كذا فى فتح الرحمن وقال سهر رحمه الله فى الآية ولا توافقوا اهل البدع فى شىء من آرآئهم { واسألوا ماأنفقتم } هذه هو الحكم الخامس اى واسألوا الكافر ايها المؤمنون ماأنفقتم يعنى آنجه خرج كرده آيد من مهور نسائكم اللاحقات بالكفار اى اذا ارتدت امرأة احدكمم ولحقت بدار الحرب فاسألوا مهرها ممن تزوجها ولعل هذا لتطرية قلوب بعض المؤمنين بالمقابلة والمعادلة والا فظاهر حال الكرام الاستغناء عنه { وليسألوا } اى الكفار منكم { ماأنفقوا } من مهور ازواجهم المهاجرات اى يسأل كل حربى اسلمت امرأته وهاجرت الينا من تزوجها منا مهرها وبالفارسية عصمت زوجيه منقطع شد ميان مؤمن وكافرة وميان كافر ومؤمنة بس هربك بايدكه رد كند مهريرا كه بصاحبه خود داده اند ، وظاهر قوله وليسألوا يدل على ان الكفار مخاطبون بالاحكام وهو أمر للمؤمنين بالاداء مجازا من قبيل اطلاق الملزوم وارادة اللازم كما فى قوله تعالى(15/274)
{ وليجدوا فيكم غلظة } افنه بمعنى واغلظوا عليهم { ذلكم } الذى ذكر فى هذه الآية من الاحكام { حكم الله } ماحكم الله به لان يراعى وقوله تعالى { يحكم بينكم } كلام مستأنف للتأكيد والحث على الرعاية والعمل به قال فى فتح الرحمن ثم نسخ هذا الحكم بعد ذلك الا قوله { لاهن حل لهم ولاهم يحلو لهن } { والله عليم } بمصالحكم { حكيم } بشرع ماتقتضيه الحكمة البالغة قال ابن العربى كان حكم الله هذا مخصوصا بذلك الزمان فى تلك النازلة خاصة وقال الزهرى ولولا هذه الهدنة والعهد الذى كان بين رسول الله وبين قريش يوم الحديبية لامسك النساء ولم يرد الصداق وكذا كان يصنع ممن جاءه من المسلمات قبل العهد روى انه لما نزلت الآية ادى المؤمنون مامروا به من مهور المهاجرات الى ازاجهن المشركين وابى المشركون أن يؤدوا شيا من مهور الكوافر الى ازاجهن المسلمين وقالوا نحن لانعلم لكم عندنا شيأ فن كان لنا عندكم شىء فوجهوا به فنزل قوله تعالى { وان فاتكم } الفوت بعد الشىء عن الانسان بحيث يتعذر ادراكه وتعديته بالى لتضمنه معنى السبق او الانفلات دل عليه قوله { فآتوا الذين ذهبت ازواجهم } اى الى الكفار والمعنى سبقكم وانقلبت منكم اى خرج وفر منكم فجأة من غير تردد ولا تدبر وبالفارسية واكرفوت شود از شما اى مؤمنان { شىء من ازواجكم الى الكفار } اى احد من ازواجكم الى الكفار ودارهم ومهر او بدست شمانيابد .(15/275)
وقد قرىء به وايقاع شىء موقعه للتحقير والاشباع فى التعميم لان النكرة فى سياق الشرط تفيد العموم والشىء لكونه اعم من الاحد أظهر احاطة لاصناف الزوجات اى اى نوع وصنف من النساء كالعربية او العجمية او الحرة او الامة او نحوها او فاتكم شىء من مهور ازواجكم على حذف المضاف ليتطابق الموصوف وصفته والزوج هنا هى المرأة ( روى ) انها نزلت فى ام الحكم بنت ابى سفيان فرت فتزوجها ثقفى لوم ترتد امرأة من قريش غيرها واسلمت مع قريش حين اسلموا وسيأتى غير ذلك { فعاقبتم } من العقبة وهى النوبة والمعاقبة المناوبة يقال عاقب الرجل صاحبه فى كذا اى جاء فعل كل واحد منهما بعقب فعل الآخر والمعنى وجاءت عقبتكم ونوبتكم من ادآء المهر بأن هاجرت امرأة الكافر مسلمة الى المسلمين ولزمهم المرتدة ممن تزوجها منهم شبه ماحكم به على المسلمين والكافرين من ادآء هؤلاء مهور نساء اولئك تارة وادآء اولئك مهور نساء هؤلاء اخرى بأمر يتعاقبون فيه كما يتعاقب فى الركوب ونحو اى يتناوب والا فأدآء كل واحد من المسلمين والكفار لايلزم أن يعقب ادآء الآخر لجواز أن يتوجه الادآء لاحد الفريقين مرارا متعددة من غير أن يلزم الفريق الآخر شىء وبالعكس فلا يتعاقبون فى الآداء { فآتوا الذين ذهبت ازواجهم مثل ماأنفقوا } اى من المهاجرة التى تزوجتموها ولاتؤتوا زوجها الكافر يعنى ان فاتت امرأة مسلم الى الكفار ولم يعط الكفار مهرها فاذا فاتت امرأة كافر الى المسلمين اى هاجرت اليهم وجب على المسلمين أن يعطوا المسلم الذى فاتت امرأته الى الكفار مثل مهر زوجته الفائتة من مهر هذه المرأة المهاجرة ليكون كالعوض لمهر زوجته الفائتة ولا يجوز لهم أن يعطوا مهر هذه المهاجرة زوجها الكافر قبل جميع من لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهادرين ست نسوة ام الحكم بنت أبى سفيان كانت تحت عياض بن شداد الفهرى وفاطمة بنت امية كانت تحت عمر بن الخطاب رضى الله عنه وهى اخت ام سلمة وبروع بنت عقبة كانت تحت شماس بن عثمان وعبدة بنت عبدالعزى بن نضلة وزوجها عمرو بن عبدور وهند بن أبى جهل كانت تحت هشام بن العاص وكلثوم بنت جرول كانت تحت عمر رضى الله عنه واعطاهم رسول الله عليه السلام مهر نسائهم من الغنيمة كما فى الكشاف { واتقوا الله الذى أنتم به } لابغيره من الجبت والطاغوت { مؤمنون } فان الايمان به تعانى يقتضى التقوى منه تعالى قال بعضهم حكم اين آيات تاباقى عهد باقى بود جون مرتفع كشت اين احكام منسوخ كشت ، وفى الآية اشارة الى المكافأة ان خيرا فخير وان شرا فشر ( حكى ) ان اخوين فى الجاهلية خرجا مسافرين فنزلا فى ظل شجرة تحت صفاة فلماذا الرواح خرجت لهما من تحت الصفاة حية تحمل دينارا فألقته اليهما فقالا ان هذا لمن كنز فأقاما عليه ثلاثة ايام كل يوم تخرج لهما دينارا فقال احدهما للآخر الى متى ننتظر هذه الحية ألا نتقتلها ونحفر عن هذا الكنز فنأخذه فنهاه اخوه وقال ماندرى لعلك تعطب ولا تدرك المال فأبى عليه فأخذ فاسا معه ورصد الحية حتى خرجت فرضبها ضربة جرحت رأسها ولم تقتلها فبادرت الحية فقتلته ورجعت الى جحرها فدفنه اخوه واقام حتى اذا كان الغد خرجت الحية معصوبا رأسها ليس معها شىء فقال ياهذه انى والله مارضيت بما أصابك ولقد نهيت أخرى عن ذلك فهل لك أن نجعل الله بيننا لاتضرين بى ولا أضر بك وترجعين الى ماكنت عليه فقالت الحية لا فقال ولم قالت لانى لانى اعلم ان نفسك لاتطيب لى ابدا وأنت ترى قبر أخيك ونفسى لاتطيب لك وانا اذكر هذه الشجة فظهر من هذه الحكاية سر المكافأة وشرف التقوى فانه لو اتقى الله ولم يضع الشر موضع الخير بل شكر صنيع الحية لازداد مالا وعمرا(15/276)
كرم كن نه برخاش وجنك آورى ... كه علام بزيرنكين آورى
جوكارى بزآيد بلطف وخوشى ... جه حاجت بتندى وكردن كشى
نمى ترسى اى كرك ناقص خرد ... كه روزى بلنكيت برهم درد(15/277)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)
{ يا ايها النبى } ندآء تشريف وتعظيم { اذا جاءك المؤمنات } جون بيايند بتوزنان مؤمنة { يبايعنك } اى مبايعات لك اى قاصدات للمبايعة فهى حال مقدرة نزلت يوم الفتح فانه عليه السلام لما فرغ من بيعة الرجال شرع فى بيعة النساء سميت البيعة لان المبايع يبيع نفسه بالجنة المبايعة مفاعلة من البيع ومن عادة الناس حين المبايعة أن يضع احد المتبايعين يده على يد الآخر لتكون معاملتهم محكمة مثبتة فسميت المعاهدة بين المعاهدين مبايعة تشبيها لها بها فى الاحكام والابرام فمبايعة الامة رسولهم التزام طاعته وبذل الوسع فى امتثال اوامره واحكامه والمعاونة له ومبايعته اياهم الوعد بالثواب وتدبير امورهم و القيام بمصالحهم فى الغلبة على اعدائهم الظاهرة والباطنة والشفاعة لهم يوم الحساب ان كانوا ثابتين على تلك المعاهدة قائمين بما هو مقتضى المواعدة كام يقال بايع الرجل السلطان اذا اوجب على نفسه الاطاعة له وبايع السلطان الرعية اذا قيل القيام بمصالحهم واوجب على نفسه حفظ نفوسهم واموالهم من ايدى الظالمين { على ان لايشركن بالله شيأ } اى شيأ من الاشياء او شيأ من الاشتراك والظاهر ان المراد الشرك الاكبر ويجوز التعميم وللشرك الاصغر الذى هو الرياء فالمعنى الىأن لايتخذن الها غير الله ولا يعملن الا خالصا لوجهه
مرايى هركس معبود سازد ... مرايى را زان كفتند مشرك
( قال الحافظ )
كوبيا بارونمى دارند روز داورى ... كين همه قلب ودغل دركار داور ميكنند
{ ولايسرقن } السرقة اخذ ماليس له اخذه فى خفاء وصار ذلك فى الشرع لتناول الشىء من موضع مخصوص وقدر مخصوص اى لايأخذن مال احد بغير حق ويكفى فى قبح السرقة ان النبى عليه السلام لعن السارق { ولايزنين } الزنى وطىء المرأة من غير عقد شرعى يقصر واذا مد يصح أن يكون مصدر المفاعلة قال مظهر الدين الزنى فى اللغة عبارة عن المجامعة فى الفرج على وجه الحرام ويدخل فيه اللواطة واتيان الهائم تم كلامه قال عليه السلام « يقتل الفاعل والمفعول به » وثبت ان عليا رضى الله عنه احرقهما وان أبا بكر رضى الله عنه هدم عليهما حائطا وذلك بحسب مارأيا من المصلحة وقال عليه السلام « معلون من أتى امرأته فى دبرها » واما الاتيان من دبرها فى قبلها فمباح قال فى اللباب انفق المسلمون على حرمة الجماع فى زمن الحيض واخلتفوا فى وجوب الكفارة على من جامع فيه فذهب اكثرهم الى انه لاكفارة عليه فيستغفر وذهب قوم الى وجوب الكفارة عليه ثم كلامه وقال عليه السلام « من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه » قيل لابن عباس رضى الله عنهما ماشأن البهيمة قال ماسمعت فيها من رسول الله شيأ ولكن اكره أن يحل لحمها وينتفع بها كذلك { ولايقتلن اولادهن } أريد به وأد البنات اى دفنهن احياء خوف العار والفقر كما فى الجاهلية قال عليه اسلام(15/278)
« لاتنزع الرحمة الا من شقى » ( قال الحافظ )
هيج رحمى نه برادربه برادر ... هيج شوقى نه بدر رابه بسرمى بينم
دخترا نراهمه جنكست وجدل بامادر ... بسر انرا همه بدخواه بدرمى بينم
حكى ان هرون الرشيد زوج اخته من جعفر بشرط أن لايقرب منها فلم يصبر عنها فظهر حملها فدفنهما هرون حيين غضبا عليهما ويقال ولايشربن دوآء فيسقطن حملهن كما فى تفسير ابى الليث وفى نصاب الاحتساب تمنع القابلة من المعالجة لاسقاط الولد بعدما استبان خلقه وفنخ فيه الروح ومدة استبانة والنفخ بمائة وعشرين يوما واما قبله فقيل لابأس به كالعزل وقيل يكره لان مآل الماء الحياة كما اذا اتلف محرم بيضة صيد الحرم ضمن لان مآلها الحياة فلها حكم الصيد بخلاف العزل لان ماء الرجل لاينفخ فيه الروح الا بعد صنع آخر وهو الالقاء فى الرحم فلا يكون مآله الحياة ولعل اسناد الفعل الى النساء اما باعتبار الرضى به او بمباشرته بأمر زوجها { ولايأتين ببهتان يفترينه بين ايديهن وارجلهن } الباء للتعدية والبهتان الكذب الذى يبهت المذكوب عليه اى يدهشه ويجعله متحيرا فيكون اقبح انواع الكذبوهو فى الاصل مصدر يقال بهت زيد عمرا بهتا وبهتا وبهتانا اى قال عليه ومالم يفعله فزيد باهت وعمر ومبهوت والذى بهت به مبهوت به واذا قالت لزوجها هذا ولدى منك لصبرى التقطتة فقط بهتته به اى قالت عليه مالم يفعله جعله نفس البهتان ثم وصفه بكونه مفترى مبالغة فى وصفهن بالكذب والافترآء الاختلاق يقال فرى فلان كذبا اذا خلقه وافتراه اختلقه قوله يفترينه اما فى موضع جر على انه صفة لبهتان او نصب على انه حال من فاعل يأتين وقوله بين ايديهن متعلق بمحذوف هو حال من الضمير المنصوب فى يفترينه اى يختلقنه مقدرا وجوده بين ايديهن وارجلهن على أن يكون المراد بالبهتان الولد المبهوت به كما ذهب اليه جمهور المفسرين وليس المعنى على نهيهن عن أن يلحقن بأزواجهن ولدا التقطنه من بعض المواضع وكانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هو ولدى منك فى بطنى الذى بين يديى ووضعته من فرجى الذى هو بين رجلى فكنى عنه بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها لان بطنها الذى تحمله فيه بين يديها ومخرجه بين رجليها والمعنى ولايجئن بصبى ملتقط من غير ازواجهن فانه افترآء وبهتان لهم والبهتان من الكبائر الى تتصل بالشرك { ولا يصينك فى معروف } اى لا يخالفن امرك فيما تأمرهن به وتنهاهن عنه على ان المراد من المعروف الامور الحسنة التى عرف حسنها فى الدين فيؤمر بها والشؤون السيئة التى عرف قبحها فيه فينهى عنها كمنا قيل كل ماوافق فى طاعة الله فعلا او تركا فهو معروف وكما روى عن بضع اكابر المفسرين من انه هو النهى عن النياحة والدعاء بالويل وتمزيق الثوب وحلق الشعر ونتفه ونثره وخمش الوجه وان تحدث المرأة الرجال الا ذا رحم محرم وان تخلو برجل غير محرم وأن تسافر الا مع ذى رحم محرم فيكون هذا للتعميم بعد التخصيص ويحتمل أن يكون المراد من المعروف مايقابل المنكر فيكون ماقبله للنهى عن المنكر وهذا للامر بالمعروف لتكون الآية جامعة لهما والتقييد بالمعروف مع ان الرسول عليه السلام لايأمر الابه للتنبيه على انه لايجوز طاعة مخلوق فى معصية الخالق لانه لما شرط ذلك فى طاعة النبى عليه السلام فيكف فى حق غيره وهو كقوله(15/279)
{ الا ليطاع باذن الله } كما قال فى عين المعانى فدل على ان طاعة الولاة لاتجب فى المنكر ولم يقل ولا يعصين الله لان من اطاع الرسول فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله وتخصيص الامور المعدودة بالذكر فى حقهن لكثرة وقوعها فيما بينهن مع اختصاص بعضها بهن ووجه الترتيب بين هذه المنهيات انه قدم الا قبح علىماهو أدنى قبحا منه كذلك الى آخرها ولذا قدم ماهو الاظهر والأغلب فيما بينهن وقال صاحب اللباب ذكر الله تعالى فى هذه الآية لرسول الله عليه السلام فى صفة البيعة خصالا ستا هن اركان مانهى عنه فى الدين ولم يذكر اركان ما أمر به وهى ايضا ست الشهدة والصلاة والزكاة والصيام والحج والاغتسال من الجنابة وذلك لان النهى عنها دآئم فى كل زمان وكل حال فكان التنبيه على اشتراك الدآئم اهم وآكد { فبايعهن } جواب لاذا فهو العامل فيها فان الفاء لاتكون مانعة وهو امر من المبايعة اى فبايعهن على ماذكر وما لم يذكر لوضوح امره وظهور اصالته فى المبايعة من الصلاة والزكاة وسائر اركان الدين وشعائر الاسلام اى بايعهن اذا بايعنك بضمان الثواب على الوفاء بهذه الاشياء فان المبايعة من جهة الرسول هو الوعد والثواب ومن جهة الآخر التزام طاعته كما سبق وتقييد مبايعتهن بما ذكر من جنيئهن لحثهن على المسارعة اليها مع كمال الرغبة فيها من غير دعوة لهن اليها { واستغفر لهن الله } زيادة على مافى ضمن المبايعة من مضان الثواب والاستغفار طلب المغفرة للذنوب والستر للعيوب { ان الله غفور رحيم } اى مبالغ فى المغفرة والرحمة فيغفر لهن ويرحمهن اذا وفين بما بايعن عليه بزركى فرمود مردمان ميكويند رحمت موقوفست بر ايمان يعنى تابنده ايمان نيارد مستحق رحمت نشود ومن مى كويم كه ايمان موقوفست برحمت يعنى تا برحمت خود توفيق نبخشد كسى بدولت ايمان نرسد ( مصراع ) توفيق عزيزست بهركسى ندهند .
يقول الفقير الامر بالاستغفار لهن اشارة الى قبول شفاعة حبيبه عليه السلام فى حقهن فهو من رحمته الواسعة وقد عمم هذا الامر فى سورة الفتح فاستفاد جميع عباده وامائه الى يوم القيامة من بحر هذا الفضل مايغنيهم ويرويهم وهو الفياض قال الامام الطيبى لعل المبالغة فى الغفور باعتبار الكيفية وفى الغفار باعتبار الكمية كما قال بعض الصالحين انه غافر لانه يزيل معصيتك من ديوانك وغفور لانه ينسى الملائكة افعالك السوء وغفار لانه تعالى ينسيك ايضا ذنبك كما تستحيى وحظ العارف منه أن يستر من اخيه مايجب ان يستر منه ولا يفشى منه الا احسن ما كان فيه ويتجاوز عما يندر عنه يكافىء المسيىء اليه بالصفح عنه والانعام عليه نسأل الله سبحانه أن يجعلنا متخلقين باخلاقه الكريمة ومتصفين بصفاته العظيمة انه هو الغفور الرحيم واختلف فى كيفية مبايعته عليه السلام فى بيعة النساء ودعا بقدح من ماء فغمس فيه يده ثم غمس ايديهن فجاءت هند بنت عتبة امرأة أبى سفيان متنقبة متنكرة خوفا من رسول الله أن يعرفها لما صنعته بحمزة رضى الله عنه يوم احد من المثلة فلما قال عليه السلام(15/280)
« ابايعكن على أن لاتشركن بالله شيأ » رفعت هند رأسها فقالت والله لقد عبدنا الاصنام وانك لتأخذ علينا امرا مارأيناك اخذته على الرجال تبايع الرجال على الاسلام والجهاد فلما قال عليه السلام « ولا يسرقن » قالت ان ابا سفيان رجل شحيح وانى اصبت منه ماله هنات اى شيأ يسيرا فما أدرى ايحل لى فقال ابو سفيان ماصبت فهو لك حلال فضحك عليه السلام وقالت « أنت هند » قالت نعم فاعف عما سلف يانبى الله عفا الله عنك فعفا عنها فقال « ولايزنين » فقالت وهل تزنى الحرة فقال عمر رضى الله عنه لو كان قلب نساء العرب على قلب هند مازنت امرأة قط فقال « ولايقتلن اولادهن » فقالت ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا فانتم وهم اعلم وكان ابنها حنظلة بن أبى سفيان قتل يوم بدر فضحك عمر حتى استلقى وتبسم رسول الله فقال « ولا يأتين ببهتان » فقالت والله ان البهتان لامر قبيح وما تأمرنا الا بالرشد ومكارم الاخلاق فقال « ولا يعصينك فى معروف » فقالت والله ماجلسنا مجلسنا هذا وفى انفسان أن نعصيك فى شىء ( وروى ) انه عليه السلام بايعهن وبين يديه وايديهن ثوب قطرى والقطر بالكسر ضرب من البرود يأخذ بطرف منه ويأخذن بالطرف الآخر توقيا عن مساس ايدى الاجنبيات ( وروى ) انه جلس على الصفا ومعه عمر رضى الله عنه اسفل منه فجعل عليه السلام يشترط عليهن البيعة وعمر تصافحهن ( وروى ) ان عمر رضى الله عنه كان يبايع النساء بامره عليه السلام ويبلغهن عنه وهو اسفل منه عند الصفا ( وروى ) انه عليه لسلام كلف امرأة وقفت على الصفا فبايعهن وهى امية اخت خديجة رضى الله عنها خالة فاطمة رضى الله عنها والاظهر والاشهر ماقالت عائشة رضى الله عنها والله ماخذ رسول الله على النساء قط الا بما امر الله ومامست كف رسول الله كف امرأة قط وكان يقول(15/281)
« اذا اخذ عليهن قد بايعتك على كلها » وكان المؤمنات اذا هاجرن الى رسول الله يمتحنهن بقول الله { يا أيها النبى اذا جاءك المؤمنات } الخ فاذا اقررن بذلك من قولهن قال لهن « انطلقن فقد بايعتكن » .
يقول الفقير انما بايع عليه السلام الرجال مع مس الأيدى دون النساء لان مقام الشارع يقتضى الاحتياط وتعليم الامة والا فاذا جاز مصافحة عمر رضى الله عنه لهن كما فى بعض الروايات جاز مصافحته عليه السلام لهن لانه اعلى حالا من عمر من كل وجه وبالجملة كانت البيعة مع النساء والرجال امرا مشروعا بأمر الل وسنته بفعل رسول الله ومن ذلك كانت عادة مستحسنة بين الفقراء الصوفية حين ارادة التوبة تثبيتا للايمان وتجديدا لنور الايقان على ماشبعت الكلام عليه فى المبايعة فى سورة الفتح وذكرنا كل طرف منها فيها فارجع وفى التأويلات النجمية قوله تعالى { يا أيها النبى اذا جاءك } الخ يخاطب نبى الروح ويشير الى النفوس المؤمنة الداخلة تحت شريعة نبى الروح يبايعنك على أن لايشركن بالله شيئأ من حب الدنيا وشهواتها ولذاتها وزينتها وزخارفها ولايسرقن من اخلاق الهوى المتبع وصفاته الرديئة ولايزنين اى مع الهوى بالاتفاق معه والاتباع له ولا يقتلن اولادهن اى لايمنعن ولا يرددن اولاد الخواطر الروحانية والالهامات الربانية ولا يأتين ببهتان يفترينه بين ايديهن وارجلهن يعنى لايدعين بما لم يحصل لهن من المواهب العلوية من المشاهدات والمعاينات والتجريد والتفريد ولا من العطايا السفلية من الزهد والورع والتوكل والتسليم لانهن مابلغن بعد اليها ولا يعصينك فى معروف اى فى كل ما تأمرهن من الاخلاق والاوصاف فبايعهن اى فاقبل مبايعتهن بين يديك بالصدق والاخلاص واستغفر لهن الله مما وقع منهن قبل دخولهن فى ظل انوارك من المخالفات الشرعية والموافقات الطبيعية ان الله غفور يسترها بالموافقات الشرعية رحيم بهن يرحمهن بالمخالفات الطبيعية(15/282)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)
{ يا أيها الذين آمنوا لاتتلوا قوما } دوستى ميكند باكروهى كه ، فالتولى هنا بمعنى الموالاة والموادة { غضب الله عليهم } صفة لقوها وكذا قد يئسوا وهم جنس الكفار لان كلهم مغضوب عليهم لارحمة لهم من الرحمة الاخروية وقيل الهيود لماروى انها نزلت فى بعض فقرآء المسلمين كانوا يواصلون اليهود ليصيبوا من ثمارهم وهو قول الاكثرين وقد قال تعالى فى حق اليهود وغضب الله عليهم وجعل منهم القردة والخنازير والقوم الرجال وربما دخل النساء فيه على سبيل التبع لان قوم كل نبى رجال ونساء { قد يئسوا من الآخرة } اليأس انقطاع الطمع يعنى نوميد شدند از آخرت ، لكفرهم بها وعدم ايقانهم على أن يراد بقوما عامة الكفرة ومن لابتدآء الغاية او لعلمهم بأنه لاخلاق لهم فيها لعنادهم الرسول المنعوت فى التوراة المؤيد بالآيات على أن يراد به اليهود والتقدير من ثواب الآخرة يعنى انهم اهل الكتاب يؤمنون بالقيامة لكنهم لما اصروا على الكفر حسدا وعنادا يئسوا من ثوابها قال عليه السلام « يامعشر اليهود ويلكم اتقوا لله فوالله الذى لا اله الا هو انكم لتعلمون انى رسول لله حقا انى جئتكم بحق أفلسموا » { كما يئس الكفار من اصحاب القبور } من بيان للفكار أى كائنين منهم اى كما يئس منها الذين ماتوا منهم لانهم وقفوا على حقيقة الحال وشاهدوا حرمانهم من نعيمها المقيم وابتلاءهم بعذابها الأليم والمراد وصفهم بكمال اليأس منها قال مقاتل ان الكافر اذا وضع فى قبره اتاه ملك شديد الانتهار ثم يسأله من ربك ومادينك ومن نبيك فيقول لاأدرى فيقول الملك أبعدك الله انظر الى منزلتك من النار فيدعو بالويل والثبور ويقول هذا لك فيفتح باب الجنة فيقول هذا لمن آمن بالله فلو كنت آمنت بربك نزلت الجنة فيكون حسرة عليه وينقطع رجاؤه ويعلم انه لاحظ له فيها وييأس من خير الجنة وقيل من متعلقة بيئس فالمعنى كما يئسوا من موتاهم أن يبعثوا ويرجعوا الى الدنيا احياء الاظهار فى موضع الاضمار للاشعار بعلة يأسهم وهو الكفر والقبر مقر الميت والمقبرة موضع القبور وفى الآية اشارة الى الابدان المريضة المعتلة النجسة الخبيثة المظلمة فان الكفار أيسوا من خروج ضيق قبور اخلاقهم السيئة الى سعة فضاء صفاتهم الحسنة وكذا سائرهم من اهل الحجب الكثيفة ومن اصحاب القبور من حالة على عكس هذا كما أشار النبى عليه السلام بقوله « كن فى الدنيا كأنك غريب او عابر سبيل وعد نفسك من اصحاب القبور » وهم من ماتوا بالاختيار قبل الموت بالاضطرار وذلك بالنفاء التام فكانت اجسادهم لارواحهم كالقبور للموتى نسأل لله الختم بالسعادة بحرمة من له كمال السيادة والدفن فى احب البقاع اليه والقدوم بكمال البشرى عليه والقيام بمزيد الخفر لديه
خدايا بحق بنى فاطمة ... كه بر قول ايمان كنم خاتمه
خداوندكار انظركن بجو ... كه جرم آيداز بندكان در وجود
جومارا بدنيا تو كردى عزيز ... بعقبى همين جشم داريم نيز(15/283)
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)
{ سبح لله } نزهه عن كل مالايليق بجنابه العلى العظيم { مافى السموات } من العلويات الفاعلة { وما فى الارض } من السفليات القابلة آفاقا وانفسا اى سبحه جميع الاشياء من غير فرق موجود وموجود كما قال تعالى { وان من شىء الا يسبح بحمده } { وهو العزيز } الغالب الذى لايكون الا مايريد { الحكيم } الذى لايفعل الا بالحكمة فلا عزيز ولاحيكم على الاطلاق غيره فلذا يجب تسبيحه قال فى كشف الاسرار من أراد يصفو له تسبيحه فليصف عن آثار نفسه قلبه ومن أراد أن يصفو له فى الجنة عيشة فليصف عن اوضار الهوى دينه(15/284)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)
{ يا أيها الذين آمنوا } ايمانا رسميا { لم تقولون مالا تفعلون } روى ان المسلمين قالوا لو علمنا احب الاعمال الى الله تعالى لبذلنا فيه أموالنا وانفسنا فلما نزل الجهاد كرهوه فنزلت تعبيرا لهم بترك الوفاء ولم مركبة من اللام الجارة وما الاستفهامية قد حذفت ألفها تخفيفا لكثرة استعمالها معا كما فى عم وفيم ونظائرهما معناها لاى شىء تقولون نفعل مالا تفعلون من الخير والمعروف عل ان مدار التعبير والتوبيخ فى الحقيقة عدم فعلهم وانما وجهه الى قولهم تنبيها على تضاعف معصيتهم ببيان ان المنكر ليس ترك الخير الموعود فقط بل الوعد به ايضا وقد كانوا يحسبونه معروفا ولو قيل لم لا تفعلون ماتقولون لفهم منه ان المنكر هو ترك الموعود فليس المراد من ماحقيقة الاستفهام لان الاستفهام من الله محال لانه عالم بجميع الاشياء بل المراد الانكار والتوبيخ علىأن يقول الانسان من نفسه مالا يفعله من الخير لانه ان اخبر أنه فعل فى الماضى والحال ولم يفعله كان كاذبا وان وعد أن يفعله فى المستقبل ولايفعله كان خلفا وكلاهما مذموم كما قال فى الكشاف هذا الكلام يتناول الكذب واخلاف الموعود وهذا بخلاف ماذا وعد فلم يف بميعاده لعذر من الاعذار فانه لا اثم عليه وفى عرآئس البقلى حذر الله المريدين أن يظهروا يدعوى المقامات التى لم يبلغوا اليها لئلا يقعوا فى مقت الله وينقطعوا عن طريق الحق بالدعوى بالباطل وايضا زجر الاكابر فى ترك بعض الحقوق ومن لم يوف بالعهود ولم يأت بالحقوق لم يصل الى الحق والحقيقة وايضا ليس للعبد فعل ولا تدبير لانه اسير فى قبضة العزة يجرى عليه احكام القدرة وتصاريف المشيئة فمن قال فعلت او أتيت او شهدت فقد نسى مولاه وادعى ماليس له ومن شهد من نفسه طاعة كان الى العصيان اقرب لان النسيان من العمى وفى التأويلات النجمية ياأيها المؤمنون المقلدون لم تذمون الدنيا بلسان الظاهر وتمدحونها بلسان الباطن شهادة ارتكابكم انواع الشهوات الحيواينة واصناف اللذات الجسمانية او تمدحون الجهاد بلسانكم وتذمونه بقلوبكم وذلك يدل على اعراضكم عن الحق واقبالكم على النفس والدنيا وهذا كبر مقتا عند الله تعالى كما قال { كبر مقتا عند الله ان تقولوا مالا تفعلون } كبر من باب نعم وبئس فيه ضمير مبهم مفسر بالنكرة بعده وأن تقولوا هو المخصوص بالذم والمقت البغض الشديد لمن يراه متعاطيا لقبيح يقال مقته فهو مقيت وممقوت وكان يسمى تزوج امرأة الأب نكاح المقت وعند الله ظرف للفعل بمعنى فى علمه وحكمته والكلام بيان لغاية قبح مافعلوه اى عظم بغضا فى حكمته تعالى هذا القول المجرد فهو أشد ممقوتية ومبغوضية فمن مقته الله فله النار ومن احبه الله فله الجنة ( قال الكاشفى ) ونزد بعضى علما آيت عامست يعنى هركه سخنى كويد ونكند درين عتاب داخلست ويا آن علما نيزكه خلق رابعمل خير فرمايند وخود ترك نمايند اين سياست خواهد بود(15/285)
لاتنه عن خلق وتأتى مثله ... عار عليك اذا فعلت عظيم
واوحى الله تعالى الى عيسى عليه السلام يابن مريم عظ نفسك فان اتعظت فعظ الناس والا فاستحى منى وحضرت بيغمبر عليه السلام درشب معراد ديدكه لبهاى جنين كسان بمقراض آتشبن مى بريدند
ازمن بكوى علام تفسير كوى را ... كردر عمل نكوشى نادان مفسر
بار درخت لعم ندايم بجز عمل ... باعلم اكر عمل نكنى شاخ بى برى
قيل لبعض السلف حدثنا فسكت ثم قيل له حدثنا فقال لهم اتأمروننى أن اقول مالا افعل فأستعجل مقت الله قال القرطبى رحمه الله ثلاث آيات منعتنى ان اقص على الناس { أتأمرون الناس بالبر وتنسون انفكسم } وما اريد ان اخالفكم الى مانهاكم عنه { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون } وقد ورد الوعيد فى حق من يترك العلم فالخوف اذا على كل منهما فى درجة متناهية فيكف على من يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف واكثر الناس فى هذا الزمان هكذا والعياذ بالله تعالى قال فى اللباب ان الآية توجب على كل من ألزم نفسه عملا فيه طاعة الله أن يفى به فان من التزم شيأ لزم شرعا اذا الملتزم اما نذر تقرب مبتدأ كقوله لله على صلاة او صوم او صدقة ونحوه من القرب فليزمه الوفاء اجماعا او نذر مباح وهو ماعلق بشرط رغبة كقوله ان قدم عائبى فعلى صدقة او بشرط رهبة كقوله ان كفانى الله شر كذا فعلى صدقة ففيه خلاف فقال مالك وابو حنيفة يلزمه الوفاء به وقال الشافعى فى قول لايلزم وعموم الآية حجة لنا لانها بمطلقها تتناول ذم من قلا مالا يفعله على اى وجه كان من مطلق اى مقيد بشرط(15/286)
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)
{ ان الله يحب الذين يقاتلون } اعدآء الله { فى سبيله } فى طريق مرضاته واعلاء دينه اى يرضى عنهم وثنى عليهم { صفا } صف زده در برابر خصم ، وهو بيان لما هو مرضى عنده تعالى بعد بيان ماهو ممقوت عنده وهذا صريح فى ان ماقاوه عبارة عن الوعد بالقتال وصفا مصدر وقع موقع الفاعل او المفعول ونصبه على الحالية من فاعل يقاتلون اى صافين انفسهم او مصفوفين والصف ان يجعل الشىء على خط مستو كالناس والاشجار { كأنهم بنيان مرصوص } حال من المستكن فى الحال الاولى والبنيان الحائط وفى القاموس البناء ضد الهدم بناه بنيا وبناءه وبنيانا وبنية وبناية والنباء المبنى والبنيان واحد لايجمع دل عليه تذكير مرصوص وقال بعضهم بينان جمع بنيانه على حد نخل ونخلة وهذا النحو من الجمع يصح تأنيثه وتذكيره الرص اتصال بعض البناء بالبعض واستكامه كما قال فى تاج المصادر الرص استوار بر آوردن بنا ، قال ابن عباس رضى الله عنهما يوضع الحجر على الحجر ثم يرص باحجار صغار ثم يوضع اللبن عليه فيسيمه اهل مكة المرصوص والمعنى حال كونهم مشبهين فى تراصهم من غير فرجة وخلل ببنيان رص بعضه الى بعض ورصف حتى صار شيأ واحدا وقال الراغب بينان مرصوص اى محكم كأنما بنى بالرصاص يعنى كوبيا ايشان در اسحكام بنا اندريخته ازار زير كنايتست ازثبات قدم ايشان در معركه حرب وبيكديكر باز جسبيدن ، وقول قول الفرآء وتراصوا فى الصلاة اى تضايقوا فيها كما قال عليه السلام « تراصوا بينكم فى الصلاة لايتخللكم الشياطين فالرحمة فى مثل هذا المقام رحمة فلابد من سد الخلل او المحاذاة بالمناكب كالبنيان المرصوص » ولاينافيه قول سفيان ينبغى أن يكون بين الرجلين فى الصف قدر ثلثى ذراع فذاك فىغيره كما فى المقاصد الحسنة وعن بعضهم فيه دليل على فضل القتل راجلا لان الفرسان لايصطفون على هذه الصفة كما فى الكشاف .
يقول الفقير الدليل على فضل الراكب على الراجل ان له سهمين من الغنيمة وانما حث عليه السلام على التراص لان المسلمين يومئذ كانوا راجلين غالبا ولم يجدوا راحلة ونحوها الا قليلا قال سعيد ابن جبير رضى الله عنه هذا تعليم من الله للمؤمنين كيف يكونون عند قتال عدوهم ولذلك قالوا لايجوز الخروج من الصف الا لحاجة تعرض للانسان او فى رسالة يرسله الامام او منفعة تظهر فى المقام المنتقل اليه كفرصة تنتهز ولا خلاف فيها وفى الخروج عن الصف للمبارزة خلاف لابأس بذلك ارهابا للعدو وطلبا للشهادة وتحريضا على القتال وقيل لايبرز احد لذلك لان فيه رياء او خروجا الى ما نهى الله عنه وانما تكون المبارزة اذا طلبها الكافر كما كانت فى حروب النبى عليه السلام يوم بدر وفى غزوة خيبر قال فتح الرحمن اما حكم الجهاد فهو فرض كفاية على المستطيع بالاتفاق اذا فعله البعض سقط عن الباقين وعند النفير العام وهو هجوم العدو يصير فرض عين بلا خلاف ففى الآية زجر عن التباطىء وحث على التسارع ودلالة على فضيلة الجهاد وروى فى الخبر انه لما كان يوم مؤتة بالضم موضع بمشارف الشام قتل فيه جعفر ابن أبى طالب وفيه كانت تعمل السيوف كما فى القاموس وكان عبدالله بن رواحة رضى الله عنه احد الآمراء الذين امرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ناداهم ياهل المجلس هذا الذى وعدكم ربكم فقاتل حتى قتل فى مسجده على حياته وجلس اليه رسول الله يوما وقال امرت أن أجلس وامر ابن رواحة أن يمضى فى كلامه كما فى كشف الاسرار ثم ان الجهاد اما مع الاعدآء الظاهرة كالفكار والمنافقين واما مع الاعدآء الباطنة كالنفس والشيطان وقال عليه السلام(15/287)
« المجاهد من جاهد نفسه فى طاعة الله المهاجر من هاجر الخطايا والذنوب واعظم المجاهدة فى الطاعة الصلاة لان فيها سر الفناء وتشق على النفس »(15/288)
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)
{ واذ قال موسى لقومه } كلام مستأنف مقرر لما قبله من شناعة ترك القتال واذ منصوب على المفعولية بمضمر خوطب به النبى عليه السلام بطريق التلوين اى اذكر لهؤلاء المؤمنين المتقاعدين على القتال وقت قول موسى لبنى اسرآئيل حين نديهم الى قتال الجبابرة بقوله { ياقوم ادخلوا الارض المقدسة التى كتب الله لكم ولاترتدوا على ادباركم فتنقلبوا خاسرين } فلم يمتثلوا بأمره وعصروه أشد عصيان حيث { قالوا ياموسى ان فيها قوما جبارين وانا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فان يخرجوا منها فانا داخلون } الى قوله { فاذهب أنت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون } واصروا على ذلك وآذوه عليه السلام كل الأذية كذا فى الاشاد .
يقول الفقير لاشك ان قتل الآعداء من باب التسبيح لانهم الذين قالوا اتخذ الله ولدا وعبدوا معه الاصنام فكان فى مقالتهم توسيع ساحة التنزيه ولذا بدأ الله تعالى فى عنوان السورة بالتسبيح وأشار بلفظ الحكيم الى ان القتال من باب الحكمة وانه من باب دفع القضاء بالقضاء على مايعرفه اهل الله وبلفظ العزيز الى غلبة المؤمنين المقاتلين ثم انهم كرهوا ذلك كأنهم لم يثقوا بوعد الله بالغلبة ووقعوا من حيث لم يحتسبوا فى ورطة نسبة العجز الى الله سبحانه ولذا تقاعدوا عن القتال وبهذا التقاعد حصلت الاذية له عليه السلام لان مخالفة اولى الامر اذية لهم فأشار الحق تعالى بقصة موسى الى ان الرسول حق وان الخروج عن طاعته فسق وان الفاسق مغضوب الله تعالى لان الهداية من باب الرحمة وعدمها من باب السخط والعياذ بالله تعالى من سخطه وغضبه وأليم عذابه وعقابه { ياقوم } اى كروه من ، فأصله ياقومى ولذا تكسر الميم ولولا تقدير الياء لقيل ياقوم بالضم لانه حينئذ يكون مفردا معرفة فيبنى على الضم وهو ندآء بالرفق والشفقة كما هو شأن الانبياء ومن يليهم { لم تؤذوننى } جرامى رنجانيد مرا ، اى بالمخالفة والعصيان فيما امرتكم به والا ذى مايصل الى الانسان من ضرر اما فى نفسه او فى جسمه او قنياته دنيويا كان او أخرويا قال فى القاموس آذى فعل الأذى وصاحبه اذى واذاة واذية ولا تقل ايذآء انتهى فلفظ الايذآء فى افواه العوم من الاغلاط وربما تراه فى عبارات بعض المصنفين { وقد تعلمون انى رسول الله اليكم } جملعة حالية مؤكدة لانكار الأذية ونفى سببها وقد لتحقيق العلم لا للتوقع ولا للتقريب ولا للتقليل فانهم قالوا ان قد اذا خدلت على الحال تكون للتحقيق واذا دخلت على الاستقبال تكون للتقليل وصيغة المضارع للدلالة على استمرار العلم اى والحال انكم تعلمون علما قطيعا مستمرا بمشاهدة ماظهر بيدى من المعجزات انى مرسل من الله اليكم لأرشدكم الى خير الدنيا والآخرة ومن قضية علمكم بذلك أن تبالغوا فى تعظيمى وتسارعوا الى طاعتى فان تعظيمى تعظيم لله واطاعتى اطاعة له وفيه تسلية للنبى عليه السلام بأن الاذية قد كانت من الامم السالفة ايضا لأنبيائهم والبلاء اذا عم خف وفى الحديث(15/289)
« رحمة الله على أخى موسى لقد اوذى باكثر من هذا فصبر » وذلك انه عليه السلام لما قسم غنائم الطائف قال بعض المنافقين هذه القسمة ماعدل فيها ما أريد بها وجه الله فتغير وجهه الشريف وقال ذلك { فلما زاغوا } الريغ الميل عن الاستقامة والنزايغ التمايل اى اصروا على الزيغ عن الحق الذى جاء به موسى واستمروا عليه { ازاغ الله قلوبهم } اى صرفها عن قبول الحق والميل الى الصواب لصرف اختبارهم نحو الغى والضلال وقال الراغب فى المفردات اى لما فارقوا الاستقامة عاملهم بذلك وقال جعفر لما تركوا او امر الخدمة نزع الله من قلوبهم نور الايمان وجعل للشيطان اليهم طريقا فأزاغهم عن طريق الحق وادخلهم فى مسالك الباطل وقال الواسطى لما زاغوا عن القربة فى العلم ازاغ الله قلوبهم فى الخلقة وقال بعضهم لما زاغوا عن العبادة ازاغ الله قلوبهم عن الارادة يقول الفقير لما زاغوا عن رسالة موسى ونبوته أزاغ الله قلوبهم عن ولايته وجمعيته فهم رأوا موسى على انه موسى لا على انه رسول نبى فحرموا من رؤية الحق تعالى { والله لايهدى القوم الفاسقين } اعتراض تذييلى مقرر لمضمون ماقبله من الازاغة وموذن بعليته اى لايهدى القوم الخارجين عن الطاعة ومنهاج الحق المصرين على الغواية هداية موصلة الى البغية لاهداية موصلة الى مايوصل اليها فانها شاملة للكل والمراد جنس الفاسقين وهم داخلون فى حكمهم دخولا اوليا ووصفهم بالفسق نظرا الى قوله تعالى { فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين } وقوله تعالى { فلا تأس على القوم الفاسقين } قال الامام هذه الآية تدل على عظم اذى الرسول حتى انه يؤدى الى الكفر وزيغ القلوب عن الهدى انتهى ، ويتبعه اذى العالمين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر لان العلماء ورثة الانبياء فأذاهم فى حكم أذاهم فكما ان الانبياء والاولياء داعون الى الله تعالى على بصيرة فكذلك رسل القلوب فانهم يدعون القوى البشرية والطبيعية من الصفات البشرية السفلية الاخلاق الروحانية العلوية ومن ظلمة الخلقية الى نور الحقية فمن مال عن الحق وقبول الدعوة لعدم الاستعداد الذاتى ضل بالتوجه الى الدنيا والاقبال عليها فأنى يجد الهداية الى حضرة الحق سبحانه(15/290)
وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)
{ واذ قال عيسى ابن مريم } اما معطوف على اذ الاولى معمول لعاملها واما معمول لمضمر معطوف على عاملها وابن هنا وفى عزيز ابن الله باثبات الالف خطا لندرة وقوعه بين رب وعبد وذكر وانثى { يابنى اسرآئيل } اى فر زندان يعقوب ، ناداهم بذلك استمالة لقلوبهم الى تصديقه فى قوله { انى رسول الله اليكم مصدقا لما بين يدى من التوراة } فان تصديقه عليه اللام اياها من اقوى الدواعى الى تصديقهم اياه اى ارسلت اليكم لتبليغ احكامه التى لابد منها فى صلاح اموركم الدينية ، والدنيوية در حالتى كه باور دارنده ام من آنجيز را كه بيش منسب ازكتاب تورات يعنى قبل ازمن نازل شده ومن تصديق كرده م كه آن ازنزد خداست ، وقال ابو الليث يعنى اقرأ عليكم الانجيل موافقا للتوراة فى التوحيد وبعض الشرآئع قال القاضى فى تفسيره ولعله لم يقل ياقوم كما قال موسى لانه لانسب له فيهم اذ النسب الى الآباء والا فمريم من بنى اسرآئيل لان اسرآئيل لقب يعقوب ومريم من نسله ثم ان هذا دل على ان تصديق المتقدم من الانبياء والكتب من شعائر اهل الصدق ففيه مدح لامة محمد عليه السلام حيث صدقوا الكل { ومبشرا } التبشير مرده دادن { برسول يأتى من بعدى } معطوف على مصدقا داع الى تصديقه عليه السلام من حيث ان البشارة به واقعة فى التوراة والعامل فيهما ما فى الرسول من معنى الارسل الجار فانه صلة للرسول والصلاة بمعزل عن تضمن معنى الفعل وعليه يدور العمل اى ارسلت اليكم حال كونى مصدقا لما تقدمنى من التوراة ومبشرا بمن يأتى من بعدى من رسول وكان بين مولده وبين الهجرة ستمائة وثلاثون سنة وقال بعضهم بشرهم به ليؤمنوا به عند مجيئه او ليكون معجزة لعيسى عند ظهوره والتبشير به تبشير بالقرءآن ايضا وتصديق له كالتوراة { اسمه احمد } اى محمد صلى الله عليه وسلم يريد أن دينى التصديق بكتب الله وانبيائه جميعا ممن تقدم وتأخر فذكر اول الكتب المشهورة الذى يحكم به النبيون والنبى الذى هو خاتم النبيين وعن اصحاب رسول الله انهم قالوا اخبرنا يارسول الله عن نفسك قال انا دعوة ابراهيم وبشرى عيسى ورأت امى رؤيا حين حملتنى انه خرج منها نور اضاء لها قصور بصرى فى ارش الشأم وبصرى كحبلى بلد الشام وكذا بشر كل نبى قومه بنبينا محمد عليه السلام والله تعالى افرد عيسى عليه السلام بالذكر فى هذا الموضع لانه آخر نبى قبل نبينا فبين ان البشارة به عمت جميع الانبياء واحدا بعد واحد حتى انتهت الى عيسى كما فى كشف الاسرار وقال بعضهم كان بين رفع المسيح ومولد النبى عليه السلام خمسمائة وخمس واربعون سنة تقريبا وعاش المسيح الى ان رفع ثلاثا وثلاثين سنة وبين رفعه والهجرة الشريفة خمسمائة وثمان وتسعون سنة ونزل عليه جبريل عشر مرات وامته امة مرحومة جامعة لجميع الملكات الفاضلة قيل قال الحواريون لعيسى ياروح الله هل بعدنا امة قال نعم امة محمد حكماء وعلماء ابرار واتقياء كأنهم من الفقه انبياء يرضون من الله باليسير من الرزق ويرضى الله منه اليسير من العمل واحمد اسم نبينا صلى الله عليه وسلم قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر فى كتاب تلقيح الاذهان سمى من حيث تكرر حمده محمدا ومن حيث كونه حامل لوآء الحمد احمد انتهى قال الراغب احمد اشارة للنبى عليه السلام باسمه تنبيها على انه كما وجد اسمه احمد يوجد جسمه وهو محمود فى اخلاقه وافعاله واقواله وخص لفظ احمد فيما بشر به عيسى تنبيها انه احمد منه ومن الذين قبله انتهى ويوافقه مافى كشف الاسرار من ان الالف فيه للمبالغة فى الحمد وله وجهان احدهما انه مبالغة من الفاعل اى الانبياء كلهم محمودون لما فيهم من الخصال الحميدة وهو اكثر مناقب واجمع للفضائل والمحاسن التى يحمد بها انتهى(15/291)
زصد هزار محمد كه در جهان آيد ... يكى بمزلت وفضل مصطفى ترسد
قال ابن الشيخ فى حواشيه يحتمل أن يكون احمد منقولا من الفعل المضارع وأن يكون منقولا من صفة وهى افعل التفضيل وهو الظاهر وكذا محمد فانه منقول من الصفة ايضا وهو فى معنى محمود ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار فانه محمود فى الدنيا بما هدى اليه ونفع به من العلم والحكمة ومحمود فى الآخرة بالشفاعة وقال الامام السهيلى فى كتاب التعريف والاعلام احمد اسم علم منقول من صفة لا من فعل وتلك الصفة افعل التى يراد بها التفضيل فمعنى احمد الحامدين لربه عز وجل وكذلك قال هو فى المعنى لانه يفتح عليه فى المقام المحمود بمحامد لم تفتح على احد قبله فيحمد ربه بها وكذلك يعقد لوآء الحمد واما محمد فمنقول من صفة ايضا وهو فى معنى محمود ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار فحمد هو الذى حمد مرة بعد مرة كما ان المكرم من اكرم مرة بعد مرة وكذلك الممدح ونحو ذلك فاسم محمد مطابق لمعناه والله تعالى سماه به قبل أن يسمى به نفسه فهذا علم من اعلام نبوته اذ كان اسمه صادقا عليه فهو محمود فى الدنيا بما هدى اليه ونفع به من العلم والحكمة وهو محمود فى الآخرة بالشفاعة فقد تكرر معنى الحمد كما يقتضى اللفظ ثم انه لم يكن محمدا حتى كان حمد ربه فنبأه وشرفه ولذلك تقدم اسم احمد على الاسم الذى هو محمد فذكره عيسى عليه لسلام فقل اسمه احمد ذكره موسى عليه السلام حين قال له ربه تلك امة احمد فقال اللهم اجعلنى من امة احمد فبأحمد ذكره قبل أن يذكره بمحمد لان حمده لربه كان قبل حمد الناس فلما وجد بعث كان محمدا بالفعل وكذلك فى الشفاعة يحمد ربه بالمحامد التى يفتحها عليه فيكون احمد الناس لربه ثم يشفع فيحمد على شفاعته فانظر كيف كان ترتيب هذا الاسم قبل الاسم الآخر فى الذكر وفى الوجود وفى الدنيا وفى الآخرة تلح لك الحكمة الالهية فى تخصيصه بهذين الاسمين وانظر كيف انزلت عليه سورة الحمد وخص بها دون سائر الانبياء وخص بلوآء الحمد وخص بالمقام المحمود وانظر كيف شرع له سنة وقرءآنا أن يقول عند اختتام الافعال وانقضاء الامور الحمد لله رب العالمين قال الله تعالى(15/292)
{ وقضى بينهم بالحق } وقيل { الحمد لله رب العالمين } وقال ايضا { وآخر دعواهم الحمد لله رب العالمين } تنبيها لنا على ان الحمد مشروع عند انقضاء الامور وسن عليه السلام الحمد بعد الاكل والشرب وقال عند انقضاء السفر آئبون تائبون لربنا حامدون ثم انظر لكونه عليه السلام خاتم الانبياء ومؤذنا بانفصال الرسالة وانقطاع الوحى ونذيرا بقرب الساعة وتمام الدنيا مع ان الحمد كما قدمنا مقرون بانقضاء الامور مشروع عندها تجد معانى اسمه جميعا وما خص به من الحمد والمحامد مشاكلا لمعناه مظايقا لصفته وفى ذكره برهان عظيم وعلم واضح على نبوته وتخصيص الله له بكرامته وانه قدم له هذه المقامات قبل وجوده تكرمة له وتصديقا لامره عليه السلام انتهى كلام السيهلى .
يقول الفقير الذى يلوح بالبال ان تقدم الاسم احمد على الاسم محمد من حيث انه عليه السلام كان اذ ذاك فى عالم الارواح متميزا عن الاحد بميم الامكان فدل قلة حروف اسمه على تجرده التام الذى يقتضيه موطن عالم الارواح ثم انه لما تشرف بالظهور فى عالم العين الخارج وخلع الله عليه من الحكمة خلعة اخرى زآئدة على الخلع التى قبلها ضوعف حروف اسمه الشريف فقيل محمد على ما يقتضيه موطن العين ونشأة الوجود الخارجى ولا نهاية للاسرار والحمد لله تعالى قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر فى كتاب مواقع النجوم مانتظم من الوجود شىء بشىء ولا انضاف منه شىء الى شىء الا لمناسبة بينهما ظاهرة او باطنة فالمناسبة موجودة فى كل الاشياء حتى بين الاسم والمسمى ولقد أشار أبو يزيد السهيلى وان كان اجنبيا عن اهل هذه الطريقة الى هذا المقام فى كتاب المعارف والاعلام له فى اسم النبى عليه السلام محمد واحمد وتلكم على المناسبة التى بين افعال النبى عليه السلام واخلاقه وبين معانى اسميه محمد واحمد انتهى كلام الشيخ أشار رضى الله عنه الى ماقدمناه من كلام السهيلى وقال بعضه العارفين سمى عليه السلام بأحمد لكون حمده اتم واشتمل من حمد سائر الانبياء والرسل اذ محامدهم لله انما هى بمقتضى توحيد الصفات والافعال وحمده عليه السلام انما هو بحسب توحيد الذات المستوعب لتوحيد الصفات والافعال انتهى .(15/293)
قال فى فتح الرحمن لم يسم بأحمد أحد غيره ولا دعى به مدعو قبله وكذلك محمد ايضا لم يسم به احد من العرب ولاغيرهم الى أن شاع قبيل وجود عليه السلام وميلاده اى الكهان والاحبار ان نبيا يبعث اسمه محمد فسمى قوم قليل من العرب ابناءهم بذلك رجاء أن يكون احدهم هو وهم محمد بن احيحة بن الجلاح الاوسى ومحمد بن مسلمة الانصارى محمد بن الرآء البكرى محمد بن سفيان بن مجاشع ومحمد بن حمدان الجعفى ومحمد بن خزاعة السلمى فهم ستة لاسابع لهم ثم حمى الله كل من تسمى به ان يدعى النبوة او يدعيها احد له او يظهر عليه سبب يشكك احدا فى امره حتى تحققت السمتان له عليه السلام ولم ينازع فيهما انتهى .
واختلف فى عدد اسماء النبى عليه السلام فقيل له عليه السلام ألف اسم كما ان لله تعالى ألف اسم وذلك فانه عليه السلام مظهر تام له تعالى فكما ان اسماءه تعالى اسماء له عليه السلام منه جهة الجمع فله عليه السلام اسماء أخر من جهة الفرق على متقتضيه الحكمة فىهذا الموطن فمن اسمائه محمد اى كثير الحمد لان اهل السماء والارض حمدوه فى الدنيا والآخرة ومنها احممد اى اعظم حمدا من غيره لانه حمد الله تعالى بمحامد لم يحمد بها غيره ومنها المقفى بتشديد الفاء وكسره لانه أتى عقيب الانبياء وفى قفاهم وفى التكملة هو الذى قفى على اثر الانبياء اى اتبع آثارهم ومنه نبى التوبة لانه كثير الاستغفار والرجوع الى الله او لان التوبة فى امته صارت اسهل الا ترى ان توبة عبدة العجل كانت بقتل النفس او لان توبة امته كانت ابلغ من غيرهم حتى يكون التائب منهم كمن لا ذنب له لايؤاخذه به فى الدنيا ولا فى الآخرة وغيرهم يؤاخذ فى الدنيا لا فى الآخرة منها نبى الرحمة لان كان سبب الرحمة وهو الوجود لقوله تعالى « لولاك لما خلقت الافلاك » فى كتاب البرهان للكرمانى لولاك يا محمد لما خلقت الكائنات خاطب الله النبى عليه السلام بهذا القول انتهى قيل الاولى ان يحترز عن القول بأنه لولا الانبياء عليه السلام لان لما خلق الله آدم وان كان هذا شيأ يذكره الواعظ على رؤوس المنابر يرون به تعظيم محمد عليه السلام لان النبى عليه السلام وان كان عظيم المرتبة عند الله لكن لكل نبى من الانبياء مرتبة ومنزلة وخاصية ليست لغيره فيكون لك نبى اصلا لنفسه كما فى التاتار خانية .(15/294)
يقول الفقير كان عليه السلام نبى الرحمة لانه هو الأمان الاعظم ماعاش و مادامت سنته باقية على وجه الزمان قال تعالى { وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } قال امير المؤمنين على رضى الله عنه كان فى الارض امانان فرفع احدهما وبقى الآخر فاما الذى رفع فهو رسول الله عليه السلام واما الذى بقى فالاستغفار وقرأ بعد هذه الآية ومنها نبى الملحمة اى الحرب لانه بعث بالقتال فان قلت المبعوث بالقتال كيف يكون رحمة قلت كان امم الانبياء يهلكون فى الدنيا اذا لم يؤمنوا بهم بعد المعجزات ونبينا عليه السلام بعث بالسيف ليرتدعوا به عن الكفر ولا يستأصلوا وفى كونه عليه السلام نبى الحرب رحمة ومنها الماحى وهو الذى محا الله به الكفر او سيئات من اتبعه ومنه الحاشر وهو الذى يحشر الناس على قدمه اى على اثره ويجوز أن يراد بقدمه عهده وزمانه فيكون المعنى ان الناس يحشرون فى عهده اى فى دعوته من غير أن تنسخ ولا تبدل ومنها العاقب وهو الذى ليس بعده نبى لا مشرعا ولا متابعا اى قد عقب الانبياء فانقطعت النبوة قال عليه السلام « ياعلى أنت منى بمنزلة هرون من موسى » الا انه لانبى بعدى اى بالنبوة العرفية بخلاف النبوة التحقيقية التى هى الانباء عن الله فانها باقية الى يوم القيامة الا انه لايجوز أن يطلق على أهلها النبى لايهامه النبوة العرفية الحاصلة بمجيىء الوحى بواسطة جبرآئيل عليه السلام ومنها الفاتح فان الله فتح به الاسلام ومنها الكاف قيل معناه الذى ارسل الى الناس كافة وليس هذا بصحيح لان كافة لايتصرف منه فعل فيكون منه اسم فاعل وانما معناه الى كف الناس عن المعاصى كذا فى التكملة .
يقول الفقير هاذ اذا كان الكاف مشددا واما اذا كان مخففا فيجوز أن يشاربه الى المعنى الاول كما قال تعالى { يس } أى يا سيد البشر ومنها صاحب الساعة لانه بعث مع الساعة نذير للناس بين يديى عذاب شديد ومنه الرؤف والرحيم والشاهد والمبشر والسراج المنير وطه ويس والمزمل والمدثر وعبد الله وقثم اى الجامع للخير ومنها ، ن ، اشارة الى اسم النور والناصر ومنها المتوكل والمختار والمحمود والمصطفى واذا اشتقت اسماؤه من صفاته كثرت جدا ومنها الخاتم بفتح التاء اى احسن الانبياء خلقا وخلقا فكأنه جمال الانبياء كالخاتم الذى يتجمل به اى لما اتقنت به النبوة وكملت كان كالخاتم فكأنه الذى يختم به الكتاب عند الفراغ منه واما الخاتم بكسر التاء فمعناه انه آخر الانبياء فهو اسم فاعل من ختم ومنها راكب الجمل سماه به شيعا النبى عليه السلام فان قلت لم خص بركوب الجمل وقد كان يركب غيره كالفرس والحمار قلت كان عليه السلام من العرب لامن غيرهم كما قال احب العرب لثلاث لانى عربى والقرءآن عربى ولسان اهل الجنة عربى والجمل مركب العرب مختص بهم لاينسب الى غيرهم من الامم ولايضاف لسواهم منها صاحب الهرواة سماهبه سطيح الكاهن والهراوة بالكسر العصا فان قلت لم خص بالعصا وقد كان غيره من الانبياء يمسكها قلت العصا كثيرا ماتستعمل فى ضرب الابل وتخص بذلك كما قال به فى صفة البعير(15/295)
ينوخ ثم يضرب بالهراوى ... فلا عرف لديه و لانكير
فركوبه الجمل وكونه صاحب هراوة كناية عن كونه عربيا وقيل هذا اشارة الى قله فى الحديث فى صفة الحوض اذ ود الناس عنه بعصاى ومنه روح الحق سماه به عيسى عليه السلام فى الانجيل وسماه ايضا المنخنا بمعنى محمد ياخود آنكه خداى بفرستد اورا بعد ازمسيح ، وفى التكملة هو بالسريانية ومنها حمياطى بالعبرانية وبر قليطس بالرومية بمعنى محمد وماذ ماذ بمعنى طيب طيب وفار قليطا مقصورا بمعنى احمد وروى فار قلبط بالباء وقيل معناه الذى يفرق بين الحق والباطل وروى ان معناه بلغة النصارى ابن الحمد فكأنه محمد واحمد ( وروى ) انه عليه السلام قال « اسمى فى التوراة احيد لانى احيد امتى عن النار واسمى فى الزبور الماحى محا الله بى عبدة الاوثان واسمى فى الانجيل احمد وفى القرءآن محمد لانى محمود فى اهل السماء والارض » فان قلت قال رسول الله عليه السلام « لى خمسة اسماء » فذكر محمدا احمد والماحى والحاشر والعاقب وقد بلغت اكثر من ذلك قلت تخصيص الوارد لاينافى ماسواه فقد خص الخمسة اما لعلم السامع بما سواها فكأنه قال لى خمسة زائدة على ما تعلم او لفضل فيها كأنه قال لى خمسة اسماء فاضلة معظمة او لشهرتها كأنه قال لى خمسة اسماء مشهورة او لغير ذلك مما يحتمله اللفظ من المعانى وقيل لان الموحى اليه فى ذلك الوقت كان هذه الاسماء وقيل كانت هذه الاسماء معروفة عند الامم السالفة ومكتوبة فى الكتب المتقدمة وفيه ان اسماءه الموجودة فى الكتب المتقدمة تزيد على الخمسة كما فى التكملة لابن عسكر { فلما جاءهم } اى الرسول المشبر به الذى اسمه احمد كما يدل عليه الآيات اللاحقة واما ارجاعه الى عيسى كما فعله بعض المفسرين فبعيد جدا وكون ضمير الجمع راجعا الى بنى اسرآئيل لاينافى ماذكرنا لان نبينا عليه السلام مبعوث الى الناس كافة { بالبينات } اى بالمعجزات الظاهرة كالقرءآن ونحوه والباء للتعدية ويجوز أن تكون للملابسة { قالوا هذا } مشيرين الى ماجاء به او اليه عليه السلام { سحر مبين } ظاهر سحريته بلا مرية وتسميته عليه السلام سحرا للمبالغة ويؤيده قرآءة من قرأ هذه ساحر وفى الآية اشارة الى عيسى القلب واسرآئيل الروح وبنية النفس والهوى وسائر القوى الشريرة فانها متولدة من الروح والقالب منسلخة عن حكم ابيها فدعاها عيسى القلب لعلو مرتبته عليه فلما جاءها بصور التجليات الصفاتية والاسمائية قالت هذا ارم وهمى متخيل لا وجود له ظاهر البطلان وهكذا براهين اهل الحق مع المنكرين(15/296)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7)
{ ومن اظلم ممن افترى على الله الكذب } وكيست ستمكار تر از ان كس كه دروغ مى سازد بر الله ، والفرق بين لكذب والافترآء ه أن الافترآء افتعال الكذب من قول نفسه والكذب قد يكون على وجه التقليد للغير فيه { هو } اى والحال ان ذلك المفترى { يدعى } من لسان الرسول { الى الاسلام } الذى به سلامة الدارين اى اى الناس اشد ظلما ممن يدعى الاسلام الذى يوصله الى سعادة الدارين فيضع موضع الاجابة الافترآء على الله بقوله لكلامه الذى هو دعاء عباده الى الحق هذا سحر فاللام فى الكذب للعهد اى هو أظلم من كل ظالم وان لم يتعرض ظاهر الكلام لنفى المساوى ومن الافترآء على الله الكذب فى دعوى النسب والكذب فى الرؤيا والكذب فى الاخبار عن رسو الله عليه السلام .
واعلم ان الداعى فى الحقيقة هو الله تالى كما قال تعالى { والله يدعو الى دار السلام } بأمره الرسول عليه السلام كما قال { ادع الى سبيل ربك } وفى الحديث عن ربيعة الجرشى ( قال أتى نبى الله عليه السلام فقيل له لتنم عينك ولتسمع اذنك وليعقل قلبك ) قال فنامت عيناى وسمعت اذناى وعقل قبلى فقيل لى سيد نبى دارا فصنع مأدبة وارسل دعايا فمن أجاب الداعى دخل الدار واكل من المأدبة ورضى عنه السيد من لم يجب الداعى لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة وسخط عليه السيد قال فالله السيد ومحمد الداعى والدار الاسلام والمأدبة الجنة ودخل دعوة النبى دعوة ورثته لقوله أدعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعنى ولابد أن يكون الداعى اميرا او مأمورا وفى المصابيح فى كتاب العلم قال عوف بن مالك رضى الله عنه لايقص الا امير اومأمور او مختال رواه أبو داود وابن ماجه قوله او مختال هو المتكبر والمراد به هنا الواعظ الذى ليس بأمير ولا مأمور مأذون من جهة الامير ومن كانت هذه صفته فهو متكبر فضولى طالب للرياسة وقيل هذا الحديث فى الخطبة خاصة كما فى المفاتيح { والله لايهدى القوم الظالمين } اى لايرشدهم الى ما فيه فلاحهم لعدم توجههم اليه(15/297)
يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)
{ يريدون ليطفئوا نور الله } الاطفاء الاخماد وبالفارسية فروكشتن آتش وجراغ ، اى يريدون أن يطفئوا دينه او كتابه او حجته النيرة واللام مزيدة لما فيها من معنى الارادة تأكيدا لها كما زيدت لما فيها من معنى الاضافة تأكيدا لها فى لا أبا لك او يريدون الافترآء ليطفئوا نور الله وقال الراغب فى المفردات الفرق ان فى قوله تعالى { يريدون أن يطفئوا نور الله } يققصدون اخفاء نور الله وفى قوله تعالى { ليطفئوا } يقصدون امرا يتوصلون به الى اطفاء نور الله { بافواههم } بطعنهم فيه وبالفارسية بدهنهاى خود يعنى بكفتار نابسنديده وسختان بى ادبانه ، مثلث حالهم بحال من ينفخ فى نور الشمس ليطفئه { والله متم نوره } اى مبلغه الى غايته بنشره فى الآفاق واعلائه جلمة حالية من فاعل يريدون او يطفئوا { ولو كره الكافرون } اتمامه ارغاما لهم وزيادة فى مرض قلوبهم ولو بمعنى ان وجوابه محذوف اى وان كرهوا ذلك فالله يفعله لا محالة ( قال الكشافى ) وكراهت ايشانرا اثرى نيست در اطفاى جراغ صدق وصواب همجون ارادت خفاش كه غير موثر است درنابودن آفتار .
شب بره خواهد كه نبود آفتاب ... تاببند ديده او مرزو بوم
دست قدرت هر صباحى شمع مهر ... مى فروزد كورى خفاش شوم
( وفى المثنوى )
شمع حق را بف كنى تواى عجوز ... هم توسوزى هم سرت اى كنده بوز
كمى شود دريا زبور سك نجس ... كى شود خورشيد از يف منطمس
هركه بر شمع خدا آرد بفو ... شمع كى ميرد بسوزد بوز او
جون تو خفاشان بسى بينند خواب ... كين جهان مانده يتيم از آفتاب
اى بريده آن لب وحلق ودهان ... كه كند تعف سوى مه يا آسمان
تف برويش باز كردد بى شكى ... تف سوى كردون نيابد مسلكى
تا قيامت تف بر وبار دز رب ... همجون تبت بر روان بو لهب
قال ابن الشيخ اتمام نوره لما كان من اجل النعم كان استكراه الكفار اياه اى كافر كان من اصناف الكفرة غاية فى كفران النعمة فلذلك اسند كراهة اتمامه الى الكافرين فان لفظ الكافر أليق بهذا المقام واما قوله { ولو كره المشركون } فانه قد ورد فى مقابلة اظهار دين الحق الذى معظم اركانه التوحيد وابطال الشرك وكفار مكة كارهون له من اجل انكارهم للتوحيد واصرارهم على الشرك فالمناسب لهذا المقام التعرض لشركهم لكونه العلة فى كراهتهم الدين لحق قال بعض جحدوا ما ظهر لهم من صحة نبوة النبى عليه السلام وانكروه بالسنتهم واعرضوا عنه بنفوسهم فقيض الله لقبوله انفسا اوجدها على حكم السعادة وقلوبا زينها بأنوار المعرفة واسرارا نورها بالتصديق فبذلوا له المهج والأموال كالصديق والفاروق واجلة الصحابة رضى الله عنهم
يقول الفقير هكذا احوال ورثة النبى عليه السلام فى كل زمان فان الله تعالى تجلى لهم بنور الازل والقدم فكرهه المنكرون وأرادوا أن يطفئوه لكن الله اتم نوره وجعل لاهل تجليه اصحابا واخوانا يذبون عنهم وينفذون امورهم الى أن يأتيهم امر الله تعالى يقضوا نحبهم وفى الآية اشارة الى ان النفس لابد وأن تسعى فى ابطال نور القلب اطفائه لان النفس والهوى من المظاهر القهرية الجلالية المنسوبة الى اليد اليسرى والروح والقلب من المظاهر الجمالية اللطيفة المنسوبة الى اليد اليمنى كماجاء فى الحديث ( الربانى )(15/298)
« ان الله مسح يده اليمنى على ظهر آدم الأيمن فاستخرج منه ذرارى كالفضة البيضاء وقال هؤلاء للجنة ومسح يده اليسرى على ظهر آدم الأيسر فاستخرج منه كالحمة السودآء وقال هؤلاء للنار » فلا بد للنفس من السعى فى اطفاء نور القلب وللقلب ايضا من السعى فى اطفاء نار النفس ولو كره الكافرون الساترون القلب بالنفس الزارعون بذر النفس فى ارض القلب(15/299)
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)
{ هو الذى ارسل رسوله } محمد صلى الله عليه وسلم { بالهدى } بالقرءآن او بالمعجزة فالهدى بمعنى مابه الاهتدآء الى الصراط المستقيم { ودين الحق } والملة الحنيفية التى اختارها لرسوله ولامته وهو من اضافة الموصوف الى صفته مثل عذاب الحريق { ليظهره على الدين كله } ليجعله ظاهرا اى عاليا وغالبا على جميع الأديان المخالفة له { ولو كره المشركون } ذلك الاظهار ولقد انجز الله وعده حيث جعله بحيث لم يبق دين من الأديان الا وهومغلوب مقهور بدين الاسلام فليس المراد انه لايبقى دين آخر من الأديان بل العلو والغلبة والأديان خمسة اليهودية والنصرانية والمجوسية والشرك والاسلام كما فى عين المعانى للسجاوندى وقال السهيلى فى كتاب الامالى فى بيان فائدة كون ابواب النار سبعة وجدنا الاديان كما ذكر فى التفسير سبعة واحد للرحمن وستة للشيطان فالتى للشيطان اليهودية والنصرانية والصابئية وعبادة الاوثان المجوسية وامم لاشرع لهم ولايقولون بنبوة وهم الدهرية فكأنهم كلهم على دين واحد أعنى الدهرية وكل من لايصدق برسول فهؤلاء ستة اصناف والصنف السابع هو من اهل التوحيد كالخوارج الذين هم كلاب النار وجميع اهل البدع المضلة والجبابرة الظلمة والمصرون على الكبائر من غير توبة ولا استغفار فان فيهم من ينفذ فيه الوعيد ومنهم من يعفو الله عنه فهؤلاء كلهم صنف واحد غير انه لايحتم عليهم بالخلود فيها فهؤلاء سبعة اصناف ستة مخلدون فى النار وصنف واحد غير مخلد وهم منتزعون يوما لقيامة من اهل دين الرحمن ثم يخرجون بالشفاعة فقد وافق عدد الابواب عدد هذه الاصناف وتبينت الحكمة فى ذكرها فى القرءآن لما فيها من التخويف والارهاب فنسأل الله العفو العافية والمعافاة وفى بعض التفاسير الاشراك هو اثبات الشريك لله تعالى فى الالوهية سوآء كانت بمعنى وجوب الوجود او استحقاق العبادة لكن اكثر المشركين لم يقولوا بالاول لقوله تعالى { لئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله } فقد يطلق ويراد به مطلق الكفر بناء على ان الكفر لايخلو عن شرك مايدل عليه قوله تعالى { ان الله لايغفر ان يشرك به ويغفر مادون ذلك } فان المعلوم فى الدين انه تعالى لايغفر كفر غير المشركين المشهورين من اليهود والنصارى فيكون المراد لايغفر أن يكفر به وقد يطلق ويراد به عبدة الاصنام وغيرها فان أريد الاول فى قوله { ولو كره المشركون } يكون ايراده ثانيا لوصفهم بوصف قبيح آخر وان أريد الثانى فلعل ايراد الكافرين اولا لما ان اتمام الله نوره يكون بنسخ غير الاسلام والكافرون كلهم يكرهون ذلك وايراد المشركين ثانيا لما ان اظهار دين الحق يكون باعلاء كلمة الله واشاعة التوحيد المنبىء عن بطلان الآلهة الباطلة وأشد الكارهين لذلك المشركون والله اعلم بكلامه(15/300)
وفى التأويلات النجمية هو الذى ارسل رسول القلب الى امة العالم الاصغر الذى هو المملكة الانفسية الاجمالية المضاهية للعالم الاكبر وهو المملكة الآفاقية التفصيلية بنور الهداية الازلية ودين الحق الغالب على جميع الأديان وهو الملة الحنيفية السهلة السمحاء ولو كره المشركون الذين اشركوا مع الحق غيره وما عرفوا ان الغير والغيرية من الموهومات التى اوجدتها قوة الوهم والا ليس فى الوجود الا الله وصفاته انتهى ( قال الكمال الخجندى )
له فى كل موجود علامات وآثار ... دو عالم برزمعشوقست كويك عاشق صادق
( وقال المولى الجامى )
كرتويى جمله در فضاى وجود ... هم خود انصاف ده بكو حق كو
درهمه اوست بيش جشم شهود ... جيست بندارى هستىء من وتو
يقول الفقير هذه الكلمات المنبئة عن وحدة الوجود قد اتفق عليها اهل الشهود قاطبة فالطعن لواحد منهم بأن وجودى طعن لجميعهم وليس الطعن الا من الحجاب الكثيف والجهل العظيم والا فالامر اظهر على البصير(15/301)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11)
{ يا أيها الذين آمنوا هل ادلكم } آيا دلالت كنم شمارا { على تجارة } سيأتى بيان معناها { تنجيكم } ان تكون سببا لانجاء الله اياكم وتخليصه وافادت الصفة المقيدة ان من التجارة مايكون على عكسها كما أشار اليها قوله تعالى { يرجون تجارة لن تبور } فان بوار التجارة وكسادها يكون لصاحبها عذابا أليما كجمع المال وحفظه ومنع حقوقه فانه وبال فى الآخرة فهى تجارة خاسرة وكذا الاعمال التى لم تكن على وجه الشرع والسنة او أريد بها غير الله { من عذاب اليم } اى مؤلم جسمانى وهو ظاهر وروحانى وهو التحسر التضجر كأنهم قالوا كيف نعمل او ماذا نصنع فقيل { تؤمنون بالله ورسوله } مراد آنست كه ثابت باشيد برايمان كه دارين { وتجاهدون فى سبيل الله بأموالكم } بما لهاى خودكه زاد وسلاح مجاهدان خربد { وانفسكم } وبنفسهاى خود كه متعرض قتل وحرب شويد ، قدم الاموال لتقدمها فى الجهاد او للترقى من الأدنى الى الأعلى وقال بعضهم قدم ذكر المال لان الانسان ربما يضن بنفسه ولانه اذا كان له مال فانه يؤخذ به النفس لتغزو وهذا خبر فى معنى الامر جيىء به للايذان بوجوب الامتثال فكأنه وقع فأخبر بوقوعه كما تقول غفر الله لهم جعلت المغفرة لقوة الرجاء كأنها كانت ووجدت وقس عليه نحو سلمكم الله وعافاكم الله واعاذكم الله وفى الحديث « جاهدوا المشركين باموالكم وأنفسك وألسنتكم » ومعنى الجهاد بالألسنة اسماعهم مايكرهونه ويشق عليهم سماعه من هجو وكلام غليظ ونحو ذلك وأخر الجهاد بالألسنة لانه اضعف الجهاد وأدناه ويجوز أن يقال ان اللسان احد وأشد تأثيرا من السيف والسنان قال على رضى الله عنه ، جراحات السنان لها التثام ، ولا يلتام ماجرح اللسان فيكون من باب الترقى من الأدنى الى الأعلى وكان حسان رضى الله عنه يجلس على المنبر فيهجوا قريشا باذن رسول الله عليه السلام ثم ان التجارة التصرف فى راس المال طلبا للربح والتاجر الذى يبيع ويشترى وليس فى كلام العرب تاء بعدها جيم غير هذه اللفظة واما تجاه فاصلها وجاه وتجوب وهى قبيلة من حمير فالتاء للمضارعة طمعا لنيل الفضل والزيادة فان التجارة هى معاوضة المال بالمال لطمع الريح والايمان والجهاد شبها بها من حيث ان فيهما بذل النفس والمال طمعا لنيل رضى الله تعالى والنجاة من عذابه ( قال الحافظ )
فداى دوست نكرديم عمر مال دريغ ... كه كار عشق زما اين قدر نمى آيد
{ ذلكم } اى ماذكر من الايمان والجهاد بقسمية { خير لكم } على الاطلاق او من اموالكم وانفسكم { ان كنتم تعلمون } اى ان كنتم من اهل العلم فان الجهلة لايعتد بافعالهم او ان كنتم تعلمون انه خير لكم حيئنذ لانكم اذا علمتم ذلك واعتقدتموه احببتم الايمان والجهاد فوق ماتحبون أنفسكم وأموالكم فتخلصون وتفلحون فعلى العاقل تبديل الفانى بالباقى فانه خير له وجاء رجل بناقة مخطومة وقال هذه فى سبيل الله فقال عليه السلام(15/302)
« لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة » بزركى فرموده كه اصل مرابحه درين تجارت اينست كه غير حق رابدهى وحق را بستانى ودر نفحات ازابى عبد الله اليسرى قدس سره نقل ميكندكه بسروى آمد وكفت سبوى روغن داشتم كه سرمايه من بود ازخانه بيرون مى آوردم بيفتادوبشكست وسرمايه من ضايع شد كفت اى فرزند سرمايه خود آن سازكه سرمايه بدرتست والله كه بدر ترا هيج نيست دردنيا وآخرت غير الله شيخ الاسلام عبد الله الانصارى قدس سره فرمودكه سود تمام آن بودكه بدرش هم نبودى اشارت بمرتبه فناست درباختن سود وسرمايه در بازار شوق لقا
تاجند ببازار خودى بست شوى ... بشتاب كه از جام فنامست شوى
ازمايه سود دوجهان دست بشوى ... سود توهمان به كه تهى دست شوى
ودخل فى الآية جهاد أهل البدعة وهم ثنتان وسبعون فرقة ضالة آن كافر خرابى حصن اسلام خواهد اين مبتدع ويرانى حصار سنت جويد آن شيطان در تشويش ولايت دل كوشد اين هواى نفس زيرو زبرىء دين توخواهد حق تعالى ترابر هريكى ازين دشمنان سلاحى داده تا اورابدان قهر كنى قتال باكافران بشمشيرسياست است وبامبتدعان بتيغ زبان وحجت وبا شيطان بمداومت ذكر حق وتحقيق كلمه وبا هواى نفس بتير مجاهدة وسنان رياضت اينست بهين اعمال بنده وكريده طاعات رونده جنانجه رب العزة كفت ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون وقال بعض الكبار يا أيها الذين آمنوا بالايمان التقليدى هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله رسوله اى تحقيقا ويقينا استدلاليا وبعد صحة الاستدلال تجاهدون فى سبيل الله بأموالكم وانفسكم لان بذل المال والنفس فى سبيل الله لايكون الا بعد اليقين .
واعلم ان التوحيد اما لسانى واما عيانى اما التوحيد اللسانى المقترن بالاعتقاد الصحيح فأهله قسمان قسم بقوا فى التقليد الصرف ولم يصلوا الى حد التحقيق فهم عوام المؤمنين وقسم تشبثوا بذيل الحجيج والبراهين النقلية والعقلية فهؤلاء وان خرجوا عن حد التقليد الصرف لكنهم لم يصلوا الى نور الكشف والعيان كما وصل اهل الشهود والعرفان واما التوحيد العيانى فعلى مراتب المرتبة الاولى توحيد الافعال والثانية توحيد الصفات والثالثة توحيد الذات فمن تجلى له الافعال توكل واعتصم ومن تجلى له الصفات رضى وسلم ومن وصل الى تجلى الذات فنى فى الذات بالمحو والعدم(15/303)
يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)
{ يغفر لكم ذنوبكم } فى الدنيا وهو جواب الامر المدلول عليه بفلظ الخبر ويجوز أن يكون جوابا لشرط او لاستفهام دل عليه الكلام تقديره أن تؤمنوا وتجاهدوا او هل تقبلون وتفعلون مادللتكم عليه يغفر لكم وجعله جوابا لهل أدلكم بعيد لان مجرد الدلالة لايوجب المغفرة { ويدخلكم } فى الآخرة { جنات } اى كل واحد منكم جنة ولابعد من لطفه تعالى أن يدخله جنات بأن يجعلها خاصة له داخلة تحت تصرفه والجنة فى اللغة البستان الذى فيه اشجار متكاثفة مظلة تستر ماتحتها { تجرى من تحتها } أى من تحت اشجارها بمعنى تحت اغصان اشجارها فى اصولها على عروقها او من تحت قصورها وغرفها { الانهار } من اللبن والعسل الخمر والماء الصافى { ومساكن طيبة } اى ويدخلكم مساكن طيبة ومنازل نزهته كائنة { فى جنات عدن } اى اقامة الخلود بحيث لايخرج منها من دخلها يعارض من العوارض وهذا الظرف صفة مختصة بمساكن وهى جميع مسكن بمعنى المقام والسكون ثبوت الشىء بعد تحرك ويستعمل فى الاستيطان يقال سكن فلان فى مكان كذا استوطنه واسم المكان مسكن فمن الاول يقال سكنت ومن الثانى يقال سكنته قال الراغب اصل الطيب مايستلذه الحواس وقوله ومساكن طيبة فى جنات عدن اى طاهرة زكية مستلذة وقال بعضهم طيبتها سعتها ودوام امرها وسئل رسول الله عليه السلام عن هذه المساكن الطيبة فقال « قصر من لؤلؤ فى الجنة فى ذلك القصر سبعون دارا من ياقوته حمرآء فى دار سبعون بيتا من زمردة خضرآء فى كل بيت سبعون وصيفا ووصيفة قال فيعطى الله المؤمن من القوة فى غداة واحدة مايأتى على ذلك كله » قال فى الكبير أراد بالجنات البساتين التى يتناولها الناظر لانه تعالى قال بعده { ومساكن طيبة فى جنات عدن } والمعطوف يجب أن يكون مغايرا للمعطوف عليه فتكون مساكنهم فى جنات عدن ومناظهرهم الجنات التى هى البساتين ويكون فائدة وصفها بأنها عدن انها تجرى مجرى الدار التى يسكنها الانسان واما الجنات الأخر فهى جارية مجرى البساتين التى قد يذهب الانسان اليها لاجل التنزه وملاقاة الاحباب وفى بعض التفاسير تسمية دار الثواب كلها بالجنات التى هيى بمعنى البساتين لاشتمالها على جنات كثيرة مترتبة على مراتب بحسب استحاقاقات العالمين من الناقصين والكاملين ولذلك أتى بجنات جمعا منكرا ثم اختلفوا فى عدد الجنات المشتملة على جنات متعددة فالمروى عن ابن عباس رضى الله عنهما انها سبع جنة الفردوس جنة عدن جنة النعيم ودار الخلد وجنة المأوى ودار السلام وعليون فى كل واحدة منها مراتب ودرجات متفاوتة على تفاوت الاعمال والعمال ( وروى ) عنه انها ثمان دار الجلال ودار القرار ودار السلام وجنة عدن وجنة المأوى وجنة الخلد وجنة الفردوس وجنة النعيم وقال ابو الليث الجنان اربع كما قال تعالى(15/304)
{ ولمن خاف مقام ربه جنتان } ثم قال { ومن دونهما جنتان } فذلك جنان اربع احداهن جنة الخلد والثانية جنة الفردوس والثالثة جنة المأوى والرابعة جنة عدن وابو ابها ثمانية بالخبر وخازن الجنة يقال له رضوان وقد ألبسه الله الرأفة والرحمة كما ان خازن النار ويقال له مالك قد ألبسه الله الغضب والهيبة وميل الامام الغزالى رحه الله الى كون الجنان اربعا فلعل الجنات فى الآية باعتبار الافراد لا باعتبار الاسماء ومايستفاد من قلتها بحسب ان الجمع السالم من جموع القلة ليس بمراد فانها من الوجود الانسانى اربع جنان فالغالب فى الجنة الاولى التنعم بمقتضى الطبيعة من الاكل والشرب والوقاع وفى الثانية التلذذ بمقتضى النفس كالتصرفات وفى الثالثة التلذذ بالاذواق الروحانية كالمعارف الالهية وفى الرابعة التلذذ بالمشاهدات وذلك على أعلى اللذات لانها من الخالق وغيرها من المخلوق ان قلت لم لم تذكر ابواب الجنة فى القرءآن وانها ثمانية كما ذكرت ابواب النار كما قال تعالى { لها سبعة أبواب } قلت ان الله سبحانه انما يذكر من اوصاف الجنة مافيه تشويق الهيا وترغيب فيها وتنبيه على عظم نعميها وليس فى كونها ثمانية او اكثر من ذلك او اقل زيادة فى معنى نعيمها بل لو دخلوا من باب واحد او من ألف باب لكان ذلك سواء فى حكم السرور بالدخول ولذلك لم يذكر اسم خازن الجنة اذ لا ترغيب فى ان يخبر عن اهل الجنة انهم عند فلان من الملائكة او فى كرامة فلان وقد قال { وسقاهم ربهم شرابا طهورا } ولا شك أن من جدثت عنه انه عند الملك يسقيه ابلغ من الكرامة من أن يقال هو عند خادم من خدام الملك او فى كرامة ولى من اوليائه بخلاف ذكر ابواب النار وذكر مالك فان فيه زيادة ترهيب قال سهل قدس سره اطيب المساكن مازال عنهم جميع الاحزان واقر أعينهم بمجاورته فهذا الجوار فوق سائر الجوار وقال بعضهم ومساكن طيبة برؤية الحق تعالى فان المساكن انما تطيب بملاقاة الاحباب ورؤية العاشق جمال المعشوق ووصول المحب الى صحبة المحبوب وكذا مساكن القلوب انما تطيب بتجلى الحق ولقاء جماله جعلنا الله واياكم من اهل الوصول واللقاء البقاء { ذلك } اى ماذكر من المغفرة وادخال الجنات المذكورة بما ذكر من الاوصاف الجميلة { الفوز العظيم } الذى لافوز ورآءه قال بعض المفسرين الفوز يكون بمعنى النجاة من المكروه وبمعنى الظفر بالبغية والاول يحصل بالمغفرة والثانى بادخال الجنة والتنعيم فيها وعظمه باعتبار انه نجاة لا ألم بعده وظفر لا نقصان فيه شانا وزمانا ومكانا لانه فى غاية الكمال على الدوام فى مقام النعيم علم ان الآية الكريمة أفادت ان التجارة دنيوية واخروية فالدنيا موسم التجارة والعمر مدتها والاعضاء والقوى رأس المال والعبد هو المشترى من وجه والبائع من وجه فمن صرف رأس ماله الى المنافع الدنيوية التى تنقطع عند الموت فتجارته دنيوية كاسدة خاسرة وان كان بتحصيل علم دينى او كسب عمل صالح فضلا عن غيرهما(15/305)
« فانما الاعمال بالنيات ولكل امرىء مانوى » ومن صرفه الى المقاصد الأخروية التى لاتنقطع ابدا فتجارته رآئجة رابحة حرية بأن يقال { فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم } ولعل المراد من التجارة هنا بذل المال والنفس فى سبيل الله وذكر الايمان لكونه اصلا فى الاعمال ووسيلة فى قبول الآمال وتوصيف التجارة بالانجاء لان النجاة يتوقف عليها الانتفاع فيكون قوله تعالى { يغفر لكم } بيان سبب الانجاء وقوله { يدخلكم } بما يتعلق به بيان المنفعة الحاصلة من التجارة مع ان التجارة الدنيوية تكون سببا للنجاة من الفقر المنقطع والتجارة الأخروية تكومن سببا للنجاة من الفقر الغير المنقطع قال عليه السلام « نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ » يعنى ان نعمتى الصحة والفراغ كرأس المال للمكلف فينبغى أن يعامل الله الايمان به وبرسوله ويجاهد مع النفس لئلا يغبن ويربح فى الدنيا والآخرة ويجتنب معاملة الشيطان لئلا يضيع رأس ماله مع الربح ( قال الحافظ )
كارى كنيم ورنه خجالت براورد ... روزى كه رخت جان بجهان دكر كشيم
( وقال أيضا )
كوهر معرفت اندوز كه ياخود ببرى ... كه نصيب دكر انست نصاب زروسيم
( وقال أيضا )
دلا دلالت خيرى كنم براه نجات ... مكن بفسق مباهات زهدهم مفروش
( وقال المولى الجامى )
از كسب معارف شده مشغوف زخارف ... در هاى ثمين داده وخر مهره خريده
( وقال )
جان فداى دوست كن جامى كه هست ... كمترين كارى درين ره بذل روح(15/306)
وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)
{ واخرى } اى ولكن الى هذه النعم العظيمة نعمة اخرى عاجلة فأخرى مبتدأ حذف خبره والجملة عطف على يغفر لكم على المعنى { تحبونها } وترغبون فيها وفيه تعريض بأنهم يؤثرون العاجل على الآجل وتوبيخ على محبته وهو صفة بعد صفة لذلك المحذوف { نصر من الله } بدل او بيان لتلك النعمة الاخرى يعنى نصر من الله على عدوكم قريش وغيرهم { وفتح قريب } اى عاجل عطف على نصر ( قال الكاشفى ) مراد فتح مكة است يافتح روم وفارس ابن عطا فمرمودن كه نصر توحيد است وفتح نظر بجمال ملك مجيد .
وقد بين انواع الفتوح فى سورة الفتح بمقتضاه فى طريق الجهاد الاصغر وان كان تجارة رابحة الا ان اصحابها لم يتخصلوا بعد من الاعواض والاغراض فللسالك الى طريق الجهاد الاكبر تجارة أخرى فوق تلك التجارة اربح من الاولى هى نصر من الله بالتأييد الملكوتى والكشف النورى وفتح قريب الوصول الى مقام القلب ومطالعة تجليات الصفات وحصول مقام الرضى وانما سماه تجارة لان صفاتهم الظلمانية تبدل هناك بصفات الله النورانية وانما قال تحبونها لان المحبة الحقيقية لاتكون الا بعد الوصول الى مقام القلب ومن دخل مقام المحبة بالوصول الى هذا المقام فقد دخل فى اول مقام لخواص فالمعتبر من المنازل منزل المحبة واهله عبيد خلص لايتوقعون الاجرة بعملهم بخلاف من تنزل عن منزلة المحبة فانهم اجرآء يعلمون للاجرة قال بعض العارفين من عبدالله رجاء للثواب وخوفا من العقاب فمعبودة فى الحقيقة هو الثواب والعقاب والحق واسطة فالعبادة لاجل تنعم النفس فى الجنة والخلاص من النار معلول ولهذا قال المولى جلال الدين الرومى قدس سره
هشت جنت هفت دوزخ بيش من ... هست بيدا همجوبت بيش شمن
( وقال بعضهم )
طاعت ازبهر جزا شرك خفيست ... ياخدا جوباش ويا عقبى طلب
واعلم ان من جاهد فانما يجاهد لنفسه لانه يتخلص من الحجاب فيصل الى الملك الوهاب { وبشر المؤمنين } عطف على محذوف مثل قل { ياأيها الذين آمنوا } وبشرهم يا أكمل الرسل بأنواع البشارة الدنيوية والاخروية فلهم من الله فضل واحسان فى الدارين وكان فى هذا دلالة على صدق النبى لانه اخبر عما يحصل ويقع فى المستقبل من الايام على ماخبره
وفى التأويلات النجمية يشير الى تواتر النعم وتواليها وفتح مكة القلب بعد النصر بخراب بلدة النقص وبشر المؤمنين المحبين الطالبين بالنصر على النفس فتح مكة القلب انتهى وفيه اشارة الى ان بلدة النفس انما تخرب بعد التأييد الملكوتى وامداد جنود الروح بان تغلب القوى الروحانية على القوى النفسانية كما يغلب اهل الاسلام على اهل الحرب فيخلصون القلعة من ايدى الكفار وزيلون آثار الكفر و الشرك بجعل الكنائس مساجد وبيوت الاصنام معابد ومساكن الكفار مقار المؤمنين المخلصين والله المعين على الفتح المطلق كل حين(15/307)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)
{ يا أيها الذين آمنوا كونوا انصار الله } اى انصار دينه جمع نصير كشريف واشراف { كما قال عيسى ابن مريم للحواريين } سيأتى بيانهم { من } كيستند { انصارى الى الله } قال بعض المفسرين من يحتمل ان يكون استفهاما حقيقة ليلعلم وجود الانصار ويتسلى به ويحتمل العرض والحث على النصرة وفيه دلالة على ان غير الله تعالى لايخلوا عن الاحتياج والاستنصار وانه فى وقته جائز حسن اذا كان لله فى الله والمعنى من جندى متوجها الى نصرة الله كما يقتضيه قوله تعالى { قال الحواريون نحن انصار الله } فان قوله عيسى لا يطابق جواب الحواريين بحسب الظاهر فان ظاهر قول عيسى يدل على انه يسأل من ينصره فكيف يطابقه جواب الحواريين بانهم ينصرون لله ايضا لاوجه لبقاء قول عيسى على ظاهره لان النصرة لاتتعدى بالى فحمل الانصار على الجند لانهم ينصرون ملكهم ويعينونه فى مراده ومراده عليه السلام نصرة دين الله فسأل من يتبعه ويعينه فى ذلك المراد ويشاركه فيه فقوله متوجها حال من ياء المتكلم فى جندى والى متعلق به لا بالنصرة والاضافة الاولى اضافة احد المتشاركين الىلآخر لما بينهما من الاختصاص يعنى الملابسة المضححة للاضافة المجازية لظهور ان الاختصاص الذى تقتضيه الاضافة حقيقة غير متحقق فى اضافة انصارى والاضافة الثانية اضافة الفاعل الى المفعول والتشبيه باعتبار المعنى ان كونوا انصار الله كما كان الحواريون انصاره حين قال لهم عيسى من انصارى الى الله او قل لهم كونوا كما قال عيسى للحواريين والحواريون اصفياؤه وخلصانه من الحور وهو البياض الخالص وهم اول من آمن به وكانوا اثنى عشر رجلا قال مقاتل قال الله لعيسى اذا دخلت القرية فائت النهر الذى عليه القاصرون فاسألهم النصرة فأتاهم عيسى وقال من انصارى الى الله فقالوا نحن ننصرك فصدقوه ونصروه ( وقال الكاشفى ) وفى الواقع نصرت كردند دين عيسى رابعد از رفع وى وخلق را بخدا دعوت نمودند ، فالحواريون كانوا قصارين وقيل كانوا صيادين قال بعض العلماء انما سموا حواريين لصفاء عقائدهم عن التردد والتلوين او لانهم كانوا يطهرون نفوس الناس بافادتهم الدين والعلم المشار اليه بقوله تعالى { انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا } وانما قيل كانوا قصارين على التمثيل والتشبيه وانما قيل كانوا صيادين لاصطيادهم نفوس الناس وقودهم الى الحق وقوله عليه السلام « الزبير ابن عمتى وحواريى » وقوله يوم الاحزاب « من يأتينى بخبر القوم » فقال الزبير انا فقال عليه السلام « ان لكل نبى حواريا وحواريى الزبير » فشبهه بهم فى النصرة وقال بعض المفسرين دل الحديث على ان الحواريين ليسوا بمختصين بعيسى اذ هو فى معنى الاصحاب الاصفياء وقال معمر رضى الله عنه كان يحمد الله لنبينا عليه السلام حواريون نصروه حسب طاقتهم وهم سبعون رجلا وهم الذين بايعوه ليلة العقبة وقال السهيلى كونوا انصار الله فكانوا انصارا وكانوا حواريين والانصار الاوس الخزرج ولم يكن هذا الاسم قبل الاسلام حتى سماهم الله به وكان له عليه السلام حواريون ايضا من قريش مثل الخلفاء الاربعة والزبير وعثمان بم مظعون وحمزة بن عبد المطلق وجعفر بن ابى طالب ونحوهم { فآمنت طائفة } اى جماعة وهى اقل من الفرقة لقوله تعالى(15/308)
{ فلولا نفر من كل فرقه منهم طائفة } { من بنى اسرآئيل } اى آمنوا بعيسى واطاعوه فيما امرهم به من نصرة الدين { وكفرت طائفة } اخرى به وقاتلوه { فايدنا الذين آمنوا } اى قوينا مؤمنى قومه بالحجة او بالسيف وذلك بعد رفع عيسى { على عدوهم } اىعلى الذين كفروا وهو الظاهر فايراد العدو اعلام منه ان الكافرون عدو للمؤمنين عداوة دينية وقيل لما رفع عيسى عليه السلام تفرق القوم ثلاث فرق فرقة قالوا كان الله فارتفع وفرقة قالوا كان ابن الله فرفعه الله اليه وفرقة قالوا كان عبدا لله ورسوله فرفعه الله وهم المؤمنون وابتع كل فرقة منهم طائفة من الناس فاقتتلوا وظهرت الفرقتان الكافرتان على الفرقة المؤمنة حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فظهرت الفرقة المؤمنة على الكافرة فذلك قوله تعالى { فايدنا الذين آمنوا على عدوهم } { فأصبحوا } صاروا { ظاهرين } غالبيين عالين يقال ظهرت على الحائط علوته وقال قتادة فأصبحوا ظاهرين بالحجة والبرهان كما سبق لأنهم قالوا فيما روى ألستم تعلمون ان عيسى عليه السلام كان ينام والله تعالى لاينام انه يأكل ويشرب والله منزه عن ذلك وفى الآية اشارة الى غلبة القوى الروحانية على القوى النفسانية لان القوى الروحانية مؤمنون متنورون بنور الله متقون عما سوى الله تعالى والقوى النفسانية كافورن مظلمون بظلمة الاكوان متلوثون بالعلاقات المختلفة ولاشك ان الله مع الذين اتقوا الذين هم محسنون فبنور الاسلام والايمان والتقوى والهدى يزيل ظلمة الشرك والكفر والتعلق والهوى مع ان اهل الايمان وان كانوا اقل من اهل الكفر فى الظاهر لكنهم اكثر منهم فى الباطن فهم السواد الاعظم والمظاهر الجمالية ، واعلم ان الجهاد دآئم ماض الى يوم القيامة انفسا وآفاقا لان الدنيا مشتملة على اهل الجمال والجلال وكذا الوجود الانسانى مادام فى هذا الوطن فاذا صار الى الموطن الآخر فما اهل جمال فقط وهو فى الجنة واما اهل جلال فقط وهو فى الدار والله يحفظنا واياكم(15/309)
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)
{ يسبح لله مافى السموات ومافى الارض } جميعا من حى وجامد تسبيحات مستمرة فما فى السموات هى البدائع العلوية ما فى الارض هو الكوآئن السفلية فللكل نسبة الى الله تعالى بالحياة والتسبيح { الملك } بادشاهى كه ملك او دائمست وبى زوال { القدوس } باك از سمت عيب وصفت اختلال { العزيز } الغالب على كل ما أراد { الحكيم } صاحب الحكمة البديعة البالغة وقد سبق معانى هذه الاسماء فى سورة الحشر والجمهور على جر الملك وما بعده على انها صفات لاسم الله عز وجل .
يقول الفقير بدأ الل تعالى هذه السورة بالتسبيح لما فيها من ذكر البعثة اذا خلاء العالم من المرشد معاف للحكمة ويجب تنزيه الله عنه ولما اشتملت عليه من بيان ادعاء اليهود كونهم ابناء الله واحباءه ولما ختمت به من ذكر ترك الذكر واستماع الخطبة المشتملة على الدعاء والحمد والتسبيح ونحو ذلك وفى التأويلات النجمية يعنى ينزه ذاته المقدسة مافى سموات المفهوم من مفهومات العامة ومفهومات الخاصة ومفهومات اخص الخاصة وما فى ارض المعلوم من معلومات العامة ومعلومات الخاصة ومعلومات اخص الخاصة وانما أضفنا السموات الى المفهوم واضفنا الارض الى المعلوم لفوقية رتبة الفهم على ربتة العلم وذلك قوله { ففهمناها سليمان وكلا آتينا حموعلما } ويدل على ذلك اصابة سليمان حقيقة المسألة المخصوصة بحسب نور الفهم لابحسب قوة العلم وهو العزيز الذى يعز من يشاء بخلعة نور الفهم الحكيم الذى يشرف من يشاء بحكمته بلبسه ضياء العلم(15/310)
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)
{ هو الذى بعث فى الاميين } جمع امى منسوب الى امة العرب وهم قسمان فعرب الحجاز من عدنان وترجع الى اسماعيل عليه السلام وعرب اليمن ترجع الى قحطان وكل منهم قبائل كثيرة والمشهور عند اهل التفسير ان الامى من لايكتب ولا يقرأ من كتاب وعند اهل الفقه من لايعلم شيأ من القرءآن كأنه بقى على ماتعلمه من امه من الكلام الذى يتعلمه الانسان بالضرورة عند المعاشرة والنبى الامى منسوب الى الامة الذين لم يكتبوا لكونه على عادتهم كقولك علمى لكونه على عادة العامة وقيل سمى بذلك لانه لم يكتب ولم يقرأ من كتاب وذلك فضيلة له لاستغنائه بحفظه واعتماده على ضمان الله له عنه بقوله { سنقرئك فلا تنسى } وقيل سمى بذلك لنسبته الى ام القرى وفى كشف الاسرار سمى العرب اميين لانهم كانوا على نعت امهاتهم مذ كانت بلا خط ولا كتاب نسبوا الى ماولدوا عليه من امهاتهم لان الخط والقرآءة والتعليم دون ماجبل الخلق عليه ومن يحسن الكتابة من العرب فانه ايضا امى لانه لم يكن لهم فى الاصل خط ولا كتابة قيل بدئت الكتابة بالطائف تعلمها ثقيف واهل الطائف من اهل الحيرة بكسر الحاء وسكون المثناة من تحت بلد قرب الكوفة واهل الحيرة اخذوها من اهل الانبار وهى مدينة قديمة على الفرات بينها وبين بغداد عشرة فراسخ ولم يكن فى أصحاب رسول الله عليه السلام كاتب الا حنظلة الذى يقال له غسيل الملائكة ويسمى حنظلة الكاتب لانه ظهر الخط فى الصحابة بعد فى معاوية بن سفيان وزيد بن ثابت وكانا يكتبان لرسول الله عليه السلام وكان له كتاب ايضا غيرهما واختلفوا فى رسول الله عليه السلام انه هل تعلم الكتابة بآخرة من عمره اولا لعلمائنا فيه وجهان وليس فيه حديث صحيح ولما كان الخط صنعة ذهنية وقوة طبيعية صدرت بالآلة الجسمانية لم يحتج اليه نم كان القلم الاعلى يخدمه واللوح المحفوظ مصحفه ومنظره وعدم كتابته مع علمه بها معجزة باهرة له عليه السلام اذا كان يعلم الكتاب علم الخط واهل الحرف حرفتهم وكان اعلم بكل كمال اخروى او دنيوى من اهله ومعنى الآية هو الذى بعث فى الاميين اى فى العرب لان اكثرهم لايكتبونولا يقرأون من بين الامم فغلب الاكثر وانما قلنا اكثرهم لانه كان فيهم من يكتب ويقرأ وان كانوا على قلة { رسولا } كائنا { منهم } اى من جملتهم ونسبهم عربيا اميا مثلهم .
تارسالت اوازتهمت دور باشده فوجه الامتنان مشاكلة حاله لاحوالهم ونفى التعلم من الكتب فهم يعلمون نسبه واحواله ، ودر كتاب شعيا عليه لسلام مذكور است كه انى ابعث اميا فى الاميين واختم به النبيين ( قال الكاشفى ) ودر اميت آن حضرت عليه السلام نكتهاست ايجا بسه بيت اختصار ميرد(15/311)
فيض ام الكتاب بروردش ... لقب امى ازان خدا كردش
لوح تعليم ناكرفته بير ... همه زاسرار لوح داده خبر
برخط اوست انس وجانراسر ... كه نخواندست خط ازان جه خطر
والبعث فى الاميين لاينافى عموم دعوته عليه السلام فالتخصيص بالذكر لا مفهوم له ولو سلم فلا يعارض المنطوق مثل قوله تعالى { وما أرسلناك الا كافة للناس } على انه فرق بين البعث فى الاميين والبعث الى الاميين فبطل احتجاج اهل الكتاب بهذه الآية على انه عليه السلام كان رسول الله الى العرب خاصة رد الله بذلك ماقال اليهود للعرب طعنا فيه نحن اهل الكتاب وأنتم اميون لاكتاب لكم { يتلو عليهم آياته } اى القرءآن مع كونه اميا مثلهم لم يعهد منه قرآءة ولا تعلم والفرق بين التلاوة والقرآءة ان التلاوة قرآءة القرءآن متتابعة كالدراسة والا وارد المظفة والقرءآة اعم لانها جمع الحروف باللفظ لا اتباعها { ويزكيهم } صفة اخرى لرسولا معطوفة على يتلو أى يحملهم على مايصبرن به ازكياء من خبائث العقائد والاعمال وفيه اشارة الى قاعدة التسليك فان المزكى فى الحقيقة وان كان هو الله تعالى كما قال بل الله يزكى من يشاء الا ان الانسان الكامل مظهر الصفات الالهية جميعا ويؤديد هذا المعنى اطلاق نحو قوله تعالى { من يطع الرسول فقد أطاع الله } { ويعلمهم الكتاب والحكمة } قال فى الارشاد صفة اخرى لرسولا مترتبة فى الوجود على التلاوة وانما وسط بينهما التزكية التى هى عبارة عن تكميل النفس بحسب قوتها العلمية وتهذيبها المتفرغ على تكميلها بحسب القوة النظرية الحاصلة بالعلم المترتب على التلاوة للايذان بأن كلا من الامور المترتبة نعمة جليلة على حيالها مستوجبة للشكر فلو روعى ترتيب الوجود لتبادر الى الفهم كون الكل نعمة واحدة وهو السر فى التعبير عن القرءآن تارة بالآيات وأخرى بالكتاب والحكمة رمزا الى انه باعتبار كل عنوان نعمة على حدة انتهى
وقال بعضهم ويعلمهم القرءآن والشريعة وهى ماشرع الله لعباده من الاحكام او لفظه ومعناه او القرءآن والسنة كما قاله الحسن او الكتاب الخط كما قاله ابن عباس او الخير والشر كما قاله ابن اسحق والحكمة الفقه كما قاله مالك او العظة كما قاله الاعمش او كتاب احكام الشريعة واسرار آداب الطريقة حال معانيه الحكمية والحكمية ولكن تعليم حقائق القرءآن وحمه مختص باولى الفهم وهم خواص الاصحاب رضى الله عنهم وخواص التابعين من بعدهم الى قيام الساعة لكن معلم الصحابة عموما وخصوصا هو النبى عليه السلام بلا واسطة ومعلم التابعين قرنا بعد قرن هو عليه السلام ايضا لكن بواسطة ورثة امته وكمل اهل دنيه وملته لو لم يكن سوى هذا التعليم معجزة لكفاه قال البوصرى فى القصيدة البردية(15/312)
كفاك بالعلم فى الامى معجزة ... فى الجاهلية والتأديب فى اليتم
اى كفاك العلم الكائن فى الامى فى وقت الجاهلية وكفاك ايضا تنبيه على الآداب لعلمه بها فى وقت اليتم معجزة { وان كانوا من قبل لفى ضلال مبين } ان ليست شرطية ولا نافية بل هى المخففة واللام هر الفارقة بينها وبين النافية والمعنى وان الشأن كان الاميون من قبل بعثته مجيئه لفى ضلال مبين من الشرك خبث الجاهلية لاترى ضلالا اعظم منه وهو بيان لشدة افتقارهم الى من يرشدهم وازاحة لما عسى يتوهم من تعلمه عليه السلام من الغير فان المبعوث فيهم اذا كانوا فى ضلال قبل البعثة زال توهم انه تعلم ذلك من احد منهم قال سعدى المفتى والظاهر ان نسبة الكون فى الضلال الى الجميع من باب التغليب والا فقد كان فيهم مهتدون مثل ورقة بن نوفل وزيد بن نفيل وقس بن ساعدة وغيرهم ممن قال رسول الله عليه السلام فى كل منهم يبعث امة واحدة .
يقول الفقير هو اعتراض على معنى الازاحة المذكورة لكنه ليس بشىء فان اهتدآء من ذكره من نحو ورقة انما كان فى باب التوحيد فقط فقد كانوا فى ضلال من الشرآئع والاحكام ألا ترى الى قوله تعالى { ووجدك ضالا فهدى } مع انه عليه السلام لم يصدر منه قبل البعثة شرك ولا غيره من شرب الخمر والزانى واللغو واللهو فكونهم مهتدين من وجه لا ينافى كونهم ضالين من وجه آخر دل على هذا المعنى قوله تعالى { يتلو عليهم } الخ فان بالتلاوة وتعليم الاحكام والشرآئع حصل تزيكة النفس والنجاة من الضلال مطلقا فاعرفه(15/313)
وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)
{ وآخرين منهم } جمع آخر بمعنى غير وهو عطف على الاميين اى بعثه فى الاميين الذين على عهده وفى آخرين من الاميين او على المنصوب فى يعلمهم اى يعلمهم ويعلم آخرين منهم وهم الذين جاؤا من العرب فمنهم متعلق بالصفة لآخرين اى وآخرين كائنين منهم مثلهم فى العربية والامية وان كان المراد العجم فمنهم يكون متعلقا بآخرين ( قال الكاشفى ) اصح اقوال آنست كه هركه باسلام در آمده ودرمى آيد بعد از وفات آن حضرت عليه السلام همه درين آخرين داخلند ، فيكون شاملا لكل من اسلم وعمل صالحا الى يوم القيامة من عربى وعجمى وفى الحديث « ان فى اصلاب رجال من امتى رجالا ونساء يدخلون الجنة بغير حساب » ثم تلا الآية { لمايلحقوا بهم } صفة لآخرين اى لم يلحقوا بالاميين بعد ولم يكونوا فى زمانهم وسيلحقون بهم ويكونون بعدهم عربا وعجما وذلك لما ان منفى لما لابد أن يكون مستمر النفى الى الحال وأن يكون متوقع الثبوت بخلاف منفى لم فانه يحتمل الاتصال نحو { ولم اكن بدعائك رب شقيا } والانقطاع مثل { لم يكن شيأ مذكورا } ولهذا جاز لم يكن ثم كان ولم يجز لما يكن ثم كان بل يقال لما يكن وقد يكون ( روى ) سهل بن سعد الساعدى رضى الله عنه ان النبى عليه السلام قال « رأيتنى أسقى غنما سودا ثم اتبعتها غنما عفرا اولها يا أبا بكر » فقال يانبى الله اما السود فالعرب واما العفر فالعجم تتبعك بعد العرب فقال عليه السلام « كذلك اولها الملك يعنى جبرآئيل عليه السلام » يقال شاة عفراء يعلو بياضها حمرة ويجمع على عفر مثل سودآء وسود وقيل لما يلحقوا بهم فى الفضل والمسابقة لان التابعين لايدركون شيأ مع الصحابة وكذلك العجم مع العرب ومن شرآئط الدين معرفة فضل العرب على العجم وحبهم ورعاية حقوقهم وفى الآية دليل على ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول نفسه وبلاغه حجة لاهل زمانه ومن بلغ لقوله تعالى { ومن يكفر به من الاحزاب فالنار موعده } { وهو العزيز } المبالغ فى العزة والغلبة ولذلك مكن رجلا اميا من ذلك امر العظيم { الحكيم } المبالغ فى الحكمة ورعاية المصلحة ولذلك اصطفاه من بين كافة البشر(15/314)
ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)
{ ذلك } الذى امتاز به من بين سائر الافراد وهو أن يكون نبى ابناء عصره ونبى ابناء العصور الغوابر { فضل الله } واحسانه { يؤتيه من يشاء } تفضلا وعطية لا تأثير للاسباب فيه فكان الكرم منه صر فالا تمازجه العلل ولا تكسبه الحيل { والله ذو الفضل العظيم } الذى يستحقر دونه نعم الدنيا ونعيم الآخرة وفى كشف الاسرار { والله ذو الفضل العظيم } على محمد وذو الفضل العظيم على الخلق بارسال محمد اليهم وتوفيقهم لمابيعته انتهى .
يقول الفقير وايضا { والله ذو الفضل العظيم } على اهل الاستعداد من امة محمد بارسال ورثة محمد فى كل عصر اليهم وتوفيقهم للعمل بموجب اشاراتهم ولولا اهل الارشاد والدلالة لبقى الناس كالعميان لايدرون اين يذهبون وانما كان هذا الفضل عظيما لان غايته الوصول الى الله العظيم وقل بعض الكبار { والله ذو الفضل العظيم } اذ جميع الفضائل الاسمائية تحت الاسم الاعظم وهو جامع احدية جميع الاسماء وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب اهل الدثور بالاجور فقال « قولوا سبحان الله والحمد لله والا اله الا الله والله اكبر ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم » فقالوها وقالها الأغنياء فقيل انهم شاركونا فقال { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء } وفى بعض الروايات « اذا قال الفقير سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر مخلصا وقال الغنى مثل ذلك لم يلحق الغنى بالفقير فى فضله وتضاعف الثواب وان أنفق الغنى معها عشرة آلاف درهم وكذلك اعمال البر كلها » ( قال الشيخ سعدى قدس سره )
نقنطار زر بخش كردن زكنج ... نباشد جو قيراطى ازدست رنج(15/315)
مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)
{ مثل الذين حملوا التوراة } اى علموها وكلفوا العمل بها وهم اليهود ومثلهم صفتهم العجيبة { ثم لم يحملوها } اى لم يعملوا بما فى تضاعيفها من الآيات الى من جملتها الآيات الناطقة بنوبة رسول الله عليه السلام واقتنعوا بمجرد قرآءتها { كمثل الحمار } الكاف فيه زآئدة كما فى الكواشى والحمار حيوان معروف يعبر به عن الجاهل كقولهم هو اكفر من الحمير اى اجهل لان الكفر من الجهالة فالتشبيه به لزيادة التحقير والاهانة ولنهاية التهكم والتوبيخ بالبلادة اذا لحمار يذكر بها والبقر وان كان مشهورا بالبلادة الا انه لا يلائم الحمل
تعلم يافتى فالجهل عار ... ولا يرضى به الا حمار
{ يحمل اسفارا } اى كتبا من العلم يتعب بحملها ولا ينتفع بها ويحمل اما حال والعامل فيها معنى المثل اوصفة للحمار اذ ليس المراد معينا فان المعرف بلام العهد الذهنى فى حكم النكرة كما فى قول من قال ولقد امر على اللئيم يسبنى والاسفار جمع سفر بسكر السين وهو الكتاب كشبر واشبار قال الراغب السفر الكتاب الذى يسفر عن الحقائق اى يكشف وخص لفظ الاسفار فى الآية تنبيها على ان التوراة وان كانت تكشف عن معانيها اذا قرئت وتحقق مافيها فالجاهل لايكاد يستبينها كالحمار الحامل لها وفى القاموس السفر الكتاب الكبير او جزء من اجزآء التوراة وفى هذا تنبيه من الله على انه ينبغى لمن حمل الكتاب أن يتعلم معانيه ويعلم مافيه ويعمل به لئلا يلحقه من الذم ما لحق هؤلاء ( قال الشيخ سعدى ) مراد از نزول قرآن تحصيل سيرت خوبست نه ترتيل سوره مكتوب
علم جندانكه بيشتر خوانى ... جون عمل درتونيست تادانى
نه محقق بود نه دانشمند ... جار بايى برو كتابى جند
آن تهى معزرا جه علم وخبر ... كه برو هيز مست با دفتر
( وقال الكاشفى )
كفت ايزد يحمل اسفاره ... بار باشد علم كان نبود زهو
علمهاى اهل دل حمالشان ... علمهاى اهل تن احما لشان
جون بدل خوانى زحق كيرى سبق ... جون بكل خوانى سبه سازى ورق
وفى التأويلات النجمية يعنى مثل يهود النفس فى حمل توراة العلم والمعرفة بصحة رسالة القلب وعدم اتباع رسومه واحكامه كمثل الحمار البدن فى حمله اثقال الامتعة النفسية الا قمشة الشريفة والملابس الفاخرة والطيالس الناعمة فكما ان حمار البدن لايعرفها ولا يعرف شرفها ولا كرامتها كذلك يهود النفس لاتعرف رفعة رسول القلب ولا رتبته ونعم مايحكى عن بعض الظرفاء انه حضر دعوة لطعام فلم يلتفتوا اليه اوجلسوه فى مكان نازل ثم انه خرج واستعار ألبسة نفيسة وعاد الى المجلس فلما رأوه على زى الاكابر عظموه واجلسوه فوق الكل فلما حضر الطعام قال ذلك الظريف خطابا لكمه كل والكم لايدرى مالطعام وم اللذة لكن نظر اهل الصورة مقصور على الظاهر لايرون الفضل الا بالزخارف والزين فما أبعد هؤلاء عن ادراك المعانى والحقائق { بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله } اى بئس مثلا مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله على أن التمييز محذوف والفاعل المفسر له مستتر والمذكور هو المخصوص بالذم وهم اليهود الذين كفروا بما فى التوراة من الآيات الشاهدة بصحة نبوة محمد عليه السلام { والله لايهدى القوم الظالمين } الواضعين للتكذيب فى موضع التصديق او الظالمين لأنفسهم بتعريضها للعذاب الخالد باختيار الضلالة على الهداية والشقاوة على السعادة والعداوة على العناية كاليهود ونظائرهم وفيه تقبيح لهم بتشبيه حالهم بحال الحمار والمشبه بالقبيح قبيح وقد قال تعالى(15/316)
{ ان أنكر الاصوال لصوت الحمير } فصوت الجاهل والمدعى منكر كصوت الحمار وأضل وانزل فهو ضار محض وفى الحمار نفع لانه يحمل الاثقال ويركبه النساء والرجال وقد قال فى حياة الحيوان ان اتخذ خاتم من حافر الحمار الاهلى ولبسه المصروع لم يصرع ثم ان فى الحمار شهوة زآئدة على شهوات سائر الحيوانات وهى من الصفات الطبيعية البهيمية فمن أبدلها بالعفة نجا وسلم من التشبيه المذكور وكم ترى من العلماء الغير العاملين ان اعينهم تور على نظر الحرام ومع الهم من النحاك يتجاوزون الى الزنى لعدم قوتهم الشهوية بالشريعة اقوالهم لا أعمالهم واحوالهم نسأل الله العصمة مما يوجب المقت والنقمة انه ذو المنة والفضل والنعمة(15/317)
قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6)
{ قل يا أيها الذين هادوا } من هاد يهود اذا تهود أى تهودوا التهود جهود شدن ودين جهود داشتن وبالفارسية ايشان كه جهود شديد وازراه راست بكشتيد ، فان المهاداة الممايلة ولذا قال بعض المفسرين اى مالوا عن الاسلام والحق الى اليهودية وهى من الاديان الباطلة كما سبق قال الراغب الهود الرجوع برفق وصار فى التعارف التوبة قال بعضهم يهود فى الاصل من قولهم انا هدنا اليك اى تبنا وكان اسم مدح ثم صار بعد نسخ شريعتهم لازما لهم وان لم يكن فيه معنى المدح كما ان النصارى فى الاصل من قولهم نحن انصار الله ثم صار لازما لهم بعد نسخ شريعتهم ثم ان الله تعالى خاطب الكفار فى اكثر المواضع بالواسطة ومنها هذه الآية لانهم ادخلوا الواسطة بينهم وبين الله تعالى وهى الاصنام واما المؤمنون فان الله تعالى خاطبهم فى اغلب المواضع بلا واسطة مثل يايها الذين آمنوا لامنهم اسقطوا الوسائط فأسقط الله بينه وبينهم الوسائط { ان زعمتم } الزعم هو القول بلا دليل والقول بأن الشىء على صفة كذا قولا عير مستند الى وثوق نحو زعمتك كريما وفى القاموس الزعم مثلثة القول الحق والباطل والكذب ضد واكثر مايقال فيما يشك فيه انتهى .
فبطل ماقال بعضهم من ان الزعم بالضم بمعنى اعتقاد الباطل وبالفتح بمعنى قول الباطل قال الراغب الزعم حكاية قول يكون مظنة للكذب ولهذا جاء فى القرءآن فى كل موضع ذم القائلون به وقيل للمتكفل والرئيس زعيم للاعتقاد فى قولهم انه مظنة للكذب { انكم اولياء الله } جمع ولى بمعنى الحبيب { من دون الناس } صفة اولياء اى من دون الاميين وغيرهم ممن ليس من بنى اسرآئيل وقال بعضهم من دون المؤمنين من العرب والعجم يريد بذلك ما كانوا يقولون نحن ابناء الله واحباؤه ويدعون ان الدار الآخرة لهم عند الله خالصة وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا فأمر رسول الله عليه السلام بأن يقول لهم اظهار لكذبهم ان زعمتم ذلك { فتمنوا الموت } اى فتمنوا من الله أن يميتكم من دار البلية الى دار الكرامة وقولوا اللهم أمتنا والتمنى تقدير شىء فى النفس وتصويره فيها وبالفارسية آرزوا خواستن ، قال بعضهم الفرق بين التمنى والاشتهاء ان التمنى اعم من الاشتهاء لانه يكون فى الممتنعات دون الاشتهاء { ان كنتم صادقين } جوابه محذوف لدلالة ماقبله عليه اى ان كنتم صادقين فى زعمكم واثقين بأنه حق فتمنوا الموت فان من أيقن انه من اهل الجنة احب أن يتخلص اليها من هذه الدار التى هى قرارة اكدار ولا يصل اليها احد الا بالموت قال البقلى جرب الله المدعين فى محبته بالموت وافرز الصادقين من بينهم لما غلب عليهم من شوق الله وحب الموت فتبين صدق الصادقين ههنا من كذب الكاذبين اذ الصادق يختار اللحوق اليه والكاذب يفر منه قال عليه السلام « من احب لقاء الله احب الله لقاءه ومن أبغض لقاء الله أبغض الله لقاءه » قال الجنيد قدس سره المحب يكون مشتاقا الى مولاه ووفاته احب اليه من البقاء اذ علم ان فيه الرجوع الى مولاه فهو يتمنى الموت ابدا(15/318)
وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7)
{ ولا يتمنونه ابدا } اخبار بما سيكون منهم وابدا ظرف بمعنى الزمان المتطاول لا بمعنى مطلق الزمان والمراد به ماداموا فى الدنيا وفى البقرة { ولن يتمنوه } لان دعواهم فى هذه السورة بالغة قاطعة وهى كون الجنة لهم بصفة الخلوص فمبالغ فى الرد عليهم بلن وهو ابلغ ألفاظ النفى ودعواهم فى الجمعة قاصرة مترددة وهى زعمهم انهم واولياء الله فاقتصر على لا كما فى برهان القرءآن { بما قدمت ايديهم } الباء متعلقة بما يدل عليه النفى اى يأبون التمنى بسبب اماعملوا من الكفر والمعاصى الموجبة لدخول النار نحو تحريف احكام التوراة وتغيير النعت النبوى وهم يعرفون انهم بعد الموت يعذبون بمثل هذه المعاصى ولما كانت اليد بين جوارح الانسان مناط عامة افاعليه عبر بها تارة عن النفس وأخرى عن القدرة يعنى ان الايدى هنا بمعنى الذوات استعملت فيها الزيادة احتياجها اليها فكأنها هى { والله عليم بالظالمين } وضع المظهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالظلم فى كل امورهم اى عليم بهم وبما صدر عنهم من فنون الظلم والمعاصى المفضية الى افانين العذاب وبما سيكن منهم من الاحتراز عما يؤدى الى ذلك فوقع الامر كما ذكر فلم يتمن منهم احد موته وفى الحديث « لايتمنين احدكم الموت اما محسنا فان يعيش يزدد خيرا فهو خير له واما مسيئا فلعله ان يستعتب » اى يسترضى ربه بالتوبة والطاعة وما روى عن بعض ارباب المحبة من التمنى فلغاية محبتهم وعدم صبرهم على الاحتراق بالافتراق ولا كلام فى المشتاق المغلوب المجذوب كما قال بعضهم
غافلان ازمرك مهلت خواستند ... عاشقان كفتند نى نى زود بان
فللتمنى اوقات واحوال يجوز باعتبار ولايجوز بآخر اما الحال فكما فى الاشتياق الغالب واما الوقت فكما أشار اليه قوله عليه لسلام « اللهم انى اسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحسب المساكين فاذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنى اليك غير مفتون » ( روى ) انه عليه لسلام قل فى حق اليهود « لو تمنوا الموت لغص كل انسان بريقه فمات مكانه ومابقى على وجه الارض يهودى » ثم ان الموت هو الفناء عن الارادات النفسانية والاوصاف الطبيعية كما قال عليه السلام « موتوا قبل أن تموتوا » فمن له صدق ارادة وطلب يحب ان يموت عن نفسه ولا يبالى سقط على الموت ام سقط الموت عليه وان كان لذلك مرا فى الظاهر لكنه حلو فى الحققة وفيه حياة حقيقية وشفاء للمرض القلبى
جه خوش كفت بكروزدار وفروش ... شفا بايدت داروى تلخ وش
واما من ليس له صدق ارادة وطلب فانه يهرب من المجاهدة مع النفس ويشفق ان يذبح بقرة الطبيعة فهو عند الموت الطبيعى يقاسى من المرارات مالا تفى ببيانه العبارات والله الحفيظ(15/319)
قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)
{ قل ان الموت الذى تفرون منه } ولا تجسرون على أن تتمنوه مخالفة أن تؤخذوا بوبال كفركم { فانه ملاقيكم } البتة من غير صارف يلويه ولا عاطف يثنيه يعنى بكيرد شمارا وشربت آن بجشيد وفرار سودى ندارده ، والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط باعتبار الوصف اى باعتبار كون الموصوف بالموصوف فى حكم الموصول اى ان فررتم من الموت فانه ملاقيكم كأن الفرار سبب لملاقاته وسرعة لحوقه اذ لايجد الفار بركة فى عمره بل يفر الى جانب الموت فيلاقيه الموت ويستقبله وقد قيل اذا ادبر الامر كان العطب فى الحيلة { ثم } اى بعد الموت الاضطرارى الطبيعى { تردون } الرد صرف الشىء بذاته او بحالة من احواله يقال رددته فارتد والآية من الرد بالذات مثل قوله تعالى { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه } ومن الرد الى حالة كان عليها قوله تعالى { يردوكم على ادباركم } { الى عالم الغيب والشهادة } الذى لاتخفى عليه احوالكم اى ترجعون الى حيث لاحاكم ولا مالك سواه وانما وصف ذاته بكونه عالم الغيب والشهادة باعتبار أوحوالهم الباطنة واعمالهم الظاهرة وقد سبق تمام تفسيره فى سورة الحشر { فينبئكم } بس خبر دهدشمارا { بما كنتم تعملون } من لكفر والمعاصى والفواحش الظاهرة والباطنة بأن يجازيكم بها
وفى التأويلات النجمية يشير الى الموت الارادى الذى هو ترك الشهوات ودفع المستلذات الذى تجتنبون منه لضعف همتكم الروحانية ووهن نهمتكم الربانية فانه ملاقيكم لايفارقكم ولكن لاتشعرون به لانهماككم فى بحر الشهوات الحيوانية واستهلاككم فى تبار مشتهياتكم الظلمانية فانكم فى لبس من خلق جديد ولا تزالون فى الحشر والنشر كا قال وجاءكم الموج من كل مكان اى موج الموت فى كل لذة شهية ونعمة نعيمة ثم تردون الى عالم الغيب غيب النيات وغيب الطويات القلبية السرية والشهادة شهادة الطاعات والعبادات فينبئكم اى فيجازيكم بما كنتم تعملون بالنية الصالحة القلبية او بالنية الفاسدة النفسية انتهى ، وفيه اشارة الى انه كما لاينفع الفرار من الموت الطبيعى كذلك لاينفع الفرار من الموت الارادى لكن ينبغى للعاقل آن يتنبه لفنائه فى كل آن ويختار النفاء حبا للبقاء مع الله الملك المنان .
اعلم ان الفرار الطبيعى من الموت بمعنى استكراه الطبع وتنفره منه معذور صاحبه لان الخلاص منه عسير جدا الا للمشتاقين الى لقاء الله تعالى ( حكى ) انه كان ملك الملوك أراد أن يسير فى الارض فدعا بثياب ليلبسها فلم تعجبه فطلب غيرها حتى لبس ما اعجبه بعد مرات وكذا طلب دابة فلم تعجبه حتى أتى بدواب فركب احسنها فجاء ابليس فنفخ فى منخره فملأه كبرا ثم سار وسارت معه الخيول وهو لاينظر الى الناس كبرا فجائه رجل رث الهيئة فسلم فلم يرد عليه السلام فأخذ بلجام دابته فقال ارسل اللجام فقد تعاطيت امرا عظيما قال ان لى اليك حاجة قال اصبر حتى انزل قال لا الا الآن فقهره على لجام دابته قال اذكرها قال هو سر فدنا اليه فساره وقال انا ملك الموت فتغير لون الملك واضطرب لسانه ثم قال دعنى حتى ارجع الى اهلى واقضى حاجتى فأودعهم قال لا والله لاترى اهلك ومالك ابدا فقبض روحه فخر كأنه خشبة ثم مضى فلقى عبدا مؤمنا فى تلك الحال فسلم فرد عليه السلام فقال ان لى اليك حاجة اذكرها فى اذنك فقال هات فساره انا ملك الموت فقال مرحبا واهلا بمن طالت غيبته فوالله ما كان فى الارض غائب أحب الى أن القاه منك فقال ملك الموت اقض حاجتك التى خرجت لها فقال مالى حاجى اكبر عندى ولا احب من لقاء لله قال فاختر على اى حالة شئت أن اقبض روحك فقال أتقدر على ذلك قال نعم انى امرت بذلك قال فدعنى حتى اتوضأ واصلى فاقبض روحى وانا ساجد فقبض روحه وهو ساجد ( وفى المثنوى )(15/320)
بس رجال از نقل عالم شادمان ... وز بقايش شادمان اين كودكان
جونكه آب خوش نديدآن مرغ كور ... بيش او كوثر نمايد آب شور
واما الفرار العقلى بمعنى استكراهه الموت او بمعنى الانتقال من مكان الى مكان فالاول منهما ان كان من الانهماك فى حظوظ الدنيا فمذموم وان كان من خوف الموقف فصاحبه معذور كما حكى ان سليمان الدارانى قدس سره قال قلت لامى أتحبين الموت قالت لا قلت لم قالت لانى لو عصيت آدميا ماشتهيت لقاءه فكيف احب لقاءه وقد عصيته وقس عليه الاستكراه رجاء الاستعداد لما بعد الموت واما الثانى منهما فغير موجه عقلا ونقلا اذا المشاهدة تشهد أن لامخلص من لموت فأينما كان العبد فهو يدرك واما الفرار من بعض الاسباب الظاهرة للموت كهجوم النار الحرقة للدور والسيل المفرط فى الكثرة والقوة حمل العدو الغالب والسباع والهوام الى غير ذلك فالظاهر انه معذور فيه بل مأمور واما الفرار من الطاعون فما يرجحه العقل والنقل عدم جوازه ، اما العقل فما قاله الامام الغزالى رحمه الله من ان سبب الوباء فى الطب الهوآء المضر واظهر طرق التداوى الفرار من المضر ولا خلاق انه غير منهى عنه الا ان الهوآء لايضر من حيث انه يلاقى ظاهر البدن من حيث دوام الاستنشاق له فانه اذا كان فيه عفونة ووصل الى الرئه والقلب وباطن الاحشاء اثر فيها بطول الاستنشاق فلا يظهر الوباء على الظاهر الا بعد طول التأثير فى الباطن فالخروج من البلد لايخلص غالبا من الاثر الذى استحكم من قبل ولكنه يتوهم الخلاص فيصير هذا من جنس الموهومات كالرقى والطيرة وغيرهما وانه لو رخص للاصحاء فى الخروج لما بقى فى البلد الا المرضى الذين اقعدهم الطاعون وانكسرت قلوبهم ولم يبق فى البلد من يسقيهم الماء ويطعمهم الطعام وهم يعجزون عن مباشرتهما بأنفسهم فيكون ذلك سعيا فى اهلاكهم تحقيقا وخلاصهم منتظركما ان خلاص الاصحاء منتظر فلو اقاموا لم تكن الاقامة قاطعة لهم بالموت ولو خرجوا لم يكن الخروج قاطعا بالخلاص وهو قاطع فى اهلاك الباقين والمسلمون كالبنيان يشد بعضهم بعضا المؤمنون كالجسد الواحد اذا اشتكى مه عضو تداعى الى الاشتكاء سائر اعضائه هذا هو الذى يظهر عندنا فى تعليل الهى وينعكس هذا فيما اذا لم يقدم بعد على البلد فانه لم يؤثر الهوآء فى باطنه وليس له حاجة اليهم ، واما النقل فقوله تعالى(15/321)
{ ألم ترى الى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم احياهم } فانه انكار لخروجهم فرارا منه وتعجيب بشأنهم ليعتبر العقلاء بذلك ويتيقنوا أن لامفر من قضاء الله فالمهنى عنه هو الخروج فرارا فان الفرار من القدر لايغنى شيأ وفى الحديث « الفار من الطاعون كالفار من الزخف والصابر فيه له اجر شهيد » وفى الحديث « يختصم الشهدآء والمتوفون على فراشهم الى ربنا عز وجل فى الذين يتوفون فى الطاعون فيقول الشهدآء اخواننا قتلوا كما قتلنا ويقول المتوفون اخواننا ماتوا على فراشهم كما متنا فيقول ربنا انظروا الى جراحهم فان اشبهت جراحهم جراح المقتولين فانهم منهم فاذا جراحهم قد اشبهت جراحهم » .
يقول الفقير دل عليه قوله عليه السلام فى الطاعون « انه وخز اعدآئكم من الجن » والوخز طعن ليس بنافذ والشيطان له ركض وهمر ونفث ونفخ ورخز والجنى اذا وخز العرق من مراق البطن اى مارق منها ولان خرج من وخزه الغدة وهى التى تخرج فى اللحم فيكون وخز الجنى سبب الغدة الخارجة فحصل التوفيق بين حديث الوخز وبين قوله عليه السلام « غدة كغدة البعير تخرج من مراق البطن » وباقى مايتعلق بالطاعون سبق فى سورة البقرة وقد تكفل بتفاصيله رسالة الشفاء لادوآء الوباء لابن طاش كبرى فارجع(15/322)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)
{ ياأيها الذين آمنوا اذا نودى للصلاة } الندآء رفع الصوت وظهوره ونداء الصلاة مخصوص فى الشرع بالالفاظ المعروفة والمراد بالصلاة صلاة الجمعة كل دل عليه يوم الجمعة والمعنى فعل الندآء لها اى اذن لها والمعتبر فى تعلق الامر الآتى هو الاذان الاول فى الاصح عندنا لان حصول الاعلام به لا الاذان بين يدى المنبر وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذن واحد فكان اذا جلس على المنبر اذن على باب المسجد فاذا نزل اقام الصلاة ثم كان ابو بكر وعمر رضى الله عنهما على ذلك حتى اذا كان عثمان رضى الله عنه وكثرت الناس وتباعدت المنازل زاد مؤذنا آخر فأمر بالتأذين الاول على دار له بالسوق يقال لها الزورآء ليسمع الناس فاذا جلس على المنبر اذن المؤذن الثانى فاذا نزل أقام للصلاة فلم يعب ذلك عليه { من يوم الجمعة } بضم الميم وهو الاصل والسكون تخفيف منه ومن بيان لاذا وتفسير لها اى لا بمعنى انها لبيان الجنس على ماهو المتبادر فان وقت الندآء جزء من يوم الجمعة لايحمل عليه فكيف يكون بيانا له بل المقصود انها لبيان ان ذلك الوقت فى اى يوم من الايام اذ فيه ابهام فتجامع كونهنا بمعنى فى كما ذهب اليه بعضهم وكونها للتبعيض كما ذهب اليه البعض الآخر وائما سمى جمعة لاجتماع الناس فيه للصلاة فهو على هذا الاسم اسلامى وقيل اول من سماه جمعة كعب بن لؤى بالهمزة تصغير لأى سماه بها لاجتماع قريش فيه اليه وكانت العرب قبل ذلك تسميه العروبة بمعنى الظهور وعروبة وباللام يوم الجعة كما فى القاموس وقان ابن الاثير فى النهاية الافصح انه لايدخلها الالف واللام وقيل ان الانصار قالوا قبل الهجرة لليهود يوم يجمعون فيه فى كل سبعة ايام وللنصارى مثل ذلك فهلموا نجعل لنا يوما نجتمع فيه فنذكر الله ونصلى فقالوا يوم السبت لليهود ويوم الأحد للنصارى فاجعلوه يوم العروبة فاجتمعوا الى سعد بن زرارة رضى الله عنه بضم الزاى فصلى بهم ركعتين وذكرهم فسموه يوم الجمعة لاجتماعهم فيه وحين اجتمعوا ذبح لهم شاة فتعشوا وتغذوا منها لقلتهم وبقى فى اكثر القرى التى يقال فيها الجمعة عادة الاطعام بعد الصلاة الى يومنا هذا فأنزل الله آية الجمعة فهى اول جمعة فى الاسلام واما اول جمعمة جمعها رسول الله عليه السلام فهى انه لما قدم المدينة مهاجرا نزل قبا على بنى عمرو بن عوف يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر بيع الاول حين امتد الضحى ومن تلك السنة يعد التاريخ الاسلامى فأقام بها يوم الاثنين والثلاثاء والاربعاء والخميس واسس مسجدهم ثم خرج يوم الجمعة ماعدا المدينة فأدركته صلاة الجمعة فى بنى سالم بن عوف فى بطن وادٍ لهم قد اتخذ القوم فى ذلك الموضع مسجدا فخطب وصلى الجمعة وهى اول خطبة خطبها بالمدينة وقال فيها(15/323)
« الحمد لله واستعينه واستهديه وأومن به ولا اكفره واعادى من يكفر به وأشه أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله ارسله بالهدى ودين الحق والنور والموعظة والحكمة على فترة من الرسل وقلة من العلم وضلالة من الناس وانقطاع من الزمان ودنو من الساعة وقرب من الاجل من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى وفرط وضل ضلالا بعيدا اوصيكم بتقوى الله فان خير ما أوصى به المسلم المسلم ان يحضه على الآخرة وأن يأمره بتقوى الله واحذر ماحذركم الله من نفسه فان تقوى منعمل به ومخافته من ربه عنوان صدق على مايبغيه من الآخرة ومن يصلح الذى بينه وبين الله من امره فى السر والعلانية لاينوى به الا وجه الله يكون له ذكرا عاجل امره وذخرا فيما بعد الموت حين يفتقر المرء الى ماقدم وما كان مما سوى ذلك يود لو أن بينه وبينه امدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤف بالعباد هو الذى صدق قوله وانجز وعده ولا خلف لذلك فانه يقول مايبدل القوى لدى وما انا بضلام للعبيد فاتقوا الله فى عاجل امركم وآجله فى السر والعلانية فانه مايتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له اجرا ومن يتق الله فقد فاز فوزا عظيما وان تقوى الله توقى مقته وتوقى عقوبته وتوقى سخطه وان تقوى الله تبيض الوجه وترضى الرب وترفع الدرجة فخذوا بحظكم ولاتفرطوا فى جنب الله فقد علمكم فى كتابه ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا وليعلم الكاذبين فأحسنوا كما احسن الله اليكم وعادوا اعدآءه وجاهدوا فى الله حق جهاده هو اجتباكم وسماكم المسلمين ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة ولاحول ولاقوة الا بالله فاكثروا ذكر الله واعملوا لما بعد الموت فان من يصلح مابينه وبين الله يكفر الله مابينه وبين الناس ذلك بان الله يقضى على الناس ويقضون عليه ويملك من الناس ولايملكون منه الله اكبر ولاحول ولا قوة الى بالله العلى العظيم » انتهت الخطبة النبوية ثم ان هذه الآية رد لليهود فى طعنهم للعرب وقولهم لنا السبت ولا سبت لكم { فاسعوا الى ذكر الله } قال الراغب السعى المشى السريع وهو دون العدو اى امشوا واقصدوا الى الخطبة والصلالة لاشتمال كل منهما على ذكر الله وما كان من ذكر رسول الله والثناء عليه وعلى خلفائه الراشدين واتقياء المؤمنين والموعظة والتذكير فهو فى حكم ذكر الله واما ماعدا ذلك من ذكر الظلمة وألقابهم والثناء عليهم والدعاء لهم وهم احقاء بعكس ذلك فمن ذكر الشيطان وهو من ذكر الله على مراحل كما فى الكشاف وبالفارسية رغبت كنيد بدان وسعى نماييد دران .(15/324)
وعن الحسن رحمه الله اما والله ماهو بالسعى على الاقدام ولقد نهوا أن يأتوا الصلاة الا وعليهم السكينة والوقار ولكن بالقلوب والنيات والخشوع والابتكار ولقد ذكر الزمخشرى فى الابتكار قولا وافيا حيث قال وكانت الطرقات فى ايام السلف وقت السحر وبعد الفجر مغتصة اى مملوءة بالمبكرين الى الجمعة يمشون بالسرج وفى الحديث « اذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على ابواب المسجد بأيديهم صحف من فضة واقلام من ذهب يكتبون الاول فالاول على مراتبهم فاذا خرج الامام طويت الصحف واجتمعوا للخطبة والمهجر الى الصلاة كالمهدى بدنه ثم الذى يليه كالمهدى بقرة ثم الذى يليه كالمهدى شاة حتى ذكر الدجاجة والبيضة » وفى عبارة السعى اشارة الى النهى عن التثاقل وحث على الذهاب بصفاء قلب وهمة لابكسل نفس وغمة وفى الحديث « اذا اذن المؤذن اى فى الاوقات الخمسة ادبر الشيطان وله حصاص » وهو بالضم شدة العدو وسرعته وقال حماد بن سلمة قلت لعاصم بن أبى النجود ما الحصاص قال اما رأيت الحمار اذا اصر باذنيهاى ضمهما الى رأسه ومصع بذنبه اى حركه وضرب به وعدا اى اسرع فى المشى فذلك حصاصه وفيه اشارة الى ان ترك السعى من فعل الشيطان وهذا بالنسبة الى غير المريض والاعمى والعبد والمرأة والمقعد والمسافر فانهم ليسوا بمكلفين فهم غير منادين اى لاسعى من المرضى والزمنى والعميان وقد قال تعالى { فاسعوا } واما النسوان فهن امرن بالقرار فى البيوت بالنص والعبد والمسافر مشغولان بخدمة المولى والنقل قال النصر آبادى العوام فى قضاء الحوآئج فى الجمعات والخواص فى السعى الى ذكره لعلمهم بأن المقادير قد جرت فلا زيادة ولا نقصان وقال بعضهم الذكر عند المذكور حجاب والسعى الى ذكر الله مقام المريدين يطلبون من المذكور محل قربة اليه والدنو منه واما المحقق فى المعرفة وقد غلب عليه ذكر الله اياه بنعت تجلى نفسه لقلبه { وذروا البيع } يقال فلان يذر الشىء اى يقذفه لقلة اعتداده به ولم يستعمل ماضيه وهو وذر اى اتركوا المعاملة فالبيع مجاز عن المعاملة مطلقا كالشرآء والاجارة والمضاربة وغيرها ويجوز ابقاء البيع على حقيقته ويلحق به غيره بالدلالة وقال بعضهم النهى عن البيع يتضمن النهى عن الشرآء لانهما متضايفان لايعقلان الا معا فاكتفى بذكر احدهما عن الآخر واراد الامر بترك مايذهل عن ذكر الله من شواغل الدنيا وانما خص البيع والشرآء من بينها لان يوم الجمعة يوم تجمع فيه الناس من كل ناحية فاذا دنا وقت الظهيرة يتكاثر البيع والشرآء فلما كان ذلك الوقت مظنة الذهول عن ذكر الله والمضى الى المسجد قيل لهم بادروا تجارة الآخرة واتركوا تجارة الدنيا واسعوا الى ذكر الله الذى لاشىء انفع منه واربح وذروا البيع الذى نفعه يسير وربحه قليل { ذلكم } اى السعى الى ذكر الله وترك البيع { خير لكم } من مباشرته فان نفع الآخرة اجل وابقى { ان كنتم تعلمون } الخبر والشر الحقيقين روى انه عليه السلام خطب فقال(15/325)
« ان الله افترض عليكم الجمعة فى يومى هذا وفى مقامى هذا فمن تركها فى حياتى وبعد مماتى وله امام عادل او جائر من غير عذر فلا بارك الله له ولاجمع الله شمله ألا فلا حج له ألا فلا صوم له ومن تاب تاب الله عليه »(15/326)
فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)
{ فاذا قضيت الصلاة } التى نوديتم لها اى اديت وفرغ منها { فانتشروا فى الارض } لاقامة مصالحكم والتصرف فى حوآئجكم اى تفرقوا فيها بأن يذهب كل منكم الى موضع فيه حاجة من الحوآئج المشروعة التى لابد من تحصيلها للمعيشة فانقلت مامعنى هذا الامر فانه لو لبث فى المسجد الى الليل يجوز بل هو مستحب فالجواب ان هذا امر الرخصة لا امر العزيمة اى لاجناح عليكم فى الانتشار بعدما اديتم حق الصلاة { وابتغوا من فضل الله } اى الربح يعنى اطلبوا لأنفسكم واهليكم من الرزق الحلال بأى وجه يتيسر لكم من التجارة وغيرها من المكاسب المشروعة دل هذا المعنى سبب قوله { واذا رأوا تجارة } الخ كما سيأتى فالامر للاطلاق بعد الحظر اى للاباحة لا للايجاب كقوله { واذا حللتم فاصطادوا } وذكر الامام السرخسى ان الامر للايجاب لما روى انه عليه السلام قال « طلب الكسب بعد الصلاة هو الفريضة بعد الفريضة » وتلا قوله تعالى { فاذا قضيت الصلاة } وقل انه للندب فعن سيعد بن جبير اذا انصرفت من الجمعة فساوم بشىء وان لم تشتره وعن ابن عباس رضى الله عنهما لم يؤمروا بطلب شىء من الدنيا انما هو عبادة المرضى وحضور الجنائز وزيارة اخ فى الله وعن الحسن وسعيد بن المسيب طلب العلم ( قال الكاشفى ) وكفته اند انتشارهم در زمين مسجداست جهت رفتن بمجلس علما ومذكران ، وقيل صلاة التطوع والظاهر ا ن مثل هذا ارشاد للناس الى ماهو الاولى ولاشك فى اولوية المكاسب الاخروية مع ان طلب الكفاف من الحلال عبادة وربما يكون فرضا ان الاضطرار { واذكروا الله } بالجنان واللسان جمعيا { كثيرا } اى ذكرا كثيرا او زمانا كثيرا ولاتخصوا ذكره تعالى بالصلاة .
يقول الفقير انما امر تعالى بالذكر الكثير لان اللسان هو العالم الاصغر المقابل للعالم الاكبر وكل مافى العالم الاكبر فانه يذكر الله تعالى بذكر مخصوص له فوجب على اهل العالم الاصغر أن يذكروا الله تعالى بعدد أذكار اهل العالم الاكبر حتى تتقابل المرءآتان وينطبق الاجمال والتفصيل فان قلت فهل فى وسع الانسان أن يذكر الله تعالى بهذه المرتبة من الكثرة قلت نعم اذا كان من مرتبة السر بالشهود التام والحضور الكامل كما قال ابو يزيد البسطامى قدس سره الذكر الكثير ليس بالعدد لكنه بالحضور انتهى وقد يقيم الله القليل مقام الكثير كما رى ان عثمان رضى الله عنه صعد المنبر فقال الحمد لله فارتج عليه فقال ان أبا بكر وعمر رضى الله عنها كانا يعدان لهذا المقام مقالا وانكم الى امام فعال احوج منكم الى امام قوال وستأتيك الخطب ثم نزل ومنه قال امامنا الاعظم ابو حنيفة رحمه الله ان اقتصر الخطيب على مقدار مايسمى ذكر الله كقوله الحمد لله سبحان الله جاز وذلك لان الله تعالى سمى الخطبة ذكرا له على انا نقول قوله عثمان ان ابا بكر وعمر الخ كلام ان كلام من باب الخطبة لاشتماله على معنى جليل فهو يجامع قول صاحبيه والشافعى لابد من كلام يسمى خطبة وهذا مما لا يتنبه له احد والحمد لله على الهامه وقال سعيد بن جبير رضى الله عه الذكر طاعة الله فمن أطاع الله فقد ذكر ومن لم يطعه فليس بذاكر وان كان كثير التسبيح والذكر بهذا المعنى يتحقق فى جميع الاحوال قال تعالى(15/327)
{ رجال لاتلهيهم تجارة ولابيع عن ذكر الله } والذكر الذى امر بالسعى اليه اولا هو ذكر خاص لايجامع التجارة اصلا اذا المراد منه الخطبة والصلاة امر به اولا ثم قال اذا فرغتم منه فلا تتركوا طاعته فى جميع ما تأتونه وتذرونه { لعلكم تفلحون } كى تفوزوا بخير الدارين ، الحاصل ذكروى موجب جميعت ظاهر وباطن وسبب نجات دنيا وآخرتست
از ذكر خدا مباش يكدم غافل ... كز ذكر بود خير دو عالم حاصل
ذكراست كه اهل شوق رادرهمه حال ... آسايش جان باشد وآرامش دل
وفى التأويلات النجمية اذا حصلت لكم ياهل كمال الايمان الذوقى العيانى صلاة الوصلة والجمعية والبقاء والفناء فسيروا فى ارض البشرية بالاستمتاع بالشهوات المباحة والاسترواح بالروآئح الفائحة والمراتعة فى المراتع الارضية وابتغوا من فضل الله من التجارات المعنوية الرابحة واذكروا نعم الله عليكم الظاهرة من الفناء من ناسوتيتكم الظلمانية والباطنة من البقاء بلاهويته النوارنية لعلكم تفوزون بهذه النعم الظاهرة والباطنة بارشد الطالبين الصادقين المتوجهين الى الله بالورح الصافى والقلب الوافى قال فى الاشباه والنظائر اختص يوم الجمعة باحكام لزوم صلاة الجمعة واشتراط الجماعة لها وكونها ثلاثة سوى الامام والخطبة لها وكونها قبلها شرط وقرآءة السورة المخصوصة لها وتحريم السفر قبلها بشرطةه واستنان الغسل لها الطيب ولبس الاحسن وتقليم الاظفار وحلق الشعر ولكن بعدها افضل والبخور فى المسجد والتبكير لها والاشتغال بالعبادة الى خروج الخطيب ولايسن الابراد بها ويكره افراده بالصوم وافراد ليلته بالقيام وقرآءة الكهف فيه ونفى كراهة النافلة وقت الاستوآء على قول أبى يوسف المصحح المعتمد وهو خير ايام الاسبوع ويوم عيد وفيه ساعة اجابة وتجتمع فيه الارواح وتزار فيه القبور ويأم الميت فيه من عذاب القبر ومن مات فيه اوفى ليلته امن من فتنة القبر وعذابه ولا تسجر فيه جهنم وفيه خلق آدم وفيه اخرج من الجنة وفيه تقوم الساعة وفيه يزور اهل الجنة ربهم سبحانه وتعالى انتهى واذا وقعت الوقفة بعرفة يوم الجمعة ضوعف الحج سبعين لان حج الوداع كان كذلك ذكره فى عقد الدرر واللآلى(15/328)
وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)
{ واذا رأوا } اى علموا { تجارة } هى تجارة دحية بن خليفة الكلبى { او } سمعوا { لهوا } هو مايشغل الانسان عما يعنيه ويهمه يقال ألهى عن كذا اذا اشغله عما هو أهم والمراد هنا صوت الطبل ويقال له اللهو الغليظ وكان دحية اذا قدم ضرب الطبل ليعلم به ( قال الكاشفى ) وكاروان جون رسيدى طبل شادى زدندى ، كما يرمى اصحاب السفينة فى زماننا البنادق وما يقال له بالتركى ، طوب ، او كانوا اذا اقبلت العير استقبلوها اى اهلها بالطبول والدفوف والتصفيق وهو المراد باللهو { انفظوا اليها } الفض كسر الشىء وتفريق بين بعضه وبعض كفض ختم الكتاب ومنه استعير انفض القم اى تفرقوا وانتشروا كما فى تاج المصادر الانفضاض شكسته شدن وبرا كنده شدن ، وحد الضمير لان العطف بأولا يثنى معه الضمير وكان المناسب ارجاعه الى احد الشيئين من غير تعيين الى ان تخصيص التجارة برد الكناية اليها لانها المقصودة وللدلالة على ن الانفضاض اليها مع الحاجة اليها والانتفاع بها اذا كان مذموما فما ظنك بالانفضاض الى اللهو وهو مذموم فى نفسه ويجوز أن يكون الترديد للدلالة على ان منهم من انفض لمجرد سماع الطبل ورؤيته فاذا كان الطبل من اللهو وان كان غليظا فما ظنك بالمزمار ونحو وقد يقال الضمير للرؤية المدلول عليها بقوله رأوا وقرىء اليهما على ان او للتقسيم ( روى ) ان دحية بن خليفة الكلبى قدم المدينة بتجارة من الشام كان ذلك قبل اسلامه وكان بالمدينة مجاعة وغلاء سعر وكان معه جميع مايحتاج اليه من بر ودقيق وزيت وغيرها والنبى عليه السلام يخطب يم الجمعة فملا علم اهل المسجد ذلك قاموا اليه خشية أن يسبقوا اليه يعنى تابيشى كيرند از يكديكر بخريدن طعام ، فما بقى معه عليه السلام الا ثمانية او احد عشر او اثنا عشر او اربعون فيهم ابو بكر وعمر وعثما وعلى وطلحة والزبير وسعد بن أبى وقاص وعبدالرحمن بن عوف وابو عبيدة بن الجراح وسعيد بن زيد وبلا وعبد الله بن مسعود وفى رواية عمار بن ياسر بدل عبد الله وذكر مسلم ان جابرا كان فيه وكان منهم ايضا امرأة فقال عليه السلام « والذى نفس محمد بيده لو خرجوا جميعا لاضرم الله عليهم الوادى نارا » وفى المعانى لولا الباقون لنزل عليهم الحجارة { وتركوك } حال كونك { قائما } اى على المنبر ( روى ) عن جابر بن عبدالله رضى الله عنه قال كان النبى عليه السلام يخطب يوم الجمعة خطبتين قائما يفصل بينهما بجلوس ومن ثمة كانت السنة فى الخطبة وفيه اشعار بأن الاحسن فى الوعظ على المنبر يوم الجمعة القيام وان جاز القعود لانه والخطبة من واد واحد لاشتماله على الحمد والثناء التصلية والنصيحة والدعاء قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده قدس سره ان الخطبة عبارة عن ذكر الله والموعظة للناس وكان عليه السلام مستمرا فى ذكر الله تعالى ثم لما أراد التنزل لارشاد الناس بالموعظة جلس جلسة خفيفة غايته ان ماذكره الفقهاء من معنى الاستراحة لازم لما ذكرنا وكان عليه السلام يكتفى فى الاوائل بخطبة واحدة من غير أن يجلس اما لانه لعظم قدره كان يجمع بين الوصال والفرقة او لان افعاله كانت على وفق الوحى ومقتضى امر الله فيجوز أن لايكون مأمورا بالجلسة فى الأوآئل ثم صار على قياس النسخ وايضا وجه عدم جلوسه عليه السلام فى الخطبة فى بعض الاوقات هو انه عليه السلام كان يرشد اهل الملكوت كما يرشد اهل الملك فمتى كان ارشاده فى الملكوت لا يتنزل ولايجلس ومتى كان فى الملك بأن لم يكن فى مجلس الخطبة من هو من اهل الملكوت يتنزل ويجلس مجلس الملك فان معاشر الانبياء يكلمون الخلق على قدر عقولهم ومراتبهم وكان عليه السلام متى أراد الانتقال من ارشاد اهل الملك الى ارشاد اهل الملكوت يقول(15/329)
« أرحنى يابلال » ومتى أراد التنزل من ارشاد اهل الملكوت الى ارشاد اهل الملك يقول لعائشة رضى الله عنها « كلمينى ياحميرآء » ، اعلم انه كان من فضل الاصحاب رضى الله عنهم وشأنهم أن لايفعلوا مثل ماذكر من التفرق من مجلس النبى عليه السلام وتركه قائما فذكر بعضهم وهو مقاتل بن حيان ان الخطبة يوم الجمعة كانت بعد الصلاة مثل العيدين فظنوا انهم قد قضوا ما كان عليهم وليس فى ترك الخطبة شىء فحولت الخطبة بعد ذلك فكانت قبل الصلاة كان لايخرج واحد لرعاف او احداث بعد النهى حتى يستأذن النبى عليه السلام يشير اليه بأصبعه التى تلى الابهام فيأذن له النبى عليه السلام يشير اليه بيده قال الامام السهيلى رحمه الله وهذا الحديث الذى من اجله ترخصوا لانفسهم فى ترك سماع الخطبة وان لم ينقل من وجه ثابت فالظن الجميل بأصحاب رسول الله عليه السلام موجب لانه كان صحيحا .
يقول الفقير هب انهم ظنوا انهم قد قضوا ما كان عليهم من فرض الصلاة فكيف يليق بهم أن يتركوا مجلس النبى عليه السلام ومن شانهم أن يستمعوا ولم يتحركوا كأن على رؤسهم الطير ولعل ذلك من قبيل سائر الهفوات التى تضمنت المصالح والحكم الجليلة ولو لم يكن الا كونه سببا لنزول هذه الآية التى هى خير من الدنيا وما فيها لكفى وفيها من الارشاد الالهى لعباده مالا يخفى { قل ماعند الله } من الثواب يعنى ثواب نماز واستماع خطبه ولزوم مجلس حضرت بيغمبر عليه السلام وما موصولة خاطبهم الله بواسطة النبى عليه السلام لان الخطاب مشوب بالعتاب { خير } بهتراست وسودمندتر { من اللهو } از استماع لهو { ومن التجارة } واز نفع تجارت فان نفع ذلك محقق مخلد بخلاف مافيهما من النفع المتوهم فنفع اللهو ليس بمحقق ونفع التجارة ليس بمخلد وما ليس بمخلد فمن قبيل الظن الزآئل ومنه يعلم وجه تقديم اللهو فان للاعدام تقدسا على الملكات قال البقلى وفيه تأديب المريدين حيث اشتغلوا عن صبحة المشايخ بخلواتهم وعباداتهم لطلب الكرامات ولم يعلموا ان مايحدون فى خلواتهم بالاضافة الى مايجدون فى صحبة مشايخهم لهو قال سهل رحمه الله من شغله عن ربه شىء من الدنيا والآخرة فقد اخبر عن خسة طبعه ورذالة همته لان الله فح له الطريق اليه واذن له فى مناجاته فاشتغل بما يفنى عا لم يزل ولا يزال وقال بعضهم ما عند الله للعباد والزهاد غدا خير مما نالوه من الدنيا نقدا وما عند الله للعارفين نقدا من واردات القلوب وبوادر الحقيقة خير مما فى الدنيا والعقبى { والله خير الرازقين } لانه موجد الارزاق فاليه اسعوا ومنه اطلبوا الرزق ( قال الكشافى ) وخداى تعالى بهترين روزى دهند كانست يعنى آنانكه وسائط ايصال رزقند وقت باشدكه بخيلى كنند وشايد نيز مصلحت وقت نداننت نقلست كه بكى ازخلفاى بعداد بهلول را كفت بياتا روزى هرروز تو مقرر كنم تاوقت متعلق بدان نباشد بهلول جواب دادكه جنين ميكردم اكر جند عيب نبودى اول آنكه توندانند كه مراجه بايد دوم نشناسى كه مراكى بايد سوم معلوم ندارى كه مرا جند بايد وحق تعالى كافل رزق منست اين همه ميداند وازروى حكمت بمن ميرساند وديكر شايد كه برمن غضب كنى وآن وظيفه ازمن باز كيرى وحق سبحانه وتعالى بكناه ازمن روزى باز نميدارد(15/330)
خدايى كه اوساخت ازنيست هست ... بعصيان در رزق بكرس نيست
از وخواه روزى كه بخشنده اوست ... بر آرنده كارهر بنده اوست
وقيل لبعضهم من اين تأكل فقال من خزانة ملك لايدخلها اللصوص ولا يأكلها السوس وقال حاتم الاصم قدس سره لامرأته انى أريد السفشر فكم اضع لك من النفقة قالت بقدر ماتعلم انى اعيش بعد سفرك فقال وماندرى كم نعيش قالت فكله الى من يعلم ذلك فلما سافر حاتم دخل النساء عليها يتوجعن لها من كونه سافر وتركها بلا نفقة فقالت انه كان اكالا ولم يكن رزاقا قال بعضهم قوله تعالى { خير من اللهو } وقوله { خير الرازقين } من قبيل الفرض والتقدير اذ لاخيريه فى الله ولا رازق غير الله فكان المعنى ان وجد فى اللهو خير فماعند الله اشد خيرية منه وان وجد راقون غير الله فالله خيرهم واقواهم قوة اولاهم عطية والرزق هو المنتفع به مباحا كان او محظورا
وفى التأويلات النجمية { والله خير الرازقين } لاحاطته على رزق النفس وهو الطاعة والعبادة بمقتضى العلم الشرعى ورزق القلب وهو المراقبة المواظبة على الاعمل القلبية من الزهد والورع والتوكل والتسليم والرضى والبسط والقبض والانس والهيبة ورزق الروح بالتجليات والتنزلات والمشاهدات والمعاينات ورزق السر برفع رؤية الغير والغيرية ورزق الخفاء بالنفاء فى الله والبقاء به وهو خير رزق فهو خير الرازقين ( وفى المثنوى )(15/331)
هرجه ازيارت جدا اندازد آن ... مشنو آنرا كه زيان دارد زيان
كربود آن سود صد در صد مكير ... بهر زرمكسل زكنجور اى فقير
آن شنوكه جند يزدان زجر كرد ... كفت اصحاب نبى را كرم وسرد
زانكه دربانك دهل درسال تنك ... جمعه را كردند باطل بى درنك
تانبايد ديكران ارزان خرند ... زان سبب صرفه زما ايشان برند
ماند بيغمبر بخلوت درنماز ... بادوسه درويش ثابت برنياز
كفت طبل ولهو وبازركانى ... جو نتان ببريد از ربانى
قد فضضتم نحو قمح هائما ... ثم خليتم نبيا قائما
بهر كندم تخم باطل كاشتند ... وآن رسول حق را بكذا شتند
صحبت او خير من لهواست ومال ... بين كرا بكذاشتى جشمى بمال
خودنشد حرص شمارا اين يقين ... كه منم رزاق وخير الرزاقين
آنكه كندم راز خودروزى دهد ... كى توكلهات را ضايع كند
ازبى كندم جدا كشتى ازان ... كه فرستادست كندم زآسمان
وفى الاحياء يستحب أن يقول بعد صلاة الجمعة اللهم ياغنى ياحميد يامبدى يا معيد يارحيم ياودود أغننى بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك فيقال من دوام على هذا الدعاء اغناه الله تعالى عن خلقه ورزقه من حيث لايحتسب وفى الحديث « من قال يوم الجمعة اللهم أغننى بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك سبعين مرة لم تمر به جمعتا حتى يغنيه الله » رواه انس بن مالك رضى الله عنه(15/332)
إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)
{ اذا } جون { جاءك المنافقون } اىحضروا مجلسك وبالفارسية بتوآيند دو رويان ، والنفاق اظهار الايمان باللسان وكتمان الكفر بالقلب فالمنافق هو الذى يضمر الكفر اعتقادا ويظهر الايمان قولا وفى المفردات النفاق الدخول فى الشرع من باب والخروج من ه من باب من النافقاء احدى جحرة اليربوع والثعلب والضب يكتمها ويظهر غيرها فاذا أتى من قبل القاصعاء وهو الذى يدخل منه ضرب النافقاء برأسه فانتفق والنفق هو السرب فى الارض النافذ { قالوا } مؤكدين كلامهم بان واللام للايذان بأن شهادتهم هذه صادرة عن صميم قلوبهم وخلوص اعتقادهم وفور رغبتهم ونشاطهم والظاهر انه الجواب لاذا لان الآية نظير قوله تعالى { واذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا } وقيل جوابه مقدر مثل أرادوا أن يخدعوك وقيل استئناف لبيان طريق خدعتهم وقيل جوابه قوله { فاحذرهم } { نشهد } الآن او على الاستمرار { انك لرسول الله } والشهادة قول صادر عن علم حصل بشهادة بصر او بصيرة { والله يعلم انك لرسوله } اعتراض مقرر لمنطوق كلامهم لكونه مطابقا للواقع ولا زالة ايهام ان قولهم هذا كذب لقوله { والله يشهد } الخ وفيه تعظيم للنبى عليه السلام وقال ابو الليث والله يعلم انك لرسوله من غير قولهم وكفى بالله شهيدا محمد رسول الله .
اعلم ان كل ماجاء فى القرءآن بعد العلم من لفظة ان فهى بفتح الهمزة لكونها فى حكم المفرد الا فى موضعين احدهما { والله يعلم انك لرسوله } فى هذه السورة والثانى { قد نعلم انه ليحزنك الذى يقولون } فى سورة الانعام وانما كان كذلك فى هذين الموضعين لانه يأتى بعدهما لام الخبر فانكسرا اى لان اللام لتأكيد معنى الجملة ولا جملة الا فى صورة المكسورة وقال بعضهم اذا دخلت الام الابتدآء على خبرها تكون مكسورة لاقتضاء لام الابتدآء الصدارة كما يقال لزيد قائم وتؤخر اللام لئلا يجتمع حرفا التأكيد واختير تأخيرها الترجيح ان فى التقديم لعالميته فكسرت لاجل اللام { والله يشهد } شهادة حقة { ان المنافقين لكاذبون } اى انهم والاظهار فى موضع الاضمار لذمهم والاشعار بعلية الحكم اى لكاذبون فيما ضمنوا مقالتهم من انها صادرة عن اعتقاد وطمأنينة قلب فان الشهادة وضعت للاخبار الذى طابق فيه اللسان اعتقاد القلب اطلاقها على الزور مجاز كاطلاق البيع على الفاسد نظيره قولك لمن يقول أنا أقرأ الحمد لله رب العالمين كذبت فالتكذيب بالنسبة الى قرآئته لا بالبنسبة الى المقروء الذى هو الحمد لله رب العالمين ومن هنا يقال ان من استهزأ بالمؤذن لايكفر بخلاف من استهزأ بالاذان فانه يكفر قال بعضهم حجة شرعية تظهر الحق ولا توجبه فهى الاخبار بما علمه بلفظ خاص ولذلك صدق المشهود به وكذبهم فى الشهادة بقوله { والله يعلم } الخ دلت الآية على ان العبرة بالقلب والاخلاص وبخلوصه يحصل الخلاص وكان عليه السلام يقبل من المنافقين ظاهر الاسلام واما حكم الزنديق فى الشرع وهو الذى يظهر الاسلام ويسر الكفر فانه يستتاب وتقبل توبته عند ايى ولا تقبل عن ابى حنيفة والشافعى رحمهما الله قال سهل رحمه الله اقروا بلسانهم ولم يعترفوا بقلوبهم فذلك سماهم الله منافقين ومن اعترف بقبله واقر بلسانه ولم يعمل باركانه مافرض الله من غير عذر ولا جهل كان كأبليس وسئل حذيفة من المنافق قال الذى يصف الاسلام ولا يعمل به وهم اليوم شر منهم لانهم كانوا يومئذ يكتمونه وهم اليوم يظهرونه وفى الآية اشارة الى ان المنافقين الذامين للدنيا وشهواتها باللسان المقبلين عليها بالقلب وان كانوا يشهدون بصحة الرسالة لظهور انوارها عليهم من المعجزات والكرامات لكنهم كاذبون فى شهاداتهم لاعراضهم عنه عليه السلام ومتابعته واقبالهم على الدنيا وشهواتها فحقيقة الشهادة انما تحصل بالمتابعة وقس عليه شهادة اهل الدنيا عند ورثة الرسول قال الحسن البصرى رحمه لله يا ابن آدم لايغرنك قول من يقول المرء مع من احب فانك لاتلحق الابرار الا بأعمالهم فان اليهود والنصارى يحبون انبياهءهم وليسوا معهم وهذه اشارة الى ان مجرد ذلك من غير موافقة فى بعض الاعمال او كلها لاينفع كما فى احياء العلوم ولذا قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر المرء مع من احب فى الدنيا بالطاعة والأدب الشرعى وفى الآخرة بالمعاينة والقرب المشهدى انتهى(15/333)
فاذا كانت المحبة لمجردة بهذه المثابة فما ظنك بالنفاق الذى هو هدم الاس والاصل وبناء الفرع فلا اعتداد بدعوى المنافق ولا بعمله وفى التأويلات القاشانية المنافقون هم المذبذبون الذين يجذبهم الاستعداد الاصلى الى نور الايمان والاستعداد العارضى الذى حدث برسوخ الهيئات الطبيعية والعادات الرديئة الى الكفر وانما هم كاذبون فى شهادة الرسالة لان حقيقة معنى الرسالة لايعلمها الى الله والراسخون فى العلم الذين يعرفون الله ويعرفون بمعرفته رسول الله فان معرفة الرسول لاتمكن الا بعد معرفة الله وبقدر العلم بالله يعرف الرسول فلا يعلمه حقيقة الا من انسلخ عن علمه وصار عالما بعلم الله وهم محجوبون عن الله بحجب ذوتهم وصفاتهم وقد اطفأوا نور استعدادتهم بالغواشى البدنية والهيئات الظلمانية فانى يعرفون رسول الله حتى يشهدوا برسالته انتهى قال الشيخ ابو العباس معرفة الولى اصعب من معرفة الله فان الله معروف بكماله وجماله وحتى متى يعرف مخلوقا مثله يأكل كما يأكل ويشرب كما يشرب(15/334)
اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2)
{ اتخذوا } اى المنافقون { ايمانهم } الفاجرة التى من جملتها ماحكى عنهم لان الشهادة تجرى مجرى الحلف فيما يراد به من التوكيد وبه استشهد ابو حنيفة رحمه الله على أن اشهد يمين واليمين فى الحلف مستعار من اليمين التى بمعنى اليد اعتبارا بما يفعله المحالف والمعاهد عنده واليمين بالله المصادقة جائزة وقت الحاجة صدرت من النبى عليه السلام كقوله والله والذى نفسى بيده ولكن اذا لم يكن ضرورة قوية يصان اسم الله العزيز عن الابتذال { جنة } اى وقاية وترسا عما يتوجه اليهم من المؤاخذة بالقتل والسبى او غير ذلك واتخاذها جنة عبارة عن اعدادهم وتهيئتهم لها الى وقت الحاجة ليحلفوا بها ويتخلصوا من المؤاخذة لاعن استعمالها بالفعل فان ذلك متأخر عن المؤاخذة المسبوقة بوقوع الجناية واتخاذ الجنة لابد أن يكون قبل المؤآخذة وعن سببها ايضا كما يفصح عنه الفاء فى قوله { فصدوا عن سبيل الله } يقال صده عن الامر صدا اى منعه وصرفه وصد عنه صدودا اى اعرض ووالمعنى فمنعوا وصرفوا من أراد الدخول فى الاسلام بأنه عليه السلام ليس برسول ومن أراد الانفاق فى سبيل الله بالنهى عنه ما سيحكى عنه ولاريب فى أن هذا الصد منهم متقدم على حلفهم بالفعل واصل الجن ستر الشىء عن الحاسة يقال جنه الليل واجنه والجنان القلب لكونه مستورا عن الحاسة والمجن والجنة الترس الذى يجن صاحبه والجنة كل بستان ذى شجر يستر بأشجاره الارض { انهم ساء ما كانوا يعملون } اى ساء الشىء الذى كانوا يعملونه من النفاق والصد والاعراض عن سبيله تعالى فى ساء معنى التعجب وتعظيم امرهم عند السامعين(15/335)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3)
{ ذلك } القول الشاهد بأنهم اسوأ لناس اعمالا وبالفارسية اين حكم حق ببدى أعمال ايشان { بأنهم } اى بسبب انهم { آمنوا } اى نطقوا بكلمة الشهادة كسائر من يدخل الاسلام { ثم كفروا } اى ظهر كفرهم بما شوهد منهم من شواهد الكفر ودلائله من قولهم ان كان مايقوله محمد حقا فنحن حمير وقولهم فى غزوة تبوك أيطمع هذا الرجل أن يفتح له قصور كسرى وقيصر هيهات فثم للتراخى او كفروا سرا فثم للاستبعاد ويجوز أن يراد بهذه الآية اهل الردة منهم كما فى الكشاف { فطبع الله على قلوبهم } ختم عليها يعنى مهر نهاده شد ، حتى تمرنوا على الكفر واطمأنوا به وصارت بحيث لايدخلها الايمان جزآء على نفاقهم ومعاقبة على سوء افعالهم فليس لهم ان يقولوا ان الله ختم على قلوبنا فكيف نؤمن والطبع أن يصور الشىء بصورة ما كطبع السكة وطبع الدار هم وهو أعم من الختم واخص من النقش كما فى المفردات { فهم لايفقهون } حيقة الايمان ولا يعرفون حقيقته اصلا كما يعرفه المؤمنون والفقه لغة الفهم واصطلاحا علم الشريعة لانه الاصل فيما يكتسب بالفهم والدراية وان كان سائر العلوم ايضا لاينال الا بالفهم دل الكلام على ان ذكر بعض مساوى العاصى عند احتمال الفائدة لايعد من الغيبة المنهى عنها بل قد يكون مصلحة مهمة على ماروى عنه عليه السلام اذكروا الفاجر بما فيه كى يحذره الناس وفى المقاصد الحسنة ثلاثة ليست لهم غيبة الامام الجائر والفاسق المعلن بفسقه والمبتدع الذى يدعو الناس الى بدعته وقال القاشانى ذلك بسبب انهم آمنوا بالله بحسب بقية نور الفطرة والاستعداد ثم كفروا اى ستروا ذلك النور بحجب الرذآئل وصفات نفوسهم فطبع على قلوبهم برسوخ تلك الهيئات وحصول الرين من المسكوبات فحجبوا عن ربهم بالكلية فهم لايفهمون منعى الرسالة ولا علم التوحيد والدين(15/336)
وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)
{ واذا رأيتهم } وجون به بينى منافقا نراجون ابن ابى وامثال او ، الرؤية بصرية { تعجبك اجسامهم } بشكفت آرد ترا اجسام ايشان ، لضخامتها ويروقك منظرهم لصباحة وجوههم واصله من العجب والشىء العجيب هو الذى يعظم فى النفس امره لغرابته والتعجب حيرة تعرض للنفس بواسطة ما يتعجب منه { وان يقولوا } وجون سخن كويند { تسمع لقولهم } لفصاحتهم وذلاقة ألسنتهم وحلاوة كلامهم واللام صلة وقيل تصغى الى قولهم وكان ابن ابى جسيما صبيحا فصيحا يحضر مجلس رسول الله عليه السلام فى نفر من امثاله وهم رؤساء المدينة وكان عليه السلام ومن معه يعجبون بهياكلهم ويسمعون الى كلامهم وان الصباحة حسن المنظر لايكون الا من صفاء الفطرة فى الاصل ولذا قال عليه السلام « اطلبوا الخير عند حسان الوجوه » اى غالبا وكم من رجل قبيح الوجه قضاء للحوائج قال بعضهم
يدل على معروفه حسن وجهه ... ومازال حسن الوجه احد الشواهد
وفى الحديث « اذا بعثتم الى رجلا فابعثوه حسن الوجه حسن الاسم » ثم لما رأى عليه السلام غلبة الرين على قلوب المنافقين وانطفاء نور استعدادهم وابطال الهيئات الدنية العارضية خواصهم الاصلية ايس منهم وتركهم على حالهم ( وروى ) عن بعض الحكماء انه رأى غلاما حسنا وجهه فاستنطقه لظنه ذكاء فطنته فما وجد عنده معنى فقال ما احسن هذا البيت لو كان فيه ساكن وقال آخر طشت ذهب فيه خل { كأنهم خشب مسندة } فى حيز الرفع على انه خبر مبتدأ محذوف اى هم كأنهم او كلام مستأنف لامحل له والخشب بضمتين جميع خشبة كأ كم واكمة او جمع خشب محركة كأسد واسد وهو ماغلظ من العيدان والاسناد الامالة ومسندة للتكثير فان التسنيد تكثير الاسناد بكثرة المحال اى كأنها أسندت الى مواضع والمعنى بالفارسية كويا ايشان جو بهاى خشك شده ا ند بديوار بازنهاده ، شبهوا فى جلوسهم فى مجالس رسول الله مستندين فيها بخشاب منصوبة مسندة الى الحائط فى كونهم اشباحا خالية عن العلم والخير والانتفاع ولذا اعتبر فى الخشب التنسيد لان الخشب اذا انتفع به كان فى سقف او جدار او غيرهما من مظان الانتفاع فكما ان مثل هذا الخشب لانفع فيه فكذا هم لانفع فيهم وكما ان الروح النامية قد زالت عنهم فهم فى زوال استعداد الحياة الحقيقية والروح الانسانى بمثابتها .
يقول الفقير فيه اشارة الى ان الاستناد فى مجالس الاكابر او فى مجالس العلم من ترك الأدب ولذا منع الامام مالك رحمه الله هرون من الاستناد حين سمع منه الموطأ ( حكى ) ان ابراهيم بن ادهم قدس سره كان يصلى ليلة فأعيى فجلس ومد رجليه فهتف به هاتف اهكذا تجالس الملوك وكان الحريرى لايمد رجليه فى الخلوة ويقول حفظ الأدب مع الله احق وهذا من أدب من عرف معنى الاسم المهيمن فان من عرف معناه يكون مستحييا من اطلاعه تعالى عليه ورؤيته له وهو المراقبة عند اهل الحقيقة ومعناه علم القلب باطلاع الرب ودلت الآية وكذا قوله عليه السلام(15/337)
« انه ليأتى الرجل العظيم السمين يوم القيامة لايزن عند الله جناح بعوضة » « مثل المؤمن مثل السنبلة يحركها الريح فتقوم مرة وتقع اخرى ومثل الكافر مثل الارزة لاتزال قائمة حتى تنقر » قوله الارزة بفتح ألهمزة وبرآء مهملة ساكنة ثم زاى شجرة يشبه الصنوبر يكون بالشأم وبلاد الارمن وقيل هو شجر الصنوبر والانقعار ، ازبن بركنده شدن يعنى مثل منافق مثل صنوبر براست كه بلند واستوار بر زمين تاكه افتادن وازبيخ بر آمدن ، وفيه اشارة الى ان المؤمن كثير الابتلاء فى بدنه وماله غالبا فيكفر عن سيئاته والكافر ليس كذلك فيأتى بسيئاته كاملة يوم القيامة { يحسبون } يظنون { كل صيحة } كل صوت ارتفع فان الصيحة رفع الصوت وفى القاموس الصوت بأقصى الطاقة وهو مفعول اول ليحسبون والمعفول الثانى قوله { عليهم } اى واقعة علهيم ضارة ، ومراد از صيحة هر فريادى كه برآيد وهرآوازى كه درمدينه بركشند .
وقال بعضهم اذا نادى مناد فى العسكر لمصلحة او انفلتت دابة او انشدت ضالة او وقعت جلبة بين الناس ظنوه ايقاعا بهم لجنبهم واستقرار الرعب فى قلوبهم والخائن خائف وقال القاشانى لان الشجاعة انما تكون من اليقين من نور الفطرة وصفاء القلب وهم منعمسون فى ظلمات صفات النفوس محتجبون باللذات والشهوات كأهل الشكوك والارتياب فلذلك غلب عليهم الجبن والخور انتهى وفى هذا زيادة تحقر لهم وتخفيف لقدرهم كا قيل اذا رأى غير شىء ظنه رجلا وقيل كانوا على وجل من أن ينزل الله فيهم مايهتك استارهم ويبيح دماءهم واموالهم { هم العدو } اى هم الكاملون فى العداوة الراسخون فيها فان اعدى الاعادى العدو المكاسر الذى يكاسرك وتحت ضلوعه دآء لايبرح بل يلزم مكانه ولم يقل هم الاعدآء لان العدو لكونه بزنة المصادر يقع على الواحد وما فقوه { فاحذرهم } اى فاحذر أن تثق بقولهم وتميل الى كلامهم او فاحذر مما يلتهم لاعدآئك وتخذيلهم اصحابك فانه يفشون سرك للكفار { قاتلهم الله } دعاء عليهم وطلب من ذاته تعالى أن يلعنهم ويخزيهم ويميتهم على الهوان والخذلان كما قال ابن عباس رضى الله عنهما اى لعنهم قال سعدى المفتى ولا طلب هناك حقيقة بل عبارة الطلب للدلالة على ان اللعن عليهم مما لابد منه قال الطيبى يعنى انه من اسلوب التجريد كقرآءة ابن عباس رضى الله عنهما فى قوله(15/338)
{ ومن كفر فامتعه } ياقادر ويجوز أن يكون تعليما للمؤمنين بأن يدعوا عليهم بذلك ففيه دلالة على ان للدعاء على اهل الفساد محلا يحسن فيه فقاتل الله المبتدعين الضالين المضلين فانهم شر الخصماء واضر الاعدآء وايراده فى صورة الاخيار مع انه انشاء معنى للدلالة على وقوعه ومعنى الانشاء بالفارسية هلاك كناد خداى ايشانرا يالعنت كنادج برايشانن وقال بعضهم اهلكهم وهو دعاء يتضمن الاقتضاء والمنابذة وتمنى الشر لهم ويقال هى كلمة ذم وتوبيخ بين الناس وقد تقول العرب قاتله الله ماشعره فيضعونه موضع التعجب وقيل احلهم حل من قاتله عدو قاهر لكل معاند { انى يؤفكون } تعجيب من حالهم اى كيف يصرفون عن الحق والنور الى ماهم عليه من الكفر والضلال والظلمة بعد قيام البرهان من الافك بفتح الهمزة بمعنى الصرف عن الشىء لان الافك بالكسر بمعنى الكذب
قال فى التأويلات النجمية اذا رأيتهم من حيث صورهم المشكلة تعجبك اجسام اعمالهم المشوبة بالرياء والسمعة الخالية عن ارواح النبات الخالصة الصافية وان يقولوا قولا بالحروف والاصوات مجردا عن المعانى المصفاة تصغ الى قولهم المذكوب المردود كان صورهم المجردة عن المعنى المخيلة صورتها القوة الخالية بصرة الخشب المسندة الى جدار الوهم لا روح فيها ولامعنا يحسبون كل صيحة صاح بها صور القهر واقعة عليهم لضعف قلوبهم بمرض النفاق وعلة الشقاق هم الكاملون فى العداوة الذاتية والبغضاء الصفاتية فاحذرهم بالصورة والمعنى قاتلهم الله بالخزى والحرمان والسوء والخذلان أنى يعدلون عن طريق الدين الصدق(15/339)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5)
{ واذا قيل لهم } عند ظهور جنايتهم بطريق النصيحة ، در معالم آورده كه بعد از نزول اين آيتها قوم ابن أبى ويرا كفتندابن آيتها درباره تونازل شده برو نزديك رسول خداى تابراى توآمر زش طلبد آن منافق كردن تاب داد وكفت مرا كفتند ايمان آور آوردم تكليف كرديد كه زكاة مال بده دادم همين مانده است كه محمد را سجده مى بايد كرد آيت آمدكه ، واذا قيل لهم { تعالوا } اصله تعاليوا فأعل بالقلب والحذف الا ان واحد الماضى تعالى باثبات الالف المقلوبة عن الياء المقلوبة عن الياء المقلوبة عن الواو الواقعة رابعة وواحد الامر تعالى بحذفها وقفا وفتح اللام واصل معنى التعالى الارتفاع فاذا امرت منه قلت تعالى وتعالوا فتعالوا جمع امر الحاضر فى صورة الماضى ومعناه ارتفعوا فيقوله من كان فى مكان عال لمن هو اسفل منه ثم كثر واتسع فيه حتى عمم يعنى ثم استعمل فى كل داع يطلب المجيىء فى المفرد وغيره لما فيه من حسن الأدب اى هلموا وائتوا وبالفارسية بياييد باعتذار ، ومن الأدب أن لا يقال تعالى فلان او تعاليت يافلان او أنا او فلان متعال باى معنى أريد لانه مما اشتهر به الله فتعالى الله الملك الحق { يستغفر لكم رسول الله } بالجزم جواب الامر اى يدع الله لكم ويطلب منه أن يغفر بلطفه ذنوبكم ويستر عيوبكم وهومن اعمل الثانى لان تعالوا يطلب رسول الله مجرورا بالى اى تعالوا الى رسول الله ويستغفر يطلب فاعلا فاعمل الثانى ولذلك رفعه وحدف من الاول اذ التقدير تعالوا اليه { لووا رؤسهم } يقال لوى الرجل راسه اماله والتشديد للتكثير لكثرة المحال وهى الرؤوس قال فى تاج المصادر التلوية نيك بيجانيدن اى عطفوها استكبارا جنانجة كسى ازمكر وهى روى بتابد وقال القاشانى لضراوتهم بالامور الظلمانية فلا يألفون النور ولا يشتاقون اليه ولا الى الكمالات الانسانية لمسخ الصورة الذاتية { ورأيتهم يصدون } من الصدوود بمعنى الاعراض اى يعرضون عن القائل او عن الاستغفار ( وقال الكاشفى ) اعراض ميكنند ازرفتن بخدمت حضرت بيغمبر صلى الله عليه وسلم وذلك لانجذابهم الى الجهة السفلية والزخارف الدنيوية فلا ميل فى طباعهم الى الجهة العلوية والمعانى الاخروية ( وفى المثنوى )
صورت رفعت بود افلاك را ... معنىء رفعت روان باك را
صورت رفعت براى جسمهاست ... جسما دربيش معنى اسمهاست
{ وهم مستكبرون } عن ذلك لغلبة الشيطنة واستيلاء القوة الوهمية واحتجابهم بالانانية وتصور الخيرية وفى الحديث « اذا رأيت الرجل لجوجا معجبا برأيه فقد تمت خسارته »(15/340)
سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6)
{ سوآء عليهم أستغفرت لهم } كما اذا جاؤك معتذرين من جناياتهم وفى كشف الاسرار كان عليه السلام يتسغفر لهم على معنى سؤاله لهم بتوفيق الايمان ومغفرة العصيان وقيل لما قال الله { ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } قال عليه السلام « لأزيدن على السبعين » فأنزل الله { سوآء } الخ وهو اسم بمعنى مستو خبر مقدم وعليهم متعلق به ومابعده من المعطوف عليه والمعطوف مبتدأ بتأويل المصدر لاخراج الاستفهام عن مقامه فالهمزة فى أستغفرت للاستفهام ولذا فتحت وقطعت والاصل ءاستغفرت فحذفت همزة الوصل التى هى الف الاستفعال للتخفيف ولعدم اللبس { ام لم تستغفر لم } كما اذا أصروا على قبائحهم واستكبروا عن الاعتذار والاستغفار { لن يغفر الله لهم } ابدا لاصرارهم على الفسق ورسوخهم فى الكفر وخروجهم عن دين الفطرة القيم { ان الله لايهدى القوم الفاسقين } الكاملين فى الفسق الخارجين عن دآئرة الاستصلاح المنهمكين فى الكفر والنفاق او الخارجين عن دآئرة المحقين الداخلين فى دآئرة الباطلين المبطلين وفى الآية اشارة الى عدم استعدادهم لقبول الاستغفار لكثافة طباعهم المظلمة وغلظة جبلتهم الكدرة ولو كان لهم استعداد لقبوله لخرجوا عن محبة الدنيا ومتابعة النفس والهوى الى موافقة الشرع ومتابعة الرسول والهدى ولما بقوا فى ظلمة الشهوات الحيوانية والاخلاق البهيمية والسبعية ( قال الحافظ )
عاشق كه شدكه يار بحالش نظر نكرد ... اى خواجه دردنيست وكرنه طبيب هست
ومنه يعلم ان الجذبة من جانب المرشد وان كان لها تأثير عظيم لكن اذا كان جانب المريد خاليا عن الارادة لم ينفعه ذلك ألا ترى ان استغفار النبى عليه السلام ليس فوقه شىء مع انه لم يؤثر فى الهداية واصل هذا عدم اصابة رشاش النور فى عالم الارواح ومن لم يجعل الله نورا فما له من نور ( حكى ) ان شيخا مر مع مريد له خدمه عشرين سنة على قرية فيها شيخ فان يضرب الطبل فأشار اليه الشيخ فطرح الطبل وتبعه حتى اذا كانوا على ساحل البحر ألقى الشيخ سجادته على البحر وقعد عليها مع الطبال وبقى المريد العتيق فى الساحل يصيح كيف ذلك فقال الشيخ هكذا قضاء الله تعالى(15/341)
هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7)
{ هم الذين يقولون } اى للانصار وهو استئناف جار مجرى التعليل لفسقهم او لعدم مغفرته تعالى لهم وهو حكاية نص كلامهم { لاتنفقوا } لاتعطوا النفقة التى يتعيش لها { على من عند رسول الله } يعنون فقرآء المهاجرين وقولهم رسو الله اما للهزء والتهكم او لكونه كالقلب له عليه السلام واشتهاره به فلو كانوا مقرين برسالته لما صدر عنهم ما صدر ويجوز أن ينطقوا بغيره لكن الله تعالى عبر به اكراما له واجلالا { حتى ينفضوا } اى يتفرقوا عنه ويرجعوا الى قبائلهم وعشائرهم ( وقال الكاشفى ) تا متفرق كردند غلامان بزد خواجكان روند وبسران بدران بيوندند ، والانفضاض شكسته شدن وبراكنده شدن ، وانما قالوه لاحتجابهم بأفعالهم عن رؤية فعل الله وبما فى ايديهم عما فى خزآئن الله فيتوهمون الانفاق منهم لجهلهم { ولله خزآئن السموات والارض } رد وابطال لما زعموا من ان عدم انفاقهم يؤدى الى انفضاض الفقرآء من حوله عليه السلام ببيان ان خزآئن الارزاق بيد الله خاصة يعطى من يشاء يمنع من يشاء ومت تلك الخزآئن المطر والنبات قال الراغب قوله تعالى { ولله خزآئن السموات والارض } اشارة منه الى قدرته تعالى على مايريد ايجاده او الى الحالة التى اشير اليها بقوله عليه السلام « فرغ ربكم من الخلق والاجل والرزق » والمراد من الفراغ اتمام القضاء فهو مذكور بطريق التمثيل بنى اتم قضاء هذه الكليات فىعلمه السابق وتخفظ وكذا المخزن بالفتح وقد سبق فى قوله تعالى { وان من شىء الا عندنا خزآئنه } { ولكن المنافقين لايفقهونه } ذلك لجهلهم بالله وبشؤونه ولذلك يقولون من مقالات الكفر مايقولون
خواجه بنداردكه روزى اودهد ... لاجرم براين وآن منت نهد
زان سببها او يكى شد بس اكر ... كم شود هستند اسباب دكر
حكم روزى بر سببها مى نهد ... بى سببها نيز روزى ميد هد
قال رجل لحاتم الاصم رحمه الله من اين تأكل قال من خزانة ربى فقال الرجل أيلقى عليك الخبز من السماء فقال لو لم تكن الارض له فيها خزآئن لكان يلقى على الخبز من السماء خلق الله فى الارض الاسباب ومنها فتح الابواب قال بعض الكبار مراعاة حق ام الولد من الرضاع اولى من مراعاة ام الولادة لان ام الولادة حملته على جهة الامانة فكون فيها وتغذى بدم طمثها من غير ارادة لها فى ذلك فما تغذى الا بما لو لم يخرج منها لأهلكها وامرضها فللجنين المنة على امه فى ذلك واما المرضعة فاتما قصدت برضاعه حياته وابقاءه ولهذا المعنى الذى اشرنا اليه جعل الله المرضعة لموسى ام ولادته حتى لايكون لامرأة عليه فضل غير امه فلما كبر وبلغ اقامة الحجة عليه جعله الله كلا على بنى اسرآئيل امتحانا له فقلق من تغير الحال عليه وقال يارب اغننى عن بنى اسرآئيل فأوحى الله اليه أما ترضى ياموسى أن افرغك لعبادتى واجعل مؤونتك على غيرك فسكت ثم سئأل ثانيا فأوحى الله اليه لايليق بنبى أن يرى فى الوجود شيأ لغير سيده فكل من رزق ربك ولا منة لاحد عليك فسكت ثم سأل ثالثا فأوحى الله اليه ياموسى اذا كانت هذه شكاسة خلقك على بنى اسرآئيل وأنت محتاج اليهم فكيف لو أغنيتك عنهم فما سأل بعد ذلك شيأ فالله تعالى يوصل الرزق على بعده بيد من يشاء من عباده مؤمنا او كافرا وكل ذلك من الحلال الطيب اذا لم يسبق اليه خاطرة او تعرض ما ولا منة لاحد عليه وانما يمن الجاهل وابتلاؤه تعالى لاوليائه بالفقر ليس من عدم قدرته على الاعطاء والاغناء من عدم محبته لهم وكرامتهم عنده بل هو من انعامه عليهم ليكونوا ازهد الناس فى الدنيا وأفر اجرا فى الآخرة ولذا قال عليه السلام فى حق فقرآء المهاجرين(15/342)
« يسبقون الاغنياء يوم القيامة بأربعين خريفا » وكان عليه السلام يستفتح بصعاليك المهاجرين اى فقرآئهم لقدرهم وقبولهم وجاههم عند الله تعالى على ان الاغنياء ان خصوا بوجود الارزاق فالفقرآء خصوا بشهود الرزاق وهو خير منه وصاحبه انعم فمن سعد بوجود الرزاق لم يضره مافاته من وجود الارزاق قال الجنيد قدس سره خزآئنه فى السموات الغيوب وخزآئنه فى الارض القلوب فما انفصل من الغيوب وقع الى القلوب وما انفصل من القلوب صار الى الغيوب والعبد مرتهن بشيئين تقصيرا الخدمة وارتكاب الزلة وقال الواسطى قدس سره من طالع الاسباب فى الدنيا ولم يعلم ان ذلك يحجبه عن التوفيق فهو جاهل
وفى التأويلات النجمية ولله خزآئن الارزاق السماوية من العلوم والمعارف والحكم والعوارف المخزونة لخواص العباد يرزقهم حيث يشاء ولله خزآئن الارزاق الارضية من المأكولات والمشروبات والملبوسات والخيول والبغال المخزونة لعوام العباد ينفق عليهم من حيث لايحتسبون ولكن المنافقين بسبب افساد استعداداتهم وعدم نورانيتهم وغلبة ظلمانيتهم مايفهمون الاسرار الالهية والاشارات الربانية(15/343)
يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)
{ يقولون لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل } روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين لقى بنى المصطلق وهم بطن من خزاعة على المريسيع مصغر مرسوع وهو ماء لهم فى ناحية قديد على يوم من فرغ بالضم موضع من اضخم اعراض المدينة وهزمهم وقتل منهم واستاق ألفى بعير وخمسة آلاف شاة وسبى مائتى اهل بيت او اكثر وكانت فى السبى جويرية بن الحارث سيد بن المصطلق أعتقها النبى عليه السلام وتزوجها وهى ابنة عشرين سنة ازدحم على الماء جهجاه بن سعيد الغفار رضى الله عنه وهو أجير لعمر رضى الله عنه يقود فرسه وسنان الجهنى المنافق حليف ابن ابى رئيس المنافقين واقتتلا فصرخ جهجاه بالمهاجرين وسنان بالانصار فاعان جهجاه جعل بالكسر من فقرآء المهاجرين ولطم سنانا فاشتكى الى ابن أبى فقال لجعال وأنت هناك قال ماصحبنا محمدا الا لنلطم والله مامثلنا ومثلهم الا كما قيل سمن كلبك يأكلك اما والله لئن رجعنا من هذا السفر الى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل عنى بالاعز نفسه وبالاذل جانب المؤمن فاسناد القول المذكور الى المنافقين لرضاهم به ثم قال لقوله ماذا فلعم بأنفسكم احللتموهم لابدكم وقاسمتموهم اموالكم أما والله لو امسكتم عن جعال وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقباكم ولأوشكوا أن يتحولوا عنكم فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد فسمع بذلك زيد بن ارقم وهو حدث فقال أنت والله الذليل القليل المبغض فى قومك ومحمد مز عز من الرحمن وقوة من المسلمين فقال ابن أبى اسكت فانما كنت ألعب فأخبر زيد رسول الله بما قال ابن أبى فتغير وجه الرسول الله فقال عمر رضى الله عنه دعنى يارسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال « اذا ترغم انوفا كثير بيثرب » يعنى المدينة ولعل تسميته لها بذلك ان كان بعد النهى لبيان الجواز قال عمر رضى الله عنه فان كرهت أن يقتله مهاجرى فائمر به انصاريا فقال « اذا تحدث الناس أن محمدا يقتل اصحابه » وقال عليه السلام لابن أبى « أنت صاحب الكلام الذى بلغنى » قال والله الذى أنزل عليك الكمتاب ماقلت شيأ من ذلك وان زيدا لكاذب فقال الحاضرون شيخنا وكبيرانا لاتصدق عليه كلام غلام وعسى أن يكون قد وهم فروى ان رسول الله قال له « لعلك غضبت عليه » قال لا قال « فلعله اخطأك سمعك » قال لا قال « لعله شبه عليك » قال لا فلما نزلت هذه الآية لحق رسول الله زيدا من خلفه فعرك اذنه وقال « وفت اذنك ياغلام ان الله صدقك وكذب المنافقين »(15/344)
ورد الله عليم مقالتهم بقوله { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } اى ولله الغلبة والقوة ولمن اعزه من رسوله والمؤمنين لا لغيرهم كما ان المذلة والهوان للشيطان وذويه من المنافقين الكافرين .
وعن بعض الصالحين وكان فى هيئة رثة ألست على الاسلام وهو العز الذى لاذل معه والغنى الذى لافقر معه وعن الحسن بن على رضى الله عنهما ان رجلا قال له الناس يزعمون ان فيك تيها اى كبرا فقال ليس ذلك بتيه ولكنه عزة وتلا هذه الآية وقال بعض الكبارمن كان فى الدنيا يدعى الملك الشىء ولو من جوارحه نقص من ملكه فى الآخرة بقدر ما ادعاه فى الدنيا فلا اعز فى الآخرة ممن بلغ فى الدنيا غاية الذل فى جناب الحق ولا اذل فى الآخرة ممن بلغ فى الدنيا غاية العزة فى نفسه ولو كان مصفوعا فى الاسواق ولا أريد بعز الدنيا أن يكون من جهة الملوك فيها انما أريد أن يكون صفته فى نفسه العزة وكذا القول فى الذلة وقال الواسطى رحمه الله عزة الله أن لايكون شىء الا بمشيئته وارادته وعزة المرسلين انهم آمنون من زوال الايمان وغزة المؤمنين انهم آمنون من دوام العقوبة وقال عزة الله العظمة والقدرة وعزة الرسول النبوة والشفاعة وعزة المؤمنين التواضع والسخاء والعبودية دل عليه قوله عليه السلام « أنا سيد ولد آدم ولا فخر » اى لا افتخر بالسيادة بل افتخر بالعبودية وفيها عزتى اذ لاعزة الا فى طاعة الله ولا ذل الا فى معصية الله وقال بعضهم عزة الله قهره من دونه وعزة رسوله بظهور دينه على سائر الأديان كلها وعز المؤمنين باستذلالهم اليهود والنصارى كما قال { وأنتم الاعلون ان كنتم مؤمنين } يقول الفقير أشار تعالى بالترتيب الى ان العزة له بالاصالة والدوام وصار الرسول عليه السلام مظهر اله فى تلك الصفة ثم صار المؤمنون مظاهر له عليه السلام فيها فعزة الرسول بواسطة عزة الله وعزة المؤمنين بواسطة عز الرسول سوآء أعاصروه عليه السلام ام أتوا بعده الى ساعة القيام وجميع العزة لله لان عزة الله له تعالى صفة وعزة الرسول وعزة المؤمنين لله فعلا ومنة وفضلا كما قال القشيرى قدس سره العز لاذى للرسول وللمؤمنين هو لله تعالى حلقا وملكا وعزه سبحانه له وصفا فاذا العزة كلها لله وهو الجمع بين قوله تعالى { من كان يريد العزة فلله العزة جميعا } وقوله { ولله العزة ولرسول وللمؤمنين } ومن أدب من عرف انه تعالى هو العزيز أن لايعتقد لمخلوق اجلالا ولهذا قال عليه السلام « من تواضع لغنى لاجل غناه ذهب ثلثا دينه » قال أبو على الدقاق رحمه الله انما قال ثلثا دينه لان التواضع يكون بثلاثة اشياء بلسانه وبدنه وقلبه فاذا تواضع له بلسانه وبدنه ولم يعتقد له العظمة بقلبه ذهب ثلثا دينه فان اعتقدها بقلبه ايضا ذهب كل دينه ولهذا قيل اذا عظم الرب فى القلب صغر الخلق فى العين ومتى عرفت انه معز لم تطلب العز الا منه ولايكون العز الا فى طاعته قال ذو النون قدس سره لو أراد الخلق أن يثبتوا لأحد عزا فوق مايثبته يسير طاعته لم يقدروا ولو ارادوا أن يثبتوا لاحد ذلة اكثر مما يثبته اليسير من ذلته ومخالفته لم يقدروا ( حكى ) عن بعضهم انه قال رأيت رجلا فى الطواف وبين يديه خدم يطردون الناس ثم رأيته بعد ذلك على جسر بغداد يتكفف ويسأل فحدقت النظر اليه لأتعرفه هل هو ذلك الرجل اولا فقال لى مالك تطيل النظر الى فقلت انى اشبهك برجل رأيته فى الطواف من شأنه كذا وكذا فقال انا ذاك انى تكبرت فى موضع يتواضع فيه الناس فوضعنى فى موضع يترفع فيه الناس { ولكن المنافقين لايعلمون } من فرط جلهلهم وغرورهم فيهذون مايهذون ولعل ختم الآية الاولى بلا يفقهون والثانية بلا يعلمون للتفنن المعتبر فى البلاغة مع ان فى الاول بيان عدم كياستهم وفهمهم وفى الثانى بيان حماقتهم وجهلهم وفى برهان القرءآن الاول متصل بقوله(15/345)
{ ولله خزآئن السموات والارض } وفيه غموض يحتاج الى فطنة والمنافق لا فطنة له والثانى متصل بقوله { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لايعلمون } ان الله معز أوليائه ومذل اعدآئه ( روى ) ان عبد الله ابن أبى لما أراد أن يدخل المدينة اعترضه ابنه عبدالله بن عبدالله بن ابى وكان مخلصا وسل سيفه ومنع أباه من الدخول وقال لئن لم تقر لله ولرسوله بالعز لأضربن عنقك فقال ويحك افاعل أنت قال نعم فلما رأى منه الجد قال أشهد ان العزة لله ولرسوله وللمؤمنين فقال عليه السلام لابنه « جزاك الله عن رسوله وعن المؤمنين خيرا » ولما كان عليه السلام بقرب المدينة هاجت ريح شديدة كادت تدفن الراكب فقال عليه السلام « مات اليوم منافق عظيم النفاق بالمدينة » اى لاجل ذلك عصفت الريح فكان كما قال مات فى ذلك اليوم زيد بن رفاعة وكان كهفا للمنافقين وكان من عظماء بنى قينقاع وكان ممن اسلم ظاهرا والى ذلك أشار الامام السيكى فى تائيته بقوله
وقد عصفت ريح فأخبر انها ... لموت عظيم فى اليهود بطيبة
ولما دخلها ابن ابى لم يلبث الا اياما قلائل حتى اشتكى ومات واستغفر له رسول الله وألبسه قميصه فنزل لن يغفر الله له وروى انه مات بعد القفول من غزوة تبولك قال بعض الكبار ما أمر الله عباده بالرفق بالخلق والشفقة الا تأسيا به تعالى فيكونون مع الخلق كما كان الحق معهم فينصحونهم ويدلونهم على كل مايؤدى الى سعادتهم وليس بيد العبد الا التبليغ قال تعالى { ماعلى الرسول الا البلاغ } فعلى العارف ايضاح هذا الطريق الموصل الى هذا المقام والافصاح عن دسائسه وليس بيده اعطاء هذا المقام فان ذلك خاص بالله تعالى قال تعالى { انك لاتهدى من احببت } فوظيفة الرسل والورثة من العلماء انما هو التبليغ بالبيان والافصاح لاغير ذلك وجزاؤهم جزاء من أعطى ووهب والدال على الخير كفاعل الخير
وفى التأويلات النجمية ولله العزة اى القوة لله الاسم الاعظم ولرسول القلب المظهر الاتم الاعم ولمؤمنى القوى الروحانية ولكن منافقى النفس والهوى وصفاتهما الظلمانية الكدرة لايعلمون لاستهلاكهم فى الظلمة وانغماسهم فى الغفلة(15/346)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)
{ ياأيها الذين آمنوا } ايمانا صادقا { لاتهلكم اموالكم ولا اولادكم عن ذكر الله } فى الصحاح لهيت عن الشىء بالكسر ألهى لهيا ولهيانا اذا سلوت وتركت ذكره واضربت عنه وفى القاموس لها كدعا سلا وغفل وترك ذكره كتلهى وألهاء اى شغله ولهوت بالشىء بالفتح ألهو لهوا اذا لبعت به والمعنى لاشغلنكم الاهتمام بتدبير امورها والاعتناء بمصالحها والتمتع بها عن الاشتغال بذكره تعالى من الصلاة وسائر العبادات المذكرة للمعبود ففى ذكر الله مجاز اطلق المسبب وأريد السبب قال بعضهم الذكر بالقلب خوف الله وباللسان قرآءة القرءآن والتسبيح والتهليل والتمجيد والتكبير وتعلم علم الدين وتعليمه وغيرها وبالابدان الصلاة وسائر الطاعات والمراد نهيهم عن التلهى بها اى عن ترك ذكر الله بسبب الاشتغال بها وتوجيه النهى اليها للمبالغة بالتجوز بالسبب عن المسبب كقوله تعالى { فلا يكن فى صدرك حرج } وقد ثبت ان المجاز ابلغ وقال بعضهم هو كناية لان الانتقال من لاتلهكم الى معنى قولنا لاتلهوا انتقال من اللازم الى الملزوم وقد كان المنافقون بخلاء باموالهم ولذا قالوا لاتنفقوا على من عند رسول الله ومتعززين بأولادهم وعشائرهم مشغولين بهم وباموالهم عن الله وطاعته وتعاون رسوله فنهى المؤمنون أن يكونوا مثلهم فى ذلك { ومن يفعل ذلك } اى التلهى بالدنيا والاشتغال بما سواه عنه ولو فى اقل حين { فاولئك هم الخاسرون } اى الكاملون فى الخسران حيث باعوا العظيم الباقى بالحقير الفانى ( قال الكاشفى ) مقتضاى ايمان آنست كه دوستى خداى تعالى غالب بود بردوستى همه اشيا تاحدى كه اكر تمام نوال دنيا ومجمع نعم آخرت بروى عرض كنند بنظر در هيج كدام ننكرد
جشم دل ازنعيم دو عالم به بسته ايم ... مقصود ماز دنيى وعقبى تويى وبس
وفى الحديث « ماطعلت الشمس الا بجنبيها ملكان يناديان ويسمعان الخلائق غير الثقلين يايها الناس هلموا الى ربكم ماقل وكفى خير مما كثر والهى » وفى الآية اشارة الى كمل ارباب الايمان الحقيقى الشهودى يقول الله لهم لاتشغلكم رؤية أموال اعمالكم الصالحة من الصلاة والزكاة والحج والصوم ولا اولاد الاحوال التى هى نتيجة الاعمال من المشاهدات والمكاشفات والمواهب الروحانية والعطايا الربانية عن ذكر ذاته وصفاته واسمائه وظهروه فى صورة الاعمال والاحوال ومن يفعل ذلك فانما يشغل بالخلق ويحتجب بالنعمة عن المنعم فاولئك هم الخاسرون وخسروا رأس مال التجارة ما ربحوا الا الخسران وهو حجاب عن المشهود الحقيقى قال بعضهم فى الآية بيان ان من لم يبلغ درجة التمكين فى المعرفة لايجوز له الدخول فى الدنيا من الاهل والمال الولد فانها شواغل قلوب الذاكرين عن ذكر الله ومن كان مستقيما فى المعرفة وقرب المذكور فذكره قائم بذكر الله اياه فيكون محفوظا من الخطرات المذمومة والشاغلات الحاجبة واما الضعفاء فلا يخرجون من بحر هموم الدينا فاذا باشرت قلوبهم الحظوظ والشهوات لايكون ذكرهم صافيا عن كدورات الخطرات وقال سهل قدس سره لايشغلكم اموالكم ولا اولادكم عن ادآء الفرآئض فى اول مواقيتها فان من شغله عن ذكر الله وخدمته عرض من عروض الدنيا فهو من الخاسرين(15/347)
وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10)
{ وأنفقوا ممارزقناكم } اى بعض ما أعطيناكم تفضلا من غير أن يكون حصوله من جهتكم ادخال للآخرة يعنى حقوق واجب را اخراج نماييد ، فالمراد هو الانفاق الواجب نظرا الى ظاهر الامر كما فى الكشاف ولعل التعميم اولى وانسب بالمقام { من قبل أن يأتى احدكم الموت } بأن يشاهد دلائله ويعاين اماراته ومخايله وتقديم المفعول على الفاعل للاهتمام بما تقدم والتشويق الى ما تاخر ولم يقل من قبل ان يأتيكم الموت فتقولوا اشارة الى ان الموت يأتيهم واحدا بعد واحد حتى يحيط بالكل { فيقول } عند تيقنه بحلوله { رب } اى آفريد كار من { لولا اخرتنى } هلا امهلتنى فلولا للتحضيض وقيل لا زآئدة للتأكيد ولو للتمنى بمعنى لو أخرتنى { الى اجل قريب } اى امد قصير وساعة اخرى قليلة وقال ابو الليث ياسيدى ردنى الى الدنيا وابقنى زمانا غير طويل وفى عين المعانى مثل ما اجلت لى فى الدنيا { فأصدق } تاتصدق كنم وزكاة ادا نمايم ، وهو بقطع الهمزة لانها للتكلم وهمزته مقطوعة وبتشديد الصاد لان اصله أتصدق من التصدق فأدغمت التاء فى الصاد وبالنصب لانه مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء فى جواب التمنى فى قوله { لولا اخرتنى } { واكن من الصالحين } بالجزم عطفا على محل فأصدق كأنه قيل ان أخرتنى اصدق واكن وفيه اشارة ا لى ان التصدق من اسباب الصلاح والطاعة كما ان تركه من اسباب الفساد والفسق والفرق بين التصدق والهداية ان التصدق للمحتاج بطريق الترحم والهداية للحبيب لاجل المودة ولذا كان عليه السلام يقبل الهدية لا الصدقة فرضا كنت او نفلا وعن ابن عباس رضى الله عنهما من كان له مال يجب فيه الزكاة فلم يزكه او مال يبلغه الى بيت الله فلم يحج يسأل عند الموت الرجعة فقال رجل اتق الله يابن عباس انما سألت الكفار الرجعة قال ابن عباس رضى الله عنما انى اقرأ عليك هذا القرءآن فقال { ياأيها الذين آمنوا } الى قوله { فأصدق واكن من الصالحين } فقال الرجل يابن عباس وما يوجب الزكاة قال مائتا درهم فصاعدا قال فما يوجب الحج قال الزاد والراحلة فالآية فى المؤمنين واهل القبلة لكن لاتخلو عن تعريض بالكفار وان تمنى الرجوع الى الدنيا لايختص بالكافر بل كل قاصر مفرط يتمنى ذلك قال بعض العلماء فى الآية دلالة على وجوب تعجيل الزكاة لان اتيان الموت محتمل فى كل ساعة وكذا غيرها من الطاعات اذا جاء وقتها لعل الاولى استحبابه فى اغلب الاوقات ولذا اختار بعض المجتهدين اول الوقت عملا بقوله عليه السلام « اول الوقت رضوان الله » اى لان فيه المسارعة الى رضى الله الاهتمام بالعمل اذ لايدرى المرء أن يدرك آخر الوقت(15/348)
وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)
{ ولن يؤخر الله نفسا } اى ولن يمهلها مطيعة وعاصية صغير او كبيرة { اذا جاء اجلها } اى آخر عمرها او انتهى ان أريد بالاجل الزمان الممتد من اول العمر الى آخره يعنى جون عمر بآخر رسيد جيزى بران نيفزايند وازان كم نكنند ( قال الشيخ سعدى )
كه يك لحظه صورت نه بندد امان ... جو بيمانه برشد بدور زمان
واستنبط بعضهم عمر النبى عليه السلام من هذه الآية فالسورة رأس ثلاث وستين سورة وعقبها بالتغابن ليظهر التغابن فى فقده قال بعضهم الموت على قسمين اضطرارى وهو المشهور فى العموم والعرف وهو الاجل المسمى الذى قيل فيه اذا جاء اجلهم لايستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون والموت الآخر موت اختيارى وهو موت فى الحياة الدنيا وهو الاجل المقضى فى قوله { ثم قضى اجلا } ولايصح للانسان هذا الموت فىحياته الا اذا وحد الل تعالى توحيد الموتى الذين انكشفت لهم الأغطية وان كان ذلك الكشف فى ذلك الوقت لايعطى سعادة الا لمن كان فى العامة علاما بذلك فاذا انكشف الغطاء يرى ما علم عينا فهو سعيد فصاحب هذا التوحيد ميت لاميت كالمقتول فى سبيل الله نقله الله الى البرزخ لاعن موت فالشهيد مقتول لاميت وكذلك هذا المعتنى به لما قتل نفسه فى الجهاد الاكبر الذى هو جهاد النفس رزقه الله تعالى حكم الشهادة فولاه النيابة فى البرزخ فى حياته الدنيا فموته معنوى وقتله مخالفة نفسه { والله خبير بما تعملون } فماجازيكم عليه ان خيرا فخير وان شرا فشر فسارعوا فى الخيرات واستعدوا لما هو آت القاشانى قضية الايمان غلبة حب الله على محبة كل شىء فلا تكن محبتهم ومحبة الدنيا من شدة التعلق بهم وبالاموال غالبة فى قلوبكم على محبة الله فتحجبون بهم عنه فتصيرون الى النار فتخسرون نور الاستعداد الفطرى باضاعته فيما يفنى سريعا وتجردوا عن الاموال بانفاقها وقت الصحة والاحتياج اليها لتكون فضيلة فى نفسكم وهيئة نورية لها فان الانفاق انما ينفع اذا كان عن ملكة السخاء وهيئة التجرد فى النفس فاما عند حضور الموت فالمال للوارث لا له فلا ينفعه انفاقه وليس له الا التحسر والندم وتمنى التأخير فى الأجل بالجهل فانه لو كان صادقا فى دعوى الايمان وموقنا بالآخرة لتيقن ان الموت ضرورى وانه مقدر فى وقت معين قدره الله فيه بحكمته فلا يمكن تأخره ولتدارك امره قبل حلول المنية فانه لايدرى المرء كيف تكن العاقبة ولذا قيل لاتغتر بلباس الناس فان العاقبة مبهمة
مسكين دل من كرجة فراوان داند ... در دانش عاقبت فرومى ماند
وفى الحديث « لأن يتصدق المرء فى حياته بدرهم خير من أن يتصدق بمائة عند موته » وقال عليه السلام(15/349)
« الذى يتصدق عند موته او يعتق كالذى يهدى اذا شبع » وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رجل يارسول الله اى الصدقة أعظمك أجرا قال « ان تتصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ولاتهمل حتى اذا بلعت الحلقوم » قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان يعنى اهمال نكنى تا آن زمان كه جان بحلقوم رسد كويى فلان را اين وفلانرا اين باشد وخود از ان فلان شود به مرك تو ( روى ) الامام الغزالى رحمه الله عن عبدالله المزنى انه قال جمع رجل من بنى اسرآئيل مالا كثيرا فلما أشرف على الموت قال لبنيه ائتونى بأصناف أموالى فأتى بشىء كثير من الخيل والابل والدقيق وغيره فلما نظر اليها بكى عليها تحسرا فرأه ملك الموت وهو يبكى فقال مايبيك فوالذى خولك ماخولك ما أنا بخارج من منزلك حتى أفرق بين روحك وبدنك قال فالمهلة حتى أفرقها قال هيهات انقطع عنك المهلة فهلا كان ذلك قبل حضور أجلك فقبض روحه قال السلطان ولد قدس سره
بكذار جهان را كه جهان آن تونيست ... وين دم كه همى زنى بفرمان تونيست
كرمال جهان جمع كنى شاد مشو ... ورتيكه بجان كنى جان آن تونيست
وفى الآية اشارة الى انفاق الوجود المجازى الخلقى بالارادة الورحانية لنيل الوجود الحقيقى من غير أن يأتى الموت الطبيعى بلا ارادة فيموت ميتة جاهلية من اغير حياة أبدية لان النفس لم تزل جاهلة غير عارفة بربها ولا شك ان الحياة الطبيعية انما هى فى معرفة الله وهى لاتحصل الا بموت النفس والطبيعة وحياة القلب والروح فمن لمن يكن على فائدة من هذا الموت الارادى بتمنى الرجوع الى الدنيا عند الموت الطبيعى لتصدق الوجود المجازى بالارادة والرغبة ولكون من الصالحين لقبول الوجود الحقيقى وكل من كان مستعدا لبذل الوجود الاضافى لقبول الوجود الاطلاقى وجاء زمانه باستيفائه احكام الشريعة الزهرآء واستقصائه آداب الطريقة البيضاء لايمكن له الوقفة على الحجاب والاحتجاب كما اذا جاء زمان نفخ الروح فى الجنين باستكمال المدة يشتعل بنور الروح البتة اللهم الا ان تعرض آفة تمنعه عن ذلك والله خبير بما تعملون من بذل الوجود الامكانى ونيل الوجود الواجبى الحقانى كما قال تعالى { اذا وقعت الواقعة0 ليس لوقعتها كاذبة } جعلنا الله واياكم من الباذلين وجود والمستفيضين منه تعالى فضله وجوده وأن يختم بالخبر بان يوفقنا للاعراض عن الغير(15/350)
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
{ يسبح لله ما فى السموات } من الروحانيات { وما فى الارض } من الجسمانيات اى ينزهه سبحانه جميع ما فيهما من المخلوقات عما لا يليق بجناب كبريائه تنزيها مستمرا والمراد ان تسبيح الاشارة الذى هو الدلالة فتعم ما كل حى وجماد أو تسبيح العبارة الذى هو أن يقول سبحان الله فتعمهما ايضا عند اهل الله وعن بعضهم سمعت تسبيح الحيتان فى البحر المحيط يقلن سبحان الملك القدوس رب الاقوات والارزاق والحيوانات والنباتات ولولا حياة كل شئ من رطب ويابس ما اخبر عليه السلام انه يشهد للمؤذن وكم بين الله ورسوله مما جميع الملخوقات عليه من العلم بالله والطاعة له والقايم بحقه فآمن بعضهم وصدق وقيل ما اضافه الله الى نفسه وما أضاف اليه رسول وتوقفت بعضهم فلم يؤمنوا ولم يسمعوا وتأونوا الامر بخلاف ما هو عليه وقصدهم بذلك أن يكونوا من المؤمنين وهم فى الحقيقة من المكذبين لترجحيهم حسهم على الايمان بما عرفه لهم ربهم لما لم يشاهدوا ذلك مشاهدة عين وعن بعض العارفين فى الاية اى يسبح وجودك بغير اختيارك وأنت غافل عن تسبيح وجودك له وذلك ان وجودك قائم فى كل لمحة بوجودة يحتاج الى الكينونة بتكوينه اياه ابن قلبك ولسانك اذا اشتغل بذكر غيرنا وفى الحقيقة لم يتحرك الوجود الا بأمر ومشيئته وتلك الحركة اجابة داعى القدم فى جميع مراده وذلك محض التقديس ولكن لا يعرفه الا العارف بالوحدانية { له الملك } الدائم الذى لا يزول وهو كمال القدرة ونفاذ التصر وبالفارسية مروراست بادشاهى كه ارض وسما وما بينهما بيافريد { وله الحمد } اى حمد الحامدين وهو الثناء بذكر الاوصاف الجميلة والافعال الجزيلة وتقديم الجار والمجرور للدلالة على تأكيد الاختصاص وازاحة الشبهة بالكلية فان اللام مشعر بأصل الاختصاص قدم او اخرأى له المك وله الحمد لا لغيره أذ هو المبدئ لكل شئ وهو القائم به والمهيمن عليه المتصرف فيه كيف يشاء وهو المولىلاصول النعم وفروعها ولوا انه انعم بها على بعاده لما قدر أحد على ادنى شئ فالمؤمنون يحمدونه على نعمه وله الحمد فى الاولى والآخرة واما ملك غيره فاسترعاء من جنابه وتسليط منه وحمد غيره اعتداد بأن نعمة الله جرت على يده فللبشر ملك وحمد من حيث الصورة لا من حيث الحقيقة
باغير او اضافت شاهى بود جنان ... بريك دوجوبباره زشطرنج نام شاه
{ وهو على كل شئ قدير } لان نسبة ذاته المقتضية للقدرة الى الكل سوآء فهو القادر على الايجاد والاعدام والاسقام والابرآء والعزاز والذلال والتبييض والتسويد ونحو ذلك من الامور الغير المتناهية قال بعضهم ثقدرة الله تصلح للخلق وقدرة العبد تصلح للكسب فالعبد لا يوصف بالقدرة على الخلق والحق لا يوصف بالقدرة على الكسب فمن عرف انه تعالى قادر خسى من سطوات عقوبته عند مخالفته وامل لطائف نعمته ورحمته عند سؤال حاجته لا بوسيلة طاعته بل بكرمه ومنته وفى التأويلات النجمية ينزه ذاته المسبحة المقدسة عن الامثال والاضداد والاشكال والانداد ما فى السموات القوى الروحانية وما فى ارض القوى الجسمانية له ملك الوجود المطلق وله الحمد على نعمة ظهوره فى الوجود المقيد وهويته المطلقة قادرة على ظهورها بالاطلاق والتقييد وهى فى عينها منزهة عنهما وهما نسبتان اعتباريتان .(15/351)
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2)
{ وهو الذى خلقكم } خلقا بديعا حاويا لجميع مبادى الكمالات العلمية والعملية ومع ذلك { فمنكم كافر } اى فبعضكم او فبعض منكم مختار للكفر كاسب له حسبنا تقتضيه خلقته ويندرج فيه المنافق لانه كافر مضمر وكان الواجب عليكم جميعا ان تكونوا مختارين للايمان شاكرين لنعمة الخلق والايجاد وما يتفرع عليها من سائر النعم فما فعلتم ذلك مع تمام تمكنهم منه بل تشعبتم شعبا وتفرقتم فرقا قال فى فتح الرحمن الكفر فعل الكافر والايمان فعل المؤمن والكفر والايمان اكتساب العبد لقول النبى عليه السلام كل مولود يولد على الفطرة وقوله فطرة الله التى فطر الناس عليها فلكل واحد من الفريقين كسب واختيار وكسبه واختياره بتقدير الله ومشيئته فالمؤمن بعد خلق الله اياه يختار الايمان لان الله تعالى أراد ذلك منه وقدره عليه وعلمه منه والكافر بعد خلق الله اياه يختار الكفر لان الله تعالى قدر عليه ذلك وعلمه منه وهذا طريق اهل السنة انتهى وفى الآية رد للدهرية والطبيعية فانهم ينكرون خالقية الله تعالى والخالق هو المخترع للاعيان المبدع لها ( حكى ) ان سنيا ناظر معتزليا فى مسألة القدرة فقطف المعتزلى تفاحة من شجرة وقال للسنى أليس انا الذى قطفت هذه فقال له السنى ان كنت الذى قطفتها فرجها على ما كانت عليه فأفحم المعتزلى وانقطع وانما ألزمه بذلك لان القدرة التى يحصل بها الايجاد لا بد أن تكون صالحة للضدين فلو كان تفريق الاجزآء بقدرته لكان فى قدرته وصلها ومن أدب من عرف انه سبحانه هو المنفرد بالخلق والايجاد أن لا يجحد كسب العبد ولا يطوى بساط الشرع فى الابتلاء بالامر والنهى ولا يعتقد ان للعبد على الله حجة بسبب ذلك ( حكى ) ان بعض الاكابر تعجب من تجاسر الملائكة فى قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها ثم قال ما عليهم شئ هو أنطفهم فبلغ قوله يحيى بن معاذ الرازى رضى الله عنه فقال صدق هو انطقهم ولكن انظر كيف أفحمهم بين بذلك ان مجرد الخلق من جهة الحق لا يكون عذرا للبعيد فى سقوط اللوم عنهم { ومنكم مؤمن } مختار للايمان كاسب له ويندرج فيه مرتكب الكبيرة الغير التائب والمبتدع الذى لا تفضى بدعته الى الكفر وتقديم الكفر عليه لانه الا نسب بمقام التوبيخ والأغلب يما بينهم ولذا يقول الله فى يوم الموقف يا آدم أخرج بعث النار يعنى ميز اهلها المبعوث اليها قال وما بعث النار اى عدده قال الله من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعون وفى التنزيل ولكن اكثر الناي لا يؤمنون وقليل من عبادى الشكور والايمان اعظم شعب الشكر ( روى ) ان عمر رضى الله عنه سمع رجلا يقول اللهم اجعلنا من القليل فقال له عمر ما هذا الدعاء فقال الرجل انى سمعت الله يقول وقليل من عبادى الشكور فانما ادعو أن يجعلنى من ذلك القليل فقال عمر كل الناس اعلم من عمر .(15/352)
يقول الفقير هذا القول من عمر من قبيل كسر النفس واستقصار العلم والمعرفة واستقلالهما على ما هو عادة الكمل فلا ينافى كماله فى الدين والمعرفة حتى يكون ذلك سببا لجرحه فى باب الخلافة كما استدل به الطوسى الخبيث على ذلك فى كتاب التجريد له وفى الحديث « الا ان ابن آدم خلقوا على طبقات شتى فمنهم من يولد مؤمنا ويحيى مؤمنا ويموت مؤمنا ومنهم من يولد كافرا ويحيى كافرا ويموت كافرا ومنهم من يولد مؤمنا ويحيى مؤمنا ويموت كافرا ومنهم من يولد كافرا ويحيى كافرا ويموت مؤمنا » ومن هنا قال بعضهم قوم طلبوه فخذلهم وقوم هربوا منه فأدركهم . ابراهم خواص قدس سره كفت درباديه وقتى بتجريد مى رفتم بيرى راديدم كوشه نشسته وكلاهى برسر نهاده وبزارى وخوارى مى كريست كفتم يا هذا توكيستى كفت من ابو مره ام كفتم جرامى كريى كفت كيست بكريستن سزا وارتراز من جهل هزار سال يدان دركاه خدمت كرده ام ودرافق اعلى ازمن مقدم تركس نبودا كنون تقدير الهى وحكم غيبى نكر كه مرابجه روز آورد آنكه كفت اى خواص نكر تابدين جهد وطاعت خويش غره نباشى كه بعنايت واختيار اوسست نه بجهد وطاعت بنده بمن يك فرمان آمدكه آدم راسجده كن نكردم وآدم را فرمان آمدكه ازان درخت مخور خورد ودركار آدم عنايت بود عذرش بنهادند وزلت اودر حساب نياوردند ودركار من عنايت نيود طاعت ديرينه من زلت شمردند
من لم يكن للوصال اهلا ... فكل احسانه ذنوب
ومن هنا يعرف سر قول الشيخ سعدى
هركه در سايه عنايت اوست ... كنهش طاعتست ودشمن دوست
{ والله بما تعلمون } مطلقا { بصير } فيجازيكم بذلك فاختاروا منه ما يجديكم من الايمان والطاعة واياكم وما يرديكم من الكفر والعصيان قال القاسم رحمه الله خاطبهم مخاطبة حال كونهم ذرا فسماهم كافرين ومؤمنين فى ازله واظهرهم حين اظهرهم على ما سماهم وقدر عليهم فأخبر بأنه علم ما يعملونه من خير وشر . واعلم ان الله تعالى يعلم لكنه يحلم ويقدر لكنه يغفر الا ان من أقصته السوابق لم تدنه الوسائل ومن اقعده جده لم ينفعه كده قيل ان بعض الاكابر بلغه أن يهوديا أوصى أن يحمل من بدله اذا مات ودفين فى بيت المقدس فقال ايكابر الازل أما علم انه لو دفن فى فراديس العلى لجاءت جهنم بأنكالها وحملته الى نفسها والناس على اربعة اقسام اصحاب السوابق وهم الذين تكون فكرتهم ابدا فيما سبق لهم م الله لعلمهم ان الحكم الازلى لا يتغير باكتساب العبيد واصحاب العواقب وهم الذين يكفرون ابدا فيما يختم به امرهم فان الامور بخواتمها والعاقبة مستورة ولهذا قيل لا يغرنكم صفاء الاوقات فان تحتها غوامض الآفات واصحاب الوقت وهم الذين لا يتفكرون فى السوابق ولا فى اللواحق اى العواقب بل يشتغلن بمراعاة الوقت وادآء ما كلفوا من احكام ولهذا قيل الارف ابن وقته وقيل الصوفى من لا ماضى له ولا مستقبل ( وفى المثنوى )(15/353)
صوفى ابن الوقت باشد اى رفيق ... نيست فردا كفتن از شرط طريق
والقسم الرابع هم الذين غلب عليهم ذكر الحق فهم مشغولون بشهود الوقت عن مراعاة الوقت وفى الآية اشارة الى هويته المطلقة عن النسب والاضافات خلقكم اى تجلى لتعيناتكم الجنسة والنوعية والشخصية من غير تقييد وانحصار فمنكم اى فمن بعض هذه التعينات كافر يسر الحق المطلق بالحق المقيد ويقول بالتفرقة دفاعا لطعن الطاعن ومن بعض هذه التعينات مؤمن يؤمن بظهور الحق فى خلل ويستر الخلق بالحق ويقول بالجميعة تأنيسا للمكاشفين بالحقائق والله بما تعملون بصير من ستر الحق بالخلق دفعا للطاعن ومن ستر الخلق بالحق تأنيسا للطالب الواجد .(15/354)
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)
{ خلق السموات والارض بالحق } اى بالحكمة البالغة المتضمنة للمصالح الدينية والدنيوية والمراد السموات السبع والارضون السبع كما يدل عليه التصريح فى بعض الماضع قال تعالى خلق سبع سموات طباقا وقال تعالى الله الذى خلق سبع سموات ومن الارض مثلهن فان قلت ما وجه عدم ذكر العرش والكرسى فى اثمال هذه المواضع مع عظم خلقهما قلت انهما وان كانا من السماء لان السماء هو الفلك والفلك جسم شفاف محيط بالعلم وهما اوسع الافلاك احاطة الا ان آثارهما غير ظاهرة مكشوفة بخلاف السموات والارض وما بينهما فانها أقرب الى المخاطبين المكلفين ومعلوم حالها عندهم وكشوفة آثارها ومنفعتها ولذها قالوا ان الشمس تنضج الفواكه والقمر يلونها والكواكب تعطيها الطعم الى غير ذلك مما لا يتناهى على ان التغيرات فيها اظهر فهى على عظم القدرة أدل وقد قال تعالى كل يوم هو فى شأن واكثر هذه الشؤون فى عالم الكوت والفساد الذى هو عبارة عن السموات والارض اذ هما من العنصريات بخلاف العرش والكرسى فانهما من الطبيعات ولهذا لا يفنيان { وصوركم فأحسن صوركم } الفاء للتفسير اى صوركم احسن تصوير وخلقه فى أحسن تقويم واودع فيكم من القوى والمشاعر الظاهرة والباطنة ما نيط بها جميع الكمالات البارزة والكامنة وزينكم بصفوة صفات مصنوعات وخصكم بخلاصة خصائص مبدعاته وجعلكم انموذج جميع مخلوقاته فى هذه النشأة فلكم جمال الصورة وأحسن الاشكال ولذا لا يتمنى الانسان أن يكون صورته على خلاف ما هو عليه لكون صورته أحسن من سائر الصور ومن حسن صورته امتداد قامته وانتصاب خلقته واعتدال وجوده ولا يقدح فى حسنه كون بعض الصور قبيحا بالنسبة الى بعض لان الحسن وهو الجمال فى الخلق والخلق على مراتب كما قالت الحكماء شيئان لا غاية لهما الجمال والبيان ولكم ايضا جمال المعنى وكمال الخصال
بدرون تست مصرى كه تويى شكر ستانش ... جه غمست اكرزبيرون مدد شكر ندارى
شده غلام صورت بمثال بت برساتن ... توجو يوسفى وليكن سوى خود نظرندارى
بخدا جمال خود راجو در آينه بينى ... بت خويش هم توباشى بكسى كذرندارى
والمعتدبه هو الحسن المعنوى لان الله خلق آدم على صورته اى على الصورة الالهية التى هى عبارة عن صفاته العليا واسمائه الحسنى والا فالحسن الصورى يوجد فى الكافر أيضا
ره راست بايدنه بالى راست ... كه كافرهم ازروى صورت جوماست
نعم قد يوجب سيرة حسنة وخلق حميد فى الكافر كعدل انوشروان مثلا لكن المعتد به ما يكون مقارنا بالايمان الذى هو احسن السير قال بعض الكبار كل من كان فيه صفة العدل فهو ملك وان كان الحق تعالى ما استخلفه بالخطاب الالهى فان من الخلفاء من أخذ المرتبة بنفسه من غير عهد الهى اليه بها وقام بالعدل فى الرعايا بالعدل ومعلوم ان كسرى فى ذلك العدل على غير شرع منزل لكنه نائب للحق من ورآء الحجاب وخرج بقولنا وقام بالعدل فى الرعايا من لم يقم بالعدل كفرعون وامثاله من المنازعين لحدود الله والماغالبين لجنابه بمغالبة رسله فان هؤلاء ليسوا بخلفاء الله تعالى كالرسل ولا نوابا له كالملوك العادلة بل هم اخوان الشياطين قال الحسين رحمه الله أحسن الصور صورة اعتقت من ذلك كن وتولى الحق تصويرها بيده ونفخ فيها من روحه وألبسها شواهد النعت وحلاها بالتعليم شفاها واسجد لها الملائكة المقربين واسكنها فى جواره وزين باطنها بالمعرفة وظاهرها بفنون الخدمة والجمع فى قوله فاحسن صوركم باعتبار الانواع لان صورة الرومى ليست كصورة الهندى الى غير ذلك والافراد وهو ظاهر { واليه المصير } اى والى الله الرجوع فى النشأة الاخرى لا الى غيره استقلالا او اشتراكا فأحسنوا سرآئركم باستعمال تلك القوى والمشاعر فيما خلقن له حتى يجازيكم بالانعام لا بالانتقام فكم من صورة حسناء تكون فى العقبى شوهاء بقبح السريرة والسيرة وكم من صورة قبيحة تكون حسناء بحسنهما(15/355)
جه غم زمنقصت صورت اهل معنى را ... جوجوان زروم بود كوتن ازحبش مى باش
وقد ثبت ان ضرس الكافر يوم القيامة مثل جبل احد وان غلظ جسده مسافة ثلاثة ايام وانه يسوء خلقه فتغلظ شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخى شفته السلفى حتى تضرب سرته وان اهل الجنة ضوء وجوههم كضوء القمر ليلة البدر او على أحسن كوكب درى فى السماء وهم جرد مرد مكحلون ابناء ثلاثة وثلاثين فطوبى لاهل اللطافة وويل لاهل الكثافة .
اعلم ان الله تعالى خلق سموات الكليات وارض الجزئيات بمظهرية الحق وظهره فيهما بحسب استعداد الكل لا بحسبه وتجلى فى مظاهرب صور الانسان بحسبه اى بجمع الاسماء والصفات ولذا قال تعالى فأحسن صوركم اى جعل صوركم احدية جمع جميع المظهريات الجامعة لجميع المظاهر السماوية العلوية والارضية السفلية كما قال عليه السلام ان الله خلق آدم على صورته يعنى اورد الاسم الجامع فى عنوان الخلق اشارة الى تلك الجميعة فكان مصير الانسان الى الهوية الجامعة لجميع الهويات لكن حصل التفاوت بين افراده بحسب التجلى والاستتار والفعل والقوة فليس لاهل الحجاب أن يدعى كمالات اهل الكشف للتفاوت المذكور فيا عجبا من انسان خفى عليه ما دفن فى ارض وجوده من كنز الهى غيبى من نال اليه لم يفتقر ابدا وكيف قنع بقشر مع امكان تحصيل اللب وكيف اقام فى الحضيض مع سهولة العروج الى الاوج
جه شكرهاست درين شهركه قانع شده اند ... شاهبازان طريقت بمقا مكسىم(15/356)
يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (4)
{ يعلم ما فى السموات والارض } من الامور الكلية والجزئية والاحوال الجلية والخفية { ويعلم ما تسرون وما تعلنون } اى ما تسرونه فيما بينكم وما تظهرونه من الامور والتصريح به مع اندراجه فيما قبله لانه الذى يدور عليه الجزآء ففيه تأكيد للوعد الوعيد وتشديد به مع اندراجه فيما قبله لانه الذى يدور عليه الجزآء ففيه تأكيد للوعد والوعيد وتشديد لهما قال فى برهان القرآن انما كرر ما فى اول السورة لاختلاف تسبيح اهل الارض واهل السماء فى الكثرة والقلة والبعد والقرب من المعصية والطاعة وكذلك اختلاف ما تسرون وما تعلنون فانما ضدان ولم يكرر ما فى السموات والارض لان الكل بالاضافة الى علم الله جنس واحد لا يخفى عليه شئ { والله عليم بذات الصدور } اى هو محيط بجميع المضمرات المستكنة فى صدور الناس بحيث لا تفارقها اصلا فكيف يخفى عليه ما يسرونه وما يعلنونه وبالفارسية وخداى تعالى داناست بآنجه درسينهاست ازخواطر وافكار . وانما قيل لها ذات الصدور وصاحبتها لملابستها لها وكونها مخزونة فيها ففى الآية ترقٍ من الاظهر الى الاخفى لانه عالم بما فى السموات وما فى الارض وبما يصدر من بنى آدم سرا وعلنا وبما لم يصدر بعد بل هو مكنون فى الصدور واظهار الجلال للاشعار بعلية الحكم وتأكيد استقلال الجملة قبل وتقديم القدرة على العلم لان دلالة المخلوقات على قدرته بالذات وعلى علمه بما فيها من الاتفاق والاختصاص ببعض الجهات الظاهرة مثل كون السماء فى العلو والارض فى السفل او الباطنة مثل أن يكون السماء متحركة والارض ساكنة ال غير ذلك فان للمتكلمين مسلكين فى اثبات العلم الولى ان فعله تعالى متقن اى محكم خال عن وجوه الخلل ومشتمل على حكم ومصالح متكثرة وكل من فعله متقن فهو عالم والثانى انه فاعل بالقصد والاختيار لتخصيص بعض الممكنات ببعض الانحاء ولا يتصور ذلك الا مع العلم وفى قوله وما تسرون اشارة الى علماء الظاهر من الحكماء والمتكلمين والى علومهم الفكرية النظرية وما يسرون فيها من عقائدهم الفاسدة ومقاصدهم الكاسدة وفى قوله وما تعلنون اشارة الى علماء الباطن من المشايخ والصوفية والى معارفهم ومواجيدهم الذوقية الكشفية وما يظهرون منها من الكرامات وخوارق العادات والله عليم بصدور عمل كل واحد من صدور قلوبهم بحسب الرياء الاخلاص والحق والباطل .(15/357)
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5)
{ ألم يأتكم } أيها الكفرة والالف للاستفهام ولم للجحد ومعناه التحقيق { نبأ الذين كفروا } اى خبر قوم نوح ومن بعدهم من الامم المصرة على الكفر { من قبل } اى قبلكم فيكون متعلقا بكفروا او قبل هذا الوقت او هذا العصيان والمعاداة فيكون ظرفا لألم يأتكم { فذاقوا وبال امرهم } عطف على كفروا والذوق وان كان فى التعارف للقليل لكنه مستصلح للكثير والوبال الثقل والشدة المترتبة على امر من الامور والوبل المطر الثقيل القطار مقابل الطل وهو المطر الخفيف وامرهم كفرهم فهو واحد الامور عبر عنه بذلك للايذان بأنه امر هائل وجناية عظيمة والمعنى فذاقوا فى الدنيا من غير مهلة ما يستتبعه كفرهم من الضرر والعقوبة واحسوه احساس الذآئق المعطوم يعنى بس جشيدن كران بارئ خود ودشوارئ سر انجام خويش وضرر كفر وعقوبت اودردنيا بغرق وريح صرصر وعذاب يوم الظلة وامثال آن . وفى ايراد الذوق رمز الى ان ذلك المذوق العاجل شئ حقير بالنسبة الى ما سيرون من العذاب الآجل ولذلك قال تعالى { ولهم } فى الآخرة { عذاب أليم } اى مؤلم لا يقادر قدره وفيه اخبار بأن ما أصابهم فى الدنيا لم يكن كفارة لذنوبهم والا لم يعذبوا فى الآخرة بخلاف المؤمنين فان ما أصابهم فى الدنيا من الآلم والاوجاع والمصائب كفارة لذنوبهم على ما ورد فى الاخبار .(15/358)
ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6)
{ ذلك } اى ما ذكر من العذاب الذى ذاقوه فى الدنيا وما سيذوقونه فى الآخرة { بأنه } اى بسبب ان الشان { كانت تأتيهم رسلهم بالبينات } اى بالمعجزات الظاهرة والباء اما للملابسة او للتعدية { فقالوا } عطف على كانت { ابشر } آيا آدميان مثل ما { يهدوننا } راه نمايند مارا . اى قال كل قوم من المذكورين فى حق رسولهم الذى اتاهم بالمعجزات منكرين لكون الرسول من جنس البشر متعجبين من ذلك ابشر وآدمى مثلنا يهدينا ويرشدنا الى الدين او الى الله والتقرب منه كما قالت ثمود ابشرا منا واحد نتبعه انكروا أن يكون الرسول بشرا ولم ينكروا أن يكون المعبود حجرا وقد أجمل فى الحكاية فأسند القول الى جميع الاقوام وأريد بالبشر الجنس فوصف بالجمع كما أجمل الخطاب والامر فى قوله تعالى يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا وارتفاع بشر على انه فاعل فعل مضمر يفسره مان بعده فيكون من باب الاشتغال وهو اولى من جعله مبتدأ وما بعده خبرا لان اداة الاستفهام تطلب الفعل ظاهرا او مضمرا قال القاشانى لما حجبوا بصفات نفوسهم عن النور الذى هو به يفضل عليهم بما لا يقاس ولم يجدوا منه الا البشرية انكروا هدايته فان كان كل عارف لا يعرف معروفه الا بالمعنى الذى فيه فلا يوجد النور الكمالى الا بالنور الفطرة ولا يعرف الكمال الا الكامل ولهذا قيل لا يعرف الله غير الله وكل طالب وجد مطلوبه بوجه ما والا لما امكنه التوجه نحوه وكذا كل مصدق بشئ فانه واحد للمعنى المصدق به فما بى نفسه من ذلك المعنى فلما لم يكن فيهم شئ من النور الفطرة اصلا لم يعرفوا منه الكمال فأنكروه ولم يعرفوا من الحق شيأ ولم يحدث فيهم طلب حتى يحتاجوا الى الهداية فأنكروا الهداية وقال بعضهم العارفين معرفة مقام الاولياء أصعب من الممكن من معرفة الله تعالى لان الله تعالى معروفة بكماله وجماله وجلاله وقهره بخلاف الولى الكامل فانه ملآن من شهود الضعف يأكل ويشرب ويبول مثل غيره من الخلق ولا كرامة له تظهر الا بأن يناجى ربه وانى للخلق معرفة مقامه و والله لو كشف للخلق عن حقيقة الولى لعبد كما عبد عيسى عليه السلام ولو كشف لهم عن مشرقات نوره لانطوى نور الشمس والقمر من مشرقات نور قلبه ولكن فى ستر الحق تعالى المقام الولى حكم واسرار وأدنى ما فى الستر أن لا يتعرض احد لمحاربة الله تعالى اذا آذاهم بعد أن عرفهم انهم اولياء الله فكان ستر مقامهم عن اخلق رحمة بالخلق وفتحا لباب اعتذار من آذاهم من غالب الخلق فان الاذى لم يزل من الخلق لهم فى كل عصر لجهلهم بمقامهم { فكفروا } ابى بالرسل بسبب هذا القول لانهم قالوه استصغارا لهم ولم يعلموا الحكمة فى اختيار كون الرسل بشرا { وتولوا } عن التدبير فيما اتوا به من البينات وعن الايمان بهم { واستغنى الله } اى اظهر استغناءه عن ايمانهم وطاعتهم حيث اهلكهم وقطع دابرهم ولوا غناه تعالى عنهما لما فعل ذلك وقال سعدى والمفتى هو حال بتقدير قد وهو بمعنى غنى الثلاثى والمراد كمال الغنى اذا لطلب يلزمه الكمال { والله غنى } عن العالمين فضلا عن ايمانهم وطاعتهم { حميد } يحمده كل مخلوق بلسان الحال ويدل على اتصافه بالصفات الكمالية او يحمده اولياؤه وان امتنع اعداؤه والحمد هو ذكر اوصاف الكمال من حيث هو كمال ومن عرف انه الحميد فى ذاته وصفاته وافعاله شغله ذكره والثناء عليه فان العبد وان كثرت محامده من عقائد واخلاقه وافعاله واقواله فلا يخلو عن مذمة ونقص الا النبى عليه السلام فانه محمد واحمد ومحمود من كل وجه وله المحمدة والكمال وفى الاربعين الادريسية يا حميد الفعال ذا المن على جميع خلقه بلطفه قال السهروردى رحمه الله من داومه يحصل له من الاموال مالا يمكن ضبطه .(15/359)
زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7)
{ زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا } الزعم ادعاء العلم فمعنى أزعم زيدا قائما أقول انه كذا ففى تصدير الجملة بقوله ازعم اشعار بأنه لا سند للحكم سوى ادعائه اياه وقوله به ويتعدى الى مفعولين تعدى العلم وقد قام مقامهما ان المخففة مع ما فى حيزها فأن مخففة لانصابة لئلا يدخل ناصب على مثله والمراد بالموصول كفار مكة اى زعموا وادعوا ان الشان لن يبعثوا بعد موتهم ابدا ولن يقاموا ويخرجوا من قبورهم وعن شريح رضى الله عنه لكل شئ كنية وكنية الكذب زعموا قال بعض المخضرمين لابنه هب لى من كلامك كلمتين زعم وسوف انتهى ويكره للرجل ان يكثر لفظ الزعم وامثاله فانه تحديث بكل ما سمع وكفى بذلك كذبا واذا أراد أن يتكلم تكلم بما هو محقق لا بما هو مشتبه بذلك يتخلص من أن يحدث بكل ما سمع فيكون معصوما من الكذب كذا فى المقاصد الحسنة { قل } ردا لهم وابطالا لزعمهم باثبات ما نفوه { بلى } اى تبعثون فان لا يجاب النفى الذى قبله وقوله { وربى لتبعثن ثم لتنبئون بما عملتم } اى لتحاسبن وتجزون بأعمالكم جملة مستقلة داخلة تحت الامر واردة لتأكيد ما أفاده كلمة بلى من اثبات البعث وبيان تحقق امر آخر متفرع عليه منوط به ففيه تأكيد لتحقق البعث بوجهين فقوله وربى قسم لعل اختياره ههنا لما ان فى البعث اظهار كمال الربوبية المفيدة لتمام المعرفة وايثار دوام التربية بالنعم الجسمانية الظاهرة والنعم الروحانية الباطنة وقوله لتبعثن اصله لتبعثون حذفت واوه لاجتماع الساكنين بمجيئ نون التأكيد وان كان على حده طلبا للخفة واكتفاء بالضمة وهو جواب قسم قبله مؤكد باللام المؤكدة للقيم وثم لتراخى المدة لطوب يوم القيامة او لتراخى الرتبة وظاهر كلام اللباب أن يكون وربى قسما متعلقا بما قبله قد تم الكلام عنده وحسن الوقف عليه ويجعل تبعثن بما عطف عليه جواب قسم آخر مقدر مستانف لتأكيد الاول لعل فائدة الاخبار بالقسم مع ان المشركين ينكرون الرسالة كما ينكرون البعث ابطال لزعمهم بالتشديد والتأكيد ليتأثر من قدر الله له الانصاف وتتأكد الحجة على من لم يقدر له وكان محروما بالكلية { وذلك } اى ما ذكر من البعث والجزآء { على الله يسير } اى سهل على الله لتحقق القدرة التامة وقبول المادة واذا كان الامر كذلك .(15/360)
فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8)
{ فآمنوا } بصرف ارادتكم الجزئية الى اسباب حصول الايمان { بالله } الباعث من القبور المجازى على كل عمل ظاهر أو مستور { ورسوله } محمد صلى الله عليه وسلم الذى اخبر عن شؤون الله تعالى وصفاته { والنور الى انزلنا } اى انزلناه على رسولنا وهو القرءآن فانه بأعجازه بين بنفسه . انه حق نازل من عند الله مبين لغيره ومظهر للحلال و الحرام كما ان النور كذلك والالتفات الى نون العظمة لابراز كمال العناية { والله بما تعملون } من الامثتال بالامر وعدمه { خبير } فمجمازيكم عليه .(15/361)
يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)
{ يوم يجمعكم } ظرف لتنبئون وما بينهما اعتراض او معقول الذكر الظاهر ان الخطاب لمن خوطب اولا بقوله ألم يأتكم { ليوم الجمع } ليوم يجمع فيه الاولون والآخرة من الجن والانس واهل السماء والارض اى لاجل ما فيه من الحساب والجزآء وهو يوم القيامة فللام للعهد اى جمع هذا اليوم عن النبى عليه السلام اذا جمع الله الاولين والآخرين جاء مناد ينادى بصوت يسمع الخلائق كلهم سيعلم اهل الجسم اليوم من اولى بالكرم ثم يرجع فينادى ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع فيقومون وهم قليل ثم يرجع فينادى ليقم الذين كانوا يحمدون الله فى البأساء والضرآء فيقومون وهم قليل فيسرحون جميعا الى الجنة ثم يحاسب سائر الناس وقيل المراد مع الله بين العبد وعمله وقيل بين الظالم والمظلوم او بين كل شئ وامته { ذلك } اليوم { يوم التغابن } تفاعل من الغبن وهو أن تخسر صاحبك فى معاملة بينك وبينه بضر من الاخفاء والتغابن أن يغبن بعضهم بعضا ويوم القيامة غبن بعض الناس بعضا بنزول السعدآء منازل الاشقيا لو كانوا شعدآء وبالعكس وفيه تهكم لان نزولهم ليس بغبن ان كون نزول الاشقياء منازل السعدآء من النار لو كانوا اشقياء باعتبار الاستعارة التهكمية والا فهم بنزولهم فى النار لم يغبنوا اهل الجنة وفى الحديث ما من عبد يدخل الجنة الا أرى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا وما من عبد يدخل النار الا أرى مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرة وتخصيص التغابن بذلك اليوم للايذان بأن التغابن فى الحقيقة هو الذى يقع فيه مالا يقع فى امور الدنيا فاللام للعهد الذى يشار به عند عدم المعهود الخارجى الى الفرد الكامل اى التغابن الكامل العظيم الذى لا تغابن فوقه قال القاشانى ليس التغابن فى الامور الدنيوية فانها امور فانية سريعة الزوال ضرورية الفناء لا يبقى شئ منها لاحد فان فات شئ من ذلك أو أفاته احد ولو كان حياته فانما فات او افيت ما لزم فواته ضرورة فلا غبن ولا حيف حقيقة وانما الغبن والتغابن فى افاته شئ لو لم يفته لبقى دآئما وانتقع به صاحب سرمدا وهو النور الكمالى والاستعدادى فتظهر الحسرة والتغابن هناك فى اضاعة الربح ورأس المال فى تجارة الفوز والتجارة كام قال فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين فمن اضاع استعداده او اكتسب منه شيأ ولم يبلغ غايته كان مغبونا بالنسبة الى الكمال التام وكأنما ظفر ذلك الكامل بمقامه ومرامه وبقى هذا متحسرا فى نقصانه انتهى وقال الراغب يوم التغبن يوم القيامة لظهور الغبن فى المبايعة المشار اليها بقوله ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله وبقوله ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة وقوله الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا فلعلهم غبنوا فيما تركوا من المبايعة وفيما تعاطوا من ذلك جميعا وسئل بعضهم عن يوم التغابن فقالوا تبدوا الاشياء بخلاف مقاديرها فى الدنيا وقال بعضهم يظهر يومئذ غبن الكافر بترك الايمان وغبن المؤمن بتقصيره فى الاحسان واذا دخل العارف الجنة ورآه صاحب الحال فانه يراه كما يرى الكوكب الدرى فى السماء فيتمنى أن يكون له مثل مرتبة العارف فلا يقدر عليها فيتحسر على تفويته اسباب ذلك فى الدنيا وقد ورد لا يتحسر اهل الجنة فى الجنة الا ساعة مرت بهم لم يذكرو الله فيها قيل اشد الناس غبنا يوم القيامة ثلاثة نفر عالم علم الناس فعملوا بعلمه وخالف هو علمه فدخل غيره الجنة بعلمه ودخل هو النار بعمله وعبد أطاع الله بقوة مال سيده وعسى الله سيده فدخل العبد الجنة بقوه مال مالكه ودخل مالكه النار بمعصية الله وولد ورث مالا من ابيه وأبوه شح به وعصى الله فيه فدخل أبوه ببخله النار ودخل هو بانفاقه الخير الجنة(15/362)
بخور اى نيك سيرت وسره مرد ... كان نكون بخت كرد كرد ونخورد
وفى الحديث لا يلقى الله احد الا نادما ان كان مسيئا ان لم يحسن وان كان محسنا ان لم يزدد وقال بعض العافرين لا يجوز الترقى فى الآخرة الا فى مقام حصله المكلف فى هذه الدار فمن عرف شيأ وتعلقت همته بطلبه كان له اما عاجلا واما آجلا فان ظفر به فى حياته كان ذلك اختصاصا واعتناء وان لم يظفر به فى حياته معجلا كان مدخرا له بعد المفارقة يناله ثم ضرورة لازمة ومن لم يتحقق بمقام فى هذا الموطن لم يظفر به ثم ولذلك سمى يوم التغابن لانقطاع الترقى فيه فاعلم ذلك وقال بعضهم الغبن كل الغبن أن لا يعرف الصفاء فى الكدورة واللطف فى صورة القهر فتوحش عن الحق بالتفرقة وهو فى عين الجمع والانس وايضا يقع الغبن لمن كان مشغولا بالجزآء والعطاء ورؤية الاعواض واما من كان مشغولا بمشاهدة الحق فقد خرجعن حد الغبن وايضا يقع الكل فى الغبن اذا عاينوا الحق بوصفه وهم وجدوه اعظم وأجل مما وجدوه فى مكاشفاتهم فى الدنيا فيكونون مغبونين حيث لم يعرفوه حق معرفته ولم يعبدوه حق عبادته وان كانوا لا عيرفونه ابدا حق معرفته واى غبن اعظم من هذا اذ يرونه ولا يصلون الى حقيقة وجوده وقال ابن عطاء رحمه الله تغابن اهل احلق على مقادير الضياء عند الرؤية والتجلى وقال بعض الكبار يوم شهود الحق فى مقام الجمعية يوم غبن اهل الشهود والمعرفة على اهل الحجاب والغفلة فانهم فى نعيم القرب والجمع واهل احجاب فى جحيم البعد والفراق { ومن يؤمن بالله } بالصدق والاخلاص بحسب نور استعداده { ويعمل صالحا } اى عملا صالحا بمقتضى ايمانه فان العمل انما يكون بقدرالنظر وهو اى العمل الصالح ما يبتغى به وجه الله فرضا او نقلا ( روى ) ان ابراهيم بن ادهم رحمه الله أراد ان يدخل الحمام فطلب الحمامى الاجرة فتأوه وقال اذا لم يدخل احد بيت الشيطان بلا أجره فانى يدخل بيت الرحمن بلا عمل { يكفر } اى يغفر الله ويمح { عنه سيئاته } يوم القيامة فلا يفضحه به { ويدخله } بفضله وكرمه لا بالايجاب { جنات } على حسب درجات اعماله { تجرى من تحتها } اى من تحت صورها واشجارها { الانهار } الاربعة { خالدين فيها } حال من الهاء فى يدخله وحد أولا حملا على لفظ من ثم جمع حملا على معناه { ابدا } نصب على الظرف وهو تأكيد للخلود { ذلك } اى ما ذكر من تكفير السيئات وادخال الجنات { الفوز العظيم } الذى لا فوز ورآءه لانطوآئه على النجاة من أعظم الهليكات والظفر بأجل الطيبات فيكون على حالا من الفوز الكبير لانه يكون يجلب المنافع كما فى سورة البروج والفوز العظيم فى الحقيقة هو الانخلاع عن الوجود المجازى والتلبس بلباس الوجود الحقيقى وذلك موقوف على الايمان الحقيقى الذوقى والعمل الصالح المقارن بشهود العامل فان نور الشهود حينئذ يستر ظلمان وجوده الاشافى وينوره بنور الوجود الحقيقى ويدخل جنات الوصول والوصل الى تحرى من تحتها الانهار مملوءه من ماء المعارف والحكم .(15/363)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10)
{ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا } تصريح بما علم التزاما والمرد بالآيات اما القرءآن او المعجزات وان كلا منهما آية الصدق الرسول { اولئك اصحاب النار } اى هلها اما بمعنى مصاحبوها خلودهم فيها او مالكوها تنزيلا لهم منزلة الملاك للتهكم حال كونهم { خالدين فيها } اى ابدا بقرينة المقابلة { وبئس المصير } اى لنار كأن هاتين الآيتين الكريمتين بيان لكيفية التغابن وانما قلنا كأن لان الواو يمانع الحمل على البيان كما عرف فى المعانى وفى الآية اشارة الى المحجوبين عن الله المحرومبين من الايمان الحقيقى به بأن يكون ذلك بطريق الذوق والوجدان لا بطريق العلم والبرهان المكذبين آيات الله الظاهرة فى خواص عبادة بحسب التجليات فانهم اصحاب نار الحجاب وجحيم الاحتجاب على الدوام والاستمرار وبئس المصير هذه النار فعلى العقال أن يجتهد حتى يكشف الله عمى قلبه وغشاوة بصيرته فيشاهد آثار الله وآياته فى الانفس واآفاق ويتخلص من الحجاب على الاطلاق ففى نظر العارفين عبرة وحكمة وفى حركاتهم شأن ومصلحة ( حكى ) ان أبا حفص النيسابورى رحمه الله خرج مع اصحابه فى الريبيع للتنزه فمر بدار فيها شجرة مزهرة فوقف ينظر اليها معتبرا فخرج من الدار شيخ مجوسى فقال له يا مقدم الاخيار هل تكون ضيفا لمقدم الاشرار فقال نعم فدخلوا وكان معهم من يقرأ القرءآن فلما فرغ قال لهم المجوسى خذوا هذه الدراهم واشتروا بها طعاما من السوق من اهل ملتكم لانكم تتنزهون عن طعامنا ففعلوا فلما أرادوا الخروج قال المجوسى للشيخ لا افارقك بل اكون احد اصحابك ثم اسلم هو واولاده ورهطه وكانوا بضع عشرة نفسا فقالأبو حفص لأصحابه اذا خرجتم للتنزه فاخرجوا هكذا .
جون نظر ميداشت ارباب شهود ... مؤمن آمد بى نفاق اهل جحود(15/364)
مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)
{ ما } نافية ولذا زاد من المؤكدة { أصاب } الخلق يعنى نرسد بهيج كس { من مصيبة } من المصائب الدنيوية فى الابدان والأولاد والأموال { الا باذن الله } استثناء مفرغ منصوب المحل على الحال اى ما أصاب مصيبة ملتبسة بشئ من الاشياء الا باذن الله اى بتقديره وارادته كائنها بذاتها متوجهة الى الانسان متوقفة على اذنه تعالى ان تصيبه وهذا لا يخالف قوله تعالى فى سورة الشعرآء وما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير اى بسبب معاصيكم ويتجاوز عن كثير منها ولا يعاقب عليها اما اولا فلان هذا القول فى حق المجرمين فكم من مصيبة تصيب من أصابته لامر آخر من كثرة الأجر للصبر وتكفير السيئات لتوفيه الأجر الى غير ذلك وما أصاب المؤمنين فمن هذا القبيل واما ثانيا فلان ما أصاب من ساء بسوء فعله فهو لم يصب الا باذن الله وارادته ايضا كما قال تعالى قل كل من عند الله اى ايجادا وايصالا فسبحان من لا يجرى فى ملكه الا ما يشاء وكان الكفار يقولون لو كان ما عليه المسلمون حقا لصانهم الله عن المصائب فى اموالهم وابدانهم فى الدنيا فبين الله ان ذلك انما يصيبهم بتقديره ومشيئته وفى اصابتها حكمة لا يعرفها الا هو منها تحصيل اليقين بأن ليس شئ من الامر فى يديهم فيبر أون بذلك من حولهم وقوتهم الى حول الله وقوته ومنها ما سبق آنفا من تكفير ذنوبهم وتكثير مثوباتهم بالصبر عليها والرضى بقضاء الله الى غير ذلك ولو لم يصب الانبياء والاولياء محن الدنيا وما يطرأ على الاجسام لافتتن الخلق بما ظهر على أيديهم من المعجزات والكرامات على ان طريان الآلام والاوجاع على ظواهرهم لتحقق بشريتهم لا على بواطنهم لتحقق مشاهدتهم والانس بربهم كأنهم معصومون محفوظون منها لكون وجودها فى حكم العدم بخلاف حال الكفار والاشرار نسأل العفو والعافية من الله الغفار وفى الآية اشارة الى اصابة مصيبة النفس الامارة بالاستيلاء على القلب والى اصابة مصيبة القلب السيار بالغلبة على النفس فانهما باذن تجلية القهرى للقلب الصافى بحسب الحكمة او باذن تجلية اللطفى الجمالى للنفس الجانية بحسب النقمة { ومن يؤمن بالله } يصدق به ويعلم انه لا يصيبه مصيبة الا باذن الله والاكتفاء بالايمان بالله لانه الاصل { يهد قلبه } عند اصابتها للثبات والاسترجاع فيثبت ولا يضطرب بأن يقول قولا ويظهر وصفا يدل على التضجر من قضاء الله وعدم الرضى به ويسترجع ويقول انا الله وانا اليه راجعون ومن عرف الله واعتقد انه رب العالمين يرضى بقضائه ويصبر على بلائه فان التربية كما تكون بما يلائم الطبع تكون بما يتنفر عنه الطبع وقيل يهد قلبه اى يوفقه لليقين حتى يعلم ان ما أصابه لم يكن ليخطئه وما اخطأه لم يكن ليصيبه فيرضى بقضائه ويسلم لحكمه وقيل يهد قلبه اى يلطف به ويشرحه لازدياد الطاعة والخير وبالفارسية الله راه نما يددل اورا به بسند كارى ومزيد طاعت .(15/365)
وقال ابو بكر الوراق رحمه الله ومن يؤمن بالله عند الشدة والبلاء فيعلم انها من عدل الله يهد قلبه الى حقائق الرضى وزوآئد اليقين وقال أبو عثمان رحمه الله من صحح ايمانه بالله يهد قلبه لاتباع سنن نبيه عليه السلام وعلامة صحة الايمان المداومة على السنن وملازمة الاتباع وترك الآرآء والاهوآء المضلة وقال بعضهم ومن يؤمن بالله تحقيقا يهد قلبه الى العمل بمقتضى ايمانه حتى يجد كمال مطلوبه الذى امن به ويصل الى محل نظره وقال بعضهم ومن يؤمن بالله بحسب ذاته نور قلبه بنور المعرفة باسمائه وصفاته اذ معرفة الذات تستلزم معرفة الصفات والاسماء من غير عكس وباعتبار سبق الهداية ولحوقها فان الايمان بالله انما هو بهداية سابقة وهداية القلب انما هى هداية لاحقة يندفع توهم ان الايمان موقوف على الهداية فاذا كانت هى موقوفة عليه كما تفيده من الشرطية لما ان الشرط مقدم على المشروط لدار فان للهداية مراتب تقدما وتأخرا لا تنقطع ولذلك ندعو الله كل يوم ونقول مرارا اهدنا الصراط المستقيم بناء على ان فى كل عمل نريده صراطا مستقيما يوصل الى رضى الله تعالى وقيل انه مقلوب ومعناه من يهد قلبه يؤمن بالله . وروى فى يهد سبع قراآت المختار من السبع يهد مفردا غائبا راجعا ضميره الى الله مجزوز الآخر ليكون جواب الشرط المجزوم من الهداية وقرئ نهد بالنون على الالتفات منها ايضا ويهد مجهولا برفع قلبه على انه قائم مقام الفاعل منها ايضا ويهد بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال ورفع قلبه ايضا بمعنى يهتد كقوله تعالى آمن لا يهدى الا أن يهدى ويهدأ من باب يسأل ويهدا بقلبها ألفا ويهد بحذفها تخفيفا فيهما والمعنى يطمئن ويسكن الى الحق { والله بكل شئ } من الاشياء التى من جملتها القلوب واحوالها كتسليم من انقاد لامره وكراهة من كرهه وكآفاتها وخلوصها من الآفات { عليم } فيعلم ايمان المؤمن وخلوصه ويهدى قلبه الى ما ذكر .(15/366)
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (12)
{ واطيعوا الله } اطاعة العبد لمولاه فيما يأمره { واطيعوا الرسول } اطاعة الامة لنبيها فيما يؤديه عن الله اى لا يشغلنكم المصائب عن الاشتغال بطاعته والعمل بكتابه وعن الاشتغال بطاعة الرسول واتباع سنته وليكن جل همتكم في السرآء والضرآء العمل بما شرع لكم قال القاشانى وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول على حسب معرفتكم بالله وبالرسول فان اكثر التخلف عن الكمال والوقوع فى الخسران والنقصان انما يقع من التقصير فى العمل وتاخر القدم لا من عدد النظر كرر الامر للتأكيد والايذان بالفرق بين الطاعتين فى الكيفيىة وتوضيح مورد التولى فى قوله { فان توليتم } اى اعرضتم عن اطاعة الرسول { فانما على رسولنا البلاغ المبين } تعليل للجواب المحذوف اى فلا بأس عليه اذما عليه الا التبليغ المبين وقد فعل ذلك بما لا مزيد عليه واظهار الرسول مضافا الى نون العظمة فى مقام اضماره لتشريفه عليه السلام والاشعار بمدار الحلم الذى هو كون وظيفته عليه السلام محض البلاغ ولزيادة تشنيع التولى عنه وفى التأويلات النجمية أطيعوا الله بتهيئة الاسباب بمظهرية ذاته وصفاته واطيعوا الرسول بتحصيل القابلية لمظهرية احكام شريعته الظاهرة وآداب طريقته الباطنة فان اعرضتم عن تهيئة الاسباب والاستعداد وتصفية هذين الامرين الكليين بالاقبال على الدنيا والاستهلاك فى بحر شهواتها فانما على رسولنا البلاغ المبين وعليكم العذاب المهين .(15/367)
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13)
{ الله لا اله } فى الوجود { الا هو } جملة من مبتدأ وخبر اى هو المستحق للعبودية لا غير وهو القدر على الهداية والضلالة لا شريك له فى الارشاد والاضلال وليس بيد الرسول شئ من ذلك { وعلى الله } اى عليه تعالى خاصة دون غيره لا استقلالا ولا اشتراكا { فليتوكل المؤمنون } فى تثبيت قلوبهم على الايمان والصبر على المصائب واظهار الجلالة فى موضع الاضمار للاشعار بعلية التوكل والامر به فان الالوهية مقتضية للتبتل اليه تعالى بالكلية وقطع التعلق عما سواه بالمرة وفى الآية بعث لرسول الله وللمؤمنين وحث لهم على الثبات على التوكل والازدياد فيه حتى ينصرهم على المكذبين وعلى من تولى عن الطاعة وقبول احكام الدين . واعلم ان التوكل من المقامات العالية وهو اظهار العجز والاعتماد على الغير وفى الحدآئق التوكل هو الثقة بما عند الله واليأس مما فى أيديى الناس وظاهر الامر يفيد وجوب التوكل مع انه غير موجودفى اكثر الناس فيلزم أن يكونوا عاصين ولعل المأمور به هو التوكل العقلى وهو أن يعتقد العبد انه ما من مراداته الدنيوية والاخروية الا وهو يحصل من الله فيثق به فى حصوله ويرجو منه وان كانت النفس تلتفت الى الغير وتتوقع منه نظرا الى اعتقاد سببيته والله مسبب الاسباب واما التوكل الطبيعى الذى لا يكون ثقة صاحبه طبعا الا بالله وحجه ولا اعتماده الا عليه فى جميع مقاصده مع قطع النظر عن الاغيار كلها رأسا فهو عسير قلما يوجد الا فى الكمل من الاولياء كما حكى عن بشر الحافى رحمه الله انه جائه جماعة من الشأم وطلبوا منه أن يحج معهم فقال نعم ولكن بثلاثة شروط أن لا نحمل معنا شيأ ولا نسأل احدا ولا نقبل من احد شيأ فقالوا اما الاول والثانى فنقدر عليه اما الثالث فلا نقدر فقال أنتم الذين تحجون متوكلين على زاد الحاج وقيل من ادعى التوكل ثم شبع فقد حمل زادا وعن بعضهم انه قال حججت اربع عشرة مرة حافيا متوكلا وكان يدخل الشوك فلا اخرجه لئلا ينقص توكلى وعن ابراهيم الخواص رحمه الله بينما أناسير فى البادية اذ قال لى اعرابى يا ابراهيم التوكل عندنا فاقم عندنا حتى يصح توكلك أما تعلم ان رجاءك دخول بلد فيه اطعمة يعملك ويقويك اقطع رجاءك عن دخول البلدان فتوكل فاذا كان رجاء دخول البلدان مانعا عن التوكل التام فما ظنك بالاقامة فى بلاد خصبة ولذا اوقع الله التوكل على الجلالة لانها جامعة لجميع الاسماء فلاتوكل عليه توكل تام والتوكل على الاسماء الجزئية توكل ناقص قمن عرف الله وكل اليه اموره وخرج هو من البين ومن جعل الله وكيله لزمه ايضا أن يكون وكيلا لله على نفسه فى استحقاق حقوقه وفرآئضه وكل ما يلزمه فيخاصم نفسه فى ذلك ليلا ونهارا أى لا يفتر لحظة ولا يقصر طرفة فان الاوقات سريعة المرور خاك دردستش بودجون بادهنكام اجل . هركه اوقات كرامى صرف آب وكل كند .(15/368)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
{ يا أيها الذين آمنوا } ايمانا خالصا { ان من ازواجكم } جمع زوج يعم الحليل والحليلة وسيجئ ما فى اللباب { واولادكم } جمع ولدي يعم الابن والبنت { عدوا لكم } يشغلونكم عن طاعة الله وان لم يكون لهم عداوة ظاهرة فان العدو لا يكون عدوا بذاته وانما يكون عدوا بفعله فاذا فعل الزوج والولد فعل العدو كان عدوا ولا فعل اقبح من الحيلولة بين العبد وبين الطاقة او يخاصمونكم فى اموار الدنيا واشد المكر ما يكون فى الدين فان ضرره اشد من ضرر ما يكون فى الدنيا وجاء فى الخبر ليس عدوك الذى لقيته فقتلته وآجرك الله على قتله ولكن اعدى عدوك نفسك التى بين جنبيك وامرأتك تضاجعك على فراشك وولدك من صلبك قدم الازواج لانها مصادر الاولاد ولانها لكونها محل الشهوات ألصق بقلوب الناس وأشد اشغالا لهم عن العبودية ولذا قدمها الله تعالى فى قوله زين للناس حب الشهوات من النساء وفى الالباب ان قوله ان من ازاجكم يدخل فيه الذكر فكما ان الرجل تكون زوجته وولده عدوا له كذلك المرأة يكون زوجها عدوا لها بهذا المعنى فيكون الخطاب هنا عاما على التغليب ويحتمل أن يكون الدخول باعتبار الحكم لا باعتبار الخطاب { فاحذروهم } الحذر احتراز عن مخيف والضمير للعدو فانه يطلق على الجمع قال بعضهم احذروهم اى احفظوا أنفسكم من محبتهم وشدة التعلق والاحتجاب بهم ولا تؤثروا حقوقهم على حقوق الله تعالى وفى الحديث « اذا كان امر آؤكم خياركم واغنياؤكم اسخياءكم وامركم شورى بينكم اى ذا تشاور لا ينفرد احد برأى دون صاحبه فظهر الارض خير لكم من بطنها واذا كان امراؤكم شراركم واغنياؤكم بخلاءكم وامركم الى نسائكم فبطن الله خير لكم من ظهرها » وفى الحديث « شاوروهن وخالفوهن » وقد استشار النبى عليه السلام ام سلمة رضى الله عنها كما فى قصة صلح الحديبية فصار دليلا لجواز استشارة المرأة الفاضلة ولفضل ام سلمة ووفور عقلها حتى قال امام الحرمين لا نعلم امرأة اشارة برأى فأصابت الا ام سلمة كذا قال وقد استدرك بعضهم ابنة شعيب فى امر موسى عليهما السلام ( حكى ) ان خسروا كان يحب اكل السك فكان يوما جالسا فى المنظرة وشيرين عنده اذ جاء صياد ومعه سمكة كبيرة فوضعها بين يديه فأعجبته فأمر له بأربع آلاف درهم فقالت شيرين بئس ما فعلت لانك اذا أعطيت بعد هذا احدا من عسكرك هذا القدر احتقره وقال أعطانى عطية الصياد فقال خسروا لقد صدقت لكن يقبح على الملوك أن يرجعوا فى عطياتهم فقالت شيرين تدعو الصياد وتقول له هذه السمكة ذكر او انثى فان قال ذكر فقل انما أردنا انثى وان قال انثى فقل انما أردنا ذكرا فنودى الصياد فعاد فقال له الملك هذه المسكة ذكر أو انثى فقال هذه السمكة خشى فضحك خسروا من كلامه وامر له بأربعة آلاف درهم اخرى فقبض ثمانية آلاف درهم ووضعها فى جرابه معه وحملها على كاهله وهم بالخروج فوقع من الجراب درهم واحد فوضع الصياد الجراب وانحنى على الدرهم فأخذه والملك وشيرين ينظران اليه فقالت شيرين للملك أرأيت الى خسة هذا الرجل وسفالته سقط من درهم واحد فألقى عن كاهله ثمانية آلاف درهم وانحنى على ذلك الدرهم وأخذه ولم يسهل عليه أن يتركه فغضب الملك وقال لقد صدقت يا شيرين ثم امر باعادة الصياد فقال يا دنيئ الهمة لست بانسان ما هذا الحرص والتهالك على درهم واحد فقبل الصياد الارض وقال انى لم ارفع ذلك الدرهم لخطره عندى وانما رفعته عن الارض لان على احد وجهيه اسم الملك وعلى الآخر صورته فخشيت أن يأتى احد بغير علم فيضع عليه قدمه فيكون ذلك استخفافا بالملك وصورته فتعجب خسروا من كلامه فأمر له بأربعة آلاف درهم اخرى وكتب وصية للناس بأن لا تطيعوا النساء اصلا ولا تعملوا برأيهن قطعا ( وحكى ) ان رجلا من بنى اسرآئيل أتى سليمان عليه السلام وقال يا بنى الله أريد أن تعلمنى لسان البهائم فقال سليمان ان كنت تحب ان تعلم لسان البهائم أنا اعلمك ولكن اذا اخبرت احدا تموت من ساعتك فقال لا اخبر احدا فقال سليمان قد علمتك وكان للجرل ثور وحمار يعمل عليهما فى النهار فاذا امسى ادخل عليهما علفا فحط العلف بين يديهما فقال الحمار للثور اعطنى الليلة عشاءك حتى يحسب صاحبنا انك مريض فلا يعمل عليك ثم انى أعطيك عشائى فى الليلة القابلة فرفع الثور رأسه من علفه فضحك الرجل فقلت امرأته لم تضحك قال لا شئ فلما جاءت الليلة القابلة أعطى الرجل للحمار علفه وللثور علفه وقال الثور اقضنى السلف الى عندك فانى أمسيت مغلوبا من الجوع والتعب فقال له الحمار انك لا تدرى كيف كان الحال قال الثور وما ذاك قال ان صاحبنا البارحة ذهب وقال لجزار ثورى مريض اذبحه قبل أن عجف فاصبر الليلة وأسلفنى ايضا عشاءك حتى اذا جاءك الجزاء صباحا وجدك عجيفا ولا يذبحك فتنجو من الموت ولو تعشيت يمتلئ بطنك فيخشى عليك أن يحسبك سمينا فيذبحك انى أرد لك ما أسفلتنى الليلتين فرفع رأسه عن علفه ولم يأكل فضحك الرجل فقال المرأة لم تضحك اخبرنى والا طلقنى فقال الرجل اذا اخبرتك بما ضحكت اموت من ساعتى فقالت لا أبالى فقال ائتينى بالدواة والقرطاس حتى اكتب وصيتى ثم اخر ثم اموت فناولته فبينما هو يكتب اذ طرحت المرأة كسرة من الخبز الى الكب فسبق الديك واخذها بمنقاره قال الكلب ظلمتنى قال الديك صاحبنا يريد الموت فتكون ان تشبعانا من وليمة المأتم ولكن بحن نبقى فى مبيتا الى ثلاثة ايام لا يفتح لنا البا وان يمت برضى امرأته ابعده الله واسخطه فان لى تسع نسوة لا تقدر واحد منهن أن تسأل عن سرى ولو كنت أنا مكانه لأضربنها حتى تموت او تتوب وبعد ذلك لا تسأل عن سر زوجها فأخذ الرجل عصا ولم يزل يضربها حتى ثابت من ذلك(15/369)
زنى راكه جهلست وبارساتى ... بلا برسر خود نه زن خواستى
وافادت من التبعيضية فى قوله ان من ازواجكم الخ ان منها ما ليس بعدو كما قال عليه السلام الدنيا كلها متاع وخير متاعها المرأة الصالحة وقال عليه السلام ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة ان امرها اطاعته وان نظر اليها سرته وان اقسم عليها أبرته وان غاب عنها نصحته فى نفسها وما له فاذا كانت المرأة على هذه الاوصاف فهى ميمونة مباركة والا فهى مشئومة منحوسة .
كرا خانه آباد وهمخوا به دوست ... خدارا برحمت نظر سوى اوست
{ وان تعفوا } عن ذنوبهم القابلة للعفو بأن تكون متعلقة بامور الدنيا او بامور الدين لكن مقارنة للتوبة { وتصفحوا } يترك التثريب والتعبير يقال صفحت عن فلان اذا أعرضت عن ذبنه والتثريب عليه { وتغفروا } باخفائها وتمهيد عذرها { فان الله غفور رحيم } يعاملكم بمثل ما عملتم ويتفضل عليكم وهذا كقوله وان جاهداك على أن تشرك بى ما ليس بك به علم فلا تطعمهما وصاحبنهما فى الدنيا معروفا نزلت فى عوف بن مالك الا شجعى رضى الله عنه كان ذا اهل وولد وكان اذا أراد الغزو بكوه ورققوه وقالوا الى من تدعنا فيرق ويقيم . وأراد الخطيئة وهو شاعر مشهور سفرا فقال لامرأته
عدى السنين لغيبتى وتصبرى ... وذرى الشهور فانهن قصار
فأجابته
واذكر صبابتنا اليك وشوقنا ... وارحم بناتك انهن صغار
وقيل ان ناسا من المؤمنين أرادوا الهجرة من مكة فثبطهم ازواجهم واولادهم فزينوا لهم القعود قيل قالوا لهم اين تذهبوا وتدعون بلدكم وعشيرتكم واموالكم فغضبوا عليهم وقالوا لئن جمعنا الله فى دار الهجرة لم نصبكم بخير فلما هاجروا منعوهم الخير فحثوا على أن يعفوا عنهم ويردوا اليهم البر والصلة قال القاشانى وان تعفوا بالمداراة وتصفحوا عن جرآئمهم بالحلم وتغفروا جناياتهم بالرحمة فلا ذنب ولا حرج انما الذنب فى الاحتجاب بهم وافراط المحبة وشدة التلعق لا فى مراعاة العدالة والفضيلة ومعاشرتهم بحسن الخلق فانه مندوب بل اتصاف بصفات الله فان الله غفور رحيم فعليكم بالتخلق باخلاقه وفى الحث على العفو والصفح اشارة الى أن ليس المراد من الامر بالحذر تركهم بالكلية والاعراض عن معاشرتهم ومصاحبتهم كيف والنساء من اعظم نعم الجنة وبها نظام العالم فانه لولا الازواج لما وجد الانبياء والاولياء والعلماء والصلحاء وقد خلق المخلوقات لاجلهم ومن الله على عباده تذكير النعمة حيث قال خلق لكم من أنفسكم ازواجا وهذا كما روى عنه عليه السالم انه كان يقول اتقوا الدنيا ولنساء فان الامر بالاتقاء انما هو للتحذير عما يضر فى معاشرتها لا للترك بالكلية فكما ان الدنيا لا تترك بالكلية ما دام المرء حبا وانما يحذر من التلعق بها ومحبتها الشاغلة عن محبة الله تعالى فكذا النساء ولأمر ما حبب الله اليه عليه السلام النساء وقال عليه السلام(15/370)
« اذا مات الانسان انقطع عنه عمله الا من ثلاث صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له » كما سبق بيانه فى سورة النجم فقد حث عليه السلام على وجود الولد الصالح ولم يعده من الدنيا بل عده من الخير الباقى فى الدنيا وبه يحصل العمر الثانى وفى الآية اشارة الى أن النفوس الامارة واللوامة واولادها وهى صفات تلك النفوس واخلاقها الشهوانية عدو للانسان يمنعه عن الهجرة الى مدينة القلب فلا بد من الحذر عن متابعتها ومخالتطها بالكلية وتصرفاتها فى جميع الاحوال وأن تعفو عن هفواتهم الباطلة الواقعة منهم فى بعض الاوقات لكونهم مطية لكم وتصفحوا بعد التوبيخ والتعيير وتغفروا بأن تستروا ظلمتهم بنور ايمانكم وشعاع معرفة قلوبكم فان الله غفور ساتر لكم يستر بلطفه رحيم بكم بافاضة رحمته عليك وجعلنا الله واياكم من اهل تقواه ومغفرته وتغمدنا بأنواع رحمته .(15/371)
إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)
{ انما اموالكم واولادكم فتنة } بلاه ومحنة يوقعونكم فى الاثم والعقوبة من حيث لا تحتسبون ( قال الكاشفى ) آز مايش است تا ظاهر كرددكه كدام از ايشان حق را برايشان ايثار ميكند وكدام دل درمال ولد بسته از محبت الهى كرائه ميكيرد . وجيئ بانما للحصر لان جميع الاموال والولاد فتنة لانه لا يرجع الى مال او ولد الا هو مشتمل على فتنة واشتغال قلب وتأخير الاولاد من باب الترقى من الأدنى الى الأعلى لان الاولاد ألصق بالقلوب من الاموال لكونهم من اجزاء الآباء بخلاف الاموال فانها من توابع الوجود وملحقاته ولذا جعل توحيد الافعال فى مقابلة الفناء عن الاولاد وتوحيد الذات فى مقابلة الفناء عن النفس { والله عنده اجر عظيم } لمن آثر محبة الله وطاعته على محبة الاموال والاولاد والتدبير فى مصالحهم زهدهم فى الدنيا بان ذكر عيبها ورغبهم فى الآخرة بذكر نعيمها وعن ابن مسعود رضى الله عنه لا يقولن احدكم اللهم اعصمنى من الفتن فانه ليس احد منكم يرجع الى مال وولد الا وهو مشتمل على فتنة ولكن ليقل اللهم انى اعوذ بك من مضلات الفتن نظيره ما حكى عن محمد ابن المنكدر رحمه الله انه قال قلت ليلة فى الطواف اللهم اعصمنى واقسمت على الله تعالى فى ذلك كثيرا فرأيت فى المنام كأن قائلا يقول لى انه لا يفعل ذلك قلت لم قال لانه يريد أن يعصى حتى يغفر وهذا من الاسرار المصونة والحكم المسكوت عنها وفى مشكاة المصابيح كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب اذ جاء الحسن والحسين رضى الله عنهما عليها قميصان احمران يمشيان ويعثران فنزل عليه السلام من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال « صدق الله انما اموالكم واولادكم فتنة » نظرت الى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم اصبر حتى قطعت حديثى رفعتهما ثم اخذ عليه السلام فى خبطته قال « ابن عطية وهذه ونحوها هى فتنة الفضلاء فاما فتنة الجهال الفسقة فمؤدية الى كل فعل مهلك » يقال ان اول ما يتعلق بالرجل يوم القيامة اهله واولاده فيوقفونه بين يديى الله تعالى ويقولون يا ربنا خذ بحقنا منه فانه ما علمنا ما نجهل وكان يطعمنا الحرام ونحن لا نعلم فيقتص لهم منه وتأكل عياله حسناته فلا يبقى له حسنة ولذا قال عليه السلام « يؤتى برجل يوم القيامة فيقال له اكل عياله حسناته » وعن بعض السلف العيال سوس الطاعات وهو دود يقع فى الطعام والثوب وغيرهما ومن ثم ترك كثير ممن السلف المال والاهل رأسا واعرضوا عنهما بالكلية لان كل شئ يضل عن الله فهو مشئوم على صاحبه ولذا كان عليه السلام يقول فى دعائه « اللهم من أحبنى وأجاب دعوتى فأقلل ماله وولده ومن أبغضنى ولم يجب دعوتى فاكثر ماله وولده » وهذا للغالب عليهم النفس واما قوله عليه السلام فى حق انس رضى الله عنه « اللهم أكثر ماله وولده وبارك فيما أعطيته فهو لغيره »(15/372)
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)
{ فاتقوا الله ما استطعتم } اى ابذلوا فى تقواه جهدكم وطاقتكم قال بعضم اى ان علمتم ذلك وانتصحتم به فاتقوا ما يكون سببا لمؤاخذة الله اياكم من تدبير امورهما ولا ترتكبوا ما يخالف امره تعالى من فعل او ترك وهذه الآية ناسخة لقوله تعالى اتقوا الله حق تقاته لما اشتد عليهم بان قاموا حتى ورمت اقدامهم وتقرحت جباههم فنزلت تيسيرا لعباد الله وعن ابن عباس رضى الله عنهما انها آية محكمة لا ناسخة فيها لعله رضى الله عنه جمع بين الآيتين بأن يقول هنا وهنالك فاتقوا الله حق تقاته ما استطعتم واجتهدوا فى الاتصاف به بقدر طاقتكم فانه لا يكلف الله نفسا الا وسعها وحق التقوى ما يحسن أن يقال ويطلق عليه اسم التقوى وذلك لا يقتضى أن يكون فوق الاستطاعة وقال ابن عطاء رحمه الله هذا لن رضى عن الله بالثواب فاما من لم يرض عنه الا به فان خطابه فاتقوا الله حق تقاته أشار رضى الله عنه الى الفرق بين الابرار والمقربين فى حال التقوى فقوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم ناظر الى الابرار وقوله تعالى فاتقوا الله حق تقاته ناظر الى المقربين فان حالهم الخروج عن الوجود المجازى بالكلية وهو حق التقوى وقال القاشانى فاتقوا الله فى هذه المخالفات والآفات فى مواضع البليات ماستطعتم بحسب مقامكم ووسعكم على قدر حالكم ومرتبتكم قال السرى قدس سره المتقى من لا يكون رزقه من كسبه . ودر كشف الاسرار آورده كه دريك آيت اشارت ميكند بواجب امر ودرديكرى بواجب حق جون واجب امر بيامد واجب حق را رقم نسخ بركشيد زيراكه حق بنده راكه مطالبت كند بواجب امر كند تافعل اودر دائره عفو داخل تواندشد واكراورا بواجب حق بكيرد طاعت ومعصيت هزار ساله آنجا يكرنك دارد
بى نيازى بين واستغنانكر ... خواه مطرب باش وخواهى نوحه كر
اكرهمه انبيا واولياء بهم آيند آن كيست كه طاقت آن داردكه بحق اوجل جلاله قيام نمايد ياجبوا حق اوباز دهد امر او متناهيست اما حق او متناهى نيست زيرا كه بقاى امر ببقاى تكليف است وتكليف درد نياست كه سراى تكليف است اما بقاى حق ببقاى ذاتست وذات متناهى نيست بس حق متناهى نيست واجب امر برخيزداما واجب حق برتخبزد دنيا دركذرد ونوبت امر باوى در كذرد اما نوبت حق نفر كز در نكذرد امروز هركسى را سودايى درسرست كه درا مر مى نكرند انبيا ورسول بنبوت ورسالت خونش مى نكرند فرشتكان بطاعت وعبادت خود مى نكرند مؤحدان ومجتهدان ومؤمنان ومخلصان بتوحيد وايمان واخلاص خويش مى نكرند فردا جون سرادقات حق ربوبيت باز كشند انبيا باكمال حال خويش حديث علم خود طى كنند كويند لا علم لنا ملائكة ملكوت صومعه اى عبادت خود آتش درزنند كه ما عبد ناك حق عبادتك عارفان وموحدان كيوند ما عرفناك حق معرفتك { واسمعوا } مواعظه { واطيعوا } اوامره { وانفقوا } مما رزقكم فى الوجوه التى امركم بالانفاق فيها خالصا لوجهه عن ابن عباس رضى الله عنهما ان المراد انفاق الزكاة والظاهر العموم وهو مندرج فى الاطاعة ولعل افراده بالذكر لما ان الاحتياج اليه كان اشد حينئذ وان المال شقيق الروح ومحبوب النفس ومن ذلك قدم الاموال على الاولاد فى المواضع حتى قال الامام الغزالى رحمه الله انه قد يكون حب المال من اسباب سوء العاقبة فانه اذا كان حب المال غالبا على حب الله فحين علم محب المال ان الله يفرقه عن محبوب عقد فى قلبه البغض لله نعوذ بالله من ذلك وهذا كما ترى ان احدا اذا احب دنياه حبا غالبا على حب ابنه فلو قصد الابن أن يأخذها منه لأبغض الابن واحب هلاكه { خير الانفسكم } خبر لكان المقدر جوابا للاوامر اى يكن خيرا لأنفسكم او مفعول لفعل محذوف اى ائتوا وافعلوا خيرا لأنفسكم واقصدوا ما هو أنفع لها وهو تأكيد للحث على امتثال هذه الاوامر وبيان لكون الامور المذكورة خيرا لأنفسهم من الاموال والأولاد وما هم عاكفون عليه من حب الشهوات وزخارف الدنيا { ومن يوق شح نفسه } اى ومن يقه الله ويعصمه من بخل نفسه الذى هى الرذيلة المعجونة فى طينة النفس وقد سبق بيانه فى سورة الحشر وبالفارسية وهركه نكاه داشت ازبخل نفس خود يعنى حق خدا يرا امساك نكند ودر راه وى بذل مى نمايد .(15/373)
وهو مجهول مجزوز الآخر بمن الشرطية من الوقاية المتعدية الى المفعولين وشح مفعول ثان له باق على النصب والاول ضمير من القائم مقام الفاعل { فاولئك هم المفلحون } الفائزون بكل مرام وفى الحديث « كفى بالمرء من الشخ أن يقول آخذ حقى لا اترك منه شيأ » وفى حديث الاصمعى أتى اعرابى قوما فقال لهم هذا فى الحق او فيما هو خير منه قالوا وما خير من الحق قال التفضل والتغافل افضل من اخذ الحق كله كذا فى المقاصد الحسنة ( روى ) عن النبى عليه السلام انه كان يطوف بالبيت فاذا رجل متعلق باستار الكعبة وهو يقول « برحمة هذا البيت الا غفرت لى » وقال عليه السلام « وما ذنبك صفه لى » قال هو اعظم من ان اصفه لك قال « ويحك ذنبك اعظم ام الارضون » قال بل ذنبى يا رسول الله قال « ويحك ذنبك اعظم ام الجبال » قال بل ذنبى يا رسول الله قال(15/374)
« فذنبك اعظم ام السموات » قال بل ذنبى قال « فذنبك اعظم ام العرش » قال بل ذنبى اعظم قال « فذنبك اعظم ام الله » قال بل الله اعظم واعلى قال « ويحك صف لى ذنبك » قال يا رسول الله انى ذو ثروة من المال وان السائل ليأتينى ليسألنى فكأنما يستقبلنى بشعله من النار فقال عليه السلام « عنى »
يعنى دورشو ازمن . لا تحرقنى بنارك فهو الذى بعثنى بالهداية والكرامة لو قمت بين الركن والمقام ثم بكيت ألفى عام حتى تجرى من دموعك الانهار وتسقى بها الاشجار ثم مت وأنت لئيم لكبك الله فى النار اما علمت ان البخل كفر وان الكفار فى النار ويحك أما علمت ان الله يقول ومن يبخل فانما يبخل عن نفسه ومن يوق شح نفسه فأولئك المفلحون
فروماند كاترا درون شادكن ... زروز فرو ماندكى ياد كن
نه خواهنده بر در ديكران ... بشكرانه خواهنده ازدر مران
وفى الآية اشارة الى ان الانفاق على الغير علما او مالا انفاق على نفسك بالحقيقة كنفس واحدة لانتفاء الغيرة فى الاحدية وان من وفق لانفاق الوجود المجازى فى الله فاز بالموجود الحقيقى من الله تعالى .(15/375)
إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17)
{ ان تقرضوا الله } بصرف اموالكم الى المصار التى عينها وبالفارسية اكر فرض دهيد خدا يرا يعنى صرف كنيد در آنجه فرمايد
وذكر القرض تلطف فى الاستدعاء كما فى الكشاف قال فى اللباب القرض القطع ومنه المقراض لما يقطع به وانقرض القوم اذا هلكوا وانقطع اثرهم وقيل للقرض قرض لانه قطع شئ من المال هذا اصل الاشتقاق ثم اختلفوا فيه فقيل اسم لكل ما يلتمس الجزآء عليه وقيل أن يعطى احد شيأ ليرجع اليه ثم قيل لفظ القرض هنا حقيقة على المعنيين وقيل مجاز على الثانى لان الراجع ليس مثله بل بدله واليه يميل ما فى الكشاف فى سورة البقرة اقراض الله مثل لتقديم العمل الذى يطلب ثوابه لعله الوجه فيكون بقرض استعارة تصريحية تبيعة وقوله { قرضا حسنا } تصريحية اصليه اى مقرونا بالاخلاص وطيب النفس قال سهل رضى الله عنه القرض الحسن المشاهدة بقلوبكم لله فى اعمالكم كما قال ان تعبد الله كأنك تراه وقرضا ان كان بمعنى اقراضا كان نصبه على المصدرية وان كان بمعنى مقرضا من النفقة كان مفعولا ثانيا لتقرضوا لان الاقراض يتعدى الى مفعولين ففى التعبير عن الانفاق بالاقراض وجعله متعلقا بالله الغنى مطلقا والتعبير عن النفقة بالقرض اشارة الى حسن قبول الله ورضاه والى عدم الضياغ وبشارة باستحقاق المنفق ببركة انفاقه لتمام الاستحقاق { يضاعفه لكم } من المضاعفة بمعنى التضعيف اى التكثير فليس المفاعلة هنا للاشتراك اى يجعل لكم اجره مضاعفا ويكتب بالواحد عشرة وسبعين وسبعمائة واكثر بمقتضى مشيئته على حسب النيات والاوقات والمحال { ويغفر لكم } ببركة الانفاق ما فرط منكم من بعض الذنوب { والله شكور } يعطى الكثير بمقابلة اليسير من الطاعة او يجازى العبد على الشكر وهو الاعتراف بالنعمة على سبيل الخضوع فسمى جزآء الشكر شكرا او الله شكور بمعنى انه كثير الثناء على عبده بذكر افعاله الحسنة وطاعته فالشكر الثناء على المحسن بذكر احسانه وهذا المعنى مختار الامام القشيرى رحمه الله والشكور مبالغة الشاكر والشاكر من له الشكر سئل بعضهم من اشكر الشاكرين فقال الطاهر من الذنوب بعد نفسه من المذنبين والمجتهد فى النوافل بعد أدآء الفرآئض بعد نفسه من المقصرين والراضى بالقليل من الدنيا يعد نفسه من الراغبين والقاطع بذكر الله دهره يعد نفسه من الغافلين والراغب فى العمل يعد نفسه من المفلسين فهذا اشكر الشاكرين ومن ادب من عرف انه تعالى شكور أن يجد فى شكره ولا يفتر وبواظب على حمده ولا يقصر والشكر على اقسام قلبك بغير ذكره ومعرفته وشكر جوارحك فى غير طاعته وشكر بالقلب وهو آن لا تشغل قلبك بغير ذكره ومعرفته وشكر باللسان وهو أن لا تستعمله فى غير ثنائه ومدحته وشكر بالمال وهو أن لا تنفقه فى غير رضاه ومحبته(15/376)
نفس مى نيارم زد از شكر دوست ... كه شكرى نه دانم كه درخورد اوست
عطا بيست هر موى از وبر تنم ... جكونه بهر موى شكرى كنم
واحسن وجوه الشكر لنعم الله أن لا تستعملها فى معاصيه بل فى طاعته وخاصية اسم الشكور التوسعة ووجود العافية فى البدن وغيره بحيث لو كتبه من به ضيق فى النفس وتعب فى البدن اعياء اشد الاعياء وثقل فى الجسم وتمسح به وشرب منه برئ باذن الله تعالى وان تمسح به ضعيف البصرعلى عينيه وجد بركة ذلك ويكتب احدى واربعين مرة { حليم } لا يعاجل بالعقوبة مع كثرة ذنوبكم بالبخل والامساك ونحوهما فيحلم حتى يظن الجاهل انه ليس يعلم ويستر حتى يتوهم الغافل انه ليس يبصر
قال الامام الغزالى رحمه الله الحليم هو الذى يشاهد معصية العصاة ويرى مخالفة الامر ثم لا يستفزه غضب ولا يعتريه غيظه ولا يحمله على المسارعة الى الانتقام مع غاية الاقتدار عجلة وطيش كما قال الله تعالى ولو يؤاخذه الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ( حكى ) ان ابراهيم عليه السلام لما رأى ملكوت السموات والارض رأى عاصيا فى معصيته فقال اللهم أهلكه فأهلكه الله ثم رأى آخر فدعا عليه فأهلكه الله ثم رأى آخر فدعا عليه فأهلكه الله ثم رأى رابعا فدعا عليه فأوحى الله اليه ان قف يا ابراهيم فلو اهلكنا كل عاص رأيناه لم يبق احد من الخلق ولكنا بحلمنا لا نعذبهم بل نمهلهم فاما أن يتوبوا واما أن يصروا فلا يفوتنا شئ قيل الحلم حجاب الآفات وقيل الحلم ملح الاخلاق . وشتم الشعبى رجل فقال ان كنت كاذبا غفر الله لك وان كنت صادقا غفر الله لى وكان الاحنف يضرب به المثل فى الحلم وهو يقول انى صبور ولست بحليم والفرق بين الحليم ولاصبور ان المذنب لا يأمن العقوبة فى صفة الصبور كما يأمنها فى صفة الحليم يعنى ان الصبور يشعر بانه يعاقب فى الآخرة بخلاف الحليم كما فى المفاتيح والتخلق بالاسم الحليم انما هو بأن يصفح عن جنايات الناس ويسامح لهم فيما ياملونه به من السيئات بل يجازيهم بالاحسان تحقيقا للحلم والغفران وفى الاربعين الادريسية يا حليم ذا الأناة فلا يعادله شئ من خلقه قال السهروردى رحمه الله من ذكره كان مقبول القول وافر الحرمة قوى الجاش بحيث لا يقدر عليه سبع ولا غيره والأناة على وزن القناة وهو التثبت والوقار .(15/377)
عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)
{ عالم الغيب والشهادة } خبر بعد خبر أى لا يخفى عليه خافية ( وقال الكاشفى ) ميداند آنجه ظاهر ميكنند از تصدق وانجه بنهان ميدارند دردلها از ريا واخلاص .
وقد سبق الكلام عليه فى اواخر سورة الحشر ولعل تقديم الغيب به لا بالصورة ولذا رد بلعم بن باعور وقيل كلب اصحاب الكهف قال ابو على الدقاق قدس سره لما صرفوا ذلك الكلب ولم ينصرف أنطقه الله تعالى فقال لم تصرفوننى ان كان لكم ارادة فلى ايضا ارادة وان كان خلقكم فقد خلقنى ايضا فازدادوا بكلامه يقينا ولم سمعوا كلامه اتفقوا على استصحابه معهم الا انهم قالوا يستدل علينا بآثار قدمه فالحلية فحمله الاولياء على اعناقهم وهم يمشون لما ادركه من العناية الازلية وكذا لم يكن فى الملائكة اكبر قدرا ولا اجل خطرا من ابليس الا ان الحكم الازلى بشقاوته كان خفيا عن العباد فلما ظهر فيه الحكم الازلى لعنه من عرفه ومن لم يعرفه
كليد قدر نيست دردست كس ... تواناى مطلق خدايست وبس
ززنبور كرد اين حلاوت بديد ... همانكس كه در مار زهر آفريد
خدايا بغفلت شكستيم عهد ... جه زور آورد باقضا دست جهد
جه بر خيزد از دست تدبيرما ... همين نكته بس عذر تقصيرما
همه هرجه كردم توبرهم زدى ... جه قوت كندبا خداى خودى
نه من سرز حكمت بدرمى روم ... كه حكمت جنين مى رود بر سرم
وقال الحافظ الشيرازى رحمه الله
نفش مستورى ومستى نه بدست من وتست ... آنجه سلطان ازل كفت بكن آن كردم
( وقال ايضا )
درين جمن نكنم سرزنش بخود رويى ... جنانكه برورشم ميد هندمى رويم
وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما من مولود يولد الا فى شبابيك رأسه مكتوب خمس آيات من سورة التغابن » يعنى يست هيج مولودى كه مولودمى شود مكركه در مشبكهى سرش مكتوبست بنج آيت از سوره تغابن .
والشبابيك جمع شباك بالضم كزنار مثل خفافيش وخفاش او جمع شباكة بمعنى المشبك وهو ما تداخل بعضه فى بعض وفى الحديث « من قرأ سورة التغبان رفع عنه موت الفجاءة » وهى بالمدمع ضم الفاء وبالقصر مع فتح الفاء البغتة دون تقدم مرض ولا سبب .(15/378)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)
{ يا ايها النبى اذا طلقتم النساء } التطليق طلاق دادن يعنى عقده نكاح راحل كردن وكشادن . قال فى المفردات اصل الطلاق التخلية من وثاق ويقال اطلقت البعير من عقاله وطلقته وهو طالق وطلق بلا قيد ومنه استعير طلقت المرأة اذا خليتها فهى طالب اى مخلاة عن حبالة النكاح انتهى والطلاق اسم بمعنى التطليق كالسلام والكلام بمعنى التسليم والتكليم وفى ذلك قالوا المستعمل فى المرأة لفظ التطليق وفى غيرها لفظ الاطلاق حتى لو قال اطلقتك لم يقع الطلاق ما لم بنوا ولو قال طلقتك وقع نوى او لم ينوى والمعنى اذا اردتم تطليق النساء المدخول بهن المعتدات بالاقرآء وعزمتم عليه بقرينة فطلقوهن فان الشئ لا يترتب على فنسه ولا يؤمر أحد بتحصيل الحاصل ففيه تنزيل المشارف للشئ فان الشئ لا يترتب على نفسه ولا يؤمر احد بتحصيل الحاصل ففيه تنزيل المشارف للشئ منزلة الشارع فيه والظهر انه من ذكر السبب وارادة المسبب وتخصيص الندآء به عليه السلام مع عموم الخطاب لأمته ايضا لتحقيق انه المخاطب حقيقة ودخول فى الخطاب بطريق استتباعه عليه السلام اياهم وتغليبه عليهم ففيه تغليب المخاطب على الغائب والمعنى اذا طلقت انت وامتك وفى الكشاف خص النبى بالندآء وعم بالخطاب لان النبى امام امته وقدوتهم كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم يا فلان افعلوا كيت وكيت اظهار التقدمه واعتبار لترؤسه وانه لسان قومه فكأنه هو وحده فى حكم كلهم لصدورهم عن رأيه كما قال البقلى اذا خاطب السيد بان شرفه على الجمهور اذ جمع الجميع فى اسمه ففيه اشارة الى سر الاتحاد وفى كشف السرار فيه اربعة اقوال احدها انه خطاب للرسول وذكر بلفظ الجمع تعظيما كما يخاطب الملوك بلفظ الجمع والثانى انه خطاب له والمراد امته والثالث ان التقدير يا أيها النبى والمؤمنون اذا طلقتم فحذف لان الحكم يدل عليه والرابع معناه يا أيها النبى قل للمؤمنين اذا طلقتم انتهى .
يقول الفقير هذا الاخير انسب بالمقام فيكون مثل قوله يا أيها النبى قل لازواجك قل للمؤمنين قل للمؤمنات ولان النبى عليه السلام وان كان اصيلا فى المأمورات كما ان امته اصيل فى المنهيات الا ان الطلاق لما كان ابغض المباحات الى الله تعالى كما سيجيئ كان الاولى أن يسند التطليق الى امته دونه عليه السلام مع انه عليه السلام قد صدر منه التطليق فانه طلق حفصة بنت عمر رضى الله عنهما واحدة فلما نزلت الآية راجعها وكانت علامة كثرة الحديث قريبا منزلتها من منزلة عائشة رضى الله عنهما فقيل له عليه السلام راجعها فانها صوامة قوامة وانها من نسأئك فى الجنة حكاه الطبرى وفى الحديث بيان فضل العلم وحفظ الحديث ومحبة الله الصيام والقيام وكرامة اهلهما عنده تعالى .(15/379)
وآورده اندكه عبد الله بن عمر رضى الله عنهما زن خودرا درحال حيض طلاق اد حضرت رسالت فرمود تارجوع كندو آنكاه كه از حيض باك شود اكرخواهد طلاق دهدو درين باب آيت آمد . والقول الاول هو الامثل والاصح فيه انه بيان لشرع مبتدأ كما فى حواشى سعدى المفتى { فطلقوهن لعدتهن } العدة مصدر عده يعده وسئل رسول الله عليه السلام متى تكون القيامة قال « اذا تكاملت العدتان » اى عدة اهل الجنة وعدة اهل النار اى عددهم وسمى الزمان الذى تتربص فيه المرأة عقيب الطلاق او الموت عدة لانها تعد الايام المضروبة عليها وتنتظرأ وان الفرج الموعود لها كما فى الاختيار والمعنى فطلقوهن مستقبلات لعدتهن متوجهات اليها وهى الحيض عند الحنفية فاللام متعلقة بمحذوف دل عليه معنى الكلام والمرأة اذا طلقت فى طهر يعقب القرء الاولى من اقرآئها فقد طلقت مستقبلة عدتها والمراد أن يطلقن فى طهر لم يقع فيه جماع ثم يخلين حتى تنقضى عدتهن وهذا احسن الطلاق وأدخله فى السنة وابعده من الندم لانه ربما ندم فى ارسال الثلاث دفعة فالطلاق السنى هو ان يكون فى طهر لم يجامعها فيه وان يرفق الثلاث فى الاطهار الثلاثة وأن يطلقها حاملا فانها اذا على طهر ممتد فتطليقها حلال وعلى وجه السنة والبدعى على وجوه ايضا منها أن يكون فى طهر جامع فيه لما فيه من تطلويل العدة ايضا على قول من يجعل العدة بالاطهار وهو الشافعى حيث ان بقية الطهر لا تحتسب من العدة ومنها ما كان فى الحيض او النفاس لما فيه من تطيل العدة ايضا على قول من يجعل العدة بالحيض وهو ابو حنيفة رحمه الله لان بقية الحيض لا تحتسب الا أن مما لا يلزمها العدة بالقرآء فان طلاقها لا يتقيد بزمان دون زمان ومنها ما كان بجمع الثلاث اى ان يطلقها ثلاثا دفعة او فى طهر واحدة متفرقة ويقع الطلاق المخالف للسنة فى قول عامة الفقهاء وهو مسيئ بل آثم ولذا كان عمر رضى الله عنه لا يؤتى برجل طلق امرأته ثلاثا الا اوجعه ضربا وطلق رجل امرأته ثلاثا بين يديه عليه السلام فقال « اتلعبون بكتاب الله وانا بين اظهركم » اى مقيم بينكم وفيه اشارة الى ان ترك الأدب فى حضور الاكابر افحش ينبغى أن يصفع صاحبه اشد الصفع وقال الشافعى اللام فى لعدتهن متعلقة بطلقوهن لانها للتوقيت بمعنى عند أوفى فيكون المعنى فى الوقت الذى يصلح لعدتهن وهو الطهر وقال ابو حنيفة رحمه الله الطلاق فى الحيض ممنوع بالاجماع فلا يمكن جعلها للتوقيت فان قلت قوله اذا طلقتم النساء عام يتناول المدخول بهن وغير المدخول بهن من ذوات الاقرآء واليائسات والصغائر والحوامل فكيف صح تخصيصه بذوات الاقرآء المدخول بهن قلت لا عموم ثمة ولا خصوص ولكن النساء اسم جنس للاناث من الانس وهذه الجنسية معنى قائم فى كلهن وفى بعضهن فجاز أل يراد بالنساء هذا وذاك فلما قيل فطلقوهن لعدتهن علم انه اطلق على بعضهن وهن المدخول بهن من المعتدات بالحيض فان قلت الطلاق موقوف على النكاح سابقا او لاحقا والنكاح موقوف على الرضى من المنكوحة او من وليها فيلزم أن يكون الطلاق موقوفا على الرضى بالنكاح وهو واقع غير باطل لا موقوفا على الرضى نفسه الى هو الباطل الغير الواقع فتكفر .(15/380)
واعلم ان النكاح والطلاق امران شرعيان من الامور الشرعية العادية لهما حسن موقع وقبح موقع بحسب الاحوال والاوقات وقد طلق عليه السلام حفصة رضى الله عنه تطليقة واحدة رجعية كما سبق وكذا تزوج سودة بنت زمعة بمكة بعد موت خديجة رضى الله عنها وقبل العقد على عائشة رضى الله عنها ثم طلقها بالمدينة حين دخل عليها وهى تبكى على من قتل من اقاربها يوم بدر فاستشفعت الى النبى عليه السلام ووهبت يومها لعائشة فراجعها فان قلت كيف فعل رسول الله ذلك وقد قال « ابغض الحلال الى الله الطلاق » وقال عليه السلام « يا معاذ ما خلق الله شيأ على وجه الارض احب اليه من العتاق خلق الله شيأ ابغض اليه من الطلاق » وذلك لان النكاح يؤدى الى الوصال والطلاق يؤدى الى الفراق والله يحب الوصال ويبغض الفراض لا شمس ليوم الفراق ولا ا لليلة القطيعة .
رابعه عدويه كفته كه كفر طعم فراق دارد وايمان لذت وصال .
وقس عليه الانكار والاقراره وآن طعم واين لذت فرادى قيامت بديد آيدكه دران صحراى هببت وعرصه سياست قومى را كويند فراق لا وصال وقمى راكويند وصال لا نهاية له
سوختكان فراق همى كويند ... فراق او ززمانى هزار روز آرد
بلاى اوزشبى هم هزار سال كند ... افروختكان وصال همى كويند
سرابرده وصلت كشيد روزنواخت ... بطبل رحلت برزد فراق يار دوال
وفى الحديث « تزوجوا ولا تطلقوا فان الطلاق يهتز منه العرش » وعنه عليه السلام « لا تطلقوا النساء الا من ريبة فان الله لا يحب الذواقين والذواقات » وعنه عليه السلام « ايما امرأة سألت زوجها طلاقا فى غير ما باس فحرام عليها رآئحة الجنة » قلت يحتمل أن يكون فى ذلك حكمة لا نطلع عيلها بعد ان علمنا انه عليه السلام نبى حق لا يصدر منه ما هو خلاف الحق وقد دل الحديث الآخر ان النهى انما يكون عما لاوجه فيه وأن يكون لاظهار جواز الطلاق والرجعة منه كما وجهوا بذلك ما وقع من غلبة النوم عليه وعلى اصحابه ليلة التعريس الى أن طلعت الشمس وارتفعت بمقدار فان بذلك علم شرعية القضاء وأن يصلى بالجماعة وأن يصدر منه عليه السلام الاحاديث المذكورة بعد ما وقع قضية حفصة وسودة رضى الله عنهما وان يكون من قبيل ترك الاولى وقد جوزوا ذلك للانبياء عليهم السلام فان قلت لعل ما فعله اولى من وجه وان كان ما امر الله به اولى من وجه آخر قلت لا شك ان ما امر الله به كان ارجح وترك الارجح ترك الاولى هذا ولعل ارجحية المراجعة فى وقت لا تقتضى ارجحية ترك الطلاق على فعله فى وقت آخر لان فى كل وقت احتمال ارجحية امر الله اعلم .(15/381)
يقول الفقير امده الله القدير ان النبى عليه السلام كان قد حبب اليه النساء لما يحب فى النكاح من ذوق القربة والوصلة فالنكاح اشارة الى مقام الجمع الذى هو مقام الاولوية كما دل عليه قوله عليه السلام « أرحمنى يا بلال » والطلاق اشارة الى مقام الفرق الذى هو مقام النبوة كما دل قوله عليه السلام « كلمينى يا حميرآء » فالاول وصل الفصل والثانى فصل الوصل وان كان عليه السلام قد جمع بين الفصل والوصل والفرق والجمع فى مقام واحد وهو جمع الجمع كما دل عليه قوله تعالى ألم نشرح لك صدرك { واحصوا العدة } الاحصاء دانستن وشمردن برسبيل استقصاء . اى واضبطوها بحفظ الوقت الذى وقع فيه الطلاق واكملوها ثلاثة اقرآء كوامل لا نقصان فيهن اى ثلاث حيض كما عند الحنفية لان الغرض من العدة استبرآء الرحم وكماله بالحيض الثلاث لا بالاطهار كما يغسل الشئ ثلاث مرات لكمال الطهارة والمخاطب بالاحصاءهم الازواج لا الزوجات ولا المسلمون ولا يلزم تفكيك الضمائر ولكن الزوجات داخلة فيه بالالحاق وقال ابو الليث امرالرجال بحفظ العدة لان فى النساء غفلة فربما لا تحفظ عدتها واليه مال الشفى حيث قال وشمار كنيد اى مردان عدت زنانرا كه ايشان ازضبط عاجزند يا ازا حصاى آن غافل . فالزوج يحصى ليتمكن من تفريق الطلاق على الاقرآء اذا أراد أن يطلق ثلاثا فان ارسال الثلاث فى طهر واحد مكروه عن أبى حنيفة واصحابه وان كان لا بأس به عند الشافعى وأتباعه حيث قال لا اعرف فى عدد الطلاق سنة ولا بدعة وهو مباح وليعلم بقاء زمان الرجعة ليراجع ان حدثت له الرغبه فيها وليعلم زمان وجوب الانفاق عليه وانقضائه وليعلم انها هل تستحق عليه أن يسكنها فى البيت اوله أن يخرجها وليتمكن من الحاق نسب ولدها به وقطعه عنه قالوا وعلى الرجال فى بعض المواضع العدة ( منها انه اذا كان للرجل اربع نسة فطلق احداهن لا يحل له أن يتزووج بامرأة اخرى ما لم تنقض عدتها ومنها انه اذا كان له امرأة ولها اخت فطلق امرأته لا يحل له أن يتزوج باختها ما دامت فى العدة ) ومنها انه اذا اشترى جارية لا يحل له أن يقربها ما لم يستبرئها بحيضة ( ومنها انه ان تزوج حربية لا يحل له أن يقربها ما لم يتبرئها بحيضة ومنها انه اذا بلغ المرأة وفاة زوجها فاعتدت وتزوجت وولدت ثم جاء زوجها الاول فهى امرأته لانها كانت منكوحته ولم يعترض شئ من اسباب الفرقة فبقيت على النكاح السابق ولكن لا يقربها حتى تنقضى عدتها من النكاح الثانى ووجوب العدة لا يتوقف على صحة النكاح اذا وقع الدخول بل تجب العدة فى صورة النكاح الفاسد ايضا على تقدير الدخول ) ومنها انه اذا تزوج حربية مهاجرة الى دارا بأمان وتركت زوجها فى دار الحرب فلا تحل له ما لم يستبرئها بحيضة عند الامامين وقال ابو حنيفة لا يجب عليه العدة ( ومنها انه اذا تزوج امرأة حاملا لا يحل له ان يطأها حتى تضع الحمل ) ومنها انه اذا تزوج بامرأة وهى حائض لا يحل له ان يقربها حتى تتطهر من حيضها ومنها انه اذا تزوج بامرأة نفساء لا يحل له ان يقربها حتى تتطهر من نفساها ومنها انه اذا زنى بامرأة ثم تزوجها لا يحل له ان يقربها ما لم يستبرئها بحيضة { واتقوا الله ربكم } فى تطويل العدة عليهن والاضرار بهن بايقاع طلاق ثان بعد الرجعة فالامر بالتقوى متعلق بما قبله وفى وصفه تعالى بربوبيته لهم تأكيد للامر ومبالغة فى ايجاب الاتقاء والتقوى فى الاصل اتخاذ الوقاية وهى ما يقى الانسان مما يكرهه ويؤمل ان يحفظه ويحول بينه وبين ذلك المكروه كالترس ونحوه ثم استعير فى الشرع لاتخاذ ما يقى العبد بوعد الله ولطفه من قهره ويكون سببا لنجاته من المضار الدآئمة وحياته بالمنافع القائمة وللتقوى فضائل كثيرة ومن اتقى الله حق تقواه فى جميع المراتب كوشف بحقائق البيان فلا يقع له فى الاشياء شك ولا ريب { لا تخرجوهن } بيرون كنيد زنان مطلقه { من بيوتهن } من مساكنهن التى يسكنها قبل العدة اى لا تخرجوهن من مساكنكم عند الفراق الى ان تنقضى عدتهن وانما اضيفت اليهن مع انها لا زواجهن لتأكيد النهى ببيان كمال استحقاقهن لسكناها كأنها املاكهن وفى ذكر البيوت دون الدار اشارة الى ان اللازم على الزوج فى سكناهن ما تحصل المعيشة فيه لان الدار ما يشتمل البيوت { ولا يخرجن } ولو باذن منكم فان الاذن بالخروج فى حكم الاخراج ولا اثر عندنا لاتفاقهما على الانتقال لان وجوب ملازمة مسكن الفراق حق الشرع ولا يسقط باسقاط العبد كما قال فى الكشاف فان قلت ما معنى الاخراج وخروجهن قلت معنى الاخراج اى لا يخرجهن البعولة غضبا عليهن وكراهة لمساكنتهن او لحاجة لهم الى المساكن وان لا يأذنوا فهن فى الخروج اذا طلبن ذلك ايذانا بأن اذنهم لا اثر له فى دفع الحظر ولا يخرجن بأنفسهن ان اردن ذلك انتهى فان خرجت المعتدة لغير ضرورة او حاجة اثمت فان وقعت ضرورة بأن خافت هدما او حرقا لها ان تخرج الى منزل آخر وذكل ان كانت لها حاجة من بيع غزل او شرآء قطن فيجوز لها الخروج نهارا لا ليلا كما فى كشف الاسرار { الا ان يأتين بفاحشة مبينة } اى الزنى فيخرجن لاقامة الحد عليهن ثم يعدن وبالفارسية مكر بيارند كردار ناخوش كه روشن كننده حالزنان بود دربد كردارى .(15/382)
وقال بعضهم مبينة هنا بالكسر لازم بمعنى بين متبينة كمين من الابانة بمعنى بين والفاحشة ما عظم قبحه من الافعال والاقوال وهو الزنى فى هذا المقام وقيل البذآء بالمد وهو القول القبيح واطالة اللسان فانه فى حكم النشور فى اسقاط حقهن فالمعنى الا ان يبذون على الازواج واقاربهم كالأب والأخ فيحل حينئذ اخراجهن وعن ابن عباس رضى الله عنهما هو كل معصية وهو استثناء من الاول اى لا تخرجوهن فى حال من الاحوا لالا حال كونهن آتيان بفاحشة او من الثانى للمبالغة فى النهى عن الخروج ببيان ان خروجها فاحشة اى لا يخرجن الا اذا ارتكبن الفاحشة بالخروج يعنى ان من خرجت اتت بفاحشة كما يقال لا تكذب لا ان تكون فاسقا يعنى ان تكذب تكن فاسقا { وتلك } الاحكام { حدود الله } الى عينها لعباده والحد الحاجز بين الشيئين الذى يمنع اختلاط احدهما بالآخر { ومن يتعد } اصله يتعدى فحذفت اللام بمن الشرطية وهو من التعدى المتعدى بمعنى التجاوز أى ومن يتجاوز { حدود الله } حدوده المذكورة بأن أخل بشئ منها على ان الاظهار فى حيز الاضمار لتهويل امر التعدى والاشعار بعلية الحكم فى قوله تعالى { فقد ظلم نفسه } اى اضربها قال البقلى قدس سره ان الله حد الحدود بأوامره ونواهيه لنجاة سلاكها فاذا تجاوزوا عن حدوده يسقطون عن طريق الحق ويضلون فى ظلمات البعد وهذا اعظم الظلم على النفوس اذ منعوها من وصولها الى الدرجات والقبى قال بعضهم التهاون بالامر من قلة المعرفة بالآمر فلا بد من الخوف او الرجاء او الحياء او العصمة فى علم الله فهى اسباب اربعة لا خامس لها حافظة من الوقوع فيما لا ينبغى فمن ليس له واحد من هذه الاسباب وقد وقع فى المعصية وظلم النفس فالكامل يعطى نفسه حقها ظاهرا وباطنا ولا يظلمها ( حكى ) ان معروف الكرخى قدس سره رأى جارية من الحور العين فقال لمن انت يا جارية فقالت لمن لا يشرب الماء المبرد فى الكيزان وكان قد برد له كوز ماء لشريه فتناولت الحورآء الكوز فضربت به الارض فكسرته قال السرى السقطى رحمه الله ولقد رأيت قطعه فى الارض لم ترفع حتى عفا عليها التراب فكانت الحورآء لمعروف حين امتنع من شرب الماء المبرد وكانت جزآء له فى اعطائه نفسه حقها فان فى جسده من يطلب ضد الجارية ونحوها فلا بد من اعطاء كل ذى حق حقه { لا تدرىؤ تعليل لمضمون الشرطية اى فانك ايها المتعدى لا تدرى عاقبة الامر وقال بعضهم لا تدرى نفس { لعل الله } شايد خدى تعالى { يحدث } يوجد فى قلبك فان القلوب بين اصبعين من اصابع الله يقلبها كيف يشاء والحدوث كون الشئ بعد ان لم يكن عرضا كان ذلك او جوهرا او احداثه ايجاده { بعد ذلك } الذى فعلت من التعدى { امرا } يقتضى خلاف ما فعلته فيبدل ببغضها محبة وبالاعراض عنها اقبالا اليها ولا يتسنى تلافيه برجعة او استئناف نكاح فالامر الذى يحدث الله تعالى ان يقلب قلبه عما فعله بالتعدى الى خلافه فالظلم عبارة عن ضرر دنيوى يلحقه بسبب تعديه ولا يمكن تداركه او عن مطلق الضرر الشامل للدنيوى والاخروى ويخص التعليل بالدنيوى ليكون احتراز الناس منه اشد واهتمامهم بدفعه اقوى وفى الآية دلالة على كراهة التطليق ثلاثة بمرة واحدة لان احداث الرجعة لا يكون بعد الثلاث ففى الثلاث عون للشيطان وفى تركها رغم له فان الطلاق من اهم مقاصده كما روى مسلم من حديث جابر رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(15/383)
« ان عرش ابليس على البحر فيبعث سراياه » اى جنوده واعوانه من الشياطين « فيفتنون الناس فاظمهم عنده الاعظم فتنة يجيئ احدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيأ ثم يجيئ احدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته فيدينه منه ويقول نعم انت اى نعم المضل او الشرير » انت فيكون نعم بكسر النون فعل مدح حذفا لمخصوص به او نعم انت ذاك الذى يستحق الاكرام فيكون بفتح النون حرف ايجاب .(15/384)
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)
{ فاذا بلغن } بس جون برسدزنان { اجلهن } اى شارفن آخر عدتهن وهى مضى ثلاث حيض ولو لم تغتسل من الحيضة الثالثة وذلك لانه لا يمكن الرجعة بعد بلوغهن آخر العدة فحمل البلوغ على المشارفة كما قال فى المفردات البلوغ والبلاغ الانتهاء الى اقصى القصد والمبتغى مكانا كان او زمانا او أمرا من الامور المقدرة وربما يعبر به عن المشارفة عليه وان لم ينته اليه مثل فاذا بلغن الخ فانه للمشارفة فانها اذا انتهت الى اقصى الاجل لا يصح للزوج مراجعتها وامساكها والاجل المدة المضروبة للشئ { فأمسكوهن } اى فأنتم بالخيار فان شئتم فراجعوهن والرجعة عند ابى حنيفة تحصل بالقول وكذا بالوطئ واللمس والنظر الى الفرج بشهودة فيهما { بمعروف } بحسن معاشرة وانفاق لائق وفى الحديث « اكمل المؤمنين احسنهم حلقا وألطفهم بأهله » « او فارقوهن » يا جدا شويد از ايشان وبكذاريد { بمعروف } بايفاء الحق واتقاء الضرار بأن يراجعها ثم يطلقها تطويلا للعدة { وأشهدوا } كواه كيريد .
اى عند الرجعة والفرقة قطعا للتنازع اذ قد تنكر المرأة بعد انقضاء العدة رجعته فيما وربما يموت احدهما بعد الفرقة فيدعى الباقى منهما ثبوت الزوجية لاخذ الميراث وهذا امر ندب لا وجوب { ذوى عدل } تثنية ذا منصوب ذو بمعنى الصاحب اى أشهدوا اثنين رمنكمؤ اى من المسلمين كما قال الحسن او من احراركم كما قاله قتادة يكونان عادلين لا ظالمين ولا فاسقين والعدالة هى الاجتناب عن الكبائر كلها وعدم الاصرار على الصغائر وغلبة الحسنات على السيئات والالمام من غير اصرار لا يقدح فى العدالة اذ لا يوجد من البشر من هو معصوم سوى الانبياء عليهم السلام كذا فى الفروع { واقيموا الشهادة } ايها الشهود عند الحاجة خالصة { لله } تعالى وذلك ان يقيموها للمشهود له وعليه الغراض من الاغراض سوى اقامة الحق ودفع الظلم فلو شهد لغرض لا لله برئ بها من وبال كتم الشهادة لكن لا يثاب عليها لان الاعمال بالنبيات والحاصل ان الشهادة امانة فلا بد من تأدية الامانة كما قال تعالى ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات الى اهلها فلو كتمها فقد خان والخيانة من الكبائر دل عليه قوله تعالى ومن يكتمها فانه آثم قلبه { ذلكم } اشارة الى الحث على الشهادة والاقامة او على جميع ما فى الآية من ايقاع الطلاق على وجه السنة واحصاء العدة والكف عن الاخراج والخروج والاشهاد واقامة الشهادة بادآئها على وجهها من غير تبديل وتغيير { يوعظ به } الوعظ زجر يقترن بتخويف { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر } اذ هو المنتفع به والمقصود تذكيره ولم يقل ذلكم توعظون به كما فى سورة المجادلة لتهييج المؤمنين على الغيرة فان من لا غيرة له لا دين له ومن مقتضى الايمان بالله مراعاة حقوق المعبودية والربوبية وباليوم الآخر الخوف من الحساب والعذب والرجاء للفضل والثواب فالمؤمن بهما يستحيى من الخالق والخلق فلا يترك العمل بما وعظ به ودلت الآية على ان للانسان يومين اليوم الاول هو يوم الدنيا واليوم الآخر هو يوم الآخرة واليوم عرفا زمان طلوع الشمس الى غروبها وشرعا زمان طلوع الفجر الثانى الى غروب الشمس وهذان المعنيان ليسا بمرادين هنا وهو ظاهر فيكون المراد مطلق الزمان ليلا او نهارا طويلا كان او قصيرا وذلك الزمان اما محدود وهو زمان الدنيا المراد باليوم الاول او غير محدود وهو زمان الآخرة المراد باليوم الآخر الذى لا آخر له لتأخيره عن يوم الدنيا وجوزوا ان يكون المراد من اليوم الآخر ما يكون محدود ايضا من وقت النشور الى ان يستقر الفريقان مقرهما من الجنة والنار فعلى هذا يمكن ان يكونا مستعارين من اليومين المحدودين بالطلوع والغروب اللذين بينهما زمان نوم ورقدة ويراد بما بين ذينك الزمانين زمان القرار فى القبول قبل النشور كما قال تعالى حكاية من بعثنا من مرقدنا وعلى هذا يقال ليوم الآخرة عند كما مر فى اواخر سورة الحشر قال بعض الكبارعلمك باليقظة بعد النوم وعلمك بالبعث بعد الموت والبرزخ واحد غير ان للبرزخ بالجسم تعلقا فى النوم لا يكون بالموت وكما تستيقظ على ما نمت عليه كذلك تبعث على ما مت عليه فهو امر مستقر فالعاقل يسعى فى اليوم المنقطع اليوم لا ينقطع ويحيى على الايمان والعمل ليكون موته ونشره عليهما { ومن يتق الله } فى طلاق البدعة فطلق للسنة ولم يضار المعتدة ولم يخرجها من مسكنها واحتاط فى الاشهاد وغيره من الامور { يجعل له مخرجا } مصدر ميمى اى خروجا وخلاصا مما عسى يقع فى شأن الازواج من الغموم والوقوع فى المضايق ويفرج عنه ما يعتريه من الكروب وبالفارسية بيرون شدن .(15/385)
وقال بعضهم هو عام اى ومن يتق الله فى كل ما يأتى وما يذر يجعل له خروجا من كل ضيق يشوش البال ويكدر الحال وخلاصا من غموم الدنيا والآخرة فيندرج فيه ما نحن فيه اندراجا وليا وعن النبى عليه السلام انه قرأها فقال « مخرجا من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت ومن شدآئد يوم القيامة » وفى الجلالين « من الشدة الى الرخاء ومن الحرام الى الحلال ومن النار الى الجنة » او اسم مكان بمعنى يخرجه الى مكان يستريح فيه وفى فتح الرحمن يجعل له مخرجا الى الرجعة وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه سئل عمن طلق امرأته ثلاثا او ألفا هل له من مخرج فقال لم يتق الله فلم يجعل له مخرجا بانت منه بثلاث والزيادة اثم فى عنقه ويقال المخرج على وجهين احدهما ان يخرجه من تلك الشدة والثانى ان يكرمه بالرضى والصبر فانه من قبيل العافية ايضا كما قال عليه السلام(15/386)
« واسأل الله العافية من كل بلية » فالعافية على وجهين احدهما ان يسأله أن يعافيه من كل شئ فيه شدة فان الشدة انما يحل اكثرها من اجل الذنوب فكأنه سأل ان يعافيه من البلاء ويعفو عنه الذنوب التى من اجلها تخل الشدة بالنفس والثانى انه اذا حل بلاء ان لا يكله الى نفسه ولا يخذله وان يكلأه ويرعاه وفى هذه المرتبة يصبر البلاء ولاء والمحنة منحة والمقت مقة والألم لذة والصبر شكرا ولا يتحقق بها الا الكمل .(15/387)
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)
{ ويزرقه } بعد ذلك الجعل { من حيث لا يحتسب } من ابتدآئيه متعلقة بيرزقه اى من وجه لا يخطره بباله ولا يحتسبه فيوفى المهر ويؤدى الحقوق ويعطى النفقات قال فى عين المعانى من حيث لا يرتقب من الخاون او يعتد من الحساب
از سببها بكذر وتقوى طلب ... تاخدا روزى رساند بى سبب
حق رجابى بحشدت رزق حلال ... كه نباشد در كمان ودر خيال
وقال عليه السلم « انى لاعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم ومن يتق الله » فما زال يقرأها ويعيدها وعنه عليه السلام من اكثر الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب ( وروى ) ان عوف بن مالك الاشجعى رحمه الله اسر المشركون انه سالما فأتى رسول الله فقال اسر ابنى وشكا اليه الفاقة فقال عليه السلام اتق الله واكثر لا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم ففعل فبينما هو فى بيته اذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الابل غفل عنها العدو فاستقاها فنزلت ( وقال الكاشفى ) عوف بازن خود بقول حضرت عليه السلام عم نمودند ابدك فرصتى رابسر عوف ازاهل شرك خلاص يافته وجهار هزار كوسفند ايشانرا رانده بسلامت بمدينه آمد واين آيت نزل شدكه هركه تقوى ورزد روزى حلال يابد .
وفى عين المعانى فأفلت ابنه بأربعة آلاف شاة وبالامتعة وفى الجلالين واصاب ابلا لهم وغنما فساقها الى ابيه .
آورده اندكه درروز كار خلافت عمر رضى الله عنه مردى بيامد وازعمر توليت عمل خواست تادر ديوان خلافت عاملباشد عمر كفت قرآن دانى كفت ندانم كه نيا موخته ام عمر كفت ما عمل بكسى ندهيم كه قرآن نداند مردباز كشت وجهدى وربح عظيم برخود نهاد در تعلم قرآن بطمع آنكه عمر اورا عمل دهد جون قرآن بيا موخت ويدد كرفت بركات قرآن وخواندن ودانستن اورا بدان جاى رسانيدكه دردل وى نه حرص ولايت ماندنه تقاضاى دبدار عمر بس روزى عمر اورا ديد كفت يا هذا هجرتنا اى جوانمرد جه افتاد كه بيكبار كى هجرت ما اختيار كردى كفت يا امير المؤمنين نونه اران مردان باشى كه كسى وادارد كه هجرت تواخيار كند ليكن قرآنبياموختم وجنان توانكردل كشتم كه از خلق واز عمل بى نياز شدم عمر كفت آن كدام آيت است كه ترابدن دركاه بى نيازى دركشيد كفت آن آيت كه درسورة الطلاق است { ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب } وعلم ان كل واحد من الضيق والرزق يكون دنيويا واخرويا جسمانيا وروحانيا وان أعسر الضيق ما يكون اخرويا واوفر الرزق ما يكون روحانيا فمن يتق الله حق التقوى يجعل له مخرجا من مضار الدارين ويرزقه من منافعهما فان قيل أن أتقى الاتقياء هم الانبياء والاولياء مع ان اكثرهم ابتلى بالمشقة الشديدة والفاقة المديدة كما قال عليه السلام(15/388)
« اشد الناس بلاء الانبياء والاولياء ثم الامثل فالامثل » اجيب بأن اشد الشدة وامد المدة ما يكون خرويا وهم مأمونون من ذلك بلطف الله وكرمه الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون واما ما ما اصابهم فى الدنيا باختيارهم للأجر الجليل وبغير اختبار للصبر الجميل فله غاية حميدة ومنفعة عظيمة والله عليم حكيم بفعل ما يشاء ويحكم ما يريد قال بعضهم شكا اليه عيله السلام بعض الصحابة الفاقة فقول عليه السلام « دم على الطهارة يوسع عليك الرزق » فقال كم من مستديم للطهارة لا رتب له كفايته فضلا عن أن يوسع عليه ويوحه بأن تخلف الأ كالتوسيع مثل لمانع لا ينافى الاقتضاء اى اقتضاء العلة لمعلولها واثرها اما عند القائلين بتخصيص العلة فظاهر واما عند غيرهم فيجعل عدم المانع جزء العلة ومن المانع الغفلة وغلبة بعض الجنايات وعند غلبة احد الضدين لا يبقى للآخر تأثير .
يقول الفقير والذى يقع فى قلبى ان اصحاب الطهارة الدآئمة مرزوقون بأنواع ارزق المعنوى والغذآه الروحانى من العلوم والمعارف والحكم والحقائق والتضييق لبعضهم فى الرزق الصورى والغذآء الجسمانى انما هو لتطبيق الفقر الظاهر بالباطن والفقر الباطن هو الغنى المطلق لقوله عليه السلام اللهم أغنى بالافتقار اليك فأصحاب الطهارة الدآئمة مرزوقون ابدا اما ظاهرا وباطنا معا واما باطنا فقط على ان لاهلها مراتب من حيث البداية والنهاية ولن ترى من اهل النهاية محروما من الرزق مطلقا الا نادرا والله الغنى وفى التأويلات النجمية ومن يتق الله اى يجعل ذاته الملطقة جنة ذاته وصفاته وافعاله تعالى جنة افعاله باضافة الاشياء كلها خلقا وايجادا الى ذاته وصفاته وافعاله يجعل له مخرجا من مضايق ذاته وصفاته وافعاله الى وسائع ذاته وصفاته وافعاله ويرزقه من حيث لا يحتسب من فيض اسمه الوهاب على طريق الوهب لا على طريق الكسب والاجتهاد { ومن يتوكل على الله } التوكل سكون القلب فى كل موجود ومفقود وقطع القلب عن كل علاقة والتعلق بالله فى جميع الاحوال { فهو } اى الله تعالى { حسبه } بمعنى محسب اى كاف يعنى كافى المتوكل فى جميع اموره ومعطيه حتى يقول حسبى فان قلت اذا كان حكم الله فى الرزق لا يتغير فما معنى التوكل قلت معناه ان المتوكل يكون فارغ القلب ساكن الجاش غير كاره لحكم الله فلهذا كان التوكل محمدوا قال عليه السلام « لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا »(15/389)
ومعناه تذهب اول النهار خماصا اى ضامرة البطون من الجوع وترجع آخر النهار بطانا اى ممتلئة البطون وليس فى الحديث دلالة على القعود على الكسب بل فيه ما يدل على طلب الرزق وهو قوله تغدو تروح وانما التوكل بعد الحركة فى امر المعاش كتوكل الزارع بعد القاء الحب فى الارض وكان السلف يقولون اتجرون واكتسبو فانكم فى زمان اذا احتاج احدكم كان اول ما يأكل دينه وربما رأوا رجلا فى جماعة جنازة فقالوا له اذهب الى دكانك ( وفى المثنوى )
كر توكل ميكنى دركاركن ... كشت كن بس تكيه بر جباركن
رزمز الكاسب حبيب الله شنو ... از توكل درسبب كاهل مشو
واما الذين قعدوا عن الحركة والكسب وهم الكمل فطريقتهم صعبة لا يسلكها كل ضامر فى الدين ودل الحديث المذكور على ان التوكل الحقيقى ان لا يرجع المتوكل الى رزق معين وغذآء موظف كالطير حتى لا ينتقض التوكل اللهم الا ان يكون من الكمل فان المعين وغيره سوآء عنده لتعلق قلوبهم بالله لا بغيره وفى التأويلات النجمية ومن يتوكل فى رزق نفسه من الاحكام الشرعية وفى رزق قلبه من الواردات القلبية وفى رزق روحه من العطايا والمنح الالهية الروحانية فالله الاسم الاعظم حسبه من حيث الاسماء الكافية او التوكل نفسه حسبه فيكون الضمير راجعا الى التوكل { ان الله بالغ امره } بالاضافة اى منفذ امره ومتم مراده وممضى قضائه فى خلقه فيمن توكل عليه وفيمن لم يتوكل عليه الا ان من توكل عليه يكفر عنه شيئاته ويعظم له اجرا وفى التأويلات النجمية ان الله بالغ امره فى كل مأمور بما هو منتهاه واقصاه وقرئ بتنوين بالغ ونصب امره اى يبلغ ما يريد ولا يفوته مراد ولا يعجزه مطلوب ( كما قال الكاشفى ) رساننده است كار خودرا بهر جاخواهد يعنى آنجه مراد حق سبحانه باشد از وفوت نشود .
وقرئ بالغ امره على الفاعلية اى نافذ امره وفى القاموس امر الله بلغ اى بالغ نافذ يبلغ اين اريد به { قد جعل الله لكل شئ } من الشدة والرخاء والفقر والغنى والموت والحياة ونحو ذلك { قدرا } اى تقديرا متعلقا بنفس ذاته وبزمانه وقومه وبجميع كيفياته واوصافه وانه بالغ ذلك المقدر على حب ما قدره وبالفارسية اندازه كه ازان درنكذرداو .
مقدارا وحدا معينا او وقتا واجلا ونهاية ينتهى اليه لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه ولا يتأتى تغييره يعنى بامقدارى از زمانكه بيش وبس نيقتد وفى التأويلات النجمية اى رتبة وكما لا يليق بذلك الشئ وقال القاشانى ومن يتوكل على الله بقطع النظر عن الوسائط والانقطاع اليه من الوسائل فهو كافيه يوصل اليه ما قدر له ويسوق اليه ما قسم لاجله من انصبة الدنيا والآخرة ان الله يبلغ ما أراد من امره لا مانع له ولا عائق فمن تيقن ذلك ما خاف احدا ولا رجا وفوض امره اليه ونجا قد عين الله لكل امر حدا معينا ووقتا معينا فى الازل لا يزيد بسعى ساع ولا ينتقص بمنع مانع وتقصير مقصر ولا يتأخر عن وقته ولا يتقدم عليه والمتيقن لهذا الشاهد له متوكل بالحقيقة انتهى وفى المفردات تقدير الله الاشياء على وجهين احدهما باعطاء القدرة والثانى أن يجعلها علىت مقدار مخصوص ووجه مخصوص حسبما اقتضت الحكمة وذلك ان فعل الله ضربان ضرب اوجده بالفعل ومعنى ايجاده بالفعل انه ابدعه كاملا دفعة لا يعتريه الكون والفساد الى ان يشاء ان يغنيه او يبدله كالسموات وما فى فيها ومنه ما جعل اصوله موجودة بالفعل واجزائه بالقوة وقدره على وجه لا يتأتى غير ما قدر فيه كتقديره فى النواة ان ينبت منها النخل دون التفاح والزيتون وتقدير منى الآدمى ان يكون منه الانسان دون سائر الحيوان فتقدير الله على وجهين احدهما بالحكم منه ان يكون كذا ولا يكون كذا اما على سبيل الوجوب واما على سبيل الامكان وعلى ذلك قوله تعالى قد جعل الله لك شئ قدرا والثانى باعطاء القدرة عليه انتهى والآية بيان لوجوب التوكل عليه وتفويض الامر اليه لانه اذا علم ان كل شئ من الرزق وغيره لا يكون الا بتقدير الله وتوقيته لا يبقى الا التسليم للقدر والتوكل ( قال الكاشفى ) بناى اين آيت برتقوى وتوكلست تقوى نفحه بوستان قربست واز رتبه معيت خبر دهدكه ان الله مع الذين اتقوا وتوكل رائحه كلزار كفايتست واز بوى ريحان محبت رسدكه ان الله يحب المتوكلين وبى اين دوصفت قدم در طريق تحقيق نتوان نهاد(15/390)
سلوك راه معنى راتوكل بايد وتقوى ... توكل مركب راهست وتقوى توشه رهرو
قال سهل قدس سره لا يصح التوكل الا للمتقين ولا تتم التقوى الا بالتوكل ولذلك قرن الله بينهما فقال ومن يتق الله الخ وقال بعضهم من تحقق فى التقوى هون الله على قلبه الاعراض عن الدنيا ويسر له امره فى الاقبال عليه والتزين بخدمته وجعله اماما لخلقه يقتدى به اهل الاراداة فيحملهم على اوضح السنن واوضح المناهج وهو الاعراض عن الدجنيا والاقبال على الله تعالى وذلك منزلة المتقين وقال سهل رحمه الله من يكل اموره الى ربه فان الله يكفيه هم الدارين اجمع قال الربيع رحمه الله ان الله قضى على نفسه ان من توكل عليه كفاه ومن آمن به هداه ومن اقرضه جازاه ومن وثق به انجاه ومن دعاه اتاه وتصديق ذلك فى كتاب الله ونمن يتوكل على الله فهو حسبه ومن يؤمن بالله يهد قلبه من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له ومن يعتصم بالله فقد هدى الى صراط مستقيم أجيب دعوة الداعى اذا دعان .(15/391)
وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)
{ واللائى } من الموصولات جمع التى يعنى آن زنان كه { يئسن من المحيض من نسائكم } اللاتى دخلتم بهن لكبرهن ويبسهن وقدروه بستين سنة وبخمس وخمسين فلو رأته بعد ذلك لا يكون حيضا قوله يئسن فعل ماض واليأس القنوط ضد الرجاء يقال يئس من مراده ييأس يأسا وفى معناه أيس يأيس يأسا واياسا لا ايساً وفاعلهما آيس لا يائس يقال امرأة آيس اذا كان يأسها من الحيض دون آيسة لان التاء انما زيدت فى المؤنث اذا استعلمت الكلمة للمذكر ايضا فرقا بينهما واذا لم تستعمل له فأى حاجة الى الزيادة ومن ذلك يقال امرأة حائض وطالق وحامل بلا تاء اذا كان حملها من الولد واما اذا كان يأسها وحملها من غير الحيض وحمل الولد يقال آيسة وحاملة وفى المغرب اليأس انقطاع الرجاء واما الا ياس فى مصدر الآيسة من الحيض فهو فى الاصل ايئاس على افعال حذفت منه الهمزة التى هى عين الكلمة تخفيفا والمحيض الحيض وهو فى اللغة مصدر حاضت الانثى فهى حائض وحائضة اى خرج الدم من قبلها ويكون للأرنب والضبع والخفاش كام ذكره الحاحظ وفى القاموس حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا ومحاضا فهى حائض وحائضا من حوآئض وحيض سال دمها والمحيض اسم ومصدر قيل ومنه الحوض لان الماء يسيل اليه والحيضة المرة انتهى وفى الشرع دم ينفضه رحم امرأة بالغة لاداء بها ولا اياس لها اى يجعلها الشارع منقطعة الرجاء عن رؤية الدم ومن الاولى لابتدآء الغاية ومتعلقة بالفعل قبلها والثانية للتبيين ومتعلقة بمحذوف { ان ارتبتم } من الارتياب بالفارسية بشك شدن .
اى شككتم واشكل عليكم حكمهن لانقطاع دمهن بكبر السن وجهلتم كيف عدتهن { فعدتهن ثلاثة اشهر } فقوله واللائى يئسن الخ مبتدأ خبره فعدتهن وقوله ان ارتبتم اعتراض وجواب الشرط محذوف اى ارتبتم فيه فاعلموا انها ثلاثة أشهر كذا قالوا والأشهر جمع شهر وهو مدة معروفة مشهورة باهلال الهلالك او باعتبار جزء من اثنى عشر جزأ من دوران الشمس من نقطة الى تلك النقطة قال فى القاموس الشهر العدد المعروف من الايام لانه يشهر بالقمر { واللآئى } وآن زنان كه { لم يحضن } اى ما رأين الدم لصغرهن اى فعدتهن ايضا كذلك فحذف ثقة بدلالة ما قبله عليه والشابة التى كانت تحيض فارتفع حيضها بعذر من الاعذار قبل بلوغها سن الآيسات فعند أبى حنيفة والشافعى لا تنقضى عدتها حتى يعادوها الدم فتعتد بثلاثة اقرآء او تبلغ سن الآيسات فتعتد بثلاثة اشهر وضع السجاوندى الطاء الدالة على الوقف الملطق على وضعه وقانونه فى لم يحضن لانقطاعه عما بعده وكان الظاهر أن يضع الميم الدالة على اللازم لان المتبادر الاتصال الموهم معنى فاسدا العله نظر الى ظهور عدم حمل التى لم تحض لغصرها { وأولات الاحمال } واحدتها ذات بمعنى صاحبة والاحمال جمع حمل بالفتح بالفارسية بار .(15/392)
والمراد الحبل الى الثقل المحمول فى الباطن وهو الولد فى البطن والمعنى وذوات الاحمال من النساء والحبالى منهن { اجلهن } اى منتهى عدتهن { أن يضعن حملهن } سوآء كن مطلقات او متوفى عنهن ازواجهن فلو وضعت المرأة حملها اى ولدت وحطت ما فى بطنها يعنى ازبالا بزير آورد .
بعد طلاق الزوج او وفاته بلحظة انقضت عدتها وحلت للازواج فكيف بعد ساعة او يوم او شهر وقد نسخ به عموم قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا يتربصن بأنفسهن اربعة اشهر وعشرا لتراخى نزوله عن ذلك وقد صح ان سبيعة بنت الحارث الاسلمية ولدت بعد وفاة زوجها بليال فذكرت ذلك لرسول الله عليه السلام فقال « قد حللت فتزوجى » { ومن يتق الله } فى شأن الحكامه وحقوق { يجعل له من امره يسرا } اى يسهل عليه امره ويوفقه للخير ويعصمه من لمعاصى والشر بسبب التقوى فمن للبيان قدم على المبين للفواصل او بمعنى فى(15/393)
ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5)
{ ذلك } المذكور من الاحكام وافراد الكاف مع ان الخطاب للجمع كما يفصح عنه ما بعده لما انها لمجرد الفرق بين الحاضر والمنقضى لا للتعيين خصوصية المخاطبين { امر الله } حكمه الشرعى { انزله } من اللوح المحفوظ { اليكم } الى جانبكم وقال ابو الليث انزله فى القرآن على نبيكم لتستعدوا للعمل به فاياكم ومخالفته { ومن يتق الله } بالمحافظة على احكامه { يكفر عنه سيئاته } يسترها لرضاه عنه باتقانه وبالفارسية بيوشد خدى تعالى از وبديهاى ويرا .
وربما يبدلها حسنات { ويعظم له اجرا } بالمضاعفة وبالفارسية وبزرك ساز دبراى او مزدرا يعنى اورامزد زياده دهدر آخر .
قال بعضهم يعطيه اجرا عظيما اى اجر كان ولذلك نكر فالتنكير للتعميم المنبئ عن التتميم قال فى برهان القرآن امر بالتقوى فى احكام الطلاق ثلاث مرات وعد فى كل مرة نوعا من الجزآء فقال اولا يجعل له مخرجا يخرجه مما دخل فيه وهو يكرهه ويهيئ له محبوبه من حيث لا يأمل وقال فى الثانى يسهل عليه الصعب من امره ويفتح له خيرا من طلقها والثالث وعد عليه الجزآء بأفضل الجزآء وهو ما يكون فى الآخرة من النعماء .(15/394)
أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)
{ أسكنوهن من حيث سكنتم } استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ مما قبله من الحث على التقوى كانه قيل كيف نعمل بالتقوى فى شان المعتدات فقيل اسكنوهن من حيث سكنتم اى بعض مكان سكناكم والخطاب للمؤمنين المطلقين { من وجدكم } اى من وسعكم اى مما تطيقونه يعنى مسكن ايان بقدر طاقت وتواناى خويش سازيد والوجد القدرة والغنى يقال افتقر فلان بعد وجده وهو عطف بيان لقوله من حيث سكنتم وتفسير له وفى عين المعانى ومن لتبيين الجنس لما فى حيث من الابهام انتهى واعترض عليه ابو حيان بأنه لم يعهد فى عطف البيان اعادة العامل انما عهد ذلك فى البدل فالوجه جعله بدلا قال قتادة ان لم يكن الا بيت واحد اسكنها فى بعض جوانبه قال صاحب اللباب ان كانت الدار التى طلبها فيها ملكه يجيب عليهأن يخرج منها ويترك الدار لها مدة عدتها وان كانت باجرة فعليه الاجرة وان كانت عارية فرجع المعير فعليه ان يكترى لها دارا تسكنها قال فى كشف الاسرار واما المعتدة من وطئ الشبهة والمفسوخ نكاحها بعيب او خيار عتق فلا سكنى لها ولا نفقة وان كانت حاملا { ولا تضاروهن } اى ولا تقصدوا عليهن الضرر فى السكنى بأى وجه كان فان المفاعلة قد لا تكون للمشاركة وبالفارسية ورنج مرسانيد مطلقات را { لتضيقوا عليهن } فى المسكن ببعض الاسباب من انزال من لا يوافقهن او يشغل مكانهن او غير ذلك وتلجئوهن الى الخروج وبالفارسية براى آنكه تنك كردانيد برايشان مساكن ايشان .
وفيه حث المروءة والمرحمة ودلالة على رعاية الحق السابق حتى يتيسر لها لاتدارك فى امر المعيشة من تزوج آخر أو غيره { وان كن } اى المطلقات { اولات حمل } ذوات حبل وبالفارسية خدواندبار .
يعنى حاملة واولات منسوب بالكسر على قانون جمع المؤنث وتنوين حمل للتعميم يعنى اى حمل كان قريب الوضع او بعيده { فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } فيخرجن من العدة وتتخلصوا من كلفة الاحصاء ويحل لهن زوج غيركم ايا شئن فالبائن بالطلاق اذا كانت حاملا لها النفقة والسكنى بالانفاق واما البائن الحائل اى غير الحامل فتستحق النفقة والسكنى عند أبى حنيفة كالحامل الى أن تنقضى عدتها بالحيض او بالاشهر خلافا للثلاثة واما المتوفى عنهن ازواجهن فلا نفقة لهن من التركة ولا سكنى بل تعتد حيث تشاء وان كن اولات حمل لوقوع الاجماع على ان من اجبر الرجل على النفقة عليه من امرأة او ولد صغير لا يجب أن ينفق عليه من ماله بعد موته فكذا المتوفى عنها الحامل وهو قول الاكثرين قال ابو حنيفة تجب النفقة والسكنى لكل مطلقة سوآء كانت مطلقة بثلاث او واحدة رجعية او بائنة ما دامت على العدة اما المطلقة الرجعية فلانها منكوحة كما كانت وانما يزول النكاح بمضى العدة وكونه فى معرض الزوال بمضى العدة لا يسقط نفقتها كما لو آلى وعلق طلاقها بمضى شهر فالمطلقة الرجعية لها النقة والسكنى بالاجماع واما المبتوتة فعندنا لها النفقة والسكنى ما دامت فى العدة لقوله تعالى اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم اذا المعنى اسكنوا المعتدات مكانا من المواتضع التى تسكنونها وأنفقوا عليهن فى العدة من سعتكم لما قرأ ابن مسعود رضى الله عنه اسكنوهن من حيث سكنتم وأنفقوا عليهن من وجدكم وعند الشافى علها السكنى لهذه الآية ولا نفقة لها الا أن تكون حاملا لقوله تعالى وان كن اولات حمل الخ فان قلت فاذا كانت كل مطلقة عندكم يجب لها النفقة فما فائدة الشرط فى قوله وان كن اولات حمل الخ قلت فائدته ان مدة الحمل ربما طالبت فظن ظان ان النفقة تسقط اذا مضى مقدار عدة الحامل فنفى ذلك الوهم كما فى الكشاف { فان أرضعن لكم } الرضاع لغة شرب اللبن من الضرع او الثدى وشريعة شرب الطف حقيقة او حكما لللبن خالص او مختلفط غالبا من آدمية فى وقت مخصوص والارضاع شيردادن يعنى هؤلاء المطلقات ان ارضعن لكم ولدا من غيرهن او منهن بعد انقطاع عصمة الزوجية وعلاقة النكاح قال لكم ولم يقل اولادكم لما قال تعالى والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة فالاب يجب عليه ارضاع الولد دون الام وعليه أن يتخذ له ظئزالا اذا تطوعت الام بارضاعه وهى مندوبة الى ذلك ولا تجبر عليه ولا يجوز استئجار الام عند أبى حنيفة رحمه الله ما دامت زوجة معتدة من نكاح { فآتوهن اجورهن } على الارضاع ان طلبن او رجون فان حكمهن فى ذلك حكم الاظئآر حينئذ قال فى اللباب فان طلقها فلا يجب عليها الارضاع الا أن لا يقبل الولد ثدى غيرها فيلزمها حينئذ فان اختلفا فى الاجر فان دعت الى اجرة المثل وامتنع الأب الا تبرعا فالام اولى بأجر المثل اذ لا يجد الأب متبرعة وان دعا الأب على اجر المثل وامتنعت الام لتطلب شططا فالأب اولى به فان اعسر الأب بأجرتها اجبرت على ارضاع ولدها انتهى ان قيل ان الولد للأب فلم لا يتبعه فى الحرية والرقية بل يتبع الام لانها اذا كانت ملكا لغير الأب كان الولد ملكا له وان كان الأب حرا واذا كانت حرة كان الولد حرا وان كان الأب رقيقا اجيب أن الفقهاء قالوا فى وجهه رجح ماء الام على ماء الأب فى الملكية لان ماءها مستقر فى موضع وماء الأب غير معلوم أفادت هذه المسألة ان الماليكة تغلب الوالدية والتحقيق ان الاحكام شرعية لا عقلية والعلم عند شارعها يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد { وائتمروا } ايها الآباء والامهات { بينكم } ميان يكدركر دركار فرزند { بمعروف } اى تشاوروا وحقيقته ليأمر بعضكم بعضا يجميل فى الارضاع والأجر فيه فى وجوب الاشفاق عليه فالائتمار بمعنى التآخر كالاشنوار بمعنى التشاور يقال ائتمر القوم وتأمروا اذا امر بعضهم بعضا يعنى الافتعال قد يكون بمعنى التفاعل وهذا منه { وان تعاسرتم } يقال تعاسر القوم اذا تحروا تعسير الامر اى تضايقتم وبالفارسية واكر دشوار كنيد ومضايقه نماييد اى بدر ومادر رضاع ومزد دادن يعنى شوهر از اجرا باكند يازن شيرندهد { فسترضع له } اى للأب كما فى الكشاف وهو الموافق لقوله فان ارضعن لكم او للصبى والولد كما فى الجلالين وتفسير الكاشفى ونحوهما وفيه ان الظاهر حينئذ أن يقول فسترضعه { اخرى } اى فستوجد ولا نعوز مرضعة اخرى غير الام ترضعه يعنى مرددايه كيرد براى رضيع خود ومادررا باكراه واجبار نفر مايد .(15/395)
وفيه معاتبة للام على المعاسرة كما تقول لمن تستقضيه حاجة فيتوانى سيقضيها غيرك تريد ان تبق غير مقضية فأنت ملوم قال سعدى المفتى ولا يخلو عن معاتبة الأب ايضا حيث اسقط فى الجواب عن حيز شرف الخطاب مع الاشارة الى انه ان ضويقت الام فى الاجر فامتنعت من الارضاع لذلك فلا بد من ارضاع امرأة اخرى نوهى ايضا تطلب الأجر فى الأغلب الا كثر والام اشفق واحن فهى به اولى وبما ذكرنا يظهر كمال الارتباط بين الشرط والجزاء .(15/396)
لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)
{ لينفق } الام الامر { ذو سعة } خداوند فراخى وتوانكرى { من سعته } ازغناى خود يعنى بقدر تواناى خويش برمطلقه ومرضعة نفقه كنيد .
ومن متعلقة بقوله لينفق { ومن قدر عليه رزقه } اى ضيق وكان بمقدار القوت وبالفارسية وهركه تنك كرده شده است برو روزى او يعنى فقير وتنكدست است .
ومن هذا المعنى اشتق الا قدراى القصير العنق وفرس اقدر يضع حافر رجله موضع حافريده وقوله تعالى وعلى الموسع قدره وعلى المقتر قدره اى ما يليق بحاله مقدرا عليه { فلينفق مما آتاه الله } وان قل اى لينفق كل واحد من الموس والمعسر ما يبلغه وسعه ويطيقه { لا يكلف الله نفسا الا ما آتاها } من المال جل او قل فانه تعالى لا يكلف نفسا الا وسعها وبالفارسية وتكليف نفر مايد خداى تعالى هيج تنى رامكر آنجه بدو عطا كرده است ازمال يعنى تكليف مالا يطاق نفر ما يد .
وقد اكد ذلك بالوعد حيث قال { سيجعل الله بعد عسر يسرا } اى عاجلا او آجلا اذ ليس فى السين دلالة على تعين زمان وكل آت قريب ولو كان الآخرة وبالفارسية زود المعسر اليس وفرج الله فان الانتظار عبادة وفيه تطييب لقلب المعسر وتغريب له فى بذل مجهوده ووعد لفقرآء ذلك الوقت بفتح ابواب الرزق عليهم او لفقرآء الازواج ان انفقوا ما قدرو عليه ولم يقصروا .
يقول الفقير لا بعد فى ذلك من حيث ان القراءآن ليس بمحصور لالتفات فى مثل هذه المقام الى سوق الكلام قال البقلى سيجعل الله بعد ضيق الصدر من الاختمام بالرزق وانفاقه سعة الصدر ويسر السخاء والطمأنينة والرضى بالله وايضا سيجعل الله بعد عسر الحجاب للمشتاقين يسر كشف النقاب فى التأويلات النجمية يعنى كل ذى سعة مأمور بانفاق ما يقدر على انفاق فالخفى المنفق عليه من جانب الحق ينفق على الروح من سعته والروح ينفق على السر من سعته والسر ينفق على القلب من سعته ونالقلب ينفق على النفس من سعته والنفس ينفق على الصدر من سعته والصدر ينفق على الجسم من سعته ومن قدر عليه رزقه من الفيوض الالهية فلينفق مما آتاه الله بحسب استعداده لا يكلف الله نفسا الا ما آتاها فى استعدادها الازلى وقابليتها الغيبية سيجعل الله بعد عسر انقطاع الفيض يسر اتصال الفيض .(15/397)
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8)
{ وكأين من قرية } بمعنى كم الخبرة فى كونها للتكثير والقرية اسم للموضع الى يجتمع فيه الناس والمعنى وكثر من اهل قرية وبالفارسية وبسيار ازاهل ديهى وشهرى .
فهو من حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه ثم وصفه بصفته او من المجاز العقلى والاسناد الى المكان وهذه الآية تحذير للناس عن المخالفة فى الاحكام المذكور وتأكيد لاجيابها عليهم { عتت عن امر ربها ورسله } قال فى المفردات العتو النبو عن الطاعة وفى القاموس عتا عتو وعتيا وعتيا استكبر وجاوز اتلحد فهو عات وعتى انتهى والعتو لا يتعدى بعن وانما عدى بها لتضمينه معنى الاعراض كأنه قيل اعرضت عن امرر بها وامر رسل ربها بسبب التجاوز عن الحد فى التكبر والعناد وفى ايراده صفة الرب توبيخ لهم وتجهيل لما ان عصيان البعي لربهم ومولاهم طغيان وجهل بشأن سيدهم مالكم وبمرتبة انفسهم ودوام احتياجهم اليه فى التربية قوله وكأين مبتدأ ومن قرية بيان له وعتت خبر المبدأ { فحاسبناها حسابا شديدا } اى ناقشناها فى الحساب وضيقنا عليها فى الدنيا واخذناها بدقائق ذنوبها وجرآئمها من غير عفو بنحو القحط والجوع والامراض والاوجاع والسيف وتسليط الاعدآء عليها وغير ذلك من البلايا مقدما معجلا على استئصالهم وذوقها العذاب الاكبر لترجع الى الله تعالى لان البلاء كالسوط للسوق فلم تفعل ولم ترفع رأسا فابتلاها الله بما فوق ذلك كما قال { وجنبناها عذابنا نكرا } اى منكرا عظيما هائلا متنفرا عنه بالطبع لشدته وايلامه او غير متوقع فانهم كانوا لا يتوقعونه ولو قيل لهم لما يصدقونه والقهر الغير المتوقع اشد ألما واللطف الغير المتوقع اتم لذة وبالفارسية وعذاب كرديم ايشانرا عذابى جنانكه نديده بودند ونشناخته .
وهو العذاب العاجل بالاستئصال بنحو الاغراق والاحراق والريح والصيحة فالنكر الامر الصعب الذى لا يعرف والانكار ضد العرفان .
يقول الفقير اضاف الله المحاسبة والتعذيب الى نفسه مع ان سببهما كان العتو عن امره وامر رسله لان الرسل كانوا فانين فى الله فاتخذوا الله وكيلا فى جميع امورهم وتركوا التصرف والتعرض للقهر ونحوه وذلك انهم قد بثعوا بعد رسوخهم ولهذا صبروا على تكذيب امم لهم ولو بعثوا قبل الرسوخ ربما بطشوا بمن كذبهم واهلكوه وقس عليهم احوال الكمل من الاولياء .(15/398)
فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9)
{ فذاقت } بس بجشيديد اهل آن ديه { وبال امرها } اى ضرر كفرها وثقل عقوبة معاصيها اى احسته احساس الذآئق المطعوم { وكان عاقبة امرها خسرا } هائلا لا خسر ورآؤه يعنى زيانكارى وكدام زيان ازان بدتركه ازحيات ومنافع آن محروم شدند وبعقوبات مبتلى كشتند .
فتجارتهم خسارة لا ربح فيها لتضييعهم بضاعة العمر والصحة والفراغ بصرفها فى المخالفات قال فى المفردات الخسر والخسران انتقاض رأس المال وينسب الى الانسان فيقال خسر فلان والى الفعل فيقال خسرت تجارته ويستعمل ذلك فى القنيات الخاريجة كالمال والجاه فى الدنيا وهو الاكثر وفى النفسية كالصحة والسلامة والعقل والايمان والثواب وفى الآية اشارة الى اهل قرية الوجود الانسانى وهو النفس والهوى وسائر القوى فانها اعرضت عن حكم الروح فلم تدخل فى حكم الشريعة وكذا عن متابعة امر القلب والسر والخفى فعذبت بعذاب الحجاب واستهلكت فى بحر الدنيا وشهواتها ولذاتها وكان عاقبة امرها خسران الضلالة ونيران الجهالة .(15/399)
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11)
{ اعد الله لهم } مع ذلك فى الآخرة ولام لهم لام التخصيص لا لام النفع كما فى قولهم دعا له فى مقابلة دعا عليه { عذابا شديدا } اى قدره فى علمه على حسب حكمته او هيأ اسبابه فى جهنم بحيث لا يوصف كهنه فهم اهل الحساب والعذاب فى الدنيا والآخرة لا فى الدنيا فقط فان ما اصابهم فى الدنيا لم يكن كفارة لذنوبهم لعدم رجوعهم عن الكفر فعذبوا بعذاب الآخرة ايضا وهذا المعنى من قوله فحاسبناها الى هنا وهو اللائق بالنظم الكريم هكذا ألهمت به حين المطالعة ثم وجدت فى تفسير الكواشى وكشف الاسرار وأبى الليث والاسئلة المقحمة ما يدل على ذلك والحمد لله تعالى فلا حاجة الى ان يقال فيه تقديما وتأخيرا وان المعنى انا عذبناها عذابا شديدا فى الدنيا ونحاسبها حسابا شديدا فى الآخر على ان لفظ الماضى للتحقيق كأكثر ألفاظ القيامة فان فيه وفى نحوه تكلفا بينا على ما ارتكبه من يعد من اجلاء المفسرين ودل قوله فى الاثر حاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا على ان المحاسبة عامة لما فى الدارين وان المراد بها فى بعض المواضع هو التضييق والتشديد مطلقا { فاتقوا الله يا أولى الالباب } اى اعتبروا بحال الامم الماضين من المنكرين المعاندين وما نزل بهم من العذاب والوبال فاتقوا الله اوامره ونواهيه ان خلصت عقولكم من شوب الوهم فان اللب هو العقل الخالص من شوآئب الوهم وذلك بخلوص القلب من شوآئب صفات النفس والرجوع الى الفطرة الاولى واذا خلص العقل من الوهم والقلب من النفس كان الايمان يقينا فلذلك وصفهم بقوله { الذين آمنو } اى الايمان التحققى اليقينى العيانى الشهودى وفيه اشارة الى ان منشأ التقوى هو الخلوص المذكور ولا ينافى ذلك زيادة الخلوص بالتقوى فكم من شئ يكون سببا لاصل شئ آخر ويكون سببا فى زيادته وقوته على ذلك الآخر وبكمال التقوى يحصل الخروج من قشر الوجود المجازى والدخول فى لب الوجود الحقيقى والاتصاف بالايمان العيانى قال بعضهم الذين آمنوا حقا وصدقا ويجوز أن يكون صفة كاشفة لا مقيدة فانه لا يليق أن يعد غير المؤمنين من اولى الالباب اللهم الا أن يراد باللب العقل العارة عن الضعف بأى وجه كان من البلادة والبله والجنون وغيرها فنخصيص الامر بالتقوى بالمؤمنين من بينهم لانهم المنتفعون انتهى والظاهر ان قوله الذين آمنوا مبتدأ خبره قوله تعالى { قد انزل الله اليكم } والخطاب من قبيل الالتفات { ذكرا } هو النبى عليه السلام كما بينه بأن ابدل منه قوله { رسولا } وعبر عنه بالذكر لمواظبته على تلاوة القرآن او تبليغه والتذكير به وعبر عن ارساله بالانزال بطريق الترشيح اى للتجوز فيه عليه السلام بالذكر او لانه مسبب عن انزال الوحى اليه يعنى ان رسول الله شبه بالذكر الذى هو القرآن لشدة ملابسته به فأطلق عليه اسم المشبه به استعارة تصريحية وقرن به ما يلائم المستعار منه وهو الانزال ترشيحا لها او مجازا مرسلا من قبيل اطلاق اسم السبب على المسبب فان انزال الوحى اليه عليه السلام سبب لارساله وقال بعضهم ان التقدير قد انزل الله اليكم ذكرا يعنى القرءآن وارسل اليكم رسولا يعنى محمدا عليه السلام لكن الايجاز اقتضى اختصار الفعل الناصب للرسول وقد دل عليه القرينة وهوقوله انزل نظيره قوله علفتها تبنا وماء باردا اى وسقيتها ماء باردا فيكون الوقف فى ذكرا تاما بخلافه اذا كان بدلا وقال القاشانى قد انزل الله اليكم ذكرا اى فرقانا مشتملا على ذكر الذات والصفات والاسماء والافعال والمعاد رسولا اى روح القدس الذى انزله به فأبدل منه بدل الاشتمال لان انزال الذكر هو انزاله بالاتصال بالروح النبوى والقاء المعنانىن فى القلب { يتلو } يقرأ ويعرض { عليكم } يا اولى الالباب او يا ايها المؤمنون { آيات الله } اى القرءان { مبينات } اى حال كون تلك الآيات مبينات ومظهرات لكم ما تحتاجون اليه من الاحكام اومبينات بالفتح بمعنى واضحات لخافاء فى معانيها عند الاهالى اولا مرية فى اعجازها عند البلغاء المنصفين وانما يتلوها او انزله { ليخرج } الرسول ويخلص او الله تعالى قال بعضهم اللام متعلقة بأنزل لا بقوله يتلو لان يتلو مذكورعلى سبيل التبعية دون انزل { الذين آمنوا وعملوا الصالحات } الموصول عبارة عن المؤمنين بعد انزاله والا فاخراج الموصوفين بالايمان من الكفر لا يمكن اذ لا كفر فيهم حتى يخرجوا منه اى ليحصل لهم الرسول ما هم عليه الآن من الايمان والعمل الصالح باخراجهم عما كانوا عليه أو ليخرج الله من علم او قدر انه سيؤمن ولم يقل ليخرجكم اظهار لشرف الايمان والعمل الصالح وبيانا لسبب الاخراج وحثا على التحقق بهما { من الظلمات الى النور } اى من الضلالة الى الهدى ومن الباطل الى الحق ومن الجهل الى العلم ومن الكفر الى الايمان ومن الشهبات الى الدلالات والبراهيم ومن الغفلة الى اليقظة ومن الانس بغير الله الى الانس بالله على طبقاتهم ودرجاتهم فى السعى والاجتهاد بعناية الله تعالى وفى التأويلات النجمية ليخرج الذين آمنوا بالايمان العلمى وعملوا الصالحات بمقتضى العلم الظاهر لا بمقتضى الحال من ظلمات التقييد بالاعمال والاحوال الى نور الاطلاق برؤية فاعلية الحق فى الاشياء انتهى .(15/400)
يقول الفقير انما جمع الظلمات لتراكمها وتكاثفها ولكثرة اسبابها وانواعها ولذا قال تعالى قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر اى شدآئدهما فانها كالظمات وكذا الاعمال السيئة ظلمات يوم القيامة كما ورد فى حق الظلم { ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا } خالصا من الرياء والتصنع والغرض وهو استئناف لبيان شرف الايمان والعمل الصالح ونهاية امر من اتصف بهما تنشيطا وترغيبا لغير اهلهما لهما قال بعض الكبار لو كان الايمان بذاته يعطى مكارم الاخلاق لم يقل للمؤمن افعل كذا واترك كذا وقد توجد مكارم الاخلاق بدونه وللايمان وللمكارم آثار ترجع على اصحابها فى اى دار كان كما ورد فى حق أبى طالب فانه قال العباس رضى الله عنه يا رسول الله ان أبا طالب كان بحوطك وينصرك فهل ينفعه ذلك قال نعم ولولا انا كان فى الدرك الاسفل من النار وكما رؤى ابو لهب فى المنام وهو يمص ماء من ابهامه ليلة الاثنين لعتقه بعض جواريه حين بشرته بولادة رسول الله عليه السلام وكما قيل انه عليه السلام لما عرج به اطلع على النار فرأى حظيرة فيها رجل لا تمسه النار فقال عليه السلام(15/401)
« ما بال هذا الرجل فى هذه الحظيرة لا تمسه النار » فقال جبريل عليه السلام هذا خاتم طى صرف الله عنه عذاب جهنم بسخائه وجوده كما فى انيس الوحدة وجليس الخلوة فاذا كانت المكارم بهذه المرتبة بلا ايمان فكيف مع ايمان وعطف العمل الصالح من الصلاة والزكاة وغيرهما على الايمان الذى هو تصديق القلب عن المحققين والتصديق مع الاقرار عند البعض يفيد المغايرة على ما هو المذهب الاصح وهو كاف فى دخول الجنة بوعد الله وكرمه فى القول الحق المثبت بالادلة القوية فذكر العمل الصالح بعده للاهتمام والحث عليه اخبارا بأن اهله يدخلون ابتدآء بلا حساب او بحساب بسير { يدخله جنات تجرى من تحتها } اى من تحت قصورها او اشجارها { الانهار } الاربعة المذكورة فى سورة محمد عليه السلام { خالدين فيها } مقيمين فى تلك الجنات دآئمين فيها وو حال من مفعول يدخله والجمع باعتبار معنى من كما ان الافراد فى الشمائر الثلاثة باعتبار لفظها { ابدا } ظرف زمان بمعنى دآئما غير منقطع فيكون تأكيدا للخلود لئلا يتوهم ان المراد به المكث الطويل المنقطع آخرا { قد احسن الله له رزقا } حال اخرى منه وفيه معنى التعجب والتعظيم لما رزقه الله المؤمنين من الثواب لان الجملة الخبرية اذا لم يحصل منها فائدة الخر ولا لازمها تحمل على التعجب اذا اقتضاه المقام كأنه قيل ما احسن رزقهم الذى رزقهم الله وما اعظمه فرزقا ظاهره المفعولية لأحسن والتنوين للتعظيم لاعداده تعالى فيها ما هو خارج عن الوصف او للتكثير عددا لما فيه مما تشتهيه الانفس من الرزق والانفس او مددا لان اكلها دآئم لا ينقطع ولا بعد فى أن يكون له بمعنى اليه ويكون رزقا تمييزا بمعنى قد هيأ له واعد ما يحسن اليه به من جهة الرزق قال بعض الكبار الجزآء على الاعمال فى حق العارفين من عين المئة فهو جزآء العمل لا جزآء العامل فافهم قال فى الاسئلة المقحمة الظاهر ان الرزق الحسن مال فى قدر الكفاية بلا زيادة تطغى ولا حاجة تنسى .(15/402)
يقول الفقير هذا التفسير ليس فى محله لان المراد رزق الآخرة كما دل عليه ما قبل الآية لا رزق الدنيا وفى التأويلات النجمية ومن يؤمن بالله ايمانا حقيقيا عيني ويعمل عملا صالحا منزها عن رؤيته مقدسا عن نسبته الى العامل المجازى يدخله جنات المكاشفات والمشاهدات والمعاينات والمحاضرات من غير الفترة الحجابية قد احسن الله له رزقا فرزق الروح بالتفريد ورزق القلب بالتجريد ورزق السر بالتوحيد ورزق الخفى بالفناء والبقاء .(15/403)
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)
{ الله الذى } الخ مبتدأ وخبر اى الملك القادر الذى { خلق سبع سموات } بيافريد فت آسمان بعضى بالاى بعض .
نكرها للتعظيم المفيد لكمال قدرة صانعها او لكفايته فى المقصود من اثبات قدرته الكاملة على وفق حكمته الشاملة وذلك يحصل باخبار خلقه تعالى سبع سموات من غير نظر الى التعبين { ومن الارض } اى وخلق من الارض { مثلهن } اى مثل السموات السبع فى العدد والطباق وبالفارسية وبيافريد از زمين مانند آسمانها بعضى درتحت بعض .
فقوله مثلهن منصوب بفعل مضمر بعد الواو دل عليه الناصب لسبع سموات وليس بمعطوف على سبع سموات لانه يستلزم الفصل بين حرف العطف وهو صرف واحد وبين المعطوف بالجار والمجرور وصرح سيبويه وابو على بكراهيته فى غير موضع الضرورة واختلف فى كيفية طبقات الارض فالجمهور على انها سبع ارضين طبقا بعضها فوق بعض بين كل ارض وارض مسافة كما بين السماء والارض وفى كل ارض سكان من خلق الله وقال الضحاك مطبقة بعضها فوق بعض من غير فتوق وفرجة اى سوآء كان بالبحار او بغيرها بخلاف السموات قال القرطبى والاول الاصح لان الاخبار دالة عليه كما روى البخارى وغيره من ان كعبا حلف بالذى فلق البحر لموسى ان صهيبا حدثه ان النبى عليه السلام لم ير قرية يريد دخولها الا قال حين يراها اللهم رب السموات السبع وما اظللن ورب الارضين السبع وما اقللن ورب الشياطين وما اضللن ورب الرياح وما اذرين نسألك من خير هذه القرية وخير اهلها وخير من فيها ونعوذ بك من شرها وشر اهلها وشر من فيها ( روى ) شيبان ابن عبد الرحمن قنادة عن الحسن عن أبى هريرة رضى الله عنه قال بينهما النبى عليه السلام جالس اذا أتى عليهم سحاب فقال « هل تدرون ما هذا العنان » قالوا الله ورسوله اعلم قال « هذه زوايا الارض يسوقها الله الى قوم لا يشكر ولا يدعونه » ثم قال « هل تدرون ما الذى فوقكم » قالوا الله ورسوله اعلم قال « فانها الرقيع سقف محفوظ وبحر مكفوف » ثم قال « هل تدرون ما بينكم وبينها » قالوا الله ورسوله اعلم قال « فوقها العرش وبينه وبين السماء كبعد ما بين سماءين او كما قال » ثم قال « هل تدرون ما تحتكم » قالوا الله ورسوله اعلم قال « الارض وتحتها ارض اخرى بينهما خمسمائة عام » ثم قال « والذى نفس محمد بيده لو أنكم ادلتم بحبل لهبطتم على الله » ثم قرأ عليه السلام « هو الاول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم كما فى خريدة العجائب وفى المقاصد الحسنة لو أنكم لدليتم بحبل الى الارض السفلى لهبط على الله فسره بعض اهل العلم فقال انما هبط على علم الله وقدرته وسلطانه وعلم الله وقدرته وسلطانه فى كل مكان وهو على العرش كما وصف »(15/404)
فى كتابه انتهى .
قال شيخنا معناه ان علم الله شمل جميع الاقطار فالتقدير لهبط على علم الله والله تعالى منزه عن الحلول فى الاماكن فالله سبحانه كان قبل أن يحدث الاماكن انتهى كلام المقاصد الحسنة قال بعض العارفين فيه اشارة الى انه ما من جوهر فى العالم العلوى والسفلى الا وهو مرتبط بالحق ارتباط الرب بالمربوب وفى الحديث « اجتمع املاك عند الكعبة واحد نازل من السماء وواحد صاعد من الارض السفلى وثالث من ناحية المشرق ورابع من ناحية المغرب فسأل كل واحد صاحبه من اين جئت فكلهم قالوا من عند الله ثم نرجع ونقول قال ارض بعضها فوق بعض وغلظ كل ارض مسيرة خمسمائة عام » وكذا ما بينهما على ما دل عليه حديث ابى هريرة وفى الحديث « من اخذ من الارض شبرا بغير حقه خسف به يوم القيامة الى سبع ارضين » قال ابن الملك وفيه اشعار بأن الارض فى الآخرة ايضا سبع طباق وفى الكواشى قيل ما فى القرءآن آية تدل على ان الارضين سبع الا هذه الآية وان ما يبن كل سمائين مسيرة خمسمائة عام وكذا غلظ كل سماء والارضون مثل السموات فكما ان فى كل سماء نوعا من الملائكة يسبحون الله ويقدسونه ويحمدونه فكذا لكل ارض اهل على صفة وهيئة عجيبة ولكل ارض اسم خاص كما ان لكل سماء اسما خاصا وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان نافع بن الازرق سأله هل تحت الارضين خلق قال نعم ق فما الخلق قال اما ملائكة او جن وعن عطاء بن يسار فى هذه الآية فى كل ارض آدم كآدمكم ونوح مثل نوحكم وابراهيم مثل ابراهيمكم وعيسى كعيساكم قالوا معناه ان فى كل ارض خلق الله لهم سادة يقومون عليهم مقام آدم ونوح وابراهيم وعيسى فينا قال السخاوى فى المقاصد الحسنة حديث الارضون سبع فى كل ارض من الخلق مثل ما فى هذه حتى آدم كآدمكم وابراهيم كابراهيمكم وهو مجهول ان صح نقله عن ابن عباس رضى الله عنهما على انه اخذه عن الاسر الاسرآئيليات اى اقاويل بنى اسرآئيل مما ذكر فى التوراة او اخذه من علمائهم ومشايخهم كما فى شرح النخبة وذلك وامثاله اذا لم يخبر به ويصح سنده الى معصوم فهو مردود على قائله انتهى كلام المقاصد مع تفسير الاسرائيليات وقال فى انسان العيون قد جاء عن ابن عباس رضى الله عنهما فى قوله تعالى ومن الارض مثلهن قال سبع ارضين فى كل ارض نبى كنبيكم وآدم كآدمكم ونوح كنوحكم وابراهيم كابراهيمكم وعيسى كعيساكم رواه الحاكم فى المستدرك وقال صحيح الاسناد وقال البيهقى اسناده صحيح لكنه شاذ بالمرة اى لانه لا يلزم من صحة الاسناد صحة المتن فقد يكون فيه مع صحة اسناده ما يمنع صحته فهو ضعيف قال الجلال السيوطى ويمكن أن يؤول على ان المراد بهم النذر الذين كانوا يبلغون الجن عن انبياء البشر ولا يبعد أن يسمى كل منهم باسم النبى الذى يبلغ عنه هذا كلامه وحينئذ كان لنبينا عليه السلام رسول من الجن اسمه كاسمه ولعل المراد اسمه المشهور وهو محمد فلينأمل انتهى ما فى انسان العيون ونظير هذا المقام قول حضرة الشيخ الشهير بافتاده خطابا لحضرة محمود الهدائى قدس سرهما الآن عوالم كثيرة يتكلم فيها محمود وافتاده كثير قال فى خريدة العجائب وليس هذا القول اى خبر فى كل ارض آدم الخ بأعجب من قول الفلاسفة ان الشموس شموس كثيرة والاقمار اقمار كثيرة ففى كل اقليم شمس وقمر ونجوم وقالت القدماء الارض سبع على المجاورة والملاصقة وافتراق الاقاليم لا على المطابقة والمكابسة واهل النظر من المسلمين يميلون الى هذا القول ومنهم من يرى ان الارض سبع على الانخفاض والارتفاع كدرج المراقى ( حكى ) الكلبى عن ابى صالح عن ابى عباس رضى الله عنهما انها سبع ارضين متفرقة بالبحار يعنى الحائل بين كل ارض وارض بحار لا يمكن قطعها ولا الوصول الى الارض الاخرى ولا تصل الدعوة اليهم وتظل الجميع السماء قال الماوردى وعلى هذا اى وعلى انها سبع ارضين وفى كل ارض سكان من خلق الله تختص دعوة الاسلام بأهل الارض العليا دون من عداهم وان كان فيهن من يعقل من خلق وفى مشاهدتهم السماء واستمدادهم الضوء منها قولان احدهما انهم يشاهدون السماء من كل جانب من ارضهم ويستمدون الضياء منها وهذا قول من جعل الارض مبسوطة والثانى انهم لا يشاهدون السماء وان الله خلق لهم ضياء يشاهدونه وهذا قول من جعل الارض كرة قال سعدى المفتى وقد تؤول الآية تارة بالاقاليم السبعة اى فتكون الدعوة شاملة لجميعها وتارة بطبقات العناصر القوابل بالنسبة الى الاثيريات فهى ارضها التى ينزل عليها منها لاصور الكائنة وهى النار الصرفة والطبقة الممتزجة من النار والهواء المسماة كرة الاثير التى فيها لاشهب وذوات الاذناب وغيرها وطبقة الزمهرير وطبقة النسيم وطبقة الصعيد والماء المشحونة بالنسيم الشاملة للطبقة الطينية التى هى السادسة وطبقة الارض الصفرة عند المركز وان حملناها على مراتب الغيوب السبعة المذكورة من غيب القوى والنفس والعقل والسر والروح والخفى غيب الغيوب اى عين جمع الذات فالارضون هى الاعضاء السبعة المشهورة وفى التأويلات النجمية هى طبقات القوب من الصدر والقلب والفؤاد والروع والشغاف والمهجة والروح واراضى النفوس وهى النفس الأمارة واللوامة والملهمة والمطمئنة والنفس المعدنية(15/405)
والنباتية والحيوانية { يتنزل الامر } اى امر الله واللام عوض عن المضاف اليه { بينهن } اى بين السموات السبع والارضين السبع والظاهران الجملة استئنافية للاخبار عن شمول جريان حكمه ونفوذ امره فى العلويات والسفليات كلها فالامر عند الاكثير القضاء والقدر بمعنى يجرى قصاؤه وينفذ حكمه بين السماء السابعة التى هى اعلى السموات وبين الارض السابعة التى هى اسفل الارضين ولا يقتضى ذلك أن لا يجرى فى العرش والكرسى لان المقام اقتضى ذكر ما ذكره والتخصيص بالذكر لا يقتضى التخصيص بالحكم كذ قالوا
يقول الفقير تحقيق هذا المقام يستدعى تمهيد مقدمة وهى انه استوى الامر الارادى الايجادى على العرش كما استوى الامر التكليفى الارشادى على الشرع الذى هو مقلوب العرش والتجليات الايجادية الامرية المتنزلة بين السموات السبع والارضين السبع موقوفة على استوآء امر تمام حصول الاركان الاربعة على العرش وتلك الامور الاربعة هى الحركة المعنوية الاسمائية والحركة النورية الروحانية والحركة الطبيعية المثالية والحركة الصورية الحسية وهى حركة العرش فالعرش مستوى امره الايجادى لا مستوى نفسه تعالى عن ذلك ومنه ينزل الامر الالهى بينهن وهى التجليات الالهية الدنيوية والرزخية والحشرية والنيرانية والجنانية وكلها تجليات وجودية اشير اليها بقوله تعالى كل يوم هو فى شأن وبقوله يعلم ما يلج فى الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعجر فيها واما التجليات الشهودية فما كانت تكون فى الدنيا والآخرة لقلوب اهل الكمال وارواحهم واسرارهم من الانبياء العظام والاولياء الكرام فمعنى الآية يتنزل امر الله بالايجاد والتكوين وترتيب النظام والتكميل بين كل سماء وارض من جانب العرش العظيم ابدا دآئما لان الله تعالى لم يزل ولا يزال خالقا فى الدنيا والآخرة فيفى ويعدم عوالم ويوجد ويظهر عوالم اخرى لا نهاية لشؤونه فهو كل يوم وآن فى امر وشأن بحسب مقتضيات استعدادات اهل العصر وموجبات قابليات اصحاب الزمان { لتعملوا ان الله على كل شئ قدير } متعلق بخلق او يتنزل او بما يعلمهما اى فعل ذلك لتعملوا ان من قدر على ما ذكر قادر على كل شئ ومنه البعث اللحساب والجزاء فتطيعوا امره وتقبلوا حكمه وتستعدوا لكسب السعادة والخلاص من الشقاوة واللام لام المصلحة والحكمة لان فعله تعالى خال عن العبث ( روى ) عن الامام الاعظم انه قال ان هذه الآية من أخوف الآيات فى القرءآن لا لام الغرض فانه تعالى منزه عن الغرض اذ هو لمن له الاحتياج والله غنى عن العالمين { وان الله قد احاط بكل شئ علما } كما أحاط به قدرة لاستحالة صدور الافاعيل المذكورة ممن ليس كذلك والاحاطة العلم البالغ وبالفارسية وبدرستى كه فرارسيده است بهمه جيزازروى علم يعنى علم وقدرت او محيط است بهمه اشيا از موجودات علمى وعينى هيج جيز ازدائره علم وقدرت او خارج نيست(15/406)
رمزيست زسر قدرتش كن فيكون ... بادانش او يكيست بيرون ودرون
درغيب وشهادة ذره نتوان يافت ... از دائره قدرت وعلمش بيرون
ويجوز أن يكون العامل فى اللام بيان ما ذكر من الخل قوتنزل الامر اى اوحى ذلك وبينه لتعلموا بما ذكر من الامور التى تشاهدونها والتى تتلقونها من الوحى من عجائب المصنوعات انه لا يخرج عن علمه وقدرته شئ ما اصلا قوله علما نصب على التمييز اى أحاط علمه بكل شئ كما فى عين المعانى أو على المصدر المؤكد لان المعنى وان الله قد علم كل شئ علما كما فى فتح الرحمن قال البقلى قدس سره لو كان للانسان قدرة المعرفة كالارواح لم يخاطبه بالعلل والاستدلال ليعلم برؤية الاشياء وجود الحق وكان كالارواح فى الخطاب بلا علة فى تعريف نفسه ايها يقول ألست بربكم اذ هناك خطاب وشهود وتعريف بغير علة فلما علم عجزه وهو فى عالم الجسم عن حمل واردات الخطاب الصرف أحاله الى الشواهد بقوله خلق سبع سموات الخ وليس بعارف فى الحقيقة من عرفه بشئ من الاشياء او سببب من الاسباب فمن نظر الى خلق الكون يعرف انه ذو قدرة واسعة وذو احاطة شاملة ويخاف من قهره ويذوب قلبه بعلمه فى رؤسة اطلاع الحق عليه قال الشيخ نجم الدين فى تأويلاته وفى هذه الآية الكريمة غوامض من اسرار القرءآن مكنونة ويدل عليه قول ابن عباس رضى الله عنهما لما سئل عن هذه الآية وقال لو فسرتها لقطعوا حلقومى ورجمونى والمعنى الذى أشار اليه رضى الله عنه مما لا يعبر عنه ولا يشار اليه ولكن يذاق .(15/407)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1)
{ يا ايها النبى لم تحرم ما احل الله لك } اصل لم لما والاستفهام لانكار التحريم وهو بالفارسية حرام كردن .
كما ان الحلال حلال كردن .
روى ان النبى عليه السلام خلا بسريته مارية القبطية التى اهداها اليه المقوقس ملك مصر فى يوم عائشة رضى الله عنها ونوبتها وعلمت بذلك حفصة رضى الله عنها فقال لها اكتمى على ولا تعلمى عائشة فقد حرمت مارية على نفسى وابشرك ان أبا بكر وعمر رضى الله عنهما يملكان بعدى امر امتى فأخبرت به عائشة رضى الله عنها ولم تكتم وكانا متصادقتين متظاهرتين على سائر ازواج النبى عليه السلام قال السهيلى رحمه الله امرها أن لا تخبر عائشة ولا سائر ازواجه بما رأت وكانت رأته فى بيت مارية بنت شمعون القبطية ام ولده ابراهيم المتوفى فى الثدى وهو ابن ثمانية عشر شهرا فخشى أن يلحقهن بذلك غيرة واسر الحديث الى حفصة فأفشته وقيل خلا بها فى يوم حفصة كما قال بعض اهل التفسير كان رسول الله عليه السلام يقسمك بين نسائه فلما كان يوم حفصة بنت عمر بن الخطاب رضى الله عنه استأذنت رسول الله فى زيارة ابيها فاذن لها فلما خرجت ارسل رسول الله الى ام ولده مارية القبطية ( قال كشف الاسرار ) دربيرون مدينه در نخلستان درسرايى مقام داشت كه زنان رسول نمى خواستندكه درمدينه بايشان نشيند وكاه كاه رسول خدا از بهر طهرات بيرون شدى واورا ديدى انتهى .
فأدخلها بيت حفصة فوقع عليها فلما رجعت حفصة وجدت الباب مغلقا فجلست عند الباب فخرج رسول الله ووجهه يقطر عرقا وحفصة تبكى فقال ما يبكيك فقالت انما أذنت لى من أجل هذا أدخلت امتك بيتى ثم وقعت عليها فى يومى على فراشى فلو رأيت لى حرمة وحقا ما كنت تصنع هذا بامرأة منهن فقال رسول الله « أليس هى جاريتى أحلها الله لى اسكنى فهى حرام على ألتمس بذلك رضاك فلا تخبرى بها امرأة منهن » فلما خرج رسول الله قرعت حفصة الجدار الذى بينها وبين عائشة فقالت ألا أبشرك ان رسول الله قد حرم عليه امته مارية وقد أراحنا الله منها وأخبرت عائشة بما رأت فلم تكتم فطلقها رسول الله بطريق الجزآء على افشاء سره واعتزل نساءه ومكث تسعا وعشرين ليلة فى بيت مارية قال أبو الليث أقسم أن لا يدخل عليهن شهرا من شدة مؤاخذته عليهن حتى نزلت الآية ودخل عمل رضى الله عنه على بنته حفصة وهى تبكى فقال أطلقكن رسول الله فقالت لا أدرى هو ذا معتزلا فى هذه المشربة وهى بفتح الرآء وضمها الغرفة والعلية كما فى القاموس ( روى ) انه قال لها فى آل الخطاب خير لما طلقك قال عمر فأتيته عليه السلام فدخلت وسلمت عليه فاذا هو متكئ على رمل حصير قد أثر فى جنبه فقلت أطلقت نساءك يا رسول الله فقال لا فقلت الله اكبر لو رأيتنا يا رسول الله وكنا معرش قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم وطفقن نساؤنا يتعلمن من نسائهم فتبسم رسول الله وقال عمر للنبى عليه السلم لا تكترث بأمر نسائك والله معك وأبو بكر معك وأنا معك فنزلت الآية موافقة لقول عمر قالت عائشة رضى الله عنها لام مضت تسع وعشرون ليلة دخل على رسول الله فقلت يا رسول انك أقسمت أن لا ندخل علينا وانك قد دخلت فى تسع وعشرين أعدهن فقال ان الشهر تسع وعشرون وكان ذلك الشهر كذلك ونزل جبريل فقال لرسول الله عن أمر الله راجع حفصة فانها صوامة قوامة وانها لمن نسائك فى الجنة وكان تحته عليه السلام يومئذ تسع نسوة خمس من قريش عائة بنت أبى بكر وحفصة بنت عمر وام حبيبة بنت أبى سفيان وام سلمة بنت امية وسودة بنت زمعة وغير القرشيات زينب بنت جحش الأسدية وميمونة بنت الحارث الهلالية وصفية بنت حييى بن أخطب الخيبرية وجويرة بنت الحارث المصطلقية .(15/408)
ونقلست كه حضرت بيغمبر صلى الله عليه وسلم عسل وشربت او وهرجيز كه حلو باشد دوست داشتى وقتى زينب رضى الله عنها مقدارى عسل داشت كه بعضى خويشان وى درمكه بطريق هديه فرستاده بودهركاه آن حضرت عليه السلام بخانه وى آمدى زينب شربت فرمودى وآن حضرت راد خانه وى بسبب آن توقف بيشتر واقع شدى آن حال بربعضى ازواج طاهرات كران آمد عائشه وحفصه اتفاق نمودندكه جون آن حضرت بعد از آشاميدن شربت عسل درخانه وى نزد هركدام ازمادر آيند كوييم ازتوبوى مغافير ميشنويم ومغفور بالضم صمغ درختيست كه عرفط خوانند ازدرختان باديه واكرجه شيرينست ولكن رايحه كريهه دارد وحضرت بوى خوش دوست ميداشت براى مناجات ملك وازروايح ناخوش محترزمى بود بس آن حضرت روزى شرب آشاميد ونرد هر كدام آمد از ازواج كفتند يا رسول الله ازشما رايحه مغفور مى آيد وايشان درجواب فزمودندكه مغفور نخورده ام اما درخانه زينت شربت عسل آشاميده ام كفتند جرست النحلة العرفط يعنى ان تلك النحلة اكلت العرفط وبالفارسية زنبور آن عسل ازشكوفه عرفط جريده بود والجرس خوردن منج جرارا .
وفى القاموس الجرس اللحس باللسان امام زاهد رحمه الله آورده كه جون اين صورت مكرر وجود كفرت حضرت عليه السلام فر مود حرمت العسل على نفسى فوالله لا آكله ابدا واين سوكند بدان خورد تاديكر كس ويرا ازان عسل نيارد فنزلت الآية قال ابن عطية والقول الاول وهو ان الآية نزلت بسبب مارية اصح واوضح وعليه تفقه الناس فى الآية وقال فى كشف الاسرار قصة العسل اسند كام قال فى اللبابين ان هذا هو الاصح لانه مذكور فى الصحيحين انتهى وقصة مارية اشبه ومعنى الآية لم تحرم ما احل الله لك من ملك اليمين او من العسل اى تمتنع من الانتفاع به مع اعتقاد كونه حلا لا لك لان اعتقاد كونه حراما بعد ما احل الله مما لا يتصور من عوام المؤمنين فكيف من الانبياء قال الفقهاء من اعقتد من عند نفسه حرمة شئ قد احله الله فقد كفر اذما أحله الله لا يحرم الا بتحيم الله اياه بنظم القرءآن او بوحى غير متلو والله تعالى انما أحل لحكمة ومصلحة عرفها فى احلاله فاذا حرم العبد كان ذلك قلب المصلحة مفسدة { تبتغى مرضاة ازواجك } الابتغاء جستن .(15/409)
والمرضاة مصدر كالرضى وفى بعض التفاسير اسم مصدر من الرضوان قلب واوها ألفا والازواج جمع زوج فانه يطلق على المرأة ايضا بل هو الفصيح كما قال فى المفردات وزوجة لغة رديئة وجمع الازواج مع ان من ارضاها النبى عليه السلام فى هذه القصة عائشة وحفصة رضى الله عنهما اما لان ارضاءما فى الامر المذكور ارضاء لكلهن او لان النساء فى طبقة واحدة فى مثل تلك الغيرة لانهن جبلن عليها على انه مضى ما مضى من قول السهيلى او لان الجمع قد يطلق على الاثنين او للتحذير عن ارضاه من تطلب منه عليه السلام ما لا يحسن وتلح عليه أيتهن كانت لانه عليه السلام كان حييا كريما والجملة حال من ضمير تحم اى حال كونك مبتغيا وطالبا لرضى ازواجك والحال انهن أحق بابتغاء رضاك منك فانما فضيلتهن بك فالانكار وارد على مجموع القيد والمقيد دفعة واحدة فمجموع الابتغاء والتحريم منكر نظيره قوله تعالى لا تأكلوا الربا اضعاف مضاعفة وفيه اشارة الى فضل مارية والعسل وفى الحديث « اول نعمة ترفع من الارض العسل » وقد بين فى سورة النحل { والله غفور } مبالغ فى الغفران قد غفر لك وستر ما فعلت من التحريم وقصدت الرضى لان الامتناع من الانتفاع باحسان المولى الكريم يشبه عدم قبول احسانه { رحيم } قد رحمك ولم يؤاخذك به وانما عاتبك محافظة على عصمتك ( قال الكاشفى ) مهربان كه كفارت سوكند توفرم د قال فى كشف الاسرار هذا اشد ما عوتب به رسول الله فى القرءآن وقال البقلى ادب الله نبيه أن لا يستبد برأيه ويتبع ما يوحى اليه كما قال بعض المشايخ فى قوله لتحكم بين الناس بما أراك الله ان المراد به الوحى الذى يوحى به اليه لا ما يراه فى رأيه فان الله قد عاتبه لما حرم على نفسه ما حرم فى قصة عائشة وحفصة فلو كان الدين بالرأى لكان رأى رسول الله اولى من كل رأى انتهى كلام ذلك البعض وفيه بيان ان من شغله شئ من دون الله وصل اليه منه ضرب لاتبرأن جراحته الا بالله لذلك قال عقيب الآية والله غفور رحيم قال ابن عطاء لما نزلت هذه الآية على النبى عليه السلام كان يدعو دائما ويقول اللهم انى اعوذ بك من كل قاطع يقطعنى عنك
آزرده است كوشه نشين از وداع خلق ... غافل كه اتصال حقست انقطاع خلق(15/410)
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)
{ قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } الفرض هنا بمعنى الشرع والتبيين كما دل عليه لكم فان فرض بمعنى اوجب انما يتعدى بعلى والتحلة مصدر حلل بتضعيف العين بمعنى التحليل اصله تحللة كتكرمة وتعلة وتبصرة وتذكرة من كرم وعلل وبصر وذكر بمعنى التكريم والتعليل والتبصير والتذكير الا ان هذا المصدر من الصحيح خارج عن القياس فانه من المعتل اللام نحو سمى تسمية او مهموز اللام مثل جزأ تجزئة والمراد تحليل اليمين كان اليمين عقد والكفارة حل يقال حلل المين تحليلا كفرها اى فعل ما يوجب الحنيث وتحلل فى يمينه استثنى وقال ان شاء الله وقوله عليه السلام « لا يموت لرجل ثلاث اولاد فتمسه النار الا تحلة القسم » اى قدر ما يقول ان شاء الله كا فى المفردات او قدر ما يبر الله قسمه فيه بقوله وان منكم الا واردها قال فى تاج المصدر قوله فعلته تحلة القسم اى لم أفعله الا بقدر ما حللت به يمينى أن لا أفعله ولم ابالغ ثم قيل لكل شئ لم يبالغ فيه تحليل يقال ضربته تحليلا والباب بدل على فتح الشئ ومعنى الكفارة الاطعام والكسوة او العتق او الصوم على ما مر تفصيله فى سورة المائدة ومعنى الآية شرع الله لكم تحليل ايمانكم وبين لكم ما تنحل به عقدتها من الكفارة وهى المرادة ههنا لا الاستثناء اى أن يقول ان شاء الله متصلا حتى لا يحنث فان الاستثناء المتصل ما كان مانعا من انعقاد اليمين جعل كالحل فالتحليل لما عقدته الايمان بالكفارة او بالاستثناء وبالفارسية بدرستى كه بيان كرد خداى تعالى براى شما فرو كشادن سوكند هاى شمارا بكفارت يعنى آنجه بسوكند ببنديد بكفارت توان كشاد .
قال فى الهدايه ومن حرم على نفسه شيأ مما يملكه لم يصر محرما وعليه ان استباحه واقدم عليه كفارة فتحريم الحلال يمين عند أبى حنيفة رحمه الله ويعتبر الانتفاع المقصود فيما يحرمه فاذا حرم طعاما فقد خلف على اكله او أمة فعلى وطئها قال ابن عباس رضى الله عنهما التحريم هو اليمين فلو قال لامرأته أنت على حرام فلو نوى الطلاق طلقت وان نوى اليمين كان يمينا وان أراد الكذب لم يقع شئ وكذا لو حرم طعاما على نفسه ونى اليمين كان يمينا خلاف للشافعى كما فى عين المعانى وقال بعضهم لم يثبت عن رسول الله عليه السلام انه قال لما احله الله هو حرام على وانما امتنع عن مارية ليمين تقدمت منه وهو قوله والله لا أقربها بعد اليوم فقيل له لم تحرم ما احل الله لك اى لم تمنع منه بسبب اليمين يعنى اقدم على ما حلفت عليه وكفر عن يمينك وظاهر قوله تعالى قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم انه كانت منه بيمين فان قلت هل كفر رسول الله لذلك قلت عن الحسن البصرى قدس سرة انه لم يكفر لانه كان مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وانما هو تعليم للمؤمنين وعن مقاتل انه اعتق رقبة فى تحريم مارية وعاودها لانه لا ينافى كونه مغفورا له أن يكفر فهو والامة سوآء فى الاحكام ظاهرا { ولقد مولاكم } سيدكم ومتولى اموركم { وهو العليم } بما يصلحكم فيشرعه لكم { الحكيم } المتقن فى أفعاله واحكامه فلا يأمركم ولا ينهاكم الا حسبما تقتضيه الحكمة .(15/411)
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)
{ واذ اسر النبى } الاسرار خلاف الاعلان ويستعمل فى الاعيان والمعانى والسر هو الحديث المكتتم فى النفس واسررت الى فلان حديثا افضيت به اليه فى خفية فالاسرار الى الغير يقتضى اظهار ذلك لمن يفضى اليه بالسر وان كان يقتضى اخفاءه من غيره فاذا قولهم اسررت الى فلان يقتضى من وجه الاظهار ومن وجه الاخفاء والنبى رسول الله عليه السلام فان اللام للعهد واذ ظرف اى اذكر الحاديث وقت الاسرار والأكثر المشهور انه مفعول اى واذكر يا محمد وقت اسرار النبى واخفائه على وجه التأنيت والتعتب او واذكروا أيها المؤمنون فالخطاب ان كان له عليه السلام فالاظهار فى مقام الاضمار بأن قيل واذ أسررت للتعظيم بايراد وصف ينبئ عن وجوب رعاية حرمته ولزوم حماية حرمه عما يكرهه وان كان لغيره عموما على الاشتراك او خصوصا على الانفراد وذكره بوصف النبى للاشعار بصدقه فى دعوى النبوة { الى بعض ازواجه } وهى حفصة رضى الله عنها تزوجها النبى عليه السلام فى شعبان على رأس ثلاثين شهرا من الهجرة قبل احد بشهرين وكانت ولادتها قبل النبوة بخمس سنين وقريش تبنى البيت وماتت بالمدينة فى شعبان سنة خمس واربعين وصلى عليها مروان بن الحكم وهو امير المدينة يومئذ وحمل سريرها وحمله ايضا أبو هريرة وقد بلغت ثلاثا وستين سنة وأبو حفص أبوها عمر رضى الله عنه كناه به رسول الله عليه السلام وحفص ولد الاسد { حديثا } قال الراغب كل كلام يبلغ الانسان من جهة السمع او الوحى فى يفظته او منامه يقال له حديث والمراد حديث تحريم مارية او العسل اوامر الخلافة قال سعدى المفتى فيه ان تحريم العسل ليس مما اسر الى حفصة بل كان ذلك عند عائشة وسودة وصفية رضى الله عنهن { فما نبأت به } اى اخبرت حفصة صاحبتها التى هى عائشة بالحديث الذى اسره اليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفشه اليها { واظهره الله عليه } اى أطلع الله النبى على افشاء حفصة ذلك الحديث على لسان جبريل فالضمير راجع الى الحديث بتقدير المضاف واظهر ضمن معنى اطلع من ظهر فلان السطح اذا علاه وحقيقته صار على ظهره واظهره على السطح اى رفعه عليه فاستعير للاطلاع على الشئ وهو من باب الافعال بمعنى بررسانيدن كسى را برنهانى وديده وركردانيدن .
قال الراغب ظهر الشئ اصله أن يحصل شئ على ظهر الارض فلا يخفى وبطن اذا حصل فى بطنان الارض فيحقى ثم صار مستعملا فى كل بارز للبصر والبصيرة { عرف } ألنبى حفصة والتعريف بالفارسية بيا كاهيدن { بعضه } اى بعض الحديث الذى افشته الى صاحبتها على طريق العتاب بأن قال لها ألم أك امرتك أن تكتمى سرى ولا تبديه لأحد وهو حديث الامامة ( روى ) انه عليه السلام لما عاتبها قالت والذى بعثك بالحق ما ملكت نفسى فرحا بالكرامة التى خص الله بها أباها وبعض الشئ جزء منه { واعرض عن بعض } اى عن تعريف بعض تكرما وهو حديث مارية وقال بعضهم عرف تحريم الامة واعرض عن تعريف امر الخلافة كراهة أن ينتشر ذلك فى الياس وتكرما منه وحلما وفيه جواز اظهار الشيوخ الفراسة والكرامات لمريديهم لتزيد رغبتهم فى الطريقة وفيه حث على ترك الاستقصاء كريم قط وقال بعضهم ما زال التغافل من فعل الكرام { فلما نبأها به } اى اخبر النبى حفصة بالحديث الذى أفشته بما اظهره الله عليه من انها افشت سره { قالت من انبأك هذا } من أخبرك عنى هذا تعنى افشاءها للحديث ظنت أن عائشة اخبرته وفيه تعجب واستبعاد من اخبار عائشة بذلك لانها اوصتها بالكتم ولم يقل من نبأك ليوافق ما قبله للتفنن { قال } النبى عليه السلام { نبأنى } بفتح ياء المتكلم { العليم الخبير } الذى لا يخفى عليه خافية فسكتت وسلمت ونبأ ايضا من قبيل التفنن يقال ان انبأ ونبأ يتعديان الى مفعولين الى الاول بنفسهما والى الثانى بالباء وقد يحذف الاول للعلم به وق يحذف الجار ويتعدى الفعل الى لاثانى بنفسه ايضا فقوله تعالى فلما نبأها به على الاستعمال الاول وقوله فلما نبأت به على الاستعمال الثانى وقوله من أنباك على الاستعمال الثالث وقوله العليم هو ولعالم والعلامة من اسمائه سبحانه ومن أدب من علم انه سبحانه عالم بكل شئ حتى بخطرات الضمائر ووساوس الخواطر أن يستحيى منه ويكف عن معاصيه ولا يغتر بجميل ستره ويخشى بغتات قهره ومفاجأة مكره وعن بعضهم انه قال كنت جائعا فقلت لبعض معارفى انى جائع فلم يطعمنى شيأ فمضيت فوجدت درهما ملقى فى الطريق فرفعته فاذا عليه مكتوب اما كان الله عالما بجوعك حتى طلبت من غيره والخبير بمعنى العليم وقال الامام الغزالى قدس سره اذا اعتبر العلم الملطق فهو العليم مطلقا واذا أضيف الى الغيب والامور الباطنه فهو الخبير واذا أضيف الى الامور الظاهرة فهو الشهيد واذا علم العبد انه تعالى خبير بأفعاله مطلع على سره علم انه تعالى احصى عليه جميع ما عمله او اخفى فى عمله وان كان هو قد نسيه فيخجل خجلا يكاد يهلكه ( حكى ) ان رجلا تفكر يوما فقال عمرى كذا كذا سنة يكون كذا كذا شهرا يكون منها كذا كذا يوما فبلغ عمره من الايمام ألو فل كثيره فقال لو لم اعص الله كل يوم الا معصية واحدة لكان فى ديوان عملى كذا كذا ألف معصية وانى فى كل يوم عملت كثيرا من المعاصى ثم صاح وفارق الدنيا ( يقول الفقير ) .(15/412)
مذنبم كرجه ولى رب غفوريم كرست ... بمن افناده دهد از كرمش شايد دست(15/413)
إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)
{ أن تتوبا الى الله } خطابا لحفصة وعائشة رضى الله عنهما فالالتفات من الغيبة الى الخطاب للمبالغة فى الخطاب لكن العتاب يكون للاولياء كما ان العقاب يكون للاعدآء كما قيل
اذا ذهب العتاب فليس ود ... ويبقى الود ما بقى العتاب
ففيه ارادة خير لحفصة وعائشة بارشادهما الى ما هو اوضح لهما { فقد صغت قلوبكما } الفاء للتعليل كما فى قولك اعبد ربك فالعبادة حق والا فالجزاء يجب أن يكون مرتبا على الشرط مسببا عنه وصغوا قلبيهما كان سابقا على الشرط وكذا الكلام فى وان تظاهرا الخ والمعنى فقد وجد منكما ما يوجب التوبة من ميل قلوبكما عما يجب عليكما من مخالصة رسو لالله وحب ما يحبه وكراهة ما يكرهه من صغا يصغو صغوا مال واصغى اليه مال بسمعه قال الشاعر
تصغى القلوب الى اغر مبارك ... من آل عباس بن عبد المطلب
وجمع القلوب لئلا يجمع بين تثنيتين فى كلمة فرار من اجتماع المتجانسين وربما جمع { وان تظاهرا عليه } باسقاط احدى التاءين وهو تفاعل من الظهر لانه اقوى الاعضاء اى تتعاونا على النبى عليه السلام بما يسوءه منالافراط فى الغيرة وافشاء سره وكانت كل منكما ظهر لصاحبتهما فيه { فان الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين } قوله هو مبتدأ ثان جيء به لتقوى الحكم لا للحصر والا لانحصرت الولاية له عليه السلام فى الله تعالى فلا يصح عطف ما بعده عليه وقوله وجبريل عطف على موضع اسم ان بعد استكمالها خبرها وكذا قوله وصالح المؤمنين واليه مال السجاوندى رحمه الله اذ وضع علامة الوقف على المؤمنين والظاهر ان صالح مفرد ولذلك كتبت الحاء بدون واو الجمع ومنهم من جوز كونه جمعا بالواو والنون وحذفت النون بالاضافة وسقطت واو الجمع فى التلفظ لالتقاء الساكنين وسقت فى الكتابة ايضا حملا للكتابة على اللفظ نحو يمح الله الباطل ويدع الانسان وسندع الزبانية الى غير ذلك والمعنى فلن يعدم هو اى النبى عليه السلام من يظاهره فان الله هو ناصره وجبريل رئيس الملائكة المقربين قرينه ورفيقه ومن صلح من المؤمنين اتباعه واعوانه فيكون جبريل وما بعده اى على تقدير العطف داخلين فى الولاية لرسول الله ويكون جبريل ايضا ظهيرا له بدخوله فى عموم الملائكة ويجوز أن يكون الكلام قد تم عند قوله مولاه ويكون جبريل مبتدأ وما بعده عطفا عليه وظهير خبر للجميع تختص الولاية بالله قال ابن عباس رضى الله عنهما أراد بصالح المؤمنين أبا بكر وعمر رضى الله عنهما قال فى الارشاد هو اللائق بتوسيطه بين جبريل والملائكة فانه جمع بين الظهير المعنوى والظهير الصورى كيف لاوان جبريل ظهيره يؤيده بالتأييدات الالهية وهما وزيراه فى تدبير امور الرسالة وتمشية الاحكام ظاهرة ومعاون آن حضرت كه رضاى او بررضاى فرزندان خود ايثار كنند .(15/414)
ولأن بيان مظاهرتهما له عليه السلام اشد تأثيرا فى قلوب بنتيهما وتوهينا لامرهما فكان حقيقا بالتقدم بخلاف ما اذا أريد به جنس الصالحين كما هو المشهور وعن بعضهم ان المراد بصالح المؤمنين الاصحاب او خيارهم وعن مجاهد هو على رضى الله عنه يقول الفقير يؤيده قوله عليه السلام يا على أنت منى بمنزلة هرون من موسى فان الصالحين الانبياء هم عليه السلام كما قال تعالى وكلا جعلنا صالحين وقال حكاية عن يوسف الصديق عليه السلام وألحقنى بالصالحين فاذا كان على بمنزلة هرون فهو صالح مثله وقال السهيلى رحمه الله لفظ الآية عام فالاولى حملها على العموم قال الراغب الصلاح ضد الفساد الذى هو خروج الشئ عن الاعتدال والانتفاع قل او كثروهما مختصان فى اكير الاستعمال هو خروج الشئ عن الاعتداء والانتفاع قل او كثروهما مختصان ف اكثر الاستعمال بالافعال وقوبل الصلاح فى القرءآن تارة بالفساد وتارة بالسيئة ( وروى ) ان رجلا قال لابراهيم بن أدهم قدس سره ان الناس يقولون لى صالح فبم اعرف انى صالح فقال اعرض اعم لك فى السر على الصالحين فان قبولها واستحسنوها فاعلم انك صالح والا فلا وهذا من كلم الحكمة { والملائكة } مع تكاثر عددهم وامتلاء السموات من جموعهم ( وقال الكاشفى ) وتمام فرشتكان آسمان وزمين { بعد ذلك } اى بعد نصرة الله وماموسه الاعظم وصالح المؤمنين وفيه تعظيم لنصرتهم لانها من الخوارق كما وقعت فى بدر ولا يلزم منه افضليه الملائكة على البشر { ظهير } خبر والملائكة والجملة معطوفة على جملة فان الله هو مولاه وما عطف عليه اى فوج مظاهر له معين كأنهم يد واحدة على من يعاديه فما ذا يفيد تظاهر امرأتين على من هؤلاء ظهراؤه وما ينبئ عنه قوله تعالى بعد ذلك من فضل نصرتهم على نصرة غيرهم من حيث ان نصرة الكل نصرة الله بهم وبمظاهرتهم افضل من سائر وجوه نصرته يعنى ان نصرة الله اما نصرة ذاتية بلا آلة ولا سبب او نصرة بتوسط مخلوقاته والثانى يتفاوت بحسب تفاوت قدرة المخلوقات وقوتهم ونصرة الملائكة اعظم وابعد رتبة بالنسبة الى سائر المخلوقات على حسبت تفاوت قدرتهم وقوتهم فانه تعالى مكن الملائكة على ما لم يمكن الانسان عليه فالمراد بالبعدية ما كان بحسب الرتبة لا الزمان بأن يكون مظاهرة الملائكة اعظم بالنسبة الى نصرة المؤمنين وجبريل داخل فى عموم الملائكة ولا يخفى ان نصرة جميع الملائكة وفيهم جبريل اقوى من صرة جبريل وحده قال فى الارشاد هذا ما قالوا ولعل الانسب أن يجعل ذلك اشارة الىمظاهرة صالح المؤمنين خاصة ويكون بيان بعدية مظاهرة الملائكة تداركا لما يوهمه الترتيب من افضلية المقدم اى فى نصرة فكأنه قيل بعد ذكر مظاهرة صالح المؤمنين وسائر الملائكة بعد ذلك ظهير له عليه السلام ايذانا يعلو رتبة مظاهرتهم وبعد منزلتها وجبرا لفصلها عن مظاهرة جبريل قال بعضهم لعل ذكر غير الله مع ان الاخبار بكونه تعالىمولاه كاف فى تهديدهما لتذكير كمال رفعة شأن النبى عليه السلام عند الله وعند الناس وعند الملائكة اجمعين .(15/415)
يقول الفقير ايده الله القدير هذا ما قالوا والظاهر ان الله تعالى مع كفاية نصرته ذكر بعد نفسه من كان اقوى فى نصرته عليه السلام من المخلوقات لكون المقام مقام التظاهر لكون عائشة وحفسة متظاهرتين وزاد فى الظهير لكون المقام مقام التهديد ايضا وقدم جبريل على الصلحاء لكونه او نصير له عليه السلام من المخلوقا وسفيرا بينه وبين الله تعالى وقدم الصلحاء على الملائكة لفضلهم عليهم فى باب النصرة لان نصرة الملائة نصرة بالفعل القالبى ونصرة الصلحاء نصرة به وبالهمة وهى اشد وما يفيد البعدية من افضلية تظاهرهم على تظاهر الصلحاء فمن حيث الظاهر اذ هم اقدر على الافعال الشاقة من البشر فاقتضى مقام التهديد ذكر البعدية وفى قوله وصالح المؤمنين اشارة الى غريبة الطعنى الله تعالى عليها وهى ان صالحا اسم النبى عليه السلام كما فى المفردات فان قلت كيف هو ونصرة النبى لنفس محال قلت هذه نصرة من مقام ملكيته لمقام بشريته ومن مقام جمعه لمقام فرقه ومن مقام ولايته لمقام نبوته كالتسليم فى قوله السلام عليك أيها النبى ان صح انه عليه السلام قال فى تشهده ونظيره نصرة موسى عليه السلام لنفسه حين فر من القبط كما قال ففرت منكم وذلك لان فيه نصرة نفسه الناطقة لنفسه الحيوانية وفيه اشارة ايضا الى القلب والقوى الروحانية المنصورة على النفس بتأييد الله تعالى وتأييد ملك الالهام قال بعض الكبار ليس فى العالم العظم قوة من المرأة يسر لا يعرفه الا من عرف فيمن وجد العالم وبأى حركة اوجده الحق تعالى وانه عن مقدمتين فانه نتيجة والناتج طالب والطالب مفتقر والمنتوج مطلوب والمطلوب له عزة الافتقار اليه والشهوة فى ذلك غالبة فقد بان لك محل المرأة من الموجودات وما الذى ينظر اليها من الحضرة الالهية وبما ذا كانت لها القوة وقد نبه تعالى على ما خصها به من القوة بقوله وان تظاهرا الخ وما ذكر الا معينا قويا من الملائكة الذين لهم الشدة والقوة فان صالح المؤمنين يفعل بالهمة وهو اقوى من الفعل فان فهمت فقد رميت بك على الطريق فانه تعالى نزل الملائكة بعد ذكره نفسه وجبريل وصالح المؤمنين منزلة المعينين ولا قوة الا بالله وقد ابخر الشيخ افضل الدين الأحمدى فدس سره انه تفكر ذات ليلة فى قوله تعالى وما يعلم جنود ربك الا هو قال فقلت اين المنازع الذى يحتاج فى مقاتلته الى جنود السموات والارض وقد قال تعالى والله جنود السموات والارض واذا كان هؤلاء جنوده فمن يقاتلون وما خرج عنهم شخص واحد فاذا بها تف يقول لى لا تعجب فثمة ما هو اعجب فقلت وما هو فقال الذى قصه الله فى حق عائشة وحفصة قلت وما قص فتلا وان تظاهرا الخ فهذا اعجب من ذكر الجنود انتهى قال فتحرك خاطرى الى معرفة هذه العطمة التى جعل الله نفسه فى مقابلتها وجبريل وصالح المؤمنين فأخبرت بها فى واقعة فما سررت بشئ سرورى بمعرفه ذلك وعلمت من استندنا اليه ومن يقربهما وعلمت ان الله تعالى لولا ذكر نفسه فى النصرة ما استطاعت الملائكة والمؤمنون مقاومتها وعلمت انهما حصل لهما من العلم بالله والتأثير فى العلم ما اعطاهما هذه القوة وهذا من العلم الذى كهيئة المكنون فشكرت الله على ما اولى انتهى وكان الشيخ على الخواص قدس سره يقول ما أظن احدا من الخلق استند الى ما استند اليه هاتان المرأتان يقول لوط عليه السلام لو أن لى بكم قوة او آوى الى ركن شديد فكان عنده والله الركن الشديد ولكن لم يعرفه وعرفتاه عائشة وحفصة فلم يعرف قدر النساء لا سيما عائشة وحفصة الا قليل فان النساء من حيث هن لهن القوة العظيمة حتى ان اقوى الملائكة المخلوقة من انفاس العامة الزكية من كان مخلوقا من أنفاس النساء ولو لم يكن فى شرفهن الا استدعاؤهن اعظم ملوك الدنيا كهيئة السجود لهن عند الجماع لكان فى ذلك كفاية فان السجود أشرف حالات العد فى الصلاة ولولا الخوف من اثاره امر فى نفوس السامعين يؤديهم الى امور يكون فيها حجابهم عما دعاهم الحق تعالى اليه لأظهرت من ذلك عجبا ولكن لذلك اهل والله عليم وخبير .(15/416)
عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5)
{ عسى ربه } سز است وشايد بروردكار او .
يعنى النبى عليه السلام { ان طلقكن } اكر طلاق دهدشمارا كه زنان اوييد . وهو شرط معترض بين اسم عسى وخبرها وجواب محذوف او متقدم اى ان طلقكن فعسى { أن يبدله } اى يعطيه عليه السلم بدلكن { ازواجا } مفعول ثان ليبدله وقوله { خيرا منكن } صفة للازواج وكذا ما بعده من قوله مسلمات الى ثيبات وفيه تغليب المخاطب على الغائبات فالتقدير ان طلقكما وغير كما او تعميم لخطاب لكل الازواج بأن يكن كلهن مخاطبات لما عاتبهما بأنه قد صغت قلوبكما وذلك يوجب التوبة شرع فى تخوفيهما بان ذكر لهما انه عليه السلام يحتمل أن يطلقكما ثم انه ان طلقكما لا يعود ضرر ذلك الا اليكما لانه يبدله ازواجا خيرا منكما وليس فى الآية ما يدل على انه عليه السلام لم يطلق حفصة وان فى النساء خيرا منهن فان تعليق الطلاق للكل لا ينافى تطليق واحدة وما علق بام لم يقع لا يجب وقوعه يعنى ان هذه الخيرية لما علقت بما لم يقع لم تكن واقعة فى نفسها وكان الل عالما بأنه عليه السلام لا يطلقهن ولكن اخير عن قدرته على انه ان طلقهن ابدله خيرا منهن تخويفا لهن كقوله تعالى وان نتولوا يستبدل قوما غيركم لم لا يكونوا امثالكم فانه اخبار عن القدرة وتخويف لهم لا ان فى الوجود من هو خير من اصحاب محمد عليه السلام قيل كل عسى فى القرءآن واجب الا هذا وقيل هو اليضا واجب ولكن الله علقه بشرط وهو التطليق ولم يطلقهن فان المذهب انه ليس على وجه الارض نساء خير من امهات المؤمنين الا انه عليه السلام اذا طلقهن لعصيانهن له وأذاهن اياه كان غيرهن من الموصوفات بهذه الصفات مع الطاعة لرسول الله خيرا منهن وفى فتح الرحمن عسى تكون للوجوب فى ألفاظ القرآن واجب الا هذا وقيل هو ايضا واجب ولكن الله علقه بشرط وهو التطليق ولم يطلقهن فان المذهب انه ليس على وجه الارض نساء خير من امهات المؤمنين الا انه عليه السلام اذا طلقهن لعصبانهن له وأاهن اياه كان غيرهن من الموصوفات بهذه الصفات مع الطاعة لرسول الله خيرا منهن وفى فتح الرحمن عسى تكون للوجوب فى ألفاظ القرءآن الا فى موضعين احدهما فى سورة محمد هل عسيتم اى علمتم او تمنيتم والثانى هنا ليس بواجب لان الطلاق معلق بالشرط فلما لم يوجد الشرط لم يوجد الابدال { مسلمات مؤمنات } مقرات باللسان مخلصات بالجنان فليس من قبل التكرار او منقادات انقيادا ظاهريا بالجوارح مصدقات بالقلوب { قانتات } مطيعات اى مواظبات على الطاعة او مصليات { تائبات } من الذنوب { عابدات } متعيدات او متذللات لامر الرسول عليه السلام { سائحات } صائمات سمى الصائم سائحا لانه يسيح فى النهار بلا زاد فلا يزال ممسكا الى أن يجد ما يطعمه فشبه به الصائم فى امساكه الى أن يجيء وقت افطاره وقال بعضهم الصوم ضربان صوم حقيقى وهو ترك المطعم والمشرك والمنح وصوم حكمى وهو حفظ الجوارح من المعاصى كالسمع والبصر واللسان والسائح هو الذى يصوم هذا الصوم دون الاول انتهى او مهاجرات من مكة الى المدينة اذ فى الهجرة مزيد شرف ليس فى غيرها كما قال ابن زيد ليس فى امة محمد سياحة الا الهجرة والسياحة فى اللغة الجولان فى الارض { ثيبات } شوهر ديدكان { وابكارا } ودحتران بكر .(15/417)
والثيب الرجل الداخل بامرأة والمرأة المدخول بها يستوى فيه المذكر ولمؤنث فيجمع المذكر على ثيبين والمؤنث على ثيبات من ثاب اذا رجع سميت به المرأة لانها راجعة الى زوجها ان اقام بها والى غيره ان فارقها او الى حالتها الاولى وهى انه لا زوج لها فهى لا تخلو عن الوثب اى الرجوع وقس عليها الرجل وسميت العذرآء بالبكر لانها على اول حالتها التى طلعت عليها قال الراغب سميت التى لم تفتض بكرا اعتبارا بالثيب لتقدمها عليها فما يراد له النساء ففى البكر معنى الاولية والتقدم ولذا يقال البكرة لاول النهار والباكورة للفاكهة التى تدرك او لا وسط بينهما العاطف دون غيرهما لتنا فيهما وعدم اجتماعه9ما فى ذات واحد بخلاف سائر الصفات فكأنه قيل ازواجا خيرا منكن متصفات بهذه الصفات المذكورة المحودة كائنات بعضها ثيبات تعريضا لغيرعائشة وبعضها ابكارا تعريضا لها فانه عليه السلام تزوجها وحدها بكرا وهو الوجه فى ايراد الواو الواصلة دون او الفاصلة لانها توهم ان الكل ثيبات او كلها ابكار قال السهيلى رحمه الله ذكر بعض اهل العام ان فى ههذا اشارة الى مريم البتول وهى البكر والى آسية بينت مراحكم امرأة فرعون وان الله سيزوجه عليه السلام اياهما فى الجنة كما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال أبو الليث رحمه الله تكون وليمة فى الجنة ويجتمع عليها اهل الجنة فيزوج الله هاتين المرأتين يعنى آسية ومريم من محمد عليه السلام وبدأ بالثيب قبل البكر لان زمن آسية قبل زمن مريم ولان ازواج النبى عليه السلام كلهن ثيب الا واحدة وافضلهن خديجة وهى ثيبت فتكون هذه القبيلة من قبيلة الفضل والزمان ايضا لانه تزوج الثيب منهن قبل البكر وفى كشف الاسرار ( روى ) عن معاذ بن جبل رضى الله عنه ان النبى عليه السلام دخل على خديجة وهى تجود بنفسها يعنى وى وفات ميكند .
فقال أتكرهين ما نزل بك يا خديجة وقد جعل الله فى الكرة خيرا كثيرة فاذا قدمت على ضر انك فاقريئهن منى السلام فقالت يا رسول الله ومن هن قال مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وحليمة اخت موسى فقالت بالرفاء والبنين اى اعرست ملتبسا بالرفاء وهو التئام والانفاق والمقصود حسن المعاشرة وكان هذا دعاء الاوآئل للمعرس واحترز بالبنين عن البنات ثم نهى النبى عليه السلام عن هذا الاول وامر بأن يقول من دخل على الزوج بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما فى خير ثم ان المراد من الابدار أن يكون فى الدنيا كما افاده قوله تعالى ان طلقكن لان نساء الجنة يكن ابكارا سوآء كن فى الدنيا ثيبات او ابكارا وفى الحديث(15/418)
« ان الرجل من اهل الجنة ليتزوج خمسمائة حورآء واربعة آلاف ثيبت وثمانية الاف بكر يعانق كل واحدة منهن مقدار عمره فى الدنيا » فان قلت فاذا يكون اكثر اهل الجنة النساء وهو مخالف لقوله عليه السلام « يا معشر النساء تصدقن فانى أريتكن اكثر اهل النار » قلت لعلم المراد بالرجل بعض الرجال لان طبقات الابرار والمقربين متفاوته كما دل عليه قوله عليه السلم « أدنى اهل الجنة الذى له اثنتان وسبعون زوجة وثمانون ألف خادم ولا بعد فى كثرة الخادم » لما قال بعضهم ان اطفال الكفار خدام اهل الجنة على ان الخدام لا ينحصرون فيهم بل لاهل الجنة خدام اخر فان قلت كان عليه السام يحب الأخف الأيسر فى كل شئ فلما ذا كثر من النساء ولم يكتف منهن بواحدة او ثنتين قلت ذلك من اسرار النبوة ولذا لم يشبع من الصلاة ومن النساء ( روى ) انه عليه السلام أعطى قوة أربعين رجلا فى البطش والجماع وكل حلال يكدر النس الا الجماع الحلال فانه يصفيها ويجلى العقل والقلب والصدر ويورث السكون باندفاع الشهودة المحركة على ان شهوة الخواص ليست كشهوة العوام فان نار الشهوة للخواص بعد نور المحبة وللعوام قبله ثم ان فى الآيات المتقدمة فوآئد منها ان تحريم الحلال غير مرضى كما ان ابتغاء رضى الزوج بغير وجهه وجه ليس بحسن ومنها ان افشاء السر ليس فى المروءة خصوصا افشاء اسرار السلاطين الصورية والمعنوية لا يعفى وكل سر جاوز الاثنين شاع اى المسر والمسر اليه او الشفتين ومنها ان من الواجب على اهل الزلة التوبة والرجوع قبل الرسوه واشتداد القساوة ومناه ان الكبارة وجمال الصورة وطلاقة اللسان ونحوها وان كانت نفاسة جسمانية مرغوبة عند الناس لكن الايمان والاسلام والقنوت والتوبة ونحوها نفاسة روحانية مقبولة عند الله وشرف الحسب أفضل من شرف النسب والعلم الدينى والأدب الشرعى هما الحسب المحسوب من الفضائل فعلى العاقل أن يتجلى بالورع وهو الاجتباب عن الشبهات والتقوى وهو الاجتناب عن المحرمات ويتزين بزين انواع المكارم والاخلاق الحسنة والاوصاف الشريفة المستحسنة .(15/419)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)
{ يا ايها الذين آمنوا قوا انفسكم } امر من الوقاية بمعنى الحفظ والحماية والصيانة اصله او قيوا كاضربوا والمراد بالنفس هنا ذات الانسان لا النفس الامارة والمعنى احفظوا وبعدوا أنفسكم وبالفارسية نكاه داريد نفسهاى خودرا ودور كنيد . يعنى بترك المعاصى وفعل الطاعت { وأهليكم } بالنصح والتأديب والتعليم اصله أهلين جمع اهل حذفت النون بالاضافة وقد يجمع على اهالى على غير قياس وهو كل من فى عيال الرجل والنفقته من المرأة والولد والأخ والاخت والعم وابنه والخادم ويفسر بالاصحاب ايضا ودلت الآية على وجوب الأمر بالمعروف للأقرب فالأقرب وفى الحديث « رحم الله رجلا قال يا أهلاه صلاتكم صيامكم زكاتكم مسكينكم يتيمكم جيرانكم لعل الله يجمعكم معهم فى الجنة » وفى الحديث « كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته » وهو من الرعاية بمعنى الحفظ يعنى كلكم ملتزم بحفظ ما يطالب به من العدل ان كان وليا ومن عدم الخيانة ان كان موليا عليه وكلكم مسئول عما التزم حفظه يوم القيامة فالامام على الناس راع والرجل راع على أهل بيته والمرأة راعية على بيت زوجها وولد وعبد الرجل راع على مال سيده والكل مسئول وقيل أشد الناس عذابا يوم القيامة من جهل اهله وخص الأهلين بالنصيحة مع ان حكم الاجانب كحكمهم فى ذلك لان الاقارب اولى بالنصيحة لقربهم كما قال تعالى قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وقال تعالى وانذر عشيرتك الاقربين ولان شرآئط الامر والنهى قد لا توجد فى حق الاجانب بخلاف الاقارب لا سيما الاهل فان الرجل سلطان اهله وقال بعض اهل الشارة فى الآية طهروا أنفسكم عن دنس محبة الدنيا حتى تكون اهاليكم صالحين بمتابعتكم فاذا رغبتم فى الدنيا فهم يشتغلون بها فان زلة الامام زلة المأمومين وقال القاشانى رحمه الله الأهل بالحقيق هو الذى بينه وبين الرجل تعلق روحانى واتصال عشقى سوآء اتصل به اتصالا جسمانيا ام لا وكل ما تعلق به تعلقا عشقيا فبالضرورة يكون معه فى الدنيا والآخرة فوجب عليه وقايته وحفظه من النارى كوقاية نفسه فان زكى نفسه عن الهيئات الظلمانية وفيه ميل ومبحة لبعض النفوس المنغمسة فيها لم يزكها بالحقيقة لانه بتلك المحبة ينجذب اليها فيكون معها فى الهاوية محجوبا بها سوآء كانت قواه الطبيعية الداخلة فى تركيبه ام نفوسا انسانية منتكسة فى عالم الطبيعة خارجة عن ذاته ولهذا يجب على الصادق محبة الاصفياء والاولياء ليحشر معهم فان المرء يحشر مع من احب { نارا } نوعا من النار { وقودها } ما يوقد به تلك النار يعنى حطبها وبالفارسية آتش انكيزوى .
فالوقود بالفتح اسم لما توقد به النار من الحطب وغيره والوقود بالضم مصدر بمعنى الانقاد وقرئ به بتقدير اسباب وقودها او بالحمل على المبالغة { الناس } كفار الانس والجن وانما لم يذكر الجن ايضا لان المقصود فى الآية تحذير الانس ولان كفار الجن تابعة لكفار النس لان التكذيب انما صدر اولا من الانس { والحجارة } اى تتقد بها ايضا اتقاد غيرها بالحطب ففيه بيان لغاية احراقها وشدة قوتها فان انقاد النار بالحجارة مكان الحطب من الشجرة يكون من زيادة حرها ولذلك قال عليه السلام باركم جزء من سبعين جزأ من نار جهنم وعن ابن عباس رضى الله عنهما هى حجارة الكبريت وهى اشد الاشياء حرا اذا اوقد عليها ولها سرعة الاتقاد ونتن الرآئحة وكثرة الدخان وشدة الالتصاق بالابدان فيكون العذاب بها اشد وقيل وقودها الناس اذا صاروا اليها ولحجارة قبل أن يصيروا اليها ( قال الكاشفى ) تابتان سنكين كه كفارمى برستند .(15/420)
دليله قوله تعالى انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم وقرن الناس بالحجارة لانهم نحتوها واتخذوها اربابا من دون الله يا كنجهاى زروسيم كه منشأ آن سنكست
زدوسيمند سنك زرد وسفيد ... اندرين سنكها مينداميد
دلى ازسنك سختتربايد ... كه زسمكيش راحت افزايد
دل ازين سنك اكرتوبرنكنى ... سرز حسرت بسى بسنك زنى
وقيل أراد بالحجارة الذين هم فى صلابتهم عن قبول الحق كالحجارة كمن وصفهم بقوله فهى كالحجارة او اشد قسوة كما قال فى التأويلات النجمية يا أيها الذينان آمنوا بالايمان العلمى قوا أنفسكم واهليكم من القوى الروحانية نار حجاب البعد والطرد التى يوقدها حطب وجود الناسين ميثاق ألست بربكم قالوا بلى وحجارة قلوبهم القاسية وهم الصفات البشرية الطبيعية الحيوانية البهيمية السبعة الشيطانية انتهى وامر الله المؤمنين باتقاء هذه النار المعدة للكافرين كما نص عليه فى سورة البقرة حيث قال فان لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجارة اعدت للكافرين للمبالغة فى التحذير ولان الفساق وان كانت دركاتهم فوق دركات الكفار فانهم تبع للكفار فى دار واحد فقيل للذين آمنوا قوا أنفسكم باجبناب الفسوق مجاورة الذين اعدت لهم هذه النار اصالة ويبعد أن يأمرهم بالتوقى عن الارتداد كما فى التفسير الكبير { عليها } اى على تلك النار العظيمة { ملائكة } تلى امرهم وتعذيب اهلها وهم الزبانية التسعة عشر واعوانهم فليس المراد بعلى الاستعلاء الحسى بل الولاية والقيام والاستيلاء والغلبة على ما فيها من الامور قال القاشانى هى القوى السماوية والملكوتيه الفعالة فى الامور الارضية التى هى روحانيات الكواكب السبعة والبروج الاثنى عشر المشار اليها بالزبانية التسعة عشر وغيرها من المالك الذى هو الطبيعة الجسمانية الموكلة بالعالم السفلى وجميع القوى والملكوت المؤثرة فى الاجسام التى لو تجردت هذه النفوس الانسانية عنها ترقت من مراتبها والصلب بعالم الجبروت وصارت مؤثرة فى هذه القوى الملكونية ولكنها لما انغمست فى الامور البدنية وقرنت أنفسها بالاجرام الهيولانية المعبر عنها بالحجارة صارت متأثرة منها محبوسة فى اسرها معذبة بأيديها { غلاظ } غلاظ القلوب بالفارسية سطبر جكران .(15/421)
جمع غليظ بمعنى خشن خال قلبه عن الشفقة والرحمة { شداد } شداد القوى جمع شديد بمعنى القوى لانهم اقوياء لا يعجزون عن الانتقام من اعدآء الله على ما مروا به وقيل غلاظ الاقوال شداد الافعال اقوياء على الافعال الشديده يعملون بأرجلهم كما يعملون بأيديهم اذا استرحموا لم يرحموا لانهم خلقوا من الغضب وجبلوا على القهر لا لذة لهم الا فيه فمقتضى جبلتهم تعذيب الخلق بلا مرحكمة كام ان مقتضى الحيوان الاكل والشرب ما بين منكى احدهم مسيرة سنة او كما بين المشرق والمغرب بضرب احدهم بمقمعته ضربة واحدة سبعين ألفا فيهوون فى النار { لا يعصون الله ما امرهم } اى امره فى عقوبة الكفار وغيرها على انه بدل اشتمال من الله وما مصدرية او فيما امرهم به على نزع الخافض وما موصولة اى لا يمتنعون من قبول الامر ويلتمزنه ويعزمون على اتيانه فليست هذه الجملة مع التى بعدها فى معنى واحد ( وقال الكاشفى )
برشوت فرفته نشوند تامخالفت امربايد كرد ... كأعوان ملوك الدنيا يمتنعن بالرشوة
{ ويفعلون ما يؤمرون } اى يؤدون ما يؤمرون به من غير تثاقل وتوان وتأخير وزيادة ونقصان وقال القاضى لا يعصون الله ما امرهم فيما مضى ويستمرون على فعل ما يؤمرون به فى المستقبل قال بعضهم لعل التعبير فى الامر اولا بالماضى مع نفى العصيان بالمستقبل لما ان العصيان وعدمه يكونان بعد الامر وثانيا بالمستقبل لما امرهم بعذاب الاشقياء يكون مرة بعد مرة قال بعض الكبار فى هذه الآية دليل على عصمة جميع الملائكة السماوية وذلك لانهم عقول مجردة بلا منازع ولا شهوة فيهم مطيعون بالذات بخلاف البشر والملائكة الى السماء ابدا كما ان منهم من لا ينزل من السماء الى الارض ابدا وفيها دليل ايضا على انه لا نهى عند هؤلاء الملائكة فلا عبادة للنهى عندهم ففاتهم اجر ترك المنهيات بخلاف الثقلين وملائكة الارض فانهم جمعوا بين اجر عبادة الامر واجر اجتناب النهى قال الكرمانى فى شرح البخارى ان قلت التروك ايضا عمل لان الاصح ان الترك كف النفس فيحتاج الى النية قلت نعم اذا كان المقصود امثال امر الشارع وتحصيل الثواب اما فى اسقاط العقاب فلا فالتارك للزنى يحتاج فيه لتحصيل الثواب الى النبة وما اشتهر ان التروك لا تحتاج اليها يريدون به فى الاسقاط يعنى لو أريد بالتروك وتحصيل الثواب وامتثال امر الشارع لا فيه من قصد الترك امتثالا لامر الشارع فتارك الزنى ان قصد تركه امتثال الا مريثات(15/422)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7)
{ يا أيها الذين كفروا } ايى يقال لهم عند ادخال الملائكة اياهم النار حسما امرو وابه يعنى جون زبانيه كافران رابكناه دوزخ آرند ايشان آغاز اعتذار كرده داعية خلاصى نمايند بس حق تعالى باملائكة كويد يا ايها الذين كفروا { لا تعتذروا اليوم } اى فى هذا اليوم يعنى عذر مكوييد امر وزكه عذر مقبول نيست وفائده نخواهد داد .
قال القاشانى اذ ليس بعد خراب البدن ورسوخ الهيئات المظلمة الى الجزآء على اعمال لامتناع الاستكمال ثمه والاعتذار بالفارسية عذر خواستن .
يقال اعتذرت الى فلان من جرمى ويعدى بمن والمعتذر قد يكون محقا وغير محق قال الراغب العذر تجرى الانسان ما يمحو به وذلك ثلاثة اضرب ان يقول لم أفعل او يقول فعلت لاجل كذا فيذكر ما يخرجه عن كونه مذنبا او يقول فعلت ولا أعود ونحو ذلك وهذا الثالث هو التوبة فكل توبة عذر وليس كل عذر توبة واعتذرت اليه تيت بعذر وعذرته قبلت عذره { انما تجزون ما كنتم تعملون } فى الدنيا من الكفر والمعاصى بعد ما نهيتم عنها اشد النهى وامرتم بالايمان والطاعة فلا عذر لكم قطعا أى حقيقة وانهى عن الاتيان بما هو عذر صورة فى حسبانهم وفى بعض التفاسير لا تعذروا اليوم لما انه ليس لكم عذر يعتد به حتى يقبل فينفعكم وهذا النهى لهم ان كان قبل مجيئ الاعتذار منهم فيوافق ظاهر قوله تعالى ولا يؤذن لهم فيعتذرون وان كان بعده فيؤول هذا القول وقال لا يؤذن لهم أن يتموا اعتذارهم ولا يسمع اليه وفى التأويلات النجمية قل للذين ستروا الحق بالباطل وحجبوا عن شهود الحق فى الدنيا لا تطلبوا مشاهدة الحق فى الآخرة انما تكافأون بعدم رؤية الحق اليوم لعدم رؤيتكم له فى يوم الدنيا كما قال ومن كان فى هذه اعمى فهو فى الآخرة اعمى واضل سبيلا انتهى .
قال بعض العارفين لا يتحسر يوم القيامة على فوات الاعمال الصالحة الا العامة اما العارفون فلا يرون لهم عملا يتحسرون على فواته بل ولا يصح الفوات ابدا انما هى قسمة عادلة يجب على كل عبد الرضى بها وقول الانسان أنا مقصر فى جنب الله هو من باب هضم النفس لا حقيقة اذ لا يقدر احد أن ينقص مما قسم له ذرة ولا يزيد عليه ذرة فلا يصح الخدم الا فى عمال توهم العبد انهاله ثم فوتها وذلك لا يقوله عارف ( مصراع ) در دائره قسمت من نقطه تسلم .(15/423)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)
{ يا أيها الذين آمنوا توبا الى الله توبة نصوحا } التوبة أبلغ وجوه الاعتذار بان يقول فعلت وأسأت وقد اقلت وفى الشرع ترك الذنب لقبحه والندم على ما فرط منه والعزيمة على ترك المعاودة وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من العمال بالاعادة فمتى اجتمع هذه الاربعة قد كملت شرائط التوبة كما فى المفردات والنصح تحرى فعل او قول فيه صلاح صاحبه والنصوح فعول من ابينة المبالغة كقولهم رجل صبور وشكور اى بالغة فى النصح وصفت التوبة بذلك على الاسناد المجازى وهو وصف التائبين وهو أن ينصحوا أنفسم بالتوبة فيأتوا بها على طريقتها وذلك أن يتوبوا من القبائح لقبحها نادمين عليها مغتمين اشد الاغتمام لارتكابها عازمين على انهم لا يعودون فى قبيح من القبائح الا أن يعود اللبن فى الضرع وكذا لو حزوا بالسيف واحرقوا بالنار موطنين أنفسم على ذلك بحيث لا يلويهم عنه صارف اصلا وعن على رضى الله عنه انه سمع اعرابيا يقول اللهم انى استغفرك وأتوب اليك فقال يا هذا ان سرعة اللسان بالتوبة توبة الكذابين قال وما التوبة قال ان التوبة يجمعها ستة اشياء على الماضى من الذنوب الندامة وللفرآئض الاعادة اى القضاء صلاة او صوما او زكاة او نحوها ورد المظالم واستحلال الخصوم وأن تعزم على أن لا تعود وأن تذيب نفسك فى طاعة الله كما ربيتها فى المعصية وأن تذيقها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعاصى قال سعدى المفتى والمذهب السنى انه يكفى فى تحقق التوبة الندم والعزم على أن لا يعود بخلاف اهل الاعتزال حيث يلزم فى تحققها عندهم رد المظالم وهو عندنا غير واجب فى التوبة قال بعض الكبار ما لم يتكن التوبة عامة من جميع المخالفات فهى ترك لا توبة وقيل نصوحا من نصاحة الثوب بالفتح وهى بالفرسية جامعه دوختن اى توبة ترفوا خروقك فى دينك وترم خللك وفى الحديث « المؤمن واه راقع فطوبى لمن مات على رقعه » ومعناه أن يخرق دينه ثم يرقعه بالتوبة ونحوه استقيموا ولن تحصوا اى لن تستطيعوا أن تستقيموا فى كل شئ حتى لا تميلوا ومنه يا حنظلة ساعة فساعة ومن بلاغات الزمخشرى ما منع قول الناصح أن يروقك وهو الذى ينصح خروقك شبه فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح له بما يسده من خلل الثوب وقيل خالصة من قولهم عسل ناصح اذا خلص من الشمع شبه التوبة فى خلوصها بذلك وكذا تخلص قول الناصح من الغشب بتخلص العسل من الخلط ويجوز أن يراد توبة تنصح الناس اى تدعوهم الى مثلها لظهور اثرها فى صاحبها واستعماله الجد والعزيمة فى العمل بمقتضياتها وقال ذو النون المصرى قدس سره التوبة ادمان البكاء على على ما سلف من الذنوب والخوف من الوقوع فيها وهجران اخوان السوء وملازمة اهل الجنة وقال التسترى رحمه الله هى توبة ا لسنى لا المبتدع لانه لا توبة له بدليل قوله عليه السلام حجر الله على كل صاحب بدعة أن يتوب وقال الواسطى قدس سره هى أن يتوب لا لغرض وقال الشيخ أبو عبد الله بن حفيف قدس سره طالب عباده بالتوبة وهو الرجوع اليه من حيث ذهبوا عنه والنصوح فى التوبة الصدق فيها وترك ما منه تاب سرا وعلنا وقولا وفكرا وقال القاشانى رحمه الله مراتب التوبة كمراتب التقوى فكما ان اول مراتب التقوى هو الاجتناب عن المنهيات الشرعية وآخرها الاتقاء عن الانانية والبقية فكذلك التوبة اولها الرجوع عن المعاصى وآخرها الرجوع عن ذنب الوجود الذى هو من امهات الكبائر عند اهل التحقيق(15/424)
{ عسى ربكم } شايد بروردكار شما وفى كشف الاسرار الله برخود واجب كرد نائب را از شما { أن يكفر عنكم سيئاتكم } يسترها بل يمحوها ويبدلها حسنات { ويدخلكم جنات } جمع جنات اما لكثرة المخاطبين لان لكل منهم جنة او لتعددها لكل منهم من الانواع { تجرى من تحتها الانهار } قال فى الارشاد ورود صيغة الاطماع والترجية للجرى على سنن الكبرياء فان الملوك يجيبون بلعل وعسى ويقع ذلك ذلك موقع القطع والاشعار بأنه تفضل والتوبة غير موجبة له وان العبد ينبغى أن يكون بين خوف ورجاء وان بالغ فى اقامة وظائف العبادة .
يقول الفقير التكفير اشارة الى الخلاص من الجحيم لان السيئات هى سبب العذاب فاذا ذال السب زال المسبب وادخال الجنات اشارة الى التقريب لان الجنان موضع القرب والكرامة وجريان الانها اشارة الى الحياة الأبدية لان الماء اصل الحياة وعنصرها فلا بد للانسان فى مقابلة هذه الانهار من ماء العلم ولبن الفطرة وعسل الالهام وخمر الحال فكما ان الحياة المعنوية فى الدنيا انما تحصل بهذه الاسباب فكذا الحياة الصورية فى الآخرة انما تحصل بصورا { يوم لا يخزى الله النبى } ظرف ليدخلكم والاخزآء دور كردن ورسوا كردن وخوار كردن وهلاك كردن .
ومعنى هذه الكلمة يقرب بعضها من بعض كما فى تاج المصادر والنبى المعهود .
يعنى روزى كه حجل نكند خداى تعالى بيغمبررا يعنى نه نفس اورا عذاب كندونه شفاعت اورا درباره عاصبان مردود سازد .
قال بعض اهل التفسر يخزى اما من الخزى وهو الفضاحة فيكون تعريضا للكفرة الذين قال الله تعالى فيهم ان الخزى اليوم والسوء على الكافرين او من الخزاية بمعنى الحياء والخجل وهو الأنسب هنا بالنظر الى شأن الرسول خصوصا اذا تم الكلام فى النبى وان أريد المعنى الاول حينئذ يجوز أن يكون باعتبار أن خزى الامة لا يخلو عن انشاء خزى ما فى الرسول على ما يشعر به قوله فى دعائه اللهم لا تخزنا يوم القيامة ولا تفضحنا يوم اللقاء بعض الاشعار حيث لم يقل لا تخزنى كما قال ابراهيم عليه السلا ولا تخزنى يوم يبعثون ليكيون دعاؤه عاما لامته من قوة رحمته وأدخل فيهم نفسه العالية من كمال مروءته قيل الخزى كناية من العذات لملازمة بينهما والاولى العموم لكل خزى يكون سببا من الاسباب من الحساب والكتاب والعقاب وغيرها { والذين آمنوا معه } عطف على النبى ومعه صلة لا يخزى اى لا يخزى الله معه الذين آمنوا اى يعمهم جميعاً بأن لا يخزيهم او حال من الموصول بمعنى كائنين معه او متعلق بآمنوا وهو الموافق لقوله تعالى واسلمت مع سليمان اى ولا يخزى المؤمنين الذين اتبعوه فى الايمان كما قال آمن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون وذلك بسوء الحساب والتعبير والعتاب وذل الحجاب ورد الجواب فيحاسبهم حسابا يسيرا بل ويرفع الحساب عن بعضهم ويلاطفهم ويكشف لهم جماله ويعطى مأمولهم من الشفاعة لاقاربهم واخوانهم ونحولهم وقال داود القيصرى رحمه الله فى قوله تعالى واسلمت مع سليمان اى اسلام سليمان اى اسلمت كما اسلم سليمان ومع فى هذا الموضع كمع فى قوله يوم لا يخزى الله النبى والذين آمنوا معه وقوله وكفى بالله شهيدا محمد رسول الله والذين معه ولا شك ان زمان ايمان المؤمنين ما كان مقارنا لزمان ايمان الرسول وكذا اسلام بلقيس ما كان عند اسلام سليمان فالمراد كما انه آمن بالله آمنوا بالله وكما انه اسلم اسلمت لله انتهى كلام القيصرى وتم الكلام عند قوله معه وفيه تعريض بمن اخزاهم الله من اهل الكفر ولافسوق كما سبق واستحماد الى المؤمنين على انه عصمهم من مثل حالهم وقيل قوله والذين الخ مبتدأ خبره ما بعده من قوله نورهم الخ او خبره معه والمراد بالايمان هو الكامل حينئذ حتى لا يلزم أن لا يدخل عصاة المؤمنين النار { نورهم } اى نور ايمانهم وطاعتهم على الصراط قال فى عين المعانى نور الاخلاص على الصراط لاهل المعاملة بمنزلة الشمع ونور الصدق لارباب الاحوال بمنزلة القمر ونور الوفاء لاهل المحبة بمنزلة شعاع الشمس { يسعى } السعى المشى القوى السريع ففيه اشارة الى كمال اللمعان { بين ايديهم } اى يضيء بين ايديهم يعنى قدامهم جمع يد يراد بها قدام الشئ لتكون بين اليدين غالبا فالجمع اما باطلاقه على التثنية او بكثرة ايدى العباد { وبأيمانهم } جمع بيمين مقابل الشمال اى وعن ايمانهم وشمائلهم على وجه الاضمار يعنى جهة ايمانهم وشمائلهم او عن جميع جهاتهم وانما اكتفى بذكرهما لانهما أشرف الجهاد ومن ادعيته عليه السلام اللهم اجعل فى قلبى نورا وفى سمعى نورا وفى بصرى نورا وعن يمينى نورا وعن شمالى نورا وأمامى نورا وخلفى نورا وفوقى نورا وتحتى نورا واجعلنى نورا وقال بعضهم تخصيص الأيدى والايمان لان ارباب السعادة يؤتون صحائف اعمالهم منهما كما ان اصحاب الشقاوة يؤتون من شمائلهم و ورآء ظهورهم فيكون ذلك علامة لذلك وقائدا على الصراط الى دخول الجنة وزينة لهم فيها وقال القاشانى نورهم يسعى بين أيديهم اى الذين لهم بحسب النظر والكمال العلمى وبأيمانهم اى الذى لهم بحسب العمل وكماله اذ لنور العلمى من منبع الوحدة والعلمى من جانب القلب الذى هو يمين النفس او نور السابقين منهم يسعى بين أيديهم ونور الابرار منهم يسعى بايمانهم وقد سبق تمامه فى سورة الحديد وفى الحديث من المؤمنين من نوره ابعد ما بيننا وبين عدن ابين ومنهم من نوره لا يجاوز قدمه { يقولون } اى يقول المؤمنون وهو الظاهر او الرسول لامته والمؤمنون لانفسهم اذا طفئ نور المنافقين اشفاقا اى يشفقون على العادة البشرية على نورهم ويتفكرون فميا مضى منهم من الذنوب فيقولون { ربنا } اى بروردكارما { اتمم لنا نورنا } نكاه دار وباقى دار نورما تابسلامت بكذريم .(15/425)
فيكون المراد بالاتمام هو الادامة الى ان يصلوا الى دار السلام { واغفر لنا } يعنى از ظلمت كناه باك كن { انك على كل شئ قدير } من الاتمام والمغفرة وغيرهما وقيل يدعون تقربا الى الله تعالى مع تمام نورهم كقوله واستغفر لذنبك وهو مغفور له قال فى الكشاف كيف يتقربون وليست الدار دار تقرب قلت لما كانت حالهم كحال المتقربين يطلبون ما هو حاصل لهم من الرحمة سماه تقربا وقيل يتفاوت نورهم بحسب اعمالهم فيسألون اتمامه نقضلا فيكون قوله يقولون من باب بنو افلان قتلوا زيدا وقيل السابقون الى الجية يمرون مثل البرق على الصراط وبعضهم كالريح وبعضهم حبو او زخفا واولئك الذين يقولون ربنا اتمم لنا نورنا وقال سهل قدس سره لا يسقط الافتقار الى الله عن المؤمنين فى الدنيا ولآخرة وهم فى العقبى اشد افتقار اليه وان كانوا فى دار العز والغنى ولشوقهم الى لقائه يقولون اتمم لنا نورنا .
واعلم ان ما لا يتم فى هذه الدار لا يتم هناك الا ما كان متعلق النظر والهمة هنا فاعرف ثم ان الانوار كثيرة نور الذات ونور الصفات ونور الافعال ونور الافعال ونور العبادات مثل الصلاة والوضوء وغيرهما كما قال عليه السلام فى حديث طويل « والصلاة نور والسر فيه ان المصلى يناجى ربه ويتوجه اليه » وقد قال عليه السلام « ان العبد اذا قام يصلى فان الله ينصب له وجهه تلقاءه والله نور وحقيقة العبد ظلمانية فالذات المظلمة اذا واجهت الذات النيرة وقابلتها بمحاذات صحيحة فانها تكتسب من انوار الذات النيرة ألا ترى ان القمر الذى هو فى ذاته جسم اسود مظلم كشيف صقيل كيف يكتسب النور من الشمس بالمقابلة وكيف يتفاوت اكتسابه للنور بحسب التفاوت الحاصل فى المحاذاة والمقابلة فاذا تمت المقابلة وصحت المحاذاة كمل اكتساب النور وفى الحديث بشر المشائين فى الظلم الى المساجد بالنور التام فى يوم القيامة وفيه اشارة الى ان كل ظلمة ليست بعذر لترك الجماعة بل الظلمة الشديدة فان الاعذار التى تبيح التخلف عن الجماعة المرض الذى يبيح التيمم ومثله كونه مقطوع اليد والرجل من خلاف او مفلوجا او لا يستطيع المشى او أعمى او المطر والطين والبرد الشديد والظلمة الشديدة للصحيح وكذا الخوف من السلطان او غيره من المتغلبين وفى الحديث وددت انا قد رأينا اخواننا »(15/426)
قالوا يا رسول الله ألسنا اخوانك قال انتم اصحابى واخواننا الذين لم يأتوا بعد فقالوا كيف تعرف من لم يأت بعد من امتك يا رسول الله فقال أرأيتم لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهرانى خيل دهم بهم ألا يعرف خليله قالوا بلى يا رسول الله قال فانهم يأتون غرا محجلين من الوضوء وانا فرطهم على الحوض استعار عليه السلام لأثر الوضوء من البياض فى وده المتوضى ويديه ورجليه بنور الوضوء يوم القيامة من البياض الذى فى وجه الفرس ويديه ورجليه فان الغر جمع الاغر والغرة بالضم بياض فى جبهة الفرس فرق الدرهم والتحجيل بتقديم الحاء المهملة بياض قوآئم الفرس كلها ويكون فى رجلين ويد وفى رجلين فقط وفى رجل فقط ولا يكون فى اليدين خاصة الا مع الرجلين والدهم جمع الأدهم بمعنى الاسود فان الدهمة بالضم السواد والبهم جمع الأبهم وفرس بهيم اذا كان على لون واحد لم يشبه غيره من الالوان ومنه استعير ما روى انه يحشر الناس يوم القيامة بهما بالضم اى ليس بهم شئ مما كان فى الدنيا نحو البرص والعرج والفرط بفتحتين المتقدم لاصلاح الحوض والدلو(15/427)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9)
{ يا ايها النبى } اى رسول خبر دهنده يا بلند قدر { جاهد الكفار } بالسيف يعنى جهادكن با كافران بشمشير { والمنافقين } بالحجة او بالوعيد والتهديد او بالقائم بوجه قهر أو بافساد سرهم وقال القاشانى جاهد الكفار والمنافقين للمضادة الحقيقية بينك وبينهم قيل النفاق مستتر فى القلب ولم يكن للنبى عليه السلام سبيل الى ما فى القلوب من النفاق والاخلاص الابعد اعلام من قبل الله فأمر عليه السلام بمجاهدة من علمه منافقا باعلام الله اياه باللسان دون السيف لحرمة تلفظه بالشهادتين وأن يجرى عليه احكام المسلمين ما دام ذلك الى أن يموت { واغلظ عليهم } واستعمل الحشونة على الفريقين فيما تجاهدهما به من القتال والمحاجة وفيه اشارة الى ان الغلظة على اعدآء الله من حسن الخلق فان ارحم الرحماء اذا كان مأمورا بالغلظة عليهم فما ظنك بغيره فهى لا تنافى الرحمة على الاحباب كما قال تعالى أشدآء على الكفار رحماء بينهم { ومأواهم جهنم } سيرون فيها عذاب غليظا يعنى ومقام باز كشت كفران ومنافقان اكر ايمان نيارند ومخلص نشوند دوزخست .
قال القاشانى ما داموا على صفتهم او دآئما ابدا الزوال استعدادهم او عدمه { وبئس المصير } اى جهنم او مصيرهم وفيه تصريح بما علم التزاما مبالغة فى ذمهم وفيه اشارة الى نبى القلب المجاهد فى سبيل الله فانه مأمور بجهاد الكفار اى النفس الامارة بالسوء وصفاتها الحيوانية الشهوانية وبجهاد المنافقين اى الهوى المتبع وصفاته البهيمية والسبعية وبالغلظة عليهم بسيف الرياضة ورمح المجاهدة ومقامهم جهنم البعد والحجاب وبئس المصير اذ ذل الحجاب وبعد الاحتجاب اشد من شدة العذاب .
يقول الفقير اذا كان الاعدآء الظاهرة يحتاجون الى الغلظة والشدة فما ظنك باعدى الاعدآء وهى النفس الامارة ففى الغلظة عليها نجاة وفى اللين هلاك ولذا قال بعض الشعراء
هست نرمى آفت جون سمور ... وزدرشتى مى برد جان خاربشت
وفى المثل العصا لمن عصا وقول الشيخ سعدى
درشتى ونرمى بهم در بهست ... جو فصاد جراح ومرهم نهست
يشير الى ان للمؤمن صفحة الجمال والجلال وبهاء الكمال فأول المعاملات الجمال لان الله تعالى سبقت رحمته ثم الجلال فلما لم تقبل الكفار الدعوة بالرفق واللين وكذا المنافقون الاخلاص واليقين امر الله تعالى نبيه عليه السلام بالغلظة عليهم ليظهر احكام كل من الاسماء المتقابلة ففيه اشارة الى ان من خلق للرحمة وهم المؤمنون الا يغضب عليهم لوا يغلظ لانه قلب الحكمة وعكس المصلحة وان من خلق للغضب وهم الكفار والمنافقون لا يرحم لهم ولا يرفق بهم لذلك ودخل فيهم اهل البدعة للغضب وهم الكفار والمنافقون لا يرحم لهم ولا يرفق بهم لذلك ودخل فيهم اهل البدعة ولذا لا يجوز أن يلقاهم السنى بوجه طلق وقد عاب الله بعض من فعل ذلك فعلى المؤمن أن يجتهد فى طريق الحق حتى يدفع كيد الأعدآء ومكر الشياطين عن الظاهر والباطن ويديم ذلك لان به يحصل الترقى الذى هو من خصائص الانسان ولذا خص الجهاد بالثقلين واما جهاد الملائكة فبالتبعية او بتكثير السواد فاعرف .(15/428)
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)
{ ضرب الله مثلا للذين كفروا } ضرب المثل فى امثال هذه المواضع عبارة عن ايراد حالة غريبة ليعرف بها حالة اخرى مشاكلة لها فى الغرابة اى يجعل الله مثالا لحال هؤلاء الكفرة حالا ومآلا على ان مثلا مفعول ثان لضرب واللام متعلقة به { امرأة نوح وامرأة لوط } اى حالهما مفعوله الاول اخر عنه ليتصل به ما هو شرح وتفسير لحالهما ويتضح بذلك حال هؤلاء وامرأة نوح هى واعلة بالعين المهمله او والعة وامراة لوط هى واهلة بالهاء { كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين } بيان لحكالهما الداعية لهما الى الخير والصلاة والمراد بكونهما تحتهما وكونهما فى حكمهما وتصرفهما بعلاقة النكاح والزواج وصالحين صفة عبدين اى كانتا تحت تكاح نبيين وفى عصمة رسولين عظيمين الشان متمكنتين من تحصيل خير الدنيا والآخرة وخيازة سعادتهما واظهار العبدين المراد بهما نوح ولوط لتعظيمهما بالاضافة التشريفية الى ضمير التعظيم والوصف بالصلاح والا فيكفى أن يقول تحتهما وفيه بيان شرف العبودية والصلاح { فخانتاهما } بيان لما صدر عنهما من الجناية العظيمة مع تحقق ما ينفيهما من صحة النبى والخيانة ضد الامانة فهى انما تقال اعتبارا بالعهد والامانة اى فخانتاهما بالكفر والنفاق والنسبة الى الجنون والدلالة على الاضياف ليتعرضوا لهم بالفجور لا بالبغاء فانه ما بغت امرأة نبى قط فالبغى للزوجة شد فى ايراث الانفة لاهل العار والناموس من الكفر وان كان الكفر اشد منه فى أن يكون جرما يؤاخذ به العبد يوم القيامة وهذا تصوير لحالهما المحاكية لهؤلاء الكفرة فى خيانتهم لرسول الله عليه السلام بالكفر والقصيان مع تمكنهم التام من الايمان والطاعته { فلم يغنيا } الخ بيان لما ادى اليه خيانتهما اى فلم يغن النبيان { عنهما } اى عن تينك المرأتين بحق الرواج { من الله } اى من عذابه تعالى { شيأ } من الاغناء اى لم يدفعا العذاب عنهما زن نوح غرق شد بطوفان وبر سرزن لوط سنك باريد { وقيل } لهما عند موتهما او يوم القيامة وصيغة المضى للتحقق قاله الملائكة الموكلون بالعذاب { ادخل النار مع الداخلين } اى مع سائر الداخلين من الكفرة الذين لا وصلة بينهم وبين الاولياء ذكر بلفظ المذكر لانهن لا ينفردن بالدخول واذا اجتمعا فالغاية للذكور وقطعت هذه لآية طمع من يرتكب المعصية أن ينفعه صلاح غيره من غير موافقة له فى الطريقة والسيرة وان كان بينه وبينه لحكمة نسب او وصلة صهر قال القاشانى الوصل الطبيعية والاتصلات الصورية غير معتبرة فى الامور الاخروية بل المحبة الحقيقية والاتصالات الروحانية هى المؤثرة فحسب والصورية التى بحسب اللحمية الطبيعية والخلط والمعاشرة لا يتبقى لها اثر فيما بعد الموت اذ لا انساب بينهم يوم القيامة وقيس عليه النسب الباطنى فان جميع القوى الخيرية والشريرة وان تولدت من بين زوجى الروح والجسد لكن الشريرة ليست من اهل الروح فى الحقيقة مثل ولد نوح فكل من السعدآء والاشقياء مفترقون فىلدارين
جه نسبت است برندى صلاح وتقويرا ... سماع وعظ كجا نغمه رباب كجا(15/429)
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)
{ وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون } اى جعل حالها مثلا لحال المؤمنين فى ان وصلة الكفر لا تضرهم حيث كانت فى الدنيا تحت اعدآء الله وهى فى اعلى غرف الجنة والمراد آسية بنت مزاحم يقال رجل آسى وامرأة آسية من الأسى وهو الحزن قال بعض الكبار الحزن حلية الادباء ومن لم يذق طعام الحزن لم يذق لذة العبادة على انواعها او من الاسو وهو المداواة والآسى بالمد الطبيب ويقال هذا حث للمؤمنين على الصبر فى الشدة حتى لا يكونوا فى الصبر عند الشدة اضعف من امرأة فرعون التى صبرت على اذى فرعون كما سيجئ { اذ قالت } ظرف للمثل المحذوف اى ضرب الله مثلا للمؤمنين حالها اذ قالت { رب } اى بروره كار من { ابن لى } على ايدى الملائكة او بيدقدرتك فانه روى ان الله تعالى خلق جنة عدن بيده من غيرواسطة وغرس شجرة طوبى بيدة { عندك بيتا فى الجنة } اى قريبا من رحمتك على ان الظرف حال من ضمير المتكلم لان الل منزه عن الحلول فى مكان او ابن لى فى اعلى درجات المقربين فيكون عند ظرفا للفعل وفى الجنة صفة لبيتا وفى عين المعانى عندك اى من عندك بلا استحقاق منى بل كرامة منك ( روى ) انها لما قالت ذلك رفعت الحجب حتى رأت بيتها فى الجنة من درة بيضاء وانتزع روحها سئل بعض الظرفاء اين فى القرءآن مثل قولهم الجار قبل الدار قال قوله ابن لى عندك بيتا فى الجنة فعندك هو المجاورة وبيتا فى الجنة هو الدار { ونجنى من فرعون } الجاهل { وعمله } الباطل اى من نفسه الخبيثة وسوء جوارها ومن عمله السيئ الذى هو كفره ومعاصيه { ونجنى من القوم الظالمين } اى من القبط التابعين له فى الظلم ( روى ) انه لما غلب موسى عليه السلام السحرة آمنت امرأة فرعون وقيل هى عمة موسى آمنت به فلما تبين لفرعون اسلامها طلب منها أن ترجع عن ايمانها فأبد فأوتد يديها ورجليها بأربعة اوتاد يعنى اوراجها ميخ كرد وربطها وألقاها فى الشمس حق تعالى ملائكة را بفرمودتا كردوى در آمده ببالها خود اورا سايه كردند .
وأراها الله بيتها فى الجنة ونسيت ما هى فيه من العذاب فضحكت فعند ذلك قالوا هى مجنونة تضحك وهى فى العذاب وفى هذا بيان انها لم تمل الى معصية مع انها كانت معذبه فلتكن صوالح النساء هكذا وقال الضحاك امر بأن يلقى عليها حجر رخى وهى فى الاوتاد فقالت رب ابن لى عندك بيتا فى الجنة فما وصل الحجر اليها حتى رفع روحها الى الجنة فالقى الحجر عليها بعد خروج فلم تجد ألما وقيل اشتاقت الى الجنة وملت من صحبة فرعون فسألت ذلك .(15/430)
ودر اكثر تفاسير هست كه حق سبحانه ويرا بآسمان ابرد بجسدوى وحالا دربهشت است .
كما قال الحسن البصرى قدس سره رفعت الى الجنة فهى فيها تأكل وتشرب وتنعم قال فى الكشاف وفيه دليل على ان الاستعاذة بالله والالتجاء اليه ومسألة الخلاص منه عند المحن والنوازل من سير الصالحين وسنن الانبياء والمرسلين ( وفى المثنوى )
تا فرود آيد بلايى دافعى ... جون نباشد از تشرع شافعى
جز خضوع وبندكى واضطرار ... اندرين حضرت ندارد اعتبار
فقدم الدعاء بكشف الضر مذموم عند اهل الطريقة لانه كالمقاومة مع الله ودعوى التحمل لمشاقه كام قال ابن الفارض قد سره
ويحسن اظهار التجلد للعدوى ... ويقبح غير العجز عند الاحبة(15/431)
وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)
{ ومريم ابنة عمران } عطف على امرأة فرعون وجمع فى التمثيل بين التى لها زوج والتى لا زوج لها تسلية للارامل وتطيبا لانفسهن وسميت مريم فى القرءآن باسمعها فى سبعة مواضع ولم يسم غيرها من النساء لانها اقامت نفسها فى الطاعة كالرجل الكامل ومريم بمعنى العابدة وقد سمى الله ايضا زيدا فى القرءآن كما سبق فى سورة الاحزاب والمعنى وضرب الله مثلا للذين آمنوا حال مريم ابنة عمران والدة عيسى علهيا السلام وما اوتيت من كرامة الدنيا واآخرة والاصطفاء على نساء العالمين مع كون قومها كفارا { التى احصنت فرجها } الاحصان العفاف يعنى باز ابستادن اززشتى كما فى تاج المصادر والفرج ما بين الرجلين وكنى به عن السوءة وكثر حتى صار كالصريح فيه والمعنى حفظت فر جها عن مساس الرجال مطلقا حراما وحلالا على آكدالحفظ وبالفارسية آن زباكه نكاه داشت دامن خود را از حرام .
وفاحشه كما فى تفسير الكاشفى قال بعضهم صانته عن الفجور كما صان الله آسية عن مباشرة فرعون لانه كان عنينا وهو من لا يقدر على الجماع لمرض او كبر سن او يصل الى الثيب دون البكر فالعتبير عن آسية بالثيب كما مر فى ثيبات لكونها فى سورة الثيب من حيث ان لها بعلا وقال السهيلى رحمة الله احصان الفرج معناه طهارة الثوب يريد فرج القميص اى لم يغلق بثوبها ريبة أى انها طاهرة الاثواب فكنى باحصان فرج القميص عن طهارة الثوب من الريبة وفروج القميص اربعة الكمان والاعلى والاسفل فلا يذهبن وهمك الى غير هذا لان القرءآن انزه معنى واوجز لفظا وألطف اشارة واحسن عبارة من أن يريد ما ذهب اليه وهم الجاهل انتهى قال فى الكشاف ومن بدع التفاسير ان الفرج هو جيب الدرع ومعنى احصنته منعته { فنفخنا فيه } الفاء للسببية والنفخ نفخ الريح فى الشئ اى فنفخنا بسبب ذلك فى فرجها على أن يكون المراد بالفرج هنا الجيب ( كما قال الكاشفى ) بس درد ميديم در كريبان جامه او وكذا السجاوندى فى عين المعانى اى قيام انفرج من جيبها وكذا ابو القاسم فى الاسئلة لم يقل فيها لان المراد بالكناية جيب درعها وهو الى التذكير اقرب فيكون قوله فيه من باب الاستخدام لان الظاهر ان المراد بلفظ الفرج العضو وأريد بضميره معنى آخر للفرج منه قوله تعالى ومالها من فروج وكذا يكون اسناد النفسخ فى الضمير مجاريا اى نفخ جبريل بأمرنا وهو انما نفخ فى جيب درعها { من روحنا } اى من روح خلقناه بلا توسط اصل واضاف الروح الى ذاته تعالى تفخيما لها ولعيسى كقوله وطهر بيتى وفى سورة الانبياء فنفخنا فيها اى فى مريم اى احيينا عيسى فى جوفها من الروح الذى هو من امرنا وقال بعضهم احيينا فى فرجها واوجدنا فى بطنها ولدا من الروح الذى هو بامرنا وحده بلا سببية اصل وتوسل نسل على العادة العامة او من جهة روحنا جبريل لانه نفخ من جيب درعها فوصل النفخ الى جوفها او ففعلنا النفسخ فيه وقرئ فيها اعلى وفاق ما فى سورة لانبياء اى فى مريم والمآل واحد انتهى .(15/432)
يقول الفقير يلوح لى ههنا سر خفى وهو ان النفخ وان كان فى الجيب الا ان عيسى لما كان متولد من الماءين الماء المتحقق وهو ماء مريم والماء المتوهم وهو ما حصل بالنفخ كان النفخ فى الجيب بمنزلة صب الماء فى الفرج فالروح المنفوخ فى الجيب كالماء المصبوب فى الفرج والماء المصبوب وان لم يكن الروح عينه الا انه فى حكمالروح لانه يخلق منه الروح ولذا قال تعالى فنفخنا فيه اى فى الفرج سوآء قالت انه فرج القميص او العضو فاعرف ولا يقبله الا الالباء الروحانيون { وصدقت } معطوف على احصنت { بكلمات ربها } اى بالصحف المنزلة على الانبياء عليهم السلام وفى كشف الاسرار يعنى الشرآئع التى شرعها الله للعباد بكلماته المنزلة ويقال صدقت بالبشارات التى بشر بها جبريل { وكتبه } اى بجميع كتبة المنزلة الشاملة للصحف وغيرها من الكتب الالهية متقدمة او متأخرة { وكانت من القانين } اى من عداد المواظبين على الطاعة فمن للتبعيض وفى عين المعانى من المطيعين المتعكفين فى المسجد الاقصى والتذكير لتغليب المذكر فان مريم جعلت داخلة فى ذلك اللفظ مع المذكرين والاشعار بأن طاعتها لم تقتصر عن طاعات الرجال حتى عدت من جملتهم او كانت من القانتين اى من نسلهم لانها من اعقاب هرون اخى موسى عليه السلام فمن لابتدآء الغاية وعن النبى عليه السلام كمل الرجال كثير ولم تكمل من النساء الا اربع آسية بنت مزاحم ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام كان العرب لا يؤثرون على الثريد شيأ حتى سموه بحبوحة الجنة وذلك لان الثريد مع اللحم جامع بين المغدآء واللذة وسهولة التناول وقلة المؤونة فى المضع فضرب به مثلا يؤذن بأنها اعطيت مع الحسن الخلق حلاوة المنطق وفصاحة اللهجة وجودة القريحة ورصانة العقل والتحبب الى البعل فهى تصلح للتبعل والتحدث والاستئناس بها والاصغاء اليها وحسبك انها عقلت من النبى عليه السلام ما لم يعقل غيرها من النساء وروت ما لم يرو مثلها من الرجال وق قال عليه السلام فى حقها خذوا ثلثى دينكم من عائشة ولذا قال فى الأمالى
وللصديقة الرجحان فاعلم ... على الزهرآء فى بعض الخصال
لكن الكمال المطلق انما هو لفاطمة الزهرآء رضى الله عنها كما دل عليه الحديث المذكور وايضا دل تشبيه عائشة بالثريد على تشبيه غيرها من المذات المذكورات باللحم وهو سيد الادام .(15/433)
يقول الفقير رأيت فى بعض الليالى المنورة كأن النبى عليه السلام يقول لى عائشة ست النساء اللاتى اجتمعن ومعناه على ما الهمت وقتئذأن عاشة رضى الله عنها هى السادسة من النساء الست اللاتى اجتمعن فى نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الست من التسع متساوية فى الفضيله ومنها عائشة لكن اشهرت عائشة بالفضل ونودى عليها بذلك وخفيت احوال الباقيات من الست لحكمة خفية الهية ولذا لم يعين لى رسول الله عليه السلام من بقيت من الست ودل الحديث على كثرة كمال الرجال وقلة كمال النساء فيما بعض عصر النبى عليه السلام وان كانت القرون متفاوتة والاعصار متباينة ولذا قال الحافظ
نشاناهل خدا عاشقيست باخد دآر ... كه در مشايخ شهر اين نشان نمى بينم
( توقال المولى الجامى )
اسرار عاشقانرا بايد زبان ديكر ... درداكه نيست بيدا درشهر همزبانى
والله الهادى .(15/434)
تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
{ تبارك الذى بيده الملك } البركة النماء والزيادة حسبة او عقلية ونسبتها الى الله تعالى باعتبار تعاليه عما سواه فى ذاته وصفاته واقعاله يعنى لن البركة تتضمن معنى الزيادة وهى تقتضى التعالى عن الغير كام قال ليس كمثله شئ اى فى ذاته لوجوب وجوده وفى صفاته وافعاله لكماله فيهما واما قوله تخلقوا باخلاق الله فباعتبار اللوازم وبقدر الاستعداد لا باعتبار الحقيقة والكنة فان الاتصاف بها بهذا الاعتبار مخصوص بالله تعالى فأين احياء عيسى عليه السلام الاموات من احياء الله تعالى فانه من الله بدعائه فالمعجزة استجابة مثل هذا الدعاء ومظهريته له بقدر استعداده وبهذا التقرير ظهر معنى قول بعض المفسرين تزايد فى ذلة فان التزايد فى ذاته لا يكون الا باعتبار تعاليه بوجوده الواجب وتنزهه عن الفناء والتغير والاستقلال وصيغة تبارك بالدلالة على غاية الكمال وانبائها عن نهاية التعظيم لم يجز استعمالها فى حق غيره سبحانه ولا استعمال غيرها من الصيغ مثل يتبارك فى حقه تبارك وتعالى واسنادها الى الموصول للاستشهاد بما فى حيز الصلة على تحقق مضمونها والموصولات معارف ولا شك ان المؤمنين يعرفونه بكون الملك بيده واما غيرهم فهم فى حكم العارفين لان الأدلة القطعية لما دلت على ذلك اكن فى قوة المعلوم عند العاقل واليد مجاز عن القدرة التامة والاستيلاء الكامل لما ان اثرها يظهر فى الاكثر من اليد يقال وفلان بيده الامر والنهى والحل والعقد أى له القدرة الغالبة والتصرف العام والحكم النافذ ( قال الحكيم السنائى ) يد اوقدر تست ووجه بقاش
آمدن حكمش ونزول عطاش ... اصبعينش نفاذ حكم قدر
قد مينش جلال وقهر وخطر ... وفى عين المعانى اليد صلة والقدرة والمذهب انها صفة له تعالى بلا تأويل ولا تكييف والملك بمعنى التصرف والسلطنة واللام للاستغراق ولذا قال فى كشف الاسرار ملك هجده خزار عالم بدست اوست .
والمعنى تعالى وتعاظم بالذات عن كل ما سواه ذاتا وصفة وفعلا الذى بقبصة قدرته التصرف الكلى فى كل الامور لا بقبضة غيره فيأمر وينهى ويعطى ويمنع ويحيى ويميت ويعز ويذل ويفقر ويغنى ويمرض ويشفى ويقرب ويبعد ويعمر ويحرب ويفرق ويصل ويكف ويحجب الى غير ذلك من شؤون العظمة وآثار القدرة الالهية والسلطنة الازلية والابدية وقال بعضهم البركة كثرة الخير ودوامه فنسبتها الى الله تعالى باعتبار كثرة ما يفيض منه على مخلوقاته من فنون الخيرات اى تكاثر خير الذى بيده الملك وتزايد نعمه واحسانه كما قال تعالى وان تعدوا نعمة الله تحصوها قال الراغب البركة ثبوت الخير الالهى فى الشئ والمبارك ما فيه ذلك الخير ولما كان الخير الالهى يصد ر من حيث لا يحس وعلى وجه لا يحصى ولا يحصر قيل لكل ما يشاهد منه زيادة غير محسوسة هو مبارك وفيه بركة والى هذه الريادة أشير بما روى لا ينقص مال من صدقة وقوله تبارك وفيه بركة والى هذه الريادة أشير بما روى لا ينقص مال من صدقة وقوله تبارك الذى جعل فى السماء بروجا تنبيه على ما يفضيه علينا من عمه بوساطة هذه البروج والنيرات المذكورة وكل موضع ذكر فيه لفظة تبارك فهو تنبيه على اختصاصه تعالى بالخيرات المذكورة مع ذكر تبارك ونى الكواشى معنى تبارك تعالى عن صفات المحدثين وجميع المستعمل من ( ب ر ك ) وبعكسه يشتمل على معنى اى ثبت الثبوت الخير فى خرآئن الذى وقال سهل قدس سره تعالى من تعظيم عن الاشباه والاولاد والاضداد واتذاد بيده الملك يقلبه بحوله وقوته يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء وقيل يريد به النبوة يعز بها من اتبع ويذل بها من خالف وقال جعفر قدس سره هو المبارك على من انقطع اليه او كان له اى فانه وارث النبىعليه السلام وخليفة وقد قيل فى حقه وبارك عليه وقال القاشانى قدس سيره الملك عالم الاجسام كما ان الملكوت عالم النفوس ولذلك وصف ذاته باعتبار تصريفه فى عالم الملك بحسب مشبئته بالتبارك الذى هو غاية العظمة ونهاية الا زدياد فى العلو والبركة وباعتبار تسخير عالم الملكوت بمقتضى ارادته بالتسبيح الذى هو التنزيه كقوله فسبحان الذى بده ملكوت كل شئ كلا بما يناسب لان العظمة والازدياد البركة تناسب الاجسام والتنزه يناسب المجردات عن المادة وفى الآية اشارة الى ان لملك اذا كان بيده فهو المالك وغيره المملوك فلا للمملوك من خدمة المالك(15/435)
خدمت اوكن مكروشاهان تراخدمت كنند ... جاكرا وباش تاسلطان ترا كردد غلام
وفى الحدي ... وملك دلها جدا وملك جانها جدا زير انسانيت ملك در دنيا راند انما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة ودل ملك در آخرت راند يحبهم ويحبونه وجان ملك درعالم حقيقت راند وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة آن عزيز راه كويد فردا كه علم كبرياى او بقيامت برايدكه لمن الملك اليوم من ازكوشه دل خويش بدستورى اودرى بر كشايم ودردى ازدردهاى او بيرون دهم تاكرد قيامت برآيد وكويم لمن الملك اكر معترضى براه آيد كويم اوكه جون ما ضعفا ومساكين دارد ميكويد لمن الملك ما جون او ملك جبارى داريم جرانكوييم لمن الملك اكر اوراجون ما بندكانست مارا جون او خمدا ونداست .
ومن هذا البيان يعرف سر قول عين العارفين ابى يزيد البسطامى قدس سره الهى ملكى اعظم من ملكك اى فان ملك العبد القديم وملك الرب هو الحادث فعرف جدا فان هذا المقام من مزالق الاقدام { وهو } تعالى وحده { على كل شئ } من الاشياء وعلى كل مقدور من الانعام والانتقال وغيرهما { قدير } مبالغ فى القدرة عليه ومنتهى الى اقصاصها بتصرف فيها حسبنا تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم البالغة والجملة معطوفة على الصلة مقررة لمضمونها مفيدة لجريان احكام ملكه تعالى فى جلائل الامور ودقائقها قال بعضهم وهو على كل شئ قدير اى ما يمكن أن تتعلق به المشيئة من المعدومات الممكنة لان الموجود الواجب لا يحتاج فى وجوده الى شئ ويمتنع زواله ازلا وابدا والموجود الممكن لا يراد وجوده اذ هو تحصيل الحاصل والمعدوم الممتنع لا يمكن وجوده فلا تتعلق به المشيئة فتعلق القدرة بالمعدوم باليجاد وبالموجود بالابقاء على ما يشاء فان قرينة القدرة تخص الشئ بالممكن اذ تعلل القدرة به فيقال انه مقدور لانه ممكن ( وفى التأويلات النجمية ) تعالى وتعاظم فى ذاته وصفاته واسمائه وافعاله الذى بيده المطلقة الملأى السحاء سلطنة الوجود المطلق افائق على الوجودات المقيدة وهو أى هويته المطلق ظارة فى كل شئ قادر على كل شئ .(15/436)
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)
{ الذى خلق الموت والحياة } شروع فى تحصل بعض احكام الملك وآثار اقدرة والموصول بدل من الموصول الاول فلا وقف على لاقدير والموت عند اهل السنة صفة وجوديةمضادة للحياة كلاحرارة والبرودة والحياة صفة وجودية زآئدة على نفس لذات مغايرة للعلم والقدرة مصححة لاتصاف الذات بهما وما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما من ان الموت والحياة جسمان وان الله خلق الموت على صورة كبش املح لا يمر بشئ ولا يجد رائحته شئ الا مات وخلق الحياة على صورة فرس انثى بلقاء وهى التى كان جبريل والانبياء عليهم السلام يركبونها خطوتها مد البصر فرق الحمار ودون البغل لا تمر بشئ ولا يجد رائحتها شئ الا حى وهى التى اخذ السامرى من اثرها قبضة فألقاها على العجل فحيى فكلام وارد على سبيل التمثيل ولاصتوير والا فهما فى التحقيق من قبيل الصفات لا من قبيل الاعيان هكذا قالوا وجوابه ان كون الموت والحاية صفتين وجوديتين لا ينافى أن يكون لهما صورة محسوسة كالاعيان فانهما من مخلوقات عالم الملكوت ولكل منهما صورة مثالية فى ذلك العالم بها يرى ويشاهد بشاهده من غيب عن عالم الملك وينسلخ عن البدن يؤيده قوله عليه السلام يذبح الموت بين الجنة والنار على صورة كبش ولا شك ان الذبح انما يتعلق بالاعيان وايضا ان عالم الآخرة عالم الصفة يعنى ان كل سفة باطنة فى الدنيا تتصور بصورة ظاهرة فى العقبى حسنة او قبيحة فلا شئ من المعانى الا وهو مجسم مصور فقول ابن عباس رضى الله عنه محمول على هذا نعم ان قولهم ان الحية فرس انثى يخالف قولهم ان البراق حقيقة ثالثة لا ذكر ولانثى وقال بعضهم الموت عبارة عن عدم صفة الحياة عن محل يقبلها يعنى ان الموت والحياة من باب العدم والملكة فان لاحياة هى الاحساس والحركة الارادية والضطرارية كالتنفس والموت عدم ذلك عما من شأنه أن يكون له كما قال صاحب الكشاف الحياة ما يصح بوجوده الاحساس والموت عدم ذلك ومعنى خلق الموت والحياة ايجاد ذلك المصحح واعدامه انتهى .
اى ايجاد اثر الموت بقطع ضوء الروح عن ظاهر الحى وباطنه مع كونه فى غاية الاقتدار على الحركة والتقلب بنفسه بالارادة وعدم تلك الملكلة ليس عدما محضا بل فيه شائبة الوجود والا لم يعتبر فيه المحل القابل للامر الوجودى فلذلك صح تعلق الخلق بالموت كتعلقه بالحياة وبهذا التقرير اندفع ما اعترضوا به من ان العدم حال لا يكون مخلوقا لان المخلوق حادث وعد الحوادث ازلى ولو كان مخلوقا لزم وجود ا لحوادث ازلا وهو باطل وقال بعضهم معنى خلق الموت على تقدير أن يكون الموت عبارة عن عدم الحياة قدره فان اخلق يجيئ بمعنى التقدير كما فى قوله تعالى فتبارك الله احسن الخالقين ولا يبعد أن يقال ان تعلق الخلق بالموت بمعنى الايجاد انما هو بتبعية تعلقه بالحياة بذلك المعنى وقدم على الحياة لان الموت فى عالم الملك ذاتى والحياة عرضية يعنى ان الموت اسبق لان الاشياء كانت مواتا ثم عرضت لها الحياة كالنطفة على ما دل عليه قوله تعالى وكنتم امواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم اليه ترجعون ولانه ادعى الى احساس العمل واقرب الى قهر النفوس فمن جعله نصب عينيه افلح وفى الحديث(15/437)
« لولا ثلاث ما طأطأ ابن آدم رأسه الفقر والمرض والموت » وفى الارشاد الأقرب ان المراد به الموت الطارئ وبالحياة ما قبله وما بعده لظهور مداريتهما كما ينطق به ما بعد الآية ليبلوكم الخ فان استدعاء ملاحظتها لاحسان العمل مما لا ريب فيه مع ان نفس العمل لا يتحقق بدون الحياة الدنيوية انتهى .
وظاهره يخالف قوله تعالى ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا فان المراد بهذه الحياة هى الحياة الدنيوية بقرينة النشور والقرءآن يفسر بعضهم بعضاً ثم ان الالف واللام فى الموت والحياة عوض عن المضاف اليه اى موتكم وحياتكم ان المكلفون لان خلق موت غير المكلفين وحياتهم لابتلاء المكلفين لا معنى له قال بعض العارفين الموت والحياة عرضان والاعراض والجواهر مخلوقة له تعالى وأصل الحياة حياة تجليه واصل الموت موت استتاره وهما يتعاقبان فى الدنيا فاذا ارتفعت الحجب يرتفع الموت عنهم بأنهم يشاهدون عيانا بلا استتار ابدا لا يجرى عليهم طوارق الحجاب بعد ذلك قال الله تعالى بل احياه عند ربهم خلق الموت والحياة يميت قوما بالمجاهدات ويعيش قوما بالمشاهدات يميت قوما ينعت الفناء فى ظهور سطوات القدم ويحيى قوما بنعت البقاء فى ظهور انوار البقاء لولا التجلى والاستتار لم يظهر شوق المشتاقين وتفاوت درجات الشوق ولا يتبين وله العاشقين وتفاوت درجاتهم فى العشق وقال سهل قدس سره الموت فى الدنيا بالمعصية والحياة فى الآخرة بالطاعة فى الدنيا وقال الجنيد قدس سره حياة الاجسام مخلوقة وهى التى قال الله تعالى خلق الموت والحياة وحياة الله دآئمة لا انقطاع لها اوصلها الى اوليائه فى قديم الدهر الذى ليس له ابتدآء فكانوا فى علمه احياء قبل ايجاده لهم ثم اظهرهم فأعارهم الحياة المخلوقة التى احيى بها الخلق وأماتهم فى سره فكانوا فى سره بعد الوفاة كام كانوا ثم اورد عليهم حياة الأبد فكانوا احياء أبدا وقال الواسطى قدس سره من احياء الله عند ذكره فى ازله لا يموت ابدا ومن أماته فى ذلك لا يحيى ابدا وكم حى غافل عن حياته وميت غافل عن مماته { ليبولكم ايكم أحسن عملا } اللام متعلقة بخلق وظاهرها يدل على ان افعال الله معللة بمصالح العباد واه تعالى يفعل الفعل لغرض كما ذهب اليه المعتزلة وعند اهل السنة ليس هى على ظاهرها بل معناها ان الله تعالى فعل فعلا لو كان يفعله من يراعى المصالح لم يفعله الا لتلك المصالحة والغرض فمثل هذه اللام لام العلة عقلا ولام الحكمة والمصلحة شرعا وايكم مبتدأ واحسن خبره وعملا تمييزا ولجملة الاسمية سادة مسد المفعول الثانى لفعل البلوى عدى اليه واسطة لتضمنه معنى العلم باعتبار عاقبته والا فهو لا يتعدى بلا واسطة الا الى مفعول واحد فليس هو من قبيل التعليق المشهور الذى يقتضى عدم ايراد المفعول اصلا وقد ذكر المفعول الاول هنا وهو كم مع اختصاصه بافعال القلوب ولا من التضمين المصطلح بل مستعار لمعنى العلم البلوى الاختبار وليس هنا على حقيقته لانه انما يتصور ممن يخفى عليه عواقب الامور فالابتلاء من الله أن يظهر من العبد ما كان يعلم منه فى الغيب والمعنى ليعاملكم معاملة من يختبركم أيكم أحسن عملا فيجازيكم على مراتب متفاوتة حسب تفاوت طبقات علومكم واعمالكم فان العلم غير مختص بعمل الجوارح ولذلك فسره عليه السلام بقوله ايكم أحسن عقلا واورع من محارم الله واسرع فى طاعة الله يعنى أثم عقلا عند الله فهما لمراده فان لكل من القلب والقالب عملا خاصا به فكما ان الاول أشرف من الثانى كذلك الحال فى عمله كيف لا وعمله معرفة الله الواجبة على العباد اول كل شئ وانما طريقها النظر والتفكر فى بدآئع صنع الله والتدبر فى آياته المنصوبة فى الانفس والآفاق كما قال عليه السلام(15/438)
« لاتفضلونى على يونس بن متى فانه كان يرفع له كل يوم مثل عمل اهل الارض » قالوا وانما كان ذلك التفكر فى امر الله الذى هو عمل القلب ضرورة ان احدا لا يقدر على أن يعمل بجوارحه كل يوم مثل عمل اهل الارض كذا فى الارشاد .
يقول الفقير لعل حال يونس عليه السلام اشارة الى انه عمل قالبى مفضل على عمل اهل الارض فى زمانه بخواص قلبية فان اعمال المقربين واحد منهما مقابل بمائة ألف بل بغير حساب باعتبار التفاوت فى الاحسان والشهود والخلوص ولذا قال تعالى احسن فانه بعبارته اشارة الى احوال المقربين وباشارته الى احوال غيرهم من الابرار والكفار والمنافقين وذلك ان نية الانسان لا تخلو اما أن يكون متعلقها فى لسانه وجنانه هو الدنيا فهو سيئ نية وعملا وهو حال الكفار واما أن يكون متعلقها فى لسانه هو الآخرة وفى جنانه هو الدنيا فهو أسوأنية وعملا وهو حال المنافقين واما أن يكون متعلقها فى لسانه وجنانه هو الآخرة فهو حسن نية وعملا وهو حال الابرار واما أن يكون متعلقها فى لسانه وجنانه هو وجه الله تعالى فهو احسن نية وعملا وهو حال المقربين ولما كان المقصود الاعظم هو تحصيل هذا الاحسن صرح بذكره دون ذكر الحسن فانه مفهوم بطريق الاشارة وكذا غيره ولقد أصاب من قال فى تفسير الآية بابيازمايد شمارا يعنى باشما معامله آزمايند كان كند تاظاهر شودكه دردار تكليف كدام ازشما نيكو ترند ازجهت عمل يعنى اخلاص كدام بيشترست .(15/439)
وكذا من قال أحسن الاعمال ما كان اخلص بأن يكون لوجه الله خالصا وأصوب بأن يكون موافقا للسنة اى واردا على النهج الذى ورد عن الشارع فالعمل اذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل ولذا قال عليه السلام للاعرابى قم صل فانك لم تصل وكذا اذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل ايضا ولذا جعل الله اعمال اهل الرياء والنفاق هبا منثورا وقول من قال من الارفين حسن العمل نسيان العمل ورؤية الفضل هو من مراتب الاخلاص فان الاخلاص سر عظيم من اسرار الله تعالى لا يناله الا الخواص وفى الاشارد ايثار صيغة التفضيل مع ان الابتلاء شامل لهم باعتبار اعمالهم المنقسمة الى الحسن والقبيح ايضا لا الى الحسن والاحسن فقط للايذان بان المراد بالذات والمقصد الاصلى من الابتلاء هو ظهور كمال احسان المحسنين مع تحقق اصل الايمان والطاعة فى الباقين ايضا لكمال تعاضد الموجبات له واما الاعراض عن ذلك فلكونه بمعزل من الاندراج تحت الوقوع فضلا عن الانتظام فى سلك الغاية للافعال الالهية وانما هو عمل يصدر عن عامله بسوء اختياره من غير مصحح له ولا تقريب انتهى .
ثم ان المراد ياكم عمله احسن من عمل غيره ولا معنى لقول السجاوندى فى عين المعانى استفهام بمعنى الهمزة ولذا لم يعمل فيه الفعل تقديره ءأنتم احسن عملا ام غيركم انتهى فانه يشعر بأن يكون التفاوت بالنسةب الى الانسان وغيره كالملائكة ومؤمنى الجن مثلا وليس بمراد وعبارة القرءآن فى اسناد الحسن الى الانسان تدل على ان من كان عمله احسن كان هو أحسن ولو أنه ابشع الناس منظر او من كان عمله اسوأ كان بخلاف ذلك
رءارلست بايدند بالاى راست ... كه كافرهم ازروى صورت جوماست
ولم يقل اكثر عملا لانه لا عبرة بالكثرة مع القبح قالوا والحسن انما يدرك بالشرع فما حسنه الشرع فهو حسن وما قبحه فهو قبيح وقال بعضهم ليبلوكم ايكم احسن اخذا من حايته لموته واحسن اهبة فى دنياه لآخرته قال النبى صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر رضى الله عنهما « خذ من صحتك لسقمك ومن شبابك لهرمك ومن فراغك لشغلك ومن حياتك لموتك فانك لا تدرى ما اسمك غدا » وسئل عليه السلام اى المؤمنين اكيس قال(15/440)
« اكثرهم للموت ذكرا واحسنهم له استعدادا » فالاستعداد للموت وللآخرة بكثرة الاعمال المقارنة للاخلاص سوآء كانت صلاة او صوما او زكاة او حجا او نحوها وان كان لبعض الاعمال تفاوت بالنسبة الى البعض الآخر كالصلاة فانها معراج الشهود وفيها كسر النفس واتعاب البدن ولذا كان السلف الصالح يكثرون منها حتى انم منهم من يصلى فى اليوم والليلة ألف ركعة ونحوها وكالصوم وتقليل الطعام فانه سبب لورود الحكمة الالهية الى القلب ولذا كان بعض السلف يواصلون فمنهم من يطوى ثلاثة ايام ومنهم من يطوى فوق ذلك الى سبعة الى ثلاثين الى اربعين فمن طوى اربعين يوما انفتح له باب الحكمة والعظمى مع ان فى الصوم تهذيب الاخلاق ايضا فان اكثر المفاسد يجيئ من قبل الاكل والشر في أيها المؤمنون سابقون وسارعوا فالنفس مطية والدنيا مضمار والسابقون السابقون اولئك المقربون وقد قال عليه السلام « قد سبق المفردون والتفريد » هو تقطيع الموحد عن الانفس والآفاق وشهود الحق فى عالم الاطلق فلا بد من السير والسلوك ثم الطيران فى هوآء الوحدة والهوية الذاتية فان به يحصل الانفصال عن منازل الاكوان السفلية الحادثة ويتحقق العروج الى عالم الوجوب والقدم نسأل الله من فضله أن يرينا وجهه الكريم انه هو البر الرحيم { وهو } اى والحال انه وحده { العزيز } الذى لا يفوته من اساء العمل { الغفور } لمن شاء منهم بالتوبة وكذا بالفضل قال بعضهم لما كان العزيز منا يهلك كل من خالفه اذا علم بمخالفته قال مرغبا للمسيئ فى التوبة حتى لا يقول مثلى لا يصلح للخدمة لما لى من القاطعة واين التراب ورب الارباب الغفور الذى يستر ذنوب المسئ ويتلقى من اقبل اليه احسن تلقٍ كما قال فى الحديث القدسى ومن اتانى يمشى اتيته هرولة .(15/441)
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3)
{ الذى خلق سبع سموات } ابدعها من غير مثال سبق { طباقا } صفة لسبع سموات وقولهم الصفة فى الاعداد تكون للمضاف اليه كما فى قوله سبع بقرات سمان لا يطرد ويجوز جعله حالان سبع سموات معرفة لشمولها الكل وهو مصدر بمعنى الفاعل يقال طابقه مطابقة وطباق الشئ مثل كتاب مطابقة بكسر الباء وطابقت بين الشيئين اذا جعلتهما على حذو واحد وألزقتهما والباب يدل على وضع شئ مبسوط على مثله حتى يغطيه والمعنى مطابقة بعضها فوض بعض وسماء فوق سماء غلظ كل سماء خمسمائة عام وكذا جوها بلا علاقة ولا عماد ولا مماسة فالسماء الدنيا موج مكفوف اى ممنوع من السيلان والثانية من درة بيضاء والثالثة من حديد والرابعة من نحاس او صفر والخامسة من فضة والسادسة من ذهب والسابعة من يقاقوته حمرآء وبين السابعة وما فوقها من الكرسى والعرش بحار من نور قال القاشانى نهاية كمال عالم الملك فى خلق المسوات ان لا يرى احكم خلقا واحسن نظاما وطباقا منها قال الجمهور ان الارض مستدير كالكرة وان السماء الدنيا محيطة بها من كل جانب احاطة البيضة بالمح فالصفرة بمنزلة الارض وبياضها بمنزلة الماء وجلدها بمنزلة السماء غير أن خلقها اليس فيه استطاله كاستطالة البيضة بل هى مستديرة كاستدارة الكرة المستديرة الخرط حتى قال مهندسوهم لو حفر فى الوهم وجه الارض لادى الى الوجه الآخر ولو ثقب مثلا بارض الاندلس لنفذ الثقب بارض الصين وان السماء الثانية محيطة بالدنيا وهكذا الى أن يكون العرش محيط بالكل والكرسى الذى هو ارقبها اليه بالنسبة اليه كحلقة ملقاة فى فلاة فما ظنك بما تحته وكل سماء فى التى فرقها بهذه النسبة { ما ترى فى خلق الرحمن من تفاوت } استئناف والخطاب للرسول او لكل احد ممن يصلح للخطاب ووضع خلق الرحمن موضع الضمر اذا المقام مقام أن يقال فى خلقه وفى السموات على أن يكون بمعنى المخلوق والاضافة بمعنى اللام للاشعار بأنه تعالى خلقها بقدرته القاهرة رحمه وتفضلا ومن لتأكيد النفى والمعنى ما ترى فيه شيأ من اختلاف واضطراب فى الخلقة وعدم تناسب بل هو مستوٍ مستقيمٍ قال القاشانى صلب التفاوت عنها بساطتها واستدارتها ومطابقة بعضها بعضا وحسن انتظامها وتناسبها وهو من الفوت فان كلا من المتفاوتين يفوت منه بعض ما فى الآخر فلا يناسبه ولا يلائمه قال الراغب التفاوت الاختلاف فى الاوصاف كأنه يفوت وصف احدهما الآخر او وصف كل واحد منهما الآخر وجعل بعض العلماء خلق الرحمن عامل فسئل بأن المخلوقات بأسرها على غاية التفاوت لان الليل غير النهار الى غير ذلك من الاضداد ثم أجاب بأن ليس فيها تناقص او زيادة غير محتاج اليها او نقصان محتاج اليه بل الكل مستقيمة مستوية دالة على ان خالقها عالم انتهى وفى الآية اشارة الى شمول رحمته الواسعة كل شئ كما قال يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة لان الموجودات كلها علوية كانت او سفلية نورانية كانت او ظلمانية روحانية كانت او جسمانية خلقت من نور الرحمن ورحمته من غير تفاوت فى الخلقة واصل الرزق
اديم زمين سفره عام اوست ... برين خوان يغماجه دشمن جه دوست(15/442)
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)
{ فارجع البصر } اى رده الى رؤية السماء حتى يتضح ذلك بالمعاينة ولا يبقى عندك شبهة ما ورجع يجيئ لازما ومتعديا يقال رجع بنفسه رجوعا وهو العود الى ما منه البدء مكانا كان او فعلا او قولا بذاته كان رجوعه او بجزئ من اجزآئه او بفعل من افعاله ورجعه غيره رجعا اى رده واعاده { هل ترى } فيها { من فطور } جمع فطر كما فى القاموس وهو الشق ( كما قال فى تاج المصادر ) الفطر آفريدون وابتدا كردن وشاكفتن .
يقال فطره فانفطر اى شقه فانشق والمعنى من شقوق وصدوع لامتناع خرقها والتئامها قاله القاشانى ولو كان لها فروج لفاتت المنافع التى رتبت لها النجوم المفرقة فى طبقاتها او بعضها او كمالها كما فى المناسبات فاذا لم ير فى السماء فطور وهى مخلوقة فالخالق اشد امتناعا من خواص الجسمانيات { ثم ارجع البصر كرتين } اى رجعتين اخريين وأعد النظر مرة بعد مرة فى طلب الخلل والعيب . يعنى اكرتيك نكريستن معلوم نكردد تكراركن نكريستن را .
والمراد بالتثنية التكرير والتكثير كما فى لبيك وسعديك يريد اجابات كثيرة واعانات وفية بعضها ى اثر بعض وذلك لان الكلال الآتى لا يقع بالمرتين اى رجعة بعد رجعة وان كثرت قال الحسن رحمه الله لو كررته مرة بعد مرة الى يوم القيامة لم تر فيه فطور وقال اواسطى رحمه الله كرتين اى قلبا وبصر الان الاول كان بالعين خاصة والحاصل ان تكرار النظر وتجوال الفكر مما فيد تحقيق الحائق واذا كان ذلك النظر فيها عند طلب الخروق والشقوق لا يفيد الا الكلال والحرمان تحقق الامتناع وما اتعب من طلب وجود الممتنع { ينقلب } ينصرف ويرجع وبالفارسية باز كردد { اليك } بسوى تو { البصر } جشم تو { خاسئا } اى ذليلا بعيدا محروما من اصابه ما التمسه من العيب والخلل كأنه يطردعن ذلك طرد بالصغار والذلة فقوله ينقلب مجزوم على انه جواب الامر وخاسئا حال من البصر وهو مع انه اسم فاعل من خسأ بمعنى تباعد وهرب ففيه معنى الصغار والذلة فاذا قيل خسأ الكلب خسوء افمعناه تباعد من هو انه وخوفه كأنى زجر وطرد عن مكانه الاول بالصغار وخسأ يجيى متعديا ايضا يقال خسأت الكلف فخسأ اى باعدته وطردته وزجرته مستهينا به فانزجر وذلك اذا قيل له اخسأ قال الراغب ومنه خسأ البصر أى انقبض من مهانة وفى القاموس الخاسئ من الكلاب والخنازير المبعد لا يترك أن يدنو من النار ولا يكون خاسئا فى الآية من المتعدى الا بأن يكون بمعنى المفعول اى مبعدا { وهو حسير } اى كليل وبالغ غاية الاعياء لطول المعاودة وكثرة المراجعة وهو فعيل بمعنى الفاعل من الحسور الذى هو الاعياء كما فى تاج المصادر الحسور رنجه شدن وكندشن جسم از مسافت دور .(15/443)
وقال الراغب يقال للمعي حاسر ومحسور أما الحاسر فتصور انه قد حسر بنفسه قواه واما المحسور فتصور ان التعب قد حسره وقوله تعالى وهو حسير يصح أن يكون بمعنى حاسر وبمعنى محسور انتهى والجملة حال من البصر او من الضمير المستتر فى خاسئا فيكون من قبيل الاحوال المتداخلة قال بعضهم فاذا كان الحال هذا فى بعض المصنوع فكيف عند طلب العلم بالصانع فى كماله وجلاله وجماله فكيف بمن يتفوه بالحلو والاتحاد حسبه جهنم وبئس المهاد
سبحانه من تحير فى ذاته سواه ... فهم خرد بكنه كمالش نبرد راه
عمرى خرد جو جشمه ها جشمها كشاد ... تابر كمال كنه اله افكند نكاه
ليكن كشيد عاقبتش در دوديده ميل ... شكل الف كه حرف نخستست ازاله
وفى التأويلات النجمية فارجع بصرك الظاهر من ظواهر الاشياء الى بصرك الباطن ومن بصرك الباطن الى بواطن الاشياء يعنى انظر باتحاد بصرك وبصيرتك الى ظواهر الاشياء كل ذى حق حقه ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسير مبعد عن رؤية الخلل ومطالعة الزلل كما قال الامام حجة الاسلام قدس سره فى بعض كلماته ليس فى الامكان ابدغ من هذا الوجود لانه لو كان ولم يظهر لكان بخلا وهو جواد ولكان عجزا وهو قادرا كما قال تعالى الذى أعطى كل شئ خلقه ثم هدى وقال بعضهم انما لم يكن فى الامكان ابدع مما كان اى اظهر من هذا العالم لانه ماثم الاترتان الحق فى المرتبة الاولى وهو القدم والعالم فى الثانية وهو الامكان والحدوث فلو خلق ما خلق الى مالا يتناهى فلا يزال فى المرتبة الثانية الامكانية .(15/444)
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)
{ ولقد زينا السماء الدنيا } بيان لكون خلق السموات فى غاية الحسن والبهاء اثر بيان خلوها عن شائبة القصور وتصدير الجملة بالقسم لابراز كمال الاعتناء بمضمونها اى وبالله لقد زينا اقرب السموات الى الارض والناس وجملناها فالزمين والنريين بالفارسية آراستن . وهو ضد الشين بالفارسية معيوب كردن .
والدنيا تأنيث الأدنى بمعنى الاقرب وكون السماء قرب من سائر السموات انما هو بالاضافة الى ما تحتها من الارض لا مطلقا لان الامر بالعكس بالاضافة الى ما فوقها من العرش { بمصابيح } بجراغها . جمع مصباح وهو السراج وتنكيره للتعظيم والمدح اى بكواكب مضيئة بالليل اضاءة السرج من السيارات والثواب تترآءى كلها مركوزة فى السماء الدنيا مع ان بعضها فى سائر السماوات لان السموات اذا كانت شفافة وأجراما صافية ففالكواكب سوآء كانت فى السماء الدنيا او فى سموات اخرى فهى لا بد وان تظهر فى السماء الدنيا وتلوح منها فعلى التقديرين تكون السماء الدنيا مزينة بهذه المصابيح ودخل فى المصابيح القمر لانه اعظم نير يضيئ بالليل واذا جعل الله الكواكب زينة السماء التى هى سقف الدنيا فليجعل العباد المصابيح والقناديل زينة سقوف المساجد والجوامع ولا سرف وفى الخير وذكر ان مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم كان اذا جاء العشاء يوقد فيه بسعف النخل قلما قدم تميم الدارى رضى الله عنه المدينة صحب معه قناديل وحبالا وزيتا وعلق تلك القناديل بسوارى المسجد واوقدت فقال عليه السلام « نورت مسجدنا نور الله عليك اما والله لو كان لى ابنة لانكحتكها » وسماه سراجا وكان اسمه الاول فتحا ثم اكثرها عمر رضى الله عنه حين جمع الناس على أبى بن كعب رضى الله عنه فى صلاة التراويح فلما رآها على رضى الله عنه تزهر قال نورت مسجدنا نور الله قبرك يا ابن الخطاب وعن بعضهم قال امرنى المأمون ان اكتب بالاستكثار من المصابيح فى المساجد فلم أدر ما اكتب لانه شئ لم اسبق اليه فرأيت فى المنام اكتب فان فيه انسا للمتهجدين ونفيا لبيوت الله عنه وحشة الظلم فانتبهت وكتبت بذلك وفيه اشارة الى سماء القلب لدنوه منك من سماء الروح وزينة انوار المعارف والعلوم الالهية والواردات الرحمانية { وجعلناها } اى المصابيح المعبر بها عن النجوم اى بعضها كام فى تفسير ابى الليث { رجوما } جمع رجم بالفتح وهو ما يرجم به ويرمى للطرد والزجر او جمع راجم كسجود جمع ساجد { للشياطين } هم كفار الجن يخرجون الناس من النور الى الظلمات وجمع الشياطين على صيغة التكثير لكثرتهم فى الواقع فالمعنى وجعلنا لها فائدة اخرى هى رجم اعدآئكم بانقضاض الشهب المقتبسة من الكواكب لا بالكواكب نفسه فانها قارة فى الفلك على حالها فمنهم من يقتله الشهاب ومنهم من يفسد عضو من اعضائه او عقله والشهاب شعلة ساطعة من نار وهو ههنا شعلة نار تنفصل من النجم فأطلق عليها النجم ولفظ المصابح ولفظ الكوكب ويكون معنى جعلناها رجوما جعلنا منها رجوما وهى تلك الشهب ومما يؤيد ان الشعلة منفصلة فى السماء الدنيا كتعليق القناديل فى المساجد مخلوقة من نور وقيل انها معلقة بأيدى الملائكة وينصر هذا القول قوله تعالى اذا السماء النفطرت واذا الكواكب انتثرت لان انتثارها يكون بموت من كان يحملها من الملائكة وقيل ان هذه ثقب فى السماء وينصره قول بعض المكاشفين ان الكواكب ليست مركوزة فى هذا التعين وانما هى بانعكاس الانوار فى بعض عروقه اللطيفة والذى يرى كسقوط النجم فكدفع الشمس من موضع الى موضع وهذا لا يطلع عليه الحكماء وانما يعرفه اهل السلوك انتهى وقال الفلاسفة ان الشهب انما هى اجزآء نارية تحصل فى الجو عند ارتفاع الابخرة المتصاعدة واتصالها بالنار التى دون الفلك وقد سبق بيان هذا المقام مفصلا فى اوآئل الصافات والحجر فلا نعيده والذى يلوح ان مذهب الفلاسفة قريب فى هذه المادة من مذهب اهل الحقائق ومر بيان مذهبهم فى الصافات والله اعلم بالخفيات { واعتد نالهم } اى هيئنا للشياطين فى الآخرة بعدا لاحراق فى الدنيا بالشهب ومنه العتاد اى العدة والاهبة { عذاب السعير } اى عذاب جهنم الموقدة المشعلة فالسعير فعيل بمعنى مفعول من سعرت النار اذا اوقدتها ولذلك لم يؤت بالتاء فى آخره مع انه اسم للدركة الرابعة من دركات النار السبع وهى جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية ولكن كل من هذه الاسماء يطلق على الآخر فيعبر عن النار تارة بالسعير وتارة بجهنم واخرى بآخر .(15/445)
واعلم ان فى كل دركة منها فرقة من فرق العصاة كعصاة اهل التوحيد والنصارى واليهود والصابئة والمجوس والمشركين والمنافقين ولم يذكروا الشياطين فى واحدة من الدركات السبع ولعلهم يقسمون على مراتب اضلالهم فيدخل كل قسم منهم مع قسم تبعه فى اضلاله فكان سببا لدخوله فى دركة من الدركاتالست التحتانية جزآء لضلاله واضلاله واذية لمن تبعه فيما دعا اليه بمصاحبته ومقارنته كما قال تعالى وترى المجرمين يومئذ مقرنين اى مع شياطينهم وفى الآية اشارة الى شياطين الخواطر النفسانية والهواجس الظلمانية وعذابها عذاب الرد والانقلاب بغلبة الخواطر الملكية والرحمانية .(15/446)
وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6)
{ وللذين كفروا بربهم } من الشياطين وغيرهم وكفرهم به اما بالتعطيل او بالامساك وقال سعدى المفتى الاظهر حمله على الكفرة غير الشياطين كما يشعر به ما بعده ولئلا يلزم شبه التكرار { عذاب جهنم } اى الدركة النارية التى تلقاهم بالتجهم والعبوسة يقال رجل جهم الوجه كالح منقبض وفيه اشارة ان عذابه تعالى وانتقامه خارج عن العادة لكونه ليس بسيف ولا سوط ولا عصا ونحوها بل بالنار الخارجة عن الانطفاء وليس للكافر المعذب من الخلاص رجاء { وبئس المصير } اى جهنم وقال بعضهم جهنم من الجهنام وهى بئر بعيدة القعر ففيه اشارة الى ان اهل النار مبعدون عن جمال الله تعالى وعن نعيم الجنة محرقون فى نار البعد والقطيعة نسأل الله العافية قال فى فتح الرحمن تضمنت هذه الآية ان عذاب جهنم للكافين المخلدين وقد جاء فى الأثر انه يمر على جهنم زمن تخفق ابوابها قد أخلتها الشفاعة فالذى فى هذه الآية هى جهنم بأسرها اى جميع الطبقات والتى فى الأثر هى الطبقة العليا لانها مقر العصاة انتهى وهو مراد من قال من كبار المكاشفين يأتى زمان تبقى جهنم خالية عن اهلها وهم عصاة الموحدين ويأتى على جهنم زمان ينبت فى قعرها الجرجير وهى بقلة .(15/447)
إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7)
{ اذا ألقوا } اى الذين كفروا اى فى جهنم وطرحوا كما يطرح الحطب فى النار العظيمة وفى ايراد الا لقاء دون الادخال اشعار بتحقيرهم وكون جهنم سفلية { سمعوا لها } اى لجهنم نفسها وهو متعلق بمحذوف وقع حالا من قوله { شهيقا } لانه فى الاصل صفة فلما قدمت صارت حالا اى سمعوا كائنا لها شهيقا اى صوتا كصوت الحمير الذى هو انكر الاصوات وافظعها غضبا عليهم وهو حسيسها المنكر الفظيع كما قال تعالى لا يسمعون حسيسها قالوا الشهيق فى الصدر والزفير فى الحلق او شهيق الحمار آخر صوته والزفير اوله والشهيق رد النفس والزفير اخراجه { وهى تفور } اى والحال انها تغلى بهم غليان المرجل بما فيها من شدة التهلب والتسعر فهم لا يزالون صاعدين هابطين كالحب اذا كان الماء يغلى به لاقرار لهم اصلا الفور شدة الغليان ويقال ذلك فى لانار وفى القدر وفى لاغضب وفوارات الماء سميت تشبيها بغليان القدر وفعلت كذا من فورى اى من غليان الحال وفارة المسك تشبيها به فى الهيئة كما فى المفردات قال بعضهم نطقت الآية بأن سماعهم يكون وقت الالقاء على ما هو المفهوم من اذا وعلى المفهوم من قوله وهى تفوران يكون بعده اللهم الا أن تغلى بما فيها كائنا ما كان ويؤول اذا ألقوا باذا أريد الالقاء نواذا قربوا من الالقاء بناء على ان صوت الشهيق يقتضى أن يسمع قبل الالقاء انتهى .(15/448)
تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8)
{ تكاد تميز من الغيظ } الجملة خبر آخر وتميز اصله تتميز بتاءين والتميز الانقطاع والانفصال بين المتشابهات والغيظ اشد الغضب يقال يكاد فلان ينشق من غيظه اذا وصف بالافراط فى الغضب والمعنى تكاد تتفرق جهنم من شدة الغضب عليهم اى يقرب أن يتمزق تركيبها .
وينفصل بعضه من بعض وبالفارسية نزديكست كه باره باره شود دوزخ از شدت خشم بركافران .
شبه اشتعال النار بهم فى قوة تأثيرها فيهم وايصال الضرر اليهم باعتياظ المغتاظ على غيره المبالغ فى ايصال الضرر اليه فاستيعر اسم الغيظ لذلك الاستعمال استعارة تصريحية قال الامام لعل سبب هذا المجاز ان دم القلب يغلى عند الغضب فيعظم مقداره فيزداد امتلاء العروق حتى يكاد يتمزق قال فى المناسبات وكان حذف احدى التاءين اشارة الى انه يحصل افتراق واتصال على وجه من السرعة لا يكاد يدرك حق الادراك وذلك كله لغضب سيدهاغ وتأتى يوم القيامة تقاد الى المحشر بألف زمام لكل زمام سبعونن ألف ملك يقود ونهابة وهى من شدة الغيظ تقوى على الملائكة وتحمل على الناس فتقطع الأزمة جميعا وتحطم اهل المحشر وتقول لأنتقمن اليوم ممن اكل رزق الله وعبد غيره فلا يردها عنهم الا النبى صلى الله عليه وسلم يقابلها بنوره فترجع مع ان لكل ملك القوة مالو أمر به أن يقتلع الارض وما عليها من الجبال ويصعد بها فعل من غير كلفة وهذا كما اطفأها فى الدنيا بنفحة كما قال عليه السلام « لقد أدنيت منى النار حتى جعلت انفثها خشية أن تشغاكم » قال بعضهم تلك المهواة لشدة منافاتها بالطبع لعالم النور واصل فطرة النفس ليشتد غيظها على النفوس كما ان شدة منافرة الطباع بعضها بعضا تستلزم شدة العداوة والبغض المقتضية لشدة الغيظ .
يقول الفقيرتقرر من هذا البيان ودل سائر الآثار الصحيحة ايضا ان جهنم لها حياة وشعور كسائر الاحياء ولذا يصدر منها كما يصدر منهم فلا حاجة الى ارتكاب المجاز عند اهل الله تعالى فى امتثال ذلك قال جعفر الطيار رضى الله عنه كنت مع النبى عليه السلام فى طريق فاشتد على العطش فعلمه النبى عليه السلام وكان خذآءنا جبل فقال عليه السلام « بلغ منى السلام الى هذا الجبل وقل له يسقيك ان كان فيه ماء » قال فذهبت اليه وقلت السلام عليك أيها الجبل فقال الجبل ينطق بنطق فصيح لبيك يا رسول الله فعرضت القصة فقال بلغ سلامى الى رسول الله وقل منذ سمعت قوله تعالى فاتقوا النار الى وقودها الناس والحجارة بكيت لخوف أن اكون من الحجارة التى هى وقود النار بحيث لم يبق فى ماء { كلما ألقى } الالقاء بيفكندن { فيها } اى فى جهنم { فوج } جماعة من الكفرة يدفع الزبانية لهم الذين هم اغيظ عليهم من النار وهو استئناف مسوق لبيان حال اهلها بعد بيان حال نفسها { سألهم } اى ذلك الفوج وضمير الجميع باعتبار المعنى { خزنتها } اى خزنة النار وهى مالك واعوانه من الربانية بطريق التوبيخ والتقريع ليزدادوا عذابا فوق عذاب وحسرة اى ليزدادوا العذاب الروحانى على العذاب الجسمانى جمع خازن بمعنى الحافظ والموكل يعرف ذلك من قولهم بالفارسية خزينه دار .(15/449)
قال فى تاج المصادر الخزن نكاه داشتن مال وسر { ألم يأتكم } اى وقالوا لهم ايها الكفرة الفجرة ألم يأتكم فى الدنيا { نذير } اى منذر يتلو عليكم آيات ربكم وينذركم لقاء يومكم هذا والانذار الابلاغ ولا يكون الا فى التخويف ويعدى الى مفعولين كما فى تاج المصادر .(15/450)
قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9)
{ قالوا } اعترافا بأنه تعالى قد ازاح عللهم بالكلية ببعثة الرسل وانذارهم ما وقعوا فيه وانهم لم يأتوا من قدره كما تزعم المجبرة وانما اتوا من قبل انفسهم واحتيارهم خلاف ما اختاروا الله فأمر به واوعد على ضده { بلى } لا يجاب نفى اتيان النذير { قد جاءنا نذير } جمعوا بين حرف الجواب ونفس الجملة المجب بها مبالغة فى الاعتراف وتحسرا على فوت سعادة التصديق وتمهيد لبيان التفريط الواقع منهم اى قال كل فوج من تلك الافواج قد جاءنا نذير اى واحد حقيقة او حكما كانبياء بنى اسرآأئيل فانهم فى حكم نذير واحد فأنذرنا وتلا عيلنا ما نزل الله عليه من آياته روى ابو هريرة رضى الله عنه عن النبى عليه السلام انه قال انا النذير والموت المغير يعنى موت عارت كنند است والساعة الموعد يعنى قيامت وعده كاهست { فكذبا } ذلك النذير فى كونه نذيرا من جهته تعالى فان قلت هذا يقتضى أن لا يدخلها الفاسق المصر لانه لم يكذب النذير قلت قد دلت الأدلة السمعية على تعذيب العصاة مطلقا والمراد بالفوج هنا بعض من ألقى فيها وهم الكفرة كما سبق { وقلنا } فى حق ما تلاه من الآيات افراطا فى التكذيب وتماديا فى الكير بسبب الاشتغال فى الامور الدنيوية والاحكام الرسومية الخلقية { ما نزل الله } على احد { من شئ } من الاشياء فضلا عن تزيل الآيات عليكم وقال بعضهم ما نزل الله من كتاب ولا رسول { ان انتم } اى ما انتم يا معشر الرسل فى ادعاء ان الله تعالى نزل عليكم آيات تنذر وثنا بما فيها { الا فى ضلال كبير } بعيد عن الحق والصواب وجميع ضمير الخطاب مع ان مخاطب كل فوج نذيره لتغليبه على امثاله مبالغة فى التكذيب وتماديا فى التضليل كما ينبئ عنه تعميم المنزل مع ترك ذكر المنزل عليه فانه ملوح بعمومه حتما .(15/451)
وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)
{ وقالوا } ايضا معترفين بأنهم لم يكؤنوا ممن يسمع او يعقل { لو كنا } فى الدنيا { نسمع } كلاما { او نعقل } شيأ وفيه دليل على ان العقل حجة التوحيد كالسمع وقدم السمع لانه لا بد اولا من سماع ثم تعقل المسموع واقل سعدى المفتى قوله لو كنا الخ يجوز أن يكون اشارة الى قسمى الايمان التقلديى والتحقيق اى الاستدلالى لانه يحتاج الى النظر دون التحقيقى العيانى لانه يحصل بالكشف لا العقل { ما كنا } اليوم { فى اصحاب السعير } اى فى عداد اله لالنار الموقدة واتباعهم وهم الشياطين لقوله تعالى واعتدنا لهم عذاب السيعر كأن الخزنة قالوا لهم فى تضاعيف التوبيخ ألم تسمعوا آيات ربكم من السنة الرسل ولم تعقلوا معانيها حتى لا تكذبوا بها فأجابوا بذلك وفى التأويلات النجمية لو كنا نسمع بأسماع قلوبنا او نعقل بعقول ارواحنا ما كنا فى اصحاب السعير ولكنا سمعنا باسماع محتومة وعقول معلولة مقفولة .(15/452)
فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)
{ فاعترفوا } اضطرار احين لا ينفعهم الاعتراف وهو اقرار عن مغفرة وفى عين المعانى عرفوا انفسهم بالجرم { بذنبهم } اختيارا بصرف قواهم الى سوء الاقتراف وهو كفرهم وتكذيبهم بآيات الله ورسله وقال بعضهم افرد الذنب لانه يفيد فائدة الجمع بكونه اسم جنس شامل للقيل والكثير وأريد به الكفر وهو وان كان على انواع فهو ملة واحدة فى كونه نهاية الجرم واقتضاء الخلود الابدى فى النار { فسحقا } مصدر مؤكد اما لفعل متعد من المزيد بحذف الزوائد اى فأسحقهم الله اى ابعدهم من رحمته سحقا اى اسحاقا وابعادا بسبب ذنبهم او لفعل مرتب على ذلك العفل اى فأسحقهم الله فسحقوا اى بعدوا سحقا اى بعدا ويقال سحق الشئ مثل كرم فهو سحيق اى بعد فهو بعيد قيل وهو تحقيق وقيل هو على الدعاء وهو تعليم من الله لعباده أن يدعو عليهم به كما فى التيسير ومعناه بالفارسية بس دور كرد خداى تعالى دور كردنى ايشان را از رحمت خود .
قال بعضهم دعاء عليهم من الله اشعارا بان المدعو عليهم مستحقون لهذا الدعاء وسيقع عليهم المدعو به من البعد والهلاك { لاصحاب السعير } اللام للبيان كما كان فى هيت لك والمراد الشياطين والداخلون من الكفرة وفيه اشارة الى ان الله تعالى بعد اهل الحجاب من جنة القرب وقربهم من جهنم ابعد .(15/453)
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12)
{ ان الذين يخشون ربهم بالغيب } اى يخافون عذابه وهو عذاب يوم القيامة ويوم الموت ويوم القبر خوفا ورآء عيونهم حال كون ذلك العذاب غائبا عنهم ولم يعاينوه بعد على ان بالغيب حال من المضاف المقدر او غائبين عنه تعالى اى عن معاينة عذابه واحكامه الآخرة او عن اعين الناس لانهم ليسوا كالمنافقين الذين اذا لقوا المؤمنين قالوا آمنا واذا خلوا الى شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزؤون على انه حال من الفاعل وهو ضمير يخشون او بما خفى منهم وهو قلوبهم فالباء للستعانة متعلقة بيخشون والالف واللام اسم موصول وكانوا يشمون من كبد أبى بكر الصديق رضى الله عنه رآئحة الكبد المشوى من شد الخوف من الله تعالى وكان عليه السلام يصلى ولصدره ازيز كأزيز المرجل من البكاء والأزيز الغليان وقيل صوته والمرجان قدر من نحا { لهم مغفرة } عظيمة تأتى على جميع ذنوبهم ولما كان السرور انما يتم بالاعطاء قال { واجر كبير } اى ثواب عظيم فى الآخرة فضلا منه تعالى يكون لهم به من الاكرام ما ينسيهم ما قاسوه فى الدنيا من شدآئد الآلام وتصغر فى جنبه لذآئذ الدنيا وهو الجنة ونعميها .
كفته انديمنى از وشدايد ومكاره يعنى مزد ثرسندكان امان باشد ازهر جه مى ترسند
لا تخافوا مزده ترسنده است ... هركه مى ترسد مبارك بنده است
خوف وخشيت خاص دانايان بود ... هركه دانا نيست كى ترسان بود
ترسكارى رستكارى آورد ... هركه درد آرد عوض درمان بود
فلا بد من العقل اولا حتى يحصل الخوف ثانيا وكان بعض الاكاسرة وكانوا اعقل الملوك يرتب واحدا يكون ورآءه بالقرب منه يقول اذا اجتمعت جنوده انت عبد لا يزال يكرر ذلك والملك يقول له كلما قاله نعم وهكذا حال من يعرف مكر النفس ويخاف الله بقلبه قال مسروق ان المخافة قبل الرجاء فان الله تعالى خلق جنة ونار فلن تخلصوا الى الجنة حتى تمروا بالنار قال تعالى وان منكم الا واردها قال فضيل قدس سره اذا قيل لك اتخاف الله فاسكت فانك اذا قلت لا فقد جئت بأمر عظيم واذا قلت نعم فالخائف لا يكون على ما أنت عليه ألا ترى ان الله تعالى لما اتخذ ابراهيم عليه السلام خليلا ألقى فى قلبه الوجل حتى ان خفقان قلبه يسمع من بعيد كما يسمع خفقان الطير فى الهوآء وقيل لفضيل بم بلغ بك الخوف الذى بلغ قال بقلة الذنوب فللخوف اسباب واول الامر العقل السليم ثم يحصل كما له بترك العصيان وذلك ان ترك المعصية وانكان نتيجة الخوف لكن القلب بترقى فى الرقة بترك المعصية فيشتد خوفه فقاسى القلب لا يعرف الخوف لان عقله ضعيف مغلوب يقال العقل كالبعل والنفس كالزوجة والجسم كالبيت فاذا سلط العقل على النفس اشتغلت النفس بمصالح الجسم كما تشتغل المرأة المقهورة بمصالح البيت فصلحت الجملة وان غلبت النفس كان سعيها فاسدا كالمرأة التى قهرت زوجها ففسدت الجملة .
مبر طاعت نفس شهوت برست ... كه هرساعتش قبله ديكرست
كرا جامه باكست وسيرت بليد ... در دوزخش رانبايد كليد(15/454)
وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13)
{ واسروا قولكم او اجهروا به } وبنهان سازيد سخن خودرا درشان بيغمبر عليه السلام يا آشكار كنيد مرانرا .
قال ابن عباس رضى الله عنهما نزلت فى المشركين كانوا يتكلمون فيما بينهم بأشياء يعنى درباب حضرت بيغمبر سخنان ناشايسته كفتندى .
فيظهر الله رسوله عليها فقال بعضهم لبعض اسر واقولكم كيلا يسمع رب محمد فيخبره بما لوتقون فقيل لهم اسر واذلالك او اجهروا به فان الله يعلم واسرار الاقوال واعلانها مستويان عنده تعالى فى تعلق علمه والامر للتهديد لا للتكليف وتقديم السر على الجهر للايذان بافتضاحهم ووقوع ما يحذرون من اول الامر المبالغة فى بيان شمول علمه المحيط بجميع المعلومات كأن علمه تعالى بما يسر ونه اقدم منه بما يجهرون به مع كونهما فى الحقيقة على السوية فان علمه تعالى بمعلوماته ليس بطريق حصول صورها بل وجود كل شئ فى نفسه علم بالنسبة اليه تعالى او لان مرتبة السر متقدمة على مرتبة الجهر اذما من شئ يجهر به الا وهو او مباديه مضمر فى القلب يتعلق به الاسرار غالبا فتعلق علمه تعالى بحالته الاولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية انه عليم بذات الصدور } مبالغ فى الاحاصة بمضمرات جميع الناس واسراهم الخفية المستكنة فى صدورهم بحيث لا تكاد تفارقها اصلا فكيف يخفى عليه ما تسرونه وتجهرون به ويجوز أن يراد بذات الصدور القلوب التى فى الصدور والمعنى انه عليم بالقلوب واحوالها فلا يخفى لعيه سر من اسرارها قال القاشاقنى انه عليم بذات الصدور لكون تلك السرآئر عين علمه فكيف لا يعلم ضمائرهم من خلقها وسواها وجعلها مرآئى اسراره ولم يقل ذوات الصدور لارادة الجنس وذات هنا تأنيث ذى بمعنى صاحب حذف الموصوف واقيمت الصفة مقامه اى عليم بالمضمرات صاحبةالصدور وهى الخواطر القائمة بالقلب من الدواعى والصوارف الموجودة فيه وجعلت صاحبة الصدور بملازمتها لها وحلولها فيها كما يقال اللبن ذو الاناء ولولد المرأة وهو جنين ذو بطنها .(15/455)
أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)
{ ألا يعلم } آياندادند { من خلق } اى ألا يعلم السر والجهر من اوجد بحكمته جميع الاشياء التى هما من جملتها فهو انكار ونفى لعدم احاطة علمه تعالى بالمضمر والمظهر ومن فاعل يعلم ويجوز أن يكون منصوبا على انه مفعول يعلم والعائد محذوف اى ألا يعلم الله من خلقه { وهو } اى والحال انه تعالى وحده { اللطيف } العالم بدقائق الاشياء يرى اثر النملة السودآء على الصخرة الصماء فى الليلة الظلماء { الخبير } العالم ببواطنها قال القاشانى هو المحيط ببواطن ما خلق ظواهره بل هو هو فى الحقيقة باطنا وظاهرا لا فرق الا بالوجوب والامكان والاطلاق والتقييد واحتجاب الهوية بالعندية والحقيقة بالشخصية فان قلت ذكر الخبير بعد اللطيف تكرار قلت لا تكرار فيه فانه قال الامام الغزالى رحمه الله انما يستحق اسم اللطيف من يعلم دقائق المصالح وغوامضاه وما دق منها وما لطف ثم يسلك فى ايصالها الى المستصلح على سبيل الرفق دون العنف فاذا اجتمع الرفق فى الفعل واللطف فى الادراك تم معنى اللطف ولا يتصور كمال ذلك فى العلم والفعل الا الله تعالى والخبير هو الذى لا يعزب عنه الاخبار الباطنة فلا يجرى فى الملك والملكوت شئ ولا تتحرك ذرة ولا تسكن ولا تضطرب نفس ولا تطمئن الا ويكون عنده خبرها وهو بمعنى العليم لكن العلم اذا أضيف الى الحفايا الباطنة يسمى خبرة ويسمى صاحبها خبيرا قال بعضهم كنا جماعة من الفراء فأصابتنا فاقة ومجاعة فذهبنا الى ابراهيم الخواص قدس سره وقلت فى نفسى اباسط الشيخ فى احوالى واحوال هؤلاء الفقرآء فلما وقع بصره على قال لى الحاجة الى جئتنى فيها الله عليم بها ام لافرفعها اليه فسكت ثم انصرفنا فلما وصلنا الى المنزل فتح علينا بشئ واذا علم العبد انه مطلع على سره عليم بخفى ما فى صدره يكتفى من سؤاله برفع همته البه واحضار حاجته فى قلبه من غير أن ينطق بلسانه والله لطيف بعباده ومن لطفه بهم انه يوصل اليهم ما يحتاجون اليه بسهولة فمن قوته رغيب لو تفكر فيه يعلم كم عين سهرت فيه من اول الامر حتى تم وصلح للاكل من الحارث والباذر للبذر والحاصد والد آيس والمذرى والطاحن والعاجن والخابز ويتشعب من ذلك الآلات التى تتوقف عليها هذه الاعمال من الاخشاب ولحجارة والحديد والحبال والدواب بحيث لا تكاد تنحصر وهكذا كل شئ ينعم به على عبده من مطعوم ومشروب وملبوس فيه مقدما كثيرة لو احتاج العبد الى مباشرتها بنفسه لعجز عن ذلك ومن سنة الله سبحانه حفظ كل لطيفة فى طى كل كثيفة كصيانة الودآئع فى المواضع المجهولة ألا ترى انه جعل التراب الكثيف معدن الذهب والفضة وغيرهما من الجواهر والصدق معدن الدر والذباب معدن الشهد والدود معدن الحرير وكذا جعل قلب العبد محلا ومعدنا لمعرفته ومحبته وهو مضغة لحم فالقلب خلق لهذا لا لغيره فعلى العبد ان يطهره عن لوث التعلق بما سوى الله فان الله تعالى لطف به باياجاده ذلك القلب فى جوفه ووصف نفسه بانه لطيف خبير مطلع على ما فى الباطن فاذا كان هو المنظر الالهى وجب تخليته عن الافكار والاغيار وتحليته بأنواع المعارف والعلوم والاسرا وتجليته بتجلى الله الملك العزيز الغفار بوجوه اسمائه وصفاته بل بعين ذاته نسأل الله تعالى نواله وأن يرينا جماله .(15/456)
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)
{ هو } وحده { الذى جعل لكمؤ اى لمنافعكم { الارض } اختلفوا فى مبلغ الارض وكميتها فروى عن مكحول انه قال ما بين اقصى الدنيا الى ادناها مسيرة خمسمائة سنة مائتان من ذلك فى البحر ومائتان ليس يسكنها احد وثمانون فيها يأجوج ومأجوج وعشرون فيها سائر الخلق وعن قتادة انه قال الدنيا ان بسيطها من حيث يحيط بها البحر المحيط اربعة وعشرون الف فرسخ فملك السودان منها اثنا عشر الف فرسخ وملك الروم ثمانية آلاف فرسخ وملك العجم والترك ثلاثة آلاف فرسخ وملك العرب الف فرسخ وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما انه قال ربع من لا يلبس الثياب من السودان اكثر من جميع الناس وقد خرج بطليموس مقدار قطر الارض واستدارتها فى المحطى بالتقريبى وهو كتاب له يذكر فيه القوعد التى يتويل بها فى اثبات الاوضاع الفلكية والارضية بأدلتها التفصيلية قال استدارة الارض مائة الف وثمانون الف اسطاربوس وهى اربعة وعشرون الف ميل فتكون على هذا الحكم ثمانية آلاف فرسخ والفرسخ ثلاثة اميال والميل ثلاثة آلاف ذراع بالمكى والذراع ثلاثة اشباع وكل شبر اثنتان عشرة اصبعا والاصبع خمس شعيرات مضمومات بطون بعضها الى بعض وعرض الشعيرة الواحدة ست شعرات من شعر بغل والاسطاربوس اربعمائة الف ذراع قال وغلظ الارض وهو قطرها سبعة آلاف وستمائة وثلاثون ميلا يكون الفين وخمسمائة فرسخ وخمسة واربعين فرسخا وثلثى فرسخ قال فبسيط الارض كلها مائة واثنان وثلاثون الف الف وستمائة الف ميل فيكون مائتى الف وثمانية آلاف فرسخ قال صاحب الخريدة فان كان ذلك حقا فهو وحى من الحق او الهام وان كان قياسا واستدلالا فهو قريب ايضا من الحق واما قول قتادة ومكحول فلا يوجب العلم اليقينى الذى يقطع على الغيب به انتهى { ذلولا } اى لبنة منقادة غاية الانقياد لما تفهمه صيغة المبالغة يسهل عليكم السلوك فيما لتتوصلوا الى ما ينفعكم وبالفارسية نرم ومنقادتا آسان باشد سيرشما بران .
ولو جعلها صخرة خشنة تعسر المشى عليها او جعلها لينة منبتة يمكن فيها حفر الآبار وشق اليعون والانهار وبناء الابنية وزرع الحبوب وغرس الاشجار ولو كانت صخرة صلبة لتعذر ذلك ولكانت حارة فى الصيف جدا وباردة فى الشتاء فلا تكون كفاتا للاحياء والاموات وايضا ثبتها بالجبال الراسيات كيلا تتمايل وتنقل بأهلها ولو كانت مضطربة متمايلة لما كانت منقادة لنا فكانت على صورة الانسان الكامل فى سكوتها وسكونها وكانت هى وحقائقها فى مقابلة القلم الأعلى والملائكة المهيمة والحاصل ان الله تعالى جعل الارض بحيث ينتفع بها وقسمها الى سهول وجبال وبرارى وبحار وانهار وعيون وملح وعذب وزرع وشجر وتراب وحجر ورمال ومدر وذات سباع وحيات وفارغة وغير ذلك بحكمته وقدرته قال سهل قدس سره خلق الله الأنفس ذلولا فمن اذلها بمخالفتها فقد نجاها من الفتن والبلاء والمحن ومن لم يذلها واتبعها اذلته نفسه واهلكته يقال دابة ذلول بينة الذل او هو بالكسر اللين والانقياد وهو ضد الصعوبة فالذلول من كل شئ المناقد الذى يذل لك وبالضم الهوان ضد العز قال الراغب الذل ما كان عن قهر يقال ذل يذر ذلا والذل ما كان بعد تصعب وشماس من غير قهر يقال ذل يذل ذلا وجعلها البيقهى فى تاج المصادر من الباب الثانى حيث قال فى ذلك الكتاب والباب الذل خورشدن والذل رام شدن .(15/457)
وكذا فى مختار الصحاح وجعل صاحب القاموس الذل ضد الصعوبة بالضم والكسر والذل بمعنى الهوان بالضم فقط والذلول فعول بمعنى الفاعل ولذا هرى عن علامة التأنيث مع ان الارض مؤنث سماعى { فامشوا فى مناكبها } الفاء لترتيب الامر على الجعل المذكور وهو أمر اباحة عند بعض اى فاسلكوا فى جوانبها وخبر فى صورة الامرعند آخرين اى تمشون فى اطرافها من حيث اى منكبى الرجل جانباه فشبه الجوانب بالمناكب واذا مشوا وساروا فى جوانبها واطرافها فقد احاطوا بها وحصل لهم الانتفاع بجميع ما فيها قال الراغب المنكب مجتمع ما يبن العضد والكتف ومنه استعير للارض فى قوله فامشوا فى مناكبها كاستعارة الظهر لها فى قوله ما ترك على ظهرها انتهى او فى جبالها وشبهت بالمناكب من حيث الارتفاع وكان لبشر بن كعب سرية فقال لها ان اخبرتنى ما مناكب الارض فأنت حرة فقالت مناكبها جبالها فصارت حرة فأراد أن يتزجها فسال ابا الدردآء رضى الله عنه فقال دع ما يريبك الى ما لا يريبك وهو مثل لفظ التذليل ومجاوزته الغاية اى تذليل البعير لا مطلقا كما فى حواشى سعدى المفتى فان منكب البعير ارق اعضائه وانباها عن أن يطاها الراكب بقدمه فاذا جعل الارض فى الذل بحيث تيأتى ا لمشى فى مناكبها لم يبق مناه شئ لم يتذلل فخرج الجواب عن وجه تخصيص المشى فى الجبال على تقدير أن يراد بالمناكب الجبال لكن من الجبال ما يتعذر سلوكها كجبل السد بيننا وبين يأجوج ومأجوج ورد فى الحديث انه تزالق عليه الارجل ولا تثبت ومناه ما يشق سلوكها وانما لم تعتبر لندرتها وقلتها وفى التأويلات النجمية هو الذى جعل لكم ارض البشرية ذلولا منقادة فخذوا من ارضها بقدر الحاجة من اعاليها واسافلها من اللذات الجسمانية المباحة لكم بحكم الشرع لتقوية ابدانكم وتهيئة اسباب طاعاتكم وعباداتكم لئلا تضعف بالكلية وتكل عن العبادة { وكلوا من لكية رزقه } والتسموا من نعم الله تعالى فيها من الحبوب والفواكه ونحوها والامر ان كان امر اباحة فالرزق ما يكون حلالا وان كان خبرا فى صورة الامر بمعنى تأكلون فيجوز أن يكون شاملا للحرام ايضا فانه من رزقه ايضا وان كان التناول منه حراما { واليه } اى الله وحده { النشور } اى لامرجع بعد البعث فبالغوا فى شكر نعمه يقال نشر الله رجعا ورجع بنفسه رجوعا الا ان الميت لا يحيى بنفسه بدون احياء الله اذ هو محال .(15/458)
أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16)
{ ءامنتم } آيا ايمن شديد اى مكذبان . وهو استفهام توبيخ فالهمزة الاولى استفهامية والثانية من نفس الكلمة { من } موصولة { فى السماء } اى الملائكة الموكلين بتدبير هذا العالم او الله سبحانه على تأويل من فى السماء امره وقضاؤه وهو كقوله تعالى وهو الله فى السموات وفى الارض وحقيقته ءامنتم خالق السماء ومالكها قال فى الاسئلة خص السماء بالذكر ليعلم ان الاصنام التى فى الارض ليست بآلهة لا لانه تعالى فى جهة من الجهات لان ذلك من صفات الاجسام واراد أنه فوق السماء والارض فوقية القدرة والسلطنة لا فوقية الجهة انتهى على انه لا يلزم من الايمان بالفوقية الجهة فقد ثبت فانظر ماذا ترى وكن مع اهل السنة من الورى كما فى الكبريت الاحمر للامام الشعرانى قدس سره واما رفع الايدى الى السماء فى الدعاء فلكونها محل البركات وقبلة الدعاء كام ان الكعبة قبلة الصلاة وجناب الله تعالى قبلة القلب ويجوز أن تكون الظرفية باعتبار زعمالعرب حيث كانوا يزعمون انه تعالى فى السماء اى ءأمنتم من تزعمون انه فى السماء وهو متعال عن المكان وفى فتح الرحمن هذا المحل من المتشابه الذى استأثر الله بعلمه ونؤمن به ولا نتعرض لمعناه ونكل العلم فيه الى الله قوله من فى السماء فى موضع النصب على انه مفعول امنتم { أن يسخف بكم الارض } بعدما جعلاه لكم ذلولا تمشون فى مناكبها وتأكلون من رزقه لكفرانكم تلك النعمة اى يقلبها ملتبسة بكم فيغيبكم فيها كما فعل بقارون وهو بدل اشتمال من من اى ءامنتم من فى السماء خسفه والبلاء للملابسة والخسف بزمين قرو بردن .
والخسوف بزمين فروشدن . والمشهور ان الباء فى مثل هذا الموضع للتعدية اى يدخلكم ويذهبكم فيها وبالفارسية فرو برد شمارا بزمين .
قال الجوهرى خسف المكان يخسف خسوفا ذهب فى الارض وخسف الله به الارض خسفا غاب به فيها وفى القاموس ايضا خسف الله بفلان الارض غيبة فيها { فاذا هى } بس آنكاه زمين ابس زفرو بردن شمابوى { تمون } قال فى القاموس المور الاضطراب والجريان على وجه الارض والتحرك اى تضطرب ذهابا ومجيئا على خلاف ما كانت عليه من الذل والاطمئنان وقال بعضهم فاذا الارض تدور بكم الى الارض السفلى وبعضهم تنكشف تارة للخوض فيها وتلتئم اخرى للتعذيب بها .(15/459)
أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17)
{ أم أمنتم } يا ايمن شديد . وهو انتقال الى التهديد بوجه آخر { من فى السماء أن يرسل عليكم حاصبا } اى حجارة من السماء كما ارسلها على قوم لوط واصحاب الفيل اى ام أمنتم من فى السماء ارسله على ان قوله أن يرسل بدل من من ايضا والمعنى هل جعل لكم من هذين امان واذلا امان لكم منهما فمن معنى تماديكم فى شرككم { فستعلمون } عن قريب البتة { كيف نذير } اى انذارى عند مشاهدتكم للمنذر به أهو واقع ام لا أشديد ام ضعيف يعنى حين حققتم المنذر به تعلمون انه لا خلف لخبرى وان عذابى لشديد وانه لا دافع عنه ولكن لا ينفعكم العلم حينئذ فالنذير وكذا النكير الاتى مصدران بمعنى الانذار والانكار وصالهم انذيرى ونكيرى بياء الاضافة فحذفت اكتفاء بكسر ما قبلها قال فى برهان القرءآن خوفهم بالخسف اولا لكونهم على الارض وانها اقرب اليهم من السماء ثم بالحاصب من السماء فلذلك جاء ثانيا .
يقول الفقير أشارت الآية الاولى على ما ألهمت فى جوف اللي الى ان الاستتار تحت اللحاف وعدم النهوض الى الصلاة والمناجاة وقت السحر عقوبة من الله تعالى على اهل الغفلة كالخسف ولذا لما قام بعض العارفين متهجدا فأخذه البرد وبكى من العرى قيل له من قبل الله تعالى اقمناك وانمتاهم فتبكى علينا يعنى ان اقامتك وانامة الغافلين نعمة لك ونقحة لهم فاشكر عليهم ولا تجزع من العرى فان بلاء العرى اهون من بلاء الغفلة واشارت الآية الثانية الى نزول المطر الشديد من السماء فانه ربما يمنع المتهجد عن القيام والاشتغال بالوضوء والطهارة فيكون غضبا فى صورة الرحمة فعلى العاقل أن لا يضيع الوقت ويغتنم الفراغ قبل الشغل أيقظنا الله واياكم .(15/460)
وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18)
{ ولقد كذب الذين من قبلهم } اى من قبل كفار مكة من كفار الامم السالفة كقوم نوح وعاد وأضرابهم والتفات الى الغيبة لابراز الاعراض عنهم { فكيف كان نكيرا } اى انكارى عليهم بانزال العذاب اى كان على غاية الهول والفظاعة وهذا مورد التأكيد القسمى لا تكذيبهم فقط وانكار الله تعالى على عبده ان يفعل به امرا صعبا وفعلا هائلا لا يعرف وفى الآية تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتهديد لقومه .(15/461)
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19)
{ اولم يروا } اى اغفلوا ولم ينظروا { الى الطير } فالرؤية بصرية لانها تتعدى بالى واما القلبية فتعديتها بفى والطير يطلق على جنس الطائر وهو كل ذى جناح يسبح فى الهوآء اما لكون جمعه فى الاصل كركب وراكب او مصدره جعل اسما لجنسه فباعتبار تكثره فى المعنى وصف بصافات وفى المفردات انه جمع طائر { فوقهم } يجوز أن يكون ظرفا ليروا وأن يكون حالا من الطير أى كائنات خوقهم { صافات } حال من الطير والصف أن يجعل الشئ على خط مستو كالناس باسطات اجنحتهن فى الجو عند طيرانها فانهن اذا بسطنها صففن قوادمها صفا وقوادم الطير مقاديم ريشه وهى عشر فى كل جناح الواحدة قادمة { ويقبض } ويضممنها اذا ضربن بام جنوبهن حينا فحينا للاستظهار به على التحرك وهو الشرك فى ايثار يقبض الدال على تجدد القبض تارة بعد تارة على قابضات فان الطيران فى الهوآء كالسباحة فى الماء فكما ان الاصل فى السباحة مد الاطراف وبسطها فكذا الاصل فى الطيران صف الاجنحة وبسطها والقبض انما يكون تارة بعد تارة للاستظهار المذكور كما فى السابح قال ابن الشيخ ويقبض عطف على صافات لانه بمعنى وقابضات والا لما عطف الفعل على الاسم { ما يسمكهن } فى الجو وما يأخذهن عن السقوط عند الصف والقبض على خلاف مقتضى الطبع الجسمانى فانه يقتضى الهبوط الى السفل { الا الرحمن } الواسع رحمته كل شئ بأن برأهن على اشكال وخصائص وهيأهن للجرى فى الهوأء { انه بكل شئ بصير } يعلم ابداع المبدعات وتدبير العجائب والبصير هو الذى يشاهد ويرى لا يعزب عنه ما تحت الثرى وهو فى حقه تعالى عبارة عن الوصف الذى به ينكشف كمال نعوت المبصرات فالبصر صفة زآئدة على علمه تعالى خلافا للقدرية فمن عرف هذه الصفة كان المراد به دوام المراقبة ومطالبة النفس بدقيق المحاسبة والمراقبة احدى ثمرات الايمان ( حكى ) ان بعض الملوك كان له عبد يقبل عليه اكثر مما يقبل على امثاله ولم يكن احسن منهم صورة ولا اكثر منهم قيمة فكانوا يتعجبون من ذلك فركب الملك يوما الى الصحرآء ومعه اصحابه وعبيده فنظر الى جبل بعيد عليه قطعه ثلج نظرة واحدة ثم اطرق فركض ذلك العبد فرسه من غير أن ينظر الملك أليه ولا أشار بشئ من ذلك ولم تعلم الجماعة لاىّ شئ ركض فرسه فما لبث الا ساعاة حتى عاد ومعه شئ من الثلج فقل له بم عرفت ان الملك أراد الثلج فقال لانه نظر اليه ونظر الملوك الى شئ لا يكون عبثا فقال الملك لهذا اقربه واقدمه عليكم فانكم مشغولون بأنفسكم وهو مشغول بمراقبة احوالى وفى التأويلات النجمية يشير الى طيران الارواح العلوية المخلوقة قبل الاجساد من العوالم الهيولانية وما يسمكهن الا الرحمن المشتمل على الاسم الحفيظ وبه يمسكها فى جو سماء القدرة انه بكل شئ بصير يعلم كيف يخلق الاشياء الغريبة وكيف يدبر الامور العجبة .(15/462)
أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20)
{ أمن هذا الذى هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن } اصله ام من على ان ام منقطة مقدرة ببل المفيدة للانتقال من توبيخهم على ترك التأمل فيما يشاهدونه من احوال الطير المبنئة عن تعاجيب آثار قدرة الله الى التبكيت بما ذكر والالتفات للتشديد فى ذلك اوالاستفهام متوجه الى تعيين الناظر لتبكيتهم باظهار عجزهم عن تعيينه ولا سبيلى هنا الى تقدير الهمزة مع بل لان ما بعدها من الاستفهامية ولا يدخل الاستفهام على الاستفهام ومن مبتدأ وهذا خبره والموصول مع صلته صفته وايثار هذا لتحقير المشار اليه وينصركم صفة لجند بالاعتبار لفظه والجند جمع معد للحرب والمعنى بل من هذا الحقير الذى هو فى زعمكم جند لكم وعسكر وعون من آلهتكم وغيرها ينصركم عند نزول العذاب والآفات متجاوزا نصر الرحمن فمن دون الرحمن حال من فاعل ينصركم ودون بمعنى غيرأ وينصركم نصرا كائنا من دون نصره تعالى على انه نعت المصدره او ينصركم من عذاب كائن من عند الله على انه متعلق بينصركم وقد تجعل من موصولة مبتدأ وهذا مبتدأ ثانيا والمصولة مع صلته خبره والجملة سلة من بتقدير القول وينصركم وام منقطعة او متصلة والقرينة محذوفة بدلالة لاسياق على ان يكون المعنى الله الذى له هذه الاوصاف الكاملة والقدرة الشاملة ينصركم وينجيكم من الخسف والحصب ان اصابكم ام الذى يشار اليه ويقال فى حقه هذا الذى تزعمون انه جند لكم ينصركم من دون الله وايثار الرحمن للدلالة على ان رحمة الله هى المنجية من عضبه لا غير قال القاشانى اى من يشار اليه ممن يستعان به من الاغيار حتى الجوارح والآلات والقوى وكل ما ينسب اليه التأثير والمعونة من الوسائط فيقال هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن فيرسل ما امسك من النعم الباطنة والظاهرة او يمسك ما ارسل من النعم المعنوية والصورة او يحصل لكم ما منع ولم يقدر لكم او يمنع ما أصابكم به وقدر عليكم { ان الكافرون الا فى غرور } ان نافية بمعنى ما اى ما هم فى زعمهم انهم محفوظون من النوآئب بحفظ آلهتهم لا بحفظه تعالى فط او أن آلهتهم تحفظهم من بأس الله الا فى غرور عظيم وضلال فاحش من جهة الشيطان ليس لهم فى ذلك شئ يعتد به فى الجملة والالتفات الى الغيبة للايذان باقضتاء حالهم الاعراض عنهم وبيان قبائحهم ليغرهم والاظهار فى موضع الاضمار لذمهم بالكفر وتعليل غرورهم به .(15/463)
أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21)
{ أمن هذا الذى يرزقكم } يعطيكم الرزق { ان امسك } الرحمن وحبس { رزقه } بامساك المطر ومباديه ولو كان الرزق موجودا او كثيرا وسهل التناول فوضع الاكلة فى فمه فأمسك الله عنه قوة الابتلاع عجز اهل السموات والارض عن أن يسوغه تلك اللقمة واعرابه كاعراب ما سبق والمعنى على تقدير كون من موصولة الله ارزاق ذو القوة المتبين يرزقكم ام الذى يقال فى حقه هذا الحقي المهين الذى تدعون انه يرزقكم قال بعض المفسرين كان الكفار يمتنعون عن الايمان ويعاندون الرسول عليه السلام معتمدين على شيئين احدهما اعتمادهم بمالهم وعددهم والثانى اعتقادهم ان الاوثان توصل اليهم جميع الخيرات وتدفع عنهم جميع الآفات فأبطل الله عليهم الاول بقوله اممن هذا الذى هو جند لكم الخ ورد عليهم الثانى بقوله اممن هذا الذى يرزقكم الخ { بل لجوا فى عتو ونفور } منبئ عن مقدر يستعديه المقام كائنه قيل اثر التبكيت والتعجزي لم يتأثروا بذلك ولم يذعنوا للحق بل لجوا وتمادوا فى عتواى عناد واستكبار وطفيان ونفور اى شراد عن الحق وتباعد واعراض لمضادتهم الحق بالباطل الذى اقاموا عليه فاللجاج التمادى فى العناد فى تعاطى الفعل المزجور عنه والعتو والتجاوز عن الحد والنفور الفرار ففيه تحقير لهم واشارة الى انهم { حمر مستنفرة فرت من قسورة } يعنى كوييا ايشان خران وحشى اندر ميدكان كه كريخته باشند از شيريا از صياد ياريسمان دام يا مردم تيرانداز يا آوازهاى مختلف
كسى راكه بندار درسر بود ... ميندار هركزكه حق بشنود(15/464)
أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)
{ افمن يمشى مكبا على وجهه اهدى } الخ مثل ضرب للمشرك والموحد توضيحا لحالهما والفاء لترتيب ذلك على ما ظهر من سوء حالهم وتقديم الهمزة عليها صورة انما هو لاقتضائها الصدارة واما بحسب المعنى فالامر بالعكس حتى لو كان مكان الهمزة هل لقيل فهل من يمسى مكبا ولمكب الساقط على وجهه وحقيقته صار ذا كب ودخل فى الكب وكبه قليه وصرعه يعنى اسطقع على وجهه ولا يقال اكبه فان اكب لازم وعند صاحب القاموس لازم ومتعد ومكبا حال من فاعل يمشى والمعنى فمن يشمى وهو يعثر فى كل ساعة ويخر على وجهه فى كل خطوة لتوعر طريقه واختلال قواه اشد هداية ورشدا الى المقصد الذى يؤمه قال فى المناسبات لم يسم سبحانه لمشيانه طريقا لانه لا يستحق ذلك ولما كان ربما صادف السهل لا عن بصيرة بل عن اتفاق قال اهدى { اممن } اى اهو اهدى ام من { يمشى سويا } اى قائما سالما من الخبط والعثار { على صراط مستقيم } مستوى الاجزآء لا عوج فيها ولا انحراف وقيل المكب كناية عن الاعمى لانه لا يهتدى الى الطريق فيتعسف يعنى بى راه ميرود فيلزمه ان يكب على وجهه بخلاف الصير السوى
فرقست ميان آنكه از روى يقين ... باديده بينا روداندرره دين
با آنكه دوجشم بسته بى دست كسى ... هركوشه همى رود بظن وتخمين
وقال قتادة هو الكافر اكب على معاصى الله فى الدنيا فحشره الله على وجهه الى النار فى العقبى والمؤمن استقام على امر الله فى الدنيا فحشره الله على قدميه على الجنة فى الآخرة وقيل للنبى عليه السلام وكيف يشمون على وجوههم قال ان الذى امشاهم على اقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم وفيه اشارة الى ان الله تعالى يظهر للانسان يوم القيامة ما ابطن اليوم خيرا او شرا
سيرتى كاندر وجودت غالبست ... هم بران تصوير حشرت واجبست
قال القاشانى فامن يمشى منتكسا بالتوجه الى الجهة السفلية والمحبة للملاذ الحسية والانجذابالى الامور الطبيعية أهدى اممن يمشى مستويا منتصبا على صراط التوحيد الموصوف بالاستقامة التامة التى لا توصف فالجاهل المحجوب الطالب للدنيا المعرض عن المولى الاعمى عن طريق الحق مكبوب على وجه الخجلة بواسطة ظلمة الغفلة والعارف المحقق التارك للدنيا المقبل على المولى المبصر البصير لطريق الحق ماش سويا بالظاهر والباطن على طريق التوحيد الذى لا فيه امت ولا عوج .(15/465)
قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23)
{ قل } يا افضل الخلق { هو } تعالى وحده { الذى انشأكم } ايها الكفار كا دل عليه السباق والسياق ويندرج فيه الانسان الغافل ايضا ان انشأكم انشاء بريعا قابلا لجمع جميع الحقائق الالهية والكيانية وابتدأ خلقكم على احسن خلق بأن صوركم فأحسن صوركم { وجعل لكم السمع } واعطى لكم الاذن لتسموا آيات الله وتعملوا بمو جبها بل لتسمعوا الخطابات الغيبية من ألسنة الموجودات بأسرها فانها كلها تنطق نطق الانسان كما قال الله تعالى وان من شئ الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم قيل لبرز جمهر من اكمل الناس قال من لم يجعل سمعه غرضا لفحشاء وقدم السمع لانه شرط النبوة ولذلك ما بعث الله رسولا اصم ولان فوآئد السمع اقوى بالنسبة الى العوام وان كانت فوآئد البصر اعلى بالنسبة الى الخواص ولان السمع مرتبة الخطاب عند انفتاح باب القلب ولابصرة مرتبة الرؤية ولا شك ان مرتبة الخطاب اقدم بالنسبة الى مرتبة الرؤية لان مرتبة الرؤية هى مرتبة لتجلى فهى نهاية الامر ألا ترى انه عليه السالم سمع قبل النبوة صوت اسرافيل ولم ير شخصه واما بعدها فقد رأى جميع الملائكة وأم لهم ليلة المعراج عند السدرة بل ورأى الله تعالى بلا كيف فترقى من مرتبة الخطاب الى هى مرتبة الوحى الى مرتبة التجلى التى هى مرتبة الموحى { والابصار } لننظيروا بها الى الآيات التكوينية الشاهدة بشؤون الله تعالى ولتبصروا جميع مظاهره تعالى فى غاية الكمال ونهاية الاتقان { والافئدة } لتتفكر وابها فيما تسمعونه وتشاهدونه من الآيات التنزيلية والتكوينية وترتقوا فى معارج الايمان والطاعة بل التقبلوا بها الواردات القلبية والالهامات الغيبية قال فى القاموس التقؤد التحرق والتوقد ومنه الفؤاد للقلب مذكر والجمع افئد انتهى وخص هذه الثلاثة بالذكر لان العلوم والمعارف بها تحصل كما فى الاسرار ولان القلب كالحوض حيث ينصب اليه ما حصل من طريق السمع والبصر { قليلا ما تشكرون } اى باستعمال فيما خلت لاجله من الامور المذكورة وقليلا نعت لمحذوف وما مزيدة لتأكيد القلة اى شكرا قليلا او زمانا قليلا تشكرون وقيل القلة عبارة عن العدم قال سعدى المفتى القلة بمعنى النفى ان كان الخطاب للكفرة او بمعناها المعروف ان كان للكل يقال قلما افعل كذا اى لا أفعله قال بعضى العارفين
لو عشت ألف عام ... فى سجدة لربى
شكر الفضل يوم ... لم اقض بالتمام
والعام ألف شهر ... والشهر ألف يوم
واليوم ألف حين ... والحين ألف عام
قال بعضهم من وظائف السمع فى الشكر العلم من العلماء والحكماء والاصغاء الى الموعظة ونصح العقلاء والتقليد لاهل الحق والصواب ورد اقوال اهل البدعة والهوى ومن وظائف الابصار فيه النظر الى المصاحف وكتب الدين ومعابد المؤمنين ومسالك المسلمين والى وجوه العلماء والصالحين والفقرآء والمساكين بعين الرحمة والتفات المحسنين الى المصنوعات ونظر اصحاب اليقين وارباب الشوق والذوق والحنين الى غير ذلك مما فيه خير(15/466)
زبان آمد از بهر شكر وسباس ... بغيبت نكر داندش حق شناس
كذركاه قرآن وبندست كوش ... به بهتان وباطل شنيدن مكوش
دوجشم ازبى صنع بارى نكوست ... زعيب برادر فروكير ودوست
بهايم خموشنده وكويا بشر ... برا كنده كوى از بهايم بتر
بنطق است وعقل آدمى زاده فاش ... اكر راست كويى سخن هم بدى
ترا آنكه جشم ودهان دادو كوش ... اكر عاقلى در خلافش مكوش
مكن كردن از شكر منعم مبيج ... كه روزبسين سربر آرى بهيج
ومن وظائف الافئدة الفكر فى جلال الله وكاله وجماله ونواله والخوف والرجاء منه والمحبة به والاشتياق الى لقائه والمحبة لانبيائه واوليائه والبغض لاعدآئه والنظر فى المسائل والدلائل والاهتمام فى حوائج العيال ونحو ذلك مما فيه فائدة
صيقلى كن دلت بنور جمال ... تاكه حاصل شود جميع كمال(15/467)
قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
{ قل } يا اكمل الخلق { هو الذى ذرأكم فى الارض } اى حلقكم وكثرتكم فيها لا غيره من الذرء وهو بالفارسية آفريدن قال فى القاموس ذرأ كجعل خلق والشئ كثره ومنه الذرية مثلثة لنسل الثقلين { واليه } تعالى لا الى غيره اشتراكا او استقلالا { تحشرون } حشر اجسمانيا اى تجمعون وتبعثون للحساب والجزآء شيأ فشيأ على البرزخ دفعة واحدة يوم البعث فابنوا اموركم على ذلك ختم الآية بقوله واليه تحشرون فبين ان جميع الدلائل المذكورة انما كان لاثبات هذا المطلوب .(15/468)
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25)
{ ويقولون } من فرط عنادهم واستكبارهم او بطري قالاستهزآء كما دل عليه هذا فى قوله { متى هذا الوعد } اى الحشر الموعود كامينبئ عنه قوله تعلاى واليه تحشرون فالوعد بمعنى الموعد والمشار اليه الحشر وقيل ماحو فوابه من الخسف والحاصب واختيار لفظ المستقبل اما لان المقصود بيان ما يوجد من الكفار من هذا القول فى المستقبل واما لان المعنى وكانوا يقولون { ان كنتم صادقين } يخاطبون به النبى والمؤمنين حيث كانوا مشاركين له عليه السلام فى الوعد وتلاوة الآيات المتضمنة له وجواب الشرط محذوف اى ان كنتم صادقين فيما تخبرونه من مجيئ الساعة والحشر فبينوا وقته .(15/469)
قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26)
{ قل } يا اعلم الخلق { انما العلم } بوقته { عند الله } الذى قدر الاشياء ودبر الامور لا يطلع عليه غيره { وانما أنا نذير مبين } مخوف ظاهر بلغة تعرفونها ومظهر للحق كاشف عن الواقع انذركم وقوع الموعود لا محالة واما اعلم بوقت وقوعه فليس من وظائف الانذار قال يحيى بن معاذ رضى الله عنه اخفى الله علمه فى عباده وعن عباده وكل يتبع امره على جهة الاشتباه لا يعلم ما سبق له وبما ذا يختم له وذلك قوله تعالى قل انما الخ .(15/470)
فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27)
{ فلما رأوه } الفاء فصيحة معربة عن تقدير جملتين وترييب الشرطية عليهما كأنه قيل وقد أتاهم الموعود فرأوه اى رؤية بصرية فلما رأوه نزل الامر الغير الواقع منزلة الواقع التحققه { زلفة } حال من مفعول رأو الان رأى من رؤية البصر كما اشير اليه آنفا اما بتقدير المضاف الى ذا زلفة وقرب او على انه مصدر بمعنى الفاعل اى مزدلفا وقرب الحشر هو قرب ما اعهد لم فيه { سيئت } بذكردد وزشت شود { وجوه الذين كفروا } بأنغشيتها لكآبة ورهقها القتر والذلة وخص الوجوه بالذكر لان الوجه الذى يظهر عليه اثر المسرة والمساءة ووضع الموصول موضع ضميرهم لذمهم بالكفر وتعليل المساءة به واصل الكلام ساءت رؤية الموعود وجوههم فكانت كوجه من يقاد الى القتل او يعرض على بعض العذاب والسياءة من ساءة الشىء يسوءه سوأ ومساءة نقيض سره كما فى تاج المصادر السوء غمكين كردن .
ثم بنى للمفعول وفى القاموس ساء فعل به ما يكره فيكون متعديا ويجوز ان يكون لازما بمعنى قبح ومنه ساء مثلا وسيئ اذا قبح قال بعض المفسرين واهل اللغة ومنه الآية فالفعل فى الحقيقة مسند الى صاحاب الوجوه بمعنى ساؤوا وقبحوا قال بعضهم المحجوبين مع اعترافهم بالابدآء منكرون للاعادة فلا جرم يسوء وجوههم رؤية ما ينكرونه وتعلوها الكآبة ويأتيهم من العذاب الأليم مالا يدخل تحت الوصف { وقيل } توبيخا لهم وتشديدا لعذابهم بالنار الروحانية قبل الاحراق بالنار الجسمانية والقائلون الزبانية وايراد المجحول لكون المراد بيان القائل { هذا } مبتدأ اشير به الى ما رأوه زلفة وخبره قوله { الذى كنتم به تدعون } اى تطلبونه فى الدنيا وتستعجلونه انكارا واستهزآء على انه تفتعلون من الدعاء والباء على هذا صلة الفعل بقال دعا بكذا اذا استدعاه وقيل هو من الدعوى اى كنتم بسبب ذكر النبى عليه السلام والمؤمنين العذاب لكم يوم القيامة تدعون ان لا بعث ولا حشر ولا عذاب فالباء للسببية ويجوز ان تكون للملابسة وعن بعض الزهاد انه تلاها فى اول الليلة فى صلاته فيقى يكررها وهو يبكىلى أن نودى لصلاة الفجر هذه معاملة العارفين جلال الله مع الله عند ملاحظة جبروته وقهره .(15/471)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28)
{ قل } يا خير الخلق { أرأيتم } اى اخبرونى خبرا انتم فى الوثوق به على ما هو كالرؤية قال بعضهم لما كانت الرؤية سببا للاخبار عبر بها عنه وقال بعضهم لما كان الاخبار قويا بالرؤية شاع أرأيت فى معنى اخبر { ان اهلكنى الله } اى اماتنى والتعبير عنه بالاهلاك لما كانوا يدعون عليه صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنون بالهلاك ويتر بصون به ريب المنون ويقولون ان امر محمد لا يتم ولا يبقى بل يزول عن قريب { ومن معى } من المؤمنين وحصل مقصودكم { او رحمنا } بتأخير آجالنا وحصل مقصودنا فنحن فى جوار رحمته متربصون لاحد الحسنيين اما أن يهلك فننقلب الى الجنة او نرحم بالنصرة والادالة للسلام كما نرجو فانتم ما تصنعون واى راحة لكم فى موتنا واى منفعة وغايتكم الى العذاب كما قال تعالى { فمن } بس كيست آنكه او { يجير } يهجى ويخلص قال فى تهذيب المصادر الاجارة زينهار دادن . وفى القاموس اجاره انقذه وأعاذه { الكافرين من عذاب أليم } مؤلم شديد الا يلر لام اى لا ينجيكم منه احد اذا نزل بكم سوآء متنا او بقينا انما النجاة بالايمان والعمل الصالح ووضع الكافرين موضع ضميرهم للتسجيل عليهم بالكفر وتعليل نفى الانجاء به وقال بعضهم كيف قال ان اهلكنى الله الخ بعد ان علم انه تعالى لا يهلك الانبياء والمؤمنين قلت فيه مبالغة فى التخويف كأنه قيل نحن معاشر الانبياء والمؤمنين نخاف الله أن يأخذنا بذنوبنا فمن يمنعكم من عذابه وانتم كافرون وكيف لا تخافون وانتم بهذه المثابة من الاجرام فيكون معنى اهلكنا عذبنا بعذاب ومعنى رحمنا غفر لنا كما فى الجلالين .(15/472)
قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (29)
{ قل يا اشفق الخلق { هو الرحمن } اى الذى ادعوكم الى عبادته مولى النعم كلها وموصلحا { آمنا به } وحده لما علمنا ان كل ما سواه فاما نعمة او منعم عليه ولم نكفر به كما كفرتم على ان يكون وقوع آمنا مقدما على به تعريضا للكفار حيث ورد عقيب ذكرهم { وعليه توكلنا } فوضنا امولنا لا على غيره اصلا كما فعلتم انتم حيث توكلتم على رجالكم واموالكم لعلمنا بأن ما عداه كائنا ما كان بمعزل من النفع والضر فوقوع عليه مقدما يدل على الاختصاص { فستعلمون } يا كفار مكة عن قريب البتة عند معاينة العذاب { من } استفهامية او موصولة { هو فى ضلال مبين } منا ومنكم اى خطأ ظاهر وفى التأويلات النجمية وعلى فيضة الاتم ولطفه الاعم توكلنا بكليتنا لا على غيره فستعلمون من هو فى ضلال مبين اى من توجه اليه بالاستفاضة منها او من اعرض عنه بالانكار له .(15/473)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)
{ قل } يا اكرم الخلق { أرأيتم } اى اخبرونى { ان اصبح } اكر كردد . فهو بمعنى صار { ماؤكم } وكان ماء اهل مكة من بئرين بئر زمزم وبئر ميمون الحضرمى { غورا } خبر اصبح وهو مصدر وصف به اى غائرا فى الارض بالكلية ذاهبا ونازلا فيه وقيل بحيث لا تناله الدلاء ولا يمكن لكم نيله بنوع حيلة كما يدل عليه الوصف بالمصدر وبالفارسية فرورفته بزمين جنانكه دست ودلو بدان نرسد .
يقال غار الماء نضب والضوب فردشدن آب درزمين وفى المفردات الغور المهبط فى الارض { فمن يأتيكم } على ضعفكم حينئذ { ماء معين } جارو بالفارسية بس كيست آنكه بيارد براى شما آب جارى .
من عان الماء او معن كلاهما بمعنى جرى او ظاهر للعيون سهل المأخذ يعنى تناله الايدى فهو على هذا اسم مفعول من العين بمعنى الباصرة كمبيع من البيع لعل تكرير الامر بقل لتأكيد المقول وتنشيط المقول له فان قلت كيف خص ذكر النعمته بالماء من بين سائد نعمه قلت لان الماء اهون موجوه واعز مفقود كما فى الاسئلة المقحمة .
ودر آثار آمده كه بعد از تلاوت اين آيت بايد كفت كه الله رب العالمين در تفسر زاهدى رحمه الله مذكور است كه زنديقى شنيد كه معلمى شاكره خودرا تلقين مى كرد فمن يأتيكم بماء معين واو جواب دادكه يأتى به المعول والمعين قال فى القاموس المعول كمنبر الحديدة تنقر بها الجبال انتهى شبانه نابينا شد هاتفى وهو من يسمع صوته ولا يرى شخصه آواز دادكه اينك كه آب جشمه جشم توغائر شد بكوتا بمعول ومعين باز آرند نعوذ بالله من الجرآءة على الله وبيناته وترك حرمة القرءآن وآياته وانما عوقب بذهاب ماء عينيه لان الجزآء من جنس العمل وفى المثنوى
فلسفئ منطقئ مستهان ... مى كذشت ازسوى مكتب آن زمان
جونكه بشنيد آيت اواز ن بسند ... كفت ما اريم آبى بر بلند
تا بزخم بيل وتزئ تبر ... آب را آريم ازبستى زبر
شب بخفت وديد او يك شير مرد ... زد طبانجه هردو جشمش كور كرد
كفت هان زين جشمه جشم اى شقى ... باتبر نورى برآر ار صادقى
روز برجست ودوجشمش كورديد ... نور فائض ازدو جشمش نابديد
وفى الحديث سورة من كتاب الله ما هى الا لثلاثون ايت شفت لرجل فأخرجته يوم القيامه من النار وادخلته الجنة وهى سورة تبارك قال فى التيسير هى ثلاثون آية وثلاثمائ وثلاثون كلمةوالف وثلاثمائة واحد وعشرون حرفا وفى حديث اخر وردت ان تبارك الذى بيده الملك فى قلب كل مؤمن وكان عليه السلام لا ينام حتى يقرأ سورة الملك والم تنزيل السجدة وقال على رضى الله عنه من قرآها يجيئ يوم القيامة على اجنحة الملائكة وله وجد فى الحسن كوجه يوسف عليه السلام وعن ابن عباس رضى الله عنهما ضرب بعض الصحابة خباءه على قبر وهو لا يشعر أنه قبر فاذا فيه انسان يقرآ سورة الملك فأتى النبى عليه السلام فقال يا رسول الله ضربت خبائى على قبر وأنا لا اعلم انه قبر فاذا انسان يقرأ سورة الملك فقال عليه السلام فى المانعة اى من عذاب الله تعالى هى(15/474)
« المنجية تنجيه من عذاب القبر » وكانو يسمونها على عهد رسول الله عليه السلام المنجية وكانت تسمى فى التوراة المانعة وفى الانجيل الواقية قال ابن مسعود رضى الله عنه يؤتى الرجل فى قبره من قبل رأسه فيقال ليس لكم عليه سبيل انه كان يقرأ على رسأه سورة الملك فيؤتى من قبل رجليه فيقال ليس لكم عليه سبيل انه كان يقوم فيقرأ سورة الملك فيؤتى من قبل جوفه فيقال ليس لكم عليه سبيل انه وعلى سورة الملك اى حفظها وأو دعها فى جوفه وبطنه من قرأها فى ليلة او يوم فقد اكثر واطاب .
يقول الفقير سورة الملك عند اهل الحقائق هى سور المام الذى يلى يسار القطب وينظر الى عالم الشهادة واليه الاشارت بقوله ملك الناس فسر هذه السورة فى اولها كما ان سريس فى آخرها وهو قوله تعالى فسبحان الذى الخ ولذا تقرأ عند المحتضر لان وقت الموت قبض الملكوت الذى هو الروح وهو بيده تعالى بقى الكلام فى قرآء الموتى فى قبورهم وهل يصلون وهل يتعلمون العلم بعد الموت فدل حديث ابن عباس رضى الله عنهما على القرآءة وكذا ما اخرج السيوطى رحمه الله عن عكرمة رضى الله عنه انه قال يعطى المؤمن مصحفا يقرأ فى القبر واخرج عن سعيد بن جبير رحمه الله انه رأى بعينه ثابتا البنانى رحمه الله يصلى فى قبره حين سقطت لبنة من قبره وكانوا ايستمعون القرءآن كثيرا من قبره واخرج عنه الحسن البصرى قدس سره انه قال بلغنى ان المؤمن اذا مات ولم يحفظ القرءآن امر حفظته ان يعلمون القرءآن فى قبره حتى يبعثه الله يوم القيامة مع اهله وذكر اليافعى رحمه الله ان مالك بن دينار ماتت له قبل توبته بنت لها سنتان فرآها فى المنام وهى تقول له يا أبت الم يأن للذين آمنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله فبكى وقال يا بنية وانتم تعرفون القرءآن فقالت يا ابت نحن اعرف به منكم فكان ذلك سبب توبته ونقل الامام الشعرانى فى كتاب الجواهر له عن بعض اهل الله انه قال من اهل البرزخ من يخلق الله تعالى من همتهم من يعمل فى قبورهم بغالب اعمالهم فى الدنيا ويكتب الله لعبده ثواب ذلك العمل الى آخر البرزخ كما وقع لثابت البنانى رحمه الله فانهم وجدوا فى قبره شخصا على صورته يصلى فظنوا انه هو وانما هو مخلوق من همتهوكذلك المثالات المتخيلة فى صور اهل البرزخ لاهل الدنيا فى النوم واليقظة فاذا رؤى مثال احدهم فهو اما ملك خلقه الله تعالى من همة ذلك الولى واما مثال اقامه الله تعالى على صورة لتنفيذ ما شاء الله تعالى من حوآئج الناس وغيرها فأرواح الاولياء فى البرزخ مالها خروج منه ابدا واما ارواح الانبياء عليهم السلام فانها مشرفة على وجود الدنيا والآخرة انتهى .(15/475)
وقال السيوطى رحمه الله نقلا عن بعض المحققين السادسة فالروح كانت هناك فى مثال البدن ولها اتصال بالبدن بحيث يصلى فى قبره ويرد على المسلم عليه وهو فىلرفيق الأعلى ولا تنافى بين الامرين فان شأن الارواح غير شأن الابدان وقد مثل بعضهم بالشمس فى السماء وشعاعها فى الارض كالروح نالمحمدى يرد على من يصلى عليه عند قبره دآئما مع القطع بأن روحه فى أعلى عليين وهو لا ينفك عن قبره كما ورد عنه قال الامام الغزالى رحمه الله تعالى والرسول عليه السلام له الخيار فى طواف العوالم مع ارواح الصحابة رضى الله عنهم لقدر ىه كثير من الاولياء وقال صدر الدين القنوى قدس سره فمن ثبتت المناسبة بينه وبين الاوواح الكمل من الانبياء والاولياء الماضين اجتمع بهم متى شاء وتوجه توجها وجدانيا يقظة ومناما انتهى .(15/476)
ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)
{ ن } اى هذه سورة ن او بحق ن وهى هذه السورة اقسم الله بها على سبيل التأكيد فى اثبات الحكم على ما عليه عدة الخلق مع ما فيه من بيان عظم شأن المقسم به والا فكما انه تعالى لا يليق القسم بشانه العالى فكذا لا يصح لغيره ان يكون مقسما به والنون حرف واحد فى الكتابة وثلاثة احرف فى التلفظ وقد قال عليه السلام « من قرأ حرفا من كتاب الله تعالى فله به حسنة والحسنة بعشر امثالها لا اقول الم حرف بل الف حرف ولام حرف وميم حرف » أراد عليه السلام بالحرف ما يتهجى به فيرجى أن يعطى الله بلفظ ن ثلاثين حسنة لانه مشتمل على التلفظ على نونين بينهما واو وقال بعضهم هو مفتاح اسم النور والناصرأ وقسم بنصرة الله المؤمنين اعتبارا بقوله تعالى وكان حقا علينا نصر المؤمنين وقال سهل قدس سره النون اسم من اسماء الله تعالى وذلك انه اذا اجتمعت اوائل هذه السور الثلاث الر وحم ون يكون الرحمن وقيل فيه انه اسم من اسماء النبى عليه السلام كما فى التكملة لعل هذه القائل أشار الى قوله عليه السلام « اول ما خلق الله نورى » فيكون النور اسمه عليه السلام فان قلت فيلزم التكرار لان القلم ايضا من اسمائه كما قال او لما خلق الله القلم قلت التغاير فى العنوان بمنزلة التغاير فى الذات فسمى عليه السلام باعتبار نورانيته نورا وباعتبار انه صاحب القللم قلما كما سمى خالد بن وليد رضى الله عنه سيف الله المسلول لكونه صاحب سيف وقال بعضهم هو لوح من نور أو اسم نهر فى الجنة ( وفى المفردات ) النون الحوت العظيم ولذا قال عكرمة فى الآية اقسم الله بالحوت الذى لطخ سهم نمرود بدمه لان نمرود لما رمى السهم نحو السماء عاد السهم مختصبا بدم سمكة فى بحر معلق فى الهوآء فأكرم الله ذلك الحوت بأن اقسم به واحل جنسه من غير ذكاة فانه لا يحل الا ميتتان السك والجراد وفى معناهما ما يستحيل من الاطعمة كدود الفتاح والجبن فان الاحتراز عنهما غير ممكن فاما اذا افردت واكلت فحكمها حكم الذباب والخنفساء والعقرب وكل ما ليس له نفس سائلة ولا سبب فى تحريمه الاستقذار ولو لم يكن لكان لا يكره وان وجد شخص لا يستقذره لا يلتفت الى خصوص طبعه فانه التحق بالخبائت لعموم الاستقذار فبكره اكله كما لو جمع المخاط وشربه كره كما فى الاحياء يقال لو أريد به معنى الحوت كانت المناسبة بين المتعاطفين كما فى ما بين كم الخليفة والف باذنجانه .(15/477)
يقول الفقير المناسبة بينهما خفية لا يدركها الا اهل الحقائق وهى ان كبد الحوت غذآء اهل الجنة قبل كل شئ فيجدون بعد اكله حياة ابدية فى ابدانهم كما ان القلم يكتب به من العلوم ما فيه حساة باقية لارواحهم ولذا سمى جبريل روحا لانه كان يجيئ بالوحى لاذى هو سبب لحياة القلوب والارواح فيكون ن والقلم كالماء والعلم ولا شك فى ثبوت المناسبة التامة بينهما فالقياس الذى ذكره القائل باطل وقائل الباطل جاهل وقال بعضهم هو اسم الحوت الذى احتبس يونس عليه السلام فى بطنه ولذا اسماء الله تعالى ذا النون وقال بعضهم هو الحوت الذى على ظهره الارض وهو فى بحر تحت الارض السفلى اسمه ليوثا بالياء المثناة التحتانية وفى عين المعانى لوثيا او برهوت كما قال على رضى الله عنه
مالى اراكم كلكم سكوتا ... واله ربى خلق البرهوتا
( روى ) ان الله تعالى لما خلق الارض كانت نتكفأ كما نتكفأ السفينة اى تضطرب وتميل فبعث الله ملكا فهبط حتى دخل تحت الارض فوضعها على كاهله وهو كصاحب ما بين الكتفين ثم اخرج يديه احداهما بالمشرق والاخرى بالمغرب ثم قبض على الالرضين السبع فضبطها فاستقرت فلم يكن لقدمى الملك قرار فأهبط الله نورا من الجنة له اربعون ألف قرن واربعون الف قائمة فجعل قرار قدمى الملك على سنامه فلم تستقر قدماه على سنامه فبعث الله ياقوتة خضرآء من الجنة غلظها مسيرة كذا الف عام فوضعها على سنام الثور فاستقرت عليها قدما الملك وقرون الثور خارجة من اقطار الارض مشبكة الى تحت العرش ومنخر الثور فى ثقبين من تلك الياقوته الخضرآء تحت البحر فهو يتنفس فى اليوم نفسين فاذا تنفس مد البحر واذا رد النفس جزر البحر وهو ضد مد ولم يكن لقوآئمه قرار فخلق الله كمكاما من الرمل كغلظ سبع سموات وسبع ارضين فاستقر عليه قوآئم الثور ثم لم يكن للمكمكام مستقر فخلق الله حوتا يقال له برهو فوضع الكمكام على وبر الحوت والوبر الجناح الذى يكون فى وسط ظهره وذلك مزمزم بسلسلة من القدرة كغلظ السموات والارض مرار وانتهى ابليس لعنه الله الى ذلك الحوت فقال له ما خلق اللخ خلقا اعظم منك فلم لا تزيل الدنيا عن ظهرك فهم بشئ من ذلك فسلط الله عليه بقة فى انفه فشغلته وفى رواية بعث الله دابة فدخلت منخره فوصلت الى دماغه فعج الحوت الى الله تعالى منها فاذن لها فخرجت قال كعب فوالله الذى نفسى بيده انه لينظر اليها وانها لتنظر اليه ان هم بشئ من ذلك عادت كما كانت قبل وانبت الله من تلك الياقوته جبل قاف وهو من زمرده وله رأس ووجه واسنام وانبت من جبل قاف الجبال الشواهق كما نبت الشجر من عروق الشجر وزعم وهب ان الحوت والثور يبتلعان من مياه الارض فى البحار فلذلك لا يؤثر فى البحار زيادة فاذا امتلأت اجوافهما من المياءه قامت القيامة وزعم قوم ان الارض على الماء والماء على الصخرة على سنام الثور والثور على كمكام من الرمل متلبدا والكمكام على ظهر الحوت والحوت على الريح العقيم الريح على حجاب من ظلمة والظلمة على لاثرى وقد انتهى علم الخلائق الى الثرى ولا يعلم ما ورآء ذلك احد الا الله الذى له ما فى السموات وما فى الارض وما بينهما وما تحت الثرى وهذه الاخبار مما تزيد المرء بصيرة فى دينه وتعظيما لقدرة ربه وتحيرا فى عجائب خلقه فان صحت فما خلقها على الصانع القدير بعزيز وان تكن من اختراع اهل الكتاب وتنميق القصاص فكلها تمثيل وتشبيه ليس بمنكر كذا فى خريدة العجائب ( وقال فى كشف الاسرار ) بعض مفسران كفتند ما هيست برآب زير هفت طبقه زمين ما هى از كرانئ بار زمين خم درخم كرديد برمثل نون شدشكم بآب فروبرده وسارز مشرق برآورده وذنب از مغرب وخواست كه ازكران بارى بنالد جبريل بانك بروى زد جنان بترسيدكه كران بارئ زمين فراموش كرد وتا بقيامت نياردكه بجنبد ما هى جون بار برداشت ونناليد رب العالمين او را دو تشريف داديكى آنكه بد وقسم ياد كرد محل قسم خداوند جهان كشت ديكر تشريف آنست كه كارد ازحلق او برداشت همه جانور انرا بكارد ذبح كنند واورا نكنند تا عالميان بدانندكه هركه بار كشد رنج او ضايع نكنند اى جوانمرد اكرماهى بار زمين كشيد بنده مؤمن بار امانت مولى كشيدكه وحملها الانسان ما هى كه بار زمين برداشت از كار درعقوبت ابمن كشت جه عجب كه اكر مؤمن بار امانت برداشت از كارد قطيعت ايمن كردد { والقلم } هو ما يكتب به والواو وللقسم على لاتقدير الاول وللعطف على الثانى والمراد قلم اللوح كمام جاء فى الخبران اول ما خلق الله القلم ونظر اليه فانشق بنصفين ثم قال له اجر بما هو كائن الى يوم القيامة فجرى على اللوح المحفوظ بذلك من الآجال والاعمال والارزاق وهو القدر الذى يجب ان يؤمن بخيره وشره ثم ختم على القلم فلم ينطق ولا ينطق الى يوم القيامة وهو قلم من نور طوله كما بين السماء والارض وبعدما خلق القلم خلق النون اى السمكة فدحا الارض عليها فارتفع بخار الماء ففتق منه السموات واضطرب النون فمادت الارض فأثبتت بالجبال وان الجبال لتفخر على الارض الى يوم القيامة وقد عرفت المناسبة بين القلم وبين النون بمعنى السمكة وفى رواية الواحدى فى الوسيط اول جيزى كه خداى تعالى بيا فريد قلم بود بس نون را بيا فريدو آن دو اتست وقلم ازان دوات نوشت آنجه بود وهست وباشدوبرين تقدير خداى تعالى قسم فرمود بدوات بقلم اعلى كه از نورست كما فى تفسير الكاشفى .(15/478)
وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3)
{ وان لك } بمقابلة مقاساتك ألوان الشدآئد من جهتهم وتحملك لاعباء الرسالة { لأجرا } لثوابا عظيما { غير ممنون } مع عظمه كقوله تعالى عطاء غير مجذوذ اى غير منقوص ولا مقطوع ومنه قيل المنون للمنية لانها تنقص العدد وتقطع المدد وبالفارسية مزدى بردوا مكه هركز انقطاع بدان راه نيابد .
ويقال اجر النبى مثل اجر الامة قاطبة غير منقوص ويجو ان يكون معناه غير مكدر عليه بسبب المنة لانه ثواب تستوجبه على عملك وليس بتفضل ابتدآء وانما تمت الفواضل لا الاجور على الاعمال كما فى الكشاف ( وقال الكاشفى ) غير ممنون منب بانهاده يعنى حق تعالى بى واسطه كسى كه ازو منت بايد داشد بتو عطا كرد .
وفى اشارة الى ان انوار المكاشفات والمشاهدات غير مقطوعة لكونها سرمدية فلا يزال العارف يترقى فى الشهود فى جميع المواطن لولا ممنونة لان الفتح والفيض انما يجيئ من عند الله لا من عند غيره فالله يمن على عباده لا العباد بعضهم على بعض وقال بعضهم اجره قبول شفاعته وهى غير منقطعة عن اهل الكبائر من امته لا يخيب الله رجاءه عليه السلام فى غفرانهم جميعا بلا عتاب ولا عذاب .
يقول الفير الظاهر أن اجره عليه السلام هو الله تعالى لانه عوض له عما سواه ولذا جاء اللهم انت الصاحب فى السفر والخليفة فى الاهل والله تعالى مان لا ممنون والى هذا المقام يشير قول الصديق رضى الله عنه الله ورسوله اى ابقيت الله ورسوله حين ما قال له عليه السلام « ما أبقيت لاهلك يا أبا بكر فالله تعالى عوض عن نفس الفانى عن نفسه وعن ولده وماله هو الأجر العظيم لانه العظيم »(15/479)
وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)
{ وانك لعلى خلق عظيم } لا يدرك شاوه احد من الخلق ولذلك تحتمل من جهتهم ما لا يكاد يحتمله البشر قال بعضهم لكونك متخلقا باخلاق الله واخلاق كلامه القديم ومتأيد بالتأييد القدسى فلا تتأثر بافترآئهم ولا تتأذ بأذاهم اذ بالله تصبر لا بنفسك كما قال واصبر وما صبرك الا بالله والاحد أصبر من الله وكلمة على للاستعلاء فدلت على انه عليه السلام مشتمل على الاخلاق الحميدة ومستولٍ على الافعال المرضية حتى صارت بمنزلة الامور الطبيعية له ولهذا قال تعالى قل لا أسالكم عليه اجرا وما انا من التكلفين اى لست تكلفا فيما يظهر لكم من اخلاقى لان المتكلف لا يدوم امره طويلا بل يرجع اليه الطبع وللانسان صورة ظاهرة لها هيئة يشاهدها البصر الذى هو فى الرأس وهى عالم الملك وهى لاشكل وصورة باطنة لها سيرة يشاهدها البصيرة التى هى فى القلب وهى من عالم الملكوت وهى الخلق فكما ان لهيئته الظاهرة حسنا او قبحا صوريا باعتبار اشكالها واوضاعها وألوانها فكذلك لسيرته الباطنة حسن او قبح معنوى باعتبار شمائلها وطبائعها ومن ذلك قسموا الخلق الى المحمود والمذموم تارة والى الحسن والقبيح اخرى وكثيرا ما يطلق ويراد به المحمود فقط لانه اللائق بأن يسمى خلقا ومن هذا قوله تعالى خلق عظيم وعليه قول الامام الرازى الخلق ملكة نفسانية يسهل على المتصف بها الاتيان بالافعال الجميلة ونفس الاتيان بالافعال الجميلة شئ وسهلة الاتيان بها شئ آخر فالخالة التى باعتبارها تحصل تلك السهولة الخلق وسمى خلقا لانه لرسوخه وثباته صار بمنزلة الخلقة التى جبل عليها الانسان وان احتاج فى كونه ملكة راسخة الى اعتمال وطول رياضة ومجاهدة ولذا قالوا الخلق بتبدل بالمصاحبة والمعاملة فيكون الحسن قبيحا والقبيح حسنا على حال المصاحبين والمعاملين كما فى الحديث « المرء على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل » وفى حديث آخر « لا تجالسوا اهل الاهوآء والبدع فان لهم عرة كعرة الجرب » ومن ذلك كانت مصاحبة الاخيار مستحسنة مرغبا فيها ومصاحبة الاشرار مستقبحة مرهبا عنها وكذلك بتبدل بالسعى فى اسبابه ولذلك صنف اطباء الارواح ابوابا فى علم الاخلاق لبيان ما هو صحة روحانية وما هو مرض روحانى كما ألف اطباء الاشباح فصولا فى علم الأبدان لبيان سبب كل مرض وعلاجه وانما أفرد الخلق ووصفه بالعظمة كما وصف القرءآن بالعظيم لينبه على ان ذلك الحلق الذى هو عليه السلام جامع المكارم الاخلاق أجتمع فيه شكر نوح وخلة ابراهيم واخلاص موسى وصدق وعد اسمعيل وصبر يعقوب وايوب واعتذار داود وتواضع سليمان وعيسى وغيرهما من اخلاق سائر الانبياء عليهم السلام كما قال تعالى فبهداهم اقتده اذ ليس هذا الهدى معرفة الله تعالى لان ذلك تقليد وهو غير لائق بالرسول عليه السلام ولا الشرآئع لان شريعته ناسحة لشرآئعهم ومخالفة لها فى الفروع والمراد منه الاقتدآء بكل منهم فيما اختص به من الخلق الكريم لو كان كل منهم مختصا بخلق حسن غالب على سائر اخلاقه فلمامر بذلك فكأنه امر بجمع جميع ما كان متفرقا فيهم فهذه درجة عالية لم تتيسر لاحد من الانبياء عليهم السلام فلا جرم وصفا الله بكونه على خلق عظيم كما قال بعض العارفين .(15/480)
لكل فى الانام فضيلة ... وجملتها مجموعة لمحمد
ولم يتصف عليه السلام بمقضى قوته النظرية الا بالعلم والعرفان والايقان والاحسان ولم يفعل بمقتضى قوته العملية الا ما فيه رضى الله من فرض او واجب او مستحب ولم يصدر منه حرام او مفسد او مكروه فكان هو الملك بل اعلى منه ويجمع هذا كله قول عائشة رضى الله عنها لما سئلت عن خلقه عليه السلام فقالت كان خلقه القرءآن ارادت به انه عليه السلام كان متحليا بما فى القرءآن من مكارم الاخلاق ومحاسن الاوصاف ومتخليا عما يزجر عنه من السيئات وسفساف الخصال وفى رواية قالت للسائل ألست تقرأ اقرءآن قد افلح المؤمنون يعنى اقرأ الآى العشر فى سورة المؤمنين فذلك خلقه وفيه تنبيه للسامعين على عظام اخلاقه من الايمان الذى هو اصل الاخلاق القلبية والصلاة الى هى عماد الاخلاق البدنية والزكاة التى هى رأس الاخلاق المالية الى آخر ما فى الآيات وفى سلسلة الذهب للمولى الجامى رحمه الله
بود هم بحر مكرمت هم كان ... كوهرش كان خلقه القرءآن
وصف خلق كسى كه قرآنست ... خلق را نعت اوجه امكانست
وفى التأويلات النجمية كان حلقه القرءآن بل كان هو القرءآن كما قال العارف بالحقائق
انا القرءآن والسبع المثانى ... وروح الروح لا روح الأوانى
محمد بن حكيم الترمذى قدس سره فرموده كه هيج خلقى بزر كتراز خلق حضرت محمد عليه السلام نبوده جه زميشت خوددست باز داشت وخودرا كلى باحق كذاشت وامام قشيريى قدس سره كفته كه ازبلا منحرف شد ونه ازعطا منصرف كشت وكفته كه آن حضرت راهيج مقصد ومقصودى جز خدى تعالى نبوده كما قال الجنيد قدس سره كان على خلق عظيم لجوده بالكونين
له هممهم لا منتهى لكبارها ... وهمته الصغر اجلى من الدهر
وقال الحسين النورى قدس سره كيف لا يكون خلقه عظيما وقد تجلى الله لسره بانوار خلاقه .
يقول الفقير كان خلقه عظيما لانه مظهر العظيم فكان خلق العظيم عظيما فافهم جدا وفى تلقيح الاذهان لحضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر اوتى عليه السلام جوامع الكلم لانه مبعوث لتتميم مكارم الاخلاق كما قال عليه السلام ولذلك قال الله تعالى وانك لعلى خلق عظيم وهو عين كونه صراط المستقيم قال صلى الله عليه وسلم(15/481)
« ان لله ثلاثمائة وستين خلقه من لقيه بخلق منها مع التوحيد دخل الجنة » قال ابو بكر رضى الله عنه هل فى منها يا رسول الله قال « كلها فيك يا ابا بكر وأحبها الى الله السخاء » انتهى ولذلك كان احسن اخلاق المرء فى معاملته مع الحق التسليم والرضى واحسن اخلاقه فى معاملته مع الخلق العفو والسخاء وانما قال مع التوحيد لانه قد توجد مكارم الاخلاق والايمان كما انه قد يوجد الايمان ولا اخلاق اذ لو كان الايمان يعطى بذاته مكارم الاخلاق لم يقل للمؤمن افعل كذا واترك كذا وللمكارم آثار ترجع على صابحها فى اى دار كان كما ورد فى حق ابى طالب قال بعض الكبار من اراده ان يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن لم يدركه من امته فلينظر الى القرءآن فانه لا فرق بين النظر فيه وبين النظر الى رسول الله فكأن القرءآن انتشاء صورة جسديه يقال لها محمد بن عبد الله بن عبد المطلب والقرءآن كلام الله وهو صفته فكأن محمدا عليه السلام خلعت عليه صفه الحق من يطع الرسول فقد اطاع الله وقال بعضهم من أراده ان يرى رسول الله فليعمل بسنته لا سيما فى مكان اميتت السنه فيه فان حياة رسول الله بعد موته هى حساة سنته ومن احياها فكأنما احيى الناس جميعا لانه المجموع الاتم الاكمل صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم لم يبق بعد بعثة رسول الله سفساف اخلاق ابدا لانه صلى الله عليه وسلم أبان لنا عن مصارفها كلها من حرص وحسد وشره وبخل وخوف وكل صفة مذمومة فمن اجراها على تلك المصارف عادت كلها مكارم اخلاق وزال عنها اسم الذم قال صلى الله عليه وسلم لمن ركع دون الصف « زادك الله حرصا ولا تعد » وقال « الحسد فى اثنتين » وقال « اكثروا من ذكر الله » وقال تعالى فلا تخافوهم وخافون وقال تعا فلا تقل لهما اف وقال اف لكم وغير ذلك من الآيات ولاخبار فما امر الله باجتناب بعض الاخلاق الا لمن يعتقد انها سفساف اخلاق وجهل معنى قوله عليه السلام بعثت لاتمم مكارمالاخلاق فمن الناس من علم ومنهم من جهل فالكامل لا يرى فى العالم الا اخلاق الله تعالى التى به وجدت وفى كشف الاسرار فى تفسير الآيه عرض عليه مفاتيح العرض فلم يقبلاه ورقاه ليلة المعراج وأراه جميع الملائكة والجنة فلم يلتفت اليها قال الله تعالى ما زاغ البصر وما طغى ما التفت يمينا وشمالا فقال تعالى انك لعلى خلق عظيم .
اى جوانمرد قدر آن مهتركه داند وكدام خاطر ببدايت عزو رسد صد هذار وبيست وجهار هزار نقطه نبوت كه رفتند دبر برابر درجات او كواكب بودند وبا آنكه او غائب بودهمه نور نبوت ازو كفرتند جنانكه آفتاب اكرجه غائب باشد كواكب نور ازوى كيرند ليكن جون آفتاب بيدا شود كواكب درنور او يبدا شوند همجنين همه انبيا نور ازو كرفتند ليكن جون محمد عليه السلام بعالم صورت درآمد ايشان هم كم شدند(15/482)
كأنك شمس والملوك كواكب ... اذا طلعت لم يبد منهن كوكب
وفى القصيدة البردية
فاق النبيين فى خلق وفى خلق ... ولم يدانوه فى علم ولا كرم
فانه شمس فضل هم كواكبها ... يظهر انوارها للناس فى الظلم
ومن اخلاقه عليه السلام ما أشار اليه قوله « صل من قطعك واعف عمن ظلمك واحسن الى من اساء اليك » فانه عليه السلام ما امر امته بشئ قبل الائتمار به وفى الحديث « ان المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل صائم النهار » وروى عن على بن موسى الرضى عن ابيه موسى بن جعفر عن بيه جعفر بن محمد عن ابيه محمد ابن عرى عن ابيه على بن الحسين عن ابيه الحسين عليكم بحسن اخلق فان حسن الخلق فى الجنة لا محالة واياكم وسوء الخلق فان سوء الخلق فى النار لا محالة .(15/483)
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5)
{ فستبصر ويبصرون } يقال ابصرته وبصرت به علمة وادركته فان البصر يقال للجارحة الناظرة ولقوة القلب المدركة ولا يكاد يقال للجارحة بصيرة وفى تاج المصادر الابصار ديدن بجشم وبدل .
فالمعنى فستعلم ويعلمون يوم القيامة حين يتبين الحق من الباطل وقلل القاشانى فستبر ويبصرون عند كشف الغطاء بالموت وقال مقاتل هذا وعيد بعذاب بدر ( ولذا قال الكاشفى ) بدان وقتكه عذاب نازل شود بر ايشان معلوم كرددكه ديوانه نومى يا ايشان .
وهو الاوضح ففيه وعد لرسول الله عليه السلام بغلبه الاسلام واهله وبالانتقام من الاعداء .(15/484)
بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6)
{ بأيكم المفتون } اى ايكم الذى ابتلى بفتنة الجنون فأيكم مبدأ والمفتون بمعنى المجنون خبره والباء مزيدة فى المبتدأ كما فى بحسبك زيد او بأيكم الجنون على ان المفتوى مصدر بمعنى الفتون وهو الجنون كالمجلود بمعنى الجلادة والمعقول بمعنى العقل كما فى قوله ( حتى اذا لم يتركوا العظام لحما ولا لفؤاده معقولا ) والباء للالصاق نحو به دآء او بأى الفريقين منكم المجنون ابفريق المؤمنين ام بفريق الكافرين اى فى ايهما يوجد من يستحق هذا الاسم فالباء بمعنى فى والمفتون مبتدأ مؤخر والامة داخلة فى خطاب فستبصر بالتبعية لا يختص به عليه السلام كالسوابق وهو تعريض بأبى جهل من هشام الوليد ابن المغيرة واضرانهما كقوله تعالى سيعلمون غدا من الكذاب الأشر اى أصالح عليه السلام ام قومه .(15/485)
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7)
{ ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله } تعالى المؤدى الى سعادة الدارين وهام فى تيه الضلال متوجها الى ما يفضيه الى الشقاوة الأبدية وهذ هو المجنون الذى لا يفرق بين النفع والضر بل يحبس الضر نفعا فيؤثره والنفع ضرا فيهجره { وهو اعلم بالمهتدين } الى سبيله الفائزين بكل مطلوب ناحين من كل محذور وهم العقلاء المراجيح فيجزى كلا من الفريقين حسبما يستحقه من العقاب والثواب واعادة هو اعلم لزيادة التقرير وفى الآية اشعار بأن المجنون فى الحقيقة هو العاصى لا المطيع واشارة الى الضال عن سبيل الوصول الى حضرة المولى بسبب محبة الدنيا والميل الى شهواتها والمهتدى الى طريق التوحيد والوحدة بنور العناية الازلية والهداية الأبدية قال بعض الكبار وهو اعلم بالمهتدين اى القابلين للتوفيق فهذه البيان هم الرسل وهادى التوفيق هو الحق تعالى فاللهادى الذى هو الله الابانة والتوفيف وليس للهادى الذى هو المخلوق الا الابانة خاصة ومن لا علم له بالحقائق بظن ان العبد اذا صدق فى الارشاد والوعظ اثر ذلك القبول فى نفوس السامعين واذا لم يصدق فى ذلك لم يؤثر وهذا من الوهم الفاسد فانه لا اقرب الى الله ولا اصدق فى التبليغ عنه ولا احب للقبول لما جاء من عند الله تعالى من الرسل لغلبة لرحمة على قلوبهم ومع ذلك فاعم القبول فيمن سمعهم بل قال الرسول الصادق فى التبليغ انى دعوت قومى ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائى الا فرارا فلما لم يعم القبول مع تحققنا هذه المهمة العظيمة من اكابر اولى العزم من الرسل علمنا ان الهمة مالها اثر جملة واحدة فى المدعو وان الذى قبل من السامعين ليس هو من اثر همه الداعى الهادى الذى هو المبلغ وانما هو قوة الاستعداد فى محل القبول من حيث ما وهبه الله تعالى فى خلقه من مزاج يقتضى له قبولا مثل هذا وامثاله وهو المزاج الخاص الذى لا يعمله الا الله الذى خلقهم عليه وهو قوله تعالى وهو اعلم بالمهتدين قال الشيخ سعدى قدس سره
كفت عالم بكوش جان بشنو ... ور نماند بكفتنش كردار
باطلست آنكه مدعى كويد ... خفته را خفته كى كند ييدار
مرد بايدكه كيرد اندر كوش ... ورنوشته است بند برديوار(15/486)
فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8)
{ فلا تطع المكذبين } اى اذا تبين عندك ما تقدم فدم على ما انت عليه من عدم طاعتهم فيما يدعونك اليه من الكف عنهم ليكفو عنك وتصلب فى ذلك امره عليه السلام بالتشدد مع قومه وقوى قلبه بذلك مع قلة العدد وكثرة الكفار فان هذه السورة من اوآئل ما نزل دلت الآية على ان الاطاعة للعاصى عصيان والاقتدآء بالطاغى طغيان .(15/487)
وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)
{ ودوا لو تدهن } لو للتمنى والادهان فى الاصل مثل التدهين واشتقاقهما من الدهن لكن جعل عبارة عن الملاينة وترك الجد قال فى تاج المصادر الادهان مداهنت كردن .
والتركيب يدل على لين وسهولة وقلة والمعنى أحبوا لو تلاينهم وتسامحهم فى بعض الامور وترك الدعوة { فيدهنون } اى فهم يداهنونك حينئذ بترك الطعن ( كما قال الكاشفى ) فرمان مبر مشركان مكه راكه ترا بدين آباء دعوت مى نمايند ودوست مى دارندكه تونرمى كنى بايشان وسرزنشى نكنى برشرك نايشان نيرجرب ونرمى كنند وبردين توطعنه نزنند .
فالفاء للعطف على تدهن فيكون يدهنون داخلا فى حيز لو ولذا لا ينصب يدهنون بسقوط النون جوابا للتمنى والفعل للاستقبال او الفاء للسببية فهو مسبب عن تدهن ويجوز أن يكون الفعل للحال على معنى ودوا ادهانك فهم الان يدهنون طمعا فى ادهانك فالتسبب عن التمنى وتقدير المبتدأ لانه لولاه لكان الفعل منصوبا لاقتضاء التسبب عما فى حيز التمنىذلك قال بعضهم لا توافقهم فى الظاهر كما لا توافقهم فى الباطن فان موافقة الظاهر اثر وافقة الباطن وكذا المخالفة والا كان نفاقا سريع الزوال ومصانعة وشيكة الانقصاء واما هم فلانهماكهم فى الرذآئل وتعمقهم فى التلون والاختلاف لتشعب اهوآئهم وتفرق امانيهم يصانعون ويضمون تلك الرذيلة الى رذيلتهم طمعا فى مداهنتك معهم ومصانعتك اياهم قال بعضهم المداهنة بيع الدين بالدنيا فهى من السيئات والمداراة بيع الدنيا بالدين فهى من الحسنات ويقال الادهان الملاينة لمن لا ينبغى له ذلك وهو لا ينافى الامر بالمداراة كما قال عليه السلام « امرت بمداراة الناس كما أمرت بالتبليغ » قال الامام الغزالى رحمه الله فى احياء الرق بين المداراة والمداهنة بالغرض الباعث على الاغضاء فان اغضيت لسلامة دينك ولما ترى فيك من اصلاح اخيم بالاغضاء فأنت مدار وان اغضيت لحظ نفشك واجتلاب شهواتك وسلامة جاهك فأنت مداهن قال ابو الدردآء رضى الله عنه اتالنبش فى وجوه اقوام وانا قلوبنا لتلعنهم وهذا معنى المداراة وهو مع من يخاف شره .(15/488)
وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10)
{ ولا تطع كل حلاف } كثير الحلف فى الحق والباطل لجهله حرمة اليمين وعدم مبالاته من الحنث لسوء عقيدته وتقديم هذا الوصف على سائر الاوصاف الزاجرة عن الطاعة لكونه أدخل فى الزجر قال فى الكشاف وكفى به مزجرة لمن اعتاد الحلف ومثله قوله تعالى ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم انتهى ودخل فيه الحلف بغير الله تعالى فانه من الكبائر واصل الحلف اليمين الذى يأخذ بعضهم من بعض بها الحلف اى العهد ثم عبر به عن كل يمين { مهين } حقير الرأى والتدبير لانه لم يعرف عظمة الله ولذا اقدم على كثرته الحلف من المهانة وهى القلة والحقارة ويجوز أن يراد به الكذاب لانه حقير عند الناس .(15/489)
هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11)
{ هماز } عياب طعان يعنى عيب كننده درعقب مردم ياطعنه زننده در روى بايشان .
قال الحسن رحمه الله يلوى شدقيه فى اقفيه الناس وفيه اشارة الى من يعيب ويطعن فى اهل الحق فى رياضاتهم ومجاهداتهم وانزوآئهم وعزلهم عن الناس وفى الحديث « لا يكون المؤمن طعاما ولا لعانا » وفى حديث آخر « طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس » يعنى من ينظر الى عيب نفسه يكون ذلك ما لعاله عن النظر الى عيب غيره وتعيبه به وذلك لا يقتضى أن لا ينهى العاصى عن معصيته اقدآء بأمر الله تعالى بالنهى عن المنكر لا اعجابا بنفسه وازدرآه لقدر غيره عند الله فاقامه العالم ببواطن الامور والهماز مبالغة هامز والهمز الطعن والضرب والكسر والعيب ومنه المهمز والمهماز بكسر الميم حديده تطعن بها الدابة قيل لاعرابى أتهمز الفارة قال السنور يهمزها واستعير للمغتاب الذى يذكر الناس بالمكروه ويظهر عيوبهم ويكسر اعراضهم كأنه يضربهم بأذاه اياهم { مشأ بنميم } مضربه نقال للحديث من قول الى قوم على وجه السعاية والافساد بينهم فان النميم والنميمة السعاة واظهار الحديث بالوشاية وهو من الكبائر اما نقل الكلام بقصد النصحية فواجب كما قال من قال يا موسى ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج انى لك من الناصحين وفى التعريفات النمام هو الذى يتحدث مع القوم فينم عليهم فيكثف ما يكره كشفه سوآء كرهه المنقول عنه او المنقول اليه او الثالث وسآء كان الكثف بالعبارة او بالاشارة او بغيرهما وفى الحديث « لا يدخل الجنة نمام » اى ماش بالسعاية وهى بالفراسية غمز كردن .
وفى التأويلات النجمية مشاء بنميم يحفظون كلام اهل الحق من هذه الطائفة الكريمة ثم يحكونه عند الجحال من اصحاب الحجب فيضحكون عليهم وينسبون ذلك الكلام الى السفسفه والسفه .(15/490)
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)
{ مناع } مبالغة مانع { للخير } اى بخيل والخير المال او مناع الناس من الخير الذى هو الايمان والمطاعة والاتقان ولارباب السلوك من ارشاد الطالبين المسترشدين فذكر الممنوع منه دون الممنوع وكان للوليد بن المغيرة عشرة من البنين وكان يقول لهم ولاقاربه من تبع منكم دين محمد لا انفعه شئ ابداء وكان الولد موسرا له تسعة آلاف مثقال فضة وكانت له حديقة فى الطائف { معتد } متجاوز فى الظلم اى يتجاوز الحق والحد بأن يظلم على الناس ويمكن حمله على جميع الاخلاق الذميمة فان جميعها تجاوز عن حد الاعتدار وفى التأويلات النجمية متجاوز فى الظلم على نفسه بانغماسه فى بحر الشهوات وانماكه فى ظلمة المنهيات { اثيم } كثير الاثم وهو اسم للفاعال المبطعة عن الثواب ( وقال الكاشفى ) بسيار كناهكار زيانكار .
وفى التأويلات النجمية كثير الآثام بالركون الى الاخلاق الرديئة والرغبة فى الصفات المردودة .(15/491)
عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13)
{ عتل } جاف غليظ من عتله اذا قاده بعنف وغلظة قال الراغب العتل الاخذ بمجامع الشئ وجره بقهر كعتل البعير وبالفارسية كشدن بعنف ( وقال الكاشفى ) عتل يعنى سخت روى وزشت خوى انتهى .
ومن كان جافيا فى المعاملة غليظ القلب والطبع بحيث لا يقبل الصفات الروحانية ولا يلين للحق اجترأ على كل معصة قال فى القاموس العتل بضمتين مشددة اللام الا كون المنبع الجافى الغليظ { بعد ذلك } اى بعدما عد من مقابحه { زنيم } دعى ملصق بالقوم وملحق بهم فى النسب وليس منهم فالزنيم هو الذى تبناه احد اى اتخذه ابنا وليس بابن له من نسبه فى الحقيقة قال تعالى وما جعل ادعياءكم ابناء ذلكم قولكم بأفواههم قال الراغب الزنيم والمزنم الزآئد فى القوم وليس منهم اى المنتسب الى قوم وهو معلق بهم لا منهم تشبيها بالزنمتين من الشاة وهما المتدليتان من اذنها ومن الحلق وفى الكشاف الزنيم من الزنمة وهى الهنة من جلد الماعز تقطع فتخلى معلقة فى حلقها لانه زيادة معلقة بغير أهله وفى القاموس الزنمة محركة شئ يقطع من اذن البعير فيترك معلقا يعفل بكرامها والظاهر من قول ابن عباس رضى الله عنهما الحقيقة حيث قال انه لم يعرف حتى قيل زنيم فعرف انه كان له زنمة اى فى حلقه ويقال كان يعرف بالشر كما تعرف الشاة نزنمتها قال العتبى لا نعلم ان الله وصف أحدا ولا ذكر من عيوبه ما ذكر من عيوب الوليد بن المغيرة فألحق به عار الا يفارقه ابدا وفى قوله بعد ذلك دلالة على ان دعوته اشد معايبه واقبح قبائحه وكان الوليد دعيا فى قريش وليس من نسبهم ونسخهم اى اصلهم ادعاء ابوه المغيرة بعد ثمان عشرة سنة من مولده يعنى وليد هزده ساله بودكه مغيره دعوى كرد كه من بدر اويم واورا بخود كرفت .
فقوله بعد ذلك ههنا نظير ثم فى قوله تعالى ثم كان من الذين آمنوا من حيث انها للتراخى رتبة وفى الحديث « لا يدخل الجنة جواظ ولا جعظرى ولا العتل الزنيم » فالجوظ الجموع المنوع والجعظ رى الفظ الغليظ والعتل كل رحيب الجوف اكلو وشروب غشوم ظلم وفى الحديث « ألا اخبركم بأهل الجنة كل ضعيف متضعف لو اقسم على الله لأبره الى اخبركم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر » وقيل بغت ام الوليد ولم يعرف حتى نزلت هذه الآية فمعنى زنيم حينئذ ولدالزنى وبالفارسية حرام زاده كه بدر او معلوم نباشد قال الشاعر
زنيم ليس يعرف من ابوه ... بغى الام ذو حسب لئيم
در تفسير امام زاهد مذكور است كه جون حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم آيت درانجمين قريش بر وليد خواند بهر عيسى كه رسيد درخود بازيافت مكر حرام زادكى باخود كفت من سيد قريش وبدر من مردى معروفست وميدانم كه محمد دروغ نكويد جكونه اين مهم را بر سر آرم شمشير كشيده نزدما درآمد القصه بعد از تهديد بسياز ازو اقرار كشيدكه بدر تو در قصه زنان جرأتى نداشت واورا برادر زاد كان بودند جشم برميراث وى نهاده مرارشك آمد غلام فلا نرا بمزد كرفتم وتوفر زندا ويى ودليل روشن برصدق قول زن شدت خصومت وليدست وستيزه اوبآن حضرت صلى الله عليه وسلم ودرين باب كفته اند(15/492)
جرم وكناه مدعى از فعل مادرست ... كور اخطاى مادر اوخاكسار كرد
والغالب ان النطفة اذا خبثت خبثت الولد الناشئ منها ومن ثمة قال رسول الله عليه السلام « لا يدخل الجنة ولد الزنى ولا ولده ولا ولد ولده » كما فى الكشاف وفى الحديث « لا تزال امتى بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنى فاذا فشا فيهم ولد الزنى او السكران يعمهم الله بعذابه » وفى حديث آخر « ولد الزنى شر الثلاثة » قال الرهاوى فى شرح المنار هذا فى مولود خاص لأنا قد نشاهد ولد الزنى اصلح من ولد الرشدة فى امرين الدين والدنيا ويستحق جميع الكرامات من قبول شهادته وعبادته وصحة قضائه وامامته وغير ذلك فالحديث ليس على عمومه انتهى .
يقول الفقير اذا كان الرضاع بغير الطباع فان من ارتضع امرأة فالغالب عليه اخلاقها من خير وشر فما ظنك بالزنى ولا عبرة بالصلاح الظاهر الكرامات الصورية وفى الحديث « ولدت من نكاح لا من سفاح » وكذا سائر الانبياء عليهم السلام وجميع الاولياء الكرام قدس الله اسرارهم فالزنى اقبح من الكفر من وجه فان الله يخرج الحى من الميت اى المؤمن من الكافر بخلاف الرشيد من الزانى فولد الزنى لا يصلح للولاية الحقيقية وان كان صالح للولاية الصورة يوقيل نزلت الآية فى الأخنس ابن شريف واسمه ابى وكان ثقفيا مصطلقيا فى قريش فلذلك قال زنيم لا على جهة الذم لنسبه ولكن على جهة التعريف به ذكره السهيلى قال ابن عطية وظاهر اللفظ عموم من بهذه الصفة والمخاطبة بهذا المعنى مستمرة باقى الزمن لا سيما لولاة الامور قال فى فتح الرحمن ثم هذا الترتيب انما هو فى قول الواصف لا فى حصول تلك الصفات فى الموصوف والافكونة عتلا هو قبل كونه صاحب خير يمنعه وفى برهان القرءآن قوله حلاف الى قوله زنيم اوصاف تسعة ولم يدخل بينها واو العطف ولا بعد السابع فدل على ان ضعف القول بواو الثمانية صحيح .(15/493)
أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14)
{ أن كان ذا مال وبنين } متعلق بقوله تعالى لا تطع على حذف الجار اى لا تطع من هذه مثالبه لان كان مثولا ذا مال كثير مستظهرا بالنين .(15/494)
إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15)
{ اذا تتلى عليه آياتنا قال اساطير الاولين } استئناف جار مجرى التعليل المنهى اى اذا تقرأ عليه آيات كلامنا القديم قال هى احاديث لانظام لها اكتتبوها كذبا فيما زعموه لقوله اكتتباه فهى تملى عليه وبالفارسية افسا نهاى بيشينيا نست .
وقال السدى اساجيع الاولين اى جعل مجازاة النعم التى خولناها من المال والبنين الكفر بآياتنا قال البرد الاساطير جمع اسطورة نحوا حدوثة واحاديث وقد سبق غير هذا وفى التأويلات النجمية لا تطع الحلاف المهين الحقير فى نفسه بسبب ثروة اعماله المنسوبة الىلرياء والسمعة وبنين الاحوال المطعونة بالعجيب والاعجاب اذا تتلى عليه آياتنا من الحقائق والدقائق قال أساطير الاولين ما سطره الصوفية المتقدمون وهى من ترهاتهم وخرافاتهم .(15/495)
سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)
{ سنسمه على الخرطوم } اصله سنوسمه من الوسم وهو احداث السمة بالكسر اى اى العلامة وبالفارسية داغ كردن .
والمسميم بالكسر المكواة اى آلة الكى والخرطوم كزنبور الالف او مقدمه او ما ضممت عليه الحنكين كالخرطم كقنفذ كما فى القاموس والمعنى سنجعل له سمة وعلامة يعرف باه بالكى على اكرم مواضعه لغاية اهانته واذلاله اذ لا نف اكرم موضع من الوجه لتقدمه له ولذلك جعلوه مكان العز والحمية واشتقوا منه الانفة وقالوا الانف بالانف وحمى انفه وفلان شامخ العرنين وقالوا فى الذليل جدع انفسه ورغم انفه ولقد وسم العباس رضى الله عنه ابا عره فى وجوهها فقال له رسول الله عليه السلام « اكرموا الوجوه فوسمها فى جواعرها » اى فى ادبارها وفى التعبير عن الانفس بلفظ الخرطوم استهانة بصاحبه واستقباح له لانه لا يستعمل الا فى الفيل وخنزير وكلما كان الحيوان اخبث واقبح كانت الاستهانة والاستقباح اشد واكثر قيل اصاب انف الوليد جراحة يوم بدر فبقيت علامتها قال صاحب الكشف هو ضعيف فان الوليد مات قبله فلم يوسم يوسم بقى اثره مدة حياته وقال الراغب نلزمه هار الا ينمحى عنه كما قال صاحب الكشاف هو عبارة عن ان بذله غاية الاذلال وذلك لان الوجه اكرم موضع والانف ابين عضو منه فالوسم على الانف غاية الاذلال والاهانة لان الوسم على الوجه شين فكيف اذا كان على اظهر موضع منه وكما قال العتبى وصف الله الوليد بالحلف والمهانة والهمزة والمشى بالنميمة والبخل والظلم والاثم والجفوة والدعوة فألحق به عار الا يفارقه فى الدنيا والآخرة قال والذى يدل على ذها ما روى عن الشعبى فى قوله عتل حيث قال العتل الشديد والزنيم الذى له زنمة من الشر يعرف بها كما تعرف الشاة وقيل سنعلمه يوم القيامة بعلامة مشوهة يعلم بها من سائر الكفرة بأن نسود وجه غاية التسويد اذ كان بالاء فى عداوة سيد المرسلين عليه وعليهم الصلاة والسلام اقصى مراتب العداوة فيكون الخرطوم مجازا عن الوجه على طريق ذكر الجزء وارادة الكل وفى التأويلات النجمية نكوى خرطوم استعداده بكى نار الحجاب والبعد حتى لا يشم النفحات الالهية والنسمات الربانية .(15/496)
إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17)
{ انا بلوناهم } يقال بلى الثوب بلى اى خلق بلوته اختبرته كأنى اخلقته من كثرة اختبارى له والبلايا اختبارات والمعنى انا ابتلينا اهل مكة بالقحط والجوع سبع سنين بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اكلوا الجيف والجلود والعظام والدم لتمردهم وكفرانهم نعم الله تعالى { كما بلونا اصحاب الجنة } اى ابتلاء مثل ابتلاء اصحاب الجنة المعروف خبرها عندهم واللام للعهد والكاف فى موضع النصب على انها نعت المصدر محذوف وما مصدرية والجنة البستان وبالفارسية باغ .
واصحاب الجنة قوم من اهل صنعاء وفى كشف الاسرار سه برادر بودند .
كانت لأبيهم هذه الجنة دون صنعاء بفرسخين وقال السهيلى هى جنة بضروان وضروان على فراسخ من صنعاء وفى فتح الرحمن الجنة بستان يقال له ضروان باليمين وكان اصحاب هذه الجنة بعد رفع عيسى عليه السلامبيسير وكانوا بخلاء وكان ابوهم يأخذ منها قوت سنة ويتصدق بالباقى وكان ينادى الفقراء وقت الصرام ويترك لهم ما اخطأ المنجل وما فى اسفل الا كداس وما اخطأه القطاف من العنب وما بقى على البساط الذى يبسط تحت النخلة اذا صرمت ( قال الكاشفى ) وده ازبك حاصل نيز برايشان قسمت كردى .
فكان يجتمع لهم شئ كثير ويتزودون به اياما كثيرة فلما مات ابوهم قال بنوه ان علنا ما كان يفعل أبونا ضاق علينا الامر ونحن اولوا عيال فحلفوا فيما بينهم وذلك قوله تعالى { اذا قسموا } ظرف لبولنا والاقسام سوكند خوردن يعنى سوكند خوردند وارثان باغ كه بنهان ازفقرا { ليصر منها } الصرام والصرم قطع ثمار النخيل وبالفارسية بار خرما بريدن .
من صرمه اذا قطعه اى ليقطعن ثمارها من الرطب والعنب ويجمعن محصولها من الحرث وغيره { مصبحين } اى داخلين فى الصباح مبكرين وسواد الليل باق قوله ليصر منها جواب للقسم وجاء على خلاف منطوقهم ولو جاء على منطوقهم لقيل النصر منها بنون المتكلم ومصبحين حال من فاعل ليصر منها .(15/497)
وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18)
{ ولا يستثنون } اى لا يقولون ان شاء الله وتسميته استثناء مع انه شرط من حيث ان مؤداه مؤدى الاستثناء فان قولك لأخرجن ان شاء الله ولا اخرج الى ان شاء الله بمعنى واحد والجملة مستأنفة او حال بعد حال لعل ايراد بعد ايراد اقسامهم عفى فعل مضمر لمقصودهم مستنكر عند ارباب المروة واصحاب الفتوة لتقبيح شأنهم بذكر السببين لحرمانهم وان كان احدهما كافيا فيه لكن ذكر الاقسام على ام رمستنكر اولا وجعل ترك الاستثناء حالا منه يفيد اصالته وقوته فى اقتضاء الحرمان والاظهر ان المعنى ولا يستثنون حصة المساكين اى لا يميزونها ولا يخرجونها كما كان يفعله أبوهم وقال أبو حيان ولا ينثنون عما عزموا عليه من منع المساكين قال فى تاج المصادر الاستثناء ان شاء الله كفتن واستثناء كردن . والباب يدل على تكرير الشئ مرتين او جعله شيئين متواليين او متباينين والاستثناء من قياس الباب وذلك ان ذكره يثنى مرة فى الجملة ومرة فى التفصيل لانك قلت خرج الناس ففى الناس زيد وعمرو فاذا قلت الا زيدا فقد ذكرت زيدا مرة اخرى ذكرا ظاهرا انتهى قال الراغب الاستثناء ايراد لفظ يقتضى رفع بعض ما يوجبه عموم لفظ متقدم او يقتضى رفع حكم اللفظ كام هو فمن الاول قوله تعالى قل لا اجد فيما اوحى الى محرما على طاعم يطعمه الا ان يكون ميتة ومن الثانى قوله لأفعلن كذا ان شاء الله وعبده عتيق وامرأته طالق ان شاء الله .(15/498)
فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19)
{ فطاف عليها } اى على الجنة اى احاط باه { طائف } بلاء طائف كقوله واحيط بثمره وذلك ليلا اذلا يكون الطائف الا بالليل وايضا دل عليه ما بعده من ذكر النوم وكان ذلك الطائف نارا نزلت من السماء فأحرقتها { من ربك } مبتدئ من جهته تعالى قال الراغب الطوف الدوران حول الشئ ومنه الطائف لمن يدور حول البيت حافظا ومنه استعير الطائف من الجن والخيال والخادم وغيرها قال تعالى فطاف الخ تعريضا بما نالهم من النائبة انتهى { وهم نائمون } غافلون عما جرت به المقادير او غافلون عن طوافه بالنوم الذى هو اخو الموت وبالفارسية وايشان خفتكان بودند .
والنوم استرخاء اعصاب الدماغ برطوبات البخار الصاعد اليه او ان يتوفى الله النفس من غير موت اى ان يقطع ضوء الروح عن ظاهر الجسد دون باطنه او النوم موت خفيف والموت نوم ثقيل وكل هذه التعريفات صحيحة .(15/499)
فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20)
{ فأصبحت } بس كشت جنت ايشان با آن بلا { كالصريم } فعيل بمعنى مفعول اى كالبستان الذى صرمت ثماره لم بحيث لم يبق فيها شئ لان النار السماوية أحرقتها وقيل كالليل لان الليل يقال له لاصريم اى لصارت سودآء كالليل لاحتراقها .(15/500)
فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21)
{ فتنادوا } اى نادى بعضهم بعضا { مصبحين } حال كونهم داخلين فى الصباح .(16/1)
أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22)
{ أن اغدوا } اى اى اغدو على ان ان مفسرة او بان اغدوا على انها مصدرية اى اخرجوا غدوة واول النهار وبالفارسية بامداد بيرون اييد { على حرثكم } بستانكم وضيعتكم وفى كشف الاسرار دران بستان هم زرع بودهم درخت انكور انتهى .
يقول الفقير فالحرث يجوز أن يراد به الحاصل مطلقا وان يراد به الزرع خصوصا لانه اعز شئ يعيش به الانسان وتعدية الغدو بعلى لتضمنه معنى الاقبال والاستيلاء وقال بعضهم انه يتعدى بعلى كما فى القاموس غدا عليه غدوا وغدوة بالضم واغتدى بكر قال الراغب الحرث القاء البذر فى الارض وتهيئتها للزرع ويسمى المحروث حرثا قال تعالى ان اغدوا على حرثكم { ان كنتم صارمين } قاصدين للصرم وقطع الثمرة وجمع المحصول اى فاغدوا فجوابه محذوف .(16/2)
فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23)
{ فانطلقوا } فمضوا اليها وبالفارسية بس برفتند بجانب باغ { وهم يتخافتون } التخافت بايكديكر بنهان راز كفتن . اى يتشاورون فيما بينهم بطريق المخافتة والسر كيلا يسمع احد ولا يدخل عليهم .(16/3)
أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24)
{ ان لا يدخلنها } اى الجنة { اليوم عليكم مسكين } من المساكين فضلا عن ان يكثروا وبالفارسية امروزبر شما يعنى درباغ شمادرويشتى تابهره بكيرد واز حصه ماكم نكردد .
وان مفسرة فما فى التخافت من معنى القول بمعنى اى لا يدخلنها تفسيرا لما لا يتخافنون والمسكين هو الذى لا يشئ له وهو أبلغ من الفقير والمراد بنهى المسكين عن الدخول المبالغة فى النهى عن تمكينه من الدخول كقولهم لا ارينك ههنا فان دخول المسكين عليهم لازم لتمكينهم اياه من الدخول كما ان رؤية المتكلم المخاطب لازم لحضوره عند فذكر اللام لينتقل منه الى الملزوم .(16/4)
وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25)
{ وغدوا } مشوا بكرة وبالفارسية وبامداد برفتند { على حرد } الحرد المنع عن حدة وغضب يقال نزل فلان حريدا اى ممتنعا من مخالطة القوم وحاردت السنة منعت قطرها والناقة منعت درها وحرد غضب { قادرين } حال مقدرة من فاعل غدوا فان القدرة مع الفعل عند اهل الحق والمعنى وخرجوا اول الصباح على امتناع من ان يتناول المساكين من جنتهم حال كونهم قادرين على نفعهم او على الاجتناء والصرم بزعمهم فلم يحصل الا النكد والحرمان وفى الكشاف وغدوا قادرين على نكد لا غير عاجزين عن النفع يعنى انهم عزموا ان ينكدوا على المساكين ويحرموهم وهم قادرون على نفعهم فغدوا بحال فقر وذهاب مال لا يقدرون فيها الاعلى النكد والحرمان وذلك انهم طلبوا حرمان المساكين فتعجلوا الحرمان والمسكنة .(16/5)
فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26)
{ فلما رأوها } بس آن هنكام كه ديدندباغ رابخلاف آنجه كذاشنه بودند { قالوا } اى قال بعضهم لبعض { انا لضالون } اى طريق جنتناو ماهى بهالما رأوا من هلاكها .(16/6)
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27)
{ بل نحن محرمون } قالوه بعدما تأملوها ووقفوا على حقيقة الامر وانها هى مضربين عن قولهم الاول اى لسنا ظالمين بل نحن محرومون حرمنا خيرها ومنعنا نفعها بجنايتنا على انفنسنا بسوء نيتنا وهى ارادة حرمان المساكين وقصد منع حق الفقراء .(16/7)
قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28)
{ قال اوسطهم } اى رأيا اوسنا وفى الكشاف أعد لهم وخيرهم من قولهم فلان من وسطة قومه واعطنى من وسطات مالك ومنه قوله تعالى امة وسطان ( وقال الكاشفى ) كفت فاضلتر ايشان ازروى عقل با بكتربسن يا صائب تربراى .
قال الراغب الوسط تارة يقال فيما له طرفان مذمومان كالجواد الذى بين البخل والسرف فيستعمل استعمال القصد المصون عن الافراط والتفريط فيمدح به نحو السوآء والعدل ونحو وكذلك جعلناكم امة وسطا وعلى ذلك قال اوسطهم وتارة يقال فيما له طرف محمود وطرف مذموم كالخير والشر ويكنى به عن الرذل نحو قولهم وسط بين الرجال تنبيها على انه قد خرج من حد الخير { ألم اقل لكم لولا تسبحون } لولا تذكرون الله بالتسبيح والتهليل وتتوبون اليه من خبث نيتكم وقد كان قال لهم حين عزموا على ذلك اذكروا الله وانتقامه من المجرمين وتوبوا اليه من هذه العزيمة الخبيثة من فروكم وسارعوا الى حسم شرها قبل حلول النقمة فعصوه فعيرهم وفى الآية دليل على ان العزم على المعصية مما يؤاخذ به الانسان لانهم عزموا على ان يفعلوا فعوقبوا قبل فعلهم ونظيرها قوله تعالى ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم وعلى هذا قوله تعالى وذروا ظاهر الاثم وباطنه والعزم قوة قصد الفعل والجزم به والمحققون على انه يؤاخذه به وامالهم وهو ترجيح قصد الفعل فمرفوع .(16/8)
قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29)
{ قالوا } معترفين بالذنب والاعتراف به يعد من التوبة { سبحان ربنا } ننزه ربنا عن كل سوء ونقصان سيما عن ان يكون ظالما فيما فعل ابنا { انا كنا ظالمين } بقصد حرمان المساكين اتباعا لشح النفس كأنهم قالوا نستغفر الله من سوء صنيعنا ونتوب اليه من خبث نيتنا حيث قصدنا عدم اخراج حق المساكين منغلة بستاننا ولو تكلموا بهذه الكلمة قبل نزول العذاب لنجوا من نزوله لكنهم تكلموا بها بعد خراب البصرة .(16/9)
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30)
{ فأقبل بعضهم على بعض } بس روى آوردند بعضى ازايشان بربعضى ديكر { يتلاومون } اللوم الملامة وبالفارسية نكوهيدن يعنى خوار داشتن . اى يلوم بعضهم بعضا على ما فعلوا فان منهم من اشار بذلك ومنهم من استصونه ومنهم من سكت راضيا به ومنهم من انكره بالفارسية اين آنرامى كفت توجنين انديشيدى وآن عذرمى آوردكه توهم بدين رضاى بودى .(16/10)
قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31)
{ قالوا } يعنى بكناه خود اعتراف نمودند وازروى نياز كفتند { يا ويلنا } اى واى بزمان ودر دزدكى { انا كنا طاغين } متجاوزين حدود الله تعالى وبالفارسية أزحد برندكان دركنهكارى كه درويشانرا محروم ساختيم .(16/11)
عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32)
{ عسى ربنا } شايد بروردكار ماكه ازكرم اواميد واريم { ان يبدلنا } ان يعطينا بدلا منها ببركة التوبة والاعتراف بالخطيئة { خيرا منها } بهترى ازان باغ { انا الى ربنا راغبون } راجون العفو طالبون الخير والى لانتهاء الرغبة لان الله منتهى رجائهم وطلبهم او التضمنها معنى الرجوع والا فالمشهور ان تتعدى الرغبة بكلمة فى اوعن دون الى روى انهم تعاقدوا وقالوا ان بدلنا الله خيا منها لنصنعن كما صنع أبونا فدعوا الله وتضرعوا اليه فأبدلهم الله من ليلتهم ما هو خير منها قالوا ان الله أمر جبريل ان يقتلع تلك الجنة المحترقة فيجعلها بزعر من ارض الشام اى موضع قليل النبات ويأخذ من الشام جنة فيجعلها مكانها وقال ابن مسعود رضى الله عنه ان القوم لما اخلصوا وعرف الله منهم الصدق ابدلهم جنة يقال لها الحيوان فيها عنب يحمل البغل منه عنقودا قال أبو خالد اليمانى دخلة تلك الجنة فرأيت كل عنقود منها كالرجل الاسود القائم يعنى دران باغ خوشه انكور ديدم برابر مردى سياه برباى ايستاده محققان كفته اندهركه ببلايى مبتلاكردد ومثال او عرضة تلف شودوا وتأمل نمايدوداندكه باستحقاق برونارل شده بس بكناه اعتراف نموده بحضرت عزت بازكشت كندبهترو خوشتر از آنجه ازوباز ستده بدودهد جنانجه بوستان حيوان بعوض باغ ضروانى وبيرومى قدس سره ازين معنى خبر ميدهد آنجا ميفرمايد
اولم خم شكست وسركه بريخت ... من نكويم كه اين زيانم كرد
صدخم شهد صافى ازبى آن ... عوضم داد وشادمانم كرد
وسئل قتادة عن أصحاب الجنة أهم من اهل الجنة ام من اهل النار فقال لقد كلفتنى تعبا وعن الحسن رحمه الله قول أصحاب الجنة انا الى ربنا راغبون لا أدرى ايمانا كان ذلك منهم او على حد ما يكون من المشركين اذا أصابتهم الشدة فتوقف فى امرهم والا كثرون على انهم تابوا وأخلصوا حكاه القشيرى قدس سره .
يقول الفقير لان كان ذلك القول منهم على حد ما يصدر من المضطر فابدال الله اباهم جنة خيرا من جنتهم يكون من قبيل الاستدراج وان كان عن تبوة واخلاص فذلك الابدال من آثار تحقيق التوبة ونتائج الاخلاص فان للاخلاص صمرات عجبة وعن الشيخ أبى الربيع المالقى رحمه الله قال سمعت بامرأة من الصالحات فى بعض القرى اشتهر أمرها وكان من دأبنا ان لا نزور امرأة فدعت الحاجة الى زيارتها للاطلاع على كرامة اشتهرت عنها وكانت تدعى بفضة فنزلنا القرية التى هى بها فذكر لنا ان عندها شاة تحلب لبنا وعسلا فاشترينا قدحا جديدا لم يوضع فيه شئ فمضينا اليها وسلمنا عليها ثم قلنا لها نيرد أن نرى هذه البركة التى ذكرت لنا عن هذه الشاة التى عندكم فأعطتنا الشاة فحلبناها فى القدح فشربنا لبنا وعسلا فلما رأينا ذلك سألناها عن قصة الشاة فقالت نعم كانت لنا شويهة ونحن قوم فقرآء ولم يكن لناشئ فحضر العيد فقال لى زوجى وكان رجلا صالحا نذبح هذه الشاة فى هذا اليوم فقلت له لا نفعل فانه قدر خص لنا فى الترك والله يعلم حاجتنا اليه فاتفق ان استضاف بنافى ذلك اليوم ضيف ولم يكن عندنا قراه فقلت له يا رجل هذا ضيف وقد أمرنا باكرامه فخذ تلك الشاة فاذبحها قالت فخفنا ان يبكى عليها صغارنا فقلت له اخرجها من البيت الى ورآء الجدار فاذبحها فلما اراق دمها قفزت شاة على الجدار فنزلت الى البيت فخيشت ان تكون قد انفلتت منه فخرجت لانظرها فاذا هو سلخ الشاة فقلت له يا رجل عجبا وذكرت له القصة فقال لعل الله قد ابدلنا خيرا منها وكانت تلك الشاة تحلب اللبن تحلب اللبن والعسل ببركة اكرامنا الضيف ثم قالت يا اولادى او شويهتنا هذه ترعى فى قلوب المريدين فاذا طابت قلوبهم طاب لبنها وان تغيرت تغير لبنها فطيبوا قلوبكم قال اليافعى عنت بالمريدين نفسها وزوجها ولكن اطلقت لفظا ظاهره العموم مع ارادة التخصيص تسترا وتحريضا للمريدين على تطييب قلوبهم اذ بطيب القلوب يحصل كل طيب محبوب من الانوار والاسرار ولذة العيش بمنادمه الملك الغار والمعنى لما طابت قلوبنا طاب ما عندنا فطيبوا قلوبكم يطب لكم ما عندكم ولو لم يكن الامر كذلك بل المراد عموم المريدين لكان بطيب اللبن من سائر الغنم ولو خبث قلبهما لما نفعهما طيب قلوب المريدين واذا طاباهما لم يضرهما خبث قلوب المريدين .(16/12)
كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33)
{ كذلك العذاب } جملة من مبتدأ وخبر مقدم لافادة القصر والالف واللام للعهد أى مثل الذى بلونا به اهل مكة واصحاب الجنة عذاب الدنيا وفى كشف الاسرار كذلك افعل بامتك اذا لم تعطف اغنياؤهم على فقرآئهم بأن امنعهم القطر وارسل عليهم الجوآئح وأرفع البركة من زروعهم وتجارتهم ففيه وعيد لمانعى الزكاة والصدقة باهلاك المال وانزال العذاب باى طريق كان
مكن بدكه بدبينى اى يارينك ... نيايد زتخم بدى بارنيك
كسى نيك بيند بهر دوسراى ... كه نيكى رساند بخلق خداى
{ ولعذاب الآخرة اكبر } اعظم واشد وبالفارسية بزركتراست جه اين عذاب زوال يابد وآن باقى باشد { لو كانوا يعلمون } انه اكبر لاحترزوا عما يؤديهم اليه ويطرحهم ويرميهم عليه .(16/13)
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34)
{ ان للمتقين } اى من الكفر والمعاصى { عند ربهم } اى فى الآخرة وذكر عند للتشريف والتكريم وذلك لانه لا ملك فيها حقيقة وصورة الا لله فكأنها حاضرة عنده تعالى يتصرف فيها كيف يشاء والافمحال كون عندية الجنة بالنسبة الى الله تعالى مكانية وهى ظرف معمول للاستقرار الذى تعلق به للمتقين ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف منصوب على الحالية من المنوى فى قوله للمتقين ولا يجوز ان يكون حالا من جنات لعدم العامل والاظهر ان معنى عند ربهم فى جوار القدس فالمراد عندية المكانة المنزهة عن الجهة والتحيز لا عندية المكان كما فى قوله تعالى عند مليك مقتدر اذ للمقربين قرب معنوى من الله تعالى قال الراغب عند لفظ موضوع للقرب فتارة يستعمل فى المكان وتارة يستعمل فى الاعتقاد نحو عندى كذا وتارة فى الزلقى والمنزلة كقوله تعالى بل احياء عند ربهم وعلى ذلك قيل الملائكة المقربون { جنات النعيم } جنات ليس فيها الا التنعم الخالص عن شائبة ما ينغصه من الكدورات وخوف الزوال كما عليه نعيم الدنيا واستفيد الحصر من الاضافة اللامية الاختصاصية فانها تفيد اختصاص المضاف اليه .(16/14)
أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35)
{ افنجعل المسلمين كالمجرمين } كان صناديد قريش يرون وفور حظهم من الدنيا وقلة حظوظ المسلمين منها فاذا سمعوا بحديث الآخرة وما وعد الله المسلمين منها فاذا سمعوا بحديث الآخرة وما وعد الله المسلمين قالوا ان صح انا نبعث كما يعم محمد ومن معه لم تكن حالنا وحالهم المثل ما هى فى الدنيا والالم يزيدوا علينا ولم يفضلونا واقصى امرهم أن يساوونا فردهم الله تعالى والهمزة للانكار والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام اى انحيف فى الحكم فنجعل المؤمنين كالكافرين فى حصول النجاة والوصول الدرجات فالمراد من المجرمين الكافرون على ما دل عليه سبب النزول وهم المجرمون الكاملون الذين اجرموا بالكفر والشرك والا فالاجرام فى الجملة لا ينافى الاسلام نعم المسلم المطيع ليس كالمسلم الفاسق فيه وعظ للعاقل وزجر للمتبصر ثم قيل لهم بطريق الالتفات لتأكيد الردوتشديده .(16/15)
مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)
{ ما لكم كيف تحكمون } تعجبا من حكمهم واستبعادا له وايذانا بأنه لا يصدر عن عاقل وما استفهامية فى موضع الرفع بالابتدآء والاستفهام للانكار اى لانكار ان يكون لهم وجه مقبول يتد به فى دعواهم حتى يتمسك به ولكم خبرها والمعنى اى شئ ظهر لكم حتى حكمتهم مقبول يعتد به فى دعواهم حتى يتمسك به ولكم خبرها والمعنى اى شئ ظهر لكم حتى حكمتم هذا الحكم القبيح كأن امر الجزآء مفوض اليكم فتحكمون فيه بما شئتم ومعنى كيف فى حال أفى حال العلم ام فى حال الجهل فيكون ظرفا او أعالمين ام جاهلين فيكون حالا وفى التأويلات النجمية افنجعل المتقين لاحكام الشريعة آداب الطريقة ورموز الحقيقة كالكاسبين للاخلاق الرديئة والاوصاف الرذيلة المخالفة للشريعة والطريقة والحقيقة ما لكم كيف تحكمون بهذا الظلم الصريح والقول القبيح .(16/16)
أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37)
{ ام لكم } اى بل ألكم وبالفارسية آياشماراست { كتاب } نازلت من السماء { فيه } متعق بقوله { تدرسون } اى تقرأون قال فى المفردات درس الشئ معناه بقى اثره ودرست العلم تناولت اثره بالحفظ ولما كان تناول ذلك بمداومة القرءآة عبر عن ادامة القرءآة بالدرس .(16/17)
إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (38)
{ ان لكم فيه لما تخيرون } تخير الشئ واختياره اخذ خيره قال الراغب الاختيار طلب ما هو خير فعله وقد يقال ما يراه الانسان خيرا وان لم يكن خيرا وفى تاج المصادر التخير بركزيدن . والمعنى ما تتخيرونه وتشتهونه واصله ان لكم بالفتح لانه مدروس فيكون مفعولا واقعا موضع المفرد فلا يكسر همزة ان ولكم لما جيئ باللام كسرت فان لم الابتدآء لا تدخل على ما هو فى حيز أن المفتوحة وهذه اللام للابتدآء داخلة على اسم ان والمعنى تدرسون فى الكتاب ان لكم ما تختارونه لأنفسكم وأن يكون العاصى كالمطبع بل ارفع حالا منه فأئتوا بكتاب ان كنتم صادقين ويجوز أن يكون حكاية للمدروس كما هو كقوله تعالى وتركنا عليه فى الآخرين سلام على نوح فى العالمين فيكون الموقع من مواقع كسر ان لعدم وقوعها موقع المفرد حكاه الله فى القرءآن بصورته والفرق بين الوجهين ان المدروس فى الاول ما انسبك من الجملة وفى الثانى الجملة بلفظها وقوله فيه لا يستغنى عنه بفيه اولا فقد يكتب المؤلف فى كتابه ترغيبا للناس فى مطالعته فى هذا الكتاب كذا وكذا قال سعدى المفتى لك أن تمنع كون الضمير للكتاب بل الظاهر انه ليوم القيام المعلوم بدلالة المقام .(16/18)
أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39)
{ ام لكم أيمان علينا } قوله علينا صفة أيمان وكذا بالغة اى عهود مؤكدة بالايمان { بالغة } اى متناهية فى التوكيد والصحة لان كل شئ يكون فى نهاية الجودة وغاية الصحة يوصف بأنه بالغ يقال لفلان على يمين بكذا اذا ضمنت وكفلت له به وحلفت له على الوفاء به اى بل أضمنا لكم او أقسمنا بايمان مغلظة فثبت لكم علينا عهود مؤكدة بالايمان { الى يوم القيامة } متعلق بالمقدر فى لكم اى ثابتة لكم الى يوم القيامة لا نخرج عن عهدتها حتى نحكمكم يومئذ ونعطيكم ما تحكمون او ببالغة او ايمان تبلغ ذلك اليوم وتنتهى اليه وافرة لم تبطل منها يمين الى ان يحصل المقسم عليه الذى هو التحكيم واتباعنا لحكمهم { ان لكم لما تحكمون } جواب القسم لان معنى ام لكم ايمان علينا ام قسمنا لكم كما سبق .(16/19)
سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40)
{ سلهم } امر من سال يسال بحذف العين وهمزة الوصل وهو تلوين للخطاب وتوجيه له الى رسول الله صلى الله عليه وسلم باسقاطهم عن رتبة الخطاب اى سلهم مبكتا لهم يعنى بيرس اى محمد مشركانرا كه { ايهم } كدام ايشان { بذلك } الحكم الخارج عن العقول { زعيم } اى قائم يتصدى لتصحيحه كما يقول زعيم القول باصلاح امورهم فقوله بذلك متعلق بزعيم والزعيم بمعنى القائم بالدعوى واقامة الحجة عليها قال الراغب قوله زعيم اما من الزعامة اى الكفالة او من الزعم بالقول وهو حكاية قول يكون مظنة للكذب وقيل للمتكفل والرئيس زعيم للاعتقاد فى قولهم انه مظنة للكذب .(16/20)
أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (41)
{ ام لهم } آيايشا نرست { شركاء } يشاركونهم فى هذا القول ويذهبون مذهبهم { فليأتوا بشركائهم } بس بكو بياريد شريكان خود . فالباء للتعدية ويجوز أن تكون للمصاحبة { ان كانوا صادقين } فى دعواهم اذلا اقل من التقليد يعنى انه كما ليس لهم دليل عقلى فى اثبات هذا المذهب وهو التسوية بين المحسن والمسيئ كما قال ما لكم كيف تحكمون ولا دليل نقلى وهى كتاب يدرسونه ولا عهود موثقة بالايمان فليس لهم من يوافقهم من العقلاء على هذا القول حتى يقلدوهم وان كان التقليد لا يفلح من تشبث بذيله فثبت ان ما زعموا باطل من كل الوجوه وفيه اشارة الى ان اللائق بالحاكم تحرى الصواب بقدر الوسع فيما ليس بحاضر عنده وان حكم بلا تحر فلا يخلو عن خطأ وان اصاب مصل صلى فى ارض لم يعلم القبلة فيها فانه ان صلى بتحر فصلاته صحيحة وان اخطأ القبلة وان صلى فيها بغير تحر فغير صحيحة وان اصابها واذا كان الحكم بلا تحر خطأ فكيف الحكم بشئ والأدلة قائمة بخلافه .(16/21)
يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42)
{ يوم يكشف عن ساق } يوم منصوب باذكر المقدر وعن ساق قائم مقام الفاعل ليكشف والمراد يوم القيامة اى اذكر يوم شيتد الامر ويصعب الخطب وكشف الساق مثل فى ذلك ولا كشف ولا ساق ثمة كما تقول للاقطع الشحيح يده مغلولة ولا يدثمة ولا غل وانما هو مثل فى البخل بأن شبهت حال البخيل فى عدم تيسر الانفاق له بحال من غلت يده وكذا شبهت حال من اشتد عليه الامر فى الموقف بالمخدرات اللاتى اشتد عليهن الامر فاحتجن الى تشمير سوقهن فى الهرب بسبب وقوع امر هائل بالغ الى نهاية الشدة مع انهن لا يخرجن من بيوتهن ولا يبدين زينتهن لغير محارمهن لغاية خوفهن وزوال عقلهن من دهشتن وفرارهن لخلاص انفسهن فاستعمل فى حق اهل الموقف من الاشقياء ما يستعمل فى حقهن من غير تصرف فى مفردات التركيب بل التصرف انما هو فى الهيئة التركيبية فكشف الساق استعارة تمثيلية فى اشتداد الامر وصعوبته قال المولى الفنارى فى تفسير الفاتحه فالساق التى كشف لهم عبارة عن امر عظيم من اهوال يوم القيامة تقول العرب كشفت الحرب عن ساقها اذا عظم امرها وتقول لمن وقع فى امر عظيم شديد يحتاج فيه الى جهد ومقاساة شمر عن ساقك وكذلك التفت الساق بالساق اى دخلت الاهوال والامور العظام بعضها فى بعض يوم القيامة وقيل ساق الشئ اصله الذى به قوامه كساق الشجر وساق الانسان فان ساق الشجر مثلا اصله والاغصان تنبت على ذلك الاصل وتقوم به فالمعنى حينئذ يوم يكشف عن اصل الامر فتظهر حقائق الامور واصولها بحيث تصير عيانا وتنكيره على الوجه الاول للتهويل لان يوم القيامة يوم يقع فيه امر فظيع هائل منكر خارج عن المألوف وعلى الثانى للتعظيم { ويدعون } اى الكفار والمنافقون { الى السجود } توبيخا وتعنيفا على تركهم اياه فى الدنيا وتحسيرا لهم على تفريطهم فى ذلك لا على سبيل التكليف والتعبد لان يوم القيامة لا يكون فيه تعيد ولا تكليف وسيأتى غير هذا { فلا يستطيعون } لزوال القدرة الحقيقية عليه وسلامة الاسباب والآلات وفيه دلالة على انهم يقصدون السجود فلا يتأنى منهم ذلك ابن مسعود رضى الله عنه تعقم اصلا به اى ترد عظاما بلا مفاصل لا تنثنى عند الرفع والخفض فيبقون قياما على حالهم حتى تزداد حسرتهم وندامتهم على تفريطهم وفى الحديث « وتبقى اصلابهم طبعا واحدا » اى فقارة واحدة . ودرخبرست كه بشت كافر ومنافق جوق سرون كاويك مهره شود ( كأن سفافيد الحديد فى ظهورهم ) عن ابى بردة عن ابى موسى رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(16/22)
« اذا كان يوم القيامة مثل لكل قوم ما كانوا يعبدونه فى الدنيا فذهب كل قوم الى ما كانوا يعبدون فى الدنيا ويبقى اهل التوحيد فيقال لهم كيف بقيتم فيقولون ذهب الناس فيقولون ان لنا ربا كنا نعبده فى الدنيا ولم نره فيقال تعرفونه اذا رأيتموه فيقولون نعم فيقال لهم كيف ولم تروه قالوا الا يشبهه شئ فيكشف لهم الحجاب فينظرون الى الله تعالى فيخرون ن له سجدا ويبقى اقوام ظهورهم مثل صياصى البقر فيريدون السجود ولا يستطيعون كقوله تعالى يوم يكشف الخ يقول الله يا عبادى ارفعوا رؤوسكم قد جعلت بدل كل رجل منكم رجلا من اليهود والنصارى فى النار » قال ابو بردة فحدثت بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز رحمه الله فقال والله الذى لا اله الا هو أحدثك ابوك بهذا الحديث فحلفت له بثلاث ايمان فقال عمر ما سمعت من اهل التوحيد حديثا هو أحب الى من هذا الحديث وفى تفسير الفاتحة للفنارى رحمه الله يتجلى الحق فى ذلك اليوم فيقول لتتبع كل امة ما كانت تعبد حتى تبقى هذه الامة وفيها منافقوها فيتجلى لهم الحف فى ادنى صورة من الصور التى كان يتجلى لهم فيها قبل ذلك فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك نحن منتظرون حتى يأتينا ربنا فيقول لهم جل وعلا هل بينكم وبينه علامة تعرفونه بها فيقولون نعم فيتحول لهم فى الصورة التى عرفوه فيها بتلك العلامة فيقولون أنت ربنا فيأمرهم بالسجود فلا يبقى من كان يسجد لله الا سجد ومن كان يسجد اتقاء ورياء جعل ظهره طبقة نحاس كلما أراد ان يسجد خر على قفاه وذلك قوله تعالى يوم يكشف الخ وقال ايضا يكون على الاعراف من تساوت كفتا ميزانه فهم ينظرون الى النار وينظرون الى الجنة ومالهم رجحان بما يدخلهم احدى الدارين فاذا دعوا الى السجود وهو الذى يبقى يوم القيامة من التكليف يسجدون فيرجح ميزان حسناتهم فيدخلون الجنة انتهى .
وكفته اندكه دران روزنورى عظيم بنمايد وخلق بسجده در افتند .
فيكون كشف الساق عبارة عن التجلى الالهى كما ذهب اليه البعض وفى الحديث « يوم يكشف عن ساق » قيل عن نور عظيم يخرون له سجدا كما فى كشف الاسرار وفيه ايضا عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال « يأخذ الله عز وجل للمظلوم من الظالم حتى لا يبقى مظلمة عند احد حتى انه ليكلف شائب اللبن بالماء ثم يبيعه أن يخلص اللبن من الماء فاذا فرغ من ذلك نادى مناد ليسمع الخلائق كلهم ألا ليلحق كل قوم بآلهتهم وكانوا يعبدون من دون الله فلا يبقى احد عبد شيأ من دون الله الا مثلت له آلهته بين يديه ويجعل الله ملكا من الملائكة على صور عزير ويجعل ملكا من الملائكة على صورة عيسى بن مريم فيتبع هذا اليهود ويتبع هذا النصارى ثم تلويهم آلهتهم الى النار وهم الذين يقولون الله لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيه خالدون واذا لم يبق الا المؤمنون وفيهم المنافقون قال الله لهم ذهب الناس فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون فيقولون والله ما لنا اله الا الله وما كنا نعبد غيره فيكشف لهم عن ساق ويتجلى لهم من عظمته ما يعرفون به انه ربهم فيخرون سجدا على وجوههم ويخر كل منافق على قفاه وتجعل اصلابهم كصياصى البقر ثم يضرب الصراط بين ظهرانى جهنم »(16/23)
انتهى .
واعلم ان حديث التحول مجمع عليه وهو من آثار الصفات الالهية كرؤيته فى المنام فى الصورة الانسانية والا فالله تعالى بحسب ذاته منزه عن الصورة وما يتبعها ومن مشى على امرتب لم يعثر ثم ان الآية دلت على جواز ورود الامر بتكليف ما لا يطاق والقدرية لا يقولون بذلك ففيها حجة عليهم كما فى اسئلة المقحمة لكن ينبغى أن يعلم ان المراد بما لا يطاق هو المحال العادة كنظر الاعمى الى المصحف ولا نزاع فى تجويز التكليف به وكذا المحال العارضى كايمان أبى جهل فانه صار محالا بسبب عارض وهو اخبار الله تعالى بانه لا يؤمن وقد أجاز الاشاعرة التكليف به ومنعه المعتزلة واما المحال العقلى وهو الممتنع لذاته كاعدام القديم فلم يذهب الى جواز التكليف به احد .(16/24)
خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43)
{ خاشعة ابصارهم } حال من مرفوع يدعون على ان ابصارهم مرتفع به على الفاعلية ونسبة الخشوع الى الابصار لظهور اثره فيها والا فالاعضاء ايضا خاشعة ذليلة متواضعه بل الخاشع فى الحقيقه هو القلب لكونه مبدأ الخشوع ( وقال الكاشفى ) يعنى خداوندان ابصار سر دربيش افكنده وشر منده باشد .
قال الو الليث وذلك ان المسلمين اذا رفعوا رؤوسهم من السجود صارت بيضاء كالثلج فيما نظر اليهم اليهود والنصارى والمنافقون وهم الذين لم يقدروا على السجود حزنوا واغتموا واسودت وجوههم كما قال تعالى { ترهقهم } تلحقهم وتغشاهم فان الرهق غشيان الشئ الشئ { ذلة } شديدة تخزيهم كأنه تفسير لخشوع ابصارهم يقال ذل يذل ذلا بالضم وذلة بالكسر وهو ذليل يعنى خوار { وقد كانوا } فى الدنيا { يدعون } دعوة التكليف { الى السجود } اى اليه والاظهار فى الموضع الاضمار لزيادة التقرير او لان المراد به الصلاة او ما فيها من السجود وخص السجود بالذكر من حيث انه اعظم الطاعات قال بعضهم يدعون بدعوة الله صريحا مثل قوله تعالى فاسجدوا لله واعبدوا او ضمنا مثل قوله تعالى اقيموا الصلاة فان الدعوة الى الصلاة دعة الى السجدة وبدعوة رسول الله عليه السلام صريحا كقوله عليه السلام « اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد » فاكثروا الدعاء قالوا اى السجود او ضمنا كقوله عليه عليه السلام « صلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة اموالكم واطيعوا اذا امركم تدخلوا جنة ربكم » وبدعوة علماء كل عصر ومن اعظم الدعوة الى السجود اذ ان المؤمذنين واقامتهم فان قولهم حى على الصلاة دعوة بلا مرية فطوبى لمن اجاب دعوتهم بطوع لا باكراه امتثالا لقوله تعالى اجيبو اداعى الله والجملة حال من ضمير يدعون { وهم سالمون } حال من مرفوع يدعون الثانى اى اصحاء فى الدنيا سلمت اعضاؤهم ومفاصلهم من الآفات والعلل متمكنون من ادآء السجدة وقبول الدعوة اقوى تمكن اى فلا يجيبون اليه ويابونه وانما ترك ذكره ثقة بظهوره وبالفارسية وايشان تندرست بودند وقادر بران جون فرصت فوت كردند درين روز جز حسرت وندامت بهره ندارند
مده فرصت از دست كر بايدت ... كه كوى سعادت زميدان برى
كه فرصت عزييزست جون فوت شد ... بسى دست حسرت بدندان برى
وفى الآية وعيد لمن ترك الصلاة المفروضة او تخلف عن الجماعة عن الجماعة المشروعة قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ادع الله أن يرزقنى مرافقتك فى الجنة فقال اعنى بكثرة السجود وكان السلف يعزون انفسهم ثلاثة ايام اذا فاتهم التكبير الاول وسبعة اذا فاتهم الجماعة قال ابو سليمان الدارانى قدس سره أقمت عشرين سنة ولم أحتلم فدخلت مكة فأحدثت بها حدثا فما اصبحت الا احتلمت وكان الحديث ان فاتته صلاة العشاء بجماعة وقال الشيخ ابو طالب المكى قدس سره فى قوت القلوب ولا بد مق صلاة الجماعة سيما اذا سمع التأذين او كان فى جوار المسجد وحد الجوار أن يكون بينه وبين المسجد مائة دار واولى المساجد التى يصلى فيها اقربها اليه الا أن يكون له نية فى الا بعد لكثرة الخطى او لفضل امام فيه فالصلاة خلف العالم الفاضل افضل او يريد اى يعمر بيتا من بيوت الله بالصلاة فيه وان بعد وقال سعيد ابن المسيب رحمه الله من صلى الخمس فى جماعة فقد ملأ البر والبحر عبادة وقال ابو الدردآء رضى الله عنه حالفا بالله تعالى من احب الاعمال الى الله ثلاثة امر بصدقة وخطوة الى صلاة جماعة واصلاح بين الناس وفى الآية اشارة الى انه يرفع الحجاب ويبقى المحجوبون فى حجاب انا نيتهم ويشتد عليهم الامر ويدعون الى الفناء فى الله فلا يستطيعون لافساد استعدادهم الفطرى بالركون الى الدنيا وشهواتها ذليلة ابصارهم متحيرة لذهاب قوتها النورية تلحقهم ذلة الحجاب وهو ان الاحتجاب وقد كانا افى زمان استعدادهم يدعون الى سجود الفناء بترك اللاذت والشهوات وهم نائمون فى نوم الغفلة لا يرفعون له رأسا الفساد استعداد مزاجهم بالعلل النفسانية والامراض الهيولانيه .(16/25)
فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44)
{ فذرنى ومن يكذب بهذا الحديث } من منصوب للعطف على ضمير المتكلم او على انه مفعول معه وهو مرجوح لا مكان العطف من غير ضعف اى واذا كان حالهم فى الآخرة كذلك فدعنى ومن يكذب القرءآن وخل بينى وبينه ولا تشغل قلبك بشأنه وتوكل على فى الانتقام منه فانى عالم بما يستحقه من العذاب ويطبق له وكافيك امره يقال ذرنى واياه يريدون كله الى فانى اكفيك قال فى فتح الرحمن وعبد ولم يكن ثمة مانع ولكنه كما تقول دعنى مع فلان اى سأعاقبه والحديث القرءآن لان كل كلام يبلغ الانسان من جهة السمع او الوحى فى يقظته او منامه يقال له حديث { سنستدرجهم } يقال استدرجه الى كذا اذا استنزله اليه درجة درجة حتى يورطه فيه وفى تاج المصادر الاستدراج اندك اندك نزديك دانيدن خداى بنده را بخشم وعقوبت خود .
والمعنى ستستزلهم الى العذاب درجة فدرجة بالاحسان وادامة الصحة وازدياد النعمة حتى نوقعهم فيه فاستدراج الشخص الى العذاب عبارة عن هذا الاستنزال والاستدناء { من حيث لا يعلمون } اى من الجهة الى لا يشعرون انه استدراج وهو الانعام عليهم لانهم يحسونه ايثارا لهم وتفضيلا على المؤمنين وهو سبب لهلاكهم وفى الحديث « اذا رأيت الله ينعم على عبد وهو مقيم على معصيته فاعلم انه مستدرج » وتلا هذه الآية وقال امير المؤمنين رضى الله عنه من وسع عليه دنياه فلم يعلم انه قد مكر به فهو مخدوع عن عقله ( وروى ) ان رجلا من بنى اسرآئيل قال يا رب كم اعصيك ولم أنت لا تعاقبنى فأوحى الله الى نبى زمانه ان قل له كم من عقوبه لى عليك وان لا تشعر كونها عقوبة ان جمود عينك وقساوة قلبك استدراج منى وعقوبة لو عقلت قال بعض المكاشفين من المكر الالهى بالعبد أن يرزق العلم ويحرم العمل به او يرزق العمل ويحرم الاخلاص فيه فمن علم اتصافه بهذا من نفسه فليعلم انه ممكور به واخفى ما يكون المكر الالهى فى المتأولين من اهل الاجتهاد وغيرهم ومن يعتقد أن كل مجتهد مصيب يدعو الناس على بصيرة وعلم قطعى وكذلك مكر الله بالخاصة خفى مستور فى ابقاء الحال عليهم وتأييدهم بالكرامات مع سوء الأدب الواقع منهم فتراه يتلذذون باحوالهم ويهجمون على الله فى مقام الادلال وما عرفوا ما ادخر لهم من المؤاخذات نسأل الله العافية وقال بعض العارفين مكر الله فى نعمه اخفى منه فى بلائه فالعقال من لا يأمن مكر الله فى شئ وأدنى مكر بصاحب النعمة الظاهرة او الباطنة انه يخطر فى نفسه انه مستحق لتلك النعمة وانها من اجل اكرامه خلقت ويقول ان الله ليس بمحتاج اليها فهى لى بحكم الاستحقاق وهذا يقع فيه كثيرا من لا تحقيق عنده من العارفين لان الله انما خلق الاشياء بالاصالة لتسبح بحمده واما انتفاع عباده بها فبحكم التبعية لا بالاول وقال بعض المحققين كل علم ضرورى وجده العبد فى نفسه من غير تعمل فكر فيه ولا تدبر فهو عطاء من الله لوليه الخاص بلا واسطة ولكن لا يعرف ان ذلك من الله الا الكمل من الرجال ويحتاج صاحب مقام الفتوح الى ميزان دقيق لانه قد يكون فى الفتوح مكر خفى واستدراج ولذلك ذكره تعالى فى القرآء على نوعين بركات وعذاب حتى لا يفرح العاقل بالفتح قال تعالى ولو أن اهل الكتاب آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء وقال تعالى فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد وتأمل فول قوم عاد هذا عارض ممطرنا لما حجبتهم العادة فقيل لهم بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم .(16/26)
واعلم ان كل فتح اعطاء أدبا وترقيا فليس هو بمكر بل عناية من الله لك وكل فتح اعطى العبد أحوالا وكشفا واقبالا من الحق فليحذر منه فانه نتيجة عجلت فى غيره موطنها فينقلب صاحبها الى الدار الآخرة صفر اليدين نسأل الله اللطف قال أبو الحسين رضى لاله عنه المستدرج سكران والسكران لا يصل اليه ألم فجع المعصية الا بعد افاقته فاذا افاقوا من سكرتهم خلص ذلك الى قلوبهم فانزعجوا ولم يطمئنوا والاستدراج هو السكون الى اللذات والتنعم بالنعمة ونسيان ما تحت النعم من المحن والاغترار بحلم الله تعالى وقال أبو سعيد الخرازقدس سره الاستدراج فقدان اليقين فالمستدرج من فقد فوآئد باطنه واشتغال بظاهره واستكثر من نفسه حركاته وسعيه لغيبوبته عن المنه وقال بعضهم بالاستدراج تعرف العقوبة ويخاف المقت وبالانتباه تعرف النعمة ويرجى القرب .(16/27)
وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45)
{ وأملى لهم } الاملاء مهلت دادن .
اى وامهلهم باطالة العمر وتأخير الاجل ليزدادوا انما وهم يزعمون ان ذلك لارادة الخير بهم { ان كيدى } اى اخذى بالعذاب { متين } قوى شديد لا يطاق ولا يدفع بشئ وبالفارسية وبدرستى كه عقوبت من محكم است بهر جيزى دفع نشود وكرفتن من سخت است كس را طاقت آن نباشد .
وفى الكشاف سمى احسانه وتمكينه كيدا كما سماء استدراجا لكونه فى صورة الكيد حيث كان سببا للتورط فى الهلكة ووصفه بالمتانة لقوة ثر احسانه فى التسبب للهلاك قال بعضهم الكيد اظهارا النفع وابطان الضر للمكيد وفى المفردات الكيد ضرب من الاحتيال وقد يكون محمودا ومذموما وان كان يستعمل فى المذموم اكثر وكذلك الاستدراج والمكر ولكون بعض ذلك محمودا قال تعالى كذلك كدنا ليوسف قال بعضهم أراد بالكيد العذاب والصحيح انه الامهال المؤدى الى العذاب انتهى وفى التعريفات الكيد ارادة مضرة الغير خفية وهو مل الخلق الحيلة السيئة ومن الله التدبير بالحق لمجازة اعمال الخلق .(16/28)
أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46)
{ ام تسألهم } آيا مبطلى از ايشان برابلاغ وارشاد ودعوت ايمان وطاعت . وهو معطوف على قوله ام لهم شركاء { اجرا } دنيويا { فهم } لاجل ذلك { من مغرم } اى من غرامة مالية وهى ما ينوب الانسان فى ماله من ضرر لغير جناية منه { مثقلون } مكلفون حملا ثقيلا فيعرضون عنك اى لا تسأل منهم ذلك فليس لهم عذر فى اعراضهم وفرارهم .(16/29)
أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47)
{ ام عندهم الغيب } اى اللوح او المغيبات { فهم يكتبون } منه ما يحكمون من التسوية بين المؤمن والكافر ويستغنون به عن علمك .(16/30)
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48)
{ فاصبر لحكم ربك } وهو امهالهم وتأخير نصرتك عليهم { ولا تكن } فى التضجر والعجلة بعقوبة قومك وبالفارسية مباش در دلتنكى وشتاب زدكى .
{ كصاحب الحوت } اى يونس عليه السلام يعنى يونس كه صبر نكرد براذيت قوم وبى فرمانى الهى ازميان قوم برفت تابشكم ماهى محبوس كشت { اذ نادى } داعيا الى الله فى بطن الحوت بقوله لا اله الا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين { وهو مكظوم } مملوء غيظا وغما يقال كظم السقاء اذا ملأ وسد رأسه وبالقيد الثانى قال تعالى والكاظمين الغيظ بمعنى الممسكين عليه وعليه قوله النبى صلى الله عليه وسلم « من كظم غيظا وهو يقدر على انفاذه ملأ الله قلبه امنا وايمانا » والجملة حال من ضمير نادى وعليها يدور النهى لانها عبارة عن الضجرة والمغاضبة المذكورة صريحا فى قوله وذا النون اذ ذهب مغاضبا لا على الندآء فانه امر مستحسن ولذلك لم يذكر المنادى واذا منصوب بمضاف محذوف اى لا يكن حالك كحاله وقت ندآئه اى لا يوجد منك ما وجد منه من الضجر والمغاصبة فبتلى ببلائه وهو التقام الحوت او بنحو ذلك قال بعضهم فاصبر لحكم ربك بسعادة من سعد وشقاوة من شقى ونجاة من نجا وهلاك من هلك ولا تكن كصاحب الحوت فى استيلاء صفات النفس عليه وغلبة الطيش والغضب للاحتاب عن حكم الب حتى رردعن جناب القدس الى مقر الطبع فالتقمه حوت الطبيعة السفلية فى مقام النفس وابتلى بالاجتنان فى بطن حوت الرحم .(16/31)
لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49)
{ لولا ان تداركه } ناله وبلغه ووصل اليه وبالفارسية اكرنه آتست كه دريافت اورا { نعمة } رحمة كائنة { من ربه } وهو توفيقه للتوبة وقبولها منه وحسن تذكير الفعل للفصل بالضمير وان مع الفعل فى تأويل المصدر مبتدأ خبره مقدر بمعنى ولولا تدارك نعمة من ربه اياه حاصل { لنبذ } اى طرح من بطن الحوت فان النبذ القاي الشئ وطرحه لقلة الاعتداء به { بالعرآء } اى بالارض الخالية من الاشجار قال الراغب العرآء مكان لا سترة به { وهو مذموم } مليم مطرود من الرحمة والكرامة لكنه رحم فبنبذ غير مذموم بل سقيما من جهة الجسد ومليم من ألام الرجل بمعنى اتى ما يلام عليه ودخل فى اللوم فان قلت فسر المذموم بالمليم وقد اثبته الله تعالى بقوله فالتقمه الحوت وهو مليم اجيب على ذلك التفسير بأن الا لامه حين الالتقام لا تستلزم الا لامة حين النبذاذ التدارك نفاها فالتفت على ما هو حكم لولا الامتناعية كما اشير اليه فى تصوير المعنى آنفا وهو حال من مرفوع نبذ عليها يعتمد جواب لولا لانها هى المنفية لا النبذ بالعرآء كما فى الحال الاولى لانه نبذ غير مذموم بل محمود .(16/32)
فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50)
{ فاجتباه ربه } عطف على مقدراى فتداركته نعمة ورحمة من ربه فجمعه اليه وقربه بالتوبة عليه يأن در اليه الوحى وارسله الى مائة ألف او يزيدون يقال جيبت الماء فى الحوض جمعته والحوض الجامع له جابية والاجتباء الجمع على طريق الاصطفاء وقيل اشتنباه ان صح انه لم يكون نبيا قبل هذه الواقعة ومن انكر الكرامات والارهاص لا بد ان يختار القول الاول لان احتباسه فى بطن الحوت وعدم موته هناك لما لم يكون ارهاصا ولا كرامة لا بد أن يكون معجزة وذلك يقتضى ان يكون رسولا قبل هذه الواقعة { فجعله من الصالحين } من الكاملين فى الصلاح بأن عصمه من ان يفعل فعلا يكون تركه اولى روى انها نزلت بأحد حين هم رسول الله عليه السلام ان يدعو على المنهزمين فتكون الآية مدينة وقيل حين اراد أن يدعو على ثقيف .
حق تعالى فرمودكه صبركن وآن دعا در توقف داركه كارها بصبر نيكوشود
كارها ازصبر كردد دلبسند ... خرم آن كزصبرباشد بهره مند
جون درافتادى بكر داب حرج ... صبركن ولاصبر مفتاح الفرج
دلت الآيات على فضيلة الصبر وعلى ان ترك الاولى يصدر من الانبياء عليهم السلام والا لما كان يونس عليه السلام مليما وعلى ان الندم على ما فرط من العبد والتضرع الى الله لذلك من وسائل الاكرام وعلى ان توفيق الله نعمة باطنة منه وعلى ان الصلاح درجة عالية لا ينالها الا هل الاجتباء وعلى ان فعل العبد مخلوق لله لدلالة قوله فجعله من الصالحين على ان الصلاح انما يكون بجعل الله وخلقه وان كان للعبد مدخل فيه بسبب الكسب بصرف ارادته الجزئية والمعتزلة يأولونه تارة بالاخبار بصلاحه وتارة باللطف له حتى صلح لكنه مجاز والاصل هو الحقيقة .(16/33)
وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52)
{ وان } مخففة واللام دليلها { يكاد الذين كفروا ليزلقونك بابصارهم } يقال الزلقه ازل جله يعنى لمغزانيد { لما سمعوا الذكر } لما ظرفية منصوبة بيزلقونك والمعنى انهم من شدة عداوتهم لك ينظرون اليك شزرا اى نظر الغضبان بمؤخر العين بحيث يكادون يزلون قدمك فيرمونك وقت سماعهم القرءآن وذلك لاشتداد بغضهم وحسدهم عند سماعه من قولهم نظر الى نظرا يكاد يصرعنى اى لو أمكنه بنظره الصرع لفعله اوانهم يكادون يصيبونك بالعين قال فى كشف الاسرار الجمهور على هذا القول روى انه كان فى بنى اسد عيانون والعيان والمعيان والعيون شديد الاصابة بالعين وكان الواحد منهم اذا اراد ان يعين شيأ يتجوع له ثلاثة ايام ثم يتعرض له فيقول تالله ما رأيت احسن من هذا فيتساقط ذلك الشئ وكان الرجل منهم ينظر الى الناقة السمينة او البقرة السمينة ثم يعينها ثم يقول للجارية خذى المكتل والدرهم فأتينا بلحم من لحم هذه فما تبرح حتى تقع فتنحر والحاصل انه لا يمر به شئ فيقول فيه لم ار كاليوم مثله الاعانه وكان سببا لهلاكه وفساده فسأل الكفار من قريش من بعض من كانت له هذه الصفة ان يقول فى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأيت مثله ولا مثل حججه .
تابر توجمال آن حضرت بآسيب عين الكمال از ساحت عالم محو سازد .
فقال فعصمه الله تعالى ( وقال الكاشفى ) حق تعالى براى عصمت وى از جشم بداين آيت را فرستاد .
قال الحسن البصرى قدس سره دوآء الاصابة بالعين ان تقرأ هذه الآية ( كما قال الحافظ )
حضور مجلس انس است دوستان جمعند ... وان يكاد بخوانيد ودر فراز كنيد
وفى الاسرار المحمدية قل قيل ان فى هذه الآية خاصبة لدفع العين تعليقا وغسلا وشربا انتهى وفى الحديث « العين حق » اى اثرها فى المعين واقع قالوا ان الشئ لا يعان الا بعد كماله وكل كامل فانه يعقبه النقض بقضاء ولما كان ظهور القضاء بعد العين اضيف ذلك اليها ولما خاف يعقوب عليه السلام على اولاده من العين لانهم كانوا اعطوا جمالا وقوة وامتداد قامة وكانواولد رجل واحد قال يا بنى لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبوا بمتفرقة فأمرهم ان يتفرقوا فى دخولها لئلا يصابوا بالعين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين فيقول اعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ويقول هكذا كان يعوذ ابراهيم اسمعيل واسحق عليهم السلام وعن عبادة بن الصامت رضى الله عنه قال دخلت على رسول الله عليه السلام فى اول النهار فرأيته شديد الوجع ثم عدت اليه آخر النهار فوجدته معافى فقال(16/34)
« ان جبريل اتانى فرقانى فقال بسم الله ارقيك من كل شئ يؤذيك ومن كل عين وحاسد الله يشفيك » قال عليه السلام « فأفقت » والرقية بالفارسية افسون كردن .
يقال رقاه الراقى رقيا ورقية اذا عوذه ونفث فى عوذته قالوا وانما تكره الرقية اذا كانت بغير لسان العرب ولا يدرى ما هو ولعله يدخله سحر او كفر واما ما كان من القرءآن او شئ من الدعوات فلا بأس به كما فى المغرب للمطرزى ولا تختص العين بالانس بل تكون فى الجن ايضا وقيل عيونهم انفذ من اسنة الرماح وعن ام سلمة رضى الله عنها ان النبى عليه السلام رأى فى بتيها جارية تشتكى وفى وجهها صفرة فقال اسرتقوا لها فان بها النظرة وأراد بها العين اصابتها من الجن كما فى شرح المصابيح وفى الحديث « لو كان شئ يسبق القدر لسبقة العين » اى لو كان شئ مهلكا او مضرا بغير قضاء الله وقدره لكان العين اى اصابتها لشدة ضررها وعنه عليه السلام ان العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر ومما يدفع العين ما روى ان عثمان رضى الله عنه رأى صبيا مليحا فقال دسموا نونته لئلا تصيبه العين اى سودوا نقرة ذقنه قالوا ومن هذا القبل نصب عظام الرؤوس فى المزارع والكروم ووجهه ان النظر الشؤم يقع عليها اولا فتنكر سورته فلا يظهر اثره ومن الشفاء من العين ان يقال على ماء فى اناء نظيف ويسقيه منه ويغسله عنس عابس بشهاب قابس رددت العين من المعين عليه والى احب الناس اليه فارجع لابصر هل ترى من فطور والفاتحة وآية الكرسى وست آيات الشفاء وهى ويشف صدور قوم مؤمنين شفاء لما فى الصدور فيه شفاء للناس ونتزل من القرءآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين واذا مرضت فهو يشفين قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء .
ومن الشفاء ان يؤمر العائن فيغتسل او يتوضأ بماء ثم يغتسل به المعين قيل وجه اصابة العين ان الناظر اذا نظر الى شئ واستحسنه ولم يرجع الى الله والى رؤية سنعه قد يحدث الله فى المنظور علة بجناية نظره على غفلة ابتلاء لعباده ليقول المحق انه من الله وغيره من غيره فيؤاخذ الناظر لكونه سببها ووجهها بعض بأن العائن قد ينبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين فيهلك او يفسد كما قيل مثل ذلك فى بعض الحيات قال فى الاسرار المحمدية ذوات السموم تؤثر بكيفياتها الخبيثة الكامنة فيها بالقوة فمتى قابلت عدوها انبعثت منها قوة غضبية وتكيفت نفسها بكيفية خبيثة مؤذية ومثلها ما تشتد كيفيتها وتقوى حتى تؤثر فى اسقاط الجنين ومنها ما يؤثر فى طمس البصر ومنها ما يؤثر فى الانسان كيفيتها بمجرد الرؤية من غير اتصال به لشدة خبث تلك النفس وكيفيتها الخبيثة المؤثرة والتأثير غير موقوف على الاتصالات الجسمية بل بعضه بالمقابلة والرؤية كما اشتهر عن نوع من الافاعى انها اذا وقع بصرها على الانسان هلك فهو من هذا الجنس ولا يستبعد ان تنبعث من عين يعض الناس جواهر لطيفة غير مرئية فتتصل بالمعين وتتخلل مسام جسمه اى ثقبه كالفم والمنخر والاذن فيتضرر به واذا كانت النفوس مختلفة فى جواهرها وماهياتها لم يتمتنع ايضا وبه يحصل الجواب عمن انكر اصابة العين وقال انها لا حقيقة لها لان تأثير الجسم فى الجسم لا يعقل الا بواسطة المماسة ولا مماسة ههنا فامتنع حصول التأثير انتهى وعقلاء الامم على اختلاف مللهم ونحلهم لا تدفع امر العين ولا تنكره وبعض النفوس لا تحتاج الى المقابلة بل بتوجه الروح ونحوه يحصل الضرر فربما يوصف الشئ للاعمى فتؤثر نفسه فيه بالوصف من غير مقابلة ورؤية واذا قتلت ذوات لاسموم بعد لسعها خفَّ اثر لسعها لان الجسد تكيف بكفية الاسم وصار قابلا للانحراف فما دامت حية فان نفسها تمده بامتزاج الهوآء بنفسها وانتشاق الملسوع به قال الجاحظ علماء الفرس والهند واطباء اليونانيين ودهاة العرب واهل التجربة من المعتزلة وحذاق المتكلمين كانوا يكرهون الاكل بين يدى السباع يخافون عيونها لما فيها من النهم والشره لما ينحل عند ذلك من اجوافها من البخار الرديئ وينفصل من عيونها ما اذا خالط الانسان نقصه وافسده وكانوا يكرهون قيام الخدم بالمذاب والاشربة على رؤوسهم مخافة العين وكانوا يأمرون ابتاعهم قبل ان يأكلوا ان يطردوا الكلب والسنور او يشغلوه بما يطرح له ومن هذا يعرف بعض اسرار قوله عليه السلام من اكل وذو عينين ينظر اليه ولم يواسه ابتلاء بدآء لا دوآء له وفائدة الرقى ان الروح اذا تكيفت به وقويت واستعانت بالنفث والتفل قابلت ذلك الا تر الذى حصل من النفوس الخبيثة والخواص الفاسدة فأزالته والحاصل ان الرقية بما ليس بشرك مشروعة لكن التحرز من العين لازم وانه واجب على كل مسلم اعجبه شئ ان يبرك ويقول تبارك الله احسن الخالقين اللهم بارك فيه فانه اذا دعا بالبركة صرف المحذور لا محالة ومن عرف باصابة العين منع من مداخلة الناس دفعا لضرره قال بعض العلماء يأمره الامام بلزوم بينه وان كان فقيرا رزقه ما يقوم به معاشه ويكف اذاه عن الناس وقيل ينفى والاحتياط الامر بلزوم بيته دون الحبس والنفى وبهذا التقرير يعرف حال المجذومين ولذا اتخذوا لهم فى بعض البلاد مكانا مخصوصا بحيث لا يخالطون الناس ولا بشار كونهم فى محلاتهم وذكر الجاحظ ان اعجب ما فى الدنيا ثلاثة البوم لا تظهر بالنهار خوفا ان تصيبها العين لحسنها قال فى حياة الحيوان ولما تصور فى نفسه انه احسن الحيوان لم يظهر الا بالليل والثانى الكركى لا يطار الارض بقدميه بل باحداهما فاذا وطئها لم يعتمد عليها خوفا ان تخسف الارض والثالث الطائر الذى يقعد على سواقى الماء من الانهار يعرف بمالك الحزين شبيه الكركى لا يشبع من الماء خشية ان يفنى فيموت عطشا ففى الاول اشارة الى ذم العجب وفى الثانى الى مدح الخوف وفى الثالث الى قدح الحرص فليعتبر العاقل من غير العاقل والسعيد من وعظ بغيره واخذ الاشارة من كل شئ نسأل الله البصيرة التامة بمنه { ويقولون } لغاية حيرتهم فى امره عليه السلام ونهاية جهلهم بما فى القرءآنه من بدائع العلوم لوتنفير الناس عنه والا فقد علموا انه اعقلهم { انه } عليه السلام { لمجنون } الظاهر أنه مثل قولهم يا أيها الذيى نزل عليه الذكر انك لمجنون ( وقال الكاشفى ) بدرستى كه اين مرد ديو كرفته يعنى باوجنى است كه اورا تعليم ميدهند .(16/35)
كما قال الوليد ابن المغيرة معلم مجنون يعنى يأتيه رئئ من الجن فيعلمه وحيث كان مدار حكمهم الباطل ما سمعوا منه عليه السلام رد ذلك ببيان علو شأنه وسطوع برهانه فقيل { وما هو الا ذكر للعالمين } على انه حال من فاعل يقولون مفيدة لغاية بطلان قولهم وتعجيب للسامعين من جرآءتهم على التفوه بتلك العظيمة اى يقولون ذلك والحال ان القرءآن ذكر للعالمين من الجن والانس اى تذكير وبيان لجميع ما يحتاجون اليه من امور دينهم فأين من انزل عليه ذلك وهو مطلع على اسراره طرا ومحيط بجميع حقائقه خبرا مما قالوا فى حقه من الجنون اى انه من اول الامور على كمال عقله وعلو شأنه فمن نسب اليه القصور فانما هو من جهله وجنته فان الفضل لا يعرفه الا ذووه
اذا لم يكن للمرء عين صحيحة ... فلا غرو وان يرتاب والصحيح مسفر
وقيل معناه شرف وفضل لقوله تعالى وانه لذكر لك ولقومك وفيه اشارة الى الالهام فانه ذكر لصاحبه ولمن اعتقده واقتدى به اذا الآثار باقية الى يوم القيامة وقيل الضمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكونه ذكرا وشرفا للعالمين لا ريب فيه
اى شرف جمله عالم بتو ... روشنى ديده عالم بتو
وفيه اشارة الى سادات امته واركان دينه .(16/36)
الْحَاقَّةُ (1)
{ الحاقة } هى من اسماء القيامة من حق يحق بالكسر اذا وجب وثبت لانها يحق اى يجب مجيئها ويثبت قوعها كما قال تعالى ان الساعة آتية لا ريب فيها فالاسناد حقيقى وقال الراغب فى المفردات لانها يحق فيها الجزآء فالاسناد مجاذى كنهاره صائم ونحو .(16/37)
مَا الْحَاقَّةُ (2)
{ ما الحاقة } الاصل ما هى اى اى شئ هى فى حالها وصفتها فان ما قد يطلب بها الصفة والحال فوضع الظاهر موضع المضمر تأكيد الهولها كما يقال زيد ما زيد على التعظيم لشأنه فقوله الحاقة مبتدأ وما مبتدأ ثان وما بعده خبره والجملة خبر للمبتدأ الاول والرابط تكرير المبتدأ بلفظه هذا ما ذكروه فى اعراب هذه الجملة ونظائرها ومقتضى التحقيق أن يتكون ما الاستفهامية خبرا لما بعدها فان مناط الفائدة بيان أن الحاقة امر بديع وخطب فظيع كما يفيده كون ما خبرا لا بيان ان امرا بديعا الحاقة كما يفيده كونه مبتدأ وكون الحاقة خبرا كذا فى الارشاد .(16/38)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3)
{ وما أدراك } من الدراية بمعنى العلم يقال دراه ودرى به اى علم به من باب رمى وأدراه به اعلمه قال فى تاج المصادر الدراية والدرية والدرى دانستن ويعدى بالباء وبنفسه قال سيبويه وبالباء اكثر قوله ما مبتدأ وادراك خبره ولا مساغ ههنا للعكس والمعنى واى شئ اعلمك يا محمد وبالفارسية وجه حيز دانا كردانيدترا { ما الحاقة } جملة من مبتدأ وخبز فى موضع المفعول الثانى لأدراك والجملة الكبيرة تأكيد لهول الساعة وفظاعتها ببيان خروجها عن دآئرة علم المخلوقات على معنى ان اعظم شأنها ومدى هولها وشدتها بحيث لا يكاد تبلغه دراية احد ولا وهمه وكيفما قدرت حالها فهى اعظم من ذلك واعظم فلا يتسنى الاعلام قال بعضهم ان النبى عليه السلام وان كان عالما بوقوعها ولكن لم يكن عالما بكمال كيفيتها ويحتمل أن يقال له عليه السلام اسماعا لغيره وفى التأويلات النجمية يشير بالحاقة الى التجلى الاحدى الاطلاقى فى مرءآة الواحدية المفنى للكل كما قال لمن الملك اليوم لله الواحد القهار بقهر سطوات انوار الاحدية جميع ظلمات التعينات الساترة اطلاق الذات المطلقة وسمى بالحاقة لثبوته فى ذاته وتحققه فى نفسه .(16/39)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4)
{ كذبت ثمود } قوم صالح من الثمد وهو الماء القليل الذى لا مادة له { وعاد } قوم هود وهى قبيلة ايضا وتمنع كما فى القاموس { بالقارعة } من جملة اسماء الساعة ايضا لانها تقرع الناس اى تضرب بفنون الافزاع والاهوال اى تصيبهم بها كأنها تقرعهم بها والسماء بالانشقاق والانقطار والارض والجبال بالدك والنسف والنجوم بالطمس والانكدار ووضعت موضع ضمير الحاقة للدلالة على معنى القرع فيها زيادة فى وصف شدتها فان فى القارعة ما ليس فى الحاقة من الوصف يقال اصابتهم قوارع الدهر أى اهواله وشدآئده قيل منها قوارع القرءآن للآيات التى تقرأ حين الفزع من الجن والانس لقرع قلوب المؤمنين بذكر جلال الله والاستمداد من رحمته وحمايته مثل آية الكرسى ونحوها وفى الآية تخويف لاهل مكة من عاقبة تكذيبهم بالبعث والحشر .(16/40)
فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5)
{ فاما ثمود } وكانوا عربا منازلهم بالحجر بين الشأم والحجاز يراها حجاج الشأم ذهابا وايابا { فاهلكوا } اى اهلكهم الله لتكذيبهم فأخبر عن الفعل لانه المراد دون الفاعل لانه معلوم { يالطاغية } اى بالصيحة التى جاوزت عن حد سائر الصيحات فى الشدة فرجفت منها الرض والقلوب وتزلزلت فاندفع ما يرى من التعارض بين قوله تعالى فأخذتهم الرجفة وبين قوله تعالى فأخذتهم الصيحة والقصة واحدة وفى الآية اشارة الى اهل العلم الظاهر المحجوبين عن العلوم الحقيقية فانهم اهل العلم القليل كما ان ثمود اهل الماء القليل فلما كذبوا افناء اهل العلم الباطن من طريق السلوك اهلكهم الله بصاعقة نار البعد والاحتجاب فليس لهم صلاح فى الباطن وان كان لهم صلاح فى الظاهر وذلك لانهم لم يتبعوا صالحا من الصلحاء الحقيقيين فبقوا فى فساد النفس .(16/41)
وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6)
{ واعما عاد } وكانت منازلهم بالاحقاف وهى الرمل بين عمان الى حضرموت واليمن وكانوا عربا ايضا ذوى بسطة فى الخلق وكان اطولهم مائة ذراع واقصرهم ستين واوسطهم ما بين ذلك وكان رأس الرجل منهك كالقبة يفرخ فى عينيه ومنخره السباع وتأخيره عن ثمود مع تقدمهم زمانا من قبيل الترقى من الضال الشديد الى الاضل الاشد { فأهلكوا بريح } هى الدبور لقوله عليه السلام « نصرت بالصبا واهلكت عاد بالدبور » { صرص } اى شديدة الصوت لها صرصرة فى هبوبها وهى بالفارسية بانك كردن بازوجرغ وآنجه بدان ماند .
او شديدة البرد تحرق ببردها النبات والحرث فان الصر بالكسر شدة البرد { عاتية } مجاوزة للحد فى شدة العصن كانها عتت على خزانها فلم يتمكنوا من ضبطها والرياح مسخرة لميكائيل تهب باذنه وتنقطع باذنه وله اعوان كأعوان ملك الموت ( روى انه ما يخرج من الريح شئ الا بقدر معلوم ولم اشتد غضب الله على قوم عاد أصابتهم ريح خارجة عن ضبط الخزان ولذلك سميت عاتية او المعنى عاتية على عاد فلم يقدروا على ردها بحيلة من استتار ببناء او لياذ بجبل او اختفاء فى حفرة فانها كانت تنزعهم من مكامنهم وتهلكهم .(16/42)
سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7)
{ سخرها عليهم } التسخير سوق الشئ الى الغرض المختص به قهرا والمسخر هو المقيض للفعل والمعنى سلط الله تلك الريح الموصوفة على قوم عاد بقدرته القاهرة كما شاء الظاهر أنه صفة اخرى ويقال استئاف لدفع ما يتوهم من كونها باتصالات فلكية مع انه لو كان كذلك لكان بتسببه وتقديره فلا يخرج من تسخيره تعالى { سبع ليلا } منصوب على الظرفية لقوله سخرها انت العدد لكون الليالى جمع ليلة وهى مؤنث فتبع مفرد موصوفة يقال ليل وليلة ولا يقال يوم ويوم وكذا نهارة وتجمع الليلة على الليالى بزيادة الياء على غير القياس فيحذف ياؤها حالة التنكير بالاعلال مثل الاهالى والاهال فى جمع اهل الاحالة النصب نحو قوله تعالى سيروا فيها ليالى واياما آمنين لانه غير منصرف والفتح خفيف { وثمانية ايام } ذكر العدد لكون الايام جمع يوم وهو مذكر { حسوما } جمع حاسم كشهود جمع شاهد وهو حال من مفعول سخرها بمعنى حاسمات عبر عن الريح الصرصر بلفظ الجمع لتكثرها باعتبار وقوعها فى تلك الليالى والايام وقال بعضهم صفة لما قبله ( كما قال الكاشفى ) روزها وشبهاى متوالى .
والمعنى على الاول حال كون تلك الريح متتابعات ما خفق هبوبها فى تلك المدة ساعة حتى اهلكتهم تمثيلا لتتابعها بتتابع فعل الحاسم فى اعادة الكى على دآء الدابة مرة بعد أخرى حتى ينحسم وينقطع الدم كما قال فى تاج المصادر الحسم يريدون وييوسته داغ كردن . فهو من استعمال المقيد فى المطلق اذا لحسم هو تتابع الكى او نحسات حسمت كل خير واستأصلته او قاطعات قطعت دابرهم والحاصل ان تلك الرياح فيها ثلاث حبثيات الاولى تتابع هبوبها والثانة كونها قاطعة لكل خير ومستأصلة لكل بركة اتت عليها والثالثة كونها قاطعة دابرهم فسميت حوسما بمعنى حاسمات او تشبيهات لها بمن يحسم الدآء فى تتابع الفعل واما لان الحسم فى اللغة القطع والاستئصال وسمى السيف حساما لانه يحسم العدو عما يريده من بلوغ عداوته وهى كانت ايام برد العجوز من صبيحة الاربعاء لثمان بقين من شوال ويقال آخر أسبوع من شهر صفر الى غروب الاربعاء الآخر وهو آخشر الشهر وعن ابن عباس رضى الله عنه برفعه آخر أربعاء فى الشهر يوم نحس مستمر وانما سميت عجوزا لان عجوزا من عادتوارت فى سرب اى فى بيت فى الارض فانتزعتها الريح فى اليوم الثامن فأهلكتها وقيل هى اليام العجز وهى آخر الشتاء ذات برد ورياح شديدة فمن نظر الى الاول قال برد العجوز ومن نظر الى الثانى قال برد العجز وفى روضة الاخبار رغبت عجوز الى اولادها أن يزوجوها وكان لها سبعة بنين فقالوا الى أن تصبرى على البرد عارية لكل واحد من الليلة ففعلت فلما كانت فى السابعة ماتت فسميت تلك الايام ايام العجوز واسماء هذه الايام الصن وهو بالكسر اول ايام العجوز كما فى القاموس والصنبر وهى لريح الباردة والثانى من ايام العجوز كما فى القاموس والوبر وهو ثالث ايم العجوز فى القاموس وقيل مكفئ الظعن اى مميلها وهو جمع ظعينه وهو الهودج فيه امرأة ام لا والآمر والمؤتمر قال فى القاموس آمر ومؤتمر آخر ايام العجوز قال الشاعر(16/43)
كسع الشتاء بسبعة غبر ... ايام شهلتنا من الشهر
فاذا انقضعت ايام شهلتنا ... بالصن والصنبر واوبر
وبآمر واخيه مؤتمر ومعلل بومطفئ الجمر ذهب الشتاء موليا هاربا ... وأتتك موقدة من الحر
قال فى الكواشى ولم يسم الثامن لان هلاكهم واهلاكها كان فيه وفى عين المعانى ان الاثمن هو مكفئ الظعن ثم قال فى الكواشى ويجوز انها سميت ايام العجوز لعجزهم عما حل بهم فيها ولم يسم الثامن على هذا لاهلاكهم فيه والذى لم يسم هو الاول وان كان العذاب واقعا فى ابتدآئه لان ليلته غير مذكورة فلم يسم اليوم تبعا للتلة لان التاريخ يكون بالليالى دون الايام فالصن ثانى الايام الثمانية اول الايام المذكورة لياليها انتهى .
يقول الفقير سر العدد أن عمر الدنيا بالنسبة الى الانس سبعة ايام من ايام الآخرة وفى اليوم الثامن تقع القيامة ويعم الهلاك ثم فى الليالى السبع اشارة الى لليالى البشرية الساترة للصفات السبع الالهية التى هى الحياة والعلم والارادة والقدرة والسمع والبصر والكل وفى الايام اشارة الى الايام الكاشفات للصفات الثمان الطبيعية وهى الغضب والشهوة والحقد والحسد والبخل والجبن والعجب والشره التى تقطع امور احق واحكامه من الخيرات والمبرات يعنى قاطعات كل خير وبر وقال القاشانى واما عاد المغالون المجاوزون حد الشرآئع بالزندقة والاباحة فى التوحيد فأهلكوا بريح هوى النفس الباردة بجمود الطبيعة وعدم حرارة الشوق والعشق العاتية اى الشديدة الغالبة عليم الذاهبة بهم فى اودبة الهلاك سخرها الله عليهم فى مراب الغيوب السبع التى هى لياليهم لاحتجابهم عنها والصفات الثمان الظاهرة لهم كالايام وهى الوجود والحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والتكلم على ما ظهر منهم وما بطن تقطعهم وتستأصلهم { فترى } يا محد او يامن شأنه أن يرى ويبصر ان كنت حاضرا حينئذ { القوم } اى قوم عاد فاللام للعهد وبالفارسية بس توميديدى قوم عاد را اكر حاضر مى بودى { فيها } اى فى محال هبوب تلك الريح او فى تلك الليالى والايام ورجحة او حيان للقرب وصراحة الذكر { صرعى } موتى جمع صريع كقتلى وقتيل حال من القوم لان الروية بصرية ولرصيع بمعنى مصروع اى مطروح على الارض ساقط لان الصرع الطرح وقد صرعوا بموتهم { كأنهم } كوبيا ايشان ازعظم اجسام { اعجاز نخل } بيخهاى درخت خرما اند .(16/44)
الكاف فى موضع الحال اما من القوم على قول من جوز حالين من ذى حال واحد او من المنوى فى صرعى عند من لم يجوز ذلك اى مصروعين مشبهين باصول نخل كما قال فى القاموس العجز مثلثة وكندس وكتف مؤخر الشئ واعجاز النخل اصولها انتهى والنخل اسم جنس مفرد لفظا وجمع معنى واحدتها نخلة { خاوية } اصل الخوى الخلاء يقال خوى بطنه من الطعام اى خلا والمعنى متأكلة الاجواف خالتتها لا شئ فيها يعنى انهم متساقطون على الارض امواتا طوالا غلاظا كأنهم اصول نخل مجوفة بلا فروع شبهوا بها من حيث ان ابدانهم خوت وخلت من ارواحهم كالنخل الخاوية وقيل كانت الريخ تدخل من افواهم فتخرج ما فى اجوافهم من ادبارهم فصاروا كالنخل الخاوية ففيه اشارة الى عظم خلفهم وضخامة اجسادهم ولذا كانوا يقولون من اشد منا قوة والى الذ الريح ابلتهم فصاروا كالنخل الموصوفة وفيه اشارة الى ان اهل النفس موتى لا حياء حقيقية لهم لانهم قائمون بالنفس لا بالله كما قال كأنهم خشب مسندة كأنهم أعجاز نخل اى اقوياء بحسب الصورة لا معنى فيهم ولا حياة ساقطة عن درجة الاعتبار والوجود الحقيقى اذ لا نقوم بالله والى ان النفس وصفاتها مجوفة ليس لهها بقاء انما هو بفيض الروح يعنى ان الذى رش عليه من رطوبة الروح حى باذن الله وصلح قابلا للصفات الالهية والامات وفسد .(16/45)
فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8)
{ فهل ترى لهم من باقية } الاستفهام لانكار الرؤية والباقية اسم كالبقية لا وصف والتاء للنقل الاسمية ومن زآئدة وباقية مفعول ترى اى ما ترى منهم بقية من صغارهم وكبارهم وذكورهم واناثهم غير المؤمنين ويجوز أن يكون صفة موصوف محذوف بمعنى نفس باقية او مصدرا بمعنى البقاء كالكاذبة والطاغية والبقاء ثبات الشئ على الحالة الاولى وهو يضاد الفناء
مقرراست كه بودند برزمانه بسى ... شهان تخت نشين خسروان شاه نشان
جوعاصفات قضا ازمهب قهر وزيد ... شدند خاك وازان خاك نيزنيست نشان
فعلى العاقل أن يجتهد حتى يبقى فى الدنيا بالعمر الثانى كما دل عليه قوله تعالى حكاية ابراهيم الخليل عليه السلام واجعل لى لسان صدق فى الآخرين على ان الحياة الباقية الحقيقية هى ما حصلت بالتجلى الالهى والفيض المآلى الكلى نسأل الله سبحانه أن يفيض علينا سجال فيضه وجوده بحرمة اسمائه وصفاته ووجوب وجوده .(16/46)
وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9)
{ وجاء فرعون } اى فرعون موسى افرده بالذكر لغاية علوه واستكباره { ومن قبله } ومن تقدمه من الكفرة غير عادو ثمود فهو من قبيل التعميم بعد التخصيص ومن صولة وقبل نقيض بعد وقرأ او عمرو ويعقوب والكسائى قبله بكسر القاف وفتح الباء بمعنى ومن معه من القبط من اهل مصرف { والمؤتفكات } اى قرى قوم لوط اى اهلها لانها عطفت على ما قبلها من فرعون ومن قبله يقال افكه عن الشئ اى قلبه وائتفكت البلدة بأهلها اى انقلبت والله تعالى قلب قرى قوم لوط عليهم فهى المنقلبات بالخسف وهى خمس قريات صعبة وصعده وعمره ودوماسدوم وهى اعظم القرى ثم هذا من قبيل التخصيص بعد التعميم للتتميم لان قوم لوط اتوا بفاحشة ما سبقهم بها من احد من العالمين { بالخاطئة } الباء للملابسة والتعدية وهو الاظهر اى بالخطأ او بالغفلة او الافعال ذات الخطأ العظيم التى من جملتها تكذيب البعث والقيامة فالخاطئة على الاول مصدر كالعاقبة وعلى الاخيرين صفة لمحذوف والبناء للنسبة على التجريد والاظهر انه من المجاز العقلى كشعر شاعر .(16/47)
فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10)
{ فعصوا رسول ربهم } اى فعصى كل امة رسولهم حين نهاهم عما كانوا يتعاطونه من القبائح فالرسول هنا بمعنى الجمع لان فعولا وفعيلا يستوى فيهما المذكر والمؤنث والواحد والجمع فهو من مقابلة الجمع بالجمع المستدعية لانقسام الآحاد على الاماد فالاضافة ليست للعهد بل للجنس { فأخذهم } اى الله تعالى بالعقوبة اى كل قوم منهم { اخذه رابية } اى زآئدة فى الشدة على عقوبات سائر الكفار أو على القدر المعروف عن الناس لما زادت معاصيهم فى القبح على معاصى سائر الكفرة أغرق من كذب نوحا وهم كل اهل الارض غير من ركب معه فى السفينة وحمل مدائن لوط بعد ان نتقها من الارض على متن الريح بواسطة من امره بذلك من الملائكة ثم قلبها واتبعها الحجارة وخسف بها وغمرها بالماء المنتهن الذى ليس فى الارض ما يشبه واغرق رعون وجنوده ايضا فى بحر القلزم او فى النيل وهكذا عوقب كل امة عاصية بحسب اعمالهم القبيحة وجوزيت جزآء وفاقا وفى كل ذلك تخويف لقريش وتحذير لهم عن التكذيب وفيه عبرة موقظة لأولى الالباب يقال ربا الشئ يربوا اذا زاد ومنه الربا الشرعى وهو الفضل الذى يأخذه آكل الرا زآئدا على ما أعطاه(16/48)
إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11)
{ انا لما طغى الماء } المعهود وقت الطوفان اى جاوز حده المعتاد حتى رتفع على كل شئ خمسمائة ذراع وقال بعضهم ارتفع على ارفع جبل فى الدنيا خمسة عشر ذاعا او حده فى المعاملة مع خزانه من امللائكة بحيث لم يقدروا على ضبطه وذلك الطغيان ومجاوزة الحد بسبب اصرار قوم نوح على فنون الكفر والمعاصى زمبالغتهم فى تكذيبه فما اوحى اليه من الاحكام التى جملتها احوال القيامة فانتقم الله منهم بالاغراق { حملناكم } ايها الناس اى حملنا آباءكم وانتم فى اصلابهم فكأنكم محمولون باشخاصكم وفيه تنبيه على المتة فى الحمل لان نجاة آبائهم سبب ولادتهم { فى الجارية } يعنى فى سفينة نوح لان من شأنها أن تجرى على الماء والمراد بحملهم فيها رفعهم فوق الماء الى انقضاء ايام الطوفان لا مجرد رفعهم الى السفينة كما يعرب عنه كلمة فى فانها ليست بصلة للحمل بل متعلقة بمحذوف هو حال من مفعوله اى رفعناكم فوق الماء وحفظناكم حال كونكم فى السفينة الجارية بأمرنا وحفظنا من غير غرق وخرق وفيه تنبيه على ان مدار نجاتهم محض عصمته تعالى وانما السفينة سبب صورى .(16/49)
لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12)
{ لنجعلها } اى لنجعل الفعلة التى هى عبارة عن انجاء المؤمنين واغراق الكافرين { لكم تذكرة } عبرة ودلالة على كمال قدرة الصانع وحكمته وقوة قهره وسعة رحمته فضمر لنجعلها الى المفعلة والقصة بدلالة ما بعد الآية من الوعى ( وقال الكاشفى ) ن كردانيم آن كشتى را براى شمايندى وعبرتى درنجات مؤمنا وهلاك كافران وفى كشف الاسرار تا آنرا يادكارى كنيم تاجهان بود .
وقد ادرك السفينة اوآئل هذه الامة وكان ألوحها على الجودى { وتعيها } اى تحفظها وبالفارسية ونكاه دارداين بندرا .
والوعى أن تحفظ العلم ووعيت الشئ فى نفسك يقال وعيت ما قلته ومنه ما قال عليه السلام « لا خير فى العيش الا لعالم ناطق ومستمع واع والايعاء أن تحفظه فى غير نفسك » من وعاء يقال اوعيت المتاع فى الوعاء منه ما قال عليه السلام لا سيما بنت أبى بكر رضى الله عنهما لا توعى فيوعى الله عليك ارضخى ما استطعت وقال الشاعر
الخير يبقى وان طال الزمان به ... والشر أخبث ما اوعيت من زاد
{ اذن واعة } اى اذن من شأنها أن تحفظ مايجب حفظه بتذكره والتفكر فيه ولا تضيعه بترك العمل به يقال الوعى فعل القلب ولكن الآذان تؤدى الحديث الى القلوب الواعية فنعتت الآذن بنعت القلوب ( وفى البستان )
وكرنيستى سعى جاسوس كوش ... خبركى رسيدى بسلطان هوش
والتنكير والتوحيد حيث لم يقل الآذان الواعية للدلالة على قلتها وان من هذا شأنه مع قلته يتسبب لنجاة الجم الغفير وادامة نسلهم يعنى ان من وعى هذه القصة انما يعيها ويحفظها لاجل أن يذكرها للناس ويرغبهم فى الايمان المنجى ويحذرهم عن الكر المردى فيكون سببا للنجاة والادامة المذكورتين قال فى الكشاف الاذن الواحدة اذا وعت وعقلت عن الله فهى السواد الاعظم عند الله وان ما ساواها لا يبالى بهم وان ملأ وا ما بين الخافقين وفى الحديث « فلح من جعل الله له قلبا واعيا » وعن النبى عليه السلام انه قال لعلى رضى الله عنه عند نزول هذه الآية سألت الله أن يجعلها اذنك يا على قال على فما نسيت شيأ بعد وما كان لى ان أنسى اذ هو الحافظ للاسرار الالهية وقد قال ولدت على الفطرة وسبقت الى الايمان والهجرة وفى رواية اخذ بأذن على بن ابى طالب وقال هى هذه ذكره النقاش
كرجه ناصح را بود صدداعيه ... بندرا اذنى ببايد واعيه
كرنبودى كوشهاى غيب كير ... وحى ناوردى زكردون يك بشير
قال بعضهم تلك آذان اسمعها الله فى الازل خطابه فهى واعة تعى من الحق كل خطاب وعن أبى هريرة انه قيل لى انك تكثر رواية الحايث وغيرك لا بروى مثلك فقلت ان المهاجرين والانصار كان شغلهم عمل اموالهم وكنت امرأ مسكينا ألزم رسول الله وأقنع بقوتى وقال عليه السلام يوما من ال ايام انه لن يبسط احد ثوبه حتى اقضى مقالتى ثم يجمع اليه ثوبه الاوعى ما اقول فبسطت نمرة على حتى اذا قضى مقالته جمعتها الى صدرى فما نسيت من مقالته عليه السلام شيأ وفيه اشارة الى تأثير حسن المقال وفائدته والا لكان دعاؤه عليه السلام كافيا فى وعيه كما وقع لأمير المؤمنين رضى الله عنه .(16/50)
فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13)
{ فاذا نفخ فى الصور نفخة واحدة } شروع فى بيان نفس الحاقة وكيفية وقوعها اثر بيان عظم شأنها باهلاك مكذبيها والنفخ ارسال الريح من الفم وبالفارسية دميدن .
والصور قرن من نور أوسع من السموات ينفخ فيه اسرافيل بأمر الله فيحدث صوت عظيم فاذا سمع الناس ذلك الصوت يصيحون ثم يموتون الا من شاء الله والمصدر المبهم هو الذى يكون لمجرد التأكيد وان كان لا يقام مقام الفاعل فلا يقال ضرب ضرب اذ لا يفيد امرا زآئدا على مدلول الفعل الانه حسن اسناد افعل فى الآية الى المصدر وهو النفخة لكونها نفخا مقيدا بالوحدة والمرة لا نفخا مجردا مبهما والمراد بها ههنا النفخة الاولى التى لا عندها حيوان الا مات ويكون عندها خراب العالم لما دل عليه الحمل والدك الآتيان والكشاف فان قلت هما نفختان فلم قيل واحدة قلت معناه انها لا تثنى ى وقتها انتهى يعنى ان حدوث الامر العظيم بالنفخة وعلى عقبها انما استعظم من حيث وقوع النفخ مرة واحدة لا من حيث انه نفخ فنيه على ذلك بقوله واحدة وفى كشف الاسرار ذكر الواحدة للتأكيد لان النفخة لا تكون الا واحدة .(16/51)
وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14)
{ وحملت الارض والجبال } اى قلعت ورفعت من اماكنها بمجرد القدرة الالهية او بتوسط الزلزلة والريح العاصفة فان الريح من قوة عصفها تحمل الارض والجبال كما حملت ارض وجود قوم عاد وجبال جمالهم مع هوادجها { فدكتا دكتة واحدة } اى فضربت الجملتان جملة الارضين وجملة الجبال اثر رفعها بعضها ببعض ضربة واحدة بلا احتياج الى تكرار الضرب وتثنية الدق حتى تندق وترجع كثيبا مهيلا وهباء منبثا والا فالظاهر قد ككن دكة واحدة لاسناد الفعل الى الارض والجبال وهى امور متعددة ونظيره قوله تعالى ان السموات والارض كانتا رتقا حيث لم يقل كن والدك ابلغ من الدق وفى الصحاح الدك الدق وقد دكه اذا ضربه وكسره حتى سواه بالارض وبابه رد وفى المفردات الدك الارض اللينة السهلة ودكت الجبال دكا اى جعلت بمنزلة الارض اللينة ومنه الدكان .(16/52)
فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15)
{ فيومئذ } اى فحينئذ وهو منصوب بقوله { وقعت الواقعة } هى من اسماء القيامة بالغلبة لتحقق وقوعها وبهذا الاعتبار اسند اليه وقعت اى اذا كان الامر كذلك قامت القيامة التى توعدون بها او نزلت النازلة العظيمة التى هى صيحة القيامة وهو جواب لقوله فاذا نفخ فى الصور ويومئذ بدل من اذا كرر لطول الكلام والعامل فيهما وقعت .(16/53)
وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16)
{ وانشقت السماء } وآسمان برشكافت ازطرف مجره . يعنى انفرجت لنزول الملائكة لامر عظيم أراده الله كما قال يوم تشقق السماء بالعمام ونزل الملائكة تنزيلا اوبسبب شدة ذلك اليوم وهو معطوف على وقعت { فهى } اى السماء { يومئذ } ظرف لقوله { واهية } ضعيفة مسترخية ساقطة القوة جدا كالغزل المنقوض بعدما كانت محكمة مستمسكة وان كانت قابلة للخرق والالتئام يقال وهى البناء يهى وهيا فهو واه اذا ضعف جدا قال فى القاموس وهى كوعى وولى تخرق وانشق واسترخى رباطه وفى المفردات الوهى شق فى الديم والثوب ونحوهما .(16/54)
وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)
{ والملك } اى الخلق المعروف بالملك وهو أعم من الملائكة ألا ترى الى قولك ما من ملك الا وهو شاهد اعم من قولك ما من ملائكة رعلى ارجائها } اى جوانب السماء جمع رجى بالقصر وهى جملة حالية ويحتمل ان تعطف على ما قبلها كذا قالوا المعنى تنشق السماء التى هى مساكنهم فيلجأون الى اكنافها وحافاتها قالوا وقوفهم لحظة على ارجائها وموتهم بعدها فان الملائكة يموتون عند النفخة الاولى لا ينافى التعقيب المدلول عليه بالفاء وقد يقال انهم هم المستثنون بقوله الا من شاء الله اى ونفخ فى الصور فصعق من فى السموات ومن فى الارض الا الملائكة ونحوهم قال المولى الفنارى فى تفسير الفاتحة فاذا وهت السماء نزلت ملائكتها على ارجائها فيرون اهل الارض خلقا عظيما اضعاف ما هم عليه عددا فيتخيلون ان الله نزل فيهم الما يرون من عظم الملائكة مما لم يشاهدوه من قبل فيقولون افيكم ربنا فيقول الملائكة سبحان ربنا ليس فينا وهو آت فيصطف الملائكة صفا مستديرا على نواحى الارض محيطين بعالمى الانس والجن وهؤلاء هم عمار السماء الدنيا ثم ينزل اهل السماء الثانية بعدما يقبضها الله ايضا ويرمى بكوكبها فى النار وهو المسمى كاتبا وهم اكثر عددا من اهل السماء الدنيا فيقول الخلائق افيكم ربنا فيفزع الملائكة فيقولون سبحان ربنا ليس هو فينا وهو آت فيفعلون فعل الاولين من الملائكة يصطفون خلفهم صفا ثانيا مستديرا ثم ينزل اهل السماء الثالثة ويرمى بكوكبها المسمى زهرة فى النار فيقبضها الله بيمينه فيقول الخلائق افيكم ربنا فتقول الملائكة سبحان دينا ليس هو فينا وهو آن فلا يزال الامر هكذا سماء بعد سماء حتى ينزل اهل السماء السابعة فيرون خقا اكثر من جميع من نزل فيقول الخلائق افيكم ربنا فيقول الملائكة سبحان ربنا قد جاء ربنا وان كان وعد ربنا لمفعولا فيأنى الله فى ظلل من الغام والملائكة على المجنبة اليسرى منهم ويكون اتيانه اتيان الملك فانه يقول ملك يوم الدين وهو ذلك اليوم فسمى بالملك ويصطف الملائكة عليه سبعة صفوف محيطة بالخلائق فاذا ابصر الخلائق جهنم لها فوران وغيظ على الجبابرة المتكبرين يفرون بأجمعهم منها لعظم ما يرونه خوفا وفزعا وهو الفزع الاكبر الا الطائفة التى لا يحزنهم الفزع الاكبر فتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذى كنتم توعدون فهم الآمنون مع النبيين على انفسهم غير ان النبيين يفزعون على اممهم للشفقة التى جبنلهم الله عليه للخق فليقولون فى ذلك سلم سلم وكان قد أمر أن ينصل للآمنين من خلقه منابر من نور متفاضلة بحسب منازلهم فى الموقف فيجلسون عيلها آمنين مبشرين وذلك قبل مجيئ الرب تعالى فاذا فر الناس خوفا من جهنم يجدون الملائكة صفوفا لا يتجاوزونهم فتطردهم الملائكة وزرة الملك الحق سبحانه وتعالى الى الحشر فيناديهم انبياؤهم ارجعوا ارجعوا او ينادى بعضهم بعضا فهو قول الله تعالى فيما يقول رسول الله عليه السلام(16/55)
« انى اخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم » انتهى .
يقول الفقير دل هذا البيان على ان المراد بالوهى سقوط السماء على الارض التى تسمى بالساهرة وان نزول الملائكة على ارجاء السماء لا يكون يوم يقوم الناس من قبورهم بالنفخة الثانية وان ذكر فى اثناء النفخة الاولى كما دل عليه ما بعد الآية من حمل العرش والارض اللذين انما يكونان بعد النفخة الثانية وان معنى نزولهم طرد الخلق ونحوه كما قال تعالى لا تنفذون الا بسلطان اى لا تقصدون مهربا الا وهناك لى اعوان ولى به سلطان { ويحمل عرش ربك } وهو الفلك التاسع وهو جسم عظيم لا علم عظمه الا الله تعالى لانه فى الآفاق بمنزلة لقلب فى الانفس والقلب اوسع شئ لما وسع الله كما فى الحديث وكان عرش الرحمن والفائدة فى ذكر العرش عقيب ما تقدم ان العرش بحاله خلاف السماء والارض ولذلك لا يفنى وايضا له وجه آخر سيأتى وعن على بن الحسن رضى الله عنهما قال ان الله خلق العرش رابعا لم يخلق قبله الا ثلاثة الهوآء والقلم والنور ثم خلق العرش من انوار مختلفة من ذلك نور أخضر منه اخضرت الخضرة ونور أصفر منه اصفرت الصفرة ونورأحمر منه احمرت الحمرة ونور أبيض وهو نور الانوار ومنه ضوء النهار قال بعض الكبار الانوار الاربعة على عدد المراتب الاربع فاذا اعطى الانوار يعطى فى مرتبة الطبيعة نورا اسود وفى مرتبة النفس نورا احمر وفى مرتبة الروح نورا اخضر وفى مرتبة السر نور ابيض { فوقهم } اى فوق الملائكة الذين هم على الارجاء او فوق الثمانية اى يجملون العرش فوق انفسهم فالمحمول لا يلزم ان يكون فوق الحامل فقد يكون فى يده وقد يكون فى جيبه فكل واحد من قوله فوقهم ويومئذ ظرف لقوله يحمل حينئذ واما على التقدير الاول فالظاهر أن فوقهم حال من ثمانية قدمت عليها لكونها نكرة { يومئذ } اى يوم القيامة { ثمانية } من الملائكة عن النبى عليه السلام هم اليوم اربعة فاذا كان يوم القيامة ايدهم الله باربعة اخرى فيكون ثمانية قال بعض العلماء الاربعة اللاحقة اشارة الى الأئمة الاربعة الذين هم أبو حنيفة والشافعى ومالك واحمد لانهم اليوم حملة الشرع فاذا كان يوم القيامة انقلب الشرع والعرش فيكونون من حملته حكما وروى ثمانية املاك ارجلهم فى تخوم الارض الاسبعة والعرش فوق رؤوسهم وهم مطرقون مسبحون قال عليه السلام « اذن لى ان احدث عن ملك من حملة العرش من شحمة اذنه الى عاتقه خفقان الطير مسيرة سبعمائة سنة »(16/56)
يقول سبحانك حيث كتت قال يحيى بن سلام يبلغنى ان اسمه زوقيل وعن الحسن البصرى قدس سره ثمانية اى ثمانية آلاف وعن الضحاك ثمانية صفوف لا يعلم عددهم الا الله يقول الفقير الانسب هو الاول لكونه أدخل فى العظمة والهيبة واظهار والقدرة ولان الاركان اربعة كاركان الكعبة واركان القلب اذ فى يمين القلب الروح والسر وفى يساره النفس والطبيعة وباعتبار الظاهر والباطن يحصل ثمانية آلاف اذا لالف تفصيل الواحد بحيث لا تفصيل ورآءه الا باعتبار التضعيف والله اعلم ومر فى اوآئل سورة حم المؤمن بعض ما يتعلق بهذا المقام فلا نعيده وفى التأويلات النجمية يشير الى عرش الذات الحاملة للصفات الثمانية الذاتية الغيبية التى هى مفاتيح الغيب الموصوفة بحمل ذوات الصفات والصفات تحمل ظهورات الصفات فافهم .(16/57)
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18)
{ يومئذ } العامل فيه قوله { تعرضون } على الله اى تسألون وتحاسبون عبر عنه بذلك تشبيها له بعرض لاسكان العسكر لتعرف احوالهم يقال عرض الجند اذا امرهم عليه ونظر ما حالهم والخطاب عام للكل على الغليب ( روى ) ان فى يوم القيامة ثلاث عرضات فاما عرضتان فاعتذار واحتجاج وتوبيخ واما الثالثة ففيها تنشر الكتب فيأخذ الفائز كتابه بيمينه والهالك بشماله وهذا العرض وان كان بعد النفخة الثانية لكن لما كان اليوم اسما لزمان متسع يقع فيه النفختان والصعقة والنشور والحساب وادخال اهل الجنة الجنة واهل النار النار صح جعله ظرفا للكل كما تقول جئت عام كذا وانما كان مجيئك فى وقت واخد من اوقاته وذهب المشبهة من حمل العرش والعرش الى كونه تعالى محمولا حاضرا فى العرش واجيب بانه تمثيل لعظمة الله بما يشاهد من احوال السلاطين يوم بروزهم للقضاء العام فيكون المراد من اتيانه تعالى فى ظلل من الغمام ىيان امره وقضائه واما حديث التحول فمحمول على ظهوره تعالى فى مرتبة الصفات ولا مناقشة فيه لان النبى عليه السلام رآه ليلة المعراج فى صورة شاب امرد لان الصورة الانسانية اجمع الصور ومثله الرؤيا المنامية والله تعالى منزه فى ذاته عن اوصاف الجسمانيات { لا تخفى منكم خافية } حال من مرفوع تعرضون ومنكم كان فى الاصل صفة لخافية قدم للفاصلة فتحول حالا اى تعرضون غير خاف عليه تعالى فعلة خفية اى سر من اسراركم وانما العرض لافشاء الحال والمبالغة فى العدل وغير خاف يومئذ على الناس كقوله تعالى يوم تبلى السرائر فقوله منكم يتعلق بما قبله وما بعده على التجاذب ( قال فى الكشاف ) خافية اى سريرة وحال كانت تخفى فى الدنيا بستر الله عليكم والسر والسريرة الذى يكتم ويخفى فتظهر يوم القيامة احوال المؤمنين فيتكامل بذلك سرورهم وتظهر احوال غيرهم فيحصل الحزن والافتضاح ففى الآية زجر عظيم عن المعصية لتأديها الا الافتضاح على رؤوس الخلائق فقلب الانسان ينبغى ان يكون بحال لو وضع فى طبق وأدير على الناس لما وجد فيه ما يورث الخجالة وهو صفة اهل الاخلاص والنصيحة .(16/58)
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19)
{ فاما } تفصيل لاحكام العرض { من } موصولة { اوتى كتابه } اى مكتوبه الذى كتبت الحفظة فيه تفاصيل اعماله { بيمينه } تعظيما له لان اليمين يتيمن بما والباء بمعنى فى اول للالصاق وهو الاوجه والمراد منهم الابرار فان ال مقربين لا كتاب لهم ولا حساب لهم لمكانتهم من الله تعالى وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه عليه السلام قال « اول من يعطى كتابه بيمينه من هذه الامة عمر بن الخطاب وله شعاع كشعاع الشمس » قيل له فأين أبو بكر فقال « هيهات زفته الملائكة الى الجنة »
يقول الفقير لعل هذا مكافاة له حين اخذ سيفه بيده وخرج من دار الارقم وهو يظهر الاسلام على ملأ من قريش فبسيفه ظهر الاسلام فرضى الله عنه وعن مجيبه وفى الحديث اثبت احد فانما عليك نبى والصديق وشهيدان وكان عليه رسول عليه السلام وأبو بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم فتحرك فقاله دل الحديث على انه رتبة أبى بكر فوق رتبة غبره لان الصديقية تلى النبة { فيقول } فرحا وسرورا فانه لما اوتى كتابه بمينه علم انه من الناجين من النار ومن الفائزين بالجنة يا اهل بيتى وقرابتى واصحابى كتابى وتناولوه اقرأ واكتابى زيرا در اينجا عملى نيست كه از اظهار آن شرم دارم ودر تببان آورده كه اين كتاب ديكر است بغير كتاب اعمل كه نوشته ودراو بشارت جنت است وبس جه كتاب حفظ ميان بنده وخدا وندست وكسى آنرانه بيند ونه خواند .
وفى الخبر حسنات المؤمن فى ظاهر كتابه وسيئاته فى باطنه لا يراها الا هو فاذا انتهى يرى مكتوبا فقد غفر تهالك فاقلب فيرى فى الظاهر قد قبلتها منك فيقول من فرط السرور هاؤهم اقرأوا كتابيه اى هلموا اصحابى كما فى عين المعانى يقال هاء يا رجل بفتح الهمزة وهاء يا امرأة بكسرها وهؤما يا رجلان او يا امرأتان وهؤم يا رجال وهاؤن يا نسوة بمعنى خذ خذا خذوا خذى خذا خذن ومفعوله مخذوف وكتابى مفعول اقرأ والا اقرب العاملين فهو أقوى لكونه بمنزلة العلة القربية واصله هاؤم كتابى اقرأوا كتابى فحذف الاول لدلالة الثانى عليه ونظيره آتونى افرغ عليه قطرا والهاء للوقف والاستراحة والسكت تثبت بالوقف وتسقط فى الوصل كما هو الاصل فى هاء السكت لانها انما جيئ بها حفظا للحركة اى لتحفظ حركة الموقف عليه اذلو لاها لسقطتالحركة فى الوقف فتثبت حال ال وقف اذ لا حاجة اليها حال الوصل فلذلك كان حقها ان تثبت فى الوقف وتسقط فى الوصل الا ان القرآء السبعة اتفقوا فى كل المواضع على اثباتها وقفا وصلا اجرآء للوصل مجرى الوقف واتباعا لرسم الامام فانها ثابتة فى المصحف فى كل المواضع وهى كتابيه وحسابيه وماليه وسلطانيه وماهيه فى القارعة وما كان ثابتا فيه لا بد أن يكون مثبتا فى اللفظ الا ان حمزة اسقط الهاء من ثلاث كلم وصلا وهى ماليه وسلطانيه وماهيه واثبتها وقفا على الاصل ولم يعمل بالاصل فى كتابيه وحسابيه وأثبتها فى الحالين جمعا بين اللغتين وتبين من هذا التقرير ان المستحب ايثار الوقف اتباعا للوصل وان اثباتها وصلا انما هو لاتباع المصحف قال فى القاموس هاء السكت هى اللاحقة لبيان حركة او حرف نحو ماهية وها هناه واصلها ان يوقف عليها وربما وصلت بنية الوقف انتهى وهذه الهاء لا تكون الا ساكنة وتحريكها لحن اى خطأ لانه لا يجوز الوقف على المتحرك وهاء السكت فى القرءآن فى سبعة مواضع فى لم يتسنه وفى فبهداهم اقتده وفى كتابيه وفى حسابيه وفى ماليه وفى سلطانيه وفى ماهيه واما الهاء التى فى القاضية وهى هاوية وخاوية وثمانية وعالية ودانية وامثالها فللتأنيث فيوقف عليهن بالهاء يوصلن بالتاء .(16/59)
إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20)
{ انى ظننت انى ملاق حسابيه } الحساب بمعنى المحاسبة وهو عد اعمال العباد فى الآخرة .
خيرا وشرا للمجازاة اى علمت وايقنت انى مصادف حسابى فى ديوان الحساب الالهى وانى احاسب فى الآخرة يعنى دانستم وايمان آوردم كه مرا حساب خواهند كرد وآنرا آماده ومتهيئ شدم .
قال الراغب الظن اسم لما يحصل من امارة ومتى قويت ادت الى العلم ومتى ضعفت جدا لم تتجاوز حد التوهم انتهى ومنه يعلم قول من قال سمى اليقين ظنا لان الظن يلد اليقين انتهى وانما فسر الظن بالعلم لان البعث والحساب مما يجب بهما الايمان ولا ايمان بدون اليقين قال سعدى المفتى وفيه بحث فايمان القلد ذو اعتبار وصرحوا بأن الظن الغالب الذى لا يخطر معه احتمال النقيص يكفى فى الايمان ثم انه يجوز أن يكون المراد ما حصل له من حسابه اليسير ولا يقين به لوجوب ان يكون المؤمن بين الخوف والرجاء والمراد انى ظننت انى ملاق حسابى على الشدة والمناقضة لما سلف منى من الهفوات والآن ازال الله عنى ذلك وفرج همى انتهى .
يقول الفقير هذا عدول عما عليه ظاهر القرءآن فان الظن فى مواضع كثيرة منه بمعنى اليقين كما فى قوله تعالى حكاية قال الذين يظنون انهم ملاقوا الله وهم المؤمنون بالآخرة وفى قوله تعالى وظن داود انما فتناه اى علم وايقن بالعلامة القوية قال القاضى ولعل التعبير عن العلم بالظن للاشعار بانه لا يقدح فى الاعتقاد وما يهجس فى النفس من الخطرات الى لا تنفك عنها علولم النظرية غالبا يعنى ان الظن استعير للعلم الاستدلالى لانه لا يخلو عن الخطرات والوساوس عند الذهول عما قاد اليه من الدليل للاشعار المذكور واما العلوم الضرورية والكشفية فعارية عن الاضطراب وفى الكشاف وانما اجرى الظن مجرى العلم لان الظن الغالب يقام مقام العلم فى العادات والاحكام ويقال اظن ظنا كاليقين ان الامر كيت وكيت .(16/60)
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21)
{ فهو } اى من اوتى كتابه بيمينه { فى عيشة } نوع من العيش وهو بالفتح وكذا العيشة والمعاش والمعيش والعيشوشة بالفارسية زيستن .
قال بعض العلماء اذا كسر العين من العيش يلزمه التاء كما فى عيشة والعيش الحياة المختصة بالحيوان وهو اخص من الحياة لان الحياة تقال فى الحيوان وفى البازى وفى الملك ويشتق منه المعيشة لما يتعيش منه قال عليه السلام « لا عيش الآخرة » { راضية } ذات رضى يرضاها من يعيش فيها على النسبة بالصيغة فان النسبة نسبتان نسبة بالحرف كمكى ومدنى ونسبة بالصيغة كلابن وتامر ومبعنى ذى لبن وذى تمر ويجوز أن يجعل الفعل لها وهو لصاحبها فيكون من قبيل الاسناد المجازى ومآل الوجهين كون العيشة مرضية والى ما ذكرنا يرجع قول من قال راضية فى نفسها فكأنها لرغادتها قد رضيت بما هى فيه مجازا او بمعنى مرضية كماء دافق اى مدفوق انتهى وفى التأويلات النجمية راضية هنيئة مريئة صافية عن شوآئب الكدر طائرة عن نوآئب الحذر وبالفارسية در زندكانى باشد بسنديده صافى از كدورت ومقرون بحرمت وشحمت .
وذلك اى كون العيشة مرضية لاشتمالها على امور ثلاثة الاول كونها منفعة صافية عن الشوآئب والثانى كونها آئمة لا يترقب زوالها وانقطاعها والثالث كونها بحيث يقصد بها تعظيم من رضى بهاوا كرامه والا يكون استهزآء واستدراجا وعيشة من اعطى كتابه بيمينه جامعة لهذه الامور فتكون مرضيا بها كمال الرضى قال ابن عباس رضى الله عنهما يعيشون فلا يموتون ويصحون فلا يمرضون وينعمون فلا يرون بؤسا ابدا .(16/61)
فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22)
{ فى جنة عالية } مرتفعةالمكان لانها فى السماء كما ان المنار سافلة لانها تحت الارض او الدرجات او الابنيه والاشجار فيكون عالية من الصفات الجارية على غير من هى له وهو بدل من عيشة يا عادة الجار ويجوز كونه متعلقا بعيشة راضية اى يعيش عيشا مرضيا فى جنة عاليه .(16/62)
قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23)
{ قطوفها } ثمراتها جمع قطف بالكسر وهو ما يقطف ويجتبى بسرعة والقطف بالفتح مصدر قال سعدى المفتى اعتبار السرعة فى مفهوم القطف محل كلام قال ابن الشيخ معنى السرعة قطع الكل بمرة وفى القاموس القطف بالكسر العنقود واسم للثمار المقطوفة انتهى فلا حاجة الى أن يقال غلب هنا فى جميع ما يجتنى منى الثمر عنبا كان او غيره { دانية } من الدنو وهو القرب اى قريبة من مريديها . يعنى خوشه هاى آن ازدست جيننده نزديك . ينالهالقائم والقاعد والمضطجع من غير تعب وقيل لا يتأخر ادراكها انتهى واذا أراد أن تدنو الى فيه دنت بخلاف ثمار الدنيا فان فى قطفها وتحصيلها تعبا ومشقة غالبا وكذا لا تؤكل الا بمزاولة اليد .
يقول الفقير اشجار الجنة على صورة الانسان يعنى ان اصل الانسان رأسه وهى فى طرف العلو ورجله فرعه مع انها فى طرف السفل فكذلك اصول اشجار الجنة فى طرف العلو واغصانها متدلية الى جانب السفل ولذا لايرون تعبا فى القطف على ان نعيم الجنة تابع لارادة المتنعم به فيصرف فيه كيف يشاء من غير مشقة .(16/63)
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)
{ كلوا واشربوا } باضمار القول والجمع بعد قوله فهو باعتبار المعنى والامر امر امتنان واباحة لا امر تكليف ضرورة ان الآخرة ليست بدارتكليف وجمع بين الاكل والشرب لان احدهما شقيق الآخر فلا ينفك عنه ولذا لم يذكر هنا الملابس وان ذكرت فى موضع آخر يقال لمن اوتى كتابه بيمينه كلوا من طعام الجنة وثمارها واشربوا من شرابها مطلقا { هنيئا } اكلا وشربا هنيئا اى سائغا لا تنغيص فيه فى الحلقوم وبالفارسية خوردنى وآشاميدنى كوارنده . وجعل الهنيئ صفة لهما لان المصدر يتناول المثنى ايضا من هنؤ الطعام والشراب وهنئ يهنأ ويهؤ ويهنئ هناءة وهناء اى صار هنيئا سائغا فهو هنيئ ومنه اليهنئ المشتهر فى اللسان التركى فى اللحم المطبوخ ويستعمله العجم فالخاء المعجمة بدل الهاء كما قال فى المثنوى
وين بزاز بهرميان روزرا ... يخنئ باشدشه فيروزرا
واسناد الهناءة الى الاكل والشرب مجاز للمبالغة لانها للمأكول والمشروب وقولهم هنيئا عند شرب الماء ونحوه بمعنى صحة وعافية لان السائغ محظوظ منه بسبب الصحة والعافية غالبا { بما اسلفتم } بمقابلة ما قدمتم من الاعمال الصالحة او بدله او بسببه ومعنىلاسلاف فى اللغة تقديم ما ترجو أن يعود عليك بخير فهو كالاقراض ومنه يقال اسلف فى كذا اذا قدم فيه ماله { فى الايام الخالية } اى الماضية فى الدنيا وعن مجاهد ايام الصيام فيكون المعنى كلوا واشربوا بدل ما امسكتم عن الاكل والشرب لوجه الله فى ايام الصيام لا سيما فى الايام ا لحارة وهو الاولى لان الجزآء لا بدوان يكون من جنس العمل وملائما له كما قال بعض الكبار لم يقل اشهدوا ولا اسمعوا وانما جوزوا من حيث عملوا ونظيره فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وقوله ان تسخروا منافانا نسخر منكم ونظائر ذلك ورؤى بعضهم فى المنام فقيل له ما فعل الله بك فقال رحمنى وقال كل يا من لم يأكل واشرب يا من لم يشرب فلم يقل كل يا من قطع الليل تلاوة واشرب يا من ثبت يوم الزحف فان هذا ما لا تعطيه الحكمة كما فى مواقع النجوم ( وروى ) يقول الله يا اوليائى كالما نظرت اليكم فى الدنيا وقد قلصت شفاهكم عن الاشربة وغارت اعينكم وخمصت بطونكم فكونوا اليوم فى نعيمكم وكلوا واشربوا هنيئا بما اسفلتم فى الايام الخالية .
قوله قلصت من الباب الثانى يقال قلص الظل اى نقص والماء اى ارتفع فى البئر والشفة اى انزوت والثوب اى انزوى بعد الغسل ومصدر الجميع القلوص والتركيب يدل على انضمام شئ بعضه الى بعض وخمصه الجوع خمصا ومخمصة من الباب الاول يعنى باريك ميان كرد ويرا كرسنكى .
وفيه اشارةالى ايام الازل الخالية عن الاعمال والعلل والاسباب اى كلوا من نعيم الوصال واشربوا من شراب الفيض بما اسلفه الله لكم فى الازل والقدم من العناية اذ بتلك العناية قمتم مع الحق فى جميع الاحوال .
جون حسن عاقبت نه برندى وزاهديست ... آن به كه كارخود بعنايت رها كنند(16/64)
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25)
{ واما من اوتى كتابه بشماله } تحقير اله لان الشمال يتشاءم بها بان تلوى يسراه الى خلف ظهره فيأخذه بها ويرى ما فيه من قبائح الاعمال { فيقول } تحزنا وتحسرا وخوفا مما فيه وهو من قبيل الألم الروحانى الذى هو أشد من الألم الجسمانى { يا } هؤلاء يا معشر المحشر { ليتنى } كاشكى من . وهو تمنٍ للمحال { لم اوت } متكلم مجهول من الايتاء بمعنى لم اعط { كتابيه } هذا الذى جمع جميع سيئاتى .(16/65)
وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26)
{ ولم ادر } متكلم من الدراية بمعنى العلم { ما حسابيه } لما شاهد من سوء العاقبة وبالفارسية كاشكى ندانستمى امروز جيست حساب من جه حاصلى نيست مرانرا جزعذاب وشدت ومحنت . فما استفهامية معلق باها الفعل عن العمل ويجوز أن تكون موصولة بتقدير المبتدأ فى الصلة .(16/66)
يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27)
{ يا ليتها } تكرير للتمنى وتجديد للتحسر أى يا ليت الموتة التى متها وذقتها وذلك ان الموتة وان لم تكن مذكورة الا انها فى حكم المذكور بدلالة المقام { كانت القاضية } اى القاطعة لامرى وحياتى ولم ابعث بعدها ولم ألق ألقى ما يتمنى عند مطالعة كتابه ان تدوم عليه الموتة الاولى ونه لا يبعث للحساب لولا يلقى ما اصابه من الخجالة وسوء العاقبة ويجوز ان يكون ضمير لينها لما شاهد من الحالة اى يا ليت هذه الحالة كانت الموتة التى قضت على بتمنى ان يكون بدل تلك الحالة الموتة القاطعة للحياة لما انه وجد تلك الحالة امر من الموت فتمناه عندها وكان فى الدنيا اشد كراهية للموت قال الشاعر
وشر من الموت الذى ان لقيته ... تمنيت منه الموت والموت اعظم(16/67)
مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28)
{ ما اغنى عنى } اى لم يدفع عنى شيأ من عذاب الآخرة على ان ما نافية والمفعول محذوف { ماليه } اى الذى كان لى فى الدنيا من المال والاتباع على ان ما موصولة واللام جارة داخلة على ياء المتكلم ليعم مثل الاتباع فانه اذا كان اسما مضافا الى ياء المتكلم لم يعم وفى الكشاف ما اغنى نفى واستفهام على وجه الانكار اى اى شئ اغنى عنى ما كان لى من اليسار انتهى حتى ضيعت عمرى فيه اى لم ينفعنى ولم يدفع عنى شيأ من العذاب فما استفهامية منصوبة المحل على انها مفعول اغنى .
يقول الفقير الظاهر أن مالية هو المال المضاف الى ياء المتكلم اى لم يغن عنى المال الذى جمعته فى الدنيا شيأ من العذاب بل ألهانى عن الآخرة وضرنى فضلا عن ان ينفعنى وذلك ليوافق قوله تعالى ولا يغنى عنهم ما كسبوا شيأ وقوله وما يغنى عنه ماله اذا تردى وقوه ما اغنى عنه ماله وما كسب وانظائر ذلك فما ذهب اليه اكثر اليه التفسير من التعميم عدول عما ورد به ظاهر القراءن .(16/68)
هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)
{ هلك عنى سلطانيه } قال الراغب السلاطة التمكن من القهر ومنه سمى السلطان والسلطان يقال فى السلاطة نحو قوله تعالى فقد جعلنا لوليه سلطانا وقد يقال الذى السلاطة وهو الاكثر وسميت الحجة سلطانا وذلك لما لحق من الهجوم على القلوب لكن اكثر تسلطه على اهل العلم والحكمة من المؤمنين وقوله هلك عنى سلطانيه يحتمل السلطانين انتهى والمعنى هلك عنى ملكى وتسلطى على الناس وبقيت فقير ذليلا اوضلت عنى حجتى كما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما ومعناه بطلت حجتى التى كنت احتج بها عليهم فى الدنيا وبالفارسية كم كشت ازمن حجتى كه دردنيا جنك دران زده بودم . ورجح هذا المعنى بأن من اوتى كتابه بشماله لاختصاص له بالملوك بل هو عام لجميع اهل الشقاوة .
بقول الفقير قوله تعالى ما اغنى عنى ماليه يدل على الاول عى ان فيه تعريضا بنحو الوليد من رؤساء قريش واهل ثروتهم ويجوز أن يكون المعنى تسلطى على القوى والآلات فعجزت عن استمالها فى العبادت وذلك لان كل احد كان له سلطان على نفسه وماله وجوارحه يزول فى القيامة سلطانه فلا يملك لنفسه نفعا .(16/69)
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30)
{ خذوه } حكاية لما يقول الله يومئذ لخزنة النار وهم الزبانية الموكلون على عذابه والهاء راجع الى من الثانى اى خذوا العاصى لربه { فغلوه } بلا مهلة اى اجمعوا يديه الى عنقه بالقيد ولحديد وشدوه به يقال غل فلان وضع فى عنقه اويده الغل وهو بالضم الطوق من حديد الجامع لليد الى العنق المانع عن تحرك الرأس وبالفتح دست باكردن بستن .
وفى الفقه وكره جعل الغل فى عنق عبده لانه عقوبة اهل النار وقال الفقيه ان فى زماننا جرت العادة بذلك اذا خيف من الاباق كمال فى الكبرى بخلاف التقييد فانه غير مكروه لانه سنة المسلمين فى المتمردين .(16/70)
ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31)
{ ثم الجحيم صلوه } دل التقديم على التخصيص والمعنى لا تصلوه اى لا تدخلوه الا الجحيم ولا تحرقوه الا فيها وهى النار العظمى ليكون الجزآء على وفق المعصية حيث كان يتعظم على الناس قال سعدى المفتى فيكون مخصوصا بالمتعظمين وفيه بحث انتهى وقد مر جوابه .(16/71)
ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32)
{ ثم فى سلسلة } من نار وهى حلق منتظمة كل حلقة منها فى حلقة والجار متعلق بقوله فاسلكوه والفاء ليست بمانعة عن التعلق { ذرعها } طولها وبالفارسية كزان . والذراع ككتاب ما يذرع به حديدا او قضيبا وفى المفردات الذراع العضو المعروف ويعبر به عن المذروع والممسوح يقال ذراع من الثوب والارض والذرع بيمودن . قوله ذرعها مبتدأ خبره قوله { سبعون } والجملة فى محل الجر على انها صفة سلسلة وقوله { ذراعا } تمييز { فاسلكوه } السلك هو الادخال فى الطريق والخيط والقيد وغيرها ومعنى ثم الدلالة على تفاوت ما بين العذابين الغل وتسلية الجحيم وما بينهما وبين السلك فى السلسلة فى الشدة لاعلى تراخى المدة يعنى ان ثم اخرج عن معنى المهلة لاقتضاء مقام التهويل ذلك اذ لا يناسب التوعد يتفرق العذاب قال ابن الشيخ ان كلمتى ثم والقاء ان كانتا لعطف حملة فاسلكوه لزم اجتماع حرفى العطف وتواردهما على معطوف واحد ولا وجه له فينبغى ان يكون كلمة ثم لعطف مضمر على مضمر قبل قوله خذوه اى قيل لخزنة النار خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم قيل لهم فى سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه فيكون الفاء لعطف المقول على المقول مع افادة معنى التعقيب وكلمة ثم لعطف القول على القول مع الدلالة على ان الامر الاخير أشد وأهول مما قبله من الاوامر مع تعاقب المأمور بها من الاخذ وجعل يده مغلولة الى عنقه وتصلية الجحيم وسلكهم اياه السلسلة الموصوفة والمعنى فأدخلوه فيها بأن تلفوها على جسده وتجعلوه محاطا به فهو فيما بينهما مرهق مضيق عليه لا يستطيع حراكا ما كما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما ان اهل النار يكونون فىلسلسلة كما يكون الثعلب فى الجلبة والثعلب طرف خشبة الرمح الداخل فى الجلبة السنان وهى الدرع وذلك انما يكون رهقا اى غشية وبالفارسية بس در آريد اورادران يعنى درجسد او بيجد محكم تاحركت نتواند كرد . وتقديم السلسلة على السكل كتقديم الجحيم على التصلية فى الدلالة على الاختصاص والاهتمام بذكر ألوان ما يعذب به اى لا تسلكونه الا فى هذه السلسلة لانها أفظع من سائر مواضع الارهاق فى الجحيم وجعلها سبعين ذراعا ارادة لوصف بالطول كما قال ان تستغفر لهم سبعين مرة يريد مرات كثرة لانها اذا طالت كان الارهاق اشد فهو كناية عن زيادة الطول لشيع استعمال السبعة والسبعين والسبعمائة فى التكثير وقال سعدى المفتى الظاهر انه لا منع من الحمل على ظاهره من العدد قال الكاشفى يعنى بذراع ملك كه هرذراعى هفتاد باعست وهرباعى ازكوفه تامكه .
وقال بعض المفرسرين هى بالذراع المعروفة عندنا وانما خوطبنا بما نعرفه ونحصله وقال الحسن قدس سره الله اعلم بأى ذراع هى وعن كعب لو جمع حديد الدنيا ما وزن حلقة منها ولو وضعت منها حلقة على جبل لذاب مثل الرصاص تدخل السلسلة فى فيه وتخرج من دبره ويلوى فضلها على عنقه وجسده ويقرن بها بينه وبين شياطنه .(16/72)
يقول الفقير هذا يقتضى ان يكون ذلك عذاب الكافر لان جسده يكون فى العظم مسيرة ثلاثة ايام وضرسه مثل جبل احد على ما جاء فى الحديث وعن النبى عليه السلام قال لو أن رضراضة اى صخرة قدر رأس الرجل وفى رواية لو أن رضرضة مثل هذه واشار الى صخرة مثل الجمجة سقطت من السماء الى الارض وهى خمسمائة عام لبلغت الارض قبل الليل ولو أنها ارسلت من رأس السلسلة لسارت اربعين خريفا الليل والنهار قبل ان تبلغ اصلها وقعرها قال الشراح اللام فى السلسلة فى هذا الحديث للعهد اشارة الى السلسلة التى ذكرها الله فى قوله ثم فى سلسلة الخ ( روى ) ان شابا قد حضر صلاة الفجر مع الجماعة خلف واحد من المشايخ فقرأ ذلك الشيخ سورة الحاقة فلما بلغ الى قوله تعالى خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه صاح الشاب وسقط وغشى عليه فلما اتم الشيخ صلاته قال من هذا قالوا هو شاب صالح خائف من الله تعالى وله والدة عجوز ليس لها غيره قال الشيخ ارفعوه واحملوه حتى نذهب به الى امه ففعلوا ما امر به الشيخ فلما رأت امه ذلك فزعت واقبلت وقالت ما فعلتم بابنى قالوا ما فعلنا به شيأ الا انه حضر الجماعة وسمع آية مخوفة من القرءآن فلم يطق سماعها فكان هكذا بأمر الله فقالت اية آية هى فاقرأوها حتى اسمع فقرآها الشيخ فلما وصلت الآية الى سمع الشاب شهق شهقة اخرى خرجت معها روحه بأمر الله فلما رأت الام ذلك خرت ميتة وفى التأويلات النجمية قوله ثم فى سلسلة الخ يشير الى كثرة اخلاقه السيئة واوصافه الرديئة واحكام طبيعته الظلمانية اذ هى يوم القيامة كلها سلاسل العذاب واغلال الطرد والحجاب .(16/73)
إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33)
{ انه } بدرستى كه اين كس . كأنه قيل ماله يعذب بهذا العذاب الشديد فاجيب بانه { كان لا يؤمن بالله العظيم } وصفه تعالى بالعظم للايذان بانه المستحق للعظمة فحسب فمن نسبها الى نفسه استحق العظم العقوبات .(16/74)
وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34)
{ ولا يحض على طعام المسكين } الحض الحث على الفعل بالحرص على وقوعه قال الراغب الحض التحريك كالحث الا ان الحث يكون بسير وسوق والحض لا يكون بذلك واصله من الحث على الحضيض وهو قرار الارض والمعنى ولا يحث اهله وغيرهم على اعطاء طعام يطعم به الفقير فضلا عن ان يعطى ويبذل من ماله على ان يكون المراد من الطعام العين فاضمر مثل اعطاء او بذل لان الحث والتحريض لا يتعلق بالاعيان بل بالاحداث واضيف الطعام الى المسكين من حيث ان له الية نسبة أو المعنى ولا يحثهم على اطعامه على ان يكون اسما وضع موضع الاطعام كما يوضع العطاء موضع الاعطاء فالاضافة الى المفعول وذكر الحض دون الفعل ليعلم ان تاركالحض بهذه المنزلة فيكفي بتارك الفعل يعنى يكون ترك الفعل اشد فى ان يكون سبب المؤآخذة الشديدة وجعل حرمان المسكين قرينة للكفر حيث عطفه عليه للدلالة على عظم الجرم ولذلك قال عليه السلام « البخل كفر والكافر فى النار » فتخصيص الامرين بالذكر لما ان اقبح العقائد الكفر واشنع الرذآئل البخل والعطف للدلالة على ان حرمان المسكين صفة الكفرة كما فى قوله تعالى وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة فلا يلزم ان يكون الكفار مخاطبين به بالفروع وفى عين المعانى وبه تعلق الشافعى فى خطاب الكفار بالشرائع ولا يصح عندنا لان توجيه الخطاب بالامر ولا امر ههنا على انه ذكر الايمان مقدما وبه نقول انتهى وقال ابن الشيخ فيه دليل على تكليف الكفار بالفروع على معنى انهم يعاقبون على ترك الامتثال بها كعدم اقامة الصلاة وايتاء الزكاة والانتهاء عن الفواحش والمنكرات لا على معنى انهم يطالبون بها حال كفرهم فانهم غير مكلفين بالفروع بهذا المعنى لانعدام اهلية الادآء فيهم لان مدار اهلية الادآء هو استحفاق الثواب بالادآء ولاثواب لاعمال الكفار واهلية الوجوب لا تستلزم اهلية الادآء كما تقرر فى الاصول انتهى والحاصل ان الكفار مخاطبون بالفروع فى حق المؤآخذة لا غير وعن أبى الدردآء رضى الله عنه انه كان يحض امرأته على تكثير المرق لاجل المساكين وكان يقول خلعنا نصف السلسلة بالايمان افلا نخلع نصفها الآخر بالاطعام والحض عليه
جوى بازدارد بلاى درشت ... عصايى شنيدى كه عوجى بكشت
كسى نيك بيند بهردوسراى ... كه نيكى رساند بخلق خداى(16/75)
فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35)
{ فليس له اليوم } وهو يوم القيامة { ههنا } اى فى هذا المكان وهو مكان الاخذ والغل { حميم } اى قريب نسبا او ودا يحميه ويدفع عنه يوحزن عليه لان اولياء يتحامونه ويفرون منه كقوله ولا يسأل حميم حميما وقال فى عين المعانى قريب يحترق له قلبه من حميم الماء وقال القاشانى لاستيحاشه من نفسه فكيف لا يستوحش غيره منه وهو من تتمة ما يقال للزبانية فى حقه اعلاما بانه محروم من الرحمة وحثالهم على بطشه .(16/76)
وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36)
{ ولا طعام الا من غسلين } قال فى القاموس الغسلين بالكسر ما يغسل من الثوب ونحوه كالغسالة وما يسيل من جلود أهل النار والشديد الحر وشجر فى النار انتهى والمعنى ولا طعام الا من غسالة اهل النار وما يسيل من ابدانهم من الصديد والدم بعصر قوة الحرارة النارية وبالفارسية زردابه وريمى كه ازتنهاى ايشان ميرود ( روى ) انه لو وقعت قطرة منه على الارض لأفسدت على الناس معايشهم يقال للنار دركات ولكل دركة نوع طعام وشراب وسيجيئ وجه التلفيق بينه وبين قوله ليس لهم طعام الا من ضريع فى الغاشية وهو فعلين من الغسل فالياء والنون زائدتان وفى الكواشى او نونه غير زائدة وهو شجر فى لنار وهو مناخبث طعامهم والظاهر ان الاستثناء متصل ان جعل الطعام شاملا للشراب كما فى قوله تعالى ومن لم يطعمه فانه منى فانهم فسروه بمن لم يذقه من طعم الشئ اذا اذاقه مأكولا كان او مشروبا .(16/77)
لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37)
{ لا يأكله الا الخاطئون } صفة غسلين والتعبير بالاكل باعتبار ذكر الطعام اى لا يأكل ذلك الغسلين الا الآثمون اصحاب الخطايا وهم المشركون كما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما وقد جوز أن يراد بهم الذين يتخطون الحق الى الباطل ويعدون حدود الله من خطئ الرجل من باب علم اذا تعمد الخطا اى الذنب فالخاطئ هو الذى يفعل ضد الصواب متعمدا لذلك والمخطئ هو الذى يفعله غير متعمد أى يريد الصواب فيصير الى غيره من غير قصد كما يقال المجتهد قد بخطئ وقد يصيب وفى عين المعانى الخاطئون طريق التوحيد وفى التأويلات النجمية ولا يحض مساكين الاعضاء والجوارح بالاعمال الصالحات والاقوال الصادقات والاحوال الصافيات فليس له اليوم ههنا من يعينه ويؤنسه لان المؤنس ليس الا الاعمال والاحوال ولا طعام لنفسه الميشومة الا غسالة اعماله وافعاله القبيحة الشنيعة لا يأكله الا المتجاوزون عن اعمال الروح والقلب القاصدوم مراضى النفس والهوى متبعون للشهوات الجمسانية واللذات الحيوانية .(16/78)
فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)
{ فلا اقسم } اى فأقسم على ان لا مزيدة للتأكيد واما حمله على معنى نفى الاقسام لظهور الامر واستغنائه عن التحقيق بالقسم فيرده تعيين المقسم به بقوله بما الخ وقال بعضهم هو جملتان والتقدير وما قاله المكذبون فلا يصح اذ هو قول باطل ثم قال اقسم { بما تبصرون وما لا تبصرون } قسم عظيم لانه قسم بالاشياء كلها على سبيل الشمول والاحاطة لانها لا تخرج عن قسمين مبصر وغير مبصر فالمبصر المشاهدات وغير المبصر المغيبات فدخل فيهما الدنيا والآخرة والاجسام والارراح والانس والجن والخلق والخالق والنعم الظاهرة والباطنة وغير ذلك مما يكون لائقا بأن يكون مقسما به اذ من الاشياء ما لا يليق بأن يكون مقسما به واليه الاشارة بقوله لشانى اى الوجود كله ظاهرا وباطنا وبقول ابن عطاء آثار القدرة واسرارها وبقول الشيخ نجم الدين بما تبصرون من المشهودات والمحسوسات بابصار الظواهر ومالا تبصرون من المغيبات ببصائر البواطن يعنى بالمظاهر الاسمائية والمظاهر الذاتية وبقول الحسين اى بما اظهر الله لملائكته والقلم واللوح وبما اختزن فى علمه ولم يجر القلم به ولم تشعر الملائكة بذلك وما اظهر الله للخلق من صفاته وأراهم من صنعه وأبدى لهم من علمه فى جنب ما اخزن عنهم الا كذرة فى جنب الدنيا والآخرة ولو أظهر الله ما اختزن لذابت الخلائق عن آخرهم فضلا عن حمله قال الشيخ أبو طالب المكى قدس سره فى قوت القلوب اذا كان العبد من اهل العلم بالله والفهم عنه والسمع منه والمشاهدة له شهد ما غاب عن غيره وابصر ما عمى عنه سواء كما قال تعالى فلا اقسم بما تبصرون وما لا تبصرون .(16/79)
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40)
{ انه } اى القرءآن { لقول رسول } وقوله قول الحق كما قال وما ينطق عن الهوى وكما قال فأجره حتى يسمع كلام الله وفى كشف الاسرار أضاف القول اليه لانه لما قال قول رسول اقتضى مرسلا وكان معلوما ما أن يقرأه كلام مرسله وانما هو مبلغه فالاضافة الاختصاصية الى رسول الله تدل على اختصاص القول بالرسول من حيث التبليغ ليس الا اذا شأن الرسول التبليغ لا الاختراع وقد يأتى القول فى القرءآن والمراد به القرآءة قال الله تعالى حتى تعلموا ما تقولوا اى ما تقرأوا فى صلاتكم { كريم } على الله تعالى يعنى بزر كوار نزدخداى تعالى .
وهو النبى عليه السلام ويدل عليه مقابلة رسول بشاعر وكاهن لان المعنى على اثبات انه رسول لا شاعر ولا كاهن ولم يقولوا لجبريل شاعر ولا كاهن وقيل هو جبريل اى هو قول جبريل الرسول الكريم وما هو من تلقاء محمد كما تزعمون وتدعون انه شاعر أو كاهن فالمقصود حينئذ اثبات حقية القرءآن وانه من عند الله والحاصل ان القرءآن كلام الله حقيقة اظهره فى اللوح المحفوظ وكلام جبريل ايضا من حيث انه انزله من السموات الى الارض وتلاه على خاتم النبيين وكلام سيد المرسلين ايضا من حيث انه اظهره للخلق ودعا الناس الى الايمان به وجعله حجة لنبوته .(16/80)
وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41)
{ وما هو بقوله شاعر } كما تزعمون تارة ( قال الكاشفى ) جمانجه ابو جهل ميكويد وسبق معنى الشعر فى يس { قليلا ما تؤمنون } ايمانا قليلا تؤمنون بالقرءآن وكونه كلام الله او بالرسول وكونه مرسلا من الله والمراد بالقلة النفى اى لا تؤمنون اصلا كقولك لمن لا يزورك لما تأتينا وانت تريد لا تأتينا اصلا .
يقول الفقير يجوز عندى أن تكون قلة الايمان باعتبار قلة المؤمن بمعنى ان القليل منكم يؤمنون وقس عليه نظائره .(16/81)
وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42)
{ ولا بقول كاهن } كما تدعون ذلك تارة اخرى ( قال الكاشفى ) جنانجه عقبة بن ابى معيط كمان ميبرد .
كرر القول مبالغة فى ابطال اقاويلهم الكاذبة على القرءآن الحق والرسول الصادق والكاهن هو الذى يخبر عن الكوآثن فى مستقبل الزمان ويدعى معرفة الاسرار ومطالعة علم الغيب وفى كشف الاسرار الكاهن هو الذى يزعم ان له خدما من الجن يأتونه بضرب من الوحى وقد انقطعت الكهانة بعد نبينا محمد عليه السلام لان الجن حبسوا ومنعوا من الاستماع انتهى وقال الراغب فى المفردات الكاهن الذى يخبر بالاخبار الماضية الخفية بضرب من الظن كالعراف الذى يخبر بالاخبار المستقبلة على نحو ذلك ولكون هاتين الصناعتين مبنيتين على الظن الذى يخطئ ويصيب قال عليه السلام « من أتى عرافا او كاهنا فصدقه بما قال فقد كفر بما انزل الله على محمد » ويقال كهن فلان كهانة اذا تعاطى ذلك وكهن اذا تخصص بذلك وتكهن تكلف ذلك انتهى وفى شرح المشارق لابن الملك العراف من يخبر بما اخفى من المسروق ومكان الضالة والكاهن من يخبر بما يكون فى المستقبل وفى الصحاح العراف الكاهن { قليلا ما تذكرون } اى تذكرا قليلا او زمانا قليلا تتذكرون اى لا تتذكرون اصلا ( قال الكاشفى ) اندكى بندميكيريد يعنى بندكيرنمى شويد ( وفى كشف الاسرار ) اندك بندمى بذيريد ودرمى باييد ( وفى تاج المصادر ) التذكر ياكردن ويا ياد آوردن وبندكرفتن ومذكرشدن كلمه كه مؤنث بود .
وقال بعضهم المراد من الايمان القليل ايمانهم واستيقانهم بأنفسهم وقد جحدوا بألسنتهم لا معنى النفى وقال بعضهم ان كان المراد منه الايمان الشرعى فالتقليل للنفى وان كان اللغوى فالتقليل على حاله لانهم كانوا يصدقون ببعض احكام القرءآن كالصلة والخير والعفاف ونحوها ويكذبون ببعضها كالوحدة والحقانية والبعث ونحوها وعلى هذا التذكر قيل ذكر الايمان مع نفى الشاعرية والتذكر مع نفى الكاهنية لما ان عدم مشابهة القرءآن الشعر امر بين لا ينكره الا معاند فلا مجال فيه لتوهم عذر لترك الايمان فلذلك وبخوا عليه وعجب منه بخلاف مباينته للكهانة فانها تتوقف على تذكر احواله عليه السلام ومعانى القرءآن المنافية لطريفة الكهنة ومعانى اقوالهم فالكاهن ينصب نفسه للدلالة على الضوآئع والاخبار بالمغيبات يصدق فيها تارة ويكذب كثيرا ويأخذ جعلا على ذلك ويقتصر على من يسأله وليس واحد منها من دأبه عليه السلام والحاصل ان الكاهن من يأتيه الشياطين ويلقون اليه من اخبار السماء فيخبر الناس بما سمعه منهم وما يلقيه عليه السلام من الكلام مشتمل على ذم الشياطين وسبهم فكيف يمكن أن يكون ذلك بالقاء الشياطين فانهم لا ينزلون شيأ فيه ذمهم وسبهم لا سيما على من يلعنهم ويطعن فيهم وكذا معانى ما يلقيه عليه السلام منافية لمعانى اقوال الكهنة فانهم لا يدعون الى تهذيب الاخلاق وتصحيح العقائد والاعمال المتعلقة بالمبدأ والمعاد بخلاف معانى قوله عليه السلام فلو تذكر أهل مكة معانى القرءآن ومعانى اقوال الكهنة لما قالوا بأن كاهن وفى برهان القرءآن خص ذكر الشعر بقوله ما تؤمنون لان من قال القرءآن شعر ومحمد عليه السلام شاعر بعدما علم اختلاف آيات القرءآن فى الطول والقصر واختلاف حروف مقاطعه فلكفره وقلة ايمانه فان الشعر كلام موزون مقفى وخص ذكر الكهانة بقول ما ذتكرون لان من ذهب الى ان القرءآن كهانة وان محمدا عليه السلام كاهن فهو كاهل عن ذكر كلام الكهان فانه اسجاع لا معانى تحتها واوضاع تنبو الطباع عنها ولا يكون فى كلامهم ذكر الله انتهى قال المولى ابو السعود فى الارشاد وانت خبير بأن ذلك ايضا مما لا يتوقف على تأمل قطعا انتهى اى فتعليلهم بالفرق غير صحيح وفيه ان الانابة شرط للتذكر كما قال تعالى وما يتذكر الامن ينيب والكافر ليس من اهل الانابة وايضا ما يذكر الا اولوا الالباب اى اولوا العقول الزاكية والقلوب الطاهرة والكافر لبس منهم فليس من اهل التذكر ولا شك ان كون الشئ امر بيننا لا ينافى التذكر ألا ترى الى قوله تعالى اله مع الله قليلا ما ذتكرون مع ان شواهد الالوهية ظاهرة لكل بصير باهرة عند كل خبير على انه يظهر من تقريراتهم انه لا بد من التذكر فى نفى الكهانة لخفاء امرها فى الجملة بالنسبة الى الشعر والعلم عند الله العلام .(16/82)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43)
{ تنزيل } اى هو منزل فعبر عن المفعول بالمصدر مبالغ { من رب العالمين } نزله على لسان جبريل تربية للسعدآء وتبشير لهم وانذارا للاشقياء كما قال تعالى نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين وقال تعالى ومبشراً ونذيرا .(16/83)
وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44)
{ ولو تقول علينا بعض الاقاويل } كما يتقوله الشعرآء اى ولو ادعى محمد علينا شيأ لم نقله كما تزعمون كما قال تعالى ام يقولون تقوله بل لا يؤمنون وفى ذكر البعض اشارة اى ان القليل كاف فى المؤاخذة الآتية فضلا عن الكثير سمى الافترآء تقولا وهو بناء التكلف لانه الاقوال المفتراة اقاويل تحقيرا لها لان صيغة افعولة انما تطلق على محقرات الامور وغرائبها كالاعجوبة لما يتعجب منه والاضحوكة لما يضحك منه وكان الاقاويل جمع اقوولة من القول وان لم يثبت عن نقله اللغلة ولم يكن اقوولة مستعملا لكن كونه على صور جمع افعولة كاف فى التحقير ويؤدانه ليس جمع الاقوال لزوم أن لا يعاقب بما دون ثلاثة اقوال فالاقايول ههنا بمعنى الاقوال لا انه جمعه وفى حواشى ابن لشيخ الظاهر ان الاقاويل جمع اقوال جمع قول كأناعيم جمع انعام جمع نعم .(16/84)
لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45)
{ لأخذنا منه } حال من قوله { باليمين } اى بيمينه وقال سعدى المفتى هو من باب ألم نشرح لك فى التفصيل بعد الاجمال .(16/85)
ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)
{ ثم لقطعنا منه الوتين } اى نياط قلبه بضرب عنقه والنياط عرق ابيض غليظ كالقصبة علق به القلب اذا انقطع مات صاحبه وفى المفردات الوتين عرق سيقى الكبد اذا انقطع مات صاحبه ولم يقل لاهلكناه او لضربنا عنقه لانه تصوير لاهلاكه بافظع ما يفعله الملوك بمن يغضبون عليه وهو أن يأخذ القتال بيمينه ويكفحه بالسيف ويضرب عنقه فانه اذا أراد أن يوقع الضرب فى قفاء اخذ بيساره واذا اراد أن يوقعه فى جيده وأن يكفحه بالسيف اى يواجهه وهو أشد من المصبور لنظره الى السيف اخذ بيمينه فلذا خص اليمين درن اليسار وفى المفردات لاخذنا منه باليمين اى منعناه ودفعناه فعبر عن ذلك بالاخذ باليمين كقولك خذ بيمين فلان انتهى وقيل اليمين بمعنى القوة فالمعنى لانتقمنا بقوتنا وقدرتنا وقيل المعنى حينئذ لأخذنا منه اليمين وسلبنا منه القوة والقدرة على التكلم بذلك على ان الباء صلة اى زآئدة وعبر عن القوة باليمين لان قوة كل شئ فى ميامنه فيكون من قبيل ذكر المحل وارادة الحال او ذكر الملزوم وارادة اللازم .(16/86)
فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)
{ فما منكم } ايها الناس { من احد عنه } اى عن القتل او المقتول وهو متعلق بقوله { حاجزين } دافعين وهو وصف لاحد فانه عام لوقوعه فى سياق النفى كما فى قوله عليه السلام « لم تحل الغنائم لاحد اسود الرأس غيرنا » فمن احد فى موضع الرفع بالابتدآء ومن زآئدة لتأكيد النفى ومنكم خبره والمعنى فما منكم قوم يحجزون عن المقتول او عن قتله واهلاكه المدلول عليه بقوله ثم لقطعنا مه الوتين اى لا يقدر على الحجز والدفع وهذا مبنى على اصل بنى تميم فانهم لا يعلمون ما لدخولها على القبلتين وقد يجعل حاجزين خبرا لما على اللغة الحجازية ولعله اولى فتكون كلمة ما هى المشبهة بليس فمن احد اسم ما وحاجزين منصوب على انه خبرها ومنكم حال مقدم وكان فى الاصل صفة لاحد وفى الآية تنبيه على ان النبى عليه السلام لو قال من عند نفسه شيأ او زادأ ونقص حرفا واحدى على ما اوحى اليه لعاقبه الله وهو اكرم الناس عليه فما ظنك بغيره ممن قصد تغيير شئ من كتاب الله او قال شيأ من ذات نفسه كما ضل بذلك بعض الفرق الضالة .(16/87)
وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48)
{ وانه } اى القرءآن { لتذكرة } موعظة وبالفارسية بنديست { للمتقين } لمن اتقى الشرك وحب الدنيا فانه يتذكر بهذا القرءآن وينتفع به بخلاف المشرك ومن مال الى الدنيا وغلبه حبها فانه يكذب به ولا ينتفع وفى تاج المصادر التذكير والتذكرة باياد دادن وحرف را مذكر كردن .
ومنه الحديث فذكروه اى فأجلوه لان فى تذكير الشئ اجلالا له .(16/88)
وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49)
{ وانا لنعلم ان منكم مكذبين } اى ان منكم ايها الناس مكذبين بالقرءآن فنجازيهم على تكذيبهم قال مالك رحمه الله ما اشد هذه الآية على هذه الامة وفيه اشارة الى مكذبى الالهام ايضا فانهم ملتحقون بمكذبى الوحى لان الكل من عند الله لكن اهل الاحتجاب لا يبصرون النور كالاعمى فكيف يقرون .(16/89)
وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50)
{ وانه } اى القرءآن { لحسرة } ونداءة يوم القيامة { على الكافرين } المكذبين له عند مشاهدتهم لثواب المؤمنين المصدقين به وفى الدنيا ايضا اذا رأوا دولة المؤمنين ويجوز أن يرجع الضمير الى التكذيب المدلول عليه بقوله مكذبين .(16/90)
وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51)
{ وانه } اى القرءآن { لحق اليقين } اى لليقين الذى لا ريب فيه فالحق واليقين صفتان بمعنى واحد أضيف احدهما الى الآخر اضافة الشئ الى نفسه كحب الحصيد للتأكيد فان الحلق هو الثابت الذى لا يتطرق اليه الريب وكذا اليقين قال الراغب فى المفردات اليقين من صفة العلم فوق المعرفة والدرارة واخواتهما يقال علم اليقين عين اليقين حق اليقين وبينها فرق مذكور فىغير هذا الكتاب انتهى وقد سبق الفرق من شرح الفصوص فى آخر سورةالواقعة فالرجع وقال الامام معناه انه حق يقين اى حق لا بطلان فيه ويقين لا ريب فيه ثم أضيف احد الوصفين الى الآخر للتأكيد وقال الزمخشرى لليقين حق اليقين كقولك هو العالم حق العالم وجد العالم ويراد به البليغ الكامل فى شأتنه وفى تفسير القاشانى محض اليقين من غير شوب شئ آخر وقال الجنيد قدس سره حق اليقين ما يتحقق العبد بذلك معرفة بالحق وهو أن يشاهد الغيوب كمشاهدته للمرئيات مشاهدة عيان ويحكم على المغيبات ويخبر عنها بالصدق كما اخبر الصديق الاكبر فى مشاهدة النبى عليه السلام حين سأله ماذا أبقيت لنفسك قال الله ورسوله فأخبر عن تحققه بالحق وانقطاعه عن كل ما سوى الله ووقوفه على الصدق معه ولم يسأله النبى عليه السلام عن كيفيته ما أشار اليه لما عرف من صدقه وبلوغه المنتهى فيه ولما سأل عليه السلام حارثة كيف اصبحت قال اصبحت مؤمنا حقا فأخبر عن حقيقة ايمانه فسأله عليه السلام عن ذلك لما كان يجد فى نفسه من عظيم دعواه لما اخبر لما بحكم له بذلك فقال عرفت فالزم اى فرت الطريق الى حقيقة الايمان فالزم الطريق حتى تبلغ اليه وكان يرى حال أبى بكر رضى الله عنه مشورا من غير استخبار عنه ولاستكشاف لما علم من صدقه فيما ادعى وهذا مقام حق اليقين واليقين اسم للعلم الذى زال عنه اللبس ولهذا لا يوصف علم رب العزة باليقين .(16/91)
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)
{ فسبح باسم ربك العظيم } اى فسبح الله بذكر اسمه العظيم بأن تقول سبحانه الله تنزيها له عن الرضى بالتقول الله وشكرا على ما أوحى اليك فمفعول سبح محذوف والباء فى باسم ربك للاستعاذة كما فى ضربته بالسوط فهو مفعول ثان بواسطة حرف الجر على حذف المضاف والعظيم صفة الاسم ويحتمل أن يكون صفة ربك ويؤيده ما روى ان رسول الله عليه السلام قال لما نزلت هذه الآية اجعلوها فى ركوعكم فالتزم ذلك جماعة من العلماء كما فى فتح الرحمن وقال فى التأويلات النجمية نزه وقدس تنزيها فى عين التشبيه اسم ربك اى مسمى ربك اذا لاسم عين المسمى عند أرباب الحق واهل الذوق وقال القاشانى نزه الله وجرده عن شوب الغير بذلك الذى هو اسمه الاعظم الحاوى للاسماء كلها بان لا يظهر فى شهودك تلوين من النفس او القلب فحتجب برؤية الاننينية او الاثانية والا كنت كشبها لا مسبحا روى عن عرم بن الخطاب رضى الله عنه انه قال خرجت يوما بمكة متعرضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته قد سبقنى الى المسجد فجئت فوقفت ورآءه فافتتح سورة الحاقة فلما سمعت سردالقرءآن قلت فى نفسى انه لشاعر كما يقول قريش حتى بلغ الى قوله انه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين ثم مر حتى انتهى الى آخر السورة فأدخل الله فى قلبى الاسلام .(16/92)
سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1)
{ سأل سائل بعذاب واقع } من السؤال بمعنى الدعا والطلب يقال دعا بكذا استدعاه وطلبه ومنه قوله تعالى يدعون فيها بكل فاكهة اى يطلبون فى الجنة كل فاكهة والمعنى دعا داع بعذاب واقع نازل لا محالة سوآء طلبه او لم يطلبه اى استدعاه وطلبه ومن التوسعات الشائعة فى لسان العرب حمل النظير على النظير وحمل النقيض على النقيص فتعدية سأل بالباء من قبيل التعدية بحمل النظير على النظير فانه نظير دعا وهو يتعدى بالباء لا من قبيل التعدية بالتضمين بأن ضمن سأل معنى دعا فعدى تعديته كما زعمه صاحب الكشاف لان فائدة التضمين على ما صرح به ذلك الفاضل فى تفسير سورة النحل اعطاء مجموع المعنيين ولا فائدة فى لجمع بين معنى سأل ودعا لان احدهما يغنى عن الاخر والمراد بهذا السائل على ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما واختاره الجمهور هو النضر بن الحارث من بنى عبد الدار حيث قال انكارا واستهزآء اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب أليم وصيغة الماضى وهو واقع دون سيوقع للدلالة على تحققق وقوعه اما فى الدنيا وهو عذاب يوم بدر فان النضر قتل يومئذ صبرا واما فى الآخرة وهو عذاب النار وعن معاوية انه قال لرجل من اهل سبأ ما اجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة قال اجهل من قومى قومك قالوا لرسول الله عليه السلام حين دعام الى الحق ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء ولم يقولوا ان كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له وقيل السائل هو الرسول عليه السلام استعجل بعذابهم وسأل ان يأخذهم الله اخذا شديدا ويجعله سنين كسنى يوسف وان قوله تعالى سأل سائل حكاية لسؤالهم المعهود على طريقة قوله تعالى يسألونك عن الساعة وقوله تعالى متى هذا الوعد ونحوهما اذ هو المعهود باوقوع على الكافرين لا ما دعا بها النضر فالسؤال بمعناه وهو التفتيش والاستفسار لان الكفرة كانوا يسألون النبى عليه السلام واصحابه انكارا واستهزآء عن وقوعه وعلى من ينزل ومتى ينزل والباء بمعنى عن كما فى قوله تعالى فاسأل به خبيرا اى فاسأل عنه لان الحروف العوامل يقوم بعضها مقام بعض باتفاق العلماء وعن الامام الواحدى ان الباء فى بعذاب زائدة للتأكيد كما فى قوله تعالى وهزى اليك بجذع النخلة اى عذابا واقعا كقولك سألته الشئ وسألته عن الشئ .(16/93)
لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3)
{ للكافرين } اى عليهم فاللام بمعنى على كما فى قوله تعالى وان اسأنم فلها ان فعليها او بهم فاللام بمعنى الباء على كما فى قوله وان اسأتم فلها اى فعليها او بهم فاللام بمعنى الباء على ما ذهب بعضهم فى قوله تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله اى بأن يعبدوا الله او على معناه اى نازل لاجل كفرهم ومتعلقة على التقادير الثلاثة هو واقع قال بعض العارفين بهذا وصف اهل الامل والظن الكاذب الذين يظنون انهم يتركون فى قبائح اعمالهم وهم لا يعذبون { ليس له } اى لذلك العذاب { دافع من الله } اى من جهته تعالى اذا جاء وقته واوجيب الحكمة وقوعه { ذى المعارج } صفة لله لانه من السماء المضاءة مثل فالق الاصباح وجاعل الليل سكنا ونحوهما والمعارج جمع معرج بفتح الميم هنا بمعنى مصعد وهو موضع الصعود الليل سكنا ونحوهما والمعارج جمع معرج بفتح الميم هنا بمعنى مصعد وهو موضع الصعود قال الراغب العروج ذهاب فى صعود والمعارج المصاعد ومعنا ذى المعارج بالفارسية خداوند درجهاى بلند است . والمراد الافلاك التسعة المرتبة بعضها فوق بعض وهى السموات السبع والكرسى والعرش .(16/94)
تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)
{ تعرج الملائكة } المأمورون بالنزول والعروج دون غيرهم من المهيمين ونحوهم لان من الملائكة من لا ينزل من السماء اصلا ومنهم من لا يعرج من الارض قطعا { والروح } اى جبريل افرده بالذكر لتميزه وفضله كما فى قوله تعالى تنزل الملائكة والروح فقد ذكر مع نزولهم فى آية وعروجهم فى اخرى { اليه } اى يعرجون من مسقط الامر الى عرشه والى حيث تهبط منه اوامره كقول ابراهيم عليه السلام انى ذاهب الى ربى اى الى حيث امرنى ربى بالذهاب اليه فجعل عروجهم على العرش عروجا الى الرب لان العرش مجلى صفة الرحمانية فمنه تبتدأ الاحكام والى حيث شاء الله تعالى تهبط الملائكة بأعمال بنى آدم الى الله تعالى والروح اليهانا ظرفى ذلك المشهد { فى يوم } متعلق بتعرج كألى { كان مقداره خمسين الف سنة } مما يعده الناس كما صرح به قوله تعالى فى يوم كان مقداره الف سنة مما تعدون وقوله خمسين خبر كان وهو من باب التشبيه البليغ والاصل كمقدار مدة خمسين الف سنة .
واعلم ان تحقيق هذه الآية يستدعى تمهيد مقدمه وهى ان المبروج اثنا عشرعلى ما افاده هذا البيت وهو قوله
جون حمل جون ثور وجون جوزاء وسرطان واسد ... سنبله ميزان وعقرب قوس وجدى ودلو وحوت ... وكان مبدأ الدولة العرشية من الميزان ومنه الى الحوت اوجد الله فيه الارواح السماوية والصور الاصلية الكلية التعينة فى جوف العرش ولكل برج يوم مخصوص به ومدة هذه البروج السته وهى الميزان والعقرب والقوس والجدى والدلو والحوت احد وعشرون الف سنة ومن الحمل الى برج السنبلة فى الحكم خمسون الف سنة ومدة دور السنبلة سبعة آلاف سنة وهى الآخرة وفى اول هذه الدورة التى هى دور السنبلة بموجب الامر الالهى الموحى به هناك ظهر النوع الانسانى وبعث نبينا عليه السلام فى الالف الآخر من السبعة وفى الاجزآء البرزقية بين احكام دور السنبلة ودور الميزان المختص بالآخرة فانه اذا تم دور البروج الاثنى عشر ينتقل الحكم الى الميزان وهو زمان القيامة الكبرى فأخذنا كفة الالف الاولى للدنيا فى الدولة المحمدية والكفة الآخرى للآخرة والحشر اى أخذنا النصف الاول من الف الميزان الثانى لهذه النشأة والنصف الاخير منه للنشأة الآخرة ولهذا استقرت الاخبار فى قيام الساعة وامتدادها الى خمسمائة سنة بعد الالف وهى النصف الاول من الالف الثانى من الميزان الثانى ولم يتجاوز حد الدنيا ذلك عند أحد من علماء الشريعة فبعث النبى عليه السلام فى زمان امتزاج الدنيا بالآخرة كالصح الذى هو اول النهار المشرع ومنه الى طلوع الشمس نظر الزمان الذى هو من المبعث الى قيام الساعة فكما يزداد الضوء بعد طلوع الفجر بالتدريج شيأ بعد شئ كذلك ظهور احكام الآخرة من حين المعث يزداد الى زمان طلوع الشمس من مغربها كما أشار اليه السلام اليه بقوله بعثت انا والساعة كفرسى رهان وبقوله لا تقومالساعة حتى يكلم الرجل عذبة سوطه وحتى يحدثه فخذه بما ينصع اهله بعده وكذا يسمع جمهور الناس فى آخر الزمان نطق الجمادات والنباتات والحيوانات على ما ورد فى الاخبار الصحيحة فلليوم مراتب واحكام .(16/95)
فيوم كالآن وهو أدنى ما طيلق عليه الزمان ومنه يمتد الكل وهو المشار اليه بقوله تعالىكل يوم هو فى شأن فسمى الزمن الفرد يوما لان الشان يحدث فيه وهو اصغر الازمان وأدقها والسارى فى كل الادوار سريان المطلق فى المقيد .
ويوم كألف سنة وهو اليوم الالهى ويوم الاخرة كمال قال تعالى وان يوما عند ربك كألف سنة وقال يدبر الامر من السماء الى الارض ثم يعرج اليه فى يوم كان مقداره الف سنة مما تعدون .
ويوم كخمسين الف سنة والى مالا يتناهى كيوم اهل الجنة فلاحد لا كبر الايام يوقف عنده فهذا اليوم الذى كان مقداره خمسين الف سنة هو يوم المعراج ويوم القيامة ايضا .
درفتوحات آورده كه هراسمى را ازاسماء الهيه روزيست خاص كه تعلق بدوداردودر قرآن در روزاز انها مذكوراست يوم الرب كه هزار سالست ويوم ذى المعارج كه بنجاه هزار سالست .
وكل الف سنة دورة واحدة تقع فيها القيامة الصغرى لاهل الدنيا بتبديل الاحكام والشرآئع وانواعها اليهاكل والنفوس وكل سبعة آلاف سنة دورة لنوع خاص كالانسان وكل خمسين الف سنة دورة ايضا تقع فيما القيامة الكبرى فيفنى العالم واهله وكان عروج الملائكة من الارض الى السماء ونزولهم منا لسماء الى الارض لاجرآء احكام الله وانفاذ امره فى مدة البروج الستة الآخر التى هى الحمل والثور والجوزآء والسرطان والاسد والسنبلة وهى خمسون الف سنة كما سبق وعند العارفين يطلق على نزول الملائكة العروج ايضا وان كانت حقيقة العروج انما هى لطالب العلو وذلك لان لله تعالى فى كل موجود تجليا ووجها خاصا به يحفظه فنزول الملائكة وعروجهم دآئما الى الحق لعدم تحيزه وكل ما كان اليه فهو عروج وان كان فى السفليات لانه هو العلى الأعلى فهو صفة علو على الدوام وجعلت اجنحة الملائكة للهبوط عكس الطائر عبرة ليعرف كل موجود عجزه وعدم تمكنه منتصرفه فوق طاقته التى اعطاها الله له فالملائكة اذا نزلت نزلت بجناحها واذا علت علت بطبعها والطيور بالعكس فاعلم ذلك وكذلك يكون عروجهم ونزولهم اى يقع فى اليوم الطويل الذى هو يوم القيامة لاجرآء احكام الله على ما شاء وانفاذ امره على مقتضى علمه وحكمته وهو مقدار خمسين الف سنة من سنى الدنيا ودل على مدة هذا اليوم قوله عليه السلام ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدى منها حقها الا اذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمى عليها فى نار جهنم اى مرة ثانية ليشتد حرها فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت اعيدت له اى لمكيه الى نار جهنم فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله اما الى الجنة اى ان لم يكن له ذنب سوه او كان ولكن الله عفا عنه واما الى النار اى ان كان على خلاف ذلك رواه مسلم ( وروى ) ان للقياءة خمسين موقفا يسأل العبد فى كل منها عن امر من امور الدين فان لم يقدر على الجواب وقف فى كل موقف بمقدار اليوم الالهى الذى هو الف سنة ثم لا ينتهى اليوم الى ليل اى يكون وقتاهل الجنة كالنهار ابدا ويكون زمان اهل النار كالليل ابدا اذ كما لا ظلمة لاهل النور كذلك لا نور لاهل الظمة وفيه تذكير للعاقل على ان يوم القيامة اذا كان اوله مقدار خمسين الف سنة فماذا آخره ثم هذا الطول فى حق الكافر والعاصى لا المؤمن والمطيع لما روى ابو سعيد الحدرى رضى الله عنه انه قيل لرسول الله عليه السلام ما أطول هذا اليوم فقال عليه السلام(16/96)
« والذى نفسى بيده انه ليخف على المؤمن حتى يكون اخف من صلاة مكتوبة يصليها فى الدنيا » وفى التمثيل بالصلاة اشارة الى وجه آخر لمسر العدد وهو ان الكافر اضاع الصلاة وهى فى الاصل خمسون صلاة فكأنه عذب بكل واحدة منها الف سنة ولهذا المسر يكلف يوم القيامة بالسجود لا يغيره ولا يلزم من وجود هذا اليوم بهذا الطول ومن عروج الملائكة فى اثنائه الى المعرش أن يكون ما بيناسفل المعالم واعلى سرادقات المعرش مسيرة خمسين الف سنة لان المراد بيان طول اليوم عروج الملائكة ونزولهم فى مثل هذا اليوم الى العرش ومنه لتلقى امره وتبليغه الى محله مرار او كرارا لابيان طول المعارج لان ما بين مركز الارض ومقعر السماء مسيرة خمسمائة عام وتخن كل واحدة من السموات السبع كذلك فيكون المجموع تسعة آلاف الى العرش اى بالمنظرالظاهرى والا فهى ازيد من ذلك بل من كل عدد متصور كما ستجيئ الاشارة اليه وقول من قال جعل ما بين الكرسى والعرش كما بين غيرها غير موجه لما فى الحديث الصحيح ان فى الجنة مائةدرجة اعدها الله للجاهدين فى سبيله كل درجتين ما بينهما كما بين لسماء والارض فيكون بين الكرسى الذى هو صحن الجنة وبين العرش الذى هو سقف الجنة خمسمائة سنة مائة مرة اولها من ارض الكرسى الى الدرجة السافلة من العرش فيكون الجموع مقدار خمسين الف سنة تأمل تعرف ان كلامه ليس بصحيح من وجوه الاول ان المراد فى هذا المقام بيان الطول من اسفل العالمالى اعلاه وانه مقدار خمسين الف سنة لا من صحن الجنة الى سقفها لانه عل ما ذكره من المسافة بين العرشين يزيد على ذلك المقدار بالنظر الى اسفل اعالم زيادة بينة فلا يحصل المقصود والثانى ان امراد النبى عليه السلام من التمثيل بما بين السماء والارض ليس التحديد بل بيان مجرد السعة وطول الامتداد بما لا يعرفه الا الله كما يقتضيه المقام والثالث ان الحديث الذى اورده لا يدل على ان نهاية الدرجة الاخيرة من تلك الدرجات منتهة الى الدرجة السافلة من العرش بل هو ساكت عنه فيجوز أن يكون المقدار ازيد مما ذكره لان طبقات المجاهدين متفاوتة على ان سقف الجنة وان كان هو عرش الرحمن لكن المراد به ذروته وهى التى ينتهى دونها عالم التركيب وهى موضع قدم النبى عليه السلام ليلة المعراج وما بين اسفل الجنة من محدب الكرسى الى اعلاها من تلك الذروة التى هى محدب العرش لاحد له يعرف على ما سيجئ فى سورة الاعلى ان شاء الله تعالى فاذا تحققت هذا البيان الشافى فى الآية الكريمة وهو الذى أشار اليه الحكماء الالهية فدع عنك القيل والقال الذى قرره اهل المرآء والجدال فمنه ان قوله فى يوم بيان لغابةارتفاع تلك المعارج وبعد مداها على منهاج التمثيل والتخييل والمعنى من الارتفاع بحيث لو قدر قطعها فى ذلك لكان ذلك الزمان مقدار خمسين الف سنة من ستى الدنيا انتهى وفيه ان كونه محمولا على التمثيل انما يظهر اذا فسرت المعارج بغير السموات وهو خلاف المقصود ومنه ان معناه تعرج الملائكة والروح الى عرشه فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة اى يقطعون فى يوم من ايام الدنيا ما يقطعهه الاسنان فى خمسين الف سنة لو فرض ذلك القطع وذلك لغاية سرعتم وقوتهم على الطيران وبالفارسية اكر يكى ازبنى آدم خواهدكه سير كنداز دنيا تا آنجا كه محل امر ملائكه است وايشان بيكروز ميررند او بدين مقادر سال تواند رفت انتهى .(16/97)
وفيه ان سير الملائكة لحظى فيصلون من أعلى الاوج الى اسفل الحضيض فى آن واحد فتقدير سيرهم باليوم المعلوم فى العرف غير واضح ومنه ان اليوم فى الآية عبارة عن اول ايام الدنيا الى انقضائها وانها خمسون ألف سنة لا يدرى احدكم مضى وكم بقى الا الله تعالى انتهى وفيه ان ايام الدنيا تزيد على ذلك زيادة بينة كما لا يخفى على اهل الاخيار وعندى انها ثلاثمائة وستون ألف سنة بمقدار ايام السنة دل عليه قوله ان عمر الانسان جامعة من جمع الأخرة وقد سلفناه فى موضعه ومنه ان المراد باليوم هو يوم من ايام الدنيا يعرج فيه الامر من منتهى اسفل الارضين الى منتهى اعلى السموات ومقدار ذلك اليوم خمسون ألف سنة واما اليوم الذى مقداره ألف سنة كما فى سورة الم السجدة فباعتبار نزول الامر من السماء الى الارض وباعتبار عروجه من الارض الى اسماء فللنزول خمسمائة وكذا للصعود والمجموع ألف وفيه انه زاد فى الطنبور نغمة اخرى حيث اعتبر العروج من اسفل الارضين ليطول المسافة وظاهر انه لا يتم المقصود بذلك ومنه ان المراد تصعد الحفظة باعمال بنى آدم كل يوم الى محلى قربته وكرامته وهو السماء فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة من سنى الدنيا لو صعد فيه غير الملك لان الملك يصعد من منتهى امرا لله من اسفل السفل الى منتهى امره من فوق السماء السابعة فى يوم واحد ولو صعد فيه بنوا آدم لصعدوا فى خمسين ألف سنة انتهى وفيه ما فى السابق من تقدير اليوم فى حق الملائكة مع ان قصر الصعود على الصعود بمجرد العمل قصور لانه شان الملائكة الحافظين والآية مطلقة عامة لهم ولغيرهم من المدبرات ومنه ان قوله فى يوم متعلق بواقع على أن يكون المراد به يوم القيامة والمعنى يقع العذاب فى يوم طويل مقداره خمسون الف سنة من سنى الدنيا فتكون جملة قوله تعرج الملائكة معترضة بين الظرف ومتعلقه انتهى وفيه انه من ضيق العطن لانه لا مانع من ارادة يوم القيامة على تقدير تعلقه بتعرج ايضا على ما عرف من تقديرنا السابق فان قلت لما ذا وصف الله ذاته فى مثل هذا المقام بذى المعارج قلت للتنبيه على ان عروج الملائكة على مصاعد الافلاك ونزولهم منها انما هو للامر الالهى كما قال تعالى يتنزل الامر بينهن ومن امره ايصال اللطف الى اوليائه وارسال القهر على اعدآئه ففيه تحذيرللكفار من عقوبة السماء النازلة بواسطة الملائكة كما وقعت للامم الماضية المكذبة وزجر لهم عما يؤدى الى المحاسبة الطويلة يوم القيامة هذا ما تيسر لى فى هذا المقام والعلم عند الله العلام وفى التأويلات النجمية فى ذى المعارج اى يصعد بتعذيب اهل الشهوات واللذات مرتبة فوق امرتبة ومصعدا فوق مصعد منمعرج نفوسهم الى معرج قلوبهم ومنه الى معرج سرهم ومنه الى معرج روحهم يعذبهم فى كل مرتبة عذابا اشد من اول وفى قوله تعالى تعرج الخ اى تعرج الخواطر الروحانية خصوصا خاطر جبريل الروح فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة من ايام الله وهى ايام السماء التى تحت حيطة الله الاسم الجامع فافهم قال القاشانى ذى المعارج اى المصاعد وهى مراتب الترقى من مقام الطبائع الى مقام المعادن بالاعتدال ثم الى مقام النبات ثم الى الحيوان ثم الى الانسان فى مدارج الانتقالات المترتبة بعضها فوق بعض ثم فى منازل السلوك بالانتباءه واليقظة والتوبة والانابة الى آخر ما أشار اليه اهلا لسلوك من منازل اليقين ومناهل القلب فى مراتب الفناء فى الافعال فى الذات مما لا يحصى كثرة فان له تعالى بازآء كل صفة مصعدا بعد المصاعد المتقدمة على مقام والصفات الى الفناء الفناء فى الصفات تعرج الملائكة من القوى الارضية والسمائية فى وجود الانسان والروح الانسانى الى حضرته الذاتية الجامعة فى القيامة الكبرى فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة وهو يوم من ايام الله العلى بالذات ذى المعارج العلى وهى الايام الستة السرمدية من ابتدآء الازل الى انتهاء الازل الى انتهاء الابد واما اليوم المقدار بألف سنة فى قوله وان يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون فهو يوم من ايام الرب المدبر الذى وقت به العذاب وانجاز الوعد فى قوله ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده والتدبير فى قوله يدبر الامر من السماء الى الارض ثم يعرج اليه فى يوم كان مقدار الف سنة مما تعدون وذلك اليوم الاخير من الاسبوع الذى هو مدة الدنيا المنتهية بنبوة الخاتم صلى الله عليه وسلم والذى قال فيه ان استقامت امتى فلها يوم وان لم تسبق فلها نصف يوم مع قوله بعثت انا والساعة كهاتين فهذه يوم من ايام الربوبية والتدبير واما اليوم الذى هو من الايام الالوهية فهو مقدار ابتداء الربوبية باسماء الله الغير المتناهية التى تندرج معها لا تناهيها فى الاسماء السبعة وهى الحى الالم القادر المريد السميع البصير المتكلم ولكل من هذه السبعة ربوبية مطلقة بالنسبة الى ربوبيات الاسماء المندرجة تحته ومقيده بالنسبة الى ربوبية كل واحد من اخوانه الى انتهائها بالتجلى الذاتى وكما ان هذا اليوم المذكور سبع من ايام الدنيا فمدة الدنيا سبع من ذلك اليوم الالهى الحاصل من ضرب ايام الدنيا فى عدد اسماء الربوبية وهى تسع واربعون سنة وآخرة اول الخمسين الذى هو يوم واحد من ايام الله وهو يوم القيامة الكبرى .(16/98)
فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5)
{ فاصبر } يا محمد { صبرا جميلا } لا جزع فيه ولا شكوى لغير الله فان العذاب يقع فى هذه المدة المتطاولة التى تعرج فيها الملائكة والروح وعن الحسن الصبر الجميل هو المجاملة فى الظاهر وعن ابن بحر انتظار الفرج بلا استعجال وهو متعلق بسأل لان السؤال كان استهزآء وتعنت وتكذيب بالوحى وذلك ما يضجره عليه السلام او كان عن تضجر واستبطاء للنصر والمعونة .(16/99)
إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6)
{ انهم } اى اهل مكة { يرونه } اى العذاب الواقع اى يزعمونه فى رأيهم { بعيدا } اى يستبعدونه بطريق الاحالة كما كانوا يقولون ائذا متنا وكنا ترابا الآية من يحيى العظام وهى رميم فلذلك يسألون به وسبب استبعادهم عدم علمهم باستحقاقهم اياه يقول المرء لخصمه هذا بعيد رد الوقوعه وامكانه .(16/100)
وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)
{ ونراه } اى نعلمه { قريبا } لعلمنا باستحقاقهم اياه بحسب استعدادهم اى هينا فى قدرتنا غير بعيد علينا ولا متعذر فالمراد بالبعد هو البعد من الامكان وبالقرب هو القرب منه وقال سهل رحمه الله انهم يرون المقضى عليهم من الموت والبعث والحساب بعيدا لبعد آمالهم ونرا قريبا فان كل كائن قريب والبعيد مالا يكون وفى الحديث ما الدنيا فيما مضى وما بقى الا كثوب شق باثنين وبقى خيط واحد ألا وكان ذلك الخيط قد انقطع قال الشاعر
هل الدنيا وما فيها جميعا ... سوى طل يزول مع النهار
ما همجو مسافريم درزير درخت ... جون سايه برفت زود بردار درخت
ومن عجب الايام انك قاعد ... على الارض فى الدنيا وأنت تسير
فسيرك يا هذا كسير سفينة ... بقوم قعود والقلوب تطير(16/101)
يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8)
{ يوم تكون السماء كالمهل } وهو ههنا خبث الحديد ونحوه مما يذاب على مهل وتدريج او دردى الزيت لسيلانه على مهل لثخانته وعن ابن مسعود كالفضة المذابة فى تلونها او كالقير والقطران فى سوادهما ويوم متعلق بقريبا اى يمكن ولا يتعذر فى ذلك اليوم اى يظهر امكانه والا فنفس الامكان لا اختصاص له بوقت او متعلق بمضمر مؤخرأى يوم تكون السماء كالمهل يكون من الاحوال والاهوال مالا يوصف .(16/102)
وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9)
{ وتكون الجبال كالعهن } العهن الصوف المصبوغ قال تعالى كالعهن المنفوش وتخصيص العهن لما فيه من اللون كما ذكر فى قوله تعالى فكانت وردة كالدهان والمعنى وتكون الجبال كاصوف المطبوغ ألوانا لاختلاف ألوان الجبال منها جدد بيض وحمر وغرابيب سود فاذا بست وطيرت فى الجو اشبهت العهن المنفوش اذا طيرته الريح قال فى كشف الاسرار اول ما تنغير الجبال تصير رملا مهيلا ثم عنها منفوشا ثم تصير هباء منثورا .(16/103)
وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10)
{ ولا يسأل حميم حميما } اى لا يسأل قريب قريبا عن احواله ولا يكلمه لابتلاء كل منهم بما يشغله عن ذلك واذا كان الحال بين الأقارب هكذا فكيف يكون بين الأجانب والتنكير للتعميم .(16/104)
يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11)
{ يبصرونهم } استئناف كأنه قيل لعله لا يبصره فكيف يسأل عن حاله فقل يبصرونهم والضمير الاول لحميم اول والثانى للثانى وجمع الضميرين لعموم الحميم لكل حميمين لا لحميمين اثنين قال فى تاج المصادر التبصير بينا كردن . والتعريف والايضاح ويعدى الى المفعول الثانى بالباء وقد تحذف الباء وعلى هذا يبصرونهم انتهى يعنى عدى يبصرونهم بالتضعيف الى ثان وقام الاول مقام الفاعل والشائع المتعارف تعديته الى الثانى بجحرف الجر يقال بصرته به وقد يحذف الجار واذا نسبت الفعل للمفعول به حذفت الجار وقلت بصرت زيدا وما فى الآية من هذا القبيل والمعنى يبصر الاحماء الاحماء يعنى بينا كرده شوند ايشان بخويشان خود .
فلا يخفون عليهم ولا يمنعهم من التسأول الا تشاغلهم بحال انفسهم وليس فى القيامة مخلوق الا وهو نصب عين صاحبه فيبصر الرجل أباه وأخاه واقرباءه وعشيرته ولكن لايسأله ولا يكلمه لاشتغاله بما هو فيه قال ابن عباس رضى الله عنهما يتعارفون ساعة ثم يتنا كرون { يود المجرم } اى يتمنى الكافر وقيل كل مذنب { لو } بمعنى التمنى فهو حكاية لودادتهم { يفتدى } فدادهد .
وهو حفظ الانسان عن التائبة بما يبذل عنه { من عذاب يومئذ } اى من العذب الذى ابتلو به يوم اذ كان الامر ما ذكر وهو بكسر الميم لاضافة العذاب اليه وقرئ يومئذ بالفتح على البناء للاضافة الى غير متمكن { ببينه } اصله بنين سقطت نونه بالاضافة وجمعه لان كثرتهم محبوبة مرغوب فيها .(16/105)
وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12)
{ وصاحبته } زوجته التى يصاحبها { واخيه } الذى كان ظهيرا له ومعينا والجملة استنئاف لبيان ان اشتغال كل مجرم بنفسه بلغ الى حيث يتمنى أن يفتدى بأقرب الناس اليه واعلقهم بقلبه ويجعله فدآء لنفسه حتى ينجو هو من العذاب فضلا عن أن يهتم بحاله ويسأل عنها كأنه قيل كيف لايسأل مع تمكنه من السؤال فقيل يود الخ .(16/106)
وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13)
{ وفصيلته } وهى فى الاصل القطعة المفصولة من الجسد وتطلق على الآباء الأقربين وعلى الاولاد لان الولد يكون مفصولا من الابوين فلما كان الولد مفصولا منهما كانا مفصولين منه ايضا فسمى فصيلة لهذا السبب والمراد بالفصيلة فى الآية هو الآباء الاقربون والعشيرة الادنون لقوله وبينه { التى تؤويه } أوى الى كذا انضم اليه وآواه غيره كما قال تعالى آوى اليه اخاه اى ضمه الى نفسه فمعنى تؤويه تضمه اليها فى النسب او عند الشدآئد فيلوذ بها وبالفارسية وخويشان خودرا كه جاى داده اند اورا دردنيانزد خود يعنى بناكاه وى بود اند .(16/107)
وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14)
{ ومن فى الارض جميعا } من الثقلين والخلائق ومن للتغليب { ثم ينجيه } عطف على يفتدى اى يود لو يفتدى ثم ينجيه الافتدآء . وثم لاستبعاد الانجاء يعنى يتمنى لو كان هؤلاء جميعا تحت يده وبذلهم فى فدآء نفسه ثم ينجيه ذلك وهيهات أن ينجيه وفيه اشارة الى مجرم الروح المنصبغ بصبغة النفس فانه يود أن يفتدى من هول عذاب يوم الفراق والاحتجاب مبنى القلب وصفاته وصاحبة نفسه واخى سره وفصيلته اى توابعه وشيعته ومن فى ارض بشريته جميعا من القوى الروحانية والجسمانية ثم ينجيه هذا الافتدآء ولا ينفعه لفساد الاستعداد وفوات الوقت .(16/108)
كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15)
{ كلا } ردع للمجرم عن الودادة وتصريح بامتناع انجاء الافتدآء اى لا يكون كما يتمنى فانه بهيئته الظلمانية الحاصلة من الاجرام استحق العذاب فلا ينجو منه وفى الحديث يقول الله لأهون اهل النار عذابا يوم القيامة لو أن لك ما فى الارض من شئ اكنت تفتدى به فيقول نعم فيقول اردت منك اهون من هذا وأنت فى صلب آدم ان لا تشرك بى وعن القرطبى ان كلا يكون بمعنى الردع وبمعنى حقا وكلا الوجهين جائز ان هنا فعلى الثانى يكون تمام الكلام ينجيه فيوقف عليه ويكون كلا من الجملة الثانية التى تليه والمحققون على الاول ومن ذلك وضع السجاوندى علامة الوقف المطلق على كلا { انها } اى النار المدلول عليها بذكر العذاب والمراد جهنم { لظى } وهو علم للنار وللدرك الثانى منها منقول من اللظى بمعنى اللهب الخالص الى لا يخالطه دخان فيكون فىغاية الاحراق لقوة حرارته النارية بالصفاء وهو خبر ان بمعنى مسماة بهذا الاسم ويجوز أن يراد اللهب الخاصل على الاصل فيكون خبرا بلا تأويل ( كما قال الكاشفى ) بدرستى كه آتش دوزخ كه مجرم ازوفدا دهد زبانه ايست خالص ( وفى كشف الاسرار ) آن آتشى است زبانه زن .(16/109)
نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16)
{ نزاعة للشوى } نزع الشئ جذبه من مقره وقلعه والشوى الاطراف اى الاعضاء التى ليست بمقتل كالايدى والارجل ونزاعة على الاختصاص للتهويل اى اعنى بلظى جذابة للاعضاء الواقعة فى اطراف الجسد وقلاعة لها بقوة الاحراق لشدة الحرارة ثم تعود كما كانت وهكذا ابدا والشوى جمع شواة وهى جلدة الرأس يعنى ان النار تنزع جلود الرأس وتقشر ما عنه وذلك لانهم كانوا يسعون بالاطراف للاذى والجفاء ويصرفون عن الحق الاعضاء الرئيسة التى تشتمل عليها الرأس خصوصا العقل الذى كانوا لا يعقلون به فى الرأس .(16/110)
تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17)
{ تدعو من ادبر } اى عن الحق ومعرفته وهو مقابل اقبل ومعنى تدعو تجذب الى نفسها وتحضر فهو مجاز عن احضارهم كأنها تدعوهم فتحضرهم ( قال الكاشفى ) زبانه ميزند وكافر رابخود ميكشد ازصدساله ودويست ساله راه جنانجه مقناطيس آهن راجذب ميكند .
وتقول لهم الى الى يا كافر ويا منافق ويا زنديق فانى مستقرك او تدعو الكافرين والمنافقين بلفظ فصيح باسمائهم ثم تلتقطهم كالتقاط الطير الحب ويجوز ان يخلق الله فيها كلاما كام يخلقه فى جلودهم وايديهم وارجلهم وكما خلقه فى الشجرة او تدعو زبانيتها على حذف المضاف او على الاسناد المجازى حيث اسند فعل الداعى الى المدعو اليه { وتولى } اى اعرض عن الطاعة لان من اعرض يولى وجهه وفى التأويلات النجمية من ادبر عن التوجه الى الحق بموافقات الشريعة ومخالفات الطبيعة وتولى عن الاقبال على الآخرة والادبار عن الدنيا وقال القاشانى بمناسبة نفسه للجحيم انجر اليها اذ الجنس الى الجنس يميل ولظى نار الطبيعة السفلية ما استدعيت الا المدبر عن الحق المعرض عن جناب القدس وعالم النور المقبل بوجه الى معدن الظلمة المؤثر لمحبة الجواهر الفانية السفلية المظلمة فانجذب بطبعه الى مواد النيران الطبيعية واستدعته وجذبته الى نفسها للجنسية فاحترق بنارها الروحانية المستولية على الافئدة فكيف يمكن الانجاء منها وقد طلبها بداعى الطبع ودعاها بلسان الاستعداد .(16/111)
وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18)
{ وجمع } المال حرصا وحبا للدنيا { فأوعى } فجعله فى وعاء وكنزه ولم يؤد زكاته وحقوقه الواجبة فيه وتشاغل به عن الدين وتكبر باقتنائه وذلك لطول امله وانعدام شفقته على عباد الله والا ما ادخر بل بذل وفى جمع الجمع ومع الادبار والتولى تنبيه على قباحة البخل وخساسة البخيل وعلى انه لا يليق بالمؤمن وفى الخبر بجاء بابن آدم يوم القيامة كأنه يذبح بين يدى الله وهو بالفارسية بره . فيقول له اعطيتك وخولتك وانعمت عليك فما صنعت فيقول رب جمعته وصمرته وتركته اكثر ما كان فارجعنى آنك به كله فاذا هو عبد لم يقدم خيرا فيمضى به الى النار وفى الخبر بصق عليه السلام يوما فى كفه ووضع عليها اصبعه فقال « يقول الله لابن آدم تعجزنى وقد خلقتك من مثل هذه حتى اذا سويتك وعدلتك ومشيت بين بردين وللارض منك » وئيد يعنى زمين را ازتو آواز شديد بود .
فجمعت ومنعت حتى اذا بلغت التراقى قلت اتصدق وأنى لو ان الصدقة وفى التأويلات النجمية جمع الكمالات الانسانية من الاخلاق الروحانية والاوصاف الرحمانية ولم ينفق على الطلاب الصادقين العاشقين والمحبين المشتاقين بطريق الارشاد والتعليم والتسليك .(16/112)
إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20)
{ ان الانسان } اى جنس الانسان { خلق } حال كونه رهلوعا } مبالغة هالع من الهلع وهو سرعة الجزع عند مس المكروه بحيث لا ستمسك وسرعة المنع عند مس الخير يقال ناقة هلواع سريعة السير وهو من باب علم وقد فسره احسن تفسير على ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما قوله تعالى { اذا } ظرف لجزوعا { مسه الشر } اى اصابه ووصل اليه الفقر او المرض او نحوهما { جزوعا } مبالغة فى الجزع مكثرا منه لجهله بالقدر وهو ضد الصبر وقال ابن عطاء الهلوع الذى عند الموجود يرضى وعند المفقود يسخط وفى الحديث شر ما اعطى ابن آدم شح هالع وجبن خالع فالهالع المحزن يعنى اند وهكين كننده . والخالع الذى يخلع قلبه قال بعض العارفين انما كرهت نفوس الخلق المرض لانه شاغل لهم ادآء ما كلفوا به من حقوق الله تعالى اذ الروح اليحوانى حين يحس بالألم يغيب عن تدبير الجسد الذى يقوم بالتكليف وانما لم تكره نفوس العارفين الموت لما فيه من لقاه الله تعالى فهو نعمة ومنه ولذلك ما خير نبى فى الموت الا اختار .(16/113)
وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)
{ واذا } ظرف لموعا { مسه الخير } اى السعة او غيرهما { منوعا } مبالغا فى المنع والامساك لجهله بالقسمة وثواب الفضل وللصحة مدخل فى الشح فان الغنى قد يعطى فى المرض مالا يعطيه فى الصحة ولذا كانت الصدقة كالصحة افضل . ودرلباب ازمقاتل نقل ميكندكه هلوع جانوريست دربس كوه قاف كه هروز هفت صحرا ازكياء خالى ميكند يعنى همه حشايش آنرامى خورد وآب هفت دريا مى آشامد ودر كرما وسرما صبر ندارند وهرشب درانديشه آنست كه فردا جه خواهد خورد بس حق سبحانه وتعالى آدمى را دربى صبرى وانديشه روزى بدين دابه تشببه ميكند
جانور براكه بجز آدميست ... معده جو برشد سبب بى غميست
آدميست آنكه نه سيرى برد ... برسر سيرى غم روزى خورد
خورد همه عمر جه بيش وجه كم ... روزئ هرروزه زخوان كرم
وزره حرص واملش همجنان ... هيج غمى نيست بجز فكرنان
والاوصاف الثلاثة وهى هلوعا وجزوعا ومنوعا احوال مقدرة لان المراد بها ما يتعلق به الذم والعقاب وهو ما يدخل تحت التكليف والاختيار وذلك بعد البلوغ او محققة لانها طبائع جبل الانسان عليها كما قال المنبى الظلم من شيم النفوس فان تجد . ذا عقة فلعلة لا يظلم . ولا يلزم ان لا نفارقه بالمعالجات المذكورة فى كتب الاخلاق فانها كبرودة الماء ليست من اللاوزم المهيئة للوجود بل انما حصولها في بوضع الله تعالى وخلقه وهو يزيلها ايضا بالاسباب التى سببها اذا أراد فان قيل فيلزم ان يكون له هلع حين كان فى المهد صبيا قلنا نعم ولا محذور الا يرى انه كيف يسرع الى الثدى ويحرص على الرضاع ويبكى عند مس الألم ويمنع بما وسعه اذا تمسك بشئ فزوحم فيه قال الراغب فان قيل ما الحكمة فى خلق الانسان على مساوى الاخلاق قلنا الحكمة فى خلق الشهوة ان يمانع نفسه اذا نازعته نحوها ويحارب شيطانه عند تزيينه المعصية فيستحق من الله مثوبة وجنة انتهى يعنى كما انه ركب فيه الشهوة ركب فيه العقل الرادع وحصلت الدلالة الى الصراط السوى من الشارع قال بعض العارفين الشح فى الناسن امر جبلى لا يمكن زواله ولكن يتعطل بعناية الله تعالى استعماله لا غير فلذلك قال ومن يوق شح نفسه فأثبت الشح فى النفس الا ان العبد يوقاه بفضل الله وبرحمته وقال ان الانسان خلق هلوعا الخ واصل ذلك كله ان الانسان استفاد وجوده من الله فهو مفطور على الاستفادة لاعلى افادة فلا عطيه حقيقته ان يتصدق او يعطى احدا شيأ ولذلك ورد الصدقة برهان يعنى دليل ان هذا الانسان وقى بها شح النفس .
يقول الفقير وعليه المزاح المعروف وهو أن بعض العلماء وقع فى الماء فكاد يغرق فقال له بعض الحاضرين يا سلطانى ناولنى يدك فقيل لا تقل هكذا فانه اعتاد الاخذ لا الاعطاء بل قل خذ بيدى وقال بعضهم الغضب والشره والحرص والجبن والبخل والسحد وصف جبلى فى لانسان والجان وما كان من الجبلة فمحال ان يزول الا بانعدام الذات الموصوفة به ولهذا عين الشارع صلى الله عليه وسلم لهذه الامور مصارف فقال لا حسد الا فى اثنتين وامر بالغضب لله لا حمية جاهلية وقال ولا ثقل لهما اف ثم مدح من قال اف لكم ولما تعبدون من دون الله وقال ولا تخافوهم ثم قال وخافون فالكل يستعملون هذه الصفات استعمالا محمودا وكثير من الفقرآء يظنون زوال هذه الصفات منهم حين يعطل الله استعمالها فيهم وليس كذلك .(16/114)
يقول الفقير ومنه يعلم صحة قول من قال ان النفس لامارة بالسوء وان كانت نفس الانبياء على ما اسلفناه فى سورة يوسف والحاصل ان اصول الصفات باقية فى الكل لبقاء المحاربة مع النفس اذا لا يحصل الترقى الا بالمحاربة والترقى مستمر الى الموت فكذا المحاربة المبنية على بقاء اصول السفات فأصل النفس امارة لكن لا يظهر اثرها فى الكاملين كما يظهر فى الناقصين فاعلم ذلك قال القاشانى ان النفس بطبعها معدن الشر ومأوى الرجس لكونها من عالم الظلمات فمن مال اليها بقلبه واستولى عليه مقتضى جبلته وخلقته ناسب الامور السفلية واتصف بالرذآئل التى اردأها الجبن والبخل المشار اليهما بقوله واذا مسه الشر الخ لمحبة البدن ما يلائمه وتسببه فى شهواه ولذاته وانما كانا اردأ لجاذبهما القلب الى اسفل مراتب الوجود وفى التأويلات النجمية يشير الى هلع الانسان المستعد لقبول الفيض الالهى ساعة فساعة ولحظة فلحظة وعدم صبره عن بلوغه الى الكمال فانه لا يزال فى طريق السلوك يتعلق باسم من الاسماء الالهية ويتحقق به ويتخلق ثم يتوجه الى اسم آخر الى ان يستوفى سلوك جميع الاسماء اذا مسه الشر الفترة الواقعة فى الطريق يجزع ويضطب ويتقلقل ولا يعلم ان هذه الفترة الواقعة فى طريقه سبب لسرعة سلوكه وموجب لقوة سيره وطيرانه واذا مسه الخير من المواهب الذاتية والعطايا الاسمائية يمنع من مستحقيه ويبخل على طالبيه .(16/115)
إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)
{ الا المصلين } استثناء من الانسان لانه فى معنى الجمع للجنس وهذا الاستثناء باعتبار الاستمرار أى ان المطبوعين على الصفات الرذيلة مستمرون عليها الا المصلين فانهم بدلو تلك الطبائع واتصفوا باضدادها .(16/116)
الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)
{ الذين هم } تقديم هم يقيد تقوية الحكم وتقريره فى ذهن السامع كما فى قولك هو يعطى الجزيل قصدا الى تحقيق انه يفعل اعطاء الجزيل { على صلاتهم دائمون } لا يشغلهم عنها شاغل فيواظبون على ادآئها كما روى عن النبى عليه السلام انه قال « افضل العمل اودمه » وان قل وقالت عائشة رضى الله عنها كان عمله ديمة قدم الصلاة على سائر الخصال لقوله عليه السلام « اول ما افترض الله على امتى الصلوات الخمس واول ما يرفع من اعمالها الصلوات واول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته فان صلحت فقد افلح وانجح وان فسدت فقد خاب وخسر وانها آخر ما يجب عليه رعايته فانه يؤخر الصوم فى المرض دون الصلاة » الا ان لا يقدرعلى التميم والايماء ولذا ختم الله الخصال بها كما قال والذين هم على صلاتهم يحافظون وكان آخر ما اوصى به عليه السلام الصلاة وما ملكت ايمانكم وفى الآية اشارة الى صلاة النفس وهى التزكية عن المخالفات الشرعية وصلاة القلب وهى التصفية عن الميل الى الدنيا وشهواتها وزخارفها وصلاة السر وهى التخلية عن الركون الى المقامات العلية والمراتب السنية وصلاة الروح وهى بالمكاشفات الربانية والمشاهدات الرحمانية والمعاينات الحقانية وصلاة الخفى وهى بالفناء فى الحق والبقاء به فالكمل يداومون على هذه الصلوات .(16/117)
وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24)
{ والذين } اى والا الذين { فى امولهم حق معلوم } اى نصيب معين يستوجبونه على انفسهم تقربا الى الله تعالى واشفاقا على الناس من الزكاة المفروضة الموظفة .(16/118)
لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)
{ للسائل } اى للذى يسأل ومن كان له قوت يوم لا يحل له السؤال واما حكم الدافع له عالما بحاله فكان القياس ان يأثم لانه اعانة على الحرام لكنه يجعله هبة ولا اثم فى الهية للغنى وله ان يرده برد جميل مثل ان يقول آتاكم الله من فضله { والمحروم } الذى لا يسأل اما حياء او توكلا فيظن انه غنى فيحرم وفيه اشارة الى احوال الحقائق والمعارف الحاصلة من راس مال الاعمال الصالحة والاحوال الصادقة ففيها حق معلوم للسائل وهو المستعد للسلوك والاجتهاد فينبغى ان يفيض عليه ويرشده الى طلب الحق والمحروم هو المرمى الساقط على ارض العجز بسبب الاهل والعيال والاشتغال باسبابهم فيسليهم ويطيب قلوبهم برحمة الله وغفرانه ويفيض عليهم من بركات انفاسه الشريفة لئئا يحرم من كرم الله وفيضه .(16/119)
وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26)
{ والذين يصدقون بيوم الدين } اى باعمالهم حيث يتعبون انفسهم فى الطاعات البدنية والمالية طمعا فى المثوبة الاخروية بحيث يستدل بذلك على تصديقهم بيوم الجزآء فمجرد التصديق بالجنان واللسان وان كان ينجى من الخلود فى النار لكن لا يؤدى الى ان يكون صاحبه مستثنى من المطبوعين بالاحوال المذكورة قال القاشانى والذين يصدقون من اهل اليقين البرهانى او الاعتقاد الايمانى باحوال الآخرة والمعاد وهم ارباب القلوب المتوسطون .(16/120)
وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27)
{ والذين هم من عذاب ربهم مشفقون } خائفون على انفسهم مع مالهم من الاعمال الفاضلة استقصارا لها واستعظاما لجنابه تعالى ( قال الكاشفى ) وعلامت ترس الهى اجتناب از ملاهى ومناهيست .
وقال الحسن يشفق المؤمن ان لا تقبل حسناته وتقديم من يحسن ان يكون للحصر امتثالا لأمره تعالى فارهبون مع جواز أن يكون للتقوية .(16/121)
إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28)
{ ان عذاب ربهم غير مأمون } كه عذاب خداوند ايشان نه آنست كه ازان ايمن باشند . وهو اعتراضمؤذن بانه لا ينبغى لاحد أن يأمن عذابه تعالى وان بالغ فى الطاعة والاجتهاد بل يكون بين الخوف والرجاء لانه لا يعلم احد عافيته قال القاشانى والذين هم الخ اى اهل الخوف من المبتدين فى مقام النفس السائرين عنه بنور القلب لا لوافقين معه او المشفقين من عذاب الرحمان والحجاب فى مقام القلب من السالكين او فى مقام الشاهدة من التوين فانه لا يؤمن الاحتجاب ما بقيت بقية كما قال ان عذاب ربهم غير مأمون ومن العذاب اعجاب المرء بنفسه فانه من الموبقات الموقعات فى عذاب نار الجحيم العقاب نسأل الله العافية .(16/122)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29)
{ والذين هم لفروجهم } فرج الرجل والمرأة سوءآتهما اى قبلهما عبر به به عنها رعاية للأدب فى الكلام وأدب المرء خير من ذهبه والجار متعلق بقوله { حافظون } من الزنى متعففون عن مباشرة الحرام فان حفظ الفرج كناية عن العفة .(16/123)
إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30)
{ الا على } بمعنى من كما فى كتب النحو { ازوجهم } نسائهم المنكوحات { او ما ملكت ايمانهم } من الجوارى فى اوقات حلها كالطهر من الحيض والنفاس ومضى مدة الاستبرآء عبر عنهن بما اجرآء لهن لمملوكيتهن مجرى غير العقلاء او لانوثتهن المنبئة عن القصور وايراد ما ملكت الايمان يدل على المراد من الحافظين هنا الذكور وان كان الحفظ لازما للاناث ايضا بل اشد لانه لازم عليهن على عبيدهن وان كانوا مما ملكت ايمانهن ترجيحا لجانب الذكور فى صيانة عرضهم { فانهم } اى الحافظين { غير ملومين } على عدم حفظها منهن اى غير معيوبين شرعا فلا يؤاخذون بذلك فى الدنيا والآخرة وبالفارسية بجاى سرزنش نيستند .
وفيه اشعار بأن من لم يحفظ تكفيه ملامة اللائمين فكيف العذاب .(16/124)
فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31)
{ فمن ابتغى } بس هركه طلب كندبراى نفس خود { ورآء ذلك } الذى ذكر وهو الاستمتاع بالنكاح وملك اليمين وحد النكاح اربع من الحرآئر ولاحد الملك اليمين { فاولئك } المبتغون { هم لعادون } المتعدون لحدود الله الكاملون فى العدوان المتناهون لانه من عداء عليه اذا تجاوز الحد فى الظلم ودخل فيه حرمة وطئ الذكران والبهائم والزنى وقيل يدخل فيه الاستمناء ايضا ( روى ) ان العرب كانوا يستمنون فى الاسفار فنزلت الآية وفى الحديث ومن لم يستطع اى التزوج فعليه بالصوم استدل به بعض المالكية على تحريم الاستمناء لانه عليه السلام ارشد عند العجز عن التزوج الى الصوم الذى يقطع الشهوة فلو كان الاستمناء مباحا لكان ا لارشاد اليه اسهل وقد أباح الاستمناه طائفة من العلماء وهو عند الحنابلة وبعض الحنفية لاجل تسكين الشهوة جائز وفى رواية الخلاصة الصائم اذا عالج ذكره حتى امنى يحب عليه القضاء ولا كفارة عليه ولا يحل هذا الفعل خارج رمضان ان قصد قضاء الشهوة وان قصد تشكين شهوته ارجو أن لا يكون عليه وبال وفى بعض حواشى البخارى والاستمناء باليد حرام بالكتاب والسنة قال الله تعالى والذين هم لفروجهم حافظون الى قوله فاولئك هم العدون اى الضالون المتجاوزون من الحلال الى الحرام قال البغوى الآية دليلعلى ان استمناء باليد حرام قال ابن جريج سألت ابن عطاء عنه فقال سمعت ان قوما يحشرون حبللى واظنهم هؤلاء وعن سعيد بن جبير عذاب الله امة كانوا يعبثون بمذاكيرهم والواجب على فاعله التعزيز كما قال بعضهم نعم يباح عند أبى حنيفة واحمد اذا خاف على نفسه الفتنة وكذلك يباح الاستمناء بيد امرأته وجاريته لكن قال القاضى حسين مع الكراهة لانه معنى العزل وفى التاتار خانية قال أبو حنيفة احسبه ان يتجور رأسا برأس .
يقول الفقير من اضطر الى تسكين شهوته فعليه ان يدق ذكره بحجر كما فعله بعض الصلحاء المتقين حين التوقان صيانة لنفسه عن الزنى ونحوه والحق احق ان يتبع وهو العمل بالارشاد النبوى الذى هو الصوم فان اضطر فالعمل بما ذكرناه اولى واقرب من افعال اهل الورع والتقوى .(16/125)
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32)
{ والذين هم لاماناتهم وعهدم راعون } لا يخلون بشئ من حقوقها والامانة اسم لجنس ما يؤتمن عليه الانسان سوآء من جهة البارى تعالى وهى امانات الدين التى هى الشرآئع والاحكام او من جهة الخلق وهى الودآئع ونحوها والجمع بالنظر الى اختلاف الانواع وكذا العهد شامل لعهد الله وعهد الناس وهو ما عقده الانسان على نفسه لله او لعباده وهو يضاف الى المعاهد والمعاهد فيجوز هنا الاضافة الى الفاعل والمفعول وقال الجنيد قدس سره الامانة المحافظة على الجوارح والعهد حفظ القلب مع الله على التوحيد والرعاية القيام على الشئ بحفظه واصلاحه وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيانة عند ائتمان والكذب عند التحديث والغدر عند المعاهدة والفجوز عند المخاصمة من خصال المنافق .
اكرمى بايد ازآتش امانت ... فرومكذار قانون امانت
بهر عهدى كه مى بندى وفاكن ... رسوم حق كزارى را اردا كن
قال بعض الكبار كل من اتصف بالامانة وكتم الاسرار سمع كلام الموتى وعذابهم ونعيمهم كما سمعت البهائم عذاب اهل القبور لعدم النطق وكذلك يسمع من اتصف بالامانة كلام اعضائه له فى دار الدنيا لانها حية ناطقة ولذلك تستشهد يوم القيامة فتشهد ولا يشهد الا عدل مرضى بلا شك وفى التأويلات النجمية يشير الى الامانة المعروضة على السموات والارض والجبال وهى كمال المظهرية وتمام المضاهاة الالهية والى عهد ميثاق ألست بربكم قالوا بلى ورعاية ذلك العهد أن لا يخالفة بالمخالفات الشرعية والموفقات الطبيعية وقال بعضهم والذين هم لآمانتهم التى استودعوها بحسب الفطرة من المعارف العقلية وعهدهم الذى اخذ الله ميثاقه منهم فى لازل راعون بأن لم يدنسوا الفطرة بالغواشى الطبيعية والاهوآء النفسانية .(16/126)
وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33)
{ والذين هم بشهاداتهم } الباء متعلق بقوله { قائمون } سوآء كانت للتعدية ام للملابسة والجمع باعتبار انواع الشهادة اى مقيمون لها بالعدل ومؤدونها فى وقتها احياء لحقوق الناس فالمراد بالقيام بالشهادة ادآؤها عند الاحكام على من كانت هى عليه من قريب او بعيد شريف او وضيع قال عليه السلام اذا علمت مثل الشمس فاشهد والا فدع وتخصيصها بالذكر مع اندرجها فى الامانات لابانة فضلها لان فى اقامتها احياء الحقوق وتصحيحها وفى كتمها وتركها تضييعها وابطالها وفى الاشباه اذا كان الحق يقوم بغيرها او كان القاضى فاسقا او كان يعلم انها لا تقبل جاز الكتمان وفى فتح الرحمن تحمل الشهادة فرض كفاية وادآؤها اذا تعين فرض عين ولا يحل خذ اجرة عليها بالاتفاق فاذا طلبه المدعى وكان قريبا من القاضى لزمه المشى اليه وان كان بعيد اكثر من نصف يوم لا يأثم بتخفه لانه يلحقه الضرر وان كان الشاهد يقدر على المشى فأركبه المدعى من عنده لا تقبل شهادته وان كان لا يقدر فأركبه لا بأس به ويقتصر فىلمسلم على ظاهر عدالته عند أبى حنيفة رحمه الله الا فى الحدود والقصاص فان طعن الخصم فيه سأل عنه وقال صاحباه يسأل عنهم فى جميع الحقوق سرا وعلانية وعليه الفتوى وجعل بعضه شهادة التوحيد داخلة فيها كما قال سهل رحمه الله قائمون بحفظ ما شهدوا به من شهادة أن لا اله الا الله فلا يشركون به فى شئ من الافعال والاقوال وقال القاشانى فى الآية اى يعملون بمقتضى شاهدهم من العلم فكل ما شهدوه قاموا بحكمه وصدروا عن حكم شاهدهم لا غير .(16/127)
وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34)
{ والذين هم على صلاتهم يحافظون } تقديم على صلاتهم يفيد الاختصاص الدال على ان محافظتهم مقصورة على صلاتهم لا تتجاوز الى امور دنياهم اى يراعون شرآئطها ويكملون فرآئضها وسننها ومستحباتها وآدابها ويحفظونها من الاحباط باقتران الذنوب فالدوام المذكور او لا يرجع الى انفس الصلوات والمحافظة على احوالها وفى المفردات فيه تنبيه على انهم يحفظون الصلاة بمراعاة اوقاتها واركانها والقيام بها فى غاية ما يكون منالطوق فان الصلاة تحفظهم بالحفظ الذى نبه عليه فى قوله ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وفى الحديث من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وابى بن خلف وهو الذى ضربه النبى عليه السلام فى غزوة أحد برمح فى عنقه فمات منه فى طريق مكة وكان اشد واطغى من أبى جهل دل عليه كونه مقتولا بيد النبى عليه السلام ولم يقتل عليه السلام بيده غيره وبعض العلماء جعل المحافظة شاملة للادامة على ما هو الظاهر من قوله تعالى حافظوا على الصلوات فيكون من قبيل التعميم بعد التخصيص لتتميم الفائدة وللاشعار بأن الصلاة اول ما يجب على العبد ادآؤه بعد الايمان وآخر ما يجب عليه رعايته بعده كما سبق .
وكفتم انددوام تعلق بفرائض دارد ومحافظت بنوافل . والحاصل ان فى تكرير ذكر الصلاة ووصفهم بها اولا وآخرا باعتبارين للدلالة على فضلها واناقتها على سائر الطاعات وتكرير الموصولات التنزيل اختلاف الصفات منزلة اختلاف الذوات ايذانا بأن كل واحدة من تلك الصفات حقيق بأن يفرد لها موصوف مستقل لشأنها لاخطير ولا يجعل شئ منها تتمة للاخرى قال بعضهم دلت هذه الآية على ان التغاير المفهوم من العطف ليس بذاتى بل هو اعتبارى اذا لا يخفى انه ليس المراد من الدآئمين طائفة والمحافظين اخرى فالمقصود مدح المؤمنين بما كانوا عليه فى عهد رسول الله من الاخلاص الحسنة والاعمال المرضية ففيه ترغيب لمن يجيئ منهم الى يوم القيامة وترهيب عن المخالفة قال فى بهان القرآءن قوله الا المصلين عد عقيب ذكرهم الخصال المذكورة اول سورة المؤمنين وزاد فى هذه السور والذين هم بشهاداتهم قائمون لانه وقع عقيب قوله والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون واقامة الشهادة امانة يؤديها اذا احتاج اليها صاحبها الاحياء حق فهى اذا من جملة الامانة فى سورة المؤمنين وخصت هذه السور بزيادة بيانها كما خصت باعادة ذكر الصلاة حيث يقول اوالذين هم على صلاتهم يحافظون بعد قوله الا المصلين الذى هم على صلاتهم دآئمون انتهى هو قال القاشانى والذين هم على صلاة القلب وهى المراقبة يحافظون او صلاة النفس على الظاهر وفى فتح الرحمن واتفق القرآ على الافراد فى صلاتهم هنا وفىلانعام بخلاف الحرف المتقدم فى المؤمنين لانه لم يكتنفها فيهما ما كتفها فى المؤمنين قبل وبعد من عظيم الوصف المتقدم وتعظيم الجزآء فى المتأخر فناسب لفظ الجمع ولذلك قرأ به اكثر لقرآء ولم يكون ذلك فى غيرها فناسب الافراد .(16/128)
أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)
{ اولئك } المصوفون بما ذكر من الصفات الفاضلة { فى جنات } اى مستقرون فى جنات لا يقادر قدرها ولا يدرك كنهها { مكرمون } بالثواب الابدى والجزآء السرمدى اى سيكونون كذلك فكأن الا كرام فيها واقع لهم الآن وهو خبر آخر أو هو الخبر وفى جنات متعلق به قدم عليه لمراعاة الفواصل او بمضمر هو حال من الضمير فى الخبر أى مكرمون كائنيين فى جنات .(16/129)
فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36)
{ فمال الذين } اى فمال بال الذين { كفروا } وحرموا من الاتصاف بالصفات الجليلة المذكورة وما استفهامية للانكار فى موضع رفع بالابتدآء والذين كفروا خبرها واللام الجارة كتبت مفصولة اتباعا لمصحف عثمان رضى الله عنه قال فى فتح الرحمن وقت ابو عمرو والكسائى بخلاف عنه على الالف دون اللام من قوله فمال هؤلاء فى النساء ومال هذا الكتاب فى الكهب ومال هذا الرسول فى الفرقان وفمال الذين فى سأل ووقف الباقون فى فمال على اللام اتباعا للخط بخلاف عن الكسائى قال ابن عطية ومنعه قوم جملةلانها حرف جرف فهى بعض المجرور هذا كله بحسب ضرورة وانقطاع نفس واما ان اختار احد الوقف فيما ذكرناه ابتدآء فلا انتهى { قبلك } حال من المنوى فى للذين كفروا اى فمالهم ثابتين حولك { مهطعين } حال من التكن فى قبلك من الاهطاع وهو الاسراع اى مسرعين نحوك مادى اعناقهم اليك مقبلين بابصارهم عليك .(16/130)
عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37)
{ عن اليمين وعن الشمال عزين } الجار متعلق بعزين لانه بمعنى مفترقين وعزين حال بعد حال من المنوى فى للذين اى فرقاشتى وبالفارسية كروه كروه حلقه زدكان .
جمع عزة وهى الفرقة من اناس واصلها عزوة من العزو بمعنى الانتماء والانتساب كأن كل فرقة تعتزى الى غير من تعتزى اليه الاخرى اما فى الولادة او فى المظاهرة فهم مفترقون كان المشركون يتحلقون حول رسول الله حلقا حلقا وفرقا فرقا ويستهزئون بكلامه ويقولون ان دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد فلندخلنها قبلهم فنزت(16/131)
أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38)
{ أيطمع } الطمع نزوع النفس الى الشئ شهوة له واكثر الطمع من جهة الهوى { كل امرئ } هرمردى { منهم } اى من هؤلاء المهطعين { أن يدخل جنة نعيم } بالايمان اى جنة ليس فيها الا التنعم المحض من غير تكدر وتنغص .(16/132)
كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39)
{ كلا } ردع لهم عن الطمع الفارغ اى اتركوا هذا الطمع واقطعوا مثل هذا الكلام وبالفارسية نه اينجنين است وكافرانرا دربهشت راه نيست آن . قيل كيف يكون الطمع وهم قالون ذلك استهزآء أجيب بأن الله عليهم بأحوالهم فلعل منهم من كان يطمع والا فيكون المراد من الردع قطع وهم الضعفاء عن احتمال صدق قولهم لعل وجه ايراد يدخل مجهولا من الادخل دون يدخل معلوما من الدخول مع انه الظاهر فى رد قولهم لندخلنها اشعار بأنه لا يدخل من يدخل الا بادخال الله وامره للملائكة به وبأنهم محرومون من شفاعة تكون سببا للدخول وبأن اسناد الدخول اخبارا وأنشاء انما يكون للمرضى عنهم والمكرمين عند الله بايمانهم وطاعتهم كقوله تعالى اولئك يدخلون الجنة وقوله ادخلوا الجنة وفى تنكير جنة اشعار بأنهم مردودون من كل جنة وان كانت الجنان كثيرة وفى توصيفها بنعيم اشعار بأن كل جنة مملوءة بالنعمة وان من طرد من راحة النعيم وقع فى كدر الجحيم وفى ايراد كل اشعار بأن من آمن منهم بعد قولهم هذا وأطلع الله ورسوله حق له الطمع وتعميم للردع لكل منهم كائنا من كان ممن لم يؤمن { انا خلقناهم مما يعلمون } كما قال ولقد علمتم النشأة الاولى وهو كلام مستأنف ومن ذلك وضع السجاوندى علامة الطاء على كلا لتمام الكلام عنده قد سيق تمهيدا لما بعده من بيان قدرته تعالى على أن يهلكهم لكفرهم بالبعث والجزآء واستهزآءهم برسول الله وبما نزل عليه من الوحى وادعائهم دخو الجنة بطريقة السخرية وينشئ بدلهم قوما آخرين فان قدرته تعالى على ما يعلمون من النشاة الاول من حال الطفة ثم العلقة ثم المضغة حجة بينة على قدرته تعالى على ذلك كما تفصح عنه الفاء الفصيحة فى قوله تعالى فلا أقسم وفى التأويلات النجمية انا خلقناهم من الشقاوة الازلية للعداوة الأبدية باليد اليسرى الجلالية القهرية كيف ينزلون مكان من خلقهم من السعادة الأزلية للمحبة الأبدية باليد اليمنى الجالية اللطفية هذا مما يخالف الحكمة الالهية والاردة السرمدية ولا عبرة بالنطفة والطين لاشتراك الكل فيهما وانما العبرة بالاصطفائية والخاصية فى المعرفة فمن عرف الله كان فى جوار الله لان ترابه من ترات الجنة فى الحقيقة وروحه من نور الملكوت ومن جهله كان فى بعد عنه لانه من عالم النار فى الحقيقة وكل يرجع الى اصله(16/133)
فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40)
{ فلا أقسم } اى أقسم كما سبق نظائره ( وقال الكاشفى ) فلا بس نه جنانست كه كفار ميكويند اقسم سوكند ميخورم { برب المشارق والمغارب } جمع المشارق والمغارب اما لان المراد بهما مشرق كل يوم من السنة ومغربه فيكون لكل من الصيف والشتاء مائة وثمانون مشرقا ومغربا وبالفارسية بآفريدكار مشرقها كه آفتاب دارد وهر روز از نقطه ديكر طلوع مينمايد وبخداوند مغربها كه آفتاب راهست وهرورز بنقطه ديكر غروب ميكند او مشرق كل كوكب ومغربه يعنى مراد مشارق ومغارب نجومست جه هريك ازايشان رامحل شروق وغروب ازدائرة افق نقطه ديكرست .
او المراد بالمشرق ظهور دعوة كل نبى وبالمغرب موته أو المراد انواع الهدايات والخذلانات { انا لقادرون } جواب القسم .(16/134)
عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41)
{ على أن نبدل خيرا منهم } اى نبدلهم حذف المفعول الاول للعلم به وخيرا مفعوله الثانى بمعنى التفضيل على التسليم اذ لا خير فى المشركين او نهلكهم بالمرة حسبما تقتضيه جناياتهم ونأتى بدلهم بخلق آخرين ليسوا على صفتهم ولم تقع هذا التبديل وانما ذكر الله ذلك تهديدا لهم لكى يؤمنوا وقيل بدل الله بهم الانصار والمهاجرين { وما نحن بمسبوقين } بمغلوبين أن أردنا ذلك لكن مشيئتنا المبنية على الحكم البالغة اقتضت تأخير عقوباتهم وبالفارسية يعنى كسى برماييشى نتواند كرفت اكراراده امرى كنيم ومغلوب نتوان ساخت دراظهار آن . وقيل عاجزين لان من سبق الى شئ عجز .(16/135)
فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42)
{ فذرهم } فخلهم وشأنهم { يخوضوا } ويشرعوا فى باطلهم الذى من جملته ما حكى عنهم وهو جواب الامر وهو تهديد لهم وتوبيخ كقوله اعملوا ما شئتم { ويلعبوا } فى الدنيا بالاشتغال بما لا ينفعهم وأنت مشتغل بمأمرت به وهذه الآية منسوخة بالسيف { حتى يلاقوا } من الملاقاة بمعنى المعاينة { يومهم } هو يوم البعث عند النفخة الثانية والاضافة لانه يوم كل الخلق وهم منهم او لان يوم القيامة يوم الكفار من حيث العذاب ويوم المؤمنين من جهة الثواب فكأنه يومان يوم للكافرين ويوم للمؤمنين { الذين يوعدون } الآن او على الاستمرار وهو من الوعد كقولهم متى هذا الوعد ويجوز أن يكون من الايعاد وهو بالفارسية بيم كردن .(16/136)
يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43)
{ يوم يخرجون من الاجداث } بدل من يومهم ولذا حمل على يوم البعث جمع جدث وهو القبر { سراعا } حال من مرفوع يخرجون جمع سريع كظراف جمع ظريف اى مسرعين الى جانب الداعى وصوته وهو اسرافيل ينادى على الصخرة كما سبق { كأنهم الى نصب } حال ثانية من المرفوع وهو كل ما نصب فعبد من دون الله وعن ابن عمر رضى الله عنهما هو شبكة يقع فيها الصيد فيسارع اليه صاحبه واحد الانصاب كما قال تعالى وما ذبح على النصب وكان للعرب حجارة تبعدها وتذبح عليها وقال الاخفش جمع نصب كرهن ورهن والانصاب جمع الجمع { يوفضون } من الايقاض وهو بالفارسية شتافتن . واصله متعد أى يسرعون أيهم يستمله اولا فيه تهجين لحالهم الجاهلية وتهكم بهم بذكر جهالتهم الى اعتادوها من الاسراع الى مالا يملك نفعا ولا ضرا .(16/137)
خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44)
{ خاشعة ابصارهم } حال من فاعل يوفضون وابصارهم فاعلها على الاسناد المجازى يعنى وصفت ابصارهم بالخشوع مع انه وصف الكل لغاية ظهور آثاره فيها والمعنى ذليلة خاضعة لا يرفعون ما يتوقعون من العذاب { ترهقهم ذلة } هو ايضا حال من فاعل يوفضون اى تغشاهم ذلة شديدة وحقارة عظيمة وهو بالفارسية خوارى ونكونارى { ذلك } اليوم المذكور الذى سيقع فيه الاحوال الهائلة وهو مبتدأ خبره قوله { اليوم الذى كانوا يوعدون } اى يوعدونه فىلدنيا على ألسنة الرسل وهم يكذبون به فاندفع توهم التكرار لان الوعد الاول محمول على الآتى والاستمرارى كما مر وهذا الوعد محمول على الماضى بدلالة لفظ كان وفى الذلة اشارة الى ذلة الأنانية فانهم يوم يخرجون من الاجداث يسارعون الى صور تناسب هيئاتهم الباطنة فيكون أهل الأنانية فى انكر الصور بحيث يقع المسخ على ظاهرهم وباطنهم كما وقع لابليس بقوله أنا خير منه فكما ان ابليس طرد من مقام القرب ورهقته ذلة البعد فكذا من فى حكمه من الانس ولذا كان السلف يبكون دما من الاخلاق السيئة لا سيما ما يشعر بالانانية من آثار التعيين فان التوحيد الحقيقى هو أن يضير العبد فانيا عن نفسه باقيا بربه فاذا لم يحصل هذا فقد بقى فيه بقية من الناسوتية وكل اناء يرشح بما فيه فطوبى لمن ترشح منه الحق لا النفس والله أسأل أن يكرمنى به واياكم(16/138)
إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2)
{ انا أرسلنا نوحا الى قومه } مر سر نون العظمة مرارا والارسال يقابل بالامساك يكون للتسخير كارسال الريح والمطر ببعث من له اختيار نحو ارسال الرسل وبالتخلية وترك المنع نحوانا أرسلنا الشياطين على الكفارين قال قتادة ارسل نوح من جزيرة فذهب اليهم ونوح اسمه عبد الغفار عليه السلام سمى نوحا لكثرة نوحه على نفسه او هو سريانى معناه الساكن لان الارض طهرت من خبث الكفار وسكنت اليه وهو اول من اوتى الشريعة فى قول واول اولى العزم من الرسل على قول الاكثرين واول نذير على الشرك وكان قومه يعبدون الاصنام واول من عذبت امته وهو شيخ المرسلين بعث ابن اربعين سنة او ثلاثمائة وخمسين او اربعمائة وثمانين ولبث فيهم ألف سنة الا خمسين عاما وعاش بعد الطوفان تسعين سنة قال بعض من تصدى للتفسير فيه دلالة على انه لم يرسل الى اهل الارض كلهم لانه تعالى قال الى قومه فلو ارسل الى الكل لقيل الى الخلق او ما يشابهه كما قيل لرسول الله وما أرسلناك الا كافة للناس ولقول رسول الله كان النبى يبعث الى قومه خاصة وبعثت الى الناس عامة ثم قال ان قيل فما جريمة غير قومه حتى عممهم فى الدعاء عليهم كما قال لا تذر على الارض من الكافرين ديار افانه فاذا لم يرسل اليهم لم يكن كلهم مخالفا لامره وعاصيا له حتى يستحقوا الدعاء بالاهلاك أجيب بأنه يحتمل انه تحقق ان نفوس كفرة زمانه على سجية واحدة يستحقون بذلك أن يدعى عليهم بالاهلاك ايضا انتهى وفنه نظر لانه قال فى انسان العيون فى قوله عليه السلام وكان كل نبى انما يرسل الى قومه اى جميع اهل زمنه او جماعة منهم خاصة ومن الاول نوح عليه السلام فانه كان مرسلا لجميع من كان فى زمنه من أهل الارض لما اخره بأنه لا يؤمن منهم الا من آمن معه وهم اهل السفينة وكانواعانين اربعين رجلا واربعين امرأة او كانوا اربعمائة كما فى العوارف وقد يقال من الآدميين وغيرهم فلا مخالفة دعا على من عدا من ذكر باستئصال العذاب لهم فكان الطوفان الذى كان به هلاك جميع أهل الارض الا من آمن ولو لم يكن مرسلا اليهم ما دعا عليهم بسبب مخالفتهم له فى عبادة الاصنام لقوله تعالى وما كنا معذبين اى فى الدنيا حتى نبعث رسولا وقولا بعض المفسرين ارسل الى آل قابيل لا ينافى ما ذكر لانه يجوز أن يكون آل قابيل اكثر أهل الارض وقتئذ وقد ثبت ان نوحا عليه السلام اول الرسل اى لمن يعبد الاصنام لان عبادة الاصنام اول ما حدثت فى قومه وارسله الله اليهم ينهاهم عن ذلك وحينئذ لا يخالف كون اول الرسل آدم ارسله الله الى اولاده بالايمان به تعالى وتعليم شرآئعه فان قلت اذا كانت رسالة نوح عامة لجميع اهل الارض كانت مساوية لرسالة نبينا عليه السلام قلت رسالة نوح عليه السلام عامة لجميع أهل الارض فى زنه ورسالة نبينا محمد عليه السلام عامة لجميع من فى زمنه ومن يوجد بعد زمنه الى يوم القيامة فلا مساواة وحينئذ يسقط السؤال وهو أنه ليم يبق بعد الطوفال الا مؤمن فصارت رسالة نوح عامة ويسقط جواب الحافظ ابن حجر عنه بأن هذا العموم الذى حصل بعد الطوفان لم يكن من أصل بعثه بل طرأ بعد الطوفان بخلاف رسالة نبينا عليه السلام { أن } اى { انذر قومك } خوفهم بالنار على عبادة الاصنام كى ينتهوا عن الشرك ويؤمنوا بالله وحده فان مفسرة لما فى الارسال من معنى القول ويجوز أن تكون مصدرية حذف منها لاجار وأوصل اليها الفعل اى بأن أنذرهم وجعلت صلتها امرا كما فى قوله تعالى وأن أقم وجهك لان مدار وصلها بصيغ الافعال دلالتها على المصدر وذلك لا يختلف بالخبرية والانشائية ووجوب كون الصلة خبرية فى الموصول الاسمى انما هو للتوصل الى وصف المعارف بالجمل وهى لا توصف الا بالجمل استوايا فى صحة الوصل بها فيتجرد عند ذلك كل منهما عن المعنى الخاص بصيغته فيبقى الحدث المجرد عن معنى الامر والنهى والمضى والاستقبال كأنه قيل أرسلناه بالانذار كذا فى الارشاد وقال بعض العارفين الانبياء والاولياء فى درجات القرب على تفاوت فبعضهم يخرج من نور الجلال وبعضهم من نور الجمال وبعضهم من نور العظمة وبعضهم من نور الكبرياء فمن خرج من نور الجمال اورث قومه البسط والانس ومن خرج من نور العظمه اورث قومه الهيبة والجلال وكان نوح مشكاة نور عظمة الله ولذلك أرسله الى قومه بالانذار فلما عصوه أخذهم باقهر { من قبل أن يأتيهم } من الله تعالى { عذاب أليم } عاجل كالطوفان والغرق او آجل كعذاب لآخرة لئلا يبقى لهم عذر ما اصلا كام قال تعالى لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل والاليم بمعنى المؤلم او المتألم مبالغة والألم جسمانى وروحانى والثانى اشد كأنه قيل فما فعل نوح عليه السلام فقيل { قال } لهم { يا قوم } اى كروه من واصله يا قومى خاطبهم باظهار الشفقة عليهم وارادة الخير لهم وتطيبا لهم { انى لكم نذير } منذر من عاقبة الكفر والمعاصى وافرد الانذار مع كونه بشيرا ايضا لان الانذار أقوى فى تأثير الدعوة لما ان اكثر الناس يطيعون اولا بالخوف من القهر وثانيا بالطمع فى العطاء واقلهم يطيعون بالمحبة للكمال والجمال .(16/139)
يقال الفقير الظاهر ان الانذار أول الامر كما قال تعالى لنبينا عليه السلام قم فأنذر والتبشير ثانى الامر كما قال تعالى وبشر المؤمنين فالانذار يتعلق بالكافرين والتبشير بالمؤمنين وان امكن تبشير الكفار بشرط الايمان لا فى حال الكفر فانهم فى حال الكفر انما يستحقون التبشير التهكمى كما قال تعالى فبشرهم بعذا أليم { مبين } موضح لحقيقة الامر بلغة تعرفونها او بين الانذار .(16/140)
أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3)
{ ان اعبدوا الله } متعلق بنذير اى بأن اعبدوا الله والامر بالعبادة يتناول جميع الواجبات والمندوبات من افعال القلوب والجوارح { واتقوه } يتناول الزجر عن جميع المحظورات والمكروهات { واطيعوا } يتناول امرهم بطاعته فى جميع المأمورات والمنهيات والاعتقاديات العمليات وفى التأويلات النجمية اى فى اخلاقى وصفاتى وافعالى واعمالى واقوالى واحوالى انتهى وهذا وان كان داخلا فى الامر بعبادة الله وتقواه الا انه خصه بالذكر تأكيد فى ذلك التكليف ومبالغة فى تقريره قال بعضهم اصله واطيعونى بالياء ولم يقل واطيعوه بالهاء مع مناسبته لما قبله يعنى اسند الا طاعة الى نفسه لما ان اطاعة الرسول اطاعة الله كما قال تعالى من يطع الرسول فقد اطاع الله وقال تعالى واطيعوا الرسول فاذا كانوا مأمورين باطاعة الرسول فكان للرسول ان يقول واطيعوا وايضا ان الاجابة كانت تقع له فى الظاهر .(16/141)
يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4)
{ يغفر لكم } جواب الامر { من ذنوبكم } اى بعض ذنوبكم وهو ما سلف فى الجاهلية فان الاسلام يجب ما قبله لا ما تأخر عن الاسلام فانه يؤآخذ به ولا يكون مغفورا بسبب الايمان ولذلك لم يقل يغر لكم ذنوبكم بطى من التبعيضية فانه يعم مغفرة جميع الذنوب ما تقدم منها وما تأخر وقيل المراد ببعض الذنوب بعض ما سبق على الايمان وهو مالا يتعلق بحقوق العباد { ويؤخركم } بالحفظ من العقوبات المهلكة كالقتل والاغراق والاحراق ونحوها من اسباب الهلاك والاستئصال وكان اعتقادهم ان من اهلك بسبب من هذه الاسباب لم يمت بأجله فخاطبهم على المعقول عندهم فليس يريد أن الايمان يزيد فى آجالهم كذا فى بعض التفاسير { الى اجل مسمى } معين مقدر عند الله والاجل المدة المضروبة للشئ قال فى الارشاد وهو الامد الاقصى الذى قدره الله لهم بشرط الايمان والطاعية صريح فى ان لهم اجلا آخر لا يجاوزونه ان لم يؤمنوابه وهو المراد بقوله تعالى { ان اجل الله } وهو ما قدر لكم على تقدير بقائكم على الكفر وهو الاجل القريب المطلق الغير المبرم بخلاف الاجل المسمى فانه البعيد المبرم واضيف الاجل هنا الى الله لانه المقدر والخالق اسبابه واسند الى العبادة فى قوه اذا جاء اجلهم لانهم المبتلون المصابون { اذا جاء } وأنتم على ما أنتم عليه من الكفر { لا يؤخر } فبادروا الى الايمان والطاعة قيل مجيئه حتى لا يتحققى شرطه الذى هو بقاؤكم على الكفر فلا يجيئ ويتحقق شرط التأخير الى الاجل المسمى فتؤخروا اليه فالمحكوم عليه بالتأخير هو الاجل المشروط بشرط الايمان والمحكوم عليه بامتناعه هو الاجل المشروط بشرط البقاء على الكفر فلا تناقض لانعدام وحدة الشرط ويجوز أن يراد به وقت اتيان العذاب المذكور فى قوله تعالى من قبل ان يأتيهم عذاب أليم فانه اجل موقت له حتما { لو كنتم تعلمون } شيأ لسارعتم الى ما امرتكم به او لعلمتم ان الاجل لا تأخير فيه ولا اهمال وفيه اشارة الى انهم ضيعوا اسباب العلم وآلات تحصيله بتوغلهم فى حب الدنيا وطلب لذاتهم حتى بلغوا بذلك الى حيث صاروا كأنهم شاكون فى الموت
روزى كه اجل در آيد ازبيش وبست ... شك نيست كه مهلت ندهديك نفست
يارى نرسد دران دم از هيج كست ... برباد شود جمله هوا وهوست(16/142)
قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5)
{ قال } اى نوح مناجيا لربه وحا كياله وهو أعلم بحال ما جرى بينه وبين قومه من القيل والقال فى تلك المدد الطوال بعد ما بذل فى الدعوة غاية المجهود وجاوز فى الانذار كل حد معهود وضاقت عليه الحيل وعيت به العلل { رب } اى بروردكارمن { انى دعوت قومى } الى الايمان والطاعة { ليلا ونهارا } فى الليل والنهار أى دآئما من غير فتور ولا توان فما ظرفان لدعوة أراد بهما لادوام على الدعوة لان الزمان منحصر فيهما وفى كشف الاسرار بشبها درخانهاى ايشان وبروزها در انجمنهاى ايشان . وكان يأتى باب احدهم ليلا فيقرع الباب فيقول صاحب البيت من على الباب فيقول أنا نوح قل لا اله الا الله .(16/143)
فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6)
{ فلم يزدهم دعائى الا فرارا } مما دعوتهم اليه وفى التأويلات النجمية من متابعى ودينى وما أنا عليه من آثار وحيك والفرار بالفارسية كريختن . وهو مفعول ثان لقوله لم يزدهم لانه يتعدى الى مفعولين يقال زاده الله خيرا وزيده فزاد وازداد كما فى القاموس واسناد الى الدعاء مع انها فعل الله تعالى لسببيته لها والمعنى ان الله يزيد الفرار عند الدعوة الصرف المدعو اختياره اليه .(16/144)
وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7)
{ وانى كلما دعوتهم } اى الى الايمان وفى التأويلات النجمية كلما دعوتهم بلسان الامر مجردا عن انضام الارادة الموجبة لوقوع المأمور فان الامر اذا كان مجردا عن الارادة لا يجب ان يقع المأمور به بخلاف ما اذا كان مقرونا بالارادة فانه لا بد حينئذ من وقوع المأمور به { لتغفر لهم } بسببه { جعلوا اصابعهم فى آذانهم } اى سدوا مسامعهم من استماع الدعوة فالجعل المذكور كناية عن هذا السد ولا مانع من الحمل على حقيقته بأن يدخلوا اصابعهم فى ثقب آذانهم قصدا الى عدم الاستماع { واستغشوا ثيابهم } الاستغشاء جامه بسر در كشيدن .
كما فى تاج المصادر مأخوذ من الغشاء وهو الغطاء وفى الاصل اشتمال من فوق ولما كان فيه معنى الستر استعمل بمعناه واصل الاستغشاء طلب الغشى اى الستر لكن معنى الطلب هنا ليس بمقصود بل هو بمعنى التغطى والستر وانما جيئ بصيغته التى هى السين للمبالغة والثياب جمع ثوب سمى به لثوب الغزل اى رجوعه الى الحالة التى قدر لها والمعنى وبالغوا فى التغطى بثيابهم كأنهم طلبوا منها ان تغشاهم اى جميع اجزآء بدنهم آلة الابصار وغيرها لئلا يبصروه كراهة النظر اليه فان المبطل يكره رؤية المحق للتضاد الواقع بينهما وقس عليهما المتكبر والكافر والمبتدع بالنسبة الى المتواضع والمؤمن والسنى اولئلا يعرفهم فيدعوهم .
يقال الفقير هذا الثانى ليس بشئ لان دعوته على ما سبق كانت عامة لجميع من فى الارض ذكورهم وناثهم والمعرفة ليست من شرط الدعوة واشتباه الكافر بالمؤمن مدفوع بأن المؤمن كان اقل القليل معلوما على كل حال على ان التغطى من موجبات الدعوة لان بذلك يعلم كونه من اهل الفرار اذ لم يكن فى ذلك الزمان حجاب وقال بعضهم ويجوز ان يكون التغطى مجارا عن عدم ميلهم الى الاستماع والقبول بالكلية لان من هذا شأنه لا يسمع كلامه غيره { وأصروا } اى اكبوا واقاموا على الكفر والمعاصى وفى قول القلوب الاصرار يكون بمعنى ان يعقد بقلبه انه متى قدر على الذنب فعله اولا يعقد الند ولا التوبة منه واكبر الاصرار السعى فى طلب الاوزار ( وفى تاج المصادر ) الاصرار برجيزى باستادن وكوش راست كردن است .
يقال اصر الحمال على العانة وهى القطيع من حمر الوحش اذا ضم اذنيه الى رأسه واقبل عليها يكدمها ويطردها استعير للاقبال على الكفر والمعاصى والاكباب عليهما بتشبيه الاقبال الكذور باصرار الحمار على العانة يكدمها ويطردها ولو لم يكن فى ارتكاب المعاصى الا التشبيه بالحمار لكفى به مزجرة فكيف والتشبيه فى اسوء حاله وهو حال الكدم والطرد للسفاد { واستكبروا } تعظموا عن اتباعى وطاعتى واخذتهم العزة فى ذلك { استكبارا } شديدا لانهم قالوا أنؤمن لك واتبعك الارذلون قالبعض العارفين من اصر على المعصية اورثته التمادى فى الضلالة حتى يرى قبيح اعماله حسنا فاذا رآه حسنا يتكبر ويعلو بذلك على اولياء الله ولا يقبل بعد ذلك نصيحتهم قال سهل قدس سره الاصرار على الذنب يورث النفاق والنفاق يورث الكفر .(16/145)
ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8)
{ ثم انى دعوتهم } دعوة { جهارا } اى اظهرت لهم الدعوة يعنى آشكارا در محافل ايشان . والجهر ظهور الشئ بافراط لحاسة البصر أو حاسة السمع .(16/146)
ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9)
{ ثم انى اعلنت لهم واسررت لهم اسرار } اشارة الى ذكر عموم الحالات بعد ذكر عموم الاوقات اى دعوتهم تارة بعد تارة ومرة غب مرة على وجوه متخافة واساليب متقاوتة وثم لتفاوت الوجوه فان الجار اشد من الاسرار والجمع بينهما اغلظ من الافراد والاعلان ضد الاسرار يقال اسررت الى فلان حديثا افضيت به اليه فى خفية اى من غير اطلاع احد عليه وجهرت به اظهرته بحيث اطلع عليه الغير ويجوز ان يكون ثم لتراخى بعض الوجوه عن بعض بحسب الزمان بأن ابتدأ بمناصحتهم ودعوتهم فى السر فعاملوه بالامور الاربعة وهى الجعل والتغطى والاصرار والاستكبار ثم ينى بالمجاهرة بعد ذلك فلما لم يؤثر جمع بين الاعلان والاسرا أى خلط دعاءه بالعلانية بدعاء السر فكما كلمهم جميعا كلمهم واحدا واحدا سرا وقال بعضهم اشكارا كردم مر بعضى ايشانرا يعنى باشكارا آوز برداشتم وباعلاى صوت دعوت كردم وبارز كفتم مر بعضى ديكر از ايشانرا .
وفى بعض التفاسير ان نوحا عليه السلام لما آذوه بحيث لا يوصف حتى كانوا يضربونه فى اليوم مرات عيل صبره فسأل الله ان يواريه عن ابصارهم بحيث يسمعون كلامه ولا يرونه فينالونه بمكروه ففعل الله ذلك به فدعاهم كذلك زمانا فلم يؤمنوا فسأل ان يعيده الى ما كان وهو قوله اعلنت لهم واسررت لهم اسرارا وقال القاشانى ثم انى دعوتهم جهارا اى نزلت عن مقام التوحيد ودعوتهم الى مقام العقل وعالم النور ثم انى اعلنت لهم بالمعقولات الظاهرة واسررت لهم فى مقام القلب بالاسرار الباطنة ليتو صلوا اليها بالمعقول .(16/147)
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10)
{ فقلت } لهم عقيب الدعوة عطف على قوله دعوت { استغفروا ربكم } اطلبعوا المغفرة منه لأنفسكم بالتوبة عن الكفر والمعاصى قبل الفوت بالموت { انه } تعالى { كان غفارا } للتائبين بجعل ذنوبهم كأن لم تكن والمراد من كونه غفارا فى الازل كونه مريدا للمغفرة فى وقتها المقدر وهو وقت وجود المغفور له وفى كشف الاسرار كان صلة اليه ورؤية التقصير فى العبودية الندم على ما ضاع من ايامهم بالغفلة عن الله وفى الحديث « من اعطى الاستغفار لا يمنع المغفرة » لانه تعالى قال استغفروا ربكم انه كان غفارا ولذا كان على رضى الله عنه يقول ما ألهم الله عبدا الاستغفار وهو يريد ان يعذبه وعن بعض العلماء قال الله تعالى ان أحب عبادى الى المتحابون بحبى والمعلقة قلوبهم بالمساجد والمستغفرون بالاسحار اولئك الذين اذا اردت اهل الارض بعقوبة ذكرتهم فتركتهم وصرفت العقوبة عنهم والغفار ابلغ من الغفور وهو من الغافر واصل الغفر الستر والتغطية ومنه قيل لجنة الرأس مغفر لانه يستر الرأس والمغفرة من الله سترة للذنوب وعفوه عنها بفضله ورحمته لا بتوبة العباد وطاعتهم وانما التوبة والطاعة للعبودية ورعض الافتقار وفى بعض الاخبار عبدى لو أتيتنى بقراب اصرض ذنوبا لغفرتها لك ما لم تشرك بى ( حكى ) ان شيخا حج مع شاب لما احرم قال لبيك اللهم لبيك فقيل له لبيك فقال الشاب للشيخ ألا تسمع هذا الجواب فقال كنت اسمع هذا الجواب منذ سبعين سنة قال فلاى شئ تتعب نفسك فبكى الشيخ فقال فالى اى باب التجئ فقيل له قد قبلناك
همه طاعت آرند ومسكين نياز ... بياتا بدركاه مسكين نواز
جوشاخ برهنه برآريم دست ... كه بى برك ازين بيش نتوان نشست(16/148)
يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11)
{ يرسل السماء } اى المطر كما قال الشاعر اذا نزل السماء بارض قوم وقال بعضهم اى ماء السماء فحذف المشاف { عليكم } حال كونه { مدرارا } اى كثير الدرور اى السيلان والانصاب وبالفارسية فرو كشايد برشما باران بى در بى وبيهنكام .
وفى الارسال مبالغة بالنسبة الى الانزال وكذا المدرارا صيغة مبالغة ومفعال مما يستوى فيه المذكر والمؤنث كقولهم رجل او امرأة معطار ويرسل جواب شرط محذوف اى ان تستغفروا يرسل السماء وفى قول النجاة فى مثلة انه جواب الامر وهو ههنا استغفروا واتسامح فى العبارة اعتمادا على وضوح المراد وكسر اللام بالوصل لتحرك الساكن به كأن قوم نوح تعللوا وقالوا ان كنا على الحق فكيف نتركه وان كنا على الباطل فكيف يقبلنا بعدما عكفنا عيه دهرا طويلا نأمرهم الله بما يمحق ما سلف منهم من المعاصى ويجلب عليهم المنافع وهو الاستغفار ولذلك وعدهم بالعوآئد العاجلة التى هى اوقع فى قلوبهم من المغفرة وأحب اليهم اذا النفس حريصة بحب العاجل ولذلك جعلها جواب الامر بأن قال يوسل السماء الخ دون المغفرة بأن قال يغفر لكم ليرغبوا فيها ويشاهدوا ان اثرها وبركتها ما يقاس عليه حال المغفرة فالاستغال بالطاعة سبب لانفتاح أبوا بالخيرات كما ان المعصية سبب لخراب العالم بظهور اسباب القهر الالهى وقيل لما كذبوه بعد تكرير الدعوة حبس الله عنهم القطر واعقم ارحام نسائهم اربعين سنة وقيل سبعين سنة فوعدهم ان آمنوا ان يرزقهم الله الخصب ويدفع عنهم ما كانوا فيه . يقول الفقير هذا القول هو الموافق للحكمة لان الله تعالى يبتلى عباده بالخير والشر ليرجعوا اليه ألا ترى الى قريش حيث ان الله جعل لهم سبع سنين كسنى يوسف بدعاء النبى عليه السلام ليرجعوا عما كانوا عليه من الشرك فلم يرفعوا له رأسا .(16/149)
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)
{ ويمددكم باموال وبنين } اى يوصل اليكم ويعط لكم المدد والقوة بهما كما قال الله تعالى ويزدكم قوة الى قوتكم { ويجعل لكم } اى وينشئ لكم { جنات } بساتين ذوات اشجار واثمار { ويجعل لكم } فيها { انهارا } جارية تزينها بالنبات وتحفظها عن اليبس وتفرح القلوب وتسقى النفوس كان الظاهر تقديم الجنات والانهار على الامداد لكونهما من توابع الارسال وانما اخرهما لرعاية رأس الآية وللاشعار بأن كلا منهما نعمة اليهة على حدة وعن الحسن البصرى قدس سره ان رجلا شكا اليه الجدب فقال استغفر الله وشكا اليه آخر الفقر وآخر قلة النسل وآخر قلة ريع ارضه فأمرهم كلهم بالاستغفار فقال له الربيع بن صبيح اتاك رجال يشكون أبوابا ويسألون انواعا فأمرتهم كلهم بالاستغفار فتلا له الآية قال فى فتح الرحمن ولذلك شرع الاستغفار فى الاستسقاء وهو الدعاء بطلب السقيا على وجه مخصوص فاذا اجدبت الارض وقحط المطر ولم يختطلوا بالمسلمين ولم يفردوا بيوم وقد سبق بعض تفصيله فى سورة البقرة .(16/150)
مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13)
{ ما لكم لا ترجون لله وقارا } انكار لان يكون بالاعتقاد وأدنى درجته الظن والوقار فى الاصل السكون الحلم وهو ههنا بمعنى العظمة لانه يتسبب عنها فى الاغلب ولا ترجون حال من ضمير المخاطبين والعامل فيها معنى الاستقرار فى لكم والله متعلق بمضمر وقع حالا من وقارا ولو تأخر لكان صفة له والمعنى اى سبب حصل لكم واستقر حال كونكم غير معتقدين لله عظمة موجبة لتعظيمه بالايمان والطاعة له اى لا سبب لكم فى هذا مع تحقق مضمون الجملة الحالية وبالفارسية جيست شمارا كه ايمدنداريد يعنى نمى شناسيد مرخدايرا عظمت وبزركوارى واعتقاد نمى كنيد تابترسيد ازنا فرمانئ او .
وفى كشف الاسرار هذا الرجاء بمعنى الخوف والوقار العظمة اى لا تخافون لله عظمة وعن ابن عباس رضى الله عنه ما لكم لا تخشون منه عقابا ولا ترجون منه ثوابا بتوقيركم اياه وفى التأويلات النجمية مالكم لا تطلبون ولا تكسبون من اسم الله الاعظم ما يوقركم عنده بالتخلق بكل اسم تحته حتى تصيروا بسبب تحققكم بجميع اسمائه الداخلة فيه مظهره ومجلاه .(16/151)
وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14)
{ وقد خلقكم اطوارا } يقال فعل كذا طور ابعد طور أى تارة بعد تارة وعدا طوره اى تجاوز حده وقدره والمعنى والحال انكم على حالة منافية لما أنتم عليه بالكلية وهى انكم تعلمون انه تعالى خلقكم وقدركم تارات اى مرات حالا بعد حال عناصر ثم اغذية ثم اخلاطا ثم نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما والحوما ثم انشأكم خلقا آخر فان التقصير فى توقير من هذه شؤونه فى القرة القاهرة والاحسان التام مع العلم بها مما لا يكاد يصدر عن العاقل وقال بعضهم هى اشارة الى الاطوار السبعة المذكورة فى قوله ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جلعناه نطفة فى قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم انشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين فهذه هى التارات والاحوال السبع المترتب بعضها على بعض كل تارة أشرف ما قبلها وحال الانسان فيها احسن ما تقدمها
جون صورت وبت نه نكارند بكشمير ... جون قامت توسرونه كارند بكشور
كرنفش توبيش بت آزر بنكارند ... ازشرم فروريزد نقش بت آزر
وقيل خلقكم صبيانا وشبانا وشيوخا وقبل طوالا وقصارا واقوياء وضعفاء مختلفين فى الخلق والخلق كما قال تعالى واختلاف ألسنتكم وألوانكم وقيل خلقهم اطوارا حين أخرجهم من ظهر آدم للعهد ثم خلقهم حين اذن بهم ابراهيم عليه السلام للحج ثم خلقهم ليلة اسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم فأراه اياهم وقال بعض اهل المعرفة خلقكم اطوارا من اهل المعرفة ومن اهل المحبة ومن اهل الحكمة ومن الله التوحيد ومن اهل الشوق ومن اهل العشق ومن اهل الغناء ومن اهل البقاء ومن اهل الخدمة ومن اهل المشاهدة خلق طور الارواح القدسية من نور الجبروت وطور العقول الهادية العارفة من نور الملكوت وطور القلوب الشائقة من معادن القربة وطور اجسام الصديقين من تراب الجنة فكل جور يرجع الى معدنه من الغيب .(16/152)
أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)
{ ألم تروا } يا قومى والاستفهام للتقرير والرؤية بمعنى العلم لعلهم علموا ذلك بالسماع من اهله او بمعنى الابصار والمراد مشاهدة عجائب الصنع الدال على كمال العلم والقدرة { كيف خلق الله سبع سموات } حال كونها { طباقا } اى متطابقا بعضها فوق بعض كما سبق فى سورة الملك اتبع الدليل الدال على انه يمكن ان يعيدهم وعلى انه عظيم القدرة بدلائل الانفس لان نفس الانسان أقرب الاشياء اليه ثم اتبع ذلك بدلائل انه فاق فقال { وجعل القمر فيهن نورا } اى منور الوجه الارض فى ظلمة الليل ونسبته الى الكل مع انه فى السماء الدنيا لان كل واحدة من السموات شفافة لا يحجب ما ورآءها فيرى الكل كأنها سماه واحدة ومن ضرورة ذلك أن يكون ما فى واحدة منها كأنه فى الكل على انه ذهب ابن عباس وابن عمر ووهب بن منبه رضى الله عنهم الى ان الشمس والقمر والنجوم وجوهها مما يلي السماء وظهورها مما يلي الارض وهو الذى يقتضيه لفظ السراج لان ارتفاع نوره فى طرف العلو ولولا ذلك لأحرقت جميع ما فى الارض بشدة حرارتها فجعلها الله نورا وسراجا لأهل الارض والسموات فعلى هذا ينبغى أن يكون تقدير ما بعده وجعل الشمس فيهن سراجا حذف لدلالة الاول عليه { وجعل الشمس } هى فى السماء الرابعة وقيل فى الخامسة وقال عبد الله بن عمر وبن العاص رضى الله عنهما فى الشتاء فى الرابعة وفى الصيف فى السابعة ولو أضاءت من الرابعة او من السماء الدنيا لم يطق لها شئ ( كما قال فى المثنوى )
آفتابى كزوى اين عالم فروخت ... اندكى كربيش آيد جمله خت(16/153)
وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17)
{ والله أنبتكم من الارض نباتا } اى انباتا عجيبا وانشأكم منها انشاء غريبا بواسطة انشاء أبيكم آدم منها او انشأ الكل منها من حيث انه خلقهم من النطف المتولدة من النبات المتولد من الارض استعير الانبات للانشاء لكونه أدل على الحدوث والتكون من الارض لانهم اذا كانوا نباتا كانوا محدثين لا محالة حدوث النبات ووضع نباتا موضع انباتا على انه مصدر مؤكد لأنبتكم بحذف الزوآئد ويسمعنى اسم مصدر دل عليه القرية الآتية وهى قوله ويخرجكم اخراجا وقال بعضهم نباتا حال لا مصدر ونبه بذلك ان الانسان من وجه نبات من حيث ان بدأه ونشأنه من التراب وانه ينمو نموه وان كان له وصف زآئد على النبات والنبات ما يخرج من الارض سوآء كان له ساق كالشجر او لم يكن كالنجم لكن اختص فى التعارف بما لا ساق له بل اختص عند العامة بما يأكله الحيوان وقال بعض اهل المعرفة والله أنبتكم من الارض نباتا اى جعل غذآءكم الذى تنمو به اجسادكم الارض كما جعل النبات ينمو بالماء بواسطة التراب فغذآء هذه النشأة ونموها بما خلقت منه .(16/154)
ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18)
{ ثم يعيدكم فيها } اى فى الارض بالدفن عند موتكم { ويخرجكم } منها عند البعث والحشر { اخراجا } محققا لا ريب فيه وذلك لجازاة الاولياء ومحاسبة الاعدآء ولم يقل ثم يخرجكم بل ذكروا بالواو الجامعة ايها مع يعيدكم رمزا الى ان الاخراجمع الاعادة فى القبر كشئ واحد لا يجوز أن يكون بعضها محقق الوقوع دون بعض وفى التأويلات النجمية والله أنبت من ارض بشريتكم نبات الاخلاق والصفات ثم يعيدكم فى تلك الارض بالبقاء بعد الفناء بطريق الرجوع الى احكام البشرية بالله لا بالطبع والميل الطبيعى ويخرجكم اى ويظهركم ويغلبكم على النصر فى العالم بالله لا بكم ولا بقدرتكم واستطاعتكم(16/155)
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19)
{ والله } كرر الاسم الجليل للتعظيم والتيمن والتبرك { جعل لكم } اى لمنافعكم { الارض } سبق بياتها فى سورة الملك وغيرها { بساطا } مبسوطة متسعة كالبساط والفراش تتقلبون عليها تقلبكم على بسطكم فى بيوتكم قال أبو حيان ظاهره ان الارض ليست كرية بل هو مبسوطة قال سعدى المفتى وانما هو فى التقلب عليها على ما فسروه انتهى وقد مر مرارا ان كرة الارض لانتا فى الحرث ولغرس ونحو هما لعظم دآئرتها كما يظهر الفرق بين بيضة الحمامة وبيضة النعامة .(16/156)
لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20)
{ لتسلكوا } من السلوك وهو الدخول لا من السلك وهو الادخال { منها سبلا فجاجا } اى طرقا واسعة جمع سبيل وفج وهو الطريق الوساع فجر دهنا لمعنى الواسع فجعل صفة لسبلا وقيل هو المسلك بين الجبلين قال فى المفردات الفج طريق يكتنفها جبلان ويستعمل فى الطريق ال واسع ومن متعلقة بما قبلها لما فيه من معنى الاتخاذ اى لستلكوا متخذين من الارض سبلا فتصرفوا فيها مجيئا وذهابا او بمضمر هو حال من سبلا اى كائنة من الارض ولو تأخر لكان صفة لها ثم جعلها بساطا للسلوك المذكور لا ينافى غيره من الوجوه كالنوم والاستراحة والحرث والغرس ونحوها ثم السلوك اما جسمانى بالحركة الابنية الموصلة الى المقصد واما روحانى بالحركة الكيفية الموصولة الى المقصود ولكل منها فوآئد جليلة كطلب العلم والحج والتجارة وغيرها وكتحصيل المحبة والمعرفة والانس ونحوها وقال القاشانى والله جعل لكم ارض البدن بساطا لستكلوا منها سبل الحواس فجاجا اى خروقا واسعة او من جهتها سبل سماء الروح الى التوحيد كما قال امير المؤمنين رضى الله عنه سلونى عن طرق السماء فانى أعلم بها من طرق الارض أراد الطرق الموصلة الى الكمال من المقامات والاحوال كالزهد والعبادة والتوكل والرضى وامثال ذلك ولهذا كان معراج النبى عليه السلام بالبدن .(16/157)
قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21)
{ قال نوح } أعيد لفظ الحكاية لطول العهد بحكاية مناجاته لربه فهو بذل من قال الاول ولذا ترك العطف اى قال منا جياله تعالى { رب } اى بروردكار من رانهم عصونى } داموا على عصيانى ومخالفتى فيما امرتم به مع ما بالغت فى ارشادهم بالعظة والتذكير { واتبعوا من لم يزده ماله وولده الا خسارا } اى استمروا على اتباع رؤسائهم الذين ابطرتهم اموالهم وغرتهم اولادهم وصارت تلك الاموال والاولاد سببا لزيادة خسارهم فى الآخرة فصاروا سوة لهم الخسار وفى وصفهم بذلك اشعار بأنهم انما اتبعوهم لوجاهتهم الحاصلة لهم بسبب الاموال والاولاد لما شاهدوا فيهم من شبهة مصححة للاتباع كما قالت قريش لولا نزل هذا القرءآن على رجل من القريتين عظيم فجعلوا الغنى سببا مصححا للاتباع ودل الكلام على ان ازدياد المال والولد كثيرا ما يكون سببا للهلاك الروحانى ويورث الضلال فى الدين اول والاضلال عن اليقين ثانيا قال ابن الشيخ المفهوم من نظم الآية ان اموالهم واولادهم عين الخسار وان ازديادهما انما هو ازدياد خسارهم والامر فى الحقيقة كذلك فانهما وان كانا من جملة المنافع المؤدية الى السعادة الأبدية بالشكر عليهما وصرفهما الى وجوه الخير الا انهما اذا اديا الى البطر والاغترار وكفران حق المنعم بهما وصارا وسيلتين الى العذاب المؤبد فى الآخرة صارا كأنهما مخض الحسار لان الدنيا فى جنب الآخرة كالعدم فمن انتفع بهما فى الدنيا خسر سعادة الآخرة وصار كمن اكل لقمة مسمومة من الحلوى فهلك فان تلك اللقمة فى حقه هلاك محض اذ لا عبرة لانتفاعه بها فى جنب ما ادت اليه
توغافل درانديشه سود ومال ... كه سرمايه عمر شد بايمال(16/158)
وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22)
{ ومكروا } عطف على صلة من لان المكر الكبار يليق بكبرآئهم والجمع باعتبار معناها والمكر الحيلة الخفية وفى كشف الاسرار المكر فى اللغة غاية الحيلة وهو من فعل الله تعالى اخفاء التدبير { مكرا كبارا } اى كبيرا فى الغاية وقرئ بالتخفيف والاول ابلغ منه وهو أبلغ من الكبير نحو طوال وطوال وطويل ومعنى مكره الكبار احتيالهم فى منع الناس عن الدين وتحريشهم لهم على اذية نوح قال الشيخ لما كان التوحيد اعظم المراتب كان المع منه والأمر بالشرك اعظم الكبائر فلذا وصفه الله بكونه مكرا كبارا .(16/159)
وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23)
{ وقالوا } اى الرؤساء للاتباع والسفلة { لا تذرن آلهتكم } اى لا تتركوا عبادتها على الاطلاق الى عبادة رب نوح ومن عطف مكروا على اتبعوا يقول معنى وقالوا وقال بعضهم لبعض فالقائل ليس هو الجمع { ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا } جرد الاخرين عن حرف النفى اذ بلغ التأكيد نهايته وعلم ان القصد الى كل فرد فرد لا الى المجموع من حيث هو مجموع والمعنى ولا تذرن عبادة هؤلاء خصوصا فهو من عطف الخاص على العام خصوصا بالذكر مع اندراجها فيما سبق لانها كانت اكبر اصنامهم وأعظم ما عندهم وقد انتقلت هذه الاصنام بأعيانها عنهم الى العرب فكان ودلكلب بدومة الجندل بضم دال دومة ولذلك سمت العرب بعبد ود وقال الراغب الود صنم سمى بذلك اما لمودتهم له او لاعتقادهم ان بينه وبين البارى تعالى مودة تعالى عن ذلك وكان سواع لهمدان بسكون الميم قبيلة باليمين ويغوث لمذحج كمجلس بالذال المعجمة وآخره جيم ومنه كانت العرب تسمى عبد يغوث ويعول لمراد وهو كغراب او قبيلة سمى به لانه تمرد ونسر لحمير بكسر الحاء وسكون الميم نوزن درهم موضع عربى صنعاء اليمن وقيل انتقلت اسماؤها اليهم فاتخذوا امثالها فعبدوها اذ يبعد بقاء اعيان تلك الاصنام كيف وقد خربت الدنيا فى زمان الطوفان ولم يضعها نوح فى السفينة لانه بعث لنفياه وجوابه ان الطوفان دفنها فى ساحل جدة فلم تزل مدفونة حتى اخرجها اللعين لمشركى العرب نظيره ما روى ان آدم عليه السلم كتب اللغات المختلفة فى طين وطبخه فلما أصاب الارض الغرق بقى مدفونا ثم وجد كل قوم كتابا فكتبوه فأصاب اسمعيل عليه السلام الكتاب العربى وقيل هى اسماء رجال صالحين كانوا بين آدم ونوح وقيل من اولاد آدم ماتوا فحزن الناس عليهم حزنا شديدا واجتمعوا حول قبورم لا يكادون يفارقونها وذلك بأرض بابل فلما رأى ابليس فعلهم ذلك جاء اليهم فى صورة انسان وقال لهم هل لكم أن أصور لكم صورهم اذا نظرتم اليها ذكرتموهم واتسأنستم وتبركتم بهم قالوا نعم فصور لهم صورهم من صفر ورصاص ونحاس وخشب وحجر وسمى تلك الصور بأسمائهم ثم لما تقادم الزمن وانقرضت الآباء والابناء وابناء الابناء قال لمن حدث بعدهم ان من قبلكم كانوا يعبدون هذه الصور فعبدوها فى زمان مهلابيل بن قيتان ثم صارت سنة فى العرب فى الجاهلية وذلك اما باخراج الشيطان اللعين تلك الصور كما سبق او بانه كان لعمرو بن لحى وهو اول من نصب الاوثان فىلكعبة تابع من الجن فقال له اذهب الى جدة وائت منها بالآلهة التى كانت تعبد فى زمن نوح وادريس وهى ودالخ فذهب وأتى بها الى مكة ودعا الى عبادتها فنتشرت عبادة الاصنام فى العرب وعاش عمر وبن لحى ثلاثمائة واربعين سنة ورأى من ولده وولد ولد ولده الف مقاتل ومكث هو وولده فى ولاية البيت خمسمائة سنة ثم انتقلت الولاية الى قريش فمكثوا فيها خمسمائة اخرى فكان البيت بين الاصنام ألف سنة وذكر الامام الشعرانى ان اصل وضع الاصنام انما هو من قوة التنزيه من العلماء الاقدمين فانهم نزهوا الله عن كل شئ وامروا بذلك عامتهم فلما رأوا ان بعض عامتهم صرح بالتعطيل وضعوا لهم الاصنام وكسوها الديباج والحلى والجواهر وعظموها بالسجود وغيره ليتذكروا بها الحق الذى غاب عن عقولهم وغاب عن اولئك العلماء ان ذلك لا يجوز الا باذل من الله تعالى هنا كلامه قال السهيلى ولا أدرى من اين سرت لهم تلك السماء القديمة أمن قبل الهند فقد ذكر عنهم انهم كانوا المبدأ فى عبادتهم الاصنام بعد نوح ام الشيطان ألهمهم ما كنت عليه الجاهلية الاولى قبل نوح وفى التكملة روى تقى بن مخلد أن هذه الاسماء المذكورة فى سورة كانوا ابناء آدم عليه السلام من صلبه وأن يغوث كان اكبرهم وهى اسماء سريانية ثم وقعت تلك الاسماء الى أهل الهند فسموا بها اصنامهم التى زعموا انها على صور الدارارى السبعة وكانت الجن تكلمهم من جوفها فافتتنوا بها ثم ادخلها الى ارض العرب عمرو بن لحى بن قمعة بن الياس بن مضر فمن قبله سرت الى ارض العرب وقيل كان ود على صورة رجل وسواع على صورة امرأة ويغوث على صورة أسد ويعوق على صورة فرس ونسر على صورة نسر وهو طائر عظيم لانه ينسر الشئ ويقتلعه وفى التأويلات النجمية لا تتركن عبودة آلهتكم التى هى ود النفس المصورة بصورة المرأة وسواع الهوى المصور بصورة الرجل ويغوث الطبيعة المشكلة بشكل الأسد ويعوض الشهوة المشكلة بصورة الفرس ونسر الشره المصور بصورة النسر وقال القاشانى اى معبوداتكم التى عكفتم بهواكم عليها من ود البدن الذى عبدتموه بشهواتكم وأحييتموه وسواع النفس ويغوث الاهل ويعوق المال ونسر الحرص .(16/160)
وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24)
{ وقد أضلوا } اى الرؤساء والجملة حالية { كثيرا } اى خلقا كثيرا او اضل الاصنام كقوله تعالى رب انهن اضللن كثيرا من الناس جمعهم جمع العقلاء لعدهم آلهة ووصفهم بأوصاف العقلاء { ولا تزد الظالمين } بالاشتراك فان الشرك ظلم عظيم اذ أصل الظلم وضع الشئ فى غير موضعه فهل شئ اسوأ فى هذا من وضع اخس المخلوق وعبادته { الا ضلالا } الجملة عطف على قوله تعالى رب انهم عصونى اى قال رب انهم عصونى وقال ولا نزد الظالمين الا ضلالا قالوا ومن الحكاية لا من المحكى او من كلام الله لا من كلام نوح فنوح قال كل واحد من هذين القولين من غيرن يعطف احدهما على الآخر فحكى الله احد قوليه بتصديره بلفظ قال وحكى قوله صاخر بعطفه على قوله الاول بالواو المنائبة عن لفظ قال فلا يلزم عطف الانشاء على الاخبار ويجوز عطفه على مقر اى فاخذلهم قالوا وحينئذ من المحكى والمراد بالضلال هو الضيام والهلاك والضلال فى تمشية مكرهم وترويجه مصالح دنياهم لا فى امر دينهم حتى لا يتوجه انه انما بعث ليصرفهم عن الضلال فكيف يليق به أن يدعو الله فى أن يزيد ضلالهم وان هذا الدعاء يتضمن الرضى بكفرهم وذلك لا يجوز فى حق الانبيا ءوان كان يمكن أن يجاب بأنه بعدما اوحى اليه انه لا يؤمن من قومك الا من قد من وان المحذور هو الرضى المقرون باستحسان الكفر ونظيره دعاء موسى عليه السلام بقوله واشدد على قلوبهم فمن احب موت الشرير بالطبع على الكفر حتى ينتقم الله منه فهذا ليس بكفر فيؤول المعنى الى أن يقال ولا يزد الظالمين الا ضلالا وغيرا ليزدادوا عقابا كقوله تعالى انما نملى لهم ليزدادوا اثما وقوله انى أريد أن تبوء باثمى واثمك فتكون من اصحاب النار قالوا دعا نوع الابناء بعد الآباء حتى بلغوا سبعة قرون فلما ايس من ايمانهم دعا عليهم .(16/161)
مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25)
{ مما خطيئاتهم } اى من اجل خطيئات قوم نوح واعمالهم المخالفة للصواب وهى الكفر والمعاصى وما مزيدة بين الجار والمجرور لتأكيد الحصر المستفاد من تقديم قوله مما خطيئاتهم فانه يدل على ان اغراقهم بالطوفان لم يكن الا من اجل خطيئاتهم تكذيبا لقول المنجمين من ان ذلك كان لاقتضاء الاوضاع الفلكية اياه ونحو ذلك فانه كفر لكونه مخالفا لصريح هذه الآية ولزيادة ما الابهامية فائدة غير التوكيد وهى تفخيم خطيئاتهم اى من اجل خطيئاتهم العظيمة ومن لم ير زيادتها جعلها نكرة وجعل خطيئاتهم بدلا منها والخطيئات جمع خطيئة وقرأ ابو عمر وخطاياهم بلفظ الكثرة لان المقام مقام تكثير خطيئاتهم لانهم كفروا ألف سنة والخيئات لكونه جمع السلامة لا يطلق على ما فوق العشرة الا بالقرينة والظاهر من كلام الرضى ان كل واحد من جمع السلامة والتكثير لمطلق الجمع من غير نظل الى القلة والكثرة فيصلحان لهما ولذا قيل انهما مشرتكان بينهما واستدلوا عليه بقوله تعالى ما نفذت كلمات الله { اغرقوا } فى الدنيا بالطوفان لا بسبب آخر وفيه زجر لمرتكب الخطايا مطلقا { فأدخلوا نارا } تنكير النار اما لتعظيمها وتهويلها او لانه تعالى اعد لهم على حسب خطيئاتهم نوعا من النار والمراد اما عذاب القبر فهو عقيب الاغراق وان كانوا فى الماء فان من مات فى ماء او نار او اكلته السباع او الطير أصابه ما يصيب المقبور من العذاب عن الضحاك انهم كانوا يغرقون من جانب اى بالابدان ويحرقون من جانب اى بالارواح فجمعوا بين الماء والنار كما قال الشاعر
الخلق مجتمع طورا ومفترق ... والحادثات فنون ذات اطوار
لا تعجبن لأضداد اذا اجتمعت ... فالله يجمع بين الماء والنار
او عذاب جهنم والتعقيب لتنزيله منزلة المتعقب لاغراقهم لاقترا به وتحققه لا محالة واصتال زمانه بزمانه كما دل عليه قوله من مات فقد قامت قيامته على ان النار اما نصف نار وهى للارواح فى البرزخ واما تمام نار وهى للارواح والاجسام جميعا بعد الحشر وقس على الجحيم النعيم { فلم يجدوا لهم من دون الله انصارا } اى يجد أحد منهم لنفسه واحدا من الانصار ينصرهم على من اخذهم بالقهر والانتقام وفيه تعريض باتخاذهم آلهة من دون الله وبأنها غير قادرةعلى نصرهم وتهكم بهم ومن دون الله حال متقدمة من قوله انصارا والجملة الاستئنافية الى هنا من كلام الله اشعارا بدعوة اجابة نوح وتسلية للرسول عليه السلام واصحابه وتخويفا للعاصى من العذاب واسبابه .(16/162)
وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26)
{ وقال نوح } بعدما قنط من اهتدآئهم قنوطاتا ما بالامارات الغالبة وباخبار الله تعالى { رب } اى بروردكار من { لا تذر على الارض } لا تترك على الارض { من الكافرين } بك وبما جاء من عندك متقدمة من قوله { ديارا } احدا يدور فى الارض فيذهب ويجيئ اى فأهلكهم بالاستئصال والجملة عطف على نظيرها السابق وقوله تعالى مما خطيئاتهم الخ اعتراض وسط بين دعائه عليه السلام للايذان من اول الامر بان ما اصابهم من الاغراق والاحراق لم يصبهم الا لأجل خطيئاتهم التى عددها نوح وأشار الى استدراكهم للاهلاك لاجلها لما انها حكاية لنفس الاغراق والاحراق على طريقة حكاية ما جرى بينه عليه السلام وبينهم من الاحوال والاقوال والا لأخر عن حكاية دعائه هذا وديار من الاسماء المستعملة ى النفى العام يقال ما بالدار ديار أو ديور كقيام وقيوم اى احد وساكن وهو فيعال من الدور او من الدار اصله ديوار وقد فعل به ما فعل باصل سيد فمعنى ديار على الاول احد يدور فى الارض فيهب ويجيئ وعلى الثانى احد ممن ينزل الدار ويسكنها وأنكر بعضهم كونه من الدور ان وقال لو كان من الدور ان لم يبق على وجه الارض جنى ولا شيطان وليس المعنى على ذلك وانما المعنى اهلك كل ساكن دار من الكفار أى كل انسى منهم .
يقول الفقير جوابه سهل فان المراد كل من يدور على الارض من امة الدعوة ليس الجن والشيطان منها اذ لم يكن نوح مبعوثا الى الثقلين وليس ديار فعالا من الدار والا لقيل دوار لان اصل دار دون فقلبت واوه ألفا فلما ضعفت عينه كان دوار بالواو الصحيحة المشددة اذ لا وجه لقلبها ياء .(16/163)
إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27)
{ انك ان تذرهم } عليها كلا او بعضا ولا تهلكهم بيان لوجه دعائه عليهم واظهار بأنه كان من الغيرة فى الدين لا لغلبة غضب النفس لهواها { يضلوا عبادك } عن طريق الحق قال بعضهم عبادك المؤمنين وفيه اشعار بأن الاهل لان يقال لهم عباد اهل الايمان انتهى وفيه نظر بل المراد يصدوا عبادك عن سبيلك كقوله تعالى وصدوا عن سبيل الله دل عليه انه كان الرجل منهم ينطلق بابنه الى نوح فيقول له احذر هذا فانه كذاب وان ابى حذرنيه واوصانى بمثل هذه الوصية فيموت الكبير وينشأ الصغير على ذلك { ولا يلدوا } ونزايند { الا فاجرا } الفجر شق الشئ شقا واسعا كفجر الانسان الكسر وهو بالكسر اسم لسد النهر وما سد به النهر والفجور شق ستر الديانة { كفارا } مبالغا فى الكفر والكفارن قال الراغب الكفار بلغ من الكفور وهو المبالغ فى كفران النعمة والمعنى الا من سيفجر ويكفر فالوجه ارتفاعهم عن وجه الارض والعلم لك فوصفهم بما يصيرون اليه بعد البلوغ فهو من مجاز الاول وكأنه اعتذار مما عيسى رد عليه من ان الدعاء بالاستئصال مع احتمال ان يكون من اخلافهم من يؤمن منكر وانما قاله بالوحى لقوله تعالى فى سورة هود واوحى الى نوح انه لن يؤمن من قومك الا من قد آمن فان قلت هذا اذا كان دعاء نوح متأخرا عن وحى تلك الآية وذلك غير معلوم قلت الظاهر ان مثل هذا الدعاء انما يكون فى الاواخر بعد ظهور امارات النكال قال بعضهم لا يلد الحية الا الحية وذلك فى الاغلب ومن هناك قيل ( اذا طاب اصل المرء طابت فروعه ) وفحوه الولد سر أبيه قال بعضهم فى توجيهه ان الولد اذا كبر انما يتعلم من اوصاف أبيه او يسرق من طباعه بل قد يصحب المرء رجلا فيسرق من طباعه فى الخير والشر .
يقول الفقير معناه فيه ما فيه اى من الجمال والجلال فقد يكون الجمال الظاهر فى الأب باطنا فى الابن كما كان فى قابيل بن آدم حيث ظهر فيه ما بطن فى أبيه من الجلال وكان الامر بالعكس فى هابيل بن آدم وكذا الامر الى يوم القيامة فى الموافقة والمخالفة وقال بعض الكبار اعتذار نوح يوم القيامة عند طلب الخلق الشفاعة منه بدعوته على قوموا انما هو لما فيها من قوله ويلدوا الا فاجرا كفارا لا نفس دعائه عليه من حيث كونه دعاء انتهى اشار الى ان دعاء نوح كان بالامارات حيث جربهم قريبا من ألف سنة فلم يظهر منهم الا الكفر والفجور ولو كان بالوحى لما اعتذار كام قال القاشانى مل من دعوة قومه وضجر واستولى عليه الغضب ودعا ربه لتدمير قومه وقهرهم تنشأ منها النفس الخبيثة المحجوبة وتتربى بهيئتها المظلمة لا تقبل الا مثلها كالبذر الذى لا ينبت الا من صنفه وسبخه وغفل عن ان الولد س أبيه اى خاله الغالبة على الباطن فربما كان الكافر باقى الاستعداد صافى الفطرة نقى الاصل بحسب الاستعداد الفطرى وقد استولى على ظاهره العادة ودين آبائه وقومه الذين نشأ بينهم فدان بدينهم ظاهرا وقد سلم باطنه فيلد المؤمن على حال النورية كولادة أبى ابراهيم عليه السلام فلا جرم تولد من تلك الهيئة الغضبية الظلمانية التى غلبة على باطنه وحجبته فى تلك الحالة عما قال مادة ابنه كنعان وكان عقوبة لذنب حاله انتهى ويدل على ما ذكر من ان دعاءه اليس مبنيا على الوحى ما ثبت ان النبى عليه السلام شبه رضى الله عنه فى الشدة بنوح وأبا بكر رضى لاله عنه فى اللين بابراهيم قال بعض العارفين فى قوله تعالى وما ارسلناك الا رحمة للعالمين فى هذه الآية عتاب لطيف فانها نزلت حين مكث يدعو على قوم شهرا مع ان سبب ذلك الدعاء انما هو الغيرة على جناب الله تعالى وما يستحقه من الطاعة ومعنى العتاب انى ما ارسلتك سبابا ولا لعانا وانما بعثنك رحمة اى لترحم مثل هؤلاء الذين دعوت عليهم كأنه يقول لو كان بدل دعائك عليهم الدعاء لهم لكان خيرا فانك اذا دعوتنى لهم ربما اجبت دعاءك فوفقتهم لطاعتى فترى سرور عينك وقرتها فى طاعتهم لى واذا لعنتهم ودعوت عليهم واجبت دعاءك فيهم لم يكن من كرمى ان آخذهم الا بزيادة طغيانهم وكثرة فسادهم فى الارض وكل ذلك انما كان بدعائك عليهم فكأنك امرتهم بالزيادة فى الطغيان الذى اخناهم به فتنبه رسول الله عليه السلام لما ادبه به ربه فقال ان الله ادبنى فأحسن تأديبى ثم صار يقول بعد ذلك اللهم اغفر لقومى فانهم لا يعلمون وقام ليلة كاملة الى الصباح بقوله تعالى ان تعذبهم فانهم عبادك وات تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم لا يزيد عليها فأين هذا من دعائه قبل ذلك على رعل وذكوان وعصية وعلى صناديد قريش اللهم عليك بفلان اللهم عليك بفلان فاعلم ذلك فاقتد بنبيك فى ذلك والله يتولى هداك ( وقال بعض اهل المعرفة ) نوح جون از قوم خود برنجيد بهلاك ايشان دعا كرد ومصطفى عليه السلام جون از قوم برنجيد بشفقت كفت اللهم اهد قومى فانهم لا يعلمون .(16/164)
واعلم انه لا يجوز ان يدعى على كافر معين لانا لا نعلم خاتمته ويجوز على الكفار والفجار مطلقا وقد دعا عله السلام على من تحزب على المؤمنين وهذا هو الاصل فى الدعاء على الكافرين .(16/165)
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)
{ رب اغفر لى } ذنوبى وهى ما صدر منه من ترك الاولى { ولوالدى } ذنوبهما ابو ملك بن متوشلخ على وزن الفاعل كمتد حرج او هو بضم الميم والتاء المشددة المضمومة وفتح الشين المعجمة وسكون اللام وروى بعضهم الفتح فى الميم وامه سمخا بنت انوش كانا مؤمنين قال ابن عباس رضى الله عنه لم يكفر لنوح أب ما بينه وبين آدم وفى اشراق التواريخ امه قسوس بنت كابيل وفى كشف الاشرار هيجل بنت لاموس ابن متوشلخ بنت عمه وكانا مسلمين على ملة ادريس عليه السلام وقيل المراد بوالديه آدم وحوآء عليهما السلام { ولمن دخل بيتى } اى منزلى وقيل مسجدى فانه بيت اهل الله وان كان بيت الله منَ وجه وقيل سفينتى فانها كالبيت فى حرز الجوآئج وحفظ النفوس عن الحر والبرد وغيرهما { مؤمنا } حال كون الداخل مؤمنا وبهذا القيد خرجت امرأته واعلة وابنه كنعان ولكن لم يجزم عليه السلام بخروجه الا بعد ما قيل له انه ليس من اهلك { وللمؤمنين والمؤمنات } بى او من لدن آدم الى يوم القيامة . وكفته اندمراد ابن امت مرحومه اند .
خص اولا من يتصل به نسبا ودينا لانهم اولى واحق بدعائه ثم عم المؤمنين والمؤمنات وفى الحديث « ما الميت فى القبر الا كالغريق المتغوث ينتظر دعوة تلحقه من أب او أخ او صديق فاذا لحقته كانت أحب اليه من الدنيا وما فيها وان الله ليدخل على اهل القبور من دعاء اهل الارض امثال الجبال وان هديه الاحياء الى الاموات الاستغفار لهم » { ولا تزد الظالمين الا تبارا } اى هلاكا وكسرا وبالفارسية مكرهلاكى بسختى .
والتبردقاق الذهب قال فى الاول ولا نزد الظالمين الا ضلالا لانه وقع بعد قوله وقد أضلوا كثيرا وفى الثانى الاتبار الانه وقع بعد قوله لا تذر على الارض الخ فذكر فى كل مكان ما اقتضاه وما شاكل معناه ولظاهر انه عليه السلام ارادأ بالكافرين والظالمين الذين كانوا موجودين فى زمانه . متمكنين فى الارض ما بين المشرق والمغرب فمسئوله ان يهلكهم الله فاستجيب دعاؤه فعمهم الطوفان بالغرق وما نقل عن بعض المنجمين من انه أراد جزيةر العرب فوقع الطوفان عليهم دون غيرهم من الآفاق مخالف لظاهر الكلام وتفسير العلماء وقول اصحاب التواريخ بأن الناس بعد الطوفان توالدوا وتناسلوا وانتشروا فى الاطراف مغاربها ومشارقها من اهل السفينة دل الكلام على الظالم اذا ظهر ظلمه وأصر عليه ولم ينفعه النصح استحق ان يدعى عليه وعلى اعوانه وانصاره قيل غرق معهم صبيانهم ايضا لكن لا على وجه العقاب لهم بل لتشديد عذاب آبائهم وامهاتهم بارآء هلاك اطفالهم الذين كانوا اعز عليهم من انفسهم قال عليه السلام يهلكون مهلكا واحدا ويصدون مصادر شتى وعن الحسن انه سئل عن ذلك فقال علم الله برآءتهم فأهلكهم بغير عذاب وكم من الصبيان من يومت بالغرب والحرق وسائر اسباب الهلاك وقبل اعقم الله ارحام نسائهم وايبس اصلاب آبائهم قبل الطوفان بأربعين او سبعين سنة فلم يكن معهم صبى ولا مجنون حين غرقوا لان الله تعالى قال وقوم نوح ولما كذبوا الرسل اغرقناهم ولم يوجد التكذيب من الاطفال والمجانين وفى الاسئلة المقحمة ولو أهلك الاطفال بغير ذنب منهم ماذا يضر فى الربوبية أليس الله يقول قل فمن يملك من الله شيأ ان أراد أن يهلك المسبح بن مريم وامه ومن فى الارض جميعا .(16/166)
يقول الفقير الظاهر هلاك الصبيان مع الآباء والامهات لان نوحا عليه السلام ألحقهم بهم حيث قال ولا يلدوا الا فاجرا كفارا اذ من سفيجر ويكفر فى حكم الفاجر والكافر فلذلك دعا على الكفار مطلقا عموما بالهلاك لاستحقاق بعضهم له بالاصلاة وبعضهم بالتبعية ودعا للمؤمنين والمؤمنات عموما وخصوصا بالنجاة لان المغفور ناج لا محالة وروى عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما انه كان اذا قرأ القرءآن بالليل فمر بآية بقول لى يا عكرمة ذكرنى هذه الآية غدا فقرأ ذات ليلة هذه الآية اى رب اغفر لى الخ فقال يا عكرمة ذكرنى هذه غدا فذكرتها له فقال ان نوحا دعا بهلاك الكافرين ودعا للمؤمنين بالمغفرة وقد اسجتيب دعاؤه على الكافرين فاهلكوا وكذلك استجيب دعاؤه فى المؤمنين فيغفر الله للمؤمنين والمؤمنات بدعائه .
ورد عن بعض الصحاب رضى الله عنهم انه قال نجاة المؤمنين بثلاثة اشياء بدعاء نوح وبدعاء اسحق وبشفاعة محمد عليه السلام يعنى المذنبين وفى التأيلات النجمية رب اغفر لى ولوالدى من العقل الكلى والنفس الكلى ولمن دخل بيتى مؤمنا من الروح والقلب وللمؤمنين من القوى الروحانية والمؤمنات من النفوس الداخلة تحت نور الروح والقلب بسبب نور الايمان ولا تزد الظالمين النفس الكافرة والهوى الظالم الا تبارا هلاكا بالكلية بالفناء فى الروح والقلب وعلى هذا التأويل يكون دعاء لهم لا دعاء عليهم انتهى وقال القاشانى رب اغفر لى اى استرنى بنورك بالفناء فى التوحيد ولروحى ولنفسى اللذين هما أبوا القلقل ولمن دخل بيتى اى مقامى فى حضرة القدس مؤمنا بالتوحيد لعلمى اولا رواح الذين آمنوا ونفوسهم فبلغهم الى مقام الفناء فى التوحيد ولا تزد الظالمين الذين نقصوا حظهم بالاحتجاب بظلمة نفوسهم عن عالم النور الا تبارا اهلاكا بالغرف فى بحر الهيولى وشدة الاحتجاب انتهى فيكون دعاء عليهم كما لا يخفى .(16/167)
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1)
{ قل } يا محمد لقومك { اوحى الى } اى ألقى على بطريق الوحى واخبرت باعلام من الله تعالى والايحاء اعلام فى خفاء وفائدة اخباره بهذه الاخبار بيان انه رسول الثقلين والنهى عن الشرك والحث على التوحيد فان مع تمردهم وعدم مجانستهم اذا آمنوا فكيف لا يؤمن البشر مع سهولة طبعهم ومجانستهم . { استمع } اى القرءآن اوطه او اقرأ وقد حذف لدلالة ما بعده عليه والاستماع بالفارسية نيوشيدن . والمستمع من كان قاصدا للسماع مصغيا اليه والسامع من اتفق سماعه من غير قصد اليه فكل مستمع سامع من غير عكس { نفر من الجن } جماعة منهم ما بين الثلاثة والعشرة وبالفارسية كروهى كه ازده كتر وازسه بيشتر بودند .
قال فى القاموس النفر ما دون العشرة من الرجال كالنفير والجمع انفار وفى المفردات النفر عدة رجال يمكنهم النفر الى الحرب بالفارسية بيرون شدن .
والجن واحده جنى كروم ورومى ونحوه قال ابن عباس رضى الله عنهما انطلق رسول الله عليه السلام فى طائفة من اصحابه الى سوق عكاظ فأدركهم وقت صلاة الفجر وهم بنخلة فأخذ هو عليه السلام يصلى باصحابه صلاة الفجر فمر عليهم نفر من الجن وهم فى الصلاة فلما سمعوا القرءآن استمعوا له وفيه دليل على انه عليه السلام ولم ير الجن حينئذ اذ لو رأهم لما اسند معرفة هذه الواقعة الى الوحى فان ما عرف بالمشاهدة لا يستند اثباته الى الوحى وكذا لم يشعر بحضورهم وباستماعهم ولم يقرأ عليهم وانما اتفق حضورهم فى بعض اوقات قرآءته فسمعوها فأخبره الله بذلك وقد مضى ما فيه من التفصيل فى سورة الاحقاف لا نعيده والجن اجسام رقاق فى صورة تخالف صورة الملك والانس عاقلة كالانس خفية عن ابصارهم لا يظهرون لهم ولا يكلمونهم الا صاحب معجزة بل يوسوسون سائر الناس يغلب عليهم النارية او الهوآئية ويدل على الاول مثل قوله تعالى وخلق الجان من مارج نار فان المشهور ان المركابت كلها من العناصر فما يغلب فيه النار فنارى كالجن وما يغلب فيه الهوآء فهوآئى كالطير وما يغلب فيه الماء فمائى كالسمك وما يغلب فيه التراب فترابى كالانسان وسائر الحيوانات الارضية واكثر الفاسفة ينكرون وجود الجن فى الخارج واعترف به جمع عظيم من قدمائهم وكذا جمهور أرباب الملل المصدقين بالانبياء قال القاشانى ان فى الوجود نفوسا ارضية قوية لا فى غلظ النفوس السبعية والبهيمية وكثافتها وقلة ادراكها ولا على هيئات النفوس الانسانية واستعداداتها ليلزم تعلقها بالاجرام الكثيفة الغالب عليها الارضية ولا فى صفاء النفوس المجردة ولطافتها لتتصل بالعالم العلوى وتتجرد او تتعلق ببعض الاجرام السماوية متعلقة باجرام عنصرية لطيفة غلبت عليهم الهوآئية او النارية او الدخانية على اختلاف احوالها سماها بعض الحكماء الصور المعلقة ولها علوم وادراكات من جنس علومنا واركاتنا ولما كانت قريبة بالطبع الى الملكوت السماوى امكنها ان تتلقى من عالمها بعض الغيب فلا يستبعد أن ترتقى افق السماء فتسترق السمع من كلام الملائكة اى النفوس المجردة ولما كانت ارضية ضعيفة بالنسبة الى القوى السماوية تأثرت تلك القوى فرجمت بتأثيرها عن بلوغ شأوها وادراك مداها من العلوم ولا ينكر أن تشتعل اجرامها الدخانية بأشعة الكواكب فتحترق وتهلك او تنزجر عن الارتقاء الى الافق السماوى فتتسفل فانها امور ليست بخرجة عن الامكان وقد اخبر عنها اهل الكشف والعيان الصادقون من الانبياء والاولياء خصوصا اكملهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهى فى الوجود الانسانى لاستتارها فىغيب الباطن { فقالوا } لقومهم عند رجوعهم اليهم { انا سمعنا قرءآنا } اى كتابا مقروأ على لسان الرسول { عجبا } مصدر بمعنى العجيب وضع موضعه للمبالغة والعجيب ما خرج عن حد اشكاله ونظائره والمعنى بدعيا مباينا لكلام الناس فى حسن النظم ودقة المعنى وقال البقلى كتابا عجيبا تركبه وفيه اشارة الى انهم كانوا من اهل اللسان قال عيزار بن حريث كنت عند عبد الله بن مسعود وضى الله عنه فأتاه رجل فقال له كنا فى سفر فاذا نحن بحية جريحة تتشحط فى دمها اى تضطرب فان الشحط بالحاء المهملة لاضطراب فى الدم فقطع رجل منا قطعة من عمامته فلفها فيها فدفنها فلما امسينا ونزلنا أتانا امرأتان من احسن نساء الجن فقالتا ايكم صاحب عمر واى الحية التى دفنتموها فأشرنا لهما الى صاحبهما فقالتا انه كان آخر من بقى من استمع القرءآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بين كافرى الجن ومسلميهم قتال فقتل فيهم فان كفتيم اردتم به الدنيا ثوبناكم اى عوضناكم فقلنا لا انما فعلنا ذلك لله فقالتا احسنتم وذهبتا يقال اسم الذى لف الحيه صفوان بن معطل المرادى صاحب قصة الافك والجنى عمرو بن خابر رحمه الله .(16/168)
يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2)
{ يهدى الى الرشد } الى الحق الصواب وصلاح الدين والدنيا كما قال عليه السلام اللهم ألهمنى رشدى اى الاهتدآء الى مصالح الدين الدنيا فيدخل فيه التوحيد والتنزيه وحقيقة الرشد هو الوصول الى الله تعالى قال بعضهم الرشد كالقفل خلاف الغى يقال فى الامور الدنيوية والاخروية والرشد كالذهب يقال فى الامور الاخروية فقط { فآمنا به } اى بذلك القرءآن ومن ضرورة الايمان به الايمان به جاء به ولذا قال بعضهم
داخل اندر دعوت اوجن وانس ... تاقيامت امتش هر نوع وجنس
اوست سلطان وطفيل اوهمه ... اوست شاهنشاه وخيل اوهمه
{ ولن نشرك } بعد اليوم البتة اى بعد علمنا الحق { بربنا احدا } حسبما نطق به ما فيه من دلائل التوحيد اى لا نجعل احدا من الموودات شريكا له اعتقادنا ولا نعبد غيره فان تمام الايمان انما يكون بالبرآءة من الشرك والكفر كما قال ابراهيم عليه السلام انى بريئ مما تشركون فلكونه قرءآنا معجزا بديعا موجب الايمان به ولكونه يهدى الى الرشد موجب قطع الشرك من اصله والدخول فى دين الله كله فمجموع قوله فآمنا به ولن نشرك بربنا احدا مسبب عن مجموع قوله انا سمعنا قرءآنا عجبا يهدى الى الرشد ولذا عطف ولن نشرك بالواو مع ان الظاهر الفاء .(16/169)
وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3)
{ وانه تعالى جد ربنا } بالفتح وكذا ما بعده من الجمل المصدرة بأن فى احد عشر موضعا عطف على انه استمع فيكون من جملة الكلام الموحى به على ان الموحى عين عبارة الجن بطريق الحكاية كأنه قيل قل اوحى الى كيت وكيت وهذه العبارات فاندفع ما قيل من انك لوعطفت وانا ظننا وانا سمعنا وانه كان رجال وانا لمسنا وشبه ذلك على أنه استمع لم يجز لانه ليس مما اوحى اليه وانما هو امر اخبروا به عن انفسهم انتهى ومن قرأ بالكسر عطف على المحكى بعد القول وهو الاظهر لوضوح اندراج الكل تحت القول وقيل فى الفتح والكسر غير ذلك والاقرب ما قلناه والمعنى وان الشأن ارتفع عظمة ربنا كما تقول فى الثناء وتعالى جدك اى ارتفع عظمتك وفى اسناد التعالى الى العظمة مبالغة لا تخفى من قولهم جد فلان فى غنى اى عظم تمكنه او سلطانه لان الملك والسلطنة غاية العظمة او غناه على انه مستعار من الجد الذى هو البخت والدولة والحظوظ الدنيوية سوآء استعمل بمعنى الملك والسلطان او بمعنى الغنى فان الجد فى اللغة كما يكون بمعنى العظمة وبمعنى أب الاب وأب الام يكون بمعنى الحظ والبخت يقال رجل مجدود اى محظوظ شبه سلطان الله وغناء الذاتيان الازليان يبخت الملوك والاغنياء فأطلق اسم الجد عليه استعارة { ما اتخذ صاحبة ولا ولدا } بيان لحكم تعالى جده كأنه قيل ما الذى تعالى عنه فقيل ما اتخذ أى لم يختر لنفسه لكمال تعاليه زوجة ولا بنتا كما يقول الظالمون وذلك انهم لما سمعوا القرءآن ووفقوا للتوحيد والايمان تنبهوا للخطأ فيما اعتقده كفرة الجن من تشبيه الله بحلقه فى اتخاذ الصاحبة والولد فاستعظموه ونزهوه تعالى عنه لعظمته ولسلطانه او لغناه فان الصاحبة تتخذ للحاجة اليها والولد للتكثير وابقاء النسل بعد فوته وهذه من لوازم الامكان والحدوث وايضا هو خارج عن دآئرة التصور والادراك فكيف يكيفه احد فيدخل تحت جنس حتى يتخذ صاحبة من صنف تحته او ولدا من نوع يماثله وقد قالت النصارى ايضا المسيح ابن الله واليهود عزيرا ابن الله وبعض مشركى العرب الملائكة بنات الله ويلزم من كون المسيح ابن الله على ما زعموا ان تكوم مريم صاحبة له ولذا ذكر الصحابة يعنى ان الولد يقتضى الام التى هى صاحبة الاب الدالدوا شار بالصحابة الى النفس وبالولد الى القلب فيكون الروح كالزوج والاب لهما وهو فى الحقيقة مجرد عن كل علاقة وانما تعلق بالبدن لتظهر قدرة الله وايضا ليستكمل ذاته من جهة الصفات .(16/170)
وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4)
{ وانه } اى الشأن { كان يقول سفيهنا } اى جاهلنا هو ابليس او مردة الجن فقوله سفيهنا للجنس والظاهر ان يكون ابليس من الجن كما قال تعالى كان من الجن ففسق عن امر ربه والسفه خفة الحلم ونقيضه او لجهال كما فى القاموس وقال الراغب السفه خفة فى البدن واستعمل فى خفة النفس لنقصان العقل وفى الامور الدنيوية والاخروية والمراد به فى الآية هو السفه فى الدين الذى هو السفه الاخروى كذا فى المفردات { على الله } متعلق بيقول اورد على لان ما قالوه عليه تعالى لا له { شططا } هو مجاوزة الحد فى الظلم وغيره وفى المفردات الافراط فى البعد اى قولا ذا شطط اى بعد عن القصد ومجاوزة الحد أو هو شطط فى نفسه لفرط بعده عن الحق فوصف بالمصدر للمبالغة والمراد الصاحبة والولد اليه تعالى وفى الآية اشارة الى ان العالم الغير العامل فى حكم الجاهل فان ابليس كان من اهل العلم فلما لم يعمل بمقتضى علمه جعل سفيها جاهلا لا يجوز التقليد له فالاتباع للجاهل ومن فى حكمه اتباع للشيطان والشيطان يدعو الى النار لانه خلق منها .(16/171)
وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5)
{ وانا ظننا ان } مخففة من الثقيلة اى ان الشان { لن تقول الانس والجن على الله كذبا } اعتذار منهم عن تقليدهم لسفيههم اى كنا نظن ان الشان والحديث لن يكذب على الله احد ابدا ولذلك اتبعنا قوله وصدقناه فى ان لله صاحبة وولدا فلما سمعنا القرءآن وتبين لنا الحق بسببه علمنا انهم قد يكذبون عليه تعالى وكذا مصدر مؤكد لتقول لانه نوع من القول واشار بالانس الى القوى الروحانية والجن الى القوى الطبيعية وقال القاشانى انس الحواس الظاهرة وجن القوى الباطنة فتوهمنا ان البصر يدرك شكله ولونه والاذن تسمع صوته والوهم والخيال يتوهمه ويتخيله حقا مطابقا لما هو عليه قبل الاهتدآه والتنور بنور الروح فلعمنا من طريق الوحى الوارد على القلب بواسطة روح القدس ان لسنا فى شئ من ادراكه فليس له شكل ولا لون ولا صوت ولا هو داخل فى الوهم والخيال وليس كلام الله من جنس الكلام المصنوع المتلقف بالفكر والتخيل والمستنتج من القياسات العقلية او المقدمات الوهمية والتخيلية فليس الله من قبيل المخلوق جنسا او نوعا او صنفا او شخصا فكيف يكون له صاحبة وولد .(16/172)
وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)
{ وانه } اى وان الشان { كان } فى الجاهلية { رجال } كائنون { من الانس } خبر كان قوله { يعوذون } العوذ الالتجاء الى الغير والتعلق به { برجال من الجن } فيه دلالة ان للجن نساء كالانس لان لهم رجالا ولذا قيل فى حقهم انهم يتوالدون لكنهم ليسوا بمنظرين كابليس وذريته قال اه لالتفسير كان الرجل من العرب اذا امسى فى واد قفر فى بعض مسايره وخاف على نفسه يقول اعوذ بسيد هذا الوادى من شر سفهاء قومه يريد الجن وكبيرهم فيبيت فى امن وجوار حتى يصبح فاذا سمعوا بذلك استكبروا وقالوا سدنا الانس والجن وذلك قوله تعالى { فزادوهم } عطف على يعوذون والماضى للتحقق اى فزاد الرجال العائذون الانسيون الجن { رهفا } مفعول ثان لزاد اى تكبرا وعتوا وسفها فان الرهق محركبة يجيئ على معان منها السفه وركوب الشر والظلم قال فى آكام المرجان وبهذا يجيبون المعزم والراقى باسمائهم واسماء ملوكهم فانه يقسم عليهم باسماء من يعظمونه فيحصل لهم بذلك من الرياسة والشرف على الانس ما يحملهم على ان يعطوهم بعض سؤالهم وهم يعلمون ان الانس أشرف منهم واعظم قدرا فاذا خضعت الانس لهم واستعاذت بهم كان بمنزلة اكابر الناس اذا خضع لهم أصغرهم يقضون لهم حاجاتهم او المعنى فزاد الجن العائذين غيا بأن اضلوهم حتى استعاذوا بهم واذا استعاذوا بهم فأمنوا ظنوا ان ذلك من الجن فازدادوا رغبة فى طاعة الشياطين وقبول وساوسهم والفاء حينئذ لترتيب الاخبار واسناد الزيادة الى الانس والجن باعتبار السببية ( وروى ) عن كردم بن ابى السائب الانصارى رضى الله عنه انه قال خرجت مع أبى الى المدينة فى حاجة وذلك اول ما ذكر النبى عليه السلام يمكة فأدانى المبيت الى راعى غننم فلما انتصف الليل جاء الذئب فحمل حملا من الغنم فقال اراعى يا عامر الوادى جارك فنادى مناد لا نراه يقول يا سرحان ارسله فأتى الحمل يشتد حتى دخل فى الغنم ولم تصبه كدمة فأنزل الله على رسوله بمكة وانه كان رجال الخ قال مقاتل كان اول من نعوذ بالجن قوم من اهل اليمن ثم من حنيفة ثم فشاذ لك فى العرب فلما جاء الاسلام عوذوا بالله وتركوهم وعن على بن أبى طالب رضى الله عنه انه قال اذا كنت بواد تخاف فيه السبع فقل اعوذ بدانيال وبالجب من شر الأسد انتهى أشار بذلك الى ما رواه البيهقى فى الشعب ان دانيال طرح فى الجب وألقيت عليه السباع فجعلت السباع تلحسه وتبصبص اليه فأتاه رسول فقال يا دانيال فقال من انت قال أنا رسول ربك اليك أرسلنى اليك بطعام فقال الحمد لله الذى لا ينسى من ذكره ( وروى ) اين ابى الدنيا ان بخت نصر ضرى اسدين وألقاهما فى جب وجاء بدانيان فألقاه عليهما فلم يضراه وذكر قصته فلما ابتلى دانيال بالسباع جعل الله الاستعاذة به فى ذلك تمنع الشر الذى لا يستطاع كما فى حياة الحيوان فعلم من ذلك ان الاستعاذة بغير الله مشروعة فى الجملة لكن بشرط التوحيد واعتنقاد التأثير من الله تعالى قال القاشانى فة الآية اى تستند القوى الظاهرة الى القوى الباطنة وتتقوى بها فزاوهم غشيان المحارم واتيان المناهى الدواعى الوهمية والنوارع الشهوية والغضبية والخواطر النفسانية .(16/173)
وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7)
{ وانهم } اى الانس { ظنوا كما ظننتم } ايها الجن على انه كلام مؤمنى الجن للكفار حين رجعوا الى قومهم منذرين فكذوهم او الجن ظنوا كما ظننتم أبها لكفرةعلى انه كلام الله تعالى { ان لن يبعث الله احدا } ان هى المخففة والجملة سادة مسد مفعولى ظنوا واعمل الاول على ما هو مذهب الكوفيين لان ما فى كما ظننتم مصدرية فكان الفعل بعدها فى تأويل المصدر والفعل أقوى من المصدر فى العمل والظاهر ان المراد بعثة الرسالة اى لن يبعث الله أحدا بالرسالة بعد عيسى او بعد موسى يقيم به الحجة على الخلق ثم انه بعث اليهم محدا عليه السالم خاتم النبيين فآمنوا فافعلوا أنتم يا معشر الجن مثل ما فعل الانس وقبل بعد القيامة اى لن يبعث الله احدا بعد الموت للحساب والجزآء .
يقول الفقير فيه اشارة الى أهل الغفلة من الانس والجن فانهم يظنون بالله ظن السوء ويقولون ان الله لا يبعث احدا من نوم الغفلة بل يبقيه على حاله من الاستغراق فى اللذات والانهماك فى الشهوات ولا يدرون ان الله تعالى يبعث من فى القبور مطلقا ويحيى اجسادهم وقلوبهم وارواحهم بالحياة الباقية لان اهل النوم لانقطاع شعورهم لا يعرفون حال اهل اليقظة وفيه اثبات العجز لله تعالى على كل شئ قدير .(16/174)
وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8)
{ وانا لمسنا السماء } اى طلبنا بلوغ السماء لاستماع ما يقول الملائكة من الحدوث او خبرها للافشاء بين الكهنة واللمس مستعار من المس للطلب شبه الطلب بالمس واللمس باليد فى كون كل واحد منهما وسيلة الى تعرف حالةالشئ فعبر عنه بالمس واللمس قال الراغب اللمس ادراك بظاهر البشرة كالمس ويعبر به عن الطلب قال فى كشف الاسرار ومنه الحديث الذى ورد ان رجلا قال لرسول الله عليه السلام ان امرأتى لا ندع عنها يدلامس اى لا نرديد طالب حاجة صفرا يشكوا تضييعها ماله { فوجدناها ملئت حرسا } اى حراسا وحفظه وهم الملائكة يمنعونهم عنها اسم جمع لحارس بمعنى حافظ كخدم لخادم مفرد اللفظ ولذلك قيل { شديدا } اى قويا ولو كان جمعا لقيل شدادا وقوله ملئت حرسا حال من مفعول وجدناها ان كان وجدنا بمعنى اصبنا وصادفنا ومفعول ثان ان كان من افعال القلوب اى فعلمناها مملوءة وحرسا تمييز { وشهبا } عطف على حرسا وحكمه فى الاعراب حكمه جمع شهاب وهى الشعلة المقتبسة من نار الكواكب هكذا قالوا وقد مر تحقيقه .(16/175)
وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9)
{ وانا كنا نقعد } قبل هذا { منها } اى من السماء { مقاعد للسمع } خالية عن الحرس والشهب يحصل منها مقاصدنا من استماع الاخبار للالقاء الى الكهنة او صالحة للترصد والاستماع وللسمع متعلق بنقعد اى على الوجه الاول اى لاجل السمع او بمضمر هو صفة لمقاعد اى على الثانى اى مقاعد كائنة للسمع وفى كشف الاسرار اى مواضع لاستماع الاخبار من السماء وكان لكل حى من الجن باب فى السماء يستمعون فيه ومن احاديث البخارى عن عائشة رضى الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الملائكة تنزل فى العنان وهو بالفتح السحاب فتذكر الامر الذى قضى فى السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه الى الكهان فيكذبون معه مائة كذبة من عند أنفسهم .
يقول الفقير وجه التوفيق بين الاستراق من السماء ومن السحاب ان الملائكة مرة ينزلون فى العنان فيتحدثون هناك واخر يتذاكرون فى السماء ولا منع من عروج الشياطين الى السماء فى مدة قليلة للطافة اجسامهم وحيث كانت نارية او هوآئية او دخانية لا يتأثرون من النار او هوآئية حين المرور بكرتهما ولو سلم فعروجهم من قبيل الاستدراج ولله فى كل شئ حكمة واسرار { فمن } شرطية { يستمع الآن } فى مقعد من المقاعد ويطلب الاستماع والآن اى فى هذا الزمان وبعد المبعث وفى اللباب ظرف حالى استعير للاستقبال { يجد له } جواب الشرط والضمير لمن اى يجد لنفسه { شهابا رصدا } الرصد الاستعداد للترقب اى شهابا راصدا له ولاجله يصده عن الاستماع بالرجم او ذوى شهاب راصدين له ليرجموه بما معهم من الشهب على انه اسم مفرد فى معنى الجمع كالحرس فيكون المراد بالشهاب الملائكة بتقدير المضاف ويجوز نصب رصدا على المفعول له وفى الآية اشارة الى طلب القوى الطبيعية أن تدخل سماء القلب فوجدتها محفوفة بحراس الخواطر الملكية والرحمانية يحرسونها عن طرق الخواطر النفسانية والشيطانية بشهاب نار نور القلب المنور بنور الرب وكان الشهاب والرجم قبل البعثة النبوية لكن كثر بعدها وزاد زيادة بينة حتى تنبه لها الانس والجن ومنع الاستراق اصلا الثلايلتبس على الناس اقوال الرسول المستندة الى الوح الالهى باقوال الكهنة المأخوذة من الشياطين مما استقروا من اقوال اهل السماء ويدل على ما ذكر قوله تعالى فوجدناها ملئت حرسا شديدا فانه يدل على ان الحادث هو الكمال والكثرة اى زيدت حرسا وشهبا حتى امتلأت بها وقوله تعالى وانا كنا نقعد منها مقاعد اى كنا نجد فيهما بعض المقاعد حالية عن الحرس والشهب والآن قد ملئت المقاعد كلها فلما رأى الجن ذلك قالوا ما هذا الا لام اراده الله بأهل الارض وذلك قولهم .(16/176)
وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)
{ وانا لا ندرى أشر أريد بمن فى الارض } بحراسة السماء منا { ام أراد بهم ربهم رشدا } اى خيرا واصلاحا اوفق لمصالحهم والاستفهام لاظهار العجز عن الاطلاع على الحكمة قال بعضهم لعل التردد بينهما مخصص بالاستفهام وأن يكون فاعل فعل مضمر مفسر بما بعده بمعنى لا ندرئ اريد شر ام خير ورجحوه للموافقة بين المعطوفين فى كونهما جملة فعليه والباء فى الموضعين متعلقة بما قبلها والجملة الاستفهامية قائمة مقام المفعول ونسبة الخير الى الله تعالى دون الشر من الآداب الشريفة القرءآنية كما فى قوله تعالى واذا مرضت فهو يشفين ونظائره قال صاحب الانتصاب ومن عقائد الجن ان الهدى والضلال جميعا من خلق الله تعالى فتأدبوا من نسبة الرشاد اليه وجعلوا الشر مضمر الفاعل فجمعوا بين حسن الاعتقاد والأدب .(16/177)
وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11)
{ وانا منا الصالحون } اى الموصوفون بصلاح الحال فى شأن أنفسهم وفى معاملتهم مع غيرهم او ما يكون الى الخير والصلاح حسبما تقتضيه الفطرة السليمة لا الى الشر والفساد كام هو مقتضى النفوس الشريرة والقصر ادعائى كأنهم لم يعتدوا بصلاح غير ذلك البعض فالصالحون مبتدأ وما خبره المقدم والجملة خبر ان ويجوز أن يكون الصالحون فاعل الجاروالمجرور الجارى مجرى الظرف لاعتماده على المبتدأ { ومنا دون ذلك } اى قوم دون ذلك فى الصلاح فحذف الموصوف لانه ليجوز حذف هذا الموصوف فى التفصيل بمن حتى قالوا منا ظعن ومنا اقام يريدون منا فريق ظعن ومنا فريق أقام ودون ظرف وهم المقتصدون فى صلاح الحال على الوجه المذكور غير الكاملين فيه لا فى الايمان والتقوى كما توهم فان هذا بيان لحالهم قبل استماع القرءآن كمايعرب به عنه قوله تعالى { كنا طرآئق قددا } واما حالهم بعد استماعه فسيحكى بقوله وانا لام سمعنا الهدى الى قوله وانا منا المسلمون اى كنا قبل هذا طرآئق فى اختلاف الاحوال فهو بيان للقسمة المذكورة وقدر المضاف لامتناع كون الذوات طرآئق قالوا فى الجن قدرية ومرجئة وخوارج وروافض وشيعية وسنية قال فى المفردات جمع الطريق طرق وجمع الطرق طرآئق والظاهر أن الطرآئق جمع طريقة كقصائد جمع قصيدة ثم قال وقوله تعالى كنا طرآئق قددا اشارة الى اختلافهم فى درجاته كقوله هم درجات والطريق الذى يطرق بالارجل اى يضرب ومنه استعير كل مسلك يسلكه الانسان فى فعل محمودا كان او مذموما وقيل طرقة من النخل تشبيها بالطريق فى الامتداد والقد قطع الشئ طولا والقد المقدود ومنه قيل لقامة الانسان قد كقولك تقطيعه والقدرة كالقطعة يعنى انها من القد كالقعطة من القطع وصفت الرآئق بالقدد دلالتها على معنى التقطع والتفرق وفى القاموس القدة الفرقة من الناس هوى كل واحد على حدة ومنه كنا طرآئق قددا اى فرقا مختلفة اهوآؤها وقد تعددوا قال القاشانى وانا منا الصالحون كالقوى المدبرة لنظام المعاش وصلاح البدن ومنادون ذلك من المفسدات كالوهم ولغضب والشهوة والمعاملة بمقتضى هوى النفس والمتوسطات كالقوى النباتية الطبيعية كنا ذوى مذاهب مختلفة لكل طريق ووجهة مما عينه الله ووكله به قال بعض المفسرين المراد بالصالحين السابقون بالخيرات وبما دون ذلك اى أدنى مكان منهم المقتصدون الذين خلطو اعملا صالحا وآخر سيئا واما الظالمون لانفسهم فمندرج فى قوله تعالى كسا طرآئق قددا فيكون تعميما بعد تخصيص على الاستئناف ويحتمل أن يكون دون بمعنى غير فيندرج القسمان الاخيران فيه .(16/178)
وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12)
{ وانا ظننا } اى علمنا الآن بالاستدلال والتفكر فى آيات الله فالظن هنا بمعنى اليقين لان الايمان لا يحصل بالظن ولان مقصودهم تغريب اصحابهم وترهيبهم وذا العلم لا بالظن كما قال عليه السلام انا النذير العريان { ان } اى ان الشان { لن نعجز الله } عن امضاء ما اراد بنا كائنين { فى الارض } اينما كنا من اقطارها فقوله فى الارض حال من فاعل نعجز والاعجاز عاجز كردن { ولن نعجزه هربا } قوله هربا حال من فاعل لن نعجز اى هاربين من الارض الى السماء والى الجارو والى جبل قاف او لن نعجزه فى الارض ان أراد بنا أمزا ولن نعجزه هرن ان طلبنا فالقرار من موضع الى موضع وعدمه سيان فأن شيأ منهما لا يفيد فواتنا منه ولعل الفائدة فى ذكر الارض حينئذ الاشارة الى انها مع سعتها وانبساطها ليست منجى منه تعالى ولا مهربا .(16/179)
وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13)
{ وانا لما سمعنا الهدى } اى القرءآن الذى يهدى للتى هى أقوم { آمنا به } من غير تأخير وتردد { فمن يؤمن بربه } وبما أنزله من الهدى فلا يخاف } اى فهو لا يخاف فالكلام فى تقدير مبتدأ وخبر ولذلك دخلت الفاء لولا ذلك القيل لا يخف وفائدة رفع الفعل ووجوب ادخال الفاء انه دال على تحقيق ان المؤمن ناج لا محالة وانه المختص بذلك دون غيره { بخسا } اى نقصا فى الجزآء { ولا رهقا } ولا أن ترهقه ذلة وتغشاه او جزآء بخس ولا رهق اى ظلم اذ لم يبخس احدا حقا ولا رهق اى ظلم احدا فلا يخاف جزاء هما وفي دلالة على ان من حق من آمن بالله أن يجتنب المظالم ومنه قوله عليه السلام « المؤمن من امنه الناس على انفسهم واموالهم » قال الواسطى رحمه الله حقيقة الايمان ما اوجب الامان فمن بقى فى مخاوف المرتابين لم يبلغ الى حقيقة الايمان .(16/180)
وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14)
{ وانا منا المسلمون } اى بعد استماع القرءآن { ومنا القاسطون } الجائرون عن طريق الحق الذى هو الايمان والطاعة لافقاسط الجائر لانه عادل عن الحق والمقسط العادل لانه عادل الى الحق يقال قسط اذا جاروأقسط اذا عدل وقد غلب هذا الاسم اى القاسط على فرقة معاوية ومنه الحديث خطابا لعلى رضى الله عنه ( تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ) فالانكثون اصحاب عائشة رضى الله عنها فانهم الذين نكثوا البيعة اى نقضوها واستنزلوا عائشة رضى الله عنها فانهم الذين نكثوا البيعة اى نقضوها واستنزلوا عائشة وساروا بها الى البصرة على جمل اسمه عسكر ولذا سميت الوقعة يوم الجمل والقاسطون اصحاب معاوية لانهم قسطوا اى جاروا حين حاربوا الامام الحق والوفعة تعرف بيوم صفين والمارقون الخوارج فانهم الذين مرقوا اى خرجوا من دين الله واستحلوا القتال مع خليفة رسول الله عليه السلام وهم عبد الله ابن وهب الراسى وحرقوص بن زهير البجلى المعروف بذى الثدية وتعرف تلك الواقعة بيوم النهروان هى من ارض العراق على اربعة فراسخ من بغداد { فمن اسلم } بس هركه كردن نهاد امر خدايرا همجنانجه ما كرده ايم قال سعدى المفتى يجوز أن يكون من كلام الجن ويجوز أن يكون مخاطبة من الله لرسوله ما فيما بعده من الآيات { فاولئك } اشارة الى من اسلم والجمع باعتبار المعنى { تحروا } التحرى فى الاصل طلب الآحرى والاليق قولا او فعلا اى طلبوا وقصدوا { رشدا } يقال رشد كنصر وفرح رشد او رشدا رشادا اهتدى كما فى القاموس اى اهتدآء الى طريق الحق والصواب يبلغهم على دار الثواب فتحرى الرشد مجاز عن ذلك بعلاقة السببية وبالفارسية قصد كرده انداره راست وازان بمقصد خواهندرسيد .
ودل على ان للجن ثوابا على اعمالهم لانه ذكر سبب الثواب وموجبه وقد سبق تحقيقه .(16/181)
وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)
{ واما القاسطون } الجائرون عن سنن الهدى { فكانوا لجهنم حطبا } الحطب ما يعد للايقاد اى حطبا توقد بهم كما توقد بكفرة الانس ( روى ) ان الحجاج قال لسعيد بن جبير حين أراد قتله منا تقول فى قال انك قاسط عادل فقال الحاضرون ما احسن ما قال حسبوا انه يصفه بالقسط والعدل فقال الحجاج يا جهلة جعلنى جاهلا كافرا وتلا قوله تعالى واما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا وقوله تعالى ثم الذين كفروا بربهم يعدلون واسند بعضهم قول سعيد الى امرأة كما قال فى الصحاح ومنه قول تلك المرأة للحجاج انك قاسط عادل فيحتمل التوارد .(16/182)
وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16)
{ وان لو استقاموا } ان مخففة من الثقيلة والجملة معطوفة قطعا على انه استمع والمعنى واوحى الى ان الشان لو استقام الجن او الانس او كلاهما { على الطريقة } التى هى ملة الاسلام { لاسقيناهم ماء غدقا } الاسقاء والسقى بمعنى وقال الراغب السقى والسقيا هو أن تعطيه ماء ليشرب والاسقاء أن تجعل له ذلك له حتى يتناوله كيف شاء كما يقال اسقينه نهرا فالاسقاء ابلغ وغدق من باب علم اذا غزر وصف الماء به للمبالغة فى غزارته كرجل عدل وتخصيص الماء الكثير بالذكر لانه اصل السعة وان كان اصل المعاش هو اصل الماء لا كثرته ولعزة وجوده بين العرب قال عمر رضى الله عنه اينما كان الماء كان العشب واينما كان العشب كان المال واينما كان المال كانت الفتنة والمعنى لاعطيناهم مالا كثيرا وعيشا رغدا ووسعنا على الرزق فى الدنيا وبالفارسية هرآيينه بدهيم ايشان را آب بسيار بعد ازنتل سالى يعنى روزى برايشان فراخ كردنيم .
وفيه دلالة على الطريق هو القيام على سبيل السنة والميل الى اهل الصلاح وبالاسقاء الافاضة على قلوبهم ماء الوداد .(16/183)
لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)
{ لنفتنهم فيه { فنختبرهم فى ذلك الاسقاء والتوسيع كيف يشكرونه كما قال تعالى وبلوناهم بالحسنات او فى ذلك الماء والمآل واحد ( وقال الكاشفى ) ابيازماييم ايشانرادوآن زندكانى كه بوظائف شكر جكونه قيام نمايند .
وفيه اشارة الى ان المرزوق بالرزق الروحانى والغذدآء المعنوى يجب عليه القيام بشكره ايضا وذلك بوظائف الطاعات وصنوف العبادات وضروب الخدمات { ومن يعرض عن ذكر ربه } عن عبادته او عن موعظته او وحيه { يسلكه } يدخله { عذابا صعدا } اى شاقا صعبا يتصعد اى يعلو لمعذب ويغلبه فلا يطيقه على انه مصدر وصف به للمبالغة يقال سلكت الخيط فى الابرة اذا ادخلته فيها اى يسلكه فى عذاب صعد كما قال ما سلككم فى سقر أى ادخلهم فيها فخذف الجار واوصل الفعل ثم ان كان اعراضه بعدم التصديق عذابه بالتأييد والا فبقدر جزيمته ان لم يغفر له وروى ان صعدا جبل فى النار اذا وضع عليه يديه او رجليه ذابتا واذا رفعهما عادتا وقال بعضهم صعدا جبل املس فى جهنم ويكلف الوليد ابن المغيرة صعوده اربعين عاما فيجذب من اعلاه بالسلام فاذا انتهى الى اعلاه انحدر الى اسفله ثم يكلف ثانيا نهكذا يعذب ابدا .(16/184)
وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)
{ وان المساجد له } عطف على قوله انه استمع اى واوحى الى ان المساجد مختصة بالله تعالى وبعبادته خصوصا المسجد الحرام ولذلك قيل بيت الله فالمراد بالمساجد المواضع التى بنيت للصلاة وذكر الله ويدخل فيها البيوت التى بينها اهل الملل للعبادة نحو الكنائس والبيع ومساجد المسلمين ثم هذا لا ينافى ان تضاف المساجد وتنسب الى غيره تعالى بوجه آخر اما لبانيها كمسجد رسول الله او لمكانها كمسجد بيت المقدس الى غيره ذلك من الاعتبارات واعظم المساجد حرمة المسجد الحرام ثم مسجد المدينة ثم مسجد بيت المقدس ثم الجوامع ثم مساجد المحال ثم مساجد الشوارع ثم مساجد البيوت { فلا تدعوا } اى لا تعبدوا فيها الفاء للسببية { مع الله احدا } اى لا تجعلوا احدا غير الله شريكا لله فى العبادة فاذا كان الاشراك مذموما فكيف يكون حال تخصيص العبادة بالغير ( قال الكاشفى ) بس مخوانيد دران باخداى تعالى يكى راجنانجه يهود ونصارى در كنايس وصوامع خود عزبر ومسيح را بالوهيت ياد ميكنند وجنانكه مشركان در حوالئ بيت الحرام ميكويند لبنك لا شريك لك الا شريك هو لك تملكه وما ملك وكفته اندمراد ازين مساجد تمام روى زمينست كه مسجد حضرت سيد المرسلين است لقوله عليه السلام « جعلت لى الارض مسجدا وتربتها طهورا » بس در هيج بقعه با ياد خدا ياد ديكرى نيكوا نباشد
دلرا بجزا زياد خدى شاد مكن ... بايادوى از كسى ديكر ياد مكن
قال بعض العارفين انما تبرأ تعالى من الشريك لانه عدم والله وجود فتبرأ من العدم الذى لا يلحقه اذ هو واجب الوجود لذاته والله تعالى مع الخلق ما الخلق مع الله لانه تعالى يعلمهم وهم لا يعلمونه فهو تعالى معهم اينما كانوا فى طرفية امكنتهم وازمانهم واحوالهم ما الخلق معه تعالى فانهم لا يعرفونه حتى يكونوا معه ولو عرفوه من طريق الايمان كانوا كالاعمى يعلم انه جليس زيد ولكن لا يراه فهو كأنه يراه بخلاف اهل المشاهدة فانه ذو بصر الهى فمن دعاء الله مع الله ما هو كمن دعاء الخلق مع الله هذا معنى فلا تدعوا مع الله احدا ثم ان السجود وان كان لله لا يقع فى الحسن أبدا الا لغير الله اى لجهة غير الله لان الله ليس بجهة بل هو بكل شئ محيط فما وقع من عبد سجود الا لغير الله لكن منه ما كان لغير الله عن امر الله كالسجود لآدم وهو مقبول ومنه ما كان عن غيره امره كالسجود للاصنام وهو مردود وانما وضعت المساجد للتعظيم كما انه عينت القبلة للأدب يروى عن كعب انه قال انى لاجد فى التوراة ان الله تعالى يقول ان بيوتى فى الارض المساجد وان المسلم اذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد فهو زآئر الله وحق على المزور ان يكرم زآئره ومن هنا قالوا ان من دخل المسجد ينوى زيارة الله تعالى قال بعض اهل المعرفة ان مساجد القلوب لزور تجلية فلا ينبغى ان يكون فيها ذكر غير الله قال بعضهم ان مساجد القلوب الصافية عن القاذورات مختصة بالله تعالى وبلاتجليات الذاتية والصفاتية والاسمائية فلا تدعوا مع الله احدا من الاسماء الجزئية اى طهروا مساجد قلوبكم لتجلى اسم الله الاعظم فيها لا غير وقال ابن عطاء مساجدك اعضاؤك التى امرت ان تسجد عليها لا تخضعها ولا تذللها لغير خالقها وهى الوجه واليدان والركبتان والرجلان والحكمة فى السجود على هذه الاعظم ان هذه الاعضاء التى عليها مدار الحركة هى المفاصل التى تنفتح وتنطبق فى المشى والبطش واكثر السعى ويحصل بها اجتراح السيئات وارتكاب الشهوات فشرع الله به السجود للتكفير ومحو الذنب والتطهير .(16/185)
وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19)
{ وانه } من جملة الموحى به اى واوحى الى ان الشان { لما قام عبد الله } اى النبى عليه السلام ولذا جعلو فى اسمائه لانه هو العبد الحقيقى فى الحقيقة المضاف الى اسم الله الاعظم فرقا وان كان هو المظهر له جمعا .
ودر آثار آمده كه آن حضرت را عليه السلام هيج نام ارين خوشتر نيامده جه شريطه عبادت وعبوديت بروجهى كه آن حضرت قيام هيجكس را قدرت براقامت بران نبوده لا جرم دروقت عروج آن حضرت برمنازل ملكى باين اسم مذكور شد كه سبحان الذى اسرى بعبده وبهنكام نزول قرآن از مدارج فلكى اورا يهمين نام ميكندكه تبارك الذى نزل الفرقان على عبده
آن بننده شعار بندكى دوست ... كزجمله بندكان كزين اوست
دادند ببند كيش راهى ... كانراكنديده هيج شاهى
وايراده عليه السلام بلفظ ا لعبد للاشعار بما هو المقتضى لقيامه وعبادته وهو العبودية اى كونه عبدالله وللتوضع لانه واقع موقع كلامه عن نفسه اذا التقدير وأوحى الى انى لما قمت وهذا على قرآءة الفتح واما على قرآءة نافع وأبى بكر فيتعين كونه للاشعار بالمتقضى وفيه تعريض لقريش بانهم سمعوا عبد ود وعبد يعوث وبعد مناف وعبد شمس ونحوها لا عبد الله وان من سمى منهم بعد الله فانما هى من قبيل التسمية المجردة عن معانيها { يدعوه } حال من فاعل قام اى يعبده وذلك قيامه لصلاة الفجر بنخلة كما سبق { كادوا } اى قرب الجن { يكونون عليه لبدا } جمع لبدة بالسكر نحو قربة وقرب وهى ما تلبد بعضه على بعد اى تراكب وتلاصق ومنها لبدة الاسد وهى الشعر املتاركب بين كتفيه والمنى متراكبين بركب بعضهم بعضا ويقع من ازد حامهم على النبى عليه السلام تعجبا مما شاهدوا من عبادته وسمعوا بما لم يسمعوا بنظيره وعلى قرآءة الكسر اذا جعل مقول الجن فضمير كادوا لاصحاب عليه السلام الذين كانوا مقتدين به فى الصلاة .
يقول الفقير فى هذا المقام اشكار على القرءآتين جميعا لان المراد ان كان ما ذهب اليه ابن عباس رضى الله عنهما على ما ذهب اليه المفسرون فلا معنى للزدحام اذ كان الجن بنخلة نفرا سبعة او تسعة ولا معنى لازدحام النفر القليل مع سعة المكان وقرب القارى وانما وقع الازدحام فى الحجون بعد العود من نخلة على ما رواه ابن مسعود رضى الله عنه ولا مخلص الا بأن يقال لم يزالوا بدنون من جهة واحدة حتى كادوا يكونون عليه لبدا او بأن يتجوز فى النفر وحينئذ يبقى تعيين العدد على ما فعله بعضهم بلا معنى وان كان المراد ما ذهب اليه ابن مسعود رضى الله عنه ففيه ان ذلك كان بطريق المشاهدة على ما اسفلناه فى الاحقاف ولا معنى لاخباره بطريق الوحى على ما مضى فى اول السورة وايضا انه لم يكن معه عليه السلام اذ ذاك الانفر قليل من اصحاب بل لم يكن الا زيد ابن حارثة رضى الله عنه على ما فى انسان العيود فلا معنى للازدحام والله اعلم بمراده .(16/186)
قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20)
{ قل انما ادعو } اى اعبد { ربى ولا اشرك به } اى بربى فى العبادة { احدا } فليس ذلك ببدع فلا مستنكر يوجب التعجب او الاطباق على عداوتى وهذا حالى فليكن حالكم ايضا كذلك .(16/187)
قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21)
{ قل انى لا املك } لا استطيع { لكم } ايها المشركون { ضرا ولا رشدا } كأنه اريد لا املك ضرا ولا نفعا ولا غيا ولا رشدا اى ليس هذا بيدى بل بيد الله تعالى فانه هو الضار النافع الهادى المضل فترك من كلا المتقابلين ما ذكر فى الآخر فالآية من الاحتباك وهو الحذف من كل ما يدل مقابله عليه وفى التأويلات النجمية اى من حيث وجوده المضاف اليه كما قال انك لا تهدى من احببت واما من حيث وجوده الحق المطلق فانه يملك الضر والشر كقوله وانك لتهدى الى صراط مستقيم قال القاشانى اى غيا وهدى انما الغواية والهداية من الله ان سلطنى عليكم تهتدوا بنورى والا بقيتم فى الضلال ليس فى قوتى ان اقسركم على الهداية .(16/188)
قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22)
{ قل انى لن يجيرنى } ينقذنى ويخلصنى { من الله } من قهره وعذابه ان خالفت امره واشركت به { احدا } ان استنقذته او لن ينجينى منه احد ان أرادنى بسوء قدره على من مرض او موت او غيرهما قال بعضهم هذه لفظة تدل على الاخلاص فى التوحيد اذا التوحيد هو صرف النظر الى الحق لا غير وهذا لا يصح الا بالاقبال على الله والاعراض عما سواه والاعتماد عليه دون ما عداه { ولن اجد من دونه ملتحدا } يقال ألحد فى دين الله والتحد فيه اى مال عنه وعدل ويقال للملجأ الملتحد لان اللاجئ يميل اليه والمعنى ولن اجد عند الشدآئد ملتجأ غيره تعالى وموئلا ومعد فلا ملجأ ولا موئل ولا معدل الا هو وهذا بيان لعجزه عليه السلام عن شؤون نفسه بعد بيان عجزه عن شؤون غيره اى واذلا املك لنفسى شيأ فكيف املك لكم شيأ .(16/189)
إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23)
{ الا بلاغا من الله } استثناء متصل من قوله لا املك اى من مفعوله فان التبليغ ارشاد ونفع وما بينهما اعتراض مؤكد لنفى الاستطاعة عن نفسه فلا يضر طول الفصل بينهما وفائدة الاستثناء المبالغة فى توصيف نفسه بالتبليغ لدلالته على انه لا يدع التبليغ الذى يستطيعه لتظاهرهم على عداوته وقوله من الله صفة بلاغا اى بلاغا كائنا منه وليس متعلقا بقوله بلاغان صلة التبليغ فى المشهور انما هى كلمة عن دون من وبلاغا واقع موضع التبليغ كما يقع السلام والكلام موقع التسليم والتكليم او استثناء من قوله ملتحدا اى لن اجد من دونه تعالى منجى الا ان ابلغ عنه ما ارسلى به فهو حينئذ منقطع فان البلوغ ليس ملتحدا من دون الله لانه من الله وباعانته وتوفيقه { ورسالاته } عطف على بلاغا باضمار المضاف وهو البلاغ اى لا املك لكم الا تبليغا كائنا منه تعالى وتبليغ رسالاته التى ارسلنى بها يعنى الآن ابلغ عن الله وقول قال الله كذا ناسبا للمقالة اليه وان ابلغ رسالاته التى ارسلنى بها من غير زيادة ولا نقصان وقال سعدى المفتى لعل المراد من بلاغا من الله ما هو ما يأخذه منه تعالى بلا واسطة ومن رسالته ما هو بها انتهى والمراد بالرسالة هو ما ارسل الرسول به من الامور والاحكام والاحوال لا معنى المصدر والظاهر أن المراد الا التبليغ والرسالة من الله تعالى وجمع الرسالة باعتبار تعدد ما ارسل هو به { ومن يعص الله ورسوله } فى الامر بالتوحيد بأن لا يمتثل امرهما به ودعوتهما اليه فيشرك به اذا الكلام فيه وهو يصلح ان يكون مخصصا للعموم فلا متمسك للمعتزلة فى الآية على تخليد عصاة المؤمنين فى النار { فان له نار جهنم خالدين فيها } اى فى النار أو فى جهنم والجمع باعتبار المنى { ابدا } بلا نهاية فهو دفع لان يراد بالخلوق المكث الطويل .(16/190)
حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24)
{ حتى اذا رأوا ما يوعدون } غاية لمحذوف يدل عليه الحال من استضعاف الكفار لانصاره عليه السلام ولاستقلالهم لعددهم حتى قالواهم بالاضافة الينا كالحصاة من حبال كأنه قيل لا يزالون على ما هم عليه حتى اذا رأوا ما يوعدون من فنون العذاب فى الآخرة { فسيعلمون } حينئذ عند حلوله بهم { من اضعف ناصرا واقل عددا } اى فسيعلمون الذى هو اضعف واقل أهم ام المؤمنون فمن موصولة واضعف خبر مبتدأ محذوف ويجوز ان تكون استفهامية مرفوعة بالابتدآء واضعف خبره والجملة فى موضع نصب سدت مسد مفعولى العلم وناصر وعددا منصوبان على التمييز وحمل بعضهم ما توعدون على ما رأوه يوم بدر وايا ما كان ففيه دلالة على ان الكفار مخذولون فى الدنيا والآخرة وان كثروا عددا وقورا جسدا لان الكفارين لا مولى لهم وان المؤمنين منصورون فى الدارين وان قلوا عددا وضعفوا جسدا لان الله مولاهم والواحد على الحق هو السود الاعظم فان نصره ينزل من العرش ( قال الحافظ )
تيغى كه اسنمانش ازفيض خود دهدآب ... تهنا جهان بكيردبى منت سباهى(16/191)
قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25)
{ قل ان ادرى } اى ما ادرى لان ان نافية { اقريب } غير مقدم لقوله { ما توعدون } ويجوز ان يكون ما توعدون فاعلا لقريب سادا مسد الخبر لوقوعه بعد الف الاستفهامية وما موصولة والعائد محذوف اى اقريب الذى توعدونه نحو اقائم الزيدان { ام يجعل له ربى امدا } اى غاية تطول مدتها والامد وان كان يطلق على القريب ايضا الا ان المقابلة تخصصه بالبعيد والفرق بين الزمان والامد أن الامد يقال باعتبار الغاية ولزمان عام فى المبدأ والغاية والمعنى ان الموعود كائن لا محالة واما وقته فما ادرى متى يكون لان الله لم ببينه لما رأى فى اخفاء وقته من المصلحة وهو رد لما قاله المشركون عند سماعهم ذلك متى يكون الموعود انكارا له واستهزآء فان قيل أليس قال عليه السلام « بعثت أنا والساعة كهاتين » فكان عالما بقرب وقوع القيامة فكيف قال ههنا لا أدرى اقريب ام بعيد والجواب ان المراد بقرب وقوعه هو ان ما بقى من الدنيا اقل ممن انقضى فهذا القدر من القرب معلوم واما قربه بمعنى كونه بحيث يتوقع فى كل ساعة فغير معلوم على ان كل آت قريب ولذا قال تعالى أتى امر الله فلا تستعجلوه وقال كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبقوا الا ساعة من نهار وذلك بالموت للمتقدمين ووقوع عين القيامة للمتأخرين كما اوعد نوح عليه السلام بالطوفان لم يدركه بعضهم بل هلك قبله وغرق فى طوفان الموت وبحر البلاء قال بعض اهل المعرفة قل ان ادرى أقريب ما توعدون فى القيامة الصغرى من افناء الصورى والموت الطبيعى الاضطرارى والدخلو فى نار الله الكبرى عند البعث لعدم الوقوف على قدر الله او فى الكبرى من الموت لارادى والفناء الحقيقى لعدم القوف على قوة الاستعداد فيقع عاجلا ام ضرب الله غاية واجلا .(16/192)
عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26)
{ عالم الغيب } وحده وهو خبر مبتدأ محذوف اى هو عالم لجميع ما غاب عن الحس على ان اللام للاستغراق والجملة استئناف مقرر لما قبله من عدم الدراية { فلا يظهر } آكاه نكند { على غيبه احدا } الفاء لترتيب عدم الاظهار على تفرده تعالى بعلم الغيب على الاطلاق اى فلا يطلع على غيبه اطلاعا كاملا ينكشف به جليلة الحال انكشافا تاما موجبا لعين اليقين احد من خلقه .(16/193)
إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27)
{ الا من ارتضى من رسول } الارتضاء بسنديدون واصله تناول مرضى الشئ اى الا رسولا ارتضاه واختاره لاظهاره على بعض غيوبه المتعلقة برسالته كما يعرب عنه بيان من ارتضى بالرسول تعلقا ما اما لكونه من مبادى رسالته بان يكون معجزة دالة على صحبتها واما لكونه من اركانها واحكامها كعامة التكاليف الشرعية التى امر بها المكلفون وكيفيات اعمالهم واجزيتها المترتبة عليها فى الآخرة وما تتوقف هى عليه من احوال الآخرة التى من جملتها قيام الساعة والبعث وغير ذلك من الامور الغيبية التى بيانها من وظائف الرسالة واما ما لا يتعلق بها على احد الوجهين من الغيوب التى من جملتها وقت قيام الساعة فلا يظهر عليه احدا أبدا عى ان بيان وقته محل بالحكمة التشريعية التى عليها ايدور فلك الرسالة وليس فيه ما يدل على نفى كرامات الاولياء المتعلقة بالكشف فان اختصاص الغاية القاصية من مراتب الكشف بالرسل لا يستلزم عدم حصور مرتبة ما من تلك المراتب لغيرهم اصلا ولا يدعى احدا لاحد من الاولياء ما فى مرتبة الرسل من الشكف الكامل الحاصل بالوحى الصريح بل اطلاعهم بالاخبار الغيبى والتلفق من الحق فيدخل فى السرول وارئه قال الجنيد قدس سره قعد على غلام نصرانى متنكرا وقال أيها الشيخ ما معنى قوله عليه السلام اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله قال فأطرقت رأسى ورفعت فقلت اسلم اسلم فقد حان وقت اسلامك فأسلم الغلام فهذا اما بطريق الفراسة او بغيرها من انواع الشكوف وخرج من البين اهل الكهانة والتنجيم لانهم ليسوا من اهل الارتضاء والاصطفاء كالانبياء والاولياء فليس اخبارهم بطريق الالهام والكشف بل بلامارات والظنون ونحوها ولذا لا يقع اكثرها الا كاذبا ومن قال أنا اخبر من اخبار الجن يكفر لان الجن كالانس لا تعلم غيبا وقد سبق ان الكهانة انقطعت اليوم فلا كهانة أبدا لان الشياطين منعوا من السماء قال ابن الشيه انه تعالى لا يطلع على الغيب الذى يختصب به علمه الا المرتضى الذى يكون رسولا ولما لا يختص به يطلع عليه غير الرسول اما بتوسط الانبياء او بنصب الدلائل وترتيب المقدمات او بأن يلهم الله بعض الاولياء وقوع بعض المغيبات فى المستقبل بواسطة الملك فليس المراد بهذه الآية ان لا يطلع احدا على شئ من المغيبات الا الرسل لظهور أنه تعالى قد يطلع على شئ من الغيب غير الرسل كما اشتهر ان كهنة فرعون اخبروا بظهور موسى عليه السلام وبزوال ملك فرعون على يده وان بعض الكهنة اخبروا بظهور نبينا محمد عليه السلام قبل زمان ظهوره ونحو ذلك من المغيبات وكانوا صادقين فيه وارباب الملل والاديان مطبقون على صحة علم التعبير والمعبر قد بخبر عن وقوع الوقائع الآتية فى المستقبل ويكون صادقا فيه ثم الآية نظير قوله تعالى وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجبتى من رسوله من يشاء { فانه يسلك } بس بدرستى كه درمى آرد خداى تعالى يعنى ميسازد .(16/194)
وبالعربية يدخل ويثبت { من بين يديه } اى قدام الرسول المرتضى { ومن خلقه رصدا } قال فى القاموس الرصد محركة الراصدون اى الراقبون بالفارسية نكهبانان . يقال للواحد والجماعة كما فى المفردات وهو تقرير وتحقيق للاظهار المستفاد من الاستثناء وبيان لكيفيته اى فانه تعالى يسلك من جميع جوانب الرسول عند اظهاره على غيبه حرسا من الملائكة يحرسونه من بعض الشياطين لما اظهره عليه من الغيوب المتعلقة برسالته يعنى ان جبريل كان اذا نزل بالرسالة نزل معه ملائكة يحفظونه من ان يسمع الجن الوحى فيلقونه الى كهنتهم فتخبر به الكهنة قبل الرسول فيختلط على الناس امر الرسالة قال القاشانى الامن ارتضى من رسول اى اعده فى الفطرة الاولى وزكاه وصفاه من رسول القوة القدسية فانه يسلك من بين يديه اى من جالبه الالهى ومن خلفه اى ومن جهته البدنية رصدا حفظة اما من جهة الله التى اليها وجهه فروح القدس والانوار الملكوتية والربانية واما من جهة البدن فالملكات الفاضلة والهيئات النورية الحاصلة من هيا كل الطاعات والعبادات يحفظونه من تخبط الجن وخلط كلامهم من الوساوس والاوهام والخيلات بمعارفها اليقينية ومعانياه القدسية والواردات المغيبية والكشوف الحقيقية .(16/195)
لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)
{ ليعلم ان قد ابلغوا رسالات ربهم } متعلق بيشلك غاية له من حيث انه مترتب على الابلاغ المترتب عليه اذا لمراديه العلم المتعلق بالابلاغ الموجود بالفعل وان مخففة من الثقيلة واسمها الذى هو ضمير الشأن محذوف والجملة خبرها اولابلاغ الايصال وبالفارسية رسانيدن . ورسالات ربهم عبارة عن الغيب الذى اريد اظهار المرتضى عليه والجمع باعتبار تعدد افراده وضمير أبلغوا اما للرصد فالمعنى انه تعالى يسلكهم من جميع جوانب المرتضى ليعلم ان الشأن قد أبلغنوه رسالات ربهم سالمة عن الاختطاف والتخليط علما مستتبعا للجزآء وهو أن يعلمه موجودا حاصلا بالفعل كما فى قوله تعالى حتى نعلم المجاهدين منكم والغاية فى الحقيقة هو الا بلاغ والجهاد وايراد علمة تعالى لابراز اعتنائه تعالى بأمرهما ولاشعار بترتيب الجزآء عليهما والمبالغة فى الحث عليهما والتحذير من التفريط فيهما واما لمن ارتضى والجمع باعتبار معنى من كما ان الافراد فى الضمير بن السابقين باعتبار لفظهما فالمعنى ليعلم انه قد ابلغ الرسل الموحى عليهم رسالات ربهم الى اممهم كما هى من غير اختطاف ولا تخليط بعد ما ابلغها الرصيد اليهم كذلك { واحاط بما لديهم } اى بما عند الرصد او الرسل حال عن فاعل يسلك باضمار قدا وبدونه على الخلاف المشهور جيء بها لتحقيق استغنائه تعالى اى وقد احاط بما لديهم من الاحوال جميعا { واحصى } علم علما بالغا الى حد الاحاطة تفصيلا وبالفارسية وشمرده است { كل شئ } مما كان وما سيكون { عددا } اى فردا فردا فكيف لا يحيط بما لديهم قال القاسم هو اوجدها فأحصاها عددا وقال ابن عباس رضى الله عنهما احصى ما خلق وعرف عدد ما خلق لم يفته علم شئ حتى مثاقيل الذر والخردل ( قال الكشافى ) مراد كمال علم است وتعلق آن بجميع معلومات يعنى معلومى مطلقا از دآئره علم او خارج نيست
هرجه دانستنى است درد وجهان ... نيست ازعلم شاملش بنهان
قوله عددا تمييز منقول من المفعول به كقوله وفجرنا الارض عيونا والاصل احصى عدد كل شئ وفائدته بيان ان علمه تعالى بالاشياء ليس على وجه كلى اجمالى بل على وجه جزئى تفصيلى فان الاحصاء قد يراد به الاحاطة الاجمالية كما فى قوله تعالى وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها اى لا تقدروا على حصرها اجمالا فضلا عن التفصيل وذلك لان اصل الاحصاء ان الحاسب اذا بلغ عقدا معينا من عقود الاعداد كالعشر والمائة والالف وضع حصاة ليحفظ بها كمية ذلك العقد فيبنى على ذلك حسابه وهذه الآية مما يستدل به على ان المعد ليس بشئ لانه لو كان شيأ لكانت الاشياء غير متناهة وكونه احصى عددها يقتضى كونها وذلك محال فوجب القطع بأان المعدوم ليس بشئ حتى يندفع هذا التناقض والتنافى فى كذا فى حواشى ابن الشيخ رحمه الله .(16/196)
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1)
{ يا ايها المزمل } اى المزمل من تزمل بثايباه اذا تلفف بها وتغطى فأدغم التاء فى الزاى فقيل المزمل بتشديدين كان عليه السلام نائما بالليل متزملا فى قطفية اى دثار مخمل فأمر أن يترك التزمل الى التشمر للعبادة ويختار التهجد على الهجود وقال ابن عباس رضى الله عنهما اول ما جاءه جبريل خافه فظن ان به مسا من الجن فرجع من حبل حرآء الى بيت خديجة مرتعدا وقال زملونى فبينما هو كذلك اذ جاء جبريل وناداه وقال يا ايها المزل وعن عكرمة ان المعنى يا أيها الذى زمل امرا عظيما اى حمله والزمل الحمل وازمله احتمله قال السهيلى رحمه الله ليس المزمل من اسمائه عليه السلام التى يعرف بها كما ذهب اليه بعض الناس وعده فى اسمائه وانما المزمل مشتق من حالته التى كان عليها حين الخطاب وكذا المدثر وفى خطابه بهذا الاسم فائدتان احداهما الملاطفة فان العرب اذا قصدت ملاطفة المخاطب وترك المعاتبة سموه باسم مشتق من حالته التى هى عليها كقوله النبى عليه السلام لعلى رضى الله عنه حين غاضب فاطمة رضى الله عنها اى اغضبها واغضبته فأتاه وهو نائم قد ليق بجنبه التراب فقال له « قم يا أبا تراب اشعارا بأنه غير عاتب عليه وملاطفة له » وكذلك قوله عليه السلام لحذيفة رضى الله عنه « قم يا نومان » وكان نائما ملاطفة واشعارا بترك العتب والتأديب فقول الله تعالى لمحمد عليه السلام يا ايها المزمل تأنيس وملاطفة ليشعر انه غير عاتب عليه والفائدة الثانية التنبيه لكل متزمل راقد ليله لينتبه الى قيام الليل وذكر الله فيه لان الاسم المشتق من الفعل يشترك فيه مع المخاطب كل من عمل بذلك العمل واتصف بتلك الصفة انتهى وفى فتح الرحمن الخطاب الخاص بالنبى عليه السالك كأيها المزمل ونحوه عام للامة الا بدليل يخصه وهذا قول احمد والحنفية والمالكية وقال اكثر الشافعية لا يعمهم الا بدليل وخطابه عليه السلام لواحد من الامة هل يعم غيره قال الشافعى والحنفية والاكثر لا يعم وقال أبو الخطاب من ائمة الحنابلة ان وقع جوابا عم والا فلا .(16/197)
قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2)
{ قم الليل } بكسر الميم لالتقاء الساكنين اى لا تتزمل وترقد ودع هذه الحال لما هو افضل منها وقم الى الصلاة فى الليل فانتصاب الليل على الظرفية وان استغرق الحدث الواقع فيه فحذف فى واوصل الفعل اليه فنصب لان عمل الجر لا يكون فى الفعل والنصب اقرب اليه من الرفع ومن ذلك قال بعضهم هو مفعول نظرا الى الظاهر فىلاستعمال ومن ذلك فمن شهد منكم الشهر فليصمه وقوله لينذر يوم التلاق فى احد الوجهين كما سبق ومثله الاحياء فى قوله من احيى ليلة القدر ونحوه فان الأحياء وان كان واقعا على الليل فى الظاهر لكن المراد به احياء الصلاة والذكر فى الليل واستعمالها وحد الليل من غروب الشمس الى طلوع الفجر قال بعض العارفين ان الله اشتقاق الى مناجاة حبيبه فناداه أن يقوم فى جوف الليل وقد قالوا ان القيام والمناجاة ايسا من الدنيا بل من الجنة لما يجده اهل الذوق من الحلاوة { الا قليلا } استثناء من الليل .(16/198)
نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3)
{ نصفه } بدل من الليل الباقى بعد الثنيا بدل الكل والنصف احد شقى الشئ اى قم نصفه والتعبير عن التصف المخرج بالقليل لاظهار كمال الاعتداد بشأن الجزء المقارن للقيام والايذان بفضله وكون القيام فيه بمنزلة القيام فى اكثرة فى كثرة الثواب يعنى انه يجوز ان يوسف النصف المستثنى بكونه قليلا بالنسبة الى النصف المشغول بالعبادة مع انهما متساويان فى المقدار من حيث ان النصف الفارغ لا يساويه بحسب الفضيلة والشرف فالاعتبار بالكيفية لا بالكمية وقال بعضهم ان القلة فى النصف بالنسبة الى الكل لا الى العديل الآخرون الا لزم أن يكون احد الصفين المسايين اقل من الآخر وفيه انه من عرآئه عن الفائده خلاف الظاهر كما فى الارشاد { او انقص منه } اى انقص القيام من النصف المقارن له الى الثلث { قليلا } اى نقصان قليلا او مقدار قليلا بحيث لا ينحظ الى نصف الليل .(16/199)
أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)
{ او زد عليه } اى زد القيام على النصف المقارن له الى الثلثين فالمعنى تخييره عليه السلام بين أن يقوم نصفه او اقل منه او اكثر اى قم الى الصلاة فى الزمان الحدود المسمى بالليل الا فى الجزء القليل منه وهو نصفه او انقص القيام من نصفه او زد عليه قيل هذا التخيير على حسب طول الليل وقصرها فالنصف اذا استوى لليل والنهار والنقص منه اذا اقصر الليل والزيادة عليه اذا طال الليل { ورتل القرءآن } فى اثناء مذكر من القيام اى اقرأه على تؤدة وتبيين حروف وبالفارسة وقرآرا كشاده حروف خوان بحديكه بمضى آن بربى بمضى باشد { ترتيلا } بليغا بحيث يتمكن السامع من عدها ولذا نهى ابن مسعود رضى الله عنه عن التعجل وقال ولا يكن هم احدكم آخر السورة يعنى لا يد للقرئ من الترتيل ليتمكن هو ومن حضرة من التأمل فى حقائق الآيات فعند الوصول الى ذكر الله يستشعر عظمته وجلاله وعند الوصول الى الوعد والوعيد يقع فى الرجاء والخوف وليسلم نظم القرءآن من الخلل والرتل اتساق الشئ وانتظامه على استقامة والترتيل هويدا كردن سخن بى تكلفت .
قال فى الكشاف ترتيل القرءآن قرآءته على ترسل وتؤدة بتبيين الحروف واشباع الحركات حتى يجيئ المتلو منه شبيها بالثغر المرتل وهو المفلج المشبهة بنور الاقحوان وأن لايهزه هزا ولا يسرده سردا كما قال عمر رضى الله عنه شر السير الحقحقة وشر القرآءة الهذمرة حتى يجيئ التلو فى تتابعه كالثغر الالص والامر بترتيل القرآن يشعر بأن الامر بقيام الليل نزل بعدما تعلم عليه السلام مقدارا منه وان قل وقوله انا سنلقى على الاستقبال بالنسبة الى بقية القرآن ثم الظاهر ان الامر به يعم الامة لانه امر مهم للكل والامر للوجوب كما دل عليه التأكيد وللندب وكانت قرآءته عليه السلام مدا يمد ببسم الله ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم اما الاولان فمدهما طبيعى قدر الالف واما الخير فمده عارضى بالسكون فيجوز فيه ثلاثة اوجه الطول وهو مقدار الفات ثلاث والتوسط قدر الفين والقصر قدر الف وكان عليه السلام مجودا للقرءآن كما انزل وتجويده تحسين الفاظه باخراج الحروف من مخارجها واعطاء حقوقها من صفاتها كالجهر والهمس واللين ونحوها وذلك بغير تكلف وهو ارتكاب المشقة فى قرآءته بالزيادة على ادآء مخرجه والمبالغة فى بيان صفته فينبغى أن يتجفظ فى الترتيل عن التمطيط وهو التجاوز عن الحد وفى الحدر عن الادماع والتخليط بان تكون قرآءته بحال كأنه يلف بعض الحروف والكلمات فى بعض آخر لزيادة الشرعة وذلك ان القرآءة بمنزلة البياض ان قل صار سمرة وان كثر صار برصا وما فوق الجعودة فهو القطط فما كان فوق القرآءة فليس بقرءآة فعلم من هذا ان التجويد على ثلاث مراتب ترتيل وحدر وتدوير .(16/200)
اما الترتيل فهو تؤدة وتأن وتمهل قال فى القاموس ورتل الكلام ترتيلا احسن تأليفه وترتل فيه ترسل انتهى وهو مختار ورش وعاصم وحمزة ويؤديه قوله عليه السلام من قرأ القرءآن اقل من ثلاث لم يفهمه وفى قوت القلوب افضل القآءة الترتيل لان فيه التدبر والتفكر وافضل الترتيل والتدبر للقرءآن ما كان فى صلاة وعن ابن عباس رضى الله عنهما لأن اقرأ البقرة ارتلها وأتدبرها احب الى من أن اقرأ القرءآن كله هذرمة اى سرعة وعن النبى عليه السلام انه قرأ بسم الله الرحمن الرحيم قرأها عشرين مرة وكان له كل مرة فهم وفى كل كلمة علم وقد كان بعضهم يقول كل آية لا أفهما ولا يكون قلبى فيها لم اعد لها ثوابا وكان بعض السلف اذا قرأ سورة لم يكن قلبه اعادها ثانية قال بعض العلماء لكل آية ستون الف فهم وما بقى من فهمها اكثر قال مالك بن دينار رحمه الله اذا قام العبد بتهجد الليل ويرتل القرءآن كما أمر قرب الجبار منه قال وكانوا يرون ان ما يجدونه فى قلوبهم من الرقة والحلاوة وتلك الفتوح والانوار من قرب الرب من القلب وفى الحديث « يوتى بقارئ القرءآن يوم القيامة فيوقف فى اول درج الجنة ويقل اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا فان منزلتك عن آخر آية تقرآها » ولكون المقصود من انزل القرءآن فهم الحقائق والعمل بالفحاوى شرع الانصات لقرآء القرءآن وجوبا فى لاصلاة وندبا فى غيرها وللقارئ اجر وللمستمع اجران لانه يسمع وينصت او يسمع بانذيه بقرأ بلسان واحد والمستمع يؤدى الفرض ولذا قالوا استماعه اثوب من تلاوته ( ولى سلسلة الذهب للمولى الجامى )
صرف او كن حواس جسمانى ... وقف او كن قواى روحانى
دل بمعنى زبان بلفظ سبار ... جشم برخط ونقط وعجم كذار
كوش از ومعدن جواهركن ... هوش از ومخزن سرآئركن
دراد ايش مكن زبان كج مج ... حرفهايش اذا كن از مخرج
دور باش ازتهتك وتعجيل ... كام كيراز تأمل وترتيل
واما الحدر فهو الاسراع فى القرءآن كما روى انه ختم القرءآن فى ركعة واحدة اربعة من الامة عثمان بن عفان وتميم الدارى وسعيد ابن جبير وابو حنيفة رضى الله عنهم وكان همسر بن المنهال يختم فى الشهر تسعين ختمة وما لم يفهم رجع فقرأ مرة اخرى وفى القاموس وأبو الحثمنا مع فهام التلاوة النتهى .
واما ما روى فى مناقب الشيخ موسى السدرانى من اكابر اصحاب الشيخ ابى مدين رضى الله عنه من ان له وردا فى اليوم والليلة سبعين ألف ختمة فمعناه ان اليوم والليلة اربع وعشرون ساعة فيكون فى كل اثنتى عشرة ساعة خمصة وثلاثون ألف ختمة لانها اما أن تنبسط الى ثلاث واربعين سنة وتعسة اشهر واما الى اكثر وعلى التقدير الاول يكون اليوم والليلة منبسطا الى سبع وثمانين سنة وستة اشهر فيكون فى كل يوم وليلة من ايام السنين المنبسطة ايامها وليالها ختمتان ختمة فى اليوم وختمة فى الليلة كما هو العادة ويحتمل التوجيه بأقل من ذلك باعتبار سرعة القارئ وهذا اى الحدر مختار ابن كثير وأبى عمرو وقالون .(16/201)
وام التدوير فهو التوسط بين الترتيل والحدر وهو يختار ابن عامر والكسائى وهذا كله انما يتصور فى مراتب الممدود وفى الحديث « رب قارئ للقرءآن والقرءآن يلعنه » وهو متناول لمن يخل بمبانيه او معانيه او بالعمل بما فيه وذلك موقوف على بيان اللحن وهو انه جلى وخفى فالجلى خطا يعرض للفظ ويخل بالمعنى بأن بدل حرفا مكان حرف بأن يقول مثلا الطالحات بدل الصالحات وبالاعراب كرفع المجرور ونصبه سوآء تغير المعنى به ام لا كما اذا قرأ ان الله بريئ من المشركين ورسوله يجر رسوله الخفى خط يخل بالعرف والضابطة كترك الاخفاء والادغام والاظهار والقلب وكترقيق المفخم وعكسه ومد المقصور وقصر الممدود وامثال ذلك ولا شك ان هذا النوع مما ليس بقرض عين يترتب عليه العقاب الشديد وانما فيه التهديد وخوف العقاب قال بعضهم اللحن الخفى الى لا يعرفه الا مهرة القرء من تكرير الراآت وتطنين النونات وتغليظ اللامات وترقيق الراآت فى غير محلها لا يتصور ان يكون من فرص العين يترتب عليه العاب على فاعلها لام فيه من حرج ولا يكلف الله نفسا الا وسعها وفى بعض شروح الطريقة ومن الفتنة ان يقول لأهل القرى والبوادى ولعجاز والعبيد والاماء لا تجوز الصلاة بدون التجويد وهم لا يقدرون على التجويد فيتركون الصلاة رأسا فالواجب أن يعلم مقدار ما يصح به النظم والمعنى ويتوغل فى الاخلاص وحضور القلب
لعنت است اين كه بهر لهجه وصوت ... شود از تو حضور خاطر فوت
فكر حسن غنا برد هوشت ... متكلم شود فراموشت
لعنت است اين كه سازدت بى سيم ... روز وشب با امير وخواجه نديم
لعنت است اين كه همت توتمام ... كنت مصروف لفظ وحرف وكلام
نقد عمرت زفكرت معوج ... خرج شد در رعايت مخرج
صرف كردى همه حيات سره ... در قراآت سبعه وعشره
همجنين هرجه از كلام اخدا ... جزخدا قبله دلست ترا
موجب لعن ومايه طرد ست ... حبذا مقبلى كه زان فردست
معنئ لعن جيست مردودى ... بمقامات بعد خشنودى
هركه ماند ازخدا بيك سرمو ... آمد اندر مقام بعد حرو
كرجه ملعون نشد زحق مطلق ... هست ملعون بقدر بعد ازحق
روى ان عمر ان بن حصين رضى الله عنه مر على وقاص يقرأ ثم يسأل فاسترجع ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من قرأ القرءآن فليسأل الله به فانه سيجيئ اقوام يقرأون القرءآن يسألون به الناس انتهى فيكون اعطاء شئ اياه من قبيل الاعانة على المعصية كالاعطاء لسائل المسجد وهو يتخطى رقاب الناس ولا يدع السواك فى كل ما استيقظ من نوم الليل والنهار وفى الخبر طيبوا طرق القرءآن من افواهكم باستعمال السواك والصلاة بعد السواك تفضل على بغير سواك سبعين ضعفا وفى قوت القلوب وفى الجهر بالقرءآن سبع نيات منها الترتيل الذى امر به ومنها تحسين البيوت بالقرآن الذى ندب اليه فى قوله عليه السلام زينوا القرءآن بأصواتكم وفى قوله اليس منا من لم يتغن بالقرءآن اى يحسن صوته وهو احب من اخذه بمعنى الغنية والاكتفاء ومنها أن يسمع اذنيه ويوفظ قلبه ليتدبر الكلام ويتفهم المعانى ولا يكون ذلك كله الا فى الجهر ومنها أن يطرد النوم عنه برفع صوته ومنها أن يرجو يجهره يقظة نائم فيذكر الله فيكون هو سبب احيائه ومنها أن يره بطال غافل فينشط للقيام ويشتاق الى الخدمة فيكون هو معاونا له على البر والتقوى ومنها ان يكثر يجهره تلاوته ويدوم قيامه على حسب عادته للجهر ففى ذلك كثرة عمله فاذا كان القار على هذه النيات فجهره افضل لان فيه اعمالا وانما يفضل العمل بكثرة النيات وكان اصحاب رسول الله عليه السلام اذا اجتمعوا امروا احدهم أن يقرأ سورة من القرءآن وفى شرح الترغيب اختلف فى القرآءة بالالحان فكرهها مالك والجمهور لخروجها عما جاء القرءآن له من الخشوع والتفهم واباحها ابو حنيفة وجماعة من السلف للاحاديث لان ذلك سبب للرقة واثارة الخشيه وفى ابكار الافكار انما استحب تحسين الصوت بالقرآءة وتزيينه ما لم يخرج عن حد القرآءة بالتمطيط فان افرط حتى زاد حرفا او اخفاه فهو حرام وقال بعض اهل المعرفة قوله رتل اى اتل وجاءت التلاوة بمعنى الابلاغ فى مواضع من القرءآن فالمعنى بلغ احكام القرءآن لاهل النفوس المتمردة المنحرفة عن الاقبل على الآخرة وهم العوام وهذا من قبيل الظهر كما قال عليه السلام ما من آية الا ولها ظهر وبطن وحد ومطلع وفصل معانية لاصحاب القلوب المقبلة على المولى كما قال تعالى كتاب فصلت آياته وهم الخواص وهذا من قبيل البطن وفهم حقائقه لسدنة الاسرار المستهلكين فى عين المشاهدة المستغرقين فى بحر المعاينة وهم اخص الخواص وهذا من قبيل الحدو اوجد اسراره لارباب الارواح الطاهرة الفانين عن ناسوتيتهم الباقين بلاهوتيته .(16/202)
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)
{ انا سنلقى عليك } اى سنوحى اليك وايثار الالقاء عليه لقوله تعالى { قولا ثقلا } وهو القرءآن العظيم المنطوى على تكاليف شاقة ثقيلة على المكلفين وايضا ان القرءآن قديم غير مخلوق والحاديث يذوب تحت سطوة القديم الا من كان مؤيدا كالنبى عليه السلام والثقل حقيقة فى الاجسام ثم يقال فى المعانى وقال بعضهم ثقيلا تلقية كما سئل رسول الله عليه السلام كيف يأتيك الوحى قال احيانا يأتينى مثل صلصلة الجرس وهو أشد على فيفصم عنى اى يقلع وينحى وقد وعين ما قال واحيانا يتمثل الى الملك رجلا فيكلمنى فأعى ما يقول قالت عائشة رضى الله عنها ولقد رأيته ينزل عليه الوحى فى اليوم الشدسد البرد فيفصم عنه وان جبينه ليرفض عرقا اى يترشح ( قال الكاشفى ) در حين نزول وحى برآن حضرت برين وجه كه مذكور شداكر برشتر سوارى بودى دست وباى شترخم كشتى واكرتكيه برران يكى ازياران داشتى خوف شكستن آن بودى ودرين محل روى كلبركش برافر وخته ( مصراع ) بسان كل كه بصحن جمن برافروزد .
وفى التأويلات النجمية ثقل المحمول بحسب لطف الحامل ولا شك ان نبينا عليه السلام كان ألطف الانبياء خلقا واعدلهم مزاجا وطبعا واكملهم روحانية ورحمانية وافضلهم نشأة وفطرة واشملهم استعدادا وقابلية فلذلك خص القرءآن بالثقل من بين سائر الكتب السماوية المشتملة على الاوامر والنواهى والاحكام والشرآئع للطف فطرته وشمول رحمته والجملة اعتراض بين الامر وهو قم الليل وبين تعليله وسر ان ناشئة الليل الخ لتسهل ما كلفه عليه السلام من القيام يعنى ان فى توصيف ما سياقى عليه بالثقل ايماء الى ان ثقل هذا التكليف بالنسبة اليه كالعدم فاذا كان ما سيكلف اصعب وأشق فقد سهل هذا التكاليف وفى الكشاف أراد بهذا الاعتراض ان ما كلفه من قيام الليل من جملة التكاليف الصعبة التى ورد بها القرآن لان الليل وقت السبات والراحة والهدوء فلا بد لمن احياه من مضاده لطبعه ومجاهدة لنفسه فمن استأنس بهذا التكليف لا يثقل عليه امثاله .
يقول الفقير سورة المزمل مما نزل فى اوائل النبوة فكان قوله انا سنلقى عليك قولا ثقيلا يشير الى مدة الوحى البافيه لان حروفه مع اعتبار النون المدغم فيها ونونى التنوين اثنان وعشرون فالسين ذلك على الاستقبال ومجموع الحروف على المدة الباقية وجعل القرءآن حملا ثقيلا لانه عليه السلام بعث لتتميم مكارم الاخلاق ولا شك ان ما كان اجمع كان اثقل والله تعالى اعلم بمراده وايضا ان كون القول ثقيلا انما الى النفس الخفيفة اللطفية فخفيف ولطيف ولذا كان تعب التكاليف مرفوعا عن الكمل فهم يجدون العبادات كالعادات فى ارتفاع الكلفة وفى الذوق والحلاوة .(16/203)
إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6)
{ ان ناشئة الليل } اى النفس التى تنشأ فى الليل من مضجعها الى العبادة اى تنهض من نشأ من مكانه اذا نهض فالموصوف محذوف والاضافة للملابسة بمعنى النفس الناشئة فى الليل { هى } خاصة { اشد وطئا } اى كلفة وثقلا مصدر قولك وطئى الشئ اى داسه برجله او جعل عليه ثقله فان النفس القائمة بالليل الى العبادة اشد وطئا من التى تقوم بالنهار فلا بد من قيام الليل فان افضل العبادات اشقها فالوطئ مصدر من المبنى للمفعول لان الواطئ الذى يلقى ثقله على العابد هو العبادة فى الليل فيكون العابد بالليل اشد موطو أله من العابد بالنهار ووطئا نصب على التمييز ويجوز ان يكون معنى اشد ووطئا اشد ثبات قدم واستقرارها فيكون المقصود بيان وجه اختيار الليل وتخصيصه بالامر بالقيام فيه من حيث انه تعالى جعل الليل لباسا يستر النار وبمنعهم عن الاضطراب والانقلاب فى اكتساب المعاش اسم من القول بمعناه بقلب الواو ياء اى ازيد من جهة السداد والاستقامة فى المقال ومن جهة الثبات والاستقرار على الصواب يعنى خواندن قرآن دور بصوا بتراست كه دل فارغ باشد واصوات ساكن وزبان بادل موافقت نمايد بزبان مى خواند وبدل تفكر ميكند
خاموش شد عالم بشب تاجست باشى در طلب ... زيرا كه بانك عربده تشويش خلوتخانه بود ... ويحتمل ان تكون ناشئة الليل بمعنى قيام الليل على ان الناشئة مصدر من نشأ كالعافية بمعنى العفو وهذا وافق لسان الحبشة حيث يقولون نشأ اذا قام او يكون بمعنى العبادة التى تنشأ بالليل اى تحدث فيكون الوطئ مصدرا من المبنى للفاعل فان كل واحد من قيام الليل من العبادة التى تحدث فيه ثقيلان على العابد من قيام النهار والعبادة فيه بمعنى اشد وطئا اثقل واغلظ على المصلى من صلاة النهار فيكون افضل يعنى آن سخت تراست ازجهت رنج وكلفت جه ترك خواب وراحت برنفس بغايت شاق است .
ويحتمل ان يكون المراد بناشئة الليل ساعاته فانها تحدث واحدة بعد واحدة اى ساعات الليل الناشئة اى الحادثة شيأ بعد شئ فتكون الناشئة صفة ساعات الليل فتكون اشد وطئا اى بملاحظة القيام فيها من ساعات النهار لكن ابن عباس رضى الله عنهما قيد الناشئة بما كان بعد العشاء فما كان قبلها فليس بناشئة وخصصتها عائشة رضى الله عنها بما كان بعد النوم فلو لم يتقدمها نور لم تكن ناشئة وفى قوت القلوب ان يصلى بين العشاءين ما تيسر الى ان يغيب الشفق الثانى وهو البياض الذى يكون بعد ذهاب الحمرة وقيل غسق الليل وظلمته لانه آخر ما يبقى من شعاع الشمس فى القطر الغربى اذا قطعت الارض العليا ودارت من ورآء جبل قاف مصعدة تطلب المشرق فهذا الوقت هو المستحب لصلاة العشاء الآخر وهو آخر الورد الاول من اوراد الليل والصلاة فيه ناشئة الليل اى ساعته لانها اول نشوء ساعاته وقرأ ابن عامر وأبو عمرو وطاء بالكسر والمدمن المواطأة بمعنى الموافقة فان فسرت الناشئة بالنفس الناشئة كان المعنى انها اشد من جهة موافقة القلب الكائن لها لسانها وان فسرت بالقيام او العبادة او الساعات كان المعنى انها اشد من جهة موافقة قلب القائم لسانه فيها او من جهة كونها موافقة لما يراد من الخشوع والاخلاص وعن الحسن رحمه الله اشد موافقة بين السر والعلانية لانقطاع رؤية الخلائق .(16/204)
إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7)
{ ان لك فى النهار سبحا طويلا } اى تقلبا وتصرفا فى مهما تك كتردد السابح فى الماء واشتغالا بشواغلك فلا تستطيع ان تتفرغ للعبادة فعليك بها فى الليل وهذا بيان للداعى الخارجى الى قيام الليل بعد بيان ما فى نفسه من الداعى قال الراغب السبح المر السريع فى الماء او فى الهوآء استعير لمر النجوم فى الفلك كقوله تعالى وكل فى فلك يسبحون ولجرى الفرس كقوله تعالى فالسابحات سبحا ولسرعة الذهاب فى العمل كقوله تعالى ان لك فى النهار سبحا طويلا وفى تاج المصادر السبح تصرف كردن در معيشت .
وفى بعض التفاسير قيل السباحة لما فيه من التقلب باليد والرجل فى الماء وقيل معنى الآية ان فانك من الليل شئ فلك فى النهار فراغ تقدر على تداركه فيه حتى لا ينقص شئ من حظك من المناجاة لربك ويناسبه قوله عليه السلام من نام عن حزبه او عن شئ منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل ومن اقوال المشايخ ان المريد الصادق اذا فاته ورد من ا وراده يليق به ان يقضيه ولو بعد شهر حتى لا تتعود النفس بالكسل فالورد من الشؤون الواردة عن الرسول عليه السلام وأخيار امته ومن لا ورد له اى وارد خاص بالخواص وفى قوت القلوب من فاته ورد من الاوراد استحب له فعل مثله متى ذكره لا على وجه القضاء لانه لا تقضى الا الفرآئض ولكن على سبيل التدارك ورياضة النفس بذلك ليأخذ العزآئم كيلا يعتاد الرخص .(16/205)
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8)
{ واذكر اسم ربك } ودم على ذكره تعالى ليلا ونهارا على اى وجه كان من تسبيح وتهليل وتحميد وصلاة وقرآءة قرءآن ودراسة علم خصوصا بعد صلاة الغداة وقيل غروب الشمس فانهما من ساعات الفتح والفيض وذكر الله على الدوام من وظائف المقربين سوآء كان قلبا او لسانا او اركانا وسآء كان قياما او قعودا او على الجنوب وبالفارسية ويادكن بروردكار خودرا وباسماء حسنى اورا بخوان .
قال عليه السلام من احصاها اى حصلها دخل الجنة فالمراد من ذكر اسمه فكره تعالى بواسطة ذكر اسمه ولذا قال تعالى واذكر ربك اذ نسيت فالذكر والنسيان فى الحقيقة كلاهما من صفات القلب وعند تجلى المذكور يفنى الذكر والذاكر كما قال الاسماء المجازية بما يسر الله الاشتغال به وداوم عليه فلا ريب انه يحصل بينه وبين سر هذا الاسم المشتغل به وروحه بعناية الله وفضله مناسبة ما بقدر الاشتغال ومتى قويت تلك المناسبة بينهما وكملت بحسب قوة الاشتغال وكماله يحصل بينه وبين مدلوله من الاسماء الحقيقية بواسطة هذه المناسبة الحاصلة مناسبة بقدرها قوة وكمالا ومتى بلغت الى حد الكمال ايضا هذه المناسبة الثانية الحاصلة بينه وبين هذا الاسم الحقيقى بجود الحق سبحانه وعطائه يحصل بينه وبين مسماه الحق تعالى مناسبة بمقدار المناسبة الثانية من جهة القوة والكمال لان العبد بسبب هذه المناسبة يغلب قدسه على دنسه ويصير مناسبا لعالم القدس بقدر ارتفاع حكم الدنس فحيئذ يتجلى الحق سبحانه له من مرتبة ذلك الاسم بحسيها وبقدر استعداده ويفيض عليه ما شاء من العلوم والمعارف والاسرار الالهية والكونية اما من الوجه العام وطريق سلسلة ترتيب المراتب والحضرات وغيرها من الوسائط والاسباب والادوات والمواد المعنوية والصورة واما من الوجه الخاص بدون الوسائل والاغار او منهما معا جميعا اذ وجه اما هذا او ذاك لا غيرهما غير نسبة الجمع بينهما وقال بعضهم فى الآية اذا أردت قرآءة القرءآن او الصلاة فقل بسم الله الرحمن الرحيم وقال القاشانى واذكر اسم ربك الذى هو انت اى اعرف نفسك واذكرها ولا تنسها فينساك الله واجتهد لتحصيل كمالها بعد معرفة حقيقتها { وتبتل اليه تبتيلا } التبتل الانقطاع وتبتيل دل ازدنيا بريدن .
والمعنى وانقطع الى ربك انقطاعا تاما بالعبادة واخلاص والية والتوجه الكلى كما قال تعالى قل الله ثم ذرهم وبالفارسية يعنى نفس خودرا از انديشه ما سوى الله مجرد ساز واز همكى روى بردار
دل در وبند واز غيرش بكسل ... هرجه جز اوست برون كن از دل
وليس هذا منافيا لقوله عليه السلام لارهبانية ولا تبتل فى الاسلام فان التبتل هنا هو الانقطاع عن النكاح ومنه قيل لمريم العذرآء رضى الله عنه البتول اى المنقطة عن الرجال والانقطاع عن النكاح والرغبة لقوله تعالى وأنكحوا الايامى منكم وقوله عليه السلام(16/206)
« تناكحوا تكثروا فانى اباهى بكم الامم يوم القيامة » واما اطلاق البتول على فاطمة الزهرآء رضى الله عنها فلكونها شبيهة بسيدة نساء بنى اسرآئيل فى الانقطاع عما سوى الله لا عن النكاح وقيل تبتلا مكان تتتلا لا معنى تبتل بتل نفسه فجيئ به على معناه مراعاة الحق الفواصل لان حظ القرءآن من حسن النظم والرصف فوق كل حظ وقال بعضهم لما لم يكن الانقطاع الكلى الى بتجريد النبى عليه السلام نفسه عن اعوائق الصادرة علن مراقبة الله وقطع العلائق عما سواه قيل تبتلا مكان تبتلا فيكون النظم من قبيل الاحتياك كما فى قوله تعالى والله انبتكم من الارض نباتا على وجه وهو ان التقدير انبتكم منها انباتا فنبتم نباتا وكذا التقدير ههنا اى تبتل اليه تبتلا يبتلك عما سواه تبتيلا والانسب يبتلك اسم ربك بفناء صفاتك وافعالك وتبتل اليه تبتيلا بفناء ذاتك وبقاء ذاته ثم ان التبتل يكون من الدنيا ان ظاهرا فقط فهو مذموم كبعض الحفاة العراة الذين اظهروا الفقر فى ظواهرهم وابطنوا الحرص فى ضمائرهم واما باطنا فقط وهو ممدوح كالاغنياء من الانبياء والاولياء عليهم السلام فانهم انقطعوا عن الدنيا باطنا اذ ليس فيهم حب الدنيا اصلا وانما لم ينقطعوا ظاهرا لان ارادتهم تابعة لارادة الله والله تعالى أراد ملكهم ودولتهم كسليمان ويوسف وداود وأيوب والاسكندر وغيرهم عليهم السلام واما ظاهرا وباطنا كالكثر الانبياء والاولياء وقد يكون التبتل من الخلق اما ظاهرا فقط كتبتل بعض المتعبدة فى قلل الجبال واجواف المغارات لجذب القلوب وجلب الهدايا واما باطنا لاظهارها كأهل الارشاد وهم عامة الانبياء وبعض الاولياء اذ لا بد فى ارشاد الخلق من مخالطتهم واما ظاهرا وباطنا كبعض الاولياء الذين اختار والعزلة وسكنوا فى المواضع الخالية عن الناس قال بعضهم السلوك الى الله تعالى يكون بالتبتل ومعناه الاقبال على الله بملازمة لاذكر والاعراض عن غيره بمخالفة الهوى هذا هو السفر بالحركة المعنوية من جانب المسافر الى جانب المسافر اليه وان كان الله أقرب الى العبد من حبل الوريد فان مثال الطالب والمطلوب مثال صورة حاضرة مع مرآءة لكن لا تتجلى فيها لصدأ فى وجهها فمتى صقلتها تجلب فيها الصور لا بارتحال الصورة اليها ولا بحركتها الى جانب الصورة ولكن بزوال الحجاب فالحجاب فى عين العبد والا فالله متجل بنوره غير خفى على اهل البصيرة وان كان فرق بين تجل وتجل بحسب المحل ولذا قال عليه السلام ان الله يتجلى للناس عامة ولأبى بكر خاصة كتجلى صورة واحدة فى مرءآة واحدة واليه الاشارة بقوله عليه السلام « لى مع الله وقت »(16/207)
اذ لا يخفى ان التجلى فى ذلك الوقت مخصوص به عليه السلام لا يزاحمه غيره فيه .
يقولالفقير ان فى هذا المقام اشكالا وهو انه عليه السلام اذا كان مستغرق الاوقات فى الذكر دآئم الانقطاع الى الله على ما افاده الآيتان فكيف يتأتى له السبح فى النهار على ما افصح عنه قوله تعالى ان لك فى النهار سباح طويلا ولعل جوابه من وجوه الاول ان الامر بالذكر الدآئم والانقطاع الكلى من باب الترقى من الرخصة الى العزيمة كما يقتضيه شأن الا كامل والثانى ان السبح فى النهار ليس من قبيل الواجب فله ان يختار التوكل على التقلب ويكون مستوعب الاوقات بالذكر والثالث ان الشغل الظاهر لا يقطع الكمل عن مراقبته تعالى كما قال تعالى رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وقال تعالى الذين هم على صلاتهم دآئمون والرابع ان ذلك بحسب اختلاف الاحوال والا شخاص فمن مستغل ومن ذاكر والله اعلم بالمرام .(16/208)
رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9)
{ رب المشرق والمغرب } مرفوع على المدح اى هو ربهما وخالقهما ومالكهما وما بينهما من كل شئ قال فى كشف الاسرار يريد به جنس المشارق والمغارب فى الشتاء والصيف { لا اله الا هو } استئناف لبيان ربوبيته بنفى الالوهية عما سوه يعنى هيج معبودى نيست سزاوار عبادت مكر او { فاتخذه } لمصالح دينك ودنياك والفاء لترتيب الامر وموجبه على اختصاص الا لوهية والربوبية به تعالى { وكيلا } موكولا ومفوضا اليه لاصلاحها واتمامها واستراح أنت وفى التأويلات النجمية رب مشرق الذات المطلقة عن حجب تعينات الاسماء والصفات ورب مغرب الصفات والاسماء لاستتاره باستتار حجب الصفات وهى حجب الذات وهو المتعين فى جميع الموجودات فلا اله الا هو فاتخذه وكيلا اى جرد نفسك عنك وعن وجودك المجازى واتخذ وجوده الحقيقى مقام وجودك المجازى وامش جانبك هذا مثل ما قال المريد لشيخه اريد ان احد على التجريد فقال له شيخه جرد نفسك ثم سر حيث شئت قال المام القشيرى رحمه الله ان الله هو المتولى لاحوال عباده يصرفهم على ما يشاء ويختار واذا تولى امرعبد بجميل العناية كفاه كل شغل واغناه عن كل غير فلا يستكثر العبد حوآئجه لعلمه ان مولاه كافيه ولهذا قيل من علامات التوحيد كثيرة العيال على بساط التوكل ( حكى ) عن ممشاد الدينورى رحمه الله انه قال كان على دين فاهتممت به فى بعض الليالى وضاق صدرى فرأيت كأن قائلا يقول لى أخذت هذا بعد ذلك قصابا ولا يقال ثم قال القشيرى اعلم ان من جعل المخلوق وكيلا له فانه يسأله الاجر وقد يخونه فى ماله وقد يخطئ فى تصرفه او يخفى عنه الاصوب والارشد لصاحبه ومن رضى بلالله وكيلا اعطاه الاجر وحقق آماله واثنى عليه ولطف به فى دقائق احواله بما لا يهدتدى اليه اماله بتفاصيل سؤاله ومن جعل الله وكيلا لزمه ايضا ان يكون وكيلا لله على نفسه فى استحقاق حقوقه وفرآئضه وكل ما يلزمه فيخاصم نفسه فى ذلك ليلا ونهارا لا يفتر لحظة ولا يقصر طرفة قال الزروقى رحمه الله خاصية الاسم الوكيل نفى الحوآئج والمصائب فمن خاف ريحا او صاعقة او نحوهما فليكثر منه فانه يصرف عنه لسوء ويفتح له أبواب الخير والرزق .(16/209)
وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10)
{ واصبر على ما يقولون } يعنى قريشا مما لا خير فيه من الخرافات والهذيانات فى حق الله من الشريك والصاحبة والولد وفى حقك من الساحر والشاعر والكاهن والمجنون وفى حق القرءآن من انه اساطير الاولين ونحو ذلك { واهجرهم هجرا جميلا } تأكيد للامر بالصبر اى واتركهم تركا حسنا بأن تجابنهم بقلبك وهو اك وتداريهم ولا تكافئهم وتكل امورهم الى ربهم كما اعرب عنه ما بعد الآية قال الراغب الهجر والهجران مفارقة الانسان غيره اما بالبدن او باللسان او بالقلب وقوله تعالى واهجرهم هجرا جميلا يحتمل للثلاثة ويدعو على تحريها ما امكن مع تحرى المجاملة قال الحكماء تسلح على الاعدآء بحسن المداراة حتى تبصر فرصة
آسايش دوكيتى تفسير اين دو حرفست ... بادوستان تلطف بادشمنان مدارا(16/210)
وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11)
{ وذرنى والمكذبين } اى دعنى واياهم وكل امرهم الى فانى اكفيكهم وقد سبق فى ن والقلم وقال بعضهم يجوز نصب المكذبين على المعية اى دعنى معهم وهو الظاهر ويجوز على العطف اى دعنى على امرى مما تقتضيه الحكمة ودع المكذبين بك وبالقرءآن وهو اوفق للصناعة لان النصب انما يكون نصبا فى الدلالة على المصاحبة اذا كان الفعل لازما وهنا الفعل متعد { اولى النعمة } ارباب التنعم وبالفارسية خداوندان نازوتن آسانى .
صفة للمكذبين وهم صناديد قريش وكانوا أهل ترفه وتنعم لا سيما بنى المغيرة والنعمة بفتح النون التنعم وبكسرها الانعام وما انعم به عليك وبالضم السرور والتنعم استعمال ما فيه النعمة واللين من المأكولات والملبوسات وفى تاج المصادر التنعم بنازريستن .
وفيه اشارة الى ان متعلق الذم ليس نفس النعمة والرزق بل التنعم بهما كان قال عليه السلام لمعاذ رضى الله عنه حين بعثه الى اليمن واليا « اياك والتنعم فان عباد الله ليسوا بالمتنعمين » وفيه تسلية للفقرآء فانهم يدخلون الجنة قبل الاغنياء بخمسمائة عام { ومهلهم } التمهيل زمان دادن . والمهل والتؤدية والسكون يقال مهل فى فعله وعمل فى مهلة { قليلا } اى زمانا قليلا واجلهم اجلا يسيرا ولا تعجل فان الله سيعذبهم فى الآخرة اذ عمر الدنيا قليل وكل آت قريب ويدل على هذا المعنى ما بعد الآية من بيان عذاب الآخرة وقال الطبرى كان بين نزول هذه الآية ووقعه بدر زمان يسير ولذا قيل انها مدنيه .(16/211)
إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12)
{ ان الدنيا } فى الآخرة وفيما هيأناه للعصاة من آلات العذاب واسبابه وهو اولى من قول بعضهم فى علمنا وتقديرنا لان المقام مقام تهديد العصاة فوجود آلات العذاب بالفعل اشد تأثيرا على ان تلك الآلات صور الاعمال اقبيحة ولا شك ان معاصرى النبى عليه السلام من الكفار قد قدموا تلك الآلات بما فعلوا من السيئات { انكالا } قيودا ثقالا يقيد بها ارجل المجرمين اهانة لهم وتعذيبا لا خوفا من فرارهم جمع نكل بالكسر وهو القيد الثقيل والجملة تعليل للامر من حيث ن تعداد ما عنده من اسباب التعذيب الشديد فى حكم بيان اقتداره على الانتقام منهم فهم يتنعمون فى الدنيا ولا يبالون وعند الله العزيز المنتقم فى الآخرة امور مضادة لتعمهم { وجحيما } وبالفارسية وآتشى عظيم . وهى كل نار عظيمة فى مهواة وفى الكشاف هى النار الشديدة الحر والاتقاد .(16/212)
وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13)
{ وطعاما ذا غصة } هو ما ينشب فى الحلق ويعلق من عظم وغيره فلا ينساغ اى طعاما غير سائغ يأخذ بالحلق لا هو نازل ولا هو خارج كالضريع والزقوم وهما فى الدنيا من النباتات والاشجار سمان قاتلان للحيوان الذى يأكلهما مستكرهان عند الناس فما ظنك بضريع جهنم وزقومها وهو فى مقابلة الهنيئ والمريئ لاهل الجنة وانما ابتلوا بهما لانهم اكلوا نعمة الله وكفروا بها { وعذابا أليما } ونوعا أخر من العذاب مؤلما لا يقادر قدره ولا يدرك كنهه كما يدل عليه التنكير كل ذلك معد لهم ومرصد فالمراد بالعذاب سائر انواع العذاب جاء فى التفسير نه لما نزلت هذه الاية خر النبى عليه السلام مغشيا عليه وعن الحسن البصرى قدس سره انه امسى صائما فاتى بطعام فعرضت له هذه ، الآية فقال ارفعه ووضع عنده الليلة الثانية فعرضت له فقال ارفعه وكذلك الثالثة فأخبر ثابت البنانى ويزيد الضبى ويحيى البكاء فجاؤا فلما يزالوا حتى شرب شربة من سويق .
اعلم ان اصناف العذاب الروحانى فى الآخرة ثلاثة حرقة فرقة المشتبهات وخزى خجلة الفاضحات وحسرة فوت المحبوبات ثم ينتهى الامر الى مقاساة النار الجسمانية الحسية والخزى الذل والحقارة والخجلة التحير من الحياء والفاضح الكاشف عيب المجرم .(16/213)
يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14)
{ يوم ترجف الارض والجبال } ظرف للاستقرار الذى تعلق به لدينا والرجفة الزلزلة والزعزعة الشديدة اى تضطرب وتتزلزل بهيبة الله وجلاله ليكون علامة لمجيئ القيامة وامارة لجريان حكم الله فى مؤاخذة العاصين افرد الجبال بالذكر مع كونها من الارض . لكونها اجسام عظاما اوتادا لها فاذا تزلزلت الاوتاد لم يبق للارض قرار وايضا ان زلزلة العلويات اظهر من زلزلة السفليات ومن زلزلتها تبلغ القلوب الحناجرخوفا من الوقوع { وكانت الجبال } من شدة الرجفة مع صلابتها وارتفاعها { كثيبا } فى القاموس الكثيب التل من الرمل انتهى من كثب الشئ اذا جمعه كأنه فعيل بمعنى مفعول فى اصله ثم صار اسمه بالغلبة للرمل المجتمع { مهيلا } اى كانت مثل رمل مجتمع هيل هيلا اى نثر واسيل بحيث لو حرك من اسفله انهال من اعلاه وسال لترفق اجزآئه كالعهن المنفوش ومثل وهذا الرمل يمر تحت الرجل ولا يتماسك فكونه مترفق الاجزآء منثورا سائلا يا ينافى كونه رملا مجتمعا وبالفارسية كوههاى سخت جون ريك روان شد از هيبت آن روز .
فقوله مهيلا اسم مفعول من هال يهيل واصله مهيول كمبيع من باع لا فعيل من مهل بمهل وخص الجبال بالتشبيه بالكثيب المهيل لان ذلك خاصة لها فان الارض تكون مقررة فى مكانها بعد الرجفة دل عليه قوله تعا ويسلونك عن الجبال فقل ينسفها ربى نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا امتا والحاصل ان الارض والجبال يدق بعضها ببعض كما قال تعالى وحملت الارض والجبال فدكتادكة واحدة فترجع الجبال كثيبا مهيلا ثم ينسفها الريح فتصي هباء منبثا وتبقى الارض مكانها ثم تبدل كما مر وفى التأويلات النجمية يوم ترجف ارض البشرية وجبال الانانية وكانت جبال انانية كل واحدة رملا منثورا متفتتا شبه التعينات الاعتبارية الموهومة بالرمل لسرعة زوالها وانتثارها .(16/214)
إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15)
{ انا ارسلنا اليكم } يا اهل مكة شروع فى التخويف بأهوال الدنيا بعد تخويفهم بأهوال الآخرة { رسولا } هو محمد عليه السلام وكونه مرسلا اليهم لا ينافى ارسله الى من عداهم فان مكةام القرى فمن أرسل الىهل مكة فقد أرسل الى اهل الدنيا جميعا ولذا نص الله تعالى عليه بقوله وما أرسلناك الا كافة للناس ليندفع اوهام اهل الوهم { شاهدا عليكم } يشهد يوم القيامة بما صدر عنكم من الكفر والعه سيان وكذا يشهد على غيركم كما قال تعالى وجئا بك على هؤلاء شهيدا { كما ارسلنا الى فرعون رسولا } هو موسى عليه السلام لان هرون عليه السلام رد له وتابع وعدم تعيينه لعدم دخله فى التشبيه وتخصيص فرعون لانه من رؤساء اولى النعمة المترفهين المتكبرين فبينه وبين قريش جهة جامعة ومشابهة حال ومناسبة سريرة .(16/215)
فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16)
{ فعصى فرعون الرسول } اى فعصى فرعون المعلوم حاله كبرا وتنعما الرسول لذى أرسلناه اليه ومحل الكاف النصب على انها صفة لمصدر محذوف اى انا أرسلنا اليكم رسولا فعصيتموه كما يعرب عنه قوله تعالى شاهدا عليكم ارسالا كائنا كما أرسلنا الى فرعون رسولا فعصا بأن جحد رسالته ولم يؤمن به وفى اعادة فرعون والرسول مظهدين تفظيع لشأن عصيانه وان ذلك لكونه عصيان الرسول لا لكونه عصيان موسى وفى ترك ذكر ملأ فرعون اشارة الى ان كل واحد منهم كأنه فرعون فى نفسه لتمرده { فأخذهناه } بسبب عصيانه { اخذا وبيلا } ثقيلا لا يطاق يعنى بآتش غرق كرديم وارراه آب بآتش برديم .
والوتيل الثقيل الغليظ ومنه الوابل للمطر العظيم والكلام خارج عن التشبيه جيئ به للتنبيه على انه سيحيق بهؤلاء ما حاق بأولئك لا محالة .(16/216)
فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17)
{ فكيف تتقون } قال ابن الشيخ مرتب على الارشال فالعصيان وكان الظاهر أن يقدم على قوله كما أرسلنا الا انه أخر زيادة فى التهويل اذ علم من قوله فأخذناه انهم مأخوذون مثله واشد فاذا قيل بعده فكيف تتقون كان ذلك زيادة كأنه قيل هبوا انكم لا تؤخذون فى الدنيا اخذة فرعون وامثاله فكيف تتقون اى تقون أنفسكم فاتقى ههنا مأخوذ بمعنى وقى المتعدى الى مفعولين دل عليه قول الامام البيهقى رحمه الله فى تاج المصادر الاتقاء حذر كردن وخود رانكاه داشتن انتهى . وافتعل يجيئ بمعنى فعل نص عليه الزمخشرى فى المفصل وان كانت الامثلة لا تساعده فانه ليس وقى واتقى مثل جذب واجتذب وخطف واختطف فتأمل { ان كفرتم } اى بقيتم على الكفر { يوما } اى عذاب يوم فهو مفعول به لتتقون ويجوز أن يكون ظرفا اى فكيف لكم بالتقوى والتوحيد فى يوم القيامة ان كفرتم فى الدنيا اى لا سبيل اليه لفوات وقته فاتقى على حاله وكذا اذا انتصب بكفرتم على تأويل جحدتم اى فكيف تتقون الله وتخشون عقابه ان جحدتم يوم القيامة والجزآء { يجعل الولدان } من شدة هوله وفظاعة ما فيه من الدواهى وهو صفة ليوما نسب الجعل الى اليوم للمبالغة فى شدته والافنفس اليوم لا تأثير له البتة والولدان بالفارسية نوزادكان ازمادر .
جمع وليد يقال لمن قرب عهده بالولادة وان كان فى الاصل يصح اطلاقه على من قرب عهده بها ومن بعد { شيبا } شيوخا يعنى بيركندوموى سر ايشان سفيد سازد . جمع اشيب والشيب بياض الشعر وأصله ان يكون بضم الشين كحمر فجمع احمر لان الضم يقتضى الواو فكسرت لاجل صيانه الياء فرقا بين مثل سود وبين مثل بيض وجعلهم شيوخا فيه وجوه .
الاول انه محمول على الحقيقة كما ذهب اليه بعض اهل التفسير ويؤيده ما قال فى الكشاف وقد مر بى فى بعض الكتب ان رجلا امسى فاحم الشعر كحلك الغراب اى سواده واصبح وهو أبيض الرأس واللحية كالنعامة بياضا وهو بفتح الثاء المثلثة وبالغين المعجة نبت ابيض قال أريت القيامة والجنة والنار ورأيت الناس يقادون فى السلاسل الى النار فمن هول ذلك اصبحت كما ترون وقال احمد الدورقى مات رجل من جيراننا شابا فرأيته فى الليل وقد شاب فقلت وما قصتك قال دفن بشر فى مقبرتنا فزفرت جهنم زفرة شاب منها كل من فى المقبرة كما فصل الخطاب وبشر المريسى ومريس قرية بمصر اخذ الفقه عن أبى يوسف القاضى الا انه اشتغل بالكلام وقال بخلق القرءآن واضل خلقا كثيرا ببغداد فان قلت ايصال الألم والضرر الى الصبيان يوم القيامةغير جائز بل هم لكونهم غير مكلفين معصومون محفوظون عن كل خطر قلت قد يكون فى القيامة من هيبة المقام ما يجثو به الانبياءعليهم السلام على الربك فما ظنك بغيرهم من الاولياء والشيوخ والشبان والصبيان وفى الآية مبالغة وهى انه اذا كان ذلك اليوم بجعل الولدان شيبا وهم ابعد الناس من الشيخوخة لقرب عهد ولادتهم فغيرهم اولى بذلك وكذا فى القصة السابقة فان من شاب بمجرد الرؤيا فكيف حاله فى اليقظة وهو معاين من الاهوال ما يذوب تحته الجبال الرواسى .(16/217)
والثانى انه محمول على التمثيل بأن شبه اليوم فى شدة هوله بالزمان الذى يشيب الشبان لكثرة همومه واهواله واصله ان الهموم والاحزان اذا تفاقمت على المرء ضعفت قواه واسرع فيه الشيب لان كثرة الهموم توجب انعصار الروح الى داخل القلب وذلك الانعصار يوجب انطفاء الحرارة الغريزية وضعفها وانطفاؤها يوجب بقاء الاجزآء الغذآئية غير تامة النضج وذلك يوجب بياض الشعر ومسارعة الشيب بتقدير العزيز الحكيم كما يوجب تغير القلب تغير البشرة فتحصل الصفرة من الوجل والحمرة من الخجل والسواد من بعض الآلام وما على البدن من الشعر تابع للبدن فتغيره بوجب تغيره فثبت ان كثرة الهموم توجب مسارعة الشيب كما قيل
دهتنا امور تشيب الوليد ... ويخذل فيها الصديق الصديق
فلما كان حصول الشيب من لوازم كثرة الهموم جعلوه كناية عن الشدة فجعل اليوم المذكور الولدان شيبا عبارة عن كونه يوما شديدا غاية الشدة وفى الحديث « يقول الله » اى فى يوم القيامة « يا آدم » خص آدم عليه السلام بهذا الخطاب لانه اصل الجميع « فيقول لبيك وسعديك والخير فى يديك فيقول اخرج ببعث النار » اى ميز اهلها المبعوث اليها « قال وما بعث النار » اى عدده « قال الله تعالى من كل ألف تسعمائة تسعة وتسعون قال » اى النبى عليه السلام « فذلك » التقاول « حين يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها » قال ابن الملك اعلم ان الشيب والوضع ليسا على ظاهرهما اذ ليس فى ذلك اليوم حبل ولا صغير بل هما كنايتان عن شدة اهوال يوم القيامة معناه لو تصورت الحوامل والصغار هنالك لوضعن احمالهن ولشاب الصغار انتهى .
وفى بيانه نظر ستأتى الاشارة اليه فى الوجه الثالث { وترى الناس سكارى } اى من الخوف { ما هم بسكارى } اى من الخمر { ولكن عذاب الله شديد } والثلاث انه محمول على الفرض والتقدير بأن يكون معناه ان ذلك اليوم بحال لو كان هناك صبى لشاب رأسه من الهيبة والدهشة وهذا الوجه غير موجه وان ذهب اليه بعض من يعد من اجلة اهل التفسير اذ هو يشعر بأن يوم القيامة لا يكون فيه ولدان حقيقة وقد ثبت انه يبعث يومئذ ولدان كثيرة ماتوا فى الصغر وكذا من المقرر ان الحبلى تبعث حبلى ففى ذلك اليوم حبل وضغير نعم اذا دخلوا الجنة صاروا بناء ثلاث وثلاثين .(16/218)
والرابع انه يجوز ذلك وصفا لليوم بالطول يعنى على الكناية بانه فى طوله بحيث يبلغ الاطفال فيه اوان الشيخوخة والشيب وهو لا ينقضى بعد بل يمتد الى حيث يكن مقداره خمسين ألف سنة فهو كناية عن غاية الطول لا انه تقدير حقيقى يعنى الانقطاع بقوله ما ناحت حمامة وما لاح كوكب وما تعاقبت الايام والشهور وفى الآية اشارة الى النفس والهوى وبعد نفوسهم من الله فى يوم قيامة الفناء الذى يجعل ولدان اعمالهم السيئة القبيحة الخبيثة الخسيسة شيبا متهدمة متفانية .(16/219)
السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18)
{ السماء } مبتدأ خبره قوله { منفطر به } اى منشق بسبب ذلك اليوم لان الله تعالى مسبب الاسباب فيجوز أن يجعل شدة ذلك اليوم سببا للانفطار .
ذكر الله من هول ذلك اليوم امرين الاول قوله تعالى يجعل الولدان شيبا والثانى قوله السماء منفطر به لان السماء على عظمتها وقوتها اذا انشقت بسبب ذلك اليوم فما ظنك بغيرها من الخلائق فالباء للسببية وهو الظاهر وتذكير الخبر لاجرائه علىموصوف مذكر اى شئ منفطر عبر عنها بذلك للتنبيه على انه تبدلت حقيقتها وزال عنها اسمها ورسمها ولم يبق منها الا ما يعبر عنه بالشئ وفى القاموس السماء معروف ويذكر ويجور أن يكون الباء بمعنى فى واليه ذهب المكى فى قوت القلوب حيث قال حروف العوامل يقوم بعضها مقام بعض وهذا مثال قوله تعالى السماء منفطر به اى فيه يعنى فى ذلك اليوم وقيل الباء للآلة والاستعانة مثلها فى فطرت العود بالقدوم فانفطر به يعنى ان السماء ينفطر بشدة ذلك اليوم وهو له كما ينفطر الشئ بما يفطر به قال بعضهم اتخاذا لآلة والاستعانة لا يليق بجناب الله تعالى ولا يناسب ذات السماء ايضا { كان وعده مفعولا } الضمير لله وان لم يجر له ذكر للعلم به والمصدر مضاف الى فاعله اى كان وعده تعالى اى يكون يوم القيامة على ما وصف من الشدآئد كائنا متحققا لانه لا يخلف المعياد فلا يجوز لعاقل أن يرتاب فيه او الضمير لليوم والمصدر مضاف الى مفعوله والفعل وهو الله مقدر قال فى لاصحاح الوعد يستعمل فى الخير والشر فاذا اسقطوا الخير والشر قالوا فى الخير الوعد والعدة وفى الشر الايعاد الوعيد .(16/220)
إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (19)
{ ان هذه } اشارة الى الآيات المنطوية على القوارع المذكورة وهى من قوله ان لدينا انكالا الى هنا { تذكرة } موعظة لمن يريد الخير لنفسه والاستعداد لربه وبالفارسية يندى وعبرتيست . وقيل القرءآن موعظة للمتقين وطريق للسالكين ونجاة للهالكين وبيان للمستبصرين وشفاء للمتحيرين وامان للخائفين وانس للمربدين ونور لقلوب العارفين وهدى لمن أراد الطريق الى رب العالمين { فمن شاء } من المكلفين . يعنى بس هركه خواهد ازمكلفان { اتخذ الى ربه سبيلا } بالتقريب اليه بالايمان والطاعة فانه المنهاج الموصول الى مرضاته ومقام قربه .(16/221)
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)
{ ان ربك يعلم انك تقوم ادنى من ثلثى الليل } اى اقل منهما فاطلاق الأدنى على الاقل مجاز مرسل من قبيل اطلاق الملزوم على اللازم لما ان المسافة بين الشيئين اذا دنت قل ما بينهما من الاحياز والحدود واذا بعدت كثر ذلك روى انه تعالى افترض قيام الليل فى اول هذه السورة فقال النبى عليه السلام واصحابه حولا من مشقة عظيمة من حيث انه يعسر عليهم تمييز القدر الواجب حتى قام اكثر الصحابة الليل كله خوفا من الخطأ فى اصابة المقدار المفروض وصاروا بحيث انتفخت اقدامهم واصفرت الوانهم وامسك الله خاتمة السورة من قوله ان ربك الخ اثنى عشر شهرا فى السماء حتى انزل الله فى آخر السورة التخفيف فنسخ تقدير اقيام بالمقادير المذكورة مع بقاء فرضية اصل التهجد حسبما تيسير ثم نسخ نفس الوجوب ايضا بالصلوات الخمس لما روى ان الزيادة على الصلوات الخمس زيادة { ونصفه وثلثه } بالنصب عطفاعلى ادنى والثلث احد اجزآء الثلاثة والجمع اثلاث اى انك تقوم اقل من ثلثى الليل وتقوم من نصفه وثلثه { وطائفة من الذين معك } مرفوع معطوف على الضمير فى تقوم وجاز ذلك للفصل بينهما اى ويقوم معك طائفة من اصحابك ومن تبينية فلا دلالة فيه على ان قيام الليل لم يكن فرضا على الجميع وحاصل المعنى يتابعك طائفة فى قيام الليل وهم اصحابك وفيه وعد لهم بالاحسان اليهم كما تقول لاحد اذا أردت الوعد له انا اعلم ما فعلت لى وفى قوت القلوب قد قرن الله تعالى قوام الليل برسوله المصطفى عليه السلام وجمعهم معه فى شكر المعاملة وحسن الجزآء وفى التأويلات النجمية يشير الى انسلاخ رسول القلب عن ليل طبيعته فى اكثر الاوقات بالتوجه الله والاعراض عن النفس الا فى اوقات قلائل وذلك لحكمة مقتضية للحجاب فان الحجاب رحمة كما قيل لولا الحجاب ما عرف الآله وطائفة من الذين مع رسول القلب من القوى الروحانية والاعضاء والجوارح { والله يقدر الليل والنهار } وحده لا يقدر على تقديرهما ومعرفة مقادير ساعاتهما واوقاتهما احد اصلا فان تقديم الاسم الجليل مبتدأ وبناء يقدر عليه موجب للاختصاص قطعا والتقدير بالفارسية اندازه كردن يعنى وخدى تعالى اندازه ميكند شب وروز را وميداند مقادير ساعات آن .
قال الراغب التقدير تبيين كمية الشئ وقوله تعالى والله الخ اشارة الى ما اجرى مت تكوير الليل على النهار وتكوير النهار على الليل اى ادخال هذا فى هذا او ان ليس احد يمكنه معرفة ساعاتهما وتوفية حق العبادة منهما فى وقت معلوم والحاصل ان العالم بمقادير ساعات الليل والنهارعلى حقائقها هو الله وانتم تعلمون ذلك بالتحرى والاجتهاد الذى يقع فيه الخطأ فربما يقع منكم الخطأ فى اصابتها فتقومون اقل من المقادير المذكورة ولذا قال { علم } الله { ان } اى ان الشأن { لن تحصوه } لن تقدروا على تقدير الاوقات على حقائقها ولن تستطيعوا ضبط الساعات ابدا فالضمير عائد والى المصدر المفهوم من يقدر قال فى تاج المصادر الاحصاء دانستن وشمردن برسبيل استقصا وتوانستن .(16/222)
قال الراغب الاحصاء التحصيل بالعدد وروى استقيموا ولن تحصوا اى لن تحصلوا ذلك لان الحق واحد والباطل كثير بل الحق بالاضافة الى الباطل كالنقطة بالاضافة الى سائر اجزآء الدآئرة وكالمرمى من الهدف واصابة ذلك شديدة واحتج بعضهم بهذه الآية على وقوع تكليف ما لا يطاق فانه تعالى قال لن تحصوه اى لن تطيقوه ثم انه كلفهم بتقدير الساعات والقيام فيها حيث قال قم الليل الخ ويمكن أن يجاب عنه بان المراد صعوبته التأويلات النجمية يعنى السلوك من ليل الطبيعة الى نهار الحقيقة بتقدير الله لا بتقدير السالك علم أن لن تقدروا على مدة ذلك السلوك بالوصول الى الله اذا الوصول مترتب على فضل الله ورحمته لا على سلوككم وسيركم فكم من سالك انقطع فى الطريق ورجع القهقرى ولم يصل كما قيل ليس كل من سلك وصل ولا كل من وصل اتصل ولا كل من اتصل اتفصل { فتاب عليكم } بالترخيص على ترك القيام المقدر ورفع التبعة عن التائب ثم استعمل لفظ المشبه به فى المشبه ثم اشتق منه فتاب اى فرخص والتبعة ما يترتب على الشئ من المضرة { فاقرأوا ما تيسر من القرءآن } اى فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل غير مقدرة بكونها فى ثلث الليل او نحوه ولو قدر حلب شاة فهذا يكون اربع ركعات وقد يكون ركعتين عبر علن الصلاة بالقرءآة كما عبر عنها بسائر اركانهاعلى طريق اطلاق اسم الجزء على الكل مجاز مرسلا فتبين ان التهجد كان واجبا على التخيير المذكور فعسر عليهم القيام به فنسخ بهذه الآية ثم نسخ نفس الوجوب المفهوم منها بالصلوات الخمس على ما سبق وفيه تفضيل صلاة الليل على سائر التطوعات فان التطوع بام كان فرضا فى وقت ثم نسخ افضل من التطوع بما لم يكن فرضا اصلا كما قالوا صوم يوم عاشورآء افضل لكونه فرض قبل فرلضية رمضان وفى الحديث ليصل احدكم من الليل ما تيسر فاذا غلب عليه النوم فليرقد وقد كان ابن عباس رضى الله عنهما يكره النوم قاعدا وعنه عليه السلام عليكم بقيام الليل فانه دأب الصالحين قبلكم وهو قربة لكم الى ربكم ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الاثم وهذا الحديث يدل على ان قيام الليل لم يكن فرضا على المتقدمين من الانبياء واممهم بل كان من شعار صلاحهم وعنه عليه السلام ان الله ليبغض كل جعظرى جواظ سخاب بالاسواق جيفة بالليل حمار بالنهار عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة والجعظرى الفظ الغليظ والجواظ كشداد الضخم المختارون الكثير الكلام والجمموع المنوع والمتكبر الجافى والسخاب من السخب وهو محركة شدة الصوت سخب كفرح فهو سخاب واقل الاسحباب من قيام الليل سدسه سوآء كان متواليا او قام جزأ ثم نام نومة اخرى ثم قام قياما ثانيا لانه عليه السلام لم يقم ليلة قط حتى اصبح بل كان ينام فيها ولم ينم ليلة قط بل كان يقوم فيها وبأى ورد احيى الليل فقد دخل فى اهل اليل وله معهم نصيب ومن احيى اكثر ليلة او نصفها كتب له احياء ليلة جميعها ويتصدق عليه بما بقى منها كذا فى قوت القلوب وقيل المراد بالىية قرآءة القرءآن بعينها قنكون على حقيقتها فالمعنى ان شق عليكم القيام فقد رخص فى تركه فاقرأوا ما تيسر من القرءآن من غير توقيت لصلاة فانه لا يشق وتنالون بقرءآته خارج الصلاة ثواب القيام فالامر للندب وفى الحديث من قرأ فى ليلة مائة آية لم يحاجه القرءآن قال الطيبى فى قوله لم يحاجه القرءآن ان قرءآته لازمة لكل انسان واجبة عليه فاذا لم يقرأ يخاصمه الله ويغلبه بالحجة فاسناد المحاجة الى القرءآن مجاز ويفهم من كلامه ان قرآءته مقدار مائة آية فى كل ليلة واجبة بها يخلص من المحاجة وعنه عليه السلام من قرأ بالآيتين من سورة البقرة فى ليلة كفتاه والمراد آمن الرسول الخ يعنى اغتناه عن قيام الليل او حفظتاه من كل شر وسوء وعنه عليه السلام ايعجز احدكم أن يقرأ فى ليلة ثلث القرءآن قالوا وكيف يقرأ ثلث القرءآن قال قل هو الله احد تعدل ثلث القرءآن ومن ذلك قالوا ان قرآءة الاخلاص ثلاث مرات تقوم مقام ختمة واطول الآى افضلها لكثرة الحروف وان اقتصر على قصار الآى عند فتوره ادرك الفضل ان حصل العدد كذا فى قوت القلوب وفى التأويلات النجمية فى اشارة الآية يعنى اجمعوا واحفظوا فى قلوبكم الصافية عن كدورات النفس والهوى وما يظهر عليه الاستعداداتكم من الحقائق والدقائق والعوارف والمعارف ولا تفشوهالى غير اهلها فينكروا عليهم فيرموكم بالكفر والزندقة والالخاد والاتحاد فان حقائقه ودقائقه من المكنونات الالهية { علم ان } اى ان شأن { سيكون منكم مرضى } استئناف مبين لحكمة اخرى داعية الى الترخيص والتخفيف مرضاة جمع مريض والمرض الحروج عن الاعتدال الخاض بالانسان وفيه اشارة الى مرضى القلوب بحجب الانانية والاشتغال بحب الدنيا وشهواتها فانه لا يظهر عليه من اسرار القرءآن وحقائقه شئ .(16/223)
جنانجه شيخ سنائى كويد
عجب نبودكرارز قرآ نصيبت نيست جزحر فى ... كه از خورشيد جز كرمى ميابد جشم نابينا ... عروس حضرت قرآن نقاب آنكه براندازد كه دار الملك ايمانرا مجرد يا بداز غوغا
{ وآخرون } عطف على مرضى { يضربون فى الارض } صفة آخرون اى يسافرون فيها للتجارة من ضرب فى الارض سافر فيها ابتغاء الرزق قال الراغب الضرب فى الارض الذهاب فيها وهو بالارجل { يبتغون } الابتغاء جستن { من فضل الله } وهو الربح وفيه تصريح بما علم التزاما وبيان ان ما حصلوه من الرزق من فضل الله ومحل يبتغون حال من ضمير يضربون وقد عم ابتغاء الفضل تحصيل العلم فانه من افضل المكاسب وفيه ان معلم الخير وهو رسول الله عليه السلام كان حاضرا عندهم وقت نزول الآية فاين يذهبون الا ان يجعل آخر السورة مدنيا فقد كانوا يهاجرون من مكة الى المدينة لطلب العلم وايضا ان هذا بالنسبة الى خصوص الخطاب واما بالنسبة الى اهل القرن الثانى فبقاء الحكم يوقعهم فى الحرج وفى حديث ابى ذر رضى الله عنه انه قال حضور مجلس علم افضل من صلاة الف ركعة وافضل من شهود الف جنازة ومن عيادة الف مريض قيل ومن قرآءة القرءآن قال وهل تنفع قرآءة القرءآن بلا علم { وآخرون يقاتلون } الاعدآء { فى سبيل الله } عطف على مرضى ايضا ويقاتلون صفته وسبيل الله ما يوصل الى الاجر عند الله كالجهاد وفيه تنبي على انه سيؤذن لهم فى القتال مع الاعدآء سوى الله فى هذه الآية بين درجة المجاهدين فى سبيل الله وكتسبين للمال الحالا للنفقة على نفسه وعياله والاحسان الى ذوى الحاجات حيث جمع نبيهما قول على ان التجارة بمنزلة الجهاد وعن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه ايما رجل جلب شيأ من مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا فباعه بسعر يومه كان عند الله من الشهدآء { فاقرأوا ما تيسر منه } اى واذا كان الامر كما ذكر وتعاضدت الدواعى الى الترخيص فاقرأوا ما تيسر من القرآن من غير تحمل المشاق فان قيل كيف ثقل قيام الليل على الاصحاب رضى الله عنهم وقد خف على كثير من التابعين حتى كانوا يقومون الى طلوع الفجر منهم الامام او خنيفة وسعيد بن المسيب وفضل بن عياض وابو سلمان الدارانى ومالك بن دينار وعلى بن بكار وغيرهم حتى قال على بن بكار الشامى منذ أربعين سنة لم يحزنى شئ الا طلوع الفجر قلت الثقلة لم تكن فى قيامه بل فى محافظة القدر الفروض كما سبق على انه لا بعد فى ان يثقل عليهم قبل التعذر بذلك ثم كان من امر بعضهم انه ختم القرءآن فى ركعة واحدة كثعمان وتميم الدارى رضى الله عنهما { واقيموا الصلاة } المفروضة { وآتوا الزكاة } الواجبة وقيل هى زكاة الفطر اذ لم يكن بمكة زكاة غيرها وانما وجبت بعدها ومن فسرها بالزكاة المفروضة جعل آخر السورة مدنيا وذلك ان تجعلها من باب ما تأخر حكمه عن نزوله ففيه دلالة على انه سينجز وعده لرسوله ويقيم دينه ويظهره حتى تفرض الزكاة وتؤدى { واقرضوالله قرضا حسنا } وقرض دهيد خدايرا قرض نيكو .(16/224)
والقرض ضرب من القطع وسمى ما يدفع الى الانسان من المال بشرط رد بدله قرضا لانه مقروض مقطوع من ماله اريد به الانفاقات فى سبيل الخيرات غير المفروض فانها كالفرض الذى لا خلف فى ادآئه وفيه حث على التطوع كما قال عليه السلام ان فى المال حقا سوى الزكاة على احسن وجه وهو اخرجها من اطيب الاموال واكثرها نفعا للفقرآن بحسن النية وصفاء الباء الى اخوج لصلحاء وجه هذا التفسير هو أن قوله وآتوا الزكاة امر بمجرد اعطائها على اى وجه كان وقوله واقرضوا الله قرضا حسنا ليس كذلك بل هو امر بالاعطاء المقيد بكونه حسنا وتسمية الانفاق لوجه الله اقراضا استعارة تشبيها له بالاقراض من حيث انما انفقه يعود عليه مع زيادة وقال بعضهم هو قول سبحان الله والحمد الله ولا اله الا الله والله اكبر والنفقة فى سبيل الله كما قال عمر رضى الله عنه او النفقة على الاهل وفى الحديث ما اطعم المسلم نفسه واهل بيته فهو له صدقة اى يؤجر عليه بحسن نيته ثم ههنا امر غامض وهو انه روى الامام الغزالى رحمه الله عن القاضى الباقلانى ان ادعاء البرءآة من الغرض بالكليلة كفر لان التنزه خاصة الهية لا يتصور الاشراك فيها فلعل ما يقال ان العبد ليبلغ الى درجة بعمل ما يعمل لا لغرض بل لرضى الله اولا متثال امره فقط انما هو من الغفلة عن غرض خفى هل هو غرض جلى لكنه مراد على .
يقول الفقير هذا وارد على اهل الارادة واما اهل الفناء عن الارادة وهم اهل النهاية الا كملون فلا غرض لهم اصلا وامرهم عجيب لا يعرفه الا امثالهم او من عرفه الله بشأنهم { وما } شرطية { تقدموا لانفسكم من خير } اى خير كان مما ذكر وما لم يذكر { تجدوه } جواب الشرط ولذا جزم { عند الله هو خيرا واعظم اجرا } من الذى تؤخرونه الى الوصية عند الموت وفى كشف الاسرار تجدوا ثوابه خيرا لكم من متاع الدينا واعظم اجرا لان الله يعطى المؤمن اجره بغير حساب قوله خيرا ثانى مفعولى تجدون وهو تأكيد للمفعول الاول لتجدوه وفصل بينه وبين المفعول الثانى وان لم يقع بين معرفتين فان افعل فى حكم المعرفة ولذلك يمتنع من حرف التعريف وقوله واعظم عطف على خيرا واجرا تمييز عن نسبة الفاعل والاجر ما يعود من ثواب العمل دنيويا كان او اخرويا وقال بعضهم المشهور ان وجد اذا كان بمعنى صادف يتعدى الى مفعول واحد وهو ههنا بمعناه لا بمعنى علم فلا بعد ان يكون خيرا حالا من الضمير وفى الحديث اعلموا ان كل امرئ على ما قدم قادم وعلى ما خلف نادم وعنه عليه السلام ان العبد اذا مات قال الانسان ما خلف وقال الملائكة ما قدم ومر عمر رضى الله عنه ببقيع الغرقد اى مقبرة المدينة لانها كانت منبت الغرقد وهو بالغين المعجمة شجر فقال السلام عليكم أهل القبور اخبار ما عندنا ان نساءكم قد تزوجن ودوركم قد سكنت واموالكم قد قسمت فأجابه هاتف يا ابن الخطاب اخبار ما عندنا ان ما قدمناه وجدناه وما انفقناه فقد ربحناه وما خلفنا فقد خسرنا .(16/225)
قدم لنفسك قبل موتك صالحا ... واعمل فليس الى الخلود سبيل
( وروى ) عن عمر رضى الله عنه انه اتخذ حيسا يعنى تمرا بلبن فجاءه مسكين فأخذه ودفعه اليه فقال بعضهم ما يدرى هذا المسكين ما هذا فقال عمر لكن رب المسكين يدرى ما هو فكأنه قال وما تقدموا الخ .
تونيكى كن بآب اندازاى شاه ... اكر ما هى نداند داند الله
{ واستغفروا الله } اى سلوا الله المغفرة لذنوبكم فى جميع اوقاتكم وكافة احوالكم فان الانسان قلما يخلوه عن تفريط وكان السلف الصالح يصلون الى طلوع الفجر ثم يجلسون للاستغفار الى صلاة الصبح واستحب الاستغفار الى الاسماء من القرءآن مثل أن يقول استغفر الله انه كان توابا استغفر الله ان الله غفور رحيم استغفر الله انه كان غفار رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين { ان الله غفور } يغفر ما دون أن يشرك به { رحيم } يبدل السيئات حسنات وفى عين المعانى غفور يستر على اهل الجهل والتقصير رحيم يخفف عن اهل الجهل والتوفير ومن عرف انه الغفور الى لا يتعاظمه ذنب يغفره اكثر من الاستغفار وهو طلب المغفرة ثم ان كان مع الانكسار فهو صحيح وان كان مع التوبة فهو كامل وان كان عريا عنهما فهو باطل ومن كتب سيد الاستغفار وجرعه لمن صعب عليه السموت انطلق لسانه وسهل عليه الموت وقد جرب مرارا وسيد الاستغفار قوله اللهم أنت ربى لا اله الا أنت خلقتنى وانا عبدك وانا على عهدك ووعدك ما استطعت اعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأبوء بنبى فاغفر لى انه لا يغفر الذنوب الا أنت .(16/226)
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)
{ يا ايها المدثر } بتشديدين اصله المتدثر وهو لابس الدثار وهو ما يلبس فوق الشعاف الذى يلى الجسد ومنه قوله عليه السلام « الانصار شعار والناس دثار » وفيه اشارة الى ان الولاية كالشعار من حيث تعلقها بالباطن والنبوة كالدثار من حيث تعلقها بالظاهر ولذلك خوطب عليه السلام فى مقام الانذار بالمدثر ( روى ) عن جابر رضى الله عنه عن النبى عليه السلام انه قال كنت على جبل حرآء فنوديت يا محمد انك رسول الله فنظرت عن يمينى وعن يسارى ولم أر شيأ فنظرت فوقى فاذا به قاعد على عراش بين السماء والارض يعنى الملك الذى ناراه فرعبت ورجعت الى خديخة رضى الله عنها فقلت دثرونى دثرونى واصبوا علّى ماء باردا فنزل جبريل وقال يا أيها المدثر يعنى انه انما تدثر بناءً على اقشعرار جلده وارتعاد فرآئصه رعبا من الملك النازل من حيث انه رأى مالم يره قبل ولم يستأنس به بعد فظن ان به مسا من الجن فخاف على نفسه لذلك وذكر حضرة الشيخ الاكبر قدس سرة الاطهر ان التدثر انما يكون من البرودة التى تحصل عقيب الوحى وذلك ان الملك اذا ورد على النبى عليه السلام بعلم او حكم يلقى ذلك الروح الانسان وعند ذلك تشتعل احرارة الغريزية فيتغير الوجه وتنقل الروطوبات الى سطح البدن لاستيلاء الحرارة فيكون من ذلك العرق فاذا سرى عنه ذلك سكن المزاج وانقشعت تلك الحرارة وانفتحت تلك المسام وقبل الجسم الهوآء من خارج فيتخلل الجسم فيبرد المزاج فتأخذه القشعريرة فتزاد عليه الثياب ليسخن انتهى وقرر بعضهم هذا المقام على غير ما ذكر كما قال فى كشف الاسرار وتفسير الكاشفى جابر بن عبد الله رضى الله عنه نقل ميكند از رسول صلى الله عليه وسلم درزمان فترت وحى براهى ميرفتم ناكاه ازآسمان آوازى شنيدم جشم بالاكردم ديدم همان ملك كه درغار حرا بمن آمده بود بركرسى نسته ميان زمين وآسمان ازسطوت وهيأت وعظمت وهيكل او خوفى برمن طارى شد بخانه بازكشتم وكفتم مرا بيوشانيد جامها برمن بوشيدند ومن در انديشه آن حال بودم كه حضرت عزت جل شأنه وحى فرستادكه ايها المدثر .
وقال السهيل رحمه الله كان عليه السلام متدثرا بثيابه حين فزع من هول الوحى اول نزوله قال دثرونى دثرونى فقال له ربه ايها المدثر ولم يقل يا محمد ولا يا فلان ليستشعر اللين والملاطفة من ربه كما تقدم فى المزمل وفائدة اخرى مشاكلة الآية بما بعدها ووجه المشاكلة بين اول الكلام وبين قوله قم فأنذر خفى الابعد التأمل والمعرفة بقوله عليه السلام انى انا النذير العريان ومعنى النذير العريان الجاد المشمر وكان النذير من العرب اذا جتهد جرد ثوبه وأشار به مع الصياح تأكيدا فى الانذار والتحذير وقد قيل ايضا ان اصل قولهم النذير العريان ان رجلا من خثعم وهو كجعفر جبل واهل خثعميون وابن انما رابوا قبيلة من معد كما فى القاموس اخذه العدو فقطعوا يده وجردوا ثيابه فأفلت الى قومه نذيرا لهم وهو عريان فقيل لكل مجتهد فى الانذار والتخويف النذير العريان فاذا ثبت هذا فقد تشاكل الكلام بعضه ببعض فأمر المتدثر بالثياب مضاف الى معنى النذير العريان ومقابل ومرتبط به لفظا ومعنى .(16/227)
قُمْ فَأَنْذِرْ (2)
{ قم } اى من مضجعك يعنى خوابكاه { فأنذر } الناس جميعا من عذاب الله ان لم يؤمنوا لانه عليه السلام مرسل الى الناس كافة فلم تكن ملة من الملل الا وقد بلغتها دعوته وقرعها انذاره وافرد الانذار بالذكر مع انه ارسل بشيرا ايضا لان التخلية بالمعجمة قبل التحلية بالمهملة وكان الناس عاصين مستحقين للتخويف فكان اول الامر هو الانذار .
يقول الفقير امده الله القدير بالفيض الكثير خوطبت بقوله قم فانذر وانا متوجه مراقب عند الرأس الشريف فى الحرم النبوى فحصل لى اضطراب عظيم وحيرة كبرى من سطة الخطاب الالهى وغلبنى الارتعاد وظننت اأنى مأمور بالانذار الظاهرى فى ذلك المقام لما ان اكثر الناس كاناو يسيئون الأدب فى ذلك الحرم حتى انى بكيت مرة بكاء شديدا من غلبة الغيرة فقيل لى اولئك الذين لعنهم الله فأصمهم واعمى ابصارهم ثم انى عرفت بالهام من الله تعالى انى رسول نفسى لا غير مأمور بتزكيتها واصلاح قواها ومن الله الاعانة على ذلك .(16/228)
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)
{ وثيابك فطهر } وخصص ربك بالتكبير وهو وصفه تعالى بالكبرياء اعتقادا وقولا وعظمة عما يقول فيه عبدة الاوثان وسائر الظالمين ويروى انه لما نزل قال رسول الله عليه السلام « الله اكبرت » فكبرت خديجة ايضا وفرحت وايقنت انه الوحى لان الشيطان لا يأمر بالتكبير ونحوه ودخل فيه تكبير الصلاة وان لم يكن فى اوآئل النبوة صلاة وذلك لان الصلاة عبارة عن اوضاع وهيئات كلها تعطى التقييد والله منزه عن جميع التعينات فلزم التكبير فيها لان وجه الله يحاذى وجه العبد حينئذ على ما ورد فى الخبر الصيح والفاء لمعنى الشرط كأنه قيل ما كان اى اى شئ حدث فلا تدع تكبيره ووصفه بالكبرياء او للدلالة على ان المقصود الاول من الامر بالقيام ان يكبر ربه وينزهه عن الشرك فان اول ما يجب معرفة الصانع ثم تنزيهه عما لا يليق بجنابه فالفاء على هذا تعقيبية لا جزآئية .
واعلم ان كبرياءه تعالى ذاتى له قائم بنفسه لا بغيره من المكبرين فهو اكبر من أن يكبره غيره بالتكبير الحادث ولذا قال عليه السلام « ليلة المعراج لا احصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك » فهو المكبر والمثنى لذاته بذاته بتكبير وثناء قديم من الازل الى الأبد .(16/229)
وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)
{ وثيابك فطهر } جمع ثوب من اللباس اى فطهرها مما ليس بطاهر بحفظها وصيانتها عن النجاسات وغسلها بالماء الطاهر بعد تلطخها فانه قبيح بالمؤمن الطيب أن يحمل خبيثا سوآء كان فى حال الصلاة او فى غيرها وبتقصيرها ايضا فان طولها يؤدى الى جر الذيول على القاذورات فيكون التطهير كناية عن التقصير لانه من لوازمه ومعنى التقصير أن تكون الى اتصاف الساقين اولى الكعب فانه عليه السلام جعل غاية طول الازار الى الى الكعب وتوعد على ما تحته بالنار . وحضرت مرتضى رضى الله عنه كفت كوتاه كن جامه را . فانه أتقى واتقى وابقى وهو اول ما أمر به عليه السلام من رفض العادات المذمومة فان المشركين ما كانوا يصونون ثيابهم عن النجاسات وفيه انتقال من تطهير الباطن الى تطهير الظاهر لان الغالب ان من نقى باطنه أبى الا الاجتناب الخبث وايثار الطارة فى كل شئ فان الدين بنى على النظافة ولا يدخل الجنة الا نظيف والله يحب الناسك النظيف وفى الحديث « غسل الاناء وطهارة الفناء يورثان الغنى » وفى المرفوع « نظفوا أفواهكم فانها طرق القرءآن » قال الراغب الطهارة ضربان طهارة جسم وطهارة نفس وقد حمل عليهما عامة الآيات وقوله وثيابك فطهر قيل معناه نفسك نزهما عن المعايب انتهى او طهر قلبك كما فى القاموس او اخلاقك فحسن قاله الحسن وفى الخبر حسن خلقك ولو مع الكفار تدخل مداخل الابرار او عملك فأصلح كما فى الكواشى ومنه الحديث « يحشر المرء فى ثوبيه اللذين مات فيهما » اى عمليه الخبيث والطيب كما فى عين المعانى وانه ليبعث فى ثيابه اى اعماله كما فى القامو او اهلك فطهرهم من الخطايا بالوعظ والتأديب والعرب تسمى الاهل ثوبا ولباسا قال تعالى هن لباس لكم وانتم لباس لهن ( كما فى كشف الاسرار ) وقال ابن عباس لا تلبسها على معصية ولا على غدار البسها وأنت بر طاهر كما فى فتح الرحمن قال الشاعر
وانى بحمد الله لاثوب فاحر ... لبست ولا من غدرة أتقنع
وذلك ان الغادر والفاجر يسمى دنس الثيات كما ان اهل الصدق والوفاء يسمى طاهر الثياب .
ودرنفحات ازشيخ ابو الحسن شاذلى قدس سره نقل ميكندكه حضرت رسالت را صلى الله عليه وسلم درخواب ديدم ومرا كفت اى على طهر ثيابك من الدنس تحفظ بمدد الله فى كل نفس يعنى باكيزه كردان جامهاى خود را از جرك تابهره مند كردى بمدد وتأييد خداى تعالى درهر نفسى كفتم يا رسول الله ثياب من كدامست فرمودكه برتو حق تعالى بنج خلعت بوشانيد خلعت محبت وخلعت معرفت ووخلعت توحيد وخلعت ايمان وخلعت اسلام هركه خدا يرا دوست دارد بروى آسان شود هرجيز وهركه خدا برابشنا سد در نظروى خردنمايد هرجيز وهركه خدا يرا به يكانكى بداند بوس شريك نياردهيج جيزرا وهركه خداى تعالى را ايمان آردايمن كردداز هرجيزوهركه باسلام متصف بودخدا يراعاصى نشود واكرعاصى شوداعتذار كندوجون اعتذار كندقبول افتد بفضل الله تعالى بس شيخ فرمود ازاينجا دانستم قول خدا يرا وثيابك فطهر
درتو بوشيد لطف يزدانى ... خلعتى از صفات روحانى
دارش ازلوث خشم وشهوت دور ... تابيا كيزكى شوى مشهور(16/230)
وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)
{ ولا تمنن تستكثر } برفع تستكثر لانه مستقبل فى معنى الحال اى ولا تعط مستكثرا اى رآئيا لما تعطيه كثيرا او طالبا للكثير عى انه نهى عن الاستغزار وهو أن يهب شيأ وهو يطمع أن يتعوض من الموهب له اكثر مما اعطاه وهو جائز ومنه الحديث المستغزر بثاب من هبته اى يعوض منها والغزارة بالغين المعجمة وتقديم الزاى الكثرة فهو اما للتحريم وهو خاص برسول الله عليه السلام لعلو منصبه فى الاخلاص الحسنة ومن ذلك حلت الزكاة لفقرآء امته ولم تحل له ولأهله لشرفه او للتنزيه للكل اى له ولامته وقال بعضهم هو من المنة لان من يمن بما يعطى يستكثره ويعتد به والمنة تهدم الصنيعة خصوصا اذا من بعمله على الله بأن يعده كثيرا فان العمل من الله منة عليه كما قال تعالى بل الله يمن عليكم ومن شكر طول عمره بالعبادة لم يقض شكر نعمة الايجاد فضلا عما لا يحصى من انواع الجود .(16/231)
وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)
{ ولربك فاصبر } اى فاصبر لحكم ربك ولا تتألم من اذية المشركين فان المأمور بالتبليغ لا يخلو عن اذى الناس ولكن بالصبر يستحيل المر حلوا وبالتمرن يحصل الذوق
تحمل جو زهرت نما يدنخست ... ولى شهد كردد جودر طبع رست
وقال بعض اهل المعرفة اى جرد صبرك عن ملاحة الغير فى جميع المراتب اى فى الصبر عن المعصية والصبر على الله والصبر فى البلاء كما قال تعالى واصبر وما صبرك الا بالله وقال القاشانى يا أيها المدثر اى المتلبس بدثار البدن المتحجب بصورته قم عمار كنت اليه وتلبست به من اشغال الطبيعة وانتبه من رقدة الغفلة فأنذر نفسك وقواك وجميع من عداك عذاب يوم عظيم وان كنت تكبر شيأ وتعظم قدره فخصص ربك بالتعظيم والتكبير لا يعظم فى عينك غيره وليصغر فى قلبك كل ما سواه بمشاهدة كبريائه وظاهرك فطهره اولا قبل تطهير باطنك عن مدانس الاخلاق وقباح الافعال ومذام العادات ورجز الهيولى المؤدى الى العذاب . فاهجر اى جرد باطنك عن اللواحق المادية والهيئات الجسمانية الفلسقة والغواشى الظلمانية والهيولانية ولا تعط المال عند تجردك عنه مستغزرا طالبا للاعواض والثواب والكثير به فان ذلك احتجاب بالنعمة عن المنعم وقصور همه بل خالصا لوجه الله افعل ما تفعل صابرا على الفضيلة له لا لشئ آخر غيره .(16/232)
فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8)
{ فاذا نقر فى الناقور } الناقور بمعنى ما ينقر فيه والمراد الصور وهو القرن الذى ينفخ فيه اسرافيل مرة للاصعاق واخرى للاحياء فاعول من النقر بمعنى التصويت واصله القرع الذى هو سبب الصوت يعنى جعل الشئ بحيث يظهر منه الصوت بنوع قرع والمراد هنا النفخ اذ هو نوع ضرب للهوآء الخارج من الحلقوم اى فاذا نفخ فى الصور والفاء للسببية اى سببية ما بعدها لما قبلها دون العكس فهى بمعنى اللام السببية كأنه قيل اصبر على اذاهم فبين ايديهم يوم هائل يلقون فيه عاقبة اذا هم وتلقى عاقبة صبرك عليه والعامل فى اذا ما دل عليه قوله تعالى .(16/233)
فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)
{ فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين } فان معناه عسر الامر على الكافرين من جهة العذاب وسوء الحساب وذلك اشارة الى وقت النقر وهو مبتدأ ويومئذ بدل منه بمنى على الفتح لاضافة الى غير متمكن وهو اذ والتقدير اذ نقر فيه والخبر يوم عسير وعلى متعلقة بعسير دل عليه قوله تعالى وكان يوما على الكافرين عسيرا كأنه قيل فيوم النقر يوم عسير عليهم { غير يسير } خبر بعد خبر وتأكيد لعسره عليهم لقطع احتمال يسره بوجه دون وجه مشعر تيسره على المؤمنين ثم المراد به يوم النفخة الثانية التى يحيى الناس عندها اذ هى التى يخص عسرها بالكافرين جميعا واما النفخة الاولى فهى مختصة بمن كان حيا عند وقوعها وقد جاء فى الاخبار ان فى الصور ثقبا بعدد الارواح كلها وانها تجمع فى تلك الثقب فى النخفة الثانية فيخرج عند النفخ من كل ثقبة روح الى الجسد الذى نزع منه فيعود الجسد حيا باذن الله تعالى وفى الحديث كيف انعم وصاحب القرن قد التقم قرنه ينظر متى يؤمر أن ينفخ فيه فقيل له كيف نصنع قال قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل وقال القاشانى ينقر فى البدن المبعوث فينقش فيه الهيئات السيئة المردية الموجبة للعذاب او الحسنة المنجية الموجبة للثواب ولا يخفى عسر ذلك اليوم على المحجوبين على احد وان خفى يسرة على غيرهم الا على المحققين من اهل الكشف والعيان .(16/234)
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11)
{ ذرنى ومن خلقت وحيدا } حال اما من الياء اى ذرنى وحدى معه فانى اكفيكه فى الانتقام منه او من التاء اى خلقته وحدى لم يشركنى فى خلقه احدا ؤامن العائد المحذوف اى ومن خلقته وحيدا فريدا لا مال له ولا ولد نزلت فى الوليد بن المغيرة المخزومى وكان يلقب فى قومه بالوحيد زعما منهم انه لا نظير له فى وجاهته ولا فى ماله وكان يفتخر بنفسه ويقول أنا الوحيد ابن الوحيد ليس لى فى العرب نظير لا لأبى المغيرة لنظير أيضا فسماه الله بالوحيد تهكما به واستهزآء بلقبه كقوله تعالى ذق انك أنت العزيز الكريم وصرفا له عن الغرض الذى يؤمونه من مدحه الى جهة ذمه بكونه وحيدا من المال والولد أو وحيدا من أبيه ونسبه لانه كل زنيما وهو من ألحق بالقوم وليس منهم كما مر أو وحيدا فى الشرارة والخباثة والدناءة .(16/235)
وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12)
{ وجعلت له مالا ممدودا } اى مبسوط اكثير وهو ما كان له بين مكة والطائف من صنوف الاموال وقال النورى كان له ألف ألف دينار .(16/236)
وَبَنِينَ شُهُودًا (13)
{ وبنين } ودادم اورا بسران { شهودا } جمع شاهد مثل قاعد وقعود وشهده كسمعه حضره اى حضورا معه بمكة يتمتع بمشاهدتهم لا يفارقونه للتصرف فى عمل او تجارة لكونهم مكفيين لوفور نعمهم وكثرة خدمهم او حضورا معه فى الاندية والمحافل لوجاهتهم واعتبارهم وكان له عشرة بنين اسلم منهم ثلاثة خالد وهشام وعمارة قاله المفسرون واطبق المحدثون على ان الوليد بن الوليد اسلم وعمارة قتل كافرا اما يوم بدرأ وفى الحبشة على يد النجاشى قال السهيلى رحمه الله هم هشام بن الوليد والوليد بن الوليد وخالد بن الوليد الذى يقال له سيف الله واما غير هؤلاء ممن مات منهم على دين الجاهلية فلم نسمه .(16/237)
وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14)
{ ومهدت له تمهيدا } وبسطت له الرياسة والجاه العريض فأتممت عليه النعمة فان اجتماع المال والجاه هو الكمال عند اهل الدنيا ولذا كان يلقب ريحانة قريش والريحان نبت طيب الرآئحة والولد والرزق وفى التأويلات النجمية يشير الى الوليد بن مغيرة النفس الوحيدة فى الشر والظلم والجور والجهل وكثرة اموال اعماله السيئة الذميمة وثروة اجناس اخلاقه الذميمة والى بنى اتباعه الخبيثة الخسيسة وبسطة وسلطنته ورياسته ووجاهته عند ارباب النفوس المتمردة عن اوامر الحق ونواهيه المعربدة مع الحق واهاليه وهم القوى الطبيعية الظلمانية يعنى دعنى واياه فانى اسلط عليه أبا بكر الخفى وعمر الروح وعثمان السر وعلى القلب حتى انهم بأنوار روحانيتهم يطمسون ظلمات نفسانية ويغيرون على اعماله ويقتلون بنى اتباعه وشيعته ويطوون بساط سلطنته ويسدون باب بسطته .(16/238)
ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15)
{ ثم يطمع } يرجو { ان ازيد } على ما اوتيه من المال والولد وثم استبعاد واستنكار لطمعه وحرصه اما لانه لا مزيد على ما اوتيه سعة وكثرة يعنى انه اوتى غايه ما اوتى عادة لا مثاله او لانه مناف لما هو عليه من كفران النعم ومعاندة المنعم اى لا يجمع له بعد اليوم بين الكفر والمزيد من النعم .(16/239)
كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16)
{ كلا } ردع وزجر له عن طمعه الفارغ وقطع لرجائه الخائب فيكون متصلا بما قبله { انه كان لآياتنا عنيدا } يقال عند خالف الحق ورده عارفا به فهو عنيد وعاند يعنى منكر وستيزه كننده .
والمعاندة المفارقة والمجانبة والمعارضة بالخلاف كالعناد والعنيد هنا بمعنى المعاند كالجليس والاكيل والعشير بمعنى المجالس والمؤاكل والمعاشر وهو تعليل لما قبله على وجه الاستئناف التحقيقى فان معاندة آيات المنعم وهى الآيات القرء آتية مع وضوحها وكفران له مع سبوغها مما يوجب حرمانه بالكلية وانما اوتى ما اوتى استدراجا وتقديم لآياتنا على متعلقه وهو عنيدا يدل على التخصيص فتخصيص العناد بها مع كونه تاركا للعناد فى سائر الاشياء يدل على غاية الخسران قيل ما زال بعد نزل هذه الآية فى نقصان من ماله حتى هلك وهو فقير .
آنكس كه نصيحت زعزيزان نكند كوش ... بسيار بخايد سر انكشت ندامت(16/240)
سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17)
{ سائرهقه صعودا } قال الراغب رهقه الامر غشيه بقهر يقال رهقته وارهقته مثل ردفته واردفته وتبعته واتبعته ومنه ارهقت الصلاة اى اخرتها حتى غشى وقت الاخرى والصعود العقبة الشاقة ويستعار لكل مشاق وهو مفعول ثان لأرهق وفى بعض التفاسير صعودا اما فعول بمعنى فاعل يستوى فيه المذكر والمؤنث مثل عقبة كؤود فيكون من قبيل تسمية المحل باسم الحال أو بمعنى مفعول من صعده وهو الظاهر فيكون تذكيرة اما باعتبار كون موصوفه طريقا او باتباع مثل كؤود والمعنى سأكلفه كرها بدل ما يطمعه من الزيادة ارتقاء عقبة شاقة المصعد على حذف المضاف بحيث تغشاه شدة ومشقة من جميع الجوانب على ان يكون الارهاق تكليف الشئ العظيم المشقة بحيث تغشى المكلف شدته ومشقته من جميع الجوانب وقال الغزالى رحمه الله حالة تصعد فيها نفسه للنزع وان لم يتعقبه موت انتهى وهو مثال لما يلقى من العذاب الصعب الذى لا يطاق ويجوز أن يحمل على حقيقته كما قال عليه السلام « الصعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوى كذا ابدا » يعنى بر بالاى آن نتوان رفت اورادر زنجير هاى آتشين كشيده ازبيش مى كشندوازعقب كرزهاى آتشين كشيده از بس مى كشند وازعقب كرزهاى آتشين ميزنند تار آنجا ميروددر هفتا دسال وبازكشتن وزير افتادن او همجنين است .
قوله سبعين خريفا اى سبعين عاما لان الخريف آخر السنة فيه تتم الثمار وتدرك فصار بذلك كأنه العام كله وهذا كما تسمى العلة الصورة بعلة تامة لذلك قال فى القاموس الخريف كأمير ثلاثة اشهر بين القيظ والشتاء تخترف فيها الثمار اى تجتنىى وعنه عليه السلام يكلف ان يصعد عقبه فى النار كلما وضع يده عليه ذات فاذا رفعها عادت واذا وضع رجله ذابت فاذا رفعها عادت .(16/241)
إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)
{ انه فكر وقدر } تعليل للوعيد واستحاققه له من التفكير بمعنى التفكر والتأمل كما قال فى تاج المصادر التفكير انديشه كردن . والتقدير اندازه وتهيئه كردن . اى فكر ماذا يقول فى حق القرءآن وشأنه من جهة الطعن وقدر فى نفسه ما يقوله وهياه .(16/242)
فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19)
{ فقتل كيف قدر } تعجيب من تقديره واصابته فيه الغرض الذى كان ينتحيه قريش قاتلهم الله او ثناء عليه بطريق الاستهزآء به على معنى ان هذا لذى ذكره وهو كون القرءآن سحرا فى غاية الركاكة والسقوط او حكاية لما ذكروه من قولهم قتل كيف قدر تهكما بهم وباعجابهم بتقديره واستعظامهم لقوله ومعنى قولهم قتله الله ما اشجعه وأخواه الله ما اشعره الاشعار بانه قد بلغ من الشجاعة والشعر مبلغا حقيقا بأن يدعو عليه حاسده بذلك وقد سبق فى قاتلهم الله فى المنافقين مزيد البيان ( روى ) ان الوليد مر بالنبى عليه السلام وهو يقر أحم السجدة وفى بعض التفاسير فواتح سورة حم المؤمن فقال لبنى مخزوم والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الانس ولا من كلام الجن ان له لحلاوة وان عليه لطلاوة اى حسنا وبهجة وقبولا وان اعلاه لمثمر وان اسفله لمغدق اى كثير الماء شبه القرءآن بالشجرة الغضة الطرية التى استحكم اصلها بكثرة الماء واثمرت فروعها فى السماء واثبت له اعلى واسفل ولأعلاه الاثمار ولأسفله الاغداق على طريق التخييل ( قال الكاشفى ) مراورا حلاوتى وعذوبتى هست كه هيج سخن رانباشد وبروى طراوتى وتازكى هست كه هيج حديثى رانبود اعلاى ن نهال مثمر سعادات كليه واسفل اين شجره طيبه عروق فضائل وحكم عليه است . ثم قال الوليد وانه يعلو ولا يعلى فقالت قريش صبأ والله الوليد اى مال عن دينه وخرج الى دين غيره والله لتصبأن قريش كلهم اى بمتابعته لكونه رئيس القوم فقال ابن أخيه أبو جهل أنا اكفيكموه فقعد عنده حزينا وكلمه ما احماء اى اغضبه .
يعنى كفت كه قريش ميكويند توسخنان محمدرا عليه السلام بسند ميدهى وآنرا بزرك ميدارى وثنا ميكويى تا ازفضله طعام ايشان بهره بردارى اكرجنين است تاهمه قريش فراهم شوند وترا كفايتى حاصل كنندتا ازطعام ايشان بى نياز شوى ولييد اين سخت او ابو جهل بشنيد درخشم شد كفت الم تعلم قريش انى من اكثرهم مالا وولدا واين اصحاب محمد خودهركز ازطعام سير نشوند واز فقر وفاقه نياسايندجه صورت بنددكه ايشانرا فضله طعام بودتابديكرى دهند بس هردوبر خاستتد وبرا انجمن قريش شادند وليد كفت شما كه قريش ايدبدانيدكه حال وكار ابن محمد در عرب منتشر كشت وموسم حج نزديكست كه عرب مى آيند وازحال وى برسند جواب ايشان جه خواهيداد . تزعمون انه مجنون فهل رأيتموه يخنق لان العرب كانت تعتقد ان الشيطان ويخنق المجنون ويتخبطه وتقولون انه كاهن فهل رأيتموه يتكهن وتزعمون انه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعرا قط وتزعمون انه كذاب فهل جربتم عليه شيأ من الكذاب فقالوا فى كل ذلك اللهم لاثم قالوا فما هو وما تقول فى حقه ففكر فقال ما هو الا ساحرا أما رأيتموه يفرق بين الرجل واهله وولده ومواليه وما الذى يقوله الا سحر يأثره عن اهل بابل فارتج النادى فرحا وتفرقوا معجبين بقوله متعجبين منه راضين به .(16/243)
ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20)
{ ثم قتل كيف قدر } تكرير للتعجيب للمبالغة فى التشتيع وثم للدلالة على ان النكرة الثانية فى التعجيب ابلغ من الاولى اى للتراخى بحسب الرتبة وان اللائق فى شأنه ليس الا هذا القول دعاء عليه وفيما بعد على اصلها من الترخى الزمانى .(16/244)
ثُمَّ نَظَرَ (21)
{ ثم نظر } اى فى القرءآن مرة بعد مرة وتأمل فيه .(16/245)
ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22)
{ ثم عبس } فقلت وجه يعنى روى فاهم كشيد وترش كرفت .
لأن لم يجد فيه مطعنا ولم يدر ماذا يقول { وبسر } اتباع لعبس قال سعدى المفتى لكن عطف الاتباع على المتبوع غير معروف والظاهر ان كلا منهما له معنى مغاير لمعنى الآخر فعبس بمعنى قطب وجهه وبسر بمعنى قبض ما بين عينيه من السوء واسود وجهه منه ذكره الحلبى والعدة عليه وقال الراغب البسر الاستعجال بالشئ قبل اوانه نحو ابسر الرجل حاجته طلبها فى غير اوانها وقوله ثم عبس وبسر اى اظهر اعبوس قبل اوانه وفى غير وقته انتهى .(16/246)
ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23)
{ ثم أدبر } عن الحق { واستكبر } عن اتباعه { فقال } عقيب توليه عن الحق .(16/247)
فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24)
{ أن } نافية بمعنى مالذا اورد الا بعدها { هذا } الذى يقوله محمد عليه السلام اى القرءآن { الا سحر يؤثر } اى يروى ويتعلم من الغير وليس هو من سحره بنفسه يقال ثارت الحديث آثره اثرا اذا حدثت به عن قوم فى آثارهم اى بعد ما ماتوا هذا هو الاصل ثم كان بمعنى الرواية عمن كان وحديث مأثور اى منقول ينقله خلف عن سلف وادعية مأثورة اى مروية عن الاكابر وفى تعلم السحر لحكمة رخصة واعتقاد حقيته والعمل به كفر كما قيل ( عرفت الشر لا للشر لكنى لتوقيه . ومن لم يعرف الشر من الناس يقع فيه ) وقد سبق معناه وما يتعلق به فى مواضعه .(16/248)
إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)
{ ان هذا } ما هذا { الا قول البشر } تأكيد لما قبله ولذا اخلى عن العاطف قاله تمردا وعنادا لا على سبيل الاعتقاد لما روى قبل انه اقر بأن القرءآن ليس من كلام الانس والجن وأراد بالبشر يسار وجبرا وأبا فكيهة اما الاولان فكانا عبدين من بلاد فارس وكانا بمكة وكان النبى عليه السلام يجلس عندها واما أبو فكيهة فكان غلاما روميا يتردد الى مكة من طرف مسيلمة الكذاب فى اليمامة .(16/249)
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26)
{ سأصليه سفر } اى ادخله جهنم لما قال فى الصحاح سقر اسم من اسماء النار وقال ابن عباس رضى الله عنهما اسم للطبقة السادسة من جهنم يقال سقرته الشمس اذا آذته وآلمته وسميت سقر لا يلامها قوله سأصليه سقر بدل من سارهقه صعود ابدل الاشتمال سوآء جعل مثلا لما يلقى من الشدآئد أو اسم جبل من نار لان سقر تشتمل على كل منهما .(16/250)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27)
{ وما ادراك ما سقر } ما الاولى مبتدأ وادراك خبره وما الثانية خبر لقوله سقر لانها المفيدة لما قصد افادته من التهويل والتفظيع دونن العكس كما سبق فى الحاقة والمعنى اى شئ اعلمك ما سقر فى وصفها يعنى انه خارج عن دآئرة ادراك العقول ففيه تعظيم لشأنه .(16/251)
لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28)
{ لا تبقى ولا تذر } بيان لوصفها وحالها وانجاز للوعد الضمنى الذى يلوح به وما ادراك ما سقر أى لا تبقى شيأ يلقى فيها الا اهلكته بالاحراق واذا هلك لم تذره هالكا حتى يعاد خلقا جديدا وتهلكه اهلا كا ثانيا وهكذا كما قال تعالى كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها او لا تبقى على شئ اى لا تترحم عليه ولا تدعه من الهلاك بل كان ما يطرح فيها هالك لا محالة لانها خلقت من غضب الجبال قال فى تهذيب المصادر الابقاء باقى كردن ونيز شفقت بردن . وقيل لا تبقى حيا ولا تذر ميتا كقوله تعالى ثم لا يموت فيها ولا يحيى .(16/252)
لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29)
{ لواحة للبشر } يقال لاحت النار الشئ اذا احرقته وسودته ولاحه السفر او العطش اى غيره وذلك ان الشئ اذا كان فيه دسومة فاذا احرق اسود والبشر جمع بشرة وهى ظاهر جلد الانسان اى مغيرة لأعلى الجلد وظواهره مسودة لها قيل تلفح الجلد لفسحة فتدعه اشدسوادا من الليل فان قلت لا يمكن وصفها بتسويد البشرة مع قوله لا تبقى ولا تذر قلت ليس فى الآية دلالة على انها تفنى بالكلية مع انه يجوز ان يكون الافناء بعد التسويد وقيل لائحة للناس على ان لواحة اسم فاعل من لاح يلوح اى ظهر وأن البشر بمعنى الناس قيل انهها تلوح للبشر من مسيرة خمسمائة عام فهو كقوله تعالى وبرزت الجحيم لمن يرى فيصل الى الكافر سمومها وحرورها كما يصل الى المؤمن ريح الجنة ونسيمها من مسيرة خمسمائة عام .(16/253)
عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)
{ عليها } اى على سقر { تسعة عشر } اى ملكا يتولون امرها ويتسلطون على اهلها وهم مالك وثمانية عشر معه أعينهم كالبرق الخاطف وانيابهم كالصياصى واشعارهم تمس اقدامهم يخرج لهب النار من افواههم ما بين منكى احدهم مسيرة سنة نزعت منهم الرأفة والرحمة يأخذ أحدهم سبعين أفا فى كفه ويرميهم حيث أراد من جهنم قيل هذه التسعه عشر عد الرؤساء والنقباء واما جملة اشخاصهم فكما قال تعالى وما يعلم جنود ربك الا هو فيجوز أن يكون لكل واحد منهم أعوان لا تعد ولا تحصى ذكر ارباب المعانى والمعرفة فى تقدير هذا العدد وتخصيصه وجوها ( منها ان سبب فساد النفس الانسانية فى قوتها النظرية والعلمية هو القوى الحيوانية والطبيعية فالقوى الحيوانية هى الخمس الظاهرة والخمس الباطنة والشهوة والغضب ومجموعها اثنتا عشرة واما القوى الطبيعية فهى الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة والغاذية والنامية والمولدة فالمجموع تسع عشرة قال ابن الشيه والمراد بالقوى الحيوانية القوى التى تختص بالحيوان من بين المواليد الثلاثة الحيوان والنبات والمعدن وهى قسمان مدركة وافعله فالاركة اى مالها مدخل فى الادراك بالمشاهدة والحفظ عشر وهى الحواس لخمس الظاهرة والخمس الباطنة والفاعلة اى مالها مدخل فى الفعل اما باعثة او محركة وهما اثنتان الشهوة والغصب والقوى الطبيعية هى القوى التى تختص بالحيوان بل توجد فى النبات ايضا وهى سبع ثلاث منها مخدومة وهى الغاذية والنامية والمولدة واربع منها خوادم وهى الجاذبة والهاضمة والماسكة والدافعة فلما كان منشأ الآفات هو هذه القوى التسع عشرة كان عدد الزبانية هكذا قال سعدى المفتى وأنت خبير بأن اثبات هذه القوى بناؤه على الاصول الفلسفية ونقى الفاعل المختار فيصان تفسير كلام الله عن امثاله اى وان ذكرها الامام فى التفسير الكبير وتبعه من بعده وقال ايضا والحق ان يحال علمه الى الله تعالى فالمعقول البشرية قاصرة عن ادراك امثاله انتهى ويرده ما قال الامام السهيلى فى الامالى ان النكتة التى من اجلها كانوا تسعة عشر عددا ولم يكونوا اكثرأ وأقل فلعمرى ان فى الكتاب والسنة لدليلا عليها واشارة اليها ولكنها كالسر المكنون والناس اسرع شئ الى انكار ما لم يألفوه وتزييف مالم يعرفوه ولا يؤمن فى نشرها وذكرها سوء التأويل لقصورا كثير الافهام عن الوعى والتحصيل مع قلة الانصاف فى هذا الجبل انتهى ( ومنها ان أبواب جهنم سبعة سنة منها للكفار وواحد للفساق ثم ان الكفار يدخلون النار الستة ثلاثة ترك الاعتقاد وترك الاقرار وترك العمل فيكون لكل باب من تلك الابواب الستة ثلاثة فالمجموع ثمانيه عشروا ما باب الفساق فليس هانك الا ترك العمل فالمجموع تسعة عشر ( ومنها ان الساعات اربع وعشرون خمس منها مشغولة بالصلوات الخمس فيبقى منها تسع عشرة مشغولة بغير العبادة مصروفة الى ما يؤاخذ به بأنواع العذاب يعنى انه لم يخلق فى مقابلة الخمس التى جعلت مواقيت الصلاة زبانية تكريما لها فلا يلزم الاختصاب المصلين من عصاة المؤمنين كما فى حواشى سعدى المفتى فلا جرم صار عد الزبانية تسعه عشر ومنها انه تعالى حفظ جهنم بما حفظ به الارض ومن الجبال وهى مائة وتسعون اصلها تسعة شعر ( ومنها ان المدبرات للعالم النجوم السيارة وهى سبعة والبروج الاثنى عشر الموكلة بتدبير العالم السفلى المؤثرة فيه تقمعهم بسياط التأثير وترديهم فى مهاويها ) ومنها ما قال السجاوندى فى عين المعانى قد تكلموا فى حكمة العدد على انه لا تطلب للاعداد العلل فان التسعة اكثر الآحاد والعشرة اقل العشر ان فقد جمع بين اكثر القليل واقل الكثير يعنى ان التسعة عشر عدد جامع بينهما فلهذا كانت الزبانية على هذا العدد ( ومنها ما قال فى كشف الاسرار ان قوله بسم الله الرحمن الرحيم ) تسعة عشر حرفا وعدد الزبانية تسعة عشر ملكا فيدفع المؤمن بكل حرف منها واحدا منهم وقد سبقت رحمته غضبه ومنها ما لاح لهذا الفقير قيل الاطلاع على ما فى كشف الاسرار وهو أن عدد حروف البسملة تسعة عشر ( كما قال المولى الجامى )(16/254)
{ نوزده حر فست كه هزده هزار ... عالم ازو يافته فيض عميم
ولما كانت البسملة آية الرحمة والكفار والفساق لم يقبلوه هذه الآية حيث سلكوا سبيل الكفر والمعاصى خلق الله فى مقابلة كل حرف منها ملكا من الغضب والجلال وجعله آية الغضب كما جعل خازن الجنة آية الحرمة دل على ما قلنا قوله عليه السلام يسلط على الكافر فى قبره تسعة وتسعون تنينا وهو اكبر الحيات بالفارسية ازدر .
فى فمه انياب مثل اسنة المراح وهو طويل كالنخلة السحوق أحمر العينين مثل الدم واسع الفم والجوف يبتلع الانسان والحيوان وسره انه كفر بالله وباسمائه الحسنى التى هى تسعة وتسعون فاستحق ان يسلط عليه تسعة وتسعون تنينا بعدها فى قبره الذى هو حفرة من حفر النيران فلا يلزم ان يسلط عليه ذلك العدد فى النار فالتسع عدد القهر والحصر
والانقراض لانه ينقرض عن اهل النار امداد الرحمة الرحيمية ( ومنها ما فى التأويلات النجمية من ان اختلال النفوس البشرية بحسب العمل والعلم والدخول فى جهنم البعد والطرد واللعن والحجاب والاحتجاب مترتب على موجباتها وهى تسعة غير الحواس الخمس الظاهرة والخمس الباطنة وهى الاعضاء والجوارح السبع التى ورد بها الحديث بقوله عليه السلام « امرت ان اسجد على سبعة اعضاء وآراب » والطبيعة البشرية المشتملة على الكل المؤثرة فى الكل بحسب الظاهر والباطن ويجوز أن تكون القوة الغضبية والشهوية بدل الطبيعة فصار الكل تسعة عشر(16/255)
وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)
ثم اعلم ان الله قد جعلفى هذ العالم العنصرى خلقا من جنسهم ولاة عليهم نظير العالم العلوى فمنهم الرسل والخلفاء والسلاطين والملوك وولاة امور جميع العالم من القضاءة واضرابهم ثم جعل بين ارواح هؤلاء الولاة الذين هم فى الارض والولاة الذين هم فى السموات مناسبات ودقائق تمتد اليهم بالعدل مطهرة من الشوآئب مقدسة عن العيوب فيقبل هؤلاء الولاة الارضيون منهم بحسب استعدادتهم فمن كان استعداده حسنا قويا قبل ذلك الامر على صورته طاهرا مطهرا فكان والى عدل وامام فضل ومن كان استعداده رديئا قبل ذلك الامر الطاهر ورده الى شكله من الردآءة والقبح والجور فكان والى جور ونائب ظلم وبخل فلا يلومن الا نفسه فهذه امهات مراتب حكام العالم اصحاب المراتب على سبيل الاجمال واما لرعية فلا يحصى عددهم الا الله ولله تعالى فى الر ملائكة لا يصعدون الى السماء أبدا ولمائكة فى السماء لا ينزلون الى الارض أبدا كل قد علم صلاته وتسبيحه بالهام من الله تعالى كذا فى كتاب الجواهر للامام الشعرانى رحمه الله { وماهى } اى سقر وذكر صفتها { الا ذكرى للبشر } الا تذكرة وعظمة وانذار لهم بسوء عاقبة الكفر والضلال وتخصيص الانس مع انها تذكرة للجن ايضا لانهم هم الاصل فى القصد بالتذكرة او وما عدة الخزنة الا تذكرةلهم ليتذكروا ويعلموا ان الله قادر على ان يعذب الكثير الغير المحصور من كفار الثقلين وعصاتهم بهذا العدد بل هو لا يحتاج فى ذلك الى أعوان وانصار اصلا فانه لو قلب شعرة واحدة فى عين ابن آجم او سلط الألم على عزق واحد من عروق بدنه لكافه ذلك بلاء ومحنة وانما عين العدد وخلق الجنود لحكمة لا لاحتياج ويجوز أن يعود الضمير الى الآيات الناطقة باحوال سقر فانها تذكرة لاشتمالها على الانذار .(16/256)
كَلَّا وَالْقَمَرِ (32)
{ كلا } ردع لمن انكر سقر أى ارتدع عن انكارها فانها حق او انكار ونفى لان تكون لهم تذكرة فان كونها ذكرى للبشر لا ينافى ان بعضهم لا يتذكرون بل يعرضون عنها بسوء اختيارهم ألا يرى الى قوله تعالى فما لهم عن التذكرة معرضين { والقمر } مقسم به مجرور بواو القسم يعنى سوكند بماه كه معرفت اوقات وآجال بوى باز بسته است . وفى فتح الرحمن تخصيص تشريف وتنبيه على النظر فى عجائبه وقدرته فى حركاته المختلفة التى هى مع كثرتها واختلافها على نظام واحد لا يختل وقال أبو الليث وخالق القمر يعنى الهلال بعد ثالثة .(16/257)
وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33)
{ والليل } معطوف على القمر وكذا الصبح يعنى وبحرمه شب { اذ } بسكون الذال وهو ظرف لما مضى من الزمان { ادبر } على وزن افعل اى الصرف وذهب فان الادبار نقيض الاقبال .(16/258)
وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34)
{ والصبح } قال فى القاموس الصبح الفجر او اول النهار والجمع اصباح وفى المفردات الصبح والصباح اول النهار وهو وقت ما احمر الافق بحاجب الشمس { اذا } ظرف لما يستقبل من الزمان واتفقوا على اذا ههنا نظرا الى تأخره عن الليل من وجه { اسفر } اى ضاء وانكشف فان الاسفار بالفارسية روشن شدن .
قال الراغب السفر كشف الغطاء ويختص ذلك بالاعيان نحو سفر العمامة عن الرأس والخمار عن الوجه والاسفار يختص باللون نحو والصبح اذا اسفر اى شرق لونه ووجهه وأسفروا بالفجر تؤجروا من قولهم اسفرت اى دخلت فيه نحو أصبحت وفى قوت القلوب الفجر الثانى هو انشقاق شفق الشمس وهو بريق بياضاه الذى تحت الحمرة وهو الشفق الثانى على ضد غروبها لان شفقها الاول من العشاء هو الحمرة بعد الغروب وبعد الحمرة البياض وهوالشفق الثانى من اول الليل وهو آخر سلطان شعاع الشمس وبعد البيضا سواد الليل وغسقه ثم ينقلب ذلك على الضد فيكون بده طلوعها الشفق الاول وهو البياض وبعده الحمرة وهو شفقها الثانى وهو أول سلطانها من آخر الليل وبعده طلوع قرص الشمس فالفجر هو انفجار شعاع الشمس من الفلك الاسفل اذا ظهرت على وجه ارض الدنيا يستر عينها الجبال والبحار والاقاليم المشرفة العالية ويظهر شعاعها منتشرا الى وسط الدنيا عرضا مستطيرا انتهى ( قال الكاشفى ) اقسم بالقمر اى باقلب المستعد الصافى القابل للانذار المتعظ به المنتفع بتذكره تعظيما وبليل ظلمه النفس اذأ دبرى أى ذهب بانقشاع ظلمتها عن القلب باشراق نور الروح عليه وتلالى طوالعه وبصبح طلوع ذلك اذ اسفر لزالت الظلمة بكليتها وتنور القلب انتهى فظهر من هذا حسن موقع ذكر القمر والليل والصبح فى مقام ذكر سقر ودواهيها لان سقر اشارة الى الطبيعة وجهنم النفس .(16/259)
إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35)
{ انها لاحدى الكبر } جواب للقسم والكبر جمع الكبرى جعت الف التأنيث كتائه وألحقت بها فكما جمعت فعلة على فعل كركبة وركب جمعت فعلى عليها والا ففعلى لا تجمع على فعل بل على فعالى كحبلى وحبالى والمعنى ان سقر لاحدى البلايا او لاحدى الدواهى الكبر الكثيرة وهى اى سقر واحد فى العظم لا نظيرة لها كقولك انه احد الرجال هذا اذا كان منكرا لسقر وان كان منكرا لعدة الخزنة فالمعنى انها من احدى الحجج اكبر نذير من قدرة الله على قهر العصاة من لدن آدم عليه السلام الى قيام الساعة من الجن والانس حيث استعمل على تعذيبهم هذا العدد القليل وان كان منكر الآيات فالمعنى انها لاحدى الآيات الكبر .(16/260)
نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36)
{ نذيرا للبشر } تمييز من نسبة احدى الكبر الى اسم ان لان معناه انها من معظمات الدواهى التى خلقها الله للتعذيب فيصح ان ينتصب منه التمييز كما تقول هى احدى النساء عفافا والنذير مصدر كالنكير والمعنى لاحدى الكبر انذارا اى من جهة الانذار اول مما دلت عليه الجملة اى معنى قوله انها لاحدى الكبر أى كبرت مندرة وحذف التاء مع ان فعيلا بمعنى فاعل يفرق فيه بين المذكر والمؤنث لكون ضمير انها فى تأويلا العذاب او لكون النذير بمعنى ذات انذار على معنى النسب كقولهم امرأة ظاهر اى ذات طهارة .(16/261)
لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)
{ لمن شاء منكم ان يتقدم او يتأخر } بدل من للبشر باعادة الجار وان يتقدم مفعول شاء ومنكم حال من من اى نذيرا لمن يشاء منكم ان يسبق الى الخير والجنة والطاعة فيهديه الله او لم يشأ ذلك ويتأخر بالمعصية فيضله وفيه اشارة الى ان لكسب العبد دخلا فى حصول المرحومية والمحرومية وفى التأويلات النجمية اقسم بنور قمر الشريعة الزهرآء وبظلمة ليل الطبيعة الظلماء وبصبح الحقيقة البيضاء حين غلبت على غلس الطبيعة ان الجبود مظاهر احدى هذه المراتب الكلية الكبرى اما اهل الشريعة واما اهل الحقيقة واما اهل الطبيعة وقوله نذيرا للبشر اى جعلنا الحصر فى المراتب الثلاث الكلية ليتنبه الانسان ويحترز أن يكون من اهل الانذار لمن شاء منكم ان يتقدم الى مقام الشريعة او يتأخر الى مقام الطبعة ولما كان مقام الحقيقة اعلى المراتب ولم يصل اليه الا النذر من الكمل اعرض عن ذكره انتهى ويجوز أن يكون اهل الحقيقة داخلا فى ان يتقدم لانه واهل الشريعة كل منهما من المتقدمين وان كان بينهما فرق فى التقدم وتفاوت فى السير والمسارعة والحاصل الا اهل ان ستعداد تقدموا باكتساب الفضائل والخيرات والكمالات الى مقام القلب والروح والسر وما غيرهم فتأخروا بالميل الى البدن وشهواته ولذاته فوقعوا فى ورطة الطبيعة .(16/262)
كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)
{ كل نفس } من نفوس الانس والجن المكلفين { بما كسبت رهينة } مرهونة عند الله بكسبها محبوسة ثابتة وفى بعض التفاسير بسبب ما كسبت من الاعمال السيئة من رهن الشئ اى دام وثبت وارهنته اى تركته مقيما عنده وثابتا والرهن ما وضع عندك لينوب مناب ما اخذ منك والمرتهن هو الذى يأخذ المرهون ونفس المكلف محبوسة ثابتة عند الله بما اوجبه عليه من التكاليف التى هى حق خالص له تعالى فان اداها الملكف كما ودبت عليه فك رقبته وخلص نفسه والا بقيت نفسه مرهونة محبوسة عنده وقال بعضهم الرهينة اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم على ان تكون التاء للنقل من الوصفية الى الاسمية وفى فتح الرحمن للمبالغة او على تأنيث اللفظ لا على معنى الانسان ونحوه وليس اى الرهينة صفة والا لقيل رهين لان فعيلا بمعنى مفعول لا تدخله التاء بل يستوى فيه المذكر والمؤنث الا ان يحمل على ما هو بمعنى الفاعل فانه يؤتى فى مؤنثه بالتاء كما فى عكسه فى قوله تعالى ان رحمة الله قريب من المحسنين قال الراغب قيل فى قوله كل نفس بما كسبت رهينة انه فعيل بمعنى فاعل اى ثابتة مقيمة وقيل بمعنى مفعول اى كل نفس مقامة فى جزآء ما قدم من علمها ولما كان الرهن يتصور من حبسه استعير ذلك للمحتبس اى شئ كان .(16/263)
إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39)
{ الا اصحاب اليمين } استثناء متصل من كل نفس لكثرتها فى المعنى واصحاب اليمين اهل الاعمال الصالحة من المؤمنين اى فانهم فاكون رقابهم بما احسنوا من اعمالهم كما يفك الراهن رهنه بأدآء الدين قال القاشانى كل نفس بمكسوبها رهن عند الله لا فكاك لها لاستيلاء هيئات اعمالها وآثار افعالها عليها ولزومها اياها وعدم انفكاكها عنها الا صحاب اليمين من السعدآء الذين تجردوا عن الهيئات الجسدانية وخلصوا الى مقام الفطرة ففكوا رقابهم من الرهن .(16/264)
فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41)
{ فى جنات } كأنه قيل ما بال اصحاب اليمين فقيل هم فى جنات لا يكتنه كنهها ولا يوصف وصفها كما دل عليا التنكير والمراد ان كلا منهم ينال جنة منها { يتساءلون عن المجرمين } تفاعل هنا بمعنى فعل اى يسألون المجرمين عن احوالهم وقد حذف المسئول الكونه عين المسئول عنه ولدلالة ما بعده عليه ( يروى ) ان الله يطلع اهل الجنة وهم فى الجنة حتى يرون اهل النار وهم فى النار فيسألونهم .(16/265)
مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42)
{ ما سلككم فى سقر } مقدر بقول هو حال مقدرة من فاعل يتساءلون اى قائلين اى شئ ادخلكم فيها وكان سبب لدخولكم من سلكت الخيط فى الابرة سلكا اى ادخلته فيها فهو من السلك بمعنى الادخال لا من السلوك بمعنى الذهاب فان قلت لم يسألونهم وهم عالمون بذلك قلت توبيخا لهم وتحسيرا ولتكون حكاية الله ذلك فى كتابه تذكرة للسامعين قرأ ابو عمر وسلكم بادغال الكاف فى الكاف والباقون بالاظهار { قالوا } اي المجرمون مجيبين للسائلين .(16/266)
قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43)
{ لم نك من المصلين } للصلوات الواجبة فعدم اقرارنا بفرضية الصلاة وعدم ادآئها سلكنا فيها أصله نكن حذف النون للتخفيف مع كثرة الاستعمال .(16/267)
وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44)
{ ولم نك نطعم المسكين } على معنى استمرار نفى الاطعام لا على نفى استمرار الطعام والمراد ايضا الاطعام الواجب والا فما ليس بواجب من الصلاة والاطعام لا يجوز التعذيب على تركه وكانوا يقولون أنطعم من لو يشاء الله اطعمه فكانوا لا يرحمون المساكين بالاطعام ولا يحضون عليه ايضا كما سبق ففيه ذم للبخل ودلالة عى ان الكفار مخاطبون بالفروع فى حق المؤآخذة قال فى التوضيح الكفار مخاطبون بالايمان والعقوبات والمعاملات اجماعا اما العبادات فهم مخاطبون بها فى حق المؤآخذة فى الآخرة اتفاقا ايضا لقوله تعالى ما سلككم فى سقر الآيات اما فى حق وجوب الآداء فمختلق فيه قال العراقيون من مشايخنا نعم وقال مشايخ ديارنالا وفى بعض التفاسير وللحنفى ان يقول هذا انما هو تأسف منهم على تفريطهم فى كسب الخير وحرمانهم مما ناله المصلون والمزكون من المؤمنين لا يلزم من ذلك ان يكونوا مأمورين بالعمل قبل الايمان .(16/268)
وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45)
{ وكنا نخوض مع الخائضين } اى نشرع فى الباطل مع الشارعين فيه والمراد بالباطل ذم النبى عليه السلام واصحابه رضى الله عنهم وغيبتهم وقولهم بانه شاعر او ساحر او كاهن وغير ذلك والخوض فى الاصل بمعنى الشروع مطلقا فى اى شئ كان ثم غلب فى العرف بمعنى الشروع فى الباطل والقبيح ومالا ينبغى وفى الحديث اكثر الناس ذنوبا يوم القيامة اكثرهم خوضا فى معصية الله .(16/269)
وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46)
{ وكنا نكذب بيوم الدين } اى بيوم الجزآء اضافوه الى الجزآء مع ان فيه من الدواهى والاهوال ما لا غاية له لانه ادهاها وانهم ملابسوه وقد مضت بقية الدواهى وتأخير جنايتهم هذه مع كونها اعظم من الكل اذ هو تكذيب القيامة وانكارها كفر والامور الثلاثة المتقدمة فسق لتفخيمها والترقى من القبيح الى القبيح كأنهم قالوا وكنا بعد ذلك كله مكذبين بيوم الدين ولبيان كون تكذيبهم به مقارنا لسائر جناياتهم المعدودة مستمرا الى آخر عمرهم حسبما ينطق به قولهم .(16/270)
حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47)
{ حتى اتانا اليقين } اى الموت ومقدماته فانه امر متقن لا شك فى اتيانه وبالفارسية نفد بما مرك ومقدمات او برهمان حال مرديم . فان قلت أيريدون ان كل واحد منهم بمجموع هذه الاربع دخل النار أم دخلها بعضهم بهذه وبعضهم بههذه قلت يحتمل الامرين جميعا كما فى الكشاف وفيه اشارة الى ان بقاءهم فى سقر الظبيعة انما كان بسبب هذه الرذآئل والذمائم .(16/271)
فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)
{ فما تنفعهم شفاعة الشافعين } من الانبياء والملائكة وغيرهم اى لو قدر اجتماعهم على شفاعتهم على سبيل فرض المحال لا تنفعهم تلك الشفاعة فليس المراد أيهم يشفعون لهم ولا تنفعهم شفاعتهم اذا الشفاعة يوم القيامة موقوفة على الاذن وقابلية المحل فلو وقعت من أذون للقابل قبلت والكافر ليس بقابل لها فلا اذن فى الشفاعة له فلا شفاعة ولا نفع فى الحقيقة وفيه دليل على صحة الشفاعة ونفعا يومئذ لعصاة المؤمنين والا لما كان لتخصيصهم بعدم منفعة الشفاعة وجه قال ابن مسعود رضى الله عنه تشفع الملائكة والنبيون والشهدآء والصالحون وجميع المؤمنين فلا يبقى فى النار الا اربعة ثم تلا قوله قالوا لم نكن من المصلين الى قوله بيوم الدين وقال ابن عباس رضى الله عنهما ان محمدا عليه السلام يشفع ثلاث مرات ثم تشفع الملائكة ثم الانبياء ثم الآباء ثم الابناء ثم يقول الله بقيت رحمتى ولا يدع فى النار الا من حرمت عليه الجنة ويقول الرجل من اهل النار لواحد من اهل الجنة يا فلان اما تعرفنى أنا الذى سقيتك شربة ويقول آخر أنا الذى وهب لك وضوأ ويقول آخر أطعمتك لقمة وآخر كسوتك خرقة وعلى هذا فيشفع له فيدخله الجنة اما قبل دخول النار او بعده .(16/272)
فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49)
{ فما لهم عن التذكرة معرضين } الفاء لترتيب أنكال اعراضهم عن القرءآن بغير سبب على ما قبلها من موجبات الاقبال عليه والاتعاظ به من سوء حال المكذبين ومعرضين حال من الضمير فى الجار الواقع خبرا لما الاستفهامية وعن متعلقة به اى فاذا كان حال المكذبين به على ما ذكر فأى شئ حصل لهم معرضين عن القرءآن مع تعاضد موجبات الاقبال عليه وتأكد الدواعى للايمان به وفى كشف الاسرار بس جه رسيدست ايشانرا كه ازجنين بندى روكردانيده انده يقال لاعراض يكون بالجحود وبترك الاتباع له .(16/273)
كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50)
{ كأنهم حمر مستنفرة } حال من المستكن فى معرضين بطريق التداخل وحمر جمع حمار وهو معروف ويكون وحشيا وهو المراد هنا ومستنفرة من نفرت الدواب بمعنى هربت لا من نفر الحاج والمعنى مشبهين بحمر نادرة يعنى خران رميدكان . فاستنفر بمعنى نفر كما ان استعجب بمعنى عجب وقال الزمخشرى كأنهم حمر تطلب النفار من نفوسها بسبب انهم جمعواهم نفوسهم للنفار وحملوه عليها فابقى السين على بابها من الطلب قال الراغب مستنفرة قد قرئ بفتح الفاء وكسرها فاذا كسر الفاء فمعناه نافرة واذا فتح فمعناه منفرة .(16/274)
فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51)
{ فرت من قسورة } اى من اسد لان الوحشية اذا عاينت الاسد تهرب اشد الهرب ومثل القسورة الحيدرة لفظا ومعنى وهى فعولة من القسر وهو القهر والغلبة لانه يغلب السباع ويهقرها قال ابن عباس رضى الله عنهما القسورة هو الاسد بلسان الحبشة وقيل هى جماعة الرماة الذين يتصيدونها ( وقال الكاشفى ) كريختنذ از شيريا از صياد ياريسمان دام يا مردم اتيرانداز يا آوازهاى مختلف . شبهوا فى اعرضهم عن القرءآن واستماع ملا فيه من المواعظ وشرادهم عنه بحمر جدت فى نفارها مما افزعها يعنى جمانجه خربيابانى ازايهامى كريزد ايشان ازاستماع قرآن مى كريزنذ زيراكه كوش سخن شنوودل بند بذبرندارند كما اشار اليه فى المثنوى ازكجا اين قوم وبيغام ازكجا از جمادى جان كجا باشد رجا
فهمهاى كج مج كوته نظر ... صد خيال بد در آرد در نكر
راز جزبان ازدان انباز نيست ... راز اندركوش منكر راز نيست
وفيه من ذمهم وتهجين حالهم ما لا يخفى يعنى ان فى تشبيهم بالحمر شهادة عليه بالبله ولا ترى مثل نفار حمر الوحش واطرادهم فى العدو اذا خافت من شئ ومن أراد اهانة غليظة لاحد والتشنيع عليه باشنع شئ شبهه بالحمار ( روى ) ان واحدا من العلماء كان يعظم الناس فى مسجد جامع وحوله جماعة كثيرة فرأى ذلك رجل من البله وكان قد فقد حماره فنادى للواعظ وقال انى فقدت حمارا فاسأل هذه الجماعة لعل واحدا منهم رآه فقال له الواعظ اقعد مكانك حتى ادلك عليه فقعد الرجل فاذا واحد من اهل المجلس قام واخذ فى أن يذهب فقال الواعظ للرجل خذ هذا فانه حمارك والمظاهر أنه قال ذلك القول اخذ من هذا الكلام فانه فر من تذكرة الملك العلام .(16/275)
بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52)
{ بل يريد كل امرء منهم ان يؤتى صحفا منشرة } عطف على مقدر يقتضيه المقام كأنه قيل لا يكفون بتلك التذكرة ولا يرضون أبا جهل بن هشام وعبد الله بن امية واصحابهما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لن نتبعك حتى تأتى كل واحد منا بكتاب من السماء او يصبح عند رأس كل رجل منا اوراق منشورة يعنى مهر بركرفته . عنوانها من رب العالمين لى فلان ابن فلان نؤمر فيها باتباعك اى بأن يقال اتبع محمدا فانه رسول من قبلى اليك كما قالوا ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرأه وامرئ قال فى القاموس المرء مثلثة الميم الانسان او الرجل ولا يجمع من لفظه ومع الف الوصل ثلاث لغات فتح الرآء دآئما واعرابها دآئما وأن مع صلته مفعول يريد وصحفا مفعول ثان ليؤتى والاول ضمير كل ومنشرة صفة صحف جمع صحيفة بمعنى الكتاب قال فى تاج المصادر وصحف منشرة شدد للكثرة .(16/276)
كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ (53)
{ كلا } ردع عن اقتراحهم الآيات ارادتهم ما ارادوه فانهم انما اقترحوها تعنتا وعنادا لا هدى ورشادا { بل لا يخافون الآخرة } لاستهلاكهم فى محبة الدنيا فلعدم خوفهم منها اعرضوا عن التذكرة لا لامتناع ايتاء الصحف .(16/277)
كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54)
{ كلا } ردع عن اعراضهم عن التذكرة { انه } الضمير فى انه وفى ذكره للتذكرة لانها بمعنى الذكر أو القرءآن كالموعظة بمعنى الوعظ والصيحة بمعنى الصوت { تذكرة } اى تذكرة فالتنوين للتعظيم اى تذكرة بليغة كافية وفى برهان القرءآن اى تذكير للحق وعدل اليها للفاصلة .(16/278)
فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55)
{ فمن } بس هركه { شاء } ان يذكره ويتعظ به نبل الحلول فى القبر { ذكره } اى جعله نصب عينه وحاز بسببه سعادة الدارين فانه ممكن من ذلك .(16/279)
وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)
{ وما يذكرون } بمجرد مشيئتهم للذكر كما هو المفهوم من ظاهر قوله تعالى فمن شاء ذكره اذ لا تأثير لمشيئة العبد وارادته فى افعاله وضمير الجمع اما ان يعود الى الكفرة لان الكلام فيهم او على من نظر الى عموم المعنى لشموله لكل من المكلفين { الا ان يشاء الله } اسثناء مفرغ من اعم العلل او من اعم الاحوال اى وما يذكرون لعلة من العلل او فى حال من الاحوال الا بأن يشاء الله او حال ان يشاء الله ذكرهم وهذا تصريح بأن افعال العبد بمشيئة الله لا بارادة نفسه قال فى عين المعانى فمن شاء الخ تخيير باعطاء المكنة لتحقيق العبودية وقوله الا ان يشاء الله تخيير امضاء القدرة لتحقيق الالوهية { هو } اى الله تعالى { اهل التقوى } اى حقيقى بأن يتقى عقابه ويؤمن به ويطاع فالتقوى مصدر من المبنى للمفعول { واهل المغفرة } حقيق بأن يغفر لمن آمن به واطاعه قال بعضهم التقوى هو التبرى من كل شئ سوى الله فمن زم الآداب فى التقوى فهو اهل المغفرة .(16/280)
لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1)
{ لا اقسم بيوم القيامة } لا صلة لتوكيد القسم وما كان لتوكيد مدخوله لا يدل على النفى وان كل فى الاصل للنفى قال الشاعر
يلى فاعترتنى صبابة ... كاد ضمير القلب لا يتقطع
والمعنى بالفارسية هرآبنه سوكند ميخورم بروز رستاخيز أو للنفى للكن لا لنفى نفس الاقسام بل لنفى ما ينبئ هو عنه من اعظام المقسم به وتفخيمه كأن معنى لا اقسم بكذا لا أعظمه باقسامى به حق اعظامه فانه حقيق باكثر من ذلك واكثر او لنفى كلام معهود قبل القسم ورده كأنهم انكروا البعث فقيل لا اى ليس الامر كذلك ثم قيل اقسم بيوم القيامة كقولك لا والله ان البعث حق واياما كان ففى الاقسام على تحقق البعث بيوم القيامة من الجزالة مالا مزيد عليه واما ما قيل من ان المعنى نفى الاقسام لوضوح الامر فبأباه تعيين المقسم به وتفخيم شأن القسم به قال المغيرة بن شعبة رحمه الله يقولون القيامة القيامة وانما قيامة احدهم موته وشهد علقمة جنازة فلما دفن قال اما هذا فقد قامت قيامته ونظمه بعضهم
الدنيا وقامت قيامتى ... داة اقل الحاملون حنازتى(16/281)
وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)
{ ولا اقسم بالنفس اللوامة } قال فى عين المعانى القسم بالشئ تنبيه على تعظيمه او ما فيه من لطفه الصنع وعظم النعمة وتكرير ذكر القسم تنبيه على ان كلا من المقسم به مقصود مستقل بالقسم لما ان له نوع فضل يقتضى ذلك واللوم عذل الانسان بنسبة ما فيه لوم والمراد بالنفس اللوامة هى النفس الواقعة بين الامارة والمطمئنة فلها وجهان .
وجه يلى النفس الامارة وهو وجه الاسلام فاذا نظرت الى المارة بهذا الوجه تلومها على ترك المتابعة والاقدام على المخالفة وتلوم ايضا نفساه على ما فات عنها فى الايام الماضية من الاعمال والطاعات والمراتعة فى المراتع الحيوانية الظلمانية . ووجه يلى النفس المطمئنة وهو وجه الايمان فاذا نظرت بهذا الوجه الى المطمئنة وتنورت بنورانيتها والصبغت بصبغتها تلوم ايضا نفسها على التقصيرات الواقعة منها والمحذورات الكائنة عليها فهى لا تزال لائمة لها قائمة على سوق لومها الى ان تتحقق بمقام الاطمئنان ولذلك استحقت ان اقسم الله بها على قيام البعث والنشر والحشر قال القاشانى جمع بين القيامة والنفس اللوامة فىلقسم بهما تعظيما لشأنهما وتناسبا بينهما اذ النفس اللوامة هى المصدقة بها المقرة بوقوعها المهيئة لاسبابها لانها تلوم نفسها أبدا فى التقصير والتقاعد عن الخيرات وان احسنت لحرصها على الزيادة فى الخير واعمال البر تيقنا بالجزآء فكيف بها ان اخطأت وفرطت وبدرت من بادرة غفلة ونسيانا انتهى هذا ودع عنك القيل والقال وجواب القسم محذوف دل عليه قوله تعالى .(16/282)
أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3)
{ ايحسب الانسان ان لن نجمع عظامهؤ وهو لببعثن والمراد بالانسان الجنس والاسناد الى الكل بحسب البعض كثير والهمزة لانكار الواقع واستقباحه وان مخففة من الثقيلة وضمير الشأن الذىهو اسمها محذوف والعظام جمع عظم وهو قصب الحيوان الذى عليه اللحم بالفارسية استخوان . ويجيئ جمع عظيم ايضا ككرام وكريم وكبار وكبير ومنه الموالى العظام والمعنى ايحسب الانسوان الذى ينكر البعث ان الشأن والحديث لن نجمع عظامه البالية فان ذلك حسبان باطل فانا نجمعها بعد تشتتها ورجوعها رميما ورفاتا مختلطا بالتراب وبعد ما نسفتها الرياح وطيرتها فى اقطار الارض وألقتها فى البحار لمجازاته بما عمل فى الدنيا وقيل ان عدى بن أبى ربيعة ختن الاخنس بن شريف وهما اللذان كان عليه السلام يقول فيهما اللهم اكفنى جارى السوء قال لرسول الله يا محمد حدثنى عن يوم القيامة متى يكون وكيف امره فأخبره فقال لو عاينت ذلك اليوم لم اصدقك يعنى اكذب حسى أو أيجمع الله هذه العظام فكون الكلام خارجا على قول المنكر كقوله من يجيى العظام وهى رميم وقيل ذكر العظام واراد نفسه كلها لان بالنسبة الى البعض والله قادر على الاحياء لا شبهة فيه بالنسبة الى العاقل المتفكر المستدل .(16/283)
بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)
{ بلى } ايجاب لما ذكر بعد النفى وهو الجمع اى نجمعها وبالفارسية آرى جمع كنيم . حال كوننا { قادرين } فهو حال مؤكدة من الضمير المستكن فى نجمع المقدر بعد بلى { على ان نسوى بنانه } اى نجمع سلامياته ونضم بعضها الى بعض كما كانت مع صغرها ولطافتها فكيف بكبار العظام وهو جمع سلامى كحبارى وهى العظام الصغار فى اليد والرجل وفى الحديث كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس اى على صاحبه صدقة من اى انواع الصدقة من قول وفعل ومال وفى القاموس البنان الاصابع او أطرافها قال الراغب البنان الاصابع قيل سميت بذلك لان بها اصلاح الاحوأل التى يمكن للانسان ان يبن بها ما يريد اى يقيم يقال ابن بالمكان بين لذلك خص فى قوله تعالى بلى قادرين على ان نسوى بنانه وقوله واضربوا منهم كل بنان خصه لاجل انها يقاتل بها ويدافع او المعنى على ان نسوى اصابعه التى هى اطرافه وآخر ما يتم به خلفه فالبنان مفرد اللفظ مجموع المعنى كالتمر وفيه جهتان الصغر وكونه طرفا فالى اى جهة نظر ثبت المطلوب بالاولية ولذا خص بالذكر ثم فى العظام اشارة الى كبار اعماله الحسنة والسيئة وفى البنان الى صغار افعاله الحسنة والسيئة فان الله تعالى يجمع كلا منهما ويجازى عليها .(16/284)
بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5)
{ بل يريد الانسان ليفجر امامه } الفجر شق الشئ شقا واسعا والفجور شق ستر الديانة وقال بعضهم الفجور الميل فالكاذب والمكذب والفاسق فاجر اى مائل عن الحق ومنه قول الاعرابى فى حق عمر رضى الله عنه .
اغفر له اللهم ان كان فجر اى كذب واللام للتأكيد مثل قوله وانصح لكم فى انصحكم وان يفجر مفعول يريد وقد يقال مفعوله محذوف يدل عليه قوله ليفجر امامه والتقدير يريد شهواته ومعاصيه وقال سعدى المفتى الظاهر ان يريد ههنا منزلة اللازم ومصدره مقدر بلام الاستغراق بمعونة المقام يعنى مقام تقبيح حال الانسان اى يوقع جميع ارادته ليفجر المضمون والاخذ فى بين ما عليه الانسان من انهماكه فى الفجور من غير عطف وقال غيره عطف على ايحسب اما على انه استفهام مثله اضرب عن التوبيخ بذلك الى التوبيخ بهذا او على انه ايجاب انتقل اليه من الاستفهام وهذا ابلغ واولى والمعنى بل يريد الانسان ليدوم على فجوره فيما بين يديه من الاوقات وفيام يستقبله من الزمان لا يرعوى عنه فالأمام ههنا مستعار للزمان من المكان وقال الراغب يريد الحياة ليتعاطى الفجور فيها وقيل معناه يذنب ويقول غدا اتوب ثم لا يفعل فيكون ذلك فجور البذلة عهدا لا يفى به ( وقال الكاشفى ) بلكه خواهد آدمى آنكه دروغ كويد بآنجه اورا دربيش است ازبعث وحساب . وفيه اشارة الى ان الانسان المحجوب يريد ليفجر أمامه بحسب الاعتقاد والنية قبل الاتيان بالفعل وذلك بالعزم المؤاخذ به على ما عرف فى محله .(16/285)
يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6)
{ يسأل } سؤال استبعاد واستهزآء { ايان } اصله اى آن وهو خبر مقدم لقوله { يوم القيامة } اى متى يكون والجملة استئناف تعليلى كأنه قيل ما يفعل حين يريد أن يفجر ويميل عن الحق فقيل يستهزئ ويقول ايان يوم القيامة او حال من الانسان فى قوله بل يريد الانسان اى ليس انكاره للبعث لاشتباه الامر وعدم قيام الدليل على صحة البعث بل يريد أن يستمر على فجوره فى حال كونه سائلا متى تكون القيامة فدل هذا الانكار على ان الانسان يميل بطبعه الى الشهوات والفكرة فى البعث تنغصها عليه فلا جرم ينكره ويابى عن الاقرار به فقوله ايحسب الانسان الخ دل على الشبخة والجهل وقوله بل يريد الخ على الشهوة والتجاهل فالآيتان بحسب الشخصين وفيه اشارة الى ان المحجوب يسأل ايان يوم القيامة لاحتجابه بنفسه الظلمانية لا يشاهد القيامة فى كل ساعة ولحظة بل كل لمحة وطرفة لتعاقب التجليين الافنائى والابقائى كما قال تعالى بل هم فى لبس من خلق جديد .(16/286)
فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7)
{ فاذا برق البصر } اى تحير واضطرب وجال فزعا من اهوال يوم القيامة من برق الرجل اذا نظر الى البرق فدهش ثم استعمل فى كل حيرة وان لم يكن هناك نظر الى البرق وهو واحد بروق السحاب ولمعانه .(16/287)
وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8)
{ وخسف القمر } اى ذهب ضؤوه فان خسف يستعمل لازما ومتعديا يقال خسف القمر وخسفه الله او ذهب نفسه من خسف المكان اى ذهب فى الارض ولكن هذا المعنى لا يناسب ما بعد الآية قال بعضهم اصل الخسف النقصان ويكون فى الوصف وفى الذات وفيه رد لمن عبد القمر فان القمر لو كان الها كمان عمه ابعابدلدفع عن نفسه الخسوف ولما ذهب ضؤوه قال فى فتح الرحمن الخسوف سنة مؤكدة فاذا كسفت الشمس او القمر فزعوا للصلاة وهى لكسوف الشمس ركعتان كهيئة النافلة ويصلى بهم امام الجمعة ويطيل القرآءة ولا يجهر ولا يخطب وخسوف القمر ليس له اجتماع يصلى الناس ان منازلهم ركعتين كسائر النوافل .(16/288)
وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)
{ وجمع الشمس والقمر } فى ذهاب الضوء كما روى عن النبى عليه السلام او جمع بينهما فى الطلوع من المغرب او فى الالقاء فى النار ليكون حسرة على من يعبدهما وجاز تكرار القمر لانه اخبر عنه بغير الخبر الاول وقال القاشانى فاذا برق البصر اى تحيرو دهش شاخصا من فزع الموت وخسف قمر القلب لذهاب نور العقل عنه وجمع شمس الروح وقمر القلب بأن جعلا شيأ واحدا طالعا من مغرب البدن لا يعتبر لهما رتبتان كما كان حال الحياة بل اتحدرا وحاواحدا انتهى .(16/289)
يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10)
{ يقول الانسان } المنكر للقيامة وهو عامل فى اذا { يومئذ } اى يوم اذ تقع هذه الامور قول الآيس من حيث انه لا يرى شيأ من علامات ممكنة للفرار كما يقول من أيس من وجدان زيد ابن زيد حيث لم يجد علامة اصابته { اين المفر } اى الفرار وقال سعدى المفتى ولعله لا منع من الابقاء على حقيقته والقول يصدون هذا الكلام بناء على توهمه لتحيره .(16/290)
كَلَّا لَا وَزَرَ (11)
{ كلا } ردع عن طلب المفر وتمنيه قال سعدى المفتى هذا لا يناسب ان يقوله قول الآيس اذ لا طلب حينئذ ثم قوله كلا من قول الله تعالى وجوز أن يكون من قول الانسان لنفسه وهو بعيد { لا وزر } لا ملجأ يعنى يناه كاه نباشد كافرانرا .
مستعار من الجبل فان الوزر محركة الجبل المنيع ثم يقال لكل ما لتجأت اليه وتحصنت به وزر تشبيها له به وخبر لا محذوف اى لا ملجأ ثمة او فى او وجود ومن بلاغات الزمخشرى اتل على كل من وزر كلالا وزر اى اتل عليا هذه الآية ومعنى وزر الاول بالفارسية كناه كردن . فان الوزر بالكسر الاثم وقال بعضهم
لعمرك ما فى الفتى من وزر ... من الموت يدركه والكبر
اى لا ملجأ للفار من الموت والكبر اذ كل منهما من الامر الالهى والامر المحكم القضاء المبرم يدرك الانسان لا محالة .(16/291)
إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12)
{ الى ربك يومئذ المستقر } اى اليه تعالى وحده استقرار العباد اى لا يتوجهون الا الى حيث امرهم الله من مقام حسابه او الى حكمه استقرار أمرهم فان الملك يومئذ لله فهو كقوله ان الى ربك الرجعى وان الى ربك المنتهى واليه ترجعون اى الى حيث لا حاكم ولا مالك سواه او الى مشيئته موضع قرارهم يدخل من يشاء الجنة ومن يشاء النار فيكون المستقر اسم مكان وهو مرفوع بالابتدآء والى ربك خبره ويومئذ معمول الى ربك ولا يجوز أن يكون معمول المستقر لانه ان كان مصدرا بمعنى الاستقرار فلا يتقدم معموله عليه وان كان اسم مكا فلا عمل له البتة وكذا الكلام فى قوله الى ربك يومئذ المساق ونحوه .(16/292)
يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)
{ ينبأ الانسان يومئذ } اى يخبر كل امرئ برا كان او فاجرا عند وزن الاعمال وحال العرض والمحاسبة والمخبر هو الله او الملك بأمره او كتابه ينشره { بما قدم } اى عمل من عمل خيرا كان او شرا فيثاب بالاول ويعاقب بالثانى { واخر } اى لم يعمل خيرا كان او شرا فيعاقب بالاول ويثاب بالثانى او بما قدم من حسنة او سيئة وبما اخر من حسنة او سيئة فعمل بها بعده او بما قدم من ماقل تصدق به فى حياته وبما اخر او وقفه او اوصى به او باول عمله وآخره ( شيخ الاسلام عبد الله الانصارى قدس سره ) فرموده كه كناه از بيش فرستى بجرأت ومال ازبس بكذارى بحسرت كناه رابتوبه نيست كن تانماند ومال را بصدقه بيش فرست تابماند
كرفرستى زبيش به باشد ... كه بحسرت زبس نكاه كنى
وفى الحديث « منكم من احد الا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ولا حجاب يحجبه فينظر ايمن منه فلا يرى الا ما قدم من عمله وينظر أشأم منه فلا يرى الا ما قدم وينظر بين يديه فلا برى الا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة »(16/293)
بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)
{ بل الانسان على نفسه بصيرة } الانسان مبتدأ وبصيرة خبره وعلى نفسه متعلق ببصيرة بتقدير على اعمال نفسه والموصوف محذوف اى بل هو حجة بصيرة وبينة واضحة على اعمال نفسه شاهدة جوارحه واعضاؤه بما صد عنه من الافعال السيئة كما يعرب عنه كلمة على وما سيأتى من الجملة الحالية ووصفه بالبصارة بمجازا فى الاسناد كما وصفت الآيات بالابصار فى قوله تعالى فملا جاءتهم آياتنا مبصرة او عين بصيرة او ذو بصيرة او التاء للمبالغة كما فى علامة ونسابة ومعنى بل الترقى اى ينبأ الانسان باعماله بل هو لا يحتاج الى ان يخبره غيره فانه يومئذ عالم بتفاصيل احواله شاهد على نفسه لان جورحه تنطق بذلك قال القاشانى بل الانسان حجة بينة يشهد بعلمه لبقاء هيئة اعماله المكتوبة عليه فى نفسه ورسوخها فى ذاته وصيرورة صفاته صور اعضائه فلا حاجة الى ان ينبأ من خارج
باش ناز صدمه صور سرافيلى شود ... صورت خوبت نهان وسيرت زشت آشكار(16/294)
وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)
{ ولو القى معاذيره } حال من المستكن فى بصيرة او من مرفوع ينبأ اى هو بصيرة على نفسه تشهد عليه جوارحه وتقبل شهادتها ولو جاء بكل معذرة يمكن ان يعتذر بها عن نفسه ويجادل عنها بأن يوقل مثلا لم افعل او فعلت لاجل كذا او لم اعمل او وجد مانع او كنت فقيرا ذا عيال او خفت فلانا او طمعت فى عطائه الى غير ذلك من المعاذير الغير النافعة
جه جندين عذر انكيزى وجندين حيله هاسازى ... جوميدانى كه ميدانم وميدانم كه ميدانى ... او ينبأ باعماله ولو اعتذر بكل عذر فى الذب عنها فان الذب والدفع لا رواح له يومئذ لانه يوم ظهور الحق بحقيقته والمعاذير اسم جمع للمعذرة كمناكير اسم جمع للمنكر وقيل جمع معذار وهو الستر بلغة اهل اليمن اى ولو ارخى متواره صعنى ان احتجابه واستتاره عن المخلوقات فى حال مباشرة المعصية فى الدنيا لا يغنى عنه شيأ لان عليه من نفسه بصيرة ومن الحفظة شهودا وفى الكشاف لانه يمنع رؤية المحتجب كما تمنع المعذرة عقوبة المذنب .(16/295)
لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)
{ لا تحرك به } اى بالقرءآن { لسانك } ما دام جبريل يقرأ ويلقى عليك { لتعجل به } اى بأخذه اى لتأخذه على عجلة مخافة ان ينفلت .(16/296)
إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)
{ ان علينا جمعه } فى صدرك بحكم الوعد بحيث لا يخفى عليك شئ من معانيه { وقرءآنه } بتقديره المضاف اى انبات قرآته فى لسانك بحيث تقرأه متى شئت فالقرءآن مصدر بمعنى القرآءة كالغفران بمعنى المغفرة مضاف الى مفعوله والقرآءة ضم الحروف والكلمات بعضها الى بعض فى الترتيل وليس يقال ذلك لكل جمع لا يقال قرأت القوم اذا جمعتهم .(16/297)
فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)
{ فاذا قرأناه } اى اتمنا قرآءته عليك بلسان جبريل واسناد القرآءة الى نون العظمة للمبالغة فى ايجاب التأنى { فاتبع قرءآنه } اى فاشرع فيه بعد فراغ جبريل منه بلا مهلة وقال ابن عباس رضى الله عنهما فاذا جمعناه واثبتناه فى صدرك فاعمل به وقال الواسطى رحمه الله جمعهه فى لاسر وقرءآنه فى العلانية .(16/298)
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)
{ ثم ان علينا بيانه } اى بيان ما اشكل عليك من معانيه واحكامه وسمى ما يشرح المجمل والمبهم من الكلام بيانا لكشفه عن المعنى المقصود اظهاره وفى ثم دليل على انه يجوز تأخير البيان عن وقت الخطاب لا عن وقت الحجابة الى العمل لانه تكليف بما لا يطاق قال اهل التفسير كان عليه السلام اذا لقن الوحى نازع جبريل القرآءة ولم يصبر الى ان يتمها مسارعة الى الحفظ وخوفا من ان يفلت منه فامر بأن يستنصت له ملقيا اليه قلبه وسمعه حتى يقض اليه الوحى كما قال تعالى ولا تعجل بالقرءآن من قبل ان يقضى اليك وحيه ثم يقضيه بالدراسة الى ان يرسخ فيه وعن بعض العارفين انه قال فيه اشارة الى صحة الاخذ عن الله بواسطة كائه تعالى يقول خذه عن جبريل كأنك ما علمته الا منه ولا تسابق بما عندك منا من غير واسطة واكابر المحققين يسمون هذه الجهة التى هى عدم الوسائط بالوجه الخاص والفلاسفة ينكرون هذا الوجه ويقولون لا ارتباط بين الحق والموجودات الا من جهة الاسباب والوسائط فليس عندهم ان يقول الانسان أخبرنى ربى اى لا وساطة وهم مخطئون فى هذا الحكم فانه لما كان ارتباط كل ممكن بالحق من حيث الممكن من جهتين جهة الواحدة وجهة الكثرة وجب ان تكون جهة والحجة بلا واسطة وهو الوجه الخاص وجهة الكثرة بواسطة وهو الوجه العام ولما كان نبينا عليه السلام اكمل الخلق فى جهة الوحدة لكون احكام كثرته وامكانه مستهلكة بالكلية فى وحة الحق واحكام وجوبه كان ياخذ عن الله بلا واسطة اى من الوجه الخاص وكان ينطبع فى قلبه ما يريد الحق ان يخبره به فاذا جاءه الكلام من جهة الوسائط اى من الوجه العام بصورة الالفاظ والعبارات التى استدعتها احوال المخاطبين كان يبادر اليه بالنطق به لعلمه بمعناه بسبب تلقيه ايار من حيث اللاواسطة لينفس عن نفس ما يجده من الكربة والشدة التى يلقاها مزجه من التنزل الروحانى فان الطبيعة تنزعج من ذلك للمباينة الثابتة بعد المزاج وبين الروح اللكى فعرف الحق نبينا عليه السلام ان القرءآن وان اخذته عنه من حيث معناه بلا واسطة فان انزلنا اياه مرة اخرى من جهة الوسائط يتضمن فوآئد زآئده منها مراعاة افهام المخاطبين به لان الخلق المخاطبين بالقرءآن حكم ارتباطهم بالحق انما هو من جهة سلسلة الترتيب والوسائط كما هو الظاهر بالنسبة الى اكثرهم فلا يفهمون عن الله الا من تلك الجهة ومنها معرفتك اكتساء تلك المعانى العبارة الكاملة وتستجلى فى مظاهرها من الحروف والكلمات فتجمع بين كمالاته الباطنة والظاهرة فيتجلى بها روحانيتك وجسمانيتك ثم يتعدى الامر منك الى امتك فيأخذ كل منهم حصته من علما وعملا فى قوله تعالى لا تحرك به لسانك الخ تعليم وتأديب اما التعليم فما اشير اليه من ان باب جهة الوحدة مسدود على اكثر الناس فلا يفهمون عن الله الى من الجهة المناسبة لحالهم وهى جهة الوسائط والكثرة الامكانية واما التأديب فانه لما كان الآتى بالوحى من الله جبريل فمتى بودر بذكر ما اتى به كان كالتعجيل له واظهار الاستغناء عنه وهذا خلل فى الادب بلا شك سيما مع المعلم المرشد ومن هذا التقرير عرف ان قوله تعالى لا تحرك به الخ واقع فى البين بطريق الاستطراد فانه لما كان من شأنه عليه السلام للاستعجال عند نزول كل وحى على ما سبق من الوجه ولم ينه عنه الى ان اوحى اليه هذه السورة من اولها الى قوله ولو ألقى معاذيره وعجل فى ذلك كسائر المرات نهى عنه بقوله لا تحرك الخ ثم عاد الكلام الى تكملة ما ابتدئ به من خطاب الناس ونظيره ما لو ألقى المدرس على الطالب مسألة وتشاغل الطالب بشئ لا يليق بمجلس الدرس فقال ألق الى بالك وتفهم ما اقول ثم كمل المسألة .(16/299)
يقول الفقير أيده الله القدير لاح لى فى سر المناسبة وجه لطيف ايضا وهو ان الله تعالى بين قبل قوله لا تحرك به الخ جمع العظام ومتفرقات العناصر التى هى اركان ظاهر الوجود ثم انتقل الى جمع القرءآن واجزآئه التى هى اساس باطن الوجود فقال بعد قوله ايحسب الانسان ان لن نجمع عظامه ان علينا جمعه فاجتمع الجمع بالجمع والحمدلله تعالى وقد تحير طائفة من قدماء الروافض خذلهم الله تعالى حيث لم يجدوا المناسبة فزعموا ان هذا القرءآن غير وبدل وزيد فيه ونقض وفى التأويلات النجمية اعلم ان كل ما استعد لاطلاق الشيئية عليه فله ملك وملكوت لقوله تعالى بيده ملكوت كل شئ والقرءآن اشرف الاشياء واكملها فله ايضا ملك وملكوت فاما ملكه فهو الاحكام والشرآئع الظاهرة التى تتعلق بمصالح الامة من العبادات المالية والبدنية والجنايات والوصايات وامثالها واما ملكوته فهو الاسرا الاليهة والحقائق اللاهوتية التى تتعلق ببواطن خواص الامة واخص الخواص بل بخلاص اخص الخواص من المكاشفات و والمشاهدات السرية والمعاينات الروحية ولكل واحد من الملك والملكوت مردكات يدرك بها لا غير لان الوجدانيات والذوقيات لا تسعها ألسنة العبارات لانها منقطع الاشارة فقوله لا تحرك الخ يشير الى عدم تعبيره بلسان الظاهر عن اسرار الباطن والحقائق الآبية عن تصرف العبارات فيها بالتعبير عنها وان مظهره الجامع جامع بين ملك القرءآن وملكوته وهو عليه السلام يتبع بظاهره ملكه وبباطنه ملكوته نسأل الله سبحانه ان يجعلنا من المتبعين للقرءآن فى كل زمان(16/300)
كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20)
{ كلا } عود الى تكملة ما ابتدئ به الكلام يعنى نه جنانست اى آدميان كه كمان برده آيد در امر عقبى { بل تحبون العاجلة } اى الدنيا يعنى دنياى شتاب كننده را .(16/301)
وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21)
{ وتذرون الآخرة } فلا تعملون لها بل تنكرونها وفى التأويلات النجمية تحبون نعمة شهوة الدنيا وتذرون نعمة خمول الآخرة والخطاب للامة .(16/302)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22)
{ وجوه يومئذ ناضرة } النضرة طراوة البشرة وجمالها وذلك من اثر التنعم والناضر الغض الناعم من كل شئ اى وجوه كثيرة وهى وجوه المؤمنين المخلصين يوم اذ تقوم القيامة بهية متهللة يشاهد عليها نضرة النعيم ورونقه كما قال تعالى فى آية اخرى تعرف فيه وجوههم نضره النعيم على ان وجوه مبتدأ وناضرة خبره ويومئذ منصوب بناضرة وصحة وقوع النكرة مبتدأ لان المقام مقام تفصيل .(16/303)
إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)
{ الى ربها ناظرة } قوله ناظرة خبر ثان للمبتدأ والى ربها متعلق بها والنظر تقليب البصر والبصيرة لادراك الشئ ورؤيته والمراد بنظر الوجوه نظر العيون التى فيها بطريق ذكر المحل وارادة الحال وهذا عند اهل القال واما عند اهل الحال فلا ينحصر النظر فى البصر والاجاء القيد والله منزه عن ذلك بل ينقلب الباطن ظاهرا والظاهر بصرا بجميع الاجزآء فيشاهد الحق به كما يشاهد بالبصيرة فى الدنيا والآخرة عالم اللطافة ولذا لا حكم للقالب والجسد الظاهر هنا وانما الحكم للقلب والروح الظاهر صور الاعضاء بهما فاعرب جداه بزركى را برسيدند كه
راه از كدام جانب است كفت ازجانب تونيست ... جون ازتو در كذشتى از همه جانباه راهست ... دون بصديقان بيا كردند وزان ره ساختند ... زجزبدل رفتن دران ره يك قدم را بار نيست ... والمعنى ان الوجوه تراه تعالى عيانا مستغرقة فى مطالعة جماله بحيث تغفل عما سواه وتشاهد تعالى بلا كيف ولا على جهة وحق لها ان تنضر وهى نتظر الى الخالق . مثل مؤمن مثل بازاست بازرا جون بكيرند وخواهندكه شايسته دست شاه كردد مدتى جشم او بدور وزند بندى بريايش نهند در خانه تاريك باز دارند از جفتش جدا كنند يك جندى بكر سنكيش متنى كنندنا ضعيف ونحيف كردد ووطن خويش فراموش كند وطبع كذاشتكى دست بدارد آنكه بعاقبت جشمش بكشايند شمعى بيش وى بيفروزند طبلى از بهروى بزنند طعمه كوشت ببش وى نهند ودست شاه مقروى سازند باخود كويد دركل عالم كرا بود اين كرامت كه مراست شمع بيش ديده من آواز طبل نوى من كوشت مرغ طعمه من دست شاه جاى من بر مثال اين حال جون خوانندكه بنده مؤمن رالحه خلت بوشانند وشراب محبت نوشاند باوى همين معاملت كنند مدتى در جهار روز كارى برين صفت بكذارند آنكه ناكاه طبل قيامت بزنند بنده از خاك لحد سر برآرد جشم كبشايد نور بهشت بيند دنيا فراموش كند شراب وصل نوش كند برمائده خلد بتشيند جنانجه آن بازجشم بازكند خودراردست شاه بيند بنده مؤمن جشم باز كندخودارا فقعد صدق بيند سلام ملك شنوديدار ملك بيتد ميان طوبى وزلفى وحسنى شادان ونازان درجلال وجمال حق نكران ايسنت كه رب العالمين كفت .
وفي هذا فى جميع الاحوال حتى ينافيه نظرها الى غيره من الاشياء الكثيرة والاولى ان التقديم للاهتمام ورعاية الفاصلة لان التقييد ببعض الاحوال تقييد بلا دليل ومناف لمقام المدح المقتضى لعموم الاحوال وغيرها مناسب لقوله وجوه يومئذ ناضرة لعمومه فى الاحوال ولو سلم فالاختصاص ادعائى فان النظر الى غيره فى جنب النظر اليه لا يعد نظرا بل هو بمنزلة العدم كما فى قوله زيد الجواد هكذا قالوا ولكن من اهل الجنة من فاز بالتجليى الذاتى الابدى الذى لا حجاب بعده ولا مستقر للكمل دونه وهو الذى اشار اليه عليه السلام بقوله صنف من اهل الجنة لا يستتر الرب عنهم ولا يحتجب وكان بذكره ايضا فى دعائه ويقوله واسألك لذة النظر الى وجهك الكريم ابد دآئما سرمدا دون ضرآء مضرة ولا فتنة مضلة فالضرآء المضرة حصول الحجاب بعد التجلى والتجلى بصفة تستلزم سدل الحجب والفتنة المضلة كل شبهة توجب خللا او نقصا فى العلم والضهود .(16/304)
آورده ان اورا دهريك ازاوتاد اين كلما تست اللهم انى أسألك النظرة الى وجهك الكريم هركس ببهشت آرزويى دارد وعاشق جزآرزوى ديدن ديدارندارد بير طريقت كفت بهره عارف دربهشت سه جيزاست سماع وشراب وديدار سماع را كفت { فهم فى روضة يحبرون } شراب را كفت { وسقاهم ربهم شرابا طهورا } ديدار كفت { وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناضرة } سماع بهره كوش شراب زبان كشايد ديدار صفت ربايد سماع مطلوب را نقد كند شراب را زجلوه كند ديدار عارف را فرد كندسماع را هفت اندام رهى كوش جونساقى اوست شراب همه نوش ديداررا زبر هرموى ديده روشن .
ثم ان جميع اهل السنة جملوا هذه الآية على انها متضمنة رؤيه المؤمنين لله تعالى بلا تكييف ولا تحديد ولا يصح تأويل من قال لا ضرر بها ونحوه وجعله الزمشرى كناية عن معنى التوقع والرجاء على معنى انهم لا يتوقعون النعمة والكرامة الا من ربهم كما كانوا فى الدنيا لا يخشون ولا يرجون الا اياه وجوابه انه لا يعدل الى الكناية بلا ضرورة داعية اليها جناتان من فضة آنيتهما ومائيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا الى ربهم الاردآء الكبرياء على وجهه حيث ان المعتزلة قالوا ان لاردآء حجاب بين المرتدى والناظرين فلا تمكن الرؤية فجوابه انهم حجبوا عن أن المرتدى لا يحجب عن الحجاب اذا المراد بالوجه الذات وبردآء الكبرياء هو العبد الكامل المخلوق على الصورة الجامعة للحقائق الامكانية والالهية يعنى ردآء كبرياء نفس مظهرست ومشاهده ذات بودن مظهرى محالست . والردآء هو الكبرياء واضافته للبيان والكبرياء ردآءه الذى يلبسه عقول العلماء بالله للتفهيم فلا ردآء هناك حقيقة فالرتبة الحجابية باقية ابدا وهو رتبة المظهر لانها كالمرءآة واما قوله عليه السلام حين سئل هل رأيت ربك ليلة المعراج فقال « نورأنى أراه » فمعناه ان النور المجرد لا تمكن رؤيته يعنى انما تتعذر الرؤية والادراك باعتبار تجرد الذات عن المظاهر والنسب والاضافات فاما فى المظاهر ومن ورآء حجابية المراتب فالادراك ممكن ومن المعتزلة من فسر النظر بالانتظار وجعل قوله الى اسماء مفربدا بمعنى النعمة مضافا الى الرب جمعه آلاء فيكون مفعولا مقدما لقوله ناظرة بمعنى منتظرة والتقدير وجوه يومئذ منتظرة نعمة ربها ورد بان الانتظار لا يسند الى الوجه سوآء أريد به المعنى الحقيقى او أريد به العين بطريق ذكر المحل وارادة الحال وتفسير الوجه بالذات وجملة الشخص خلاف الظاهر وبأن الانتظار لا يعدى بالى ان جعل حرفا واخذه بمعنى اللنعمة فى هذا المقام يخالف المعقول لان الانتظار يعد من الآلام ونعيم الجنة حاضر لاهلها ويخالف المنقول ايضا وهو أنه عليه السلام قال(16/305)
« أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر الى جنانه وازواجه ونعيمه وخدمه وسريره مسيرة ألف سنة » يعنى تاهزال ساله راه آنرا نيندوا كرمهم على الله من ينظر الى وجهه غدوة وعشية يعنى بمقدار ازان ثم قرأ عليه السلام وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة فقد فسر النظر بنظر العين والرؤية فظهر ان المخالف اتبع رأيه وهواه ( روى ) انه عليه السلام نظر الى القمر ليلة البدر فقال انكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون فى رؤيته وهو بفتح التاء وتشديد الميم من الضم أصله لا تتضامون اى لا ينضم بعضكم الى بعض ولا يول أرنيه بل كل ينفرد برؤيته وروى بتخفيف الميم من الضيم وهو الظلم فتكون التاء حينئذ مضمومة يعنى لا ينالكم ظلم بأن يرى بعضكم دون بعض بل تستوون كلكم فى رؤيته تعالى وهذا حديث مشهور تلقته الامة بالقبول ومعنى التشبيه فيه تشبيه الرؤية بالرؤية فى الوضوح لا تشبيه المرئى بالمرئى فثبت ان المؤمنين يرونه بغيره كيف ولا كم وضرب من مثال فينسون النعيم اذا رأوه في اخسران اهل الاعتزال وسئل مالك بن انس رضى الله عنهما عن قوله تعالى الى ربها ناظرة وقيل له ان قوما يقولون الى ثوابه فقال مالك كذبوا فأين هم عن قوله تعالى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم قال الناس ينظرون الى الله بأعينهم ولو لم ير المؤمنون ربهم يوم القيامة لم يعذب الله الكفار بالحجاب وقال صاحب العقد الفريد ومن اعتقد غير هذا فهو مبتدع زنديق وقد يشهد للمطلوب ويرد دعوى أهل البدعة أن الرؤية هى اللذة الكبرى فكيف يكون المؤمنون محرومين منها والدار دار اللذة فينبغى للمؤمنأن تكون همته من نعم الجنة نعمة اللقاء فان غيرها نعم بهيمية مشتركة قال بعض العارفين دلت الآية على ان القول ينظرون الى الله تعالى فى حال السحو والبسط لان النضرة من امارات البسط فلا يتداخلهم حياء ولا دهشة والا لتنغص عيشهم بل لو عاينوه بوصف الجلال الصرف لهلكوا فى اول سطوة من سطواته فهم يرونه فى حال الانس بنوره بل به يرونه وهنا لك وجود الارف كله عين يرى حبيبه بجميع وجوده تلك العيون مستفادة من تجلى الحق فقوم لهم بالنظر من فنسه الى نفسه ويظهر سر الوحدة بين العاشق والمعشوق والرؤية تقتضى بقاه الزآئى وهو من مقتضيات عالم الصفات واستهلاك العبد فى وجود الحق اتم كما هو مقتضى عالم الذات قال النصر ابادى قدس سره من الناس ناس طلبوا الرؤية واشتاقوا اليه تعالى ومنهم العارفون الذين اكتفوا برؤية الله لهم فقالوا رؤيتنا ونظرنا فيه علل ورؤيته ونظره بلا علة فهو أثم ركة واشمل نفعا وقال بعضهم القرب المذكور فى قوله تعالى ونحن اقرب اليه من حبل الوريد هو الذى منع الخلق عن الادراك للحق كما ان الهوآء لما كان مباشر لحاسة البصر لم يدركه البصر وكذلك الماء اذا غاص الغائص فيه وفتح عينيه يمنعه قربه من حاسة بصره أن يراه والحق اقرب الى الناس من نفسه فكان لا يرى لقربه كما انه تعالى لا يرى لبعده وعلو ذاته اين التراب من رب الارباب ولكن اذا أراد العبد أن يراه تنزل من علوه ورفع عبده الى رؤيته فرآءه به ولذلك قال عليه السلام(16/306)