ففعلوا فذهبت عنهم وفى هذه الغزوة اراد عليه السلام ان يتبرز فأمر الى شجرتين متباعدتين حتى اجتمعتا فاستتر بهما ثم قام فانطلقت كل واحدة الى مكانها وفى خيبر كان اكله من الشاة المسمومة وذلك ان زينب ابنة الحارث اخى مرحب سمتها واكثرت فى الذراعين والكتف لما عرفت انه عليه السلام كان يحب الذراع والكتف لكونهما ابعد من الاذى واهدتها له عليه السلام وكان قد صلى المغرب بالناس فلما انتهش من الذراع وازدرد لقمة ازدرد بشر ما فى فيه ومات من اكل معه وهو بشر بن البرآء واحتجم رسول الله بين الكفتين فى ثلاثة مواضع وقال « الحجامة فى الرأس هى المعينة امرنى بها جبرآئيل حين اكلت طعام اليهودية » وقد احتجم فى غير هذه الواقعة مرارا واحتجم وسط رأسه وكان يسميها منقذا وذلك انه لما سحره اليهودى ووصل المرض الى الذات المقدسة امر بالحجامة على قبة رأسه المباركة واستعمال الحجامة فى كل متضرر بالسحر غاية الحكمة ونهاية حسن المعالجة وفى الحديث « الحجامة فى الرأس شفاء من سبع من الجنون والصداع والجذام والبرص والنعاس ووجع الضرس وظلمة يجدها فى عينيه » والحجامة فى البلاد الحارة انفع من الفصد والاولى ان تكون فى الربع الثالث من الشهر لانه وقت هيجان الدم وعن ابى هريرة مرفوعا « من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة واحدى وعشرين كانت شفاء من كل داء والحجامة على الريق دواء وعلى الشبع دآء ويكره فى الاربعاء والسبت » ثم ارسل رسول الله الى تلك اليهودية فقال « أسممت هذه الشاة » فقالت من اخبرك قال « اخبرتنى هذه التى فى يدى اى الذراع » قالت نعم قال « ما حملك على ما صنعت » قالت قتلت ابى وعمى وزوجى ونلت من قومى ما نلت فقلت ان كان ملكا استرحنا منه وان كان نبيا فسيخبر فعفا عنها
زخوان معجزا وكرنوالة طلبى ... حديث برة برياشنوكه ما حضرست
فلما مات بشر امر بها فقتلت وصلبت وفى الاحياء اطعم عليه السلام السم فمات الذى اكل معه وعاش هو عليه السلام بعده اربع سنين انتهى قال الشيخ الشهير بأفتاده قدس سره انما لم يؤثر السم فى عمر حين جاء من قيصر لانه رضى الله عنه انما شرب بحقيقته لا ببشريته وانما اثر فى النبى عليه السلام بعد تنزله الى حالة بشريته وذلك ارشاده عليه السلام وان كان فى عالم التنزل غير ان تنزله كان فى مرتبة الروح وهى اعدل المراتب فلم يؤثر فيه حتى مضى عليه اثنتا عشرة سنة فلما احتضر عليه السلام تنزل الى ادنى المراتب لان الموت انما يجرى على البشرية فلما تنزل الى تلك المرتبة اثر فيه انتهى فانتقل عليه السلام من الدنيا بالشهادة فأحرز جميع المراتب من النبوة والرسالة والصديقية والشهادة يقول الفقير قوله اثنتا عشرة سنة وهكذا قال صاحب المحمدية وهو مخالف لما سبق عن الاحياء والحق ما فى الاحياء لان قصة السم كانت فى خيبر وقصة خيبر فى السنة السابعة من الهجرة فغير هذا وجهه غير ظاهر كما لا يخفى ولما كان زمان خلافة عمر رضى الله عنه ظهر خيانة اهل خيبر فأجلى يهود فدك ونصارى نجران لانه عليه السلام قال(14/17)
« لا يبقى دينان فى جزيرة العرب » وجزيرة العرب ما احاط به بحر الهند وبحر الشام ثم دجلة والفرات او ما بين عدن ابين الى اطراف الشام طولا ومن جدة الى ريف العراق عرضا كما فى القاموس(14/18)
وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (21)
{ وأخرى } عطف على هذه اى فعجل لكم هذه المغانم ومغانم اخرى { لم تقدروا عليها } وهى مغانم هوازن فى غزوة حنين فانهم لم يقدروا عليها الى عام الحديبية وانما قدروا عليها عقيب فتح مكة ووصفها بعدم القدرة عليها لما كان فيها من الجولة اى من تكرار الهزيمة والرجوع الى القتال قبل ذلك لزيادة ترغيبهم فيها يقال جال القوم جولة انكشفوا ثم كروا { قد أحاط الله بها } صفة اخرى لاخرى مفيدة لسهولة تأتيها بالنسبة الى قدرته تعالى بعد بيان صعوبة مثالها بالنظر الى قدرتهم اى قد قدر الله عليها واستولى واظهركم عليها وقيل حفظها عليكم لفتحكم ومنعها من غيركم يعنى جميع فتوح المسلمين قال ابن عباس رضى الله عنهما ومنه فتح قسطنطينية ورومية وعمورية ومدآثن فارس والروم والشام اما قسطنطينية فمشهورة وهى الآن دار السلطنة للسلاطين العثمانية واما رومية ويقال لها رومية الكبرى فمدينة عظيمة من مدن الروم مثل قسطنطينية واما عمورية بفتح العين المهملة وضم الميم المشددة وبالرىء فقد قال الامام اليافعى فى المرء آة هى التى يسميها اهل الروم انكورية هى مدنية كبيرة كانت مقر ملوكهم فتحها المعتصم بالله قال الراغب الاحاطة على وجهين احدهما فى الاجسام نحو احطت بمكان كذا وتستعمل فى الحفظ نحو كان الله بكل شئ محيطا اى حافظا له فى جميع جهاته وتستعمل فى المنع نحو الا ان يحاط بكم اى الا ان تمنعوا والثانى فى العلم نحو احاط بكل شئ علما فالاحاطة بالشئ علما هو ان يعلم وجوده وجنسه وقدره وكيفيته وغرضه المقصود به وبايجاده وما يكون به ومنه وذلك ليس يكون الا لله وقال بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه فنفى عنهم ذلك { وكان الله على كل شيء قديرا } لان قدرته تعالى ذاتية لا تختص بشئ دون شئ اى منتهية عنده غير متجاوزة عنه لان علتها لا تنتهى فتأمل ، اعلم ان المغازى غزوة حنين وهو اسم موضع قري من الطائف ويقال لها لغزوة حنين غزوة هوازن ويقال لها غزوة اوطاس باسم الموضع الذى كانت به الواقعة فى آخر الامر سببها انه لما فتح الله على رسوله مكة اطاعت له قبائل العرب الا هوازن وثقيفا فان اهلهما كانوا طغاة مردة فاجتمعوا الى حنين فلما وصل خبرهم الى رسول الله عليه السلام تبسم وقال « تلك غنيمة المسلمين غدا ان شاء الله تعالى » فأجمع على السير الى هوازن وخرج فى اثنى عشر الفا فلما قربوا من محل العدو صفهم واعطى لواء المهاجرين عليا رضى الله عنه ولوآء الخزرج الحباب بن المنذر رضى الله عنه ولوآء الاوس اسيد بن حضير رضى الله عنه وركب عليه السلام بغلته الشهباء التى يقال لها فضة قد اهداها له صاحب البلقاء وقيل هى دلدل التى اهداها له المقوقس ولبس درعين والمغفر والدرعان هما ذات الفضول والسغدية بالسين المهملة والغين المعجمة وهى درع داود عليه السلام التى لبسها حين قتل جالوت فلما كان بحنين وذلك عند غبش الصبح اى ظلمته وانحدروا فى الوادى خرج عليهم القوم وكانوا كمنوا لهم فى شعاب الوادى ومضايقه فحملوا عليهم حملة رجل واحد ورموهم بالنبل وكانوا رماة لا يسقط لهم سهم فأخذ المسلمون راجعين منهزمين لا يلوى احد على احد وانحاز رسول الله ذات اليمين ومعه نفر قليل منهم ابو بكر وعمر وعلى والعباس وابنه الفضل فقال عليه السلام(14/19)
« يا عباس اصرخ يا معشر الانصار يا اصحاب السمرة » يعنى الشجرة التى كانت تحتها بيعة الرضوان كان صيحا يسمع صوته من ثمانية اميال فأجابوا لبيك لبيك حتى انتهى اليه جمع فاقتتلوا ثم قبض عليه السلام قبضة من تراب واستقبل بها وجوههم فقال « شاهت الوجوه حم لا ينصرون انهزموا ورب محمد » ورماهم بالتراب فملئت اعينهم من التراب فولوا مدبرين فتبعهم المسلمون يقتلونهم ويأسرونهم ولما انهزم القوم عسكر بعضهم بأوطاس فبعث النبى عليه السلام فى آثارهم ابا عامر الاشعرى رضى الله عنه ورجع رسول الله الى معسكره يمشى فى المسلمين ويقول « من يدلنى على رجل خالد بن الوليد » حتى دل عليه فوجده قد اسند الى مؤخرة رحله لانه اثقل بالجراحة فنفل عليه السلام فى جرحه فبرئى وامر عليه السلام بالسبى والغنائم ان تجمع فجمع ذلك كله واخذوه الى الجعرانة بالكسر والعين المهملة موضع بين مكة و الطائف سمى بريطة بنت سعد وكانت تلقب بالجعرانة وهى المرادة فى قوله تعالى { ولا تكونوا كالتى نقضت غزلها } وكان بها الى ان انصرف رسول الله من غزموة الطائف ثم لما اتاها قسم تلك الغنائم وكان السبى ستة آلاف رأس والابل اربعة وعشرين الفا والغنم اكثر من اربعين الفا والفضة اربعة آلاف اوقية واحرم من الجعراننة بعمرة بعد ان اقام بها ثلث عشرة ليلة وقال « اعتمر منها سبعون نبيا » وقد اعتمر عليه السلام بعد الحجرة اربع عمر اولاها عمرة الحديبية والثانية عمرة القضاء من العام المقبل والثالثة عمرة الجعرانة والرابعة عمرته عليه السلام مع حجة الوداع وباقى البيان فى غزوة حنين وما يتصل بها قد سبق فى اوآئل التوبة عند قوله { لقد نصركم الله } الخ .(14/20)
وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22)
{ ولو قاتلكم الذين كفروا } اى اهل مكة ولم يصالحوكم وقيل حلفاء خيبر من بنى اسد وغطفان { لولوا الادبار } اى لانهزموا ولم يكن قتال وبالفارسية هر آينه بر كردانيدندى بشتهارا بكريز يعنى هزيمت كرديدى . فان تولية الادبار كناية عن الانهزام وكذا فى الفارسية كما قال . آن له من باشم كه روز جنك بيننى بشت من . و دبر الشئ خلاف القبل كالظهر والخلف { ثم لا يجدون وليا } يحرسهم { ولا نصيرا } ينصرهم(14/21)
سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23)
{ سنة الله التى قد خلت من قبل } اى سن الله غلبة انبيائه سنة قديمة فيمن خلا ومضى من الامم وهو قوله { لأغلبن انا ورسلى } فسنة الله مصدر مؤكد لفعله المحذوف { ولن تجد لسنة الله تبديلا } اى تغييرا بنقل الغلبة من الانبياء الى غيرهم .
مجالست جون دوست داردترا ... كه دردست دشمن كذاردترا
هرجه در ازل مقررشده لا محاله كائن خواهد شد ودست تصرف هيجكس رقم تغيير وتبديل وصفحات آن نخوا هد كشيد .
تغيير بحكم ازلى راه نيابد ... تبديل بفرمان قضا كار ندارد
در دائرة امركم وبيش نكنجد ... ياسر قدر جون وجرا كارندارد
وفى الآية اشارة الى مقاتلة النفوس المتمردة فالله تعالى ناصر السالكين على قتال النفوس وقد قدر النصرة فى الازل فلا تبديل لها الى الابد فالمنصور من نصره الله والمقهور من قهره الله ونصره الله على انواع فمنها نصرة فى الظالم فعن بعضهم كنا فى المدينة نتكلم فى بعض الاوقات فى آيات الله تعالى المنعم بها على اوليائه وكان رجل ضرير بالقرب منا يسمع ما نقول فتقدم الينا وقال أنست بكلامكم اعلموا انه كان لى عيال واطفال فخرجت الى البقيع احتطب فرأيت شابا عليه قميص كتان ونعله فى اصبعه فتوهمت انه تائه فقصدت ان اسلبه ثوبه فقلت له انزع ما عليك فقال لى مر فى حفظ فقلت له الثانية والثالثة فقال ولا بد قلت ولا بد فأشار بأصبعيه الى عينى فسقطتا فقلت بالله عليك من انت فقال انا ابراهيم الخواص وانما دعا ابرأهيم الخواص على اللص بالعمى ودعا ابراهيم بن ادهم للذى ضربه بالجنة لان الخواص شهد من اللص انه لا يتوب الا بعد العقوبة فرأى العقوبة اصلح له وابن ادهم لم يشهد توبة الضارب فى عقوبته فتفضل عليه بالدعاء له فتوة منه وكرما فحصلت البركة والخير بدعائه للضارب فجاءه مستغفرا معتذرا فقال له ابراهيم الرأس الذى يحتاج الى الاعتذار تركته ببلخ يعنى ان نخوة الشرف وكبر الرياسة الواقعة فى رأسى حين كنت ببلخ قد استبدلت بها تواضع المسكنة والانكسار ومنها نصرة فى الباطن فعن احمد بن ابى الحوارى رحمه الله قال كنت مع ابى سليمان الدارانى قدس سره فى طريق مكة فسقطت منى السطيحة اى المزادة فاخبرت ابا سليمان بذلك فقال يا راد الضالة فلم البث حتى اتى رجل يقول من سقطت منه سطيحة فاذا هى سطيحتى فأخذتها فقال ابو سليمان حسبت ان يتركنا بلا ماء يا احمد فمشينا قليلا وكان برد شديد وعلينا الفرآء فرأينا رجلا عليه طمران رثان وهو يترشح فقال له ابو سليمان نواسيك ببعض ما علينا فقال الحر والبرد خلقان من خلق الله تعالى ان امرهما غشيانى وان امرهما تركانى وانا اسير فى هذه البادية منذ ثلاثين سنة ما ارتعدت ولا انتفضت يلبسنى فيحاً من محبته فى الشتاء ويلبسنى فى الصيف مذاق برد محبته جمعى كه بشت كرم بعشق نيند ، ناز سمور ومنت ينجاب مى كشند ، يا دارانى تشير الى ثوب وتدع الزهد تجد البرد يا دارانى تبكى وتصحيح وتستريح الى الترويح فمضى ابو سليمان وقال لم يعرفنى غيره قيل فى هذه الحكاية ما معناه انه لما حقق الله يقين ابى سليمان فى رد السطيحة صانه من العجب بما رأه من حال هذا الرجل حتى صغر فى عينيه حال نفسه وتلك سنة الله فى اوليائه يصونهم من ملاحظة الاعمال ويصغر فى اعينهم ما يصفو لهم من الاحوال وينصرهم فى تذكية نفوسهم عن سفساف الاخلاق رضى الله عنهم ونفعنا بهم وسلك بنا مسالك طريقتهم انه هو الكريم المحسان(14/22)
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24)
{ وهو الذى كف ايديهم } اى ايدى كفار مكة { عنكم } اى بان حملهم على الفرار منكم مع كثرة عددهم وكونهم فى بلادهم بصدد الذنب عن اهليهم واولادهم { وايديكم عنهم } بان حملكم على الرجوع عنهم وتركهم { ببطن مكة } اى فى داخلها { من بعد ان اظفركم } اى جعلكم ظافرين غالبين { عليهم } وبالفارسية بس ازانكه ظفر دار شمار او غالب ساخت . مع ان العادة المستمرة فيمن ظفر بعدوه ان لا يتركه بل يستأصله والظفر الفوز واصله من ظفر اى نشب ظفره وذلك ان عكرمة بن ابى جهل خرج فى خمسمائة الى الحديبية فبعث رسول الله عليه السلام خالد بن الوليد على جند وسماء يومئذ سيف الله فهزمهم حتى ادخلهم حيطان مكة ثم عاد ذكره الطبرانى وابن ابى حاتم فى تفسيريهما قال سعدى المفتى لم يصح هذا والمذكور فى كتب السير وغيرها من الصحاح ان خالد بن الوليد كان يوم الحديبية طليعة للمشركين ارسلوه فى مائتى فارس فدنا فى خيله حتى نظر الى اصحاب رسول الله فأمر رسول الله عباد بن بشر رضى الله عنه فتقدم فى خيله فقام بازآئه وصف اصحابه وحانت العصر فصلى رسول الله باصحابه صلاة الخوف فكيف يصح ما ذكره وقد صح ان اسلام خالد بن الوليد اسلم بعد وقعة الحديبية وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان الله تعالى اظهر المسلمين عليهم بالحجارة حتى ادخلوهم البيوت يعنى ان جماعة من اهل مكة خرجوا يوم الحديبية يرمون المسلمين فرماهم المسلمون بالحجارة حتى ادخلوهم بيوت مكة فلما كان الكف على الوجه المذكور فى غاية البعد قال تعالى { وهو الذى } الخ على طريق الحصر استشهادا به على ما تقدم من قوله { ولو قاتلكم } الخ او هم ثمانون رجلا طلعوا على رسول الله من قبل التنعيم عند صلاة الصبح ليأخذوه بغتة ويقتلوا الاصحاب فأخذهم رسول الله فخلى سبيلهم فيكون المراد ببطن مكة وادى الحديبية لان بعضها من الحرم وفى المفردات اصل البطن الجارحة ويقال للجهة السفلى بطن وللجهة العليا ظهر وبه بطن الامر وبطن وفخذ وكاهل انتهى
يقول الفقير لا شك ان وادى الحديبية واقع فى الجهة السفلى من مكة لانه فى جانب جدة المحروسة فيكون المراد بالبطن تلك الجهة لا داخل مكة والمعنى والله تعالى اعلم ان الله هو الذى كف ايديهم عنكم وايديكم عنهم من الحديبية التى هى الجهة السفلى من مكة من بعد ان اقدركم عليهم بحيث لو قاتلتموهم غلبتهم عليهم بأذنه تعالى على ما كان فى علمه كما قال { ولو قاتلكم } الخ وسيأتى سر الكف فى الآية التى تلى هذه { وكان الله بما تعملون } من مقاتلتكم وهزمكم اياهم اولا طاعة لرسوله وكفكم عنهم ثانيا لتعظيم بيته الحرام وصيانة اهل الاسلام { بصيرا } عالما لا يخفى عليه شئ فيجازيكم بذلك وقال بعض العلماء من بعد ان اظفركم عليهم يوم الفتح وبه استشهد ابو حنيفة رحمه الله على ان مكة فتحت عنوة لا صلحا واما ان السورة نزلت قبله فلا يخالف لانه من الاخبار عن الغيب كقوله(14/23)
{ انا فتحنا لك } نعم يرد عليه منع دلالته على العنوة فقد يكون الظفر على البلد بالصلح وكذلك قال الزمخشرى فى اول السورة الفتح الظفر بالبلد عنوة او صلحا بحرب او بغير حرب كما فى حواشى سعدى المفتى وقال فى بحر العلوم ويدل على انها فتحت عنوة قوله تعالى { انا فتحنا لك فتحاً مبينا } لان لفظ الفتح اذا ورد مطلقا لا يقع الا على ما فتح عنوة انتهى .
يقول الفقير هذا ليس من قبيل الفتح المطلق ولو سلم فالفتح المطلق لا يدل عليه ولذا قارنه تعالى بالنصرة فى سورة النصر فان النصر يقتضى القهارية لا الفتح وقال فى عين المعانى وقد فتحت صلحا عند الشافعى قلنا بل عنوة لقوله عليه السلام لاصحابه « احصدوهم بالسيف حصدا » الا انه لم يضع الجزية على اهلها ولا الخراج على اراضيها كما هو مذهبنا فيما يفتح عنوة لان مشركى العرب لا يقبل منهم الا الاسلام او السيف عندنا واما سواد الكوفة ارض العجم انتهى
وقصة فتح مكة على الاحمال ان الفتح كان فى شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة وكان السبب فى ذلك نقض عهد وقع من جانب قريش وذلك ان شخصا من بنى بكر هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصار يتغنى به فسمعه غلام من خزاعة وكانوا مسلمين فضربه فشبحه فثار الشر بين الحيين وامد قريش لبنى بكر على خزاعة فبيتوا خزاعة اى اتوهم ليلا على غفلة فقتلوا منهم عشرين ولم يكن ذلك برأى ابى سفيان رئيس قريش وعند ما بلغه الخبر قال حدثتنى زوجتى هند انها رأت رؤيا كرهتها رأت دما اقبل من الحجون يسيل حتى وقف بالخندمة بالخاء العجمة جبل بمكة والحجون بالحاء المهملة جبل بمعلاة مكة وقال والله ليغزونا محمد فكره القوم ذلك وخرج عمرو بن سالم الخزاعى حتى قدم المدينة وقص على رسول الله القصة فقال عليه السلام « نصرت يا عمرو بن سالم » ودمعت عينا رسول الله وكان يقول « خزاعة منى وانا منهم » قالت عائشة رضى الله عنها اترى قريشا تجترئ على نقض العهد الذى بينك وبينهم فقال عليه السلام « ينقضون العهد الامر يريده الله » فقلت خير قال « خير » ولما ندمت قريش على نقض العهد ارسلوا ابا سفيان ليشد العقد ويزيد فى المدة فقال عليه السلام(14/24)
« نحن على مدتنا وصلحنا » ولم يقبل ذلك من ابى سفيان ولا احد من اصحابه فرجع الى مكة واخبر القصة وقال والله قد ابى على وقد تتبعت اصحابه فما رأيت قوما لملك عليهم اطوع منهم له ثم ان رسول الله تشاور مع ابى بكر وعمر رضى الله عنهما فى السير الى مكة واخفى الامر عن غيرهما فقال ابو بكر هم قومك يا رسول الله فأشار الى عدم السير وحضه عمر حيث قال هم رأس الكفرة زعموا انك ساحر وانك كذاب وذكر له كل سوء كانوا يقولونه وايم الله لا تذل العرب حتى تذل اهل مكة فعند ذلك ذكر عليه السلام ان أبا بكر كابراهيم وكان فى الله ألين من اللبن وان عمر كنوح وكان فى الله اشد من الحجر وان الامر أمر عمر واشار عليه السلام بطى السر وامر أصحابه بالجهاز وارسل الى اهل البادية ومن حوله من المسلمين فى كل ناحية يقول لهم « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحضر رمضان بالمدينة » ولما قدموا قال عليه السلام « اللهم خذ العيون والاخبار من قريش حتى نبغتها فى بلادها » ثم مضى لسفره لعشر خلون من رمضان او غير ذلك وكان العسكر عشرة آلاف فيهم المهاجرون والانصار جميعا وافطر عليه السلام فى هذا السفر بالكديد وهو كأمير محل بين عسفان وقديد كزبير مصغرا وامر بالافطار وعد مخالفته فى ذلك عصيانا لحرارة الهوآء ولما فيه من القوة على مقاتلة العدو وفى قديد عقد عليه السلام الألوية والرايات ودفعها للقبائل ثم سار حتى مر بمر الظهران وهو موضع على مرحلة من مكة وقد أعمى الله الاخبار عن قريش اجابه لدعائه فلم يعلموا بوصوله وكان ذلك منه عليه السلام شفقة على قريش حتى لا يضنوا بالمقاتلة وامر عليه السلام اصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار وجعل على الحرس عمر بن الخطاب رضى الله عنه وكان العباس عم النبى عليه السلام قد خرج قبل ذلك بعياله مسلما اى مظهرا للاسلام مهاجرا فلقى رسول الله بالجحفة وهو بتقديم الجيم ميقات اهل الشأم فرجع معه الى مكة وارسل اهله وثقله الى المدينة وقال له عليه السلام « هجرتك يا عم آخر هجرة كما ان نبوتى آخر نبوة » وبعث قريش ابا سفيان يتجسس الاخبار وقالوا ان لقيت محمدا فخذلنا منه امانا فلما وصل الى مر الظهران ليلا قال ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا ه كنيران عرفة وكان بينه وبين العباس مصادقة فلما لقيه اخذ بيده وذهب به الى رسول الله ليأخذ منه اماناله فلما اتاه قال عليه السلام « اذهب به يا عباس الى رحلك فاذا اصبحت فائتنى به » فلما اتى به عرض النبى عليه السلام عليه الاسلام فتوقف فقال العباس له ويحك اسلم واشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله قبل ان يضرب عنقك فهداه الله فشهد شهادة الحق فأسلم ثم قال يا رسول الله ارأيت ان اعتزلت قريش فكفت ايديها آمنون هم قال عليه السلام(14/25)
« نعم من كف يده وأغلق داره فهو آمن » فقال العباس يا رسول الله ان ابا سفيان يحب الفخر فاجعل له شيأ قال « نعم من دخل دار ابى سفيان فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن اغلق بابه فهو آمن ومن القى سلاحه فهو آمن ومن دخل دار حكيم بن حزام » وهو من اشراف قريش فى الجاهلية والاسلام « فهو آمن » وعقد عليه السلام لابى رويحة الذى آخى بينه وبين بلال رضى الله عنه لوآء وامره ان ينادى من دخل تحت لوآء ابى رويحة فهو آمن وذلك توسعة للامان لضيق المسجد ودار ابى سفيان واستثنى عليه السلام جماعة من النساء والرجال امر بقتلهم وان وجدوا متعلقين بأستار الكعبة منهم اين خطل ونجوه لان الكعبة لا تعيذ عاصيا ولا تمنع من إقامة حد واجب وكانوا طغاة مردة مؤذين لرسول الله عليه السلام اشد الاذى فعفا عمن آمن وقتل من اصر وقال عليه السلام للعباس « احبس ابا سفيان فى مضيق الوادى حتى تمر به جنود الله فيراها » فأول من مر خالد بن الوليد فى بنى سليم مصغرا ثم قبيلة بعد قبيلة براياتهم حتى مر رسول الله ومعه المهاجرون والانصار وعمر رضى الله عنه يقول رويدا حتى يلحق اولكم آخركم قال ابو سفيان سبحان الله يا عباس من هؤلاء فقال هذا رسول الله فى الانصار عليهم سعد بن عبادة معه الراية ثم نزعت منه واعطيت لابنه قيس وكان من دهاة العرب واهل الرأى والمكيدة فى الحرب مع النجدة والبالة وكان المهاجرون سبعمائة ومعهم ثلاثمائة فرس وكانت الانصار اربعة آلاف ومعهم خمسمائة فرس فقال ابو سفيان ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة وقال يا عباس لقد اصبح ملك ابن اخيك اليوم عظيما فقال العباس انها النبوة وامر عليه السلام خالد بن الوليد ان يدخل مع جملة من قبائل العرب من اسفل مكة وقال « لا تقاتلوا الا من قاتلكم » وجمع قريش ناسا بالحندمة ليقاتلوا ولما لقيهم خالد منعوه الدخول ورموه بالنبل فصاح خالد فى اصحابه فقتل من قتل وانهزم من لم يقتل حتى وصل خالد الى باب المسجد وقال عليه السلام فى ذلك اليوم « احصدوهم حصدا حتى توافونى بالصفا » ودخل عليه السلام مكة وهو راكب على ناقته القصوآء مردفا اسامة بن زيد بكرة يوم الجمعة وعن بعضهم يوم الاثنين معتما بعمامة سودآء وقيل غير ذلك والاول انسب بمقام المعرفة والفناء واضعا رأسه الشريف على رحله تواضعا الله تعالى حين رأى ما رأى من فتح الله مكة وكثرة المسلمين ثم قال(14/26)
« اللهم ان العيش عيش الآخرة » وعن عائشة رضى الله عنها دخل رسول الله يوم الفتح من كدآء وهو كسماء جبل بأعلى مكة واغتسل لدخول مكة وساروهو يقرأ سورة الفتح حتى جاء البيت وطاف به سبعا على راحلته ومحمد بن مسلمة آخذ بزمامها واستلم الحجر بمحجن فى يده وهو العصا المعوجة ولم يطف ماشيا لتعليم الناس كيفية الطواف وصلى عليه السلام بالمقام ركعتين وهو يومئذ لاصق بالكعبة فى جانب الباب ثم اخره الى المحل المعروف الآن بمقام ابراهيم والظاهر ان مقام ابراهيم وهو الحجر الذى انغمس فيه قدم ابراهيم عليه السلام عندما بنى البيت قد محى اثره بكثرة مسح الايدى ثم فقد ومقام ابراهيم الآن مخل ذلك الحجر واما الحجر الموضوع هناك فموضوع وكان فى داخل الكعبة وخارجها وفوقها يومئذ ثلاثمائة وستون صنما لكل حى من احياء العرب صنم وكان هبل اعظم الاصنام وكان من عقيق الى جنب البيت من جهة بابه وهو الآن مطروح تحت باب السلام القديم يطأه الناس الى يوم القيامة لقول ابى سفيان يوم احد مفتخرا بذلك اعل هبل اعل هبل وذلك لان من اعزه الناس اذله الله فجاء عليه السلام ومعه قضيب فجعل يهوى به الى كل صنم منهم فيخر لوجهه وكان يقول « جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا » وامر عليا رضى الله عنه فصعد الكعبة وكسر ما فوقها ودخل عليه السلام الكعبة بعد ان ارسل بلالا الى عثمان بن ابى طلحة يأتى بمفتاح الكعبة فدخلها عليه السلام وصلى ركعتين ودعا فى نواحيها كلها وكان فى الكعبة صور كثيرة حتى صورة ابراهيم واسمعيل ومريم وصور الملائكة فأمر عليه السلام عمر رضى الله عنه فمحاها كلها وكانت الكعبة بيت الاصنام الف سنة ثم صارت مسجد اهل الاسلام الف سنة اخرى وكانت تشكو الى الله تعالى مما فعله الناس من الشرك حتى انجز الله وعده لها وفيه اشارة الى كعبة القلب فانها كانت بيت الاصنام قبل الفتح والامداد الملكوتى واعظم الاصنام الوجود ( قال الشيخ المغربى )
بودوجود مغربى لات ومنات اوبود ... نسبت بتى جوبود اودرهمه سومنات تو
( وقال الحجندى )
بشكن بت غروركه دردرن عاشقان ... يك بت كه كنندبه ازصد عبادتست
( وقال )
مدعى نيست محرم دريار ... خادم كعبه بولهب نبود
وجلس رسول الله يوم الفتح على الصفا يبايع الناس فجاء الكبار والصغار والرجال والنساء فبايعهم على الاسلام اى على شهادة ان لا اله الا الله وان محمداً عبده ورسوله وعلى سائر الاحكام ودخل الناس فى دين الله افواجا وعفا عليه السلام عمن كان مؤذياله منذ عشرين سنة ودعا له بالمغفرة وقال عليه السلام(14/27)
« يا ايها الناس ان الله حرم مكة يوم خلق السموات والارض ويوم خلق الشمس والقمر ووضع هذين الجبلين فهى حرام الى يوم القيامة فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر ان يسفك فيها دما ولا يعضد فيها شجرة لم تحل لاحد قبلى ولن تحل لاحد يكون بعدى ولا تحل لى الا هذه الساعة » اى من صبيحة يوم الفتح الى العصر غضبا على اهلها « ألا قد رجعت حرمتها اليوم كحرمتها بالامس فليبلغ الشاهد منكم الغائب واقام بمكة بعد فتحها تسعة عشر او ثمانية عشر يوما يقصر الصلاة فى مدة اقامة » ثم خرج الا هوازن وثقيف كما مر وولى امر مكة عتاب بن اسيد رضى الله عنه وعمره احدى وعشرون سنة وامره ان يصلى بالناس وهو اول امير صلى بمكة بعد الفتح جماعة وترك معاذ بن جبل رضى الله عنه معه معلما للناس السنن والفقه وبه ثبت الاستخلاف وعليه العمل الى يومنا هذا فان النبى انما يبعث لرفع الجهل وقس عليه اولى جعلنا الله واياكم من الورائين(14/28)
هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25)
{ هم } اى قريش { الذين كفرو وصدوكم عن المسجد الحرام } اى منعوكم عن ان تطوفوا به { والهدى } اى وصدوا الهدى وهو بالنصب عطف على الضمير المنصوب فى صدوكم والهدى بسكون الدال جمع هدية كتمر وتمرة وجدى وجدية وهو مختص بما يهدى الى البيت تقربا الى الله تعالى من النعم ايسره شاة واوسطه بقرة واعلاه بدنة يقال اهديت له واهديت اليه ويجوز تشديد الياء فيكون جمع { معكوفا } حال من الهدى اى محبوسا يقال عكفته عن كذا اذا حبسته ومنه العاكف فى المسجد لانه حبس نفسه { ان يبلغ محله } بدل اشتمال من الهدى او منصوب بنزع الخافض اى محبوسا من ان يبلغ مكانه الذى يحل فيه نحره اى يجب فالمحل اسم للمكان الذى ينحر فيه الهدى فهو من الحلول لا من الحل الذى هو ضد الحرمة قال فى المفردات حل الدين حلولا وجب ادآؤه وحللت نزلت من حل الاحمال عندالنزول ثم جرد استعماله للنزول والمحلة مكان النزول انتهى وبه استدل ابو حنيفة على ان المحصر محل هديه الحرم فان بعض الحديبية كان من الحرم قال فى بحر العلوم الحديبية طرف الحرم على تسعة اميال من مكة وروى ان خيامه عليه السلام كانت فى الحل ومصلاه فى الحرم وهناك نحرت هداياه عليه السلام وهى سبعون بدنة والمراد صدها عن محلها المعهود الذى هو منى للحاج وعند الصفا للمعتمر وعند الشافعى لا يختص دم الاحصار بالحرم فيجوز أن يذبح فى الموضع الذى احصر فيه . بين تعالى استحقاق كفار مكة للعقوبة بثلاثة اشياء كفرهم فى انفسهم وصد المؤمنين عن اتمام عمرتهم وصد هديهم عن بلوغ المحل فهم مع هذه الافعال القبيحة كانوا يستحقون أن يقاتلوا او يقتلوا الا انه تعالى كف ايدى كل فريق عن صاحبه محافظة على ما فى مكة من المؤمنين المستضعفين ليخرجوا منها او يدخلوها على وجه لا يكون فيه ايذآء من فيها من المؤمنين والمؤمنات كما قال تعالى { ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم } لم تعرفوهم بأعيانهم الاختلاطهم وهو صفة الرجال ونساء جميعا وكانوا بمكة وهم أثنان وسبعون نفسا يكتمون ايمانهم { أن تطأوهم } بدل اشتمال منهم او من الضمير المنصوب فى تعلموهم اى توقعوا بهم وتهلكوهم فان الوطأ عبارة عن الايقاع والاهلاك والابادة على طريق ذكر الملزوم وارادة اللازم لان الوطأ تحت الاقدام مستلزم للاهلاك ومنه قوله عليه السلام « اللهم اشدد وطأتك على مضر » اى خذهم اخذا شديدا او فى المفردات اى ذللهم ووطئ امرأته كناية عن المجامعة صار كالتصريح للعرف { فتصيبكم منهم } اى من جهتهم معطوف على قوله { ان تطأوهم } { معرة } مفعلة من عره اذا عراه ودهاه بما يكرهه ويشق عليه وفى المفردات العر الجرب الذى يعر البدن اى يعترضه ومنه قيل للمضرة معرة تشبيها بالعر الذى هو الجرب والمعنى مشقة ومكروه كوجوب الدية او الكفارة بقتلهم والتأسف عليهم وتعيير الكفار وسوء حالتهم والاثم بالتقصير فى البحث عنهم قال سعدى المفتى قلت فى المذهب الحنفى لا يلزم بقتل مثله شئ من الدية والكفارة وما ذكره الزمخشرى لا يوافق مذهبه انتهى وقال بعضهم اوجب الله على قاتل المؤمن فى دار الحرب اذا لم يعلم ايمانه الكفارة فقال تعالى(14/29)
{ فان كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة } { بغير علم } متعلق بأن تطأوهم اى غير عالمين بهم فيصيبكم بذلك مكروه لما كف ايديكم عنهم وفى هذا الحذف دليل على شدة غضب الله تعالى على كفار مكة كأنه قيل لولا حق المؤمنين موجود لفعل بهم ما لا يدخل تحت الوصف والقياس بناء على ان الحذف للتعميم والمبالغة { ليدخل الله فى رحمته } متعلق بما يدل عليه الجواب المحذوف كأنه قيل عقيبه لكن كفها عنهم ليدخل بذلك الكف المؤدى الى الفتح بلا محذور فى رحمته الواسعة بقسميها { من يشاء } وهم المؤمنون فانهم كانوا خارجين من الرحمة الدنيوية التى من جملتها الأمن مستضعفين تحت ايدى الكفرة واما الرحمة الاخروية فهم وان كانوا غير محرومين منها بالكلية لكنهم كانوا قاصرين فى اقامة مراسم العبادة كما ينبغى فتوفيقهم لاقامتها على الوجه الاتم ادخال لهم فى الرحمة الاخروية { لو تزيلوا } الضمير للفريقين اى لو تفرقوا وتميز بعضهم من بعض من زاله يزيله فرقه وزيلته فتزيل اى فرقته فتفرق { لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا اليما } بقتل مقاتليهم وسبى ذراريهم والجملة مستأنفة مقررة لما قبلها وفى الآية اشارتان احداهما ان من خاصية النفس أن تصد وجه الطالب عن الله تعالى وتشوب الخيرات والصدقات التى يتقرب بها الى الله بالرياء والسمعة والعجب لئلا تبلغ محل الصدق والاخلاص والقبول والثانية ان استبقاء النفوس لاستخلاص الارواح وقواها مع ان بعض صفات النفس قابلة للفيض الالهى فيلزم الحذر من افساد استعدادها لقبول الفيض وعند التزكية فصفة لا يصلح الا قلعها كالكبر والشره والحسد والحقد وصفة تصلح للتبديل كالبخل بالسخاوة والحرص بالقناعة والغضب بالحلم والجبانة بالشجاعة والشهوة بالمحبة قال البقلى انظر كيف سفقة الله على المؤمنين الذين يراقبون الله فى السرآء والضرآء ويرضون ببلائه كيف حرسهم من الخطرات وكيف اخفاهم بسره عن صدمات قهره وكيف جعلهم فى كنفه حتى لا يطلع عليه احد وكيف يدفع ببركتهم البلاء عن غيرهم فعلى المؤمن مراعاتهم فى جميع الزمان والتوسل بهم الى الله المنان فانهم وسائل الله الخفية
بخود سرفرو برده همجون صدف ... نه ما نند در يا بر آورده كف(14/30)
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26)
{ اذ جعل الذين كفروا } منصوب باذكر على المفعولية اى اذكر وقت جعل الكافرين يعنى اهل مكة { فى قلوبهم الحمية } اى الانفة والتكبر فعيلة من حمى من كذا حمية اذا انف منه وفى المفردات عبر عن القوة الغضبية اذا ثارت وكثرت بالحمسة يقال حميت على فلان اى غضبت عليه انتهى وذلك لان فى الغضب ثوران دم القلب وحرارته وغليانه والجار والمجرور اما متعلق بالجعل على انه بمعنى الالقاء او بمحذوف وهو مفعول ثان على انه بمعنى التصيير اى جعلوها ثابتة راسخة فى قلوبهم { حمية الجاهلية } بدل من الحمية اى حمية الملة الجاهلية وهى ما كانت قبل البعثة او الحمية الناشئة من الجاهلية التى تمنع اذعان الحق قال الزهرى حميتهم انفتهم من الاقرار للنبى بالرسالة والاستفتاح ببسم الله الرحمن الرحيم او منعهم من دخول مكة وقال مقاتل قال اهل مكة قد قتلو ابناءنا واخواننا ثم يدخلون علينا فتتحدث العرب انهم دخلوا علينا على رغم انفنا واللات والعزى لا يدخلون علينا فهذه حمية الجاهلية التى دخلت فى قلوبهم { فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين } عطف على جعل والمراد تذكير حسن صنيع الرسول والمؤمنين بتوفيق الله تعالى وسوء صنيع الكفرة اى فأنزل الله عليهم الثبات والوقار فلم يلحق بهم ما لحق الكفار فصالحوهم ورضوا أن يكتب الكتاب على ما ارادوا يروى انه لما ابى سهيل ومن معه أن يكتب فى عنوان كتاب الصلح البسملة وهذا ما صالح عليه رسول اهل مكة بل قالوا اكتب باسمك اللهم وهذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله اهل مكة قال عليه السلام لعلى رضى الله عنه اكتب ما يريدون فهم المؤمنون أن يأبوا ذلك ويبطشوا بهم فأنزل الله السكينة عليهم فتوقروا وحلموا مع ان اصل الصلح لم يكن عندهم بمحل من القبول فى اول الامر على ما سبق فى اول السورة مفصلا { وألزمهم كلمة التقوى } اى كلمة الشهادة حتى قالوها وهذا الزام الكرم واللطف لا الزام الاكراه والعنف واضيفت الى التقوى لانها سببها اذ بها يتوقى من الشرك ومن النار فان اصل التقوى الاتقاء عنها وقد وصف الله هذه الأمة بالمتقين فى مواضع من القرآن العظيم باعبار هذه الكلمة وبسم الله الرحمن الرحيم ومحمد رسول الله من شعار هذه الامة وخواصها اختارها لهم وصار المشركون محرومين منها حيث لم يرضوا بان يكتب فى كتاب الصلح ذلك وعن الحسن كلمة التقوى هى الوفاء بالعهد فان المؤمنين وفواحيث نقضوا العهد وعاونوا من حارب حليف المؤمنين والمعنى على هذا وألزمهم كلمة اهل التقوى وهى العهد الواقع فى ضمن الصلح ومعنى الزامها اياهم تثبيتهم عليها وعلى الوفاء بها قال اهل العربية الكلمة قد تستعمل فى اللفظة الواحدة ويراد بها الكلام الكثير الذى ارتبط بعضه ببعض فصار ككلمة واحدة كتسميتهم القصيدة بأسرها كلمة ومنه يقال كلمة الشهادة قال الرضى وقد تطلق الكلمة مجازا على القصيدة والجملة يقال كلمة شاعر وقال تعالى(14/31)
{ وتمت كلمة ربك } والكلمة عند اهل العربية مشتقة من الكلم بمعنى الجرح وذلك لتأثيرها فى النفوس وعند المحققين عبارة عن الارواح والذوات المجردة عن المواد والزمان والمكان لكون وجودها بكلمة كن فى عالم الامر اطلاقا لاسم السبب عن المسبب والدليل على ذلك قوله تعالى { انما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته القاها الى مريم } والمراد بكلمة التقوى ههنا حقيقة التقوى وماهيتها فان الحقيقة من حيث هى مجردة عن اللوا حق المادية و التشخصات فالله تعالى الزم المؤمنين حقيقة التقوى لينالوا بها قوة اليقين والتجرد التام وصفاء الفطرة الاصلية { وكانوا أحق بها } متصفين بمزيد استحقاق لها فى سابق حكمه وقدم علمه على ان صيغة التفضيل للزيادة مطلقا وقيل احق بها من الكفار { واهلها } عطف تفسير اى المستأهل لها عند الله والمختص بها من اهل الرجل وهو الذى يختص به وينسب اليه قيل ان الذين كانوا قبلنا لا يمكن لاحد منهم ان يقول لا اله الا الله فى اليوم والليلة الا مرة واحدة لا يستطيع ان يقولها اكثر من ذلك وكان قائلها يمد بها صوته حتى ينقطع النفس التماس بركتها وفضلها وجعل الله لهذه الامة أن يقولوها متى شاؤا وهو قوله { وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها } من الامم السالفة وقال مجاهد ثلاث لا يحجبن عن الرب لا اله الا الله من قلب مؤمن ودعوة الوالدين ودعوة المظلوم كما فى كشف الاسرار ( وفى المثنوى )
بحرو حدانست جفت وزوج نيسبت ... كوهر وما هيس غير موج يست
اى محال واى محلل اشراك او ... دورازان دريا وموج باك او
{ وكان الله بكل شئ عليما } بليغ العلم بكل شئ من شأنه أن يتعلق به العلم فيعلم حق كل شئ فيسوقه الى مستحقه ومن معلوماته انهم احق بها اى من جميع الامم لان النبى عليه السلام كان خلاصة الموجودات واصلها وهو الحبيب الذى خلقت الموجودات بتبعيته والكلمة هى صورة الجذبة التى توصل الحبيب بالحبيب والمحب بالمحبوب فهى بالنبوة احق لانه هو الحبيب لتوصله الى حبيبه وامته احق بها من الامم لانهم المحبون لتوصل المحب بالمحبوب وهم اهلها لان اهيل هذه الكلمة من يفنى بذاته وصفاته ويبقى باثباتها معها بلا انانيته وما بلغ هذا المبلغ بالكمال الا النبى صلى الله عليه وسلم فيقول « اما انا فلا اقول انا وامته لقوله تعالى { كنتم خير امة اخرجت للناس } { وكان الله بكل شئ عليما } »(14/32)
فى الازل فبنى وجود كل انسان على ما هوا هله فمنهم اهل الدنيا ومنهم اهل الآخرة ومنهم اهل الله وخاصته كذا فى التأويلات النجمية قال ابو عثمان كلمة التقوى كلمة المتقين وهى شهادة ان لا اله الا الله الزمها الله السعدآء من اولياء المؤمنين وكانوا احق بها واهلها فى علم الله اذ خلقهم لها وخلق الجنة لاهلها وقال الواسطى كلمة التقوى صيانة النفس عن المطامع ظاهرا وباطنا وقال الجنيد من ادركته عناية السبق فى الازل جرى عليه عيون المواصلة وهو احق بها لما سبق اليه من كرامة الازل وقال بعض العارفين اعلم ان الله تعالى اسند الفعل فى جانب الكفار اليهم فقال { اذ جعل الذين كفروا } وفى جانت المؤمنين اسنده الى نفسه فقال { فأنزل الله سكينته } اشارة الى ان الله مولى الذين آمنوا وان الكافرين لا مولا لهم فليس لهم من يدبر امرهم واما المؤمنون فالله تعالى وليهم ومدبر امرهم وايضا فالحمية الجاهلية ليست الا من النفس لان النفس مقر الاخلاق الذميمة واما السكينة والوقار والثبات والطمأنينة فمن الله ثم ان الله تعالى قال فأنزل الله بالفاء لا بالواو اشارة الى ان انزل السكينة بمقابلة جعل الحمية كما تقول اكرمنى فأكرمته اشارة الى ان اكرامك بمقابلتا اكرامه ومجازاته وفى ذلك تنبيه على ان قوما اذا طغوا وظلموا فالله تعالى يحسن الى المظلومين وينصرهم فيعطيهم السكينة والوقار وكمال اليقين وذلك عين النعيم فى مقابلة انزعاج الظالمين وحقدهم واضطرابهم وذلك هو العذاب الاليم فهم اختاروا ذلك العذاب لأنفسهم فالله تعالى اختار للمؤمنين النعيم الدآئم والمراد بكلمة التقوى كل كلمة تقى النفس عما يضرها من الاذكار كالتوحيد والاسماء الالهية ولذلك ورد فى الحديث « من احصاها دخل الجنة وافضلها لا اله الا الله » كما قال عليه السلام « افضل ما قلته انا والنبيون من قبلى شهادة ان لا اله الا الله » ثم ان قوله تعالى { وكانوا احق بها واهلها } اشارة الى ان الاسماء الالهية ينبغى ان لا تعلم ولا تلقن الا اهلها ممن استعد لها واستحقها بالامانة والديانة والصلاح روى ان الحجاج احضر انسا رضى الله عنه فقال انت الذى تسبنى قال نعم لانك ظالم وقد خالفت سنة رسول الله عليه السلام فقال كيف لو قتلتك اسوء قتلة قال لو علمت ان ذلك بيدك لعبدتك ولكنك لا تقدر فان رسول الله علمنى دعاء من قرأه كان فى حفظ الله وقد قرأته فقال الحجاج الا تعلمنى اياه فقال لا اعلمك ولا اعلمه احدا فى حياتك حتى لا يصل اليك ثم خرج فقالوا لم لم تقتله فقال رأيت وراءه اسدين عظيمين فخفت منهما وروى ان عالما طلب من بعض المشايخ ان يعلمه الاسم الاعظم فأعطاه شيأ مغطى وقال اوصله الى مريدى فلان فأخذه ثم انه فتحه فى الطريق لينظر ما فيه فخرج منه فأرة فرجع بكمال الغيظ فلما رآه الشيخ تبسم وقال يا خائن الآن لم تكن ايمنا لفأرة فكيف تكون امينا للاسم الاعظم فالكبار يحفظون الاسماء والادعية من غير اهلها لئلا يجعلوها ذريعة الى الاغراض الفاسدة النفسانية ( قال سعدى )(14/33)
كسى رابا خواجهُ تست جنك ... بدستش جرامى دهى جوب وسنك
سنك آخر كه باشد كه خواش نهند ... بفرماى تا استخوانش نهند
( وفى المثنوى )
جند دزدى حرف مردان خدا ... تافروشى وستانى مرحبا
جون رخت رانيست در خوبى اميد ... خواه كلكونه نه وخواهى مديد(14/34)
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27)
{ لقد صدق الله رسوله الرؤيا } صدق يتعدى الى مفعولين الى الاول بنفسه والى الثانى بحرف الجر يقال صدقك فى كذا اى ما كذبك فيه وقد يحذف الجار ويوصل الفعل كما فى هذه الآية اى صدقه عليه السلام فى رؤياه وتحقيقه اراء الرؤيا الصادقة وهى ما سبق فى اول السورة من انه عليه السلام رأى قبل خروجه الى الحديبية كأنه واصحابه قد دخلوا مكة آمنين وقد خلقوا رؤسهم وقصروا فقص الرؤيا على اصحابه ففرحوا واستبشروا وحسبوا انهم داخلوها فى عامهم هذا فلما تأخر ذلك قال بعض المنافقين والله ما حلقنا ولا قصرنا ولا رأينا المسجد الحرام فنزلت وهو دليل قاطع على ان الرؤيا حق وليس بباطل كما زعم جمهور المتكلمين والمعتزلة فتبالهم كما فى بحر العلوم قالوا ان خلت الرؤيا عن حديث النفس وكان هيئة الدماغ صحيحة والمزاج مشتقيما كانت رؤيا من اله مثل رؤيا الانبياء والاولياء والصلحاء وفى الحديث « الرؤيا الصالحة جزء من ستة واربعين جزأ من النبوة » { بالحق } اى صدقا ملتبسا بالغرض الصحيح والحكمة البالغة التى هى التمييز بين الراسخ فى الايمان والمتزلزل فيه او حال كون تلك الرؤيا ملتبسة بالحق ليست من قبيل اضغاث الاحلام لان ما رآه كائن لا محالة فى وقته المقدر له وهو العام القابل وقد جوز ان يكون قسماً بالحق الذى هو من اسماء الله او بنقيض الباطل وقوله { لتدخلن المسجد الحرام } جواب وهو على الاولين جواب قسم محذوف اى والله لتدخلنه فى العام الثانى { ان شاء الله } تعليق للعدة بالمشيئة لتعليم العباد لكى يقولوا فى عداتهم مثل ذلك لا لكونه تعالى شاكا فى وقوع الموعود فانه منزه عن ذلك وهذا معنى ما قال ثعلب استثنى الله فيما يعلم ليستثنى الخلق فيما لا يعلمون وفيه ايضا تعريض بأن دخولهم مبنى على مشيئته تعالى ذلك لا على جلادتهم وقوتهم كما قال فى الكواشى استثنى اعلاما انه لا فعال الا الله انتهى او للاشعار بأن بعضهم لا يدخلونه لموت او غيبة او غير ذلك فكلمة ان للتشكيك لا للشك وقال الحدادى الاستثناء قد يذكر للتحقيق تبركا كقولهم قد غفر الله لك ان شاء الله ولا تعلق لمن يصحح الايمان بالاستثناء لانه خبر عن الحال فالاستثناء فيه محال كما فى عين المعانى وروى ان النبى عليه السلام كان اذا دخل المقابر فيقول « السلام عليكم اهل القبور وانا انشاء الله بكم لا حقوق » فيستثنى على وجه التبرك وان كان اللحوق مقطوعا به وقيل معناه لا حقون بكم فى الوفاة على الايمان فان شرطية ويمكن ان يقال تعليق اللحوق بالمشيئة بناء على ان اللحوق بخصوص المخاطبين ويتحصل من هذا ان الاستثناء من الامن لا من الدخول لان الدخول مقطوع .(14/35)
لا إلا من حال الدخول وقال بعضهم ان هنا بمعنى اذ كما فى قوله { ان اردن تحصنا } وقال ابن عطية وهذا احسن فى معناه لكن كون ان بمعنى اذ غير موجود فى لسان العرب وفيه وجه خر وهو انه حكاية لما قاله ملك الرؤيا لرسول الله فقوله لتدخلن الآية تفسير للرؤيا كأنه قيل هو قول الملك له عليه السلام فى منامه لتدخلن واذا كان التعليق من كلام الملك لتبرك فلا اشكال او حكاية لما قاله عليه السلام لاصحابه كانه قبل قال النبى بناء على تلك الرؤيا التى هى وحى لتدخلن الخ بنى لما قص رؤياه على اصحابه استأنف بأن قال لتدخلن الخ { آمنين } من الاعادى حال من فاعل لتدخلن والشرط معترض وكذا قوله { محلقين رؤوسكم } أ جميع شعورها والتحليق والتحلاق بسيار ستردن سركما فى تاج المصادر والحلق العضو المخصوص وحلقه قطع حلقه ثم جعل الحلق لقطع الشعر وجز فقيل خلق شعره وحلق رأسه اى ازال شعره { ومقصرين } بعض شعورها والقصر خلاف القول وقص شعره حز بعضه اى محلقا بعضكم ومقصرا آخرون والا فلا يجتمع الحلق والتقصير فى كل واحد منهم فالنظم من نسبة حال البعض الى الكل يعنى ان الواو ليست لاجتماع الامرين فى كل واحد منهم بل لاجتماعهما فى مجموع القوم ثم ان قوله محلقين ومقصرين من الاحوال المقدرة فلا يردان حال الدخول هو حال الاحرام وهو لا يجامع الحلق والتقصير وقدم الحلق على التقصير وهو قطع اطراف الشعر لأن الحلق افضل من التقصير وقد حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه بمنى واعطى شعر شق رأسه ابا طلحة الانصارى وهو زوج ام سليم وهى والدة انس بن مالك فكان آل انس يتهادون به بينهم وروى انه عليه السلام حلق رأسه اربع مرات والعادة فى هذا الزمان فى اكثر البلاد حلق الرأس للرجل عملا بقوله عليه السلام « تحت كل شعرة نجاسة فخللوا الشعر واتقوا البشرة » وانما قلنا للرج لأن خلق شعر المرأة مثلة وهى حرام كما ان حلق لحية الرجل كذلك { لا تخافون } حال مؤكدة من فاعل لتدخلن او استئناف جوابا عن سؤال انه كيف يكون الحال بعد الدخول اى لا تخافون بعد ذلك من احد { قعلم ما لم تعلموا } طف على صدق والفاء للترتيب الذكرى فالتعرض لحكم الشئ انما يكون بعد جرى ذكره والمراد بعلمه تعانى العلم الفعلى المتعلق بامر حادث بعد المعطوف عليه اى فعلم عقيب ما اراه الرؤيا الصادقة ما لم تعلموا من الحكمة الداعية الى تقديم ما يشهد بالصدق علما فعليا { فجعل } لاجله { من دون ذلك } اى من دون تحقق مصداق ما اراه من دخول المسجد الحرام الخ وبالفارسية بس ساخت براى شما يعنى مقرر كرد بيش ازين يعنى قبل از دخول در مسجد حرام بجهت عمرهُ قضا { فتحاً قريبا } هو فتح خيبر مضى عليه السلام بعد خمس عشرة ليلة كما فى عين المعانى والمراد بجعله وعده وانجازه من غير تسويف ليستدل به على صدق الرؤيا حسبما قال(14/36)
{ ولتكون آية للمؤمنين } واما جعل ما فى قوله { ما لم تعلموا } عبارة عن الحكمة فى تأخير فتح مكة الى العام القابل كما جنح اليه الجمهور فتأباه الفاء فان اعلمه تعالى بذلك متقدم على ارآة الرؤيا قطعا كما فى الارشاد وفى الآية اشارة الى ان الله تعالى امتحن المؤمن والمنافق بهذه الرؤيا اذ لم يتعين وقت دخولهم فيه فأخر الدخول تلك السنة فهلك المنافقون بتكذيب النبى عليه السلام فيما وعدهم بدخول المسجد الحرام وازداد كفرهم ونفاقهم وازداد ايمان المؤمنين بتصديق النبى عليه السلام مع ايمانهم وانتظروا صدق رؤياه فصدق الله رسوله الرؤيا بالحق فهلك من هلك عن بينة وحى من حى عن بنسة ولذلك قال تعالى فعلم ما لم تعلموا يعنى من تربية نفاق اهل النفاق وتقوية ايمان اهل الايمان فجعل من دون ذلك فتحاً قريبا من فتوح الظاهر والباطن فلا بد من الصبر فان الامور مرهونة باوقاتها
صد هزاران كيميا حق آفريد ... كيميايى همجو صبر آدم نديد
نيست هر مطلوب ازطالب دريغ ... جفت تابش شمس وجفت آب ميغ
وقد صبر عليه السلام على اذى قومه وهكذا حال كل وارث قال معروف الكرخى قدس سره رأيت فى المنام كأنى دخلت الجنة ورأيت قصرا فرشت مجالسه وارخيت ستوره وقام ولدانه فقلت لمن هذا فقيل لابى يوسف فقلت لم استحق هذا فقالوا بتعليمه الناس العلم وصبره على اذاهم ثم ان الصدق صفة الله تعالى وصفة خواص عباده وانه من اسباب الهداية ( حكى ) عن ابراهيم الخواص قدس سره انه كان اذا اراد سفرا لم يعلم احدا ولم يذكره وانما يأخذ ركونه ويمشى قال حامدا لاسود فبينا نحن معه فى مسجد تناول ركوته ومشى فاتبعته فلما وافينا القادسية قال لى يا حامد الى اين قلت يا سيدى خرجت لخروجك قال انا اريد مكة ان شاء الله قلت وانا اريد ان شاء الله مكة فلما كان بعد ايام اذا بشاب قد انضم الينا فمشى معنا يوما وليلة لا يسجد لله سجدة فعرفت ابراهيم وقلت ان هذا الغلام لا يصلى فجلس وقال يا غلام مالك لا تصلى والصلاة اوجب عليك من الحج فقال يا شيخ ما على صلاة قلت ألست بمسلم قل لا قلت فاى شئ انت قال نصرانى ولكن اشارتى فى النصرانية الى التوكل وادعت نفسى لها قد احكمت حال التوكل فلم اصدقها فيما ادعت حتى اخرجتها الى هذه الفلاة التى ليس فيها موجود غير المعبود اثير ساكنى وامتحن خاطرى فقام ابراهيم ومشى وقال دعه معك فلم يزل يسايرنا حتى وافينا بطن مرو فقام ابراهيم ونزع خلقانه فطهرها بالماء ثم جلس وقال له ما اسمك قال عبد المسيح فقال يا عبد المسيح هذا دهليز مكة يعنى الحرم وقد حرم الله على امثالك الدخول فيه قال تعالى(14/37)
{ انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } والذى اردت ان تستكشفة من نفسك قد بان لك فاحذر ان تدخل مكة فان رأيناك بمكة انكرنا عليك قال حامد فتركناه ودخلنا مكة وخرجنا الى الموقف فبينما نحن جلوس بعرفان اذ به فد اقبل عليه ثوبان وهو محرم يتصفح الوجوه حتى وقف علينا فأكب على ابراهيم يقبل رأسه فقال له ما ورآءك يا عبد المسيح فقال له هيهات انا اليوم عبد من المسيح عبده فقال له ابراهيم حدثنى حديثك قال جلست مكانى حتى اقبلت قافلة الحاج وتنكرت فى زى المسلمين كأنى محرم فساعة وقعت عينى على الكعبة اضمحل عندى كل دين سوى دين الاسلام فأسلمت واغتسلت واحرمت وها انا اطلبك يومى فالتفت الى ابراهيم وقال يا حامد انظر الى بركة الصدق فى النصرانية كيف هداه الى الاسلام ثم صحبنا حتى مات بين الفقرآء ومن الله الهداية والتوفيق(14/38)
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)
{ هو } اى الله تعالى وحده { الذى ارسل رسوله } يعنى ان الله تعالى بجلال ذاته وعلو شأنه اختص بارسال رسوله الذى لا رسول احق منه باضافته اليه { بالهدى } اى كونه ملتبسا بالتوحيد وهو شهادة ان لا اله الا الله فيكون الجار متعلقا بمحذوف او بسببه ولاجله فيكون متعلقا بأرسل { ودين الحق } اى وبدين الاسلام وهو من قبيل اضافة الموصوف الى صفته مثل عذاب الحريق والاصل الدين الحق والعذاب المحرق ومعنى الحق الثابت الذى هو ناسخ الاديان ومبطلها { ليظهره على الدين كله } اللام فى الدين للجنس اى ليعلى الدين الحق ويغلبه على جنس بجميع افراده التى هى الاديان المختلفة بنسخ ما كان حقا من بعض الاحكام المتبدلة بتبدل الاعصار واظهار بطلان ما كان باطلا او بتسليط المسلمين على اهل سائر الاديان ولقد انجز الله وعده حيث جعله بحيث لم يبق دين من الاديان الا وهو مغلوب مقهور بدين الاسلام ولا يبقى الا مسلم او ذمة للمسلمين وكم ترى من فتوح اكثر البلاد وقهر الملوك الشداد ما تعرف به قدرة الله تعالى وفى الآية فضل تأكيد لما وعد من الفتح وتوطين لنفوس المؤمنين على انه سيفتح لهم من البلاد ويعطيهم من الغلبة على الاقاليم ما يستقلون اليه فتح مكة وقد انجز كما اشير اليه آنفا . واعلم ان قوله ليظهره اثبات السبب الموجب للارسال فهذه اللام لام الحكمة والسبب شرعا ولام العلة عقلا لان افعال الله تعالى ليست بمعللة بالاغراض عند الاشاعرة لكنها مستتبعة لغايات جليلة فنزل ترتب الغاية على ما هى ثمرة له منزلة ترتب الغرض على ما غرض له { وكفى بالله } اى الذين له الاحاطة بجميع صفات الكمال { شهيدا } على ان ما وعده كائن لا محالة او على نبوته عليه السلام باظهار المعجزات وان لم يشهد الكفار وعن ابن عباس رضى الله عنهما شهد له بالرسالة وهو قوله { محمد رسول الله } فمحمد مبتدأ ورسول الله خبره وهو وقف تام والجملة مبينة للمشهود به وقيل محمد خبر مبتدأ محذوف وقوله رسول الله بدل او بيان او نعت اى ذلك الرسول المرسل بالهدى ودين الحق محمد رسول الله قال فى تلقيح الاذهان اعلم الله سبحانه محمدا عليه السلام انه خلق الموجودات كلها من اجل اى من اجله اى من اجل ظهوره اى من اجل تجليه به حتى قال « ليس شئ بين السماء والارض الا يعلم انى رسول الله غير بنيى الانس والجن » وقال الشيخ الشهير بافتاده قدس سره لما تجلى الله وجد جميع الارواح فوجد اولا روح نبينا صلى الله عليه وسلم ثم سائر الارواح فلقن التوحيد فقال لا اله الا الله فكرمه الله بقوله محمد رسول الله فأعطى الرسالة فى ذلك الوقت ولذا قال عليه السلام(14/39)
« كنت نبيا وآدم بين الماء والطين » انتهى ومعنى الحديث انه كان نبيا بالفعل عالما بنبوة وغيره من الانبساء ما كان نبيا بالفعل ولا عالما بنبوته الا حين بعث بعد وجوده ببدنه العنصرى واستكمال شرائط النبوة فكل من بدا بعد وجود المصطفى عليه السلام فهم نوابه وخلفاؤه مقدمين كالانبياء والرسل او مؤخرين كاولياء الله الكمل قال عليه السلام « انا من نور الله والمؤمنون من فيض نورى » فهو الجنس العالى والمقدم وماعداه التالى والمؤخر كما قالت تعالى « كنت اولهم خلقا وآخرهم بعثا » « فرسول الله هو الذى لايساويه رسول الى جميع الخلق من ادرك زمانه بالفعل فى الدنيا ومن تقدمه بالقوة فيها وبالفعل بالآخرة يوم يكون الكل تحت لوآئه وقد اخذ على الانبياء كلهم المثاق بأن يؤمنوا به ان ادركوه واخذه الانبياء على اممهم وفى الحديث انا محمد واحمد ومعنى محمد كثير الحمد فان اهل السماء والارض حمدوه ومعنى احمد اعظم حمدا من غيره لانه حمد الله بمحامد لم يحمد بها غيره كما فى شرح المشارق لابن الملك ( قال الجامى )
محمدت جون بلا نهاية زحق ... يافث شد تام آوازان مشتق
واسمه فى العرش ابو القاسم وفى السموات احمد وفى الارض محمد قال على رضى الله عنه ما اجتمع قوم فى مشورة فلم يدخلوا فيها من اسمه محمد الالم يبارك لهم فيها واشار الف احمد الى كونه فاتحا ومقدما لان مخرجه مبدأ المخارج واشارميم محمد الى كونه خاتما ومؤخر الان مخرجها ختام المخارج كما قال » نحن الآخرون السابقون « واشار الميم ايضا الى بعثته عند الاربعين قول بعضهم اكرم الله من الصبيان اربعة بأربعة اشياء يوسف عليه السلام بالوحى فى الجب ويحيى عليه السلام بالحكمة فى الصباوة وعيسى عليه السلام بالنطق فى المهد وسليمان عليه السلام بالفهم واما نبينا عليه السلام فله الفضيلة العظمى والآية الكبرى حيث ان الله اكرمه بالسجدة عند الولادة والشهادة بأنه رسول الله وكل قول يقبل الاختلاف بين المسلمين الا قول لا اله الا الله محمد رسول الله فانه غير قابل للاختلاف فمعناه متحقق وان لم يتكلم به احد وكذا اكرمه بشرح الصدر وختم النبوة وخدمة الملائكة والحور عند ولادته واكرمه بالنبوة فى عالم الارواح قبل الولادة وكفاه بذلك اختصاصا وتفصيلا فلا بد للمؤمن من تعظيم شرعه واحياء سنته والتقرب اليه بالصلوات وسائر القربات لينال عند الله الدرجات وكانت رابعة العدوية رحمها الله تصلى فى اليوم والليلة الف ركعة وتقول ما اريد بها ثوابا ولكن ليسر بها رسول الله عليه السلام ويقول للأنبياء(14/40)
« انظروا الى امرأة من امتى هذا عملها فى اليوم والليلة » ومن تعظيمه عمل المولد اذا لم يكن فيه منكر قال الامام السيوطى قدس سره يستحب لنا اظهار الشكر لمولده عليه السلام انتهى .
وقد اجتمع عند الامام تقى الدين السبكى رحمه الله جمع كثير من علماء عصره فأنشد منشد قول الصرصرى رحمه الله فى مدحه عليه السلام
قليل لمدح المصطفى الخط بالذهب ... على ورق من خط احسن من كتب
وان تنهض الاشراف عند سماعه ... قياما صفوفا او جثيا على الركب
فعند ذلك قام الامام المبكى وجميع من بالمجلس فحصل انس عظيم بذلك المجلس ويكفى ذلك فى الاقتدآء وقد قال ابن حجر الهيثمى ان البدعة الحسنة متفق على ندبها وعمل المولد واجتماع الناس له كذلك اى بدعة حسنة قال السخاوى لم يفعله احد من القرون الثلاثة وانما حدث بعد ثم لا زال اهل الاسلام من سائر الاقطار والمدن الكبار يعملون المولد ويتصدقون فى لياليه بانواع الصدقات ويعتنون بقرآءة مولده الكريم ويظهر من بركاته عليهم كل فضل عظيم قال ابن الجوزى من خواصه انه امان فى ذلك العام وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام واول من احدثه من الملوك صاحب اربل وصنف له ابن دخية رحمه الله كتابا فى المولد سماه التنوير بمولد البشير النذير فأجازه بألف دينار وقد استخرج له الحافظ ابن حجر اصلا من السنة وكذا الحافظ السيوطى وردا على الفاكهانى المالكى فى قوله ان عمل المولد بدعة مذمومة كما فى انسان العيون { والذين معه } اى مع رسول الله عليه السلام وهو مبتدأ خبره قوله { اشدآء } غلاظ وهو جمع شديد { على الكفار } كالآُسيد على فريسته { رحماء } اى متعاطفون وهو جمع رحيم { بينهم } كالوالد مع ولده يعنى انهم يظهرون لمن خالف دينهم الشدة والصلابة ولمن وافقهم فى الدين الرحمة والرأفة كقوله تعالى { اذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين } فلو اكتفى بقوله { اشدآء على الكفار } لربما اوهم الفظاكة والغلظة فكمل بقوله { رحماء بينهم } فيكون من اسلوب التكميل وعن الحسن بلغ من تشددهم على الكفار انهم كانو يتحرزون من ثيابهم ان تلزق بثيابهم ومن ابدانهم ان تمس ابدانهم وبلغ من ترحمهم فيما بينهم انه كان لا يرى مؤمن مؤمنا الا صافحه وعانقه وذكر فى التوراة فى صفة عمر رضى الله عنه قرن من حديد امين شديد وكذا ابو بكر رضى الله عنه فانه خرج لقتال اهل الردة شاهرا سيفه راكبا راحلته فهو من شدته وصلابته على الكفار ( قال الشيخ سعدى )
له جندان درشتى كن كه ازتوسير كردند ... ونه جندان نرمى كن كه برتودلير شوند
دوشتى ونرمى بهم دربهست ... جوركزن كه جراح ومرهم نهست
( وقال بعضهم )
هست نرمى آفت جان سمور وزدرشتى ميبردجان خار بشت ...(14/41)
وفى الحديث « المؤمنون هينون لينون » مدح النبى بالسهولة واللين لانهما من الاخلاق الحسنة فان قلت من امثال العرب لا تكن رطبا فتعصر ولا يابسا فتكسر وعلى وفق ذلك ورد قوله عليه السلام « لا تكن مرا فتعقى ولا حلوا فتسترط » يقال اعقيت الشئ اذا أزلته من فيك لمرارته واسترطه اى ابتلعه وفى هذا نهى عن اللين فما وجه كونه جهة مدح قلت لا شبهة فى ان خير الامور اوسطها وكل طرفى الامور ذميم اى المذموم هو الافراط والتفريط لا الاعتدال والاقتصاد نسأل الله العمل بذلك { تراهم ركعا سجدا } جمع راكع وساجد اى تشاهدهم حال كونهم راكعين ساجدين لمواظبتهم على الصلوات فهما حالان لان الرؤية بصرية واريد بالفعل الاستمرار والجملة خبر آخر او استئناف { يبتغون فضلا من الله ورضوانا } اما خبر آخر او استئناف مبنى على سؤال نشأ عن بيان مواظبتهم على الركوع والسجود كأنه قيل ماذا يريدون بذلك فقيل يبتغون فضلا من الله ورضوانا اى ثوابا ورضى وقال بعض الكبار قصدهم فى الطاعة والعبادة الوصول والوصال وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء قال الراغب الرضوان الرضى الكثير { سيماهم } فعلى من سامه اذا اعلمه اى جعله ذا علامة والمعنى علامتهم وسمتهم وقرئ سيمياؤهم بالياء بعد الميم والمد وهما لغتان وفيها لغة ثالثة هى السيماء بالمد وهو مبتدأ خبر قوله { فى وجوههم } اى ثابتة فى وجوههم { من اثر السجود } حال من المستكن فى الجار واثر الشئ حصول ما يدل على وجوده كما فى المفردات اى من التأثير الذى تؤثره كثرة السجود وما روى عن النبى عليه السلام من قوله « لا تعلموا صوركم » اى لا تسموها انما هو فيما اذا اعتمد بجبهته على الارض ليحدث فيها تلك السمة وذلك محض رياء ونفاق والكلام فيما حدث فى جبهة السجاد الذين لا يسجدون الا خالصا لوجه الله وكان الامام زين العابدين رضى الله عنه وهو على ابن الحسين بن على رضى الله عنهم وكذا على بن عبد الله بن العباس يقال لهما ذو الثفنات لما احدثت كثرة سجودهما فى مواضعة منهما اشباه ثفنات البعير والثفنة بكسر الفاء من البعير الركبة وما مس الأرض من اعضائه عند الاناخة وثفنت يده ثفنا اذا غلظت عن العمل وكانت له خمسمائة اصل زيتون يصلى عند كل اصل ركعتين كل يوم قال قائلهم
ديار على والحسين وجعفر ... وحمزة والسجاد ذى الثفنات
قال عطاء دخل فى الآية من حافظ على الصلوات الخمس وقال بعض الكبار سيما المحبين من اثر السجود فانهم لا يسجدون لشئ من الدنيا والعقبى الا لله مخلصين له الدين وقيل صفرة الوجوه من خشية الله وقيل ندى الطهور وتراب الارض فانهم كانوا يسجدون على التراب لا على الاثواب وقيل استنارة وجوههم من طول ما صلوا بالليل قال عليه السلام(14/42)
« من كثر صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار » الا ترى ان من سهر بالليل وهو مشغول بالشراب واللعب لا يكون وجهه فى النهار كوجه من سهر وهو مشغول بالطاعة وجاء فى باب الامامة انه يقدم الا علم ثم الا قرأتم الاورع ثم الاسن ثم الاصبح وجها اى اكثرهم صلاة بالليل لما روى من الحديث قيل لبعضهم ما بال المتهجدين احسن الناس وجوها فقال « لانهم خلوا بالرحمن فأصابهم من نوره كما يصيب القمر نور الشمس فينور به » در نفحات مذكوراست كه جون ارواح ببركت قرب الهى صافى ضدانوار موافقت بر اشباخ ظاهر كردد
درويش راكواه جه حاجت كه عاشقست ... رنك رخش زدوريه بين وبدان كه هست
وقال سهل المؤمن من توجه لله مقبلا عليه غير معرض عنه وذلك سيما المؤمنون وقال عامر بن عبد القبي كادوجه المؤمن يخبر عن مكنون عمله وكذلك وجه الكافر وذلك قوله { سيماهم فى وجوههم } وقال بعضهم ترى على وجوههم هيبة لقرب عهدهم بمناجاة سيدهم وقال ابن عطاء ترى عليهم خلع الانوار لائحة وقال عبد العزيز المكى ليست هى النحولة والصفرة لكنها نور يظهر على وجوه العابدين يبدو من باطنهم على ظاهرهم يتبين ذلك للمؤمنين ولو كان ذلك فى زنجى او حبشى انتهى ولا شك ان هذه الامة يقومون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء وبعضهم يكون وجوهم من اثر السجود كالقمر ليلة البدر وكل ذلك من تأثير نور القلب وانعكاسه ولذا قال
آن سياهى كزبى ناموس حق ناقوس زد ... در عرب بوالليل بوداندر قيامت بو النهار
{ ذلك } اشارة الى ما ذكر من نعوتهم الجليلة { مثلهم } اى وصفهم العجيب الشان الجارى فى الغرابة مجرى الامثال { فى التوراة } حال من مثلهم والعامل معنى الاشارة والتوراة اسم كتاب موسى عليه السلام قال من جوز ان تكون التوراة عربية انها تشتق من ورى الزند فوعلة منه على ان التاء مبدلة من الواو سمى التوراة لانه يظهر منه النور والضياء لبنى اسرائيل وفى القاموس وورية النار وريتها ما تورى به من خرقة او حطبة والتوراة تفعلة منه انتهى وقال بعضهم فوعلة منه لا تفعلة لقلة وجود ذلك { ومثلهم فى الانجيل } عطف على مثلهم الاول كأنه قيل ذلك مثلهم فى التوراة والانجيل وتكرير مثلهم لتأكيد غرابته وزيادة تقريرها والانجيل كتاب عيسى عليه السلام يعنى بهمين نعمت در كتاب موسى وعيسى مسطور ند تاكه معلوم امم كردند وبايشان مزده ورشوند ، والانحيل من نجل الشئ اظهره سمى الانجيل انجيلا لانه اظهر الدين بعدما درس اى عفا رسمه { كزرع اخرج شطأه } يقال زرع كمنع طرح البذر وزرع الله انبت والزرع الولد والمزروع والجمع زروع وموضه المزرعة مثلثة الراء وهو الخ تمثيل مستأنف اى هم كزرع اخرج افراخه اى فروعه واغصانه وذلك ان اول ما نبت من الزرع بمنزلة الام وما تفرع وتشعب منه بمنزلة اولاده وافراخه وفى المفردات شطأه فروع الزرع وهو ما خرج منه وتفرع فى شاطئيه اى جانبيه وجمعه اشطاء وقوله { اخرج شطأه } اى افراخه انتهى وقيل هو اى الزرع الخ تفسير لقوله ذلك على انه اشارة مبهمة وقيل خبر لقوله تعالى { ومثلهم فى الانجيل } على ان الكلام قد تم عند قوله تعالى { مثلهم فى التوراة } { فآزره } المنوى فى آزره ضمير الزرع اى فقوى الزرع ذلك الشطأ وبالفارسية بس قوى كردكشت آن يك شاخ را .(14/43)
الا ان الامام ألنسفى رحمه الله جعل المنوى فى آزر ضمير الشطأ قال فآزره اى فقوى الشطأ اصل الزرع بالتفافه عليه وتكاتفه وهو صريح فى ان الضمير المرفوع للشطأ والمنصوب للزرع وهو من الموازرة بمعنى المعاونة فيكون وزن آزر فاعل من الازر وهو القوة او من الايزار وهى الاعانة فيكون وزنه افعل وهو الظاهر لانه لم يسمع فى مضارعه يوازربل يوزر { فاستغلظ } فصال غليظا بعدما كان دقيقا فهو من باب استحجر الطين يعنى ان السين للتحول { فاستوى على سوقه } فاستقام على قصبته جمع ساق وهو اصوله { يعجب الزراع } حال اى حال كونه يعجب زراعه الذين زرعوه اى يسرهم بقوته وكثافته وغلظه وحسن منظره وطول قامته وبالفارسية بشكفت آردمز ارعانزا وهنا تم المثل وهو مثل ضربه الله لاصحاب رسول الله قلوا فى بدء الاسلام ثم كثروا واستحكموا فترقى امرهم يومافيو ما بحيت اعجب الناس وقيل مكتوب فى التوراة سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وفى الاسئلة المقحمة كيف ضرب الله المثل لاصحاب النبى عليه السلام بالزرع الذى اخرج شطأه ولماذا لم يشبههم بالخيل والاشجار الكبار المثمرة والجواب لان اصحاب النبى كانوا فى يده الامر قليلين ثم صاروا يزدادون ويكثرون كالزرع الذى يبدو ضعيفا ثم ينمو ويخرج شطأه ويكثر لان الزرع يحصد ويزرع كذلك المسلمون منهم من يموت ثم يقوم مقامه غيره بخلاف الاشجار الكبار فانها تبقى بحالها سنين ولانه تنبت من الحبة الواحدة سنابل وليس ذلك فى غير الزرع انتهى فكما ان اعمالهم نامية فكذا اجسادهم الا ترى انه قتل مع الامام الحسين رضى الله عنه عامة اهل بيته لم ينج الا ابنه زين العابدين على رضى الله عنه لصغره فأخرج الله من صلبه الكثير الطيب وقيل يزيد بن المهلب واخوتهم وذراريهم ثم مكث من بقى منهم نيفا وعشرين سنة لا يولد فيهم انثى ولا يموت منهم غلام وعن عكرمة اخرج شطأه بأبى بكر فآزره بعمر فاستغلظ بعثمان فاستوى على سوقه بعلى رضى الله عنهم { ليغيظ بهم الكفار } الغيظ اشد غضب وهو الحرارة التى يجدها الانسان من ثوران دم قلبه غاظه يغيظه فاغتاظ وغيظة فتغيظ واغاظه وغايظه كما فى القاموس وهو علة لما يعرب عنه الكلام من تشبيههم بالزرع فى زكائه واستحكامه اى جعلهم الله كالزرع فى النماء والقوة ليغيظ بهم مشركى مكة وكفار العرب والعجم وبالفارسية تالله رسول خويئس وياران او كافرا ترا بدرد آرد ، ومن غيظ الكفار قول عمر رضى الله عنه لاهل مكة بعدما اسلم لا نعبد الله سرا بعد اليوم وفى الحديث(14/44)
« ارحم امتى بأمتى ابو بكر واقواهم فى دين الله عمر واصدقهم حياء عثمان واقضاهم على وأقرأهم ابى بن كعب وافرضهم زيد بن ثابت واعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وما اظلت الخضرآء ولا اقلت الغبرآء من ذى لهجة اصدق من ابى ذر ولكل امة امين وامين هذه الامة ابو عبيدة ابن الجراح » وقيل قوله { ليغيظ بهم الكفار } علة لما بعده من قوله تعالى { وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة واجرا عظيما } فان الكفار اذا سمعوا بما اعد للمؤمنين فى الآخرة مع ما لهم فى الدنيا من العزة غاهم ذلك اشد غيظ ، يقول الفقير نظر الكفار مقصور على ما فى الدنيا مما يتنافس فيه ويتحاسد وكيف لا يغيظهم ما اعد للمؤمنين فى الآخرة وليسوا بمؤمنين باليوم الآخر ومنهم للبيان كما فى قوله { فاجتنبوا الرجس من الاوثان } يعنى همه ايشانرا وعدفرمود آمرزش كناه ومزدى بزرك ، وهو الجنة ودرجاتها فلا حجة فيه للطاعنين فى الاصحاب فان كلهم مؤمنون ولما كانوا يبتغون من الله فضلا ورضوانا وعدهم الله بالنجاة من المكروه والفوز بالمحبوب وعن الحسن محمد رسول الله والذين معه ابو بكر الصديق رضى الله عنه لانه كان معه فى الغار ومن انكر صحبته كفر اشدآء الى الكفار عمر بن الخطاب رضى الله عنه لانه كان شديدا غليظا على اهل مكة رحماء بينهم عثمان بن عفان رضى الله عنه لانه كان رؤوفا رحيما ذا حياء عظيم تراهم ركعا سجدا على بن ابى طالب رضى الله عنه تاحدى كه هرشب آوازهزار تكبير احرام ازخلوت وى باسماع خادمان عتبة عليه اش ميرسيد يبتغون فضلا من الله ورضوانا بقية العشرة المبشرة بالجنة وفى الحديث « يا على انت فى الجنة وشيعتك فى الجنة وسيجئ بعدى قوم يدعون ولايتك لهم لقب يقال لهم الرافضة فاذا أدركتهم فاقتلهم فانهم مشركون » قال يا رسول الله ما علامتهم قال « يا على انه ليست لهم جمعة ولا جماعة يسبون ابا بكر وعمر » قال مالك بن انس رضى الله عنه من اصبح وفى قلبه غيظ على اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد اصابته هذه الآية قال ابو العالية العمل الصالح فى هذه الآية حب الصحابة وفى الحديث(14/45)
« يا على ان الله امرنى ان اتخذ ابا بكر والدا وعمر مشيرا وعثمان سندا وانت يا على ظهرا فأنتم اربعة قد أخذ ميثاقكم فى الكتاب لا يحبكم الا مؤمن ولا يبغضكم الا فاجر أنتم خلائف نبوتى وعقدة ذمتى لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تغامزوا » كما فى كشف الاسرار وفى الحديث « لا تسبوا اصحابى فلو ان احدكم انفق مثل احد ذهبا ما بلغ مد احدهم ولا نصيفه » المد ربع الصاع والنصيف نصف الشئ والضمير فى نصيفه راجع الى احدهم لا الى المد والمعنى ان احدكم لا يدرك بانفاق مثل احد ذهبا من الفضيلة ما ادرك احدهم بانفاق مد من الطعام او نصيف له وفى حديث آخر « الله الله فى اصحابى لا تتخذوهم غرضا من بعدى فمن احبهم فبحبى احبهم ومن ابغضهم فببغضى ابغضهم ومن آذاهم فقد آذانى ومن آذانى فقد آذى الله ومن آذى الله فيوشك ان يأخذه » اى يأخذه الله للتعذيب والعقاب وفى الصواعق لابن حجر وكان للنبى عليه السلام مائة الف واربعة عشر ألف صحابى عند موته انتهى وفى حديث الاخوة قال اصحابه نحن اخوانك يا رسول الله قال « لا انتم اصحابى واخوانى الذين يأتون بعدى آمنوا بى ولم يرونى وقال للعامل منهم اجر خمسين منكم » قالوا بل منهم يا رسول الله قال « بل منكم ردوها ثلاثا » ثم قال « لانكم تجدون على الخير اعوانا » كما فى تلقيح الاذهان ، يقول الفقير يلزم من هذا الخبر ان يكون الاخوان افضل من الاصحاب وهو خلاف ما عليه الجمهور قلت الذى فى الخبر من زيادة الاجر للعامل من الاخوان عند فقدان الاعوان لا مطلقا فلا يلزم من ذلك ان يكونوا افضل من كل وجه فى كل زمان قال فى فتح الرحمن وقد اجتمع حروف المعجم التسعة والعشرون فى هذه الآية وهى محمد رسول الله الى آخر السورة اول حرف المعجم فيها ميم من محمد وآخرها صاد من الصالحات وتقدم نظير ذلك فى سورة آل عمران فى قوله { ثم انزل عليكم من بعد الغم امنة نعاسا } الآية وليس فى القرءآن آيتان فى كل ىية حروف المعجم غيرهما من دعا الله بهما استجيب له وعن النبى صلى الله عليه وسلم « من قرأ سورة الفتح فكأنما كان ممن شهد مع محمد رسول الله فتح مكة » وقال ابن مسعود رضى الله عنه بلغنى انه من قرأ سورة الفتح فى اول ليلة من رمضان فى صلاة التطوع حفظه الله تعالى ذلك العام ومن الله العون تمت سورة الفتح المبين بعون رب العالمين فى منتصف صفر الخير من شهور سنة الف ومائة واربع عشرة(14/46)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)
{ يا ايها الذين آمنوا } تصدير الخطاب بالنداآء لتنبيه المخاطبين على ان ما فى حيزه امر خطير يستدعى مزيد اعتنائهم بشأنه وفرط اهتمامهم بتلقيه ومراعاته ووصفهم بالايمان لتنشيطهم والايذان بأنه داع الى المحافظة ورادع عن الاخلال به { لا تقدموا } امرا من الامور { بين يدى اله ورسوله } ولا تقطعوه الا بعد ان يحكما به ويأذنا فيه فتكونوا اما عاملين بالوحى المنزل وما مقتدين بالنبى المرسل ولفظ اليدين بمعنى الجهتين الكائنتين فى سمت يدى الانسان وبين اليدين بمعنى بين الجهتين والجهة التى بينهما هى جهة الامام والقدام فقولك جلست بين يديه بمعنى جلست امامه وبمكان يحاذى يديه قريبا منه واذا قيل بين يدى الله امتنع ان يرادا لجهة والمكان فيكون استعارة تمثيلية شبه ما وقع من بعض الصحابة من القطع فى امر من الامور الدينية قبل ان يحكم به الله ورسوله بحال من يتقدم فى المشى فى الطريق مثلا لو قاحته على من يجب ان يتأخر عنه ويقفو اثره تعظيما له فعبر عن الحالة المشبهة بما يعبر به عن المشبه بها { واتقوا الله } فى كل ما تأتون وما تذررن من الاقوال والافعال { ان الله سميع } لاقوالكم { عليم } بأفعالكم فمن حقه ان يتقى ويراقب ويجوز ان يكون معنى لا تقدموا لا تفعلوا التقديم بالكلية على ان الفعل لم يقصد تعلقه بمفعوله ون كان متعديا قال المولى ابو السعود هو اوفى بحق المقام لافادة النهى عن التلبس بنفس الفعل الموجب لانتفائه بالكلية المستلزم لانتفاء تعلقه بمفعوله بالطريق البرهانى وقد جوز ان يكون التقديم لازما بمعنى التقدم ومنه مقدمة الجيش للجماعة المتقدمة منهم ومنه وجه بمعنى توجه وبين بمعنى تبين نهى عن التقدم لان التقدم بين يدى المرء خروج عن صفة المتابعة واستقلال فى الامر فيكون التقدم بين يدى الله ورسوله منافيا للايمان وقال مجاهد والحسن نزلت الآية فى النهى عن الذبح يوم الاضحى قبل الصلاة كأنه قيل لا تذبحوا قبل ان يذبح النبى عليه السلام وذلك ان ناسا ذبحوا قبل صلاة النبى عليه السلام فأمرهم ان يعيدوا الذبح وهو مذهبنا الا ان تزول الشمس وعند الشافعى يجوز اذا مضى من الوقت ما يسع الصلاة وعن البرآء رضى الله عنه خطبنا النبى عليه السلام يوم النحر فقال « ان اول ما نبدأ به فى يومنا هذا ان نصلى ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد اصاب سنتنا ومن ذبح قبل ان نصلى فانما هو لحم عجله لاهله ليس من النسك فى شئ » وعن عائشة رضى الله عنها انها نزلت فى النهى عن صوم يوم الشك اى لا تصوموا قبل ان يصوم نبيكم قال مسروق كنا عند عائشة يوم الشك فأتى بلبن فنادتنى وفى بحر العلوم قالت للجارية اسقيه عسلا فقلت انى صائم فقالت قد نهى الله عن صوم هذا اليوم وتلت هذه الآية وقالت هذه فى الصوم وغيره وقال قتادة ان ناسا كانوا يقولون لو انزل فى كذا او صنع فى كذا ولو نزل كذا وكذا فى معنى كذا ولو فعل الله كذا وينبغى ان يكون كذا فكره الله ذلك فنزلت وعن الحسن لما استقر رسول الله بالمدينة اتته الوفود من الآفاق فاكثروا عليه بالمسائل فهو ان يبتدئوا بالمسألة حتى يكون هو المبتدئ والظاهر أن الآية عامة فى كل قول وفعل ولذا حذف مفعول لا تقدموا ليذهب ذهن السامع كل مذهب مما يمكن تقديمه من قول او فعل مثلا اذا جرت مسألة فى مجلسه عليه السلام لا تسبقوه بالجواب واذا حضر الطعام لا تبدئوا بالاكل قبلة واذا ذهبتم الى موضع لا تمشوا امامه الا لمصلحة دعت اليه ونحو ذلك مما يمكن فيه التقديم قيل لا يجوز تقدم الاصاغر على الاكابر الا فى ثلاثة مواضع اذا ساروا ليلا اورأوا خيلا اى جيشا او دخلوا سيلا اى ماء سائلا وكان فى الزمان الاول اذا مشى الشاب امام الشيخ يخسف الله به الارض ويدخل فى النهى المشى بين يدى العلماء فانهم ورثة الانبياء دليله ما روى عن ابى الدردآء رضى الله عنه قال رآنى رسول الله عليه السلام امشى امام ابى بكر رضى الله عنه فقال(14/47)
« تمشى امام من هو خير منك فى الدنيا والآخرة ما طلعت شمس ولا غربت على احد بعد النبيين والمرسلين خير او افضل من ابى بكر رضى الله عنه » كما فى كشف الاسرار واكثر هذه الروايات يشعر بأن المراد بين يدى رسول الله وذكل الله لتعظيمه والايذان بجلالة محله عنده حيث ذكر اسمه تعالى توطئة وتمهيدا لذكر اسمه عليه السلام ليدل على قوة اختصاصه عليه السلام برب العزة وقرب منزلته من حضرته تعالى فان ايقاع ذكره تعالى موقع ذكره عليه السلام بطريق العطف تفسير للمراد يدل عليها لا محالة كما يقال اعجبنى زبد وكرمه فى موضع أن يقال اعجبنى كرم زيد للدلالة على قوة اختصاص الكرم به وقال ابن عباس رضى الله عنهما معنى الآية لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة
يقول الفقير لعله من باب الاكتفاء والمقصود ولا تفعلوا خلافهما ايضافان كلا منهما من قبيل التقدم لحدود الله وحدود رسوله وبهذا المعنى فى هذه الآية الهمت بين النوم واليقظة والله اعلم وفى الآية بيان رأفة الله على عباده حيث سماهم المؤمنين مع معصيتهم فقال يا أيها الذين آمنوا ولم يقل يا أيها الذين عصوا وهذا ندآء مدح كما فى تفسير ابى الليث وايضا فيها وعيد لمن حكم بخاطره بغير علم بالفرق بين الالهام والوسواس ويقول انه الحق فالزموه ومقصوده الرياء والسمعة ومن شرط المؤمن ان لا يرى رأيه وعقله واختياره فوق رأى النبى والشيخ ويكون مستسلما لما يرى فيه مصلحة ويحفظ الادب فى خدمته وصحبته ومن ادب المريدا ان لا يتكلم بين يدى الشيخ فانه سبب سقوطه من اعين الاكابر قال سهل لا تقولوا قبل ان يقول واذا قال فاقبلوا منه منصتين له مستمعين اليه واتقوا الله فى اهمال حقه وتضييع حرمته ان الله سميع لما تقولون عليم بما تعملون وقال بعضهم لا تطلبوا ورآء منزلته منزلة فانه لا يوازيه احد بل لا يدانيه ، جشم اواز حياكوش اواز حكمت زبان اوازثنا وتسبيح ودل اواز رحمت دست اواز سخاموى اوازمشك بويا .(14/48)
قيمت عطار ومشك اندر جهان كاسد شود ... جون برافشاند صبا زلفين عنبر ساى تو(14/49)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)
{ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبى } شروع فى النهى عن لتجاوز فى كيفية القول عند النبى عليه السلام بعد النهى عن التجاوز فى نفس القول والفعل والصوت هو الهوآء المنضغط عن قرع جسمين فان الهوآء الخارج من داخل الانسان ان خرج بدفع الطبع يسمى نفسا بفتح الفاء وان خرج بالارادة وعرض له تموج بتصادم جسمين يسمى صوتا والصوت الاختيارى الذى يكون للانسان ضربان ضرب باليد كصوت العود وما يجرى مجراه وضرب بالفم فالذى بالفم ضربان نطق وغيره فغيره النطق كصوت الناى والنطق اما مفرد من الكلام واما مركب كاحد الانواع من الكلام والمعنى لا تبلغوا باصواتكم ورآء حد يبلغه عليه السلام بصوته والباء للتعدية وقال فى المفردات تخصيص الصوت بالنهى لكونه اعم من النطق والكلام ويجوز انه خصه لان المكروه رفع الصوت لا رفع الكلام وعن عبد الله بن الزبير رضى الله عنه أن الاقرع بن حابس من بنى تميم قدم على النبى عليه السلام فقال ابو بكر رضى الله عنه يا رسول الله استعمله على قومه اى بتقديمه عليهم بالرياسة فقال عمر رضى الله عنه لا تستعمله يا رسول الله بل القعقاع بن معبد فتكلما عند النبى عليه السلام حتى ارتفعت اصواتهما فقال ابو بكر لعمر ما اردت الا خلافى فقال ما اردت خلافك فنزلت هذه الآية فكان عمر بعد ذلك اذا تكلم عند النبى لم يسمع كلامه حتى يستفهمه وقال ابو بكر آليت على نفسى ان لا اكلم النبى ابدا الا كأخى السرار يعنى سو كند ياد كردم كه بعد ازين هركز يا رسول خدا سخن بلند نكويم مكر جنانكه يا همرازى بنهان سخن كويند { ولا تجهروا له بالقول } اذا كلمتموه وتكلم هو ايضا والجهر يقال لظهور الشئ بافراط لحاسة البصر نحو رأيته جهارا او حاسة السمع نحو سوآء منكم من اسر القول ومن جهر به { كجهر بعضكم لبعض } اى جهرا كائنا كالجهر الجارى فيما بينكم بل اجعلوا صوتكم اخفض من صوته وتعهدوا فى مخاطبته اللين القريب من الهمس كما هو الدأب عند مخاطبة المهيب المعظم وحافظوا على مراعاة جله لة النبوة فنهوا عن جهر مخصوص مقيد وهو الجهر المماثل لجهر اعتادوه فيما بينهم لا عن الجهر مطلقا حتى لا يسوغ لهم الا ان يتكلموا بالهمس والمخافتة فالنهى الثانى ايضا مقيد بما اذا نطق ونطقوا والفرق ال مدلول النهى الاول حرمة رفع الصوت فوق صوته عليه السلام ومدلول الثانى حرمة ان يكون كلامهم معه عليه السلام فى صفة الجهر كالكلام الجارى بينهم ووجوب كون اصواتهم اخفض من صوته عليه السلام بعد كونها ليست بأرفع من صوته وهذا المعنى لا يستفاد من النهى الاول فلا تكرار والمفهوم من الكشاف فى الفرق بينهما ان معنى النهى الاول انه عليه السلام اذا نطق ونطقتم فعليكم ان لا تبلغوا بأصواتكم فوق الحد الذى يبلغ اليه صوته عليه السلام وان تغضوا من اصواتكم بحيث يكون صوته عاليا على اصواتكم ومعنى الثانى انكم اذ كلمتموه وهو عليه السلام ساكت فلا تبلغوا بالجهر فى القول الجهر الدآئر بينكم بل لينوا القول لينا يقارب الهمس الذى يضاد الجهر { ان تحبط اعمالكم } تا باطل نشود عملهاى شما بسبب اين جرأت .(14/50)
وهو علة اما للنهى على طريق التنازع فان كل واحد من قوله لا ترفعوا ولا تجهروا بطلبه من حيث المعنى فيكون علة للثانى عند البصريين وللاول عند الوفيين كأنه قيل انتهوا عما نهيتم عنه لخشية حبوط اعمالكم او كراهته كما فى قوله تعالى { يبين الله لكم ان تضلوا } فحذف المضاف ولام التعليل واما علة للفعل المنهى كأنه قيل انتهوا عن الفعل الذى تفعلونه لاجل حبوط اعمالكم فاللام فيه لام العاقبة فانهم لم يقصدوا بما فعلوه من رفع الصوت والجهر حبوط اعمالهم الا انه لما كان بحيث قد يؤدى الى الكفر المحبط جعل كأنه فعل لاجله فادخل عليه لام العلة تشبيها لمؤدى الفعل بالعلة الغائية وليس المراد بما نهى عنه من الرفع والجهر ما يقارنه الاستخفاف والاستهانة فان ذلك كفر بل ما يتوهم ان يؤدى اليه مما يجرى بينهم فى اثناء المحاورة من الرفع والجهر خلا ان رفع الصوت فوق صوته عليه السلام لما كان منكرا محضا لم يقيد بشئ يعنى ان الاستخفاف به عليه السلام كفر لا الاستخفاف بأمرهما ربما انضم الى هذا الاستخفاف قصد الاهانة به عليه السلام وعدم المبالاة وكذا ليس المراد ما يقع الرفع والجهر فى حرب او مجادلة معاند او ارهاب عدو او نحو ذلك فانه مما لا بأس به اذلا يتأذى به النبى عليه السلام فلا يتناوله النهى ففى الحديث انه قال عليه السلام للعباس بن عبد المطلب لما انهزم الناس يوم حنين « اصرخ بالناس » وكان العباس اجهر الناس صوتا ( يروى ) ان غارة اتتهم يوما اى فى المدينة فصاح العباس يا صباحاه فاسقط الحوامل لشدة صوته وكان يسمع صوته من ثمانية اميال كما مر فى الفتح وعن ابن العباس رضى الله عنهما نزلت فى ثابت بن قيس ابن شماس وكان فى اذنه وقر وكان جهورى الصوت اى جهيره ورفيعه وربما كان يكلم رسول الله فيتأذى بصوته وعن انس لما نزلت الآية فقد ثابت وتفقده عليه السلام فأخبر بشأنه فدعاه عليه السلام فسأله فقال يا رسول الله لقد انزلت اليك هذه الآية وانه رجل جهير الصوت فأخاف ان يكون عملى قد حبط فقال عليه السلام(14/51)
« لست هناك انك تعيش بخير وتموت بخير وانك من اهل الجنة » وصدق رسول الله فان ثابتا مات بخير حيث قتل شهيدا يوم مسيلمة الكذاب وعليه درع فرآه رجل من الصحابة بعد موته فى المنام فقال له اعلم ان فلانا لرجل من المسلمين نزع درعى فذهب بها وهو فى ناحية من العسكر وعنده فرس مشدود يرعى وقد وضع على درعى برمة فائت خالد بن الوليد فأخبره حتى يسترد درعى وائت ابا بكر رضى الله عنه خليفة رسول الله وقل له ان على دينا لفلان حتى يقضى دينى وفلان من عبيدى حر فأخبر الرجل خالدا فوجد درعه والفرس على ما وصفه فاسترد الدرع واخبر خالد ابا بكر بتلك الرؤيا فاجاز ابو بكر وصيته قال مالك بن انس رضى الله عنه لا اعلم وصية اجيزت بعد موت صاحبها الا هذه الوصية { وانتم لا تشعرون } حال من فاعل تحبط اى والحال انكم لا تشعرون بحبوطها والشعور العلم والفطنة والعشر العلم الدقيق ، ودانستن از طريق حس ، وفيه مزيد تحذير لما نهوا عنه استدل الزمخشرى بالآية على ان الكبيرة تحبط الاعمال الصالحة اذ لا قائل بالفصل والجواب انه من باب التغليظ والمراد انهم لا يشعرون ان ذلك بمنزلة الكفر المحبط وليس كسائر المعاصى وايضا انه من باب ولا تكونن ظهيرا للكافرين يعنى ان المراد وهو الجهر والرفع المقرونان بالاستهانة والقصد الى التعريض بالمنافقين قال الراغب حبط العمل على ضرب احدها ان تكون الاعمال دنيوية فلا تغنى فى القيامة غناء كما اشار اليه تعالى بقوله { وقدمنا الى ما عملوا من عمل لجعلناه هباء منثورا } والثانى ان تكون اعمالا اخروية لكن لم يقصد صاحبها بها وجه الله كما روى يؤتى برجل يوم القيامة فيقال له بم كان اشتغالك قال بقرآءة القرءآن فيقال له كنت تقرأ ليقال فلان قارئ وقد قيل ذلك فيومر به الى النار والثالث ان تكون اعمالا صالحة لكن بازآئها سيئات توفى عليها وذلك هو المشار اليه بخفة الميزان انتهى وحبط عمله كسمع وضرب حبطا وحبوطا بطل واحبطه الله ابطله كما فى القاموس وقال الراغب اصل الحبط من الحبط وهو ان تكثر الدابة من الكلأ حتى تنتفخ بطنها فلا يخرج منها شئ قال البقلى فى العرائس اعلمنا الله بهذا التأديب ان خاطر حبيبه من كمال لطافته ومراقبة جمال ملكوته كان يتغير من الاصوات الجهرية وذلك من غاية شغله بالله وجمع همومه بين يدى الله فكان اذا جهر احد عنده يتأذى قلبه ويضيق صدره من ذلك كأنه يتقاعد سره لحظة عن السير فى ميادين الازل فخوفهم الله من ذلك فان تشويش خاطره عليه السلام سبب بطلان الاعمال ومن العرش الى الثرى لا يزن عند خاطره ذرة واجتماع خاطر الانبياء والاولياء فى المحبة احب الى الله من اعمال الثقلين وفيه حفظ الحرمة لرسول الله وتأديب المريدين بين يدى اولياء الله ، يقول الفقير ولكمال لطافته عليه السلام كان الموت عليه اشد اذ اللطيف يتأثر مما لا يتأثر الكثيف كما قال بعضهم قد شاهدنا اقواما من عرب البوادى يسلخ الحكام جميع جلد احدهم ولا يظهر ضجرا ولو سلخ اكبر الاولياء لصاح الا ان يؤخذ عقله بمشاهدة تمنع احساسه انتهى ومن هنا عرف ان لكل من الجهر والخفاء محلا فشديد النفس له الجهر ولينه له الاخفاء كما فى حال النكر وليس كل احد صاحب مشاهد وقال سهل لا تخاطبوه الا مستفهمين ثم ان الاصحاب رضى الله عنهم كانوا بعد هذه الآية لا يكلمونه عليه السلام الا جهرا يقرب من السر و الهمس وقد كره بعض العلماء رفع الصوت عند قبره عليه السلام لانه حى فى قبره وكذا القرب منه عليه السلام فى المواجهة عند السلام بحيث كان بينه وبينه عليه السلام اقل من اربعة اذرع وكره بعضهم رفع الصوت فى مجالس الفقهاء تشريفا لهم اذ هم ورثة الانبياء قال سليمان بن حرب ضحك انسان عند حماد بن زيد وهو يحدث بحديث عن رسول الله فغضب حماد وقال انى ارى رفع الصوت عند حديث رسول الله وهو ميت كرفع الصوت عنده وهو حى وقام وامتنع من الحديث ذلك اليوم وحاصله ان فيه كراهة الرفع عند الحديث وعند المحدث مع ان الضحك لا يخلو من السخرية والهزل ومجلس الجد لا يحتمل مثل ذلك ولو دخل السلف مجالس هذا الزمان من مجلس الوعظ والدرس واجتماع المولد ونحو ذلك خرجوا من ساعتهم لما رأوا من كثرة المنكرات وسوء الادب(14/52)
بزركان كفته اند منترك الاداب رد عن الباب نهصد هزارساله طاعت ابليس بيك بى ادبى ضايع شد
نكاه دارادب در طريق عشق ونياز ... كه كفته اندطريقت تمام آدابست
نسأل الله الكريم ان يجعلنا متحلين بحلية الادب العظيم(14/53)
إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)
{ ان الذين يغضون اصواتهم عند رسول الله } الخ ترغيب فى الانتهاء عما نهوا عنه بعد الترهيب من الاخلال به والغض النقصان من الطرف والصوت وما فى الاناء يقال غض طرفه خفضه وغض السقاء نقص مما فيه والمعنى ان الذين يخفضون اصواتهم عند رسول الله مراعاة للادب وخشية من مخالفة النهى { اولئك } مبتدأ خبره قوله { الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى } اخلصها للتقوى من امتحن الذهب اذا اذابه وميزابريزه من خبثه فهو من اطلاق المقيد وهو اخلاص الذهب وارادة المطلق
دربوتهُ امتحان كرم بكدازى منت دارم كه بى غشم ميسازى
وقال فى الاساس محن الاديم مدده حتى وسعه وبه فسر قوله تعالى امتحن الله قلوبهم اى شرحها ووسعها وعن عمر رضى الله عنه اذهب عنها الشهوات اى نزع عنها محبة الشهوات وصفاها عن دنس سوء الاخلاق وحلاها بمكارمها حتى انسلخوا عن عادات البشرية { لهم } فى الآخرة { مغفرة } عظيمة لذنوبهم { واجر عظيم } التنكير للتعظيم اى ثابت لهم غفران واجر عظيم لا يقادر قدره لغضهم وسائر طاعاتهم فهو استئناف لبيان جزآء الغاضين مدحا لحالهم وتعريضا بسوء حال من ليس مثلهم وفى الآية اشارة الى غض الصوت عند الشيخ المرشد ايضا لانه الوارث وله الخلافة ولا يقع الغض الا من اهل السكينة والوقار وقال الحسين قدس سره من امتحن الله قلبه بالتقوى كان شعاره القرءآن ودثاره الايمان وسراجه التفكر وطبية التقوى و طهارته التوبة ونظافته الحلال وزينته الورع وعلمه الآخرة وشغله بالله ومقامه مع الله وصومه الى الممات وافطاره من الجنة وجمعه الحسنات وكنزه الاخلاص وصمته المراقبات ونظره المشاهدات قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر التقوى كل عمل يقيك من النار واذا وقاك من النار وقاك من الحجاب واذا وقاك من الحجاب شاهدت العزيز الوهاب روى ابو هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لن يزال قلب ابن آدم ممتلئا حرصاً الا الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى » قال الراوى فلقد رأيت رجلا من اصحاب رسول الله لا يركب الى زراعة له وانها منه على فراسخ وقد اتى عليه سبعون سنة وروى انه عليه السلام قال « لا يزال قلب ابن آدم جديدا فى حب الشئ وان التفت ترقوتاه من الكبر الا الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى » وهم قليل ، يعنى هميشه دل آدم نومى باشد درحب جيزى واكرجه نكرسته باشد هردو جنبر كردنش ازيبرى وبزركى مكر آبانكه امتحان كرداست خدا قلوب ايثان ازبراى تقوى واند كند ايشان
وجودتو شهريست برنيك وبد ... تو سلطان ودستور دانا خرد
هما ناكه دونان كردن فراز ... درين شهر كبرست وسودا وآز
جو سلطان عنايت كند بابدان ... كجا ماند آسايش بخردان(14/54)
إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4)
{ ان الذين ينادونك } المناداة والندآء خوايدن { من ورآء الحجرات } اى من خارجها من خلفها او قدامها لان ورآء الحجرة عبارة عن الجهة التى يواريها شخص الحجرة بجبهتها اى من اى ناحية كانت من نواحيها ولا بد ان تكون تلك الجهة خارج الحجرة لان ما فى داخلها لا يتوارى عمن فيها بحثة الحجرة فاشترال الورآء فى تينك الجهتين معنوى لا لفظى لكن جعله الجوهرى وغيره من الاضداد فيكون اشتراكه لفظيا ومن ابتدآئية دالة على ان المناداة نشأت من جهة الورآء وان المنادى داخل الحجرة لوجوب اختلاف المبدأ والمنتهى بحسب الجهة واذا جرد الكلام عن حرف الابتدآء جاز أن يكون المنادى ايضا فى الخارج لانتفاء مقتضى اختلافهما بالجهة والمراد حجرات امهات المؤمنين وكانت لكل واحدة منهما حجرة فتكون تسعا عددهن جمع حجرة بمعنى محجورة كقبضة بمعنى مقبوضة وهى الموضع الذى يحجره الانسان لنفسه بحائط ونحوه ويمنع غيره من ان يشاركه فيه من الحجر وهو المنع وقيل للعقل حجر لكون الانسان فى منع منه مما تدعو اليه نفسه ومناداتهم من مرآئها اما بأنهم اتوها حجرة حجرة فنادوه عليه السلام من ورآئها او بأنهم تفرقوا على الحجرات متطلبين له عليه السلام لانهم لم يتحققوا امكانه فناداه بعض من ورآء هذه وبعض من روآء تلك فاسند فعل الابعاض الى الكل وقيل الذى ناداه عينة بن حصين الفزارى وهو الاحمق المطاع وكان من الجرارين يجر عشرة آلاف قناة اى تتبعه والاقرع بن حابس وهو شاعر بنى تميم وفدا على رسول الله فى سبعين رجلا من بنى تميم وقت الظهيرة وهو راقد فقالا يا محمد اخرج الينا فنحن الذين مدحنا زين وذمناشين فاستيقظ فخرج وقال نهم وبحكم ذلكم اى الله الذى مدحه زين وذمه شين وانما اسند الندآء الى الكل لانهم رضوا بذلك او امروا به او لانه وجد فيما بينهم وقال سعدى المفتى انما يحتاج الى التأويل اذا اريد باستغراق الجمع الاستغراق الافرادى واما لو أريد الاستغراق الموعى فلا ولذلك قالوامقابلة الجمع بالجمع تفيد انقسام الآحاد بالآحاد وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم فقال « هم جفاة بنى تميم لولا انهم من اشد الناس قتالا للاعور الدجال لدعوت الله ان يهلكهم » فنزلت الآية ذما لهم وبقى هذا الذم الى الابد وصدق رسول الله فى قوله ذلكم الله { اكثرهم لا يعقلون } قال فى بحر العلوم فى قوله اكثر دلالة على انه كان فيهم من قصد بالمحاشاة وهو بالفارسية استثناء كردن . وعلى قلة العقلاء فيهم قصدا الى نفى ان يكون فيهم من يعقل اذا القلة تجرى مجرى النفى فى كلامهم ويؤيده الحديث السابق فيكون المعنى كلهم لا يعقلون اذ لو كان لهم عقل لما تجاسروا على هذه المرتبة من سوء الادب بل تأدبوا معه بأن يجلسوا على بابه حتى يخرج اليهم كما قال تعالى الفا(14/55)
وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
{ ولو انهم صبروا } الصبر حبس النفس عن ان تنازع الى هواها { حتى تخرج اليهم } لو مختص بالفعل على ما ذهب اليه المبرد والزجاج والكوفيون فما بعد لو مرفوع على فاعلية لا على الابتدآء على ما قاله سيبويه والمعنى ولو تحقق صبرهم وانتظارهم حتى تخرج اليهم وحتى تفيد أن الصبر ينبغى أن يكون مغيا بخروجه عليه السلام فانها مختصة بما هو غاية للشئ فى نفسه ولذلك تقول اكلت السمكة حتى رأسها ولا تقول حتى نصفها وثلثها بخلاف الى فانها عامة وفى اليهم اشعار بأنه لو خرج لا لاجلهم ينبغى ان يصبروا حتى يفاتحهم بالكلام او يتوجه اليهم { لكان } اى الصبر المذكور { خيرا لهم } من الاستعجال لما فيه من رعاية حسن الادب وتعظيم الرسول الموجبين للثواب والثناء والاسعاف بالمسئول اذ روى انهم وفدوا شافعين فى اسارى بنى العنبر قال فى القاموس العنبر ابو حى من تميم قال ابن عباس رضى الله عنهما بعث رسول الله عليه السلام سرية الى حى بنى العنبر وأمر عليهم عينية بن حصين فلما علموا انه توجه نحوهم هربوا وتركوا عيالهم فسباهم عيينة وقدم بهم على رسول الله فجاء بعد ذلك رجالهم يفدون الذرارى فقدموا وقت الظهيرة ووافقوا رسول الله فتلاقى اهله فلما رأتهم الذرارى اجهشوا الى آبائهم يبكون ولاجهاش كريستن راساختن
يقال اجهش اليه اذا فزع اليه وهو يريد البكاء كالصبى يفزع الى امه وكان لكل امرأة من نساء رسول الله بيت وحجرة فجعلوا ينادون يا محمد اخرج الينا حتى ايقظوه من نومه فخرج اليهم فقالوا يا محمد فادنا عيالنا فنزل جبرآئيل فقال ان الله يأمرك ان تجعل بينك وبينهم رجلا فقال عليه السلام لهم « أترضون ان يكون بينى وبينكم سبرة بن عمرو وهو على دينكم » قالوا نعم قال سبرة انا لا احكم بينهم وعمى شاهد وهو أعور بن بشامة بن ضرار فرضوا به فقال الاعور فأنا أرى ان تفادى نصفهم وتعتق نصفهم فقال عليه السلام « قد رضيت » ففادى نصفهم وأعتق نصفهم وقال مقاتل لكان خيرا لهم لانك كنت تعتقهم جميعا وتطلقهم بلا فدآء { والله غفور رحيم } بليغ المغفرة والرحمة واسعهما فان تضيق ساحتهم عن هؤلاء المسيئين للادب ان تابوا واصلحوا { قال الكاشفى } والله غفور وخداى تعالى آمر زنده است كسى راكه توبه كند ازبى ادبى رحيم مهربانست باهل ادب كه تعظيم سيد اولوا الالباب ميكنند جه ادب جاذب رحمتست وحرمت جالب نعمت
سرمايه ادب بكف آوركه ابن متاع ... آلراكه هست سوء ادب نايدش بكف
وفى هذا المقام امور ، الأول ان فى هذه الآية تنبيها على قدره بقدره عليه السلام والتأدت معه بكل حال فهم انما نادوه لعدم عقل يعرفون به قدره ولوعرفوا قدره لكانوا كما فى الخبر يقرعون بابه بالاظافير وفى المناداة اشارة الى انهم رأوه من ورآء الحجاب ولو كانوا من اهل الحضور والشهود لما نادوه كما قال بعضهم(14/56)
كارنادان كوته انديش است ... يادكردن كسى كه دربيش است
قال ابو عثمان المغربى قدس سرة الادب عند الاكابر وفى مجلس السادات من الاولياء يبلغ بصاحبه الى الدرجات العلى والخير فى الاول والعقبى فكما لا بد من التأدب معه عليه السلام فكذا مع من استن بسنته كالعلما العالمين وكان جماعة من العلماء يجلسون على باب غيرهم ولا يدقون عليه بابه حتى يخرج لقضاء حاجته احتراما قال ابو عبيدة القاسم بن سلام ما دققت الباب على عالم قط كنت اصبر حتى يخرج الى لقوله تعالى ولو انهم الخ وفى الحديث « ادبنى ربى فأحسن تأديبى » اى ادبنى احسن تاديب فالفاء تفسير لما قبله قال بعض الكبار من الحكمة توقير الكبير ورحمة الصغير ومخاطبة الناس باللين وقال ان كان خليلك فوقك فاصحبه بالحرمة وان كان كفؤك ونظيرك فاصحبه بالوفاء وان كان دونك فاصحبه بالزهد وان كان فقيرا فاصحبه بالجود وان صحبت صوفيا فاصحبه بالتسليم قال بعض الحكماء عاشروا الناس معاشرة ان متم بكوا عليكم وان غبتم حنوا اليكم . والثانى ذم الجهل ومدح العقل والعلم فان شرف العقل مدرك بضرورة العقل والعلم والحسن حتى ان اكبر الحيوانات شخصا واقواها ابد اذا رأى الانسان احتشمه وخاف منه لاحساسه بأنه مستول عليه بحيلته واقرب الناس لى بارجة بهائم أجلاف العرب والترك تراهم بالطبع يبالغون فى توقير شيوخهم لان التجربة دميزتهم عنهم بمزيد علم ولذلك روى فى الاثر « الشيخ فى قومه كالنبى فى امته » نظرا الى قوة علمه وعقله لا بقوة سخضه وجماله وشوكته وثروته ( وفى المثنوى )
كشتى بى لنكر آمد مردشر ... كه زباد كزنيابد او حذر
لنكر عقلست عاقل را امان ... لنكرى دريوزه كن از عاقلان
قال بعض الكبار العاقل كلامه ورآء قلبه فاذا اراد ان يتكلم به امره على قلبه فينظر فيه فان كان له اى لنفعه امضاه وان كان عليه اى لضره امسكه والاحمق كلامه على طرف لسانه وعقله فى حجره اذا قام سقط قال امير المؤمنين على رضى الله عنه لسان العاقل فى قلبه وقلب الاحمق فى فمه والادب صورة العقل ولا شرف مع سوء الادب ولا دآء اعيى من الجهل واذا تم العقل نقص الكلام
هر كرا اندكست مايهُ عقل ... بيهده كفتنش بودبسيار
مردرا عقل جون بيفزايد ... درمجامع بكا هدش كفتار
وفى الحديث « كل كلام ابن آدم عليه لا له الا امرا بمعروف او نهيا عن منكر »(14/57)
وفى حديث آخر « وهل يكب الناس على مناخرهم فى النار الا حصائد ألسنتهم » والثالث ما قال بعض الكبار تدبر قوله تعالى { ولو أنهم صبروا } الآية ولا تنظر الى سبب النزول وانتظر خروجه مرة ثانية لقيام الساعة وفتح باب الشفاعة فى هذه الدار نوما او يقظة فى الآخرة وهو الشافع فيهما وفى الحافرة وقد ثبت ان الناس يلتجئون يوم القيامة الى الانبياء ثم وثم الى ان يصلوا اليه فلا يصلون الى المراد الا عنده وفى الحديث « انا اول ولد آدم خروجا اذا بعثوا وانا قائدهم اذا وفدوا وخطيهم اذا أنصتوا وانا مبشرهم اذا ابلسوا وانا شفيعهم اذا حشروا ولوآء الكرم بيدى وانا اكرم ولد آدم على ربى ولا فخر يطوف على ألف خادم كأنهم لؤلؤ مكنون »
سرخيل انبياء وسبهدار اتقيا ... سلطان باركاه دنى قائد الامم
وإنما كان خدامه ألفا لتحققه بألف اسم من اسماء الله سبحانه وتعالى(14/58)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)
{ يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق } اى فاسق كان { بنبأ } اى نبأ كان والنبأ الخبر . يعنى خبرى بياردكه موحش بود وموجب تألم خاطر . فالتنكير للتعميم وفيه ايذان بالاحتراز عن كل فاسق وانما قال ان جاءكم بحرف الشك دون اذا ليدل على ان المؤمنين ينبغى ان يكونوا على هذه الصفة لئلا يطمع فاسق فى مكالمتهم بكذب ما وقال ابن الشيخ اخراج الكلام بلفظ الشرط المحتمل الوقوع لدرة مثله فيما بين اصحابه عليه السلام { فتبينوا } اى ان جاءكم فاسق بخبر يعظم وقعه فى القلوب فتعرفوا وتفحصوا حتى يتبين لكم ما جاء به أصدق هو ام كذب ولا تعتمدوا على قوله المجرد لان من لا يتحامى جنس الفسوق لا يتحامى الكذب الذى هو نوع منه روى ان الوليد بن عقبة بن ابى معيط اخا عثمان لامه وهو الذى ولاه عثمان الكوفة بعد سعد بن ابى وقاص فصلى بالناس وهو سكران صلاة الفجر أربعا ثم قال هل اريدكم فعزله عثمان عنهم بعثه عليه السلام مصدقا الى بنى المصطلق اى آخذا وقابضا لصدقاتهم وزكاتهم وكان بينه وبينهم احنة الى حقد وبغض كامن فى الجاهلية بسبب دم فلما سمعوا بقدومه استقبلوه ركبانا فحسب انهم مقاتلوه فرجع هاربا وقال لرسول الله عليه السلام قد رتدوا ومنعوا الزكاة وهموا بقتلى فهم عليه السلام بقتالهم فنزلت وقيل بعث اليهم خالد بن الوليد بعد رجوع الوليد بن عقبة عنهم فى عسكر وقال « له اخف عنهم قدومك اليهم بالعسكر وادخل عليهم ليلا متجسساً هل ترى شعائر الاسلام وآدابه فلو رأيت منهم ذلك فخذ منهم زكاة اموالهم وان لم تر ذلك فاستعمل فيهم ما يفعل بالكفار » ففعل ذلك خالد وجاءهم وقت المغرب فسمع منهم اذان صلاتى المغرب والعشاء ووجدهم مجتهدين باذلين وسعهم ومجهودهم فى امتثال امر الله فأخذ منهم صدقاتهم وانصرف الى رسول الله واخبره الخبر فنزلت { أن تصيبوا } حذار أن تصيبوا { قوما بجهالة } حل من ضمير تصيبوا اى متلبسين بجهالة بحملهم وكنه قصتهم { فتصبحوا } اى فتصيروا بعد ظهور برآء مما اسند اليهم { على ما فعلتم } فى حقهم { نادمين } مغتمين غما لازما متمنين انه لم يقع فان تركيب هذه الاحرف الثلاثة يدور مع الدوام مثل او من الامر اذا ادامه ومدن المكان اذا اقام به ومنه المدينة يعنى ان الدم غم يصحب الانسان صحبة لها دوام على ما وقع مع يمنى انه لم يقع ولزومه قد يكون لقوته من اول الامر وقد يكون لعدم غيبة موجبة وسببه عن الخاطر وقد يكون لكثرة تذكره ولغير ذلك من الاسباب وفى الآية دلالة على ان الجاهل لا بد ان يصير نادما على ما فعله بعد زمان وفى ترتيب الامر بالتبين على فسق المخبر اشارة الى قبول خبر الواحد العدل فى بعض المواد ورد عليه السلام شهادة رجل فى كذبة واحدة وقال(14/59)
« ان شاهد الزور مع العشار فى النار » وقال عليه السلام « من شهد شهادة زور فعليه لعنة الله ومن حكم بين اثنين فلم يعدل ببينهما فعليه لعنة الله وما شهد رجل على رجل بالكفر الاباء به احدهما ان كافرا فهو كما قال وان لم يكن كافرا فقد كفر بتكفيره اياه » كما فى كشف الاسرار وفى الآية ايضا اشارة الى ترك الاستماع الى كلام الساعى والتمام والمغتاب للناس
كسى بيش من درجهان عاقلست ... كه مشغول خود وز جهان غافلت
كسى راكه نام آمد ابدر ميان ... به نيكوترين نام ونعتش بخوان
ازان همنشين تاتوانى كربز كه مرفتنه خفته راكفت خين ميان دوكس جنك جون آتش است ... سخن جين بدبخت هيزم كش است
ميان دوتن آتش آفروختن ... نه عقلست خود درميان سوختن
فلا بد من التبين والتفحص ليظهر حقيقة الحال ويسلم المرء من الوبال ويفتضح الكذاب الدجال وفى الحديث « التبين من الله والعجلة من الشيطان » وفيها ايضا اشارة الى تسويلات النفس الفاسقة الامارة بالسوء ومجيئها كل ساعة بنبأ شهوة من شهوات الدنيا فتبينوا ربحها وخسرانها من قبل ان تصيبوا قوما من القلوب وصفاتها بجهالة ما فيها من شفاء النفوس وحياتها ومرض القلوب ومماتها فتصبحوا صباح القيامة وانتم على ما فعلتم نادمون(14/60)
وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)
{ واعلموا ان فيكم رسول } وبدانيدكه درميان شماست رسول الله . وفائدة الامر الدلالة على انهم نزلوا منزلة الجاهلين لمكانه لتفريطهم فيما يجب من تعظيم شأنه فيكون قوله تعالى { لو يطيعكم فى كثير من الامر لعنتم } استئنافا وقال بعضهم ان بما فى حيزها ساد مسد مفعولى اعلموا باعتبار ما بعده من قوله تعالى لو يطيعكم الخ فانه حال من احد الضميرين في فيكم الاول المرفوع المستتر فيه العائد الى رسول الله المنتقل اليه من عامله المحذوف لان التقدير كائن فيكم او مستقر والثانى المجرور البارز والمعنى اى على الحال ان فيكم رسول الله كائنا على حالة يجب عليكم تغييرها او كائنين على حالة الخ وهى انكم تريدون ان يتبع عليه السلام رأيكم فى كثير من الحوادث ولو فعل ذلك لوقعتم فى الجهد والهلاك فعلى هذا يكون قوله لو يطيعكم الخ دليل وجوب تغيير تلك الحال اقيم مقام الحال وفيه ايذان بأن بعضهم زينوا لرسول الله الايقاع بينى المصطلق تصديقا لقول الوليد وانه عليه السلام لم يطع رأيهم والعنت محركة الفساد والاثم والهلاك ودخول المشقة على الانسان كما فى القاموس يقال عنت فلان اذا وقع فى امر يخاف منه التلف كما فى المفردات فهو من الباب الرابع مثل طرب يطرب طربا وقال الزمخشرى هو الكسر بعد الجبر كما فى تاج المصادر العنت بزه مند شدن ودركارى افتيدن كه ازان بيرون نتواند آمد وشكسته شدن استخوان بس ازجبر وقوله { لمن خشى العنت منكم } يعنى الفجور والزنى ومنه الاسير من المسلمين فى دار الحرب اذا خشى العنت على نفسه والفجور لا بأس بأن يتزوج امرأة منهم والتركيب يدل على مشقة وصيغة المضارع فى لو يطيكم للدلالة على ان امتناع عنتهم لامتناع استمرار طاعته عليه السلام لان عنتهم انما يلزم من استمرار الطاعة فيما يعن لهم من الامور اذ فيه اختلال امر الا يالة وانقلاب الرئيس مرؤوسا لا من اطاعته فى بعض ما يرونه نادرا بل فيها استمالتهم بلا معرة قال فى علم البلاغة او للشرط فى الماضى اى لتعليق حصول مضمون الجزآء بحصول مضمون الشرط فرضا مع القطع بانتفاء الشرط فيلزم انتفاء الجزآم فيلزم عدم الثبوت والمضى فى جملتها اذا الثبوت ينافى التعليق والاستقبال ينافى الماضى فلا يعدل فى جملتيها عن الفعلية لماضوية الا لنكتة فدخولها على المضارع نحو لو يطيعكم الخ لقصد استمرار الفعل فيما مضى وقتا فوقتا والفعل هو الاطاعة يعنى ان امتناع عنتكم بسبب امتناع استمراره على اطاعتكم فان المضارع يفيد الاستمرار ودخول لو عليه امتناع الاستمرار { ولكن الله حبب اليكم الايمان } الخ تجريد للخطاب وتوجيه له الى بعضهم بطريق الاستدراك بيانا لبرآءتهم من اوصاف الاولين واحمادا لافعالهم وهم الكاملون الذين لا يعتمدون على كل ما سمعوه من الاخبار والتحبيب دوست كردانيدن .(14/61)
اى ولكنه تعالى جعل الايمان محبوبا لدينكم { وزينة } وحسنة { فى قلوبكم } حتى رسخ حبه فيها ولذلك اتيتم بما يليق به من الاقوال والافعال وفى عين المعانى فى قلوبكم دون السنتكم مجردة ردا على الكرامية وقيل دون جوارحكم ردا على الشفعوية { وكره اليكم الكفر والفسوق والعصيان } ولذلك اجتنبتم ما لا يليق بها مما لا خير فيه من آثارها واحكامها والتكريه هنا بمعنى التبغيض والبغض ضد الحب فالبغض نفار النفس عن الشئ الذى ترغب عنه والحب انجذاب النفس الى شئ الذى ترغب فيه ولما كان فى التحبيب والتكريه معنى انهاء المحبة والكراهة وايصالهما اليهم استعملا بكلمة الى قال فى فتح الرحمن معنى تحبيب الله وتكريهه اللطف والامداد بالتوفيق والكفر تغطية نعم الله بالجحود والفسوق الخروج عن القصد اى العدل بظلم نفسه والعصيان الامتناع من الانقياد وهو شامل لجميع الذنوب والفسوق مختص بالكبائر { اولئك } المستثنون بقوله ولكن الله الخ { هم الراشدون } اى السالكون الى الطريق السوى الموصل الى الحق وفى الآية عدول وتلوين حيث ذكر اولها على وجه المخاطبة وآخرها على المغايبة حيث قيل اولئك هم الراشدون ليعلم ان جميع من كان حاله هكذا فقد دخل فى هذا المدح كما قال ابو الليث(14/62)
فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8)
{ فضلا من الله ونعمة } اى وانعاما تعليل لحبب وكره وما بينهما اعتراض لا للراشدين فان الفضل فعل الله والرشد وان كان مسببا عن فعله وهو التحبيب والتكريه مسند الى ضميرم يعنى ان المراد بالفاعل من قام به الفعل واسند هو اليه لا من اوجده ومن المعلوم ان الرشد قائم بالقوم والفضل والانعام قائمان به تعالى فلا اتحاد { والله عليم } مبالغ فى العلم فيعلم احوال المؤمنين وما بينهم من التفاضل والتمايز { حكيم } يفعل كل ما يفعل بموجب الحكمة ( وقال الكاشفى ) والله عليم وخداى تعالى داناست بصدق وكذب حكيم محكم كارست درامور بندكانوازحكمتهاى اوست كه بتحقيق اخبار ميفر ما بدكه ازخبر هاى ناراست انواع فتنهامى زايد
هركز سخنان فتنة انكيزمكو ... وآن راست كه هست فتنه ان نيزمكو
خامش كن وكرجاره ندارى زسخن ... شوخى مكن وتند مشو تيزمكو
وفى الآية دليل على ان من كان مؤمنا لا يحب الفسق والمعصية واذا ابتلى بالمعصية فان شهوته وغفلته تحمله على ذلك لا لحبه للمعصية بل ربما يعصى حال الحضور لان فيه نفاذ قضائه تعالى . شيخ اكبر قدس سره الاطهرمى فرمايدكه بعضى ازصالحان مراخبردادكه بفلان عالم در آمدم واو عظيم برنفس خود مسرف بود شيخ فرمودكه من آن عالم مسرف رانيزمى دانم وباوى اجتماع اتفاق افتاده بودآن عزيز صالح ميكويدكه جون بدر خانة اورسيدم ابا كردازان سبب كه برصورتى نامشروع نشسته بود كفتم جاره نيست ازديدن او كفت بكوبيدكه من برجه حالم كفتم لا بداست دستورى داد در آمدم وآن خمر ايشان تمام شده بود بعضى از حاضران كفت بفلانى رقعه بنويس كه قدرى بفرستد آن عالم كفت نكنم ونمى خواهم برمعصيت حق تعالى مصر باشم والله والله كه هيج كاسه نمى خورم الاكه درعقب آن توبه ميكنم ومنتظر كاس ديكر نباشم وبانفس خود در ان باب سخن نمى كويم جوق بارديكر درومى رسد وساقى مى آيد درنفس خودنكاه ميكنم اكرراى من بران قرار ميكيردكه بكيرم مى ستانم وجوق فارغ شدم باز بحق رجوع ميكنم وتوبه مى آرم درمرور اوقات درخاطر من نيست كه عصيان كنم آن عزيز مى كويد كه باوجود عصيان واسراف او تعجب نمودم كه جكونه ازمثل اين حضور غافل نشد بس حذركنى ازاصرار كردن بركناه بلكه درهر حالت توبه كنى وبحق تعالى بازكرد وبراثر هر عصيانى عذرى بخواه
طريقى بدست آروصلحى بجوى ... شفيعى بر انكيز وعذرى بكوى
كه يكلحظه صورت نبندد امان ... جوبيمانه برشد بدور زمان(14/63)
وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)
{ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا } اى تقاتلوا والجمع حيث لم يقل اقتتلتا على التثنية والتأنيث باعتبار المعنى فان كل طائفة جمع والطائفة من الناس جماعة منهم لكنها دون الفرقة كما دل عليه قوله تعالى { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة } طائفتان فاعل فعل محذوف وجوبا لا مبتدأ لأن حرف الشرط لا يدخل الا على الفعل لفظا او تقديرا والتقدير وان اقتتل طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فحذف الاول لئلا يلزم اجتماع المفسرو المفسر واصل القتل ازالة الروح عن الجسد { فاصلحوا بينهما } تنى الضمير باعتبار اللفظ والصلاح الحصول على الحالة المستقيمة النافعة والاصلاح جعل الشئ على تلك الحالة وبالفارسية باصلاح آوردن . اى فاصلحوا بين تينك الطائفتين بالنصح والدعاء الى حكم الله قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله من وصل اخاه بنصيحة فى دينه ونظر له فى صلاح دنياه فقد احسن صلته وقال مطرف وجدنا انصح العباد لله الملائكة ووجدنا أغش العباد لله الشياطين يقال من كتم السلطان نصحه والاطباء مرضه والاخوان بثه فقد خان نفسه والاصلاح بين الناس اذا تفاسدوا من اعظم الطاعات واتم القربات وكذا نصرة المظلوم وفى الحديث « الاخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة » قالوا بلى يا رسول الله قال « اصلاح ذات البين » وقال لقمان يا بنى كذب من يقول ان الشر يطفى الشر فان كان صادقا فليوقد نارين ثم لينظر هل تطفئ احداهما الاخرى وانما يطفئ الماء النار وفى الحديث « المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يعيه ولا يتطاول عليه فى البنيان فيستر عنه الريح الا بأذنه ولا يؤذيه بقتار قدره الا ان يغرف له منها ولا يشترى لبنيه الفاكهة فيخرجون بها الى صبيان جاره ولا يطعمونهم منها » وقال بعض العارفين سعى الانسان فى مصالح غيره من اعظم القربات الى الله تعالى وتأمل فى موسى عليه السلام لما خرج يمشى فى الظلمة فى حق اهله ليطلب لهم نارا يصطلون بها ويقضون بها الا امر الذى لا يقضى الا بها فى العادة كيف انتج له ذلك الطلب سماع كلام ربه من غير واسطة ملك فكلمه الله فى عين حاجته وهى النار ولم يكن يخطر له هذا المقام بخاطر فلم يحصل له الا فى وقت السعى فى مصالح العيال وذلك ليعلمه الله بما فى قضاء حوائج العائلة من الفضل فيزيد حرصا فى سعيه فى حقهم لانهم عبيده على كل حال وكذلك لما وقع لموسى الفرار من الاعدآء الذين طلبوا قتله انتج له ذلك القرار الحكم والرسالة كما قال { ففرت منكم لما خفتكم فوهب لى ربى حكما وجعلنى من المرسلين }(14/64)
وذلك لان فراره كان صعيا فى حق الغير الذى هو النفس الناطقة المالكة تدبير هذا البدن فان فرار الاكابر دآئما انما يكون فى حق الغير لا فى حق انفسهم فكان الفار من موسى النفس الحيوانية وكذلك لما خرج الخضر عليه السلام يرتاد الماء للجيش الذى كان معه حين فقدوا الماء فوقع بعين الحياة فشرب منها عاش الى زمننا هذا والحال انه كان لا يعرف ما خص الله به شارب ذلك الماء من الحياة فلما عاد وأخبر أصحابه بالماء سارعوا الى ذلك الموضع ليستقوا منه فأخذ الله بأبصارهم عنه فلم يهتدوا الى موضعه ( كما قال الحافظ )
سكندررانمى بخشند آبى ... بزور وزر ميسر نيست اين كار
فانظر ما انتج له سعيه فى حق الغير واعمل عليه والآية نزلت فى قتال احدث بين الاوس والخزرج فى عهده عليه السلام بالسعف وهى اغصان النخل اذا يبست والنعال فقال ابن عباس رضى الله عنهما ان النبى عليه السلام مريوما على ملأ من الانصار فيهم عبد الله بن ابى المنافق ورسول الله عليه السلام على حماره فوقف عليهم بعضهم فبال حماره أوراث فأمسك عبد الله بن ابى انفه وقال نح عنا نتن حمارك فقد آذيتنا بنتنه فمن جاءك منا فعظه فسمع ذلك عبد الله بن رواحة رضى الله عنه فقال ألحمار رسول الله تقول هذا والله ان بول حمار رسول الله اطيب رآئحة منك فمر عليه السلام وطال الكلام بين عبد الله بن ابى المنافق الخزرجى وعبد الله بن رواحة الاوسى حتى استبا وتجالدا وجاء قوم كل واحد منهما من الاوس والخزرج وتجالدوا بالعصى او بالنعال والايدى او بالسيف ايضا فنزلت الآية فرجع اليهم رسول الله قلنا احدى الطائفتين هى عبد الله بن ابى وعشيرته ولم يكن كلهم منافقين فالآية تتناول المؤمنين منهم او المراد بالمؤمنين من اظهر الايمان سوآء كان مؤمنا حقيقة او ادعاء وقيل فى سبب النزول غير هذا ويحتمل ان تكون الروايات كلها صحيحة ويكون نزول الآية عقيب جميعها وقال ابن بحر القتال لا يكون بالنعال والايدى وانما هذا فى المنتظر من الزمان انتهى .
يقول الفقير فسروا بالقتل بفعل يحصل به زهوق الروح كالضرب بآلة الحرب والمحدد ولو من خشب ونحو ذلك مما يفرق الا جزآء ولا شك ان السعف من قبل الخشب المحدد واما النعال فان بعضها يعمل عمل الخشب المحدد كما شاهدنا فى نعال بعض الاعراب على ان التقال قد يستعمل مجازا فى المحاربة والمضاربة فقد وقع التقال مطلقا فى زمن النبى عليه السلام واما حرف الشرط فاشارة الى انه لا ينبغى ان يصدر التقال من المؤمنين الا فرضا مع ان خصوص السبب لا ينافى عموم الحكم فالآية عامة فى جميع المسلمين الى يوم القيامة على تقدير القتال فاعرف { فان بغت } اى تعدت يقال بغى عليه بغيا علا وظلم وعدل عن الحق واستطال كما فى القاموس واصل البغى طلب ما ليس بمستحق فان البغى الطلب { احداهما } وكانت مبطلة { على الاخرى } وكانت محقة ولم تتأثر اى الباغية بالنصيحة { فقاتلوا التى تبغى } اى قاتلوا الطائفة الباغية { حتى تفيئ } اى ترجع فان الفيء الرجوع الى حالة محمودة { الى امر الله } اى الى حكمه الذى حكم به فى كتابه العزيز وهو المصالحة ورفع العداوة او الى ما امر به وهو الاطاعة المدلول عليها بقوله(14/65)
{ اطيعوا الله واطيعوا لرسول واولى الامر منكم } فأمر الله على الاول واحد الامور وعلى الثانى واحد الاوامر وانما اطلق الفيئ على الظل لرجوعه بعد نسخ الشمس اى ازالتها اياه فان الشمس كلما ازدادت ارتفاعا ازداد الظل انتساخاوزو الا وذلك الى ان توازى الشمس خط نصف النهار فاذا زالت عنه وأخذت فى الانحطاط اخذ الظل فى الرجوع والظهور فلما كان الزوال سببا لرجوع ما نتسخ من الظل اضيف الظل الى الزوال فقيل فيئ الزوال واطلق ايضا على الغنيمة لرجوعها من الكفار الى المسلمين وتلك الاموال وان لم تكن اولا للمسلمين لكنها لما كانت حقهم ليتوسلونها الى طاعته تعالى كانت كأنها لهم اولا ثم رجعت . ومر الاصمعى بحى من احياء العرب فوجد صبيا يلعب مع الصبيان فى الصحرآء ويتكلم بالفصاحة فقال الاصمعى اين اباك يا صبى فنظر اليه الصبى ولم يجب ثم قال اين ابيك فنظر اليه ولم يجب كالاول ثم قال اين ابوك فقال فاء الى الفيفاء لطلب الفيئ فاذا فاء الفيئ فاء اى رجع { فان فاءت } اليه واقلعت عن القتال حذارا من قتالكم { فاصلحوا بينهما بالعدل } والانصاف بفصل ما بينهما على حكم الله ولا تكتفوا بمجرد متاركتهما عسى ان يكون بينهما قتال فى وقت آخر ( قال الحافظ ) جويبار ملك راآب سرشمشيرتست خوش درخت عدل نشان بيخ بدخواهان بكن قل كيخسرو اعظم الخطايا محاربة من يطلب الصلح وتقييد الاصلاح بالعدل ههنا دون الاول لانه مظنة الحيف لوقوعه بعد المقاتلة وهى تورث الاحن فى الغالب وقد أكد ذلك حيث قيل { واقسطوا } اى واعدلوا فى كل ما تأتون وما تذرون من اقسط اذا ازال القسط بالفتح اى الجور يقال اذا جاء القسط بالكسر اى العدل زال القسط بالفتح اى الجور وقال بعضهم الاقساط ان يعطى قسط غيره اى نصيبه ذلك انصاف { ان الله يحب المقسطين } اى العادلين الذين يؤدون لكل ذى حق حقه فيجازيهم باحسن الجزاء ( قال الكاشفى )
عدل راشكر هست جان افزاى ... عدل مشاطه ايست ملك اراى
عدل كن زانكه در ولايت دل ... در بيغمبرى زند عادل
( وقال الحافظ )
شاه رابه بود از طاعت صد ساله وزهد ... قدر يكساعته عمرى كه درو داد كند(14/66)
قال بعض الكبار كل من كان فيه صفة العدل فهو ملك وان كان الحق ما ستخلفه بالخطاب الالهى فان من الخلفاء من اخذ المرتبة بنفسه من غير عهد الهى اليه بها وقام بالعدل فى الرعايا استنادا الى الحق كما قال عليه السلام « ولدت فى زمان الملك العادل » يعنى كسرى فسماه ملكا ووصفه بالعدل ومعلوم ان كسرى فى ذلك العدل على غير شرع منزل لكنه نائب للحق من ورآء الحجاب وخرج بقولنا وقام بالعد فى الرعايا من لم يقم بالعدل كفرعون وامثاله من المنازعين لحدود الله والمغالبين لجنابه بمغالبة رسله فان هؤلاء ليسوا بخلفاء الله تعالى كالرسل ولا نواباً له كالملوك العادلة بلهم اخوان الشياطين قال بعضهم
شه كسرى از ظلم ازان ساده است ... كه در عهد او مصطفى زاده است
اى كان عدله من انعكاس نور انبته صلى الله عليه وسلم فاعرف جدا وفى الآية دلالة على ان الباغى لا يخرج بالبغى عن الايمان لان احدى الطائفتين فاسقة لا محالة اذ اقتتلتا وقد سماهما مؤمنين وبه يظهر بطلان ما ذهب اليه المعتزلة والخوارج من خروج مرتكب الكبيرة عن الايمان ويدل عليه ما روى عن على رضى الله عنه انه سئل وهو القدوة فى قتال اهل البغى أعلمنا اهل الجمل وصفين أمشركون هم فقال لا من الشرك فروا فقيل أمنافقون هم فقال لا ان المنافقين لا يذكرون الله الا قليلا قيل فما حالهم ق لاخواننا بغوا علينا وايضا فيها دلالة على ان الباغى اذا امسك عن الحرب ترك لانه قام الى امر الله وانه يجب معاونة من بغى عليهم بعد تقديم النصح والسعى فى المصالحة بدلالة قوله فأصلحوا بينهما فان النصح والدعاء الى حكم الله اذا وجب عند وجود البغى من الطائفتين فلأن يجب عند وجوده من احداهما اولى لان ظهور اثره فيها اوحى . واعلم ان الباغى فى الشرع هو الخارج على الامام العادل وبيانه فى الفقه فى باب البغاة قال سهل رحمه الله فى هذه الآية الطائفتان هما الروح والقلب والعقل والطبع والهوى والشهوة فان بغى الطبع والهوى والشهوة على العقل والقلب والروح فيقاتل العبد بسيوف المراقبة وسهام المطالعة وانوار الموافقة ليكون الروح والعقل غالبا والهوى والشهوة مغلوبا وقال بعضهم النفس اذا ظلمت على القلب باستيلاء شهواتها واستعلائها فى فسادها يجب ان تقاتل حتى تثخن بالجراحة بسيوف المجاهدة فان استجابت بالطاعة فيعفى عنها لانها هى المطية الى باب الله ولا بد من العدل بين القلب والنفس لئلا يظلم القلب على النفس كما لا يظلم النفس على القلب لان لنفسك عليك حقا نسأل الله اصلاح البال واعتدال الحال(14/67)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)
{ إنما المؤمنون اخوة } جمع الاخ واصله المشارك لآخر فى الولادة من الطرفين او من احدهما او من الرضاع ويستعار فى كل مشارك لغيره فى القبيلة او فى الدين او فى صنعة او فى معاملة اوقى مودة او فى غير ذلك من المناسبات والفرق بين الخلة والاخوة ان الصداقة اذ قويت صارت اخوة فان ازدادت صارت خلة كما فى احياء العلوم وسئل الجنيد قدس سره عن الاخ فقال هو انت فى الحقيقة الا انه غيرك فى الشخص قال بعض اهل اللغة الاخوة جمع الاخ من النسب والاخوان جمع الاخ من الصداقة ويقع احدهما موقع الآخر وفى الحديث « وكونوا عباد الله اخوانا » والمعنى انما المؤمنون منتسبون الى اصل واحد هو الاب الموجب للحياة الفانية فالآية من قبيل التشبيه البليغ المبتنى على تشبيه الايمان بالاب فى كونه سبب الحياة كالاب { فأصلحوا بين اخويكم } الفاء للايذان بأن الاخوة الدينية موجبة للاصلاح ووضع المظهر مقام المضمر مضافاً الى المأمورين للمبالغة فى تأكيد وجوب الاصلاح والتحضيض عليه وتخصيص الاثنين بالذكر لاثبات وجوب الاصلاح فيما فوق ذلك بطريق الاولوية لتضاعف الفتنة والفساد فيه { واتقوا الله } فى كل ما تأتون وما تذرون من الامور التى من جملتها ما امرتم به من الاصلاح وفى التاويلات النجمية واتقوا الله فى اخوتكم فى الدين يحفظ عهودهم ورعاية حقوقهم فى المشهد والمغيب والحياة والممات { لعلكم ترحمون } راجين ان ترحموا على تقواكم كما ترحمون . واعلم ان اخوة الاسلام اقوى من اخوة النسب بحيث لا تعتبر اخوة النسب اذا خلت عن اخوة الاسلام الا ترى انه اذا مات المسلم وله اخ كافر يكون ماله للمسلمين لا لاخيه الكافر وكذا اذا مات اخ الكافر وذلك لان الجامع الفاسد لا يفيد الاخوة وان المعتبر الاصلى الشرعى الا يرى ان ولدى الزنى من رجل واحد لا يتوارثان وهذا المعنى يستفاد من الآية ايضا لان انما للحصر فكأنه قيل لا اخوة الا بين المؤمنين فلا اخوة بين المؤمن والكافر وكسب المرتد حال اسلامه لوارثه المسلم لاستناده الى ما قبل الردة فيكون توريث المسلم من المسلم واما كسبه حال ردته فهو فيئ يوضع فى بيت المال لانه وجد بعد الردة فلا يتصور اسناده الى ما قبلها وفى الحديث « كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة الا سببى ونسبى » مراد باين نسب دين وتقواست نه نسب آب وكل والا ابو لهب رادر ان نصيب بودى ، كما فى كشف الاسرار قال بعض الكبار القرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثلاثة اقسام لانها اما قرابة فى الصورة فقط او فى المعنى فقط او فى الصورة والمعنى فاما القرابة فى الصورة فلا يخلو اما ان تكون بحسب طينته كالسادات الشرفاء او بحسب دينه وعلمه كالعلماء والصالحين والعباد وسائر المؤمنين وكل منهما نسبة صورية واما قرابته عليه السلام فى المعنى فهم الاولياء لان الولى هو ولده الروحى القائم بما تهيأ لقبوله من معناه ولذلك قال صلى الله عليه وسلم(14/68)
« سلمان منا اهل البيت » اشارة الى القرابة المعنوية واما القرابة فى الصورة والمعنى معا فهم الخلفاء والائمة القائمون مقامه سواء كان قبله كأكابر الانبياء الماضين او بعده كالاولياء الكاملين وهذه اعلى مراتب القرابة وتليها القرابة الروحية ثم القرابة الصورية الدينية ثم قرابة الطينية فان جمعت ما قبلها فهى الغاية وقال بعضهم ان الله خلق الارواح من عالم الملكوت والاشباح من عالم الملك ونفخ فيها تلك الارواح وجعل بينها النفوس الامارة التى ليست من قبيل الارواح ولا من قبيل الاشباح وجعلها مخالفة للارواح ومساكنها اى الاشباح فأرسل عليها جند العقول ليدفع بها شرها وهى العقول المجردة والاخروية والا فالعقول الغريزية والدينوية لا تقدر على الدفع بل هى معينة للنفس فاذا امتحن الله عباده المؤمنين هيج نفوسهم الامارة ليظهره حقائق درجاتهم من الايمان والاخوة وامرهم ان يعينوا العقل والروح والقلب على النفس حتى تنهزم لان المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا فهم كنفس واحدة لان صادرهم مصدر واحد وهو آدم عليه السلام ومصدر روح آدم نور المكوت ومصدر جسمه تربة الجنة فى بعض الاقوال ولذلك يصعد الروح الى الملكوت الجسم الى الجنة كما قال عليه السلام « كل شئ يرجع الا اصله » وفى التأويلات النجمية اعلم ان اخوة النسب انما تثبت اذا كان منشأ النطف صلبا واحدا فكذلك اخوة الدين منشأ نطفها صلب النبوة وحقيقة نطفها نور الله فاصلاح ذات بينهم يرفع حجب استار البشرية عن وجوه القلب ليتصل النور بالنور من روزنة القلب ليصيروا كنفس واحدة كما قال عليه السلام « المؤمنون كنفس واحدة ان اشتكى عضو واحد تداعى سائر الجسد بالحمى والسهر » .
بنى آدم اعضاى يكديكرند ... كه در آفرينش زيك جوهرند
جوعضوى بدر دآورد روزكار ... دكر عضوها رانماند قرار
ومن حق الاخوة فى الدين ان تحب لاخيك ما تحب لنفسك ويسرك ما سره ويسوءك ما ساءه وان لا تحوجه الى الاستعانة بك وان استعان تعنه وتنصره ظالما او مظلوما فمنعك اياه عن الظلم فذلك نصرك اياه وفى الحديث « المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه من كان فى حاجة اخيه كان الله فى حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة »(14/69)
ومن حقه ان لا تقصر فى تفقد أحواله بحيث يشكل عليك موضع حاجته فيحتاج الى مسألتك وان لا تلجئه الى الاعتذار بل تبسط عذره فان اشكل عليك وجهه عدت باللائمة على نفسك فى خفاء عذره وتتوب عنه اذا اذنب وتعوده اذا مرض واذا اشار اليك بشئ فلا تطالبه بالدليل وايراد الحجة كما قالوا
لا يسألون اخاهم حين يندبهم ... فى النائبات على ما قال برهانا
اذا استنجدوا لم يسألوا من دعاهمو ... لأية حرب ام باى مكان
والاستنجاد يارى خواستن ، قيل لفيلسوف ما الصديق فقال اسم بلا مسمى وقال فضيل لسفيان دلنى على من اركن اليه فقال ضالة لا توجد وقال ابو اسحق الشيرازى
سألت الناس عن خل وفى ... فقالوا ما الى هذا سبيل
تمسك ان ظفرت بود حر ... فان الحر فى الدنيا قليل
قيل ابعد الناس سفراً من كان سفره فى طلب اخ صالح قال اعرابى اللهم احفظنى من الصديق فقيل له فى ذلك قال الحذر منه اكثر من الحذر من العدو قال على رضى الله عنه اخوان هذا الزمان جواسيس العيوب وقد احسن من قال الاخ الصالح خير لك من نفسك لان النفس امارة بالسوء والاخ لا يأمرك الا بخير وقيل الدنيا بأسرها لا تسع منباغضين وشبر بشبر يسع المتحابين كما قال الحكماء دمددرويش در كليمى بخسبند ودو بادشامدر اقليمى نكنجند . واعلم ان المواخاة امر مسنون من لدن النبى عليه السلام فانه آخى بين المهاجرين والانصار(14/70)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)
{ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر } السخرية ان يحقر الانسان اخاه ويستخفه ويسقطه عن درجته ويعده ممن لا يلتفت اليه اى لا يستهزئ { قوم } اى منكم وهو اسم جمع لرجل { من قوم } آخرين ايضا منكم والتنكير اما للتعميم او للتبعيض والقصد الى نهى بعضهم عن سخرية بعض لما انها مما يجرى بين بعض وبعض فان قلت المنهى عنه هو ان يسخر جماعة من جماعة فيلزم ان لا يحرم سخرية واحد من واحد قلت اختيار الجمع ليس للاحتراز عن سخرية الواحد من الواحد بل هو لبيان الواقع لان السخرية وان كانت بين اثنين الا ان الغالب أن تقع بمحضر جماعة يرضون بها ويضحكون بسببها بدل ما وجب عليهم من النهى شركاء الساخر فى تحمل الوزر ويكونون والانكار ويكونون بمنزلة الساخرين حكما فنهوا عن ذلك يعنى انه من نسبة فعل البعض الى الجميع لرضاهم به فى الاغلب او لوجوده فيما بينهم والقوم مختص بالرجال لانهم قوامون على النساء ولهذا عبر عن الاناث بما هو مشتق من النسوة تفتح النون وهو ترك العمل ويؤيده قول زهير
وما ادرى ولست اخال ادرى ... أقوم آل حصن ام نساء
{ عسى } شايد { ان يكونوا } باشند { خيرا منهم } تعليل للنهى اى عسى ان يكون المسخور منهم خيرا عند الله من الساخرين ولا خبر لعسى لاغناء الاسم عنه { ولا نساء } اى ولا تسخر نساء من المؤمنات وهو اسم جمع لامرأة { من نساء } منهن وانما لم يقل امرأة من رجل ولا بالعكس للاشعار بان مجالسة الرجل المرأة مستقبح شرعا حتى متعوها عن حضور الجماعة ومجلس الذكر لان الانسان انما يسخر ممن يلابسه غالبا { عسى ان يكن } اى المسخور منهن { خيرا منهن } اى من الساخرات فان مناط الخميرية فى الفريقين ليس ما يظهر للناس من الصور والاشكال ولا الاوضاع والاطوار التى عليها يدور امر السخرية غالبا بل انما هو الامور الكامنة فى القلوب فلا يجترئ احد على استحقار أحد فعله اجمع منه لما نيط به من الخيرية عند الله فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله واستهانة من عظمه الله وفى التأويلات النجمية بشير الى انه لا عبرة بظاهر الخلق فلا تنظر الى احد بنظر الا زرآء والاستهانة والاستخفاف والاستحقار لان فى استحقار اخيك عجب نفسك مودع كما نظر ابليس بنظر الحقارة الى آدم عليه السلام فأعجبه نفسه فقال انا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين فلعن الى الابد لهذا المعنى فمن حقر أخاه المسلم وظن انه خير منه يكون ابليس وقته واخوه آدم وقته ولهذا قال تعالى { عسى ان يكونوا خيرا منهم } فبالقوم يشير الى اهل المحبة وارباب السلوك فانهم مخصوصون بهذا الاسم كما قال تعالى(14/71)
{ فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه } يعنى لا ينظر المنتهى من ارباب الطلب بنظر الحقارة الى المبتدئ والمتوسط عسى ان يكونوا خيرا منهم فان الامور بخواتيمها ولهذا قال اوليائى تحت قبابى لا يعرفهم غيرى وقال عليه السلام « رب اشعت اغبر ذى طمرين لايوبه به لو أقسم على الله لأبره » قال معروف الكرخى يوما لتلميذه السرى السقطى قدس الله سرهما اذا كانت لك الى الله حاجة فأقسم عليه بى ومن هنا اخذوا قولهم على ظهر المكاتيب بحرمة معروف الكرخى والله اعلم يقول البغداديون قبر معروف ترياق مجرب وبالنساء يشير الى عوام المسلمين لانه تعالى عبر عن الخواص بالرجال فى قوله { رجال لا تلهيهم تجارة } وقوله { رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } يعنى لا ينبغى لمسلم ما أن ينظر الى مسلم ما بنظر الحقارة عسى ان يكن خيرا منهن الى هذا المعنى يشير . ثم نقول ان للملائكة شركة مع ابليس فى قولهم لآدم { اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك } كان فى نظرهم اليه بالحقارة اعجاب انفسهم مودعا ولكن الملائكة لم يصروا على ذلك الاعجاب وتابوا الى الله ورجعوا مما قالوا فعالجهم الله تعالى باسجادهم لآدم لان فى السجود غاية الهوان والذلة للساجد وغاية العظمة والعزة للمسجود فلما كان فى تحقير آدم هو انه وذلته وعزة الملائكة وعظمتهم امرهم بالسجود لان علاج العال باضدادها فزال عنهم علة العجب وقد أصر ابليس على قوله وفعله ولم يتب فأهلكه الله بالطرد واللعن فكذلك حال من ينظر الى اخيه المسلم بنظر الحقارة ( قال الحافظ )
مكن بجشم حقارت نكاه برمن مست ... كه نيست معصيت وزهدبى مشيت او
قال ابن عباس رضى الله عنه نزلت الآية فى ثابت بن قيس بن شماس رضى الله عنه كان فى اذنه وقر فكان اذا اتى مجلس رسول الله عليه السلام وقد سبقوه بالمجلس وسعوا له حتى يجلس الى جنبه عليه السلام يسمع ما يقول فاقبل ذات يوم وقد فاتته ركعة من صلاة الفجر فلما انصرف النبى عليه السلام من الصلاة اخذ اصحابه مجالسهم فضن كل رجل بمجلسه فلا يكاد يوسع احد لاحد فكان الرجل اذا جاء لا يجد مجلسا فيقوم على رجليه فلما فرغ ثابت من الصلاة اقبل نحو رسول الله يتخطى رقاب الناس وهو يقول تفسحوا تفسحوا فجعلوا يتفسحون حتى انتهى الى رسول الله بينه وبينه رجل فقال له نفسخ فلم يفعل فقال من هذا فقال له الرجل انا فلان فقال بل انت اين فلانة يريد اماله كان يعير بها فى الجاهلية فخجل الرجل ونكس رأسه فأنزل الله هذه الآية ( وروى ) ان قوله تعالى { ولا نساء من نساء } نزل فى نساء النبى عليه السلام عيرن ام سلمة بالقصر او أن عائشة رضى الله عنها قالت ان ام سلمة جميلة لولا انها قصيرة وقيل ان الآية نزلت فى عكرمة بن ابى جهل حين قدم المدينة مسلما بعد فتح مكة فكان المسلمون اذا رأوه قالوا هذا ابن فرعون هذه الامة فشكا ذلك للنبى عليه السلام فقال عليه السلام(14/72)
« لا تؤذوا الاحياء بسبب الاموات » ونزلت الآية
هميشه درصدد عيب جويئ خويشم ... نبودءايم بى عيب ديكران هركز
قال ابو الليث ثم صارت الآية عامة فى الرجال والنساء فلا يجوز لاحد ان يسخر من صاحبه او من احد من خلق اله وعن ابن مسعود البلاء موكل بالقول وانى لأخشى لو سخرت من كلب ان احول كلباً وذلك لان المؤمن ينبغى أن ينظر الى الخالق فانه صنعه لا إلى المخلوق فانه ليس بيده شئ فى الحسن والقبح ونحوهما قيل للقمان ما اقبح وجهك فقال تعيب بهذا على النقش أو على النقاش نسأل الله الوقوف عند امره ونعوذ به من قهره ( قال الحافظ )
نظر كردن بدرويشان منافئ بزركى نيست ... سليمان باجنان حشمت نظرها كرد بامورش
يشير الى التواضع والنظر الى الأدانى بنظر الحكمة { ولا تلمزوا انفسكم } اللمز الطعن باللسان وفى تاج المصادر عيب كردن ، والاشارة بالعين ونحوه والغابر يفعل ويفعل ولم يخص السخرية بما يكون باللسان فالنهى الثانى من عطف الخاص على العام يجعل الخاص كأنه جنس آخر للمبالغة ولهذا قيل
جراحات السنان لها التئام ... ولا يلتام ما جرح اللسان
والمعنى اولا يعب بعضكم بعضا فان المؤمنين كنفس واحدة والافراد المنتشرة بمنزلة اعضاء تلك النفس فيكون ما يصيب واحدا منهم كأنه يصيب الجميع اذا اشتكى عضو واحد من شخص تداعى سائر الأعضاء الى الحمى والسهر فمتى عاب مؤمنا فكأنما عاب نفسه كقوله تعالى { ولا تقتلوا انفسكم } ( ع ) عيب هركس كه كنى هم بتومى كردد باز ، وفى التأويلات النجمية انما قال انفسكم لان المؤمنين كنفس واحدة ان عملوا شرا الى احد فقد عملوا الى انفسهم وان عملوا خيرا الى احد فقد عملوا الى انفسهم كما قال تعالى { ان احسنتم احسنتم لانفسكم وان اسأتم فلها } ( قال الحافظ )
عيب رندان مكن اى زاهد باكيزه سرشت ... كه كناه دكران برتو نخوا هند نوشت
ويجوز ان يكون معنى الآية ولا تفعلوا ما تلمزون به فان من فعل ما يستحق به اللمز فقد لمز نفسه اى تسبب للمز نفسه والا فلا طعن باللسان لنفسه منه فهو من اطلاق المسبب وارادة السبب وقال سعدى المفتى ولا يبعد ان يكون المعنى لا تلمزوا غيركم فان ذلك يكون سببا لان يبحث الملموز عن عيوبكم فيلمزكم فتكونوا لامزين انفسكم فالنظم حينئذ نظير ما ثبت فى الصحيحين من قوله عليه السلام(14/73)
« من الكبائر شتم الرجل والديه » قالوا يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه قال « نعم يسب ابا الرجل فيسب اباه ويسب امه فيسب امه » انتهى
يقول الفقير هو مسبوق فى هذا المعنى فان الامام الراغب قال فى المفردات اللمز الاغتياب وتبع المعايب اى لا تلمزوا الناس فيلمزوكم فتكونوا فى حكم من لمز نفسه انتهى ولا يدخل فى الآية ذكر الفاسق لقوله عليه السلام « اذكروا الفاجر بما فيه كى يحذره الناس » يقول الفقير اشار التعليل فى الحديث الى أن ذكر الفاجحر بما فيه من العيوب انما يصح بهذا الغرض الصحيح وهو ان يحذر الناس منه ومن عمله والا فالامساك مع ان فى ذكره تلويث اللسان الطاهر ولذا نقل عن بعض المشايخ انه لم يلعن الشيطاناذ ليس فيه فائدة سوى اشتغال اللسان بما لا ينبغى فان العداوة له انما هى بمخالفته لا بلعنته فقط وفى الحديث « طوبى لمن يشغله عيبه عن عيوب الناس » وفى الآية اشارة الى ان الانسان لا يخلو عن العيب قيل لسقراط هل من انسان لا عيب فيه قال لو كان انسان لا عيب فيه لكان لا يموت ولذا قال الشاعر
ولست بمستبق اخا لا تلمه ... على شعث اى الرجال المهذب
اى لا مهذب فى الرجال يخلو من التفرق والعيوب فمن اراد اخا مهذبا وطلت صديقا منقحا لا يجده فلا بد من الستر ( قال الصائب )
زديدن كرده ام معزول جشم عي بينى را ... اكر بر خارمى بجم كل بيخارمى بينم
( وقال )
بعيب خويش اكرراه بردمى صائب ... بعيب جويئ مردم جه كارداشتمى
{ ولا تنابزوا بالالقاب } النبز بسكون الباء مصدر نبزه بمعنى لقبه وبالفارسية لقب نهادن . وتنابزوا بالالقاب لقب بعضهم بعضا فان التنابز بالفارسية يكديكررا بقلب خواندن . وبفتحها اللقلب مطلقا اى حسنا كان او قبيحا ومنه قيل فى الحديث قوم نبزهم الرافضة اى لقبهم ثم خص فى العرف باللقب القبيح وهو ما يكره المدعو أن يدعى به واللقلب ما سمى به الانسان بعد اسمه العلم من لفظ يدل على المدح او الذم لمعنى فيه والمعنى ولا يدع بعضكم بعضا بلقب السوء قالوا وليس من هذا قول المحدثين لسليمان الاعمش وواصل الاحدب ونحوه مما تدعو الضرورة اليه وليس فيه قصد استخفاف ولا اذى وفيه اشارة الى ان اللقب الحسن لا ينهى عنه مثل محيى الدين وشمس الدين وبهاء الدين وفى الحديث « من حق المؤمن على اخيه ان يسميه بأحب اسمائه اليه » { بئس الاسم الفسوق بعد الايمان } الاسم هنا ليس ما يقابل اللقب والكنية ولا يقابل الفعل والحرف بل بمعنى الذكر المرتفع لانه من السمو يقال طار اسمه فى الناس بالكرم او باللؤم اى ذكره والفسوق هو المخصوص بالذم وفى الكلام مضاف مقدر وهو اسم الفسوق اى ذكره والمعنى بئس الذكر المرتفع للمؤمنين ان يذكروا بالفسوق بعد دخولهم الايمان واشتهارهم به وفى التأويلات النجمية بئس الاسم اسم يخرجهم من الايمان والمراد به اما تهجين نسبة الكفر والفسوق الى المؤمنين خصوصا اذروى ان الآية نزلت فى صفية بنت حيى رضى الله عنها اتت رسول الله باكية فقالت ان النساء يقلن لى وفى عين المعانى قالت لى عائشة رضى الله عنها يا يهودية بنت يهوديين فقال عليه السلام(14/74)
« هلا قلت ان أبى هرون وعمى موسى وزوجى محمد عليهم السلام » او الدلالة على ان التنابز مطلقا لا بالكفر والفسوق خصوصا فسق الجمع بينه وبين الايمان قبيح فدخل فيه زيد اليهودى وعمرو النصرانى وبكر الكافر وخالد الفاسق ونحو ذلك والعجب من العرب يقولون للمؤمنين من اهل الروم نصارى فهم داخلون فى الذم ولا ينفعهم الافتخار بالانساب فان التفاضل بالتقوى كما سيجيئ ونعم ما قيل
وما ينفع الاصل من هاشم ... اذا كانت النفس من باهله
وما قيل
جه غم زمنقصت صورت اهل معنى را ... جوجان زروم بودكوتن ازحبش مى باش
وفى الحديث « من عير مؤمنا بذنب تاب منه كان حقا على الله أن يبتليه به ويفضحه فيه فى الدنيا والآخرة » وفى الفقه لو قال رجل لصالح يا فاسق ويا ابن الفاسق ويا فاجر ويا خبيث ويا مخنث ويا مجرم ويا مباحى ويا حيفة ويا بليد ويا ابن الخبيثة ويا ابن الفاجرة ويا سارق ويا لص ويا كافر ويا زنديق ويا ابن القحبة ويا ابن قرطبان وبالوطى ويا ملاعب الصبيان ويا آكل الربا ويا شارب الخمر وهو بريئ منه ويا ديوث ويابى نماز ويا منافق ويا خائن ويا مأوى الزوانى ويا مأوى اللصوص ويا حرام زاده يعزر فى هذا كله فى الفتاوى الزينية سئل عن رجل قال لآخر يا فاسق واراد أن يثبت فسقه بالبينة ليدفع التعزير عن نفسه هل تسمع بينته بذلك انتهى وهو ينافى ظاهر ما قالوا من ان المقول له لو لم يكن رجلا صالحا وكان فيه ما قيل فيه من الاوصاف لا يلزم التعزير { ومن لم يتب } عما نهى عنه { فاولئك هم الظالمون } بوضع العصيان موضع الطاعة وتعريض النفس للعذاب والظالم اعم من الفاسق والفاسق اعم من الكافر وفى التأويلات النجمية ومن لم يتب يعنى من مقالة ابليس وفعاله بأن ينظر الى نفسه بالعجب والى غيره بالحقارة فأولئك هم الظالمون فيكونون منخرجين فى سلك اللعنة والطرد مع ابليس كما قال تعالى { الا لعنة الله على الظالمين } انتهى وفيه دلالة بينة على ان الرجل بترك التوبة يدخل مدخل الظلمة فلا بد من توبة نصوح من جميع القبائح والمعاصى لا سيما ما ذكر فى هذا المقام ( قال الصائب )(14/75)
سرمايه نجات بود توبة درست ... با كشتى شكسته بدرياجه ميروى
ومن اصر اخذ سريعا لان اقرب الاشياء صرعة الظلوم وانفذ السهام دعوة المظلوم وتختلف التوبة على حسب اختلاف الذنب فبعض الذنوب يحتاج الى الاستغفار وهو ما دون الكفر وبعضها يحتاج معه الى تجديد الاسلام والنكاح ان كانت له امرأة وكان بعض الزهاد يجدد عند كل ذنب ايمانا بالله وتبرئا من الكفر احتياطا كما فى زهرة الرياص . يقول الفقير يشير اليه القول المروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم « اللهم انى اعوذ بك من أن اشرك بك شيأ وانا اعلم واستغفرك لما لا أعلم » ولا شك ان الانبياء معصومون من الكفر قبل الوحى وبعده باجماع العلماء ومن سائر الكبائر عمدا بعد الوحى فاستغفارهم لا يكون الا عما لا يليق بشأنهم من ترك الاولى ونحوه على ما فصل فى اول سورة الفتح فدل قوله واستغفرك لما لا أعلم على انه قد يصدر من الانسان الذنب وهو لا يشعر وذلك بالنسبة الى الامة قد يكون كفرا وقد يكون غيره فكما لا بد من الاستغفار بالنسبة الى عامة الذنوب فكذا لا بد من تجديد الاسلام بالنسبة الى الكفر وان كان ذلك احتياطا اذ باب الاحتياط مفتوح فى كل شأن الا نادرا وقد صح ان اتيان كلمة الشهادة على وجه العادة لا يرفع الكفر فلا بد من الرجوع قصدا عن قول وفعل ليس فيهما رضى الله وهو باستحضار الذنب ان علم صدوره منه او بالاستغفار مطلقا ان صدر عنه ولو كان ذلك كفرا على انا نقول ان امكان صدور الكفر عام للعوام والخواص ما داموا يصلوا الى غاية الغايات وهى مرتبة الذات الاحدية واليه يشير قول سهل التسترى قدس سره ولو صلوا ما رجعوا الا ترى ان ابليس كفر بالله مع تمكن يده فى الطاعات خصوصا فى العرفان فانه افحم كثيرا من اهل المعرفة لكنه كان من شأنه الكفر والرجوع الى المعصية لانه لم يدخل عالم الذات ولو دخل لم يتصور ذلك منه اذ لا كفر بعد الايمان العيانى ولهذا قال عليه السلام « اللهم انى اسألك ايمانا يباشر قلبى ويقينا ليس بعده كفر فاعرف »(14/76)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)
{ يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن } اى كونوا على جانب منه وابعدوا عنه فان الاجتناب بالفارسية بايك سوشدن . والظن اسم لما يحصل من امارة ومتى قويت ادت الى العلم ومتى ضعفت جدا لم تتجاوز حد التوهم وابهام الكثير لايجاب الاحتياط والتأمل فى كل ظن ظن حتى يعلم انه من اى قبيل وتوضيح المقام ان كثيرا لما بين بقوله من الظن كان عبارة عن الظن فكان المأمور باجتنابه بعض الظن الا انه علق الاجتناب بقوله كثيرا لبيان انه كثير فى نفسه ولا بد لنا من الفرق بين تعريف الظن الكثير وتنكيره فلو عرف وقيل اجتنبوا الظن الكثير يكون التعريف للاشارة الى ما يعرفه المخاطب بأنه ظن كثير غير قليل ولو نكر يكون تنكيره للافراد والبعضية ويكون المأمور باجتنابه بعض افراد الظن الموصوف بالكثرة من غير تعيينه اى بعض هو وفى التكليف على هذا الوجه فائدة جليلة وهى ان يحتاط المطلف ولا يجترئ على ظن ما حتى يتبين عنده انه مما يصح اتباعه ولا يجب الاجتناب عنه ولو عرف لكان المعنى اجتنبوا حقيقة الظن الموصوف بالكثرة او جميع افراده لا ما قل منه وتحريم الظن المعرف تعريف الجنس والاستغراق لا يؤدى الى احتياط المكلف لكون المحرم معينا فيجتنب عنه ولا يجتنب عن غيره وهو الظن القليل سوآء كان ظن سوء وظن صدق ومن المعلوم ان هذا المعنى غير مراد بخلاف ما لو نكر الظن الموصوف بالكثرة فان المحرم حينئذ اتباع الفرد المبهم من افراد تلك الحقيقة وتحريمه يؤدى الى احتياط المكلف الى ان يتبين عنده ان ما يخطر بباله من الظن من اى نوع من انواع الظن فان من الظن ما يجب اتباعه كحسن الظن بالله تعالى وفى الحديث « ان حسن الظن من الايمان » والظن فيما لا قاطع فيه من العمليات كالوتر فانه لما ثبت بخبر الواحد لم يكن مقطوعا به فقلنا بالوجوب فلا يكفر جاحده بل يكون ضالا ومبتدعا لرده خبر الواحد ويقتص لكونه فرضا عمليا وفى الاشباه ويكفر بانكار اصل الوتر والاضحية انتهى
ومن الظن ما يحرم كالظن فى الالهيات اى بوجود الاله وذاته وصفاته وما يليق به من الكمال وفى النبوات فمن قال آمنت بجميع الانبياء ولا اعلم ءآدم نبى ام لا يكفر وكذا من آمن بأن نبينا عليه السلام رسول ولم يؤمن بأنه خاتم الرسل لا نسخ لدينه الى يوم القيامة لا يكون مؤمنا وكالظن حيث يخالفه قاطع مثل الظن بنبوة الحسنين او غيرهما من خلفاء هذه الامة واوليائها مع وجود قوله تعالى { وخاتم النبيين } وقوله عليه السلام « لا نبى بعدى »(14/77)
اى لا مشرعا ولا متابعا فان مثل هذا الظن حرام ولو قطع كان كفرا وكظن السوء بالمؤمنين خصوصا بالرسول عليه السلام وبورثته الكمل وهم العلماء بالله تعالى قال تعالى { وظننتم ظن السوء وكنتم قوماً بورا } وقال عليه السلام « ان الله حرم من المسلم عرضه ودمه وان يظن به ظن السوء » والمراد بعرضه جانبه الذى يصونه من نفسه وحسبه ويتحامى ان ينتقص ( قال الصائب )
بدكمانى لازم بد باطنان افتاده است ... كوشه از خلق جا كردم كمين بند اشتند
ومن الظن ما يباح كالظن فى الامور المعاشية يعنى ظن درامور دنيا ومهمات معاش ودرين صورت بدكمانى موجب سلامت وانتظام مهام است واز قبيل حزم شمرده اند كما قيل
بد نفس مباش وبد كمان باش ... وزفتنه ومكردر امان باش
وفى كشف الاسرار المباح كالظن فى الصلاة والصوم والقبلة امر صاحبه بالتحرى فيها والبناء على غلبة الظن وفى تفسير الكاشفى تحردرى امر قبله وبنا نهادن برغلبة ظن در امور اجتهاديه مندو بست . ومعنى التحرى لغة الطلب وشرعا طلب شئ من العبادات بغالب الرأى عند تعذر الوقوف على حقيقته { ان بعض الظن اثم } يستحق العقاب عليه وذلك البعض كثير وهو تعليل للامر بالاجتناب بطريق الاستئناف التحقيقى والاثم الذنب يستحق العقوبة عليه وهمزته منقلبة من الواو كأنه يثم الاعمال اى يكثرها فان قلبت أليس هذا ميلا الى مذهب الاعتزال قلت بلى لولا التشبيه اى فى كأنه قاله سعدى المفتى وقال ايضا تبع المصنف فى ذلك الزمخشرى واعترض عليه بأن تصريف هذه الكلمة لا تنفك عنه الهمزة بخلاف الواوى وانها من باب علم والواوى من باب ضرب قلت والزمخشرى نفسه ذكرها فى الاساس فى باب الهمزة انتهى ودلت الآية على ان اكثر الظنون من قبيل الاثم لان الشيطان يلقى الظنون فى النفس فتظن النفس الظن الفاسد وعلى ان بعض الظن ليس بأثم بل هو حقيقته وهو ما لم يكن من قبيل النفس بل كان بالفراسة الصحيحة بان يرى القلب بنور اليقين ما جرى فى الغيب وفى الحديث « ان فى كل امة محدثين او مروعين على الشك من الراوى فان يكن فى هذه الامة فان عمر منهم » والمحدث المصيب فى رأيه كأنما حدث بالامر والمروع الذى يلقى الامر فى روعه اى قلبه وفى فتح الرحمن ولا يقدم على الظن الا بعد النظر فى حال الشخص فان كان موسوما بالصلاح فلا يظن به السوء بأدنى توهم بل يحتاط فى ذلك ولا تظنن السوء الا بعد أن لا تجد الى الخير سبيلا ( قال الصائب )
سيلاب صاف شدزهم آغوشئ محيط ... باسينه كشاده كدورت جه ميكند
واما الفساق فلنا ان نظن بهم مثل الذى ظهر منهم وفى منهاج العابدين للامام الغزالى قدس سره اذا كان ظاهر الانسان الصلاح والستر فلا حرج عليك فى قبول صلاته وصدقته ولا يلزمك البحث بأن تقول قد فسد الزمان فان هذا سوء ظن بذلك الرجل المسلم بل حسن الظن بالمؤمنين مأمور به انتهى وفى الحديث(14/78)
« من أتاه رزق من غير مسألة فرده فانما يرده على الله » قال الحسن لا يرد جوآئز الامرآء الامرآئى او أحمق وكان بعض السلف يستقرض لجميع حوآئجه ويأخذ الجوائز ويقضى بها دينه والحيلة فيه أن يشترى بمال مطلق ثم ينقد ثمنه من اى مال شاء وعن الامام الاعظم ان المبتلى بطعام السلطان والظلمة يتحرى ان وقع فى قلبه حله قبل واكل والا لا لقوله عليه السلام استفت قلبك قال الشيخ ابو العباس قدس سره من كان من فقرآء هذا الزمان اكالا لاموال الظلمة مؤثرا للسماع ففيه نزغة يهودية قال تعالى { سماعون للكذب اكالون للسحت } قال سفيان الثورى رضى الله عنه الظن ظنان احدهما اثم وهو أن تظن وتتكلم به والآخر ليس بأنم وهو ان تظن ولا تتكلم به والمراد بأن بعض الظن اثم ما اعلنته وتكلمت به من الظن وعن الحسن كنا فى زمان الظن بالناس حرام فيه وأنت اليوم فى زمان اعمل واسكت وظن بالناس ما شئت اى لانهم اهل لذلك والمظنون موجود فيهم وعنه ايضا ان صحبة الاشرار تورث حسن الظن بالاخيار وطلب المتوكل اجارية الدقاق بالمدينة وكان من اقران الجنيد ومن اكابر مصر فكاد يزول عقله لفرط حبها فقالت لمولاها احسن الظن بالله وبى فانى كفيلة لك بما تحب فحملت اليه فقال لها المتوكل اقرئى فقرأت ان هذا اخى له تسع وتسعون نعجة ولى نعجة واحدة ففهم المتوكل ما ارادت فردها ( وروى ) عن انس رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلم احدى نسائه فمر به رجل فدعاه رسول الله فقال « يا فلان هذه زوجتى صفية » وكانت قد زارته فى العشر الاول من رمضان فقال يا رسول الله ان كنت اظن بغيرك فانى لم اكن أظن بك فقال عليه السلام « ان الشيطان ليجرى من ابن آدم مجرى الدم » كما فى الاحياء وفيه اشارة الى الحذر من مواضع التهم صيانة لقلوب الناس عن سوء الظن ولألسنتهم من الغيبة والى الاتقاء عن تزكية النفس فان النفس والشيطان لهما شأن عجيب فى باب المكر والاغوآء والقاء الفتنة والفساد نسأل الله المنان أن يجعلنا فى أمان { ولا تجسسوا } اصله لا تتجسسوا حذف منه احدى التاءين اى ولا تبحثوا عن عورات المسلمين وعيوبهم تفعل من الجس لما فيه من معنى الطلب فان جس الخبر طلبه والتفحص عنه فاذا نقل الى باب التفعل يحدث معنى التكلف منضما الى ما فيه من معنى الطلب يقا لجسست الاخبار اى تفحصت عنها واذا قيل تجسستها يراد معنى التكليف كالتلمس فانه تفعل من اللمس وهو المس باليد لتعرف حال الشئ فاذا قيل تلمس يحدث معنى التكلف والطلب مرة بعد اخرى وقد جاء بمعنى الطلب فى قوله(14/79)
{ وانا لمسنا السماء } وقرئ بالحاء من الحس الذى هو أثر الجس وغايته ولتقاربهما يقال للمشاعر الحواس بالحاء والجيم وفى المفردات اصل الجس مس العرق وتعرف نبضه للحكم به على الصحة والسقم ومن لفظ الجس اشتق الجاسوس وهو اخص من الحس لانه تعرف ما يدرك الحس والجس تعرف حال ما من ذلك وفى الاحياء التجسس بالجيم فى تطلع الاخبار وبالحاء المهملة فى المراقبة بالعين وفى انسان العيون التحسس للاخبار بالحاء المهملة ان يفحص الشخص عن الاخبار بنفسه وبالجيم أن يفحص عنها بغيره وجاء تحسسوا ولا تجسسوا انتهى وفى تاج المصادر التجسس والتحسس خبر جستن . وفى القاموس الجش تفحص الاخبار كالتجسس ومنه الجاسوس والجسيس لصاحب سر الشضر ولا تجسسوا اى خذوا ما ظاهر ودعوا ما ستر الله تعالى اولا تفحصوا عن بواطن الامور او لا تبحثوا عن العورات والحاسوس الجاسوس او هو فى الخير وبالجيم فى الشر انتهى وفى الحديث « لا تتبعوا عورات المسلمين فان من تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته حتى يفضحه ولو فى جوف بيته » ( قال الصائب )
خيانتهاى بنهان ميكشد آأخر برسوايى ... كه دزد خانكى راشحنه در يازار ميكيرد
وعن جبرآئيل قال يا محمد لو كانت عبادتنا على وجه الارض لعملنا ثلاث حصال سقى الماء للمسلمين واعانة اصحاب العيال وستر الذنوب على المسلمين وعن زيد بن وهب قلنا لابن مسعود رضى الله عنه هل لك فى الوليد بن عقبة بن ابى معيط يعنى جه ميكوبى درحق او . تقطر لحيته خمرا فقال ابن مسعود رضى الله عنه انا قد نهينا عن التجسس فان يظهر لنا شئ نأخذه به وفى الحديث « اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا » والعورات بالتسكين جمع عورة وهى عورة الانسان وما يستحى منه من العثرات والعيوب وفى الحديث « اللهم لا تؤمنا مكرك ولا تنسنا ذكرك ولا تهتك عنا سترك ولا تجعنا من الغافلين » وعنه عليه السلام « من قال عند منامه هذا الدعاء بعث الله اليه ملكا فى احب الساعات اليه فيوقظه » كما فى المقاصد الحسنة قال فى نصاب الاحتساب ويجوز للمحتسب أن يتفحص عن احوال السوقية من غير أن يخبره احد بخيانتهم فان قيل ينبغى ان لا يجوز لانه تجسس منهى فنقول التجسس طلب الخير للشر والاذى وطلب الخير للامر بالمعروف والنهى عن المنكر ليس كذلك فلا يدخل تحت النهى
يقول الفقير وهو مخالف لما سبق عن ابن مسعود رضى الله عنه فان قلت ذلك لكونه غير آمر ومأمور قلت دل قوله تأخذوه به على ولايته من اى وجه كان اذ لا يأخذه الا الوالى او وكيله ويجوز أن يقال لو طلب ابن مسعود خبر الوليد بنفسه للنهى عن المنكر لككان له وجه فلما جاء خبره فى صورة السعاية والهتك اعرض عنه او رأى الستر فى حق الوليد اولى فلم يستمع الى القائل وكان عمر رضى الله عنه يعس ذات ليلة فنظر الى مصباح من خلل باب فاطلع فاذا قوم على شراب لهم فلم يدر كيف يصنع فدخل المسجد فأخرج عبد الرحمن ابن عوف رضى الله عنه فجاء به الى الباب فنظر وقال له كيف ترى أن نعمل فقال ارى والله انا قد أتينا ما نهانا الله عنه لانا تجسسنا واطلعنا على عورة قوم ستروا دوننا وما كان لنا أن نكشف ستر الله فقال ما أراك الا قد صدقت فانصرفا فالمحتسب لا يتجسس ولا يتسور ولا يدخل بيتا بلا اذن فان قيل ذكر فى باب من يظهر البدع فى البيوت انه يجوز للمحتسب الدخول بلا اذن فنقول ذلك فيما ظهر واما اذا خفى فلا يدخل فان ما ستره الله لا بد وأن يستره العبد هذا فى عيوب الغير واما عيوب النفس فالفحص عنها لازم للاصلاح والتزكية وقد عدوا انكشاف عيوب النفس اولى من الكرامات وخوارق العادات فانه ما دام لم تحصل التزكية للنفس لا تفيد الكرامة شيا بل ربما يوقعها فى الكبر والعجب والتطاول فنعوذ بالله تعالى من شرورها وفجورها وغرورها { ولا يغتب بعضكم بعضا } الاغتياب غيبت كردن .(14/80)
والغيبة بالكسر اسم من الاغتياب وفتح الغين غلط اذ هو بفتحها مصدر بمعنى الغيبوبة والمعنى ولا يذكر بعضكم بعضا بالسوء فى غيبته وخلفه وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال « أن تذكر أخاك بما يكره فان كان فيه فقد اغتبته وان لم يكن فيه فقد بهته » اى قلت عليه ما لم يفعله والحاصل ان الغيبة والاغتياب هو أن يتكلم انسان خلف انسان مستور مما فيه من عيب اى بكلام صادق من غير ضرورة قوية الى ذكره ولو سمعه لغمه وان كان ذلك الكلام كذبا يسما بهتانا وهو الذى يتر الديار بلاقع اى خرابا { ايحب احدكم ان يأكل لحم اخيه ميتا } انتصاب ميتا على الحالية من اللحم واللحم المنفصل عن الحى يوصف بانه ميت لقوله عليه السلام « ما ابين من حى فهو ميت » وقيل من الاخ على مذهب من يجوز الحال من المضاف اليه مطلقا وشدده نافع اى قرأ ميتا بالتشديد والكلام تمثيل وتصوير لما يصدر عن المغتاب من حيث صدوره عنه ومن حيث تعلقه بصاحبه على افحش وجه واشنعه طبعا وعقلا وشرعا يعنى شبه الاغتياب من حيث اشتماله على تناول عرض المغتاب باكل لحم الانسان ميتا تشبيها تمثيليا وعبر بالهيئة المشبه بها عن الهيئة المشبهة ولا شك ان الهيئة المشبه بها افحش جنس التناول واقبحه فيكون التمثيل المذكور تصويرا للاغتياب بأقبح الصور وذلك ان الانسان يتألم قلبه من قرض عرضه كما يتألم جسمه من قطع لحمه بل عرضه اشرف من لحمه ودمه فاذا لم يحسن للعاقل اكل لحوم الناس لم يحسن له قرض عرضهم بالطريق الاولى خصوصا ان اكل الميتة هو المتناهى فى كراهة النفوس ونفور الطباع ففيه اشارة الى ان الغيبة عظيمة عند الله وفى قوله ميتا اشارة الى دفع وهم وهو أن يقال الشتم فى الوجه يؤلم فيحرم واما الاغتياب فلا اطلاع عليه للمغتاب فلا يؤلمه فكيف يحرم فدفعه بأن اكل لحم الاخ وهو ميت ايضا لا يؤلمه ومع هذا هو فى غاية القبح لكونه بمراحل عن رعاية حق الاخوة كذا فى حواشى ابن الشيخ .(14/81)
يقول الفقير يمكن أن يقال ان الاغتياب وان لم يكن مؤلما للمغتاب من حيث عدم اطلاعه عليه لكنه فى حكم الايلام اذا لو همعه لغمه على انا نقول ان الميت متألم وان لم يكن فيه روح كما ان السن وهو الضرس متألم اذا كان وجعا وان لم يكن فيه حياة فاعرف { فكرهتموه } الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها من التمثيل كأنه قيل وحيث كان الامر كما ذكر فقد كرهتموه فأضمر كلمة قد لتصحيح دخول الفاء فى الجزآء فالمقصود من تحقيق استكراههم وتقذرهم من المشبه به الترغيب والحث على استكراه ما شبه به وهو الغيبة كأنه قيل اذا تحققت كراهتكم له فليتحقق عندكم كراهة نظيره الذى هو الاغتياب { واتقوا الله } بترك ما امرتم باجتنابه والندم على ما صدر عنكم من قبل وهو عطف على ما تقدم من الاوامر والنواهى { ان الله تواب رحيم } مبالغ فى قبول التوبة وافاضة الرحمة حيث يجعل التائب كمن لم يذنب ولا يخص ذلك بتائب دون تائب بل يعم الجميع وان كثرت ذنوبهم فصيغة المبالغة باعتبار المتعلقات ( روى ) ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا غزا اوسا فرضم الرجل المحتاج الى رجلين موسرين يخدمهما ويتقدم لهما الى المنزل فيهيئ لهما طعامهما وشرابهما فضم سلمان الفارسى الى رجلين فى بعض اسفاره فتقدم سلمان الى المنزل فغلبته عيناه فلم يهيئ لهما شيأ فلما قدما قالا له ما صنعت شيأ فقال لا غلبتنى عيناى قالا له انطلق الى رسول الله فاطلب لنا منه طعاما فجاء سلمان الى رسول الله وسأله طعاما فقال عليه السلام « انطلق الى اسامة بن زيد وقل له ان كان عنده فضل من طعام فليعطك »(14/82)
وكان اسامة خازن رسول الله على رحله وطعامه فأتاه فقال ما عندى شئ فرجع سلمان اليهما فاخبرهما فقالا كان عند اسامة شئ ولكن بخل به فبعثا سلمان الى طائفة من الصحابة فلم يجد عندهم شيا فلما رجع قالوا لو بعثناه الى بئر سميحة لغار ماؤها وسميحة كجهينة بالحاء المهملة بئر بالمدينة غزيرة الماء على ما فى القاموس ثم انطلقا يتجسسان هل عند اسامة ما أمر لهما به رسول الله من الطعام فلما جاآ الى رسول الله قال لهما « مالى أرى خضرة اللحم فى افواهكما » والعرب تسمى الاسود أخضر والاخضر أسود وخضرة اللحم من قبيل الاول كأنه عليه السلام أراد باللحم لحم الميت وقد اسود بطول المكث تصويرا لاغتيابهما باقبح الصور ويحتمل انه عليه السلام أراد بالخضرة النضارة اى نضارة اللحم او نضارة تناوله وفى الحديث « الدنيا حلوة خضرة نضرة » اى غضة طرية ناعمة قالا والله يا رسول ما تناولنا يومنا هذا لحما قال عليه السلام « ظللتما تأكلان لحم اسامة وسلمان » اى انكما قد اغتبتماهما فانزل الله الآية
آنكس كه لواء غيبت افراخته است ... از كوشت مردكان غدا ساخته است
وانكس كه بعيب خلق برداخته است ... زانست كه عيب خويش نشناخته است
وفى الحديث « الغيبة اشد من الزنى » قالوا وكيف قال « ان الرجل يزنى ثم يتوب فيتوب الله عليه وان صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه » كما فى كشف الاسرار وعن ابن عباس رضى الله عنهما الغيبة ادام كلاب الناس وكان ابو الطيب الطاهرى يهجو بنى سامان فقال له نضر بن احمد الى متى تأكل خبزك بلحوم الناس فخجل ولم يعد ( قال الصائب )
كسى كه باك نسازد دهن زغيبت خلق همان كليد در دوزخست مسواكش
( قال الشيخ سعدى ) فى كتاب الكلستان ياد دارم كه وعهد طفوليت متعبد بودم وشب خيز ومولع زهد وبرهيز تاشبى درخدمت بدر نشسته بودم وهمه شب ديده بهم نيسته ومصحف عزيز دركنار كرفته وطائفة كردما خفته بدر را كفتم كه ازاينان بكى سر برنمى آردكه دوركعت نماز بكزارد ودر خواب غفلت جنان رفته اندكه كويى نخفته اند بلكه مرده كفت اى جان بدر اكر تونيز بحفتى به كه دربوستين خلق افتى
نبيند مدعى جز خويشتن را ... كه دارد بردهُ بندار دربيش
اكر جشم دلت را بركشايى ... نه ببنى هيج كس عاجز تراز خويش
وعن انس رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لما عرج بى مررت بقوم لهم اظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبرائيل » فقال هم الذين ياكلون لحوم الناس ويقعون فى اعراضهم وفى الحديث(14/83)
« خمس يفطرون الصائم الكذب والغيبة والنميمة واليمين الكاذبة والنظر بشهوة » رواه انس واول من اغتاب ابليس اغتاب آدم وكان ابن سيرين رحمه الله قد جعل على نفسه اذا اغتاب أن يتصدق بنار ومما يجب التنبيه له ان مستمع الفيبة كقائلها فوجب على من سمعها أن يردها كيف وقد قال النبى عليه السلام « من رد عن عرض اخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة » وقال عليه السلام « المغتاب والمستمع شريكان فى الاثم » وعن ميمون انه أتى بجيفة زنجى فى النوم فقيل له كل منها فقال لم قيل لانك اغتبت عبد فلان فقال ما قلت فيه شيأ قيل لكنك استمعت ورضيت فكان ميمون لا يغتاب احدا ولا يدع احدا أن يغتاب عنده احدا وعن بعض المتكلمين ذكره بما يستخف به انما يكون غيبة اذا قصد الاضرار والشماتة به اما اذا ذكره تأسفا لا يكون غيبة وقال بعضهم رجل ذكر مساوى اخيه المسلم على وجه الاهتمام ومثله فى الواقعات وعلل بأنه انما يكون غيبة أن لو أراد به السب والنقص قال السمرقندى فى تفسيره قلت فيما قالوه خطر عظيم لانه مظنة أن يجر الى ما هو محض غيبة فلا يؤمن فتركها رأسا اقرب الى التقوى واحوط انتهى
وفى هدية المهديين رجل لو اغتاب فريقا لا يأثم حتى يغتاب قوما معروفين ورجل يصلى ويؤذى الناس باليد او اللسان لا غيبة له ان ذكر بما فيه وان أعلم به السلطان حتى يزجره لا يأثم انتهى وفى المقاصد الحسنة ثلاثة ليست لهم غيبة الامام الجائر والفاسق المعلن بفسقه والمبتدع الذى يدعو الناس الى بدعته انتهى
وعن الحسن لا حرمة لفاجر ( وروى ) من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له واذكر الفاجر بما فيه ليحذره الناس كما فى الكواشى واذا جاز نقص عرض الفاسق بغيبته فأولى أن يجوز نقص عرض الكافر كما فى شرح المشارق لابن الملك وسلك بعضهم طريق الاحتياط فطرح عن لسانه ذكر الخلق بالمساوى مطلقا كما حكى انه قيل لابن سيرين مالك لا تقول فى الحجاج شيأ فقال اقول فيه حتى ينجيه الله بتوحيده ويعذبنى باغتيابه ومن هنا أمسك بعضهم عن لعن بزيد وكان فضيل يقول ما لعنت ابليس قط اى وان كان ملعونا فى نفس الامر كما نطق به القرءآن فكيف يلعن من اشتبه حاله وحال خاتمته وعاقبته(14/84)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)
{ يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى } اى من آدم وحوآء عليهما السلام او خلقنا كل واحد منكم من اب وام فالكل سوآء فى الانتساب الى ذكر وانثى ايا كانا فلا وجه للتفاخر بالنسب
الناس من جهة التمثال اكفاه ... ابو همو آدم والام حوآء
فان يكن لهمو من اصلهم نسب ... يفاخرون به فالطين والماء
از نسب آدميانى كه تفاخر ورزند ... ازره دانش وانصاف جه دور افتادند
نرسد فخر كسى رابنسب برد كرى ... جونكه دراصل زيك آدم وحوازادند
نزلت حين أمر النبى عليه السلام بلالا رضى الله عنه ليؤذن بعد فتح مكة فعلا ظهر الكعبة فأذن فقال عتاب بن اسيد وكان من الطلقاء الحمد لله الذى قبض ابى حتى لم ير هذا اليوم وقال الحارث بن هشام اما وجد رسول الله سوى هذا الغراب يعنى بلالا وخرج ابو بكر بن ابى داود فى تفسير القرءآن ان الآية نزلت فى ابى هند حين أمر رسول الله نبى بياضة أن يزوجوه امرأة منهم فقالوا يا رسول الله تتزوج بناتنا مواليها فنزلت وفيه اشارة الى ان الكفاءة فى الحقيقة انما هى بالديانة اى الصلاح والحسب والتقوى والعدالة ولو كان مبتدعا والمرأة سنية لم يكن كفؤا لها كما فى النتف وسئل الرستغفنى عن المناكحة بين اهل السنة وبين اهل الاعتزال فقال لا يجوز كما فى مجمع الفتاوى { وجعلناكم شعوبا وقبائل } وشمارا شاخ شاخ كرديم وخاندان خاندان . والشعب بفتح الشين الجمع العظيم المنتسبون الى اصل واحد وهو يجمع القبائل والقبيلة تجمع العمائر والعمارة بكسر العين تجمع البطون والبطون تجمع الافخاذ والفخذ تجمع الفضائل والفضيلة تجمع العشائر وليس بعد العشيرة حى يوصف به كما فى كشف الاسرار فخزيمة شعب وكنانة وقبيلة وقريش عمارة وقصى بطن وهاشم فخذ والعباس فضيلة وسميت الشعوب لان القبائل تتشعب منها كتشعب اغصان الشجرة وسميت القبائل لانها يقبل بعضها على بعض من حيث كونها من اب واحد وقيل الشعوب بطون العجم والقبائل بطون العرب والاسباط من بنى اسرآئيل والشعوب من قحطان والقبائل من عدنان { لتعارفوا } اصله لتتعارفوا حذفت احدى التاءين اى ليعرف بعضكم بعضا بحسب الانساب فلا يعتزى احد الى غير آبائه لا لتتفاخروا بالآباء والقبائل وتدعوا التفاوت والتفاضل فى الانساب ( وقال الكاشفى ) يعنى دوكس كه بنام متحد باشند بقبيلة متميز ميشوند جنانجه زيد تميمى از زيد قرشى { ان اكرمكم عند الله أتقاكم } تعليل للنهى عن التفاخر بالانساب المستفاد من الكلام بطريق الاستئناف التحقيقى كأن قيل ان الاكرم عنده تعالى هو الأتقى وان كن عبدا حبشيا اسود مثل بلال فانفاخرتم ففاخروا بالتقوى وبفضل الله ورحمته بل بالله تعالى ألا ترى الى قوله عليه السلام(14/85)
« انا سيد ولد آدم ولا فخر » اى ليس الفخر لى بالسيادة والرسالة بل العبودية فانها شرف اى شرف وكفى شرفا تقديم العبد على الرسول فى قوله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ( وروى ) ان رسول الله عليه السلام مر فى سوق المدينة فرآى غلاما اسود يقول من اشترانى فعلى شرط ان لا يمنعنى عن الصلوات الخمس خلف رسول الله فاشتراه رجل فكان رسول الله يراه عند كل صلاة ففقده فسأل عنه صاحبه فقال محموم فعاده ثم سأل عنه بعد ايام فقيل هو كابه اى متهيئ للموت الذى هو لاحق به فجاءه وهو فى بقية حركته وروحه فتولى غسله ودفنه فدخل على المهاجرين والانصار امر عظيم فنزلت الآية { ان الله عليم } بكم وبأعمالكم { خبير } ببواطن احوالكم قال ابن الشيخ فى حواشيه والنسب وان كان معتبرا عرفا وشرعا حتى لا تتزوج الشريفة بالنبطى قال فى القاموس النبط محركة جيل ينزلون بالبطائح بين العراقين وهو نبطى محركة انتهى الا انه لا عبرة به عند ظهور ما هو اعظم قدراً منه وأعز وهو الايمان والتقوا كما لا تظهر الكواكب عند طلوع الشمس فالفاسق وان كان قرشى النسب وقارون النشب لا قدر له عند المؤمن التقى وان كان عبداً حبشيا والامور التى يفتخر بها فى الدنيا وان كانت كثيرة لكن النسب اعلاها من حيث انه ثابت مستمر غير مقدور التحصيل لمن ليس له ذلك بخلاف غيره كالمال مثلا فانه قد يحصل للفقير مال فيبطل افتخار المفتخر به عليه وكذا الاولاد والبساتين ونحوها فلذلك خص الله النسب بالذكر وابطال اعتباره بالنسبة الى التقوى ليعلم منه بطلان اعتبار غيره بطريق الاولى انتهى وفى الحديث « ان ربكم واحد وأبوكم واحد لا فضل لعربى على عجمى ولا لعجمى على عربى ولا لأحمر على اسود ولا لأسود على احمر الا بالتقوى » وعلى هذا اجماع العلماء كما فى بحر العلوم هركرا تقوى بيشتر قدم اودر مرتبة فضل بيشتر ، الشرف بالفضل والادب لا بالاصل والنسب
يا ادب باش تا بزرك شوى ... كه بزركى نتيجة ادبست
قال بعض الكبار المفاضلة بين الخلق عند الله لنسبهم لا لنسبتهم فهم من حيث النسبة واحد ومن حيث النسب متفاضلون ان أكرمكم عند الله أتقاكم ولا يصح التفاضل بالاعمال فقد يسبق التابع المتبوع ولو كان الشرف للاشياء من حيث شأنها او مواطنها لكان الشرف لابليس على آدم فى قوله { خلقتنى من نار وخلقته من طبن } ولكن لما كان الشرف اختصاصا الهيا لا يعرف الا من جانب الحق تعالى جهل ابليس فى مقالته تلك وصح الشرف لادم عليه السلام عليه والخيرية وسئل عيسى عليه السلام اى الناس اشرف فقبض قبضتين من تراب ثم قال اى هذين اشرف ثم جمعهما وطرحهما وقال الناس كلهم من تراب وأكرمهم عند الله أتقاهم قال سلمان الفارسى رضى الله عنه(14/86)
ابى الاسلام لا اب لى سواه ... اذا افتخروا بقيس او تميم
وفى الحديث « ان الله لا ينظر الى صوركم واعمالكم ولكن ينظر الى قلوبكم ونياتكم »
رءراست با يدنه الاى راست ... كه كافر هم از روى صورت جوماست
وقال عليه السلام « يا أيها الناس انما الناس رجل مؤمن تقى كريم على الله وفاجر شقى هين على الله » وعن ابن عباس رضى الله عنهما كرم الدنيا الغنى وكرم الآخرة التقوى ( وروى ) عن ابى هريرة رضى الله عنه ان الناس يحشرون يوم القيامة ثم يوقفون ثم يقول الله لهم « طالما كنتم تكلمون وانا ساكت فاسكتوا اليوم حتى أتكلم انى رفعت نسبى وابيتم الا انسابكم قلت ان أكرمكم عندى أتقاكم وابيتم انتم فقلتم لا بل فلان ابن فلان وفلان ابن فلان فرفعتم انسابكم ووضعتم نسبى فاليوم أرفع نسبى واضع انسابكم سيعاهل الجمع اليوم من اصحاب الكرم » اين المتقون كما فى كشف الاسرار قال الشافعى اربعة لا يعبأ الله بهم يوم القيامة زهد خصى وتقوى جندى واماتة امرأة وعبادة صبى وهو محمول على الغالب كما فى المقاصد الحسنة قال فى التأويلات النجمية يشير بقوله تعالى { يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى } الى خلق القلوب انها خلقت من ذكر وهو الروح وانثى وهى النفس وجعلناكم شعوبا وقبائل اى جعلناها صنفين صنف منها شعوب وهى التى تميل الى امها وهى النفس والغالب عليها صفات النفس وصنف منها قبائل وهى التى تميل الى ابيها وهو الروح والغالب عليها صفات الروح لتعارفوا اى لتتعارفوا اصحاب القلوب وارباب النفوس لا لتتكاثروا وتتنافسوا وتباهوا بالعقول والاخلاق الروحانية الطبيعية فانها ظلانية لا يصلح شئ منها للتفاخر به ما لم يقرن به الايمان والتقوى فان تنورت الافعال والاخلاق والاحوال بنور الايمان والتقوى فلم تكن الافعال مشوبة بالرياء ولا الاخلاق مصحوبة بالاهوآء ولا الاحوال منسوبة الى الاعجاب فعند ذلك تصلح للتفاخر والمباهاة بها كما قال تعالى { ان أكرمكم عند الله أتقاكم } وقال عليه السلام « الكرم التقوى فأتقاهم من يكون ابعدهم من الاخلاق الانسانية واقربهم الى الاخلاق الربانية والتقوى هو التحرز والمتقى من يتحرز عن نفسه بربه وهو أكرم على الله من غيره » انتهى(14/87)
قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
{ قالت الأعراب آمنا } الاعراب اهل البادية وقد سبق تفصيله فى سورة الفتح والحاق التام بالفعل المسند اليهم مع خلوه عنها فى قوله { وقال نسوة فى المدينة } للدلالة على نفصان عقلهم بخلافهن حيث لمن امرأة العزيز فى مراودتها فتاها وذلك يليق بالعقلاء نزلت فى نفر من بنى اسد قدموا المدينة فى سنة جدب فأظهروا الشهادتين فكانوا يقولون لرسول الله عليه السلام اتتك العرب بأنفسها على ظهور رواحلها واتيناك بالاثقال والعيال والذرارى ولم نقاتلك كما قتلك بنوا فلان يرون الصدق ويمنون عليه عليه السلام ما فعلوا { قل } ردا لهم { لم تؤمنوا } اذ الايمان هو التصديق بالله وبرسوله المقارن للثقة بحقيقة المصدق وطمأنينة القلب ولم يحصل لكم ذلك والا لما مننتم على ما ذكرتم من الاسلام وترك المقاتلة كما ينبئ عنه آخر السورة يعنى ان التصديق الموصوف مسبوق بالعلم بقبح الكفر وشناعة المقاتلة وذلك يأبى المن وترك المقاتلة فان العاقل لا يمن بترك ما يعلم قبحه { ولكن قولوا أسلمنا } اسلم بمعنى دخل فى السلم كأصبح وامسى وأشتى اى قولوا دخلنا فى السلم والصلح والانقياد مخافة أنفسنا فان الاسلام انقياد ودخول فى السلم واظهار الشهادة وترك المحاربة مشعر به اى بالانقياد والدخول المذكور وايثار ما عليه النظم الكريم على أن يقال لا تقولوا آمنا ولكن قولوا أسلمنا او لم تؤمنوا ولكن اسلمتم ليتقابل جملتا الاستدراك للاحتراز عن النهى عن التلفظ بالايمان فأن ظاهره مستقبح سيما ممن بعث للدعوة الى القول به وللتفادى عن اخراج قولهم مخرج التسليم والاعتداد به مع كونه تقولا محضا قال سعدى المفتى والظاهر ان النظم من الاحتباك حذف من الاول ما يقابل الثانى ومن الثانى ما يقابل الاول والاصل قل لم تؤمنوا فلا تقولوا آمنا ولكن أسلمتم فقولوا أسلمنا وهذا من اختصارات القرءآن { ولما يدخل الايمان فى قلوبكم } حال من ضمير قولوا اى ولكن قولوا أسلمنا او لم تؤمنوا ولكن اسلمتم ليتقابل جملتا الاستدراك للاحتراز عن النهى عن التلفظ بالايمان فأن ظاهره مستقبح سيما ممن بعث للدعوة الى القول به وللتفادى عن اخراج قولهم مخرج التسليم والاعتداد به مع كونه تقولا محضا قال سعدى المفتى والظاهر ان النظم من الاحتباك حذف من الاول ما يقابل الثانى ومن الثانى ما يقابل الاول والاصل قل لم تؤمنوا فلا تقولوا آمنا ولكن أسلمتم فقولوا أسلمنا وهذا من اختصارات القرءآن { ولما يدخل الايمان فى قلوبكم } حال من ضمير قولوا اى ولكن قولوا أسلمنا حل عدم مواطأة قلوبكم لألسنتكم وما فى لما من معنى التوقع مشعر بأن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد { ولما يدخل الايمان فى قلوبكم } حال من ضمير قولوا اى ولكن قولوا أسلمنا حال عدم مواطأة قلوبكم لألسنتكم وما فى لما من معنى التوقع مشعر بأن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد { وأن تطيعوا الله ورسوله } بالاخلاص وترك النفاق { لا يلتكم من اعمالكم شيأ } اى لا ينقصكم شيأ من اجورها من لات يليت ليتا اذا نقص قال الامام معنى قوله لا يلتكم انكم ان اتيتم بما يليق بضعفكم من الحسنة المقرونة بالاخلاص وترك النفاق فهو تعالى يأتكم بما يليق بفضله من الجزآء لا ينقص منه نظرا الى ما فى حسناتكم من النقصان والتقصير وهذا لان من حمل الى ملك فاكهة طيبة يكون ثمنها فى السوق درهما مثلا وأعطاه الملك درهما او دينارا انتسب الملك الى قلة العطاء بل الى البخل فليس معنى الآية أن يعطى من الجزآء مثل عملكم من غير نقص بل المعنى يعطى ما تتوقعون بأعمالكم من غير نقص ويؤيد ما قاله قوله تعالى { ان الله غفور } لما فرط من المطيعين { رحيم } بالتفضل عليهم قال فى بحر العلوم فى الآية ايذان بأن حقيقة الايمان التصديق بالقلب وان الاقرار باللسان واظهار شرآئعه بالايذان ليس بأيمان وفى التأويلات النجمية يشير الى ان حقيقة الايمان ليست مما يتناول باللسان بل هو نور يدخل القلوب اذا شرح الله صدر العبد للاسلام كما قال تعالى(14/88)
{ فهو على نور من ربه } وقال عليه السلام فى صفة ذلك النور « اذا وقع فى القلب انفسح له واتسع » « قيل يا رسول الله هل لذلك النور علامة يعرف بها قال » بلى التجا فى عن دار الغرور والا نابة الى دار الخلود واستعداد الموت قبل نزوله ولهذا قال تعالى { ولما يدخل الايمان فى قلوبكم } فهذا دليل على ان محل الايمان القلب « انتهى وفى علم الكلام ذهب جمهور المحققين الى ان الايمان التصديق القلب وانما الاقرار شرط لا جزؤه لاجرآء الاحكام فى الدنيا كالصلاة عليه فى وقت موته لما ان تصديق القلب امر باطن لا يطلع عليه احد لا بد له من علامة فمن صدق بقلبه ولم يقر بلسانه فهو مؤمن عند الله لوجود التصديق القلبى وان لم يكن مؤمنا فى احكام الدنيا لانتفاء شرطه واما من جعل الاقرار ركنا من الايمان فعنده لا يكون تارك الاقرار مؤمنا عند الله ولا يستحق النجاة من خلود النار ومن اقر بلسانه ولم يصدق بقلبه كالمنافق هو مؤمن فى احكام الدنيا وان لم يكن مؤمنا عند الله وهذا المذكور من ان الايمان هو التصديق القلبى والاقرار باللسان لاجرآء الاحكام هو الختيار الشيخ ابى منصور رحمه الله والنصوص معاضدة لذلك قال الله تعالى { اولئك كتب فى قلوبهم الايمان } وقال الله تعالى { وقلبه مطمئن بالايمان } وقال الله تعالى ولما يدخل الايمان فى قلوبكم وقال عليه السلام(14/89)
« اللهم ثبت قلبى على دينك » اى على تصديقك وقال عليه السلام لعلى رضى الله عنه حين قتل « من قال لا اله الا الله هل شققت قلبه » وفى فتح الرحمن حقيقة الايمان لغة التصديق بما غاب وشرعا عند ابى حنيفة رحمه الله تصديق بالقلب وعمل باللسان وعند الثلاثة عقد بالجنان ونطق باللسان وعمل بالاركان فدخل كل الطاعات انتهى ق لابن الملك فى شرح المشارق ثم الاقرار باللسان ليس جزأ من الايمان ولا شرطاله عند بعض علمائنا بل هو شرط لاجرآء احكام المسلمين على المصدق لان الايمان عمل القلب وهو لا يحتاج الى الاقرار وقال بعضهم انه جزء منه لدلالة ظواهر النصوص عليه الا ان الاقرار لما كان جزأ له شائبة العرضية والتبعية اعتبروا فى حالة الاختيار جهة الجزئية حتى لا يكون تاركه مع تمكنه منه مؤمنا عند الله وان فرض انه مصدق وفى حالة الاختيار جهة الجزئية حتى لا يكون تاركه مع تمكنه منه مؤمنا عند الله وان فرض انه مصدق وفى حالة الاضطرار جهة العرضية فيسقط وهذا معنى قولهم الاقرار ركن زآئد اذ لا معنى لزيادته الا ان يحتملى السقوط عند الاكراه على كلمة الكفر فان قيل ما الحكمة فى جعل عمل جارحة جزأ من الايمان ولم عين به عمل اللسان دون اعمال سائر الاركان قلنا لما اتصف الانسان بالايمان وكان التصديق عملا لباطنه جعل عمل ظاهره داخلا فيه تحقيقا لكمال اتصافه به وتعين له فعل اللسان لانه مجبول للبيان او لكونه اخف وابين من عمل سائر الجسد نعم يحكم باسلام كافر لصلاته بجماعة وان لم يشاهد قراره لان الصلاة المسنونة لا تخلو عنه وقال الشيخ عز الدين ابن عبد السلام المقدسى النطق بكلمتى الشهادة واجب فمن علم وجوبهما وتمكن من النطق بهما فلم ينطق فيحتمل ان يجعل امتناعه من النطق بهما كامتناعه من الصلاة فيكون مؤمنا غير مخلد فى النار لان الايمان هو التصديق المحض بالقلب واللسان ترجمانه وهذا هو الاظهر اذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من النا رمن كان فى قلبه مثقال ذرة من الايمان ولا يعدم الايمان من القلب بالسكوت عن النطق الواجب كما لا يعدم بترك الفعل الواجب انتهى
وقال سهل رضى الله عنه ليس فى الايمان اسباب انما الاسباب فى الاسلام والمسلم محبوب للخلق والمؤمن غنى عن الخلق وقال بعض الكبار المسلم فى عموم الشريعة من سلم الناس من لسانه ويده وفى خصوصها من سلم كل شئ من لسانه بما يعبر نه ويده فيما له فيه نفوذ الاقتدار والمؤمن منور الباطن وان عصى والكافر مظلم الباطن وان أتى بمكارم الاخلاق ومن قال انا مؤمن ان شاء الله فما عرف الله كما ينبغى وقال بعض الكبار كل من آمن عن دليل فلا وثوق بايمانه لانه نظرى لا ضرورى فهو معرض للشبه الفادحة فيه بخلاف الايمان الضرورى الذى يجده المؤمن فى قلبه ولا يقدر على دفعه وكذا القول فى كل علم حصل عن نظر وفكر فانه مدخول لا يسلم من دخول الشبه عليه ولا من الحيرة فيه ولا من القدح فى الامر الموصل اليه ولا بد لكل محجوب من التقليد فمن اراد العلم الحق الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فليكثر من الطاعات والنوافل حتى يحبه الحق فيعرف الله بالله ويعرف جميع احكام الشريعة بالله لا بعقله ومن لم يكثر مما ذكر فليقلد ربه فيما اخبر ولا يؤول فانه اولى من تقليد العقل(14/90)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)
{ انما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا } اى آمنوا ثم لم يقع فى نفوسهم شك فيما آمنوا به ولا اتهام لمن صدقوه واعترفوا بأن الحق معه من ارتاب مطاوع رابه اذا اوقعه فى الشك فى الخبر مع التهمة للمخبر فظهر الفرق بين الريب والشك فان الشك تردد بين نقيضين لا تهمة فيه وفيه اشارة الى أن فيهم ما يوجب نفى الايمان عنهم وهو الارتياب وثم للاشعار بأن اشتراط عدم الارتياب فى اعتبار الايمان ليس فى حال انشائه فقط بل وفيما يستقبل فهى كما فى قوله تعالى { ثم استقاموا } { وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله } فى طاعته على تكثير فنونها من العبادات البدنية المحضة والمالية الصرفة والمشتملة عليهما معا كالحج والجهاد { اولئك } الموصوفون بما ذكر من الاوصاف الجميلة { هم الصادقون } اى الذين صدقوا فى دعوى الايمان لا غيرهم فهو قصر افراد وتكذيب لاعراب بنى اسد حيث اعتقدوا الشركة وزعموا أنهم صادقون ايضا فى دعوى الايمان . واعلم ان الآية الكريمة شاملة لمجامع القوى التى وجب على كل احد تهذيبها واصلاحها تطهيرا لنفسه الحاصل به الفوز بافلاح والسعادة كلها كما قال تعالى { قد افلح من زكاها } وهى قوة التفكر وقوة الشهوة وقوة الغضب اللاتى اذا اصلحت ثلاثتها وضبطت حصل العدل الذى قامت به السموات والارض فانها جميع مكارم الشريعة وتزكية النفس وحسن الخلق المحمود ولاصالة الاولى وجلالتها قدمت على الاخيرتين فدل بالايمان بالله ورسوله مع نفى الارتياب على العلم اليقينى والحكمة الحقيقية التى لا يتصور حصولها الا باصلاح قوة التفكر ودل بالمجاهدة بالاموال على العفة والجود التابعين بالضرورة لاصلاح قوة الشهوة وبالمجاهدة بالانفس على الشجاعة والحلم التابعين لاصلاح قوة الحمية الغضبية وقهرها واسلامها للدين وعليه دل قوله تعالى { خذ الفعو واثمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } فان العفو عمن ظلم هو كمال الحلم والشجاعة واعطاء من حرم كمال العفة والجود ووصل من قطع كمال الفضل والاحسان . واعلم ايضا ان جميع كمالات النفس الانسانية محصورة فى القوى الثلاث وفضائلها الاربع اذ العقل كماله العلم والعفة كمالها الورع والشجاعة كما لها المجاهدة والعدل كماله الانصاف وهى اصول الدين على التحقيق وفى الآية رد للدعوى وحث على الاتصاف بالصدق قال بعضهم لولا الدعاوى ما خلقت المهاوى فمن ادعى فقد هوى فيها وان كان صادقا ألا تراه يطالب بالبرهان ولو لم يدع ما طولب بدليل ( قال الحافظ )
حديث مدعيان وخيال همكاران ... همان حكايت زرد وزو بور يابافست
وفى الحديث « يا ابا بكر عليك بصدق الحديث والوفاء بالعهد وحفظ الامانة فانها وصية الانبياء » ( قال الحافظ )
طريق صدق بياموز ازاب صافى دل ... بر استى طلب آزادكى جوسر وجمن
وأتى رسول الله التجار فقال « يا معشر التجار ان الله باعثكم يوم القيامة فجارا الا من صدق ووصل وأدى الامانة » وفى الحديث « التجار هم الفجار » قيل ولم يا رسول الله وقد أجل الله البيع فقال « لانهم يحلفون فيأثمون ويتحدثون فيكذبون » ( قال الصائب )
كعبه دركام نخستين كند استقبالت ... ازسر صدق اكر همنفس دل باشى
فاذا صدق الباطن صدق الظاهر اذ كل اناء يترشح بما فيه وكل احد يظهر ما فيه بفيه(14/91)
قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16)
{ قل } روى انه لما نزلت الآية السابقة جاء الاعراب وحلفوا أنهم مؤمنون صادقون فنزل لتكذيبهم قوله تعالى قل يا محمد لهم { أتعلمون الله بدينكم } دخلت الباء لان هذا التعليم بمعنى الاعلام والاخبار أى أتخبرون الله بدينكم الذى أنتم عليه بقولكم آمنا والتعبير عنه بالتعليم لغاية تشنيعهم والاستفهام فيه للتوبيخ والانكار أى لا تعرفوا الله بدينكم فانه عالم به لا يخفى عليه شئ وفيه اشارة الى ان التوقيف فى الامور الدينية معتبر واجب وحقيقتها موكولة الى الله فالاسامى منه تؤخذ والكلام منه يطلب وأمره يتبع { والله يعلم ما فى السموات والارض } حال من فاعل تعلمون مؤكدة لتشنيعهم { والله بكل شئ عليم } لا يحتاج الى اخباركم تذييل مقرر لما قبله اى مبالغ فى العلم بجميع الاشياء التى من جملتها ما اخفوه من الكفر عند اظهارهم الايمان وفيه مزيد تجهيل وتوبيخ لهم حيث كانوا يجتهدون فى ستر احوالهم واخفائها وفى التأويلات النجمية والله يعلم ما فى سموات القلوب من استعدادها فى العبودية وما فى ارض النفوس من تمردها عن العبودية والله بكل شئ جبلت القلوب والنفوس عليه عليم لانه تعالى اودعه فيها عند تخمير طينة آدم بيده انتهى قال بعض الكبار لا تضف الى نفسك حالا ولا مقاما ولا تخبر احدا بذلك فان الله تعالى كل يوم هو فى شان فى تغيير وتبديل يحول بين المرء وقلبه فربما ازالك عما اخبرت به وعزلك عما تخليت ثباته فتحجل عند من اخبرته بذلك بل احفظ ذلك ولا تعلمه الى غيرك فان كان الثبات والبقاء علمت انه موهبة فلتشكر الله ولتسأله التوفيق للشكر وان كان غير ذلك كان فيه زيادة علم ومعرفة ونور وتيقظ وتأديب انتهى فظهر من هذا ان الانسان يخبر غالبا بما ليس فيه او بما سيزول عنه والعياذ بالله من سوء الحال ودعوى الكمال قال بعضهم اياكم ثم اياكم والدعوات الصادقة والكاذبة فان الكاذبة تسود الوجه والصادقة تطفئ نور الايمان او تضعفه واياكم والقول بالمشاهدات والنظر الى الصور المستحسنات فان هذا كله نفوس وشهوات ومن احدث فى طريق القوم ما ليس فيها فليس هو منا ولا فينا فاتبعوا ولا تبتدعوا وأطيعوا ولا تمرقوا ووحدوا ولا تشركوا وصدقوا الحق ولا تشكوا واصبروا ولا تجزعوا واثبتوا ولا تتفرقوا واسألوا ولا تسأموا وانتظروا ولا تيأسوا وتواخوا ولا تعادوا واجتمعوا على الطاعة ولا تفرقوا وتطهروا من الذنوب ولا تلطخوا وليكن احدكم بواب قلبه فلا يدخل فيه الا ما امره الله به وليحذر احدكم ولا يركن وليخف ولا يأمن وليفتتس ولا يغفل(14/92)
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)
{ يمنون عليك أن اسلموا } اى يعدون اسلامهم منة عليك وهى النعمة التى لا يطلب موليها ثوابا ممن أنعم بها عليه من المن بمعنى القطع لان المقصود به قطع حاجته مع قطع النظران يعوضه المحتاج بشئ وقيل النعمة الثقيلة من المن الذى يوزن به وهو رطلان يقال من عليه منة اى أثقله بالنعمة قال الراغب المنة النعمة الثقيلة ويقال ذلك على وجهين احدهما أن يكون ذلك بالفعل فيقال من فلان على فلان اذا أثقله بالنعمة وعلى ذلك قوله تعالى { لقد من الله على المؤمنين } وذلك فى الحقيقة لا يكون الا لله تعالى والثانى أن يكون ذلك بالقول وذلك مستقبح فيما بين الناس الا عند كفران النعمة ولقبح ذلك قيل المنة تهدم الصنيعة ولحسن ذكرها عند الكفران قيل اذا كفرت النعمة حسنت المنة وقوله تعالى يمنون عليك الخ فالمنة منهم بالقول ومنة الله عليهم بالفعل وهو هدايته اياهم { قل لا تمنوا على اسلامكم } اى لا تعدوا اسلامكم منة على اولا تمنوا على باسلامكم فنصبه بزع الخافض { بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان } على ما زعمتم من انكم ارشدتم اليه وبالفارسيرة بلكه خداى تعالى منت مينهد برشماكه راه نموده است شمارا بايمان { ان كنتم صادقين } فى ادعاء الايمان وجوابه محذوف يدل عليه ما قبله اى فلله المنة عليكم وفى سياق النظم الكريم من اللطف ما لا يخفى فانهم لما سمعوا ما صدر عنهم ايمانا ومنوا به نفى كونه ايمانا وسماه اسلاما فقال يمنون عليك بما هو فى الحقيقة اسلام اى دخول فى السلم وليس بجدير بالمن لانه ليس له اعتداء شرعا ولا يعد مثله نعمة بل لو صح ادعاؤهم للايمان فلله المنة عليهم بالهداية اليه لا لهم وسئل بعض الكبار عن قوله تعالى { بل الله يمن عليكم } مع انه تعالى جعل المن اذا وقع منا على بعضنا من سفساف الاخلاق فقال فى جوابه هذا من علم التطابق ولم يقصد الحق به المن حقيقة اذ هو الكريم الجواد على الدوام على من أطاع وعلى من عصى وفى الحديث « ما كان الله ليدلكم على مكارم الاخلاق ويفعل معكم خلاف ذلك » وفى الحديث ايضا « ما كان الله لينهاكم عن الرياء ويأخذه منكم » قال ذلك لمن قال له يا رسول الله انى صليت بالتميم ثم وجدت الماء أفأصلى ثانيا فمعنى الآية اذا دخلتم فى حضرة المن على رسولكم باسلامكم فالمن لله لا لكم وان وقع منكم شئ من سفساف الاخلاق رد الحق اعمالكم عليكم لا غير وفى التأويلات النجمية يمنون عليك ان استسلموا لك ظاهرهم قل لا تمنوا على اسلامكم اى تسليم ظاهركم لى لانه ليس هذا من طبيعة نفوسكم المتمردة بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان اذ كتب فى قلوبكم الايمان فانعكس نور الايمان من مصباح قلوبكم الى مشكاة نفوسكم فتنورت واستضاءت بنور الاسلام فاسلامكم فى الظاهر من فرع الايمان الذى اودعته فى باطنكم ان كنتم صادقين اى ان كنتم صادقين فى دعوى الايمان انتهى قال الجنيد رحمه الله المن من العباد تقريع وليس من الله تقريعا وانما هو من الله تذكير النعم وحث على شكر المنعم ( قال الشيخ سعدى )(14/93)
شكر خداى كن كه موفق شدى بخير ... زانعام وفضل او نه معطل كذا شتت
منت منه كه خدمت سلطان همى كنى ... منت شناس ازوكه بخدمت بداشتت(14/94)
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)
{ ان الله يعلم غيب السموات والارض } اى ما غاب فيهما عن العباد وخفى عليهم علمه { والله بصير بما تعملون } فى سركم وعلانيتكم فكيف يخفى عليه ما فى ضمائركم وقال بعض الكبار والله بصير بما تعملون فى الظاهر انه من نتائج ما اودعه فى باطنكم
درزمين كرنى شكرور خودنى است ... ترجمان هرزمين نبت وى است
فمن لاحظ شيأ من اعماله واحواله فان رآها من نفسه كان شركا وان رآها لنفسه كان مكرا وان رآها من ربه بربه لربه كان توحيدا وفقنا الله لذلك بمنه وجوده قال البقلى ليس لله غيب اذ الغيب شئ مستور وجميع الغيوب عيان له تعالى وكيف يغيب عنه وهو موجده يبصره ببصره القديم والعلم والبصر هناك واحد قال فى كشف الاسرار از سورة الحجرات تا آخر قرآن مفصل كويند
وبه قال النبى صلى الله عليه وسلم « ان الله اعطانى السبع الطول مكان التوراة » والسبع الطول كصرد من البقرة الى الاعراف والسابعة سورة يونس او الانفال وبرآءة جميعا لانهما سورة واحدة عنده كما فى القاموس وأعطانى الما بين مكان الانجيل واعطانى مكان الزبور المثانى وفضلنى ربى بالمفصل وفى رواية اخرى قال عليه السلام « انى أعطيت سورة البقرة من الذكر الاول وأعطيت طه والطاوسين من ألواح موسى عليه السلام وأطعين فواتح الكتاب وخواتيم البقرة من تحت العرش » والمفصل ناقلة اى عطية . وفى فتح الرحمن سورة الحجرات اول المفصل على الراجح من مذهب الشافعى وأحد الاقوال المعتمدة عن ابى حنيفة وعنه قول آخر معتمدان اوله قوله ق قاله عليه السلام « فضلنى ربى بالمفصل » والمفصل من القرءآن ما هو بعد الحواميم من قصار السور الى آخر القرءآن وسميت مفصلا لكثرة المفصولات فيها بسطر بسم الله الرحمن الرحيم لانها سور قصار يقرب تفصيل كل سورة من الاخرى فكثر التفصيل فيها انتهى وقال بعضهم المفصل السبع السابع سمى به لكثرة فصوله وهو من سورة محمد او الفتح او ق الى آخر القرءآن وطوال المفصل الى البروج والاوساط منها الى لم يكن والقصار منها الى الآخر وقيل
طوال ازلا تقدم تا عبس دان ... بس اوسط از عبس تالم يكن خوان
قصار ازلم يكن تا آخر آيد ... بخوان اين نظم را تاكردد آسان
والذى عليه الجمهوران طوال المفصل من سورة الحجرات الى سورة البروج والاوساط من سورة البروج الى سورة لم يكن والقصار من سورة لم يكن الى آخر القرآن ( روى ) ان القرآن لما قسموا القرءآن فى زمن الحجاج الى ثلاثين جزأ قسموه ايضا الى سبعة اقسام وعن السلف الصالحين من ختم على هذا الترتيب الذى نذكره ثم دعا تقبل حاجته وهو الترتيب الذى كان يفعله عثمان رضى الله عنه يقرأ يوم الجمعة من اوله الى سورة الانعام ويوم السبت من سورة الانعام الى سورة يونس ويوم الاحد من سورة يونس الى سورة طه ويوم الاثنين من سورة طه الى سورة العنكبوت ويوم الثلاثاء من سورة العنكبوت الى سورة الزمر ويوم الاربعاء من سورة الزمر الى سورة الواقعة ويوم الخميس من سورة الواقعة الى آخره وقيل احزاب القرءآن سبعة الحزب الاول ثلاث سور والثانى خمس سور والثالث سبع سور والرابع تسع سور والخامس احدى عشرة سورة والسادس ثلاث عشرة سورة والسابع المفصل من ق وفى فتح الرحمن واحزاب القرآن ستون قيل ان الحجاج لما جد فى نقط المصحف زاد تحزيبه وأمر الحسن ويحيى بن يعمر بذلك واما وضع الاعشار فيه فحكى ان المأمون العباسى أمر بذلك وقيل ان الحجاج فعل ذلك وكانت المصاحف العثمانية مجردة من النقط والشكل فلم يكن فيها اعراب وسبب ترك الاعراب فيها والله اعلم استغناؤهم عنه فان القوم كانوا عربا لا يعرفون اللحن ولم ين فى زمنهم نحو واول من وضع النحو وجعل الاعراب فى المصاحف ابو الاسود الدؤلى التابعى البصرى ( حكى ) انه سمع قارئا يقرأ ان الله بريئ من المشركين ورسوله بكسر اللام فاعظمه ذلك وقال عز وجه الله أن يبرأ من رسوله ثم جعل الاعراب فى المصاحف وكان علاماته نقطا بالحمرة غير لون المداد فكانت علامة الفتحة نقطة فوق الحرف وعلامة الضمة نقطة فى نفس الحرف وعلامة الكسرة نقطة تحت الحرف وعلامة الفنة نقطتين ثم احدث الخليل بن احمد الفراهيدى بعد هذا هذه الصور الشدة والمدة والهمزة وعلامة السكون وعلامة الوصل ونقل الاعراب من صورة النقط الى ما هو عليه الآن واما النقط فاول من وضعها بالمصحف نصر بن عاصم الليثى بامر الحجاج بن يوسف امير العراق وخراسان وسببه ان الناس كانوا يقرأون فى مصحف عثمان نيفا واربعين سنة الى يوم عبد الملك بن مروان ثم كثر التصحيف وانتشر بالعراق فأمر الحجاج أن يضعوا لهذه الاحرف المشتبهة علامات فقام بذلك نصر المذكور فوضع النقط افرادا وازواجا وخالف بين اماكنها وكان يقال له نصر الحروف واول ما احدثوا النقط على الباء والتاء وقالوا لا بأس به هو نور له ثم احدثوا نقطا عند منتهى الآى ثم احدثوا الفواتح والخواتم فأبو الاسود هو السابق الى اعرابه والمبتدئ به ثم نصر بن عاصم وضع النقط بعده ثم الخليل بن احمد نقل الاعراب الى هذه الصورة وكان مع استعمال النقط والشكل يقع التصحيف فالتمسوا حيلة فلم يقدروا فيها الاعلى الاخذ من افواه الرجال بالتلقين فانتدب جهابذة علماء الامة وصناديد الائمة وبالغوا فى الاجتهاد وجمعوا الحروف والقرآت حتى بينوا الصواب وازالوا الاشكال رضى الله عنهم اجمعين واول من خط بالعربية يعرب بن قحطان وكان يتكلم بالعربية والسريانية واول من استخرج الخط المعروف بالنسخ ابن مقلة وزير المقتدر بالله ثم القاهر بالله فانه اول من نقل الخط الكوفى الى طريقة العربية ثم جاء ابن البواب وزاد فى تعريب الخط وهذب طريقة ابن مقله وكساها بهجة وحسنا ثم ياقوت المستعصمى الخطاط وختم فن الخط واكمله ثم جاء الشيخ حمد الله الا ما سيوى فأجاد الخط بحيث لا مزيد عليه الى الآن ولله در القائل(14/95)
خط حسن جمال مرأى ... ان كان لعالم فأحسن
الدر من النبات احلى ... والدر مع البنات ازين
ومن الله التوفيق للكمالات والختم بانواع السعادات
تمت سورة الحجرات بعون ذى الفضل والبركات فى اوآئل شهر ربيع الآخر من شهور عام الف ومائة واربعة عشر(14/96)
ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1)
{ ق } اى هذه سورة ق اى مسماة بق وقال ابن عباس رضى الله عنهما هو قسم وهو اسم من اسماء الله تعالى وقال محمد بن كعب هو مفتاح اسماء الله تعالى مثل القادر والقدير والقديم والقاهر والقهار والقريب والقابض والقاضى والقدوس والقيوم اى انا القادر الخ وقيل اسم من اسماء القرآن وقيل قسم أقسم الله به اى بحق القائم بالقسط وقيل معناه قل يا محمد والقرءآن المجيد وقيل قف يا محمد على اداء الرسالة وعند امرنا ونهينا ولا نتعدهما والعرب تقتصر من كلمة على حرف قال الشاعر قلت لها قفى فقالت ق اى وقفت وقيل هو أمر من مفاعلة قفا اثره اى تبعه والمعنى اعمل بالقرآن واتبعه وقيل معناه قضى الامر وما هو كائن كما قالوا فى حم وقيل المراد بحق القلم الذى يرقم القرءىن فى اللوح المحفوظ وفى الصحائف ( وقال الكاشفى ) حروف مقطعه جهت فرق است ميان كلام منظوم ومنثور امام علم الهدى فرموده كه سامع بمجرد استماع اين حروف استدلال ميكند برآنكه كلامى كه بعد ازومى آيد منثورست نه منظوم بس درايراداين حروف ردجما عتيست كه قرآنراشعر كفتند ، وقال الانطاكى ق عبارة عن قربه لقوله { ونحن أقرب اليه } يعنى قسم است بقرب الهى كه سر ونحن اقرب اليه بدين سوره ازان خبر ميدهد . وقال ابن عطاء اقسم بقوة قلب حبيبه حيث تحمل الخطاب والمشاهدة ولم يؤثر ذلك فيه لعلو حاله اى بخلاف موسى عليه السلام فانه خر صعقا فى الطور من سطوة تجلى النور وفى التأويلات النجمية يشير الى ان لكل سالك من السائرين الى الله تعالى مقاما فى القرب اذا بلغ الى مقامه المقدر له يشار اليه بقوله ق اى قف مكانك ولا تجاوز حدك والقسم قوله والقرءآن المجيد اى قف فان هذا مكانك والقرءآن المجيد فلا تجاوز عنه وقال بعض الكبار ق اشارة الى قول هو الله احد اى الى مرتبه الاحدية التى هى التعين الاول وص اشارة الى الصمد اى الى مرتبة الصمدية التى هى التعين الثانى والصافات اشارة الى التعينات الباقية التابعة للتعين الثانى ، يقول الفقير اشار بقوله ق الى قيامه عليه السلام بين يدى الله تعالى فى الصف الاول قبل كل شئ مفارقا لكل تركيب منفردا عن كل كون منقطعا عن كل وصف ثم الى قدومه من ذلك العالم الغيبى الروحانى الى هذا المقام الشهادى الجسمانى كما اشار اليه المجيئ الآتى وقد جاء فى حديث جابر رضى الله عنه وحين خلقه اى نور نبيك يا جابر أقامه قدامه فى مقام القرب اثنى عشر ألف سنة وهو تفصيل عدد حروف لا اله الا الله وحروف محمد رسول الله فان عدد حروف كل منهما اثنا عشر وكذا أفادانه أقامه فى مقام الحب اثنى عشر ألف سنة وفى مقام الخوف والرجاء والحياء كذلك ثم خلق الله اثنى عشر الف حجاب فأقام نوره فى كل حجاب ألف سنة وهى مقامات العبودية وهى حجاب الكرامة والسعادة والهيبة والرحمة والرأفة والعلم والحلم والوقار والسكينة والصبر والصدق واليقين فعبد ذلك النور فى كل حجاب ألف سنة فكل هذا العدد من طريق الاجمال اثنان وسبعون واذا انضم اليه المنازل الثمانى والعشرون على ما اشير اليه فى الجلد الاول يصير المجموع مائة واليه الاشارة بالقاف فهو مائة رحمة ومائة درجة فى الجنة اختص بها الحبيب عليه السلام فى الحقيقة اذ كل من عداه فهو تبع له فكما انهم تابعون له عليه السلام فى مقاماته الصورية الدورية المائة لانه أول من خلقه الله ثم خلق المؤمنين من فيض نوره فكذلك هم بالقرءآن لان الكلام النفسى تنزل اليه مرتبة بعد مرتبة الى ان أنزله روح القدس على قلبه فى هذا الالم الشهادى تشريفا له من الوجه العام والخاص والى كل هذه المقامات وفى بالقرءآن كما يقال لصاحب القرءآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا وان منزلك عند آخر آية تقرأها ولا شك انه كان خلقه القرءآن فلذا مجد وشرف بمجد القرءآن وشرفه فاعرف هذا فانه من مواهب الله تعالى ويجوز ان يكون معنى ق من طريق الاشارة احذروا قاف العقل والزموا شين العشق كما قال بعضهم(14/97)
فقل درنشاط وسرورست قاف عقل ... دندانة كليد بهشت است شين عشق
وقال جماعة م نالعلماء قاف جبل محيط بالارض كأحاطة العين بسوادها وهو اعظم جبال الدنيا خلقه الله من زمرد أخضر او زبرجد أخضر منه خضرة السماء والسماء ملتزقة به فليست مدينة من المدآئن وقرية من القرى الا وفيها عرق من عروقه وملك موكل به واضع يديه على تلك العروق فاذا أراد الله بقوم هلاكا اوحى الى ذلك الملك فحرك عرقا فخسف بأهلها والشياطين ينطلقون الى ذلك الزبرد فيأخذون منه فيبثونه فى الناس فمن ثم هو قليل ( وفى المثنوى )
رفت ذو القرنين سوى كوه قاف ... ديداورا كز زمرد بود صاف
كرد عالم حلقهُ كشته او محيط ... ماند حيران اندران خلق بسيط
كفت توكوهى دكرها جيستند ... كه به بيش عظم توبازيستند
كفت ركهاى من اندآن كوهها ... مثل من نبوند در حسن وبها
من بهر شهرى ركى درام نهان ... بر عروقم بسته اطراف جهان
حق جو خواهد زلزل شهر مرا ... كويد او من برجهانم عرق را
بس بجنبانم من آن رك را بقهر ... كه بدان رك متصل كشتست شهر
جون بكويد بس شود ساكن ركم ... سا كنم وزروى قفل اندرتكم
همجو مرهم ساكن بس كاركن ... جون خردساكن وزوجنبان سخن
نزد آنكس كه نداند عقاش اين زلزله ... هست از بخارات زمين(14/98)
قال ابى بن كعب الزلزلة لا تخرج الا من ثلاثة اما لنظر الله بالهيبة الى الارض واما لكثرة ذنوب بنى آدم واما لتحريك الحوت الذى عليه الارضون السبع تأديبا للخلق وتنبيها قال ذو القرنين يا قاف اخبرنى بشئ من عظمة الله تعالى فقال أن شان ربنا لعظيم وان من ورآئى مسيرة خمسمائه عام من جبال ثلج يحطم بعضها بعضا لولا ذلك لاحترقت من نار جهنم والعياذ بالله تعالى منها يعنى اسكندر كفت يا قاف از عظمة الله باما جيزى بكوى كفت يا ذا القرنين كار خداوند ما عظيم است واز اندازه وهم وفهم بيرونست بعظمت او خبر كجارسد وكدام عبارت بوصف اورسد كفت آخر آنجه كمتراست ودرتحت وصف آيد جيزى بكوى كتفت وراى من زمينى است آفريده يانصد ساله راه طول آن ويانصد ساله راه عرض آن همه كوهها اندربران برف واكرنه آن برف بودى من از حرارت دوزخ جون ارزيز بكدا ختمى ذو القرنين كفت ردنى يا قاف نكته ديكر بكوى ازعظمت وجلال او كفت جبريل امين كمر بسته درحجب هيبت ايستاده هرساعتى ازعظمت وسياست دركاه جبروت برخودبلرز درعده بروى افتدرب العالمين ازان رعدهوى صد هزار ملك بيافريند صفها بركشيده درحضرت بنعت هيبت سردربيش افكنده وكوش برفرمان بهاده تايكبار از حضرت عزت ندا آيدكه سخن كوبيد همه كويند لا اله الا الله وبيش ازاين نكويند اينست كه رب العالمين كفت يوم يقوم الروح والملائكة صفا الى قوله وقال صوابا يعنى لا اله الا الله وقيل خضرة السماء من الصخرة التى تحت الارض السفلى تحت الثور وهو المشار اليه بقوله تعالى انها ان تك مثقال حبة من خردل فتكن فى صخرة الآية وجعل الله السماء خضرآء لتكون اوفق للابصار لان النظر الى الخضرة يقوى البصر فى الحكمة وكل صنع الله لحكمة فائدة لاهل العالم وفى الحديث « ثلاث يجلون البطر النظر الى الخضرة والى الماء الجارى والى الوجه الحسن » قال ابن عباس رضى الله عنهما والاثمد عند النوم وبالجملة ان الألوان سوى البياض مما يعين البصر على النظر وعن خالد بن عبد الله ان ذا القرنين لما بنى الاسكندرية رخمها بالرخام الابيض جدرها وارضها فكان لباسهم فيها السواد من نصوع بياض الرخام فمن ذلك ليس الرهبان السواد كما فى اوضح المسالك لابن سباهى قال الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر لما خلق الله الارض على الماء تحركت ومالت فخلق الله تعالى من الابخرة الغليظة الكثيفة الصاعدة من الارض بسبب هيجانها الجبال فسكن ميل الارض وذهبت تلك الحركة التى لا يكون معها استقرار فطوق الارض بجبل محيط بها وهو من صخرة خضراء وطوق الجبل بحية عظيمة رأسها بذنبها رأيت من الابدال من صعد جبل قاف فسألته عن طوله علوا فقال صليت الضحى فى أسفله والعصر فى أعلاه يعنى بخطوة الابدال فالخطوة عند الابدال من المشرق الى المغرب .(14/99)
يقول الفقير لعل هذا من قبيل البسط فى السير والا فقد ثبت ان السماء الدنيا متصلة به وما بين السماء والارض كما بين المشرق والمغرب وهى مسيرة خمسمائة عام فكيف تسع هذه المسيرة تلك الخطوات المتضاعفة وفى الخبر ان لقاف فى السماء سبع شعب لكل سماء شعبة منها فالسموات السبع مقيبة على شعبه وخلق الله ستة جبال من ورآء قاف وقاف سابعها وهى موتودة بأطراف الارض على الصخرة وقاف ورآءها على الهوآء وقيل خلق الله جبل قاف كالحصن المشرف على الملك ليحفظ اهل الارض من فيح جهنم التى تحت الارض السابعة ، يقول الفقير فيه اشارة الى حال قطب الاقطاب رضى الله عنه فأنه مشرف على جميع الرجال من حيث جمعية اسمه وعلو رتبته وبه يحفظ الله العالم من الآفات الصورية والمعنوية كما ان جبل قاف مشرف على سائر الجبال وبه يحفظ الله اهل الارض بالغدو والآصاف ومنخلف ذلك الجبل بحر محيط بجبل قاف وحوله جبل قاف آخر والسماء الثانية مقببة عليه وكذلك من وراء ذلك بحار محدقات بجبل قاف على عدد السموات وان كل سماء منها مقببة عليه وان فى هذه البحار وفى سواحلها ويبسها المحدقة بها ملائكة لا يحصى عددهم الا الله ويعبدون الله حق عبادته ومن جبل قاف ينفجر جميع عيون الارض فيشرب منه كل بر وفاجر فيجده العبد حيث توجه وفى البعض مثل ذلك وما رآه جبل قاف فهو من حكم الآخرة لا من حكم الدنيا وقال بعض المفسرين ان الله سبحانه من ورآء جبل قاف ارضا بيضاء كالفضة المجلاة طولها مسيرة اربعين يوما للشمس وبها ملائكة شاخصون الى العرش لا يعرف الملك منهم من الى جانبه من هيبة الله تعالى ولا يعرفون ما آدم وما ابليس هكذا الى يوم القيامة وقيل ان يوم القامية تبدل ارضنا هذه بتلك الارض ( وروى ) ان الله تعالى خلق ثمانية آلاف عالم الدنيا منها عالم واحد وان الله تعالى خلق فى الارض ألف امة سوى الجن والانس ستمائة فى البحر واربعمائة فى البر وكل مستفيض منه تعالى
جنان بهن خوان كرم كسترد ... كه سيمرغ درقاف قسمت خورد
{ والقرءآن المجيد } اى ذى المجد والشرف على سائر الكتب على أن يكون للنسب كلا بن وتامر أو لانه كلام المجيد يعنى ان وصف القرءآن بالمجد وهو حال المتكلم به مجاز فى الاسناد او لان من علم معانيه وعمل بما فيه مجد عند الله وعند الناس وشرف على أن يكون مثل بنى الامير المدينة فى الاسناد الى السبب قال الامام الغزالى رحمه الله المجيد هو الشريف ذاته الجميل أفعاله الجزيل عطاؤه ونواله فكان شرف الذات اذا قارنه حسن الفعال سمى مجيدا وهو الماجد ايضا ولكن احدهما ادل على المبالغة وجواب القسم محذوف اى انك يا محمد لنبى منذر أى مخوف من عذاب الله تعالى(14/100)
بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2)
{ بل عجبوا } اى فراعنة قريش متعتوهم { ان جاءهم منذر منهم } اى لان جاءهم منذر من جنسهم لا من جنس الملك وهو اضراب عما ينبئ عنه الجواب اى انهم شكوا فيه ولم يكتفوا بالشك والتردد بل جزموا بالخلاف حتى جعلوا ذلك من الامور العجيبة وقال بعضهم جواب القسم محذوف ودليل ذلك قوله بل لانه لنفى ما قبله فدل على نفى مضمر وتقديره أقسم بجبل قاف الذى به بقاء دنياكم وبالقرءآن الذى به بقاء دينكم ما كذبوك ببرهان وبمعرفة يكذبك بل عجبوا الخ والعجب نظر النفس لامر خارج عن العادة { فقال الكافرون هذا شئ عجيب } تفسير لتعجيبهم وبيان لكونه مقارنا لغاية الانكار وهذا اشارة الى كونه عليه السلام منذرا بالقرءآن وحاصله كون النذير منا خصص بالرسالة من دوننا وكون ما انذر به هو البعث بعد موت كل شئ بليغ فى الخروج عن عادة اشكاله وهو من فرط جهلهم لانهم عجبوا أن يكون الرسول بشرا واوجبوا أن يكون الاله حجرا وانكروا البعث مع ان اكثر ما فى الكون مثل ذلك من اعادة كل من الملوين بعد ذهابه واحياء الارض بعد موتها واخراج النبات والاشجار والثمار وغير ذلك ثم ان اضمار الكافرين اولا للاشعار بتعينهم بما اسند اليهم من المقال وانه اذا ذكر شئ خارج عن سنن الاستقامة انصرف اليهم اذ لا يصدر الا عنهم فلا حاجة الى اظهار ذكرهم واظهارهم ثانيا للتسجيل عليهم بالكفر بموجبه(14/101)
أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3)
{ ائذا متنا وكنا ترابا } اى أحين نموت فتفارق ارواحنا اشباحنا ونصير تبرابا لا فرق بيننا وبين تراب الارض نرجع ونبعث كما ينطق به النذير والمنذر به مع كمال التباين بيننا وبين الحياة حينئذ والهمزة للانكار اى لا ترجع ولا نبعث { ذلك } اشارة الى محل النزا اى مضمون الخبر برجوعها { رجع } الرجع متعد بمعنى الرد بخلاف الرجوع اى رد الى الحياة والى ما كنا عليه { بعيد } جدا عن الاوهام او العادة او الامكان او عن الصدق غير كائن لانه لا يمكن تمييز ترابنا من بقية التراب(14/102)
قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4)
{ قد علمنا ما تنقص الارض منهم } رد لاستبعادهم وازاحة له اى نحن على ذلك فى غاية القدرة فن من عم علمه ولطفه حتى انتهى الى حيث علم ما تنقص الارض من اجساد الموتى وتأكل من لحومهم وعظامهم كيف يستبعد رجعه اياهم احياء كما كانوا عبر بمن لان الارض لا تأكل عجب الذنب فانه كالبذر لاجسام بنى آدم وفى الحديث « كل ابن آدم يبلى الاعجب الذنب فمنه خلق وفيه يركب » والعجب بفتح العين وسكون الجيم اصل الذنب ومؤخر كل شئ وهو ههنا عظم لا جوف له قدر ذرة أو خردلة يبقى من البدن ولا يبلى فاذا أراد الله الاعادة ركب على ذلك العظم سائر البدن واحياء اى غير أبدان الانبياء والصديقين والشهدآء فانها لا تبلى ولا تتفسح الى يوم القيامة على ما نص به الاخبار الصحيحة قال ابن عطية وحفظ ما تنقص الارض انما هو ليعود بعينه يوم القيامة وهذا هو الحق وذهب بعض الاصوليين الى ان الاجساد المبعوثة يجوز أن تكون غير هذه قال ابن عطية وهذا عندى خلاف لظاهر كتاب الله ولو كانت غيرها فكيف كانت تشهد الجلود والايدى والارجل على الكفرة الى غير ذلك مما يقتضى ان اجساد الدنيا هى التى تعود وسئل شيخ الاسلام ابن حجر هل الاجساد اذا بليت وفنيت وأراد الله تعالى اعادتها كما كانت اولا هل تعود الاجسام الاول ام يخلق الله للناس اجسادا غير الاجساد الاول فأجاب ان الاجساد التى يعيدها الله هى الاجساد الاول لا غيرها قال وهذا هو الصحيح بل الصواب ومن قال غيره عندى فقد اخطأ فيه لمخالفته ظاهر القرءآن والحديث قال اهل الكلام ان الله تعالى يجمع الاجزآء الاصلية التى صار الانسان معها حال التولد وهى العناصر الاربعة ويعيد روحه اليه سوآء سمى ذلك الجمع اعادة المعدوم بعينه او لم يسم فان قيل البدن الثانى ليس هو الاول لما ورد فى الحديث من ان اهل الجنة جردمرد وان الجهنمى ضرسه مثل أحد فيلزم التناسخ وهو تعلق روح الانسان ببدن انسان آخر وهو باطل قلنا انما يلزم التناسخ ان لو لم يكن البدن الثانى مخلوقا من الاجزآء الاصلية للبدن الاول يقول الفقير البدن معاد على الاجزآء الاصلية وعلى بعض الفضلة ايضا وهو العجب المذكور فكانه البدن الاول فلا يلزم التناسخ جدا والتغاير فى الوصف لا يوجب التغاير فى الذات فقد ثبت ان الخضر عليه السلام يصير شابا على كل مائة سنة وعشرين سنة مع ان البدن هو البدن الاول وكذا قال ابن عباس رضى الله عنهما ان ابليس اذا مرت عليه الدهور وحصل له الهرم عاد ابن ثلاثين سنة واختلف القائلون بحشر الاجسام فمنهم من ذهب الى ان الاعادة تكون فى الناس مثل ما بداهم بنكاح وتناسل وابتدآء بخلق من طين ونفخ كما جرى من خلق آدم وحوآء وخلق البنين من نسل ونكاح الى آخر مولود فى العالم البشرى كل ذلك فى مدة قصيرة على حسب ما يقدره الحق تعالى واليه ذهب الشيخ ابو القاسم بن قسى فى كتاب خلع النعلين له فى قوله تعالى(14/103)
{ كما بدأكم تعودون } ومنهم من قال وهو القول الاصح بالخبر المروى ان السماء تمطر مطرا شبه الآباء ومنها الى ارحام الامهات فيتكون من قطر بحر الحياة تلك النقطة جسد فى الرحم وقد علمنا ان النشأة الاول اوجدها الله تعالى على غير مثال سبق وركبها فى اى صورة شاء وهكذا النشأة الآخرة يوجدها الحق على غير مثال سبق مع كونها محسوسة بلا شك فينشئ الله النشأة الآخرة على عجب ألذنب الذى يبقى من هذه النشأة الدنيا وهو اصلها فعليه تتركب النشأة الآخرة فقوله تعالى { كما بدأكم تعودون } راجع الى عدم مثال سابق كما فى النشأة الاولى مع كونها محسوسة بلا شك اذ ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفة نشأة اهل الجنة والنار ما يخالف هذه النشأ الدنيا وقوله وهو أهون عليه لا يقدح فيما قلنا لان البدء ان كان عن اختراع فكر وتدبير كانت اعادته الى أن يخلق خلقا آخر مما يقارب ذلك ويزيد عليه اقرب الى الاختراع فى حق من يستفيد الامور بفكرة والله متعال عن ذلك علوا كبيرا فهو الذى يفيد العالم ولا يستفيد ولا يتجدد له علم بشئ بل هو عالم بتفاصيل مالا يتناهى بعلم كلى فعلم التفصيل فى عين الاجمال وهكذا ينبغى لجلاله ان يكون قال ابو حامد الغزالى رحمه الله ان العجب المذكور فى الخبر والنفس وعليها ينشأ النشأة الآخرة اى كما يتكون شجر كثير الاصول والاغصان من الحبة الصغيرة فى الطين كذلك جسد الانسان من حبة العجب الذى لا يقبل البلى فعبر عنه الامام بالنفس لانه مادتها وعنصرها هكذا اوله البعض وقال غيره مثل ابى يزيد الرقراقى المراد من العجب جوهر فرد وجزء واحد لا يقبل القسمة والبلى فيه قوة القابلية الهيولانية بل هو صورة هبولى النفس الحيوانية الحاملة لا جزآء العناصر التى فى الهيكل المحسوس فيبقيه الخالق ويعصمه من التغير والبلى فى عالم الكون والفساد بل خلقه من اول خلق النشأة الدنيوية الى الابدان الجنانية وعليه مدار الهيكل يبقى من هذه النشأة الدنيا لا يتغير وعليه ينشأ النشأة الآخرة وكل ذلك محتمل لا يقدح فى شئ من الاصول الشرعية فى الاحكام الاخروية وتوجيهات معقولة يحتمل أن يكون كل منها مقصود الشارع بقوله عجب الذنب وقال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر والذى وقع لى به الكشف الذى لا أشك فيه ان المراد بعجب الذنب هو ما يقوم عليه النشأة وهو لا يبلى اى لا يقبل البلى والفناء فان الجواهر والذوات الخارجة الى الوجود من العدم لا تنعدم اعيانها ولكن تختلف عليها الصور الشهادية والبرزخية بالامتزاجات التى هى اعراض تعرض لها بتقدير العزيز العليم فاذا تهيأت هذه الصور بالاستعداد لقبول الارواح كاستعداد الحشيش بالنارية التى هى فيه لقبول الاشتعال والصور البرزخية كالسرج مشتعلة بالارواح التى فيها فينفخ اسرافيل نفخة واحدة فتمر تلك النفخة على تلك الصور البرزخية فتطفئها وتمر النفخة التى تليها وهى الاخرى الى الصور المستعدة للاشتعال وهى النشأة الاخرى فتشعل بارواحها فاذا هم قيام ينظرون نسأل الله تعالى أن يبعثنا امنين بجاه النبى الامين { وعندنا كتاب حفيظ } بالغ فى الحفظ لتفاصيل الاشياء كلها او محفوظا من التغير والمراد اما تمثيل علمه تعالى بكليات الاشياء وجزئياتها يعلم من عنده كتاب محيط يتلقى منه كل شئ او تأكيد لعلمه بها بثبوتها فى اللوح المحفوظ عنده(14/104)
بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5)
{ بل كذبوا بالحق } اضراب وانتقال من بيان شناعتهم السابقة الى بيان ما هو اشنع منه وافظع وهو تكذيبهم للنوة الثابتة بالمعجزات الباهرة فالا فظعية لكون الثانى تكذيبا للامر الثابت من غير تدبر بخلاف الاول فانه تعجب { لما جاءهم } من غير تأمل وتفكر تقليدا للآباء وبعد التأمل تمردا وعنادا وجاء بكلمة التوقع اشعارا بأنهم علموا بعد علو شانه واعجازه الشاهد على حقيته فكذبوا به بغيا وحسدا { فهم فى امر مريج } من مرج الخاتم فى اصبعه اذا جرح بالجيمين كفرح اى قلق وجال واضطرب من سعته بسبب الهزال اى فى امر مضطرب لا قرار له من غلبات آفات الحسن والوهم والخيال على عقولهم فلا يهتدون الى الحق ولذا يقولون تارة انه شاعر وتارة ساحر واخرى كاهن ومرة مفتر لا يثبتون على شئ واحد وهذا اضطرابهم فى شأن النبى عليه السلام صريحا ويتضمن اضطرابهم فى شأن القرءآن ايضافان نسبتهم اياه الى الشعر ونحوه انما هى بسببه واعلم ان الاضطراب موجب للاختلاف وذلك أدل دليل على البطلان كما ان الثبات والخلوص موجب للاتفاق وذلك أدل دليل على الحقيقة قال الحسن ما ترك قوم الحق الامرج امرهم وكذا قال قتادة وزاد والتبس عليهم دينهم وعن على رضى الله عنه قال له يهودى ما دفنتم نبيكم حتى اختلفتم فقا لانما اختلفنا عنه لا فيه ولكنكم ما جفت ارجلكم من البحر حتى قلتم لنبيكم اجعل لنا الها كما لهم آلهة وسئل بزرجمهر الحكيم كيف اضطربت امور آل ساسان وفيهم مثلك قال استعانوا بأصاغر العمال على اكابر الاعمال فآل أمرهم الى ما آل ( كما قال الشيخ سعدى )
بندم اكربشنوى اى بادشاه ... درهمه دفتر به ازين بند نيست
جز نحر مند مفر ماعمل ... كرجه عمل كار خردمند نيست
أحرقت دار الوزير وقتل ثم دار الامر على الخليفة ففعل به ما فعل واضطربوا فى شأن سلطان العلماء والدا لمولى جلا الدين الرومى فنفوه من بلخ ثم نفاهم الله من الارض واوقعهم فى ويل طويل من تسلط عدو مستأصل وكان فيهم صاحب التفسير الكبير فاختفى لكنه ظهر أمر الله عليه ايضا وما نفع الاختفاء وفيه يقول المولى جلا الدين قدس سره
درجنان ننكى وانكه اين عجب ... فخر دين خواهدكه كويندش لقب
واضكربوا فى شأن الرسول عليه السلام حتى قتلهم الله تعالى وجعل مكة خالصة للمؤمنين(14/105)
أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6)
{ أفلم ينظروا } اى أغفلوا فلم ينظروا حين كفروا بالبعث { الى السماء فوقهم } بحيث يشاهدونها كل وقت اى الى آثار قدرة الله فى خلق العالم وايجاده من العدم الى الوجود وفوقهم ظرف لينظروا او حال من السماء { كيف بنيناها } اى رفعناها بغير عمد { وزيناها } بما فيها من الكواكب المرتبة على نظام بديع { وما لها من فروج } من فتوق لملاستها وسلامتها من كل عيب وخلل كما قال { هل ترى من فطور } وهذا لا ينفى وجود الابواب والمصاعد فانها ليست من قبيل العيب والخلل ولعل تأخير هذا لمراعاة الفواصل والفروج جمع فرج وهو الشق بين الشيئين كفرجة الحائط والفرج ما بين الرجلين وكنى به عن السوئة وكثر حتى صار كالصريح فيه واستعير الفرج للثغر وكل مخافة وسمى القباء المشقوق فروجا ولبس رسول الله عليه السلام فروجا من حرير ثم نزعه(14/106)
وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7)
{ والأرض مددناها } اى بسطناها وفرشناها على وجه الماء مسيرة خمسمائة عام من تحت العكبة وهذا دليل على ان الارض مبسوطة وليست على شكل الكرة كما فى كشف الاسرار وفيه انه لا منافاة بين بساطتها وكريتها لسعتها كما عرف فى محله { وألقينا فيها رواسى } جبالا ثوابت ارسيت بها الارض اذ لو لم تكن لكانت مضطربة مائلة الى الجهات المختلفة كما كانت قبل اذ روى ان الله لما خلق الارض جعلت تمور فقالت الملائكة ما هى بمقر أحد على ظهرها فاصبحت وقد أرسيت بالجبال لم تدر الملائكة مم خلقت من رسالشى اى ثبت والتعبير عنها بهذا الوصف للايذان بأن القاءها لارساء الارض بها وفيه اشارة الى رجال الله فانهم اوتاد الارض والعمد المعنوية للسماء فاذا انقرضوا ولم يوجد فى الارض من يقول الله الله فسدت السموات والارض { وانبتنا } وأخرجنا { فيها من كل زوج } صنف وقوله ازواجا من نبات شتى اى انواعا متشابهة { بهيج } حسن طيب من الثمار والنباتات والاشجار كما قال فى موضع آخر ذات بهجة اى يبتهج به لحسنة اى يسر والبهجة حسن اللون وظهور السرور فيه وابتهج بكذا اى سربه سرورا بان أثره على وجهه كما فى المفردات(14/107)
تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8)
{ تبصرة وذكرى } علتان للافعال المذكورة معنى على التنازع وان انتصبتا عن الفعل الاخير او بفعل مقدر بطريق الاستئناف اى فعلنا ما فعلنا تبصيرا وتذكيرا . يعنى از براى بينابي يعنى بنظر اعتبار واستجلال نكرستن واز براى ياد كردن وبند كرفتن ويجوز أن يكونا نصبا على المصدرية من فعلهما المقدر اى نبصرهم ونذكرهم { لكل عبد منيب } اى راجع الى ربه متفكر فى بدآئع صنائعه وفيه اشارة الى ان الوصول الى مقام التبصرة والذكرى انما هو بالعبودية والانابة التى هى مبنى الطريقة وأساسها قال بعضهم التبصرة معرفة منن الله عليه والذكرى عدها على نفسه فى كل فى كل حال ليشتغل بالشكر فيما عومل به عن النظر الى شئ من معاملته ، كفته اند تبصرة وذكرى دونام اند شريعت وحقيقت را تبصره حقيقة است وذكرى شريعت بواسطه وحقيقت بمكاشفه شريعت خدمت است بر شريطه وحقيقت غربت است برمشاهده شريعت بى يدى است وحقيقت بى خورى اهل شريعت فريضه كزاران ومعصيت كدازان اهل حقيقت از خويشتن كربزان وبيكى تازان قبله اهل شريعت كعبه است قبله اهل حقيقت فوق العرش ميدان حساب اهل شريعت موقف است وميدان حساب اهل حقيقت حضرة سلطان ثمرة اهل شريعت بهشت ثمره اهل حقيقت لقا ورضاى رحمن . فعلى العاقل أن يتبصر بالذكر الحكيم ويتفكر فى صنعه العظيم ويوحده توحدا يليق بجنابه الكريم وينيب اليه انابة لا رجوع بعدها الى يوم مقيم . نقلست كه بيرى بيش شقيق بلخى رحمه الله آمد وكفت كناه بسياردارم وميخوا هم كه توبه بكنم وى كفت دير آمدى بير كفت زود آمدم كفتاجرا كفت از بهر آنكه هركه بيش ازمرك بيايد بتوبه زود امده باشد شقيق كفت نيك آمدى ونيك كفتى
بارهاى خويش راجيزى سبك كردان كه نيست ... تنكناى مرك راكنجايئ اين بارها
( وقال الشيخ سعدى )
بياتا بر آريم دستى زدل ... كه نتوان بر آورد فردا زكل(14/108)
وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9)
{ ونزلنا من السماء ماء مباركا } اى كثير المنافع حياة الاناسى والدواب والارض الميتة وفى كشف الاسرار مطرا يثبت فى اجزآء الارض فينبع طول السنة { فأنبتنا به } اى بذلك الماء { جنات } كثيرة اى اشجارا ذوات ثمار فذكر لمحل وأراد الحال كما قال فأخرجنا به ثمرات وبالفارسية بوستانها مشتمل براسجار واثمار { وحب الحصيد } من حذف الموصوف للعلم به على ما هو اختيار البصريين فى باب مسجد الجامع لئلا يلزم اضافة الشئ الى نفسه واصل الحصيد قطع الزرع والحصيد بمعنى المحصود وهو هنا مجاز باعتبار الأول والمعنى وحب الزرع الذى شأنه أن يحصد من البر والشعير وامثالهما مما يقتات به وتخصيص انبات حبه بالذكر لانه المقصود بالذات(14/109)
وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10)
{ والنخل } عطف على جنات وتخصيصها بالذكر مع اندراجها فى الجنات لبيان فضلها على سائر الاشجار وقد سبق بعض اوصافها فى السورة يس وتوسيط الحب بينهما لتأكيد استقلالها وامتيازها عن البقية مع ما فيه من مراعاة الفواصل { باسقات } طوالا فى السماء عجيبة الخلق وهو حال مقدرة فانها وقت الانبات لم تكن طوالا يقال بسقت الشجرة بسوقا اذا طالت وفى المفردات الباسق هو الذاهب طولا من جهة الانقطاع ومنه بسق فلان على اصحابه علاهم ويجوز ان يكون معنى باسقات حوامل من أبسقت الشاة اذا حملت فيكون من باب أفعل فهو فاعل { لها طلع نضيد } اى منضود بعضه فوق بعض والمراد تراكم الطلع او كثرة ما فيه من التمر والجملة حال من النخل يقال نضدت المتاع بعضه على بعض ألقيته فهو منضود ومنضد والمنضد السرير الذى ينضد عليه المتاع ومنه استعير طلع نضيد كما فى المفردات والنضد والنضيد وبالفارسية برهم نهادن . والطلع شئ يخرج كأنه نعلان مطبقان والحمل بينهما منضود والطرف محدد او ما يبدو من ثمرته فى اول ظهورها وقشره يسمى الكفرى بضم الكاف والفاء معا وتشديد الرآء وما فى داخله الاغريض لبياضه كما فى القاموس قال فى بحر العلوم الطلع ما يطلع من النخلة وهو الكم قبل أن يشق ويقال لما يظهر من الكم طلع ايضا وهو شئ ابيض يشبه بلونه الاسنان وبرآئحته المنى(14/110)
رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11)
{ رزقا للعباد } اى لرزقهم علة لقوله تعالى { فأنبتنا } وفى تعليله بذلك بعد تعليل أنبتنا الاول بالتبصرة والتذكرة تنبيه على ان الواجب على العبد أن يكون انتفاعه بذلك من حيث التذكر والاستبصار أهم وأقدم من تمتعه به من حيث الرزق
خوردن براى زيستن وذكر كردنست ... تومعتقد كه زيستن از بهر خوردنست
يقول الفقير المقصود من الآية الاولى هو الاستدلال على القدرة باعظم الاجرام كما دل عليه النظر وذكر الانبات فيها بطريق التبع فناسب التعليل بالتبصرة والتذكير ومن الثانية بيان الانتفاع بمنافع تلك الاجرام فناسب التعليل بالرزق ولذا أخرت عن اولى لان منافع الشئ مترتبة على خلقه قال ابو عبيدة نخل الجنة نضيد ما بين اصلها الى فرعها بخلاف نخل الدنيا فان ثمارها رؤسها كلما نزعت رطبة عادت ألين من الزبد وأحلى من العسل فنخل الدنيا تذكير لنخل الجنة وفى كل منهما رزق للعباد كما قال تعالى ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا { واحيينا به } اى بذلك الماء { بلدة ميتا } تذكير ميتا باعتبار البلد والمكان اى ارضا جدبة لا نماء فيها اصلا بأن جعلناها بحيث ربت وأنبتت أنواع النبات والازهار فصارت تهتز بها بعد ما كانت جامدة هامدة ( روى ) ابو هريرة رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا جاءهم المطر فسالت الميازيب قال « لا محل عليكم العام » اى لا جدب ، يعنى تنكى نيست بر شمامسال { كذلك الخروج } جملة قدم فيها الخبر للقصد الى القصر وذلك اشارة الى الحياة المستفادة من الاحياء اى مثل تلك الحياة البديعة حياتكم بالبعث من القبور لا شى مخالف لها وقد روى ان الله يمطر السماء اربعين ليلة كمنى الرجال يدخل فى الارض فينبت لحومهم وعروقهم وعظامهم ثم يحييهم ويخرجهم من تحت الارض وفى التعبير عن اخراج النبات من الارض بالاحياء وعن حياة الموتى بالخروج تفخيم لشأن الانبات وتهوين لامر البعث وتحقيق للمماثلة بين اخراج النبات واحياء الموتى لتوضيح منهاج القياس وتقريبه الى افهام الناس ( قال الكاشفى ) واكر كسى تأمل كند در احياى دانه ما نندمرده درخاك مدفونست وظهور او بعد از خفا دور نيست كه بشمة ازحيات اموات بى تواند برد
كدام دانه فروشدكه برنيامدباز ... جرابدانه انسانيت كمان باشد
فروشدن جوبديدى برآمدن بنكر ... غروب شمس وقمر راجرا زين باشد
وفى الآية اشارة الى تنزيل ماء الفيض الالهى من سماء الارواح فان الله ينبت به حبات القلوب وحب المحبة المحصود به محبة ما سوى الله من القلوب وشجرة التوحيد لها طلع نضيد من انواع المعارف رزقا للعباد الذين يبيتون عند ربهم يطعمهم ويسقيهم ويحيى بذلك الفيض بلدة القلب الميت من نور الله كما قال { او من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا } الآية كذلك الخروج من ظلمات الوجود الى نور واجب الوجود فافهم جدا(14/111)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12)
{ كذبت قبلهم } اى قبل اهل مكة { قوم نوح } قوم نوح كه بنى شيت وبنى قابيل بودند تكذيب كردند مر نوح را { واصحاب الرس } قبل كانت الرس بئرا بعدن لامة من بقايا ثمود وكان لهم ملك عدل حسن السيرة يقال له العليس كزبير وكانت البئر تسقى المدينة كلها وباديتها وجميع ما فيها من الدواب والغنم والبقر وغير ذلك لانها كانت بكرات كثيرة منصوبة عليها جمع بكرة بالفتح وهى خشبة مستديرة فى وسطها محزيستقى عليها ورجال كثيرون موكلون بها وأبازن بالزاى والنون من رخام وهى تشبه الحياص كثيرة تملأ للناس قال فى القاموس الابزن مثلثة الاول حوض يغتسل فيه وقد يتخذ من نحاس معرب آب زن انتهى وآخر للدواب وآخر للبقر والغنم والهوام يستقون عليها بالليل والنهار يتداولون ولم يكن لهم ماء غيره فطال عمر الملك فلما جاءه الموت طلى بدهن لتبقى صورته ولا تتغير وكذلك كانوا يفعلون اذا مات منهم الميت وكان ممن يكرم عليهم فلما مات شق ذلك عليهم ورأوا ان أمرهم قد فسد وضبحوا جميعا بالبكاء واغتنمها الشيطان منهم فدخل فى جثة الملك بعد موته بايام كثيرة فكلمهم وقال انى لم امت ولكنى قد تغيبت عنكم حتى أرى صنيعكم بعدى ففرحوا أشد الفرح وأمر لخاصته أن يضربوا حجابا بينه وبينهم ويكلمهم من روآئه كيلا يعرف الموت فى صورته فنصبوه صنما من ورآء حجاب لا يأكل ولا يشرب وأخبرهم انه لا يموت ابدا وانه اله لهم وذلك كله ويتكلم به الشيطان على لسانه فصدق كثير منهم وارتاب بعضهم وكان المؤمن المكذب منهم اقل من المصدق فكلما تكلم ناصح منهم زجر وقهر فاتفقوا على عبادته فبعث الله لهم نبيا كان الوحى ينزل عليه فى النوم دون اليقظة وكان اسمه حنظلة ابن صفوان فأعلمهم ان الصورة صنم لا روح له وان الشيطان فيه وقد أضلهم الله وان الله تعالى لا يتمثل بالخلق وان الملك لا يجوز أن يكون شريكا لله واوعدهم ونصحهم وحذرهم سطوة ربهم ونقمته فآذوه وعادوه وهو يتعدهم بالموعظة والنصيحة حتى قتلوه وطرحوه فى بئر وعند ذلك حلت عليهم النقمة فياتو اشباعى روآء من الماء وأصبحوا والبئر قد غار ماؤها وتعطل رشاؤها وهو بالكسر الحبل فصاحوا بأجمعهم وضبح النساء والولدان وضبحت البهائم عطشا حتى عمهم الموت وشملهم الاهلاك وخلفهم فى أرضهم السباع وفى منازلهم الثعالب والضباع وتبدلت لهم جناتهم وأموالهم بالسدر والشوك شوك العضاة والقتاد الاول بالكسرام غيلان او نحوه والثانى كسحاب شجر صلب شوكه كالابر فلا تسمع فيها الا عزيف الجن اى صوتهم وهو جرس يسمع فى المفاوز بالليل والازئير الاسد اى صوته من الصدر نعوذ بالله من سطواته ومن الاصرار على ما يوجب نقماته كذا فى التكملة نقلا عن تفسير المقرى وقيل الرس بئر قرب اليمامة او بئر بأذربيجان او واد كما قال الشاعر فهن لوادى الرس كاليد للفم . وقد سبق بعض الكلام عليه فى سورة الفرقان فارجع { وثمود } وقوم ثمود صالح راوهو ثمود بن عاد وهو عاد الآخرة وعاد هو عاد ارم وهو عاد الاولى(14/112)
وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13)
{ وعاد } وقوم عاد هو درا { وفرعون } وفرعون موسى را وهرون را والمراد هو وقومه ليلائم ما قبله وما بعده من الجماعة { واخوان لوط } يعنى اصهار او مراورا والصهر زوج بنت الرجل وزوج اخته وقيل اخوانه قومه لاشتراكهم فى النسب لا فى الدين قال عطاء ما من أحد من الانبياء الا ويقوم معه قومه الا لوطا عليه السلام يقوم وحده(14/113)
وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14)
{ واصحاب الايكة } هم من بعث اليهم شعيب عليه السلام غير اهل مدين وكانوا يسكنون أيكة اى غيضة تنبت السدر والأراك وقد مر فى سورة الحجر { وقوم تبع } الحميرى ملك اليمن وقد سبق شرح حالهم فى سورة الدخان { كل كذب الرسل } اى فيما أرسلوا به من الشرائع التى من جملتها البعث الذى أجمعوا عليه قاطبة اى كل قوم من الاقوام المذكورين كذبوا رسلهم وكذب جميعهم جميع الرسل بالمعنى المذكور وافراد الضمير باعتبار لفظ الكل او كل واحد منهم كذب جميع الرسل لانفاقهم على التوحيد والانذار بالبعث والحشر فتكذيب واحد منهم تكذيب للكل وهذا على تقدير رسالة تبع ظاهر واما على تقدير عدمها وهو الاظهر فمعنى تكذيب قومه الرسل تكذيبهم لمن قبلهم من الرسل المجمعين على التوحيد والبعث والى ذلك كان يدعوهم تبع { فحق وعيد } اى فوجب وحل عليهم وعيدى وهى كلمة العذاب والوعيد يستعمل فى الشر خاصة بخلاف الوعد فانه يكون فى الخير والشر وفى الآية تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى لا تحزن بتكذيب الكفار اياك لانك لست باول نبى كذب وكل امة كذبت رسولها واصبر على أذام كما صبروا تظفر بالمراد كما ظفروا وتهديد لاهل مكة يعنى احذروا يا أهل مكة من مثل عذاب الامم الخالية فلا تكذبوا رسول الله فان الاشتراك فى العمل يوجب الاشتراك فى الجزآء . واعلم ان عموم أهل كل زمان الغالب عليهم الهوى والطبيعة الحيوانية فهم أهل الحس لا أهل العقل ونفوسهم متمردة بعيدة عن الحق قريبة الى الباطل كلما جاء اليهم رسول كذبوه وعلى ما جاء به قاتلوه فحق عليهم عذاب ربهم بما كفروا بأنعم الله فما أعياه اهلاكهم وفيه تسلية للاولياء ايضا من طريق الاشارة وتهديد لاهل الانكار ولعمرى انهم فى أيديهم كالانبياء فى ايدى الكفار ولكن الصبر مفتاح الفرج فكما ان الكفار مسخوا وخسفوا وأخذوا بأنواع النكال فكذا أهل الانكار مسخ الله بواطنهم وخسف بهم الارض يعنى ارض البشرية الكثيفة الظلمانية وأخذوا بأصناف الخذلان وهم لا يدرون انهم كذلك بل يحسبون انهم ناجون من كل المهالك لزيادة عماهم وحيرتهم نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المصدقين ويثبتنا على طريق أهل اليقين ويفيض علينا من بركاتهم وبشرفنا بآثار حركاتهم(14/114)
أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15)
{ أفعيينا بالخلق الاول } العى بالامر العجز عنه يقال عى بالامر وعيى به اذا لم يهتد لوجه عمله وقد مر فى قوله ولم يعى بخلقهن والهمزة للانكار والفاء للعطف على مقدر ينبئ عنه العى من القصد والمباشرة كأنه قيل اقصدنا الخلق الاول وهو الا بدآء فعجزناعنه حتى يتوهم عجزنا عن الخلق الثانى وهو الاعادة وبالفارسية آياما عاجز شده ايم ورنج يافته بآفرينش اول خلق تافرومانيم از آفرينش ثانى
وفى عين المعانى الخلق الاول آدم عليه السلام وهم يقرون به وفى التأويلات النجمية أفا عتاص علينا فعل شئ حتى نعيى بالبعث أو يشق عليها البعث اى ليس كذلك { بل هم فى لبس من خلق جديد } يقال جددت الثوب اذا قطعته على وجه الاصلاح وثوب جديد أصله المقطوع ثم جعل لكل ما أحدث انشاؤه وخلق جديد اشارة الى النشأة الثانية وقوبل الجديد بالخلق لما كان المقصود بالجديد القريب العهد بالقطع من الثواب ومنه قيل لليل والنهار الجديد ان والأجدان كما فى المفردات والجملة عطف على مقدر يدل عليه ما قبله كأنه قيل هم غير منكرين لقدرتنا على الخلق الاول بل هم فى خلط وشبهة فى خلق مستأنف لما فيه من مخالفة العادة اذ لم تجر العادة بالاعادة فى هذه الدار وهذا قياس فاسد كما لايخفى ( وقال الكاشفى ) مشركان ممكه معترف بودند بانكه حق تعالى مبدع خلق است در اول بس ميفرمايدكه كسى كه قادر بودبر آفرينش جمعى بنى ماده ومددى جراتوا ناتوا انانبود بر اعاده ايشان بجمع مواد ورد حيات بآن وبى شبهه مابران قوت داريم بلكه كافران درشك وشبهه اند بسبب وساوس شيطانى از آفريدن نويعنى بعث وحشرجه آنرا مخالف عادت مى بينند . وتنكير خلق لتفخيم شأنه والاشعار بخروجه عن حدود العادات او الايذان بأنه حقيق بأن يبحث عنه ويهتم بمعرفته ولا يقعد على لبس . واعلم ان هذا الخلق الجديد حاصل فى الدنيا ايضا سوآء كان فى الاعراض او فى الاجسام وهو مذهب الصوفية ومذهب المتكملين فانهم جوزوا انتفاء الاجسام فى كل آن ومشاهدة بقائها تجدد الامثال اى الاجسام الاخر أى كما جوزوا انتقاء الاعراض فى كل آن ومشاهدة بقائها تجدد الامثال اى الاعراض الاخ أى كما انه جائز فى الاعراض التى هيى غير قائمة بذواتها كذلك جائز فى الجواهر التى هى قائمة بذواتها وفى هذا المعن ( قال فى المثنوى )
صورت از معنى جوشيراز بيشه دان ... ياجو آ واز وسخن زانديشه دان
اين سخن وآوازا وانديشه خواست ... توندانى بحر انديشه كجاست
ليك جون موج سخن ديدى لطيف ... بحر آن دانى كه باشدهم شريف
جن زدانش موج انديشه بتاخت ... از سخن وآوازا صورت بساحت
از سخن صورت بزاد وبازمرد ... موج خودرا بازاندر بحر برد
صورت از بى صورتى آمد برون ... بازشدكه انا اليه رادجعون
بس تر هر لحظه مرك ورجتيست ... مصطفى فرمود دنيا ساعتيست
فكر ماتيريست ازهودر هوا ... درهواكى بايه آيد تاخدا
هر نفس نومى شود دنيا وما ... بى خبر ازنوشدن اندربقا
عمر همجون جوى نونوميرسد ... مستمرى مى نمايد درجسد
آن زنتيزى مستمر شكل آمدست ... جون شر كس تيزجنبانى بدست
شاخ آتش راجنبانى بساز ... در نظر آتش نما يدبس دراز
اين درازى مدت ازتيزى صنع ... مى نمايد سرعت انكيزى صنع(14/115)
قال الامام الشعرانى رضى الله عنه فى كتاب الجواهر تقليب العالم واقع فى كل نفس من حال الى ح ال فلا يثبت على حالة واحدة زمانا فردا لكن التغيير انما يقع فى الصفات لافى الاعيان فلم يزل الحق تعالى خلاقا على الدوام انتهى ومنه يعرف طواف الكعبة ببعض الرجال واستقبالهما لهم كما وقع ذلك لرابعة العدوية رضى الله عنها وغيرها وحقيقة هذا المقام لاتتضح الا بالكشف التام ومن الله الملك العلام الفيض والالهام(14/116)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)
{ ولقد خلقنا الانسان ونعلم ماتوسوس به نفسه } اى ما تحدث به نفسه وهو مايخطر بالبال والوسوسة الصوت الخفى والخطرة الرديئة ومنه وساوس الحلى وبالفارسية وميدانيم آن جيزى راكه وسوسه ميكندمر اورابدان نفس اواز انديشهاى بد . والضمير لما أن جعلت موصولة والباء كما فى صوت بكذا وهمس به يعنى انها صلة او للانسان ان جعلت مصدرية والباء للتعدية اى ما تجعله موسوسا فان النفس تجعل الانسان قائما به نفسه وفيه اشارة الى ان الله تعالى كما يعلم حال الانسان قبل خلقه علما ثبوتيا كذلك يعلمه بعد خلقه علما فعليا ودخل فيه ماتوسوس به نفسه فانه مخلوق الله ايضا لايخفى عليه مخلوقه مطلقا ذلك من اوصاف النفس توسوس بذلكلتشوش عليه قلبه ووقته وفيه دخل آدم عليه السلام فان الله تعالى خلقه وعلم ماوسوست به نفسه فى اكل الشجرة وذلك بالقاء الشيطان قال بعض الكبار ليس للشيطان على باطن الانبياء من سبيل فخواطرهم لاحظ للشيطان فيها فهو يأتيهم فى ظاهر الحس فقط ولا يعملون بما يقول لهم ثم ان من الاولياء من يحفظ من الشيطان فى علم الله تعالى فيكن بهذه المثابة فى العصمة مما يلقى لافى العصمة من وصول ذلك الى قلبه لان الاولياء ليسوا بمشرعين بخلاف الانبياء عصمت بواطنهم لكونهم اصحاب الشرائع قال بعض الكبار مامن شخص من بنى آدمه الا ويخطر له كل يوم وليلة سبعون ألف خاطر لاتزيد ولا تنقص عدد الملائكة الذين يدخلون البيت المعمور كل يوم فما شخص الا وبخلق من خواطرعه كل يوم سبعون ألف ملك ثم يرتفعون الى جهة البيت المعمور فاذا خرج السبعون ألفا من البيت المعمور كل يوم يجتمعون بالملائكة المخلوقين من الخواطر فيكون ذكرهم استغفار الاصحابهم الى يوم القيامة ولكن من كل قلبه معمورا بذكر الله دآئما فالملائكة المخولقين من خواطر يمتازون عن الملائكة الذين خلقوا من خواطر قلب ليس هذه المقام وسوآء كان الخاطر فيما ينبغى عن اوفيما لاينبغى فالقلوب كلها من هذا البيت المعمور خلقت فلا تزال معمورة دآئما وكل ملك يتكون من الخاطر يكون صورة صالحة فى علم الله الما نظر وان كان هو نفسه ملكا سبح وقد لايعلم ماخطر { ونحن أقرب اليه } اى الى الانسان { من حبل الوريد } ازرك جان وى بوى . اى العم بحاله ممن كان اقرب اليه من حبل الوريد وعبر عن قرب العلم بقرب الذات تجوز الا انه موجب له فاطلق الملزوم على اللازم وحل الوريد مثل فى فرط القرب كقولهم هو منى بمعقد الازار والحبل العرق شه بواحد م الحبال من حيث الهيئة واضافته بيانية وجوز الزمخشرى كونها بمعنى اللام ويجوز أن تكون كأضافة لجين الماء على ان يكون الحبل على حقيقته والوريدان عرقان مكتنفان لصفحتى العنق فى مقدمها متصلان بالوتين وهوعرق فى القلب اذا انقطع مات صاحبه يردان من الرأس اليه فالوريد بمعنى الوارد وقيل سمى وريد الان الروح الحيوانى يرده فالوريد حينئذ بمعنى المورود وفى المفردات الوريد عرق متصل بالكبد والقلب وفيه مجارى الروح وقوله ونحن أقرب ا ليه من حبل الوريد أى من روحه انتهى .(14/117)
ماوردى فرموده كه حبل الوريد ركيست متصل بدل وعلم خداى تعالى ببنده نزديكتر نيست از علم دل وى .
وفى التأويلات النجمية حبل الوريد أقرب اجزأء نفسه الى نفسه يشير به الى انه تعالى اقرب الى العبد من نفس العبد الى العبد فكما انه كل وقت يطلب نفسه يجدها لانها قريب منه فكذلك كل وقت يطلب ربه يجده لانه قريب منه كما قال تعالى { واذاسألك عهبادى عنى فانى قريب } وفى الزبور ألا من طلبنى وجدنى
نحن أقرب كفت من حبل الوريد ... توبكندى بئر فكر را بعيد
اى كمان تيرها برسخاته ... در كنار من ومن مهجورم
قال بعض الكبار شدة القرب حجاب كما ان غاية البعد حجاب و اذا كان الحق أقرب الينا من حبل الوريد فأين السبعون ألف حجاب التى بيننا وبينه فتأمل وقال البقلى ولو يرى الانسان نفسه لرأى هو ان نفسه ألا ترى كيف أخبر عن كمال قربه بنعت الاتحاد بوقله ونحن أقرب اليه من حبل الوريد ولذلك قال عليه السلام « من عرف نفسه فقد عرف ربه » اذ لانفس الاهوان فهمت ماقلت والا فاعلم ان الفعل قائم بالصفة والصفة قائمة بالذات فمن حيث عين الجمع ماهو الا هو ولا تظن الحلول فانه بذاته وصفاته منزه عن أن يكن له محل فى الحوادث هذا رمز العاشقين ألا نرى الى قول المجنون
انا من أوى ومن أهوى انا ... نحن روحان حللنا بدنا
فاذا أبصر تنى أبصرته ... واذا أبصرته أبصرتنا
وقال الواسطى اى نحن اولى به وأحق أنا جمعناه بعد الافتراق وانشأناه بعد العدم ونفخنا فيه الروح فالاقرب اليه من هو أعلم به منه بنفسه وقال ايضا بى عرفت روحك بى عرفت نفسك كل ذلك لاظهار النعوت على قدر طاقة الخلق فام الحقيقة فلا يتحملها العبد سماعا ( وقال الكاشفى ) وببايد دانست كه قرب حق تعالى بى جون وجكونه باشد اى عزيز كيفيت قرب حانرا كه بيوشته است بتن درمنى توان يافت قرب حق را كه بيوسته از كيفيت مقدس ومنزه است جكونه ادراك توان كرد وهمين مثنوى معنوى مذكوراست
قرب بجونست جانترابتو ... قرب حق راجون بدانى اى عمو
قرب نى بالاويستى رفتن است ... قرب حق از حبس هستى رستن است
در كشفت الاسار آورده كه قرب حق بحق آنست كه فرمود واسجد واقترب ودراحاديث قدسية واردست كه لايزال العبد يتقرب الى بالنواقل واين قرب اول بايمانست وتصديق وآخر باحسانست وتحقيق يعنى مقام مشاهدة كه أن تعبد الله كأنك تراه وقرب حق تعالىمربنده را دوقسمست بكى كافه خلق رابعلم وقدرت كقوله وهو معكم اينما كنتم ديكر خواص دوكاه را بخصائص برو شواهد لطف كه ونحن أقرب اليه اول اورا قربتى دهد غيبى تا ازجهانش برهانديش قرب بحد حقيقى تا ازآب وكلش باز بر داز هستىء موهوم بنده مى كاهد وازنيستىء اصلى زياده ظهور ميكند ناجناندجه در اول خود بود در آخر خود باشد انجا علايق مرتفع كردد واسباب منقطع ورسوم باطل وحدود متلاشى واشارت متناهى وعبارات منتفى وخبر منمحق وحق يكتا بخود باقى والله خير وأبقى(14/118)
رأيت حبى بعين قلبى ... فقال من أنت قلت أنتا
انا الذى جزت كل حد ... بمحو أينى فأين أنتا
موجح بحر لمن الملك برايد ناكاه ... غرقة كردنددران بحرجه درويش وجه شاه
خرمن هستىء موهوم جنان سوازند ... آتش عشق كه نه دانه بماند نه كاه
قال ابو يزيد البسطامى قدس سره انسلخت م نفسى كما تنسلخ الحية من جلدها فنظرت فاذا انا هو اى ان من انسلخ من شهوت نفسه وهواها وهمها فلا يبقى فيه متسع لغير الله ولا يكون له هم سوى الله تعالى واذا لم يحل فى القلب الا جلال الله وجماله حتى صار مستغرقا يصير كأنه هو لا انه تحقيقا وفرق بين قولنا كأنه هو وبين قولنا هو هولكن قد يعبر بهو هو عن قلونا كأنه هو كما يقال زيد أسد فى مقام التشبيه مبالغة فى الشجاعة فان قلت مامعنى السلوك ومامعنى الوصول قلت معنى السلوك هو تهذيب الاخلاق والاعمال والمعارف وذلك اشتغال بسمارة الظاهر والباطن والعبد فى جمع ذلك مشغول بنفسه عن ربه الا انه مشتغل بتصفية باطنه ليستعد للوصول وانما الوصول هو ان ينكشف له جلية الحق ويصير مستغرقا به فان نظر الى معرفته فلا يعرف الا الله وان نظر الى همه فلاهم له سواه فيكون كله مشغولا بكله مشاهدة وهما لا يلتفت فى ذلك الى نفسه ليعمر ظاهره بالعبادة وباطنه بتهذيب الاخلاق و كل ذلك طهارة وهى البدآئة وانما النهاية أن ينسلخ عن نفسه بالكلية ويتجرد له فيكون كأنه هو وذلك هو الوصول كما فى شرح الاسماء الحسنى للامام الغازالى رحمه الله(14/119)
إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17)
{ اذ يتلقى المتلقيان } منصوب باذكر وهو اولى لبقاء قوله ونحن الخ علا اطلاقه او بما فى أقرب من معنى الفعل والتلقى الاخذ والتلقن بالحفظ والكتابة والمعنى انه لطيف بتوصل علمه الى مالاشىء اخفى منه وهو أقرب الى الانسان من كل قريب حين يتلقى ويتلقن ويأخذ الحفيظان اى الملكان الموكلان بالانسان مايتلفظ به وفيه اى على الوجه الثانى ايذان بأنه تعالى غنى عن استحفاظهما لاحاطة علمه بما يخفى عليهما وانما ذلك لما فى كتبهما وحفظهما لاعمال العبد وعرض صحائفهما يوم يقوم الاشهاد وعلم العبد بذلك مع علمه بأحاطته تعالى بتفاصيل احواله خبرا من زيادة اللطف له فى الكف عن السيئات والرغبة فى الحسنات وعنه عليه السلام ان مقعد ملكيك على ثنيتيك ولسانك قلمهما وريقك مدادهما وأنت تجرى فميا لايعنيك لاتستحيى من الله ولا منهما وقد جوز أن يكون تلقى الملكين بيانا للقرب على معنى انا أقرب اليه مطلعون على اعماله لان حفظتنا وكتبتنا مولكون به { عن اليمين } هو أشرف الجوارح وفيه القوة التامة { وعن الشمال } هو مقالب اليمين { قعيد } اى عن جانب اليمين قعيد أى مقاعد كالجليس بمعنى المجالس لفظا ومعنى فحذف الاول لدلالة لا الثانى علي وقيل يطلق الفعيل على الواحد والمعتدد كما فى قله والملائكة بعد ذلك ظهير(14/120)
مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)
{ مايلفظ من قول } مايرمى به من فيه من خير او شر والقول اعم من الكلمة والكلام { الا لديه } مكر نزديك او { رقيب } ملك يرقب قوله ذلك ويكتبه فان كان خيرا فهو صاحب اليمين بعينه والا فهو صاحب الشمال { عتيد } اى معد مهيأ لكتابة ماأمر به من اخلير او الشر فهو حاضر ايمنا كان وبالفارسية رقيب نكهبانى وديده بانى بود عتيد آماده فى الحال نويسد . والافراد حيث لم يقل رقيبان عتيدان مع وقوفهما معا على ماصدر عنه لما ان كلا منهما رقيب لما فوض اليه لا لما فوض الى صاحبه كما ينبىء عنه قوله تعالى عتيد وتخصيص القول بالذكر لاثباب الحكم فى الفعل بدلالة النص واختلف فما يكتبانه فقيل يكتبان كل شىء حتى أنينه فى مرضه وقيل انما يكتبان مافيه اجرووزر وهو الاظهر كما ينبىء عنه قوله عليه السلام « كاتب الحسنات على يمين الرجل كاتب السيئات على يسار الرجل وكاتب الحسنات امير امين على كاتب السيئات فاذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشرا واذا عمل سيئة قال صحاب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعله يسبح او يستغفر » قيل ان الملائكة يجتنبون الانسان عند غائطه وعند جماعه ولذا كره الكلام فى الخلاء وعند قضاء الحاجة أشد كراهة لان الحفظة تتأذى بالحضور فى ذلك الموضع الكريه لاجل كتابة الكلام فان سلم عليه فى هذه الحالة قال الامام ابو حنيفة رحمه الله يرد السلام بقلبه لا بلسانه لئلا يلزم كتابة الملائكة فانهم لايكتبون الامور القلبية وكذا بحمد الله بقلبه عند العطاس فى بيت الخلاء وكذا يركه الكلام عند الجماع وكذا الضحك فى هذه الحالة فلابد من حفظ اللسان وفى الحديث « حسن اسلام المرء تركه مالا يعنيه »
ابلهى از صرفه زر ميكنى ... صرفه كفتار كن ار ميكنى
مصلحت تست زبان زيركام ... تيغ بسنديده بود درنيام
وفى الحديث « ان ملائكة الليل وملائكة النهار يصلون معكم العصر فتصعد ملائكة النهار وتمكث ملائكة الليل فاذا كان الفجر نزل ملائكة النهار ويصلون الصبح فتصعد ملائكة الليل وتمكث ملائكة النهر وما من حافظين يرفعان الى الله ماحفظا فيرى الله فى أول الصحيفة خيرا وفى آخرها خيرا الا قال لملائكة اشهدوا انى قد غفرت لعبدى مابين طرفى الصحيفة » كما فى كشف الاسرار وفى الحديث « نظفوا لثاتكم » جمع لثة بالكسر وفتح الثاء المخففة وهى اللحمة التى فوق الاسنان ودون الاسنان وهى منابتها والعمور اللحمة القليلة بين السنين واحدها عمر بتفح العين فأمر بتنظيفها لئلا يبقى فيها وضر الطعام فتتغير منه النكهة وتتنكر الرآئحة ويتأذى المكان لانه طيق القرءآن ومقعد الملكين عندنا بيه ( وروى ) فى الخبر فى قوله { مايلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد } قال عندنا بيه كما فى تفسير القرطبى فى سروة البقرة وفى الحديث(14/121)
« نقوا براجمكم » وهى مفاصل الاصابع والعقد التى على ظهرها يجتمع فيها من الوسخ واحدها برجمة بضمتى الباء والجيم وسكون الرآء بينهما وهو ظهر عقدة كل مفصل فظهر العقدة يسمى برجمة وما بين العقدتين يسمى راجبة وجمعها رواجب وذلك مما يلى ظهرها وهو قصبة الاصابع فلكل اصبع برجمتان وثلاث راجب الا الابهام فان له برجمة وراجبتين فأمر بتنقيته لئلا يدرن فيبقى فيه الجنابة ويحول الدرن بين الماء والبشرة والجنب لاتقر به ملائكة الرحمن الى أن يتطهر وعن مجاهد قال ابطأ جبريل عليه السلام على النبى عليه السلام ثم اتاه فقال له عليه السلام « ماحبسك ياجبريل » قال وكيف آتيكم وانتم لاتقصون اظافركم ولا تأخذون من شواربكم ولاتنقون براجمكم ولا تستاكون ثم قرأ { وما نتنزل الا بأمر ربك } كما فى سفينة الابرار وفى الخبر النبوى قال عليه السلام « نقو افواهكم بالخلال فانها مجلس الملكين الكريمين الحافظين وان مدادهما الريق وقلمهما اللسان وليس عليهما شىء امر من بقايا الطعام بين الاسنان » كما فى اسئلة الحكم قال الامام حجة الاسلام أليس الله منع الجنب والمحدث عن الدخول الى بيته ومس كتابه فقال عز من قائل { ولاجنبا الا عابرى سبيل } وقال تعالى { لايسمه الا المطهرون } مع انهما اثر مباح فكيف بمن هو منغمس فى قذر الحرام ونجاسة السحت والشبهة مع من يدعى الى خدمة الله العزيز وذكره الشريف وصحبته الطاهرة سبحانه كلا لايكون ذلك ابدا كما فى الاسرار المحمدية اخوانى فكر القلب فى المباحات يحدث له ظلمة فكيف تدابير الحرام اذا غير المسك الماء منع الوضوء به فكيف ولوغ الكلب كما فى درياق الذنوب لابى الفرج ابن الجوزى وفى الحديث « ان لله ملكا على بيت المقدس ينادى كل ليلة ألا كل من أكل حراما لم يقبل منه صرف ولا عدل » فالصرف النافلة والعدل الفريضة كما فى الاحياء واطلاق الآية يدل على ان للكفار كتابا وحفظة فان قيل فالذى يكتب عن يمينه اذا اى شىء يكتب ولم يكن لهم حسنات يقال له الذى عن شماله يكتب باذن صاحبه ويكون شاهدا على ذلك وان لم يكتب كما فى بستان العارفين وفائدة حضور صاحب اليمين احتمال الايمان وهو اللائح بالبال وفى الحديث « ان الله تبارك وتعالى وكل بعبده المؤمن ملكين يكتبان عمله فاذا مات قال الملكان اللذان وكلا به يكتبان علمه قد مات فلان فتأذن لنا فنصعد الى السماء فيقول الله تعالى سمائى مملوءة من ملائكتى يسبحون فيقولان فأين فيقول قوما على قبل عبدى فكبرانى وهللانى واكتبا ذلك لعبدى الى يوم القيامة »(14/122)
قال بعض لكبار من اهل البرزخ من يخلق الله تعالى من همتهم من يعمل فى قبورهم بغالب اعمالهم فى الدنيا ويكتب الله تعالى لعبده ثواب ذلك العمل الى آخر البرزخ كما وقع لثبات المنائى قدس سره فانهم وجدوا فى قبره شخصا على صورته يصلى فظنوا انه هو وانما هو مخولق من همته وكذلك المثالات المتخيلة فى صور أهل البرازخ لاهل الدنيا فى النوم واليقظة فاذا رؤى مثال احدهم فهو اما ملك خلقه الله تعالى منهمة ذلك الولى واما مثال اقامة الله تعالى على صورته لتنفيذ ماشاء الله من حوآئج الناس وغيرها فأرواح الاولياء فى البرزخ مالها خروج منه ابدا وما ارواح الانبياء عليهم السلام فانها مشرفة على وجود الدنيا والآخرة كما فى كتاب الجواهر للشعرانى ومن ذلك ماروى عن ابن عباس رضى الله عنهما انه ضرب بعض الصاحبة خبائه على قبل وهو لايشعر أنه قبر فاذا فيه انسان يقرأ سورة الملك فأتى النبى عليه السلام فأخبره فقال عليه السلام « » هى المانعة هى المنجية تنجيه من عذاب القبر « كما فى حل الرموز . يقول الفقير بعض الآثار يدل على ان بعض الارواح يطوف فى الارض كالصديق والفاروق رضى الله عنهما كما اشار اليه قوله عليه السلام » ان لى وزيرين فى الارض ابا بكر وعمر « وايضا ان المهدى رضى الله عنه اذا خرج يستصحب اصحاب الكهف وروحانية شخصين من كمل هذه الامة وايضا قد اشتهر فى الروايات خروج بعض الارواح من القبور فى بعض الايام والليالى والشهور بأذن الملك الغفور الا أن يأول كل ذلك والعلم عند الله تعالى
وفى التأويلات النجمية يشير ان من لم يعرف قدر قربى اليه ويكون بعيد امنى بخصاله الذميمة وفعاله الرديئة ولم ارض بأن أكون رقيبه او كل عليه رقيبين { مايلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد } يكتب بقلم حركاته ومداد نيته على صحيفة قلبه فان كانت حركاته شرعية ونيته صافيه تجيىء كتابته نورانية وان كانت حركاته طبيعية حيوانية ونيته هو آئية شهوانية تجيىء كتابته ظلمانية نفسانية فمن هنا تبيض وجوه وتسود وفيه ايضا اشارة الى كمال عنايته فى حق عباده اذ جعل على كل واحد رقيبين من الملائكة المقربين ليحفظوه بالليل والنهار اذا كان قاعدا فواحد عن يمينه وواحد عن شماله واذا نام فواحد عن رأسه وواحد عن قدمه واذا كان ماشيا فواحد بين يديه وآخر خلفه ويقال هما اثنان بالليل لكل واحد واثنان بالنهار ويقال بل الذى يكتب الخيراتكل يوم آخران والذى يكتب الشر والزلة كل يوم هو الذى كان بالامس ليكثر شهود الطاعة غدا وتقل شهود المعصية ويقال بل الذى يكتب المعصية كل يوم اثنان آخران لئلا يعلم من مساويك الا القليل منهم فيكون علم المعاصى متفرقا فيهم انتهى(14/123)
وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)
{ وجاءت سكرة الموت بالحق } السكرة استعارة لشدة الموت وغمرته الذاهبة بالعقل انما لم يجعل المت استعارة بالكناية ثم اثبات الكرة له تخييلا لان المقام أدعى للاستعارة التحقيقية وعبر عن وقوعها بالماضى ايذانا تحققهما وغاية اقترابها حتى كأنها قد أتت وحضرت كما قيل قد أتاكم الجيش اى قرب انيابه والباء اما للتعدية كما فى قولك جاء الرسول بالخبر والمعنى حضرت سكرة الموت اى شدته التى تجعل الانسان كالسكران بحيث تغشاه وتغلب على عقله حقيقة الامر الذى نطق به كتاب الله ورسله او حقيقة الامر وجلية الحال من سعادة الميت وشقاوته واما للملابسة كالتى فى قوله تعالى { تنبت بالدهن } اى ملتبسة بالحق اى بحقية الامرا وبالحكمة والغاية الجميلة وقال بعضهم أتت وحضرت بأمر الله الذى هو حق ( وحكى ) ان رجلا أتى عمر رضى الله عنه فقال انى احب الفتنة واكره الحق واشهد بما لم أره فحبسه عمر رضى الله عنه فبلغت قصته عليا رضى الله عنه فقال ياعمر حبسته ظلما فقال كيف ذلك قال لانه يحب المال والولد قال تعالى { انما امولكم واولادكم فتنة } ويكره الموت وهو الحق قال تعالى { وجاءت سركة الموت بالحق } ويشهد بأن الله واحد لم يره فقال عمر لولا على لهلك عمر { ذلك } اى يقال للميت بلسان الحال وانن لم يكنبلسان القال او تقول ملائكة ذلك الموت يانسان { ما } موصولة اى الامر الذى { كنت } فى الدنيا { منه } متعلق بقوله { تحيد } من حاد عنه يحيد حيدا اذا مال عنه اى تميل وتهرب منه وبالفارسية مى كريختى ومى ترسيدى واورا مكروه ميداشتى . بل تحسب انه لاينزل عليك بسبب محبتك الحياة الدنيا كما فى قوله { اولم تكونوا أقسمتم من قبل مالكم من زوال } اى أقسمتم بألسنتكم بطرا واشرا وجهلا وسفها او بألسنة الحال حيث بنيتم مشيدا واملتم بعيدا ولم تحدثوا انفسكم بالانتقال منها الى هذه الحالة فكأنكم ظننتم انكم مالكم من زوال مما أنتم عليه من التمتع بالحظوظ الدنيوية فالخطاب فى الآية للانسان المتقدم على طريق الالتفات فان النفرة عن لموت شاملة لكل فرد من افراده طبعا وبعضده ماروى عن عائشة رضى الله عنها انها قالت اخذت ابا بكر غشية من الموت فبكيت عليه فقلت
من لايزال دمعه مقنعا ... لابد يوما انه مهراق
فأ فاق ابو بكر رضى الله عنه فقال بل جاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد وماروى انها قالت ان من نعم الله على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى فى بيتى وبين سحرى ونحرى وان الله جمع بين ريقى وريقه عند موته ودخل عبدالرحم بن ابى بكر رضى الله عنه على وبيده سواك وانا مسندة رسول الله فرأيته ينظر اليه وعرفت انه بحب السواك فقلت آخذه لك فأشار برأسه أن نعم فتناوله فاشتد عليه فقلت ألينه لك فأشار برأسه أن نعم فلينته فأمره وبين يديه ركوة فيها ماء فجعل يدخل يده فى الماء فيسمح بها وجهه ويقول(14/124)
« لا اله الا الله ان للموت سكرات » ثم نصب يده فجعل يقول فى الرفيق الاعلى حتى قبض ومالت يده ، وجوز فى الكشاب ان تكون الاشارة الى الحق والخطاب للفاجر وهذا هو الظاهر لان الكلام فى الفجار قاله سعدى المفتى وفى الحديث القدسى « ومارددت فى شىء انا فاعله » بتشديد الدال يعنى مارددت ملائكتى الذين يقبضون الارواح ( مارددت فى قبض نفس عبدى المؤمن ) اى مثل ترديدى اياهم فى قبض ارواح المؤمنين بأن أقول اقبضوا روح فلان ثم أقول لهم أخروه وفى بعض النسخ ماترددت ولما كان الترود وهو التحير بين الشيئين لعدم العلم بأن الاصلح ايهما محا لافى حق الله تعالى حمل على منتهاه وهو التوقف يعنى ماتوقفت فيما أفعله مثل توقفى فى قبض نفس المؤمن فانى اتوقف فيه وأريه ماأعددت له من النعم والكرامات حتى يميل قلبه الى الموت شوقا الى لقائى { يكره الموت } استئناشف عمن قال ماسبب ترددك أراد به شدة الموت لان الموت نفسه يوصل المؤمن الى لقاء الله فكيف يكرهه المؤمن ( وانا اكره مساءته ) اى اذاه بما يلحقه من صعوبة المت وكربه ( ولابد منه ) اى للعبد من المت لا انه مقدر لكل نفس كذا فى شرح المشارق لابن الملك قال فى كشف الاسرار هرجندكه حالت مرك بظاهر صعب مى نمايد لكن دوستانرا اندران حال در باطن همه عز وناز باشد واز دوست هر لمحه راحتى ودر هرساعتى خلعتى آيد مصطفى عليه السلام زينجا كفته ( تحفة المؤمن المؤت ) هيج صابح صدق از مرك نترسد حسين بن على رضى الله عنهما بدررا ديدكه بيراهن حرب ميكرد كفت ليس هذا زى المحاربين على كفت مايبالى ابوك أسقط على الموت ام سقط الموت عليه صدق زاد سفر مرك است ومرك راه بقاست وبقا سبب لقاست من احب لقاء الله احب الله لقاءه عمار بن ياسر رضى الله عنه عمروى به نودسال رسيدنيزه درست كرفتى ودستشى مى لرزيدى مصطفى عليه السلام اورا كفته بود آخر قوت تواز طعام دنيا شربتى شير باشددر حرب صفين عمار حاضر بودنيزه دردست كرفته وتشنكى بروى افتاده شربتى آب خواست قدحى شير بى دادنديادش آمد حديث مصطفى كه امروز روز دولت عمارست آن شربت بكشيد وبيش رفت وميكفت اليوم نلقى الاحبه محمدا وحزبه ( وفى المثنوى )
همجنين باد اجل باعارفان ... نرم وخوش همجون نسيم يوسفان
آتش ابراهيم را دندان نزد ... جون كزيده حق بود جونش كزد
بس رحال ازنقل عالم شادمان ... وزيقايش شادمان اين كود كان
جونكه آب خوش نديد آن مرغ كور ... بيش او كوثر نمايد آب شور(14/125)
وعن صاحب المثنوى انه لما حضره الموت ورأى ملك الموت عند الباب قال
بيش ترابيش ترجان من ... بيك در حضرت سلطان من
قالوا ينزل عند الموت اربعة من الملائكة ملك يجذب النفس من قدمه اليمنى وملك يجذبها من قدمه اليسرى وملك يجذبها من يده اليمنى وملك يجذبها من يسده اليسرى فيجذبونها من اطراف البنان ورؤس الاصابع ونفس المؤمن المطيع تنسل انسلال القطرة من السقاء واما الفاجر فينسل روحه كالسفود من الصوف المبلول وهو يظن ان بطنه قد ملئت شوكا وكأن نفسه تخرج من ثقب ابرة كأن السماء انطبقت على الارض وهو بينهما فان قلت مع وجود هذه السكرات لم لايصيح المحتضر كما يصيح من به ألم من الضرب وغيره قلت انما يستغيث المضروب ويصيح لبقاء قوته فى قلبه وفى لسانه وانما ينقطع صوت الميت وصياحه مد شدته لان الكرب قد بولغ فيه وتصاعد على قلبه وغلب على كل موضع منه اعنى البدن فهد كل قوة واضعف كل جارحة فلم يترك له قوة الاستغاثة قال وهب بن منبه بلغنا انه ما من ميت يموت حتى يرى الملكين اللذين كانا يحفظان عمله فى الدنيا فان صحبهما بخير قالا جزاك الله خيرا فرب مجلس خير قد أجلستنا وعمل صالح قد احضرتنا وان كان رجل سوء قالا جزاك الله شرا فرب مجلس شر قد اجلستنا ورب كلام سوء قد اسمعتنا قال فذلك الذى يشخص بصر الميت ثم لايرجع الى الدنيا ابدا ( قال الشيخ سعدي )
دريغست فرموده ديوزشت ... كه دست ملك برتو خواهد نوشد
روا دارى ازجهل ونايا كيت ... كه با كان نويسند بايا كيت
وربما كشف للميت عن الامر الملكوتى قبل أن يغر غرفعاين الملائكة على حقيقة عمله اى على صورهى حقائق اعماله فان كانت اعماله حسنة يراهم صورة حسنة وان كانت سيئة فعلى صور قبيحة ثم مراتب الحسن والقبح متفاوتة بحسب حسن الاعمال وقبحها وبحسب انواعها فالملائكة لايراهم البشر على مايتحيزون اليه من عالمهم الا ماكان من النبى عليه السلام من رؤية جبريل مرتين على صورته الاصلية
وفى التأويلات النجمية اذا اشرف الناس على الخروج من الدنيا فأحوالهم تختلف فمنهم من يزداد فى ذلك الوقت خوفه ولا يتبين حاله الا عند ذهاب الروح ومنهم من يكاشف قبل خروجه فيسكن روعه ويحفظ عليه قلبه ويتم له حضوره وتمييزه فيسلم الروح على مهل من غير استكراه وعبوس ومنهم ومنهم وفى معناه يقول بعضهم
أنا ان مت فالهوى حشو قلبى ... وابتدآء الهوى بموت الكرام
قال بعض الكبار ان السيد عبدالقادر الجيلى قدس سره لما حضرته الوفاة وضع خده على الارض وقال هذا هو الحق الذى كنا عنه فى حجاب فشهد على نفسه بأن مقام الادلال الذى كان فيه نقص بالنسبة الى حاله الذى ظهر له عند الموت وتمم الله حاله عند الموت مات على الكمال وعكس هذا ماحكى ان مولانا حميد الدين اخذه اضطراب عظيم فى مرض موته فقيل له اين علومك ومعارفك فقال يطلبون منا القلب وأحوال القلب وذلك غير موجود عندنا فالاضطراب من تلك الجهة ( وروى ) لبعضهم كلمات عالية ثم رؤى حالة الرحلة فى غاية التشويش وقد ذهب عنه التحقيقات وذلك لان الامر الحاصل بالتكلف لايستقر حال المرض والهرم فكيف حال مفارقة الروح فلذا انتقل البعض فى مقام القبض والهيبة وقد روى ان بعضهم ضحك عند الموت وقال لمثل هذا فليعمل العاملون وبعضهم بكى وقال مالهذا نسعى طول عمرنا وأراد تجلى الله تعالى عند ذلك فاذا كان حال ارباب الاحوال هكذا فما ظنك بأحوال غيرهم وقد قالوا ان سكرات الموت بحسب الاعمال ولاحوال وقد تظهر صفات حسنها وقبحها عند الموت فالمغتاب تقرض شفاهه بمقاريض من نار والسامع للغيبة يسلك فى ادنيه نار جهنم وآكل الحرام يقدم له الزقوم كذلك الى آخر اعمال العبد كل ذلك يظهر عند سكرات الموت فالميت يجوزها سكرة بعد سكرة فعند آخرها يقبض روحه وكان عليه السلام يقول(14/126)
« اللهم هو على محمد سكرات الموت » وانما لايستعيذ اكثر الناس من الموت ومن أهواله وسكراته لما غلب عليهم من الجهل فان الاشياء قبل وقوعها انما تدرك بنور النبوة والولاية ولذلك عظم خوف الانبياء والاولياء من الموت
يامن بدنياه اشتغل ... وغره طول الأمل
الموت يأتى بغتة ... والقبر صندوق العمل
( قال الحافظ )
سمهر برشده بروبزنيست خون افشان ... كه رزيه اش سركسرى وتاج برويزست
بدان اى جوانمرد كه از عهد آدم تافناى عالم كسى ازمرك زست تونيز نخواهى رست الموت كاس وكل الناس شاربه
خانه بركندم ويك جو نفر ستاده بكور ... غم مركت جو غم برك زمستانى نيست(14/127)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20)
{ ونفخ فى الصور } هى النفخة الثانية وهى نفخة البعث والنشور والنافخ اسرافيل عليه السلام وقد سبق الكلام فى الصور { ذلك } اى وقت ذلك النفخ على حذف المضاف { يوم الوعيد } اى يوم انجاز الوعيد الواقع فى الدنيا وتحقيقه والوعيد التهديد او يوم وقوع الوعيد على انه عبارة عن العذاب الموعود وتخصيص الوعيد بالذكر مع انه يوم الوعيد ايضا لتهويله ولذا بدىء بيان حال الكفرة(14/128)
وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21)
{ وجاءت } ومى آيد دران روز بعرصه محشر { كل نفس } من النفوس البرة والفاجرة { معها } الخ محله النصب على الحالية من كل لاضافته الى ماهو فى حكم المعرفة كأنه قيل كل النفوس { سائق وشهيد } وان اختلف كيفية السوق والشهادة حسب اختلاف النفوس عملا اى معها ملكان أحدهما يسوق الى المحشر والآخر يشهد بعملها خيرا او شرا وفى كشف الاسرار يسوق الكافر سائقه الى النار ويشهد الشهيد عليه بمعصيته ويسوق السائق المؤمن الى الجنة ويشهد الشهيد له بطاعته انتهى وهل الملكان الكاتبان فى الدنيا هما اللذان ذكرهما الله فى قوله { سائق وشهيد } او غيرهما فيه خلاف كما فى فتح الرحمن او معها ملك جامع بين الوصفين كانه قيل معها ملك يسوقها ويشهد لها او عليها وقال الواسطى سائقها الحق وشهيدها الحق اى بالنظر الى الحقيقة فى الدنيا والآخرة(14/129)
لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)
{ لقد كنت فى غفلة من هذا } الغفلة معنى يمنع الانسان من الوقوف على حقيقة الامور وفى المفردات سهو يعترى من قلة التحفظ والتيقظ والمعنى يقال له يوم القيامة او وقت النشور او وقت العرض لقد كنت أيها الشخص فى الدينا فى غفلة من هذا اليوم وغو آئله وفى فتح الرحمن من هذا النازل بك اليوم وقال ابن عباس رضى الله عنهما من عاقبة الكفر وفى عين المعانى اى من السائق والشهيد وخطاب الكل بذلك لما انه مامن احد الا وله غفلة ما من الآخرة وقيل الخطاب للكافر وقرىء كنت بكسر التاء على اعتبار تأنيث النفس وكذا الخطابات الآتية { فكشفنا } اى ازلنا ورفعنا { عنك غطاءك } الذى كان على بصرك ولغطاء الحجاب المغطى لامور المعاد وهو الغفلة والانهماك فى المحسوسات والالفة بها وقصر النظر عليها قال فى المفردات الغطاء مايجعل فوق الشىء من لباس ونحوه كما ان الغشاء كذلك وقد استعير للجهالة قال تعالى فكشفنا الآية . يعنى برداشتيم ازيديده توبوشش جهل وغفلت تراتا هرجه شنوده بودى معاينة بينى وحقيقتش ادراك ميكنى . وفى الكواشى او الغطاء القبر اى أخرجناك منه { فبصرك اليوم حديد } اى نافذ وبالفارسية تيزست . تبصر ما كنت تنكره وتستبعده فى الدنيا لزوال المانع للابصار ولكن لاينفعك وهذا كقوله أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا يقال حددت السكين رققت حدها ثم يقال لكل حاذق فى نفسه من حيث الخلقة من حيث المعنى كالبصر والبصيرة حديد فيقال هو حديد النظر وحديد الفهم ويقال لسان حديد نحو لسان صارم وماض وذلك اذا كان يؤثر تأثير الحديد وفى الآية اشارة الى ان الانسان وان خلق من عالمى الغيب والشهادة فالغالب عليه فى البداية الشهادة وهى العالم الحسى فيرى بالحواس الظاهرة العالم المحسوس مع اختلاف اجناسه وهو بمعزل عن ادراك عالم الغيب فمن الناس من يكشف الله غطائه عن بصر بصيرته فيجعل بصره حديدا يبصر رشده ويخذر شره وهم المؤمنون من أهل السعادة ومنهم من يكشف الله عن بصر بصيرته يوم القيامة يوم لاينفع نفسا ايمانها وهم الكفار من أهل الشقاوة
كرت رفت ازاندازه بيرون بدى ... جو كفتى كه بدرفت نيك آمدى
فراشو جوبينى در صلح باز ... كه ناكه در توبه كردد فراز
كنون باخرد بايد انباز كشت ... كه فردا نماند ره باز كشت
ومن كلمات امير المؤمنين على رضى الله عنه لو كشف الغطاء مازددت يقينا
حال خلد وجحيم دانستم ... بيقين آنجنانكه مى بايد
كر حجاب ازميانه بر كيرند ... آن يقين ذره نهفزايد
يعنى ان عين اليقين الحاصل لاهل الحجاب فى الآخرة حاصل لاهل الكشف فى الدنيا فانهم ترقوا من علم اليقين الى عين اليقين فى هذه الدار فطابوا وقتا فكائنهم فى الجنان فى الحال وكل يوم لهم يوم المزيد وفيه اشارة الى سر عظيم وهو أن أهل النار يزول عن ابصارهم الحجب المانعة عن اليقين والعيان وذلك بعد احتراق ظاهرهم وبواطنهم احقابا كثيرة فيرون اذ ذاك من أثر الجمال مارآه العارفون فى هذه الدار فحينئذ لايبقى للعذاب خطر اذ الاحتراق على الشهود سهل ألا ترى الى النسوة اللاتى قطعن ايديهن كيف لم يكن لهن حس بالقطع على شهود يوسف ولكن ليس لاهل النار نعيم كأكل وشرب ونكاح فاعرف(14/130)
وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23)
{ وقال قرينه } وكويد همنشين او . يعنى الشيطان المقبض له مشيرا اليه { هذا مالدى عتيد } اى هذا ماعندى وفى ملكتى ومقدورى عتيد لجهنم قد هيأته لها باغوائى واضلالى وقيل قال الملك الموكل به يعنى الرقيب الذى سبق ذكره مشيرا الى ماهو من كتاب عمله هذا مكتوب عندى عتيد مهيأ للعرض فان كان العبد من اهل الايمان والجنة أحضر كتاب حسناته لان سيئاته قد كفرت وان كان من أهل الكفر والنار أحضر كتاب سيئاته لان حسناته حبطت بكفره وما ان جعلت موصوفة فعتيد صفتها وان جعلت موصولة فهى بدل منها او خبر بعد خبر او خبر لمبتدأ محذوف فعلى العاقل أن لايطع الشيطان لايتلفت الى اغوائه فى كل زمان ومكان فانه يدعو الى النار وقهر الجبار ( روى ) ان النبى عليه السلام سار ليلة المعراج فرأى عجوزا على جنب الطريق فقال ماهذه ياجبريل فقال سر يا محمد فسار ماشاء الله فاذا بشىء يدعوه متنحيا عن الطريق يقول هلم يامحمد وأنه عليه السلام مر بجماعة فسلموا عليه وقالوا السلام عليك ياول السلام عليك يا آخر فقال جبريل اردد عليهم السلام فرد ثم قال جبريل اما العجوز فالدنيا ولم يبق من الدنيا الا مابقى من عمر تلك العجوز اما لو أجبتها لاختار امتك الدنيا على الآخرة واما الذى دعاك فأبليس واما الذين سلموا عليك فابراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام قال بعض العارفين خلق الله ابليس ليقتدى به الاشقياء ويظهر الفرق بينهما فابليس دلال وسمسار عل النار والخلاف وبضاعته الدنيا ولما عرضها على الكفارين قيل ماثمنها قال ترك الدين فاشتروها بالدين وتركها الزاهدون وأعرضوا عنها والراغبون فيها لم يجدوا فى قلوبهم ترك الدين ولا ترك الدنيا فقالوا له اعطنا مذاقه منها حتى ننظر ماهى فقال ابليس اعطونى رهنا فأعطوه سمعهم وأبصارهم ولذا يحب أرباب الدنيا استماع اخبارها ومشاهدة زينتها لان سمعهم وأبصارهم رهن عند ابليس فأعطاهم المذاقة بعد قبض الرهن فالستعموا من الزهاد عيب الدنيا ولم يبصروا قبائحها بل استحسنوا زخارفها ومتاعها فلذلك قيل حبك الشىء يعمى ويصم وقال بعضهم خلق الله ابليس ليكون المؤمن فى كنف رعاية المولى وحفظه لانه لولا الذئب لم يكن للغنم راع وخلق الله ابليس من ظلمة وخبث وطبعه على العداوة ونسأل الله الحفظ والعصمة منه(14/131)
أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24)
{ ألقيا فى جهنم } خطاب من الله تعالى للسائق والشهيد أو لملكين من خزنة النار او لواحد وهو الملك الجامع للوصفين او خازن النار على تنزيل تثنية الفاعل تثنية الفعل وتكريره للتأكد كأنه قيل ألق ألق حذف او على الفعل الثانى ثم أتى بفاعله وفاعل الفعل الاول على صورة ضمير الاثنين متصلا بالفعل الاول او على ان الالف بدل من نون التأكيد على اجرآء الوصل مجرى الوقف ويؤيده انه قرىء ألقين بالنون الخفيفة مثل لنسفعن فانه ذا وقف على النون تنقلب ألفا فتكتب بالالف على الوقف ووجه آخر هو أن العرب اكثر مايرافق الرجل منهم اثنان يعنى أدنى الاعوان فى السفر اثنان فكثر فى ألسنتهم أن يقلولو خليلى وصاحبى وقفا وأسعدا حتى خاطبوا الواحد خطاب الاثنين كما قال امرؤ القيس
خليلى مرابى على ام جندب ... لتقضى حاجات الفؤاد المعذب
ألم ترأنى كلما جئت طارقا ... وجدت بها طيبا وان لم تطيب
فثنى فى البيت الاول ووحد فى البيت الثانى { كل كفار } كل مبالغ فى الكفر بالمنعم والنعم جاحد بالتوحيد معرض عن الايمان وقيل كل كافر حامل غيره على الكفر { عنيد } معاند للحق يعرف الحق فيجحده والعناد اقبح الكفر وقال قتادة منحرف عن الطاعة وقال السدى مشتق من العند وهو عظم يعترض فى الحلق او معجب بما عنده كأنه من قولهم عندى كذا كما فى عين المعانى وقال فى المفردات العنيد المعجب بما عنده والمعاند المتباهى بما عنده والعنود الذى يعند عن القصد اى يميل عن الحق ويرده عارفا به(14/132)
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25)
{ مناع للخير } كثر المنع للمال عن حقوقه مفروضة زكاة او غيرها از طبع على الشر والامساك كما ان الكافر طبع على الكفر والعنيد طبع على العباد او مناع لجنس الخير أن يصل الى أهله يحول بينه وبينهم والمنع ضد العطية يقال رجل مانع ومناع اى بخيل وقيل يقال فى الحماية ومنه مكان منيع وقيل المراد بالخير الاسلام فان الآية نزلت فى الوليد بن المغيرة لما منه بنى اخيه منه وكان يقول من دخل منكم فيه لم أنفعه بخير ماعشت { معتد } الاعتداء مجاوزة الحق اى ظالم متخط للحق معاد لأهله { مريب } شاك فى الله وفى دينه فهوه صبغة نسبة بمعنى ذى شك وريب اى موقع فى الريبة وقيل متهم(14/133)
الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26)
{ الذى جعل مع الله الها آخر } مبتدأ متضمن معنى الشرط خبره قوله { فالقياه فى العذاب الشديد } او بدل من كل كفار وقوله فألقياه تكرير للتوكيد والفاء للاشعار بأن الالقاء للصفات المذكورة وفى الحديث « بينما الناس ينتظرون الحساب اذ بعث الله عنقا من النار يتكلم فيقول مرت بثلاثة بمن دعا مع الله الها آخر وبمن قتل بغير حق وبجبار عنيد فليلطهم من الناس كما يلقظ الطير الحب ثم بصيرهم فى نار جنهم » وفى التفسير الفاتحة للفنارى يخرج عنق من النار اى قبل الحساب والناس وقوف قد ألجمهم العرق واشتد الخووف وتصدعت القلوب لهول المطلع فاذا اشرف على الخلائق له عينان ولسان فصيح يقول ياأهل الموقف انى وكلت منكم بلاثة وذلك ثلاث مرات انى وكلت بكل جبار عنيد فيلقطعهم من بين الصفوف كما يلقط الطائر حب السمسم فاذا لم يترك احدا منهم فى الموقف نادى ندآه ثانيا ياأهل الموقف انى وكلت منكم بمن اذى الله ورسوله فيلقطهم كما يلقط الطائر حب السمسم بين الخلائق فاذا لم يترك منهم احدا نادى ثالثا ياأهل الموقف انى وكلت بمن ذهب بخلق كخلق الهل فيلقط اهل التصاوير وهم الذين يصورون الكنائسل لتعبد تلك الصور والذين يصورون الاصنام وهو قوله أتعبدون ما تنحتون وكانوا ينحتون لهم الاخشاب والاحجار ليعبدوها من دون الله فيلقطهم من بين الصفوف كما يلقط الطائر حب السمسم فاذا أخذهم الله عن آخرهم وبقى الناس وفيهم المصورون الذين لايقصدون بتصويرهم عبادتها حتى يسألوا عنها لينفخوا فيها أرواحا تحيى بها وليسوا بنافخين كما ورد فى الخبر فى المصروين فيقفون ماشاء الله ينتظرون مايفعل الله بهم والعرق قد ألجمهم وفى الآية اشارة الى الهوى الدنيا فمن عبدهما وجعلهما الهين آخرين مع الله عذب بطلب الدنيا بالحرص والغفلة ( قال العطار قدس سره )
جشم كرسنه سير زنعمت نمى شود ... غربال را زكثرت حاصل جه فائده(14/134)
قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27)
{ قال قرينه } بغير واولان الاول خطاب للانسان من قرينه ومتصل بكلامه والثانى استئناف خاطب الله سبحانه من غير اتصال بالمخاطب وهو قوله ربنا ماأطغيته وكذلك الجواب بغير واو وهو قال لاتختصموا لدى وكذلك مايبدل القول لدى فجاء الكل على نسق واحد كما فى برهان القرآن أى قال الشيطان المقيض للكافر ( قال الكاشفى ) جون خواهندكه كافر را در دوزخ افكنند كويد مراجه كناهست كه ديوبر من مسلط بود ومراكمراه كردانيد ديورا حاضر سازند تكذيب ميكند . ودل على هذا التقاول والسؤال المحذوف قوله لاتختصموا { ربنا } اى بروكارما { ما أطغيته } اى ماجعلته طاغيا ما أوقعته فى الطغيان وهو تجاوز الحد فى الطغيان { ولكن كان } هو بالذات { فى ضلال بعيد } من الحق طويل لايرجع عنه فأعنته عليه بالاغوآء والدعوة اليه من غير قسر والجاء كما فى قوله تعالى { وماكان لى عليكم من سلطان الا أن دعوتكم فاستجبتم لى } وذلك فان اغواء الشيطان انما يوثؤ فيمن كان مختل الرأى مائلا الى الفجور ضالا عن طريق الحرق واقعا دونه بمراحل وفى الحديث « انما أن رسول وليس الىمن الهداية شىء ولو كانت الهداية الى لآمن كل من الارض وانما ابليس مزين وليس له من الضلالة شىء ولو كانت الضلالة اليه لاضل كل من فى الارض ولكن الله يضل من يشاء ويهدى من يشاء »(14/135)
قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28)
{ قال } كأنه قيل فماذا قال الله لابن آدم وشيطانه المقبض له فى الدنيا فقيل قال تعالى { لاتختصموا لدى } اى فى موقف الحساب والجزآء اذ لافائدة فى ذلك قال بعضهم هذا الخطاب فى لكفار واما قوله ثم انكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ففى المؤمنين فى الظالم فيما بينهم لان الاختصام فى الظالم مسموع وهذا فى الموقف وأما قوله ان ذلك لحق تخاصم أهل النار ففى جهنم فظهر التوفيق بين الآيات { وقد قدمت اليكم بالوعيد } على الطغيان فى دار الكسب والتكليف فى كتبى وألسنة رسلى فما تركت لكم حجة على فلا تطمعوا فى الخلاص منه بما أنتم فيه من التعلل بالمعاذير الباطلة والجملة حال فيها تعليل للنهى على معنى لاتختصموا وقد صح عندكم وعلمتم انى قدمت اليكم بالوعيد حيث قلت لابليس لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين فاتبعتموه معرضين عن الحق فلا وجه للاختصام فى هذا الوقت وانما قدر المعنى هكذا ليصح جعله حالا فان مقارنة الحال لذيها فى الزمان واجبة ولا مقارنة بين تقديم الوعيد فى الدنيا والاختصام فى الآخرة والباء مزيدة او معدية على ان قدم بمعنى تقدم(14/136)
مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29)
{ مايبدل القول لدى } اى لايغير قولى فى الوعد والوعيد فما يظهر فى الوقت هو الذى قضيته فى الازل لامبدل له والعفو عن بعض المذنبين لاسباب داعية اليه ليس بتبديل فان دلائل العفو تدل على تخصيص الوعيد يعنى ولا مخصص فى حق الكفار فالوعيد على عمومه فى حقهم ق الجلال الدوانى فى شرح العضد ذهب بعض العلماء الى ان الخلف فى الوعيد جائز على الله تعالى لافى الوعد وبهذا وردت السنة حيث قال عليه السلام « من وعد لاحد على عمله ثوابا فهو منجز له ومن اوعده على عمله عقابا فهو بالخيار » والعرب لا تعد عيبا ولا خلفا أن يعد شرا ثم لايفعله بل ترى ذلك كرما وفضلا وانما الخلف أن يعد خيرا ثم لايفعله كا قال
وانى اذا أعودته او وعدته ... لمخلف ايعادى ومنجز موعدى
واحسن يحيى بن معاذ رضى الله عنه فى هذا المعنى حيث قال الوعد والوعيد حق فالوعد حق العباد على الله ضمن لهم اذا فعلوا ذلك ان يعطيهم كذا ومن اولى بالوفاء من الله والوعيد حقه على العباد قال لاتفعلوا كذا فأعذبكم ففعلوا فان شاء عفا وان شاء آخذ لانه حقه واولاهما العفو الكرم لانه غفور رحيم فالله تعالى لايغفر أن يشرك به فينجز وعيده فى حق المشركين ويغفر مادون ذلك لمن يشاء فيجوز أن يخلف وعيده فى حق المؤمنين ولاهل الحقائق كلام آخر مذكور فى محله عافانا الله واياكم من بلائه { وما أنا بظلام للعبيد } اى وما انا بمعذب للعبيد بغير ذنب من قبلهم والتعبير عنه بالظلم مع ان تعذيبهم بغير ذنب ليس بظلم على ماتقرر من قاعدة أهل السنة فضلا عن كونه ظلما مفرطا لبيان كمال نزاهته تعالى عن ذلك بتصويره بصورة مايستحيل صدوره عنه من الظلم وصيغة المبالغة لتأكيد هذا المعنى بأبراز ماذكر من التعذيب بغير ذنب فى معرض المبالغة فى الظلم وقيل هى لرعاية جمعية العبيد من قولهم فلان ظالم لعبده وظلام لعبيده على انها مبالغة كمالا كافيا وقال بعضهم يفهم من ظاهر العبارة جواز الظلم المحال مه تعالى اذا النفى مسلط على القيد الذى هو الظلامية والجواب على ماختاره كثير من المحققين ان المبالغة مسلطة على النفى لاعلى القيد كما فى قوله مانا بكذوب يعنى ان اصله ليس بظالم ثم نقل مع نفيه الى صيغة المبالغة فكانت المبالغة راجعة الى النفى على معنى ان الظلم منفى عنه نفيا مؤكدا مضاعفا ولو جعل النفى داخلا على صيغة المبالغة بأن ضعف ظالم بدون نفيه ثم أدخل عليه النفى لكان المعنى ان ضعف الظلم منفى عنه تعالى ولايلزم منه نفى أصله والله تعالى منزه عن الظلم مطلقا يقول الله تعالى(14/137)
« انى حرمت الظلم على نفسى وحرمته على عبادى فلا تظالموا » ويقول الله تعالى « اشتد غضبى على من ظلم من لايجد ناصرا غيرى » وعن بعض السلف دعوتان ارجوا احداهما كما أخشى الاخرى دعوة المظلوم أعنته ودعوة ضعيف ظلمته وكان من ديدن السلطان بسمرقند الامتحان بنفسه مرات لطلبة مدرسته المرتبين أعالى وأواسط وأدانى بعد تعيين جماعة كثيرة من العدول غير المدرس للامتحان من الأفاضل حذرا من الحيف وكان يعد الحيف فى الرتبة بين المستعدين من قبيل الكفر فى الدين ( قال الشيخ سعدى )
جوخواهى كه فردا برىمهترى ... مكن دشمن خويشتن كهترى
كه جون بكذرد برتواين سلطنت ... بكيرد بقهرآن كدا دامنت
وفى الآية اشارة الى أن الله تعالى قال « هؤلاء فى الجنة ولا ابالى وهؤلاء فى النار ولا ابالى » فلا يبدل قوله تعالى فلابد للجنة من أهلها وللنار من أهلها ولو عكس وجعل أهل الجنة فى النار واهل النار فى الجنة لكان مخالفا للحكمة لان الجنة دار الجمال فهى مقر للمؤمنين والنار دار الجلال فهى مقر للكافرين كما ان القلب مقر الاوصاف الحميدة والنفس مقر الاوصاف الذميمة ولذا لايدخل أهل النفس جنة القلب لان النور والظلمة لايجتمعان فاعرف(14/138)
يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)
{ يوم } اى اذكر يامحمد لقومك ويشمل كل من شأنه الذكر يوم { نقول } بما لنا من العظمة { لجهنم } دار العذاب وسجن الله للعصاة { هل امتلأت } بمن القى فيك وهل اوفيتك ماوعدتك وهو قوله لأملأن جهنم وقوله لكل واحدة منكما ملؤها فهذا السؤال من الله لتصديق خبره وتحقيق وعده والتقريع لاهل عذابه والتنبيه لجميع عباده { وتقول } جنهم مجيبة بالاستفهام تأدبا وليكون الجواب وفق السؤال { هل من مزيد } اى من زيادة من الجن والانس فيكون مصدرا كالمحيد او من او من يزاد فيكون مفعولا كالمبيع ويجوز أن يكون يوم ظرفا لمقدر مؤخر اى يكون من الاحوال والاهوال مايقصر عنه المقال واختلف الناس فى ان الخطاب والجواب هل هما على الحقيقة اولا فقال بعضهم هما على الحقيقة فينطقها الله بذل كما ينطق الجوارح وهو المختار فان الله على كل شىء قطير وامور الآخرة او لجها على خلاف ماتعورف فى الدنيا وقد دلت الاحاديث على تحقق الحقيقة فلا وجه للعدول الى المجاز كما روى من زفرتها وهجومها عل الناس يوم الحشر وجرها الملائكة بالسلاسل وقولها جزيا مؤمن فان نورك اطفأ لهبى ونحو ذلك مما يدل على حياتها الحقيقة وادراكها فان مطلق الجمادات لها تلك الحياة فى الحقيقة فكيف بالدارين المشتملين على الشؤون العجيبة والافعال الغريبة وان الدار الآخرة لهى الحيوان وقال بعضهم سؤال وجواب جيىء بهما على منهاج التمثيل والتخييل لتهويل امرها يعنى ان المقصود تصوير المعنى فى القلب وتبيينه فهى بحث لو قيل لها ذلك وهى ناطقة لقالت ذلك وايضا دلت بحالها على النطق كقولهم
امتلأت الحوض وقال قطنى ... مهلا رويدا قد ملأت بطنى
يعنى انهى مع اتساعها وتباعد اطرافها واقطارها بطرح فيها الجنة والناس فوجا بعد فوج حتى تمتلىء بهم وتصير بحث لايسعها شىء ولايزاد فيها فالاستفهام على معنى التقرير ونفى المزيد اى وهل عندى موضع يزاد فيه شىء اى قد امتلأت وحصل فى موعودك وصرت بحث لاأسع ابرة وبالفارسية لامزيد برشدم وزيادتى را اكنجايش نيست . فالمعنى الممثل هو الامتلاء وهو كقوله تعالى { أانت قلت للناس اتخذونى وأمى الهين } فانه سؤال تقرير لا سؤال استفهام وكقوله عليه اسلام يوم فتح مكة « هل بقى لنا عقيل دارا » اى مابقى لنا دارا ويجوز أن يكون المعنى انها لغيظها على الكفار والعصاة كأنها تطلب زيادتهم وتستكثرهم ويجوز أن يكون السؤال استدعاء للزيادة فى الحقيقة لان مايلقى فيها كحلقة تلقى فى اليم . يعنى زيادتى كن وحق تعالى ديكر كافر بوى فرستاد تابرشود . ويجوز أن يكون المعنى انها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها بعد محل فارغ وموضع زيادة فان قلت هذا يخالف قوله تعالى(14/139)
{ لأملأن جهنم } قلت ورد فى الحديث لاتزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى نضع الجبار فيها قدمه فيزوى بضعها الى بعض يعنى فيحصل الامتلاء وبه تندفع المخالفة
اين قدم حق را بود كورا كشد ... غير حق را كه كمان اوكشد
وفى رواية حتى يضع فيها رب العزة او رب العرش قدمه فتقول قط قط اى حسبى حسبى وعزتك . قوله ويزوى بالزاى المعجمة على بناء المجهول اى يضم ويجمع من غاية الامتلاء وآخر الحديث لايزال فى الجنة فضل حتى ينشىء الهل لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة كما فى كشف الاسرار وفى رواية ابى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله عليه السلام « تحاجت الجنة والنار فقالت النار اوثرت بالمتكبرين والمتجبرين وقالت الجنة فمالى لايدخلنى الا ضعفاء الناس وسقطهم فقال الله تعالى للجنة انما أنت رحمتى أرحم بك من تشاء من عبادى وقال للنار انما أنت عذابى أعذب بك من اشاء من عبادى ولكل واحدة منكما ملؤها فاما النار فانهم يلقون فيها وتقول هل من مزيد فلا تمتلىء حتى يضع الله فيها رجله فتقول قط قط فهنالك تمتلىء ويزوى بعضها الى بعض ولايظلم الهل من خلقه احدا واما الجنة فينشىء الله لها خلقا » وفى القاموس حتى يضع رب العزة فيها قدمه اى الذين قدمهم من الاشرار فهم قدم الله للنار كما ان الاخبار قدمه الى الجنة او وضع القدم مثل للردع القمع اى يأتيها امر يكفها عن طلب المزيد انتهى كما قال فى بحر العلوم وضع القدم على الشىء مثل للردع والكف وقال بعضهم بضربها من جبروته بسوط اهانة ويستمرون بين دولتى الحر والزمهرير وعامة عذاب ابليس بالزمهرير لانه يناقض ماهو الغالب عليه فى اصل خلقته وقال ابن ملك وضعها كناية عن دفعها وتسكين سورتها كما تقول وضعت رجلى على فلان اذا قهرته وفى الكواشى قدمه اى ماقدمه فى قوله « سبقت رحمتى على غضبى » اى يضع رحمته انتهى او المراد من القدم قوم مسمى بهذا الاسم وايضا المراد بالرجل جماعة من الناس وهو وان كان موضوعا لجماعة كثيرة من الجراد لكن استعارته لجماعة من الناس غير بعيدة ومنهم من يقول المراد به قدم بعض مخلوقاته اضافها الى الله تعظيما كما قال فنفخنا فيه من روحنا وكان النافخ جبريل وفى عين المعانى القدم جمع قديم كأديم وأدم اى على كل ماتقدم او قوم قدمهم الى النار ويروى قدمه بكسر القاف اى قوما قدموا بنى آدم فى الدنيا وروى رجلى وهو الجمعة من الناس وقيل قدمه أهل قدمه الذين لهم قدم صدق عند ربهم يعنى العاصين من أهل التوحيد انتهى ومنهم من قال القدم اسم لقوم يخلقهم الله لجهنم قال القاضى عياض هذا آظهر التأويلات لعل وجهه ان اماكن هل الجنة تبقى خالية فى جهنم ولم ينقل ان أهلها يرثون تلك الأماكن ويقال لهم ان الله يختص بنقمته من يشاء كما يرث أهل الجنة أماكن أهل النار فى الجنة غير جنة أعمالهم ويقال لهم ان الله يختص برحمته من يشاء وهذا من نتائج قوله تعالى(14/140)
« سبقت رحمتى على غضبى » فيخلق الله خلقا على مزاج لو دخلوا به الجنة لعذبوا فيعضهم فيها فان قلت اذا لائم مزاجهم النار فأنى يتصور التعذيب قلنا الموعود ملؤها لا تعذيب كل من فيها وقال بعض الاكابر ليس فى النار دركات اختصاص الهى ولا عذاب اختصاص الهى من الله فان الله ماعرفنا قط انه اختص بنقمته من يشاء كما اخبرنا انه يختص برحمته من يشاء فأهل النار معذبون بأعمالهم لاغير وأهل الجنة ينعمون بأعمالهم وبغير أعمالهم فى جنات الاختصاص فلأهل السعادة ثلاث جنات جنة الاعمال كمالأهل الشقاوة جحيم الاعمال ولهم خاصة جنات الاختصاص وجنات الميراث وهى التى كانت لأهل النار لو دخلوا الجنة كما قال تعالى { تلك الجنة التى نورث من عبادنا من كان تقيا } وذلك انه ما من شخص من الجن والانس الا وله فى الجنة موضع وفى النار موضع وذلك لامكانه الاصلى فانه قبل كونه يمكن أن يكون له البقاء فى العدم او يوجد فمن هذه الحقيقة له قبول النعمة وقبول العذاب قال تعالى ولو شاء لهما كم اجمعين اى أنتم قابلون لذلك ولكن حقت الكلمة وسبق العلم ونفذت المشيئة فلا راد لأمره ولا معقب لحكمه ولم يقل فى اهل النار انهم يرثون من النار أماكن أهل الجنة لو دخلوا النار وهذا من سبق الرحمة بعموم فضله سبحانه فما نزل من نزل فى النار الا بأعمالهم ولهذا يبقى فيها أماكن خالية وهى الا ماكن التى لو دخلها اهل الجنة عمروها فيخلق الله خلقا يعمرونها على مزاج لو دخلوا به الجنة لعذبوا وهو قوله عليه السلام فيضع الجبار فيها قدمه فتقول قط قط اى حسبى حسبى فانه تعالى يقول لها هل امتلأت وتقول هل من مزيد وقد قال للجنة والنار لكل واحدة منكما ملؤها فما اشترط لهما الا أن يملأهما خلقا ماشترك عذاب من يلمؤها بهم ولا نعيمهم وان لجنة اوسع من النار بلا شك فان عرضها السموات والارض فما ظنك نطولها فهى للنار كمحيط الدآئرة والنار عرضها قدر الخط الذى يميز قطرى دآئرة فلك الكواكب الثابتة فاين هذا الضيق من تلك السعة وسبب هذا الاتساع جنات الاختصاص الالهى فورد فى الخبر انه يبقى ايضا فى الجنة أماكن مافيها أحد فيخلق الله خلقا للنعيم يعمرها بهم وهو أن يضع الرحمن فيها قدمه أى آخر وجود يعطيه وليس ذلك الا فى جنات الاختصاص فالحكم لله تعالى العلى الكبير فمن كرمه انه مانزل أهل النار الا على اعمالهم خاصة واما قوله تعالى(14/141)
{ زدناهم عذابا فوق العذاب } فذلك لطائفة مخصومة هم الائمة المظلون ثم لابد لاهل النار من فضله ورحمته فى نفس النار بعد انقضاء مدة موازنة ازمان العمل فيفقدون الاحساس بالآلام فى نفس النار فتتخلد جوارحهم بأزالة الروح الحساس منها اذ ليسوا بخارجين منها فلا يموتون فيها ولايحيون وثم طائفة يعطيهم الله بع انقضاء موازنة المدد بين العذاب والعمل نعيما خياليا مثل مايراه النائم ونضج جلودهم خدرها فزمان النضج والتبديل يفقدون الآلام لخمود النار فى حقهم فيكونون فى النار كالامة التى دخلتها وليست من أهلها فأماتهم الله فما اماته فلا يحسون بما تفعله النار فى أبدانهم الحديث بكامله ذكره مسلم فى صحيحه وهذا من فضل الله ورحمته يقول الفقير للانسان الكامل قدمان قدم الجلال وقدم الجمال وبالاولى تمتلىء جهنم وبالثانية تمتلىء الجنة وبيان ذلك ان جهنم مقام أهل الطبيعة والنفس يعنى انها مظهر قد الجلال والجنة مقام أهل الروح والسر يعنى انها مظهر قدم الجمال والاعراف مقام اهل القلب لمناسبة بين الاعراف والقلب من حيث انه مقام بين الجنة والنار كما ان القلب برزخ بين الطبيعة والنفس وبين الروح والسر وللانسان الكامل نشأة جنانية روحانية ونشأة دنيوية جسمانية فهو لايدخل الجنة الا بمرتبة الروح والسر فتبقى صورته الطبيعية والنفسية المتعلقة بنشأته العنصرية فيملأ الله سبحانه جهنم بهذه البقية يعنى يظهر مظاهر جلالته من تلك البقية فيملأها بها حتى تقول قط قط فمادام لم يظهر هذه التجلى من الانسان الكامل لاتزال جهنم تقول هل من مزيد وهو المراد بقدم الجبار كذا فى الحديث واليه أشار الشيخ الكبير رضى الله عنه فى الفكوك بقوله واخبرت من جانب الحق ان القدم الموضوع فى جهنم هو الباقى فى هذا العالم من صور الكمال مما لاصحبهم فى النشأة الجنانية وكنى عن ذلك الباقى بالقدم لمناسبة شريفة لطيفة فان القدم من الانسان آخر اعضائه صورة فكذلك نفس صورته العنصرية آخر أعضاء مطلق الصورة الانسانية لان صور العالم بأجمعها كالاعضاء لمطلق صورة الحقيقة الانسانية وهذه النشأة آخر صورة ظهرت منها الحقيقة الانسانية وبها قامت الصور كلها التى قلت انها كالاعضاء انتهى وقال ايضا ان الجنة لاتسع انسانا كاملا وانما منه فى الجنة مايناسب الجنة وفى كل عالم مايناسب ذلك العالم وما يستدعيه ذلك العالم من الحق من حيث مافى ذلك العالم من الانسان بل أقول ولو خلت جهنم منه لم تبق وبه امتلأت واليه الاشارة بقدم الجبار المذكور فى الحديث انتهى ايضا وقال الشيخ روزبهان البقلى فى عرائس البيان ان جهنم لتشتاق الى الله كما تشتاق اليه الجنة فاذا رأى سبحانه حالها من الشوق اليه يضع اثقال سطوات قهر القدم عليها بنعت التجلى فتملأ من العظمة وتصير عند عظمة اله كلاشىء ورب طيب فى قلوب الجهنميين فى تلك الساعه من رؤية جلال عظمته ومن رؤية أنوار قد القدم فتصير نيرانها وردا وريحانا من تأثير بركة ظهورة لها انتهى وفى الآية اشارة الى ان جهنم صورة النفس الانسانية فكما ان النفس لايشبعها شىء وهى فى طلب المزيد مطلقا فكذا صورتها دار العذاب تطلب المزيد فهما على نسق واحد كاللفظ والمعنى يعنى ان النفس الانسانية حريصة على الدنيا وشهواتها فكلما ألقى فيها نوع منها ويقال لها هل امتلأت تقول هى هل من مزيد من أنواع الشهوات فلا يملأ جوف ابن آدم الا التراب(14/142)
آن شنيد ستى كه درصحراى غور ... بارسلارى درافتاد ازستور
كفت جشتم تنك دنيا داررا ... ياقناعت بر كند ياخاك كور
وايضا ان الحرص الانسانى قشر محبة الله بل هو عين المحبة اذا كان متوجها الى الدنيا وشهواتها يسمى الحرص واذا كان متوجها الى الله وقربانه يسمى محبة فاعلم ان مازاد فى الحرص نقص فى المحبة وما نقص من الحرص زاد فى المحبة واذا اشتعلت نار المحبة فلا تسكن نائرتها بما يلقى فيها من محبوبات الدنيا والآخرة بل يكون حطبها وتزيد بعضها الى بعض وتقول قط قط كما فى التأويلات النجمية(14/143)
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31)
{ وازلفت الجنة } الازلاف نزيدك كردانيدن اى قربت { للمتقين } عن الكفر والمعاصى بحيث يشاهدونها من الموقف ويقفون على مافيها من فنون المحاسن فيبتجون بأنهم محشرورون اليها فائزون بها { غير بعيد } تأكيد للازلاف اى مكانا غير بعيد بحيث ينظرون اليها قبل دخولها فيكون انتصابه على الظرفية او هو حال مؤكدة اى حال كونها غير بعيد أى شيأ غير بعيد كقولك هو قريب غير بعيد وعزيز غير ذليل الى غير ذلك من أمثلة التوكيد فالازلاف تقريب الرؤية وغير بعيد تقريب الدخول فانهم يحاسبون حسابا يسيرا ومنهم من لايحاسب اصلا ويجوز أن يكون التذكير لكونه على زنة المصدر الذى يستوى فى الوصف به المذكر والمؤنث كالزئير والصليل او التأويل الجنة بالبستان وفيه اشارة الى جنة قلوب خواص المتقين انها قربت لهم فى الدنيا بالاجساد وهم فى الآخرة بالقلوب ( ع ) جنت نقدست انيجا عشرت وعيش وحضور . ويقال ان الجنة تقرب من المتقين كما ان النار تجر بالسلاسل الى المحشر للمجرمين ويقال بل تقرب الجنة بأن يسهل على المتقين مسيرهم اليها ويراد بهم الخواص من المتقين ويقال هم ثلاثة اصناف قوم يحشرون الى الجنة مشاة وهم الذين قال فيهم وسيق الذين اتقوا ربهم الى الجنة زمرا وهم عوام المؤمنين وقوم يحشرون الى الجنة ركبانا على طاعاتهم المصورة لهم بصورة حيوان وهؤلاء هم الخواص وما خاص الخاص فهم الذين قال فيهم وازلفت الجنة للمتقين فقرب الجنة منهم غير بعيد أى الجنة غير بعيد عنهم وهم البعدآء عن الجنة فى مقعد صدق عند مليك مقتدر(14/144)
هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32)
{ هذا ماتوعدون } اى حال كونهم اولئك المتقين مقولاتهم من قبل الله او على ألسنة الملائكة عند ماشاهدوا الجنة ونعيمها هذا المشاهد او هذا الثواب او الازلاف والتذكير لتذكير الخبر او اشارة الى الجة والتذكير لما ان المشار اليه هو المسمى من غير ان يخطر بالبال لفظ يدل عليه فضلا عن تذكيره وتأنيثه فانهما من احكام اللفظ العربى كما فى قوله تعالى { فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربى } وقوله { ولما رأى المؤمنون الاحزاب قالوا هذا ماوعدنا الله ورسوله } وفى التأويلات النجمية هذا اشارة الى مقعد صدق ولو كانت الاشارة الى الجنة لقال هذا { لكل اواب } بدل من المتقين باعادة الجار أى رجاع الى الله فأولا يرجع من لشرك الى التوحيد وثانيا من المعصية الى الطاعة وثالثا من الخلق الى لحق قال ابن عمر رضى الله عنهما لايجلس مجلسا فيقوم حتى يستغفر وفى المفردات الاواب كالتواب وهو الراجع الى الله بترك المعاصى وفعل الخيرات ومنه قيل للتوبة اوبة والفرق بين الاوب والرجوع ان الاوب ضرب من الرجوع وذلك انه لايقال الا فى الحيوان الذى له ارادة والرجوع يقال فيه وفى غيره آب اوبا وايابا ومآبا والمآب مصدر منه واسم الزمان والمكان { حفيظ } حافظ لتوبته من النقض ولعهده من الرفض قال فى التأويلات النجمية مقعد صدق هو فى الحقيقة موعود للمتقين الموصوفين بقوله { لكل اواب حفيظ } وهو الراجع الى الله فى جميع أحواله لا الى ماسواه حافظا لأنفاسه مع الله لايصرفها الا فى طلب الله يعنى درهر نفس از حق تعالى غافل نباشد
اكر تواباس دارى باس انفاس ... بلسطانى رسانندت ازين باس
ترا يك بند بس درهر دو عالم ... كه برنايد زجانت بى خدادم
وقال سهل رضى الله عنه هو الراجع الى الله تعالى بقلبه من الوسوسة الى السكون الى الله الحفيظ المحافظ على الطاعات والاوامر وقال المحاسبى الاواب الراجع بقلبه الى ربه والحفيظ الحافظ قلبه فى رجوعه اليه ان لايرجع منه الى أحد سواه وقال الوراق هو المحافظ لأوقاته وخطراته اى الخطرات القلبية والالهامات وفى الحديث « من حافظ على اربع ركعات فى اول النهار كان اوابا حفيظا »(14/145)
مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33)
{ من } هركه . وهو وما بعده بدل بعد بدل { خشى الرحمن } الخشية خوف يشوبه تعظيم وفى عين المعانى انزعاج القلب عند ذكر السيئة وموجبها وقال الواسطى الخشية ارق من الخوف لان الخوف للعامة من العقوبة والخشية من نيران الله فى الطبع فيها نظافة الباطن للعلماء ومن رزق الخشية لم يعد الا نابة ومن رزق الانابة لم يعد التفويض والتسليم ومن رزق التفويض والتسليم لم يعدم الصبر على المكاره ومن رزق الصبر على المكاره لم يعد الرضى وقال بعضهم اوآئل العلم الخشية ثم الاجلال ثم التعظيم ثم الهيبة ثم الفناء وعن بعضهم الخشية من لرحمن خشية الفراق ومن الجبار والقهار خشية العقوبة { بالغيب } متعلق بمحذوف هو حال من فاعل خشى او من مفعوله او صفة لمصدره اى خشية ملتبسة بالغيب حيث خشى عقابه وهو غائب عنه او العقاب بعد غيب يعنى ناديده اورا وعذاب اورا . او هو غائب عن الاعين لايراه أحد يعنى نهان واشكار اى او يكى باشد . وقال بعض الكبار بالغيب اى بنور الغيب يشاهد شواهد الحق فيخشى منه والتعرض لعنوان الرحمانية للاشعار بأنهم مع خشيتهم عقابه راجعون رحمته او بأن علمهم بسعة رحمته لايصدهم عن خشيته وانهم عاملون بموجب قوله { نبىء عبادى انى أنا الغفور الرحيم } { وان عذابى هو العذاب الاليم } { وجاء } وبياورد { بقلب منيب } وصف القلب بالانابة مع انها وصف المكلف لما ان العبرة برجوعه الى الله تعالى اى لاعبرة للانابة والرجوع الا اذا كان من القلب والمراد بها الرجوع الى الله تعالى بما يجب ويرضى قال فى المفردات النوب رجوع الشىء مرة بعد اخرى والانابة الى الله الرجوع اليه بالتوبة واخلاص العمل وفى التأويلات النجمية بقلب منيب الى ربه معرض عما سواه مقبل عليه بكلية(14/146)
ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34)
{ ادخلوها } بتأويل يقال لهم ادخلوها والجمع باعتبار معنى من { بسلام } متعلق بمحذوف هو حال من فاعل ادخلوها اى ملتبسين بسلامة من العذاب وزوال النعم وحلول النقم او بسلام من جهة الله وملائكته { ذلك } اشارة الى الزمان الممتد الذى وقع فى بعض منه ماذكر من لامور { يوم الخلود } والبقاء فى الجنة اذا انتهاء له ابدا قال الراغب الخلود هو تبرى الشىء من اعتراض الفساد وبقاؤه على الحالة التى هو عليها وكل مايتباطأ عنه التغير والفساد تصفه العرب بالخلود كقولهم الايام خوالد وذلك لطول مكثها لا لدوام بقائها والخلود فى الجنة بقاء الاشياء على الحالة الى هى عليها من غير اعتراض الكون والفساد عليها وقال سعدى المفتى ولا يبعد والله اعلم أن تكون الاشارة الى زمان السلم فتحصل الدلالة على ان السلامة من العذاب وزوال النعم حاصلة لهم مؤيدا مخلدا لا انها مقتصرة على وقت الدخول(14/147)
لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)
{ لهم مايشاؤن } من فنون المطالب كائناما كان سوى ماتقتضى الحكمة حجره وهو ما كان خبيثا فى الدنيا ابدا كاللواطة ونحوها فانهم لايشاؤونها كما سبق من ان الله يعصم أهل الجنة من شهوة محال او منهى عنه { فيها } متعلق بيشاؤون او حال من الموصول قال القشيرى يقال لهم قد قلتم فى الدنيا ماشاء الله كان فاليوم ماشئتم كان وهل جزآء الاحسان الا الاحسان { ولدينا } وعندنا { مزيد } اى زيادة فى النعيم على مايشاؤون وهو مالا يخطر ببالهم ولا يندرج تحت مشيئتهم من انواع الكرامات التى لاعين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فانهم يسألون الله حتى تنتهى مسألتهم فيعطيهم ماشاؤا ثم يزيدهم من عنده مالم يسألوه ولم تبلغه أمانيهم وقيل ان السحاب تمر بأهل الجنة فتمطرهم الحور فتقول نحن المزيد الذى قال تعالى { ولدينا مزيد } وقال الراغب الزيادة أن ينضم الى ماعليه الشىء من نفسه شىء آخر وروى من طرق مختلفة ان هذه الزيادة النظر الى وجه الله اشارة الى انعام وأحوال لايمكن تصورها فى الدنيا انتهى وكذا قال غيره المختار أن المزيد هو النظر الى وجه الله الكريم فيجتمعون فى كل يوم جمعة فلا يسألون شيأ الا أعطاهم وتجلى لهم ويقال ليوم الجمعة فى الجنة يوم المزيد وفى الحديث « ان فى الجنة مالاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر » قال بعض الكبار هى المشاهدة الذاتية وما ينتج من دخول الجنة فى الدار الآخرة نتيجة الطاعات فى هذه الدار لمن اختصه لله فنتيجتنا فى هذه الطاعات ومجاهدات توصل الى تجليات ومشاهدات وفى التأويلات النجمية يشير الى أن من يريدنا ويعبر عن نعيم الجنة للوصول الينا فيصل الينا ولدينا يجد بالمزيد مايشاء أهل الجنة منها وهذا كما قال من كان لى كنت له ومن كنت له يكون له ما كان لى وقال تعالى { من كان يريد حرث الآخرة نزد له فى حرثه } فان قيل الزيادة فى الدنيا تكون أقل من رأس المال قلت المراد بالزيادة الكريمة على موعود الجنة لا من درجات الجنة لان الزيادة هنا ليست من جنس المزيد عليه حتى يلزم ذلك بخلافه فى قوله عليه السلام « ان الله زادكم صلاة ألا وهى الوتر » فان الزيادة هنا من جنس المزيد عليه وقضيته الفرضية الا انه لما ثبت بخبر الواحد لم يكن مقطوعا به فقيل بالوجوب فالزيادة من الله العزيز الا كبر اكبر واعز كما ان الرضوان من الكريم الا جود أكبر واجل والنظر الى وجهه الكريم كمال الرضى ومزيد فضل وعناية وقال الحسن البصرى ان الله ليتجلى لاهل الجنة فاذا رأوه نسوا نعيم الجنة ثم يقول الله لملائكته ردوهم الى قصورهم اذ لايتهدون بانفسهم لامرين لما طرأ عليهم من سكر الرؤية ولما زاد من لخير فى طريقهم فلم يعرفوها فلولا ان الملائكة تدل بهم ماعرفوا منازلهم فاذا وصولا الى منازلهم تلقاهم أهلمم من الحور والولدان فيرون جميع ملكهم قد اكتسب بهاء وجمالا و نورا من وجوههم أفاضوه افاضة ذاتية على ملكهم فيقولون لهم لقد زدتم نورا وبهاء وجالاء على ماتركناكم عليه فيقول لهم أهلهم وكذلك أنتم قد زدتم من البهاء والجمال مالم يكن فيكم فافهم اسرار تسمية الرؤية بالزيادة لانها تورث زيادة الجمال والعلوم والكمال ويتافوت الناس بالرؤية تفاوتا عظيما على قدر عملهم قال بعض الكبار اذا أخذ لناس منازلهم فى الجنة استدعائهم الحق تعالى الى رؤيته على مقام الكثيب وهو مسك ابيض فى جنة عدن وجعل فى هذا الكثيب منابر واسرة وكراسى ومراتب فيسارعون الى قدر همهم ومراكبهم ومشيهم هنا فى طاعة ربهم فمنهم السريع والبطيىء والمتوسط فيجتمعون فى الكثيب فكل شخص يعرف مرتبته علما ضروريا يهوى اليها ولا ينزل الى فيها كما يهوى الطفل الى الثدى والحديد الى المغناطيس لو رام أن ينزل فىغير مرتبته لما قدر ولو رام أن يتعشق بغير منزلته ماستطاع بل يرى فى منزلته انه قد بلغ منتهى أمله وقصده فهو يتعشق بما فيه من النعيم تعشقا طبيعيا ذاتيا لا يقوم بنفسه بما هو عنده أحسن من حاله ولولا ذلك لكانت دار ألم وتنغيص ولم تكن جنة ولا نعيما فكل شخص مقصور عليه نعيمه(14/148)
بعلم نظر كوش جامى كه نيست ... زتحصيل علم دكر حاصلى
( وقال المغربى )
نخست ديده طلب كن بس آنكهى ديدار ... ازانكه يار كند جلوه بر اولوا الابصار
( وقال الخجندى )
باروى توجيست جنت وحور ... هرجيز نكو نمايد ازدور(14/149)
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36)
{ وكم اهلكنا } كم للتكثير هنا هى خبرية وقعت مفعول اهلكنا ومن قرن مميزها ومبين لابها مها { قبلهم من قرن } القرن القوم المقترنون اى وكثيرا من القرون الذين كذبوا رسلهم اهلكنا قبل قومك وهم كفار مكة وبالفارسية وبس كسان كه هلاك كرده ايم بيش ازقوم تواز اهل قرن وكروه كروه جهانيان كه بحسب واقع { هم } ايشان { اشد منهم } سخت تربودنداز كفار مكة { بشطا } ازروى قوت وعظيم تربودند از روى جسد جون عاد وثمود وفرعون ومحل الجملة النصب على انها صفة لكم وفيه اشارة الى اهلاك النفوس المتمردة ف القرون الماضية اظهارا لكمال القدرة والحكمة البالغة لتتأدب به النفوس القابلة للخير وتتعظ به القلوب السليمة { فنقبوا فى البلاد } اقل فى القاموس نقب فى الارض ذهب كأنقب ونقب وعن الاخبار بحث عنها او اخبر والنقب الطريق فى الجبل وفى تاج المصادر التنقيب شب در راها كرديدن وفى المصادر شدن اندر شهرها . والمعنى خرقوا فيها اى اوقعوا الخرق فيها والجوب وقطع المفازة ودو خوا اى اذلوها وقهروا اهلها واستولوا عليهم وتصرفوا فى اقطارها او جالوا فى اكناف الارض كل مجال حذر الموت فالفاء على الاول للتسبب والدلالة على ان شدة بطشهم ابطرتهم واقدرتهم على التنقيب وعلى الثانى لمجرد التعقيب واصل التنقيب والنقب التنقير عن الامر والبحث والطلب ولذا قال فى كشف الاسرار اى أبعدوا فيها السير وبحثوا عن الامور والاسباب قال امرؤ القيس
لقد نقبت فى الآفاق حتى ... رضت من الغنيمة بالاياب
وبالفارسية بس دور شدند وفراوان رفتند درزمين وراه بريديد درشهرها يعنى رفتند تجارت وسفرها كردند ومال ومتاع بسيار بدست آوردند . وفى فتح الرحمن اى طافوا فى نقوبها اى طرقها { هل من محيص } حال من واونقبوا واصله من قولهم وقع فى حيص بيص اى فى شدة وحاصل عن الحق يحيص اى حاد عه لى شدة ومكروه وفى القاموس المحيص المهرب اى فنقبوا فى البلاد قائلين هل من حيص اى هل لهم من مفر ومخلص من أمر الله وعذابه او من الموت فميحص متبدأ خبره مضمر وهو لهم ومن زآئدة وبالفارسية هيج بودمر ايشانرا كريز كاهى ازمرك يابناهى ازقضاى خداى تعالى كه حكم فنا نازل شد هيج جيز دستكيرىء ايشان نكرد . ويجوز أن تكون الجملة كلا ما مستأنفا واراد النفى أن يكون لهم محيص يعنى نكريد تاهيج ازمرك وستند يعنى نرستند واز عقوبت حق خلاص تشدند . فان اصل أهل مكة فليحذروا من مثل ماحل بالامم الماضية فان الغاية هو الهلاك والنهاية هو العذاب روز كارى كه آدم را وفانداشت تراكى وفا دارد عمرى كه برنوح بيابان رسيد باتوكى بقادارد اجلى كه بر خليل تاختن آورد تراكى فرو كذارد مركى كه بر سليمان كمين ساخته باتوكى مسامحت كند(14/150)
نه برباد رفتى سحر كاه وشام ... سرير سليمان عليه السلام
بآخر نديدى كه برباد رفت ... خنك آنكه بادانش ودادرفت
مؤكلى كه جان مصطفى را صلى الله عليه وسلم تقاضا كرد باتوكى مدارا كند اكر عمر نوح ومال قارون وملك سليمان بدست آرى بدرد مرك سودندارد وباتو محابا نكند هفت هزار سال كه كسرى كذشت تا آدميان اندرين سفرندا اصلاب بارحام مى آيند واز ارحام به بشت زمين واز بشت زمين بشكم زيمن ميروندهمه عالم كور ستانس زيرا وهمه حسرت زبرا وهمه درحيرت سر بر آور از آسمان بير كه جند بادشاه ياد دارى جشم بر زمين افكن وباز برس كه درشكم جند نازنين دارى
سل الطارم العالى الذرى عن قطينه ... نجاما من بؤس عيش ولبنه
فلما استوى فى الملك واستعبد الورى ... رسول المنايا تله لجبينه
جهان اى بسر ملك جاويد نيست ... زدنيا وفادارى اميد نيست
اى سخره امل اى غافل از اجل كارى كه لامحاله بودنيست ازان نه انديشى وراهى كه على الحقيقة رفتنيست زاد آن راه برنكيرى شغل دنيا راست ميدارى وبرك مرك مى نسازى اى مسكين مركت درقفاست ازو ياد دار منزلت كورست آباد دار حطام دنيا جمع ميكنى واز مستحق منع ميكنى جه طمع دارى كه جاويد بان بمانى باش تاملك الموت در آيد ودانت غارت كند و وارث در آيد مالت غارت كند وخصم در آيد طاعت غارت كند وكرم در آيد بوست وكوشت غارت كند وآه اكر باين غفلت دشمن در آيد وايمان غارت كنده نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المتيقظين ومن الثابتين على الدين واليقين ومن رفقاء النبيين والصديقين والشهداء والصالحين آمين(14/151)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)
{ ان فى ذلك } اى فما ذكر من قصتهم او فيما ذكر فى هذه السورة من العبر والاخبار واهلاك القرى { لذكرى } لتذكرة وعظة وبالفارسية بند { لمن كان له قلب } اى قلب سليم يدرك به كنه مايشاهده من الامور ويتفكر فيها كما ينبغى فان من كان له ذلك يعلم ان مدار دمارهم هو الكفر فيرتدع عند بمجرد مشاهدة الآثار من غير تذكير قال الراغب قلب الانسان سمى به لكثرة تقلبه ويعبر بالقلب عن المعانى التى تختص به من الروح والعلم والشجاعة وسائر ذلك وقوله { لمن كان له قلب } اى علم وفهم انتهى وفسره ابن عباس رضى الله عنهما بالعقل وذلك لان العقل قوة من قوى القلب وخادم من خدامه كما فى كتاب الجواهر للشعر انى فمن له أدنى عقل فله ذكرى كما قال تعالى { أفلا تعقلون } اى أدنى تعقل وقال ابو الليث لمن كان له قلب اى عقل لانه يعقل بالقلب فكنى عنه انتهى وفى الاسئلة المقحمة كيف قال لمن كان له قلب ومعلوم ان لكل انسان قلبا قلت ان المراد ههنا بالقلب عقل كنى بالقلب عن العقل لانه محله ومنبعه كما قال تعالى { فانه نزل على قلبك } وسمعت بعض الشيوخ يقول لمن كان له قلب مستقر على الايمان لاينقلب بالسرآء والضرآء انتهى ( وفى تفسير الكاشفى ) آنكس را كه اورا دلى زنده است وفى كشف الاسرار دلى متفكر در حقايق اخبار ياعقلى بيدار كننده از خواب غفلت شبلى قدس سره فرمود موعظة قرآنرا دلى بايد باخداى تعالى كه طرفة العينى غافل نباشد { او القى السمع } اى الى مايتلى عليه من الوحى الناطق بما جرى عليهم فان من فعله يقف على جلية الامر فينزجر عما يؤدى اليه من الكفر فكلمة او لمنع الخلو دون الجمع فان القاء لسمع لايجدى بدون سلامة القلب كما يلوح به قوله { وهو } اى والحال ان ذلك الملقى فهو جال من الفاعل { شهيد } من الشهود بمعنى الشاهد اى الحاضر بذهنه ليفهم معانيه لان من لايحضر ذهنه فكأنه غائب او شاهد بصدقه فيتعظ بضواهره وينزجر بزواجره وقال السعدى المفتى او لتقسيم المتفكر الى التالى السامع او الى الفقيه والمتعلم وبعبارة اخرى الى العالم المجبول على الاستعداد الكامل فهو بحث يحتاج الى التعليم فيتذكر بشرط أن يقبل بكليته ويزيل الموانع كلها وقال بعض الكبرآء من العارفين ان فى ذلك اى القرءآن الناطق باثبات امور متخالفة للحق سبحانه من التنزيه والتشبيه لذكرى اى تذكرا لما هو الحق عليه فى نفسه من التقلب فى الشؤون لمن كان له قلب سمى به لتقلبه فى انواع الصور والصفات المتخالفة لاختلاف التجليات ولم يقل لمن كان له عقل فان العقل قيد لغة وحقيقة اما لغة فانه يقال عقل البعير بالعقال اى قيده وعقل الدوآء البطن اى عقده واما حقيقة فلأن العقل يقيد العاقل بما يؤدى نظره وفكره اليه فيحصر الامر فى نعت واحد والحقيقة تأبى الحصر فليس القرءآن ذكرى لن كان له عقل يقيده بما يؤديه الكفر اليه فانه ليس ممن يتذكر بما وقع فى القرءآن من الآيات الدالة على التنزيه والتشبيه جميعاً بل يؤول ماوقع على خلاف مايؤديه فكره اليه كالآيات الدالة على التشبيه مثلا وهم اى من كان له عقل هم اصحاب الاعتقادات الجزئية التقييدية الذين يكفر بعضهم الذى يؤديه فكره الى عقد مخصوص بعضا آخر يؤديه فكره الى خلاف مادى اليه فكر البعض الاول ويلعن بعضهم بعضا والحق عند العارف الذى يتقلب قلبه فى انواع الصور والصفات لانه يعرف أن لاغير فى الوجود وصور الموجودات كلها صورته فلاختصاص معرفة الحق فى جميع الصور فى الدنيا والآخرة بالعارف الناتج معرفته عن تقلب قلبه قال تعالى { لمن كان له قلب } فانه قد تقلب قله فى الاشكال فعلم تقلب الحق فى الصور وهذا النوع من المعرفة الذى لايعقبه نكرة حظ من عرف الحق من التجلى والشهود أى من تجليه فى الصور وشهوده فيها حال كونه مستقرا فى عين مقام الجميع بحيث لايشعله صور التفرقة عن شهوده واما أهل الايمان الاعتقادى الذين لم يعرفوا الحق من التجلى والشهود فهم المقلدة الذين قلدوا الانبياء والرسل فيما اخبروا به عن الحق من غير طلب دليل عقلى لامن قلد اصحاب الافكار والمتأولين للاخبار الواردة الكاشفة عن الحق كشفا مبينا يحملها عى أدلتهم العقلية وارتكاب احتمالاتها البعيدة فهؤلاء الذين قلدوا الرسل عليهم السلام حق التقليد هم المرادون بقوله { او ألقى السمع } لاستماع مارودت به الاخبار الالهية على ألسنة الانبياء وهو حاضر بما يسمعه مراقب له فى حضرة خياله يعنى ينبغى لملقى السمع أن يجهد فى احضار مايسمعه فى خياله لعله يفوز بالتجليات المثالية لا أن يكون صاحب تلك التجليات بالفعل والا بقى بعض ملقدة الانبياء خارجا عن هذا الحكم فليس المراد بالشهود ههنا الرؤية البصرية بل مايشبهها كمال المشابهة وهو مشاهدة الصور المتمثلة فى حضرة الخيال ليس الا ومن قلد صاحب نظر فكرى فليس هو الذى القى السمع وهو شهيد فالمقلدون لاصحاب الافكار هم الذين قال الله فيهم(14/152)
{ اذ تبرأ الذين اتبعوا } من الذين اتبعوا لان المتبوعين دعوا التابعين الى خلاف الواقع فتبعوهم ورجع نكال متابعتهم الى متبوعيهم فتبرأوا منهم والرسل لايتبرأون من اتباعهم الذين اتبعوهم لانهم دعوهم الى الحق والصدق فتبعوهم فانعكست انوار متابعتهم اليهم فلم يتبرأوا منهم فاعرف . درلباب آورده كه صاحب قلب مؤمن عربست وشهيد مؤمن أهل كتاب كه كواهى دارد بركفت حضرت بيغمبر عليه السلام شيخ او سعيد خراز قدس سره فرمودكه القاى سمع بوقت شنيدن قرءآن جنان بايدكه كويا از حضرت بيغمبر مى شنود بس در فهم بالاتر رود وجنان داندكه از جبرائيل استماع ميكند بس فهم را بلند ترسازد وجنان دادنكه از خداى تعالى مى شنود شيخ الاسلام قدس سره فمودكه اين سخن تامست وبرو در قرءآن كواهى هست وآن لفظ شهيدست وشهيد از كوينده شنودنه ازخبر دهنده ده غائب ازمخبر مى شنود ووحاضر بامتكلم واز امام جعفر رضى الله عنه منقولست كه تكرار ميكردم قرءآنرا تاوقتى كه ازمتكلم آن شنودم .(14/153)
وفى التأويلات النجمية القلوب أربعة قلب يائس هو قلب الكافر وقلب مقفول وهو قلب المنافق وقلب مطمئن وهو قلب المؤمن وقلب سليم من تعلقات الكونين وهو قلب المحبين الذى هو مرءآة صفات جمال الله وجلاله كما قال لايسعنى ارضى ولا سمائى ولكن يسعنى قلب عبدى المؤمن وقوله { أو ألقى السمع وهو شهيد } يعنى من لم يكن له قلب بهذه الصفة يكون فه سمع يسمع بالله وهو حاضر مع الله فيعتبر مما يشير اليه الله فى اظهار اللطف او القهر وقال بان عطاء قلب لاحظ الحق بعين التعظيم فذاب له وانقطع عما سواه واذا لاحظ القلب الحق بعين التعظيم لان وحسن وقال بعضهم القلب مضغة وهو محل الانوار ومورد الزوآئد من الجبار وربه يصح الاعتبار جعل الله القلب للجسد اميرا وقال { ان فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب } ثم جعله لربه اسيرا فقال يحول بين المرء وقلبه وقال بعضهم للقلوب مراتب فقلوب فى قبضة الحق مأسورة وقلوب والهة وقلوب طائرة بالشوق اليه وقلوب الى ربها ناظرة وقلوب صاحبت الآمال فى الله وقلوب تبكى من الفراق وشدة الاشتياق وقلوب ضاقت فى دار الفناء وقلوب خاطبها فى سرها فزال عنها مرارة الاوجاع وقلوب سارت اليه بهمتها وقلوب صعدت اليه بعزآئم صدقها وقلوب تقدمت لخدمته فى الحلوات وقلوب شربت بكأس الوداد فاستوحشت من جميع العباد الى غير ذلك ويدل على شرف القلب قوله عليه السلام « تفكر ساعة خير من عبادة الثقلين » جون بنده بدركاه آيد ودل او كرفتار شغل دنيا رقم خذلان بران طاعت كشند وبروى اوباز زنندكه كفته اند من لم يحضر قلبه فى الصلاة فلا تقبل صلاته ومن لم يحصل درجة الرؤية فى الصلاة فما بلغ غايتها ولا كان له فيها قرة عين لانه لم ير من يناجيه فان لم يسمع مايرد عليه من الحق فى الصلاة من الواردات الغيبية فماهو ممن ألقى سمعه ومن لم يحضر فيها مع ربه مع كونه لم يسمع ولم ير فليس بمصل ولاهو ممن ألقى السمع وهو شهيد يعنى أدنى مرتبة الصلاة الحضور مع الرب فمن لايرى ربه فيها ولا يشهده شهودا روحانيا او رؤية عيانية قلبية او مثالية خيالية او قريبا منها المعبر عنه بقوله عليه السلام(14/154)
« ان تعبد الله كأنك تراه » ولايسمع كلامه المطلق بغير واسطة الروحانيات او بواسطة منهم ولا حصل له الحضور القلبى المعبر عنه قوله « فان لم تكن تراه » فاعلم « انه يراك » فليس بمصل وصلاته افادت له الخلاص من القتل لاغير وبقدر خوف المرء من ربه وقربه منه يكون حضوره
نزديكانرا بيش بود حيرانى ... كايشان سياست سلطانى
آن وزير بيوسته از مراقبت سلطان هراسان بود وآن ستوردار راهراسى نه زيرا كه سينه وزير خزينه اسرار سلطانست ومهر خزينة سكستن خطر ناك بود وكان عليه السلام يصلى ولصدره ازيز كأزيزر المرجل من البكاء والازيز الغليان وقيل صوته والمرجل قدر من النحاس
خوشا نماز ونياز كسى كه از سردرد ... بآب ديده وخون جكر طهارت كرد
حذيفه يمانى رضى الله عنه صاحب سر رسول الله عليه السلام بود كفتا روزى شيطانرا ديدم كه مى كريست برما كشاده ديكر آنكه دركاه دل مؤمنان برمابسته بهر وقتى كه قصد دركاه دل مؤمن كنم بآتش هيبت سوخته كردم بداود عليه السلام وحى آمدكه ياداود زبانت دلالى است برسربازار دعوى اورا در صدر دار الملك دين محلى نيست محلى كه هست دلراست كه ازو بوى اسرار أحديت وازليت آيد عزيز مصر بابرادران كفت رخت برداريد وبوطن وقراركاه خود باز شويد كه ازدلهاى شما بوى مهر يوسفى مى نيايد اينست سر آنجه رب العالمين فرمود ان فى ذلك لذكرى الآية قال بعض الكبار حقيقة السمع الفهم عن الله فيما يتلوه عليك فى الانفس والآفاق فان الحق تارة يتلو عليك الكتاب من الكبير الخارج وتارة من نفسك فاسمع وتأهب لخطاب مولاك اليك فى أى مقام كنت وتحفظ من الوقر والصمم فالصمم آفة تمنعك عن ادراك تلاوته عليك من الكتاب الكبير المعبر عنه بالفرقان والوقر آفة تمنعك من ادراك تولاته عليك من نفسك المختصرة وهو الكتاب المعبر عنه بالقرءآن اذ الانسان محل الجمع لما تفرق فى العالم الكبير(14/155)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39)
{ ولقد خلقنا السموات والارض وما بينهما } من اصناف المخلوقات { فى ستة ايام } درشش روز آن يكشنبه تاشنبه الارض . فى يومين ومنافعها فى يومين والسموات فى يومين ولو شاء لكن ذلك فى اقل من لمح البصر ولكنه سن لنا التأنى بذلك فان العجلة من الشيطان الا فى ستة مواضع ادآء الصلاة اذا دخل الوقت ودفن الميت اذا حضر وتزويج البكر اذا ادركت وقضاء الدين اذا وجب وحل واطعاف الضيف اذا نزل وتعجيل التوبة اذا اذنب قال بعضن العارفين اذا فتح الله عليك بالتصريف فائت البيوت من ابوابها واياك والفعل بالهمة من غير الة وانظر الى الحق سبحانه كيف خمر طينة آدم بيديه وسواه وعدله ثم نفخ فيه الروح وعلمه الاسماء فأوجد الاشياء على ترتيب ونظام وكان قادرا أن يكون آدم ابتدآء ن غير تخمير ولا شىء مما ذكر
وفى التأويلات النجمية ولقد خلقنا سموات الارواح وارض الاشباح وما بينهما من النفوس والقلوب والاسرار وسر الاسرار فى ستة ايام اى فى ستة انواع من المخلوقات وهى محصورة فيما ذكرناه من الارواح والاشباح والنفوس والقلوب والاسرار وسر الاسرار فلا مخلوق الا وهو داخل فى جملتها فافهم جدا { وما مسنا } بذلك مع كونه مما لاتفى به القوى والقدر وبالفارسية ونرسيد مارا از آفرينش آنها { من لغوب } قال الراغب اللغوب التعب والنفس يقال اتانا ساعيا لاغبا خائفا تعبا وفى القاموس لغب لغبا ولغوبا كمنع وسمع وكرم اعيى اشد الاعياء وفى تاج المصادر اللغوب مانده شدن . وفعل يفعل فعولا وفعلا ايضا لغة ضعيفة والمعنى من اعياء ولا تعب فى الجملة وبالفارسية هيج رنجى وماندكى . فانه لو كان لاقتضى ضعفا فاقتضى فسادا فكان من ذلك شىء على غير ماأردناه فكان تصرفنا فيه غير تصرفنا فى الباقى وأنتم تشاهدون الكل على حد سوآء من نفوذ الامر وتمام التصرف
وفى التأويلات النجمية { وما مسنا من لغوب } لانها خلقت بأشارة أمر كن كما قال تعالى { وما امرنا الا واحدة كلمح البصر } فأنه يسمه اللغوب وانه صمد لايحدث فى ذاته حادث انتهى وهذا رد على جهله اليهود فى زعمهم ان الله بدأ خلق العالم يوم الاحد وفرغ منه يوم الجمعة واستراح يوم الست واستلقى على العرض سبحانه عما يقولون علوا كبيرا قال العلماء ان الذى وقع من التشبيه لهذه الامة انما وقع من اليهود ومنهم أخذ . يقول الفقير هذه الآية نظير قوله تعالى { أولم يروا ان الله خلق السموات والارض ولم يعى بخلقهن بقادر على أن يحيى الموتى } يدل عليه مابعد الآية وهو قوله { فاصبروا على مايقولون } اى مايقوله المشركون فى شأن البعث من الاباطيل المبنية على الانكار واستبعاد فان من فعل هذه الافاعيل بلا فتور قادر على بعثهم والانتقام منهم واو ما يقوله اليهود من مقالات الكفر والتشبيه وغيرهم وفى تفسير المناسبات لما دل سبحانه على شمول العلم واحاطة القدرة وكشف فيهما الامر أتم كشف وكان علم الحبيب القادر بما يفعل العدو أعظم نذارة للعدو وبشارة للولى سبب عن ذلك قوله { فاصبر على مايقولون } اى على جميع الذى يقوله الكفرة وغيرهم انتهى وفيه اشارة الى تربية النفوس بالصبر على مايقول الجاهلون من كل نوع من المكروهات وتزكيتها من الصفات المذمومات ملازمة للذكر والتسبيحات والتحميدات كما قال { وسبح بحمد ربك } اى نزهه تعالى عن العجز عما يمكن وعن وقوع الخلف فى اخباره التى من جملتها الاخبار بوقوع البعث وعن وصفه بما يوجب التشبيه حال كونك ملتبسا بحمده على مانعم عليك من اصابة الحق وغيرها قال سهل فى الامالى سر اقتران الحمد بالتسبيح ابدا كمافى الآية وفى قوله(14/156)
{ وان من شىء الا يسبح بحمده } ان معرفة الله تنقسم قسمين معرفة ذاته معرفة اسمائه وصفاته ولا سبيل الى اثبات احد القسمين دون الآخر واثبات وجود الذات من مقتضى العقل واثبات الاسماء والصفات من مقتضى الشرع فبالعقل عرفت المسمى وبالشرع عرفت المسمى ولا يتصور فى العقل اثبات الذات الا مع نفى سمات الحدوث عنها وذلك هو التسبيح ومقتضى العقل مقدم على مقتضى الشرع وانما جاء الشرع المنقول بعد حصول النظر والعقول فنبه العقول على النظر فعرفت ثم علمها مالم تكن تعلم من الاسماء فانضاف لها الى التسبيح الحمد والثناء فما أمرنا الا بتسبيحه بحمده { قبل طلوع الشمس وقبل الغروب } هما وقتات الفجر والعصر وفضيلتهما مشهورة فالتسبيح فيهما بمكان وفى طه قبل طلوع الشمس وقبل غروبها راعى القياس لان الغروب للشمس كما ان الطلوع لها(14/157)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40)
{ ومن الليل فسبحه } اى وسبحه بعض الليل فقوله من الليل مفعول لفعل مضمر معطوف على سبح بحمد ربك يفسره فسبحه ومن للتبعيض ويجوز أن يعمل فيه المذكور ايضا ولا تمنع الفاء عن عمل مابعدها فيما قبلها كما يجبيىء فى سورة قريش وقال بعض الكبار قبل طلوع الشمس يعنى من اول النهار وقبل الغروب يعنى الى آخر النهار ومن الليل فسبحه يعنى من جميع الليل بدقر الوسع الطاقة . يقول الفقير ثبت ان بعض أهل الرياضة لم ينم سنين فيمكن له دوام الذكر والتسبيح كما قال تعالى { والذين هم على صلاتهم دآئمون } ويمكن أن يقال ان ذلك حال القلب لا حال القالب فان اكثر أهل الله ينامون ويقومون على مافعله النبى عليه السلام لكن قلوبهم يقظى وصلاتهم اى توجههم دآئمة فهم فى الذكر فى جميع آناء الليل والنهار { وأدبار السجود } واعقاب الصلوات واواخرها جمع دبر من أدبرت الصلاة اذا انقضت والركوع والسجود يعبر بهما عن الصلاة لانهما أعظم اركانها كما يعبر بالوجه عن الذات لانه اشرف اعضائها وفى تفسير المناسبات وسبح ملتبسا بحمد ربك قبل طلوع الشمس بصلاة الصبح وما يليق به من التسبيح وغيره وقبل الغروب بصلاة العصر والظهر وكذلك فالعصر أصل فى ذلك الوقت والظهر تبع لها ولما ذكر ماهو أدل على الحب فى المعبود لانه وقت الانتشار الى الامور الضرورية التى بها القوام والرجوع لقصد الراحة الجسدية بالاكل والشرب واللعب والاجتماع بعد الانتشار والانظمام مع ما فى الوقتين من الدلالة الظاهرة على طى الخلق ونشرهم اتبعه مايكون وقت السكون المراد به الراحة بلذيذ الاضطجاع والمنام فقال ومن الليل اى فى بعض اوقاته فسبحه بصلاتى المغرب والعشاء وقيام الليل لان الليل وقت الخلوات وهى ألذ المناجاة ولما ذكر الفرائض التى لا مندوحة عنها على وجه يشمل النوافل من الصلاة وغيرها اتبعها النوافل المقيدة بها فقال وادبار السجود اى الذى هو الاكمل فى بابه وهو صلاة الفرض بما يصلى بعده من الرواتب والتسبيح بالقبول ايضا والمعنى والله علم ان الاشتغال استمطار من المحمود المسبح للنصر على المكذبين وان الصلاة أعظم ترياق للنصر وازالة النصب ولهذا كان النبى عليه السلام اذا حزبه مر فزع الى الصلاة انتهى يقال حزبه الامر نابه واشتد عليه او ضغطه وفزع اليه لجأ وعن عمر وعلى رضى الله عنهما ادبار السجود الركعتان بعد صلاة المغرب وادبار النجوم الركعتان قبل صلاة الفجر وعليه جمهور المفسرين وعن النبى عليه السلام « من صلى بعد المغرب ركعتين قبل ان يتكلم كتبت صلاته فى عليين » وعنه عليه السلام « ركعتا الفجر اى سنة الصبح خير من الدينا وما فيها »(14/158)
وكان عليه السلام يقرأ فى الركعتين بعد المغرب والركعتين قبل صلاة الفجر قل ياأيها الكافرون وقل هو اله احد قاله ابن مسعود وعن مجاهد وادبار السجود هو التسبيح باللسان فى ادبار الصلوات المكتوبة وفى الحديث « من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وكبر ثلاثا وثلاثين وحمد الله ثلاثا وثلاثين فذلك تسع وتسعين ثم قال تمام المائة لا اله الا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير غفرت خطاياه وان كانت مثل زبد البحر » وفى رواية اخرى عن ابى هريرة رضى الله عنه قالوا يارسول الله ذهب أهل الوفور بالدرجات والنعم المقيم قال « وكيف ذلك » قالوا صلوا كما صلينا وجاهدوا كما جاهدنا وانفقوا من فضول اموالهم واليست لنا اموال قال « أفلا أخبركم بأمر تدركن به من كان قبلكم وتسبقون من جاء بعدكم ولا يأتى أحد ماجئتم به الامن جاء بمثله تسبحون فى دبر كل صلاة عشرا وتحمدون عشرا وتكبرون عشرا » كما فى كشف الاسرار يقول الفقير لعل سر التثليث فى بيانه عليه السلام دآئر على التثليث فى بيانهم فانهم قالوا صلو او جاهدوا وانفقوا فقال عليه السلام « تسبحون وتحمدون وتكبرون » وفى تخصيص العشر فى هذه الحديث ورعاية لسر قوله تعالى { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } فان كل عشر اذا ضوعف افرادها بعشرة الامثال تبلغ الى المائة المشيرة الى الاسماء الحسنى التسعة والتسعين مع احديتها فاذا كان كل عشرة مائة يكون المجموع ثلاثمائة لكنه عليه السلام اراد أن يبلغ الاعداد المضاعفة الى الالف لتكون اشارة الى ألف اسم من اسمائه تعالى فزاد فى كل من التسبيح والتحميد والتكبير باعتبار اصوله حتى جعله ثلاثا وثلاثين وجعل تمام المائة القول المذكور فى الحديث الاول فيكون اصول الاعداد مائة بمقابلة المائة المذكورة وفروعها هى المضاعفات ألفا ليكون بمقابلة الألف المذكور فان قلت فأهل الوفور لايخلو من أن يقولوا ذلك فى أعقاب الصلوات فاذا لافضل للفقرآء عليهم قلت جاء فى حديث آخر « اذا قال الفقير سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر مخلصا وقال الغنى مثل ذلك لم يلحق الغني الفقير من فضله وتضاعف لثواب وان انفق الغنى معها عشرة آلاف درهم » وكذلك اعمال البر كلها فظهر فضلهم عليهم والحمد لله تعالى وفى الآية بيان فضيلة النوافل قال عليه السلام خطابا لأبى الدردآء رضى الله عنه « ياعويمر اجتنب مساخط الله وأد فرآئض الله تكن عاقلا ثم تنفل بالصالحات من الاعمال تزدد من ربك قربا وعليه عزا » وفى الحديث « حسنوا نوافلكم فيها تكمل فرآئضكم » وفى المرفوع « النافلة هدية المؤمن الى ربه فليحسن احدكم هديته وليطيبها »(14/159)
وفى الحديث « ازدلفوا الى الله بركعتين » اى تقربوا وفى الحديث القدسى « ماتقرب عبد الى بمثل ادآء مافترضت عليه وانه ليتقرب الى بعد ذلك بالنوافل حتى أحبه » والمراد بالنوافل نوافل الصلوات وغيرها ومنها سلوك الصوفية فانه يتقرب به السالك الى الله بأزالة الحجب المانعة عن النظر الى وجه الله الكريم قال الراغب القرب الى الله قرب روحانى بازالة الاوساخ من الجهل والطيش والغضب والحاجات البدنية بقدر طاقة البشر والتخلق بالاخلاق الالهية من العلم والحكمة والرحمة فى ترجمة الفتوحات المكية دراداى فرائض عبوديت اضطرارست ودر نوافل عبوديت اختبار ونفل در ركعت زائد را كويند وتودر اصل خود زائدى بر وجود حق تعالى جه اوبودوتونبودى وبوجود تووجود حادث زياده شد بس عمل نفل اشارت بوجودتست كه زائدست واصل تست وعمل فرض اشارت بوجود حق است كه اصلى كلى است بس دراداى فرائض بنده براى اوست ودر اداى نوافل براى خود وقتى كه د ركار او باشى هر آينه دوستر ازان داردكه دركار خد باشى وثمره اين حب كه دركار خودى است كه كنت سمعه وبصره ثمره آن حب كه دركار او باشى اعنى اعمال فرائض قياس كن كه جه كونه باشد وبدان كه در نفس نفل فرائض ونوافل هست اكر در فرض نقصانى واقع شده باشد بدان فرائض كه درضمن نفل است تمام كرده شود درخبر صحيح آمده است كه حق تعالى فرمايد كه درنماز بنده نكاه كنيد اكر تمام باشد تمام نويسند واكر ناقص باشد فرمايدكه ببينيدكه اين بنده را هيد تطوعى هست اكر باشد فرمايدكه فريضه بنده ربدان تطوعات تمام سازيد جون ركوع وسجود وسائر افعال كه نفل بى آن درست نيست كه سادمسد فرض شود حق تعالى اين فروض را درميانه نوافل نهاد تاجبر فرض بفرض باشد انتهى . قال بعض الكبار من أراد العلم الحق الذى لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فليكثر من الطاعات والنوافلحتى يحبه الحق فيعرف الله بالله ويعرف جميع الاحكام الشرعية بالله لابعقله ومن لم يكثر مما ذكر فليقدر به فيما أخبر الا يأولا فانه اولى من تقليد العقل . يقول الفقير دخل فى ادبار السجود والنوافل مثل صلاة الرغائب وصلاة البرآءة وصلاة القدر فان صلاة الرغائب تصلى بعد المغرب فى ليلة الجمعة الاولى من شهر الله رجب والثانية بعد العشاء فى ليلة النصف من شعبان والثالثة بعد العشاء ايضا فى ليلة القدر وتلك الصلوات من مستحسنات المشايخ المحققين لانها نوافل اى زوآئد على الفرآئض والسنن وهذا على تقدير أن لايكون لها اصل صحيح لكن ظهروها حادث ولا يقدح هذا الحدوث فى اصالتها على أن عمل المشايخ يكفى سندا فانهم ذووا الجناحين وقد أفردت لهذا الباب جزأ واحدا شافيا(14/160)
وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41)
{ واستمع } يا محمد لما يوحى اليك من أحوال القيامة وفى حذف مفعول استمع وابهامه ثم تفسيره بقوله يوم الخ تهويل وتفظيع للمخبر به كما يروى عن النبى عليه السلام انه قال سبعة ايام لمعاذ بن جبل رضى الله عنه يا معاذ اسمع ماأقول لك ثم حدث بعد ذلك والسمع ادراك المسموع بالاصغاء والفرق بين المستمع والسامع ان المستمع من كان قاصد للسماع مصغيا اليه والسامع من اتفق سماعه من غير قصد اليه فكل مستمع سامع من غير عكس { يوم يناد المناد } اصله ينادى المنادى قرأ ابو عمرو ونافع وابن كثير المنادى بالياء فى الوصل وهو الاصل فى اللغة والباقون بغير ياء لان الكسر بدل عليه واكتفى به والمنادى هو الملك النافخ فى الصور وهو اسرافيل عليه السلام والندآء نفخه سمى ندآء من حيث انه جعله علمنا للخروج وللحشر وانما يقع ذلك الندآء كأذان المؤذن وعلامات الرحيل فى العساكر وقيل هو الندآء حقيقة فيقف على الصخرة ويضع اصبعه فى أذنيه وينادى أيتها العظام البالية والاوصال المتقطعة واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة ان الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء وقيل اسرافيل ينفخ وجبرآئيل ينادى بالحشر { من مكان قريب } الى اسماء وهو صخرة بيت المقدس فان بيت المقدس أقرب من جميع الارض الى السماء بأثنتى عشر ميلا او ثمانية عشر ميلا وهو وسط الارض كما قاله على رضى الله عنه او من كان فى مكان قريب يصل ندآؤه الى الكل على سوآء ، يعنى آواز او بهمه جا برسد واز هيج موضعى دور نبود . وفى كشف الاسرار سمى قريبا لان كل انسان يسمعه من طرف اذنه وقيل من تحت اقدامهم وقيل من منابت شعورهم يسمع من كل شعرة ولعل ذلك فى الاعادة مثل كن فى البدء(14/161)
يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42)
{ يوم } الخ بدل من يوم ينادى الخ { يسمعون } اى الارواح وقيل الاجساد لانه يمدها أربعين سنة كما فى عين المعانى { الصيحة } وهى صيحة البعث التى هى النفخة الثانية والصيحة والصياح الصوت بأقصى الطاقة { بالحق } متعلق بالصيحة على انه حال منها والعامل فى الظرف مايدل عليه قوله تعالى { ذلك } اين روز { يوم الخروج } من القبور وهو من اسماء يوم القيامة وسمى يوم العيد يوم الخروج ايضا تشبيها به والمعنى يوم يسمعون الصيحة ملتبسة بالحق الذى هو البعث يخرجون من القبور الى المحاسبة ثم الى احدى الدارين اما الى الجنة واما الى النار قال فى كشف الاسرار جون اين ندا در عالم دهد درخلق اضطرار افتدآن كوشتهاى وبوستهاى بوسيده واستخوانها ريزده خاك كشسته وذره ذره بهم برآميخته بعضى بشرق بعضى بغرب بعضى به بربعضى به بحر بعضى كركان خودره وبعضى مرفان برده همه باهم مى آيد وذره ذره بجاى خود باز ميشود هرجه درهفت اقليم خاكى جانور بوده ازابتدآء دور عالم تاروز رستاخيز همه باهم آيدتنها راست كردد وصورتها بيدا شود اعضا واجزاى مرتب ومركب كردد ذره كم منه وذره بيش نه موى اين بان نياميزد وذره ازان به اين نه يوندد آه صعب روزى كه حشر ونشرست روز جزاء خير وشرست ترازوى راستى آو يخته كرسىء قضا نهاده بساط هيبت باز كسترده همه خلق بزانو در آمده كه { وترى كل امة جاثية } دوزخ مى غردكه { تكاد تميز من الغيظ } زبانية درعاصى آويخته كه { خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه } هركس بخود در مانده واز خويش وبيوند بكريخته { لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه } آورده اند كه بيش از آمدن خلق ازخاك جبريل وميكائيل بزمين آيند براق مى آرندوحله وتارج ازبهر مصطفى صلوات الله عليه واز هول آنروز ندانندكه روضه سيد كجاست از زمين مى برسند وزمين ميكويد من ازهول رستا خيز ندانم كه دربطن خود جه دارم جبريل بشرق وغرب همى نكرد ازآنجاكه خوابكاه سيدست نورى برآيد جبريل آنجا شتابد سيد علام صلوات الله عليه ازخاك برآيد جنانكه درخبرست انا اول من تنشق عنه الارض اول سخن اين كويد اى جبرائيل حال امتم جيست خبر جه دارى كويد اى سيد او تو برخاسته ايشان درخاك اند اى سيد توحله دربوش وتاج بر سرنه وبر براق نشين وبمقام شفاعت رو تامت در رسند مصطفى عليه اسلا مهمى رودتا بحصرت عزت سجده آرد وحق راجل جلاله بستايد وحمد كويد از حق تعالى خطاب آيدكه اى سيد امروزنه روز خدمت است كه روز عطا ونعمت است نه روز سجود است كه روز كرم وجودست سر بردار وشفاعت كن هرجه تو خواهى آن كنم تودر دينا همه آن كردى كه مافر موديم ما امروز ترا آن ديهم كه توخاواهى { ولسوف يعطيك فترضى } قال المولى الجامى فى سلسلة الذهب
سويم افكن زمرحمت نظرى ... باز كن بر رخم زفضل درى
اب بجنبان بى شفاعت من ... منكر در كناه وطاعت من
مانده ام زير بار عصيان بست ... افتم ازباى اكر نكيرى دست
رحم كن برمن وفقيرىء من ... دست ده بهر دستكيرىء من(14/162)
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43)
{ انا نحن نحيى ونميت } فى الدنيا من غير أن يشار كنا فى ذلك أحد فتكرير الضمير بعد ايقاعه اسا للتأكيد والاختصاص والتفرد ( قال الكاشفى ) يعنى نطفه مرده راحيات مى دهيم وميرانيم ايشانرا دردنيا { والينا المصير } للجزآء فى الآخرة لا ألى غيرنا لا استقلالا ولا اشتراكا فليستعدوا للقائنا وفيه اشارة الى مراقبة القلوب بعد انقضاء اوقات الذكر لاستماع ندآء الهواتف الغيبية والالهامات الربانية والاشارات الالهية من مكان قريب وهو القلب يوم يسمع النفوس الصيحة من جانب الحق بتجلى صفاته ذلك يوم الخروج من ظلمات البشرية الى نور الروحانية والربانية انا نحن نحيى القلوب الميتة ويميت النفوس الحية والينا المصير لمن ماتت نفسه وحيى قلبه . واعلم ان الحشر حشر عام وهو خروج الاجساد من القبور الى المحشر يوم النشور وحشر خاص وهو خروج الارواح الاخروية من قبور الاجسام الدنيوية بالسير والسلوك فى حال حياتهم الى العالم الروحانى وذلك بالموت بالارادة عن الصفات الحيوانية النفسانية قبل الموت بالاضطرار عن الصورة الحيوانية وحشر اخص وهو الخروج من قبور الانانية الروحانية الى الهوية الربانية وكما ان الموت نوعان اضطرارى واختيارى فكذا الولادة الاضرارية بخلق الله تعالىلامدخل فيها الكسب العبد واختياره واما اختيارية فانما تحصل بالكسب وهو الذى أشار اليه عيسى اليه السلام بقوله لن يلج ملكوت السموات من لم يولد مرتين(14/163)
يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44)
{ يوم تشقق الارض عنهم } بحذف احدى التأءين من تتشقق اى تتصدع قال فى تاج المصادر التشقق شكافته شدن والمعنى بالفارسية بياد آر روزى راكه بشكافد زمين ودور شود ز آدميان يعنى مردكان بس بيرون آيند ازقبرها { سراعا } حال من المجرور وهو جمع سريع والسرعة صد البطىء ويستعمل فى الاجسام والافعاتل ويقال سرع فهو سريع واسرع فهو مسرع والمعنى حال كونهم مسرعين الى اجابة الداعى من غير التفات يمينا وشمالا هذا كقوله مهطعين الى الداع { ذلك } اين احياى ايشان ازقبور { حشر } بعث وجمع وسوق { علينا يسير } اى هين علينا نقول له كن فيكون وهو كلا . معادل لقول الكفرة ذلك رجع بعيد وتقديم الجار والمجرور لتخصيص اليسر به تعالى فان ذلك لايتيسر الا على العالم القادر لذاته الذى لايشغله شأن من شأن كما قال ماخلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة(14/164)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)
{ نحن اعلم بما يقولون } من نفى البعث وتكذيب الآيات الناطقة به وغير ذلك مما لاخير فيه وهو تسلية لرسول الله عليه السلام وتهديد لهم { وما أنت عليهم بجبار } بمسلط تقسرهم على الايمان او تفعل بهم ماتريد وانما انت مذكر هذا كقوله { انما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر } اى لست بمتسلط عليهم يخبرهم مما تريد واصل الجبر اصلاح الشىء بضرب من القهر والجبار فى اسم الله تعالى هو الذى جبر العباد على ماأراد { فذكر } بس بندكوى { بالقرءآن من يخاف وعيد } اى عظم بمواعظه فانهم المنتفعون به كما قال { فذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين } واما من عداهم فنفعل بهم مايوجبه اقوالهم وتستدعيه اعمالهم من الوان العقاب وفنون العذاب كقوله { انما تنذر من اتبع الذكر وخشى الرحمن بالغيب }
درخير بازست هركز وليك ... نه هركس تواناست برفعك نيك
كسى راكه بندار درسر بود ... ميندار هركز كه حق بشنود
زعلمش ملال آيداز وعظ ننك ... شقايق بباران نرويد زسنك
بكوشش نرويد كل ازشاخ بيد ... نه زنكى به كرمابه كرد دسفيد
نيايد نكوكارى از بدر كان ... محالست دوزنكى ازسكان
توان باك كردن ززنك آينه ... وليكن نيايد زسنك آينه
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بسورة فى كثير من الاوقات لاشتمالها على ذكر الله تعالى والثناء عليه ثم على عمله بما توسوس به النفوس وما تكتبه الملائكة على الانسان من طاعة وعصيان ثم تذكير الموت وسكرته ثم تذكير القيامة واهوالها والشهادة على الخلائق بأعمالهم ثم تذكير الجنة والنار ثم تذكير الصيحة والنشور والخروج من القبور ثم بالمواظبة على الصلوات قال السيوطى فى كتاب الوسائل اول من قرأ فى آخر الخطبة ان الله يأمر بالعدل والاحسان الآية عمر بن عبدالعزيز ولزمها الخطباء الى عصرنا هذا وكان النبى عليه السلام يقرأ ق وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقرأ اذا الشمس كورت الى قوله ماأحضرت وكان عثمان بن عفان رضى الله عنه يقرأ آخر سورة النساء يستفتونك الآية وكان على بن ابى طالب رضى الله عنه يقرأ الكافرون والاخلاص ذكر ابن الصلاح وفى الحديث « من قرأ سورة ق هون الله عليه تارات الموت وسكراته » قيل تارات الموت افاقاته وغشياته كما فى حواشى سعدى المفتى رحمه الله(14/165)
وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1)
{ والذاريات ذروا } الواو للقسم والذاريات وما بعدها صفات حذفت موصوفاتها واقيمت هى مقامها والتقدير والرياح الذاريات وذروا مصدر عامله الذاريات يقال ذرت الريح الشىء ذروا وأذرته أطارته وأذهبته قال فى تاج المصادر الذرى داميدن . والمراد الرياح التى تذرو التراب وغيره ودانه را ازكاه جدا كنند كما فى تفسير الكاشفى روى عن كعب الاحبار قال لو حبس الله الريح عن الارض ثلاثة ايام مابقى على الارض شىء الانتن وعن العوام بن حوشب قال تخرج الجنوب من الجنة فتمر على جهنم فغمها منها وبركتها من الجنة وتخرج الشمال من جهنم فتمر على الجنة فروحها من الجنة وشرها من النار وقيل الشمال تمر بجنة عدن فتأخذ من عرف طيبها فتمر على ارواح الصديقين وعن عبدالله بن شداد قال ان الريح من روح الله فاذا رأيتموها فاسألوا الله خيرها وتعوذوا منشرها وعن جابر رضى الله عنه قال هاجت ريح كادت تدفن الراكب من شدتها فقال عليه السلام « هذه ريح أرسلت لموت منافق » فقدمنا المدينة فاذا رأس من رؤوس المنافقين قد مات ( وروى ) عن على رضى الله عنه ان مساكين الريح تحت اجنحة الكروبيين حملة الكرسى فتهييج من ثمة فتقع بعجلة الشمس ثم تهيج من عجلة الشمس فتقع برؤوس الجبال فتقع فى البر فتأخذ الشمال وحدها من كرسى بنات النعش الى مغرب الشمس والنعش اربعة كواكب على شكل مربع مستطيل وخلفها ثلاثة كواكب تسمى البنات وتأتى الدبور وحدها من مغرب الشمس الى مطلع سهيل وتأتى الجنوب وحدها من مطلع سهيل الى مطلع الشمس وتأتى الصبا وحدها من مطلع الشمس الى كرسى بنات النعش فلا تدخل هذه فى حد هذه ولاهذه فى حد هذه قال ابن عمر الرياح ثمان اربع منها عذاب واربع منها رحمة مالرحمة فالناشرات والمبشرات والذاريات والمرسلات واما العذاب فالعاصفات والقاصب والصرصر والعقيم وأراد ابن عمر مافى القرءآن من الفاظ الرياح وعن ابى امامة رضى الله عنه قال قال رسول الله عليه السلام « ليتبين قوم من امتى على اكل وشرب ولهو ولعب ثم ليمسخن قردة وخنازير وليصيبن اقواما من متى خسف وقذف بتخاذهم القيان وشربهم الخمور وضربهم بالدف ولبسهم الحيرير ولتنسفن احياء من امتى الريح كما نسفت عاد » كما فى كتاب الامتاع فى احكام السماع والنسف بركندن بناء وكياه وداميدن جيزى . وفى الآية اشارة الى الرياح الصبحية بحمل انين المشتاقين المتعرضين لنفحات الالطاف الى ساحات العزة ثم تأتى بتنسيم نفحات الحق الى مشام اسرار المحبة فيجدون راحة من غلبات اللوعة وفى معناه انشدوا
وانى لأستهدى الرياح نسيمكم ... اذا أقبلت من ارضكم بهبوب
واسألهم حمل السلام اليكموا ... فان هى يوما بلغت فأجبى(14/166)
( قال المولى الجامى )
نسيم الصبح زرمنى بى نجدو قبلها ... كه بودى دوست مى آيد ازان باكيزه منزلها
( وقال الكمال الخجندى )
صبا زدوست بيامى بسوى ماورد ... بهمد مان كهن دوستى بجا آورد
براى جشم ضعيف رمد كرفته ما ... زخاك مقدم محبوب توتيا آورد
وقال بعضهم المراد بالذاريات النساء الولود فانهن يذرين وهو بضم الياء بمعنى يذرون . يقول الفقير من لطف هذا المعنى مجاورته للفظ الحاملات والجاريات على ان من وجوه الحاملات النساء الحوامل وفيه بيان لفضل الولود على العقيم وكما قال عليه السلام « سودآء ولود خير من حسناء عقيم » ودل لفظ السودآء على سيادة الولود كسواد الحجر الاسود فانه من السيادة وذلك أن الولود مظهر الآثار ومطلع الانوار وكذلك ولود الانسان وهو الانسان الكامل وهو كالمصدر للافعال والجامد وهو الانسان الناقص لايصلح الا لان يكون آية يستدل بها كسائر الآيات التكوينية ومثاله لفظ انما فانه للتأكيد والحصر لاغير وذلك باعتبار الكف عن العمل فافهم الاشارة(14/167)
فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2)
{ فالحاملات وقرا } الوقر بالكسر اسم لما توقر أى تحمل والمراد هنا المطر ووقرا مفعول الحاملات والمعنى فالسحب الحاملة للمطر وبالفارسية بس بردارندكان باراكان يعنى ابرها كه ببارند ( روى ) عن خالد بن معدان قال ان فى الجنة شجرة تثمر السحاب فالسودآء التى نضجت تحمل المطر والبيضاء النبىء لاتحمل المطر وقال كعب السحاب غربال المطر ولولا السحاب لأفسد المطر ما أصاب من الارض وعن الحسن انه كان اذا نظر قال لاصحابه فيه والله رزقكم ولكن تحرمونه بخطاياكم واعمالكم وعن عكرمة قال ماأنزل الله من السماء قطرة الا انبت بها فى الارض عشبة اوفى البحر لؤلؤة وفى المطر حياة الارض فكأنه روحها وكذا فى الفيض الالهى حياة القلب والروح وفيه الشارة الى ان سحاب الطاف الربوبية تحمل امطار مراحم الالوهية فتمطر على قلوب الصدقين(14/168)
فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3)
{ فالجاريات يسرا } يسرا صفة لمصدر محذوف اى فلسفن الجارية فى البحر جريا يسيرا اى ذا يسر وسهولة وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال البحر زق بيد ملك لم يغفل عنه ولو غفل عنه الملك لطم على الارض يعنى دريا خيكى است بدست فرشته غافل تمنى شودازوى فرشته واكر غافل شود برمى كند زمين را وفرومى كيرد وفى الحديث « لايركبن رجل البحر الا غازيا او حاجا او معتمرفان تحت البحر نارا وان تحت النار بحرا وان تحت البحر نارا » وقال كعب ما من ليلة الا والبحار تشرف على الخلائق فتقول يارب ائذن لنا حتى نغرق الخطائين فيأمرها تعالى بالسكون فتسكن وسأل سليمان بن داود عليهما السلام البحر فخرجت اليه دابة من البحر فجعلت تنسل من حيث طلعت الشمس حتى انتصف النهار تقول هذا ولما يخرج نصفى بعد فتعوذ بالله من البحر ومن ملكه يعنى برسيد سليمان بن داود ازفرشته بحر بس بيرون آمد بسوى وى جانورى ازبحر بشتاب ازان زمان كه آفناب برآمد تانيم رزكفت هنوز نيم من بيرون نيامده است بس بناه كرفت سليمان بخدا ازبحر ازملك وى ، وفيه اشارة الى سفن وجود المحبين شراعها مرفوعة الى مهب رياح العناية فتجرى بها فى بحر التوحيد على أيسر حال(14/169)
فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4)
{ فالمقسمات امرا } الامر واحد الامور أريد به معنى الجمع وهو منصوب على ألمفعولية والمراد بالمقسمات الملائكة وايراد جمع المؤمث السالم فيهم بتأويل الجماعات اى فالملائكة التى تقسم الامور من الامطار والارزاق وغيرها وفى كشف الاسرار هذا كقوله { فالمدبرات امرا } قال عبدالرحمن بن سابط يدبر أمر الارض اربعة من الملائكة جبريل وميكائيل واسرافيل وملك الموت عليهم السلام فجبريل على الجنود والرياح وميكائيل على القطر والنبات وملك الموت على قبض الارواح واسرافيل يبلغهم مايؤمرون به وأضاف هذه الافعال الى هذه الاشياء لانها اسباب لظهورها كقوله تعالى خبرا عن جبريل { لاهب لكل غلاما زيكا } وانما الله هو الواهب الغلام لكن لما كان جبريل سبب ظهوره أضاف الهبة اليه والفاء لترتيب الاقسام بها باعتبار مابينها من التفاوت فى الدلالة على كمال القدرة يعنى ان المقصود من الاقسام بها ظاهرا هو تأكيد المحلوف عليه وهو البعث وكونه محقق الوقوع والمقصود الاصلى تعظيم هذه الاشياء لما فيها من الدلالة على كمال قدرته فيكون فى المعنى استدلالا على المحلوف عليه فكأنه قيل فمن قدر على انشاء هذه الاشياء الا يقدر على اعادة ما انشأه اولا كقول القائل لمن أنعم عليه وحق نعمك الكثيرة انى لاأزال أشكرك اتى بصورة القسم الدال على تعظيم النعم استدلالا به على انه مواظب لشكرها فاذا كان كذلك فالمناسب أن يقدم ماهو أدل على كمال القدرة والرياح أدل عليه بالنسبة الى السحب لكون الرياح اسبابا لها والسحب لغرابة ماهيتها وكثرة منافعها ورقة حاملها الذى هو الريح أدل عليه من السفن وهذه الثلاث لكونها من قبيل المحسوسات أدل عليه من الملائكة الغائبين عن الحسن لانه كلام من المنكر فربما ينكر وجود من هو غائب عن الحسن فلا يتم الاستدلال وقال سعدى المفتى فى بيان التفاوت المذكور فاما على التنزيل كما قوله عليه السلام « رحم الله المحلقين والمقصرين » بأن يقال الرياح أظهر فى الدلالة على كمال القدرة من السحب وهى من السفن والثلاث من الملائكة المقسمة لانه كلام مع الجاحد ويمكن ان ينكرها فكيف بجعلها أظهر مما هو محسوس على ماختاره صاحب الكشف واما على الترقى والقول بأن كلا منها آخره أدل على كمال القدرة مما قبله ولا اعتبار بأنكار من لاعبرة به فالمقسمات يدل على اقدار الروحانيات مع لطفاتها على التصرف فى الجمسانيات مع كثافتها ثم الجاريات المتألفة من جميع العناصر على مافيها من الصنعة البديعة والامور العجيبة من حمل الاثقال مع خفة الحامل ورقة المحمل وقطع المسافة الشاسعة فى زمان يسير بهبوب الرياح العاصفة ثم الحاملات تتألف من الاجزآء المائية والهوآئية وقليل من الاجزآء النارية والارضية وفيها غرآئب من الآثار العلوية ولا تتم الا بواسطة الرياح وعليك بالتأمل انهى .(14/170)
يقول الفقير سر الترتيب هو ان الرياح فوق السحاب الحاملة للمطر وهى فوق الماء الحامل للسفن وهو فوق الارض الظاهر اثر تدبير الملائكة فيها فأشار تعالى الى ان كل امر انماينزل من السماء وكل تأثير فى الارض انما يظهر من جانب العلو ومن ذلك وقوع البعث من القبور فمن قدر على اطهار الآثار فى الارض بالتأثيرات العلوية كان قادرا على البعث لانه من الآثار الارضية ايضا والله اعلم وفيه اشارة الى من ينزل من الملائكة المقربين لتفقد أهل الوصلة والقيام بأنواع من الامور لاهل هذه القصة فهؤلاء القوم يسألونهم عن أحوالهم هل عندهم خبر من فراقهم ووصالهم ويقولون
بربكما ياصاحبى قفاليا ... اسئلكما عن حالكم فسألانيا(14/171)
إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5)
{ ان ماتوعدون لصادق } جواب للقسم وماموصولة والعائد محذوف اى ان الذى توعدونه من البعث والحساب او من الثواب والعقاب لصادق . يعنى هرآينه راست ودرست است ودران هيج خلافى نيست قال فى الارشاد ووصف الوعد بالصدق كوصف العيشة بالرضى فى ان اسم الفاعل مسند الى المفعول به اذا الوعد مصدوق والعيشة مرضية وقال ابن الشيخ اى لذو صدق على ان البناء للنسب كتامر لان الموعود لايكون صادقا بل الصادق هو الوعد ويجوز ان تكون ما مصدرية اى وعدكم او وعيدكم اذ يحتمل توعدون أن يكون مضارع وعد واوعد والثانى هو المناسب للمقام فالكلام مع المنكرين(14/172)
وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6)
{ وان الدين لواقع } اى وان الجزآء على الاعمال لحاصل وكائن لامحالة فان من قدر على هذه الامور البديعة المخالفة المقتضى الطبيعة فهو قادر على البعث الموعود قال بعضهم قد وعد الله المطيعين بالجنة والتائبين بالمحبة والاولياء بالقربة والعارفين بالوصلة والطالبين بالوجدان كما قال ألا من طلبنى وجدنى ووعد الله واقع البتة ومن اوفى بعده من الله واوعد الفاسقين بالنار والمصرين بالبغضاء والاعدآء بالبعد والجاهلين الغافلين بالفراق والبطالين بالفقدان قال بعضهم مالحكمة فى معنى القسم من الله تعالى فانه ان كان لاجل المؤمن فالمؤمن يصدق بمجرد الاخبار من غير قسم وان كان لاجل الكافر فلا يفيده والجواب ان القرءآن نزل بلغة العرب ومن عادتها القسم اذا أرادت أن تؤكد أمرا والحكم يفصل باثنين اما بالشهادة واما بالقسم فذكر الله فى كتابه النوعين حتى لابقى لهم حجة فقال شهد الله الآية ولا يكون القسم الا باسم معظم وقد أقسم الله بنفسه فى القرءآن فى سبعة مواضع والباقى من القسم القرءآنى قسم بمخلوقاته كما فى عنوان هذه السورة ونحوه والتين والزيتون والصفات والشمس والليل والضحى وغير ذلك فان قلت مالحكمة فى ان الله تعالى قد أقسم بالخلق وقد ورد النهى عن القسم بغير الله تعالى قال فى ترجمة الفتوحات حذركن كه بغير دين اسلام بدينى ديكر سوكند يادكنى ياكويى اكر جنين باشد از دين اسلام بيزارم ودرين صورت ازنهر احيتاط تجديد ايمان كن ونهى آمده است ازانكه كسى بغير الله سوكند يادكند انتهى . قلت فيه وجوه الاول انه على حذف المضاف اى ورب الذاريات ورب التين ورب الشمس والثانى ان العرب كانت تعظم هذه الاشياء وتقسم بها فنزل القرءآن على مايعرفون والثالث ان الاقسام انما يكون بما يعظمه المقسم او يجله وهو فوقه والله تعالى ليس شىء فوقه فاقسم تارة بنفسه وتارة بمصنوعاته لانها تدل على بارىء وصانع حكيم وقال بعضهم القسم بالمصنوعات يستلزم بالصانع لان ذكر المفعول يستلزم ذكر الفاعل اذ يستحيل وجود مفعول بغير فاعل وقال بعضهم ان الله تعالى يقسم بما شاء من خلقه وليس لاحد أن يقسم الا بالله وقال بعضهم القسم اما لفضيلة او منفعة ولا تخلو المصنوعات عنهما(14/173)
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7)
{ والسماء ذات الحبك } جمع حباك اوحبيكة كمثل ومثل وطريقة وطرق والمراد بالحبك الطرآئق اى الطرآئق المحسوسة التى هى مساير الكواكب او المعقولة التى يسلكها النظار ويتوصل بها الى المعارف كما قال الراغب الحبك هى الطرآئق فمن الناس من تصور منها الطرآئق المحسوسة بالنجوم والمجرة وهى بالفارسية كهكشان . وعن على رضى الله عنه ان السماء تنشق من المجرة يوم القيامة ومنهم من اعتبر بما فيه من الطرآئق المعقولة المدركة بالبصيرة والى هذا أشار بقوله { ان فى خلق السموات والارض } الى قوله { ربنا ماخلقت هذا باطلا } وعن ابن عباس رضى الله عنهما ذات الخلق الحسن المستوى . درتبيان از ابن عمر رضى الله عنهما نقل ميكندكه مراد آسمان هفتم است وحق تعالى بدوسوكند ياد كند(14/174)
إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8)
{ انكم } ياأهل مكة { لفى قول مختلف } فى القرءآن اى متخالف متناقض وهو قولهم انه شعر وسحر وافترآء وأساطير الاولين وفى الرسول شاعر وساحر ومفتر ومجنون وفى القيامة فان من الناس من يقطع القول بأقرار ومنهم من يقطع القول بأنكار ومنهم من يقول أن نظن الا ظنا وهذا من التحير والجهل الغليظ فيكم وفى هذا الجواب تأييد لكن الحبك عبارة عن الاستواء كما يلوح به مانقل عن الضحاك ان قول الكفرة لايكون مستويا انما هو مناقض مختلف . يقول الفقير لعل الوجه فى هذا القسم ان القرءآن نازل من السماء وان النبوة امر سماوى فهم اختلفوا فى هذا الامر السماوى ظوا انه امر أرضى مختلف وليس كذلك وفى الآية اشارة الى سماء القلب ذات الطريق الى الله انكم أيها الطالبون الصادقون لفى قول مختلف فى الطلب فمنكم من يطلب منا ماعندنا من كمالات القربات ومنكم من يطلب منا مالدينا من العلوم والمعارف ومنكم من يطلبنا بجميع صفاتنا فلو استقمتم على الطريقة وثبتم ملازمين فى طلبه لبلغ كل قاصد مقصده(14/175)
يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9)
{ يؤفك عنه من افك } يقال أفكه عنه يأفكه افكا صرفه وقلبه او قلب رأيه كما فى القاموس ورجل مأفوك مصروف عن الحق الى الباطل كما فى المفردات اى يصرفه عن القرءآن او الرسول من صرف اذ لاصرف أفظع منه وأشد فكأنه لاصرف بالنسبة اليه عينى ان تعريف مصدر أفك للحقيقة وكلمة من للعموم فالمعنى كل من اتصف بحقيقة المصروفية يصرف عنه ويلزمه بعكس النقيض كل من لم يصرف عنه لم يتصف بتلك الحقيقة فكان كل صرف يغايره لاصرف بالقياس اليه لكماله وشدته وقال بعضهم يصرف عنه من صرف عى علم الله وقضائه يعنى هركه در علم خداى محروم باشد ازايمان بكتاب وبيغمبر هرآينه محرومست
دلها همه محزون وحكرها خونست ... تاحكم ازل درحق هركس جونست
وفيه اشارة الى ان فى قطاع الطريق على ارباب الطلب لكثرة فمن يصرفه عن طلبه قاطع من القطاع من النفس والهوى والدنيا وزينتها وشهواتها وجاهها ونعيما فصرف فقد حرم من متمناه وأهلكه هوه كما قيل نعوذ ابالله من الحور بعد الكور وينادى عليه منادى العزة وكم مثلها فارقتها وهى تصفر(14/176)
قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10)
{ قتل الخراصون } دعاء عليهم كقوله { قتل الانسان ماأكفره } واصله الدعاء بالقتل والهلاك ثم جرى مجرى لعن وقبح والخرص تقدير اقول بلا حقيقة ومنه خرص الثمار اى تقديرها مثلا تقدير ماعلى النخل من الرطب تمرا وكل قول مقول عن ظن وتخمين يقال له خرص سواء كان ذلك مطابقا للشىء او مخالفا له من حيث ان صاحبه لم يقله عن علم ولا غلبة ظن ولاسماع بل اعتمد فيه على الظن والتخمين كفعل الخارص فى خرصه وكل من قال قولا على هذا النحو ويسمى كاذبا وان كان قوله مطابقا للقول المخبر به كما قالت عالى فى شهادة المنافقين لكاذبون فالخراصون الكذابون المقدرون مالا صحة له وهم اصحاب القول المختلف كأنه قيل قتل هؤلاء الخراصون فاللام للعهد اشارة اليهم وعن مجاهدتهم الكهنة(14/177)
الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11)
{ الذين هم } لفظ هم مبتدأ وخبره قوله { فى غمرة } من الجهل والضلال تغمرهم وتغشاهم عن امر الآخرة قال الراغب أصل الغمر ازالة اثر الشىء ومنه قبل للماء الكثير الذى يزيل اثر مسيله غمر وغامر وبه شبه الرجل السخى والفرس الشديد العد وفقيل لهما غمر كما شبها بالبحر والغمرة معظم الماء الساترة لمقرها وجعلت مثلا للجهالة التى تغمر صاحبها والى نحوه أشار بقوله { فأغشيناهم } وقيل للشدآئد غمرات قال تعالى { فى غمرات الموت } وقال الشاعر
قال العواذل اننى فى غمرة ... صدقوا ولكن غمرتى لا تتجلى
{ ساهون } خبر بعد خبر اى غالفون عما امروا به قال بعضهم الغمرة فوق الغفلة والسهو دون الغفلة قال الراغب السهو خطأ عن غفلة وذلك ضربان احدهما ان لايكون من الانسان جوالبه وموالداته كمجنون سب انسانا والثانى أن يكون مولداته كمن شرب خمرا ثم ظهر منه منكر لاعن قصد الى فعله فالاول معفو عنه والثانى مأخوذ به وعلى الثانى ذم الله تعالى فقال { الذين هم فى غمرة ساهون } وفى كشف الاسرار الخراصون هم القتسمون الذين اقسموا عقاب مكة واقتسموا القول فى النبى عليه السلام ليصرفوا الناس عن دين الاسلام يعنى ان أهل مكة أقاموا رجالا على عقاب مكة يصرفون الناس يعنى بوقت ورود قوافل برعقاب مكة نشتتندى وهريك در حق مصطفى عليه السلام بآينده ورونده دروغ كفتندى ومرد مانرا از صبحت شريف وى باز داشتندى حق تعالى ايشانرا لعنت كرده . قال ابو الليث فمنهم من يأخذ بقولهم ويرجع ومنهم من لايرجع وفى الآية اشارة الى أهل الدعوى الذين هم فى غمرة الحسبان والغرور وهم ملعونون اى مطرودون عن مقامات أهل الطلب فانه ليس لهم طلب ولو طلبوا الوجدوا ما وجد أهل الطلب قال سهل رضى الله عنه توضأ فى يوم جمعة فمضيت الى الجامع فى ايام البداية فوجدته قد امتلأ بالناس وهم الخطيب أن يرقى المنبر فأسأت الأدب ولم ازل اتخطى رقاب الناس حتى وصلت الى الصف الاول فجلست فاذا هو عن يمينى شاب حسن المنظر طيب الرآئحة عليه اطمار صوف فلما نظر الى قال كيف نجدك ياسهل قلت بخير أصلحك الله وبقيت متفكرا فى معرفته لى وانا لم أعرفه فبينما أنا كذلك اذ أخذنى حرقان بول فأكرى فبقيت على وجل خوفا ان أتخطى رقاب الناس وان جلست لم تكن لى صلاة فالتفت الى وقال ياسهل أخذك حرقان بول قلت اجل فنزع احرامه عن منكبه فغشانى به ثم قال القض حاجتك واسرع فالحق الصلاة قال فغمى على وفتحت عينى واذا بباب مفتوح وسمعت قائلا يقول لج الباب يرحمك الله فولجت واذا بقصر مشيد عالى البناء شامخ الاركان واذا بنخلة قائمة والى جنبها مطهرة مملوءة ماء أحلى من الشهد ومنزل اراقة الماء ومنشفة معلقة وسواك فحللت لباسى وارقت الماء ثم اغتسلت وتنشفت بالمنشفة فسمعت ينادينى فيقول ان كنت قضيت اربك فقل نعم فقلت نعم فنزع الاحرام عنى فاذا انا جالس فى مكانى ولم يشعر بى احد فبقيت متفكرا فى نفسى وانا مكذب نفسى فيماجرى فقامت الصلاة وصلى الناس فصيلت معهم ولم يكن لى شغل الا الفتى لأعرفه فلما فرغ تبعت أثره فاذا به قد دخل على درب فالتفت الى وقال ياسهل كأنك ماأيقنت بما رأيت قلت كلا لج الباب يرحمك الله فنظرت الباب بعينه فولجت القصر فنظرت النخلة والمطهرة والحال بعينهوالمنشفة مبلولة فقلت آمنت بالله فقال ياسهل من أطاع الله أطاعه كل شىء ياسله اطلبه تجده فتغرغرت عيناى بالدموع فمستحها وفتحتها فلم أر الفتى ولا القصر فبقيت متحسرا على ما فاتنى منه ثم اخذت فى العبادة(14/178)
يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12)
{ يسألون } اى الكفار فيقولون { ايان يوم الدين } بحذف المضاف من اليوم واقامة المضاف اليه مقامه فلا يرد ان ظرف الزمان لايقع خبرا الا عن الحدث وفى النظم أخبر به عن الزمان اى متى وقوع يوم الجزآء لكن لا بطريق الاستعلام حقيقة بل بطريق الاستعجال استهزاء(14/179)
يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13)
{ يوم هم على النار يفتنون } جواب للسؤال انتصب يوم يفعل مضمر دل عليه السؤال اى يقع يوم هم على النار يحرقون ويعذبون بها كما يفتن الذهب بالنار يقال فتنت الشىء اى احرقت خبثه لتظهر خلاصته فالكافر كله خبث فيحرق كله ويجوز أن يكون خبر المبتدأ محذوف اى هو يوم هم والفتح لاضافته الى غير متمكن(14/180)
ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14)
{ ذوقوا فتنتكم } اى مقولا لهم هذه القول اذا عذبوا والقائل خزنة النار او ذوقوا اجزآء تكذيبكم كما فى قوله تعالى { ثم لم تكن فتنتهم } اى كفرهم مرادا به عاقبته قال الراغب اصل الفتن ادخال الذهب النار ليظهر جودته من ردآءته ويستعمل فى ادخال الانسان النار وقوله تعالى { ذوقوا فتنتكم } اى عذابكم وتارة يسمون مايحصل منه العذاب فيستعمل فى نحو قوله تعالى { ألا فى الفتنة سقطوا } وتارة فى الاختبار نحو قوله { وفتناك فتونا } { هذا الذى كنتم به تستعجلون } جملة من مبتدأ وخبر داخلة تحت القول المضمر وهذا اشارة الى مافى الفتنة من معنى العذاب اى هذا العذاب ما كنتم تستعجلون به فى حياتكم الدنيا وتقولون متى هذا الوعد بطريق الاستهزاء ويجوز ان يكون هذا بدلا من فتنتكم بتأويل العذاب والذى صفته وفيه اشارة الى أهل المكر والدعوى الذين استبطأوا حصول المرام فيسألون ايان يوم الدين وهم فى ظلمة ليل الدنيا مستعجلين فى استحباح نهار الدين فأجابتهم عزة الجبروت عن الكبرياء والعظموت يوم هم على نار الشهوات يفتنون بعذاب البعد والقطيعة يعذبون ذوقوا عذاب فتنتكم التى قطعت عليكم طريق الطلب هذا الذى كنتم به تملون من الطلب وتستعجلون الظفر بالمقصود . قال الشيخ ابو الحسن الشاذلى كنت انا صاحب لى قد أوينا الى مغارة نطلب الدخول الى الله وأقمنا فيها ونقول يفتح لنا غدا او بعد غد فدخل علينا يوما رجل ذو هيبة علمنا انه من اولياء الله فقلنا له كيف حالك فقال كيف يكون حال من يقول يفتح لنا غدا او بعد غد يانفس لم لاتعبدين الله الله فتيقظنا وتبنا الى الله فبعد ذلك فتح علينا ففيه اشارة الى ترك الاستعجال فى طريق الطلب والى الاخذ بالاخلاص والى العمل وفق اشارة المرشد ودلالة الانبياء حتى يتخلص الطالب من عذاب الوجود ويرتفع الحجاب ويحصل الشهود بكمال الفيض والجود واما العمل بالنفس فيزيد فى وجودها
واقف نمى شوندكه كمكرده اندراه ... تارهروان براهنمايى نمى رسند
فالمرشد اذا لابد منه فان المريد ضعيف والشيخ كالحائط المستحكم ( كما قال الشيخ سعدى )
مريدان زطفلان بقوت كمند ... مشايخ جو ديوار مستحكمند
( وقال الصائب )
برهدف دستى ندارد تيرنى زور كمان ... همت بيران جوانانرا بمنزل ميبرد
نسأل الله سبحانه أن يدلنا على سلوك طريقه ويوصلنا الى جنابه بتوفيقه انه هو الحكيم الرحيم(14/181)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15)
{ ان المتقين } عن الكفر والمعصية والجهل والميل الى ماسوى المولى و المتصفين بالايمان والطاعة والمعرفة والتوجيه الى الحضرة العليا { فى جنات } اى بساتين لايعرف كنهها فالتنكير للتعظيم ويجوز أن يكون للتكثير كما فى قوله ان له لا بلا وان له لغنما واعلرب تسمى النخيل جنة { وعيون } اى انهار جارية اى تكون الانهار بحيث يرونها وتقع عليها أبصارهم لا انهم فيها وعن سهل رضى الله عنه التقى فى الدنيا فى جنات الرضى يتقلب وفى عيون الناس يسبح وقال بعضهم فى جنات قلوبهم وعيون الحكمة عى عاجلهم وفى جنات الفضل وعيون الكرم فغدا تجلى ودرجات واليوم مناجاة وقربات(14/182)
آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)
{ آخذين ماآتاهم ربهم } حال من الضمير فى الجار اى قابلين لكل ماأعطاهم من ثواب راضين به على معنى ان كل ماأعطاهم حسن مرضى متلقى بالقبول ليس فيه مايرد لانه فى غاية الجودة ومنه قوله ويأخذ الصدقات اى يقبلها ويرضاها قال بعضهم آخذين ماآتاهم بهم اليوم بقلوب فارغة الى الله من اصناف الطافه وغدا يأخذون ومايعطيهم ربهم فى الجنة من فنون العطاء والرفد ثم علل استحقاقهم ذلك بقوله { انهم كانوا قبل ذلك } قبل دخول الجنة اى فى الدنيا { محسنين كانوا قليلا من الليل مايهجعون } الهجوع النوم بالليل دون النهار وما مزيدة لتأكيد معنى التقليل فانها تكون لافادة التقليل كما فى قولك اكلت اكلاما وقليلا ظرف ويهجعون خبر كانوا اى كانوا يهجعون فى طائفة قليلة من الليل او صفة مصدر محذوف اى كانوا يهجعون هجوعا قليلا من اوقات الليل يعنى يذكرون ويصلون اكثر الليل وينامون اقله ولا يكونون مثل البطالين الغافلين النائمنين يعنى يذكرون ويصلون اكثر الليل وينامون اقله ولا يكونون مثل البطالين الغافلين النائمين الى الصباح وقال بعض أهل الاشارة فيه اشارة الى ان أهل الاحسان وهم أهل المحبة والمشاهدة لاينامون بالليل لان القلة عبارة عن العدم معنى عدم نومهم ماأشار اليه صلى الله عليه وسلم بقوله « نوم العالم عبادة » فمن يكون فى العبادة لايكون نائما قيل نزلت الآية فى شأن الانصار رضى الله عنهم حيث كانوا يصلون فى مسجد النبى صلى عليه السلام ثم يمضون الى قبا وبينهما ميلان وهما ساعة واحدة بالساعة النجومية ( وقال الكاشفى ) اشهر آنست كه خواب نكردندى تا نماز خفتن اذا نفر مودندى ووقت آنرا دراز كشيدندى . وعن جعفر بن محمد انه قال من لم يهجع مابين المغرب والعشاء حتى يشهد العشاء فهو منهم وعن ابى الدردآء رضى الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم اى صلاة الليل أفضل قال « فى نصف الليل وقيل فاعله » ( وقال بعضهم )
نركس اندر خواب غفلت يافت بلبل صد وصال ... خفته نابينا بوددولت به بيداران رسد
( وفى المثنوى )
درد بشتم داد حق تامن زخواب ... برجهم درنيم شب باسوز وتاب
درد دها بخشيد حق ازلطف خوبش ... تاخسبم جلمه شب جون كاو ميش
قال داود بن رشيد من اصحاب محمد بن الحسن قمت ليلة فأخذنى البرد فبكيت من العرى فنمت فرأيت قائلا يقول ياداود انمنا هم وأقمناك فتبكى علينا فما نم داود بعد تلك الليلة . روزى شاكردى از شاكردان ابو حنيفة رحمه الله اورا كفت مردمان مى كويند كه ابو حنيفة هيج بشب نمى خسبد كفت نيت كردم كه هركز ديكر نخسبم لما قال تعالى { ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا } ومن نخواهم كه ازان قوم باشم كه ايشانرا بجيزى كه نكرده باشند ياد كنند بعد ازان سى سال نماز بامداد بطهارت نماز خفتن كزارد . قال الشيخ ابو عمرو فى سبب توبته سمعت ليلة حمامة تقول يا أهل الغفلة قوموا الى ربكم رب كريم يعطى الجزيل ويغفر الذنب العظيم فلما سمعت ذلك ذهبت عنى ثم لما جئت الى وجدت قلبى خاليا عن حب الدنيا فلما اصبحت لقيت الخضر عليه السلام فدلنى على مجلس الشيخ عبدالقادر الكيلانى رضى الله عنه فدخلت عليه وسلمت نفسى اليه ولازمت بابه حتى جمع الله لى كثيرا من الخير(14/183)
وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)
{ وبالاسحار هم يستغفرون } السرح السدس الاخير من الليل لاشتباهه بالضياء كالسحر يشبه الحق وهو باطل اى هم مع قلة هجوعهم وكثرة تهجدهم بداومون على الاستغفار فى الاسحار كأنهم اسلفوا فى ليلهم الجرآئم . واين دليل آنست كه بعمل خود معجب نبوده اند وازان حساب نداشته
طاعت ناقص ماموجب غفران نشود ... ضيم كر مدد علت عصيان نشود
وفى بناء الفعل على الضمير المفيد للتخصيص اشعار بانهم الاحقاء يوصفوا بالاستغفار كأنهم المختصون به لاستدامتهم له واطنابهم فيه وفى بحر العلوم تقديم الظرف للاهتمام ورعاية الفاصلة وعن الحسن كانوا لاينامون من الليل الا اقله وربما نشطوا فمدوا الى السحر ثم اخذوا بالاسحار فى الاستغفار وفى التأويلات النجمية يستغفرون من رؤية عبادات يعملونها فى سهرهم الى الاسحار بمنزلة العاصين يستغفرون استصغارا لقدرهم واستحقارا لفعلهم
عذر تقصير خدمت آوردم ... كه ندارم بطاعت استظهار
عاصيان ازكناه توبه كنند ... عارفان ازعبادت استغفار
اى من التقصير فى العبادة او من رؤيتها قيل يارسول الله كيف الاستغفار قال « قولوا اللهم اغفر لنا وارحمنا وتب علينا انك أنت الرحيم » وقال عليه السلام « توبوا فانى اتوب الى الله فى كل يوم مائة مرة » وفى الحديث « ان الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح فيقول يارب أنى لى هذه فيقول بالاستغفار ولدك لك اى بأن قال رب اغفر لى ولوالدى » وفى بعض الاخبار « ان احب احبائى الى الذين يستغفرون بالاسحار اولئك الذين اذا أردت بأهل الارض شيأ ذكرتهم فصرفت بهم عنه » ( قال الحافظ )
هركنج سعادت كه خداداد بحافظ ... ازيمن دعاى شب وورد سحرى بود
( وقال )
در كوى عشق شوكت شاهى نمى خرند ... اقرار بندكى كن ودعوى جاكرى
( وفى المثنوى )
كفت آنكه هست خورشيد راه او ... حرف طوبى هركه زلت نفسه
ظل ذلت نفسه خوش مضجعست ... مستعدان صفارا مهجعست
كرازين سايه روى سوى منى ... زود طاغى كردى وره كم كنى
وقال الكلبى ومجاهد وبالاسحار هم يصلون وذلك ان صلاتهم بالاسحار لطلب المغفرت وفى الحديث « من تعار من الليل » هذا من جوامع الكلم لانه يقال تعار من الليل اذا استيقظ من نومه مع صوت كذا فى الصحاح وهذه اليقظة تكون مع كلام غالبا فأحب النبى عليه السلام أن يكون ذلك الكلام تسبيحا وتهليلا ولا يوجد ذلك الا ممن استأنس بالذكر « فقال لا اله الا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير الحمد لله وسبحان الله والله اكبر ولا حول ولاقوة الا بالله ثم قال اللهم اغفر لي او دعا » اى بدعا آخر غير قوله اللهم اغفر لى ( استحيب له ) هذا الجزآء مترتب على الشروط المذكورة والمراد بها الاستجابة اليقينية لان الاحتمالية ثابتة فى غير هذا الدعاء ولو لم يدع المتعار بعد هذا الذكر كان له تواب لكنه عليه السلام لم يتعرض له(14/184)
« قال توضأ وصلى قبلت صلاته » فريضة كانت او نافلة وهذه المقبولية اليقينية مترتبة على الصلاة المتعقبة لما قبلها وفى الخبر الصحيح « ينزل الله السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل فيقول انا الملك من الذى يدعونى فأستجيب له من الذى يسألنى فأعطيه من الذى يستغفرنى فأغفر له » وكان النبى عليه السلام اذا قام من الليل يتهجد قال « اللهم لك الحمد أنت الحق و وعدك حق ولقاؤك حق وقولك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وربك آمنت وعليك توكلت واليك أنبت وبك خاصمت واليك حاكمت فاغفر لى ماقدمت وما أخرت وما أسررت وما اعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر لا اله الا أنت ولا حول ولا قوة الا بك » قال داود عليه السلام ياجبرآئيل اى الليل أفضل قال لاأدرى الا ان العرش يهتز وقت السحر ولا يهتز العرض الا لكثرة تجليات الهل اما تلقيا وفرحا لأهل السهرو اما طربا لأنين المذنبين والمستغفرين فى ذلك الوقت واما تعجبا لكثرة عفو الله ومغفرته واجابته للادعية فى ذلك الوقت واما تعجبا من حسن لطف الله فى تحننه على عباده الآبقين الهاربين منه مع غناه عنهم وكثرة احتياجهم اليه تعالى ثم مع ذلك هم غافلون فى نومهم وهو يتوجه اليهم ويدعوهم بقوله هل من سائل هل من مستغفر هل من تائب هل من نادم وقوله من يقرض غير عدوم ولا ظلوم واما تعجبا من غفلات اهل الغفلة بنومهم فىمثل ذلك الوقت وحرمانهم من البركة واما لانواع قضاء الله وقدره فى ذلك الوقت من الخيرات والشرور والليل اما للاحباب فى انس المناجاة واما للعصاة فى طلب النجاة والسهر لهم فى لياليهم دآئم او لفرط أسف ولشدة لهف واما للاشتياق او للفراق كما قالوا
كم ليلة فيك لاصباح لها ... افنيتها قابضا على كبدى
قد غصت العين بالدموع وقد ... وضعت خدى على بنان يدى
واما لكمال انس وطيب روح كما قالوا
سقى الله عيشا نضيرا مضى ... زمان الهوى فى العصبى والمجنون
لياليه تحكى السداد اللحاظ ... للعين عند ارتداد الحفون
واعلم ان الله سبحانه امر نبيه صلى الله عليه وسلم بأحياء الليل لان هذه الطريقة اقرب طريق الى الله للمقبل الصادق وما يطيقها الا المتمكن الصابر العابر من كل عائق وفى الحديث « فرض على قيام الليل ولم يفرض عليكم وذلك لا انه روح العالم ومداره فكيف يكون الله ولى بخيل بنفسه على الله متكاسل وبتكاسله يخرب العالم ويشتد جهل اهله كما ان الروح اذا ضعف اختل الجسد وقواه ومن هنا عرفت شدة توعل الاتقياء فى العبادات وكلما قرب الانسان من الكمال اشتد تكليفه فاعرف هذا » ( ويروى ) ان الياس النبى عليه السلام أتى اليه ملك الموت ليقبضه فبكى فقال له اتبكى وأنت راجع الى ربك فقا بل ابكى على ليالى الشتاء ونها رالصيف الاحباب يقومون ويصومون ويخدمون ويتلذذون بمناجاة محبوبهم وانا رهين التراب فأوحى الله اليه قد أجلناك الى يوم القيامة لحبك خدمتنا فتمتع ( قال الحافظ ) دع التكاسل تغنم . فقد جرى مثل كه زاد را هروان جستيست وجالاكى(14/185)
وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)
{ وفى اموالهم حق } اى نصيب وافر يستوجبونه على انفسهم اى يعدونه واجبا عليهم ويلزمونه تقربا الى الله واشفاقا على الناس فليس المراد بالحق ما اوجبه الله عليهم فى اموالهم فاندفع به ماعسى يقال كيف يمدح المرء بانه يثبت فى ماله حق للفقرآء فمن يمنع الزكاة من الاغنياء يوجد فيهم هذا المعنى ولايتسحقون المدح { للسائل } لحاجة المستجدى اى طالب الجدوى والنفع { والمحروم } اى المتعفف الذى يحسبه الناس غنيا فيحرم الصدقة وفى القاموس المحروم الممنوع من الخير ومن لاينمى له مال وفى المفردات اى الذى لم يوسع عليه فى الرزق كما وسع على غيره بل منع من جهة الخير وفى بحر العلوم وانما خصصه بالسائل والمحروم ولم يذكر سائر المستحقين لان ذلك حق سوى الصدقة المفروضة بدليل قوله عليه السلام « ان فى المال حقا سوى الزكاة » انتهى يعنى فى المال حق واجب سوى الزكاة وهو الحقوق التى تلزم عند مايعرض من الاحوال من النفقة على الوالدين اذا كانا فقيرين وعلى ذى الرحم المحرم وما يجب من طعام المضطر وحمل المنقطع ونحو ذلك وفى الحديث « ويل للاغنياء من الفقرآء يوم القيامة يقولون ربنا ظلمونا حقوقنا فيقول الله لأقربنكم اليوم ولأبعدنهم » وتلا الآية فلا بد من الانفاق وهو من احسن الاخلاق ( قال الحافظ )
جه دوزخى جه بهشتى جه آدمى جه ملك ... بمذهب همه كفر طريقتست امساك
( وقال الشيخ سعدى )
از زر وسيم راحتى برسان ... خويشتن هم تمتعى بركير
جونكه اين خانه ازتوخوهد ماند ... خشتى ازسيم وخشتى اززر كير
وفى الحديث « ان الله ثلاثمائة وستين خلقا من لقيه بخلق منها مع التوحيد دخل الجنة » قال ابو بكر رضى الله عنه هل فى منها يارسول الله قال « كلها فيك يابا بكر واحبها الى الله السخاء » ( حكى ) ان الشيخ الشبلى قدس سره أشار الى اصحابه بالتوكل فلم يفتح عليهم بشىء ثلاثة ايام ثم قال لهم ان الله تعالى قد أباح الكسب بقوله { هو الذى جعل لكم الارض ذلولا فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه } فخرج واحد منهم فأعياه الجوع وجلس عند حانون طبيب نصرانى فعرف الطبيب جوعه من نبضه فأمر غلامه بالطعام فقال الفقير قد ابتلى بهذه العلة اربعون رجلا فأمر غلامه بحمل الطعام اليهم ومشى خلفه فلما وصل الطعام اليهم قال الشبلى لاينبغى أن تأكلوا قبل المكافأة بالدعاء فدعوا له فلما سمع الطبيب دعاءهم دخل وأسلم فظهر معنى قوله { هل جزآء الاحسان الا الاحسان } فجزآء احسان الطبيب النصرانى بالطعام الاحسان من عباد الله بالدعاء ومن الله بتوفيق الاسلام وفى الآية اشارة الى ما آتاهم الله من فضله من المقامات والكمالات انه فيها حق للطالبين الصادقين اذا قصدوهم من اطراف العالم فى طلبها اذا عرفوا قدرها والمحروم من لم يعرف قدر تلك المقامات والكمالات فما قصدوهم فى طلبها فلهم فى ذمة كرم هؤلاء الكرام حق التفقد والنصح فان الدين النصيحة فانهم بمنزلة الطبيب والمحروم بمنزلة المريض فعلى الطبيب أن يأتى الى المريض ويرى نبضه ويعرف علته ويعرفه خطره ويأمره بالاحتماء من لك مايضره ويعاجله بأدوية تنفعه الى أن يزيل مرضه وتظهر صحته كذا فى التأويلات النجمية(14/186)
وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20)
{ وفى الارض آيات للموقنين } الايقان بى كمان شدن . اى دلائل واضحة على وجود الصانع وعلمه وقدرته وارداته و وحدته وفرط رحمته من حيث انها مدحوة كالبساط الممهد وفيها مسالك وفجاج للمتقلبين فى اقطارها والسالكين فى مناكبها وفيها سهل وجبل وبر وبحر وقطع متجاورات وعيون منفجرة ومعادن متفننة وانها تلقح بألوان النبات وانواع الاشجار وأصناف الثمار المختلفة الالوان والطعوم والروآئح وفيها دواب منبثة قد ربت كلها ودبر لمنافع ساكنيها ومصالحهم فى صحتهم واعتلالهم وقال الكلبى عظات من آثار من تقدم وفى التأويلات النجمية منها اى من تلك الآيات انها تحمل كل شىء فكذا الموقن العارف يحمل كل حمل من كل احد ومن استثقل حملا او تبرم برؤية احد ساقه الله اليه فلغيبته عن الحقيقة ومطالعته الحق بعين التفرقة واهل الحقائق لايتصفون بهذه الصفة منها انها يلقى عليها قذارة وقمامة فتنبت كل زهر ونور وورد وكذلك العارف يتشرب مايسقى من الجفاء ولايترشح الا بكل خلق على وشيمة زكية ومنها ان ما كان منها سبخا يترك ولا يعمر لانه لايحتمل العمارة كذلك من الايمان له بهذه الطريقة يهمل فان مقابلته بهذه القصة كألقاء البذر فى الارض السبخة انتهى قال حضرت الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر ولاتبذر السمرآء فى الارض عميان . يعنى بيان الحقائق الذى هو غذآء القلب والروح كالسمرآء يعنى الحنطة للجسم وقوله فى الارض عميان يعنى فى ارض استعداد هذه الطوائف الذين لايبصرون الحق ولايشاهدونه فى جميع الاشياء وفى حقائق البقلى آيات الارض ظهور تجلى ذاته وصفاته فى مرءآة الاكوان كما ظهر من الطور لموسى عليه السلام ما ظهر من المصيصة لعيسى عليه السلام وهى بكسر الميم مدينة على ساحل البحر الرومى بجوار طرسوس السيس وما ظهر لمحمد صلى الله عليه وسلم من جبال مكة الاترى الى قوله عليه السلام جاء الله من سينا واستعين بساعة وأشرق من جبال فاران اى جبال مكة وفى القاموس فاران جبال مذكورة فى التوراة منها بكر ابن القاسم(14/187)
وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)
{ وفى انفسكم } اى فى انفسكم آيات اذ ليس فى العالم شىء شالا وفى الانفس له نظير يدل دلالته على ماسبق تطبيق العالم الصغير بالكبير فى اواخر السجدة عند قوله { سنريهم آياتنا } الخ مع ما انفرد به من الهيئات النافعة والمناظر البهية والتركيبات العجيبة والتمكن من الافعال البديعة واستنباط الصنائع المختلفة واستجماع الكمالات المتنوعة وفى بحر العلوم وفى الارض دلائل من انواع الحيوان والاشجار والجبال والانهار وفى أنفسكم آيات لهم من عجائب الصنع الدالة على كمال الحكمة والقدرة والتدبير والارادة فيكن تخصيصا بعد تعميم لان أنفس الناس مما فى الارض كأنه قيل فى الارض آيات للموحدين العاقلين وفى أنفسكم خصوصا آيات لهم لان أقرب المنظور فيه من كل عاقل نفسه ومن ولد منها ومافى بواطنها وظواهرها من الدلائل الواضحة على الصانع وفى نقلها من هيئة وحال الى حال من وقت الميلاد الى وقت الوفاة قال بعضهم
ففى كل شىء له آية ... تدل على انه واحد
وذلك لان كل شىء بجسمه واحد وكذا بروحه ولا عبرة بكثرة الاجزاء والاعضاء وما من عدد الا ويصح وصفه بالوحدة فيقال عشرة واحدة ومائة واحدة على ان كل جسم فهو منتهى الى الجزء الذى لايتجزى وهو النقطة وكل الف فهو اما مركب من نقاط ثلاث او خمس او سبع وقس عليه سائر التركيبات الحروفية والفعلية وفى التأويلات النجمية يشير الى ان نفس الانسان مرءآة جميع صفات الحق ولهذا قال عليه السلام « من عرف نفسه فقد عرف ربه » فلا يعرف احد نفسه بالمرءآتية ويعرف ربه بالمتجلى فيها كما قالت تعالى { سنريهم آياتنا } فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق
جهان مرآت حسن شاهد ماست ... فشاهد وجهه فى كل ذرات
{ أفلا تبصرون } اى ألا تنظرون فلا تبصرون بعين البصيرة حتى تعتبروا وتستدلوا الصنعة على الصانع وبالنقش على النقاش وكذا على صفاته ( قال الكاشفى ) استفهام بمعنى امرست يعنى بنظر عبرت درنكريد وعلامات كمال صنع درذات خود مشاهده كنيددر حقايق سلمى مذكور است كه هركه اين آيتها در نفس خودبيند ودر صفحه وجود آثار قدرت مطالعه نتمايد حظ خودرا ضايع كرده باشد واز زندكانى هيج بهره نيابد
نظرى بسوى خوده كن كه توجان دلربايى ... مفكن بخاك خودراكه تواز بلند جايى
تو زجشم خود نهانى توكما ل خود جه دانى ... جودراز صدف برون آكه توبس كران بهايى
قال الواسطى تعرف الى قوم بصفاته وافعاله وهو قوله { وفى أنفسكم أفلا تبصرون } وتعرف الى الخواص بذاته فقال الم ترا الى ربك ( روى ) ان عليا رضى الله عنه صعد المنبر يوما فقال سلونى عما دون العرش فان مابين الجوانح علم جم هذا لعاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى فمى هذا مارزقنى الله من رسول الله رزقا فوالذى نفسى بيده لون اذن للتوراة والانجيل ان يتكلما فأخبرت بما فيهما لصدقانى على ذلك وكان فى المجلس رجل يمانى فقال ادعى هذا الرجل دعوى عريضة لافضحنه فقام وقال يا على اسأل قال سل نفقها ولا تسأل تعنتا فقال أنت حملتنى على ذلك هل رأيت ربك ياعلى قال ما كنت اعبد ربا لم اره فقال كيف رأيت قال لم تره العيون بمشاهدة العيان ولكن رأت القلوب بحقيقة الايمان ربى واحد لاشريك له احد لاثانى له فرد لامثل له لايحويه مكان ولايداوله زمان لايدرك بالحواس ولايقاس بالقياس فسقط اليمانى مغشيا عليه فلما افاق قال عاهدت الله ان لاأسأل تعنتا ( وحكى ) عن بعض الصالحين انه رأى فى المنام معروفا الكرخى شاخصا بصره نحو العرش قد اشتغل عن حور الجنة وقصورها فسألت رضوان من هذا قال معروف الكرخى مات مشتاقا الى الله فأباح له أن ينظر اليه وهذا النظر هناك من نتائج النظر بالقلب فى الدنيا لقوله تعالى(14/188)
{ ومن كان فى هذه اعمى فهو فى الآخرة اعمى } واما النظر بالبصر فى الدنيا فلما لم يحصل لموسى عليه السلام لم يحصل لغيره اذ ليس غيره اكمل قابلية منه الا ماحصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان فى خارج حد الدنيا اذ كان فوق العرش والعرش من العالم الطبيعى وملاق لعالم الارواح . واعلم ان رؤية العوام فى مرتبة العلم ورؤية الخواص فى مرتبة العين ولهم مراتب فى التوحيد كالافعال والصفات والذات فليجتهد العاقل فى الترقى من مرتبة العلم الى مرتبة العين ومن الاستدلال الى الشهود والحضور(14/189)
وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)
{ وفى السماء رزقكم } اى اسباب رزقكم على حذف المضاف يعنى به الشمس والقمر وسائر الكواكب واختلاف المطالع والمغارب التى يترتب عليه اختلاف الفصول التى هى مبادى حصول الارزاق ( كما قال الشيخ سعدى )
ابر وباد ومه وخورشيد وفلك دركارند ... تاتونانى بكف آرى وبغفلت نخورى
همه از بهر توسر كشته وفرمان برادر ... شرط انصاف نباشدكه توفر مان نبرى
او فى السماء تقدير رزقكم وقال ابن كيساز يعنى على رب السماء رزقكم كقوله تعالى ولاصلبنكم وفى جذوع النخل { وما توعدون } من الثواب لان الجنة على ظهر السماء السابعة تحت العرش قرب سدرة المنتهى او اراد ان كل ماتوعدون من الخير والشر والثواب والعقاب والشدة والرخاء وغيرها مكتوب مقتدر فى السماء . ودرتبيان كفته مكتوبست درلوحى كه در آسمان جهارم است . يقول الفقير امر العقاب ينزل من السماء ونفسه ايضا كالصيحة والقذف والنار والطوفان على ماوقع فى الامم السالفة(14/190)
فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)
{ فورب السماء والارض } اقسم الله بنفسه وذكر الرب لانه فى بيان التربية بالرزق { انه } اى ما توعدون او ما ذكر من امر الآيات والرزق على انه مستعار لاسم الاشارة { الحق } هر آينه راستست . وفى الحديث « ابى ابن آدم ان يصدق ربه حتى اقسم له فقال فورب » الخ وقال الحسن فى هذه الآية بلغنى ان رسول الله عليه السلام قال « قاتل الله اقواما اقسم الله لهم بنفسه فلم يصدقوه » انتهى ولو وعد يهودى لانسان رزقه واقسم عليه لاعتمد بوعده وقسمه فقالته الله كيف لايعتمد على الرزق قال هرم بن سنان لأويس القرنى رضى الله عنه اين تأمرنى ان اكون فأومأ الى الشأم فقال هرم كيف المعيشة بها قال اويس اف لهذه القلوب قد خالطها الشك فما تنفعها العظة { مثل مانكم تنطقون } اى كما انه لاشك لكم فى انكم تنطقون ينبغى ان لاتشكوا فى حقيقته وبالفارسية همجنانكه شك نيست شمارادر سخن خودشك نيست در روزى دادن من وغيراو . ونصبه على الحالية من المستكن فى الحق او على انه وصف لمصدر محذوف اى انه لحق حقا مثل نطقكم فانه لتوغله فى الابهام لايتعرف باضافته الى المعرفة وما زآئدة او عبارة عن شىء على ان يكون مابعدها صفة لها بتقدير المبتدأ اى هو انكم تنقطون
وفى التأويلات النجمية كما نطقكم الله فتنطقون بقدرته بلا شك كذلك حق على الله ان يرزقكم ماوعدكم وانما اختص التمثيل بالنطق لانه مخصوص بالانسان وهو اخص صفاته انتهى وفى الآية دليل للتوكل على الله و حث على طلب الحوائج منه واحالهم على رؤية الوسائط ولو كانوا على محل التحقيق لما احالهم على السماء ولا على الارض فانه لو كانه السماء من حديد والارض من نحاس فلم تمطر ولم تنبت وكان رزق جميع العباد على رقبة ولى من اولياء الله الكمل مايبالى لانه خرج من عالم الوسائط ووصل الى صاحب الوسائط والله تعالى انما يفعل عند الاسباب لا بالاسباب ولو رفع الاسباب لكان قادرا على ايصال الرزق فانه انما يفعل بأمر كن وبيده الملكوت وهذا مقام عظيم فلما سلمت النفوس فيه من الاضطراب والقلق لعل الفتاح ادخلنا فى دائرة الفتوح آمين وعن الاصمعى اقبلت فى البصرة من الجامع بعد الجمعة فطلع اعرابى على قعود وهو بالفتح من الابل مايقتعده الراعى فى كل حاجة فقال من الرجل قلت من بنى اصمع قال من اين اقبلت قلت من موضع يتلى فيه كلام الرحمن اى من بيت الله الحرام قال اتل على فتلوت والذاريات فلما بلغت قوله { وفى السماء رزقكم } قال حسبك فقام الى ناقته فنحرها ووزعها على من اقبل وادبر وعمد الى سيفه وقوسه فكسرهما وولى فلما حججت مع الرشيد طفقت اطوف فاذا انا بمن يهتف بى بصوت دقيق فالتفت فاذا انا بالاعرابى قد تحل واصفشر فسلم فاستقرأ السورة فلما بلغت الآية صاح فقال قد وجدنا ماوعد ربنا حقا ثم قال وهل غير هذا فقرأت فورب السماء والارض انه لحق فصاح وقال ياسبحان الله من ذا الذى اغضب الجليل حتى حلف لم يصدقوه بالقول حتى الجأوه اليمين قالها ثلاثا وخرجت معه نفسه نسأل الله التوكل والاعتماد(14/191)
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24)
{ هل اتاك حديث ضيف ابرهيم } تفخيم لشأن الحديث لانه استفهام معناه التعجب والتشويق الى استماعه ومثله لايكون الا فيما فيه فخامة وعظيم شأن وتنبيه على انه ليس مما علمه رسول الله عليه السلام بغير طريق الوحى اذ هو امى لم يمارس الخط وقرآءته ولم يصاحب اصحاب التواريخ ففيه اثبات نبوته قال ابن الشيخ الاستفهام للتقرير اى قد اتاك وقيل ان لم يأتك نحن نخبرك والضيف فى الاصل مصدر ضافه اذا نزل به ضيفا ولذلك يطلق على الواحد والجماعة كالزور والصوم وقد يجمع فيقال اضياف وضيوف وضيفان قال الراغب اصل الضيف الميل يقل ضفت الى كذا واضفت كذا الى كذا والضيف من مال اليك نزولا بك وصارت الضيافة متعارفة فى القرى كانوا اثنى عشر ملكا منهم جبرآئيل وميكائيل وزقائيل وتسميتهم ضعيفا لانهم كانوا فى صورة الضيف حيث اضافهم ابراهيم اولانهم كانوا فى حسبانه كذلك { المكرمين } صفة للضيف اى المكرمين عند الله بالعصمة والتأييد والاصطفاء والقربة والسفارة بين الانبياء كما قال { بل عباد مكرمون } او عند ابراهيم بالخدمة حيث خدمهم بنفسه وبزوجته وايضا بطلاقة الوجه وتعجيل الطعام وبأنهم ضيف كريم لان ابراهيم اكرم الخليقة وضيف الكريم لايكون الا كريما وفى الحديث « من آمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه » قيل اكرامه تلقيه بطلاقة الوجه وتعجيل قراه والقيام بنفسه فى خدمته وقد جاء فى الرواية ان الله تعالى اوحى الى ابراهيم عليه السلام اكرم اضيافك فأعد لكل منهم شاة مشوية فأوحى اليه اكرم فجعله ثورا فأوحى اليه اكرم فجعله جملا فأوحى اليه اكرم فتحير فيه فعلم ان اكرام الضيف ليس فى كثرة الطعام فخدمهم بنفسه فأوحى اليه الآن اكرمت الضيف وقال بعض الحكماء لاعار للرجل ولو كان سلطانا ان يخدم ضيفه واباه ومعلمه ولا تعتبر الخدمة بالاطعام ( قال الشيخ سعدى )
شنيدم كه مرديست باكيزه بوم ... شناسا ورهرو در اقصاى روم
من وجند سالوك صحرا نورد ... برفتيم قاصد بديدار مرد
سروجشم هريك ببوسيد ودست ... بتمكين وعزت نشاند ونشست
زرش ديدم وزرع وشاكردورخت ... ولى بى مروت جوبى بردرخت
بخلق ولطف كرم رومرد بود ... ولى ديكدانش قوى سرد بود
همه شب نبودش قرار وهجوع ... زتسبيح وتهليل ومار از جوع
سحر كه ميان بست ودرباز كرد ... همان لطف دوشينه آغاز كرد
يكى بدكه شيرين وخوش طبع بود ... كه باما مسافر دران ربع بود
مرا بوسه كفته بتصحيف ده ... كه درويش را توشه ازبوسه به
بخدمت منه دست بر كفش من ... مرا نان ده وكفش بر سربزن(14/192)
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25)
{ اذ دخلوا عليه } ظرف للحديث فالمعنى هل اتاك حديثهم الواقع فى وقت دخولهم عليه { فقالوا سلاما } اى نسلم عليك سلاما والفاء هناك اشارة الى انهم لم يخلوا بأدب الدخول بل جعلوا السلام عقيب الدخول { قال } ابراهيم { سلاما } اى عليكم سلام يعنى سلام برشما باد . فهو مبتدأ خبره محذوف وترك العطف قصدا الى الاستئناف فكأن قائلا قال ماذا قال ابراهيم فى جواب سلامهم فقيل قال سلام اى حياهم بتحية أحسن من تحيتهم لان تحيتهم كانت بالجملة الفعلية الدالة على الحدوث حيث نصبوا لاما وتحيته بالاسمية الدالة على دوام السلام وثباته لهم حيث عدل به الى الرفع بالابتدآء { قوم منكرون } يقال نكرت الرجل بكسر الكاف نكرا وانكرته واستنكرته اذا لم تعرفه فالكل بمعنى واصله ان يرد على القلب مالا يتصوره وذلك ضرب من الجهل قال تعالى { فعرفهم وهم له منكرون } كما فى المفردات اى قال ابراهيم فى نفسه من غير أن يشعرهم بذلك هؤلاء قوم لانعرفهم فهم منكرون عند كل احد وقوله فنكرهم اى بنفسه فقط فأحدهما غير الآخر وكانوا على اوضاع واشكال خلاف ماعليه الناس وقال ابو العالية انكر سلامهم فى ذلك الزمان وفى تلك الارض لان السلام لم يكن تحيتهم لانه كان بين أظهر قوم كافرين لايحيى بعضهم بعضا بالسلام الذى هو تحية المسلمين ( وقال الكاشفى ) يعنى هركز جون شما قومى نديدم در صورت وقامت مرا بكوييد جه كسانيد ايشان كفته اند مهما نانيم(14/193)
فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26)
{ فراغ الى اهله } يقال راغ الى كذا اى مالى اليه سرا فالاختفاء معتبر فى مفهوم الروغ اى ذهب اليهم على خفية من ضيفه فان من أدب المضيف أن يبادر بالقرى من غير ان يشعر به الضيف حذرا من أن يكفه الضيف ويعذره او يصير منتظرا ( وحكى ) انه نزل ببعض المشايخ ضيف فأشار الى مريد له باحضار الطعام فاستبطأ فلما جاء سأله عن وجهه فقال المريد وجدت على السفرة نملا فتوقفت الى ان خرجت منها فقال الشيخ اصبت الفتوة ولما اطلع على هذه الحال بعض من هوا على حالا من ذلك الشيخ قال لم يصب الفتوة فان الأدب تعجيل القرى وحق الضيف احق من حق النمل فكان الواجب على المريد أن يلقيها على الارض ويجيىء بالسفرة مستعجلا { فجاء بعجل سمين } الفاء فصيحة مفصحة عن جمل محذوفة والباء للتعدية والعجل ولد البقرة لتصور عجلته التى تعدم منه اذا صار ثورا او بقرة والسمن لكونه من جنس السمن وتولده عنه والمعنى فذبح عجلا سمينا لانه كان عامة ماله البقر واختار السمين زيادة فى اكرامهم فحنذه اى شواه فجاء به يعنى بس بياورد كوساله فربه بريان كرده(14/194)
فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28)
{ فقربه اليهم } بأن وضعه لديهم حسبما هو المعتاد ليأكلوا فلم يأكلوا ولما رأى منهم ترك الاكل { قال ألا تأكلون } منه انكارا لعدم تعرضهم للاكل وحثا عليه ( روى ) انهم قالوا نحن لانأكل بغير ثمن قال ابراهيم كلوا واعطوا ثمنه قالوا وما ثمنه قال اذا اكلتم فقلوا بسم الله واذا فرغتم فقولوا الحمد لله فتعجب الملائكة من قوله فلما رآهم لايأكلون { فاوجس منهم } الوجس الصوت الخفى كلايجاس وذلك فى النفس اى اضمر فى نفسه { خيفة } اى خوفا فتوهم انهم اعدآء جاؤا بالشر فان عادة من يجيى بالشر والضرر أن لايتناول من طعام من يريد اضراره قال فى عين المعانى من لم يأكل طعامك لم يحفظ ذمامك . يقول الفقير يخالفه سلامهم فان المسلم لابد وأن يكون من أهل السلم وقيل وقع فى نفسه انهم ملائكة ارسلوا العذاب { قالوا } حين أحسوا بخوفه { لاتخف } انا رسل الله وقيل مسح جبريل العجل بجانحه فقام يمشى حتى لحق بأمه فعرفهم وامن منهم { وبشروه } وبشارت ومرده دادند مرورا . وفى سورة الصافات وبشرناه اى بواسطتهم { بغلام } هو اسحق والغلام الطار الشارب والكهل ضده او من حين يولد الى أن يشب كما فى القاموس { عليم } عند بلوغه واستوآئه ولم تلد له سارة غيره(14/195)
فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29)
{ فأقبلت امرأته } سارة لما سمعت بشارتهم الى بيتها وكانت فى زاوية تنظر اليهم قال ابن الشيخ فأقبلت الى اهلها وكانت مع زوجها فى خدمتهم فلما تكلموا بولادتها استحيت واعرضت عنهم فذكر الله ذلك بلفظ الاقبال على الاهل ولم يذكره بفلظ الادبار عن الملائكة قال سعدى المفتى كذا فى التفسير الكبير ولا يناسبه قوله كذلك قال ربك فانه يقتضى كونها عندهم فالاقبال اليهم { فى صرة } حال من فاعل اقبلت والصرة الصيحة الشديدة يقال صر يصر صريرا اذا صوت ومنه صرير الباب وصرير القلم اى حال كونها فى صيحة وهو صوت شديد وقيل صوتها قوله اوه او ياويلتى اورنتها ( وقال الكاشفى ) درفرياد وميكفت الليلاء والليلاء اين كلمه بود در كفت ايشان كه وقت تعاظم امور برزبان راندندى . والصرة ايضا الجماعة المنضم بعضها الى بعض كأنهم صروا اى جمعوا فى اناء وبها فسرها بعضهم اى اقبلت فى جماعة من النساء كن عندها وهى واقفة متهيئة للخدمة { فصكت وجهها } الصك ضرب الشىء بالشىء العريض يقال صكه اى ضربه شديدا بعريض او عام كما فى القاموس اى لطمته من الحياء لما انها وجدت حرارة دم الحيض وقيل ضربت بأطراف أصابعها جبينها كما يفعله المتعجب وهى عادة النساء اذا أنكرن شيأ ( وقال الكاشفى ) بيس طبانجه زدروى خودرا جنانجه زنان در وقت تعجب كنند { وقالت عجوز عقيم } اى انا عجوز عاقر لم الد قط فى شبابى فكيف ألد الآن ولى تسع وتسعون سنة سميت العجوز عجوزا لعجزها عن كثير من الامور واصل العقم اليبس المانع من قبول الاثر والعقيم من النساء التى لاتقبل ماء الفحل قال فى القاموس العقم بالضم هزمة تقع فى الرحم فلا تقبل الولد وفى عين المعانى العقيم من سد رحمها ومنه الدآء العقام الذى لايرجى برؤه وبمعناه العاقر وهى المرأة التى لاتحبل ورجل عاقر ايضا لمن لايولد له وكانت سارة عقيما لم تلد قط فلما لم تلد فى صغرها وعنفوان شبابها ثم كبر سنها وبلغت سن الاياس استعبدت ذلك وتعجبت فهو استبعاد بحكم العادة لا تشكك فى قدرة الله سبحانه وتعالى(14/196)
قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30)
{ قالوا كذلك } اى مثل ذلك الذى بشرناه { قال ربك } وانما نحن معبرون نخبرك به عنه تعالى لا انا نقول من تلقاء انفسنا فالكاف فى كذلك منصوب المحل على انه صفة لمصدر قال الثانية لاتستبعدى مابشرناه به ولا تتعجبى منه فانه تعالى قال مثل ماخبرناك به { انه هو الحكيم العليم } فيكون قوله حقا وفعله محكما لامحالحة
كسى كوبكار تودانا بود ... براتمام اوهم توانا بود
بجزدر كهش رومكن سوى كس ... مراددل خويش از وجوى وبس
روى ان جبريل عليه السلام قال له انظرى الى سقف بيتك فنظرت فاذا جذوعه مروقة مثمرة فأيقنت ولم تكن هذه المفاوضة مع سارة فقط بل مع ابراهيم ايضا حسبما شرح فى سورة الحجر وانما لم يذكرها هنا اكتفاء بما ذكر هناك كما انه لم يذكر هناك سارة اكتفاء بما ذكر ههنا وفى سورة هود وفى الآية اشارة الى انه لايجوز اليأس من فضل الله تعالى فان المقدور كائن ولو بعد حين وقد اورقت واثمرت شجرة مريم عليها السلام ايضا وكانت يابسة كما مر فى سورة مريم وقد اشتغل افراد فى كبرهم ففاقوا على اقرانهم فى العلم فبضع محرومى البداية مرزوقون فى النهاية فمنهم ابراهيم بن ادهم وفضيل بن عياض ومالك بن دينار قدس الله اسرارهم فانهم وان بعدوا عن الفطرة الاصلية بسبب الاحوال العارضة لكنهم لما سبقت العناية فى حقهم انجذبوا الى الله فتقربوا لديه وازالوا عن الفطرة الغواشى فمن استعجز قدرة الله تعالى فقد كفر واما قولهم الصوفى بعد الاربعين بارد فهو يحسب الغالب لان المزاج بعد الاربعين فى الانحطاط لغلبة اليبوسة والبرودة لكن الله يحيى ويميت فيحيى فى الكبر ما اماته فى الصغر اى فى حال الشباب ويميت فى الكبر ماأحياء فى الصغر بأن يميت النفس فى الكبر بعدما كانت حية فى الشباب ويحيى القلب فى الكبر بعدما كان ميتا فى الشباب ومن الله نرجو جزيل الفيض والعطاء(14/197)
قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31)
{ قال } ابراهيم عليه السلام لما علم انهم ملائكة ارسلوا لأمر { فما خطبكم } اى شأنكم الخطير الذى لاجله ارسلتم سوى البشارة فان الخطب يستعمل فى الامر العظيم الذى يكثر فى التخاطب وقلما يعبر به عن الشدآئد والمكاره حتى قالوا خطوب الزمان ونحو هذا والفاء فيه للتعقيب المتفرغ على العلم بكونهم ملائكة { ايها المرسلون } اى فرستاده شك كان(14/198)
قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32)
{ قالوا انا ارسلنا الى قوم مجرمين } متمادين فى اجرامهم وآثامهم مصرين عليها وفى فتح الرحمن المجرم قاعل الجرآئم وهى صعاب المعاصى والمراد بهم قوم لوط(14/199)
لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33)
{ لنرسل عليهم } اى بعدما قلبنا قراهم وجعلنا عاليها سافلها حسبما فصل فى سائر السور الكريمة { حجارة من طين } اى طين متحجر وهو ماطبخ فصار فى صلابة الحجارة وهو السجيل يعنى ان السجيل حجارة من طين طبخت بنار جهنم مكتوب عليها اسماء القوم ولو لم يقل من طين لتوهم ان المراد من الحجارة البرد بقرينة ارسالها من السماء فلما قيل من طين اندفع ذلك الوهم(14/200)
مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34)
{ مسومة } مرسلة من سومت الماشية اى ارسلتها لترعى لعدم الاحتياج اليها قال سعدى المفتى فيه ان الظاهر حينئذ من عند ربكم باثبات من الجارة انتهى او معلمة للعذاب من السومة وهى العلامة او معلمة ببياض وحمرة اوبسيما تتميز بها عن حجارة الارض او باسم من يرمى بها ويهلك { عند ربك } فى خزآئنه التى لايتصرف فيها غيره تعالى { للمسرفين } اى المجاوزين الحد فى الفجور اذ لم يقنعوا بما ابيح لهم من النسوان للحرث بل اتوا الذكران وعن ابن عباس اى للمشركين فان الشرك أسرف الذنوب واعظمها(14/201)
فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35)
{ فاخرجنا } الفاء فصيحة مفصحة عن محذوف كأنه قبل فباشروا ماأمروا به فأخرجنا بقولنا فأسر بأهلك الخ فهو اخبار من الله وليس بقول جبريل ( قال الكاشفى ) جونن ابراهيهم معلوم فرمودكه بمؤتفكه مى روند بهلاك كردن قوم لوط دل مباركش بجهت بردار زاده متألم شدكه آيا حال اودران بلا جكونه كذرد ملائكة كفتند غم مخوركه لوط عليه السلام ودختران او نجات خواهند يافت . وذلك قوله تعالى فأخرجنا { من كان فيها } اى فى قرى قوم لوط وهى خمس على مافى تفسير الكاشفى واضمارها بغير ذكرها لشهرتها { من المؤمنين } من آمن بلوط(14/202)
فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36)
{ فما وجدنا فيها غير بيت } اى غير اهل بيت { من المسلمين } قيل هم لوط وابنتاه واما امرأته فكانت كافرة واليه الاشارة ( بقول الشيخ سعدى )
بابدان يار كشت همسر لوط ... خاندان نبوتش كم شد
سك اصحاب كهف روزى جند ... بى نيكان كرفت ومردم شد
وقيل كان لوط واهل بيته الذين نجوا ثلاثة عشر ، وكفته انديك كس ازان قوم بلوط ايمان آورده بود درمدت بيست سال . قال العلماء يأتى النبى يوم القيامة ومعه امته وآخر معه قومه وآخر معه رهطه وآخر معه ابنه وآخر معه رجل وآخر استتبع ولم يتبع ودعا فلم يجب وذلك لاتيانه فى القوت الشديد الظلمة وفى الآية اشارة الى ان المسلم والمؤمن متحدان صدقا وذاتا لا مفهوما والمسلم اعم من المؤمن فانه مامن مؤمن الا وهو مسلم من غير عكس والعام والخاص قد يتصادقان فى مادة واحدة وقال بعضهم الايامن هو التصديق بالقلب اى اذعان الحكم المخبر وقبوله وجعله صادقا والاسلام هو الخضوع والانقياد بمعنى قبول الاحكام والاذعان وهذا حقيقة التصديق كما لايخفى على من له ادنى عقل وتأمل وانكار ذلك مكابرة(14/203)
وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37)
{ وتركنا فيها } اى فى تلك القرى { آية } علامة دالة على ماأصابهم من العذاب هى تلك الحجارة او ماء أسود منتن خرج من ارضهم { للذين يخافون العذاب الاليم } اى من شأنهم أن يخافوه لسلامة فطرتهم ورقة قلوبهم دون من عداهم من ذوى القلوب القاسية فانهم لايعتدون به ولا يعدونها آية كما شاهدنا أكثر الحجاج حين المرور بمدآئن صالح عليه السلام وكان عليه السلام يبكى حين المرور بمثل هذه المواضع وينكس رأسه ويأمر بالبكاء والتباكى ودلت الآية على كمال قدرته تعالى على انجاء من يؤيد دينه والانتقام من اعدآئه ولو بعد حيثن وعلى ان المعتبر فى باب النجاة والحشر مع اهل الفلاح والرشاد هو حبهم وحسن اتباعهم وهو الاتصال المعنى لا الاختلاط الصورى والا لجنت امرأة نوح ولوط وقد قال تعالى فى حقهما { ادخلا النار مع الداخلين } فعلى العاقل باتباع الكامل والاحتراز عن اهل الفساد والقصور سيما الناقصان فى العقل والدين والشهادة والميراث والنفسانية والشيطانية غالبة فيهن فاذا اقترن بمضل آخر فسدن وفى الآية اشارة الى ان القوم المجرمين المسرفين هم النفس وصفاتها الذميمة والاذكار والاوراد والمجاهدات والرياضيات مهلكة للنف واوصافها وليس فى مدينة الشخص الانسانى من المسلمين الا القلب السليم واوصافه الحميدة فهى سالمة من الهلاك واذا اهلكت النفس واوصافها بما ذكر يكون تزكيتها وتهذيب اخلاقها آية وعبرة للذين يخافون العذاب الاليم بوعيد { قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها } ثم هذه التزكية وان كان حصولها فى الخارج بالاسباب والواسائط لكنها فى الحقيقة فضل من الله سبحانه والا لنالها كل من تشبث بالاسباب نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من اهل النفوس المطمئنة الراضية الصافية(14/204)
وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38)
{ وفى موسى } عطف على قوله { وفى الارض آيات للموقنين } فقصة ابراهيم ولوط عليهما السلام معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه تسلية لرسول الله عليه السلام من تكذيبهم ووعدا له باهلاك اعدآئه الا فاكين كما اهلك قوم لوط او على قوله { وتركنا فيها آية } على معنى وجعلنا فى ارسال موسى الى فرعون وانجائه مما لحق فرعون وقومه من الغرق ىية كقول من قال علفتها تبنا ماء باردا اى وسقيتها ماء باردا والا فقوله فى موسى لايصح كونه معمولا لتركنا اذ لايستقيم أن يقال تركنا فى موسى آية كما يصح أن يقال تركنا فى تلك القرية لان الترك ينبىء عن الابقاء فاذا لم يبق موسى كيف يبقى ماجعل فيه { اذ أرسلناه } منصوب بآية محذوفة اى كائنة وقت ارسلنا وعلى الثانى ظرف لجعلنا المقدر { الى فرعون } صاحب مصر { بسلطان مبين } هو ماظهر على يديه من المعجزات الباهرة كالعصا واليد البيضاء وغيرهما والسلطان مصدر يطلق على المتعدد(14/205)
فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39)
{ فتولى بركنه } اى ثنى عطفه وهو كناية عن الاعراض اى فأغرض عن الايمان به وازور فالتوالى بمعنى الاعراض والباء فى بركنه للتعدية كما فى قوله { ونأى بجانبه } فانها معدية لنأى بمعنى بعد فيكون الركن بمعنى الطرف والجانب والمراد بهما نفسه فانه كثيرا مايعبر بطرف الشىء وجانبه وعن نفسه وفى الصحاح ركن الشىء جانبه الا قوى كالمنكب بالنسبة الى الانسان وقيل فتولى بما يتقوى به من ملكه وعسا كره فان الركن اسم لما يركن اليه الانسان وليكن من مال وجند وقوة فالركن مستعار لجنوده تشبيها لهم بالركن الذى يتقوى به البنيان وعلى هذه الباء للسببية او للملابسة والمصاحبة { وقال } هو اى موسى { ساحر } جادوست بجشم بندى خوارق عادات مينمايد { او مجنون } او ديوانه است عاقبت كارخود نمى انديشد ، والمجنون ذو الجنون وهو زوال العقل وفساده كأنه نسب ماظهر على يديه من الخوارق العجيبة الى الجن وتردد فى انه حصل باختيار موسعيه او بغيرهما وقال ابو عبيدة او بمعنى الواو اذ نسبوه اليهما جميعا كقوله الى مائة الف او يزيدون محققان كفته اند طعن وى برموسى دليل كمال جهل اوست جه اورابد وجيز متضاد طعن زد ومقررست كه سحررا عقلى تمام وذهنى دراك وحذاقتى وافربايد وديوانكى دليل زوال عقلست وكمال عقل وزوال ان صدانند(14/206)
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40)
{ فاخذناه وجنوده فنبذناهم فى اليم } النبذ القاء الشىء وطرحه لقلة الاعتداد به فطرحناهم فى بحر القلزم مع كثرتهم كما يطرح احدكم فيه حصيات أخذهن فى كفه لايبالى بها وبزوالها عنه { وهو مليم } اى أخذناه والحال انه آت بما يلام عليه صغيرة او كبيرة اذ كال صاحب ذنب ملوم على مقدار ذنبه ( قال الكاشفى ) مليم مستحق ملامت بوديا ملامت كنند خودرا كه جرا اعراض كردم ازموسى وبر وطعنه زدم وبدين سبب كفت آمنت انه الخ
بكوى آنجه دانى سخن سود مند ... وكر هيج كس رانيايد بسند
كه فردا بشيمان بر آرد خروش ... كه آوخ جرا حق نكردم بكوش
وفى الآية اشارة الى موسى القلب اذ أرسله الله الى فرعون النفس بسلطان وهو عصا لا اله الا الله مبين اعجازها بأن تلقف ما يأفكون من سحر تمويهات سحرة صفات فرعون النفس فاعرض عن رؤية الاعجاز والايمان بجميع صفاته فأهلكه الله فى يم الدنيا والقهر والجلال ونعوذ بالله من غضب الملك المتعال وقد كان ينسب موسى القلب الى السحر او الجنون فان من خالف احدا فهو عنده مجنون وليس موسى القلب مجنونا بل مجذوبا والفرق بينهما ان المجنون ذهب عقله باستعمال مطعوم كونى او غير ذلك والمجذوب ذهل عقله لما شاهد من عظم قدرة الله تعالى فعقله مخبوء عند الحق منعم بشهادة عاكف بحضرته متنزه فى جماله فهم اصحاب عقول بلا عقول وهم فى ذلك على ثلاث مراتب منهم من يكون وارده أعظم من القوة التى يكون فى نفسه عليها فيحكم الوارد عليه فيغلب عليه الحالب فيكون تحت تصرف الحال ولا تدبير له فى نفسه مادام فى ذلك الحال منهم من يمسك عقله هناك ويبقى عقل حيوانيته فيأكل ويشرب ويتصرف من غير تدبير ولا روية ويسمى هذا من عقلاء المجانين لتناوله العيش الطبيعى كسائر الحيوانات ومنهم من لايدوم له حكم الوارد فيزول عنه الحال فيرجع الى الناس بعقله فيدبر أمره ويعقل مايقول ويقال له ويتصرف عن تدبير وروية مثل كل الانسان وذلك هو صاحب القدم المحمدية فانه صلى الله عليه وسلم كان يؤخذ عن نفسه عند نزول الوحى ثم يسرى عنه فيلقى ماأوحى به اليه على الحاضرين واعلم ان المجاذيب لايطالبون بالآداب الشرعية لذهاب عقولهم لما طرأ عليها من عظيم امر الله تعالى
هركه كرد ازجام حق يكجرعه نوش ... نه ادب ماند درونه عقل وهوش
وحكمهم عند الله حكم من مات على حالة شهود ونعت استقامة وحالهم فى الدنيا حكم اخوان ينال جميع مايطلب حكم طبيعته من اكل وشرب ونكاح من عير تقييد ولا مطالبة عليه عند الله مع وجود الكشف وبقائه عليهم كما تكشف البهائم وكل دابة حياة الميت على النعش وهو يحور ويقول قدمونى ان كان سعيدا ويقول اين تذهبون بى ان كان شقيا فذاهب العقل معدود فى الاماوت لذهاب عقله معدود فى الاحياء بطبعه فهو من السعداء الذين رضى الله عنهم واكثر المجانيني من غلبة المكاشفات والمشاهدات يعنى انهم يكشافون الامور الغيبية والاوحوال الملكوتية ويشاهدون مافخى عن أعين العامة وذلك من غير سبق المجاهدة منهم فبذلك يخرجون عن دائرة العقل اذ لايتحملون الفتح الفجائى لعدم تهيئتهم قبله ثم يتعسر ادخالهم فى دآئرة العقل الا ان أراد الله تعالى ذلك فالمقبول البقاء على العقل وأن يكون المرء غالبا على حاله لا أن يكون الحال غالبا والاول من احوال اهل النهاية والثانى من احوال اهل البدية والله الغالب على امره(14/207)
وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41)
{ وفى عاد } اى وفى قوم هود آيات ان كان معطوفا لى وفى الارض او وجعلنا فيهم آية على تقدير كونه معطوفا على قوله وتركنا فيها آية { اذ ارسلنا عليهم } اى على أنفسهم اصالة وعلى دورهم واموالهم وأنعامهم تعبا { الريح العقيم } العقم بالضم هزمة تقع فى الرحم فلا تقبل الولد كما فى القاموس وصفت بالعقم لانها اهلكتهم وقطعت دابرهم فالعقيم بمعنى المعقم او العاقم وفيه استعارة تبعية شبه اهلاكهم وقطع دابرهم باعقام النساء التى لايلدن ولا يعقين ثم اطلق المشبه به على المشبه واشتق منه العقيم او وصفت به لانها لم تتضمن خيرا ما من انشاء مطر او القاح شجره يعنى شبه عدم تضمنها منفعة بعقم المرأة ثم اطلق عليه فالعقيم بمعنى الفاعل من اللازم وفى بحر العلوم ولعله سماها عقيما لانها كانت سبب قطع الارحام من الولادة بأهلاكها اياهم وقطعها دابرهم وهى من رياح العذاب والهلاك وهى النكباء على قولن على رضى الله عنه وهى التى انحرفت ووقعت بين ريحين او بين الصبا والشمال وهى الدبور على قول ابن عباس رضى الله عنهما ويؤيده قوله عليه السلام « نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور » وهى ريح تقابل الصبا اى ريح تجيىء من جانب المغرب فان الصبا تجيىء من جانب المشرق وقل بان المسيب الريح العقيم هى الجنوب مقابل الشمال وهى ريح تجيىء من شمال من يتوجه الى المشرق(14/208)
مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42)
{ ماتذر } اى ماتترك يقال ذره اى دعه يذره تركا ولا تقل وذرا واصله وذره يذره نحو وسعه يسعه لكن ما نطقوا بماضيه ولا بمصدره ولا باسم الفاعل { من شىء اتت عليه } اى جرت عليه من أنفسهم ودورهم واموالهم وأنعامهم { الا جعلته كالرميم } كالشىء البالى المتفتت فهو كل مارم وبلى وتفتت من عظم او نبات او غير ذلك وبالفارسية مثل كياه خشك يا استخوان كهنه شده ريزديه . وفى القاموس رم العظم يرم رمة بالكسر ورما ورميما وارم بلى فهو رميم وفى المفردات الرمة بالكسر تختص بالعظم والرمة بالضم بالحبل البالى والرم بالكسر بالفتات من الخشب والحشيش والتبن وعن ابن عباس رضى الله عنهما مارسل على عاد من الريح الامثل خاتمى هذا سيعنى ان الريح العقيم تحت الارض فأخرج منها مثل مايخرج من الخاتم من الثقب فأهلكهم الهل به وفيه اشارة الى شدة تلك الريح واشير بكونها تحت الارض الى ريح الهوى التى تحت ارض الوجود فهى ايضا شديدة جدا فانها حيث هبت تركت الديار بلا قع وايضا هى ريح جلال الله تعالى وقهره فانها اذا هبت تميت النفوس عن اوصافها فلا يبقى منها شىء فالعقيم فى بر الجسد والعاصف والقاصف فى بحر الروح وكان عليه السلام يتعوذ بالله تعالى حين تهب الرياح الشديدة فليتعوذ العاقل من المهلكات فانه اذا هلكت النفس بالهلاك الصورى قبل الكمال خسرت التجارة وكذا اذا هلك القلب فان حياة المرء حينئذ لا فائدة فيها . سؤال كردنداز حسن بصرى رحمه الله كه ياشيخ دلهاى ماخفنه است سخن تودروى كار واثر نمى كند جه كنيم كفت كاشكى خفته بودى كه خفته رابجنبانى بيدار شود اماد لهاى شما مرده است كه هرجند مى جنبانى بيدار نمى كردد ( قال المولى الجامى )
اى بمهد بدن جو طفل صغير ... مانده دردست خواب غفلت اسير
بيش ازان كت اجل كند بيدار ... كرنمردى زخواب سر برادر
قال محمد بن حامد رحمه الله وكان جالسا عند احمد بن حضرويه وهو فى النزع وقد اتى عليه خمس وتسعون سنة هو ذا يفتح لى الساعة لا أدرى أيفتح بالسعادة ام بالشقاوة وعن خلف بن سالم رحمه الله قال قلت لأبى على بن المعتوه اين مأواك قال دار يستوى فيها العزيز والذليل قلت واين هذه الدار قال المقابر قلت أما تستوحش فى ظلمة الليل قال انى اذكر ظلمة اللحود وحشتهن فتهون على ظلمة الليل قلت له فربما رأيت فى المقابر شيأ تنكره قال ربما ولكن فى هول الآخرة مايشغل عن هول المقابر ووجد مكتوبا على بعض القبور
مقيم الى أن يبعث الله خلقه ... لقاؤك لايرجى وأنت قريب
يزيد بلاء كل يوم وليلة ... ويبلى كما تبلى وأنت حبيب(14/209)
وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43)
{ وفى ثمود } اى وفى قوم صالح آيات او وجلعنا فيهم آية { اذ قيل لهم تمتعوا } اى انتفعوا بالحياة الدنيا { حتى حين } الى وقت نزول العذاب وهو آخر ثلاثة ايام الاربعاء والخميس والجمعة فانهم عقروا الناقة يوم الاربعاء وهلكوا بالصيحة يوم السبت وقد فسر بقوله تمتعوا فى داركم ثلاثة ايام قيل قال لهم صالح عليه السلام تصبح وجوهكم غدا مصفرة وبعد غد محمرة واليوم الثالث مسودة ثم يصبحكم العذاب فكان كذلك وانما تبدلت الوانهم بما ذكر لانهم كانوا كل يوم فى الترقى الى سوء الحال ولا شكل ان الابيض يصير اصفر ثم احمر ثم اسود والسواد من الوان الجلال والقهر وايضا لون جهنم افها سودآء مظلمة فعند الهلاك صاروا الى لون جهنم لانها مقرهم ونعوذ بالله منها(14/210)
فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44)
{ فعتوا عن امر ربهم } اى فاستكبروا عن الامتثال به وبالفارسية بيس سر كشيدند ازفرمان آفريد كار خود وبتدارك كار خود مشغول نكشتند . يقال عتا عتوا وعتيا وعتيا استكبر وجاوزا لحد فهو عات وعتى وامر ربهم هو مامروا به على لسان صالح عليه السلام من قوله اعبدوا الله وقوله فذروها تأكل فى ارض الله او شأن ربهم وهو دينه او صدر عتوهم عن امر ربهم وبسببه كان امر ربهم بعبادته وترك الناقة كان هو السبب فى عتوهم كما فى بحر العلوم والفاء ليست للعطف على قيل لهم فان العتوا لم يكن بعد التمتع بل قبله وانما هو تفسير وتفصيل لما اجمله فى قوله وفى ثمود الخ فانه يدل اجمالا على انه تعالى جعل فيهم آية ثم بين وجه الآية وفصلها قال فى شرح الرضى ان الفاء العاطفة للجمل قد تفيد كون المذكور بعدها كلاما مرتبا على ماقبلها فى الذكر لا ان مضمونها عقيب مضمون ماقبلها فى الزمان { فأخذتهم الصاعقة } قيل لما رأوا العلامات التى بينها صالح من اصفرار وجوههم واحمرارها واسودادها عمدوا الى قتله عليه السلام فنجاه الله الى ارض فلسطين ولما كان ضحوة اليوم الرابع تحنطوا وتكفنوا بالانطاع فأتتهم صيحة جبريل عليه السلام كما صرح بها فى قوله { واخذ الذين ظلموا الصيحة } فهلكوا فالمراد بالصاعقة الصيحة لاحقيقتها وهى نار تنزل من السماء فتحرق ماصابته وقيل أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شىء فى الارض فتقطعت قلوبهم فى صدورهم وقال بعضهم اهلكوا بالصاعقة حقيقة بأن جاءت نار من السماء فأهلكتهم جميعا { وهم ينظرون } اليها ويعاينونها لانها جاءتهم معاينة بالبهار فينظرون من النظر بالعين وفيه ترجيح لكون المراد بالصاعقة حقيقة النار لانها حين ظهرت رأوها بأعينهم والصيحة لاينظر اليها وانما تسمع بالاذن والظاهر ان الصاعقة لا تنافى أن يكون معها صيحة جبريل وقيل هو من الانتظار اى ينتظرون ماوعدوا به من العذاب حيث شاهدوا علامات نزولهمن تغير الوانهم فى تلك الايام ويقال سمعوا الصيحة هوم ينظرون اى يتحيرون(14/211)
فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (45)
{ فما استطاعوا من قيام } كقوله تعالى { فاصبحوا فى دارهم جاثمين } اى لاصقين بمكانهم من الارض لايقدرون على الحركة والقيام فضلا عن الهرب قالقيام ضد القعود { وما كانوا منتصرين } بغيرهم كما لم يمتنعوا بأنفسهم قال فى تاج المصادر الانتصار داد بستدن(14/212)
وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (46)
{ وقوم نوح } اى وأهلكنا قوم نوح فان ماقبله يدل عليه ويجوز أن يكون منصوبا باذكر المقدر { من قبل } اى من قبل هؤلاء المهلكين { انهم كانوا قوما فاسقين } خارجين عن الحدود فيما كانوا فيه من الكفر والمعاصى وهو علة لاهلاكهم . واعلم ان الله تعالى قد ارسل الرسل وشرع الشرآئع وحد الحدود فمتى تعديت الحد الذى حل لك الشارع صرت فاسقا واطلعت الشيطان وتنحى عنك عند العصيان الملك المؤيد للمؤمنين فاذا وكل العبد الى نفسه والى الشيطان فقد هلك وكل نار وعذاب وبلاء فانما يأتى من الداخل لامن الخارج اذلا خارج من وجود الانسان فالعذاب صورة اوصافه وافعاله اخلاقه عادت اليه حين عصى الله تعالى وكذا الثواب صورة ذلك عادت اليه حين اطاع الله تعالى فان قلت كل ذلك اذا كان من احوال العين الثابتة للعبد فكل عبد فانما يمر على طريقه فى الهداية والضلالة فما معنى دعوة الانبياء وارشاد الاولياء قلت تلك الدعوة ايضا من احوال اعيان المدعوين فخلاف المخالفين وان كان من التجلى لكن حقائق الانبياء اقتضت التجلى بموافقة التجلى من وجه والرد عليه من آخر فكان امرهم حيرة فلو كانوا يخدمون التجلى مطلقا لما ردوا على احد فاذا ورد الامر التكليفى فاما ان يوافقه الامر الارادى اولا فان وافقه فالمكلف منتقل من دائرة الاسم المضل الى دآئرة الاسم الهادى وذلك الانتقال من احوال عينه وان لم يوافقه فمعنى التكليف انه من احوال عينه ولابد وايضا فيه تمييز الشقى من السعيد وبالعكس فاعرف هذه الجملة تسعد واجتهد حتى ينقلك الله من دآئرة الحانب الى دآئرة الاحباب ولا تغتر بكثرة الدنيا وطول العمر كما فعل الكفار والفساق حتى لايحل بك ماحل بهم من الصاعقة والطوفان مع ان صاعقة الموت وطوفان الحوادث لابد وان تحل بكل احد بحيث لايستطيع القيام من مكانه فيموت فى مقامه قال الشيخ سعدى فى البستان
كهن سالى آمد بنزد طبيب ... زنا ليدنش تابمردن قريب
كه دستم برك برنه اى نيك راى ... كه بايم همى برنيايد زجاى
بدان ماند اين قامت جفته ام ... كه كويى بكل در فرو رفته ام
بدو كفت دست ازجهان دركسل ... كه بايت قيامت برايد زكل
نشاط جوانى زبيران مجوى ... كه آب روان بازنايد بجوى
اكر درجوانى زدىدست وباى ... درايام بيرى بهش باش وراى
جودوران عمراز جهل دركذشت ... مزن دست وباكابت از سر كذشت
نشاط ازمن آنكه رميدن كرفت ... كه شامم سببده دميدن كرفت
ببايد هوس كردن از سر بدر ... كه روز هو سبازى آمد بسر
بسبزى كجا تازه كردد دلم ... كه سبزه بخواهد دميد از كلم
تفرج كنان درهوا وهوس ... كذشيتم برخاك بسيار كس
كسابيكه ديكر بغيب اندراند ... بيايند وبرخاك مابكذرند
دريغا كه فصل جوانى برفت ... بلهو ولعب زند كانى برفت
دريغا جنين روح برور زمان ... كه بكذشت بر ماجو برق يمان
زسود اى آن يوشم واين خورم ... نبردا ختم تاغم دين خورم
دريعاكه مشغول باطل شديم ... زحق دور مانديم وغال شديم
جه خوش كفت باكودك آموزكار ... كه كارى نكرديم وشد روز كار(14/213)
وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47)
{ والسماء بنيناها } نصب السماء على الاشتغال اى وبنينا السماء بنيناها حال كوننا ملتبسين { بأيد } اى بقوة فهو حال من الفاعل او ملتبسة بقوة فيكون حالا من المفعول ويجوز ان تكون الباء للسببية اى بسبب قدرتنا فتتعلق ببنيناها لا بالمحذوف والقوة هنا بمعنى القدرة فان القوة عبارة عن شدة البنية وصلابتها ا لمضادة للضعف والله تعالى منزه عن ذلك والقدرة هى الصفة التى بها يتمكن الحى من الفعل وتركه بالارادة ( قال الكاشفى ) بقوت الوهيت وكفته اند بقدرتى برآفر ينش داشتيم يقال آديئيد أبدا اى اشتد وقوى قال فى القاموس الآد الصلب والقوة كالأيد وآيدته مؤايدة وايدته تأييدا فهو مؤيد قويته انتهى قال الراغب ولما فى اليد من القوة قيل انا يدك وأيدتك قويت يدك { وانا لموسعون } لقادرون من الوسع بمعنى الطاقة والموسع القادر على الاتفاق قال فى تاج المصادر الا يساع توانكر شدن وتمام فراسيدن ويقال اوسع الله عليك اى أغناك انهى فيكون قوله وانا لموسعون حالا مؤكدة او تذييلا اثباتا لسعة قدرته كل شىء فضلا عن السماء او لموسعون السماء اى جاعلوها واسعة او ما بنيها وبين الارض او الرزق على خلقنا لقوله تعالى { وفى السماء رزقكم } وفيه اشارة الى ان وسعة البيت والرزق من تجليات الاسم الواسع(14/214)
وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48)
{ والارض } اى وفرشنا الارض { فرشناها } مهدناها وبسطناها من تحت الكعبة مسيرة خمسمائة عام ليستقروا عليها ويتقلبوا كما يتقلب احدهم على فراشه ومهاده { فنعم الماهدون } اى نحن وهو المخصوص بالمدح المحذوف اى هم نحن فحذف المبتدأ والخبر من غير أن يقوم شىء مقامهما وقد اختلف القدماء فى هيئة الارض وشكلها فذكر بعضهم انها مبسوطة مستوية السطح فى اربع جهات المشرق والمغرب والجنوب والشمال وزعم آخرون انها كهيئة لمائدة ومنهم من زعم انها كهيئة الطبل وذكر بعضهم انها تشبه نصف الكرة كهيئة القبة وان السماء مركبة على اطرافها وزعم قوم ان الارض مقعرة وسطها كالجام والذى عليه الجمهور ان الارض مستديرة كالكرة وان السماء محيطة بها من كل جانب احاطة البيضة بالمح فالصغرى بمنزلة الارض وبياضها بمنزلة السماء وجلدها بمنزلة السماء الاخرى غير ان خلقها ليس فيه استطالة كاستطالة البيضة بل هى مستديرة كاستدارة الكرة المستوية الخرط حتى قال مهندسوهم لو حفر فى الوهم وجه الارض لادى الى الوجه الآخر ولو ثقب مثلا ثقب بأرض الاندلس لنفذ الثقب بارض الصين واختلف فى كمية عدد الارضين فروى فى بعض الاخبار ان بعضها فوق بعض وغلظ كل ارض مسيرة خمسمائة عام حتى عد بعضهم لكل ارض اهلا على صفة وهيئة عجبة وسمى كل ارض باسم خاص كما سمى كل سماء باسم خاص وزعم بعضهم ان فى الارض الرابعة حيات اهل النار وفى الارض السادسة حجارة اهل النار وعن عطاء بن يسار فى قوله تعلى { خلق سبع سموات ومن الارض مثلهن } قال فى كل ارض آدم كآدمكم ونوح مثل نوحكم وابراهيم مثل ابراهيمكم وليس هذا القول بأعجب من قوله لفلاسفة ان الشموس شموس كثيرة والاقمار اقمار كثيرة ففى كل اقليم شمس وقمر ونجوم وقالت القدماء الارض سبع على المجاورة والملاصقة وافتراق الاقاليم لاعلى المطابقة والمكابسة واهل النظر من المسلمين يميلون على هذا القول ومنهم من يقول سبع على الانخفاض والارتفاع كدرج المراقى وبزعم بعضهم ان الارض مقسومة لخمس مناطق وهى المنطقة الشمالية والجنوبية والمستوية والمعتدلة والوسطى واختلفوا فى مبلغ الارض وكميتها فروى عن مكحول انه قال مابين اقصى الدنيا لى أدناها مسيرة خمسماية سنة مائتان من ذلك فى البحر ومائتان ليس يسكنها احد وثمانون فيها يأجوج ومأجوج وعشرون فيها سائر الخلق وعن قتادة قال الدنيا اربعة وعشرون الف فرسخ فملك السودان منها اثنا عشر الف فرسخ وملك الروم ثمانية آلاف فرسخ وملك العجم والترك ثلاثة آلاف فرسخ وملك العرب الف فرسخ وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما ربع من لا يلبس الثياب من السودان اكثر من جميع الناس وقال بطليموس بسيط الارض كلها مائة واثنان وثلاثون الف الف وستمائة الف ميل فتكمون مائتى الف وثمانين الف فرسخ فان كان حقا فهو وحى من الحق او الهام وان كان قياسا واستدلالا فهو قريب من الحق ايضا واما قوله قتادة ومكحول فلا يوجب العلم اليقين الذى يقطع على الغيب به كذا فى خريدة العجائب(14/215)
وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)
{ ومن كل شىء } اى من اجناس الموجودات فالمراد بالشىء الجنس وقيل من الحيوان { خلقنا زوجين } صنفين ونوعين مختلفين كالذكر والانثى والسماء والارض والليل والنهار والشمس والقمر والصيف والشتاء والبر والبحر والسهل والجبل والانس والجن والنور والظلمة والابيض والاسود والدنيا والآخرة والايمان والكفر والسعادة والشقاوة والحق والباطل والحلو والمر والموت والحياة والرطب واليابس والجامد والنامى والمدر والنبات والناطق والصامت والحلم والقهر والجود والبخل والعر والذلة والقدرة والعجز والقوة والضعف والعلم والجهل والصحة والسقم والغنى والفقر والضحك والبكاء والفرج والغم والفوق والتحت واليميين والشمال والقدام والخلف والحرارة والبرودة وهلم جرا قال الراغب يقال لكل واحد من القرينين من الذكر والانثى فى الحيوان المتزاوج زوج ولكل قرينين فيها وفى غيرها زوج كالخف والنعل ولكل مايقترن بالآخر مماثلا له او مضادا زوج وفى قوله ومن كل شىء خلقنا زوجين تنبيه على ان الاشياء كلها مركبة من جوهر وعرض ومادة وصورة وان لاشىء يتعرى منها اذا الاشياء كلها مركبة من تركيب من تركيب يقتضى كونه مصنوعا وانه لابد له من صانع تنبيها على انه تعالى هو الفرد فبين بقوله ومن كل شىء الخ ان كل مافى العالم فانه زوج من حيث ان له ضدا ما او مثلا ما او تركيبا مابل لاينفك من وجه من تركيب وانما ذكر ههنا زوجين تنبيها عل انه وان لم يكن له ضد ولامثل فانه لاينفك من تركب صورة ومادة وذلك زوجان قال الخراز قدس سره اظهر معنى الربوبية والوحدانية بأن خلق الازواج ليخلص له الفردانية { لعلكم تذكرون } اى فعلنا ذلك كله من البناء والفرش وخلق الازواج كى تتذكروا فتعرفوا انه خلق الكل ورازقه وانه المتحق للعبادة وانه قادر على اعادة الجميع فتعلموا بمقتضاه وبالفارسية باشد كه شما بند بذير شويد ودانيد كه وجدانيت خواص ممكنات نيست ومن واجب بالذاتم وواجب قابل تعدد وانقسام نيست
ذاتش از قسمت وتعدد باك ... وحدت او مقدس از اشراك
ازعدد دم مزن كه او فردست ... كى عدد بهر فرددر خوردست
احدست وشمار از ومعزول ... صمدست وتبار از ومخذول
وفيه اشارة الى انه تعالى خلق لكل شىء من عالم الملك وهو عالم الاجسام زوجا من عالم الملكوت وهو عالم الارواح ليكون ذلك الشىء الجسمانى قائما بملكوته وملكوته قائما بيد القدرة الالهية لعلكم تذكرون انكم بهذا الطريق جئتم من الحضرة وبهذا الطريق ترجعون الى الله سبحانه(14/216)
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)
{ ففروا الى الله } اى قول لقومك يامحمد اذا كان الامر كذلك فاهربوا الى الله الذى هذه شؤونه بالايمان والطاعة كى تنجوا من عقابه وتفوزوا بثوابه يعنى ان فى الامر بالايمان وملازمة الطاعة بلفظ الفرار تنبيها على ان ورآء الناس عقابا يجب أن يفروا منه قال بعض الكبار يا أيها الذين فررتم من الله بتعلقات الكونين ففروا بنعت الشوق والمحبة والتجرد الى الله يقطع التعلقات عن الوجود وعما سواه تعالى مطلقا ومن صح فراره الى الله صح قراره مع الله وايضا ففروا منه اليه حتى تفنوا فيه قال فان الحادث لايثبت عند رؤية القديم وقال سهل رضى الله عنه ففروا مما سوى الله الى الله ومن المعصية الى الطاعة ومن الجهل الى العلم ومن العذاب الى رحمة ومن سخطه الى رضوانه وقال محمد بن حامل رحمه الله حقيقة الفرار ماروى عن النبى عليه السلام انه قال « والجأت ظهرى اليك » وماروى عنه فى حديث عائشة رضى الله عنها واعوذ بك منك فهذه غاية الفرار منه اليه وقال الواسطى رحمه الله ففروا الى الله معناه لما سبق لهم من الله لا الى علمهم وحركاتهم وأنفسهم وسئل بعضهم عن قول النبى عليه السلام « سافروا تصحوا قال سافروا الينا تجدونا فى اول قدم ثم قرأ ففروا الى الله »
هيجكس درتونيا ويخت كه ازخود نكريخت ... هيجكس باتونه بيوست كه ازخود نبريد
وفى كشف الاسرار فرار مقامى است از مقامات روندكان ومنزلى از منازل دوستى كسى راكه اين مقام درست شود نشانش آنست كه همه نفس خود غرامت بيند همه سخن خود شكايت بيندهمه كرده خود جنايت بيند اميد ازكرادار خود يبردوبرا خلاص خودتهمت نهدوا كر دولتى آيد در راه وى از فضل حق بيند واز حكم ازل انه از جهد وكردار خود وهذا موت عن نفسه وهمه خلق زنده ازمرده ميراث برد مكر اين طائفه كه مرده از زنده ميراث برد ، وفى الحديث « من أراد أن ينظر الى ميت يمشى على وجه الارض فلينظر الى ابى بكر » { انى لكم منه نذير مبين } اى انى لكم من جهته تعالى منذر بين كونه منذرا منه تعالى بالمعجزات الباهرة او مظهر لما يجب اظهاره من العذاب المنذر به وفى امره للرسول عليه السلام بأن يأمرهم بالهرب اليه من عقابه وتعليله بانه عليه السلام ينذرهم من جهته تعالى لامن من تلقاء نفسه وعد كريم بنجاتهم من المهروب وفوزهم بالمطلوب(14/217)
وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51)
{ ولاتجعلوا مع الله الها آخر } نهى موجب للفرار من سبب العقاب بعد الامر بالفرار نفسه كانه قيل وفروا من ان تجعلوا معه تعالى اعتقادا او تقولوا الها آخر { انى لكم منه } اى من الجعل المنهى عنه { نذير مبين } وفيه تأكيد لما قبله من الفرار من العقاب اليه تعالى لكن لابطريق التكرير بل بالنهى عن سببه وايجاب الفرار منه قال فى برهان القرآن الاول متعلق بترك الطاعة والثانى متعلق بالشرك بالله فلا تكرار وفى التأويلات النجمية ولا تجعلوا مع الله فى المعرفة بوحدانيته الها آخر من النفوس والهوى والدنيا والآخرة فتعبدونها بالميل اليها والرغبة فيها فان التوحيد فى الاعراض عنها وقطع تعلقاتها والفرار الى الله منها لان من صح فراره الى الله صح فراره مع الله وهذا كما التوحيد انى لكم نذير مبين اخوفكم اليم عقوبة البعد وعذاب اللاثنينية اذا اشركتم به فى الوجود فانه لايغفر ان يشرك به(14/218)
كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52)
{ كذلك } اى الامر وهو امر الامم السالفة بالنسبة الى رسلهم من ماذكر من تكذيب قريش ومشركى العرب الرسول صلى الله عليه وسلم وتسميتهم له سارحا او مجنونا ثم فسره بقوله { ماأتى الذين من قبلهم من رسول } من رسل الله { الا قالوا } فى حقه هو { ساحرا ومجنون } يعنى اكر معجزه بديشان نمود عمل اورا سحر خواندند واكر ازبعث وحشر خبرداد قول اورا بسخن اهل جنون تشبيه كردند اى فلا تأس على تكذيب قومك اياك(14/219)
أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53)
{ أتواصوا به } انكارا وتعجيب من حالهم واجماعهم على تفرق ازمانهم على تلك الكلمة الشنيعة التى لاتكاد تخطر ببال احد من العقلاء فضلا عن التفوه بها فى حق الانبياء اى اوصى الاولون الآخرين بعضهم بعضا بهذا القول حتى اتفقوا عليه { بل هم قوم طاغون } اضراب عن كون مدار اتفاقهم على الشرك تواصيهم بذلك لبعد الزمان وعدم تلاقيهم فى وقت واحد واثبات لكونه امرا قبيح من التواصى واشننع منه وهو الطغيان الشامل للكل الدال على ان صدور تلك الكلمة الشنيعة عن كل واحد منهم بمقتضى جباته الخبيثة لابموجب وصية من قبلهم بذلك من غير أن يكون ذلك مقتضى طباعهم وفيه اشارة الى ان ارباب النفوس المتمردة من الاولين والآخرين مركوزة فى جبلتهم طبيعة الشيطنة من التمرد والآباء والاستكبار فما أتاهم رسول من الانبياء فى الظاهر او من الالهامات الربانية فى الباطن الا أنكروا عليه وقالوا ساحر يريد أن يسحرنا او مجنون لاعبرة بقوله كأن بعضهم اوصى بعضهم بالتمرد والانكار والجحود لانهم خلقوا على طبيعة واحدة بل هم قوم طاغون بأنهم وجدوا اسباب الطغيان من السعة والتنعم والبطر والغنى قال الشاغر
ان الشباب والفراغ والجده ... مفسدة للمراء اى مفسدة
فعسكوا الامر وكان ينبغى لهم ان يصرفوا العمر والشباب والغنى فى تحصيل المطلوب الحقيقى ( قال ككما الحافظ )
عشق وشباب ورندى مجموعه مرادست ... جون جمع شد معانى كوى بيان توان زد(14/220)
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54)
{ فتول عنهم } فاعرض عن جدالهم فقد كررت عليهم الدعوة فأبوا الا الاباء والاستكبار وبالفارسية بس روى بكردان از مكافات ايشان تاوقتى كه مأمور شوى بقتال وفى فتح الرحمن فتول عن الحرص المفرط عليهم وذهاب النفس حسرات وقال الواسطى ردهم الى ماسبق عليهم فى الازل من السعادة والشقاوة { فما انت بملوم } على التوالى بعدما بذلت المجهود وجاوزت فى الابلاغ كل حد معهود واللوم والملامة العذل وبالفارسية نكوهيدن وقال بعض الكبار فتول عنهم فانك لاتهدى من احببت منهم فما أنت بمولم بالعجز عن هدايتهم لانك مبلغ وليس اليك من الهداية شىء وقال بعضهم فتول عنهم بسيرك الينا فما انت بملوم فى ابلاغ رسالتك واشتغالك فى الظاهر بهم واعلامهم بأسباب نجلتهم فأنت مستقيم لايحجبنك ابلاغ الرسالة عن شهود العين(14/221)
وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)
{ وذكر } اى افعل التذكير والموعظة ولاتدعهما بالكلية او فذكرهم وقد حذف الضمير لظهور الامر { فان الذكرى تنفع المؤمنين } اى الذين قدر الله ايمانهم او الذين آمنوا بالفعل فانها تزيدهم بصيرة وقوة فى اليقين يعنى بعناد كافران وجحود ايشان دست از تربيت مسلمانان بازمدار وهمجنان بر تذكير خود ثابت باش كه وعظرا فوآئد بسيارست ومنافع بى شمار فان النصيحة تلين القلوب القاسية وفى الحديث « مامن مؤمن الا وله ذنب قد اعتاده الفينة بعد الفينة » اى الساعة بعد الساعة والحين بعد الحين « ان المؤمن خلق مفتونا ناسيا فاذا ذكر ذكر » وقال بعضهم ذكر المطيعين جزيل ثوابى وذكر العارفين ماصرفت عنهم من بلائى وقال بعضهم ذكر العاصين منهم عقوبتى ليرجعوا عن مخالفة امرى وذكر المطيعين جزيل ثوابى ليزداد واطاعة وعبادة لى وذكر المحبين ماشاهدوا من انوار جمالى وجلالى فى الغيب وغيب الغيب ليزيد وافى بذل الوجود وطلب المفقود . ودر فصول آورده كه كلام مذكور بايدكه برده خير مشتمل باشد تاسلمعانرا سودمند بود او نعمت خداى باياد مردم دهد تاشكر كزارى نمايند يدوم ثوابى محنت وبلا ذكر كند تادران شكيبايى ورزند سوم عقوبت كناهان برشمرد تازان باز ايستند وتوبه كنند جهارم مكائد ووساوس شيطانى بيان فرمايدتازان حذر نمايند بنجم فنا وزوال وبى اعتبارى دنيابر ايشان روشن كرداند تادل درونه بندند ششم مركرا بيوسته ياد كند تارفتن را آماده شوند هفتم قيامت را آماده ونذك آن بسيار كويد تاكرا آنروز بسازند هشتم دركات دوزخ وانواع عقوبتهاى آن بيان كندتا ازآن بترسند نهم درجات بهشت واقسام نعمتهاى آنرابر شمارد تابدان راغب كردند دهم بناى كلام برخوف ورجانهت يعنى كاهى از عظمت وكبريا وهيبت الهى سخن راند تاوزى بترسند ووقتى از رحمت ومغفرت مهربانى او تقرير كند تابوى اميدوار شوند بس هر موعظه كه مشتمل برين سخنانست منفعت مؤمنا نست خصوصا اذا كان المذكر عاملا بما ذكرهم به غير ناس نفسه فان تأثيره اشد من تأثير تذكير الغافلين
عالم كه كامرانى وتن برورى كند ... اوخويشتن كم است وكرا رهبرى كند
وانما قلنا من تأثيره فانهم قالوا
مرد بايدكه كيرداندر كوش ... ورنوشتست بند برديوار
فلا كلام الا فى الاستعداد والتهيىء للاستماع ولذا قال تعالى { ان فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب او ألقى السمع وهو شهيد }(14/222)
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)
{ وما خلقت الجنس والانس الا ليعبدون } قرأ يعقوب ليعبدونى وكذا يطعمونى ويستعجلونى كما سيأتى باثبات ياء المتكلم فيهن وصلا ووقفا وحذفها الباقون فى الحالين والعبادة ابلغ من العبودية لان العبودية اظهار التذلل والعبادة غاية التذلل ولايستحقها الا من له غاية الافضال قال بعض الكبار العبادة ذاتية للمخلقو لانها ذلة فى اللغة العربية وانما وقع التكليف بالافعال المخصوصة التى هى العبادة الوصفية للتنبيه على تلك الذلة الذاتية حتى يتذللوا ويتخضعوا لربهم وخالقهم بالوجه المشروع ولعل تقديم خلق الجن فى الذكر لتقدمه على خلق الانس فى الوجود ومعنى خلقهم لعبادته تعالى خلقهم مستعدين لها اتم استعداد ومتمكنين منها اكمل مع كونها مطلوبة منهم بتنزيل ترتيب الغاية على ماهى ثمرة له منزلة ترتب الفرض على ماهو غرض له فان استتباع افعاله تعالى لغايات جليلة مما لانزال فيه قطعا كيف لا هوى رحمة منه تعالى وتفضل على عباده وانما الذى لايليق بجنابه تعالى تعليلها بالغرض بمعنى الباعث على الفعل بحيث لولاه لم يفعل لافضائه الى استكماله بفعل وهو الكامل بالفعل من كل وجه واما بمعنى نهاية كمالية يفضى اليها فعل الفاعل الحق فغير منفى من افعاله تعالى بل كلها جارية على ذلك المهاج وعلى هذا الاعتبار يدر وصفه تعالى بالحكمة ويكفى فى تحقق معنى التعليل على مايقوله الفقهاء ويتعارفه اهل اللغة هذا المقدار وبه يتحقق مدلول اللام واما ارادة الفاعل لها فليست من مقتضيات اللام حتى يلزم من عدم صدور العبادة عن البعض تخلف المراد عن الارادة فان تعوق البعض عن الوصول الى الغاية مع تعاضد المبادى وتأخر المقدمات الموصلة اليها لايمنع كونها غاية كما فى قوله تعالى { كتاب أنزلناه اليك لتخرج الناس من الظلمات الى النور } ونظائره كذا فى الارشاد قال سعدى المفتى فاللام حنيئذ على حقيقتها فتأمل انتهى والحاصل ان قوله الا ليعبدون اثبات السبب الموجب للحق فهذه اللام لام الحكمة والسبب شرعا ولام العلة عقلا قال المولى رمضان فى شرح العقائد واستكماله تعالى بفعل نفسه جائز بل واقع فانه تعالى حين اوجد العالم قد استكمل بكمال الموجدية والمعروفية على مانطق به قوله تعالى { وماخلقت الجنس والانس الا ليعبدون } اى ليعرفون وهو كما اضافى يجوز الخلو عنه انتهى مقصود الهى ازهمه كمال جلا واستجلاست كه درانسان كامل جمعا وتفصيلا بظهور آمد ودر عالم تفصيلا فقط سؤال طلب اين مقصودنه استكمالست كه مستدعى سبق نقصا نست جنانكه اهل كلام ميكويندكه افعال الله معلل بأغراض نشايد بودن جواب آنجه محذورست استكمال بغير است واين استكمال بصفات خوادست نه بغير كذا فى تفسير الفاتحة للشيخ صدر الدين القنوى قدس سره وكذا قال فى بعض شروخ الفصوص ان للحق سبحانه كمالا ذاتيا وكمالا استمائيا وامتناع استكماله بالغير انما هو فى الكمال الذاتى لا الا سمائى فان ظهور آثار الاسماء ممتنع بدون المظاهر الكونية انتهى ( قال المولى الجامى )(14/223)
وجود قابل شرط كمال اسمائيست ... وكرنه ذات نباشد بغير مستكمل
( وقال ايضا )
اى ذات رفيع تونه جوهرنه عرض ... فضل وكرمت نيست معلل بغرض
يعنى حق سبحانه وتعالى بحسب كمال ذاتى ازوجود عالم وعالميان مستغنيست كما قال تعالى والله هو الغنى وجون ظهور كما اسمائى موقوفست بروجود اعيان ممكنات بس آنرا ايجاد كرد
تاخود كردد بجملة اوصاف عيان ... واجب باشدكه ممكن آيد بميان
ورنه بكمال ذاتى از آدميان ... فردست وغنى جنانكه خود كرد بيان
والا شاعرة أنكروا صحة توجيه تعليل افعال الله تعالى معنى وان كان واقعا لفظا تمسكا بأن الله تعالى مستغن عن المنافع فلا يكون فعله لمنفعة راجعة اليه ولا الى غيره لانه تعالى قادر على ايصال تلك المنفعة من غير توسيط العمل فلا يصلح أن يكون غرضا فعندهم لام التعليل يكون استعارة تبعية تشبيها لعبادة العباد بما يفرض علة لخقله فى الترتيب عليه واكثر الفقهاء والمعتزلة قالوا بصحته لمنفعة عائدة على عباده تمسكا بأن الفعل الخالى عن الغرض عبث والعبث من الحكيم محال كما فى شرح المشارق لابن الملك رحمه الله قال ابن الشيخ استدلت المعتزلة بقوله تعالى { وما خلقت الجنس والانس الا ليعبدون } على ان افعال الله معللة بالاغراض على ان مراد الله جائزان يتخلف عن ارادته اذا كان المراد من الافعال الاختيارية للعباد وجه دلالته عليها هو ان وضع اللام لأن تدخل على ماهو غرض من الفعل فتكون العبادة غرضا من خلق الجن والانس والغرض يكون مرادا فينتج ان العبادة غرض من جميع الجنس والانس وظاهر ان بعضا منهم لم يعبده فتخلف مراده عن ارادته وهو المطابق والجواب عن الاول انه لما دل الدليل القطعى على انه تعالى لايفعل فعلا لغرض وجب أن يؤول اللام فى مثل هذه المواضع بأن يقال ان الحكم والمصالح التى تترتب على فعله تعالى وتكون هى غاية له لما كانت بحيث لو صدر ذلك الفعل من غيره تعالى لكانت هى عرضا لفعله شبهت بالغرض الحقيقى فدخلت عليها اللام الدالة على الغرض لاجل ذلك التشبيه واطلق عليها اسم الغرض لذلك حتى قيل الغرض من خلق مافى الارض انتفاع الناس به لقوله تعالى { هو الذى خلق لكم مافى الارض جميعا } وهذا الجواب انما يتأنى فى اللام الداخلة على ماهو غاية مترتبة على الفعل ولا ينفع فى قوله تعالى { الا ليعبدون } لان العبادة لم تكن غاية مترتبة على خلق كثير من الجن والانس حتى يقال انها شبهت بالغرض من حيث كون الفعل مؤديا اليها وكونها مترتبة عليه فاطلق عليها اسم الغرض ودخل عليها لام الغرض لذلك ولكنه لو تم لكان جوابا عن الاستدلال الثانى لانه مبنى على كون مدلول اللام غرضا وفى نفس الامر وما كان غرضا على طريق التشبيه لايكون مرادا فلا يلزم من عدم ترتبه على الفعل تخلف المراد عن الارادة فلا يتم الاستدلال واشار المصنف الى جوابه بقوله لما خلقهم على صورة متوجهة الى العبادة مستعدة لها جعل خلقهم مغيا بها وتقريره ان العبادة ليست غاية مترتبة على خلقهما فضلا عن أن تكون عرضا ومرادا حتى يلزم من عدم ترتبتها على خلقهما تخلف المراد عن الارادة وانما دخلت عليها اللام التى حقها ان تدخل على الغرض او على ماشبه به فى كونه متربتا على الفعل وحاملا عليه فى الجملة تشبيها لها بالغاية المترتبة من حيث ان الجن والانس خلقوا على صورة متوجهة الى العبادة اى صالحة قابلة لها مغلبة اى قادرة عليها متمكنة منها وقد انضم الى خلقهم على تلك الصورة ان هدوا الى العبادة بالدلائل السمعية والعقلية فصاروا بذلك كأنهم خلقوا للعبادة وانها غاية مترتبة على خلقهم فلذلك اطلق عليها اسم الغاية ودخلت عليها لام الغاية مبالغة فى خلقهما على تلك الصورة ولما وجه الآية باخراج اللام عن ظاهر معناها بجعلها للمبالغة فى خلقهم بحيث تتأتى منهم العبادة أشار الى و جه العدول عن الظاهر بقوله ولو حمل على ظاهره لتطرق اليه المنع والابطال وللزم تعارض الآيتين لان من خلق منهم لجهنم لايكون مخلوقا للعبادة انتهى مافى حواشى ابن الشيخ وقال فى بحر العلوم اى وما خلقت هذين الفريقين الا لاجل العبادة وهى قيام العبد بما تعبد به وكلف من امتثال الاوامر والنواهى او الا لأطلب العبادة منهم وهى طلب من الفريقين العبادة فى كتبه المنزلة على انبيائه وهذا التقدير صحيح لاتقدير الارادة لان الطلب لايستلزم المطلوب بخلاف الارادة كما تقرر فى موضعه فيكون حاصله ماقال بعضهم فى تصوير المعنى ليؤمروا بعبادتى كما فى قوله تعالى(14/224)
{ وماأمروا الا ليعبدوا الها واحدا } وهذا مستمر على مذهب اهل السنة فلو انهم خلقوا للعبادة ماعصموا طرفة عين لكنهم خلقوا للامر التكليفى الطلبى دون الامر الارادى ولا لم يتخلف المراد عن الارادة ولما كان لعين العاصى الثابتة فى الحضرة العلمية استعداد التكليف توجه اليها الامر التكليفى ولما لم يكن لتلك العين استعداد الاتيان بالمأمور به لم يتحقق منها المأمور به ولهذا تقع المخالفة والمعصية فان قلت مافائدة التكليف والامر بما يعلم عدم وقوعه قالت فائدة تمييز من له استعداد القبول ممن ليس له استعداد ذلك لتظهر السعادة والشقاوة واهلهما وقيل المراد سعدآء الجنسين كما ان المراد بقوله تعالى { ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس } اشقياؤهما ويعضده قرآءة من قرأ وماخلقت الجن والانس المؤمنين بدليل ان الصبيان والمجانين مستثنون من عموم الآية بدليل قوله تعالى(14/225)
{ ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس } قال ابن الملك فان قلت كيف تكون العبادة علة للخلق ولم تحصل تلك فى اكثر النفوس قلنا يجوز أن يراد من النفوس نفوس المؤمنين لقرآءة ابن عباس رضى الله عنهما وما خلقت الجن والانس من المؤمنين الا ليعبدون وأن يراد مطلقها بأن يكون المراد بالعبادة قابلية تكليفها كما قال عليه السلام « مامن مولود يولد الا على الفطرة » واما ان أريد منها المعرفة فلا اشكال لانها حاصلة للكفرة ايضا كما قال الله تعالى { ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله } انتهى وقال مجاهد واختاره البغوى معناه الا ليعرفون ومداره قوله عليه السلام فيما يحيكه عن رب العزة « كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف » ولعل السر فى التعبير عن المعرفة بالعبادة على طريق اطلاق اسم السبب على المسبب التنبيه على ان المعتبر هى المعرفة الحاصلة بعبادته تعالى لا مايحصل بغيرها كمعرفة الفلاسفة كما فى الارشاد وقال بعضهم لم أخلقهم الا لاجل العبادة باختيارهم لينالوا الشرف والكرامة عندى ولم اقسرهم عليها اذلوا قسرتهم عليها لوجدت منهم وأنا غنى عنهم وعن عبادتهم والحاصل انهم خلقوا للعبادة تكليفا واختيار الاجبلة واجبارا فمن وفقه وسدده واقام العبادة التى خلق لها ومن خذله وطرده حرمها وعمل بما يخلق له وفى الحديث « اعملوا فكل ميسر لما خلق له » كما فى عين المعانى وقال الشيخ نجم الدين دايه فى تأويلاته { وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون } لان درة معرفتى مودعة فى صدف عبوديتى وان معرفتى تنقسم قسمين معرفة صفة جمالى ومعرفة صفة جلالى ولكل واحد منهما مظهر والعبودية مشتملة على المظهرين بالانقياد لها والتمرد عنها فمن انقاد لها بالتسليم والرضى كماأمر به فهو مظهر صفات جمالى ولطفى ومن تمرد عليها بالاباء والاستكبار فهو مظهر صفات جلالى وقهرى فحقيقة معنى قوله { وما خلقت الجن والانس الا ليبعدون } اى خلقت المقبولين منهم ليعبدو الله فيكونوا مظهر صفات لطفه وخلقت المردودين منهم ليعبدوا الهوى فيكونوا مظهر صفات قهره هذا المعنى الذى أردت من خلقهم انتهى والحكمة لاتقتضى اتفاق الكل على التوحيد والعبادة والاخلاص والاقبال الكلى على الله فان ذلك مما يخل بأمر المعاش ولذلك قيل لولا الحمقى لخربت الدنيا ولا بد من الغضب لتكميل مرتبة قبضة الشمال فانه وان كان كلتا يديه يمينا مباركة لكن حكم كل واحدة يخالف الاخرى فالارض جميعا قبضته والسموات مطويات بيمينه فاقتضت الحكمة الالهية ظهور ما أضيف اليه كل من اليدين فللواحدة المضاف اليها عموم السعدآء الرحمة الجنان والاخرى القهر والغضب ولوازمهما وقد وجد كلا المقتضيين والمقصود الاصلى وجود الانسان الكامل الذى هو مرآة جماله تعالى وكماله وقد وجد والسواد الاعظم هو الواحد على الحق وقال الواحدى مذهب أهل المعانى فى الآية الا ليخضعوا لى ويتذللوا ومعنى العبادة فى اللغة الذل والانقياد وكل مخلوق من الجن والانس خاضع لقضاء الله تعالى مذلل لمشيئته خلقه على ما أراد ورزقه كما قضى لايملك احد لنفسه خروجا عما خلق عليه وقال ابن عباس رضى الله عنهما الا ليقروا بالعبودية طوعا او كرها يعنى ان المؤمنين يقرون له طوعا والكافرون يقرون له بما جبلهم عليه من الخلقة الدالة على حدانية الله وانفراده بالخلق واستحقاق العبادة دون غيره فالخلق كلهم بهذا له عابدون وعلى هذا قوله تعالى(14/226)
{ وله مافى السموات والارض كل له قانتون } على معنى مايوجد منهم من دلائل الحدوث الموجبة لكونها مربوبة مخلوقة مسخرة كما فى التيسير فهذه جملة الاقوال فى هذا الباب وفى خلقهم للعبادة بطريق الحصر اشارة الى ان الربوبية الله تعالى ان العبودية للمخلوقين وهى أخص اوصافهم حتى قالوا انها افضل من الرسالة ولذا قال تعالى { اسرى بعبده } لا برسوله وقدم العبد فى أشهد أن محمد عبده ورسوله فمن ادعى الربوبية من المخلوق فليخذر من تهديد الآية وجميع الكمالات لله تعالى وان ظهرت من العبد فالعبد مظهر فقط والظاهر هو الله وكماله والعبادات عشرة اقسام الصلاة والزكاة والصوم والحج وقرءآة قرءآن وذكر الله فى كل حال وطلب الحلال والقيام بحقوق المسلمين وحقوق الصحبة والتاسع الامر بالمعروف والنهى عن المنكر والعاشر اتباع السنة وهو مفتاح السعادة وامارت محبة الله كما قال تعالى { قل ان كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله } ( قال المولى الجامى )
يانبى الله السلام عليك ... انما الفوز والفلاح لديك
كرنرفتم طريق سنت تو ... هستم از عاصيان امت تو
مانداه ام زير با عصيان ... بست افتم ازباى اكر نيكرى دست
فينبغى للعبد أن يعبد ربه ويتذلل لخالقه بأى وجه كان من الفراض الواجبات والسنن والمستحبات على الوجه الذى أمره ان يقوم فيه فاذا كملت فرآئضه وكمالها فرض عليه فيتفرغ فيما بين الفرضين لنوافل الخيرات كانت ما كانت لايحقر شيأ من عمله فان الله ما احتقره حين خلقه واوجبه فان الله ما كلفك بأمر الا وله بذلك الامر اعتناء وعناية حتى كلفك به واذا واظب على ادآء الفرآئض فانه يتقرب الى الله بأخب الامور المقربة اليه ورود فىلخبر الصحيح عن الله تعالى « ما تقرب الى عبد بشىء احب الى مما افترضته ومايزال العبد يتقرب الى بالنوافل حتى احببته فاذا احببته كنت سمعه الذى به يسمع وبصره الذى به يبصر ويده التى بها يبطش ورجله بها يمشى ولئن سألنى لأعطينه ولئن استعاذنى لأعيذنه وماترددت عن شىء انا فاعله ترددى عن قبض نفس عبدى المؤمن يكره الموت وانا اكره مساءته »(14/227)
فالقرب الاول هو قرب الفرآئض والقرب الثانى هو قرب النوافل فانظر الى ماتنتجه محبة الله من كون الحق تعالى قوى العبد من السمع والبصر واليد والرجل فواظب على ادآء مايصح به وجود هذه المحبة الالهية من الفرآئض والنوافل ولايصح نفل الا بعد تكملة الفرآئض وفى النفل عينه فروض ونوافل فيما فيه من الفروض تكمل الفرآئض ورود فى الخبر الصحيح انه تعالى « يقول انظروا فى صلاة عبدى أتمها أم نقصها فان كانت تامة كتبت له تامة وان كان انتقص منها شىء قال انظروا هل لعبدى من تطوع فان كان له تطوع قال الله تعالى اكملوا لعبدى فريضته من تطوعه » ثم يؤخذ الاعمال على ذاكم وليست النوافل الا مالها اصل فى الفرآئض ومالا اصل له فى فرض فذلك انشاء عبادة مستقلة يسميها علماء الظاهر بدعة قال الله تعالى { ورهبانية ابتدعوها } وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنةن حسنة والذى سنها له اجرها واجر من عمل بها الى يوم القيامة من غير ان ينقص من اجورهم شىء ولما لم يكن فى قوة النفل أن يسد مسد الفرض جعل فى نفس النفل فروض ليجبر الفرائض بالفرائض كصلاة النفل بحسب حكم الاصل ثم انها تشتمل على فرآئض من ذكر وركوع وسجود مع كونها فى الاصل نافلة هذه الاقوال والافعال فرآئض فيها ثم اعلم ان امرنا بالاقتداء بالنبى سنة حسنة فان لنا أجرها وأجر من عمل بها واذا تركنا تسنيتها اتباعا لكون رسول الله عليه السلام لم يسنها فان اجرك فى اتباعك له فى ترك التسنين اعظم من اجرك فى التسنين فان النبى عليه السلام كان يكره كثرة التكليف على امته ومن سن فقد كلف وكان النبى عليه السلام اولى بذلك ولكن تركه تخفيفا فلهذا قلنا الاتباع فى الترك اولى واعظم اجرا من التسنين فاجعل حالك كما ذكرنا لك ولقد روى عن الامام احمد بن حنبل رحمه الله انه ما اكل البطيخ فقيله له فى ذلك فقال مابلغنى كيف كان رسول الله عليه السلام يأكله فلما لم تبلغ اليه الكيفية فى ذلك تركه وبمثل هذا يقدم علماء هذه الامة على علماء سائر الامم فهذا الامام علم وتحقق قوله تعالى عن نبيه عليه السلام { فاتبعونى يحببكم الله } وقوله { لقد كان لكم فى رسول الله اسوة حسنة } والاشتغال بما سن من فعل وقول وحال اكثر من أن نحيطه به ونحصيه فيكف ان نتفرغ لنسن فلا تكلف الامة اكثر مما ورد(14/228)
مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57)
{ مايد منهم } اى من الجن والانس فى وقت من الاوقات { من رزق } لى ولا لانفسهم ولا لغيرهم يحصلونه بكسبهم { وماريد ان يطعمون } ولا انفسهم ولا غيرهم واصله أن يطعمون بياء المتكلم وهو بيان لكونه شأنه تعالى مع عباده متعاليا عن ان يكون كسائر السادة مع عبيدهم حيث يملكونهم ليستعينوا بهم فى تحصيل معايشهم وتهيئة ارزاقهم فان منهم من يحتاج الى كسب عبده فى نيل الرزق ومنهم من يكون له مال وافر يستغنى به عن حمل عبده على الاكتساب لكنه يطلب من العبد قضاء حوآئجه من طبخ الطعام اصلاحه واحضاره بين يديه وهو تعالى مستغن عن جميع ذلك ونفع العباد وغيره انما يعود عليهم والمعنى ما اريد ان اصرفهم فى تحصيل رزقى ولارزقهم وفى تهيئة بل اتفضل عليهم برزقهم وبما يصلحهم ويعيشهم من عندى فليشتغلوا بما خلقوا له من عبادتى وفى الآية تعريض بأصنامهم فانهم كانوا يحضرون لها الماكل فربما اكلتها الكلاب ثم بالت على الاصنام ثم لايصدهم ذلك وهذا لآية دليل على ان الرزق اعم من الاكل كما فى تفسير المناسبات وقال بعضهم معنى ان يطعمون ان يطعموا احدا من خلقى وانما اسند الاطعام الى نفسه لان الخلق عيال الله ومن اطعم عيال احد فقد اطعمه كما جاء فى الحديث « يقول الله استطعتمك فلم تطعمنى » اى لم تطعم عبدى وذلك ان الاستطعام وسؤال الرزق يستحيل فى وصف الله(14/229)
إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)
{ ان الله هو الرزاق } تعليل لعدم ارادة الرزق منهم وهو من قصر الصفة على الموصوف اى لا رزاق الا الله الذى يرزق كل مايفتقر الى الرزق وفيه تلويح بأنه غنى عنه { ذو القوة } على جميع ماخلق تعليل لعدم ارادته منهم أن يعلموا ويسعوا فى اطعامه لان من يستعين بغيره فى اموره يكون عاجرا لا قوة له { المتين } الشديد القوة لان القوة تمام القدرة والمتانة شدتها وهو بالرفع على انه نعت للرزاق اولذو او خبر بعد خبر
وفى التأويلات النجمية { ان الله هو الرزاق } لجميع الخلائق { ذو القوة المتين } فى خلق الارزاق والمرزوقين وفى المفردات القوة تستعمل تارة فى معنى القدرة وتارة للنهى الموجود فى الشىء وتارة فى البدن وفى القلب وفى المعاون من خارج وفى القدرة الالهية وقوله { ذو القوة المتين } عام فيما اختص الله به من القدرة ما جعله للخلق انتهى ، يقول الفقير قد سبق ان القوة فى الاصل عبارة عن شدة البنية وصلابتها المضادة للضعف والله تعالى منزه عن ذلك فهى فى حقه تعالى بمعنى القدرة التامة ويجوز أن يعتبر قوى مظاهر اسمائه وصفاته ايا ما كانت والمتنن مكتنفا لصلب وبه شبه المتن من الارض ومتنته ضربت متنة ومتن قوى متنه فصار متينا ومنه قيل حبل متين . ودر ترجمه رشفتدر معنى قوى ومتين آورده كه قدرت قاهره اش دليل قوت بالغه كشسته وشدت قوتش حجت متانت قدرت شده نه دركار سازى نتش رافتورى ونه در روزى بنده نوازى قد رشت راقصورى
رساند رزق بر وجهى كه شايد ... بسازد كارها نوعى كه بايد
بروزى بى نوا يا نرا نوازد ... برحمت بى كسانرا كارسزد
قال بعضهم رزق الله بالتفاوت رزق بعضهم الايما وبعضهم الايقان وبعضهم العرفان وبعدهم وبعضهم البيان وبعضهم العيان فهؤلاء أهل اللطف والسعادة وبعضهم الخذلان وبعضهم الحرمان وبعضهم الطغيان وبعضهم الكفران فهؤلاء أهل القهر والشقاوة وقال بعضهم اعتبروا باللبيب الطالب الارزاق وحرمانه وبالطفل العاجز وتواتر الارزاق عليه لتعلموا ان الرزق طالب وليس بمطلوب قال الامام الغزالى رحمه الله فى شرح الاسماء الرزاق هو الذى خلق الارزاق والمرتزقة واوصلها اليهم وخلق لهم اسباب التمنع بها والرزق رزقان ظاهر وهى الاقوات والاطعمة وذلك للظاهر وهى الابدان وباطن وهى للعارف والمكاشفات وذلك للقلوب والاسرار وهذا أشرف الرزقين فان ثمرتها حياة الابد وثمرة الرزق الظاهر قوة الجسد الى مدة قريبة الامد والله تعالى هو المتولى لخلق الرزقين والمتفضل بالايصال الى كلا الفريقين ولكنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وغاية حظ العبد من هذا الوصف امران ، احدهما أن يعرف حقيقة هذا الوصف وانه لايستحقه الا الله تعالى فلا ينتظر الرزق الا منه ولا يتوكل فيه الا عليه كما روى عن حاتم الاصم انه قال له رجل من اين تأكل فقال من خزانته فقال الرجل يلقى عليك الخبز من السماء فقال لو لم تكن الارض له لكان يلقيه من السماء فقال الرجل أنتم تقولون الكلام فقال لم ينزل من السماء الا الكلام فقال الرجل انا لا أقوى لمجادلتك فقال لان الباطل لايقوم مع الحق .(14/230)
والثانى أن يرزقه علما هاديا ولسانا مرشدا ويدا منفقة متصدقة ويكون سببا لوصول الارزاق الشريفة الى القلوب بأقواله واعماله واذا احب الله تعالى عبدا اكثر حوآئج الخلق اليه ومهما كان واسطة بين الله وبين العباد فى وصول الارزاق اليهم فقد نال حظا من هذه الصفة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الخازن الامين الذى يعطى ما أمر به طيبة به نفسه احد المتصدقين وايدى العباد خزآئن الله فمن جعلت يده خزانة ارزاق الابدان ولسانه خزانة ارزاق القلوب فقد اكرم بشوب من هذه الصفة » انتهى كلام الغزالى فعبد الرزاق ه والذى وسع الله رزقه فيوثر به على عباده ويبسط على من يشاء الله أن يبسط له لان الله جعل فى قدمه السعة والبركة فلا يأتى الا حيث يبارك فيه ويفيض الخير وخاصية هذا الاسم لسعة الرزق أن يقرأ قبل صلاة الفجر فى كل ناحية من نواحى البيت عشرا يبدأ باليمين من ناحية القبلة ويستقبلها فى كل ناحية ان امكن وفى الاربعين الادريسية سبحانك يارب كل شىء ووارثه ورازقه قال السهر وردى المداوم عليه تقضى حاجته من الملوك و ولاة الامر فاذا أراد ذلك وقف مقابلة المطلوب وقرأه سبع عشرة مرة ومن تلاه عشرين يوما على الريق رزق ذهنا يفهم به الغوامض وقال الغزالى فى شرح الاسمين القوى المتين القوة تدل على القدرة التامة المتانة تدل على شدة القوة والله تعالى من حيث انه بالغ القدرة تامها قوى ومن حيث انه شديد القوة متين وذلك يرجع الى معنى القدرة انتهى وعبد القوى هو الذى يقوى بقوة الله على قهر الشيطان وجنوده التى هى قوى نفسه من الغضب والشهوة والهوى ثم على قهر اعدآئه من شياطين الانس والجن فلا يقاويه شىء من خلق الله الا قهره ولا يناويه احد الا غلبه وعبد المتين هو القوى فى دينه الذى لم يتأثر ممن أراد اغوآه ولم يكن لمن ازله عن الحق بشدته لكونه امتن كل متين فعبد القوى هو المؤثر فى كل شىء وعبد المتين هو الذى لم يتأثر من شىء وقال ابو العباس الزروقى القوى هو الذى لايلحقه ضعف فى ذاته ولا صفاته ولا فى افعاله فلا يمسه نصب ولا تعب ولايدركه قصور ولا عجز فى نقض ولا ابرام وقال بعض المشايخ القوى من القوة وهى وسط مابين حال باطن الحول وظاهر القدرة لان اول مايوجد فى الباطن من منة العمل يسمى خولا ثم يحس به فى الاعضاء مثلا يسمى قوة وظهور العمل بصورة البطش والتناول يسمى قدرة ولذلك كان فى كلمة لاحول ولا قوة الا بالله وهو تمثيل للتقريب الى الفهم والا فالله تعالى منزه عن صفات المخلوقين ومنعرف انه القوى رجع بحوله وقوته فى كل شىء الى حوله وقوته والتقريب بهذا الاسم تعلقا من حيث اسقاط التدبير وترك منازعة المقادير وفنى الدعوى ورؤية المنة له تعالى ونفى خوف الخلق وهموم الدنيا وتخلقا أن يكون قويا فى ذات الله حتى لايخاف فيه لومة لائم ولا يضعف عن أمره بحال وخاصية هذا الاسم ظهور القوة فى الوجود فما تلاه ذو همة ضعيفة الا وجد القوة ولا ذو جسم ضعيف الا كان له ذلك ولو ذكره مظلوم بقصد اهلاك الظالم الف مرة كان له ذلك وكفى أمره والمتين هو الذى له كمال القوة بحيث لايعارض ولا يشارك ولا يدانى ولا يقبل الضعف فى قوته ولا يمانع فى امره بل هو الغالب الذى لايغالب ولا يغلب ولا يحتاج فى قوته لمادة ولا سبب ومن عرف عظمة قوته ومتانتها لم يخف من شىء ولم يقف بهمته على شىء دونه استنادا اليه واعتمادا عليه وخاصية هذا الاسم ظهور القوة لذا كره مع اسمه القوى ولو ذكر على شابة فاجره عشر مرات وكذلك الشباب لتابا(14/231)
فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59)
{ فان للذين ظلموا } اى ظلموا انفسهم بتعريضها للعذات الخالد بتكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم او وضعوا مكان التصديق تكذيبا وهم اهل مكة { ذنوبا } ان نصيبا وافرا من العذاب { مثل ذنوب اصحابهم } مثل انصباء نظرآئهم من الامم المحكية وهو مأخوذ من مقاسمة السقاة الماء بالذنوب وهو الدلو العظيم المملؤ قال . لنا ذنوب ولكم ذنوب . فان أبيتم فلنا القليب .
قال فى المفردات الذنوب الدلو الذى ذنب واستعير للنصيب كما استعير السجل وهو الدلو العظيم وفى القاموس الذنوب الفرس الوافر الذنب ومن الايام الطويل الشر والدلو او فهيا ماء او الملأى او دون الملأى والحظ والنصيب والجمع اذنية وذنائب وذناب انتهى { فلا يستعجلون } اصله يستعجلونى بياء المتكلم اى لايطلبوا منى ان اعجل فى المجيىء به لان له اجلا معلوما فهو نازل بهم فى وقته المحتوم يقال استعجله اى حثه على العجلة وامره بها ويقال استعجله اى طلب وقوعه بالعجلة ومنه قوله تعالى { أنى امر الله فلا تستعجلوه } وهو جواب لقولهم { متى هذا الوعد ان كنتم صادقين } وكان النضر بن الحارث يستعجل بالعذاب فأمهل الى بدر ثم قتل فى ذلك اليوم وصار الى النار فعذب اولا بالقتل ثم بالنار(14/232)
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60)
{ فويل للذين كفروا } بس واى مرانا نرا كه كافر شدند والويل اشد من العذاب والشقاء والهم ويقال واد فى جهنم وضع الموصول موضع ضميرهم تسجيلا عليهم بما فى حيز الصلة من الكفر واشعارا بعلة الحكم والفاء لترتيب ثبوت الويل لهم على ان لهم عذابا عظيما كما ان الفاء الاولى لترتيب النهى عن الاستعجال على ذلك { من يومهم الذى يوعدون } من للتعليل اى يوعدونه من يوم بدر وقيل يوم القيامة وهو الانسب لما فى صدر السورة الآتية والاول هو الافق لما قبله من حيث انهما من العذاب الدنيوى وايا ما كان فالعذاب آت وكل آت قريب كما قالوا . كرجه قيامت آيدو لى مى آيد عمر اكرجه دراز بود جون مرك روى نمود ازان درازى جه سود نوح هزار سال درجهان يسر برده است امروز جند هزار سالست كه مرده است فعلى العاقل أن يتعجل فى التوبة والانابة حتى لايلقى الله عاصيا ولايتعجل فى الموت فانه آت البتة وفى الحديث « لايتمنين احدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه انه اذا مات احدكم انقطع عمله » وانه لايزيد المؤمن عمره الا خيرا اى فانه ان كان محسنا فلعله ان يزداد خيرا وان كان مسيئا فلعل الله يرزقه الانابة
اى كه بنجاه رفت ودر خوابى ... مكر اين ينج روز دريابى
وفى التأويلات النجمية فان للذين ظلموا من اهل الكتاب على قلوبهم بأن جعلوهاك ملوثة بحب الدنيا بعد ان كانت معدن محبة الله ذنوبا مثل ذنوب اصحابهم من ارباب النفوس بجميع صفاتها يعنى ان فساد القلب بمحبة الدنيا يوازى فساد النفس بجميع صفاتها لان القلب اذا صلح صلح به سائر الجسد واذا فسد فسد به سائر الجسد فلا تستعجلون فى افساد القلب فويل للذين كفروا بنعمة ربهم فى افساد القلب من يومهم الذى يوعدون بافساد سائر صفات الجسد ومن الله العصمة والحفظ(14/233)
وَالطُّورِ (1)
{ والطور } الواو للقسم والطور بالسريانية الجبل وقال بعضهم هو عربى فصحيح ولذا لم يذكره الجو اليقى فى المعربات وقال ابن عباس رضى الل عنهما الطور كل جبل ينبت قال
لو مر بالطور بعض ناعقة ... مانبت الطور فوقه ورقه
كويند مراد انيجا مطلق كوهست كه اوتاد ارض اند . وفيه منابع ومنافع وقيل بل هو جبل محيط بالارض الاظهر الاشهر انه اسم جبل مخصوص هو طور سينين يعنى الجبل المبارك وهو جبل بمدين واسعة زبير سمع فيه موسى عليه السلام كلام الله تعالى ولذا اقسم الله تعالى به لانه محل قدم الاحباب وقت سماع الخطاب وورد على محل القدم كثير من الاولياء فظهر عليهم الحال تلك الساعة وقال فى خريدة العجائب جبل طور سينا هو بين الشأم ومدين قيل انه بالقرب من ايلة وهو المكلم عليه موسى عليه السلام كان اذا جاءه موسى للمناجاة ينزل عليه غمام فيدخل فى الغمام ويكلم ذا الجلال والاكرام وهو الجبل الذى دك عند التجلى وهناك خر موسى صعقا هذا الجبل اذا كسرت حجارته يخرج من وسطها شجرة العوسج على الدوام وتعظيم اليهود لشجرة العوسج لهذا المعنى ويقال لشجرة العوسج شجرة اليهود انتهى كلام الخريدة والعوسج جمع عوسجة وهى شوك كما فى القاموس(14/234)
وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2)
{ وكتاب مسطور } متكوب على وجه الانتظام فان السطر ترتيب الحروف المكتوبة والمراد به القرءآن او الواح موسى الانسب بالطور او مايكتب فى اللوح وآخر سطر فى اللوح المحفوظ سبقت رحمتى على غضبى من أتانى بشهادة أن لا اله الا الله أدخلته الجنة واما يكتبه الحفظة يخرج اليهم يوم القيامة منشروا فآخذ بيمينه وآخذ بشماله نظيره قوله تعالى { ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا }(14/235)
فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3)
{ فى رق منشور } الرق الجلد الذى يكتب فيه شبه كاغد استعير لما يكتب فيه الكتابة من الصحيفة وسمى وقالانه مرقق وقد غلب الاستعمال على هذا الذى هو من جلود الحيوان كما فى فتح الرحمن وقال فى القاموس الرق ويكسر جلد رقيق يكتب فيه وضد الغليظ كالرقيق والصحيفة البيضاء انتهى والمنشور المبسوط وهو خلاف المطوى قال الراغب نشر الثوب والصحيفة والسحاب والنعمة والحديث بسطها وقيل منشور مفتوح لاختم عليه وتنكيرهما للتفخيم او الاشعار بايهما ليسا مما يتعارفه الناس والمعنى بالفارسية وسوكند بكتاب نوشته در صحيفة كه كشاده كردد بوقت خواندن وعلى تقدير أن يكون مايكتب فى اللوح يكن الرق المنشور مجازا لان اللوح خلقه الله من درة بيضاء دفتاه من ياقوته حمراء قلمه نور وكتابه نور عرضه كما بين السماء والارض ينظر فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة يخلق الله بكل نظرة يحيى ويميت ويعز ويذل ويفعل مايشاء(14/236)
وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4)
{ والبيت المعمور } اى الكعبة وعمارتها بالحجاج والعمار والمجاورين او الضراح يعنى اسم البيت المعمور الضراح قال السهيلى رحمه الله وهو فى السماء السابعة واسمها عروبا قال وهب بن منبه من قال سبحان الله وبحمده كان له نور يملأ مابين عروبا وحريبا وحريبا هى الارض السابعة انتهى وهو خيال الكعبة وعمرانه كثرة غاشيته من الملائكة يزوره كل يوم سبعون الف ملك بالطواف والصلاة ولا يعودون اليه ابدا وحرمته فى السماء كحرمة الكعبة فى الارض وهو عدد خواطر الانسان فى اليوم والليلة ومنه قيل ان القلب مخلوق من البيت المعمور وقيل باطن الانسان كالبيت المعمور والانفاس كالملائكة دخولا وخروجا وفى اخبار المعارج رأيت فى السماء السابعة البيت المعمور واذا امامه بحر واذا يؤمر الملائكة فيخوضون فى البحر يخرجون فينفضون أجنحتهم فيخلق الله من كل قطرة ملكا يطوف فدخلته وصيلت فيه وسمى بالضراح بضم الضاد المعجمة لانه ضرح اى رفع وابعد حيث كان فى السماء السابعة والضرح هو الابعاد والتنحية يقال ضرحه اى نحاه ورماه فى ناحية واضرحه عنك اى أبعده والضريح البعيد وقيل كان بيتا من ياقوتة انزله الله موضع الكعبة فطاف به آدم وذريته الى زمان الطوفان فرفع الى السماء وكان طوله كما بين السماء والارض وذهب بعضهم الى انه فى السماء الرابعة ولامنافاة فقد ثبت ان فى كل سماء بخيال الكعبة فى الارض بيتا .
يقول الفقير والذى يصح عندى من طريق الكشف ان البيت المعمور فى نهاية السماء السابعة فانه اشارة الى مقام القلب فكما ان القلب بمنزلة الاعراف فانه برزخ بين الروح والجسد كما ان الاعراف برزخ بين الجنة والنار فكذا البيت المعمور فانه برزخ بين العالم الطبيعى الذى هو الكرسى والعرش وبين العالم العنصرى الذى هو السموات والسبع مادونها وهذا لا ينافى أن يكون فى كل سماء بيت على حدة هو على صورة البيت المعمور كما انه لاينافى كون الكعبة فى مكة أن يكون فى كل بلدة من بلاد الاسلام مسجد على حدة على صورتها فكما ان الكعبة ام المساجد وجميع المساجد صورها تفاصيلها فكذا البيت المعمور اصل البيوت التى فى السموات فهو الاصل فى الطوف والزيارة ولذا رأى النبى عليه السلام ليلة المعراج ابراهيم عليه السلام مسندا ظهره الى البيت المعمور الذى هو بازآء الكعبة واليه تحج الملائكة وقال بعضهم المراد بالبيت المعمور قلب المؤمنين وعمارته بالمعرفة والاخلاص فان كل قلب ليس فيه ذالك فهو خراب ميت فكأنه لاقلب(14/237)
وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5)
{ والسقف المرفوع } يعنى السماء المرفوع عن الارض مقدار خمسمائة عام قال تعالى { وجعلنا السماء سقفا محفوظا } ( قال الكاشفى ) يعنى آسمان كه مجمع انوار حكمت ومخزن اسرار فطرتست وباعرش عظيم . وذلك لان العرش سقف الجنة وهو محيط بعالم الاجسام كما ان سقف البيت محيط بالجدران ولا يخفى حسن موقع العنوان المذكور من حيث اجتماع السقف مع البيت ومن حيث ان العرش على التقدير الثانى والبيت المعمور متقاربان تقارب السقف بالبيت(14/238)
إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7)
{ ان عذاب ربك لواقع } اى لنازل حتما وهو جواب للقسم قال فى فتح الرحمن المراد عذاب الآخرة للكفار لا العذاب الدنيوى واليه الاشارة فى الارشاد فى آخر السورة المتقدمة(14/239)
مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)
{ ماله من دافع } يدفعه وهو كقوله تعالى { لامرد له من الله } وبالفارسية نيست مران عذاب راهيج دفع كننده بلكه بهمه حال واقع خواهدبود . وهو خبر ثان لان قال بعضهم الفرق بين الدفع والرفع ان الدفع بالدال يستعمل قبل الوقوع والرفع بالرآء يستعمل بعد الوقوع وتخصيص هذه الامور بالاقسام بها لما انها من امور عظام تنبىء عن عظم قدرة الله وكمال علمه وحكمته الدالة على احاطته بتفاصيل اعمال العباد وضبطها الشاهدة بصدق اخباره التى من جملتها الجملة المقسم عليها وقال جبير بن مطعم قدمت المدينة لأكلم رسول الله عليه السلام فى اسارى بدر فلقيته فى صلاة الفجر يقرأ سورة الطور وصوته يخرج من المسجد فلما بلغ الى قوله { ان عذاب ربك لواقع } فكأنما صاع قلبى حين سمعته فكان اول مادخل فى قلبى الاسلام فأسلمت خوفا من أن ينزل العذاب وما كنت اظن أن اقوم من مقامى حتى يقع بى العذاب ومثل هذا التأثير وقع لعمر رضى الله عنه حين بلغ دار الارقم فسمع النبى عليه الاسلام يقرأ سروة طه فلان قلبه واسلم فالقلوب المتهيئة للقبول تتأثر بأدنى شىء خصوصا اذا كان الواعظ هو القرءآن العظيم او التالى هو الرسول الكريم او وارثه المستقيم واما القولب القاسية فلا ينجع فيها الوعظ كما لم ينجع فى قلب ابى جهل ونحوه ( قال الشيخ سعدى )
آهنى را كه موريانه بخورد ... نتوان برداز وبصقيل ربك
باسيه دل جه سودج كفتن وعظ ... نرود ميخ آهنين درسنك
وفى التأويلات النجمية العذاب لاهل العذاب واقع بالفقد لان اشد العذاب ذل الحجاب وكان من دعاء السرى السقطى قدس سره اللهم مهما عذبتنى بذل الحجاب والحجاب واقع فان اعظم الحجاب حجاب النفس ماله من دافع من قل العبد بل دافع حجاب النفس هو رحمة الله تعالى كما قال تعالى { الا مارحم ربى } عبدالله المغورى مردى بوداز نواحى اشبيلية دربلاد غرب دربعضى اوقات تشويش وبرا كندكى بخلق راه يافته بود زنى نزدوى آمد وكفت البتة مرا باشبيليه رسان ازدست اين قوم خلاص كن اوزن رابر كردن كرفت وبيرون آمد واو ازشطار بود وقوتى عظيم داشت جون بجاى خلوت رسيد واين زن بغاية جميله بود شيطان اورا بمجامعت با آن زن وسوسه داد ونفس تقاضا كرفت . فكان حال المرأة حيئنذ نظير الحكاية التى قال الشيخ سعدى فيها
شنيدم كوسفندى را بزركى ... رها نيداز دهان ودست كركى
شبانكه كارد بر حلقش بماليد ... روان كوسفند ازوى بناليد
كه ازجنكال كركم درر بودى ... جوديدم عاقبت كركم تو بودى
عبدالله باخود كفت اى نفس اين بدست من امانت است وخيانت كردن روانمى دارم ونفس البتة بر عصيان حرص مى نمود واو ترسيدكه نفس غالب شود وكارى ناشايست در وجود آيد آلت مردىء خودرا درميان دوسنك بكوفت وكفت النار ولا العارى سبب رجوع او بطريق حق اين بودودر همان وقت روى بحج نهاد ودر عهد خود يكانه روز كار بود . فقد رحمه الله تعالى رحمة خاصة حيث نجاه من يد النفس الامارة ولو وكله الى نفسه لصدر عنه ذلك القبيح وكان سببات لوقوعه فى العذاب فى الدنيا والآخرة واما فى الآخرة فظاهر واما فى الدنيا فلان التلبس بسبب الشىء به وكل فعل قبيح ووصف ذميم فهو عذاب حكمى ونار معنوية والعذاب الصورى اثر ذلك فليس من خارج عن الانسان(14/240)
يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9)
{ يوم تمور السماء مورا } ظرف لواقع مبين لكيفية الوقوع منبىء عن كمال هو له وفظاعته لا لدافع لانه يوهم ان احدا يدفع عذابه فى غير ذلك اليوم والغرض ان عذاب الله لايدفع فى كل وقت والمور الاضطراب والتردد فى المجيىء والذهاب والجريان السريع اى تضطرب وتجيىء وتذهب وبالفارسية دراضطراب آيد آنكاه بشكافد . قيل تدور السماء كما تدور الرحى وتتكفأ بأهلها تكفأ السفينة وقيل يختلج اجزآؤها بعضها فى بعض ويموج اهلها بعضهم فى بعض ويختلطون وهم الملائكة وذلك من الخوف(14/241)
وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10)
{ وتسير الجبال سيرا } اى تزول عن وجه الارض فتصير هباء وقال بعضهم تسير الجبال كما تسير السحاب ثم تنشق اثناء السير حتى تصير آخره كالعهن المنفوش لهول ذلك اليوم ومثله وجود السالك عند تجلى الجلال بالفناء فانه لايبقى منه اثر وتأكيد الفعلين بمصدريهما للايذان بغرابتهما وخروجهما عن الحدود المعهودة اى مورا عجيبا وسيرا بديعا لايدرك كنههما(14/242)
فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11)
{ فويل يومئذ للمذكبين } الفاء فصيحة والجملة جواب شرط محذوف اى اذا وقع ذلك المور والسيرا واذا كان الامر كما ذكر فويل وشدة عذاب يوم اذ يقع لهم ذلك وهو لاينافى تعذيب غير المكذبين من اهل الكبائر لان الويل الذى هو العذاب الشديد انما هو للمكذبين بالله ورسوله وبيوم الدين لا العصاة المؤمنين(14/243)
الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12)
{ الذين هم فى خوض } اى اندفاع عجيب فى الاباطيل والاكاذيب وبالفارسية درشروع كردن باقوال باطله كه استهزا بقرءآنست وتكذيب نبى عليه السلام وانكار بعث . قال فى فتح الرحمن الخوض التخبط فى الاباطيل شبه بخوض الماء وغوصه وفى حواشى الكشاف الخوض من المعانى الغالبة فانه يصلح فى الخوض فى كل شىء الا انه غلب فى الخوض فى الباطيل كالاحضار لانه عام فى ثم غلب استعماله فى الاحضار للعذاب قال لكنت من المحضرين وقوله { الذين هم فى خوض } ليس صفة قصد بها تخصيص المذكبين وتمييزهم وانما هو للذم كقولك الشيطان الرجيم { يلعبون } يلهون ويتشاغلون بكفرهم(14/244)
يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14)
{ يوم يدعون الى نار جهنم دعا } الدع الدفع الشديد واضله أن يقال للعاثر دع دع اى يدفعون اليها دفعا عنيفا شديدا بان تغل ايديهم الى اعناقهم وتجمع نواصيهم الى اقدامهم فيدفعون الى النار دفعا على وجودههم وفى اقفيتهم حتى يردوها ويوم اما بدل من يوم تمور او ظرف لقول مقدر قبل قوله تعالى { هذه النار } اى يقال لهم من قبل خزنةن النار هذه النار { التى كنتم } فى الدنيا وقوله { بها } متعلق بقوله { تكذبون } اى تكذبون الوحى الناطق بها(14/245)
أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15)
{ أفسحر هذا } توبيخ وتقريع لهم حيث كانوا يسمونه سحرا وتقديم الخبر لانه محط الانكار ومدار توبيخ كأنه قيل كنتم تقولون للقرءآن الناطق بهذا سحر فهذا المصداق اى النار سحر ايضا وبالفارسية آيا سحرست اين كه مى بينيد فالفاء سببية لاعاطفة لئلا يلزم عطف الانشاء على على الاخبار فهذا الاستفهام لم يتسبب عن قولهم للوحى هذا سحر والمصداق مايصدق الشىء واحوال الآخرة ومشاهدتها تصدق اقوال الانبياء فى الاخبار عنها يعنى ان الذى ترونه من عذاب النار حق { ام انتم لاتبصرون } اى ام انتم عمى عن المخبر عنه كما كنتم تقولون انما سكرت ابصارنا اوام سدت ابصاركم كما سدت فى الدنيا على زعمكم حيث كنتم تقولون انما سكرت ابصارنا بن لنحن قوم مسحورون(14/246)
اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16)
{ اصلوها } اى ادخلوها وقاسوا حرها وشدائدها { فاصبروا اولا تصبروا } فافعلوا ماشئتم من الصبر وعدمه فانه لاخلاص لكم منها وهذا على جهة قطع رجائهم { سوآء عليكم } خبر مبتدأ محذوف دل عليه اصبروا اولا تصبروا وسوآء وان كان بمعنى مستوٍ لكنه فى الاصل مصدر بمعنى الاستوآء والمعنى سوآء عليكم الامر ان اجزعتم ام صبرتم فى عدم النفع لابدفع العذاب ولا بتخفيفه اذ لابد أن يكون الصبر حين ينفع وذلك فى الدنيا لاغير فمن صبر هنا على الطاعات لم يجزع هناك اذ الصبر وان كان مرا بصلا لكن آخره حلو عسل { انما تجزون ما كنتم تعملون } تعليل للاستوآء فان الجزآء على كفرهم واعمالهم القبيحة حيث كان واجب الوقوع حتما بحسب الوعيد لامتناع الكذب على الله كان الصبر وعدمه سوآء فى عدم النفع
وفى التأويلات النجمية انما تجزون ما كنتم تعملون فى الدنيا من الخير والشر لا الذى تعملون فى الآخرة من الصبر والخضوع والخشوع والتضرع والدعاء فانه لاينفع شىء منها والحاصل أن يقال اخسأوا فيها ولاتكلمون انتهى ثم النارناران النار الصورية لاهل الشرك الجلى ومن لحق بهم من العصاة والنار المعنوية لاهل الشرك الخفى ومن اتصل بهم من اهل الحجاب فويل لكل من الطائفتين يوم يظفر الطالب بالمطلوب ويصل المحب الى المحبوب من عذاب جهنم وعذاب العبد والقطيعة والحرمان من السعادة العظمى والرتبة العليا فليحذر العاقل من الخوض فى الدنيا واللعب بها فان الغفلة عن خالق البريات توقد نيران الحسرات وفى الآية اشارة الى مرتبة الخوف كما ان الآية التى تليها اشارة الى مرتبة الرجاء فان الامن والقنوط كفر . زيراكه امن ازعاجزان يود واعتقاد عجز در الله كفرست وقنوط ازلئيمان بود واعتقاد لؤم در الهل كفرست جزاغى كه درو روغن نباشد روشنايى ندهد وجون روغن باشد وآتش نباشد ضياندهد بس خوف بر مثال آتش است ورجا مجتمع كشت جراغى حاصل آمدكه دروى هم روغن است كه مدد بقاست هم آتش است كه ماده ضياست آنكه ايمان ازميان هردو مدد ميكير دازيكى ببقا وازيكى بضيا ومؤمن ببدرقه ضباراه ميرود وبمدد بقا قدم مى زند والهل ولى التوفيق(14/247)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17)
{ ان المتقين } عن الكفر والمعاصى { فى جنات نعيم } النعيم الخفض والدعة والتنعم الترفه والاسم النعمة بالفتح قال الراغب النعيم النعمة الكثيرة وتنعم تناول مافيه النعمة وطيب العيش ونعمه تنعيما جعله فى نعمة اى لين عيش وفى البحر التنعم استعمال مافيه النعومة واللين من المأكولات والملبوسات والمعنى فى جنات ونعيم اى فى اية جناتن واى نعيم بمعنى الكامل فى الصفة على ان التنوين للتخفيم او فى جنات ونعيم مخصوصة بالمتقين على انه للتنويع والجنة مع كونها أشرف المواضع قد يتوهم ان من يدخلها انما يدخلها ليعمل فيها ويصلحها ويحفظها لصاحبها كما هو شأن ناطور الكرم اى مصلحه وحافظه كما قال فى القاموس الناطور اى بالطاء المهملة حافظ الكرم والنخل اعجمى انتهى فلما قال ونعيم افادانهم فيها متنعمون كما هو شأن المتفرج بالبستان لا كالناطور والعمال(14/248)
فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18)
{ فاكهين } ناعمين متلذذين وبالفارسية شادمان ولذات يابندكان . وفى القاموس الفاكة صاحب الفاكهة وطيب النفس الضحوك والناعم الحسن العيش كما ان الناعمة والمنعمة الحسنة العيشة { بما آتاهم ربهم } از كرا متهاى جاودانى وفى فتح الرحمن من انعامه و رضاه عنهم وذلك ان المتنعم قد يستغرق فى النعم الظاهرة وقلبه مشغول بأمر ما فلما قال فاكهين تبين ان حالهم محض سرور وصفاء وتلذذ ولا يتناولون شيأ من النعيم الا تلذذا لا لدفع الم جوع او عطش { ووقاهم ربهم عذاب الجحيم } الوقاية حفظ الشىء مما يؤذيه ويضره والجحة شدة تأجج النار ومنه الجحيم اى جهنم لانه من اسمائها وهو عطف على آتاهم على ان مامصدرية اى متلذذين بسبب ايتاء ربهم ووقايتهم عذاب الجحيم فانها ان جعلت موصولة يكون التقدير بالذى وقاهم ربهم عذاب الجحيم فيبقى الموصول بلا عائد واظهار الرب فى موقع الاضمار مضافا الى ضميرهم للتشريف والتعليل(14/249)
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19)
{ كلوا واشربوا } اى يقال لهم من قبل خزنة الجنة دآئما كلوا واشربوا اكلا وشربا { هنيئا } فهنيئا صفة لمصدر محذوف او طعاما وشرابا هنيئا فهو صفة مفعول به محذوف فان ترك ذكر المأكول والمشروب دلالة على تنوعهما وكثرتهما والهنيىء والمريىء صفتان من هنؤ الطعام ومرؤ اذا كان سائغا يعنى كوارنده لا تكدير فيه اى كان بحيث لايورث الكدر من التخم والسقم وسائر الآفات كما يكون فى الدنيا قال ابن الكمال ومنه يهنى المشتهر فى اللسان التركى باللحم المطبوخ { بما كنتم تعملون } بسببه او بمقابلته قال فى فتح الرحمن معناه ان رتب الجنة وتعميما هى بحسب الاعمال واما نفس دخولها فهوبرحمة الله وتغمده والاكل والشرب والتهنى ليس من الدخول فى شىء واعمال العباد الصالحة لاتوجب على الله التنعيم ايجابا لكنه قد جعلها امارة على من سبق فىعلمه تنعيمه وعلق الثواب والعقاب بالتكسب الذى فى الاعمال . اما زاهد رحمه الله فرمود كه هرجند وعده بكردار بنده است اما اصل فضل الهيست واكرنه بيداست كه فردامزد كر دار ماجه خواهد بود
ندارد فعل من از زور بازو ... كه بافضل تو كردد هم ترازو
بفضل خويش كن فضل مرايار ... بعدل خود بكن بافعل من كار
قال سهل جزآء الاعمال الاكل والشرب ولا يساوى اعمال العباد اكثر من ذلك واما شراب الفضل فهو قوله { وسقاهم ربهم شرابا طهورا } وهو شراب على رؤية المكاشفة والمشاهدة(14/250)
مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20)
{ متكئين } حال من الضمير فى كلوا واشربوا اى معتمدين ومستندين { على سرر } جمع سرير وهو الذى يجلس عليه وهو من السرور اذا كان ذلك لاولى النعمة وسرير الميت تشبيه به فى الصورة وللتفاؤل بالسرور الذى يلحق الميت برجوعه الى الله وخلاصه من سجنه المشار اليه بقوله عليه السلام « الدنيا سجن المؤمن » { مصفوفة } مصطفة قد صف بعضها الى جنب بعض او مر موالة اى مزينة بالذهب والفضة والجواهر وبالفارسية برتختهاى يافته بزر . والظاهر ان جمع السرر مبنى على أن يكون لكل واحد منهم سرر متعددة مصطفة معدة لزآئريهم فكل من اشتاق الى صديقه يزوره فى منزله قال الكلبى صف بعضها الى بعض طولها مائة ذراع فى السماء يتقابلون عليها فى الزيارة واذا اراد أحدهم القعود عليها تطامنت واتضعف فاذا قعد عليها ارتفعت الى اصل حالها { وزوجناهم بحور عين } واحد الحور حورآء وواحد العين عيناء وانما سمين حور الان الطرف يحار فى حسنهن وعينا لأنهن الواسعات الا عين مع جمالها والباء للتعدية مع ان التزويج مما يتعدى الى مفعولين بلا واسطة قال تعالى زوجنا كنا لما فيه من معنى الوصل والالصاق او للسببية والمعنى صيرناهم ازواجا بسبهن فان الزوجية لاتتحقق بدون انضمامهن اليهم يعنى ان التزويج حينئذ ليس على اصل معناه وهو النكاح وعقد النكاح بل بمعنى تصييرهم ازواجا فلا يتعدى الى مفعولين وبالفارسية وجفت كردانيم ايشانرا برنان سفيد روى كشاده جشم . قال الراغب وقرناهم بهن ولم يجيىء فى القرءآن زوجناهم حورا كما يقال زوجته امرأة تنبيها على ان ذلك لم يكن على حسب التعارف فيما بيننا من المناكح انتهى قال فى فتح الرحمن وقرناهم وليس فى الجنة تزويج كالدنيا انتهى يعنى ان الجنة ليست بدار تكليف فشأن تزوج اهل الجنة بالحور بقبول بعضهم بعضا لا بأن يعقد بينهم عقد النكاح قال فى الواقعات المحمودية ان لاهل الجنة بيوت ضيافة يعملون فيها الضيافة للاحباب ويتنعمون ولكن اهليهم لايظهرن لغير المحارم انتهى .
يقول الفقير الظاهر ان عدم ظهورهن ليس من حيث الحرمة بل من حيث الغيرة يعنى ان اهل الرجل اشارة الى سره المكتوم فاقتضت الغيرة الالهية ان لاتظهر لغير المحارم كما ان السر لايفشى لغير الاهل والا فالحل والحرمة من توابع التكليف ولا تكليف هنالك وانما كان ذلك ونحوه من باب التلذذ(14/251)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)
{ والذين آمنوا } مبتدأ خبره الحقنا بهم { واتبعتهم ذريتهم } عطف على آمنوا اى نسلهم { بايمان } متعلق بالاتباع والتنكير للتقليل اى بشىء من الايمان وتقليل الايمان ليس مبنيا على دخول الاعمال فيه بل المراد قلة ثمراته ودناءة قدره بذلك فالتقليل فيه بمعنى التحقير والمعنى واتبعتهم ذريتهم بايمان فى الجملة قاصرين عن رتبة ايمان الآباء واعتبار هذا القيد للايذان بثبوت الحكم فى الايمان الكامل اصالة لا الحاقا { الحقنا بهم ذريتهم } اى اولادهم الصغار والكبار فى الدرجة كما روى انه عليه السلام قال « انه تعالى يرفع ذرية المؤمن فى درجته وان كانوا دونه لتقربهم عينه » اى يكمل سروره ثم تلا هذه الآية وفيها دلالة بينة على ان الولد الصغير يحكم بايمانه تعبا لاحد ابويه وتحقيقا للحوقة به فانه تعالى اذا جعلهم تابعين لآبائهم ولاحقين بهم فى احاكم الآخرة فينبغى أن يكونوا تابعين لهم ولاحقين بهم فى احكام الدنيا ايضا قال فى فتح الرحمن ان المؤمنين اتبعتهم اولادهم الكبار والصغار بسبب ايمانهم فكبارهم بايمانهم بأنفسهم وصغارهم بأن اتبعوا فى الاسلام بآبائهم بسبب ايمانهم لان الولد يحكم باسلامه تبعا لاحد ابويه اذا أسلم وهو مذهب ابى حنيفة والشافعى واحمد وقال مالك يحكم باسلامه تعبا لاسلام ابيه دون امه واما اذا مات احد ابويه فى دار الاسلام فقال احمد يحكم باسلامه وهو من مفردات مذهبه خلافا للثلاثة واختلفوا فى اسلام الصبى المميز وردته فقال الثلاثة يصحان منه وقال الشافعى لايصحان وفى هدية المهديين اسلام الصبى العاقل وهو من كان فى البيع سالبا وفى الشرآء جالبا صحيح استحسانا حتى لايرث من اقاربه الكفار ويصلى عليه اذا مات وارتداده ارتداد استحسانا فى قول ابى حنيفة ومحمد الا انه يجبر على احسن الوجوه ولا يقتل لانه ليس من اهل العقوبة وفى الاشباه ان قيل اى مرتد لايقتل فقل من كان اسلامه تبعا او فيه شهة واى رضيع يحكم باسلامه بلا تبعية فقل لقيط فى دار الاسلام وفى الهدية ايضا صبى وقع من الغنمية فى سهم رجل دار الحرب او بيع به فمات يصلى عليه لانه يصير مسلما حكما تبعا لمولاه بخلاف ماقبل القسمة فانه حنيئذ يكون على دين ابويه وفى الفتوحات المكية الطفل المسبى فى دار الحرب اذا مات ولم يحصل منه تمييز ولا عقل يصلى عليه فانه الى فطرة الاسلام وهذا اولى ممن قال لايصلى عليه لان الطفل مأخوذ من الطفل وهو ماينزل من السماء غدوة وعشية وهو اضعف من الرش والوبل فلما كان بهذا الضعف كان مرحوما والصلاة رحمة فالطفل يصلى عليه اذا مات بكل وجه انتهى وان دخل الصبى فى دار الاسلام فان كان معه ابواه او احدهما فهو على دينهما وان مات الابوان بعد ذلك فهو على ماكان كما فى الهدية وان لم يكن معه واحد منهما حين دخل الاسلام يصير مسلما تبعا للدار وللمولى ولو اسلم احد الابوين فى دار الحرب يصير الصبى مسلما بالاسلامه وكذا لو اسلم احد الابوين فى دار الاسلام ثم سبى الصبى بعده من دار الحرب فصار فى دار الاسلام كان مسلما باسلامه { وما التناهم } وما نقصنا الآباء بهذا الالحاق الالأ بغضوهم فى الدنيا شحا كما فى عين المعانى من ألت يألت كضرب يضرب قال فى القاموس ألته حقا يألته نقصه كآلته ايلاتا { من عملهم } من ثواب عملهم { من شىء } من الاولى متعلقة بألتناهم والثانية زآئدة والمعنى ما نقصناهم من عملهم شيأ بأن اعطينا بعض مثوباتهم ابناءهم فتنتقص مثوبتهم وتنحط درجتهم وانما رفعناهم الى درجتهم ومنزلتهم بمحض التفضل والاحسان .(14/252)
يعنى بلكه بفضل وكرم خود اولاد را رفعت درجة ارزانى فرمودم شيخ الاسلام حسين مروزى ازاستاد خود احمد بن ابى على سرخسى رحمهما الله نقل ميكند كه ايمان وعمل جز بفضل لم يزلى نيست
در فضل خدا بند دل خويش مدام ... تافضل نباشد نبود كار تمام
وسألت خديجة رضى الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ولدين لها ماتا فى الجاهلية فقال عليه السلام « هما فى النار » فكرهت فقال عليه السلام « لو رأيت مكانهما لابغضتهما » قالت فالذى منك قال « فى الجنة ان المؤمنين واولادهم فى الجنة وان المشركين واولادهم فى النار » كما فى عين المعانى وقال الامام محمد ان الامام الاعظم توقف فى اطفال المشركين والمسلمين والمختار ان اطفال المسلمين فى الجنة واما ماروى انه توفى صبى من الانصار فدعى النبى عليه السلام الى جنازته فقالت عائشة رضى الله عنها طوبى له عصفور من عصافير الجنة فقال عليه السلام « او غير ذلك اتعتقدين ماقلت » والحق غير الجزم به ان الله خلق الجنة وخلق النار فخلق لهذه اهلا فانما نهاها عن الحكم على معين بدخول الجنة كما فى شرح المشارق لابن الملك وقال موسى رمضان فى شرح العقائد ولا يشهد بالجنة والنار لاحد بعينه بل يهشد بأن المؤمنين من اهل الجنة والكافرين من اهل النار وكذا اطفالهم تبعا لهم وقيل هم فى الجنة اذلا اثم لهم وقيل هم فى الاعراف و وجهه ان عدم التيقن لعدم العلم بخاتمته واذا مات ولد المؤمن طفلا فخاتمته الايمان لامحالة تبعا لأبيه الا أن يكومن تابعا الخاتمة أبيه وهى غير معلومة انتهى واختار البعض فى اطفال المشركين كونهم خدام اهل الجنة كما فى هدية المهديين والا كثرون على انهم فى النار تبعا لآبائهم وقال آخرون انهم فى الجنة لكونهم غير مكلفين وتوقف فيه طائفة وهو الظاهر كما فى شرح المشارق لابن الملك وبقى قول آخر وهو ان الصبيان المجانين واهل الفترة يرسل اليهم يوم القيامة رسول من جنسهم ويدعون الى الايمان ويمتحن المؤمن بايقاع نفسه فى نار هناك فمن قبل الدعوة ولم يمتنع عن الايقاع المذكور خلص لانها ليست بنار حقيقة والادخل النار اى جهنم وقال الشيخ روز بهان البقلى فىعرآئس البيان عند الآية هذا اذا وقعت فطرة الذرية من العدم سليمة طببة طاهرة صالحة لقبول معرفة الله ولم تتغير من تأثير صحبة الاضداد لقوله عليه السلام(14/253)
« كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه » فاذا بقيت على النعت الاول ووصل الهيا فيض مباشرة نور الحق ولم تتم عليها الاعمال يوصلها الله الى درجة آبائهم وامهاتهم الكبار من المؤمنين اذ هناك تتم ارواحهم وعقولهم وقلوبهم ومعرفتهم بالله عند كشف مشاهدته وبروز انوار جلاله ووصاله وكذلك حال المريدين عند العارفين يبلغون الى درجات كبرآئهم وشيوخهم ما آمنوا بأحوالهم وقبلوا كلامهم كما قال رويم قدس سره من آمن بكلامنا هذا من ورآء سبعين حجايا فهو من اهلنا وقال عليه السلام « من احب قوما فهو منهم » وقال تعالى { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهدآء والصالحين } ولا تعجب من ذلك فانه تعالى مبلغهم الى اعلى الدرجات فاذا كانوا فى منازل الوحشة يصلون الى الدرجات العلية فكيف لايصلون اليها فى مقام الوصلة انتهى .
يقول الفقير يظهر من هذا ان لحوق الابناء الصورية والمعنوية بالآباء فى درجاتهم مشروط بالايمان الشرعى والتوحيد العقلى وليس لاطفال المشركين شىء من ذلك فكيف يلتحقون بأهل الجنة مطلقا فانما يلتحق المؤمن بالمؤمن لمجانسهما واما الايمان الفطرى قلا يعتبر فى دار التكليف وكذا فى دار الجزآء والله اعلم بالاسرار ومنه نرجو الالتحاق بالاخبار { كل امرىء } هرمردى بالغ عاقل مكلف { بما كسب } بانجه كرده باشد ازخير وشر { رهين } دركروست روز قيامت يعنى وابست است بياداش كردار خود وزان رهايى ندارد ويعمل ديكرى مؤاخذه نيست وزن مكلفه نيز همين حكم دارد . كما فى تفسير الكاشفى والرهن مايوضع وثيقه للدين ولما كان الرهن يتصور منه حبسه استعير ذلك للمحتبس اى شىء كان وقال ابن الشيخ ما مصدرية والفعيل بمعنى المفعول العمل الصالح بمنزلة الدين الثابت على المرء من حيث انه مطالب به ونفس العبد مرهونة به فكما ان المرتهن مالم يصل اليه الدين لاينفك منه الرهن كذلك العمل الصالح مالم يصل الى الله لاتتخلص نفس العبد المرهونة فالمعنى كل امرىء مرهون عند الله بالعمل الصالح الذى هو دين عليه فان عمله واداه كما هو المطلوب منه فك رقبته من الرهن والا اهلكها وفى هذا المعنى قال عليه السلام لكعب ابن عجرة رضى الله عنه(14/254)
« لايدخل الجنة لحم نبت من السحت النار اولى به ياكعب بن عجرة الناس صنفان فمبتاع نفسه فمعتقها وبائع نفسه فموبقها » وقال مقاتل كل امرىء كافر بما عمل من الشرك مرهون فى النار والمؤمن لايكون مرتهنا لقوله تعالى { كل نفس بما كسبت رهينة الا اصحاب اليمين } وفى الآية وجه آخر وهو أن يكون الرهين فعيلا بمعنى الفاعل فيكون المعنى كل امرىء بما كسب راهين اى دآئم ثابت مقيم ان احسن ففى الجنة مؤيد او ان اساء ففى النار مخلدا لائن فى الدنيا دوام الاعمال بدوام الاعيان فان العرض لايبقى الا فى جوهر ولا يوجد الا فيه وفى الآخرة دوام الاعيان بدوام الاعمال فان الله يبقى اعمالهم لكونها عند الله من الباقيات الصالحات وما عند الله باق والباقى من الاعيان يبقى ببقاء عمله قال فى الارشاد وهذا المعنى انسب بالمقام فان الدوام يقتضى عدم المفارقة بين المرء وعمله ومن ضرورته أن لاينقص من ثواب الآباء شىء فالجملة تعليل لما قبلها انتهى(14/255)
وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22)
{ وامددناهم } اصل المد الجر واكثر ماجاء الامداد فى المحبوب والمد فى المكروه والامداد بالفارسية مدد كردن مدد دادن . وفى القاموس الامداد تأخير الاجل وان تنصر الاجناد بجماعة غيرك والاعطاء والاغاثة { بفاكهة } هى الثمار كلها { ولحم مما يشتهون } وان لم يصر حوا بطلبه والمعنى وزدناهم على ما كان من مبادى التنعم وقتا فوقتا مما يشتهون من فنون النعماء وضروب الآلاء وذلك انه تعالى لما قال { وما ألتناهم } ونفى النقصان يصدق بايصال المساوى دفع هذا الاحتمال بقوله امددناهم اى ليس عدم النقصان بالاقتصار على المساوى بل بالزيادة على ثواب اعمالهم والامداد وتنوين فاكهة للتكثير اى بفاكهة لاتنقطع كلما اكلوا ثمرة عاد مكانها مثلها وما فى مايشتهون للعموم لانواع اللحمان وفى الخبر « انك لتشتهى الطير فى الجنة فيخرجن بين يديك مشويا » وقيل يقع الطائر بين يدى الرجل فى الجنة فيأكل منه قديدا ومشويا ثم يطير الى النهر(14/256)
يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23)
{ يتنازعون فيها } نزع الشىء جذبه من مقره كنزع القوس من كبدها والتنازع والمنازعة المجاذبة ويعبر بها عن المخاصمة والمجادلة والمراد بالتنازع هنا التعاطى والتداول على طريق التجاذب يعنى تجاذب الملاعبة لفرط السرور المحبة وفيه نوع لذة اذ لايتصور فى الجنة التنازع بمعنى التخاصم والمعنى يتعاطون فى الجنات ويتداولون هم وجلساؤهم بكمال رغبة واشتياق كما ينبىء عنه التعبير بالتنازع وبالفارسية بايكديكر داد وستد كنند دربهشت يعنى بهم دهند وازهم ستانند { كأسا } كاسه مملو ازخمر بهشت . والكأس قدح فيه شراب ولايسمى كأسا مالم يكن فيه شراب كما لاتسمى مائدة مالم يكن عليها طعام والمعنى كأسا اى خمرا تسمية لها باسم محلها ولما كانت الكأس مؤنثة مهموزة انت الضمير فى قوله { لالغو فيها } اى فى شربها حيث لايتكلمون فى اثناء الشرب بلغوا الحديث وسقط الكلام قال ابن عطاء اى لغو يكون فى مجلس محله جنة عدن والساقى فيها الملائكة وشربهم ذكر الله وريحانهم تحية من عند الله مباركة طيبة والقوم اضياف الله قال الراغب اللغو من الكلام مالا يعتد به وهو الذى يورد لا عن روية وفكر فيجرى مجرا اللغا وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور { ولا تأثيم } ولا يفعلون ما يأثم به فاعله اى ينسب الى الاثم لو فعله فى دار التكليف من الكذب والسب والفواحش كما هو ديدن المنادمين فى الدنيا وانما يتكلمون بالحكم واحاسن الكلام ويفعلون مايفعله الكرام لان عقولهم ثابتة غير زآئلة وذلك كسكارى المعرفة فى الدنيا فانهم انما يتكلمون بالمعارف والحقائق قال البقلى وصفهم الله فى شربهم لكاسات شراب وصله بالمنازعة والشوق الى مزيد القرب ثم وصف شرابهم انه يورثهم التمكين والاستقامة فى السكر لايؤول حالهم الى الشطح والعربدة وما يتكلم به سكارى المعرفة فى الدنيا عند الخلق ولايشابه حال أهل الحضرة حال اهل الدنيا من جميع المعانى ثم انه قد يقع الاكل والشرب فى المنام فيسرى حكمه الى الجسد لغلبة الروحانية كما قال بعض الكبار العيش مع الله هو القوت الذى من اكله لايجوع واليه أشار عليه السلام بقوله « انى لست كهيئتكم انى ابيت عند ربى يطعمنى ويسقينى » والمراد بذلك الشبع والرى الذى يعود من ثمرة الاكل والشرب يعنى يبيت جائعا فيرى فى منامه انه يأكل فيصبح شبعانا وقد اتفق ذلك لبعضهم بحكم الارث وبقى رآئحة ذلك الطعام حين استيقظ نحو ثلاثة ايام والناس يشمونها منه واما غير النبى وغير الوارث فاذا رأى انه يأكل استيقظ وهو جيعان مثل مانام فصح قوله صلى الله عليه وسلم « ان المبشرات جزؤ من اجزآء النبوة » انتهى .
يقول الفقير قرب شبعان فى دعواه جيعان فى نفس الامر الاترى حال من اكل فى منامه حتى شبع ثم استيقظ وهو جائع وكذلك حال اهل التلوين فان من شرب شرابا من هذه المعرفة يقع فى الدعاوى العريضة كما شاهدناه فى بعض المعاصرين ولا يدرى ان حاله بالنسبة الى حال اهل التمكين كحال النائم فمن سكر من رآئحة الخمر ليس كمن سكر من شرب نفسها فأين انت من الحقيقة فاعرف حدك ولا تتعد طورك فان التعدى من قبيل اللغو والتأثيم ( قال الخجندى ) از عشق دم مزن جونكشتى شيهد عشق . دعواى اين مقام درست از شهادتست(14/257)
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24)
{ ويطوف عليهم } الطواف المشى حول الشىء ومنه الطائف لمن يدور حول البيوت حافظا اى ويدور على اهل الجنة بالكأس وقيل بالخدمة { غلمان لهم } جمع غلام وهو الطار الشارب اى مماليك مخصوصون بهم لمن يضفهم بأن يقول غلمانهم لئلا يظن انهم الذين كانوا يخدمونهم فى الدنيا فيشفق كل من خدمه احدا فى الدنيا أن يكون خادما له فى الجنة فيحزن لكونه لايزال تابعا وافاد التنكير ان كل من دخل الجنة وجد له خدم لم يعرفهم كما فى حواشى سعدى المفتى { كأنهم لؤلؤ مكنون } حال من غلمان لانهم قد وصفوا اى كأنهم فى البياض والصفاء لؤلؤ مصون فى الصدف لانه رطبا احسن واصفى اذ لم تمسه الايدى ولم يقع عليه غبار وبالفارسية كويا ايشان در صفا ولطافت مروايد يوشيده انددر صدف كه دست كسى بديشان نرسيده . او محزون لانه لايخزن الا الثمين الغالى القيمة قيل لقتادة هذه الخادم فكيف المخدوم فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « والذى نفسى بيده ان فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب » وعنه عليه السلام « ان أدنى اهل الجنة منزلة من ينادى الخادم من خدامه فيجيبه الف ببابه لبيك لبيك »(14/258)
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25)
{ واقبل بعضهم على بعض } وروى مى آرند بعض ازبهشتيان بربعض ديكر { يتساءلون } اى يسأل كل بعض منهم بعضا آخر عن احواله واعماله ما استحق به نيل ماعند الله من الكرامة وذلك تلذذا واعترافا بالنعمة العظيمة على حسب الوصول اليها على ماهو عادة اهل المجلس يشرعون فى التحادث ليتم به استئناسهم فيكون كل بعض سائلا ومسؤلا لا انه يسأل بعض معين منهم بعضا آخر معينا(14/259)
قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26)
{ قالوا } اى المسئولون وهم كل واحد منهم فى الحقيقة { انا كنا قبل } اى قبل دخول الجنة { فى اهلنا } درميان اهل خود يعنى بوديم دردنيا { مشفقين } ارقاء القلوب خائفين من عصيان الله تعالى معتنين بطاعته او وجلين من العاقبة قيد بقوله { فى اهلنا } فان كونهم بين اهليهم مظة الا من فاذا خافوا فى تلك الحال فلأن يخافوا فى سائر الاحوال والاوقات اولى وقال سعدى المفتى ولعل الاولى أن يجعل اشارة الى معنى الشفقة على خلق الله كما ان قوله { انا كنا من قبل ندعوه } اشارة الى التعظيم لا امر الله وترك العاطف لجعل الثانى بيانا للاول ادعاء للمبالغة فى وجوب عدم انفكاك كل منهما على الآخر انتهى .
يقول الفقير الظاهر ان هذا الكلام وارد على عرف الناس فانهم يقولون شأننا بين قومنا وقبيلتنا كذا فهم كانوا فى الدنيا بين قبائلهم وعشائرهم على صفة الاشفاق وفيه تعريض بأن بعض أهلهم لم يكونوا على صفتهم ولذا صاروا محرومني ويدل على هذا ان الاهل يفسر بالازواج والاولاد وبالعبيد والاماء وبالاقارب وبالاصحاب وبالمجموع كما فى شرح المشارق لابن الملك(14/260)
فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27)
{ فمن الله } اى أنعم { علينا } بالرحمة والتوفيق للحق . يقول الفقير الظاهر ان المن والانعام انما هو بالجنة ونعيمها كما دل عليه قوله { ووقانا عذاب السموم } اى حفظنا من عذاب النار النافذة فى المسام اى ثقب الجسد كالمنخر والفم والاذن نفوذ السموم وهى الريح الحارة التى تدخل المسام فأطلق على جنهم لنفوذ حرها فى المسام كالسموم وفى المفردات السموم الريح الحارة التى تؤثر تأثير السم وقال البقلى هذا شكر من القوم فى رؤية الحق سبحانه اى كنا مشفقين من الفراق فى الدنيا والبعد فى يوم التلاق فمن الله علينا ووقانا من ذلك العذاب المحرق المفنى هذا فى اوآئل الرؤية اما اذا استقاموا فى الوصال نسوا ما كان فيهم من ذكر الاشفاق وغيره والاشفاق وصف الارواح والخوف صفة القلوب وقال الجنيد قدس سره الاشفاق ارق من الخوف والخوف اصلب وقال بعضهم الاشفاق للاولياء والخوف لعامة المؤمنين وقال الواسطى قدس سره لاحظوا دعاءهم وشفقتهم ولم يعلموا ان الوسائل قطعت المتوسلين عن حقيقة وحجبت من ادراك من لاوسيلة الا به(14/261)
إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28)
{ انا كنا من قبل } اى من قبل لقاء الهل والمصير اليه يعنون فى الدنيا { ندعوه } اى نعبده او نسأله الوقاية { انه هو البر } اى المحسن { الرحيم } الكثير الرحمة الذى اذا عبد اثاب واذا سئل أجاب قال الراغب البر خلاف البحر وتصور منه التوسع فاشتق منه البر اى التوسع فى فعلى الخير وينسب ذلك تارة الى الله تعالى نحو انه البر الرحيم والى العبد تارة فيقال بر العبد ربه اى توسع فى طاعته فمن الله الثواب ومن العبد الطاعة وذلك ضربان ضرب فى الاعتقاد وضرب فى الاعمال الفرائض والنوافل وبر الوالدين التوسع فى الاحسان اليهما وضده العقوق قال فى شرح الاسماء من عرف انه هو البر الرحيم رجع اليه بالرغبة فى كل حقير وعظيم فكفاه ما أهمه ببره ورحمته وقد قال فى حكم ابن عطاء متى أعطاك أشهدك بره واحسانه وفضله ومتى منعك أشهدك قهره وجلاله وعظمته فهو فى كل ذلك متعرف اليك تارة بجماله واخرى بجلاله ومقبل بوجود لطفه عليك اذ وجه لك مايوجب توجهك اليه ولكن انما يؤلمك المنع لعدم فهمك عن الله فيه اذ لو فهمت عنه كنت تشكره على ما واجهك منه فقد قال ابو عثمان المغربى قدس سره الخلق كلهم مع الله فى مقام الشكر وهم يظنون انهم فى مقام الصبر وقال ابراهيم الخواص قدس سره لايصح الفقر للفقير حتى يكون فيه خصلتان احداهما الثقة بالله والثانية الشكر له فيما زوى عنه من الدنيا مما ابتلى به غيره ولا يكمل الفقير حتى يكون نظر الله له فى المنع أفضل من نظره له فى العطاء وعلامة صدقه فى ذلك أن يجد للمنع من الحلاوة مالا يجد للعطاء والتقرب باسم البر تعلقا وجود محبته لاحسانه وترك التدبير معه لما توجه من اكرامه وكثرة الدعاء كما قال انا كنا من قبل ندعوه انه هو البر الرحيم وتخلقا بالنفع لعباد الله والشفيقة عليهم فان البر هو الذى لايؤذى الذر
وفى التأويلات النجمية واقبل بعضهم يعنى القلب والروح على بعض يعنى النفس يتساءلون قالوا انا كنا قبل اى قبل السير والسلوك فى اهلنا اى فى عالم الانسانية مشفقين اى خائفين من سموم الصفات البهيمية والسبعية والشيطانية والشهوات الدنيوية فانها مهب سموم قهر الحق فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم اى سموم قهره ولولا فضله ماتخلصنا منه بجهدنا وسعينا بل انا كنا من قبل ندعه ونتضرع اليه بتوفيقه فى طلب النجاة وتحصيل الدرجات انه هو البر بمن يدعوه الرحيم بمن ينيب اليه(14/262)
فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29)
{ فذكر } قال ابن الشيخ لما بين الله ان فى الوجود قوما يخافون الله ويشفقون فى أهلهم والنبى عليه السلام مأمور بتذكير من يخاف الله فرع عليه قوله فذكر بالفاء ( وقال الكاشفى ) آورده اندكه جماعتى مقتسمان برعقبات مكه حضرت رسول را عليه السلام نزد قبائل عرب بكهانت وجنون وسحر وشعر منسوب ميساختند وآن حضرت اندوهناك ميشد آيت آمدكه فذكر اى فاثبت على ماأنت عليه من تذكير المشركين بما أنزل اليك من الآيات والذكر الحكيم ولا تكترث بما يقولون مما لاخير فيه من الاباطيل { فما انت بنعمت ربك } نعمت رسمت بالتاء ووقف علهيا بالهاء ابن كثير وابو عمرو والكسائى ويعقوب اى بسبب انعامه بصدق النبوة وزيادة العقل ( وقال الكاشفى ) بانعام بروردكار خود يعنى بحمد الله ونعمته او ما أنت بكاهن حال كونك معنا عليك به فهو حال لازمة من المنوى فى كاهن لانه عليه السلام لم يفارق هذه الحال فتكون الباء للملابسة والعامل هو معنى النفى ويجوز أن يجعل الباء للقسم { بكاهن } كما يقولون قاتلهم الله وهو من يبتدع القول وخبر عما سيكون فى غد من غير وحى وفى المفردات الكاهن الذى يخبر بالاخبار الماضية الخفية بضرب من الظن كالعراف الذى يخبر بالاخبار المستقبلية على نحو ذلك ولكن هاتين الصناعتين مبنيتين على الظن الذى يخطىء ويصيب قال عليه السلام « من أتى عرافا او كاهنا فصدقه بما قال فقد كفر بما أنزل الله على محمد » ويقال كهن فلان كهانة اذا تعاطى ذلك وكهن اذا تخصص بذلك وتكهن تكلف ذلك وفى القاموس كهن له كجعل ونصر وكرم كهانه بالفتح وتكهن تكهنا وتكهينا قضى له بالغيب فهو كاهن والجمع كهنة وكهان وحرفته الكهانة بالكسر انتهى قال ابن الملك فى قوله عليه السلام « من سأل عرافا لم تقبل صلاته اربعين ليلة » العراف من يخبر بما اخفى من المسروق والكاهن واما من سألهم لاستهزآئهم او لتكذيبهم فلا يلحقه ماذكر فى الحديث تقرينة حديث آخر من صدق كاهنا لم تقبل منه صلاة اربعين ليلة فان قلت هذا مخالف لقوله عليه السلام « من صدق كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد » قلت اللائح لى فى التوفيق أن يقال مصدق الكاهن يكون كافرا اذا اعتقد انه عالم بالغيب ولما اذا اعتقد انه ملهم من الله او ان الجن يلقون مما يسمعون من الملائكة فصدقه من هذه فلا يكون كافرا انتهى كلام ابن الملك وفى هدية المهديين من قال اعلم المسروقات يكفر وقال انا اخبر عن اخبار الجن يكفر ايضا لان الجن كالانس لايعلم غيبا { ولا مجنون } وهو من به جنون وهو زوال العقل او فساده
وفى المفردات الجنون الحائل بين النفس والعقل وفى التعريفات الجنون هو اختلاف العقل بحيث يمنع جريان الافعال والاقوال على نهج الغل الا نادرا وهو عند ابى يوسف ان كان حاصلا فى اكثر السنة فمطبق ما دونه فغير مطبوّ
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان طبيعة الانسان متنفرة من حقيقة الدين مجبولة على حب الدنيا وزينتها وشهواتها وزخارفها والجوهر الروحانى الذى جبل على فطرة الاسلام فى الانسان مودع بالقوة كالجوهر فى المعدن فلا يستخرج الى الفعل الا يجهد جهيد وسعى ثم على قانون الشريعة ومتاعبة النبى عليه السلام وارشاده وبعده بارشاد ورثة علمه وهم العلماء الربانيون الراسخون فى العلم من المشايخ المسلكين وفى زمان كل واحد منهم والخلق مع دوى اسلامهم ينكرون على سيرهم فى الاغلب ويستبعدون ترك الدنيا والعزلة والانقطاع عن الخلق والتبتل الى الله وطلب الحق الا من كتب الله فى قلبهم الايمان وأيدهم بروح منه وهو الصدق فى الطلب وحسن الارادة المنتجة من بذر يحبهم ويحبونه وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والا فمن خصوصية طبيعة الانسان أن يمرق من الدين كما يمرق السهم من الرمية وان كانوا يصلون ويصومون ويزعمون انهم مسلمون ولكن بالتقليد لا بالتحقيق اللهم الا من شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه انتهى .(14/263)
يقول الفقير فى الآية تشريف للنبى عليه السلام جدا حيث ان الله تعالى ناب عنه فى الجواب ورد الكافرين بنفسه وهو ايضا تصريح بما علم التزاما فان الامر بالتذكير الذى هو متعلق بالوحى وان كان مقتضاء كمال العل والصدق فى القول يقتضى ان لايكون عليه السلام كاهنا ولا مجنونا فهذا النفى بالنسبة الى ظا هر الحال فانه لايخلوا من دافع الوهم وتمكين التصديق ونظيره كلمة الشهادة فان قله لا اله نفى للوجود المتوهم الذى يتوهمونه والا فلا شىء غير الاثبات فافهم والله المعين
سيدى كزو هم قد رش برترست ... خاك بايش جرخ را تاج سرست(14/264)
أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30)
{ أم يقولون } بلكه مى كويند درحق تو ام المكررة فى هذه الآيات منقطعة بمعنى بل والهمزة ومعنى الهمزة فيها الانكار ونقل البغوى عن الخليل انه قال مافى سورة الطور من ذكر ام كله استفهام وليس بعطف يعنى ليست بمنقطعة وقال فى برهان القرءآن اعاد خمس عشرة مرة وكلها الزامات وليس للمخاطبين بها عنا جواب وفى عين المعانى ام ههنا خمسة عشر وكله استفهام اربعة للتحقيق على التوبيخ بمعنى بل ام يقولون شاعر ام يقولون تقوله وقد قالوهما وام هم قوم طاغون وام يريدون كيدا وقد فعلوهما وسائرها للانكار وفى فتح الرحمن جميع مافى هذه السورة من ذكر ام استفهام غير عاطفة واستفهم تعالى مع علمه بهم تقبيحا عليهم وتوبيخا لهم كقول الشخص لغيره أجاهل أنت مع علمه بجهله { شاعر } اى هو شاعر وقد سبق معنى الشعر والشاعر فى اواخر سورة يس متصلا قال الامام المرزوقى شارح الحماسة تأخر الشعرآء عن البلغاء لتأخر المنظوم عند العرب لان ملوكهم قبل الاسلام وبعده يتحجون بالخطبة وبعدونها اكمل اسباب الرياسة ويعدون الشعر دناءة ولان الشعر كان مكسبة وتجارة وفيه وصف اللئيم عند الطعم بصفة الكريم والكريم عند ت أخر صلته بوصف اللئيم وما يدل على شرف النثر ان الاعجاز وقع فى النثر دون النظم لان زمن النبى عليه السلام زمن الفصاحة كذا ذكره صابح روضة الاخبار فان قلت فاذا كان الاعجاز واقعا فى النثر فكيف قالوا فى حق القرءآن شعر وفى حقه عليه السلام شاعر قلت ظنوا انه عليه السلام كان يرجو الاجر على التبليغ ولذا قال تعالى { ماسألكم عليه من اجر } فكان عليه لاسلام عندهم بمنزلة الشاعر حيث ان الشاعر انما يستجلب بشعره فى الاغلب المال وايضا لما ك انوا يعدون الشعر دناءة حلموا القرءآن عليه و مرادهم عدم الاعتداد به فان قلت كيف كانوا يعدون الشعر دناءة وقد اشتهر افتخارهم بالقصائد حتى كانوا يعلقونها على جدار الكعبة قلت كان ذلك من كمال عنادهم او جريا على مسلك اهل الخطابة من الاوآئل فاعر فان هذا زآئد على مافصل فى سورة يس وقد لاح بالبال فى هذا المقام قال ابن الشيخ قوله ام يقولون الخ من باب الترقى الى قولهم فيه انه شاعر لان الشاعر ادخل فى الكذب من الكاهن والمجنون وقد قيل احسن الشعرا كذبه وكانوا يقولون لانعارضه فى الحال مخافة أن يغلبنا بقوة شعره وانا نصبر ونتربص موته وهلا كه كما هلك من قبله من الشعرآء وحينئذ تتفرق اصحابه وان أباه مات شابا ونحن نرجو أن يكون موته كموت أبيه وذلك كقوله سبحانه وتعالى { نتربص به ريب المنون } التربص الانتظار والريب مايقلق النفوس اى يورث قلقا واضطرابا له من حوادث الدهر وتقلبات الزمان فهو بمعنى الرآئب من قولهم رابه الدهر وأرابه اى اقلقه وقيل سميت ريبا لانها لاتدوم على حال كالريب وهو الشك فانه لايبقى بل هو متزلزل(14/265)
وفى المفردات ريب الدهر صروفه وانما قيل ريب لما يتوهم فيه من المنكر وفيه ايضا الريب ان تتوهم بالشىء امرا مافينكشف عما توهمته ولهذا قال تعالى { لاريب فيه } والارابة أن تتوهم فيه امرا فلا ينكشف عما تتوهمه وقوله نتربص به ريب المنون سماه ريبا لامن حيث انه مشكك فىكونه بل من حيث انه يشكك فى وقت حصوله فالانسان ابدا فى ريب المنون من جهة وقته لامن جهة كونه وعلى هذا قال الشاعر
الناس قد علموا أن لابقاء لهم ... لو انهم عملوا مقدار ماعلموا
انتهى والمنون الدهر والموت والكثير لامتنان كالمنونة والتى تزوجت لما لها فهى تمن على زوجها كالمنانة انتهى وقيل فى الآية المنون الموت وربيه اوجاعه وهو فى الاصل فعول من منه اذا قطعه لان الدهر يقطع القوى والموت يقطع الامانى والعمر وفى المفردات قيل المنون للمنية لانها تنقص العدد وتقطع المدد انتهى وريب منصوب على انه مفعول به والمعنى بل أيقولون ننتظر به نوآئب الدهر فيهلك كما هلك غيره من الشعرآء زهير والنابغة وطرفة وغيرهم او ننتظر اوجاع الموت كما مات ابوه شابا وذلك ما نتمنى الصبيان فى المكتب موت معلمهم ليتخلصوا من يده فويل لمن أراد هلاك معلمه فى الدين وكان محروما من تحصيل اليقين(14/266)
قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31)
{ قل تربصوا فانى معكم من المتربصين } اتربص هلاككم كما تتربصون هلاكى والامر بالتربص للتهديد قال الراغب التربص انتظار الشخص سلعة كان يقصد بها غلاء او رخصا او امرا ينتظر زواله او حصوله انتهى وفيه عدة كريمة باهلاكهم وجاء فى التفسير ان جميعهم ماتوا قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وقع فى زماننا ان بعض الوزرآء اهان بعض الاولياء فأجلاه كان ينتظر هلاكه فهلك قبله هلاكا هائلا حيث قتل وقتل معه الوف وفى لآية اشارة الى التربص فى الامور ودعوة الخلق الى الله والتوكل على الله فيما يجرى على عباده والتسليم لاحكامه فى المقبولين المردودين اذ كل يجزى على ماقضاه الله(14/267)
أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32)
{ ام تأمرهم احلامهم } اى دع تفوههم بهذه الاقوال الزآئغة المتناقضة وفيهم ماهو اقبح من ذلك وهو انهم سفهاء ليسوا مناهل التمييز والاحلام العقول قال الراغب وليس الحلم فى الحقيقة هو العقل لكن فسروه بذلك لكونه من مسببات العقل والحلم ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب { وبهذا } اى بهذا التناقض فى المقال فان الكاهن يكون ذا فطنة ودقة نظر فى الامور والمجنون مغطى عقله مختل فكره والشاعر ذو كلام موزون متسق مخيل فكيف يجتمع هؤلاء فى واحد وامر الاحلام بذلك مجاز عن ادآئها الى التناقض بعلاقة السببية كقوله { اصلاتك تأمرك أن نترك مايعبد آباؤنا } لا انه جعلت الاحلام آمرة على الاستعارة المكنية وفى الكواشى جعلت الحلوم آمرة مجازا ولضعفها جمعت جمع القلة قال فى القاموس الحلم بالضم وبضمتين الرؤيا والجمع احلام والحلم بالكسر الاناة والعقل والجمع احلام وحلوم ومنه ام تأمرهم احلامهم وهو حليم والجمع حلماء واحلام انتهى كان قريش يدعون اهل الاحلام والنهى فأزرى الله بعقولهم حين لم تثمرهم معرفة الحق من الباطل وقيل لعمرو بن العاص رضى الله عنه ما بال قومك لم يؤمنوا وقد وصفهم الله بالعقول فقال تلك عقول كادها الله اى يصحبها التوفيق وفى الخبر « ان الله لما خلق العقل قال له ادبر فأدبر ثم قال لهم اقبل فأقبل » يعنى كفت بوى بشت بركن بشت بركرد بس كفت روى بازكن روى بازكرد . فانى لم اخلق خلقا اكرم على منك بك اعبد وبك اعطى وبك آخذ قال ابو عبد الله المغربى لما قال له ذلك تداخله العجب فعوقب من ساعته فقيل له التفت فلما التفت نظر الى ماهو احسن منه فقال من انت قال أنا الذى لاتقوم الا بى قال ومن أنت قال التوفيق ( وفى المثنوى )
جز عنايت كى كشايد جشم را ... جز محبت نشاند خشم را
جهد بى توفيق خود كس را مباد ... در جهان والله اعلم بالرشاد
روى ان صفوان بن امية فخر على رجل فقال أنا صفوان بن امية بن خلف ابن فلان فبلغ ذلك عمر رضى الله عنه فأرسل اليه وغضب فلما جاء قال ثكلتك امك ماقلت فهاب عمر ان يتكلم فقال عمر ان كان لك تقوى فان لك كرما وان كان لك عقل فان لك اصلا وان كان لك خلق حسن فان لك مروءة والا فأنت شر من الكلب { ام هم قوم طاغون } مجاوزون الحدود وفى المكابرة والعناد مع ظهور الحق لايحومون حول الرشد والسداد ولذلك يقولون مايقولون من الاكاذيب الخارجة عن دائرة العقول والظنون قال ابن الشيخ ثم قيل لابل ذلك من طغيانهم لانه ادخل فى الذم من نقصان العقل وابلغ فى التسلية لان من طغى عل الله فقد باء بغضبه(14/268)
أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)
{ ام يقولون تقوله } هو ترق الى ماهو ابلغ فى كونه منكرا وهو أن ينسبوا اليه عليه السلام انه يختلق القرءآن من تلقاء نفسه ثم يقول انه من عند الله افترآء عليه والتقول تكلف القول ولا يستعمل الا فى الكذب والمعنى اختلق القرءآن من تلقاء نفسه وليس الأمر كما زعموا { بل لايؤمنون } البتة لان الله ختم على قلوبهم وفى الارشاد فلكفرهم وعنادهم يؤمونه بهذه الاباطيل التى لايخفى على احد بطلانها كيف لا وما رسول الله الا واحد من العرب أتى بما عجز عنه كافة الامم من العرب والعجم وفى كون ذلك مبنيا على العناد اشارة الى انهم يعلمون بطلان قولهم وتناقضه(14/269)
فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34)
{ فليأتوا بحديث مثله } اى اذا كان الامر كما زعموا من انه كاهن او مجنون او شاعر ادعى الرسالة وتقول القرءآن من عند نفسه فليأتوا بكلام مثل القرءآن فى النعوت التى استقل بها من حيث النظم ومن حيث المعنى قال فى التكملة المشهور فى القرءآن بحديث مثله بالتنوين فيكون الضمير راجعا الى القرءآن ( وروى ) عن الجحدرى انه قرأ بحديث مثله بالاضافة فيكون الضمير راجعا الى النبى عليه السلام { ان كانوا صادقين } فما زعموا فان صدقهم فى ذلك يستدعى قدرتهم على الاتيان بمثله بقضية مشاركتهم له ع ليه السلام فى البشرية والعربية مع مابهم من طول الممارسة للخطب والاشعار وكثرة المزاولة لأسالسب النظم والنثر المبالغة فى حفظ الوقائع والايام ولاريب فى ان القدرة على الشىء من موجبات الاتيان به ودواعى الامر بذل . واعلم ان الاعجاز اما ا ، يتعلق بالنظم من حيث فصاحته وبلاغته او يتعلق بمعناه ولا يتعلق به من حيث مادته فان مادته الفاظ لعرف والفاظه الفاظهم قال تعالى { قرءآنا عربيا } تنبيها على اتحاد العنصر وانه منظم من عين ماينظمون به كلامهم والقرءآن معجز من جميع الوجوه لفظا ومعنى ومتميز من خطبة البلغاء ببلوغه حد الكمال فى اثنى عشر وجها ايجاز اللفظ والتشبيه الغريب والاستعارة البديعة وتلاؤم الحروف والكلمات وفواصل الآيات وتجانس الالفاظ وتعريف القصص والاحوال وتضمين الحكم والاسرار والمبالغة فى الاسماء والافعال وحسن البيان فى القاصد والاغراض وتمهيد المصالح والاسباب والاخبار عما كان وما يكون(14/270)
أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35)
{ ام خلقوا من غير شىء } من لابتدآء الغاية اى ام احدثوا وقدروا هذا من عبادة وجزآء فمن للسببية ( قال الكاشفى ) آيا أفريده شده اندايشان بى حيزى يعنى بى بدر ومادر مراد آنست كه ايشان آدمى انداز آدميان زاده شده نه جمادندكه تعقل خود نكند { ام هم الخالقون } لأنفسهم فلذلك لايعبدون الله تعالى(14/271)
أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36)
{ ام خلقوا السموات والارض بل لايوقنون } اى اذا سئلوا من خلقلكم وخلق السمواتا الارض قالوا الله وهم غيره موقنين بما قالوا ولا لما اعرضوا عن عبادته تعالى والايقان بى كمان شدن(14/272)
أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37)
{ ام عندهم خزآئن ربك } جمع خزاننة بالكسر وهو مكان الخزن يقال خزن المال احرزه وجعله فى الخزاننة وهو علىحذف المضاف خزآئن رزقه ورحمته حتى يرزقوا البنوة من شاؤوا ويمسكوها عمن شاؤا اى اعندهم خزآئن علمه وحكمته حتى يختاروا لها من اقتضت الحكمة اختياره { ام هم المسيطرون } اى الغالبون على الامور يدبرونها كيفما شاؤا حتى يدبروا امر الربوبية وبينوا الامور على ارادتهم ومشيئتهم وفى عين المعانى اى الارباب المسلطون على الناس فيجبرونهم على ماشاؤا من السطر كأنه يخط للمسلط عليه خطا لايجاوزه وفى كشف الاسرار المسيطر المسلط القاهر الذى لايكون تحت امر احد ونهيه ويفعل مايشاء يقال تصيطر على فلان بالسين والصاد اى سلط انتهى قال فى القاموس المسيطر الرقيب الحافظ والمتسلط والسطر الصف من الشىء الكتاب والشجر وغيرو الخط والكتابة ويحرك فى الكل والصطر بالصاد ويحرك السطر وتصيطر تسيطر(14/273)
أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38)
{ أم لهم سلم } منصوب الى السماء وبالفارسية آيامر ايشانراست نردبانى كه بدان باآسمان بروند قال الراغب السلم مايتوصل به الى الامكنة العالية فيرجى به السلامة ثم جعل اسما لما يتوصل به الى كل شىء رفيع كالسبب قال ابن الشيخ لما ابطل من الاحتمالات العقلية جميع مايتوهم أن يبنوا عليه تكذيبهم وانكارهم لم يبق لهم الا المشاهدة والسماع منه تعالى وهو اظهر استحالة فتهكم به وقال بل ألهم سلم { يستمعون فيه } ضمن يستمعون معنى الصعود فاستعمل بفى وفيه متعلق بمحذوف هو حال من فاعل يستمعن اى يستمعون صاعدين فى ذلك السلم ومفعول يستمعون محذوف اى الى كلام الملائكة وما يوحى اليهم من علم الغيب حتى يعلموا ماهو كائن من الامور التى يتقولون فيها رجما بالغيب ويعلقون بها اطماعهم الفارغة وفى كشف الاسرار فيه عليه كقوله { فى جذوع النخل } اى عليها { فليأت } بس ببايد كه بيارد . فالباء الآتى للتعدية وهو امر تعجيز { مستمعهم } شنونده ايشان كه بر آسمان برفتند وبيغام غيب شنيديد { بسلطان مبين } بحجة واضحة تصدق استماعه وبالفارسية حجتى روشن كه كواه باشد برصدق استماع وى(14/274)
أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39)
{ أم له البنات ولكم البنين } هذا انكار عليم حيث جعلوا الله مايكرهون او تسفيه لهم وتركيك لعقولهم وايذان بأن من هذا رأيه لايكاد يعد من العقلاء فضلا عن الترقى بروحه الى عالم الملكوت والتطلع على الاسرار الغيبية وذلك ان من جعل خالقه ادون حالا منه بأن جعل له مالا يرضى لنفسه كما قال تعالى { واذا بشر احدهم بالانثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم } فانه لم يستبعد منه امثال تلك المقالات الحمقاء والالتفات الى الخطاب لتشديد مافىم المنقطعة من الانكار والتوبيخ(14/275)
أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40)
{ ام تسألهم اجرا } رجوع الى خطابه عليه السلام واعراض عنهم اى بل أتسألهم اجرا على تبليغ الرسالة تاتاوان زده شدند { فهم } لاجل ذلك { من مغرم } من التزام غرامة فادحة بالمغرم مصدر ميمى بمعنى الغرم والمضاف مقدر وفى الكشاف المغرم ان يلتزم الانسان ماليس عليه وفى الفتح الرحمن المغرم مايلزم اداؤه وفى المفردات الغرم ماينوب الانسان من ماله من ضرر بغير جناية منه وكذا والغريم لمن له الدين ولمن عليه الدين انتهى { مثقلون } محملون الثقل وبالفارسية كران بارشوند فلذلك لايتبعونك يعنى لاعذر لهم اصلا والدين لايباع بالنيا
زبان ميكند مرد تفسير دان ... كه علم وادب ميفروشد بنان
فالاجر على الهل تعالى كما قال { ان اجرى الا على الله } وقد سبق تحقيقه فى مواضع متعددة(14/276)
أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41)
{ أم عندهم الغيب } ا الولح المحفوظ المثبت فيه الغيوب { فهم يكتبون } مافيه حتى يتكلموا فى ذلك بنفى او اثبات ( قال الكاشفى ) بس ايشان مى نويسند ازان كه خبر بيغمبر عليه السلام از امر قيامت وبعث باطلست ياكتابت كنندكه موت توكى خواهد بود_@_(14/277)
أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42)
{ ام يريدون كيدا } اى لايكتفون بهذه المقالات الفاسدة ويريدون مع ذلك أن يكيدوا بك كيدا واساءة وهو كيدهم برسول الله عليه السلام فى دار الندوة ومكرهم بالقتل والحبس والاخراج فان الكيد هو الامر الذى يسوء من نزل به سوآء كان فى نفسه حسنا او قبيحا فالاستفهام فى المعطوف للتقرير وفى المعطوف عليه للانكار وقال بعضهم الكيد ضرب من الاحتيال وفى التعريفات الكيد ارادة مضرة الغير خفية وهو من الخلق الحيلة السيئة ومن الله التدبير بالحق لمجازاة اعمال الخلق وقال سعدى المفتى الظاهر انه من الاخبار بالغيب فان السورة مكية وذلك الكيد كان وقوعه ليلة الهجرة فان قيل فليكن نزول الطور فى تلك الليلة قلنا قد ثبت عن ابن عباس رضى الله عنهما انه نزل بعدها بمكة تبارك الملك وغيرها من السور { فالذين كفروا هم المكيدون } القصر اضافى اى هم الذين يحيق بهم كيدهم او يعود عليهم وباله لامن أرادوا أن يكيدوه فانه المظفر الغالب عليهم قولا وفعلا حجة وسيفا او هم المغلوبون فى الكيد من كايدته فكدته والمراد ما أصابهم يوم بدر من القتل يعنى عند انتهاء سنين عدتها عدة كلمة ام وهى خمس عشرة فان غزوة بدر كانت فى الثانية من الهجرة وهى الخامسة عشرة من النبوة(14/278)
أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43)
{ ام لهم اله غير الله } يعينهم ويحرسهم من عذابه { سبحان الله } نزهه تعالى { عما يشركون } اى عن شراكهم فما مصدرية او عن شركة مايشركونه فماموصول والمضاف مقدر وكذا العائد
برذيل عزتش ننشيند غبار شرك ... باوحدتش كسى دم شركت جه سان زند
هركاه افكنند بوصفش خيا را ... دست كمالش آتش غيرت دران زند(14/279)
وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (44)
{ وان يروا كسفا } اى قطعة { من السماء ساقطا } عليهم لتعذيبهم وفى عين المعانى قطعة نم العذاب او من السماء او جانبا منها من الكسف وهو التغطية كالكسوف وفى القاموس الكسفة بالكسر القطعة من الشىء والجمع كسف وكسف وفى المختار وقيل الكسف والكسفة واحد { يقولوا } من فرط طغيانهم وعنادهم { سحاب مركوم } غليظ ومتراكم اى هم فى طغيان بحيث لو اسقطناه عليهم حسبما قالوا او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا لقالوا هذا سحاب تراكم اى القى بعضها على بعض يمطرنا ولم يصدقوا انه كسف ساقط للعذاب وفى التأويلات النجمية يعنى انهم وان يروا كل آية لايؤمنوا بها كما قال تعالى { ولو فتحنا عليهم بابا من السماء } حتى شاهدوا بالعين لقالوا انما سكرت ابصارنا وليس هذا عيانا ومشاهدة(14/280)
فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45)
{ فذرهم } بس دست بدار از ايشان يعنى حرب مكن با ايشان كه هنوز بقتال مامور نيستى ومكافات ايشان بكذار { حتى يلاقوا } يعاينوا وبالفارسية تا وقتى كه بينند معاينه { يومهم } مفعول به لاظرف { الذى فيه يصعقون } اى يهلكون وبالفارسية هلاك كرده شوند وهو على البناء للمفعول من صعقته الصاعقة او من اصعقته اماتته واهكلته مقال فى المختار صعق الرجل بالكسر صعقة غشى عليه وقوله تعالى { فصعق من فى السموات ومن فى الارض } اى مات وهو يوم يصيبهم الصقعة بالقتل يوم بدر لا النفخة الاولى كما قيل اذلا يصعق بها لا من كان حيا حينئذ قال ابن الشيخ المقصود من الجواب عن الاقتراح المذكور بيان انهم مغلوبون بالحجة مبهوتون وان طعنهم ذلك ليس الا للعناد والمكابرة حتى لواجابناهم فى جميع مقترحاتهم لم يظهر منهم الا مايبتنى على العناد المكابرة فلذلك رتب عليه قوله فذرهم بالفاء(14/281)
يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (46)
{ يوم لايغنى عنهم كيدهم شيأ } اى شيأ من الاغناء فى رد العذاب وبالفارسية روزى كه نفع نكند وابز ندارد ازايشان مكر ايشان جيزى را از عذاب . وهو بدل من يومهم { ولا هم ينصرون } من جهة الغير فى رفع العذاب عنهم(14/282)
وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (47)
{ وان الذين ظلموا } اى وان لهؤلاء الظلمة ابى جهل اصحابه { عذابا } آخر { دون ذلك } غير مالا قوه من القتل اى قبله وهو القحط الذى اصابهم سبع سنين كما مر فى سورة الدخان او ورآءه وهو عذاب القبر ومابعده من فنون عذاب الآخرة { ولكن اكثرهم لايعلمون } ان الامر كما ذكر لفرط جهلهم وغفلتهم او لايعملون شيأ اصلا وفيه شارة الى ان منهم من يعلم ذلك وانما يصر على الكفر عنادا فالعالم الغير العامل والجاهل سوآء فعلى العاقل أن يحصل علوم الآخرة ويعمل بها قال بعض الكبار العلم علمان علم تحتاج منه مثل ماتحتاج من القوت فينبغى الاقتصاد والاقتصار على قدر الحاجة منه وهو علم الاحكام الشرعية فلا ينبغى النظر فيه الا بقدر ما تمس الحاجة اليه وفى الوقت فان تعلق تلك العلوم انما هو بالاحوال الواقعية فى الدنيا لاغير وعلم ليس له حد يوقف عنده وهو العلم المتعلق بالله ومواطن القيامة اذ العلم بمواطنها يؤدى العالم بها الى الاستعداد لكلم موطن بما يلق به لان الحق تعالى بنفسه هو المطالب فى ذلك اليوم بارتفاع الوسائط وهو يم الفصل فينبغى للانسان العاقل أن يكون على بصيرة من امره معدا للجواب عن نفسه وعن غيره فى مواطن التى يعلم انه يطلب منه الجواب فيها فلهذا ألحقنا علم مواطن القيامة بالعلم بالله انتهى وفى الآية اثبات عذاب القبر فان الله تعالى يحيى العبد المكلف فى قبره ويرد الحياة اليه ويجعله من العقل فى مثل الوصف الذى عاش عليه ليعقل مايسأل عنه وما يجيب به ويفهم ماأتاه من ربه وما أعد له من كرامة وهوان ولقد قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه لما اخبر عليه السلام بفتنة الميت فى قبره وسؤال منكر ونكير وهما الملكان يارسول الله أيرجع الى عقلى قال « نعم اذا اكفيكهما » والله لئن سألانى لاسألهما واقول لهما انا ربىلله فمن ربكما اتما وانكرت الملحدة ومن نمذهب من الاسلاميين بمذهب الفلاسفة عذاب القبر وانه ليس له ح قيقة وقد رؤى ابو جهل فى جانب مصرعه فى بدر انه خرج من الارض وفى عنقه سلسة من نار يمسك اطرفاها اسود وهو يطلب الماء حتى ادخله الاسود فى الارض بجذب شديد اختلاف احوال العصاة فى عذاب القبر بحسب اختلاف معاصيهم واكثر عذاب القبر فى البول فلا بد من التنزه عنه وسمع البهائم عذاب القبر وانما لم يسمع من يقعل من الجن والانس كان عليه السلام يدعو ويقول « اللهم انى اعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال » وينجى المؤمن من اهوال القبر وفتنته وعذابه خمسة اشاء الاول الرباط فى سبيل الله ولو يوما وليلة . والثانى الشهادة بان يقتل فى سبيل الله . والثالث سورة الملك فان من قرأها كل ليلة لم يضره الفتان . والرابع الموت مبطونا فانه لايعذب فى قبره والمراد بالمبطون صاحب الاسهال والاستطلاق . والخامس الوقت ففى الحديث « من مات يوم الجمعة او ليلة الجمعة وقى فتنة القبر » نسأل الله سبحانه أن يعصمنا من الزلل ويحفظنا من الخلل ويجعلنا فى القبر والقيامة من الآمنين ويبشرنا عند الموت برحمة مه وفضل مبين بجاه النبى الامين والانبياء المرسلين والملائكة المقربين(14/283)
وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)
{ واصبر لحكم ربك } بامهالهم الى يومهم الموعود وابقائك فيما بينهم مع مقاساة الاحزان والشدآئد ولا تكن فى ضيق مما يمكرون .
يقول الفقير امر الله تعالى نبيه عليه السلام بالصبر لحكمه لا لأذى الكفار وجفائهم تسهيلا للامر عليه لان فى الصبر لحكمه حلاوة ليست فى الصبر للاذى والجفاء وان كان الصبر له صبرا للحكم فاعرف { فانك بأعيننا } اى فى حفظنا وحمياتنا بحيث نراقبك ونكلأك وجمع العين لجمع الضمير والايذان بغاية الاعتناء فى الحفظ وبكثرة اسبابه اظهارا للتفاوت بين الحبيب والكليم حيث افرد فيه العين والضمير كما قال { ولتصنع على عينى } وفى التأويلات النجمية اى لاحكم لك فى الازل فانه لايتغير حكمنا الازلى ان صبرت وان لم تصبر ولكن ان صبرت على قضائى فقد جزيت ثواب الصابرين بغير حساب فانك بأعيننا نعينك على الصب لاحكامنا الازلية كما قال تعالى { واصبر ما صبرك الا بالله } وفى عرائس البيان للبقلى ذكر قوله ربك بالغيبة لانه فى مقام تفرقة العبودية والرسالة تقتضى حالة المشقة ولذلك امره بالصبر ولما ثقل عليه الحال نقله من الغيبة الى المشاهدة بقوله { فانك بأعيننا } اى نحفظك من الاعوجاج والتغير فى جريان احكامنا عليك حتى تصبر مستقيما بنالنا فينا ونحن نراك بجميع عيون الصفات والذات بنعت المحبة والعشق ننظر بها اليك شوقا اليك وحراسة لك نحرسك بها حتى لايغيرك غيرها من الحدثان عنا ونرفع بها عنك طوارق قهرنا فانك فى مواضع عيون محبتنا وأنت فى اكناف لطفنا انظر كيف ذكر الاعين وليس فى الوجوه اشرف من العيون ومن احتضن الله كان فى حفظه ومن كان فى حفظه كان فى مشاهدته ومن كان فى مشاهدته استقام ممعه ووصل اليه ومن وصل اليه انقطع عما سواه من انقطع عما سواه عاش معه عيش الربانيين قال بعضهم كنا مع ابراهيم بن ادهم قدس سره فأتاه الناس يا أبا اسحق ان الاسد وقف على طريقنا فأتى ابراهيم الى الاسد وقال له يأبا الحارث ان كنت امرت فينا بشىء فامض لما أمرت به وان لم تؤمر بشىء فتنح عن طريقنا فأدبر الاسد وهو يهمهم والهمهمة ترديد الصوت فى الصدر فقال ابراهيم وما على احدكم اذا اصبح وأمسى ان يقول اللهم احرسنا بعينك التى لاتنام واحفظنا بركنك الذى لايرام وارحمنا بقدرتك علينا فلا نهلك وانت ثقتنا ورجاؤنا وقال الخواص قدس سره كنت فى طريق مكة فدخلت الى خربة بالليل واذا فيها سبع عظيم فخفت فهتف بى هاتف اثبت فان حولك سبعين الف ملك يحفظونك .
يقول الفقير يحتمل ان يكون هذا الحفظ الخواصى بسبب بعض الادعية وكان يلازمه وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم(14/284)
« ان من قال أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ثلاث مرات وقرأ ثلاث آيات آخر سورة الحشر هو الله الذى لا اله الا هو الى آخر السورة حين يصبح وكل الله به سبعين الف ملك يحرسونه وكذلك اذا قرأها حين يمسى وكل الله به سبعين الف ملك يحرسونه » ويحتمل أن يكون ذلك بسبب ان الخواص من احباب الله والحبيب يحرس حبيبه كما روى انه ينزل على قبر النبى عليه السلام كل صباح سبعون الف ملك ويضربون اجنحتهم عليه ويحفظونه الى المساء ثم ينزل سبعون الف غيرهم فيفعلون به الى الصباح كما يفعل الاولون وهكذا الى يوم القيامة { وسبح } اى نزهه تعالى عما لايليقب به حال كونك ملتبسا { بحمد ربك } على نعمائه الفائتة للحصر { حين تقوم } من اى مقام قمت قال سعيد ابن جبير وعطاء اى قل حين تقوم من مجلسك سبحانك اللهم وبحمدك اى سبح الله متلبسا بحمده فان كان ذلك المجلس خيرا ازددت احسانا وان كان غير ذلك كان كفارة له وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه وهو بالغين المعجمة الطاء المهملة الكلام الرديىء القبيح اختلاط اصوات الكلام حتى لايفهم فقال قبل ان يقوم سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا اله أنت استغفرك واتوب اليك كان كفارة لما بينهما » وفى فتح القريب فقد غفر له يعنى من الصغائر مالم تتعلق بحق آدمى كالغيبة وقال الضحاك والربيع اذا قمت الى الصلاة فقل سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا اله غيرك وقال الكلبى هو ذكر الله بالسان حين يقوم من الفراش الى أن يدخل فى الصلاة لما روى عن عصام ابن حميد انه قال سألت عائشة رضى الله عنها بأى شىء يفتتح رسول الله عليه السلام قيام الليل فقالت كان اذا قام كبر عشرا وحمد الله عشرا وسبح وهلل عشرا واستغفر عشار وقال « اللهم اغفر لى واهدنى وارزقنى وعافنى » ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة(14/285)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)
{ ومن الليل فسبحه } افراد بعض الليل بالتسبيح والصلاة لان العبادة فيه اشق على النفس وابعد عن الرياء كما يلوح به تقديمه على الفعل . يقول الفقير ولان الليل زمان المعراج والصلاة هو المعراج المعنى فمن أراد أن يلتحق برسول الله عليه السلام فى معراجه فليصل بالليل والناس نيام اى فى جوفه حين غفلة الناس واشرف ذلك الوقت كان معراجه عليه السلام فيه لاقرب الصباح لان فى قربه قد يستيقظ بعض النفوس للحاجات وان كان السحر الاعلى مماله خواص كثيرة { وادبار النجوم } بكسر الهمزة مصدر ادبر والنجوم جمع نجم وهو الكوكب الطالع يقال نجم نجوما ونجما اى طلع المعنى ووقت ادبارها من آخر الليل اى غيبتها بضوء الصباح وقيل التسبيح من الليل صلاة العشاءين وادبار النجوم صلاة الفجر وفى الآية دليل على ان تأخير صلاة الفجر أفضل لانه امر بركعتى الفجر بعدما ادبر النجوم وانما ادبر النجوم بعد مايسفر قاله ابو الليث فى تفسيره وقال اكثر المفسرين ادبار النجوم يعنى الركعتين قبل صلاة الفجر وذلك حين تدبر النجوم بضوء الصبح وفى الحديث « ركعتا الفجر اى سنة الصبح خير من الدنيا ما فيها وفيه بيان عظم ثوابهما » .
يقول الفقير فى قولهم وذلك حين الخ نظر لان السنة فى سنة الفجر انه يأتى بها فى اول الوقت لان الاحاديث ترجحة فالتأخير الى قرب الفرض مرجوح واول وقتها هو وقت الشافعى وليس للنجوم ادبار اذ ذاك وانما ذلك عند الاستفار جدا وقال سهل قدس سره صل المكتوبة بالاخلاص لربك حين تقوم اليهما ولا تغفل صباحا ولا مساء عن ذكر من لايغفل عن برك وحفظك فى كل الاقاوت
وفى التأويلات النجمية قوله وسبح الخ يشير شالى مداومته على الذكر وملازمته له بالليل والنهار انتهى وقد سبق بيانه فى آخر سورة ق قال بعض الكبار من سوء أدب المريد أن يقول لشيخه اجعلنى فى بالك فان فى ذلك استخداما للشيخ وتهمة له وانظر الى قوله صلى الله علهي وسلم لمن قال له أسألك مرافقتك فى الجنة حيث قال للسائل اعنى على نفسك بكثرة السجود فحوله الى غير ماقصد من الراحة فعلم الرياضة واجب تقديمه على الفتح فى طريق السالكين لا المجذوبين والله عليم حكيم انتهى وفى الحديث « من خاف أن لايقوم من آخر الليل فليوتر اوله ومن نطمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل فان صلاة آخر الليل مشهودة وذلك افضل » .
يقول الفقير كان التهجد فرضا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وانما كان يؤخر الوتر الى آخر الليل اما لما ذكر من شهود الملائكة فى ذلك الوقت واما لان الوتر صلاها عليه السلام اولا ليلة المعراج بعد المنام فناسب فصلها عن العشاء وتأخيرها وفى ختم هذه السورة بالنجوم وافتتاح السورة الآية بالنجم ايضا من حسن الانتهاء والابتدآء ومن الاسار مالا يخفى على اهل التحقيق(14/286)
وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)
{ والنجم } سورة النجم اول سورة اعلن بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهر بقرءآتها فى الحرم والمشركون يستمعون نزلت فى شهر رمضان من السنة الخامسة من النبوة ولما بلغ عليه السلام السجدة سجد معه المؤمنون والمشركون والجن والانس غير ابى لهب فى رواية فانه رفع حفنة من تراب الى جبهته وقال يكفينى هذا فى رواية كان ذلك الوليد بن المغيرة فانه رفع ترابا الى جبهته فسجد عليه لانه كان شيخا كبيرا لا يقدر على السجود وفى رواية وصححت امية بن خلف وقد يقال لامانع أن يكونوا فعلوا ذلك جميعا بعضهم فعل ذلك تكبرا وبعضهم فعل ذلك عجزا وممن فعل ذلك تكبرا ابو لهب ولا يخالف ذلك مانقل عن ابن مسعود رضى الله عنه ولقد رأيت الرجل اى الفاعل لذلك قتل كافار لانه يجوز أن يكون المراد بقتل مات وانما سجد المشركون لان النبى عليه اسلام لما بلغ الى قوله أفرأيتم اللات والعزى ومنات الثالثة الاخرى الحق الشيطان به قوله تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى كما سبق فى سورة الحج فسمعه المشركون وظنوا انه من القرءآن فسجدوا لتعظيم آلهتهم ومن ثم عجب المسلمون من سجود المشركين من غير ايمان اذهم لم يسمعوا مالقى الشيطان فى آذان المشركين وأرادوا بالغرانيق العلى الاصنام شبهت الاصنام بالغرانيق التى هى طائر الماء جمع غرنوق بكسر الغين المعجمة اسكان الرآء ثم النون المفتوحة او غرنوق بضم الغين والنون ايضا او غرنيين بضم الغين وفتح النون وهو طير طويل العنق وهو الكركى او مايشبهه ووجه الشبه بين الاصنم وتلك الطيور ان تلك الطيور تعلو وترفع فى السماء فالاصنام ممشبهة بها فى علو القدر وارتفاعه قال بعضهم والنجم اول سورة نزلت جملة كاملة فيها سجدة فلا ينافى ان اقرأ باسم اربك او سورة نزلت فيها سجدة لان النازل منها او آئلها ولامجموعها دفعه والواو للقسم . اصحاب معانى كفتند قسم درقرآن بردرو وجه است يكى قسم بذات وصفات خالق جل جلاله جنانكه فوربك فبعزتك والقرءآن المجيد وهمجنين حروف تهجى در اوائل سور هر حرفى اشارتست بصفتى از صفات حق وقسم بران ياد كرد ، وجه دوم قسمست بمخلوقات وآن برجهار ضربست بكى اظهار قدرت راجنانكه والذاريات والمرسلات والنازعات هذا وامثاله نبه العباد على معرفة القدرة فيها ديكر قسم برستاخبز اظهار هيبت را كقوله { لا اقسم بيوم القيامة } أقسم بها ليعلم هيبته فيها سوم قسم باد ميكند اضهار نعمت را تا بندكان نعمت خود ازالله بشناسند وشكر آن بكذارند كقوله { والتين والزيتون } جهارم قسم است ببعض مخلوقات بيان تشريف را تا خلق عز وشرف آن جيز بداننكه قسم بودى ياد كرده كقوله(14/287)
{ لا أقسم بهذا البلد } يعنى مكة وكذلك قوله { وطور سينين وهذا البلد الامين } ومن ذلك قوله للمصطفى عليه السلام لعمرك وهذا على عادة العرب فانها تقسم بلك ماتستعظمه وتريد اظهار تعظيمه وقيل كل موضع أقسم فيه بمخلوق فالرب فيه مضمر كقوله والنجم ورب النجم ورب الذاريات واشباه ذلك والمراد بالنجم اما الثريا فانه اسم غالب عليها ومنه قوله عليه السلام « ماطلع النجم فقط وفى الارض من العاهة شىء الا رفع » يريد بالنجم الثريا باتفاق العلماء وقال السهيلى رحمه الله وتعرف الثريا بالنجم ايضا وبألية الحمل لانها تطلع بعد بطن الحمل وهى سبعة كواكب ولايكاد السابع منها لخفائه وفى الحقيقة انها اثنا عشرى كوكبا وان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يراها كلها القوة جعلها الله فى بصره وقال فى عين المعانى وهى سبعة انجم ظاهرة والسابع تمتحن به الابصار وكانت قريش تبجلها وتقول احسن النجم فى السماء الثريا والثريا فى الارض زين السماء و كانت رحلتاها عند طلوعها و سقوطها فاذا طلعت بالغداة عدوها من الصيف واذا طلعت بالعشى عدوها من الشتاء قال الشاعر
طلع النجم غديه ... ابتغى الراعى شكيه
واما جنس النجم وهو به كما قال تعالى { اذا هوى } غربه وطلوعه يقال هوى يهوى من الثانى هويا بوزن قبول اذا غرب فان الهوى سقوط من علو الى اسفل وهويا بوزن دخول اذا علا وصعد والعامل فى اذا القسم اى أقسم فانه بمعنى مطلق الوقت منسلخ عن معنى الاستقبال كما فى قولك آتيتك اذا احمر البسر فلا يلزم عمل فعل الحال فى المستقبل يعنى ان فعل القسم انشاء والانشاء حال واذا لما يستقبل من الزمان فيكون المعنى أقسم الآن بالنجم وقت هوى بعد هذا الزمان ثم ان الله تعالى أقسم بالنجم حين هوى اى وقت هويه لان شأنه أن يهتدى به السارى الى مسالك الدنيا كأنه قيل والنجم الذى يهتدى به السابلة فى البر والجارية فى البحر الى سوآء السبيل والسمت(14/288)
مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2)
{ ماضل صاحبكم } هو جواب القسم اى ماعدل عن طريق الحق الذى هو مسلك الآخرة وهذا دليل على ان قوله { ووجدك ضالا } ليس من ضلال الغى فانه عليه اسلام قبل الوحى وبعده لم يزل يعبد ربه ويوحده ويتوقى مستقبحات الامور وفى بيان فضل النبى عليه السلام حيث ان الله تعالى قال فى حق آدم عليه السلام { وعصى آدم ربه فغوى } وقال فى حقه ماضل صاحبكم { وما غوى } الغى هو الجهل المركب قال الراغب الغى جهل من اعتقاد فاسد وذلك ان الجهل قد يكون من كون الانسان غير معتقد اصلا لاصلاحا ولا فسادا وقد يكون من اعتقاد شىء فاسد وهذا الثانى يقال له غى فعطفه على ماضل من عطف الخاص على العام للاهتما بشأن الاعتقاد بمعنى انه فرق بين الغى والضلال وليسا بمعنى واحد فان الغواية هى الخطأ فى الاعتقاد خاص والضلال اعم منها بتناول الخطأ فى الاقوال والافعال والاخلاق والعقائد التى شرعها الله وبينها لعباده فالمعنى وما اعتقد باطلا قط اى هو فى غاية الهدى والرشد وليس مما تتوهمونه من الضلال والغواية فى شىء اصلا وكانوا يقولون ضل محمد عن دين آبائه وخرج عن الطريق وتقول شيأ من تلقاء نفسه فرد الله عليهم بنفسه بتنزيل هذه السورة تعظيما له والخطاب لقريش وايراده عليه السلام بعنوان صاحبيته لهم للايذان بوقوفهم على تفاصيل احواله واحاطتهم خبرا ببرآءته عليه السلام مما نفى عنه بالكلية وباتصافه بغاية الهدى والرشاد فان طول صحبتهم له مشاهدتهم محاسن شؤونه العظيمة مقتضية لذلك حتما كما فى الارشاد ( وقال الكاشفى ) وتسميه صاحب بجهت آنست كه حضرت بيغمبر عليه السلام مأمور بود بصحبت كافران فى جهت دعوت ايشان . ويؤيد مافى الارشاد قول الراغب فى المفردات لايقال الصاحب فى العرف الا لمن كثرت ملازمته وقوله تعالى { ثم تتفكروا مابصاحبكم من جنة } سمى النبى عليه السلام صاحبهم تنبيها اى انكم صحبتموه وجربتموه وعرفتم ظاهره وباطنه ولم تجدوا به خبلا وجنة وتقييد القسم بوقت الهوى لان النجم لايهتدى به السارى عند كونه فى وسط السماء ولا يعلم المشرق من المغرب ولا الشمال من الجنوب وانما يهتدى به عند هبوطه او صعوده مع مافيه من كمال المناسبة لما سيحكى من تدلى جبريل من الافق الا على ودنوه منه عليهما السلام وقال سعدى المفتى ثم التقييد بوقت الهوى اى الغروب لكونه اظهر دلالة على وجود الصانع وعظيم قدرته كما قال الخليل عليه السلام لا أحب الآفلين قال بان الشيخ فى حواشيه وفيه لطيفة وهى ان القسم بالنجم يقتضى تعظيمه وقد كان فهيم من يعبده فنبه بهويه على عدم صلاحيته للالهية بافوله وقيل خص الهوى دون الطلوع فان لفظه النجمدلت على طلوعه فان اصل النجم الكوكب الطالع وقال الامام جعفر الصادق رضى الله عنه أراد بالنجم محمد عليه السلام اذا نزل ليلة المعراج والهوى النزول .(14/289)
كفته اند آن روز كه اين آيت فرو آمد ورسول خدا برقريش آشكارا اكرد عتبة بن ابى لهب كفت كفرت برب النجم اذا هوى وبالذى دنا فتدلى ودختر رسول عليه السلام زن او بود طلاق داد رسول خدا دعا كرد كفت اللهم سلط عليه كلبا من كلابك بعد ازان عتبة بتجارت شام رفت بابدر خويش ابو لهب در منزلى ازمنازل راه فروآمدند وآنجا ديرى بود راهبى ازدبر فرو آمد وكفت هذه ارض مسبعة درين منزل سباعه فراوان بود نكريد تاخويش را از سباع نكاه داريد ابو لهب اصحاب خويش را كفت اين بسر مرا نكاه داريد كه من مى ترسم كه دعاى محمد دروى رسد ايشان همه كردوى در آمدند واورا درميان كرفتند وباس اومى داشتند درميانه شب رب العالمين خواب برايشان افكند وشير بيامد وباشيان در كذشت ولطمه برعتبه زد واورا هلاك كرد . ولم يأكله لنجاسته ويحتمل من التأويل المصلى اذا سجد والغازى اذا قتل شهيدا والعالم اذا مات ووضع فى قبره فان هؤلاء نجوم والاخبار ناطقة بها قال عليه السلام « علماء امتى كالنجوم بها يهتدى فى البر والبحر » وقال امام الغزالى رحمه الله هم الصحابة اذا ماتوا لقوله عليه السلام « اصحابى كالنجوم بأيهم اقديتم اهتديتم » وعلماء الاسلام لقوله عليه السلام « العلماء نجوم الارض » قال بعضهم هو قسم بنور المعرفة اذا وقع فى القلب قال تعالى { مثل نوره كمشكاة فيها مصباح } ( وقال الكاشفى ) ونزد محققان سوكند ياد كرد بستاره دل حضرت محمد عليه السلام برفلك توحيد منقطع شد ازما سوى الله تعالى . وايضا أقسم الله بنجم الهام حين سقط من صحائف الغيوب الى معادن القلوب
وفى التأويلات النجمية قال الاخفش النجم نبت لاساق له فيكون هويه سقوطه على الارض كما قال { والنجم الشجر يسجدان } يشير الى ان الله تعالى ينبت حبة المحبة الدآئمة المنزهة عن التغير المقدسة عن التبدل التى وقعت وسقطت من روض سماء ذاته المطلقة الكلية الجمعية الاحاحية فى ارض قلب نبيه وحبيبه القابل لانبات نباتات الولاية والنبوة والرسالة الموجبات لظهور رياحين الحقائق القرءآنية وشقائق التجليات الربانية وازهار التنزلات الحقانية وعرارا للطائف الاحسانية العرفانية كالمشاهدات المكاشفات والمعاينات وامثالها وجواب القسم ماضل صاحبكم وما غوى وبه يشير الى ان وجود النبى عليه السلام لما كان اول نور وحدانى بسيط علوى لطيف شعشعانى تجلى به الحق وتعلقت به القدرة القديمة الازلية من غير واسطة كما اخبر عنه بقوله « أنا من الله والمؤمنون منى »(14/290)
وليست فيه ظلمة الوسائط الامكانية الموجبة للضلالة المنتجة للغى بل هو على نوريته الاصلية البسيطة الشعشعانية المقتضية للهدى والتقوى المستدعية للرشد والنهى باق كما هو ماأثرت فيه مصاحبتكم الطبيعية ولا مخالطتكم الصورية العنصرية وما ضل بأمر الطبيعة وماغوى بحكم البشرية فانه صلى الله عليه وسلم قائم بالحق خارج عن الطبع كما اخبر عن نفسه الشريفة القدسية بقوله « لست كأحدكم ابيت عند ربى يطعمننى ويسقينى » وهذا يدل على قيامه بالحق وخروجه عن الطبع واحكامه انتهى .
يقول الفقير امده الله القدير لفظ النجم نون هى خمسون بحساب ابجد وجيم هى ثلاثة فالمجموع ثلاثة وخمسون وميم هى اربعون فأشار الى ان النبى عليه السلام بعث عند الاربعين وجعل خاتم الانبياء والمرسلين ومكث فى ممكة بعد النبوة ثلاثة عشرة سنة والمجموع ثلاثة وخمسون وقد سماها الله تعالى بالنجم فى هذه الآية كما سماه سراجا منيرا فى آية اخرى لانه يستضاء بنور وجهه وضياء علمه وهداه وهوى هذا النجم العالى غربوه من مكة بعد المدة المذكورة وهجرته الى المدينة ولذا اقسم الله ع لى عدم ضلاله وغيه لانه فى غروبه ذلك وحركته راشد مهدى حيث كان يأمر الله تعالى واذنه فلما غرب من مكة اظلمت الدنيا على قريش وصاروا فى ظلمة شديدة ولما طلع على المدينة اشرقت الارض على المؤنين حتى انهم وقعوا فى البدر التام فى السنة الثانية من الهجرة حيث نورهم الله تحت لوآء حبيبه بنرو النصرة على الاعدآء ببدر وصار حال الاعدآء الى ظلمة العدم وبهذا يظهر سر قوله تعالى { وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } وسر قوله عليه السلام « لاتقوم الساعة حتى لايقال فى الارض الله الله » اى ينقطع اهل الذكر المتصل كان هو النبى عليه السلام فى مكة وبخروجه عنها بمفارقته عن ارضها واصرار القوم على الشرك والعناد وقع علهيم الطامة الكبرى ببدر كما تقوم الساعة عند انقطاع اهل الذكر الدآئم من الارض ففيه الناس يعنى الناسين لايعرفون قدر اهل الذكر والحضور فيما بينهم بل يعادونهم ويؤذونهم مع ان فى ذلك هلاكهم لانهم ملكوتهم وبانقطاع الملكوت والارواح عن الملك والاجسام يزول الملك وتخرب الاجسام لانقطاع سبب البقاء ومن هنا قالوا ان لله رجالا متصرفين فى اقطار الدنيا ولو فى دار الحرب فانه لابد للوجود من فيض البقاء والامداد امدنا الله واياكم بمزيد فضله وجوده وشرفنا بوصاله وشهده بحرمة النجم وهويه وسجوده امين امين(14/291)
وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)
{ وماينطق عن الهوى } يقال نطق ينطق نطقا ومنطقا ونطوقا تكلم بصوت وحروف يعرف بها المعانى كما فى القاموس فلا يستعمل فى الله تعالى لان التكلم بالصوت والحروف من خواص المخلوق والهوى مصدر هويه من باب علم اذا احبه واشتهاه ثم غلب على الميل الى الشهوات والمستلذات من غير داعية الشرع ومنه قيل صاحب الهوى للمبتدع لانه مائل الى مايهواه فى امر الدين فالهوى هو الميل المخصوص المذموم ولهذا انهى الله انبياءه فقال لداود عليه السلام ولا تتبع الهوى ولنبينا عليه السلام ولا تتبع اهوآءهم ولم يمل احد من الانبياء اليه بدليل قوله عليه السلام « ماطلى نبى قط » يقل اطلى الرجل اذا مال الى هواه ( حكى ) عن بعض الكبار انه قال كنت فى مجلس بعض الغافلين فتكلم الى أن قال لامخلص لاحد من الهوى ولو كان فلانا عنى به النبى عليه السلام حيث قال حبب الى من ديناكم ثلاث الطيب والنساء وقرة عينى فى الصلاة فقلت له اما تستحيى من الله تعالى فانه ماقال احببت بل قال حبب فكيف يلام العبد على ما كان من عند الله تعالى ثم حصل لى غم وهم افرأيت لنبى عليه السلام فى المنام فقال لا تغتم فقد كفينا امره ثم سمعت انه خرج ضيعة له فقتل فى الطريق نعوذ بالله من الاطالة على الانبياء وورثتهم الاولياء وضمن ينطق معنى الصدور فتعدى بكلمة عن فالمعنى ومايصدر نطقه بالقرءآن عن هواه ورأيه اصلا فان المراد استمرار نفى النطق عن الهوى لان فى استمرار النطق عنه وقد قال عن هنا بمعنى الباء اى وما ينطق بالهوى كما يقال رميت عن القوس اى بالقوس وفى التنزيل وما نحن بتاركى آلهتنا عن قولك اى بقولك قال ابن الشيخ قال اولا ماضل وما غوى بضيغة الماضى ثم قال وما ينطق عن الهوى بصيغة المستقبل بيانا لحاله قبل البعثة وبعدها اى ماضل وما غوى حين اعتزلكم ما تبعدون قبل أن يبعث رسولا وماينطق عن الهوى الآن حين يتلوا عليكم آيات ربه انتهى .
يقول الفقير فيه بعد كما لايخفى والظاهر ان صيغة الماضى باعتبار قولهم قد ضل وغوى اشارة الى تحقق ذلك فى زعمهم واما صيغة المضارع فباعتبار تجدد النطق فى كل حال والله اعلم بكل حال(14/292)
إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)
{ ان هو } اى مالذى ينطق به من القرءآن { الا وحى } من الله تعالى { يوحى } اليه بواسطة جبريل عليهما السلام وهو صفة مؤكدة لوحى رافعه لاحتمال المجاز مفيدة للاستمرار التجددى يعنى ان فائدة الوصف التنبيه علكى انه وحى حقيقة لا انه يسمى به مجازا والوحى قد يكون اسما بعمنى الكتاب الالهى وقد يكون مصدرا وله معان الارسال والالهام والكتابة والكلام والاشارة والافهام وفيه اشارة الى ان النبى عليه السلام قد فنى عن ذاته وصفاته وافعاله فى ذات الكله وصفاته وافعاله بحيث لم يبق منه لا اسم ولا رسم ولا اثر ولاعين فكان ناطقا بنطق الحق لاينطق البشرية فلا يتوهم فيه ان يجرى عليه الخطرات الشيطانيةن والهواجس النفسانية ولذا قالوا مايصدر مع الواصل شريعة اذ هو محفوظ كما ان البنى عليه السلام معصوم قال بعض الكبار من وضع من الفقرآء وردا من غير الوارد فى السنة فقد اساء الأدب مع الله ورسوله الا أن يكون ذلك بتعريف من الله تعالى فيعرفه خصائص كلمات يجمعها فيكون حينئذ ممتثلا لامخترعا وذلك مثل حزب البحر للشاذلى قدس سره فانه سفر فى بحر القلزم مع نصرانى يقصد الحج فتوقف عليه الريح اياما فرأى النبى عليه السلام فى مبشرة فلقنه اياه فقرأه وأمر النصرانى بالسفر فقال واين الريح فقال افعل فانه الآن يأتيك فكان الامر كما قال واسلم النصرانى بعد ذلك وقس عليه الالهام والتعريف فى اليقظة وقد اخبر ابو زيد البسطامى قدس سره انه يولد بعد وفاته بمدة طويلة نفس من انفاس الله وهو الشيخ ابو الحسن الخرقانى قدس سره فكان كما قال ( وكذا قال صاحب المثنوى )
لوح محفوظست اورا بيشوا ... ازجه محفوظست ازخطا
نى نجومست ونى رملست ونه خواب ... وحى حق والله اعلم بالصواب
از بى روبوش عامة در بيان ... وحى دل كويند اورا صوفيان
حى دل كيرش كه منظر كاه است ... جون خطا باشد جو دل آكاه اوست
مؤمنا ينظر بنور الله شدى ... از خطا وسهو ايمن آمدى(14/293)
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)
{ علمه } اى القرءآن الرسول اى نزل به عليه وقرأه عليه وبينه له هذا على أن يكون الوحى بمعنى الكتاب وان كان بمعنى الالهام فتعليمه بتبليغه الى قلبه فيكون كقوله { نزل به الروح الامين 0على قلبك } { شديد القوى } منا اضافة الصفة الى فاعلها مثل حسن الوجه والموصوف محذوف اى ملك شديد قواه وهو جبريل فانه الواسطة فى ابدآء الخوارق ويكفيك دليلا على شدة قوته انه قلع قرى قوم لوط من الماء الاسود الذى تحت الثرى وحملها على جناحه ورفعها الى السماء حتى سمع اهل السماء نباح الكلام وصياح الديكة ثم قلبها وصاح بثمود صيحة فاصبحوا جاثمين ورأى ابليس يكلم عيسى عليه السلام على بعض عقبات الارض المقدسة فنفخه نفخة بجناحه يعنى بادزد ويرا بجناح خود بادى وألقاء فى اقصى جبل فى الهند وكان هبوطه على الانبياء عليهم وصعوده فى اسرع من رجعة الطرف(14/294)
ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6)
{ ذو مرة } اى حصافة يعنى استحكام فى عقله ورأيه ومتانة فى دينه قال الراغب امررت الحبل اذا فتلته والمرير والممر المفتول ومنه فلان ذو مرة كأنه محكم الفتل وفى القاموس المرة بالكسر قوة الخلق وشدة والجمع مرر وامرار والعقل والاصالة الاحام والقوة وطاقة الحبل كالمريرة وذو مرة جبريل عليه السلام والمريرة الحبل الشديد الفتل { فاستوى } عطف على علمه بطريق التفسير فانه الى قوله { ماوحى } بيان لكيفية التعليم اى فاستقام جبريل واستقر على صورته التى خلقه الله عليها وله ستمائة جناح موشحا اى مزينا بالجواهر دون الصورة التى كان يتمثل بها كلما هبط بالوحى كصورة دحية امير العرب وكما اتى ابراهيم عليه السلام فى صورة الضيف وداود عليه السلام فى صورة الخصم وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم احب أن يراه فى صورته التى جبل عليها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبل حرآء وهو الجبل المسمى بجبل النور فى قرب مكة فقال ان الارض لاتسعنى لكن انظر الى السماء فطلع جبريل من المشرق فسد الارض من المغرب وملأ الافق فخر رسول الله كما خر موسى فى جبل الطور فنزل جبريل فى صورة الآدميين فضمه الى نفسه وجعل يمسح الغبار عن وجهه وذلك فان الجسد وهو فى الدنيا لايتحمل رؤية ماهو خارج عن طور العقل فمنها رؤية الملك على صورة جبل عليها واعظم منها رؤية الله تعالى فى هذه الدار قيل مارآه احد من الانبياء فى صورته غير نبينا عليه السلام فانه رآه فيها مرتين مرة فى الارض مرة فى السماء ليلة المعراج عند سدرة المنتهى لما سيأتى ( وروى ) ان حمزة بن عبدالمطلب رضى الله عنه قال يارسول الله أرنى جبرآئيل فى صورته فقال انك لا تستطيع أن تنظر اليه قال بلى يارسول الله أرينه فقعد ونزل جبرآئيل فى صورته على خشبة فى الكعبة كان المشركون يضعون ثيابهم عليها اذا طافوا فقال عليه السلام ارفع طرفك ياحمزة فانظر فرفع عينيه فاذا قدماه كالزبرجد الاخضر فخر مغشيا عليه ( وروى ) انه رآه على فرس والدنيا بين كلكها وفى وجهه اخدود من البكاء لو ألقيت السفن فيه لجرت انما رآه عليه السلام مرتين ليكمل له الامر مرة فى عالم الكون والفساد واخرى فى المحل الأنزه الأعلى وانما قام بصورة ليؤكدان مايأتيه فى صورة دحية هو هو فانه اذا رآه فى صورة نفسه عرفه حق معرفته ولم يبق عليه اشتباه بوجه ماوفى كشف الاسرار فان قيل كيف يجوز أن يغير الملك صورة نفسه وهل يقدر غير الله على تغيير صورة المخلوقين وقد قلتم ان جبرآئيل أتى رسول الله مرة فى صورة رجل ومرة فى صورته التى ابتدأه الله عليها وان ابليس أتى قريشا فى صورة شيخ من اهل نجد فالجواب عنه تغيير الصور الذى هو تغيير التركيب والتأليف لايقدر عليه الا الله واما صفة جبرآئيل ففعل الله تعالى تنبيها للمصطفى عليه السلام وليعلم انه امر من الله اذرآه فى صور مختلفة فان ذلك لايقدر عليه الا الله وهو ان يراه مرة قد سد الافق واخرى يجمعه مكان ضيق واما ابليس فكان ذلك منه تخييلا للناظرين وتمويها دون التحقيق كفعل السحرة بالعصى والحبال قال الله تعالى(14/295)
{ فاذا حبالهم وعصيهم يخيل اليه من سحرهم انها تسعى } انتهى مافى الكشف وقال فى آكام المرجان قال القاضى ابو يعلى ولا قدره للشياطين على تغيير خلقهم والانتقال فى الصور اى صور الانس والبهائم والطير واما يجوز ان يعلمهم الله تعالى كلمات وضربا من ضروب الافعال اذا فعله وتكلم به نقله الله من صورة الى صورة فيقال انه قادر على التصور والتخييل على معنى انه قادر على قول اذا قاله او على فعل اذا فعله نقله الله من صورته الى صورة اخرى بجرى العادة واما يصور نفسه فذلك محال لان انتقالها من صورة الى صورة انما يكون بنقض البنية وتفريق الاجزآء واذا انتقضت بطل الحياة واستحال وقوع الفعل من الجملة فكيف ينقل نفسه قال والقول فى تشكيل الملائكة من ذلك انتهى وقال والهى الاسكوبى فيه ان من قال تمثل جبريل وتصور ابليس ليس مراده انهما احدثا تلك الصورة والمثال عن قدرة انفسهما بل باقدار الله على التمثيل والتصوير كيف يشاء فلا منافاة بين القولين غاية مافى الباب ان لعامل عن طريق اقدار الله به من الاسباب المخصوصة انتهى وقال فى انسان العيون فان قيل اذا جاء جبريل على صورة الآدمى دحية اوغيره بل هيى الروح تتشكل بذلك الشكل وعليه على يصير جسده الاصلىحيا من غير روح او ميتا اجيب بأن الجائى يجوز أن لايكون هو الروح بل الجسد لانه يجوز ان الله تعالى جعل الملائكة قدرة على التطور والتشكل بأى شكل أرادوه كالجن فيكون الجسد واحدا ومن ثمة قال الحافظ ابن حجر ان تتمثل الملك رجلا ليس معناه ان ذاته انقلبت رجلا بل معناه انه ظهر بتلك الصورة تأنيسا لمن يخاطبه والظاهر ان القدر الزآئد لايزول ولا يفنى بل يخفى على الرآئى فقط واخذ من ذلك بعض غلاة الشيعة انه لامانع ولا بعد ان الحق تعالى يظهر فى صورة على واولاده الاثنى عشر رضى الله عنهم ويجوز ان يكون الجسد للملك متعددا وعليه فمن الممكن ان يجعل الله لروح الملك قوة يقتدر بها على التصرف فى جسد آخر غير جسدها المعهود مع تصرفها فى ذلك الجسد المعهود كما هو شأن الابدال لانهم يرحلون الى مكان ويقويمون فى مكانهم شبحا آخر شبيها لشبحهم الاصلى بدلا منه وقد ذكر ابن السبكى فى الطبقات ان كرامات الاولياء انواع وعد منها ان يكون له اجساد متعددة قال وهذا هو الذى يسميه الصوفية بعالم المثال ومنه قصة قضيب البان وغيره اى كواقعة الشيخ عبدالقادر الطبحطوطى فقد ذكر الجلال السيوطى انه رفع اليه سؤال فى رجل حلف بالطلاق ان ولى الله الشيخ عبدالقادر الطبحطوطى بات عنده ليلة كذا فحلف آخر بالطلاق انه بات عنده تلك الليلة بعينها فهل يقع الطلاق على احدهما فأرسلت قاصدى الى الشيخ عبدالقادر فسأله عن ذلك فقال لوقال اربعون انى بت عندهم لصدقوا فأفتيت بأنه لاحنث على واحد منهما لان تعدد الصور بالتخيل التشكل ممكن كما يقع ذلك للجان قال الشعرانى واخبرنى من صحب الشيخ محمد الخضرى انه خطب فى خمسين بلدة فى يوم واحد خطبة الجمعة وصلى بهم اماما واما الشيخ حسين ابو على المدفون بمصر المحروسة فأخبرنى عنه اصحابه ان التطور كان دأبه ليلا ونهارا حتى فى صور السباع والبهائم ودخل عليه بعض اعدآئه ليقلتوه فوجدوه فقطعوه بالسيوف ليلا ورموه على كوم بعيد ثم اصبحوا فوجدوه قائما يصلى وفى جواهر الشعرانى وصورة التطور ان يقدر الله الروح على تدبير ماشاءت من الاجسام المتعددة بخلعة كن فللاولياء ذلك فى الدنيا بحكم حرق العادة اما فى الآخرة فان نفس نشأة اهل الجنة تعطى ذلك فيدبر الواحد الاجسام المتعددة كما يدبر الروح الواحد سائر اعضاء البدن فتكون تسمع وأنت تبصر وتبطش وتمشى ونحو ذلك وفى الفتوحات المكية والذى اعطاه الكشف الصحيح ان اجسام اهل الجنة تنطوى فى ارواحهم فتكون الارواح ظروفا للاجسام عكس ماكانت فى الدنيا فيكو الظهور والحكم فى الدار الآخرة للجسم لا للروح ولهذا يتحولون فى ايى صورة شاؤا كما هو اليوم عندنا للملائكة وعالم الارواح انتهى وفى انسان العيون عالم المثال عالم متوسط بين عالم الاجساد والارواح الطف من عالم الاجساد واكشف من عالم الارواح فالارواح تتجسد وتظهر فى صور مختلفة من عالم المثال وهذا الجواب اولى من جواب ابن حجر بأن جبرآئيل كان يندمج بضعه فى بعض وهل مجيىء جبرآئيل فى صورة دحية كان فى المدينة بعد اسلام دحية واسلامه كان بعد بدر فانه لم يشهدها وشهد المشاهد بعدها اذ يبعد مجيئة على صورة دحية قبل اسلامه قال الشيخ الاكبر رضى الله عنه دحية الكلبى كان اجمل اهل زمانه واحسنهم صورة فكان الغرض من نزول جبريل على سيدنا محمد فى صورته اعلاما من الله تعالى انه مابينى وبينك يا محمد سفير الا صورة الحسن والجمال وهى التى عندى فيكون ذلك بشرى له عليه السلام ولاسيما اذا اتى بأمر الوعيد والزجر فتكون تلك الصورة الجميلة تسكن منه مايحرك ذلك الوعيد والزجر هذا كلامه وهو واضح لو كان لا يأتيه الا على تلك الصورة الا ان يدعى انه من حين اتاه على صورة دحية لم يأته على صورة آدمى غيره بقى هنا كلام وهو ان السهيلى رحمه الله ذكر ان المراد بالاجنحة فى حق الملائكة صفة ملكية وقوة روحانية وليست كأجنحة الطير ولا ينافى ذلك وصف كل جناح منها بأنه يسد مابين المشرق والمغرب انتهى .(14/296)
يقول الفقير هذا كلام عقلى ولامنع من ان يجمع الملك بين قوة روحانية وبين جناح يليق بعالمه سوآء كان ذلك كجناح الطير او غيره فان المعقولات مع المحسوسات تدور والجمع انسب بالحكمة والصق بالقدرة وقد اسلفنا مثل هذا فى اوآئل سورة الملائكة فلا كلام فيه عند اولى الالباب وانما يقتضى المقام ان يبين وجه كون جناح جبريل ستمائة لازيد ولا انقص ولم اظفر ببيانه لافى كلام اهل الرسول ولا فى اشارات اهل الحقائق والذى يدور بالبال من الله تعالى لاتعملا وتأملا ان النبى عليه السلام انما عرج ليلة الاسرآء بالفناء التام ولذا وقع الاسرآء فى الليل الذى هو مظهر الفناء دون النهار الذى هو مظهر البقاء وكان مراتب الفناء سبعا على مراتب الاسماء السبعة التى آخرها القيوم القهار وللاشارة الى هذه جعلت منارات الحرم المكى سبعا لان سر البقاء انما ظهر فى حرم النبى عليه السلام ولذا جعلت مناراته خمسا على عدد مراتب البقاء التى اشير اليها بالاسماء الخمسة الباقية من الاثنى عشر التى آخرها الاحد الصمد وكل واحد من تلك الاسماء السبعة مائة على حسب تفصيلها الى الاسماء الحسنى مع احدية جمعها فيكون مجموعها بهذا الحسب سبعمائة ولما كان جبريل دون النبى عليه السلام فى الفناء لم يتجاوز تلك الليلة مقامه الذى هو سدرة المنتهى حتى قال لو دنوت انملة لاحترقت وتجاوزه النبى عليه السلام الى مستوى العرش وقهره غلب عليه فى ذلك فانتهى سير جبريل الى الاسم القيوم فصار مقهورا تحت سير النبى عليه السلام وقائما فى مكانه وقائما بوحيه للقلوب ولذا سمى بروح القدس لحياة القلوب بوحيه كحياة الاجساد بالارواح فله من تلك الاجنحة السبعمائة ستمائة صورة ومعنى وانتهى سير النبى عليه السلام الى الاسم القهار فصار ماحصر الكل من دونه فله سبعمائة جناح معنوية فظهر ان القوة النبوية ازيد من القوة الملكية لانها القوة الالهية وقد قال تعالى { يد الله فوق ايديهم } وان جبريل لكونه من الايدى انما يستفيد اليد والقوة من يد النبى عليه السلام وقوته فاعرف ذلك وكن من الموقنين(14/297)
وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7)
{ وهو بالافق الاعلى } حال من فاعل استوى والافق هى الدآئرة التى تفصل بين مايرى من الفلك وما لايرى والافق الاعلى مطلع الشمس كما ان الافق الأدنى مغربها والمعنى والحال ان جبريل بافق الشمس اى اقصى الدنيا عند مطلع الشمس وبالفارسية وبكناره بلند تربود از آسمان يعنى نزيدك مطلع آفتاب . ومنه يعلم ان مطلع الشمس ومغربها كرأس الانسان ورجله وان كانت الدنيا كالكرة على ماسلف وايضا مثل روح الانسان وجسده فان الروح علوى والجسد سفلى وقد طلع من عالم الارواح وغرب فى عالم الاجساد(14/298)
ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8)
{ ثم دنا } اى أراد الدنو من النبى عليه السلام حال كونه فى جبل حرآء والدنو القرب بالذات او بالحكم ويستعمل فى الزمان والمكان والمنزلة كما فى المفردات { فتدلى } لتدلى استرسال مع تعلق اى استرسل من الافق الاعلى مع تعلقه به فدنا من النبى عليه السلام يقالت تدلت الثمرة ودلى رجليه من السرير وفى الحديث « لو دليتم بحبل الى الارض السفلى لهبط على الله » اى على علمه وقدرته وسلطانه فى كل مكان وادلى دلوه والدوالى الثمر المعلق وبالفارسية اونك(14/299)
فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)
{ فكان } اى مقدار امتداد مابينهما وهو المسافة { قاب قوسين } من قسى العرب اى مقدارهما فى القرب وذكر القوس لان القرءآن نزل بلغة العرب والعرب تجعل مساحة الاشياء بالقوس وفى معالم التنزيل معنى قوله كان بين جبرآئيل ومحمد عليهما السلام مقدار قوسين انه كان بينهما مقدار مابين الوتر والقوس كأنه غلب القوس على الوتر وهذا اشارة الى تأكيد القرب واصله ان الحليفين من العرب كانا اذا أرادا عقد الصفاء والعهد خرجا بقوسيهما فألصقا بينهما يريدان بذلك انهما متظاهران يحامى كل واحد منهما عن صاحبه وقيل قدر ذراعين ويسمى الذراع قوسا لانه يقاس به المذروع اى يقدر فلم يكن قريبا قرب التصاق ولا بعيدا بحيث لايتأنى معه الا فادة والاستفادة وهو الحد المعهود فى مجالسة الاحباء المتأدبين { او ادنى } اى على تقديركم ايها المخاطبون كما فى قوله { او يزيدون } فان التشكيك لايصح على الله فأو للشك من جهة العباد كما ان كلمة لعل كذلك فى مواضع من القرءآن اى لو رآهما رأى منكم لقال هو قدر قوسين فى القرب او أدنى اى لا لتبس عليه مقدار القرب والمراد اى من قوله { ثم دنا } الى قوله { أو أدنى } تمثل ملكه الاتصال وتحقيق استماعه لما اوحى اليه بنفى البعد الملبس وحمله بعضهم على حقيقته حيث قال فكلما دنا جبريل من النبى عليهما السلام انتقص فلما قرب منه مقدار قوسين رآه على صورته التى كان يراه عليها فى سائر الاوقات حتى لايشك انه جبريل وهنا كلام آخر يجيىء بعد تمام الآيات(14/300)
فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)
{ فأوحى } اى جبرآئيل { الى عبده } اى عبدالله تعالى واضماره قبل الذكر لغاية ظهوره كما فى قوله تعالى { ماترك على ظهرها من دابة } اى على ظهر الارض والمراد بالعبد المشرف بالاضافة الى الله هو الرسول عليه السلام كما فى قوله تعالى { سبحان الذى اسرى بعبده } { ما اوحى } اى من الامور العظيمة التى لاتفى بها العبارة او فأحُى الله حنيئذ بواسطة جبريل ماوحى(14/301)
مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)
{ ماكذب الفؤاد } اى فؤاد محمد عليه السلام وما نافية { ما رأى } ما موصولة وعائدها محذوف اى مارأه ببصره من صورة جبريل اى ماقال فؤاده لما رآه لم اعرفك ولو قال ذلك لكان كاذبا لانه عرفه بقلبه كما رأه ببصره قال بعضهم كذب مخففا ومشددا بمعنى واحد وقال بعضهم من خفف كذب جعل مافى موضع النصب على نزع الخافض واسقاطه اى ماكذب فؤاده فيما رأه ببصره اى لم يقل فيه كذبا وانما يقول ذلك ان لو قال له لا اعرفك ولا اعتقد بك(14/302)
أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12)
{ أفتمارونه على مايرى } اى اتكذبون محمدا عليه السلام فتجادلونه على مايراه معاينة من صورة جبريل فالفاء للعطف على محذوف او أبعد ماذكر من احواله المنافية للممارة فتمارونه فالفاء للتعقيب وذلك ان النبى عليه السلام لما اخبر برؤية جبريل تعجبوا منه وانكروا والمماراة والمرآء المجادلة بالباطل فكان حقه ان يتعدى بفى يقال جادلته فى كذا لكنه ضمن معنى الغلبة فتعدى تعديتها لان الممارى يقصد بفعله غلبة الخصم واشتقاقه من مرى الناقة كأن كلا من المتجادلين يمرى ماعند صاحبه يقال مريت الناقة مريا مسحت ضرعها لتدور مريت الفرس اذا استخرجت ماعنده من الجرى او غيره .
يقول الفقير كان الظاهر ان يقال على مارأى وجوابه انه لما كان اثر الرؤية باقيا صح ان يقال يرى وايضا ان رؤية جبريل مستمرة الى وقت الانتقال ولو على غير صورته الاصلية وقال الحسن البصرى رحمه الله وجماعة علمه شديد القوى اى علمه الهل وهو وصف من الله نفسه بكمال القدرة والقوة ذو مرة اى ذو احكام الامور والقضايا وبين المكان الذى فيه علمه بلا واسطة فاستوى اى محمد عليه السلام وهو بالافق الاعلى اى فوق السموات ثم دنا . بس نزديك شد حضرت محمد بحضرت احديث يعنى مقرب دركاه الوهيت كشت بمكانت ومنزلت نه بمنزل ومكان فتدلى بس فروتنى كرد يعنى سجده خدمت آورد خدايرا وجون اين مرتبه بواسطه خدمت يافته بود ديكر باره در وظفيه خدمت افزود ودر سجده وعده قرب نزهست كه اقرب مايكون العبد من ربه أن يكون ساجدا فكان قاب قوسين او أدنى كنايتست از تأكيد قربت وتقرير محبت وبواسطه تقرب بافهام در صورت تمثيل مؤدى شده جه عادت عظماى عرب آن مى بوده كه جون تأكيد عهدى وتوثيق عهدى خواستندى كه بغض بدان راه نيابد هريك ازمتعاقدان كمان خود حاضر ساخته بايكديكر انظمام دادندى وهردو بيكبار قبضتين را كرفته وبيكبار كشيده باتفاق يك تيرازان بيند اختندى واين صورت ازايشان اشارت بدان معنى بودى كه موافقت كلى ميان ماتحقق يذيرفت ومصادقت اتحاد اصلى بروجهى ثبوت يافت كه بعد ازان رضا وسخط يكى عين رضا وسخط يكى عين رضا آن ديكرست بس كوبيا درين آيت باعنايت آن معنى مؤدى شده كه محبت وقربت حضرت بيغمبر باحق سبحانه وتعالى بمثابه تأكيد يافته كه مقبول رسول مقبول خداوندست ومردود مصطفى مردود دركاه خداست وعلى هذا القياس ونزد محققان دنا اشارت نفس مقدس اوست وتدلى بمنزله دل مطهر او فكان قاب قوسين مقام روح مطيب او أدنى بمرتبه سرمنوراو ونفس او در مكان خدمت بود ودل او در منزل محبت وروح او درمقام قربت سر او در مرتبه مشاهدت شيخ ابو الحسين نورى را قدس سره از معنى اين آيت برسيدند جواب داد جايى كه جبرائيل نكنجند نورى كيست كه ازان سخن تواند كفت(14/303)
خيمه برون زد زحدود وجهات ... برده اوشد تتق نور ذات
تيركى هستى ازو دور كشت ... بردكى برده آن نور كشت
كيست كزان برده شود برده ساز ... زمزمه كويد ازان برده باز
ويدل على ان ضمير يعود اليه عليه السلام انه قال فى رواية « لما اسرى بى الى السماء قربنى ربى حتى كان بينى وبينه كقاب قوسين او أدنى قيل لى قد جعلت امتك آخر الامم لأفضح الامم عندهم » اى بوقوفهم على اخبارهم ولا افضحهم عند الامم لتأخرهم عنهم وقال بعض الكبار ثم دنا اشارة الى العروج والوصول وقوله { فتدلى } الى النزول والرجوع وقوله { فكان قاب قوسين } بمنزلة النتيجة اشارة الى الوصول الى عالم الصفات الماشر اليها بقوله تعالى { الله الصمد } وقوله { أو أدنى } اشارة الى الوصول الى عالم الذات المشار اليه بقوله تعالى { الله احد } فى صورة الاخلاص فحاصل المعنى ثم دنا اى الى الحق من الخلق فتدلى الى الخلق من الحق فكان قاب قوسين فى مرتبة الوحدة الواحدية الجامعمة بين شهادة الصفات والخلق وبين غيب الذات ولحق او أدنى فى الوحدة الاحدية المختصة بغيب ذات الحق واذن هنا امران . الاول الوصول الى مرتبة قاب قوسين وذلك بفناء فى الصفات فقط . والثانى الوصول الى مرتبة او أدنى وذلك بفناء فى الصفات والذات معا فان يسر الله النزول والبقاء يكمل الامر فى هاتين الجهتين ولعمرى عزيز اهل هذا المقام جدا وقال بعضهم ضمير دنا الى آخره يعود الى الله تعالى قال فى كشف الاسرار دنو الله من العبد على نوعين احدهما باجابة الدعوة واعطاء المنية ورفع المنزلة كما فى قوله { فانى قريب أجيب دعوة الداع اذا دعان } والثانى بمعنى القرب فى الحقيقة دون هذه المعانى كقوله { ثم دنا فتدلى } انتهى فالمعنى ثم دنا الجبار فتدلى اى زاد فى القرب حتى كان من محمد عليه السلا قاب قوسين او أدنى فمعنى الدنو والتدلى الواقعين من الله تعالى كمعنى النزول منه الى السماء الدنيا كل ليلة فى ثلث الليل الاخيروهو ان ذلك عند اهل الحقائق من مقام التنزيل بمعنى انه تعالى يتلطف بعباده ويتنزل فى خطابه لهم فيطلق على نفسه مايطلقونه على انفسهم فهو فى حقهم حقيقة وفى حقه تعالى مجاز كما فى انسان العيون قال القاضى ابو الفضل فى كتاب الشفاء اعلم ان ماوقع فى اضافة الدنو والقرب من الله او الى الله فليس بدنو مكان و لاقرب مدى بل كما ذكرنا عن جعفر الصادق ليس بدنو حد وانما دنو النبى من ربه وقربه منه ابانة عظيم منزلته وتشريف رتبته واشراق انوار معرفته ومشاهدة اسرار غيبه وقدرته ومن الله له مبرة وتأنيس وبسط واكرام قال فى فتح الرحمن فمن جعل الضمير عائدا الى الله لا الى جبريل على هذا كان قوله فكان الخ عبارة عن نهاية القرب ولطف المحل واتضاح المعرفة والاشراف على الحقيقة من محمد عليه السلام وعبارة اجابة الرغبة وقضاء المطالب قرب بالاجابة والقبول واتيان بالاحسان وتعجيل المأمول(14/304)
{ فأوحى الى عبده ماأوحى } قال فى الاسئلة المقحمة اجمل ولم يفسره لانه كان يطول ذكر جميع ماأوحى اليه فذكره جملة من غير تعرض الى التفصيل فقال { فأوحى الى عبده ماأوحى } وقالت الشيوخ ستر الله بعض ماوحى الى عبده محمد عليه السلام عن الخلق سترا على حاله لئلا يطلع عليه غيره فان ذلك لايتعلق بغيره وانما ذلك من خواص محبته ومعرفته وعلو درجاته اذ بين الاحباب يجرى من الاسرار مالا يطلع عليه الأجانب والاغيار قال عليه السلام « لى وقت مع الله لايطلع عليه ملك مقرب ولانبى مرسل » وسمعت الشيوخ ابا على الفارسى رحمه الله يقول فى هذه الآية قولا يطول شرحه وقصاراه يرجع الى انه تعالى ستر بعض ماأوحى الى نبيه عن الخلق لما علم ان علمهم بذلك يفتر عن السير فى صراط العبودية اتكالا على محض الربوبية ولهذا قال لمعاذ بن جبل رضى الله حيث قال معاذ ءأخبر الناس بذلك يارسول الله فقال « لاتخبرهم بذلك لئلا يتكلوا » انتهى
لايكتم السر الا كل ذى خطر ... والسر عند كرام الناس مكتوم
والسر عندى فى بيت له غلق ... قد ضاع مفتاحه والباب مختوم
وقيل
بين المحبين سر ليس يفشيه ... قول لاو عمل للخلق يحيكه
سر يمازجه انس يقابله ... نور تحير فى بحر من التيه
( وقيل ) دردى كه من از عشق تو دارم حاصل . دل داند ومن دانم ومن دانم ودل ( قال الكاشفى ) بعض علما كويندكه اولى آنست كه تعرض آن وحى نكنيم ودر برده بكذاريم وجمعى كويند آنجه ازان وحى درجيزى ويا اثرى بمارسيده ذكر ان هيج نقصان ندارد ودامانت بسيار واقع شده ودر تفسير جواهر بسطى تمام يافته اينجابسه وجه اختصاص مى يابد اول آنكه مضمون وحى اين بودكه يامحمد لولا انى احب معاتبة امتك لما حاسبتهم يعنى اكرنه آنست كه دوست ميدارم معاتبة با امت تو والابساط محاسبه ايشان على مى كردم دوم آنكه اى محمد أنا وأنت وماسوى ذلك خلقته لاجلك آن حضرت عليه السلام در جواب فرمودند أنت وأنا وما سوى ذلك تركته لاجلك سوم آنكه امت تو طاعت من بجاى مى آرند وعصيان نيزمى ورزند طاعت ايشان برضاى منست ومعصيت ايشان بقضاى من بس آنجه بقضاى من از ايشان دروجود آيد اكرجه بزرك وبسيار باشد غفو كنم زيراكه رحيمم . وقيل اوحى اليه ان الجنة محرمة على الانبياء حتى تدخلها وعلى الامم حتى تدخلها امتك وقيل كن آيسا من الخلق فليس بأيديهم شىء واجعل صحبتك معى فان مرجعك الى ولا تجعل قلبك معلقا بالدنيا فانى ماخلقتك لها وقيل اوحى اليه(14/305)
{ الم يجدك يتيما فآوى } الى قوله { ورفعنا لك ذكرك } وقيل أوحى اليه { آمن الرسول } الخ بغير واسطة جبريل وقيل اوحى اليه عش ماشئت فانك ميت وأحبب من شئت فانك مفارقه اعمل ماشئت فانك مجزى به ( وروى ) انه عليه السلام قال شكا الى الله ليلة المعراج من امتى شكايات . الاولى لم اكلفهم عمل الغد وهم يطلبون منى رزق الغد . والثاينة لا أدفع ارزاقهم الىغيرهم وهم يدفعون عملهم الى غيرى . والثالثة انهم يأكلون رزقى ويشكرون غيرى ويخونون معى ويصالحون خلقى . والرابعة ان العزة لى وانا المعز وهم يطلبون العزة من سواى . والخامسة انى خلقت النار لكل كافر وهم يجتهدون أن يوقعوا أنفسهم فيها قال قل لامتك ان أحببتم احدا لاحسانه اليكم فأنا اولى به لكثرة نعمى عليكم وان خفتم احدا من اهل السماء والارض فأنا اولى بذلك لكمال قدرتى وان أنتم رجوتم احدا فأنا الوى به لانى احب عبادى وان أنتم استحبيتم من احد لجفائكم اياه فأنا اولى به لان منكم الجفاء ومنى الوفاء وان آثرتم احدا بأموالكم وانفسكم فانا الى بذلك لانى معبودكم وان صدقتم احدا فى وعده فانا اولى بذلك لانى أنا الصادق وقيل اوحى الله اليه يامحمد لم اكثر مال امتك لئلا يطول حسابهم فى القيامة ولم اطل اعمارهم لئلا تقسو قلوبهم ولم افجأهم بالموت لئلا يكون خروجهم من الدنيا بدون التوبة وأخرتهم فى الدنيا عن الآخرين لئلا يطول فى القبور حبسهم قال بعضهم ان ماوحى اليه مفسر فى الاخبار ونطقت به الروايات من اهوال القيامة وغيرها ولهذا قال عليه السلام « لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا » قال جعفر الصادق رضى الله عنه فأوحى الى عبده ماأوحى بلا واسطة فيما بينه وبينه سرا الى قلبه لايعلم به احد سواه بلا واسطة اى فى العقبى حين يعطيه الشفاعة لامته وقال البقلى ابهم الله سر ذلك الوحى الخفى على جميع فهوم الخلائق من العرش الى الثرى بقوله ماأوحى لانه لم يبين اى شىء اوحى الى حبيبه لان بين المحب والمحبوب سرا لايطلع عليه غيرهما واظن انه لو بين كلمة من تلك الاسرار لجميع الاولين والآخرين لماتوا جميعا من ثقل ذلك الوارد الذى ورد من الحق على قلب عبده احتمل ذلك المصطفى عليه السلام بقوة ربانية ملكوتية لاهوتية البسه الله اياها ولولا ذلك لم يحتمل ذرة منها لانها انباء عجيبة واسرار ازلية لو ظهرت كلمة منها لتعطلت الاحكام ولفنيت الارواح والاجسام واندرست الرسوم واضمحلت العقول الفهوم والعلوم .(14/306)
يقول الفقير لاشك ان ماوحى اليه عليه السلام تلك الليلة على اقسام قسم اداه الى الكل وهو الاحكام والشرآئع وقسم اداه الى الخواص وهو المعارف الالهية وقسم اداه الى اخص الخواص وهو الحقائق ونتائج العلوم الذوقية وقسم آخر بقى معه لكونه مما خصه الله به وهو السر الذى بينه وبين الله المشار اليه بقوله لى مع الله وقت الخ فانه تحلٍ مخصوص وسر مكتوم لايفشى وهكذا كل ورثته فان لهم نصيبا من هذا المقام حيث ان بعض علومهم يرتحل معهم الى الآخرة ولا يوجد له محل يؤدى اليه اما لكونه من خصائصهم واما لفقدان ان من يستعد لادآئه و ذلك يحسب الزمان ولذا جاء نبى فى الاولين وبقى معه الرسالة ولم يقبلها احد من امته لعدم الاستعداد فيهم
وفى التأويلات النجمية فى هذه الآية يشير الى ان الله تعالى من مقام جمعيته الجامعة لجميع المظهريات من غير واسطة جبريل وواسطة ميكايئل اوحى او تجلى فى صورة الوحى لعبده المضاف الى هاء هويته المطلقة بحقائق من مقتضى حكم الوحدة والموحى به هو ان وجودك يا محمد عين وجود المتعين بأحدية جمع جميع الاعيان الظاهرة المشهودة والحقائق الباطنة الغيبية المفقودة فى عين كونها موجودة مطلقا عن هذا التعيين والجمع والاطلاق ما كذب الفؤاد مارأى . اعلم ان المرئى ان كان صورة جبريل عليه السلام فالرؤية من رؤية العين ان كان هو الله تعالى على ماذهب اليه البعض فقد اختلفوا فى انه عليه السلام رأى الله تعالى ليلة الاسرآء بقلبه او بعين رأسه فقال بعضهم جعل بصره فى فؤاده فرأه فى فؤاده فيكون المعنى ماكذب الفؤاد مارأه الفؤاد اى لم يقل فؤاده له ان مارأيته هاجس شيطانى وانه ليس من شأنك ان ترى الرب تعالى بل تيقن ان مارأه بفؤاده حق صحيح وقال بعضهم رأه بعينه لقوله عليه السلام « ان الله اعطى موسى الكلام واعطانى الرؤية » وقوله عليه السلام « رأيت ربى فى احسن صورة » اى صفة قال فى الكواشى هذا لاحجة فيه لانه يجوز انه اراد الرؤية بالقلب بان زاده معرفة على غيره .
يقول الفقير ايراد الرؤية فى مقابلة الكلام يدل على رؤية العين لان موسى عليه السلام قد سألها ومنه منها فاقتضى ان يفضل النبى عليه السلام عليه بما منعه منه وهو الرؤية البصرية ولاشك ان الرؤية القلبية الحاصلة بالانسلاخ يشترك فيها جميع الانبياء حتى الاولياء وقد صح ان موسى رأى ربه بعين قلبه حين خر فى الطور مغشيا عليه وحملها على زيادة المعرفة لايجدى نفعا وكانت عائشة رضى الله عنها تقول من زعم بأن محمدا رأى ربه فقد اعظم الفرية على الله قال فى كشف الاسرار قول عائشة نفى وقول ابن عباس بأنه رأى اثبات والحكم للمثبت لا للنافى فالنا فى انما نفاه لانه لم يسمعه والمثبت انما اثبته لانه سمعه وعلمه انتهى وقول ابى ذر رضى الله تعالى عنه للنبى عليه السلام هل رأيت ربك قال نورانى اراه بالنسبة الى تجرد الذات عن النسب والاضافات اى النور المجرد لايمكن رؤيته على ماسبق تحقيقه وقال فى عين المعانى ولا يثبت مثل هذا اى الرؤية بالعين الا بالاجماع وفى كشف الاسرار قال بعضهم رأه بقلبه دون عينه وهذا خلاف السنة والمذهب الصحيح انه عليه السلام رأى به بعين رأسه انتهى وفى الكواشى يستحيل رؤيته هنا عقلا ومعتقد رؤية الله هنا بالعين لغير محمد غير مسلم ايضا انتهى قال ابن الشيخ اعلم ان رؤية الله تعالى جائزة لان دليل الجواز غير مخصوص بالآخرة ولان مذهب اهل السنة الرؤية بالارآءة لا بقدرة العبد اذا حصل العلم بالشىء من طريق البصر كان رؤية بالارآءة وان حصل من طريق القلب كان معرفة والله تعالى قادر على ان يحصل العلم بخلق مدرك المعلوم فى البصر كما قدر ان يحصله بخلق مدرك المعلوم فى القلب المسألة مختلف فيها بين الصحابة والاختلاف فى الوقوع مماينبىء عن الاتفاق على الجواز انتهى وكان الحسن البصرى رحمه الله يحلف بالله ان محمدا رأى به ليلة المعراج ( وحكى ) النقاش عن الامام احمد رحمه الله انه قال انا اقول بحديث ابن عباس رضى الله عنهما بعينه رأه رأه حتى انقطع نفس الامام احمد .(14/307)
كلام سرمدى بى نقل بشنيد خداوند جهانرا بى جهت ديد
دران ديدن كه حيرت حاصلش بود ... دلش درجشم وجشمش در دلش بود
قال بعضن الكبار الممنوع من رؤية الحق فى هذه الدار انما هو عدم معرفتهم له والافهم يرونه ولايعرفون انه هو على غير مايتعقل البصر فالخلق حجاب عليه دآئما فانه تعالى جل عن التكييف دنيا واخرى فافهم فهم يرونه ولا يرونه واكثر من هذا الافصاح لا يكون انتهى .
يقول الفقير نعم ان الله جل عن الكيفية فى الدارين لكن فرق بين الدنيا والآخرة كثافة ولطافة فان الشهود فى الدنيا بالسر المجرد لغير نبينا عليه السلام بخلافه فى الآخرة فان القلب ينقلب هناك قالبا فيفعل القالب هناك مايفعله القلب والسر فى هذه الدار فاذا كانت لطافة جسم النبى عليه السلام تعطى الرؤية فى الدنيا فما ظنك بلطافته ورؤيته فى الآخرة فيكون شهوده اكمل شهود فى الدارين حيث رأى ربه بالسر والروح فى صورة الجسم قال فى التأويلات النجمية اتحد بصر ملكوته وبصر ملكه فرأى ببصر ملكوته باطن الحق من حيث اسمه الباطن ورأى ببصر ملكه ظاهر الحق من حيث اسمه الظاهر ورأى بأحدية جمع القوتين الملكوتية والملكية الحقيقة الجمعية المتعينة بجميع التعينات العلوية الروحانية والسفلية والجسمانية مع اطلاقه فى عين تعينه المطلق عن التعين واللاتعين والاطلاق واللا اطلاق انتهى هذا وليس ورآء عبادان قرية وقال البقلى رحمه الله ذكر الله رؤية فؤاده عليه السلام ولم يذكر العين لان رؤية العين سر بينه وبين حبيبه فلم يذكر ذلك غيرة عليه لان رؤية الفؤاد عام ورؤية البصر خاص أراه جماله عيانا فرآه ببصره الذى كان مكحولا بنور ذاته وصفاته وبقى فى رؤيته عيانا ماشاء الله فصار جسمه جميعه ابصارا رحمانية فرأى الحق بجميعها فوصلت الرؤية الى الفؤاد فرأى فؤاده جمال الحق ورأى عينه ولم يكن بين ما رأى بعينه وبين مارأه بفؤاده فرق فأزال الحق الابهام كشف العيان بقوله(14/308)
{ ماكذب الفؤاد مارأى } حتى لايظن الظان ان مارأى الفؤاد ليس كما رأى بصره اى صدق قلبه فيما رأه من لقائه الذى رأه بصره بالظاهر اذ كان باطن حبيبه هناك ظاهر وظاهره باطنا بجميع شعراته وذرات وجوده وليس فى رؤية الحق حجاب للعاشق الصادق بأن يغيب عن الرؤية شىء من وجوده فبالغ الحق فى كمال رؤية حبيبه وكذلك قال عليه السلام « رأيت ربى بعينى وبقلبى » رواه مسلم فى صحيحه قال ابن عطاء عما اعتقد القلب خلاف مارأته العين وقال ليس كل من رأى سكن فؤاده من ادراكه اذ العيان قد يظهر فيضطرب السر عن حمل الوارد عليه والرسول عليه السلام كان محموملا فيها فى فؤاده وعقله وحسه ونظره وهذا يدل على صدق طويته وحمله فيما شوهد به { افتمارونه على مايرى } أيا مجادله ميكنيد با محمد برآنجه ديد درشب معراج ومجادله آن بودكه صفت بيت المقدس وخبر كاروان خود برسيدند . وقال بعضهم افتجادلونه على رؤية الله تعالى اى ان رسول الله عليه السلام رأى الله وهم يجادلونه فى ذلك وينكرونها
وفى التأويلات النجمية يشير الى مماراة المحتجين عن الحق بالخلق ومجادلتهم فى شهود الخلق من دون الحق لقيامهم فى مقام الكثرة الاعتبارية من غير شهود والوحدة الحقيقية أعاذنا الله واياكم من عذاب جيحم الاحتجاب ومن شدة لهب النار والالتهاب(14/309)
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)
{ ولقد رأه نزلة اخرى } الضمير البارز فى رأه لجبريل ونزلة منصوب نصب الظرف الذى هو مرة لان الفعلة اسم للمرة من الفعل فكانت فى حكمها والمعنى وبالله لقد رأى محمد جبريل عليهما السلام على صورته الحقيقية مرة اخرى من النزول وذلك انه كان للنبى عليه السلام فى ليلة المعراج عرجات لمسألة التخفيف من اعداد الصلوات المفروضة فيكون لكل عرجة نزلة فرأى جبريل فى بعض تلك النزلات(14/310)
عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)
{ عند سدرة المنتهى } وهو مقام جبرآئيل وكان قد بقى هناك عند عروجه عليه السلام الى مستوى العرش وقال لو دنوت انملة لاحترقت قال عليه السلام « رأيته عند سدرة المنتهى عليه ستمائة جناح يتناثر مه الدر والياقوت » وعند يجوز ان يكون متعلقا برأى وان يكون حالا من المفعول المراد به جبرائيل لان جبرآئيل لكونه مخلوقا يجوز أن يراه النبى عليه السلام فى مكان مخصوص وهو سدرة المنتهى وهى شجرة نبق فى السماء السابعة عن يمين العرش ثمرها كقلال هجر وورقها كآذان الفيلة نبع من اصلها الانهار التى ذكرها الله فى كتابه يسير الراكب فى ظلها سبعين عاما لايقطعها المنتهى مصدر ميمى بمعنى الانتهاء كما قال الزمخشرى او ا سم مكان بمعنى موضع الانتهاء كأنها فى منتهى الجنة وقيل ينتهى اليها الملائكة ولا يتجاوزونها لان جبرآئيل رسول الملائكة اذا لم يتجاوزها فبالحرى أن لايتجاوزها غيره فاعلاها لجبرآئيل كالوسيلة لنبينا عليه السلام فكما ان خواص الامة يشتركون مع النبى عليه السلام فى جنة عدن بدون أن يتجاوزوا الى مقامه المخصوص به فكذا الملائكة يشتركون مع جبرآئيل فى السدرة بدون أن يتعدوا الى ماخص به من المكان و قيل اليها ينتهى علم الخلائق واعمالهم ولا يعلم احد ماورآءها وذلك لان الاعمال الصالحة فى عليين و لاتعرج اليه الا على يد الملائكة فتقف عندها كوقوف الملائكة هذا النسبة الى اعمال الامة واما خواص الامة فلهم من الاعمال مالا يقف عندها بل يتجاوز الى عالم الارواح فوق مستوى العرش بل الى ماورآءه حيث لايعلمه الا الله فمثل هذه الصالحات الناشئة عن خلوص فوق خلوص العامة ليست بيد الملائكة اذ لا يدخل مقامها احد وقيل ينتهى اليها ارواح الشهدآء لانها فى ارض الجنان او ينتهى اليها مايهبط من فوقها من الاحكام ويصعد من تحتها من الآثار وعن ابى هريرة رضى الله عنه لما اسرى بالنبى عليه السلام انتهى الى السدرة فقيل له هذه السدرة ينتهى اليها كل احد خلا من امتك على سنتك يعنى ميرسد بدين هركس از امت توكه رفته باشد برسنت تو . وقال كعب انها سدرة فى اصل العرش على رؤس حملة العرش واليها ينتهى الخلائق وما خلقها غيب لايعلمه الا الله وبالجملة هى شجرة طوبى وقال مقاتل السدرة هى شدرة طوبى ولو ان رجلا ركب نجيبه وطاف على ساقها حتى ادركه الهرم لما وصل الى المكان الذى ركب منه تحمل لاهل الجنة الحلى والحلل وجميع الوان الثمار ولو ان ورقة منها وضعت فى الارض لاضاءت اهلها قيل اضافة السدرة الى المنتهى اما اضافة الشىء الى مكانه كقولك اشجار البستان فالمنتهى حينئذ موضع لابتعداه ملك او اضافة المحل الى الحال كقولك كتاب الفقه والتقدير سدرة عندها منتهى العلوم او اضافة الملك الى المالك على حذف الجار والمجرور اى سدرة المنتهى اليه وهو الله تعالى قال(14/311)
{ الى ربك المنتهى } واضافة السدرة اليه كاضافة البيت اليه للتشريف والتعظيم وقال بعضهم المرئى هو الله تعالى يعنى ان محمدا عليه السلام رأى به مرة اخرى يعنى مرتين كما كلم موسى مرتين وفيه اشعار بأن الرؤية الثانية كانت كالرؤية الاولى بنزول ودنو فقوله عند لايجوز ان يكون حالا من المفعول المراد به الله تعالى لان الله تعالى مننزه عن أن يحل فى زمان او مكان فهو متعلق برأى يعنى انه عليه السلام رأى ربه رؤية ثانية عند سدرة المنتهى على أن يكون الظرف ظرفا لرأى ورؤيته لا للمرئى كما اذا قلت رأيت الهلال فقيل لك اين رأيت فتقول عند الشجرة الفلانية وجعل ابن برجان الاسراء مرتين . الاولى بالفؤاد وهذه بالعين ولما كان ذلك لايتأنى الا بتنزيل يقطع مسافات البعد التى هي الحجب ليصير به بحيث يراه البشر عبر بقوله نزلة اخرى وعين الوقت بتعيين المكان فقال { عند سدرة المنتهى } كما فى تفسير المناسبات ( وروى ) عن وكيع عن كعب الاحبار انه قال رأى ربه مرة اخرى فقال ان الله تعالى كلم موسى مرتين ورأه محمد مرتين عليهما السلام فلما بلغ ذلك عائشة رضى الله عنها قالت قد اقشعر جلدى من هيبة هذا الكلام فقيل لها يا ام المؤمنين أليس يقول الله تعالى { ولقد رأه نزلة اخرى } فقالت انا سألت النبى عليه السلام عن ذلك فقال « رأيت جبرآئيل نازلا فى الافق على خلقته وصورته » انتهى وقال بعضهم رأه بفؤاده مرتين .
يقول الفقير لما كان هذا المقام لايخلو عن صعوبة واحتمال وتأويل كفروا من انكر المعراج الى المسجد الاقصى لثبوته بالنص القطعى وهو قوله تعالى { سبحان الذى اسرى بعبده } الخ وضللوا من انكره الى مافوقه لثبوته بالخبر المشهور قال الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر ان معراجه عليه السلام اربع وثلاثون مرة واحدة بجسده والباقى بروحه رؤيا رأها وفى التأويلات النجمية يشير الى رد استعجاب اهل الحجاب شهود النبى عليه السلام الحضرة الالهية فى المظاهر الكونية والمجالى الغيبية وأنى لهم هذا الاستعجاب والاستغراب وما قيده فى حضرة دون حضرة وفى مشهد دون مشهد بل شهرة وعلانية مرة بعد مرة وساعة بعد ساعة بل ماحتجب لحظة منه تعالى وماغاب عنه لمحة مرة شاهده به فى مقام احديته بفنائه عنه ونزلة عاينه فى مقام واحديته بالبقاء به عند نزوله من المشهد الاحدى الى المشهد الواحدى المسمى سدرة المنتهى لتى هى شجرة الكثرة لابتدآء الكثرة منها وانتهاء مظاهرها اليها بحسب الاعمال والاقوال والافعال والاحوال شبهت السدرة بشجرة الكثرة لكثرة اظلالها واغصانها كما فى شجرة الكثرة التى هى الواحدية لظهور التعينات والتكثرات منها واستضلال المتعينات بها بالوجود العينى الخارجى انتهى وقال البقلى ما الرؤية الثانية بأقل كشفا من الرؤية الاولى ولا الاولى باكشف من الرؤية الثانية اين أنت لو كنت اهلا لقلت لك انه عليه السلام رأى ربه فى لحافه بعد أن رجع من الحضرة ايضا فى تلك الساعة وماغاب قلبه من تلك الرؤية لمحة وماذكر سبحانه بيان ان مارأى فى الاولى فى الامكان ومارأى عند سدرة المنتهى كان واحدا لان ظهوره هناك ظهور القدم والجلال وليس ظهوره يتعلق بالمكان ولا بالزمان اذا لقدم منزه عن المكان والجهات وكان العبد فى المكان والرب فى المكان وهذا غاية فى مال تنزيهه وعظيم لطفه اذ تجلى نفسه لقلب عبده وهو فى الاماكن والعبد فى مكان والعقل ههنا مضمحل والعلم متلاشٍ لان العقول عاجزة والاوهام متحيرة والقلوب والهة والارواح حائرة والاسرار فانية وفى هذه الآية بيان كمال شرف حبيبه اذ رأه نزلة اخرى عند سدرة المنتهى ظن عليه السلام ان مارأه فى الاولى لايكون لكمال عمله بتنزيه الحق فلما رأه ثانية علم انه لايحجبه شىء من الحدثان وعادة الكبرآء اذا زارهم احد يأتون معه الى باب الدار اذا كان كريما فهذا من الله اظهار كمال حب لحبيبه وحقيقة الاشارة انه سبحانه أراد ان يعرف حبيبه مقام التباس فلبس الامر واظهر الممكر بأن بان الحق من شجرة سدرة المنتهى كما بان من شجرة العناب الموسى ليعرف حبيبه بكمال المعرفة اذ ليس بعارف من لم يعرف حبيبه فى البسة مختلفة انتهى ولما أراد سبحانه ان يعظم السدرة وبين شرفها قال { عندها } اى عند السدرة { جنة المأوى } والجملة حالية قيل الاحسن ان يكون الحال هو الظرف وجنة المأوى مرتفع به بالفاعلية واضافة الجنة الى المأوى مثل اضافة مسجد الجامع اى الجنة التى يأوى اليها المتقون اى تنزل فيها وتصير وتعود اليها ارواح الشهدآء وبالفارسية بهشتى كه آرامكاه متقيان يامأوى ومكان ارواح شهداست او اوى اليها آدم وحوآء عليهما السلام يقال اويت منزلى واليه اويا واويا عدت واويته نزلته بنفسى والمأوى المكان قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر آدم عليه السلام انزل من جنة المأوى التى هى اليوم مقام الروح الامين جبريل عليه السلام وهى اليوم برزخ لذرية آدم ونزل اليها جبرآئيل من السدرة بنزول آدم وهذه الجنة لاتقتضى الخلود لذاتها فلذلك امكن خروج آدم منها ولذلك تأثر بالاشتياق الى ان يكون ملكا بعد سجود الملائكة له بغرور ابليس اياه ووعده فى الخلود رغبة فى الخلود والبقاء مع جبرآئيل والجنة التى عرضها السموات والارض تقتضى الخلود لذاتها يعلم من دخلها انه لايمكن الخروج منها اذ لاسبيل للكون والفساد اليها قال تعالى فى وصف عطائها انه غير مجذوذ اى غير منقطع انتهى فالجنة التى عرضها السموات والارض ارضها الكرسى الذى وسع السموات والارض وسقفها العرش المحيط فهى محيطة بالجنان الثمان وليست هى الجنة الى انزل منها آدم كذا قاله الشيخ ايضا فى كتاب تلقيح الاذهان وقال نجم الدين رحمه الله فى تأويلاته يشير الى ان الجنة العلية التى يسجن بها المجانين العاشقون عن انانيتهم فى مقعد صدق عند مليك مقتدر وفى قوله عندها اشارة الى الهوية الظاهرة بالشجرة الواحدية المسماة بسدرة المنتهى لانتهاء ارواح الشهداء المقتولين بسيف الصدق والاخلاص ورمح الرياضيات والمجاهدات اليها(14/312)
إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16)
{ اذ يغشى السدرة مايغشى } زيادة فى تعظيم السدرة واذ ظرف زمان لرأه لما بعده من الجملة المنفية فان ما النافية لايعمل مابعدها فيما قبلها والغشيان بمعنى التغطية والستر ومنه الغواشى وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية استحضارا لصورتها البديعة او للايذان باستمرار الغشيان بطريق التجدد والمعنى ولقد رأى محمد جبرآئيل عند السدرة وقت ماغشيها وغطاها مالا يكتنهه الوصف ولايفى به البيان كيفا ولا كما وفى الحديث « وغشيها الوان لا ادرى ماهى فليس احد من خلق الله يستطيع ان ينعتها » وعنه عليه السلام « رأيت السدرة يغشاها فراش من ذهب ورأيت على كل ورقة ملكا قائما يسبح الله » وعنه عليه السلام يغشاها رفرف اى جماعة من طيور خضر وقيل يغشاها فراش او جراد من ذهب ( كما قال الكاشفى ) وكويند بر حوالىء آن فرشتكان طيران ميكردند جون يروانهاى زرين . وقيل يغشاها سبحات انوار الله حين تجلى لها كما تجلى للجبل لكنها كانت اقوى من الجبل حيث لم يصبها ماصابه من الدك وذلك لان الجبل كان فى عالم الملك الضعيف والسدرة فى عالم الملكوت القوى ولذا لم يخر عليه السلام هناك مغشيا عليه حين رأى جبرآئيل كما غشى عليه حين رأه فى الافق الاعلى لقوة التمكين وغاية لطافة الجسد الشريف وقيل يغشاها الجم الغفير من الملائكة امثال الغربان حين يقعن على الشجر يعبدون الله تعالى عندها او يزورونها متبركين بها كما يزور الناس الكعبة وقيل يغشاها الملاكئة النازلون للقاء النبى عليه السلام فانه استأذنوا للقائه فاذن لهم وقيل لاتأتوه بغير نثار فجاء كل واحد منهم بطبق من اطباق الجنة عليه من اللطائف مالايحصى فنثروه بين يديه تقربا اليه وفى الحديث « انه اعطى رسول الله عندها يعنى السدرة ثلاثا » يعنى سه جيز . الصلوات الخمس وخواتيم سورة البقرة وغفر لمن مات من امته لايشرك بالله شيأ
وفى التأويلات النجمية يشير الى تعظيم المظاهر الاسمائية والصفاتية الجمالية اللطيفة والجلالية القهرية الغاشية الساترة شجرة الواحدية المسماة بسدرة المنتهى بحيث لاتعد ولاتحصى لعدم نهاية مصاردها لان الاسماء بحسب الجزئيات غير متناهية وان كانت من حيث كلياتها متناهية وكان حقيقة السدرة وعمودها مغشية مستورة بكثرة اغصانها واوراقها وازهارها وهذا الوصف يدل على عظمة شأن الشجرة عينها وجلالة قدرها وكيف لا والواحدية من حيث الحقيقة عين الاحدية ومن حيث الاعتبار العقلى غيرها فافهم جدا لايفوتك الحقيقة بل الطريقة والشريعة انتهى وقال البقلى رحمه الله ابهم ماغشيها لان العقول لاتدرك حقائق مايغشاها وكيف يغشاها والقدم منزه عن الحلول فى الاماكن وكانت الشجرة مرءآة لظهوره سبحانه مالطف ظهوره لايعلم تأويله الا الله والراسخون فى العلم يقولون بعد عرفانهم به آمنا به(14/313)
مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17)
{ مازاغ البصر } الزيغ الميل عن الاستقامة اى ما مال بصر رسول الله عليه السلام ادنى ميل عما رأه { وما طغى } وما تجاوز مع مشاهد هناك من الامور المذهلة مما لايحصى بل اثبته اثباتا صحيحا متيقنا او ماعدل عن رؤية العجائب التى امر برؤيتها ومكن منها وماجاوزها واستدل على ان رؤية الله كانت بعين بصره عليه السلام يقظة بقوله { مازاغ البصر } الخ لان وصف البصر بعدم الزيغ يقتضى ان ذلك يقظة ولو كانت الرؤية قلبية لقال مازاغ قلبه واما القول بأنه يجوز ان يكون المراد بالبصر قلبه فلا بدله من القرينة وهى ههنا معدومة ( قال الكاشفى فى معنى الآية ) ميل نكرد جشم محمد عليه السلام وبجب وراست ننكريست ودرنكذشت ازحديكه مقرر بود نكريستن ويرا درين آيت ستايش آن حضرتست بحسن ادب وعلو همت كه دران شب برتو التفات بر هيج ذره از ذرات كائنات نيفكند وديده دل بجز مشاهده جمال بى زوال الهى نكشود
درديده كشيده كحل مازاغ ... نى راغ نكاه كردونى باغ
ميراند براق عرش برواز ... تاحجله ناز وبرده راز
بس برده زيش ديده برخاست ... بى برده بديد آنجه دل خواست
وفى التأويلا النجمية يشير ال تحقيق النبى عليه السلام بمقام حقيقة الفقر الكلى الذى هو الخلو المطلق عما سواه لانه قال الفقر فخرى واى فقر اعظم وافخم من ان يخرج العبد عن وجود الكلى المجازى ويقوم بالوجود الحقيقى ويظهر بصفات سيده حتى يقال له عبد الله اى لا عبد غيره يعنى مامال بصر ملكه الجسمانى الى ملك الدنيا وزينتها وزخارفها وجاهها ومالها وماطغى نظر ملكوته الروحانى الى عالم الآخرة ونعيمها ودرجاتها وقرباتها وغرفاتها بل اتحدا واجتمعا اتحادا كليا واجتماعا حقيقيا من غير فتور وقصور على شهود الحق واسمائه وصفاته وعجائب تجلياته الذاتية وغرآئب تنزلاته الصفاتية وايضا مازاغ عين ظاهره الى الكثرة الاسمائية قائمة بالوحدة الذاتية وغرآئب تنزلاته بكمال قيامة بشهود المرتبتين ولاحاطة علمه بوجود المرتبتين فافهم ولاتندم وقال البقلى رحمه الله هذه الآية فى الرؤية الثانية لان فى الرؤية الاولى لم يكن شىء دون الله ولذلك ماذكر هناك غض البصر هذا من كل تمكين الحبيب فى محل الاستقامة وشوقه الى مشاهدة ربه اذ لم يمل الى شىء دونه وان كان محل الشرف والفضل وفى كشف الاسرار موسى عليه السلام جون ديدار خواست كه ارنى انظر اليك اورا بصمصام غيرت لن ترانى جواجب دادند بس جون تاوان زده آن سؤال كشت بغرامت تبت اليك واديد آمد باز دون نوبت بمصطفى عليه السلام رسيد ديده ويرا توتياى غيرت لاتمدن عينيك در كشيدند كفتند اى محمد ديده كه بآن ديده مارا خواهى ديكر نكر تابعاريت بكس ندهى مهتر عصابه عزت مازاغ البصر ما طغى برديده خود بست بزبان حال كفت(14/314)
بربندم جشم خويش ونكشايم نيز ... تاروز زيارت تواى يار عزيز
تالا جرم جون حاضر حضرت كشت جمال وجلال ذو الجمال والجلال برديده او كشف كردند كه ماكذب الفؤاد ماراى
همه تنم ذكر كردد جون بانو راز كنم ... همه كمال توينم جو ديده باز كنم
ان تذكرته فكلى قلوب ... أو تأملته فكلى عيون
وكفته اند موسى عليه السلام جون از حضرت مناجات باز كشف باوى نور هيبت بود وعظمت لاجرم هركه دروى ناديست تابينا كشت باز مصطفى عليه السلام جون از حضرت مشاهدات باز كشت باز كشف باوى نوارنس بود تاهركه بروى نكريد بينايىء او بيفزود آن مقام اهل تكوين است واين مقام ارباب تمكين(14/315)
لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)
{ لقد رأى من آيات ربه الكبرى } اى وبالله لقد رأى محمد عليه السلام ليلة المعراج الآيات التى هى كبراها وعظماها فأرى من عجائب الملك والملكوت مالا يحيط به نطاق العبارة فقوله { من آيات ربه } حال قدمت على ذيها وكلمة من للبيان لانه المناسب لمرام المقام وهو التعظيم والمبالغة ولذا لم تحمل على التبعيض على ان يكون هو المفعول ويجوز ان يكون الكبرى صفة للآيات والمفعول محذوف اى شيأ عظيما من آيات ربه وان يكون من مزيدة يعنى على مذهب الاخفش وكان الاسرآء ليلة السابع والعشررين من رجب على ما عليه الاكثر فى السنة الثانية عشرة من النبوة قبل الهجرة بقليل كما فى تفسير المناسبات وفيه اشكال فان هذه السورة نزلت فى السنة الخامسة من النبوة على مامر فى اول السورة قال ألمفسرون رأى عليه السلام اى ابصر تلك الليلة رفرفا اخضر سد افق السماء فجلس عليه السلام وجاوز سدرة المنتهى والرفرف البساط وهو صورة همته البسيطة العريضة المحيطة بالآفاق مطلقا لانه عليه السلام فى سفر العالم البسيط ولا يصل اليه الا من له علو الهمة مثله وقد قال حسان رضى الله عنه فى نعته عليه السلام
له همم لامنتهى لكبارها ... وهمته الصغرى اجل من الدهر
ورأى تلك الليلة طوآئف الملائكة وسدرة المنتهى وجنة المأموى وما فى الجنان لاهل الايمان وما فى النيران لاهل الطغيان والظلم والانوار ومايعجز عنه الافكار وتحار فيه الابصار ومن ذلك مارأه فى السموات من الانبياء عليهم السلام اشارة بكل نبى الى امر دقيق جليل حالة شريفة قال الامام ابو القاسم السهيلى رحمه الله فى الروض الانف والذى اقول فى هذا ان ماخذ فهمه من علم التعبير فانه من علم النبوة واهل التعبير يقولون من رأى نبيا بعينه ف المنام فان رؤياه تؤذن بما يشبه من حال ذلك النبى فى شدة او رخاء او غير ذلك من الامور التى اخبر بها عن الانبياء فى القرءآن والحديث مثلا من رأى آدم عليه السلام فى مكان على حسنه وجماله وكان للولاية اهلا ملك ملكا عظيما لقوله تعالى { انى جاعل فى الارض خليفة } ومن رأى نوحا عليه السلام فانه يعيش عيشا طويلا ويصيبه شدة واذى من الناس ثم يظفر بهم ومن رأى ابراهيم عليه السلام فانه يعق اباه ويرزق الحج وينصر على اعدآئه ويناله هول وشدة من ملك جائر ثم ينصر ومن رأى يوسف عليه السلام فانه يكذب عليه ويظلم ويناله شدة ويحبس ثم يملك ملكا ويظفر و من رأى موسى وهرون عليهما السلام فان الله يهلك على يده جبارا عنيدا ومن رأى سليمان عليه السلام فانه بلى القضاء او الملك او يرزق الفقه ومن رأى عيسى عليه السلام فانه يكون رجلا مباركا نفاعا كثير الخير كثير السفر فى رضى الله ومن رأى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وليس فى رؤياه مكروه لم يزل خفيف الحال وان رأه فى ارض جدب اخصبت او فى ارض قوم مظلومين نصروا ومن رأه عليه السلام فان كان مغموما ذهب غمه وان كان مديونا قضى الله دينه وان كان مغلوبا نصر وان كان محبوسا اطلق وان كان عبدا اعتق وان كان غائبا رجع الى اهله سالما وان كان معسرا اغناه الله وان كان مريضا شفاه الله تعالى وحديث الاسرآء كان بمكة ومكمة حرم الله وامنه وقطانها جيران الله لان فيها بيته فأول من رأه عليه السلام من الانبياء كان آدم عليه السلام الذى كان فى امن الله وجواره فأخرجه ابليس عدوه منها وهذه القصة تشبهها الحالة الاولى من احوال النبى عليه السلام حين اخرجه اعدآؤه من حرم الله وجوار بيته وكربه ذلك وغمه فأشبهت قصته فى هذه قصة آدم مع ان آدم تعرض عليه ارواح ذريته البر والفاجر منهم فكان فى السماء الدنيا بحيث يرى الفريقين لان ارواح اهل الشقاء لاتلج فى السماء ولا تفتح لهم ابوابها ثم رأى فى الثانية عيسى ويحيى عليهما السلام وهما الممتحنان باليهود اما عليه السلام فكذبته اليهود وآذته وهموا بقتله فرفعه الله اما يحيى عليه السلام فقتلوه ورسول الله عليه السلام بعد انتقاله الى المدينة صار الى حالة ثانية من الامتحان وكانت محنته فيها اليهود آذوه وظاهروا عليه وهموا بالقاء الصخرة عليه ليقتلوه فنجاه الله كما نجى عيسى منه ثم سموه فى الشاة فلم تزل تلك الاكلة تعاوده حتى قطعت ابهره كما قال عند الموت ( وفى المثنوى )(14/316)
جون سفيها نراست اين كارويكا ... لازم آمد يقتلون الانبيا
ومما يؤثر عن سعيد بن المسيب رحمه الله الدنيا بذلة تميل الى الابذال ومن استغنى بالله افتقر اليه الناس وما لقاؤه ليوسف عليه السلام فى السماء الثالثة فانه يؤذن بحالة ثالثة تشبيه حالة يوسف عليه السلام وذلك ان يوسف ظفر بأخوته بعدما أخرجوه من بين ظهرانيهم فصفح عنهم وقال { لاتثريب عليكم اليوم } الآية وكذلك نبينا عليه السلام اسر يوم بدر جملة من اقاربه الذين اخرجوه فيهم عمه العباس وابن عمه عقيل فمنهم من اطلق ومنهم من فداه ثم ظهر علهيم بعد ذلك عام الفتح فجمعهم فقال لهما « اقول ماقال اخى يوسف لاتثريب عليكم » ثم لقاؤه لادريس عليه السلام فى السماء الرابعة وهو المكان الذى سماء الله مكانا عليا وادريس اول من آتاه الله الخط بالقلم فكان ذلك مؤذنا بحالة رابعة وهو علو شأنه عليه السلام حتى اخاف الملوك وكتب اليهم يدعوهم الى طاعته حتى قال ابو سفيان وهو عند ملك الروم حين جاءه كتاب النبى عليه السلام ورأى مارأى من خوف هرقل كسبحل وزبرج لقد امر امر ابن ابى كبشة حين اصبح يخافه ملك ابن ابى الاصفر وكتب عليه بالقلم الى جميع ملوك الارض فمنهم من اتبعه على دينه كالنجاشى بالتخفيف وملك عمان ومنهم من هادنه واهدى اليه واتحفه كهرقل المقوقس سلطان مصر ومنهم من تعصى عليه فأظفره الله به فهذا مقام على وخط بالقلم جلى نحوما اوتى ادريس ولقاؤه فى السماء السادسة لموسى عليه السلام يؤذن بحالة تشبه حالة موسى حين امر بغزوة الشام وظهر على الجبابرة الذين كانوا فيها وادخل بنى اسرائيل البلد الذى خرجوا منه بعد اهلاك عدوهم وكذلك غزا رسول الله عليه السلام تبوك من ارض الشام وظهر على صاحب دومة الجندل حتى صالحه على الجزية بعد ان أتى به اسيرا وافتتح مكة وادخل اصحابه البلد الذى خرجوا منه ثم لقاؤه فى السماء السابعة لابراهيم عليه السلام لحكتين احداهما انه رأه عند البيت المعمور مسند اظهره اليه والبيت المعمور حيال الكعبة اى بازآئها ومقابلتها واليه تحج الملائكة كما ان ابراهيم هو الذى بنى الكعبة واذن فى الناس بالحج اليها والحكمة الثانية ان آخر احوال النبى عليه السلام حجه الى البيت الحرام وحج معه ذلك العام نحو من سبعين الفا من المسلمين ورؤية ابراهيم عليه السلام عنداهل التأويل تؤذن بالحج لانه الداعى اليه والرافع لقواعد الكعبة المحجوجة قال الامام ان هذه الآية تدل على ان محمدا عليه السلام ير الله ليلة المعراج وانما رأى آيات الله وفيه خلاف ووجه الدلالة انه ختم قصة المعراج ههنا برؤية الآيات وقال فى موضع آخر سبحان الذى اسرى بعبده ليلا الى أن قال لنريه من آياتنا ولو كان رأه لكان ذلك اعظم مايمكن من الكرامة فكان حقه أن يختم به قصة المعراج انتهى .(14/317)
يقول الفقير رؤية الآيات مشتملة على رؤية الله تعالى كما قال الشيخ الكبير رضى الله عنه فى الفكوك انما تتعذر الرؤية والادراك باعتبار تجرد الذات عن المظاهر والنسب والاضافات فاما فى المظاهر ومن ورآء حجابية المراتب فالادراك ممكن كما قيل
كالشمس تمنعك اجتلاءك وجهها ... فاذا كتست برقيق غنيم امكنا
انتهى واما اشتمال ارآءة الآيات على ارأءة الله تعالى فلما كانت تلك الآيات الملكوتية فوق الآيات الملكية اشهده تعالى فى تلك المشاهد ليكمل له الرؤية فى جميع المراتب والمشاهد ومن المحال أن يدعو كريم كريما الى داره ويضيف حبيب حبيبا فى قصره ثم يتستر عنه ولايريه وجهه
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان الله تعالى آيات كبرى وصغرى اما الآيات الكبرى فهى الصفات القديمة الازلية المسماة عند القوم بالائمة السبعة كالحياة العلم القدرة الارادة والسمع والبصر والكلام والآيات الصغرى هى الاسماء الالهية التى قال الله تعالى(14/318)
{ ولله الاسماء الحسنى } وانما سميت الاولى بالكبرى والثانية بالصغرى لان الصفات مصادر الاسماء ومراجعها كما ان الحى يرجع فى الوجود الى الحياة والعليم الى العلم والقادر الى القدرة ولان الاسماء مظاهر الصفات كما ان الاحى يرجع الى الوجود الى الافعال والافعال مظاهر الاسماء والآثار مظاهر الافعال واما التخصيص بالكبرى دون الصغرى وان كانت من آيات الله كما قال تعالى { قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن اياما تدعوا فله الاسماء الحسنى } لان شهود الآيات الكبرى يستلزم شهود الآيات الصغرى لان الله تعالى اذا تجلى لعبده بصفة الحياة والعلم والقدرة لابد للعبد أن يصير حيا بحياته عليما بعلمه قديرا بقدرته تلخيص المعنى ان النبى صلى الله عليه وسلم لما عرج به الى سماء الجمعية الوحدانية وادرج فى نور الفردانية تجلى الحق سبحانه اولا بصروة هذه الصفات الكبرى التى هى مفاتيح الغيب لايعلمها الا هو بحيث صارت حياته مادة حياة العالم كله علويه وسفليه وروحانية وجمسانية معدنية ونباتيه وحيوانية وانسانية كما قال { وما أرسلناك الا رحمة للعالمين } وقال لولاك لما خلقت الافلاك وقال عليه السلام « انا من الله والمؤمنون منى » وكذا صار علمه محيطا بجميع المعلومات الغيبية المكوتية كما جاء فى حديث اختصام الملائكة انه قال فوضع كفه على كتفه فوجدت بردها بين يديى فعلمت علم الاولين والآخرين وفى رواية علم ما كان وما سيكون وكذا قدرته كسر بها اعناق الجبابرة وضرب بالسيف رقاب الاكاسرة وخرب حيطانهم وحصونهم فما بقين ولا بقوا وببركة هذا التجلى الجمعى الكلى والاحاطى صار آدم بتبعيته وخلافته خليفة العالم كما اخبر فى كتابه العزيز { انى جاعل فى الارض خليفة } واسجد الله الملائكة لتلألؤ نروه الوحدانى فى وجه آدم هذا تحقيق قوله { لقد رأى من آيات ربه الكبرى } اللام جواب القسم ومن مزيدة انهى . وقال البقلى رحمه الله أراه سبحانه من آياته العظام مالا يقوم برؤيتها احد سواه اى المصطفى عليه السلام وذلك بأن البسه قوة الجبارية الملكوتية كما قال { لقد رأى من آيات ربه الكبرى } وذلك ببروز انوار الصفات فى الآيات وتلك الآيات لو رأها احد ستغرق فى رؤيتها فكان من كمال استغراقه فى بحر الذات الصفات لم يكبر عليه رؤية الآيات قال ابن عطاء رأى الآيات فلم تكبر فى عينه لكبر همته وعلو محله ولاتصاله بالكبير المتعال قال جعفر شاهر من علامات المحبة ما كبر عن الاخبار عنها(14/319)
أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)
{ أفرأيتم اللات والعزى0 ومناة الثالثة الاخرى } هى اصنام كانت لهم فاللات كانت لثقيف بالطائف اصله لوية فاسكنت الياء حذفت لالتقاء الساكنين فبقيت لوة فقلبت الواو الفا لتحركها وانفتاح ماقبلها فصارت لاة فهى فعلة من لوى لانهم كانوا يلوون عليها ويطوفون بها وكانت على صورة آدمى قال سعدى المفتى فان قلت هذا يختص بقراءة الكسائى فانه يقف على اللاة بالهاء اما الباقون فيقفون عليها بالتاء فلا يجوز ان تكون من تلك المادة قلت لانسلم ذلك فانهم انما يقفون بهاء مراعاة لصورة الكتابة لاغير انتهى والعزى تأنيث الاعز كانت لغطفان وهى سمرة كانوا يعبدونها فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقطعها وهو يقول ياعزى كفرانك لاسبحانك انى رأيت الله قد أهانك فخرجت من اصلها شيطانة ناشرة شعرها واضعة يدها على رأسها وهى تولول فجعل خالد يضربها بالسيفحتى قتلها فاخبر رسول الله عليه وسلم فقال « تلك لن تعبد أبدا » وفى القاموس العزى صنم او سمرة عبدتها غطفان اول من اتخذها ظالم بن اسعد فوق ذات عرق الى البستان بتسعة اميال بنى عليها بيتا وسماه بسا وكانوا يسمعون فيها الصوت فبعث اليها رسول الله خالد بن الوليد فهدم البيت واحرق السمرة انتهى ومناة صخرة لهذيل وخزاعة سميت مناة لان دماء المناسك تمنى عندها اى تراق ومنه منى وفى انسان العيون مناة صنم كان للاوس والخزرج ارسل رسول الله عليه السلام سعد بن زيد الاشهلى رضى الله عنه فى عشرين فارسا الى مناة ليهدم محلها فلما وصلوا الى ذلك الصنم قال السادن لسعد ماتريد قال هدم مناة قال انت وذاك فأقبل سعند الى ذلك الصنم فخرجت اليه امرأة عريانة سودآء ثائرة الرأس تدعو بالويل تضرب صدرها فقال لها السادن مناة دونك بعض عصاتك فضربها سعد فقتلها وهدم محلها انتهى ووصف مناة بالثالثة تأكيدا لانها لما عطفت عليهما انها ثالثتهما والاخرى صفة ذم لها وفى المتأخرة الوضيعة المقدار اى مناة الحقيرة الذليلة لان الاخرى تستعمل فى الضعفاء كقوله تعالى { قالت اخراهم لاولاهم } اى ضعفاؤهم لرؤسائهم قال ابن الشيخ الاخرى تأنيث الآخر بفتح الخاء وهو فى الاصل من التأخر فى الوجود نقل فى الاستعمال الى المغايرة مع الاشتراك مع موصوفة فيما اثبت له ولايصح حمل الاخرى فى الآية على هذا المعنى العرفى اذ لا مشاركة لمناة فى كونها مناة ثالثة حتى توصف بالاخرى احترازا عنها فلذلك حمل على المعنى المذكور انتهى وقد جوز ان تكون الاولية والتقدم عندهم للات والعزى فتكون مناة من التأخير الرتبى يعنى ان العزى شجرة وهى لكونها من اقسام النبات اشرف من مناة التى هى صخرة وجماد فهى متأخرة عنها رتبة ويقال ان المشركين أرادوا أن يجعلوا لآلهتهم نم الاسماء الحسنى فأرادوا أن يسمعوا واحدا منها الله فجرى على ألسنتهم اللات وارادوا أن يسموا واحدا منها العزيز فجرى على ألسنتهم العزى وأرادوا أن يسموا واحدا منها المنان فجرى على ألسنتهم المناة وقال الراغب اصل اللات اللاه فحذفوا منه الهاء وادخلوا التاء فيه فانثوه تنبيها على قصوره عن الله وجعلوه مختصا بما يتقرب به الى الله فى زعمهم وقال السهيلى اصل هذا الاسم اى اللات لرجل كان يلت السويق للحجاج بسمن واقط اذا قدموا وكانت العرب تعظم ذلك الرجل باطعامه فى كل موسم فلما مات اتخذ مقعده الذى كان يلت فيه السويق منسكا ثم سنح الامر بهم الا أن عبدوا تلك الصخرة التى كان يقعد عليها ومثلوها صنما وسموها اللات اعنى ملت السويق ذكر ذلك كثير ممن الف فى الاخبار والتفسير انتهى وهذا على قرآءة من يشدد اللات اى التاء منه وقد قرأ به اى بالتشديد ابن عباس وعكرمة وجماعة كما فى القاموس ثم انهم كانوا مع ماذكر من عبادتهم لها يقولون ان الملائكة وتلك الاصنام بنات الله فقيل لهم توبيخا وتبكيتا أفرايتم الهمزة للانكار الفاء لتوجيهه الى ترتيب الرؤية على ماذكر من شؤون الله المنافية لها غاية المنافاة وهى قليبة ومفعولها الثانى محذوف لدلالة الحال عليه فالمعنى أعقيب ماسمعتم من آثار كمال عظمة الله فى ملكه وملكوته وجلاله وجبروته واحكام قدرته ونفاذ امره فى الملأ الاعلى وما تحت الثرى ومابينهما رأيتم هذه الاصنام مع غاية حقارتها بنات له تعالى قال بعضهم كانوا يقولون ان الملائكة بنات الله وهذه الاصنام استوطنها جنيات هن بناته تعالى او هذه الاصنام هيا كل الملائكة التى هن بناته تعالى(14/320)
وفى التأويلات النجمية يخاطب عبدة الاصنام صنم لات النفس وصنم عزى الهوى ومناة الدنيا الدنية الخسيسة الحقيرة الواقعة فى أدنى المراتب لخسة وضعها ودناءة قدرها ويستفهم منهم انكار الهم وردا عليهم اخبرونى عن حال آلهتكم التى اتخذتموها معبودات وتمكنتم على عبوديتها هل وجدتم فيها صفة من صفات الالهية من الايجاد والاعدام والنفع والضر وامثالها لا والله بل اتخذتموها آلهة لغاية ظلو ميتكم على انفسكم ونهاية جهوليتكم بالاله الواحد الاحد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا احد ( قال المغربى رحمه الله )
بود وجود مغربى لات ومنات او بود ... نيست بتى جو بود او درهمه سو منات تو(14/321)
أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22)
{ ألكم الذكر وله الانثى } توبيخ مبنى على التوبيخ الاول والمعنى بالفارسية آياتها شمارا فرزندان نرباشند ومرخدايرا مادة { تلك } اشارة الى القسمة المنفهمة من الجملة الاستفهامية { اذن } آنهنكام كه جنين باشد { قسمة ضيزى } اى جائرة معوجة حيث جعلتم له تعالى ماتستنكفون منه ولهى فعلى من الضيز وهو الجور يعنى ان اصله ضيزى بضم الضاد من ضاز فى الحكم يضيز ضيزا اى جار واضازه حقه بضيزه اى بخصه ونقصه لكن كسر فاؤه لتسلم الياء كما فعل فى البيض فان اصله بيض بضم الباء لانه جمع ابيض كحمر فى جمع احمر وذلك لان فعلى بالكسر لم يأت فى الوصف وفيه اشارة الى استنكار شركهم وتخصيصهم الشرك ببعض الظاهر دون بعض يعنى أتخصصون ذكر الروح لكم وان كان ميتا باستيلاء ظلمة نفوسكم الظمانية عليه وتجعلون انثى النفس فى عبوديتها واتباع مراداتها وانقياد اوامرها ونواهيها شريكا له تعالى الله عما يقول الظالمون الذين وضعوا الجور موضع العدل وبالعكس ماهذا الا قسمة الجور والجائر لاقسمة العدل والعادل(14/322)
إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23)
{ ان هى } الضمير للاصنام اى مالاصنام باعتبار الالوهية التى تدعونها اى باعتبار اطلاق اسم الاله { الا اسماء } اى اسماء مخضة ليس تحتها مسميات اى ماتبنىء هى عنه من معنى الألوهية شىء ماصلا كما اذا أردت ان تحقر من هو ملقب بما يشعر بالمدح وفخامة الشان تقول ماهو الاسم ( قال المولى الجامى )
مرد جاهل جاه كيتى را لقب دولت نهد ... همجنان آماس بيند طفل كويد فربهست
( وقال فى ذم ابناء الزمان )
شكل ايشان شكل انسان فعل شان فعل سباع ... هم ذئاب فى ثياب او ثياب فى ذئاب
ويجوز الحمل على الادعاء { سيمتموها } صفة لاسماء وضميرها لها للاصنام ولمعنى جعلتموها اسماء لا جعلتم لها اسماء فان التسمة نسبة بين الاسم والمسمى فاذا قيست الى الاسم فمعناها جعله اسماء للمسمى واذا قيست الى المسمى فمعناها جعله مسمى للاسم وانما اختير ههنا المعنى الاول من غير تعرض للمسمى لتحقيق ان تلك الاصنام التى يسمونها آلهة اسماء مجردة ليس لها مسميات قطعا كا فى قوله تعالى { ماتعبدون من دونه الا ساماء سميتموها } لا ان هناك مسميات لكنها لاتستحق التسمية اى ماهى الا اسماء خالية من المسميات وضعتموها { انتم وآباءكم } بمقتضى اهوآئكم الباطلة { ما انزل الله بها } اى بصحة تسميتها { من سلطان } برهان تتعلقون به جميع القرءآن انزل بالالف الى فى الاعراف فانه نزل بالتشديد { ان يتبعون } التفات الى الغيبة للايذان بأن تعداد قبائحهم اقتضى الاعراض عنهم وحكاية جناياتهم لغيرهم مايتبعون فيما ذكر من التسمية والعمل بموجبها { الا الظن } الا توهم ان ماهم عليه حق توهما باطلا { وما تهوى الانفس } اى تشتهيه انفسهم الا مارة بالسوء فما موصولة ويجوز كونها مصدرية والالف واللام بدل الاضافة وهو معطوف على الظن
وفى التأويلات النجمية يقول ليست هذه الاصنام التى تعبدونها بضلالة نفوسكم الدنية الشهوانية وجهالة عقولكم السخيفة الهيولانية الا اسماء صور وهميمة لامسميات لها اوجدتها اوهامكم الضعيفة وادركتها عقولكم المريضة المشوبة بالوهم والخيل التى هى بمرتبة آبائكم ليس لها عند اصحاب الطلب وارباب الكشف والقرب وجود و لانمو بل هى خشب مسندة ماجعل الله فى تلك الاصنام النفسية والهوآئية والدنيوية ولا ركب فيها التصرف فى الاشياء فى الايجاد والاعدام والقهر واللطف والنفع والضر والاشياء علويها وسفليها جمادها ونباتها حيوانها وانسانها كلها مظاهر الاسماء الالهية ومجالى الصفات الربانية الجمالية والجلالية اى اللطيفة والقهرية تجلى الحق فى الكل بحسب الكل لابحسبه الا الانسان الكامل فانه تجلى فيه بحسب الكلية المجموعية وصار خليفة الله فى الارض وانتم ايها الجهلة الظلمة ماتتبعون تلك الصفات الالهية وماشهدون فى الاشياء تلك الحقائق الروحانية والاسرار الربانية المودعة فى كل حجر ومدر بل اعرضتم باتباع الشهوات الحيوانية وملازمة الجسمانية الظلمانية عن ادراك تلك اللطائف الروحانية وشهود تلك العواطف الرحمانية واتبعتم مظنونات ظنكم الفاسد وموهومات وهمكم الكاسد واثرتم هوى النفس المشئومة على رضى الحق وذلك هو الخسران المبين وان الظن لايغنى من الحق شيأ انتهى وقال الجنيد قدس سره رأيت سبعين عارفا قد هلكو بالتوهم اى توهموا انهم عرفوه تعالى فالكل معزولون عن ادراك حقيقة الحق وما ادركوا فهو اقدارهم وجل قدر الحق عن ادراكهم قال تعالى(14/323)
{ وما قدروا الله حق قدره } ولذلك اجترأ الواسطى رحمه الله فى حق السلطان العارفين ابى يزيد البسطامى قدس سره بقوله كلهم ماتوا على التوهم حتى ابو زيد مات على التوهم وقال البقلى ياعاقل احذر مما يغوى اهل الغرة بالله من الاشكال والمخاييل التى تبدوا فى غواشى ادمغتهم وهم يحسبون انها مكاشفات الغيوب ونوادر القلوب ويدعون ام عالم الملكوت وانوار الجبروت وما يتبعون الا اهوآء نفوسهم ومخاييل شياطينهم التى تصور عندهم اشكالا وتمثالا ويزبنون لهم انها الحق الحق منزه عن الاشكال والتمثال اياك ياصاحبى وصحبة الجاهلين الحق الذين يدعون فى زماننا مشاهدة الله ومشاهدة الله حق للانبياء وليست بمكشوفة للاعدآء { ولقد جاءهم من ربهم الهدى } حال من فاعل يتبعون او اعتراض وايا ما كان ففيه تأكيد لبطلان اتباع الظن وهوى النفس وزيادة تقبيح لحالهم فان اتباعهما من اى شخص كان قبيح وممن هداه الله بارسال الرسول وانزال الكتاب اقبح فالهدى القرءآن والرسول ولم يهتدوا بهما وفيه اشارة الى افساد استعدادهم الفطرى الغير المجعول بواسطة تلبسهم بملابس الصفات الحيوانية العنصرية وانهماكهم فى الغواشى الظلمانية الطبيعية فانهم مع ان جاءهم من ربهم اسباب الهدى وموجباته وهو النبى عليه السلام والقرءآن وسائر المعجزات الظاهرة والخوارق الباهرة الدالة على صدق نبوته وصحة رسالته اشتغلوا بمتابعة النفس وموافقة الهوى واعرضوا عن التوجه الى الولى والمولى وذلك لان هداهم ماجاءهم الا فى يوم الدنيا لافى يوم الازل ومن لم يجعل الله له نورا فى يوم الازل فما له من نور الى يوم الابد . واعلم ان الهدى ضد الهوى فلا بد من المتابعة للهدى قال بعض الكبار ليس لولى كرامة الا بحكم الارث لمن ورثه من الانبياء عليهم السلام ولذلك لم يقدر من هو وارث عيسى عليه السلام ان يمشى فى الهواء والماء ومن هو وارث لمحمد عليه السلام له المشى على الهوآء والماء لعموم مقامه وفى الحديث « لو ازداد عيسى يقينا لمشى فى الهوآء » اى بمودب قوة يقينة لا بموجب صدق اتباعى ولا نشك ان عيسى عليه السلام اقوى يقينا من سائر الاولياء الذين يمشون فى الهوآء بما لايتقارب فانه ن اولى العزم من الرسل فعلمنا قطعا ان مشى الوى منا فى الهوآء انما هو بحمم صدق التبعية لا بزيادة اليقين على يقين عيسى عليه السلام وعيسى اصدق فى تبعيته لمحمد عليه السلام من جميع الاولياء فله القدرة بذلك على المشى على الهوآء وان ترك ذلك من نفسه وبالجملة فلا يمشى فى الهوآء الا من ترك الهوى
هوى وهوس را نماند ستيز ... جو بيند سر بنجه عقل تيز(14/324)
أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24)
{ ام للانسان ماتمنى } ام منقطعة وما فيها من معنى بل للانتقال من بيان ان ماهم عليه غير مستند الا الى توهمهم وهوى نفسهم الى بيان ان ذلك مما لايجدى نفعا اصلا والهمزة للانكار والنفى والتمنى تقدير شىء فى النفس وتصويره فيها وذلك قد يكون عن تخمين وظن وقد يكون عن رؤية وبناء على اصل لكن لما كان اكثره عن تخمين صار الكذب له املك فأكثر التمنى تصوير مالا حقيقة له والمعنى ليس للانسان كل مايتمناه وتشتهيه نفسه من الامور التى من جملتها اطماعهم الفارغة فى شفاعة الآلهة ونظائرها التى لاتكاد تدخل تحت الوجود
ماكل مايتمنى المرء يدركه ... تجرى الرياح بمالاتشتهى السفن
( وقال الكاشفى ) آياهستت مر انسان را يعنى كافررا آنجه آرزو برداز شفاعت بتان ياآنكه كويد جرا نبوت بفلان وفلان ندادند . وقيل ام للانسان ماشتهى من طول الحياة وان لابعث ولا حشر وفى الآية اشارة الى ان للانسان اسعتداد الكمال وهو الفناء عن انانيته والبقاء بهوية الله تعالى لكن بسبب اشتغاله باللذات الجسمانية والروحانية يحصل له فى بعض الاوقات آفات العلائق الجمسانية وفترات العوآئق الروحانية فيحرم من بلوغ مطلوبه ولايتهيأ له كل ماتمناه اذ كل ميسر لما خلق له فمن خلق مظهر اللطف بيده اليمنى لايقدر أن يجعل نفسه مظهر القهر ومن خلق مظهر القهر بيده اليسرى لايمكن أن يجعل نفسه مظهر اللطف
توان باك كردن زرنك آينه ... وليكن نيايد زسنك آينه
وانما تمنى لما ليس له مخلوقية على صورة من جمع الضدين بقوله { هو الاول والآخر والظاهر والباطن } اى هو الاول فى عين آخريته والظاهر فى عين باطنيته وسئل الخراز قدس سره بم عرفت الله قال بالجمع بين الضدين لان الحقيقة متوحده والتعين والظهور متعدد وتنافى التعينات لايقدح فى وحدة الهوية المطلقة كما ان تنافى الزوجية والفردية لايقدح فى العدد وتضاد السواد والبياض لايقدح فى اللون المطلق قال الحسين رحمه الله لاختيار طلب الربوبية والتمنى الخروج من العبودية وسبب عقوبة الله عباده ظفرهم بمنيتهم(14/325)
فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (25)
{ فلله الآخرة والاولى } تعليل لانتقاء ان يكون للانسان مايتمناه حتما فان اختصاص امور الآخرة والاولى جميعا به تعالى مقتض لانتفاء ان يكون له امر من الامور وفى التأويلات النجمية يشير الى قهرمانية لحق تعالى على العالم كله ملكه وملكوته الاخرى والدنيوى يعنى لايملك الانسان شيأ حتى يتمكن من تحصيل ماتتمناه نفسه بل ملك الآخرة تحت تصرف يده اليمنى المقتضية لموجبات حصول الآخرة من الاعمال الصالحة والافعال الحسنة يهبه بالاسم الواهب لمن يشاء ان يكون مظهر لطفه وجماله وملك الدنيا تحت تصرف يده اليسرى المستدعية لاسباب حصول الدنيا من حب الدنيا الدنية المنتجة للخطيئة ومتابعة النفس الخبيثة موافقة الطعبية اللئيمة يجعله باسمه المقسط لمن يشاء ان يكون مظهر صفة قهره وجلاله ولا ذلك يزيد فى ملكه ولا هذا ينقص من ملكه وكلتا يدى الرحمن ملأى سحاء(14/326)
وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26)
{ وكم من ملك فى السموات لاتغنى شفاعتهم شيأ } اقناط لهم مما علقوا به اطماعهم من شفاعة الملائكة لهم موجب لاقناطهم عن شفاعة الاصنام بطريق الاولوية وكم خبرية مفيدة للتكثير محلها الرفع على الابتدآء والخبر هى الجملة المنفية وجمع الضمير فى شفاعتهم مع افراد الملك باعتبار المعنى اى وكثير من الملائكة لا تغنى شفاعتهم عند الله شيأ من الاغناء فى وقت من الاوقات اى لاتنفع شيأ من النفع وهو القليل منه او شيأ اى احدا وليس المعنى انهم يشفعون فلا تنفع شفاعتهم بل معناه انهم لايشفعون لانه لايؤذون لهم كا قال تعالى { الا من بعد أن يأذن الله } لهم فى الشفاعة { لمن يشاء } أن يشفعون له { ويرضى } ويراه اهلا للشفاعة من اهل التوحيد والايمان وما من عداهم من اهل الكفر والطغيان فهم من اذن الله بمعزل ومن الشفاعة بألف منزل فاذا كان حال الملائكة فى باب الشفاعة كما ذكر فما ظنهم بحال الاصنام وفى الآية اشارة الى ان ملك الروح يشفع فى حق النفس الامارة بالسوء رجاء الانسلاخ عن اوصافها الذميمة والترقى الى مقام الفناء والبقاء ولكن لاتنفع شفاعته فى حقها لعلمه القديم الازلى بعدم استعدادها للترقى من مقامها اللهم الا ان تقبل شفاعته فى حق نفس رقيق الحجاب مستعد لقبول الفيض الالهى لصفاء فطرته الاولى وبقاء قابليته الكبرى للترقى فى المقامات العلية بالخروج من موافقة الطبع ومخالفة الشرع والدخول فى موافقة الشريعة ومخالفة الطبيعة(14/327)
إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27)
ن لايؤمنون بالآخرة } وبما فيها من العقاب على مايتعاطونه من الكفر والمعاصى { ليسمون الملائكة } المنزهين عن سمات النقصان على الاطلاق اى كل يسمون كل واحد منهم { تسمية الانثى } منصوب على انه صفة مصدر محذوف اى تسمية مثل تسمية الانثى فان قولهم الملائكة بنات الله قول منهم بان كلا منهم بنته سبحانه وهى التسمية بالانثى فاللام فى الملائكة للتعريف الاستغراقى وفى تعليقها بعدم الايمان بالآخرة اشعار بأنها فى الشناعة والفظاعة واستتباع العقوبة وفى الاخيرة بحيث لايتحرى عليها لام من لايؤمن بها رأسا قال ابن الشيخ فان قيل كيف يصح أن يقال انهم لايؤمنون بالآخرة مع انهم كانوا يقولون هؤلاء شفعاؤنا عندالله وكان من عادتهم أن يربطوا مركوب الميت على قبره ويعتقدون انه يحشر عليه اجيب بأنهم ماكانوا تجزمون به بل كانوا يقولون لانحشر فان كان فلنا شفعاء بدليل ماحكى الله عنهم وما اظن الساعة قائمة ولئن رجعت الى ربى ان لى عنده للحسنى وايضا ماكانوا يعترفون بالآخرة على جه الذى ورد به الرسل فهم لايؤمنون بها على وجهها . واعلم ان الملائكة ليسوا بذكور ولاناث وفى الحديث « جبرآئيل اتانى فى اول ماأوحى الى فعلمنى الوضوء والصلاة فلما فرغ من الوضوء اخذ غرفة من الماء فنضح بها فرجه اى رش بها فرجه » اى محل الفرج من الانسان بناء على انه لافرج له وكون الملك لافرج له لو تصور بصورة الانسان دليل على انه ليس ذكرا ولا انثى وفيه نظر لانه يجوز ان يكون له آلة ليست كآلة الذكر وكآلة الانثى كما قيل بذلك فى الخنثى ويقال ذلك فرج بعضهم حمل الفرج على مايقالبل الفرج من الازار(14/328)
وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28)
{ ومالهم به من علم } حال من فاعل يسمون اى يسمونهم والحال انه لا علم لهم بمايقولون اصلا { ان يتبعون } اى مايتبعون فى ذلك ليس بتكرار لان الاول متصل بعبادتهم اللات والعزى ومناة والثانى بعبادتهم الملائكة { الا الظن } الفاسد { وان الظن } اى جنس الظن كما يلوح به الاظهار فى موقع الاضمار { لايغنى من الحق شيأ } من الاغناء فان الحق الذى هو عبارة عن حقيقة الشىء لايدرك ادراكا معتبرا الا بالعلم والظن لاعتداد به فى شأ المعارف الحقية وانما يعتد به فى العمليات ومايؤدى اليها كمسائل علم اصول الفقه وفيه ذم للظن ودلالة على عدم ايمان المقلد وقيل الحق بمعنى العلم اى لايقوم الظن مقام العلم وقيل الحق بمعنى العذاب اى ان ظنهم لاينقذهم من العذاب وحقيقة هذه الآية العزيزة تحريض السالكين الطالبين على السعى والاجتهاد فى السير الى الله بقطع المنازل السفلية وتصحيح المقامات العلوية الى ان يصلوا الىعين الجمع ويغرقوا فى بحر التوحيد ويشهدوا الحائق والمعانى المجردة بنور الوحدة الحقيقة الذاتية الدافعة ظلمة الكثرة النسبية لاسماء الله تعالى ثم ان الافراد يتفاوتون فى حضرة الشهود مع كونهم على بساط الحق الذى لانقص فيه لانهم انما يشهدون فى حقائقهم ولو شهدوا عين الذات لستاووا فى الفضيلة قال بعض الكبار اصحاب الكشف الخيالى غلطهم اكثر من اصابتهم لان الخيال واسع والذى يظهر فيه يحتمل التأويلات المختلفة فلا يقطع القطع بما يحصل منه الا بعلم آخر ورآء ذلك وانما كان الخيال بهذا الحكم لكونه ليست له حقيقة ونفسه بل هو امر برزخى بين حقيقتين وهما المعانى المجردة والمحسوسات فهلذا يقع الغلط فى الخيال لكونه ليست له حقيقة فى نفسه وانظر الى اشارته عليه السلام فى الكشف الخيالى وكونه يقبل الاصابة والغلط لما أتاه جبرآئيل بصورة عائشة رضى الله عنها فى سرفة من حرير وقال له هذه زوجتك فقال عليه السلام « ان يكن من عند الله يمضه » « بحلاف مالو اتاه ذلك بطريق الوحى المعهود المحسوس له او بطريق المعانى المجردة الموجبة لليقين وللعلم فانه ذا لايمكنه الجواب بمثل ذلك الجواب الذى يشعر بالتردد المحتمل الذى يقتضيه حضرة الخيال بحقيقتها
سيراب كن زبحر يقين جان تشنه را ... زين بيش خشك لب منشين برسراب ريب(14/329)
فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29)
{ فاعرض عمن تولى عن ذكرنا } اى فاعرض يا محمد عن دعوة من اعرض عن ذكرنا المفيد للعلم اليقينى ولم يؤمن به وهو القرءآن المنطوى على علوم الاولين والآخرين المذكر لأمور الآخرة ولاتتهالك على اسلامه وعن ذكرنا كما ينبغى فان ذلك مستتبع لذكر الآخرة ومافيها من الامور المرغوب فيها والمهروب عنها { ولم يرد الا الحياة الدنيا } راضيا بها قاصرا نظره على جمع حطامها وجلب منافعها فالمراد النهى عن دعوته والاعتناء بشأنه فان من اعرض عما ذكر وانهمك فى الدنيا بحيث كانت منتهى همته وقصارى سعيه لاتزيده الدعوة الى خلافها الاعنادا واصرارا على الباطل النهى عن الدعوة لايستلزم نهى الآية بآية القتال بل الاعراض عن الجواب والمناظرة شرط الجواز المقاتلة فيكف يكون منسوخا بها فالمعنى اعرض عنهم ولا تشتغل باقامة الدليل والبرهان فانهم لاينتفعون به وقاتلهم واقطع دابرهم قال بعضهم ضيع وقته من اشتغل بموعظة طالبى الدنيا والراغبين فيها لان احدا لايقبل على الدنيا الا بعد الاعراض عن الله
باسيه دل جه سود كفتن وعظ ... نرود ميخ آهنين درسنك
قال ابن الشيخ اعلم ان النبى عليه السلام كالطبيب للقلوب فأمره الله تعالى فى معالجة القلوب بما عليه الاطباء فى معالجة المرضى فان المرض اذا امكن علاجه بالغذآء لايستعملون فى ازالته الدوآء واذا امكن ازالته بالدوآء الضعيف لايستعملون الدوآء القوى والكى فلذلك امر عليه السلام بالذكر الذى هو غذآء القلوب حيث قال « قولوا لا اله الا الله فان بذكر الله تطمئن القلوب » كما ان بالغذآء تطمئن النفوس فانتفع به ابو بكر ومن كان مثله رضى الله عنهم ومن لم ينتفع بالحمل على الذكر والامر به ذكر لهم الدليل وقال اولم يتفكروا قل انظروا افلا ينظرون فلما لم ينتفعوا أتى بالوعيد والتهديد فلما لم ينفقعهم قال اعرض عن المعالجة واقطع الفاسد لئلا يفسد الصالح فقوله عمن تولى الخ اشارة الى ماقلنا فان التولى عن ذكره كناية عن ملزمة الذى هو ترك النظر فى دلائل وجوده ووحدته وسائر صفاته وقوله ولم يرد الخ اشارة الى انكارهم الحشر ومن لم يقل بالحشر والحساب لايخاف ولا يرجع عما هو عليه ترك النظر فى دلائل الله لايعرفه فلا يتبع رسوله فلا ينفعه كلامه فلا يبقى فى الدعاء فائدة فلم يبق الا ترك المعالجة والمسارعة الى المقاتلة انتهى كلامه . ثم اعلم ان كل مايبعد البعد عن حضرة سيده فهو من الحياة الدنيا فمن قصد بالزهد والورع والتقى والكشف والكرامات وخوارق العادات قبول الناس والشهرة عندهم وحصول الجاه والمال فهو ممن لم يرد الا الحياة الدنيا فضاع جميع احواله وكسد جملة اقواله وافعاله اذ لاربح له عند الله ولا ثمرة
زعمرو اى بسر جشم اجرت مدار ... جو درخانه زيد باشى بكار
ولايغترن هذا بحصول بعض الكشوف واقبال اهل الدنيا عليه فانه ثمرة عاجلة ماله فى الآخرة من خلاق ألا ترى ان ابليس عبد الله تعالى تسعة آلاف سنة لما كفر وقال انظرنى الى يوم يبعثون امهله الله تعالى فكانت تلك المهلة ثمرة عاجلة له فى حياته الدنيوية(14/330)
ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (30)
{ ذلك } اى امر الدنيا وفى بحر العلوم اى ارادة الدنيا وايثارها على الآخرة وفى الارشاد اى ماأداهم الى ماهم فيه من التولى وقصر الارادة على الحياة الدنيا { مبلغهم من العلم } لايكادون تجاوزونه الىغيره حتى يجديهم الدعوة والارشاد كقوله تعالى { يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون } فمبلغ اسم مكان وجمع الضمير فى مبلغهم باعتباره معنى من كما ان افراده فيما سبق باعتبار لفظها والمراد بالعلم مطلق الادراك المنتظم للظن الفاسد والجلمة اعتراض مقرر لقصر همتهم على الدنيا الدنية التى هى ابغض الخلق الى الله تعالى بشهادة قوله عليه السلام « ان الله لم يخلق خلقا هو ابغض اليه من الدنيا ومانظر الهيا منذ خلقها بغضا لها » رواه ابو هريرة رضى الله عنه ومعنى هو ان الدنيا على الله سبحانه انه تعالى لم يجعلها مقصودة لنفسه بل جعلها طريقا موصلة الى ماهو المقصود لنفسه ولذلك قال عليه السلام « الدنيا قنطرة فاعبروها لا تعمروها » فما ورد من اباحة لعن الدنيا فباعتبار ماكان منها مبعدا عن الله تعالى وشاغلا عنه كما قال بعض اهل الحقيقة مالهاك عن مولاك فهو دنياك ومشئوم عليك واما مايقرب الى الله ويعين الى عبادته فممدوح كما قال عليه السلام « لاتسيوا الدنيا فنعمت مطية المؤمن عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر ان العبد اذا قال لعن الله الدنيا قالت الدنيا لعن الهل اعصانا لربه » ( وفى المثنوى )
جيست دنيا از خدا غافل بدن ... نى قماش ونقره وميزان و زن
مال را كزبهر دين باشى حمول ... نعم مال صالح خواندش رسول
آب در كشتى هلاك كشتى است ... آب اند زير كشتى بشتى است
جونكه مال وملك را ازدل براند ... زان سليمان خويش جرسكين نخواند
قال بعض الكبار من ذم الدنيا فقد عق امه لان جميع الانكاد والشرور التى ينسبها الناس الى الدنيا ليس هو فعلها وانما هو فعل اولادها لان الشر فعل المكلف لافعل الدنيا فهى مطية العبد عليها يبلغ الخير وبها ينجوا منا لشر فهى تحب ان لايشقى احد من اولادها لانها كثيرة الحنو عليهم وتخاف أن تأخذهم الضرة الاخرى على غير اهبة مع كونها ما ولدتهم ولا تعبث فى تربيتهم فمن عقوق اولادها كونهم ينسبون جميع افعال الخير الى الآخرة ويقولون اعمال الآخةر والحال انهم ما عملوا تلك الاعمال الا فى الدنيا فللدنيا اجر المصيبة التى فى اولادها ومن اولادها فما انصف من ذمها بل هو جاهل بحق امه ومن كان كذلك فهو بحق الآخرة اجهل انتهى . واعلم ان الارادة والنية واحد وهو قصد قلبى ينبعث الى قلب الانسان بالعبث الالهى فهذا البعث الالهى ان كان بالفجور على ماقال تعالى(14/331)
{ فألهمها فجورها وتقواها } فهو من اسم المضل وقبضة الجلال ويد القهر وسادنه هو الشيطان وان كان بالتقوى فهو من اسم الهادى وقبضة الجمال ويد اللطف وسادنه هو الملك والاول من عالم العدل والثانى من علام الفضل وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ثم ان نية الانسان لاتخلو اما أن يكون متعلقا فى لسانه وجنانه هو الدنيا فهو سيىء نية وعملا واما أن يكون متعلقها فى لسانه هو الآخرة وفى جنانه هو الدنيا فهو اسوء نية وعملا واما أن يكون متعلقها فى لسانه وجنانه هو الآخرة فهو حسن نية وعملا واما أن يكون متعلقها فى لسانه وجنانه هو وجه الله فهو احسن نية وعملا فالاول حال الكفار والثانى حال المنافقين والثالث حال الابرار الرابع حال المقربين وقد أثار الحق سبحانه وتعالى الى احوال المقربين عبارة والى احوال غيرهم اشارة فى قوله تعالى { انا جعلنا ماعلى الارض زينة لها لنبلوهم أيهم احسن عملا } والمقربون قد فروا الى الله من جميع ما فى ارض الوجود ولم يلتقوا الى شىء سوى وجهه الكريم ولم يريدوا امن المولى غير المولى فكانوا احسن نية وعملا هذا صراط مستقيم اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين { ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بمن اهتدى } تعليل للامر بالاعراض وتكرير قوله وهو اعلم لزيادة التقرير والايذان بكمال تباين المعلومين والمراد بمن ضل من اصر عليه ولم يرجع الى الهدى اصلا وبمن اهتدى من من شأنه الاهتدآء فى الجملة اى هو المبالغ فى العلم بمن لا يرعوى عن الضلال ابدا وبمن يقبل الاهتدآء فى الجملة لا غير فلا تتعب نفسك فى دعوتهم فانه من القبيل الاول وفيه اشارة الى النفس الكافرة ويهود صفاتها فانهم لايقبلون الدعوة لانتفاء استعدادهم لقبولها فمن كان مظهر القهر فى الازل لايكون مظهر اللطف فى الابد وبالعكس وفى الحديث القدسي « خلقت الجنة وخلقت لها اهلا خلقت النار وخلقت لها اهلا فطوبى لمن جعلته اهلا للجنة وويل لمن جعلته اهلا للنار » قال بعض الكبار النفس لاتفعل الشر الا لجاجة من القرين واللجاج ممن لا قدرة على منعه ومخالفته بمنزلة الاكراه والمكره غير مؤاخذ بالشرع والعقل ولذا قال عليه السلام الخير عادة والشر لجاجة فهو بشارة عظيمة من العالم بالامور عليه السلام فانه اخبر ان النفس خيرة بالذات لان اباها الروح القدسى الطاهر وما تقبل الشر الا لجاجة من القرين فلم يجعل عليه السلام الشر من ذاتها(14/332)
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31)
{ ولله مافى السموات وما فى الارض } اى خلقا وملكا لا لغيره اصلالا استقلالا ولا اشتراكا { ليجزى } الخ متعلق بما دل عليه اعلم الخ وما بينهما اعتراض مقرر لما قبله فان كون الكل مخلوقا له تعالى مما يقرر علمه تعالى بأحوالهم ألا يعلم من خلق كأنه قيل فيعلم ضلال من ضل واهتدآء من اهتدى ويحفظهما ليجزى { الذين اساؤا } بد كردند { بما عملوا } اى بعقاب ماعلموا من الضلال الذى عبر عنه بالاساءة بيانا لحاله او بسبب ماعملوا شبه نتيجة علمه بكل واحد من الفريقين وهى مجازاته على حسب ح اله بعلته الغائبة فأدخل لام العلة عليها وصح بذلك تعلقها بقوله اعلم
هين مراقب باش كردل بايدت ... كزبى هر فعل جيزى زايدت
{ ويجزى الذين احسنوا } اى اهتدوا { بالحسنى } اى بالمثوبة الحسنى التى هى الجنة فالحسنى للزيادة المطلقة والباء لتعدية الجزآء او بسبب اعمالهم الحسنى فالباء للسببية والمقابلة(14/333)
الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)
{ الذين يجتنبون كبائر الاثم } صفة للذين احسنوا او بدل منه لكن قال سعدى المفتى لاحسن فى جعل الذين الخ مقصودا بالنسبة وجعل الذين احسنوا فى حكم المتروك ولو كان النظم على العكس لكان لها وجه انتهى يقول الفقير الاجتناب من باب التخلية بالمعجمة وهى اقدم فلذا جعلت مقصودة بالنسبة وصيغة الاستقبال فى صلته دون صلة الموصوف او المبدل منه للدلالة على تجدد الاجتناب واستمراره يعنى للاشعار بأن ترك المعصية سوآء كانت بارتكاب المحرمات او بترك الواجبات ينبغى أن يستمر عليه المؤمن ويجعل الاجتناب عنها دأبا له وعادة حتى يستحق المثوبة الحسنى فان من اجتنب عنها مرة وانهمك عليها فى باقى الازمان لايستحقها بخلاف الحسنات المتطوع بها فان من أتى بها ولو مرة يؤجر عليها وكبائر الاثم مايكبر عقابه من الذنوب وهو مارتب عليه الوعيد بخصوصه كالشرك والزنى مطلقا خصوصا بحليلة جاره وقتل النفس مطلقا لاسيما الاولاد وهى الموؤودة وقال ابن جبير هى مالا يستغفر منه لقوله عليه السلام « لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع اصرار » وفى الحديث « اياكم والمحقرات من الذنوب » قال ابن عباس رضى الله عنهما هى الى سبعين اقرب وتمام التفضيل سبق فى حمعسق فى نظير الآية { والفواحش } وما فحش من الكبائر خصوصا الزنى والقتل بغير حق وغيرهما فهو من قبيل التخصيص بعد التعميم قال الراغب الفحش والفحشاء والفاحشة ماعظم قبحه من الافعال الاقوال { الا اللمم } اللمم ماقبة المعصية ويعبر به عن الصغيرة من قولك الممت بكذا اى نزلت به وقاربته من غير مواقعة وألم الغلام قارب البلوغ والاستثناء منقطع لان المراد باللمم الصغائر وهى لاتدخل فى الكبائر والمعنى الا ماقل و صغر فانه مغفور ممن يجتنب الكبائر يعنى ان الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان مكفرات لما بينهن اذا اجتنب الكبائر قال تعالى { ان الحسنات يذهبن السيئات } وقال ان تجتنبوا كبائر ماتنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وقيل هى النظر بلا تعمد فان أعاد النظر فليس بملم وهو مذنب والغمزة والقبلة كما روى ان نبهان التمار أتته امرأة لتشترى التمر فقال لها ادخلى الحانوت فعانقها وقبلها فقالت المرأة خنت اخاك ولم تصب حاجتك فندم وذهب الى رسول الله عليه السلام فنزلت وقيل هى الخطرة من الذنب اى ماخطره من الذنب على القلب بلا عزم . وازقوت بفعل نيابد . وقيل كل ذنب لم يذكر الله عليه حدا ولا عذابا وقال بعضهم اللهمم والالمام مايعمله الانسان الحين بعد الحين ولايكون له عادة ولا اقامة عليه قال محمد بن الحنفية كل ماهممت به من خير وشر فهو لمم دليله قوله عليه السلام(14/334)
« ان للشيطان وللملك لمة فلمة الشيطان الوسوسة ولمة الملك الالهام » وقال ابن عباس رضى الله عنهما معناه ا لا أن يلم بالفاحشة مرة ثم يتوب ولم يثبت عليها فان الله يقبل توبته ويؤده قوله عليه السلام « ان تغفر اللهم فاغفر جما واى عبد لك لا الما » فالاستثناء على هذا متصل وقال ابن عباس رضى الله عنهما ما رأيت اشبه باللمم مما نقله ابو هريرة رضى الله عن رسول الله عليه السلام « ان الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى فزنى العينين النظر وزنى اللسان النطق وزنى الشفتين القبلة وزنى اليدين البطش وزنى الرجلين المشى والنفس تتمنى وتشتهى والفرج يصدق ذلك كله او يكذبه فان تقدم فرجه كان زانيا والا فهو اللمم » وفى الاسئلة المقحمة الذنوب كلها كبائر على الحقيقة لان الكل تتضمن مخالفة امر الله تعالى لكن بعضها اكبر من بعض عند الاضافة ولا كبيرة اعظم من الشرك واما اللمم فهو من جملة الكبائر والفواحش ايضا الا ان الله تعالى أراد باللمم الفاحشة التى يتوب عنها مرتكبها ومجترحها وهو قول مجاهد والحسن وجماعة من الصحابة منهم ابو هريرة رضى الله عنه { ان ربك واسع المغفرة } حيث يغفر الصغائر باجتناب الكبائر فالجملة تعليل لاستثناء اللمم وتنبيه على ان اخراجه من حكم المؤاخذة به ليس لخلوه عن الذنب فى نفسه بل لسعة المغفرة الربانية
وفى التأويلات النجمية كبائر الاثم ثلاث مراتب محبة النفس الامارة بالسوء ومحبة الهوى النافخ فى نيران النفس ومحبة الدنيا التى هى رأس كل خطيئة ولكل واحدة من هذه المحبات الثلاث فاحشة لازمة غير منفكة عنها اما فاحشة محبة النفس الامارة بالسوء فماوفقة الطبيعة ومخالفة الشريعة واما فاحشة محبة الهوى فحب الدنيا وشهواتها واما فاحشة محبة الدنيا فالاعراض عن الله والاقبال على ماسواه قوله الا اللمم اى الميل اليسير الى النفس والهوى والدنيا بحسب الضرورة البشرية من استراحة البدن ونيل قليل من حظوظ الدنيا بحسب الحقوق لابحسب الحظوظ فان مباشر الحقوق مغفور ومبادر الحظوظ مغرور كما قال ان ربك واسع المغفرة ومن سعة غفرانه ستر ظلمة الوجود المجازى بنور الوجود الحقيقى بالفناء عن ناسوتيته والبقاء بلا هوتيته انتهى قال بعض الكبار من استرقه الكون بحكم مشروع كالسعى فى مصالح العباد والشكر لاحد من المخلوقين من جهة نعمة اسداها اليه فهو لم يبرح عن عبوديته لله تعالى لانه فى ادآء واجب اوجبه الحق عليه واما تعبد العبد فمخلوق عن امر الله لايقدح فى العبودية بخلاف من استرقه الكون لغرض نفسى ليس للحق فيه رآئحة ا مر فان ذلك يقدح فى عبوديته لله تعالى ويجب عليه الرجوع الى الحق تعالى وقال بعض العارفين من المحال ان يأتى مؤمن معصية توعد ا لله عليها بالعقوبة فيفرغ منها الا ويجد فى نفسه الندم على وقوعها منه وقد قال صلى الله عليه وسلم(14/335)
« الندم توبة » وقد قام بهذا المؤمن الندم فهو تائب بلا شك فسقط حكم الوعيد لهذا الندم فانه لابد للمؤمن أن يكره المخالفة ولا يرضى بها فهو من كونه كارها لها ومؤمنا بأنها معصية ذو عمر صالح وهو من كونه فاعلا لها ذو عمل سيىء فهو من الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا وقد قال تعالى فيهم عيسى الله أن يتوب عليهم يعنى ليتوبوا والله غفور رحيم انتهى فعلى العاقل أن يندم على المعاصى الواقعة منه ولا يغتر بالرب الكريم وان كان الله واسع المغفرة فانه تعالى شديد البطش والاخذ نسأل الله العفو والعافية فى الدين والدنيا والآخرة { هو } تعالى { اعلم } منكم { بكم } اى بأحوالكم يعلمها { اذ أنشأكم } اى خلقكم فى ضمن انشاء أبيكم آدم عليه السلام { من الارض } انشاء اجماليا { واذا أنتم اجنة } ووقت كونكم اجنة { فى بطون امهاتكم } على اطوار مختلفة مترتبة لايخفى عليه حال من أحوالكم وعمل من أعمالكم التى من جملتها اللمم الذى لولا المغفرة الواسطة لاصابكم وباله وضروره والاجنة جمع جنين مثل اسرة وسرير والجنين الولد مادام فى البطن وهو فعيل بمعنى مفعول اى مدفون مستتر والجنين الدفين فى الشىء المستتر فيه من جنة اذا ستره واذا خرج من بطن امه لايسعى الا ولدا او سقطا وفى الاشباه هو جنين مادام فى بطن امه فاذا انفصل ذكرا فصبى ويسمى رجلا كما فى آية الميراث الى البلوغ فغلام الى تسعة عشر فشاب الى أربعة وثلاثين فكهل الى احد وخمسين فشيخ الى آخر عمره هذا فى اللغة وفى الشرع يسمى غلاما الى البلوغ وبعده شابا وفتى الى ثلاثين فكهل الى خمسين وشيخ وتمامه فى ايمان البزازية فان قيل الجنين اذا كان اسما له مادام فى البطن فما فائدة قوله تعالى فى بطون امهاتكم قلنا فائدته المبالغة فى بيان كمال علمه وقدرته فان بطون الامهات فى غاية الظلمة ومن علم حال الجنين فيها لايخفى عليه شىء من أحواله { فلا تزكوا أنفسكم } الفاء لترتيب النهى عن تزكية النفس على ماسبق من أن عدم المؤآخذة باللمم ليس لعدم كونه من قبيل الذنوب بل لمحض مغفرته تعالى مع علمه بصدوره عنكم اى اذا كان الامر كذلك فلا تثنوا عليها بالطهارة من المعصية بالكلية او بما يستلزمها من زكاء العمل ونماء الخير بل اشكروا الله تعالى على فضله ومغفرته وبالفارسية بس ستايش مكنيد نفسهاى خودرا به بى كناهى وبسيارى خيروخوبى اوصاف . وقال الحسن رحمه ا لله علم الله من كل نفس ماهى صانعة والى ماهى صائرة فلا تزكوا أنفسكم ولا تطهروها من الآثام ولا تمدحوهها بحسن الاعمال لان كل واحد من التخلية والتحلية انما يعتد به اذا كان خالصا لله تعالى واذا كان هو أعلم بأحوالكم منكم فأى حاحة الى التزكية(14/336)
همان به كرآبستن كوهرى ... كه همجون صدف سر بخود در برى
اكر مسك خالص ندارى مكوى ... وكرهست خود فاش كردد ببوى
منه آب زر جان من بربشيز ... كه صراف دانا نكيرد بجيز
واما من زمكاه الغير ومدحه فقد ورد فيه { احثوا فى جه المداحين } اى الذين يمدحون بما ليس فى الممدوح { التراب } على حقيقته او هو مجاز عن ردهم عن المدح لشلا يغتر الممدوح فيتجبر وقيل المراد به أن لا يعطوهم شيأ لمدحهم او معناه الامر بدفع المال اليهم لينقطع لسانهم ولا يشتغلوا بالهجوا وفيه اشارة الى أن المال حقير فى الواقع كالتراب قال ابو الليث فى تفسير المدح على ثلاثة اوجه الاول أن يمدحه فى وجهه فهو الذى نهى عنه والثانى أن يمدحه بغير حضرة ويعلم انه يبلغ فهذا ايضا ينهى عنه ومدح فى حال غيبته وهو لايبالى بلغه او لم يبلغه ومدح يمدحه بما هو فيه فلا بأس بهذا انتهى ( وفى المثنوى )
خلق مادر صورت خود كرد حق ... وصف ماز وصف او كيرد سبق
جونكه آن خلاق شكر وحمد جوست ... آدمى را مدح جويى نيز خوست
خاصه مرد حق كه در فضلست جست ... برشود زان باد جون خيك درست
ور نه باشد اهل زان باد دروغ ... خيك بدريدست كى كيرد فروغ
واما المدح بعد الموت فلا بأس به اذا لم يجاوز الحد كالروافض فى مدح اهل البيت { هو اعلم بمن اتقى } المعاصى جميعا وهو استئناف مقرر للنهى ومشعر تأن فيهم من يتقيها بأسرها وقيل كان ناس يعملون اعمالا حسنة ثم يقولون صلاتننا وصيامنا وحجنا فنزلت وهذا اذا كان بطريق الاعجاب او الرياء فأما من اعتقد أن ماعمله من الاعمال الصالحة من الله تعالى وبتوفيقه وتأييده ولم يقصد به التمدح لم يكن من المزكين أنفسهم فان المسرة بالطاعة طاعة وذكرها شكر
وفى التأويلات النجمية يشير به الى أن علم الانسان بنفسه علم اجمالى وعلمه تعالى به تفصيلى والعلم التفصيلى اكمل واشمل من العلم الاجمالى و ايضا علم الانسان بنفسه علم مقيد قواه البشرية وهو متناه بحسب تناهى قواه البشرية علمه تعالى به علم مطلق اذ علمه عين ذاته فى مقام الواحدية غير ذاته فى مقام الواحدية والعلم المطلق أحوط وأجمع من العلم المقيد وايضا الانسان مخلوق على صورة الله كما قال عليه السلام « ان الله خلق آدم على صورته » وفى رواية اخرى على صورة الرحمن والله تعالى عالم بصورته المنزهة عن الشكل المقدسة عن الهيئة والانسان غير عالم بها على كيفية علم الله اذلا يعلم الله الا الله كما قال { وما قدروا الله حق قدره } اللهم الا أن يفنى عن علمه المقيد ويبقى بعلمه المطلق هذا هو تحقيق اعلمية الحق تعالى وقوله { وهو اعلم بمن اتقى } اى بمن اتقى بالله عما سواه بحيث جعل الله تعالى وقاية نفسه لينسب كل مايصدر عنه من العلم والعمل اليه فانه هو المؤثر فى الوجود ومنه كل فيض وفضل وخير وجود(14/337)
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33)
{ أفرأيت الذى تولى } اى اعرض ان اتباع الحق والثبات عليه وبالفارسية أياديدى آن كسى را كه از يبرىء حق روى بكردانيد(14/338)
وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34)
{ واعطى قليلا } اى شيأ قليلا من ماله واعطاء قليلا وبالفارسية وبداداندكى ازمال خود براى رشوت تحمل عذاب ازو { واكدى } اى قطع عطيته وامسك بخلا من قولهم اكدى الحافر اى حافر البئر اذا بلغ الكدية اى الصلابة كالصخرة فلا يمكنه أن يحفر ثم استعمل فى كل من طلب شيأ فلم يصل اليه ولم يتممه ولم يبلغ آخره وفى القاموس اكدى بخل او قل خيره او قلل عطاءه وفى تاج المصادر قوله تعالى { واكدى } اى قطع القليل قالوا نزلت فى الوليد بن المغيرة كان يتبع رسول الله عليه السلام يعنى دربى حضرت رسالت ميرفت واستماع كلام وى ميكند در مجلس او . وطمع النبى عليه السلام فى اسلامه فعيره بعض المشركين وعاتبه وقال له تركت دين الاشياخ وضللتم فقال أخشى عذاب الله فضمن أن يتحمل عنه العذاب وكل شىء يخافه فى الآخرة ان اعطاه بعض ماله فارتد وتولى عن الوعظ استماع الكلام النبوى واعطاه بعض المشروط وبخل بالباقى فالذم آيل الى سبب القطع وهو البخل فلا يتوهم ان الآية مسوقة لذم فعل المتولى وقطع العطاء عن المتحمل المذكور ليس بمذموم ( وقال الكاشفى ) واكد وباز داشت باقى رابس جهل وبخل بايكديكر جمع كرد يقول الفقير الظاهر ان الآية مسوقة لذم التولى وسوء الاعتقاد فى نفع التحمل يوم القيامة كما دلت عليه الآية الآتية وقوله { وأعطى قليلا واكدى } مجرد بيان الحال المتولى المعطى فيما جرى بينه وبين المتحمل لاذم لبخله فى ذلك لكن لايخلو عن التهكم حيث انه بخل فيما اعتقد نفعه وقال مقاتل انفق الوليد على اصحاب محمد عليه السلام نفقة قليلة ثم انتهى عن ذلك انتهى ولا يخفى انه ليس لهذا المعنى ارتباط بما يعبد من الآيات وفيه اشارة الى السالك المنقطع فى اثناء السلوك الراجع من السير الى الله الى نفسه الشرية واستيفاء لذاتها الحيوانية بسبب سآ مه المشؤومة من المجاهدات البدنية والرياضيات النفسانية بعد ان صرف فى طريق السير والسلوك فلسا من رأس مال عمره ثم بخل به وقطعه عن الصرف فى طريق السعى والاجتهاد فى الله وصرف بقية رأس مال عمره فى تحصيل لذات النفس الحيوانية البشرية واستفاء شهواتها وحب الدنيا الدنية الخسيسة وهذا كله لعدم استعداده للوصول والوصال نعوذ بالله من الحور بعد الكور ومن النكرة بعد المعرفة
اندرين ره مى تراش ومى خراش ... تادم آخر دمى فارغ مباش(14/339)
أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (35)
{ أعنده } آيا نزديك اوست { علم الغيب فهو يرى } الفاء للسببية والرؤية قلبية اى أعنده علم بالامور الغيبية التى من جملتها تحمل صاحبه عنه يوم القيامة فهو يعلم ان صاحبه بتحمل عنه قال ابن الشيخ ارأيت بمعنى اخبرت وأعنده علم الغيب مفعوله الثانى اى أخبرت أن هذا المعطى المكدى هل عنده علم ماغاب عنه من أحوال الآخرة فهو يعلم ان صاحبه يتحمل اوزاره على ان قوله يرى بمعنى يعلم حذف معفولاه لدلالة المقام عليهما(14/340)
أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37)
{ ام } أهو جاهل { لم ينبأ } لم يخبر { بما فى صحف موسى } اى اسفار التوراة قال الراغب الصحيفة المبسوطة من كل شىء كصحيفة الوجه والصحيفة التى كان يكتب فيها وجمعها صحائف وصحف والمصحف ماجعل جامعا للصحف المكتوبة وقال القهستاتى المصحف مثلث الميم ماجمع فيه قرءآن والصحف { وابراهيم الذى وفى } عطف على موسى اى وبما فى صحف ابراهيم الذى وفى اى وفروأتم مابتلى به من الكلمات كما مر فى سورة البقرة او أمر به من غير اخلال اهمال يقال اوفاه حقه ووفاه بمعنى اى أعطاه تاما وافيا ويجوز أن يكمون التشديد فيه للتكثير والمبالغة فى الوفاء بما عاهد الله اى بالغ فى الوفاء بما عاده الله وتخصيصه بذلك لاحتماله مالم يحتمل غيره كالصبر على نار نمرود حتى انه أتاه جبريل حين ألقى فى النار فقال ألك حاجة فقال اما اليك فلا وعلى ذبح الولد وعلى الهجرة وعلى ترك اهله وولده فى واد غير ذى رزع ويروى انه كان يمشى كل يوم فرسخا يرتاد ضيفا فان وجده اكرمه والا نوى الصوم ونعم ماقيل وفى ببذل نفسه للنيران وقلبه للرحمن و ولده للقربان وماله للاخوان وعن النبى عليه السلام وفى عمل كل يوم باربع ركعات وهى صلاة الضحى وفى الحديث القدسى « ابن آدم اركع الى اربع ركعات من اول النهار اكفك آخره » وروى الا اخبركم لم سمى الله خليله الذى وفى كان يقول اذا اصبح وأمسى فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون حتى يتختم الآيتين ذكره احمد فى مسنده الآيات الثلاث فى عين المعانى وعن ابى ذر الغفارى رضى الله عه قال قلت يارسول الله كم من كتاب انزل الله قال « مائة كتاب واربعة كتب أنزل الله على آدم عشر صحائف وعلى شيث خمسين صحيفة وعلى ادريس ثلاثين صحيفة وعلى ابراهيم عشر صحائف وانزل التوراة والانجيل والزبور والفرقان » قلت يارسول الله ما كانت صحف ابراهيم قال « كانت امثالا منها ايها الملك المبتلى المغرور انى لم أبعث فتجمع الدنيا بعضها الى بعض ولكن بعثتك كيلا ترد دعوة المظلوم فانى لا أردها وان كانت من كافر » وكان فيها امثال منها وعلى العاقل ما لم يكن مغلويا على عقله أن يكون له ساعات ساعة يناجى فيها ربه ويفكر فى صنع الله وساعة يحاسب نفسه فيما قدم واخر وساعة يخلو فيها بحاجته من الحلال فى المطعم والمشرب وغيرهما وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه مقبلا على شانه حافظا للسانه ومن علم ان كلامه من عمله قل كلامه الا فيما يعنيه ويأتى مانقل من صحف موسى فى آخر سورة سبح اسم ربك الاعلى كذا فى فتح الرحمن وتقديم موسى لمى أن صحفه التى هى التوراة اشهر عندهم واكثر . يقول الفقير وايضا هو من باب الترقى من الاقرب الى الابعد لكون الاقرب اعرف وايضا ان موسى صاحب كتاب حقيقة بخلاف ابراهيم(14/341)
أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38)
{ الا تز وازرة وزر أخرى } اصله أن لاتزر على ان ان هى المخففة من الثقيلة وضمير الشأن هو اسمها محذوف والجملة المنفية خبرها ومحل الجملة الجر على انها مما فى صحف موسى او الرفع على انها خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل مافى صحفهما فقيل هو انه اى الشأن لاتحمل نفس من شأنها الحمل حمل نفس اخرى من حيث تتعرى منه المحمول عنها ولا يؤاخذ احد بذنب غيره ليتخلص الثانى من عقابه فالمراد بالوازرة هى التى يتوقع منها الوزر والحمل لا لتى وزرت وحملت ثقلا والافكان المقام أن يقال لاتحمل فارغة وزر اخرى اذ لا تحمل مثقلة بوزرها غير الذى عليها وفىهذا ابطال قول من ضمن للوليد بن المغيرة أن يحمل عنه الاثم ولا يقدح فى ذلك قوله تعالى { كتبنا على بنى اسرآئيل انه من قتل نفسا بغير نفس او فساد فى الارض فكأنما قتل الناس جميعا } اذ ليس المعنى ان عليه اثم مباشرة سائر القاتلين بل المعنى ان عليه فوق اثم مباشرته للقتل المحظور اثم دلالته وسببته لقتل هؤلاء وهما ليستا الا من اوزاره فهو لايحمل الا وزر نفسه وكذا قوله عليه السلام من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة فان ذلك وزر الاضلال الذى هو وزره(14/342)
وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)
{ وان ليس للانسان الا ماسعى } ان مخففة من الثقيلة كأختها معطوفة عليها وللانسان خبر ليس والا ماسعى اسمها مصدرية ويجوز أن تكون موصولة والسعى المشى الذريع وهو دون العدو ويستعمل للجد فى الامر خيرا كان او شرا والمعنى وانه اى الشأن ليس للانسان فى الآخرة الا سعيه فى الدنيا من العمل والنية اى كما لايؤآخذ احد بذنب الغير لايثاب بفعله فهو بيان لعدم انتفاع الانسان بعمل غيره من حيث جلب النفع أثر بيان عدم انتفاعه من حيث دفع الضرر عنه وظاهر الآية يدل على انه لاينفع احدا عمل احد واختلوفا فى تأويلها فروى عن ابن عباس رضى الله عنهما عدم اثباته الانسان بسعى غيره وفعله وهذا منسوخ الحكم فى هذه الشريعة بقوله تعالى { الحقنا بهم ذريتهم } فيدخل الابناء الجنة بصلاح الآباء ويجعل الولد الطفل يوم القيامة فى ميزان ابيه ويشفع الله الآباء فى الابناء والابناء فى الآباء يدل على ذلك قوله تعالى { آباؤكم وابناؤكم لا تدرون أيهم اقرب لكم نفعا } قال عكرمة كان ذلك لقوم ابراهيم وموسى واما هذه الامة فلهم ماسعوا و ما سعى لهم غيرهم لما روى ان امرأة رفعت صبيا لها من محفة وقالت يارسول الله ألهذا حج قال « نعم ولك اجر » وقال رجل للنبى عليه اسلام ان امر افتلتت نفسها اى ماتت فجأة فهل لها أجر ان تصدقت عنها قال نعم وقال الربيع بن انس وان ليس للانسان الا ماسعى يعنى الكافر واما المؤمن فعله ماسعى وماسعى له غيره وكثير من الاحاديث يدل على هذا القول ويشهد له ان المؤمن يصل اليه ثواب العمل الصالح منغ يره ( روى ) ان عائشة رضى الله عنها اعتكفت عن اخيها عبدالرحمن رضى الله عنه بعد موته واعتقت عنه وقال سعد للنبى عليه السلام ان امى توفيت أفأ تصدق عنها قال نعم قال فأى الصدقة أفضل قال سقى الماء فحفر بئرا وجعلها فى سبيل الله وقال القرطبى فى تذكرته ويحتمل أن يكون قوله { وان ليس للانسان الا ماسعى } خالصا فى السيئة بدليل قوله عليه السلام « قال الله اذا هم عبدى بحسنة ولم يعملها كتبتها عشار الى سبعمائة ضعف واذا هم بسيئة ولم يعلمها لم اكتبها عليه فان عملها كتبتها سيئة واحدة » والقرءآن دال على هذا قال تعالى { من جاء بالحسنة فله عشر امثالها } وهذا ونحوه تفضل من الله وطريق العدل وان ليس للانسان الا ماسعى الا ان الله يتفضل عليه بما لم يجب له كما ان زيادة الاضعاف فضل منه كتب لم بالحسنة الواحدة عشرا الى سبعمائة ضعف الى الف الف حسنة وقد تفضل الله على الاطفال بادخالهم الجنة بغير عمل والحاصل ما كان من السعى فمن طريق العدل والمجازاة وما كان من غير السعى فمن طريق الفضل والتضعيف فكرامة الله تعالى اوسع واعظم من ذلك فانه يضاعف الحسنات ويتجاوز عن السيئات فمرتبة النفس الطعبية وكذا الشريعة والطريقة من الطريق الاولى ومرتبة الروح والسر وكذا المعرفة والحقيقة من الطريقة الثانية قال فى الاسئلة المقحمة اشارت الآية الى اصل النجاة المعهودة فى حكم الشريعة فان النجاة الاصلية الموعودة فى الكتاب والسنة بالعمل الصالح وفى النجاة بشرط المجازاة والمكافاة فاما التى هى من غير طريق المجازاة والمكافاة فهى بطريق تفضل الله وبطوله وعميم رحمته وكريم لطفه وقد فسرها رسول الله عليه السلام حيث قال(14/343)
« ادخرت شفاعتى لاهل الكبائر من امتى أترونها للمؤمنين المتقين لا ولكنها للخطائين الملوثين » وبيان الكتاب الى الرسول عليه السلام وسمعت الامام أبا بكر الفارسى بسمرقند يقول سمعت الاستاذ ابا اسحق الاسفرائينى يقول ان عبدالله بن طاهر امير خراسان قال الحسن بن الفضل البجلى اشكلت على ثلاث آيات أريد أن تكشف عنى وتشفى العليل اولاها قوله تعالى فى قصة ابن آدم { فأصبح من النادمين } وصح الخبر بأن « الندم توبة » ولم يكن هذا الندم توبة فى حق قابيل وثالثتها قوله تعالى { اضعافا مضاعفة }
زر والديك وقف على قبريهما ... فكأننى بك قد حملت اليهما
الى قال فى آخرها
وقرأت من آى الكتاب بقدرما ... تسطيعه ذاك اليهما
قال الشيخ تقى الدين ابو العباس من اعتقد ان الانسان لاينتفع الا بعمله فقد خرق الاجماع وذلك باطل من وجوه كثيرة احداها ان الانسان ينتفع بدعاء غيره وهو انتفاع يعمل الغير والثانى ان النبى عليه السلام يشفع لاهل الموقف فى الحساب ثم لاهل الجنة فى دخولها ولاهل الكبائر فى الاخراج من النار وهذا الانتفاع بسعى الغير والثالث ان كل نبى وصالح له شفاعة وذلك انتفاع بعمل الغير الرابع ان الملائكة يدعون ويستغفرون لمن فى الارض وذلك منفعة بعمل الغير والخامس ان الله تعالى يخرج من النار من لم يعمل خيرا قط بمحض رحمته وهذا انتفاع بغير عملهم والسادس ان اولاد المؤمنين يدخلون الجنة بعمل آبائهم وذلك انتفاع بمحض عمل الغير وكذا الميت بالصدفة عنه وبالعتق بنص السنة والاجماع وهومن عمل غيره وان الحج المفروش يسقط عن الميت بحج وليه عنه بنص السنة وكذا تبرأ ذمة الانسان من ديون الخلق اذا قضاها عنه قاض كما قال الشافعى اذا أنا مت فليغسلنى فلان اى من الدين وذلك انتفاع بعمل الغير وكذا من عليه تبعات ومظالم اذا حلل منها سقطت عنه وان الجار الصالح ينتفع بجواره فى الحياة والممات كما جاء فى الأثر(14/344)
« وان جليس اهل الذكر يرحم بهم وهو لم يكن منهم ولم يجلس معهم » لذلك بل لحاجة اخرى والاعمال بالنيات وكذا الصلاة على الميت والدعاء له فيها ينتفع بها الميت مع ان جميع ذلك انتفاع بعمل الغير ونظائر ذلك كثرة لاتحصى والآيات الدالة على مضاعفة الثواب كثيرة ايضا فلا بد من توجيه قوله تعالى { وان ليس للانسان الا ماسعى } فانه لاشتماله على النفى والاستثناء يدل على ان الانسان لاينتفع الا بعمل نفسه ولايجزى على عمله الا يقدر سعيه ولايزداد وهو يخالف الاقوال الواردة فى انتفاعه بعلم غيره وفى مضاعفة ثواب اعماله ولا يصح أن يؤول بما يخالف صريح الكتاب والسنة واجماع الامة فأجابوا عنه بوجوه منها انه منسوخ ومنها انه فى حق الكافر ومنها انه بالنسبة الى العدل لا الفضل وقد ذكرت ومنها ان الانسان انما ينتفع بعمل غيره اذا نوى الغير أن يعمل له حيث صار بمنزلة الوكيل عنه القائم مقامه شرعا فكان سعى الفقير بذلك كأنه سعيه وايضا ان سعى الغير انما لم ينفعه اذا لم يوجد له سعى قط فاذا وجد له سعى بان يكون مؤمنا صالحا كان سعى الغير تابعا لسعيه فكأنه سعى بنفسه فان علقة الايمان وصلة وقرابة كما قال عليه السلام « مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى » وقال عليه السلام « المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا » ثم شبك بين اصابعه فاذا سعى احد فى الايمان والعمل الصالح فكأنه سعى بتأييد عضو اخيه وسد ثلمته فكان سعيه سعيه والحاصل انه لما كان مناط منفعة كل ماذكر من الفوائد عمله الذى هو الايمان والصالح ولم يكن لشىء منه نفع مابدونهما جعل النافع نفس عمله وان كان بانضمام غيره اليه وفى اول باب الحج عن الغير من الهداية الانسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة او صوما او صدقة اوغيرها عند اهل السنة والجماعة وفى فتح الرحمن واختلف الائمة فيما يفعل من القرب كالصلاة والصيام وقرءآة القرءآن والصدقة ويهدى ثوابه للميت المسلم فقال ابو حنيفة واحمد يصل ذلك اليه ويحصل له نفعه بكرم الله ورحمته وقال مالك والشافعى يجوز ذلك فى الصدقة العبادة المالية وفى الحج واما غير ذلك من الطاعات كالصلاة والصوم وقرآءة القرآن وغيره لايجوز ويكون ثوابه لفاعله وعند المعتزلة ليس للانسان جعل ثواب عمله مطلقا لغيره ولايصل اليه ولاينفعه لقوله تعالى { وان ليس للانسان الا ماسعى } ولان الثواب الجنة وليس فى قدرة العبد أن يجعلها لنفسه فضلا عن غيره واختلفوا فيمن مات قبل أن يحج فقال ابو حنيفة ومالك يسقط عنه الحج بالموت ولا يلزم الحج عنه الا أن يوصى بذلك وقال الشافعى واحمد لايسقط عنه ويلزم الحج عنه من رأس ماله واختلفوا فيمن لم يحج عن نفسه هل يصح أن يحج عن غيره فقال ابو حنيفة ومالك يصح ويجزى عن الغير مع الكراهة وقال الشافعى واحمد لايصح ولو فعل وقع عن نفسه واما الصلاة فهى عبادة بدنية لاتصح فيها النيابة بمال ولابدن بالاتفاق وعند ابى حنيفة اذا مات وعليه صلوات يعطى لكل صلاة نصف صاع من بر او صاع من تمر او شعير او قيمة ذلك فدية تصرف للمساكين وليس للمدفوع اليه عدد مخصوص فيجوز ان يدفع لمسكين واحد الفدية عن عدة صلوات ولايجوز أن تدفع فدية صلاة لا كثر من مسكين ثم لابد من الايصاء بذلك فلو تبرع الورثة بذلك جاز من غير لزوم وذللك عند ابى حنيفة خلافا للثلاثة ( وروى ) ان رجلا سأل النبى عليه السلام فقال كان لى ابوان ابرهما حال حياتهما فكيف ابرهما بعد موتهما فقال(14/345)
« ان من البر بعد الموت أن تصلى لهما مع صلاتك وتصوم لهما مع صومك » رواه الدار قطنى عن على رضى الله عنه وهذا الحديث حجة لابى حنيفة فى تجويزه جعل العبادة البدنية ايضا لغيره خلافا للشافعى كما مر ( وروى ) ايضا « من مر على المقابر قرأ قل هو الله احد عشر مرات ثم وهب اجرها للاموات أعطى من الاجر بعدد الاموات » رواه الدار قطنى عن انس بن مالك رضى الله عنه مرفوعا فهذا ايضا حجة له فى تجويزه جعل ثواب التلاوة للغير خلافا للشافعى ( وروي ) عن النبى عليه السلام انه ضحى بكبشين املحين احدهما عن نفسه والآخرة عن امته المؤمنين متفق عليه اى جعل ثوابه لها وهذا تعليم منه عليه السلام بأن الانسان ينفعه عمل غيره والاقتدآء به عليه السلام هو الاستمساك بالعروة الوثقى وكذا قال الحسن البصرى رحمه الله رأيت عليا رضى الله عنه يضحى بكبشين وقال ان رسول الله اوصانى أن أضحى عنه وكان الشيخ الفقيه القاضى الامام مفتى الانام عزالدين بن عبدالسلام يفتى بانه لايصل الى الميت ثواب ما يقرأ ويحتج بقوله { وان ليس للانسان الا ماسعى } فلما توفى رأه بعض اصحابه ممن يجالسه وسأله عن ذلك وقال له انك كنت تقول لا يصل الى الميت ثواب مايقرأ ويهدى اليه فكيف الامر فقال له كنت اقول ذلك فى دار الدنيا القرآءة للقارىء وللميت ثواب الاستماع ولذلك تلحقه الرحمة قال الله تعالى(14/346)
{ واذا قرىء القرءآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون } قال القرطبى ولا يبعد من كرم الله أن يلحقه ثواب القرآءة والاستماع جميعا ويلحقه ثواب مايهدى من قرآءة القرءآن وان لم يسمعه كالصدقة والاستغفار ولان القرءآن دعاء واستغفار وتصرع وابتهال وما تقرب المتقربون الى الله بمثل القرءآن انتهى .
يقول الفقير فيه حجة على من انكر من اهل عصرنا جهر آية الكرسى اعقاب الصلوات واوجب اخفاءها وتلاوتها لكل واحد من الجماعة وذلك لان استماع القرءآن اتوب من تلاوته فاذا قرأ الموذن واستمع الحاضرون كانوا كأنهم قرأوا جمعيا واذا جاؤ وصول ثواب القرآءة والاستماع جميعا الى الميت فما ظنك بالحى اصلحنا الله واياكم ( وروى ) ان بعض النساء توفيت فرأتها فى المنام امرأة كانت تعرفها واذا عندها تحت السرير آنية من نور مغطاة فسألتها مافى هذه الاوعية فقالت فيها هدية اهداها الى ابو اولادى البارحة فلما استيقظت المرأة ذكرت ذلك لزوج الميتة فقال قرأت البارحة شيأ من القرءآن واهديته اليها وفى الحديث « اذا مات الانسان انقطع عنه عمله الا من ثلاث صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له » قال القرطبى القرآءة فى معنى الدعا وذلك صدقة من الولد ومن الصاحب والصديق والمؤمنين قال ابن مالك فى شرح الحديث « اذا مات الانسان انقطع عنه عمله » اى تجدد الثواب له « الا من ثلاث صدقة جارية » كلاوقاف « او علم ينتفع به » قيل هو الاحكام المستنبطة من النصوص والظاهر انه عام متناول ماخلفه من تصنيف او تعليم فى العلوم الشرعية وما يحتاج اليه فى تعليمها قيد العلم بالمنتفع به لان مالا ينتفع به لايثمر اجرا « او ولد صالح يدعو له » قيد بالصالح لان الاجر لايحصل من غيره واما الوزر فلا يلتحق بالأب من سيئة ولده اذا كانت نيته فى تحصيل الخير وانما ذكر الدعاء له تحريضا للولد لان الاجر يحصل للوالد نم ولده الصالح كلما عمل عملا صالحا سوآء دعا لابيه او لاك كمن غرس سجرة يحصل له من اكل ثمرتها ثواب سوآء دعا له من اكلها او لم يدع وكذلك الام قال بعض الكبار النكاح سنة نبيك فلا ترغب عنه واطلب من الله من يقوم مقامك بعد موتك حتى لاينقطع عملك بموتك فان ابن آدم اذا مات انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية او علم بثه فى الناس او ولد صالح يدعو له وفى لفظ الصدقة الجارية اشارة الى افضلية الماء ولذا حفر سعد بئرا لامه فان قلت مالتوفيق بين هذا الحديث وبين قوله عليه السلام(14/347)
« من سن فى الاسلام سنة حسنة فله اجرها واجر من عمل بها الى يوم القيامة » وقوله عليه السلام « من مات يختم على عمله الا المرابط فى سبيل الله فانه ينمو له عمله الى يوم القيامة » قلنا السنة المسنونة من جملة العلم المنتفع به ومعنى حديث المرابط ان ثواب عمله الذى قدمه فى حياته يمنو الى يوم القيامة واما الثلاثة المذكورة فى الحديث فانها اعمال تحدث بعد وفاته لاتنقطع عنه لانه سبب لها فيلحقه منها ثواب والحاصل ان المراد بهذا الحديث عمله المضاف الى نفسه فهو منقطع واما العمل المضاف الى غيره فلا ينقطع فاللغير أن يجعل ما له من أجر عمله الى من أراد وقال بعضهم فى الآية ليس كل عمل للانسان انما بعضه الله مثل الصوم كما قال « الصوم لى وأنا أجزى به » فثوابه فضل الله وهو رؤيته وتمسك بعض العلماء بهذا الحديث وظن ان الصيام مختص بعامله موفر له اجره لا يؤخذ منه شىء لمظلمة ظلمها وهذا القول مردود فان الحقوق تؤخذ من جميع الاعمال صياما كان او غيره وقيل ان الصوم اذا لم يكن معلوما لاحد ولا مكتوبا فى الصحف هو الذى يستره الله ويخبأه لعامله حتى يكون له جنة من العذاب فتطرح اولئك عليه سيئاته فتنصرف عنهم وبقية الصوم فلا تضر باصحابها لزوالها عنهم ولا به لان الصوم جنته وهذا تأويل حسن دافع للتعرض قال البقلى رحمه الله فى تأويل الآية ليس للصورة الانسانية الا ماسعت من الاعمال الزكية عن الرياء والسمعة يؤول ثوابها اليها من درجات الجنان اما مايتعلق بفضل الله وجوده من مشاهدته وقربته فهو للروح والروحانى الذى فى تلك الصورة فانه اذا استوفى درجات الجنان التى هى جزآء اعماله الصالحة تمتع ايضا بما يجد روحه من فضل الله المتعلق بكشف حجاب جماله وايضا ليس للانسان الا مايليق بالانسان من الاعمال واما الفضل كالمشاهدة والقربة فهو لله يؤتيه من يشاء فاذا وصل الى مشاهدة الله وتمتع بها فليس ذلك له انما ذلك الله وان كان هو متمتعا به وقال ابن عطاء ليس للانسان من سعيه الا ما نواه ان كان سعيه لرضى الرحمن فان الله يرزقه الرضوان وان كان سعيه للثواب والعطاء والاعواض فله ذلك وقال النصر ابادى سعى الانسان فى طريق السلوك لا فى طريق التحقيق فاذا تحقق يسعى به ولايسعى هو بنفسه واما قول العارف الجامى(14/348)
سالكان بى كشش دوست بجايى نرسند ... سالها كرجه درين راه تك وبوى كنند
فقد لاينافيه فانه لا فائدة فى السعى بدون الجذبة الالهية فالسعى منسوب الى السالك والجذبة مضافة الى الله تعالى واما المنتهى فالسعى والجذبة بالنسبة اليه كلاهما من الله تعالى اذا ليس بمتحقق من لم يكن حركاته وسكنانه بالله ثم ان الطريق قد يثنى كطريق الحج من البر والبحر واما طريق الحق فمفرد اى من حيث الجمعية الوحدانية والا فالطريق الى الله بعدد انفاس الخلائق فعند النهاية يحصل الالتقاء ولذا قال تعالى { وان الى ربك المنتهى } مع انه فرق بين وصول ووصل كالناظرين كل بنظر بحسب قوة نور بصره وضعفه وان كان المرئى واحدا ثم ان الله يوصل السالك بعد موته الى محل همته لانه كان حاصل بسعيه وقد مر تحقيقه فى محله نسأل الله الوصول الى غاية المطالب بحرمة اسمه الواهب(14/349)
وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40)
{ وان سيعه } اى سعى الانسان وهو عمله كما فى قوله تعالى { ان سعيكم لشتى } وهو مع خبره معطوف على ما قبله من الأتزر الخ على معنى ان المذكورات كلها فى الصحف { سوف يرى } اى يعرض عليه ويكشف له يوم القيامة فى صحيفته وميزانه من أريته الشىء عرضته عليه وفى اشارة الى ان الانسان له مراتب فى السعى وبحسب كل مرتبة يجد سعيه فى الحال لايزيد ولا ينقص وايضا فى المآل واول مراتبه فى السعى مرتبة النفس وسعيه فى هذه المرتبة تزكية النفس عن المخالفات الشرعية والموافقات الطبيعية بالموافقات الشرعية والمخالفات الطبيعية اذ العلاج بضدها واثر هذا السعى ونتيجته حصول الجنات التى تجرى من تحتها الانهار والحور والقصور والغلمان كما اخبر الكتاب العزيز فى غير موضع والمرتبة الثانية والسعى فيها تصفية القلب عن صدأ الظلمات البشرية وغطاء الدورات الطبيعية واثر هذا السعى ونتيجته ترك حب الدجنيا وشهواتها ولذاتها وزخارفها ومالها وجاهها والمرتبة الثالثة والسعرى فيها تجلية السر بالصفات اللالهية والاخلاق الربانية واثر هذا السعى ونتيجته حصول شواهد التجليات الصفاتية والاسمائية والمرتبة الرابعة والسعى فيها تجلية الروح بالتجليات الذاتية والمشاهدات الحقائية واثر هذا السعى ونتيجته هو الفناء عن انانيته والبقاء بهويته الاحدية المطلقة عن التقييد والاطلاق واللاتقييد واللاطلاق وقال الواسطى فى الآية انه لم يكن مما يستجلب به شىء من الثواب وقال اسهل سوف يرى سعيه فيعلم انه لايصح للحق ويعلم ما الذى يستحق بسعيه وانه لو لم يلحقه فضل ربه لهلك بسعيه(14/350)
ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)
{ ثم يجزه } اى يجزى الانسان بسعيه اى جزآء عمله يقال جزآء عمله يقال جزاه الله بعمله وجزاه على عمله بحذف الجار وايصال الفعل { الجزآء الاوفى } اى الاوفر الاتم ان خيرا فخير وان شرا فشر وهو مفعول مطلق مبين للنوع قال الوراق { وان ليس للانسان الا ماسعى } ذلك فى بدايته { وان سعيه سوف يرى } ذلك فى توسط اموره ثم يجزاه الجزآء الا وفى ذلك فى نهاياته وله نهايتان باعتبار الفناء والبقاء ففى الفناء يحصل الجزآء الذى هو الشهود وفى البقاء يحصل الجزآء الذى هو تربية الجسد والوجود وذلك باستيفاء ماترك فى بداية سلوكه من المباحات المشروعة من الاكل والشرب والملبس والمنكح والتوسعة فى معايش الدنيا واسبابها فبعد تحققه بعالم الوحدة يرد الى عالم الكثرة ولكن لاتضره الكثرة اذا اصلا(14/351)
وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42)
{ وان الى ربك المنتهى } مصدر بمعنى الانتهاء اى انتهاء الخلق فى رجوعهم الى الله تعالى بعد الموت لا الى غيره لاستقلالا والا اشتراكا فيجازيهم باعمالهم وفى الحقيقة انتهاء الخلق اليه تعالى فى البداية والنهاية ألا الى الله تصير الامور اذلا له الا هو ( وفى المثنوى )
دست بربالاى دست اين تاكجا ... تا بيزدان كه اليه المنتهى
كان يكى درياست بى غور وكران ... جمله درياها جوسيلى بيش ن
حيلها و جارها كر ار هاست ... بيش الا الله انها جمله لاست
قال ابن عطاء من كان منه مبدأه كان اليه منتهاه واذا وصل البعد الى معرفة الربوبية ينحرف عنه كل فتنة ولا يكون له مشيئة غير اختيار الله له قيل للحسين ما التوحيد قال أن تعتقد انه معلل الكل بقوله { هو الاول } وعند ذلك تطلب المعلومات منه الابتدآء واليه الانتهاء ذهبت المعلومات وبقى المعلل بها قال بعض الكبار من ادل دليل على توحيد الله تعالى عند من لاكشف عنده كونه تعالى عند النظار والفلاسفة علة العلل وهذا توحيد ذاتى ينتفى معه الشريك بلا شك غير ان اطلاق هذا اللفظ عليه تعالى لم يرد به الشرع فلا ندعوه به ولانطلقه عليه فاعلم ذلك(14/352)
وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43)
{ وانه } تعالى { هو } وحده { اضحك وابكى } الضحك انبساط الوجه وتكشر الاسنان من سرور النفس ولظهور الاسنان عنده سميت مقدمات الاسنان الضواحك والبكاء بالمدسيلان الدمع عن حزن وعويل يقال اذا كان الصوت اغلب كالرغاء وسائر هذه الابنية الموضوعة للصوت وبالقصر يقال ذا كان الحزن اغلب وقوله { فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا } اشارة الى الفرح والترح وان لم يكن مع الضحك قهقهة ولامع البكاء اسالة دمع كما فى المفردات والمعنى هو خلق قوتى الضحك والبكاء فى الانسان منهما ينبعث الضحك والبكاء والانسان لايعلم ماتلك القوة اوهما كنايتان عن السرور والحزن كأنه قيل افرح واحزن لان الفرح يجلب الضحك والحزن يجلب البكاء او عمايسر ويحزن وهو الاعمال الصالحة والاعمال الصاحة او اضحك فى الدنيا اهل النعمة وابكى اهل الشدة والمصيبة او اضحك فى الجنة اهلها وابكى فى النار اهلها او اضحك الارض بالنبات وابكى السماء بالمطرا والاشجار بالانوار والسحاب بالامطار او القراطيس بالارقام والاقلام بالمداد او اضحك القرد وابكى البعير او اضحك بالوعد وابكى بالوعيد او اضحك المطيع بالرضى وابكى العاصى بالسخط او اضحك قلوب العارفين بالحكمة وابكى عيونهم بالحزن والحرقة او اضحك قلوب اوليائه بأنوار معرفته وابكى قلوب اعدآئه بظلمات سخطه او اضح المستأنسين بنرجس مودته وياسمين قربته وطيب شمال جماله وابكى المشتاقين بظهور عظمته وجلاله او اضحك بالاقبال على الحق وابكى بالادبار عنه او اضحك الاسنان وابكى الجنان وبالعكس قال الشاعر
السن تضحك والاحشاء تحترق ... وانما ضحكها زور ومختلق
يارب باك بعين لادموع لها ... ورب ضاحك سن مابه رمق
او اضحك بتجليه اللطفى الجمالى القلب المنور بنور اللطف والجمال وابكى بتجلية القهرى الجلالى النفس المظلمة بظلمة القهر والجلال او اضحك بتجلية الجلالى النفس على القلب عند استيلاء ظلمة النفس على القلب وابكى بتجلية الجمالى القلب على النفس عند غلبة انوار القلب على النفس وفى الآية دلالة على أن كل مايعمله الانسان فبقضائه وخلقه حتى الضحك والبكاء قالت عائشة رضى الله عنها مر النبى عليه السلام على قوم يضحكون فقال « لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحتكم قليلا » فنزل عليه جبريل عليه السلام فقال ان الله تعالى يقول { وانه هو اضحك وابكى } فرجع اليهم فقال « ماخطوت اربيعن خطوة حتى أتانى جبريل فقال ائت هؤلاء فقل لهم ان الله يقول هو اضحك وابكى » وسئل طاهر المقدسى أتضحك الملائكة فقالت ماضحك من دون العرش منذ خلقت جهنم وقال النبى عليه السلام لجبرآئيل « مالى لم أر ميكائيل ضاحكا قط » قال ماضحك ميكائيل منذ خلقت النار وقيل لعمر رضى الله عنه هل كان اصحاب رسول الله عليه السلام يضحكون قال نعم والله والايمان اثبت فى قلوبهم من الجبال الرواسى وعن سماك بن حرب قال قلت لجابر بن سمرة رضى الله عنه أكنت تجالس النبى عليه السلام قال نعم وكان اصحابه يجلسون فيتناشدون الشعر ويذكرون اشياء من امر الجاهلية فيضحكون ويتبسم معهم اذا ضحكوا يعنى النبى عليه السلام ولقى يحيى عيسى عليهما السلام فتبسم عيسى فى وجه يحيى فقال مالى اراك لاهيا كأنك آمن فقال مال اراك عابسا كأنك آيس فقالا لانبرح حتى ينزل علينا الوحى فأوحى الله تعالى احبكما الى احسنكما ظنا بى ( وروى ) احبكما الى الطلق البسام وقال الحسن يا ابن آدم تضحك ولعل كفنك خرج من عند القصار وبكى نوح عليه السلام ثلاثمائة سنة بقوله ان ابنى من اهلى وقال كعب لأن ابكى من خشية الله حتى تسيل دموعى على وجنتى احب الى من ان اتصدق بجبل ذهب والنافع بكاء القلب لا العين فقط(14/353)
بران ازدوسر جشمة ديده جوى ... ور الايشى دارى ازخود بشوى(14/354)
وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44)
{ وانه هو امات واحيى } لايقدر على الاحياء الاماتة غيره لاخلقا ولا كسبا فان اثر القاتل نقض البنية وتفريق الاتصال انما يحصل الموت عنده بفعل الله على العادة فاللعبد نقض البنية كسبا دون الاماتة وبالفارسية قادر براماته واحيا اوست وبس مى ميراند بوقت اجل دردينا وزنده ميسازد درقبر يا او سازنده اسباب موت وحياتست وكفته اند مرده ميسازد كافرانرا بنكرت وزنده ميكند مؤمنانرا بمعرفت ويقول بعض اماته واحيا بجهل وعلم است ياببخل وجود يابعدل وفضل يابه منع واعطا ، وقيل الخصب والجدب او الآباء اولانباء او ايقظ وانام او النطفة والنسمة ، ونزد محققان بهيبت وانس يابا ستتار وتجلى وامام قشيرى فرموده كه بميراند نفوس زاهد انرا بآثار مجاهدت وزنده كرداند قلوب عارفانرا بانوار مشاهدت ياهركه را مرتبه فنا فى الله رساند جرعه ازساغر بقا بالله جشاند ، او امات النفس عن الشهوات الجسمانية واللذات الحيوانية واحيى القلب بالصفات الروحانية والاخلاق الربانية او امات النفس بغلبة القلب عليها واحيائه او امات القلب باستيلاء النفس عليه واحيائها وهذه الاحكام المختلفة مادام القلب فى مقام التلوين فاما اذا ترقى الى مقام الاطمئنان والتمكين فلا يصير القلب مغلوبا للنفس بل تكون النفس مغلوبة للقل ابد الآباد الى ان تموت تحت قهره بأمر به .
يقول الفقير قد الاماتة على الاحياء رعاية للفاصلة ولان النطفة قبل النمسة ولان موت القلب قبل حياته ولان موت الجسد قبل حياته فى القبر وايضا فى تقديم الاماتة تعجيل لاثر القهر لينتبه المخاطبون وايضا ان العدم قبل الوجود ثم ان مآل الوجود الى الفناء او العدم فلا ينبغى الاغترار بحياة بين الموتين ووجود بين العدمين والله الموفق(14/355)
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45)
{ وانه } وآنكه خداى تعالى { خلق الزوجين } بيافريد ازانسان دو صنف ، وفى بعض التفاسير من كل الحيوان وفيه ان كل حيوان لايخلق من النطفة بل بعضه من الريح كالطير فان البيضة المخلوقة منها الدجاجة مخلوقة من ريح الديك { الذكر والانثى } نرومادة(14/356)
مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46)
{ من نطفة } هى الماء الصافى ويعبر بها عن ماء الرجل كما فى المفردات { اذا تمنى } تدفق فى الرحم وتصب وبالفارسية ازآب منى وقتى كه ريخته شود دررحم وآدم وحوا وعيسى عليهما السلام ازين مستثنى اند فهو من امنى يمنى امناء وهو بالفارسية منى آوردن ، قال تعالى { أفرأيتم ماتمنون } وفى القاموس منى وامنى ومنى بمعنى او منى تمنى يقدر مها الولد من مناه الله يمينه قدره اذ ليس كل منى يصير ولدا وفيه اشارة الى انه تعالى خلق زوج ذكر الروح موصوفا بصفة الفاعلية وخلق زوجة انثى النفس موصوفة بصفة القابلية ليحصل للقلب من مقدمتى الروح والنفس نتيجة صادقة صالحة لحصول المطالب الدنيوية والاخروية من نطفة واقعة كائنة مستقرة فى رحم الارادة الازلية اذا تمنى اذا تحرك وتدفق فى رحم الارادة القديمة او اذا قدر المقدر بالحكمة البالغة قدم الذكر رعاية للفاصلة ولشرفة الرتبى وان كان الاصل فى العالم الانوثة ولذلك سرت فيه باسره ولكن لما كانت فى النساء اظهر حببت للاكابر حتى آجر موسى عليه السلام نفسه فى مهر امرأة عشر سنين وحتى ان اعظم ملوك الدنيا يكن عند الجماع كهيئة الساجد فاعلم ذلك فلما كان لايخلوا لعوالم عن نكاح صورى او معنوى كان نصف الخلق الذكر ونصفه الانثى وان شئت قلت الفاعل والقابل والانسان برزخ هاتين الحقيقتين(14/357)
وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47)
{ وان عليه } اى على الله تعالى { النشأة الاخرى } اى الخلقة الاخرى وهو الاحياء بعد الموت وفاء بوعده لا لانه يجب على الله كما يوهمه ظاهر كلمة على وفيه تصريح بأن الحكمة الالهية اقتضت النشأة الثانية الصورية للجزآء والمكافأة وايصال المؤمنين بالتدريج الى كمالهم اللائق بهم ولو اراد تعجيل اجورهم فى هذه الدار لضاقت الجنيا بأجر واحد منهم فما ظنك بالباقى ومن طلب تعجيل نتائج اعماله واحواله فى هذه الدار فقد اساء الادب وعامل الموطن بما لايقتضيه حقيقته اما اذا استقام العبد فى مقام عبوديته وعجل له الحق نتيجة ما او كرامة فان من الادب قبولها ان كانت مطهرة نم شوآئب الحظوظ وبالجملة فالخير فيما اختاره الله لك ثم ان النشأة الاخرى الصورية مترتبة على كمال الفناء الصورى مع الاستعداد والتهيىء لقبول الروح فكذا النشأة الاخرى المعنوية وهى البقاء والاتصاف بالصفات الالهية موقفة على تمام الفناء المعنوى والانسلاخ عن الاوصاف البشرية بالكلية مع الاستعداد والتهيىء لقبول الفيض وبالجملة فلا بد من كلتا النشأتين من صحة المزاج ألا ترى ان الجنين اذا فسد فى الرحم سقط بل الرحم اذا فسدت لم تقبل العلوق والى الولادة الثانية التى هى النشأة الاخرى اشار عيسى عليه السلام بقوله لن يلج ملكوت السموات من لم يولد مرتين ومعنى ملكوت السموات حقائقها وانوارها واسرارها فكل نبى و ولى وارث متحقق بهذا الولوج والاولادة الثانية(14/358)
وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48)
{ وانه هو اغنى } اعطى الغنى للناس بالاموال { واقنى } واعطى القنية وهى مايتأثل من الاموال اى يتخذ اصلا ويدخر بان يقصد حفظه استمثارا واستنماء وان لايخرج عن ملكه وفى المثل لاتقتن من كلب سوء جروا يقال قنوت الغنم وغيرها وقنيتها قنية وقنية أذا اقتنيتها لنفسك لا للتجارة وفى تاج المصادر الاقناء سرمايه دادن وخشود كردن ، قال بعضهم اغنىلا الناس بالكفاية والاموال واعطى القنية ما يدخرونه بعد الكفاية وقال الضحاك اغنى بالذهب والفضة والثياب والمسكن واقنى بالابل والبقر الغنم والدواب وافراد القنية بالذكر اى بعد قوله غعنى لانها اشرف الاموال وافضلها او معنى اقنى ارضى وتحقيقه جعل الرضى له قنية والاوفق لما تقدمه من الآى المشتملة على مراعاة صنعة الطباق ان يحمل على معنى افقر على ان تكون الهمزة ى فى اقنى للازالة كما قاله سعدى المفتى قال الجنيد قدس سره اغنى قوما به وافقر قوما منه وقال بعضهم فيه اشارة الى افاضة الفيض الالهى على القلب السليم المستقيم الثابت على دين الله كما قال عليه السلام « اللهم ثبت قلبى على دينك » وابقاء ذلك الفيض الالهى عليه بحيث لايستهلك الفيض ولايضمحل تحت غلبة ظلمة النفس الامارة بالسوء لتمكن ذلك القلب وعدم تلونه بخلاف القلب المتلون فانه لعدم تمكنه فى بعض الاوقات يتكدر بظلمة النفس ويزول عنه ذلك النور المفاض عليه المضاف اليه وهو المعنى بقوله اقنى اى جعل فيه ذلك النور قنية ثم ان الآية دلت على اباحة التأثل من الاموال النافعة دون غيرها ولذا انهى عن اقتناء الكلب اى امساكه بلا فائدة من جهة الزرغ او الضرع او نحو ذلك والنفس الامارة اشد من الكلب العقور ففى اقتناء الروح النامى مندوحة عن اقتنائها ابتر عقيم لاخير فها الاترى مرتبة النفس والطبيعة تبقى هنا ولانستصحب الانسان الكامل فى النشأة الجنانية اذا الجنان كالمرعى الطيب والروض الانف فلا يرعى فيها الا الروح الطيب والجسد النظيف(14/359)
وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49)
{ وانه هو رب الشعرى } اى رب معبودهم باعبدوا الرب دون المربوب والشعرى كوكب نير خلف الجوزآء يقال لها العبور بالمهملة كالصبور وهى اشد ضياء من الغميصاء الغين المعجمة والمضمومة وفتح الميم والصاد المهملة وهى احدى الشعريين يعنى ان الشعرى شعريان احداهما الشعرى اليمانية وتسمى ايضا الشعر العبور وثانيتهما الشعرى الشامية وتسمى ايضا الشعرى الغميصاء فصلت المجرة بينهما تزعم العرب ان الشعريين اختا سهيل وان الثلاثة كانت مجتمعة فانحدر سهيل نحو اليمن وتبعته العبور فعبرت المجرة ولقيت سهيلا واقامت الغميصاء فبكت لفقد سهيل فغمصت عينها اى كانت اقل نورا من العبور واخفى الغمص فى العين ماسال من الرمص يقال غمصت عينه بالكسر غمصا وكانت خزاعة تعبد الشعرى سن لهم ذلك ابو كبشة رجل من اشرافهم فقال لقومه ان النجوم تقطع السماء عرضا وهه ت قطعها طولا فليس شىء مثلها فعبدتها خزاعة وخالف ابو كبشة قريشا فى عبادة الاوثان ولذلك كانت قريش يسمون الرسول عليه السلام ابن ابى كبشة لايريدون بذلك اتصال نسبه اليه وان كان الامر كذلك اى لان ابا كبشة احد اجداد النبى عليه السلام من قبل امه بل يريدون به موافقته عليه السلام له فى ترك عبادة الاوثان واحداث دين جديد فالنبى عليه السلام كما وافق ابا كبشة فى مخالفة قريش بترك عبادة الاصنام خالفه ايضا بترك عبادة الشعرى وهو اشارة الى شعرى النفس المسماة بكلب الجبار التى عبدها خزاعة اهل الاهوآء وابو كبشة اهل البدع من الفلاسفة والزناندقة(14/360)
وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50)
{ وانه اهلك عادا الاولى } هى قوم هود عليه السلام اهلكوا بريح صرصر وعاد الاخرى ارم وقيل الاولى القدماء لانهم اولى الامم هلاكا بعد قوم نوح اى المراد بعاد جميع من انتسب الى عاد بن ارم بن عوص بن سام بن نوح ووصفهم بالاولية ليس للاحتراز عن عاد الاخيرة بل لتقدم هلاكهم بحبب الزمان على هلاك سائر الامم بعد قوم نوح قال فى التكملة وصف عاد بالاولى يدل على ان لها ثانية فالاولى هى عاد بن ارم قوم هود والثانية من ولدها وهى التى قاتلها موسى عليه السلام باريحاء كانوا تناسلوا من الهزيلة بنت معاوية وهى التى نجت من قوم عاد مع بنيها الاربعة عمر وعمرو وعامر والعتيد وكانت الهزيلة من العماليق(14/361)
وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51)
{ وثمود } عطف على عاد لان مابعده لايعمل فيه لمنع ما النافية عن العمل وهم قوم صالح عليه السلام اهلكم الله بالصيحة { فما ابقى } اى احدا من الفريقين ويجوز ان يكون المعنى فما ابقى عليهما فالابقاء على هذا المعنى الترحم وهو بالفارسية بخشودن وانما لم يترحم عليهم لكونهم من اهل الغضب ورحمة الله لاهل اللطف دون القهر وفيه اشارة الى التربية فأولا باللطف وثانيا بالعتاب وثالثا بالعقاب فان لم يحصل التنبه فبالازالة والاهلاك وهكذا عادة الله فى خلقه فليتنبه العباد وليحافظوا على المراتب فى تربية عبيدهم وامائهم وخدمهم مطلقا(14/362)
وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52)
{ وقوم نوح } عطف عليه ايضا { من قبل } اى من قبل اهلاك عاد وثمود { انهم } اى قوم نوح { كانوا هلم اظلم } لنبيهم { واطغى } من الفريقين حين كانوا يؤذونه وينفرون الناس عنه وكانوا يحذرون صبيانهم ان يسمعوا منه وكانوا يضربونه عليه السلام حتى لايكون به حراك وما اثرت فيهم دعوته قريبا من الف سنة وما آمن معه الا قليل
وفيه اشارة الى اهلاك صفات القلب من قبل ان يتمكن فى سفينة التوحيد فانهم كانوا مذبذبين منقلبين بين القلب وبين النفس ظالمين على القلب بمشاهدة الكثرة طاغين عليه بالميل الى النفس وصفاتها(14/363)
وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53)
{ والمؤتفكة } هى قرى قوم لوط عليه السلام يعنى شهرستان قوم لوط عليه السلام ، ائتفكت بأهلها اى انقلبت بهم وهو منصوب عطفا على عادا اى واهلك المؤتفكة وقيل هو منصوب بقوله { اهوى } اى اسقطها الى الارض مقلوبة بعد ان رفعها على جناح جبريل الى السماء فالاهوآء بمعنى انداختن ، وقال الزجاج القاها فى الهاوية(14/364)
فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54)
{ فغشاها ماغشى } من فنون العذاب ( وقال الكاشفى ) بس بيوشانيد آن شهرها را آنجه بيوشانيد يعنى سنكهاى نشان داده بران بارانيد ، وفيه من التهيل والتفضيع مالا غاية ورآءه قوله { ماغشى } مفعول ثان ان قلنا ان التضعيف للتعدية اى البس الهل المؤتفكة مالبسها اياه من العذاب كالحجارة المنضودة المسومة فمفعولا الفعل الاول مذكوران والثانى محذوفان وان قلنا انه للمبالغة والتكثير فهو فاعل كقوله { فغشيهم من اليم ماغشيهم } وفى الآية اشارة الى قرية القالب وانقلابها من اعلى الكمال الى اسفل النقصان ومن اعتدال المزاج الى انحرافه وذلك سبب ظلم النفس الامارة عليها باستيفاء الحظوظ والشهوات كما قال تعالى { وكم اهلكنا من قرية بطرت معيشتها } الآية(14/365)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55)
{ فبأى آلاء ربك تتمارى } الآلاء النعم واحدها الى والى والى كما فى القاموس والتمارى والامترآء والمماراة المحاجة فميا فيه مرية اى شك وتردد قال فى تاج المصادر التمارى بشك شدن وبايكديكر بستهيدن ، واسناد فعل التمارى الى الواحد باعتبار تعدده بحسب تعدد متعلقه والخطاب للرسول عليه السلام فهو من باب الالهاب والتعريض بالغير على طريقة قوله تعالى { لئن اشركت ليحبطن عملك } او لكل واحد واجعل الامور المعدودة آلاء مع ان بعضها نقم لما انها ايضا نعم من حيث انها نصرة للانبياء المؤمنين وانتقام لهم وفيها عظات وعبر للمعتبرين قال فى بحر العلوم وهلاك اعدآء الله والنجاة من صبحتهم وشرهم والعصمة من مكرهم من اعظم آلائه الواصلة الى المؤمنين قال المتبنى
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ... عدو له ما من صداقته بد
وقد امر نوحا بالحمد على ذلك فى قوله فقل { الحمد الله الذى نجانا من القوم الظالمين } وقد حمد هو بنفسه على ذلك فى موضع آخر تعليما لعباده حيث قال { فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين } وقد سجد عليه السلام سجدة الشكر حين رأى رأى ابى جهل قد قطعت فى غزوة بدر .
وفى التأويلات النجمية يشير الى استحقاق الشكر الجزيل على آلائه التى عددها وسماها آلاء لاشتمالها على نعم المواعظ ونعم الزواجر واستبعاد الشك والمماراة فيها والخطاب لافراد الاماة لاشتمال النبى عليه السلام على امته كما قال { ان ابراهيم كان امته قانتا } انتهى ومعنى الآية اذا عرفت يامحمد هذه المذكورات فبأى نعمة من نعم ربك تتشكك بأنها ليست من عندالله او فى كونها نعمة وبالفارسية بس بكدامين از نعمتهاى آفريدكار خودشك مى آرى وجدال ميكنى ، فكما نصرت اخوانك من الانبياء الماضين ونصرت اولياءهم وهلكت اعدائهم فكذلك افعل بك فلا يكن قلبك فى ضيق وحرج مما رأيت من اصرار هؤلاء القوم وعنادهم واستكبارهم(14/366)
هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56)
{ هذا نذير من النذر الاولى } هذا اما اشارة الى القرءآن والنذير مصدر اى هذا القرءآن الذى تشاهدونه انذار كائن من قبيل الانذارات المتقدمة التى سمعتم عاقبتها او الى الرسول والنذير بمعنى المنذر اى هذا الرسول نذير من جنس المنذرين الاولين والاولى على تأويل الجماعة لمراعاة الفواصل وقد علمتم احوال قومهم المنذرين
وفى التأويلات النجمية يشر الى القرءآن او الى الرسول وشبه انذارهما بانذار الكتب الماضية والرسول المتقدمة ، يقول الفقير فيه اشارة الى نذارة كمل ورئته عليه السلام فان كان نذير متأخر فهو قبيل النذر الاولى لاتحاد كلمتهم ودعوتهم الى الله على بصيرة وكذا مالهموا به من الانذارات بحسب الاعصار والمشارب فطوبى لاهل المتابعة وويل لاهل المخالفة
بكوى آنجه دانى سخن سودمند ... وكر هيج كس را ناييد بسند
كه فردا بشيمان بر آرد خروش ... كه آوخ جراحق نكردم بكوش
بكمراه كفتن نكو ميروى ... كناه بزر كست وجور قوى
مكو شهد شيرين شكر فايقست ... كسى را كه سقمونيا لايقست
جه خوش كفت يكروزدار وفروش ... شفا بايدت داورى تلخ نوش(14/367)
أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57)
{ ازفت الآزفة } فى ايراده عقيب المذكورات اشعار بأن تعذيبهم مؤخر الى يوم القيامة تعظيما للنبى عليه السلام وان كانوا معذبين فى الدنيا ايضا فى الجملة واللام للعهد فلذا صح الاخبار بدونها ولو كانت للجنس لما صح لانه لافائدة من الاخبار بقرب آزفة ما فان قلت الاخبار بقرب الآزفة المعهودة لا فائدة فيه ايضا قلت فيه فائدة وهو التأكيد وتقرير الانذار والأزف ضيق الوقت لقرب وقت الساعة وعلى ذلك عبر عن القيامة بالساعة يقال أزف الترحل كفرح ازفا وازوفا دنا والأزف محركة الضيق كما فى القاموس والمعنى دنت الساعة الموصوفة بالدنو فى نحو قوله تعالى { اقترتب الساعة } اى فى الدلالة على كمال قربها لما فى صيغة الافتعال من المبالغة ففى الآية اشارة الى كمال قربها حيث نسب القرب الى الموصوف به(14/368)
لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58)
{ ليس لها من دون الله كاشفة } اى ليس لها انفس قادرة على كشفها اى ازالتها وردها عند وقوعها فى وقتها المقدر لها الا الله لكنه لايكشفها من كشف الضر اى ازاله بالكلية فالكاشفة اسم فاعل والتاء للتأنيث والموصوف مقدر او ليس لها الآن نفس كاشفة بتأخيرها الا الله فانه المؤخر لها يعنى لو وقت الآن لم يردها الى وقتها احد الا الله اى عالمة به من كشف الشىء اذا عرف حقيقته او مبينة له متى تقوم وفى القرءآن لايجليها لوقتها الا هو اوليس لها من غير الله كشف على ان كاشفة مصدر كالعاقبة والخائنة واما جعل التاء للمبالغة كتاء علامة فالمقام يأباه لايهامه ثبوت اصل الكشف لغيره وفى الآية اشارة الى قرب القيامة الكبرى ووقوع الطامة العظمى وهى ظهور الحقيقة المثلى لأهل الفناء عن نفوسهم والاقبال على الله بجمع الهمة وقوة العزيمة ليس لها من دون الله كاشفة بالنسبة الى اهل الحجاب لانهم مستغرقون فى بحر الغفلة مستهلكون فى أسر الشهوة والانسان فان فى كل آن وزمان وماله شعور بذلك فياليته كشف عن غطائه وتشرف برؤية الله ولقائه وقد قالوا قيامة العارفين دآئمة اى لانهم فى شهود الامر على ماكان عليه ولا يتوقف شهودهم على وقوع القيامة الظاهرة ومن هنا قال الامام على كرم الله وجهه لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا فطوبى لمن زاد يقينه ووصل الى حق اليقين وتمكن فى مقام التحقيق والله المعين(14/369)
أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59)
{ أفمن هذا الحديث } آيا ازين سخن كه قرأنست { تعجبون } انكارا قال الراغب العجب والتعجب حالة تعرض للانسان عند الجهل بسبب الشىء ولهذا قال بعض الحكماء العجب مالا يعرف سببه(14/370)
وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60)
{ وتضحكون } استهزآء مع كونه ابعد شىء من ذلك قال الراغب واستعير الضحك للسخرية فقيل ضحكت منه { ولا تبكون } حزنا على مافرطتم فى شانه وخوفا من أن يحيق بكم ما حاق بالامم المذكورة ( روى ) انه عليه السلام لم ير ضاحكا بعد نزول هذه الآية وعن ابى هريرة رضى الله عنه لما نزلت هذه الآية بكى اهل الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم فلما سمع رسول الله عليه السلام حنينهم بكى معهم فبكينا لبكائه فقال عليه السلام « لايلج النار من بكى من خشية الله ولايدخل الجنة مصر على معصية الله ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون ثم يغفر لهم » ( روى ) ان النبى عليه السلام نزل عليه جبريل وعنده رجل يبكى فقال له من هذا فقال فلان فاقل جبرائيل انا نزن اعمال بنى آدم كلها الا البكاء فان الله لطيفىء بالدمعة بحورا من نيران جهنم وفى الحديث « ان هذا القرءآن نزل بحزن فاذا قرأتموه فابكوا فان لم تبكوا فتباكوا » وذلك فان الحزن يؤدى الى السرور والبكاء الى الضحك ( قال الصائب )
منال اى ساكن بيت الحزن ازجشم تاريكى ... كه خواهد صيقلى كشت از جمال روشن يوسف
( وقال )
خنده كردن رخنه در قصر حيات افكندنست ... خانه در بسته باشد تاغمين باشد كسى(14/371)
وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61)
{ وانتم سامدون } اى لاهون او مستكبرون من سمد البعير فى مسيره اذا رفع رأسه قال الراغب السامد اللاهى الرافع رأسه او مغنون لتشغلوا الناس عن استماعه من السمود بمعنى الغناء على لغة حمير وكانوا اذا سمعوا القرءآن عارضوه بالغناه واللهو ليشغلوهم عن الاستماع او خاشعون جامدون من السمود يمعنى الجمود والخشوع والجملة حال من فاعل لاتبكون خلا ان مضمونها على الوجه الاخير قيد للمنفى والانكار وارد عل نفى الكباء والسمود معا وعلى الوجوه الاول قيد للنفى والانكار متوجه الى نفى البكاء وجمود السمود والاول او فى بحق المقام فتدبر كما فى الارشاد(14/372)
فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)
{ فاسجدوا لله واعبدوا } الفاء لترتيب الامر او موجبه على ماتقرر من بطلان مقابلة القرءآن بالانكار واستهزآء ووجوب تلقيه بالايمان مع كمال الخضوع والخشوع اى واذا كان الامر كذلك فاسجدوا لله الذى انزله واعبدوه ولا تعبدوا غيره من ملك او بشر فضلا عن جماع لايضر ولا ينفع كالاصنام والكواكب قال فى عين المعانى فاسجدوا اى فى الصلاة اولاصح انه على الانفراد وهى سجدة التلاوة انتهى وهذا محل سجود عند ابى حنيفة والشافعى واحمد وهو قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه لانه صح عن رسول الله عليه اللام انه سجد بالنجم يعنى بعد تلاوته هذه السورة على قريش سجد وسجد معه المؤمن والمشرك والانس والجن كما سبق وليس يراها مالك لما روى عن زيد بن ثابت رضى الله عنه انه قرأ على النبى عليه السلام والنجم فلم يسجد فيها ( قال الكاشفى ) اين سجده دوازدهم است ازسجدات قرءآنى در فتوحات اين را سجده عبادت كفتنند كه امر آلهى بذلت ومسكنت مقترنست بوى وجز سالكان طريقت عبادت وعبوديت بسر منزل سراين سخن نرسيده اند .
وفى التأويلات البقلى اى اذا قرب ايام الوصال فاشتاقوا وسارعوا فى بذل الوجود ووضع الخدود على التراب واعبدوا رب الارباب لوجود كشف النقاب قال شيخى وسندى روح الله روحه فى كتاب البرقيات له يعنى اسجدوا لله واعبدوا الله بالله لا بالنفس اذا سجدتم وعبدتم له بسجدة القالب بالايقاد وعبادته بالاذعان فى مرتبة الشريعة وبسجدة القلب بالفناء وعبادته بالاستهلاك فى مرتبة الحقيقة حتى تكون سجدتكم وعبادتكم محض قربة الى الله فى المرتبة الاولى وصرف وصلة الى الله فى المرتبة الثانية وتكونوا م المقربين اولا مومن الواصلين ثانيا هذا شأن عباد الله المحدين المخلصين الفانين فى الله الباقين بالله اما طاعة من عداهم فبأنفسهم وهواهم لعدم تخلصهم من الشوآئب النفسانية فى مقام الشريعة من الشوائب الغيرية فى مقام الحقيقة ، واعلم ان سجدة القالب وعبادته منقطعة لانقطلع سبها ومحلها وموطنها لانها حادثة فانية زآئلة واما سجدة القلب وعبادته وهى فناؤه فى الله ازلا وابدا بحسب نفسه وان كان باقيا بالله بحسب تحلية الوجود فغير منقطعة بل هى دآئمة لدوام سببها وباقية لبقاء محلها وموطنها ازلا وابدا والمقصود من وضع السجدة والعبادة القالبية هو الوصول الى شهود السجدة والعبادة القلبية ولذا حبب الى النبى عليه السلام ثلاث الطيب والنساء والصلاة اما الاول فلأنه يوجد فى نفسه ذوق الانس والمحاضرة واما الثانى فلأنه يوجد فيه ذوق القربة والوصلة واما الثالث فلأنه يوجد فيه ذوق المكاشفة المشاهدة وهذه الاذواق انما يتحقق بها من الانس من هو الانسان الحقيقى المتحقق بسر الحضرة الاحدية والمتنور بنور الحضرة الواحدية وهو المنتفع بانسانيته انتفاعا تاما واما الانسان الحيوانى فلاحظ له من ذلك التحقق ولا نصيب له من هذا الانتفاع بل حظه ونصيبه انما هو الشهوات الطبيعية والانسان الاول فى اعلى عليين والثانى فى اسفل السافلين وبينهما بون بعيد كما بين الاوج والحضيض وبكمال علو الاول قد يستغنى عن الاكل والشرب كالملائكة بالاذواق الروحانية والتجليات الربانية فلك مدة كثيرة كما وقع لبعضهم ولتمام تسفل الثانى يأكل كما تأكل الانعام فلا يقتنع فى اليوم والليلة بمرة من الاكل بل يحتاج الى مرات منها والا يقع فى الاضطراب والذيول والنحول وربما تؤدى قلة الاكل الى هلاكه كما حكى ان شخصين احدهما سمين والآخر هزيل حبسا فى تهمة ومنع عنهما الغذآء اسبوعا فبعد الاسبوع تبين ان ليس لهما جرم فاذا السمين قد مات والهزيل حى وذلك لان من اعتاد الاكل اذا لم يجده هلك(14/373)
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)
{ اقتربت الساعة } الاقتراب نزديك آمدن . والساعة جزء من اجزآء الزمان عبر بها عن القيامة تشبيها لها بذلك لسرعة حسابها او لانها تقوم فىآخر ساعة من ساعات الدنيا او لانها ساعة خفيفة يحدث فيها امر عظيم او لغير ذلك ما بين فيما بين سبق والمعنى دنت القيامة وقرب قيامها ووقوعها لانه مابقى من الدنيا الا قليل كما قال عليه السلام « ان الله جعل الدنيا كلها قليلا فما بقى منها قليل من قليل ومثل مابقى مثل الثعب » اى الغدير شرب صفوة وبقى كدره فالاقتراب يدل على مضى الاكثر ويمضى الاقل عن قريب كما مضى الاكثر وبيانه انه مضى من يوم السنبلة وهو سبعة آلاف سنة وقد صح ان مدة هذه الامة تزيد عن الف بنحو اربعمائة سنة الى خمسمائة سنة ولايجوز الزيادة الى خمسمائة سنة بعد الالف لعدم ورود الاخبار فى ذلك ولاقتضاء البراهين والشواهد عند اهل الظواهر والبواطن من اهل السنة وقد قال عليه السلام الآيات بعد المائتين والمهدى بعد المائتين فتنتهى دورة السنبلة بظهور عيسى عليه السلام فيكون آدم فاتحها وعيسى خاتمها فعلى هذا فآدم ونبينا عليهما السلام اى وجودهما من اشراط الساعة فمعجزاته من انشقاق القمر ونحوه تكون كذلك .
يقول الفقير فان قلت فكم عمر الدنيا بأسرها وما قول العلماء فيه قلت اتفقوا على حدوث الدنيا وما قطعوا اي شىء فى مدتها والذى يلوح لى والله اعلم بحقيقة المدة انها ثلاثمائة وستون الف سنة وذلك لانه قد مثل دور السنبلة بجمعة من جمع الآخرة اى سبعة ايام وكل يوم ايام الآخرة الف سنة كما تعالى { وان يوما عند ربك كألف سنة } ولاشك ان بالجمعة اى الاسبوع يتقدر الشهر وبالشهر تتقدر السنة وعليه يحمل مارود عن ابن عباس رضى الله عنهما الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة فقد مضى ستة آلاف سنة ومائة سنة وليأتين عليها زمن من سنين ليس عليها من يوحد وقد خاطبت الدنيا آدم عليه السلام فقالت يا آدم جئت وقد انقضى شبابى يعنى انقضى من عمرها ستون الف سنة تقريبا وهى جمال ماذكرنا من المدة ولاشك ان مابين الستين والسبعين دقاقة الرقاب فآدم انما جاء الى الدنيا وقد انقضى عمرها وبقى شىء قليل منها وعلى هذا المعنى يحمل قول من قال ان عمر الدنيا سبعون الف سنة فاعرف جدا فالساعة مقتربة عند الله وعند الناس لان كل آت قريب وان طالت مدته فكيف اذا قصرت واما قوله تعالى { انهم يرونه بعيدا ونراه قريبا } فبالنسبة الى الغافلين المنكرين ولاعبرة بهم والحكمة فى ذكر اقتراب الساعة تحذير المكلف وحثه على الطاعة تنبيها لعباده على ان الساعة من اعظم الامور الكونية على خلقه من اهل السموات والارض واما تعيين وقت الساعة فقد انفرد الحق تعالى بعمله واخفاه عن عباده لانه اصلح لهم ولذا كان كل نبى قد انذر امته الدجال وفى الحديث(14/374)
« ان بين يدى الساعة كذابين فاحذروهم » والمراد بالكذابين الدجاجلة وهم الائمة المظلون ، يقول الفقير لاشك ان انذار الانبياء عليهم السلام حقيقة من امثال هؤلاء الدجاجلة من اممهم اذ لم يخل قرن منهم والافهم يعرفون ان الساعة انما تقوم بعد ظهور ختم النبيين وختم الامم وان الدجال الاعور الكذاب متاخر عن زمانه وانما يخرج من الالف الثانى بعد المائتين والله اعلم فكل كذاب بين يدى الساعة سوآء كان قبل مبعث النبى عليه السلام او بعده فانما هو من مقدمات الدجال المعروف كان كل اهل صدق من مقدمات المهدى رضى الله عنه { وانشق القمر } الانشقاق شكافته شدن ، دلت صيغة الماضى على تحقق الانشقاق فى زمن النبى عليه السلام ويدل قرءآة حذيفة رضى الله عنه وقت انشق القمر اى اقتربت الساعة وقد حصل من آيات اقترابها ان القمر قد انشق وقد خطب حذيفة بالمدائن ثم قال الا ان الساعة قد اقتربت وان القمر قد انشق على عهد نبيكم وحذيفة ابن اليمان رضى الله عنه صاحب سر رسول الله عليه اللام كابن مسعود رضى الله عنه وعلى هذا القول عامة الصحابة ومن بعدهم وبه اخذ اكثر المفسرين فلا عبرة بقول من قال انه سينشق يوم القيامة كما قال تعالى { اذا السماء انشقت } والتعبير بالماضى للدلالة على تحققه على انا نقول يجوز أن يكون انشقاقه مرتين مرة فى زمانه عليه السلام اشارة الى قرب الساعة ومرة يوم القيامة حين انشقاق السماء وفى فتح البارى لابنر حجر حنين الجذع وانشقاق القمر نقل كل منهما نقلات مستفيضا يفيد القطع عند من يطلع على طرق الحديث انتهى وقال الطيبى اسند ابو اسحق الزجاج عشرين حديثا الا واحدا فى تفسيره الى رسول الله عليه السلام فى انشقاق القمر وفى شرح الشريف للمواقف هذا متواتر رواه جمع كثير من الصحابة كابن مسعود وغيره قال سعدى المفتى فيه انهم لم يجعلوا حديث من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من انار وقد رواه ستون او اكثر من الصاحبة وفيه العشرة من المتواتر فكيف يجعل هذا منه انتهى ، يقول الفقير قد جعل ابن الصلاح ومن تبعه ذلك الحديث اى حديث من كذب الخ من المتواتر كما فى اصول الحديث على انه يجوز أن لايكون بعض مارواه جمع كثير من المتواتر لعدم استجماع شرآئطه ( امام زاهد رحمه الله ) آورده كه شبى ابو جهل وجهودى بحضرت بيغمبر عليه السلام رسيدند ابو جهل كفت اى محمد آيتى بمن نماى والاسر توبشمشير برميدارم آن حضرت فمودكه جه ميخواهى ابو جهل بجب وراست نكريست كه جه خواهد كه وقوع آن متعذر باشد يهودى كفت او ساحرست اورا بكرى كه ماه را بشكافد كه سحر درزمين متحقق ميشود وساحر را در آسمان تصرف نيست ابو جهل كفت اى محمد ماه را براى مابشكاف آن حضرت انكشت شهادت برآورد واشارت فرمود ماه رابشكافت فى الحال دونيم شد يك نيم برجاى خود قرار كرفت ويكى ديكر جايى ديكر رفت وباز كفت بكوى تاملتئم شود اشارت كرد هردونيمة بهم بيوستند(14/375)
شق كشت ماه جارده برلوح سيز جرخ ... جون خامه دبير ز تيغ بنان او
( قال العطار قدس سره )
ماه را انكشت او بشكافته ... مهر ازفرمانش از بس تافته
( وفى المثنوى )
بس قمر كه امربشنيد وشتافت ... بس دونيمه كشت برجوخ وشكافت
( وقال الجامى )
جومه را برسرتير اشارت ... زد از سبابه معجز بشارت
دونون شدميم دور حلقه ماه ... جهل راساخت او شصت از دو بنجاه
بلى جون داشت ستش بر قلم بشت ... رقم زد خط شق برمه برانكشت
يهودى ايمان آورد وابو جهل لعين كفت جشم مابسحر رفته است وقمر را منشق بما نموده ، وقال بعض المفسرين اجتماع بعض صناديد قريش فقالوا ان كنت صادقا فشق لنا القمر فرقتين ووعدوا الايمان وكانت ليلة البدر فرفع عليه السلام اصبعه امر القمر بأن ينشق نصفين فانفلق فلقتين اى شقين فلقه ذهبت عن موضع القمر وفقلة بقيت فى موضعه وقال ابن مسعود رضى الله عنه رأيت حرآء بين فلقى القمر فعلى هذا فالنصفان ذهبا جميعا عن موضع القمر فقال بعضهم نصف ذهب الى المشرق ونصف الى المغرب واظلمت الدينا ساعة ثم طلعا والتقيا فى وسط السماء كما كان اول مرة فقال عليه السلام اشهدوا اشهدوا وعند ذلك قال كفار قريش سحركم ابن ابى كبشة فقال رجل منهم ان محمدا ان كان سحر القمر بالنسبة اليكم فانه لايبلغ من سحره أن يسحر جميع اهل الارض فسألوا من يأتيكم من البلاد هل رأوا هذا ، يعنى ازجماعت مسافران كه ازاطراف آفاق برسند سؤال كنيد تايشان ديده اند يانه ، فسألوا اهل الآفاق فأخبروا كلهم بذلك ، يعنى جون از آينده ورونده برسيدند همه جواب دادنكه درفلان شب ماه را دونيمه ديديم ، وهذا الكلام كما لايخفى بدل على انه لم يختص برؤية القمر منشقا اهل مكة بل راه كذلك جمع اهل الآفاق وبه يرد قول بعض الملاحدة لو وقع انشقاق القمر لاشترك اهل الارض كلهم فى رؤيته ومعرفته ولم يختص بها اهل مكة ولايحسن الجواب عند بأنه طلبه جماعة فاختصمت رؤيته بمن ا قترح وقوعه ولا بانه قد يكون القمر حنيئذ فى بعض المنازل التى تظهر لبعض اهل الآفاق دون بعض ولا بقول بعضهم ان انشاق القمر آية ليلية جرى مع طائفة فى جنح ليلة ومعظم الناس نيام كما فى انسان العيون وقال فى الاسئلة المقحمة لايستبعد اختفاؤه عن قوم دون قوم بسبب غيم او غيره يمنع من رؤيته اى فكان انشقاق القمر صحيحا لكنه لم ينقل بطريق التواتر ولم يشترك فيه العرب والعجم فى جميع الاقطار القاصية والدانية ولذا وقع فيه الاختلاف كما وقع فى المعراج والرؤية والى انشقاق القمر اشار الامام السبكى فى تائيته بقوله(14/376)
وبدر الدياجى انشق نصفين عندما ... أرادت قريش منك اظهار آية
وصاحب القصيدة البردية بقوله ... أقسم بالقمر المنشق ان له
من قلبه نسبة مبرورة القسم ... يعنى لو أقسم احدان للقمر المنشق نسبة وشبها بقلبه المنشق يكون بارا وصادقا وصاحب الهمزية بقوله
شق عن صدره وشق له البدر ... ومن شرط كل شرط جزآء
اى شق عن صدره عليه السلام وشق لاجله القمر ليلة اربع عشرة وانما شق له لان من شرط كل شرط جزآء لانه لما شق صدره جوزى على ذلك بأعظم مشابه له فى الصورة وهو شق القمر الذى هو من أظهر المعجزات بل اعظمها بعد القرءآن ( كما قال الصائب )
هرمحنتى مقدمه راحتى بود ... شد همزبان حق جو زبان كليم سوخت
موسى كليم را انفلاق بحر بود ومصطفى حبيب را انشقاق قمر بود جه عجب كر بحر بر موسى بضرب عصا شكافته شد كه بحر مركوب وملموس است دست آدمى بدو رسد وقصد آدمى بوى أثر دارد اعجوبه مملكت انشقاق قمر است كه عالميان ازدر يافت آن عاجز ودست جن وانش از رسيدن بوى قاصر وبيان شق الصدر انه قالت حليمة امه عليه السلام من الرضاعة وهى من بنات بنى سعد بن بكر اسلمت مع اولادها زوجها بعد البعثة لما كان يوم من الايام خرج محمد مع اخوته من الرضاعة وكان يومئذ ابن خمس سنين على ماقال ابن عباس رضى الله عنهما فلما انتصف النهار اذا أنا بابنى حمزة يعدو وقد علاه العرق باكيا ينادى ياماه ياأبتاه ادركا ادركا اخرى القرشى فما أراكما تلحقانه الا ميتا قلت وما قصته قال بينا نحن نترامى بالجلة اذا أتاه رجل فاختطفه من بيننا وعلا به ذروة الجبل وشق صدره الى عانته فما أراه الا مقتولا قالت فأقبلت انا وزوجى نسعى سيعا فاذا أنا به قاعد على ذروة الجبل شاخص بعينه نحو السماء يتبسم فانكببت عليه وقبلت بين عينيه فقلت له فداك نفسى مالذى دهاك قال خير يا امه بينا انا الساعة قائم مع اخوتى نتقاذف بالجلة اذ اتانى رجلان علهيما ثياب بيض وفى رواية فأقبل الى طيران ابيضان كأنهما نسران وفى رواية كركيان والمراد ملكان وهما جبرآئيل وميكائيل وفى رواية وفى رواية أتانى ثلاثة رهط اى وهم جبرآئيل وميكائيل واسرافيل لان جبريل ملك الوحى الذى به حياة القلوب وميكائيل ملك الرزق الذىحياة الاجساد واسرافيل مظهر الحياة مطلقا فى يد احدهم ابريق من فضة وفى يد الثانى طست من زمرد اخضر مملوء ثلجا وهو ثلج اليقين فأخذونى من بين اصحابى وانطلقوا بى الى ذروة الجبل وفى رواية الى شفير الوادى فأضجعنى بعضهم على الجبل اضجاعا لطيفا ثم شق صدرى وانا انظر اليه فلم اجد لذلك حسا ولا الما ثم ادخل يده فى جوفى فأخرج احشاء بطنى فغسلها بذلك الثلج فأنعم غسلها اى بالغ فى غسلها ثم اعادها مكانها وق الثانى وقال للاول تنح فقد انجزت ما أمرك الله فدنا منى فأدخل يده فى جوفى فانتزع قلبى وشقه باثنين فأخرج منه علقة سودآء فرمى بها وقال هذا حظ الشيطان اى محل غمزه ومحل مايليقه من الامور التى لاننبغى لان تلك العلقة خلقها الله فى قلوب البشر قابلة لما يلقيه الشيطان فيها فأزيلت من قلبه وبعض ورثته الكمل يقيىء دما اسود محترقا من نور التوحيد فيحصل به شرح الصدر وشق القلب ايضا ولايلزم من وجود القابل لما يلقيه الشيطان حصول الالقاء بالفعل قبل هذا الشق فانه عليه السلام معصوم على كل حال فان قلت فلم خلق الله هذا القابل فى هذه الذات الشريفة وكان من الممكن أن لايخلق فيها قلت لانه من جملة الاجزاء الانسانية فخلقت تكلمة للخلق الانسانى ثم تزعت تكرمة له اى لانه لو خلق خاليا عنها لم تظهر تلك الكرامة وفيه انه يرد على ذلك ولادته عليه السلام من غير قلفة وهى جلدة الذكر التى يقطعها الخاتن و اجيب بالفرق بينهما لان القلفة لما كانت تزال ولا بد من كل واحد مع مايلزم على ازالتها من كشف العورة كان نقص الخلقة الانسانية عنها عين الكمال قال عليه السلام ثم حشا قلبى بشىء كان معه وهو الحكمة والايمان ورده مكانه ثم ختمه بخاتم من نوريحا الناظرون دونه وفى رواية واقبل الملك وفى يده خاتم له شعاع فوضعه بين كتفيه وثدييه ولا مانع من تعدد الختم فختم القلب لحفظ مافيه وبين الكتفين مبالغة فى حفظ ذلك لان الصدر وعاؤه القريب وجسده وعاؤه البعيد وخص بين الكتفين لانه اقرب اليه من القلب من بقية الجسد وهو موضع نفوذ خرطوم ابليس لان العدو يجيىء من ورآء ولذا سن الحجامة فيه ثم قال عليه السلام انا الساعة اجد برد الخاتم فى عروقى ومفاصلى وقام الثالث فقال تنحيا فقد انجز تماما امر الله فيه فدنا منى وامر يده على مفرق صدرى الى منتهى الشق فالتأم وانا انظر اليه وكانوا يرونه اثرا كأثر المخيط فى صدره وهو اثر مرور يد جبريل ثم انهضنى من الارض انهاضا لطيفا ثم قال الاول الذى شق صدرى زنه بعشرة من امته فوزننى فرجحتهم ثم قال زنه بعشرين فرجحتهم ثم قال زنه بمائة فرجحتهم ثم قال زنه بالف فرجحتهم ثم قال دعه فلو وزنتموه بامته كلهم لرجحهم .(14/377)
يقول الفقير هذا يدل على انه عليه السلام كما انه افضل من كل فرد فرد من افراد الموجودات فكذا افضل من المجموع ولا عبرة بقول من قال فى كونه افضل من المجموع توقف لانه جهل بشأنه العالى وانه احدية مجموع الاسماء الالهية وبرزخيتها فاعرف قال عليه السلام ثم انكبوا على وقبلوا رأسى ومابين عينى وقالوا ياحبيباه انك لو تدرى مايراد بك من الخير لقرت عيناك وتركونى قاعدا فى مكانى هذا وجعلوا يطيرون حتى دخلوا خلال السماء وانا انظر اليهم ولو شئت لارينك موضع دخولهم ، واعلم ان صدره الشريف شق مرار امرة لاخراج حظ الشيطان كما مر لانه لايليق به وعند مجيىء الوحى لتحمل ثقله وعند المعراج لتحمل اسراره ففى شرح الصدر مرارا امزيد تقوية لباطنه وهذا الشرح معنوى لأكامل امته ولا بد منه فى حصول الفيض الالهى يسره الله لى ولكم ثم انه بقى هنا معنى آخر كما قاله البعض وهو ان انشقاق القمر مجاز عن وضوح الامر ولايبعد ان يحمل بيت المثنوى على ذلك وهو
سايه خواب آرد ترا همجون سمر ... بر آيد شمس انشق القمر
اى وضح الامر واستبان وذلك لانه عند اقتراب الساعة ينكشف كل خفى ويظهر كل مستور ويستبين الحق من الباطل من كل وجه ويدل على هذا المعنى قوله عليه السلام اذا تقارب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب فان المراد وضوح الامر فى آخر الزمان وظهور حقيقته ولذا يصير الناس بحيث ينكشف لأدنى سالك منهم فى مدة قليلة مالم ينكشف للامم الماضية فى مدة طويلة وذلك لان الله تعالى قال فى حق يوم القيامة { يوم تبلى السرآئر } فاذا قرب الزمان من ذلك اليوم يأخذ حكمه فيكون كشف الامور اكثر والخفايا اظهر وقال البقلى رحمه الله علم الله انتظار ارواح الانبياء والمرسلين والملائكة المقربين والاولياء العارفين وجميع الصالحين كشف جماله وقرب وصاله والدخول فى جواره فبشرهم الله تعالى بأنه مقرون بقدوم محمد عليه السلام فلما خرج بالنبوة شك فيه المشركون فأراهم الله صدق وعده بانشقاق القمر حتى يعرفوا ان الله تعالى يريد بالعالمين اتيان الساعة التى فيها كشوف العجائب وظهور الغرآئب من آيات الله وصفاته وذاته
وفى التأويلات النجمية اعلم ان الساعة اى القيامة ساعتان الكبرى وهى عامة بالنسبة الى جميع الخلائق وهى التى اقترتب والصغرى وهى خاصة بالنسبة الى السالكين ال الله برفع الاوصاف البشرية وقطع العلائق الطبيعية السائرين فى الله بالتجلى بالاوصاف اللالهية والاخلاق الربانية الراجعين من الحق الى الحق بالبقاء الحقانى بعد الفناء الخلقانى وبالجمع بعد الفرق وهى أعنى الساعة الصغرى واقعة اليوم فى كل آن ولله تجلى جلالى يفنى جمالى يبقى واليه اشارة قوله عليه السلام من مات فقد قامت قيامته فقد انشق قمر قلب السالك عن ظلمة النفس المظلمة باستيلاء نور شمس فلك الروح عليها فلا جرم وقعت الساعة بالنسبة الى القلب الحى المنور بالنور الالهى ووقعت القيامة الخاصة الشاملة على الموت والحشر والنشور فافهم ولاتعجب لئلا تكن ممن قال تعالى فيهم أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون والله الموفق والمعين(14/378)
وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2)
{ وان يروا } يعنى قريشا { آية } من آيات الله دالة على قدرته وصدق نبوة حبيبه عليه السلام مثل انشقاق القمر ونظائره ومعنى تسمية ماجاءت به الانبياء معجزة هو ان الخلق عجزوا عن الاتيان بمثلها { يعرضوا } عن التأمل فيها ليقفو على حقيقتها وعلو طبقتها فيؤمنوا { ويقولوا } هذا { سحر مستمر } مطرد دآئم يأتى به محمد عليه السلام على ممر الزمان لايكاد يختلف بحال كسائر انواع السحر فالاستمرار بمعنى الاطراد يقال اطرد الشىء تبع بعضه بعضا وجرى وهو يدل على انهم رأوا قبله آيات اخرى مترادفة حتى قالوا ذلك وفيه تأييد ان انشقاق القمر قد وقع لا انه سينشق يوم القيامة كما قاله بعضهم وذلك لانه لو لم يكن الانشقاق من جنس الآيات لم يكن ذكر هذا القول مناسبا للمقام او مطردا بالنسبة الى جميع الاشخاص والبلاد حيث رأوه منشقا وقال بعضهم آن جاد وبيست دائم ورونده از زمين تا بآسمان ، ويجوز أن يكون مستمر من المرة بالكسر بمعنى القوة امررته فاستمر اذا حكمته فاستحكم فالاستمرار بمعنى الاستحكام اى قوى مستحكم لايمكن ازالته او قوى شديد يعلو كل سحر وقيل مستمر ذاهب يزول ولايبقى عن قريب تمنية لأنفسهم وتعليلا فهو من المرور(14/379)
وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3)
{ وكذبوا } اى النبى عليه السلام وما عاينوه من معجزات التى اظهرها الله على يده { وابتعوا اهواءهم } التى زينها الشيطان لهم من رد الحق بعد ظهوره او كذبوا الآية التى هى انشاق القمر واتبعوا اهوآءهم وقالوا سحر القمر او سحر اعيننا والقمر بحالة ولم يصبه شىء او انه خسوف فى القمر وظهور شىء من جانب آخر من الجو يشبه نصف القمر فهذه اهوآءهم الباطلة
بد كمانى لازم بد باطنان افتاده است ... كوشه از خلق جاكردم كمين بنداشتند
وذكرهما بلفلظ الماضى اى بعد يعرضوا ويقولوا بلفظ المستقبل للاشعار بأنهما من عادتهم القديمة وفيه اشارة الى المحجوبين المستغرقين فى بحر الدنيا وشهواتها فانهم اذا ظهر لهم خاطر رحمانى بالاقبال على الله ومتابعة الرسول وترك حب الدنيا ورفع شهواتها يعرضوا عن هذا الخاطر الرحمانى وينفوه ولا يلتفتوا اليه ولا يعتبروه بل يزدادوا فيما هم عليه من حب الدنيا ومتابعة النفس وموافقة الهوى ويرموه بالكذب وربما يرى بعضهم فى منامه انه لبس خرقة الفقرآء من خارج ولكن تحتها قميص حرير فهذا يدل على ان تجرده ليس من باطنه فتجرده الظاهرى وملاحظة الفناء القشرى ليس بنافع له جدا { وكل امر مستقر } اى وكل امر من الامور مستقر اى منته الى غاية يستقر عليها لا محالة ومن جملتها امر النبى عليه السلام فسيصير الى غاية يتبين عندها حقيقته وعلو شأنه وابهام المستقر عليه للتنبيه على كمال ظهور الحال وعدم الحاجة الى التصريح به او كل امر من امرهم امره عليه السلام مستقر اى سيثبت ويستقر على حالة خذلان او نصرة فى الدنيا وشقاوة او سعادة فى الآخرة فان الشىء اذا انتهى الى غايته ثبت واستقر يعنى ان الاستقرار كناية عن ملزومه وهو الانتهاء الى الغاية فان عنده يتبين حقيقة ك ل شىء من الخير والشر والحق والباطل والهوى والحجة وينكشف جلية الحال ويضمحل الشبه والالتباس فان الحقائق اما تظهر عند العواقب فهذا وعيد للمشركين ووعد وبشارة للرسول والمؤمنين ونظيره لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون اى كل نبأ وان طالت مدته فلا بد ان ينتهى الى غايته وتنكشف حقيقته من حق وباطل وفى عين المعانى وكل مر وعدهم الله كائن فى وقته اى لايتغير شىء عن مراد الله ولايغيره احد دون الله فهو يمضيه على الخلق فى وقته لانه مستقر لايزول وفيه اشارة الى ان امر محمد الروح وامر ابى جهل النفس له نهاية وغاية يستقر فيها اما الى السعادة الابدية بواسطة التخلق بالاخلاق الالهية واما الى الشقاوة السرمدية بسبب الاتصاف بالصفات البشرية الحيوانية(14/380)
وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4)
{ ولقد جاءهم } اى وبالله لقد جاء اهل مكة فى القرءآن { من الانباء } جمع نبأ وهو خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم او غلبة ظن ولا يقال للخبر فى الاصل نبأ حتى يتضمن هذه الاشياء الثلاثة اى انباء القرون الخالية او انباء الآخرة وما وصف من عذاب الكفار فاللام عوض عن المضاف اليه وهو حال مما بعده { مافيه مزدجر } اى ازدجار من تعذيب ان أريد بالانباء انباء القرون الخالية او وعيد أريد بها انباء الاخرة او موضع ازدجار على ان فى تجريدية والمعنى انه فى نفسه موضع ازدجار ومظنة له كقوله تعالى { لقد كان لكم فى رسو الله اسوة حسنة } اى هو فى نفسه اسوة حسنة وتاء الافتعال تقلب دالا مع الدال والذال والزاى للتناسب فى المخرج او لتحصيل التناسب فان التاء مهموسة وهذه الحروف مجهورة يعنى ان اصله مزتجر لانه مفتعل من الزجر قلبت التاء ذالا لان الزاى حرف مجهور والتاء حرف مهموس والذال تناسب الزاى من الجهر وتناسب التاء فى المخرج يقال زجره وازدجره اى نهاه عن السوء ووغظه غير ان افتعل ابلغ فى المعنى من فعل قال الراغب الزجر طرد بصوت يقال زجرته فانزجر ثم يستعمل فى الطرد تارة وفى الصوت تارة وقوله تعالى مزدجر اى طرد ومنع عن ارتكاب المأثم(14/381)
حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5)
{ حمة بالغة } غايتها متناهية فى كونها حكمة لاخلل فيها او قد بلغت الغاية فى الانذار والنهى والموعظة وهو بدل من ما او خبر لمحذوف وفى القاموس الحكمة بالكسر العدل والعلم والحلم والنبوة والقرءآن وفى المفردات الحكمة اصابة الحق بالعلم والفعل فالحكمة من الله معرفة الاشياء او ايجادها على غاية الاحكام ومن الانسان معرفة الموجودات وفعل الخيرات واذا وصف القرآن بالحكيم فلتضمنه الحكمة وهى علمية والحكمة المنطوق بها هى العلوم الشرعية والطريقة والحكمة المسكوت عنها هى اسرار الحقيقة التى لايطلع عليها علماء الرسوم والعوام على ماينبغى فتضرهم او تهلكهم { فما تغنى النذر } نفى للاغنياء فمفعول تغنى محذوف اى لم تغن النذر شيأ او استفهام انكار فما منصوبة على انها مفعول مقدم لتغنى اى فأى اغناء تغنى النذر اذا خالفو او كذبوا اى لا تنفع كقوله { وما تغنى الآيات والنذر } عن قوم لايؤمنون جمع نذير بمعنى المنذر او مصدر بمعنى الانذار وفيه اشارة الى عدم انتفاع النفوس المتمردة بانذار منذر الروح وانذار منذر القلب اذ الروح مظهر منذر القرآن والقلب مظهر منذر الحقيقة(14/382)
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6)
{ فتول عنهم } لعلمك بان الانذار لايؤثر فيهم البتة ولا ينفع فالفاء للسببية وبالفارسية بس روى بكردان از ايشان تا وقت امر بقتال ومنتطر باش جزاى انشانرا { يوم يدع الداع } اصله يوم يدعو الداعى بالواو والياء لما حذف الواو من يدعو فى التلفظ لاجتماع الساكنين حذفت فى الخط ايضا اتباعا للفظ واسقطت الياء من الداعى للاكتفاء بالكسرة تخفيفا قال بعضهم حذفت الياء من الداعى مبالغة فى التخفيف اجرآء لأل مجرى ما عاقبها وهو التنوين فكما يحذف الياء مع التنوين كذلك مع ما عاقبه ويوم منصوب بينجرجون او باذكر والداعى اسرافيل عليه السلام ينفخ فى الصور قائما على صخرة بيت المقدس ويدعو الاموات وينادى قائلا أيها العظام البالية واللحوم المتزقة والشعور المتفرقة ان الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء او ان اسرافيل ينفخ وجبريل يدعو وينادى بذلك وعلى كلا القولين فالدعاء على حقيقته وقال بعضهم هو مجاز كالامر فى قوله تعالى { كن فيكون } يعنى ان الدعاء فى البعث والاعادة مثل كن فى التكوين والابتدآء بأن لايكون ثمة داع من اسرافيل او غيره بل يكون الدعاء عبارة عن نفاذ مشيئته وعدم تخلف مراده عن ارادته كما لايتخلف اجابة دعاء الداعى المطاع .
يقول الفقير الاولى بقاؤه على حقيقته لان اسرافيل مظهر الحياة وبيده الصور والله تعالى ربط الاشياء بعضها ببعض وان كان الكل بأرادته ومشيئته { الى شىء نكر } بضمتين صفة على فعل وقرىء بسكون الكاف وكلاهما بمعنى المنكر اى منكر فظيع ينكره النفوس لعدم العهد بمثله وهو هول يوم القيامة ومنه منكر ونكير لفتانى القبر لانه لم يعهد عند الميت مثلهما(14/383)
خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7)
{ خشعا ابصارهم } حال من فاعل { يخرجون } والتقديم لان العامل فعل فعل متصرف اى يخرجون { من الاجداث } جمع محركة وهو القر اى من قبورهم حال كونهم اذلة ابصارهم من شدة الهول والضراعة اكثر ماتستعمل فيما يوجد فى القب كما روى اذا ضرع القلب خشعت الجوارح وخص الابصار بالخشوع لانه فيها اظهر منه فى سائر الجوارح وكذلك سائر مافى نفس الانسان من حياء او خوف ونحوه انما يظهر فى البصر { كأنهم جراد } اى يشبهن الجراد وهو بالفارسية ملخ ، سمى بذلك لجرده الارض من النبات يقال ارض مجرودة اى اكل ماعليها حتى تجردت كما فى المفردات { منتشر } فى الكثرة والتموج والتفرق فى الاقطار ومثله قوله { كالفراش المبثوث }(14/384)
مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)
{ مهطعين الى الداع } حال ايضا اى مسرعين الى جهة الداعى مادى اعناقهم اليه او ناظرين اليه لايقعلون بأبصارهم يقال هطع الرجل اذا أقبل ببصره على الشىء لايقلع عنه وأهطع اذا مد عنقه وصوب رأسه وأهطع فى عدوه اذا اسرع كما فى الجوهرى وفيه اشارة الى ذلة أبصار النفوس وعلتها فأنهار مدت من حب الدنيا وانطفاء ابصار القلوب عن شواهد الحق وانطماس ابصار الارواح عن شهود الحق والى ان هذه النفوس الرديئة تخرج من قبور صفاتها الرذيلة كالجراد الحريص على اكل زروع مزارع القلب من الاخلاق الروحانية منتشرين فى مزارع الورح ومغارس القلب بالفساد والافساد وترى هذه النفوس الخبيثة مسرعة الى اجابة داعى الشهوات النفسانية واللذات الجسمانية راغبة الى دعوته مقبلة على طلبه { يقول الكافرون } استئناف وقع جوابا عما نشأ من وصف اليوم بالاهوال واهله بسوء الحال كأنه قيل فماذا يكون حينئذ فقيل يقول الكافرين { هذا يوم عسر } اى صعب شديد علينا فيمكثون بعد الخروج من القبور واقفين اربعين سنة يقولون ارحنا من هذا ولو الى النار ثم يؤمرون بالحساب وفى اسناد القول المذكور الى الكفار تلويح بأن المؤمنين ليسوا فى تلك المرتبة من الشدة بل ذلك اليوم يوم يسير لهم ببركة ايمانهم وأعمالهم بل المطهرون المحفوظون الذين ماتندست بواطنهم بالشبه المضلة ولا ظواهر هم ايضا بالمخالفات الشرعية آمنون يغبطهم النبيون فى الذىهم عليه من الامن لما هم والنبيون عليه من الخوف على اممهم يعنى ان الانبياء والرسل عليهم السلام يخافون على اممهم للشفقة التى جبلهم الله عليها للخلق فيقولون فى ذلك اليوم سلم سلم وان كان لايحزنهم الفزع الاكبر لانهم آمنون من خوف العاقبة وفيه الشارة الى كفار النفوس اللئيمة يقولون بلسان الحال ولا ينفعهم المقال يوم قيامة اضطرابهم لما رأوا الفضيحة والقطيعة هذا يوم عسر صعب خلاصنا ومناصنا منه لانجاة لنا ولا منجاة الا الاستمساك بعروة وثقى الروح والقلب وما يقدرون على مايقولون لافساد استعدادهم بيد الامانى الكاذبة واختيار تلك الامانى الفاسدة الدنيوية على المطالب الصالحة الاخروية فعلى العاقل أن يختار الباقى على الفانى ولايغتر بالامانى بل يجتهد قبل الموت بأسباب الخلاص والنجاة لكى يحصل له فى الآخرة النعيم والدرجات والا فاذا خرج الوقت من اليد وبقيت اليد صفرا فى الغد فلا ينفع الاسف والويل نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من الذين أجابوا داعى الله ورسوله وتشرفوا بالعمل بالقرءآن وقبوله وييسر لنا الفناء المعنوى قبل الفناء الصورى ويهيىء لنا من امرنا رشدا فانا آمنا به ولم نشرك بربنا احدا وهو المعين فى الآخرة والاولى بيده الامور ردا وقبولا(14/385)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9)
{ كذبت قبلهم قوم نوح } اى فعل التكذيب قبل قومك يامحمد قوم نوح او كذبوا نوحا فالمفعول محذوف وهو شروع فى تعداد بعض الانباء الموجبة للازدجار وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم { فكذبوا عبدنا } نوحا تفسير لذلك التكذيب الهيم كما فى قوله تعالى { ونادى نوح ربه فقال رب } الخ فالمكذب فى المقامين واحد والفاء تفسيرية تفصيلية تعقيبية فى الذكر فان التفصيل يعقب الاجمال وفى ذكره بعنوان العبودية مع الاضافة الى نون العظمة تفخيم له عليه السلام ورفع لمحله وزيادة تشنيع لمكذبيه فان تكذيب عبد السلطان اشنع من تكذيب عبد غيره وفيه اشارة الى انه لاشىء اشرف من العبودية فان الذلة الحقيقية التى يقابلها مقام الربوبية مختصة بالله تعالى فكذا العبودية مختصة بالعبد وهى المرادة بالتواضع وهى غير التملق فان التملق لاغيره به وفى الحديث « انا سيد ولد آدم ولا فخر » اى ليس الفخر لى بالرسالة وانما الفخر لى بالعبودية وخصوصا بالفقر الذى هو الخروج عن الوجود المجازى بالكلية { وقالوا } فى حقه هو او قالوا له انك { مجنون } اى لم يقتصروا على مجرد التكذيب بل نسبوه الجنون واختلال العقل وهو اجادة فى التكذيب لان من الكاذبين من يخبر بما يوافق العقل ويقبله والمجنون لايقول الا مالا يقبله العقل وياباه { وازدجر } عطف على قالوا فهو من كلام الله اى وزجر عن التبليغ بأنواع الاذية مثل الشتم والضرب والخنق والوعيد بالرجم قال الراغب وازدجر اى طرد واستعمال الزجر فيه لصياحهم بالمطرود نحو ان يقال اعزب عنى وتنح و ورآءك وقيل هو من جملة ماقالوه اى هو مجنون وقد ازدجرته الجن وتحبطته اى افسدته وتصرفت فيه وذهبت بليه وطارت بقلبه وفيه اشارة الى ان كل داع حق لابد وان يكذب لكثرة اهل البطلان وغلبة اهل البدع والاهوآء والطغيان وذلك فى كل عصر وزمان وايضا قوم نوح الروح وهم النفس الامارة وصفاتها لايقبلون دعوته الى الله لانهماكهم فى الشهوات واللذات وصعوبة الفطام عن المألوفات والله المعين فى جميع الحالات والمقامات
اين جهان شهوتى بتخانه ايست ... انبيا وكافران را لانه ايست
ليك شهوت بنده با كان بود ... زرنسوزد زانكه نقد كان بود
ذلة الارواح من اشباحها ... عزة الاشباح من ارواحها
كم نشين براسب توسن بى لكام ... عقل ودين را بيشوا كن والسلام(14/386)
فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10)
{ فدعا ربه } اى لما زجروا نوحا عن الدعوة وبلغ مدة التبليغ تسعمائة وخمسين سنة دعا ربه { انى } اى بأنى { مغلوب } من جهة قومى مالى قدرة على الانتقام منهم { فانتصر } اى فانتقم لى منهم وذلك بعد تقرر يأسه منهم بعد الليتا والتى فقد روى ان الواحد منهم كان يلقاه فيخنقه حتى يخر مغشيا فيفيق ويقول اللهم اغفر لقومى فانهم لايعلمون فلما اذن الله له فى الدعاء للاهلاك دعا فاجيب كما قال فى الصفات { ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون }(14/387)
فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11)
{ ففتحنا ابواب السماء } اى طرقها وبالفارسية بس بكشاديم براى عذاب ايشان درهاء آسمانرا ازطرف مجره كما قال على رضى الله عنه { بماء منهمر } الهمر صب الدمع والماء يقال همره يهمره ويهمره صب نهمر هو وانهمر اى انسكب وسال والمعنى بماء كثير منصب انصبابا شديدا كما ينصب من افواه القرب لم ينقطع اربعين يوما وكان مثل الثلج بياضا وبردا وهو تمثيل لكثرة الامطار وشدة انصبابها سوآء جعل الباء فى قوله بماء للاستعانة وجعل الماء كالالة لفتح ابواب السماء وهو ظاهر او للملابسة(14/388)
وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12)
{ وفجرنا الارض عيونا } اى جعلنا الارض كلها كائنا عيون منفجرة اى جارية وكان ماء الارض مثل الحميم حرارة واصله وفجرنا عيون الارض فغير عن المفعولية الى التمييز قضاء الحق المقام من المبالغة لان قولنا فجرنا عيون الارض يكفى فى صحة تفجر مافيها من العيون ولا مبالغة فيه بخلاف فجرنا الارض عيونا فان معناه فرجنا اجزآء الارض كلها بجعلها عيون الماء ولاشك فى انه ابلغ { فالتقى الماء } اى ماء السماء وماء الارض وارتفع على اعلى جبل فى الارض ثمانين ذراعا والافراد حيث لم يقل الما آن لتحقيق ان التقاء الماءين لم يكن بطريق المجاورة والتقارب بل بطريق الاختلاط والاتحاد { على امر قد قدر } اى كائنا على حال قدر قدره الله من غير تفاوت او على حالة قدرت وسويت وهو ان قدر مانزل من السماء على قدر ماخرج من الارض او على امر قدره الله وهو هلاك قوم نوح بالطوفان فكلمة على على هذا للتعليل يقول الفقير انما وقع العذاب بالطوفان العام لان الماء اشارة الى العلم فلما لم ينتفعوا بعلم وتأثير الطوفان يظهر فى كل ثلاثين سنة مرة واحدة لكن على الخفة فيقع مطر كثير ويغرق بعض القرى والبيوت من السيل(14/389)
وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13)
{ وحملناه } اى نوحا ومن آمن معه { على ذات الواح } عريضة خشبا او عظما وكانت سفينة نوح من ساج وهو شجر عظيم ينبت فى ارض الهند او من خشب شمشاد ويقال من الجوز { ودسر } ومسامير جمع دسار من الدسر وهو الشديد بقهر يقال دسره بالرمح ( رورى ) انه ليس فى العنبر زكاة انما هو شىء دسره البحر سمى به المسمار لانه يدسر به منفذه اى بدفع قال فى عين المعانى دسرت بها السفينة اى شدت او لأنها تدسر اى تدفع بالدق فقوله { ذات الواح ودسر } صفة للسفينة اقيمت مقامها بأن يكنى بها عنها كما يكنى عن الانسان بقولهم هو مستوى القامة عريض الاظفار(14/390)
تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14)
{ تجرى بأعيننا } اى تجرى السفينة وتسير بمرأى منا اى محفوظة بحفظنا ومنه قولهم للمودع عين الله عليك وقيل بأوليائنا يقال مات عين من عيون الله اى ولى من اوليائه { جزاء لمن كان كفر } مفعول له لما ذكر من فتح ابواب السماء وما بعده وكفر من كفران النعمة اى فعلنا ذلك المذكور اجرا وثوابا لنوح لانه كان نعمة كفروها فان كل نبى نعمة من الله على امته ورحمة اى نعمة ورحمة فكان نوح نعمة مكفورة ومن هذا المعنى ماحكى ان رجلا قال للرشيد الحمد لله عليك فقال مامعنى هذا الكلام فقال أنت نعمة حمدت الله عليها(14/391)
وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15)
{ ولقد تركناها } اى السفينة { آية } يعتبر بها من يقف على خبرها وقال قتادة ابقاها الله بياقردى من بلاد الجزيرة وقيل على الجودى دهرا طويلا حتى نظر اليها او آئل هذه الامة وكم من سفينة كانت بعد قد صارت رمادا وفى تفسير ابى الليث قال بعضهم بعنى ان تلك السفينة كانت باقية على الجبل قريبا من خروج النبى عليه السلام وقيل بقيت خشبة من سفينة نوح هى فى الكعبة الآن وهى ساجة غرست حتى ترعرت اربعين سنة ثم قطعت فتركت حتى يبست اربعين سنة وقيل بقى بعضها خشبها على الجودى الى هذه الاوقات ، يقول الفقير لعل بقاء بعض خشبها لكونها آية وعبرة والا فهو ليس بافضل من اخشاب منبر نبينا صلى الله عليه وسلم فى المدينة وقد احترقت او اكلتها الارضة فاتخذت مشطا ونحوه مما يتبرك به ألا ترى ان مقام ابراهيم عليه السلام مع كونه حجرا صلدا لم يبق اثره بكثرة مسح الايدى ثم لم يبقى نفسه ايضا على ماهو الاصح والمعروف بالمقام الآن هو مقام ذلك المقام فاعرف وفى عين المعانى ولقد تركناها اى الغرق العام وهو اضمار الآية قبل الذكر كقوله انها تذكرة وقال بعضهم يعنى جنس السفينة صارت عبرة لان الناس لم يعرفوا قبل ذلك سفينة واتخذوا السفن بعد ذلك فى البحر فلذلك كانت آية للناس ، يقول الفقير كيف يعرفونهها ولم يكن فى الدنيا قبل الطوفان الا البحر المحيط وذلك ان الهل تعالى امر الارض بعد الطوفان فابتلعت ماءها وبقى ماء السماء لم تبتلعه الارض فهذه البحور على وجه الارض منها واما البحر المحيط فغير ذلك بل هو جرز عن الارض حين خلق الله الارض من زبده واليه الاشارة بقوله { وكان عرشه على الماء } اى العذب والبحور سبعة منها البحر المحيط وبعضهم لم يعد المحيط منها بل هو غير السبعة وكان نوح عليه السلام نجارا فجاء جبريل وعلمه صنعة السفينة { فهل من مدكر } اى معتبر بتلك الآية الحقيقة بالاعتبار فيخالف من الله ويترك المعصية واصله مذتكر على وزن مفتعل من الذكر فأدغمت الذال فى التاء ثم قلبت دالا مشددة(14/392)
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16)
{ فكيف كان عذابى ونذر } استفهام تعظيم وتعجيب اى كانا على كيفية هائلة لايحيط بها الوصف والنذر جمع نذير بمعنى الانذار اصله نذرى بالياء حذفت اكتفاء بالكسرة وحد العذاب وجمع الانذارات اشارة الى غلبة الرحمة لان الانذار اشفاق ورحمة فقال الانذارات التى هى نعم ورحمة توارت عليهم فلما لم تنفع وقع العذاب وقعة واحدة فكانت النعم كثيرة والنقمة واحدة(14/393)
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)
{ ولقد يسرنا القرءآن } الخ جملة قسمية وردت فى اواخر القصص الاربع تنبيها على ان كل قصة منها مستقبلة بايجاب الادكار كافية فى الازدجار ومع ذلك لم تقع واحدة فى حيز الاعتبار اى وبالله لقد سهلنا القرءآن لقومك بأن انزلنا على لغتهم كما قال فانما يسرناه بلسانك ووشحنا بانواع المواعظ والعبر وصرفنا فيه من الوعيد والوعد { للذكر } اى للتذكير والاتعاظ وعن الحسن عن النبى عليه السلام لولا قول الله { ولقد يسرنا القرءآن للذكر } لما اطاقت الالسن أن تتكلم به { فهل من مدكر } انكار ونفى للمتعظ على ابلغ وجه وآكده حيث يدل على انه لايقدر احد أن يجيب المستفهم بنعم وعن عبدالله بن مسعود رضى الله عنه قال قرأت على النبى عليه السلام فهل من مذكر بالذال فقال عليه السلام فهل من مدكر بالدال قال فى برهنان القرءآن قوله فكيف كان الخ ختم به قصة نوح وعاد وثمود ولوط لما فى كل واحدة منها من التخويف والتحذير وما حل بهم فيتعظ به حافظ القرءآن وتاليه ويعظ غيره .
وفى الآيات اشارة الى مغلوبية نوح القلب فى يد النفس الامارة بغلبات الصفات البشرية عليه حتى دعا ربه فأجابه الله حتى غلبت صفاته الروحانية النوارنية على صفاتها الحيوانية الظلمانية وافاض من سماء الارواح العلوية مياه الرأفة والرحمة والكرامة من ارض البشرية عيون المعارف والحقائق فأهلك قومه المعبر عنهم بالنفس وصفاتها وتجاه على سفينة صفاته الروحانية وفيه اشارة اخرى وهى انه اذا زاد الكشف والعيان تستشرف الارواح على الفناء فيدخلها الله فى سفن العصمة ويجريها بشمال العناية وايضا ان الانبياء والاولياء سفن عنايته تعالى يتخلص العباد بهم من الاستغراق فى بحار الضلالة وظلمات الشقاوة لانهم محفوظون بحسن عنايته وعين كلاءته ومن استن بسنتهم نجا من الطغيان والنيران ودخل فى جوار الرحمن ( وفى المثنوى )
اينجنين فرمود آن شاء رسل ... كه منم كشتى درين درياى كل
ياكسى كودر بصير تهاى من ... شد خليفه راستى بر جاى من
كشتىء نوحيم در دريا كه تا ... رونكر دانى ز كشتى اى فتى
نسأل الله سبحانه أن يحفظنا فى سفينة العشريعة من الاعتماد على العقل والخيال ويعضمنا من الزيغ والضلال(14/394)
كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18)
{ كذبت عاد } اى هودا عليه السلام ولم يتعرض لكيفية تكذيبهم له روما للاختصار ومسارعة الى بيان مافيه الازدجار من العذاب { فكيف كان عذابى ونذر } هو لتوحيه قلوب السامعين نحو الاصغاء الى مايقلى اليهم قبل ذكره لا لتهويله و تعظيمه وتعجيبهم من حاله بعد بيانه كما قبله وما بعده كأنه قيل كذبت عاد فهل سمعتهم او فاسمعوا كيف كان عذابى وانذاراتى لهم فالنذر جمع نذير بمعنى الانذار(14/395)
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19)
{ انا اسلنا عليهم ريحا صرصرا } استئناف ببيان ما اجمل اولا وصرصر من الصر وهو البرد او من صر الباب والقلم اى صوت اى ارسلنا وسلطانا عليهم ريحا باردة او شديدة الصوت والهبوب وهى ريح الديور وتقدم تفصيله فى فصلت وغيرها { فى يوم نحس } النحس ضد السعد اى شؤم { مستمر } صفة ليوم او نحس اى مستمر شؤمه عليهم او ابد الدهر فان الناس يتشاءمون باربعاء آخر الشهر قال ان الشيخ واشتهر بين بعض الناس التشاؤم بالاربعاء الذى يكون فى آخر الشهر بناء على قوله تعالى { فى يوم نحس مستمر } ومعلوم ان ليس المراد انه نحس على المصلحين بل على المفسدين حيث لم تظهر نحو سنته فى حق الانبياء والمؤمنين وفى الروضة الاربعاء مشؤم عندهم والذى لايدور وهو آخر اربعاء فى الشهر اشأم وعن ابن عباس رضى الله عنهما يرفعه آخر اربعاء الشهر يوم نحس مستمر قال الشاعر
لقاؤك للمبكر قال سوء ... ووجهك اربعاء لايدور
وقيل يحمد فى الاربعاء الاستحمام فانه يقال يخلط فى ذلك اليوم ماء من الجنة مع المياه وكذا يحمد ابتدآء الامور والمعنى مستمر عليهم شؤمه ونحو سته ازمنة ممتدة الى أن اهلكهم فاليوم بمعنى الحين والا فاليوم الواحد لايمكن أن يستمر سبع ليال وثمانية ايام والاستمرار على هذين الوجهين يحسب الزمان او المعنى شامل لجميعهم كبيرهم وصغيرهم فالمستمر بمعنى المطر بالنسبة الى الاشخاص او مشتد مرارته اى بشاعته وكان ابتدآؤه يوم الاربعاء آخر الشهر يعنى كانت ايام العجوز من صبيحة اربعاء آخر الشهر الى غروب الاربعاء آخر ( روى ) انه كان آخر ايامهم الثمانية فى العذاب يوم الاربعاء وكان سلخ صغر وهى الحسوم فى سورة الحاقة(14/396)
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21)
{ فكيف كان عذابى ونذر } تهويل لهما وتعجيب من امرهما بعد بيانهما فليس فيه شائبة تكرار كما فى الارشاد وقال فى برهان القرءآن اعاد فى قصة عاد كيف كان عذابى ونذر مرتين لان الاول فى الدنيا والثانى فى العقبى كما قال فى هذه القصة { لنذيقهم عذاب الخزى فى الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة اخزى } وقيل الاول لتحذيرهم قبل هلاكهم والثانى لتحذير غيرهم بعد هلاكهم انتهى(14/397)
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22)
{ ولقد يسرنا القرءآن للذكر فهل من مدكر } الكلام فيه كالذى مر فيما سبق وفيه اشارة الى اهل النفوس الامارة فانهم بواسطة انهماكهم فى الشهوات الجسمانية احتجبوا عن الله وموآئد كرمه فأرسل الله عليهم صرصر ريح اهوائهم الظلمانية وبدعهم الشيطانية فى يوم نحوسة الاحتجاب وسلطها عليهم فسقطوا على ارض الهوان والخذلان كأنهم اعجاز نخل منقلع عن تخوم الارض ساقط على وجه الارض مثل اجساد جامدة بلا رؤوس نعوذ بالله من تجليات قهره وتسلط عذابه وغضبه فى يومه وشهره فعلى العاقل أن يتذكر بهذه الذكرى ويعتبر بهذه الآية الكبرى
جو بركشته بختى در افتد به بند ... از ونيكبختان بكيرند بند
توبيش از عقوبت در عفو كوب ... كه سودى ندارد فغان زير جوب
فلو آمن ايمان يأس او تاب توبة يأس لم يقبل
فراشو جوبينى در صلح ياز ... كه ناكه در توبه كردد فراز
مر وزير باركناه اى بسر ... كه حمال عاجز بود در سفر
كما ورد خفف الحمل فان العقبة كؤود
بى ينك مردان ببايد شتافت ... كه هركين سعادت طلب كرديافت
وليكن تودنيال ديوخسى ... ندانم كه در صالحان كى رسى
ثم ان سبب هلاك عاد بالريح اعتمادهم على قوتهم والريح اشد الاشياء قوة فاستأصلهم الله بها حتى يحصل الاعتبار لمن بعدهم من القرون فلا يعتمدوا على قواهم وفيه اشارة الى أن الريح هو الهوآء المتحرك فالخلاص من ذلك الهوآء انما هو بترك الهوى ومتابعة الهدى نسأل الله من فضله ذلك(14/398)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23)
{ كذبت ثمود بالنذر } اى الانذارات والمواعظ التى سمعوها من صالح عليه السلام او بالرسل فان تكذيب للكل لاتفاقهم على الشرآئع(14/399)
فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25)
{ فقالوا أبشر منا } اى كائنا من جنسنا وانتصابه بفعل يفسره مابعده فأداة الاستفهام داخلة على الفعل وان كان تقديرا كماهو الاصل { واحدا } اى منفردا لاتبع له او واحد من آحادهم لا من اشرافهم وتأخير هذه الصفة عن منا للتنبيه على ان كلا من الجنسية والوحدة ممايمنع الاتباع ولو قدمت عليه لفاتت هذه النكتة { نتبعه } فى امره { انا اذاً } اى على تقدير اتباعنا له كوهو منفرد ونحن امة جمة ايضا ليس بملك لما كان فى اعتقاد الكفرة من التنافى بين الرسالة والبشرية { لفى ضلال } عن الصواب { وسعر } اى جنون فان ذلك بمعزل عن مقتضى العقل وقيل كان يقول لهم ان لم تتبعونى كنتم فى ضلال عن الحق وسعر اى نيران جمع سعير فعكسوا عليه لغاية عتوهم فقالوا ان اتبعناك كنا اذن كما تقول { ءألقى الذكر } اى الكتاب والوحى { عليه من بيننا } وفينا من هو احق بذلك والاستفهام للانكار ومن بيننا حال من ضمير عليه اى أخص بالرسالة منفردا من بين آل ثمود والحال ان فيهم من هو اكثر مالا واحسن حالا { بل هوكذاب آشر } اى ليس الامر كذلك بل هو كذا وكذا حمله بطره على الترفع علينا بما ادعاه وأشر اسم فاعل مثل فرح بمعنى خودبسند وستيزنده وسبكسار ، وبابه علم والاشر التجبر والنشاط يقال فرس أشر اذا كان مرحا نشيطا(14/400)
سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26)
{ سيعلمون غدا من } كيست ، فهو استفهام { الكذاب الأشر } حكاية لما قاله تعالى لصالح عليه السلام وعدا له ووعيدا لقومه والسين لتقريب مضمون الجملة وتأكيده والغد اليوم الذى يلى يومك الذى أنت فيه والمراد به وقت نزول العذاب فى الزمان المستقبل لا يوم بعينه ولا يوم القيامة لان قوله { انا مرسلوا الناقة } استئناف لبيان مبادى الموعود حتما والمعنى سيعلمون البتة عن قريب من الكذاب الاشر الذى حمله اشره وبطره على الترفع والتجبر أصالح ام من كذبه وفيه تشريف لصالح حيث ان الله تعالى سلب عنه بنفسه الوصف الذى أسندوه اليه من الكذب والاشر فان معناه لست أنت بكذاب اشر بل هم(14/401)
إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27)
{ انا مرسلوا الناقة } مخرجوها من الهضبة التى سألوا او الهضبة الجبل المنبسط على الارض او جبل خلق من صخرة واحدة او الجبل الطويل الممتنع المنفرد ولايكون الا فى حمر الجبال كما فى القاموس ( روى ) انهم سألوه متعنتين ان يخرج من صخرة منفردة فى ناحية الجبل يقال لها الكاثبة ناقة حمراء جوفاء وبرآء عشرآء وهى لتى اتت عليها عشرة اشهر من يوم ارسل عليها الفحل فاوحى الله اليه انا مجرجوا لناقة على ماوصفوا { فتنة لهم } اى امتحانا فان المعجزة محنة واختبار اذ بها يتميز المثال من العذاب { فارتقبهم } فانتظرهم وتبصر مايصنعون { واصطبر } على اذيتهم صبرا بليغا(14/402)
وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28)
{ ونبئهم } اخبرهم { ان الماء قسمة بينهم } مقسوم لها يوم ولهم يوم فالماء قسمة من قبيل تسمية المفعول بالمصدر كضرب الامير وبينهم لتغليب العقلاء { كل شرب } اى لك نصيب من الماء ونوبة الانتفاع منه { محتضر } يحضره صابحه فى نوبته فليس معنى كون الماء مقسوما بين القوم والناقة انه جعل قسمين قسم لها وقسم لهم بل معناه جعل الشرب بينهم على طريق المناوبة يحضره القوم يوما وتحضره الناقة يوما وقسمة الماء اما لان الناقة عظيمة الخلق ينفر منها حيواناتهم او لقلة الماء(14/403)
فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29)
{ فنادوا } بس بخواندند قوم ثمود { صاحبهم } هو قدار بن سالف بضم القاف والدال المهملة وهو مشئوم آل ثمود ولذا كانت العرب تسمى الجزار قدارا تشبيها له بقدار بن سالف لانه كان عاقر الناقة كما سيجيىء وكان قصيرا شريرا ازراق اشقر احمر وكان يلقب بأحيمر ثمود تصغير احمر تحقيرا وفى كشف الاسرار يقال له احمر ثمود وقيل اشأم عاد يعنى عادا الآخةر وهى ارم تشاءم به العرب الى يوم القيامة ومن هذا يظهر الجواب عما قال السجاوندى فى عين المعانى وقد ذكره زهير فى شعره
فتنتج لكم غلمان اشأم كلهم ... كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم
قيل هو غلط وهو احمر ثمود انتهى { فتعاطى فعقر } التعاطى مجاز عن الاجترآء لان التعاطى هو تناول الشىء بتكلف وما يتكلف فيه لابد أن يكون امرا هائلا لا يباشره احد الا بالجرآءة عليه وبهذا المجاز يظهر وجه التعقيب بالفاء فى فعقر الا فالعقر لايتفرع على نفس مباشرة القتل والخوض فيه والعقر بالفارسية بى كردن ، يقال عقر البعير والفرس بالسيف فالعقر اى ضرب به قوآئمه وبابه ضرب والمعنى فاجترأ صاحبهم قدار على تعاطى الامر العظيم غير مكترث له فاحدث العقر بالناقة ( قال الكاشفى ) محرك عقر ناقة دوزن بودند ، عنيزة ام غم وصدوق بنت المختار وفى التفاسير صدقة بدل صدوق وذلك لما كانت الناقة قد اضرب بمواشيها ، بس صدوق ابن عم خود مصدع بن دهررا بوصال خد وعده داد وعنيزة يكى ازدختران خودرا نامزد قدار كرده وهردو براه كذر ناقه كمين كردند جون ناقه از آب باز كشت اول بمصدع رسيده او تيرى بيفكندكه بايهاى ناقه بهم دوخت قدار نيزاز كمين كاه بيرون آمده بشمشير ناقه رابى كرد فمعنى فنادوا صاحبهم فنبهوه على مجيئها وقربها من مكمنه او انه لماهم بها هابها فناداه اصحابه فشجعوه او نادى مصدع بعدما رماها بسهم دونك الناقة فاضربها فضربها وجون از باى در آمداورا قطعه قطعه كردند وميان قوم منقسم ساختند وبجه او حنوبر آمده سه بانك كرد واز آنجابآ سمان رفت وكفتند اونيز كشته شد وبعد ازسه روز عذاب ثمود نازل شد(14/404)
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30)
{ فكيف كان عذابى ونذر } الكلام فيه كالذى مر فى صدر قصة عاد(14/405)
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31)
{ انا ارسلنا عليهم صيحة واحدة } هى صيحة جبريل عليه اللام وذلك لانها هى الجزآء الوفاق لفعلهم فانهم صاروا سببا لصيحة الولد بقتل مه وفى الحديث « لاتوله والدة بولدها » اى لا تجعل والهة وذلك فى السبايا بأن يفرق بينها وبين ولدها وفى الحديث « من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين احبته يوم القيامة » كما فى المقاصد الحسنة للسخاوى { فكانوا } اى فصاروا لاجل تلك الصيحة بعد ان كانوا فى نضارة وطيب عيش { كهشيم المحتظر } الهشم كسر الشىء الرخو كالنبات والهشيم بمعنى المهشوم اى المكسور وهو اليابس المتكسر من الشجر وغيره والحظر جمع الشىء فى حظيرة والمحظور الممنوع والمحتظر بكسر الظاء الذى يعمل الحظيرة ويتخذها قال الجوهرى الحظيرة التى تعمل للابل من الشجر لتقيها البرد والريح والمعنى كالشجر اليابس الذى يتخذه من يعول الحظيرة او كالحشيش اليابس الذى يجمعه صاحب الحظيرة لماشيته فى الشتاء(14/406)
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32)
{ ولقد يسرنا القرءآن للذكر فهل من مدكر } وفى الآيات ا شارة الى ثمود النفس الامارة بالسوء ومعاملتها مع نذير القلب فانه يدعوها الى الانسلاخ عن الصفات البشرية والتلبس بالصفات الروحانية وهى تدعى المجانسة معه اذ النفس والروحبل النفس اخت القلب من جانب ايسر البطن وكذا تدعى تقدم رتبتها على القلب وتصرفها فى القالب ومايحتوى عليه من القوى البشرية والطبيعية وتأخر رتبة القلب لانه حصل بعد ازدواج الروح مع النفس فبسبب تقدم رتبة النفس على القلب استنكفت النفس عن اتباعه وامتثال لاوامره وماعرفت ان تقدم الشرف والحسب اعلى وأفضل من تقدم الشرف والنسب ولذا قالت الحكماء توانكرى بهزست نه بما وبزركى بعقلست نه بسال وقال بعضهم
وما ينفع الاصل من هاشم ... اذا كانت النفس من باهله
وهى قبيلة عرفت بالدناءة والخساسة جدا فخطأت النفس نذير القلب مع ان الخاطئة نفسها وامتحنته باخراج الناقة وذلك ان حقيقة النفس واحدة غير متعددة لكن بحسب توارد الصفات المختلفة عليها تسمى بالاسماء المختلفة فاذا توجهت الى الحق توجها كليا تسمى بالمطمئنة واذا توجهت الى الطبيعة البشرية توجها كليا تسمى بالامارة واذا توجهت الى الحق تارة والى الطبيعة اخرى تسمى اللوامة فثمود النفس الامارة طلبت على جهة المكر والاستكبار من صالح رسول القلب المرسل من حضرة الروح أن يظهر ناقة النفس المطمئنة من شاهق جبل النفس الامارة بان يبدل صفتها من الامارية الى الاطمئنان فسأل صالح رسول القلب من حضرة الورح مسؤلها فأجابته اظهارا للقدرة والحكمة حتى غلبت انوار الروح وانطمست ظلمة النفس كما نطمس عند طلوع الشمس ظلام الليل وكان للنفس المطمئنة شرب خاص من المعارف والحقائق كما كان للنفس الامارة شرب خاص من المشارب الجسمانية فنادى الهوى واعوانه بعضهم بعضا باستخلاص النفس الامارة من استيلاء نور الروح عليها مخافة أن ينغمس الهوى ايضا تحت هذا النور فتعاطى بعض اصحاب الهوى ذلك وكانت النفس الامارة ما تمكنت من مقام الاطمئنان تمكنا مستحكما بحيث لاتتأثر بل كان لها بقية تلوين فقتلوها بابطال طمأنينتها فرجعت القهقرى فانقهرت النفس والهوى تحت صيحة القهر وصارت متلاشية فى حضرة القهر والخذلان محترقة بنار القطيعة والهجران كما قال { فكيف كان عذابى ونذر } فمن كان اهل الذكر والقرءآن اى الشهود والجمعى يعتبر بهذا الفراق ويجتهد الى أن يصل الى نهاية الاطمئنان على الاطلاق فان النفس وان تبدلت صفتها الامارية الى المطمئنة لايؤمن مكرها وتبدلها من المطمئنة الى الامارية ولو وكلت الى نفسها طرفة عين لعادت المشؤمة الى طبعها وجبلتها كما كان حال بلعام وبرصيصا ولذا قال عليه السلام « لاتكلنى الى نفسى طرفة عين ولا اقل من ذلك » وقال الجنيد قدس سره لاتألف النفس الحق ابدا ألا ترى ان الذمى وان قبل الخراج فانه لايألف المسلم الفة مسلم وفرخ الغراب وان ربى من الصغر وعلم فانه لايخلو من التوحش فالنفس ليست بأهل الاصطناع والمعروف والملاطفة ابدا وانما شأنها تضييقها ومجاهدتها ورياضتها الى مفارقة الروح من الجسد ( ولذا قال فى المثنوى )
اندرين ره مى خراش ومى تراش ... تادم آخر دمى فارغ مباش
ومنه يعلم سر قولهم ان ورد الاستغفار لايسقط بحال ولذا قال تعالى { فسبح بحمد ربك واستغفره } مع ظهور الفتح المطلق نسأل الله تعالى أن يجعلنا من العلماء العاملين والادباء الكاملين بسر النبى الامين(14/407)
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33)
{ كذبت قوم لوط بالنذر } اى بالانذارات او بالمنذرين كما سبق(14/408)
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34)
{ انا ارسلنا عليهم حاصبا } اى ريحا تحصبهم اى ترميم بالحصباء وهى حجارة دون ملىء الكف فالحصب الرمى بالحصى الصغار ومنه المحصب موضع الجمار وقول عمر رضى الله عنه حصبوا المسجد والحاصب اسم فاعل بمعنى رامى الحصباء وتذكيره مع اسناده الى ضمير الريح وهى مؤنث سماعى لتأويلها بالعذاب ، يقول الفقير لعل سر تعذيبهم بالحجارة لانهم حجروا ومنعوا من اللواطة فلم يمتنعوا بل رموا انطفهم الى غير محل الحرث فرماهم الله بالحجر ومن ثمة ذهب احمد بن حنبل رحمه الله الى أن حكم اللواطى أن يرجم وان كان غير محصن وايضا انهم يجلسون فى مجالسهم وعند كل رجل منهم قصعة فيها حصى فاذا مر بهم عابر سبيل حذفوه فأيهم اصابه كان اولى به واما الريح فلانهم كانوا يضرطون فى مجالسهم علانية ولا يتحاشون واما انقلاب قراهم فلانهم كانوا يقلبون المرد عند اللواطة فجازاهم الله بحسب أعمالهم وايضا قلبوا الحقيقة وعكسوها بأن تركوا محل الحرث واتوا الادبار { الا آل لوط } وهم اهل بيته الذين نجوا من العذاب وكانوا ثلاثة عشر وقيل يعنى لوطا وابنتيه وفى كشف الاسرار يعنى بناته ومن آمن به من ازواجهن { نجيانهم بسحر } اى فى سحر من الاسحار وهو آخر الليل او السدس الاخير منه وفى المفردات السحر اختلاط ظلام آخر الليل بصفاء النهار وجعل اسماء لذلك الوقت ويجوز أن يكون حالا اى ملتبسين بسحر ( روى ) ان الله امره حتى خرج بهم بقطع من الليل فجاء العذاب قومه وقت السحر والاستثناء منقطع لانه مستقنى من الضمير فى عليهم وهو للمذكبين من قوم لوط ولا يدخل فيهم آل لوط لان المراد به من تبعه على دينه(14/409)
نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35)
{ نعمة من عندنا } اى انعاما كائنا منا وهو علة لنجينا ويجوز أن يكون مصدرا من فعله ا من معنى نجيناهم لان نتجيتهم انعام { كذلك } اى مثل ذلك الجزآء العجيب { نجزى من شكر } نعمتنا بالايمان والطاعة يعنى كذلك ننجى المؤمنين(14/410)
وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36)
{ ولقد انذرهم } لوط { بطشتنا } اى اخذتنا الشديدة بالعذاب { فتماروا } فكذبوا { بالنذر } متشاكين فتماروا ضمن معنى التكذيب فعدى تعديته من المرية واصله تماريوا على وزن تفاعلوا(14/411)
وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37)
{ ولقد راودوه عن ضيفه } المراودة أن تنازع غيرك فى الارادة فترود غير مايروده وسبق تحقيقها فى وسورة يوسف والضيف بالفارسية مهمان المعنى ولقد أرادوا من لوط تمكينهم ممن اتاه من اضيافه وهم الملائكة فى صورة الشبان ومعهم جبريل وقصدوا الفجور بهم ظنا منهم انهم بشر { فطمسنا اعينهم } الطمس المحو واستئصال اثر الشىء اى فمسحناها وسويناها كسائر الوجه بحيث لم ير لها شق ( روى ) انهم لما دخلوا داره عنوة صفقهم جبريل بجناحه صفقة فتركتهم يترددون لايهتدون الى الباب حتى اخرجهم لوط والصفق الضرب الذى ليس له صوت { فذوقوا } اى فقلنا لهم على ألسنة الملائكة ذوقوا { عذابى ونذر } والمراد به الطمس فانه من جملة مانذره من العذاب وفيه اشارة الى أن طمس الابصار كان من نتائج مسح الابصار ولذا ورد فى القرءآن { ونحشره يوم القيامة اعمى } لانه اعرض عن ذكر الله ولم يلتفت اليه اصلا(14/412)
وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38)
{ ولقد صبحهم بكرة } التصبيح بامداد بنزديك كسى آمدن ، اى جاءه وقت الصبح { عذاب } اى الخسف والحجارة { مستقر } يستقر بهم ويثبت لايفارقهم حتى يفضى بهم الى النار يعنى عذاب دآئم متصل بعذاب الآخرة وفى وصفه بالاستقرار بماء الى ان ماقبله من عذاب الطمس ينتهى به والحاصل ان العذاب الذى هو قلب قريتهم وجعل اعلاها اسفلها ورميهم بالحجارة غير العذاب الذى نزل بهم من طمس الاعين فانه عذاب دنيوى غير موصول بعذاب الآخرة واما عذاب الخسف الحجارة فموصول به لانهم بهذا العذاب ينتقلون الى البرزخ الموصول بالآخرة كما اشار اليه قوله عليه السلام « من مات فقد قامت قيامته » اى من حيث اتصال زمان الموت بزمان القيامة كما ان ازمنة الدنيا يتصل بعضها ببعض(14/413)
فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39)
{ فذوقوا عذابى ونذر } حكاية لما قيل لهم حينئذ من جهته تعالى تشديدا للعذاب(14/414)
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40)
{ ولقد يسرنا القرءآن للذكر فهل من مدكر } مر مافيه من الكلام وفيه استئناف للتنبيه والايقاظ لئلا يغلبهم السهو والغفلة وكذا تكرير قوله تعالى { فبأى آلاء ربكما تكذبان } { ويل يومئذ للمكذربين } ونحوهما من الانباء والقصص المواعيد والزواجر والقواطع فان فى التكرير تقريرا للمعانى فى الاسماع والقلوب وتثبيتا لها فى الصدور وكلما زاد تكرير الشىء وترديده كان اقر له فى القل وامكن فى الصدر وارسخ فى الفهم واثبت للذكر وابعد من النسيان وفى القصة اشارة الى معاملة لوط الروح مع قوم النفس الامارة ومعاملة الله بهم من انجاء لوط الروح بسبب صفاته الروحانية واهلاك قومه بسبب صفاتهم البشرية الطبيعية كل من غلب عليه الشهوة البهيمية التى هى شهوة الجماع يجب عليه أن يقهر تلك الصفة ويكسرها باحجار ذكر لا اله الا الله ويعالج تلك الصفة بضدها وهو العفة التى هى هيئة للقوة الشهوية متوسطة بين الفجور الذى هو افراط هذه القوة والخمود الذى هو تفريطها فالعفيف من يباشر الامور على وفق الشرع المروءة بخلاف اهل الشهوة فان الشهوة حركة للنفس طلبا للملائم وحال النفس اما افراط او تفريط فلا بد من اصلاحها من جميع القوى والصفات فانها هى التى حملت الناس على الفجور وايقاع الفتنة بينهم وتحريك الشرور
نمى تازداين نفس سركش جنان ... كه عقلش تواند كرفتن عنان
نسأل الله العون والتوفيق والثبات فى طريق التحقيق(14/415)
وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42)
{ ولقد جاء آل فرعون النذر } اكمتفى بذكرهم عن ذكره للعلم بأنه أولى بالنذر اى وبالله لقد جاءهم الانذارات من جهة موسى وهرون عليهما السلام كأنه قيل فماذا فعلوا حنيئذ فقيل { كذبوا بآياتنا كلها } يعنى الآيات التسع وهى اليد والعصا والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وحل عقدة من لسانه وانفلاق البحر { فأخذناهم } بالعذاب عند التكذيب { اخذ عزيز } لايغالب يعنى كرفتن غالبى كه مغلوب نكردد در كرفتن { مقتدر } لايعجزه شىء والمقصود ان الله تعالى هو العزيز المقتدر ولذا اخذهم بتكذيبهم ولم يمنعه من ذلك مانع والمراد بالعذاب هو الاغراق فى بحر القلزم او النيل ، يقول الفقير لعل سر الغرق ان فرعون وصل الى موسى بسبب الماء الذى ساقه اليه فى تابوته فلم يشكر لانعمة الماء ولا نعمة موسى فانقلب الحال عليه بضد ذلك حيث اهلكه الله وقومه بالماء الذى هو سبب الحياة لغيرهم ووجه ادخال الطمس فى العذاب بالنسبة الى قوم لوط ودرج الطوفان ونحوه فى الآيات بالاضافة الى آل لوط ظاهر لان المقصود هو العذاب المتعلق بالوجود والطمس كذلك دون بعض آيات فرعون(14/416)
أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43)
{ أكفاركم } يامعشر العرب { خير } عند الله قوة وشدة وعدة وعدة { من اولئكم } الكفار المعدودين قوم نوح وهود وصالح ولوط وآل فرعون والمعنى انه اصابهم ماصابهم مع ظهور خيريتهم منكم فيما ذكر من الامور فهل تطمعون أن لايصيبكم مثل ذلك انتم شر منهم مكانا واسوء حالا { ام لكم برآءة فى الزبر } اضراب وانتقال من التبكيت بما ذكر الى التبكيت بوجه آخر اى بل الكم برآءة وامن من عذاب الله بمقابلة كفركم ومعاصيكم نازلة فى الكتب السماوية فلذلك تصرون على ما أنتم عليه وتأمنون بتلك البرآءة والمعنى به الانكار يعنى لم ينزل لكم فى الكتب السماوية ان من كفر منكم فهو فى امن من عذاب الله(14/417)
أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44)
{ ام يقولون } جهلا منهم { نحن جميع منتصر } تبكيت والالتفات للايذان باقتضاء حالهم للاعراض عنهم واسقاطهم عن رتبة الخطاب وحكاية قبائحهم لغيرهم يقال نصره من عدوه فانتصر اى منعه فامتنع اى بل آيقولون واثقين بشوكتهم نجن اولوا حزم ورأى امرنا مجتمع لانرام ولانضام او منتصر من الاعدآء منتقم لانغلب او متناصر بنصر بعضنا بعض على أن يكون افتعل بمعنى تفعل كاختصم والافراد فى منتصر باعتبار لفظ الجميع قال ابو جهل وقد ركب يوم بدر فرسا كميتا كان يعلفه كل يوم فرقا من ذرة وقد حلف انه يقتل محمدا صلى الله عليه وسلم نحن تنتصر اليوم من محمد واصحابه فقتلوه يومئذ وجر رأسه الى رسول الله ابن مسعود رضى الله عنه وفيه اشارة الى كفار صفات النفس واختلاف انواعها مثل البهيمة والسبعية والشيطانية والهوآئية والحيوانية وتناصر بعضها بنصر بعض وتعاون بعض معاونة بعض(14/418)
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)
{ سيهزم الجمع } رد وابطال لذلك والسين للتأكيد اى سيهزم جمع قريش البتة { ويولون الدبر } اى الادبار والتوحيد لارادة الجنس يعنى ينصرفون عن الحرب منهزمين وينصر الله رسوله والمؤمنين وقد كان كذلك يوم بدر قال سعيد بن المسيب سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول لما نزلت { سيهزم الجمع ويولون الدبر } كنت لاأدرى اى جمع فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله عليه السلام يلبس الدرع ويقول { سيهزم الجمع ويولون الدبر } فعرفت تأويلها وهذا من معجزات رسول الله عليه السلام لانه اخبر عن غيب فكان كما اخبر قال ابن عباس رضى الله عنهما كان بين نزول هذه الآية وبين يوم بدر سبع سنين فالآية على هذا مكية(14/419)
بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46)
{ بل الساعة موعدهم } اى ليس هذا تمام عقوبتهم بل القيامة موعد اصل عذابهم وهذا من طلائعه { والساعة } اظهارها فى موقع اضمارها لتربية تهويلها { ادهى } اعظم داهية وفى اقصى من الفظاعة والداهية الامر الفظيع لايهتدى الى الخلاص منه { وامر } اشد مرارة وفى اقصى نهاية من المرارة وحاصله ان موقف القيامة اهول من موقف بدر وعذابها اشد واعظم من عذابه لان عذاب الدنيا مثل الاسر والقتل والهزيمة ونحوها انموذج من عذاب الآخرة كما ان نارهاجزء من سبعين جزأ من نارها(14/420)
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47)
{ ان المجرمين } اى المشركين من الاولين والآخرين { فى ضلال وسعر } اى فى هلاك ونيران مسعرة والتسعير آتش نيك آفروختن وقيل فى ضلال عن الحق فى الدنيا ونيران فى الآخرة(14/421)
يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48)
{ يوم يسحبون } منصوب اما بما يفهم من قوله فى ضلال اى كائنون فى ضلال وسعر يوم يجرون { فى النار على وجوههم } واما بقوله مقدر بعده اى يوم يسحبون يقال لهم { ذوقوا مس سقر } سقر علم جهنم ولذلك لم يصرف وقيل اسم لطبقتها الخامسة من سقرته النار اذا بوخته اى غيرته والمس وهو ادراك بظاهر البشرة والمعنى قاسوا حرها وألمها فان مسها سبب للتألم بها فمس سقر مجاز عن ألمها بعلاقة السببية وفى القاموس { ذوقوا مس سقر } اى اول ماينالكم منها كقولك وجد مس الحمى انتهى وعن النبى صلى الله عليه وسلم « اول الناس يقضى فيه يوم القيامة رجل استشهد أتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال ماعملت فيها قال قاتلت فى سبيلك حتى استشهدت قال كذبت انما أردت أن يقال فلان جريىء فقد قيل فأمر به فحسب على وجه حتى ألقى فى النار ورجل تعلم العلم وقرأ القرءآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال ماعملت فيها فقال تعلمت العلم وقرأت القرءآن وعملت قال كذبت انما أردت فلان عالم وفلان قارىء فقد قيل فأمر به فسحب وجهه حتى ألقى فى النار ورجل آتاه الله تعالى من انواع المال فأتى به فعرفه نعمة فعرفها فقال ماعملت فيها قال ماتركت من شىء يجب ان ينفق فيه لك قال كذبت انما أردت أن يقال فلان جواد فقد قيل فأمر به فسحب على وجهه حتى ألقى فى النار » وعن عطاء السلمى قال خرجت يوما مع اصحابى نستسقى فلقينى سعدون فقال ياعطاء هل خرجتم بقلوب سماوية او بقلوب ارضية قلت بل بقلوب سماوية فقال ياعطاء لاتتعوج فان الناقد بصير فخجلت منه فلما دعونا ولم نمطر قلت له ادع الله حتى يسقينا فرفع رأسه الى السماء فقال بسم الله الرحمن الرحيم ثم قال برحمة ما كان بينى وبينك البارحة أن تسقينا فلم يفرغ من كلامه حتى مطرنا ثم بكى ورجع والكلام فى تصحيح النية وتطهير القلب عن الغير والاخلاص لله تعالى ومن بقى فى صفات نفسه واعرض عن الحق وأقبل على الدنيا وشهواتها فهو يجر فى نار جنهم البعد والطرد ويذوف حر نار الهجران والخذلان(14/422)
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)
{ انا كل شىء } من الاشياء وهو منصوب بفعل يفسره مابعده { خلقناه } حال كون ذلك الشىء ملتبسا { بقدر } متعين اقتضته الحكمة التى عليها يدور امر التكوين فقدر بمعنى التقدير وهو تسوية صورته وشكله وصفاته الظاهرة والباطنة على مقدار مخصوص اقتضته الحكمة وترتبت علهي المنفعة المنوطة بخلفه او خلقناه مقدرا مكتوبا فى اللوح قبل وقوعه لايغير ولا يبدل ( مصرع )
قضى الله امرا وجف القلب ... سر برخط لو ازلى دار وخموش
كز هرجه قلم رفته در نكشند ... فالمراد بالقدر تقديره فى علمه الازلى وكتبه فى اللوح المحفوظ وهو القدر المستعمل فى جنب القضاء فالقضاء وجود جميع المخلوقات فى اللوح المحفوظ مجتمعه والقدر وجودها فى الاعيان بعد حوصل شرآئطها ولذا عبر بالخلق فانه انما يتعلق بالوجود الظاهرى فى القوت المعين وفى الحديث « كتب الله مقادير الخلائق كلها قبل أن يخلق السموات والارض بخمسين الف سنة وعرشه على الماء » وعنه عليه عليه السلام « كل شىء بقدر الله حتى العجز والكيس » وعنه عليه السلام « لايؤمن عبد حتى يؤمن بأربع يشهد لا اله الا الله وانى رسول الله بعثنى بالحق ويؤمن بالبعث بعد الموت ويؤمن بالقدر خيره وشره » اى حلوه ومره قال فى كشف الاسرار مذهب اهل سنت آنست كه نيكى وبدى هرجند فعل بنده است وبنده بدان مثاب ومعاقب است اما بخواست الله است وبقضا وتقدير او جنانكه رب العزة كفت { قل كل من عند الله } وقال تعالى { انا كل شىء خلقناه بقدر } قالى علهي السلام القدر خيره وشره من الله ففى الآية رد على القدرية والمعتزلة والخوارج
وفى التأويلات النجمية خلقنا كل شىء اى موجود علمى وعينى فى الازل بمقدار معين مثل ماقال الذى اعطى كل شىء خلقه ثم هدى اى كل شىء مخلوق على مقتضى استعداده الذاتى وقابليته ا لاصلية الازلية لا زآئد فيه ولا ناقص كما قال الغزالى رحمه الله ليس فى الامكان ابدع من هذا الوجود لانه لو كان ولم يظهر لكان بخيلا وهو جواد ولكان عاجزا وهو قادر(14/423)
وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)
{ وما امرنا } لشىء نريد تكوينه { ألا واحدة } اى كلمة واحدة لاتثنى سريعة التكوين وهو قوله تعالى { كن } او الا فعلة واحدة هوه الايجاد بلا معالجة ومعاناة { كلمح البصر } فى اليسر السرعة فان اللمح النظر بالعجلة فمعنى كلمح كنظر سريع قال فى القاموس لمح اليه كمنع اختلس النظر كألمح وفى المفردات اللمح لمعان البرق ورأيته لمحة برق قال ابن الشيخ لما اشتملت الآيات السابقة على وعيد كفار اهل مكة بالاهلاك عاجلا وآجلا والوعد للمؤمنين بالانتصار منهم جيىء بقوله { انا كل شىء خلقناه بقدر } تأكيدا للوعيد والوعد يعنى ان هذا الوعيد والوعد حق وصدق والموعود مثبتفى اللوح مقدر عند الله لايزيد ولا ينقص { وذلك على الله يسير } لان قضاءه فى خلقه اسرع من لمح البصر وقيل معنى الآية معنى قوله تعالى { وما امر الساعة الا كلمح البصر } قال بعض الكبار ليس المراد بكلمة كن حرف الكاف والنون وانما المراد بها المعنى الذى به كان ظهور الاشياء فكن حجاب للمعنى لمن فهم وكل انسان له فى باطنه قوة كن وماله فى ظاهره الا المعتاد وفى الآخرة يكمون حكم كن منه فى الظاهر وقد يعطى الله ذلك لبعض الرجال فى هذه الدار بحكم الارث لرسول الله صلى الله عليه وسلم فانه تصرف بها فى عدة مواطن منه قوله فى غزوة تبوك كن أبا ذر فكا أبا ذر ثم لايخفى انه لم يعط احد من الملائكة وغيرهم حرف كن انما هى خاصة بالانسان لما انطوى عليه من الخلافة والنيابة
وفى التأويلات النحمية ومامر تجلينا للاشياء لها علويها وسفليها الا تجعل واحد اى واحدانى الوصف لاكثرة فيه لكن يتكثر بحسب المتجلى له ويظهر فيه بحسبه ظهور الصورة الواحدة فى المرآئى المتكثرة يظهر فى الكبير كبيرا وفى الصغير صغيرا وفى المستطيل مستطيلا وفى مستدير مسديرا والصورة على حالتها المخلوقة عليها باقية لاتغير ولا تبديل بها كما يلمح الناظر ويرى فى اللمحة الواحدة مايحادى بصره(14/424)
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51)
{ ولقد اهلكنا اشياعكم } اى اشباهكم فى الكفر من الامم جمع شيعة هو من يتقوى به الانسان وينشر عنه كما فى المفردات وقال فى القاموس شيعة الرجل بالكسر اتباعه وانصاره والفرقة على حدة ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث { فهل من مدكر } متعظ يتعظ بذلك فيخاف وفيه اشارى الى انا بقدرتنا الازلية وحكمتنا البالغة اهلكنا وافنينا اشباهكم وامثالكم يارباب النفوس الامارة وياصحاب القلوب الجوالة اما بالموت الطبيعى واما بالموت الارادى فهل من معتبر يعتبر هذا وهذا ويختار لنفسه الأليق والأحرى(14/425)
وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52)
{ وكل شىء فعلوه } من الكفر والمعاصى مكتوب على التفصيل { فى الزبر } اى فى ديوان الحفظة جمع زبور بمعنى الكتاب فهو بمعنى مزبور كالكاتب بمعنى مكتوب وقال العزالى رحمه الله كل شىء فعله الامم فى كتب انبيائهم المنزلية علهيم كأفعال كفار زماننا فى كتابنا(14/426)
وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)
{ وكيل صغير وكبير } من الاعمال { مستطر } مسطور فى اللوح المحفوظ بتفاصيله يقال استطره كتبه كما فى القاموس قال يحيى بن معاذ رحمه الله من علم أن افعالهتعرض عليه فى مشهد الصدق وانه مجازى عليها اجتهد فى اصلاح افعاله واخلاص اعماله ولزم الاستغفار لما سلف من افراطه وقد روى ان النبى عليه السلام ضرب لصغائر الذنوب مثلا فقال انما محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بفلاة من الارض وحضر جميع القوم فانطلق كل واحد منهم بحطب فجعل الرجل يجيىء بالعود والآخر بالعود حتى جمعوا سوادا واججوا نارا فشووا خبر هم وان الذنب الصغير يجتمع على صاحبه فيهلكه الا أن يغفر الله اتقوا محقرات الذنوب فان لها من الله طالبا ولقد احسن من قال
خل الذنوب صغيرها ... وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماش فوق راض ... الشوك يحذر مايرى
لاتحقرن صغيرة ... ان الجبال من الحصى(14/427)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54)
{ ان المتقين } اى من الكفر والمعاصى { فى جنات } اى بساتين عظيمة الشان بحيث لايوصف نعيمها و ما اعد فيها لاهلها { ونهر } اى انهار كذلك يعنى انهار الماء والخمر والعسل واللبين والافراد للفراد للاكتفاء باسم الجنس مراعاة للفواصل(14/428)
فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)
{ فى مقعد صدق } خبر عبد خبر وهو من اضافة والصدق بمعنى الجودة والمعنى فى مكان مرضى ومجلس حق سالم من اللغو والتأثيم بخلاف مجالس الدنيا فقل ان سلمت من ذلك { عند مليك } المراد من العندية قرب المنزلة والمكانة دون قرب المكان والمسافة والمليك ابلغ من المالك وهو بالفارسية بادشاه ، والتنكير للتعظيم والمعنى حال كونهم مقربين عند عزيز الملك واسعه لايقادر قدر ملكه فلا شىء الا وهو تحت ملكوته فأى منزلة اكرم من تلك واجمع للغبطة كلها والسعادة بأسرها { مقتدر } قادر لايعجزه شىء عال امره فى الاقتدار وفى التأويلات النجمية يعنى المتقين بالله عما سواه فى جنات الوصلة وانهار مياه المعرفة والحكمة ينعمسون فيها ويخرجون منها درر المعارف ولآلىء العوارف فى مقعد صدق هو مقام الوحدة الذاتية فى مقام العندية كما قال عليه السلام « اتيت عند ربى يطعمنى ويسقينى » ودر كشف الاسرار آرده كه كلمة عند رقم تقريب وتخصيص دارد يعنى اهل قرب فردادران سرايدان اختصاص خواهند داشت وحضرت بيغمبر عليه السلام امروز درين سرا مخصوص بآن بوده كه ( ابيت عبد ربى ) وجون رته كه فردا خواص بان نازند امروز باى ادناى وى بوده بس از مرتبه اعلاى فرداى اوكه نشان تواند داد
اى محرم سر لايزال ... مرآت جمال ذى الجلالى
مهمان ابيت عند ريى ... صاحب دل لاينام قلبى
از قربت حضرت الهى ... هستى بمثابه كه خواهى
قربى بمارتش نسنجد ... در حوصله خرد نكنجد
كم كشته بود عبارت آنجا ... بلكه نرسد عبارت آنجا
وفى الآية اشارة الى ان تقوى توصل العبد الى جنات الدرجات وانهار العلوم والمعارف الحقيقية الالهية ثم الى مقام الصديقين ثم الى مقام الوحدة الذاتية المشار اليها بالعندية قال الامام جعفر الصادق رضى الله عنه مدح الله المكان بالصدق فلا يقعد فيه الا اهل الصدق وهو المقام الذى يصدق الله فيه وعده لاوليائه بأن يبيح لهم النظر الى وجهه الكريم قيمت وعز آن بقعه نه بمرع بريان وجوى روان وخيران حسان است بلكه بديدار جنانكه قيمت صدق بدر شاهوار كما قيل
وما عهدى بحب تراب ارض ... ولكن من يحل بها حبيب
اى خوشا عيشا كه مؤمنانراست دران مجلس انس وحظيره قدس باديه انتظار بريده بكعبة وصال رسيده خلعت رضا يوشيده شربت سرور ازجشمه وفا نوشيده عيش بى عتاب ونعمت بى حساب وديدار بى حجاب يافته ( روى ) صالح بن حبان عن عبدالله بن بريدة انه قال فى هذه الآية ان اهل الجنته يدخلون كل يوم مرتين على الجبار تعالى فيقرأون عليه القرءآن وقد جلس كل امرىء منهم مجلسه الذى له ومجلسى على منابر الدر والياقوت الزمرد والذهب والفضة باعمالهم فلم تقر اعينهم بشىء قط كما تقر اعينهم بذلك ولم يسمعوا شيأ اعظم ولا أحسن منه ثم ينصرفون الى رحالهم ناعمين قريرة اعينهم الى مثلها من الغد قال بعضهم المراد بمن فى الآية هم الذين لاتحجبهم الجنة ولا النعيم ولا شىء عنه تعالى قال البقلى يا أخى هؤلاء غرباء الله فى الدنيا والآخرة ادخلهم فى اغرب المنازل وهو مقام المجالسة معه بحيث لايطلع عليه الا اهل الصدق فى طلبه وهم فقرآء المعرفة الذين قال عليه السلام فيهم(14/429)
« الفقرآء جلساء الله » ، سئل ابو يزيد البسطامى قدس سره عن الغريب قال الغريب من اذا طالبه الخلق فى الدنيا لم يجدوه ولو طالبه مالك فى النار لمن يجده ولو طالبه رضوان فى الجنة لم يجده فقيل اين يكون ياأبا يزيد فقال ان المتقين فى جنات الخ فلابد من الصدق وحدمة الصادقين حتى يصل الانسان الى هذا المطلب الجليل وهو على وجوه ومراتب اما الصدق فى القول فبصون اللسان عن الكذب الذى هو اقبح الذنوب قال عليه السلام « التجار هم الكفار » فقيل اليس الله قد احل البيع قال « نعم ولكنهم يحلفون فيأثمون ويحدثون فيكذبون » وقال عليه السلام الكذب ينقص الرزق فى الحديث « اربع من كن فيه فهو منافق وان صام وعلى وزعم انه مسلم اذا حدث كذب واذا وعد اخلف واذا ائتمن خان واذا خاصم فجر » واما الصدق فى الحال فبصون الحال عما ينقصه مثلا اذا عزم على امر وحال من التسليم والتوكل وغيرهما فصدقه بالاستمرار على عزيمته والاحتزاز عن النقض واهل السلوك تهتمون فى صدق الحال اشد الاهتمام ( روى ) ان واحدا منهم كان كثير الوجد والزعقات فجاء يوما واوداع خرقته عند الشيخ فى الحرم الشريف وقال ان صيحتى الآن لا مرأة عشقتها فأنا لا أريد أن اكون كاذبا فى حالى بأن ألبس لباس العشاق وانا على تلك الحال ثم انه بعد ايام جاء واخذ خرقته وقال الحمد الذى خلصنى منها وعدت الى حالى ومن قبيل الصدق فى الحال صدق لمريد فى ارادته فانه اذا وقع منه حركة مخالفة لارادة الشيخ فهو كاذب فى ارادته فان المريد من افنى ارادته فى ارادة الشيخ ففى ايى مرتبة من القال والحال وجد الصدق كان سبب النجاة وباعثا لرفع الدرجات قال الشاعر
سيعطى الصادقين بفضل صدق ... نجاة فى الحياة وفى الممات
وسبب هذا الشعر ان ثلاثة اخوة من الشأم كانوا يغزون فأسرهم الروم مرة فقال لهم الملك انى اجعلكم ملوكا وازوجكم بناتى ان قبلتم النصرانية فأبوا وقالوا يا محمداه فادخل اثنين فى الزيت المغلى واخذ الثالث علج وسلط عليه ابنته وكانت من اجمل النساء فأخذ الشاب فى صيام النهار وقيام الليل فآمنت البنت وخرجا الى الشام فجاء اخواه الشيهدان مع الملائكة ليلة وزوجاه المرأة وسألهما اخوهما عن حالهما فقالا ما كانت الا التى رأيت حتى دخلنا فى الفردوس وان الله تعالى أرسلنا اليك نشهد تزويجك بهذه الفتاة وكانا مشهورين بالشام حتى قال الشعرآء فيهما ابياتا منها ماذكرناه ( وروى ) جنيد البغدادى قدس سره عن امين المؤمنين على رضى الله عنه انه قال الصوف ثلاثة احرف فالصاد صادق وصبرو صفا والواو ود وورد ووفاء والفاء فقر وفرد وفناء فاذا لم توجد هذه الصفات فى لايكون صوفيا قال سهل رحمه الله اول خيانة الصديقين حديثهم مع انفسهم وسئل فتح الموصلى رحمه الله عن الصادق فأدخل يده فى كير الحديد واخرج حديدة محماة ووضعها على كفه وقال هذا هو الصدق قال جنيد البغدادى رحمه الله الصادق ينقلب فى اليوم اربعين مرة والمرآئى يثبت على حالة واحدة اربعين سنة وذلك لان مطلب العارفين من الله الصدق والعبودية والقيام بحق الربوبية من غير مراعاة حظ النفس وكل من عداهم من العابد والزاهد والعالم لايفارقون الحفظوظ والاغراض نسأل الله العافية(14/430)
الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)
{ الرحمن } مبتدأ خبره ومابعده اى الذى له الرحمة الكاملة كما جاء فى بعض الدعاء رحمان الدنيا ورحيم الآخرة لانه عم الرزق فى الدنيا كما قيل
اديم زمين سفره عام اوست ... برين خوان يغما جه دشمن جه دوست
وخص المؤمنين بالعفو فى الآخرة وبالفارسية خداوند بخشايش بسياركه رحمت او همه جيز را رسيده ، والرحمة فى الحقيقة العف والحنو عنى الميل الروحانى ومنه الرحم لانعطافها الحسى على مافيها وأريد بها بالنسبة الى الله تعالى ارادة الخير والانعام لان عطف على احد اصابه بأحدهما قال الامام الغزالى رحمه الله الرحمن هو العطوف على العباد بالايجاد اولا وبالهداية الى الايمان واسباب السعادة ثانياً والاسعاد بالآخرة ثالثا والانعام بالنظر الى وجه الكريم رابعا انتهى ولما كانت هذه السورة الكاملة شاملة لتعداد النعم الدنيوية والاخروية والجسمانية والروحانية طرزها بطراز اسم الرحمن الذى هو اسم الذات المشتمل على جميع الاسماء والصفات ليسند اليه النعم المختلفة بعده ولما كان القرءآن اعظم النعم شأنا لانه مدار جميع السعادات ولذا قال عليه السلام « اشراف امتى حملة القرءآن » اى ملازموا قرآءته واصحاب الليل وقال « خيركم من تعلم القرءآن وعلمه » وفيه جميع حقائق الكتب السماوية وكان تعليمه من آثار الرحمة الواسعة واحكامها بدأبه فقال { علم } محمد صلى الله عليه وسلم { القرءآن } بواسطة جبريل عليه السلام وبواسطة محمد عليه السلام غيره من الامة ( قال الكاشفى ) يعنى آسان كردانيده مر اوارا آموختن وديكرا انرا آموزانيدن ، قال ابن عطاء رحمه الله لما قال الله تعالى { وعلم آدم الآسماء كلها } أراد ان يخص امة محمد بخاصة مثله فقال { الرحمن علم القرءآن } اى الذى علم آدم الاسماء وفضله بها على الملائكة هو الذى علمكم القرءآن وفضلكم به على سائر الامم فقيل له متى علمهم قال علمهم حقيقة فى الازل واظهر لهم تعليمه وقت الايجاد وفيه اشأرة الى أن تعليم القرءآن وان كان فى الصورة بواسطة جبريل من الوجه العام لكنه كان بلا واسطة فى المعنى من الوجه الخاص على ماسنريد وضوحا فى محله ان شاء الله تعالى وقال بعضهم { علم القرءآن } اى أعطلى الاستعداد الكامل فى الازل لجميع المستعدين ولذلك قال { علم القرءآن } ولم يقل علم الفرقان كما فى قوله تعالى { تبارك الذى نزل الفرقان } فان الكلام اللالهى قرءآن باعتبار الجمع والبداية وفرقان باعتبار الفرق والنهاية فهو بهذا المعنى لايتوقف على خلق الانسان وظهوره فى هذا العالم وانما الموقوف عليه تعليم البيان ولذا قدم تعليم القرءآن على خلق الانسان وخلقه على تعليم البيان انتهى وفى الآية اشارة الى أن التعليم والتسهيل انما هو من الله تعالىلا من المعلمين الحافظين وقد علم آدم الاسماء ووفقه لتعلمها وسهله باذنه وعلم داود صنعة الدرع كما قال وعلمناه صنعة لبوس لكم وعلم عيسى علم الطب كما قال(14/431)
{ ويعلمه الكتاب الحكمة } وعلم الخضر اللدنى ما قال { وعلمناه من لدنا علما } وعلم نبينا عليه السلام القرءآن واسرار الألوهية كما قال { وعلمك مالم تكن تعلم } وعلم الانسان البيان قال فى فتح الرحمن ومن الدليل على ان القرءآن غير مخلوق ان الله تعالى ذكره فى كتابه العزيز فى اربعة وخمسين موضعا مافيها موضع صرح فيه بلفظ الخلق ولا أشار اليه وذكر الانسان فى ثمانية عشر موضعا كلها يدل على خلقه وقد اقترنا فى هذه السورة على هذا النحو قاله المولى ابو السعود رحمه الله ثم قيل { خلق الانسان علمه البيان } تبيينا للمعلم وكيفية التعليم والمراد بخلق الانسان انشاؤه على ماهو عليه من القوى الظاهرة والباطنة والبيان هو التعبير عما فى الضمير قال الراغب البيان الكشف عن الشىء وهو أعم من النطق لان النطق مختص بالانسان وسمى الكلام بيانا لكشفه عن المعنى المقصود واظهاره انتهى وليس المراد بتعليمه مجرد تمكمين الانسان من بيان نفسه بل منه ومن فهم بيان غيره ايضا اذ هو الذى يدور عليه تعليم القرءآن والمراد به جنس الانسان الشامل لجميع اصنافه وافراده وفى بحر العلوم خلق الانسان اى آدم وعلمه الاسماء واللغات كلها وكان آدم يتكلم بسبعمائة الف لغة افضلها العربية انتهى .
يقول الفقير فيه اشارة الى ان الله تعالى قد تكلم بجيمع اللغات سوآء كان التعليم بواسطة ام لا فان قلت كيف يتكلم الله باللغات المختلفة والكلام النفسى عار عن جميع الاكسية قلت نعم ولكنه فى مراتب التنزيلات والاسترسالات لابد له من الكسوة فالعربية مثلا كسوة عارضة بالنسبة الى الكلام فى نفسه وقد ذقنا فى انفسنا انه يجيىء الالهام والخطاب تارة باللفظ العربى واخرى بالفارسى وبالتركى مع كونه بلا واسطة ملك لان الاخذ عن الله لاينقطع الا يوم القيامة وذلك بلا واسطة وان كان الغالب واسطة الملك من حيث لايرى فاعرف ذلك(14/432)
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5)
{ الشمس والقمر بحسبان } متبدأ وخبره والحسبان بالضم مصدر بمعنى الحساب كالغفران والرجحان يقال سحبه عده وبابه نصر حسابا بالكسر وحسابنا بالضم واما الحسبان بالكسر فبمعنى الظن من حسب بالكسر بمعنى ظن والمعنى يجريان بحساب مقدر فى بروجهما ومنازلهما بحيث يتنظم بذلك امور الكائنات السفلية ويختلف الفصول والاوقات ويعلم السنون والحساب فالسنة القمرية ثلاثمائة واربعة وخمسون يوما والشمسية ثلاثمائة وخسمة وستون يوما واربع يوم او اقل وفيه اشارة الى شمس فلك البروج وقمر كرة القلب سيرانهما فى بروج التجليات الذاتية ومنازل التجليات الاسمائية والصفاتية وكل ذلك السيران بحسب استعداد كل واحد منهما بحساب معلوم وامر مقسووم(14/433)
وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)
{ والنجم } اى النبات الذى ينجم اى يطلع فى الارض ولا ساق له مثل الكرم والقرع ونحو ذلك { والشجر } الذى له ساق وفى المنتقى كل نابت اذا ترك حتى يبرز انقطع فليس بشجر وكل شىء يبرز ولا ينقطع من سنته فهو شجر { يسجدان } اى ينقاد ان له تعالى فيما يريد بهما طبعا انقياد الساجد من الكفلين طوعا او يسجد ظلهما على مابين فو قوله تعالى { يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله } وكفته اند مارا بر سجود ايشان وقوف نيست جانجه برتسبيح ايشان كما قال تعالى { ولكن لاتفقهون تسبحيهم } ذكر فى مقابلة النعمتين والسماويتين اللتين هما الشمس والقمر نعمتين ارضيتين وهما النجم والشجر وكلامهما من قبيل النبات الذى هو اصل الرزق من الحبوب والثمار والحشيش للدواب واخلاء الجمل الاولى عن العطف لورودها على منهاج التعديد على تقاعده فى الشكر كما فى قولك جملة والنجم على ماقبلها فلتناسبها من حيث التقابل لما ان الشمس والقمر علويان والنجم والشجر سفليان ومن حيث ان كلا من حال علويين وحال السفليين من باب الانقياد لامر الله تعالى ولما كانت هذه الاربعة مغايرة لجنس الانسان فى ذاته وصفاته غير النظم بايرادها فى صورة الاسمية تحقيقا للتغاير بينما وضعا وطبعا صورة ومعنى وفيه اشارة الى سجود نجم العقل الذى به يهتدى الى معرفة الاشياء واستهلاكه وتلاشية عند النظر الى الحقائق الالهية والمعارف الربانية لعدم قوة اداركه اياها مستعدا بنفسه غير مستفيض من الفيض الالهى بطريق الكشف والشهود والى سجود شجر الفكر المتشجر بالقوى الطبيعية والقوى الوهمية والخيالية وانحصاره فى القوة المزاجية العنصرية وعدم تمكنه من ادراك الحقائق على ماهى عليه كما قيل العقل والفكرجالا حول سرادق الكون فاذا نظرا الى المكون ذابا وكيف لا وهما مخلوقان محصوران تحت حصر الخلقية والحدوث وانى للخلق المحدث معرفة الخالق القديم وما قدروا الله حق قدره(14/434)
وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7)
{ والسماء رفعها } انتصاب بمحذوف يفسره المذكور اى خلقها مرفوعة محلا كما هو محسوس مشاهد وكذا ربتة حيث جعلها منشأ احكامه وقضاياه وتنزل اوامره ومحل ملائكته وقال بعضهم رفعها من السفل الى العلو سقفا لمصالح العباد وجعل بينهما مسيرة خمسمائة عام وذلك لان السماء دخان فاربه موج الماء الذى كان فى الارض { ووضع الميزان } اى شرع العدل وامر به بأن وفر كل مستحق لما استحقه ووفى كل ذى حق حقه حتى انتظم به امر العالم واستقام كما قال عليه السلام « بالعدل قامت السموات والارض » قيل فعلى هذه الميزان هو القرءآن وقيل هو مايعرف به مقادير الاشياء من ميزان وميكال ونحوهما فالمعنى خلق كل ماتوزن به الاشياء ويعرف مقاديرها موضوعا مخفوضا على الارض حيث علق به احكام عباده وقضاياهم وما تعبدهم به من التسوية والتعديل فى اخذهم واعطائهم قال سعدى المفتى وانت خبير بأن قوله { أن لاتطغوا فى الميزان 0واقيموا الوزن } اشد ملاءمة لهذا المعنى ولهذا اقتصر عليه الزمخشرى ( قال الكاشفى ) وضع الميزان وبيا فريد يامنزل كردانيد ترازورا يا الهام داد خلق را بكيفيت يجاد آن ، ليتوصل به الا الانصاف والانتصاف وكان ذلك فى زمان نوح عليه السلام اذ لم يكن قبله كيل ووزن وذراع قال قتادة فى هذى الآية اعدل يا ابن آدم كما تحب أن يعدل عليك واوف كما تحب أن يوفى لك فأن العدل صلاح الناس(14/435)
أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8)
{ أن لا تطغوا فى الميزان } ان ناصبة ولا نافية ولا م العلة مقدرة متعلقة بوضع الميزان اى وضعه لئلا تطغوا فيه ولا تعتدوا ولا تتجاوزوا الانصاف وبالفارسية ازحد نكذريد در ترازو بوقت داد وستد يعنى از عدل تجاوز نكنيد وبراستى معامله نمايد . قال ابن الشيخ الطغيان مجاوزة الحد فمن قال الميزان العدل قال طغيانه الجور ومن قال انه الميزان الذى هو آلة التسوية قال طغيانه البخس اى النقص
جون ترازوى تو كج بود ودغا ... راست جون ترازوى جزا(14/436)
وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)
{ واقيموا الوزن بالقسط } قوموا وزنكم بالعدل وزنكم بالعدل اى اجعلوه مستقيما به وفى المفردات الوزن معرفة قدر الشىء والمتعارف فى الوزن عند العامة مايقدر بالقسطاس والقبان وقوله { واقيموا الوزن بالقسط } اشارة الى مراعاة المعدلة فى جميع مايتحراه الانسان من الافعال والاقوال { ولا تخسروا الميزان } يقال خسرت الشىء بالفتح واحسرته نقصته وبابه ضرب واما خسر فى البيع فبالكسر كما فى المختار وقال فى القاموس خسر كفرح وضرب ضل والخسر والاخسار النقص اى لاتنقصوه لان من حقه أن يسوى لانه المقصود من وضعه قال سعدى المفتى المراد لا تنقصوا الموزون فى الميزان لا الميزان نفسه امر اولا بالتسوية ثم نهى عن الطغيان الذى هو اعتدآء وزيادة ثم عن الخسران الذى هو تطفيف ونقصان وكرر لفظ الميزان تشديدا للتوصية به وتأكيد للامر باستعماله والحث عليه ( قال الكاشفى ) اين همه تأكيد اهل ترازو راجهت آنست كه بوقت وضع ميزان قيامت شرمنده نشوند
هرجو وهرحبه كه بازوى تو ... كم كند از كيد ترازوى تو
هست يكايك همه برجاى خويش ... روز جزا جمله بيارند بيش
باتو نمايند نهانيت را ... كم دهى وبيش شتانيت را
روى عن مالك بن دينار رحمه الله انه دخل على جار له احتضر فقال يامالك جبلان من نار بين يدى كلف الصعود علهيما قال فسألت اهله فقالوا كان له مكيالان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر فدعوت بهما فضربت احدهما بالآخر حتى كسرتهما ثم سألت الرجل فقال مايزداد الامر على الا عظما وفى المفردات قوله { ولاتخسروا الميزان } يجوز أن يكون اشارة الى تعاطى مالا يكون ميزانه به يوم القيامة خاسرا فيكون ممن قال فيه { فمن خفت موازينه } وكلا المعنيين يتلازمان وكل خسران ذكره الله فى القرءآن فهو على هذا المعنى الاخير دون الخسران المتعلق بالقنيات الدنيوية والتجارات البشرية ، يقول الفقير وجه توسيط الميزان بين رفع السماء ووضع الارض هو الاشارة الى انه بالعدل قامت السموات والرض كما ورد فى الحديث والى انه لابد من ميزان العقل بين الروح والجسد حتى يعتدلا ولا يتداوز احدهما الآخر والاعتدال الحقيقى هو الوقوف بين طرفى الافراط والتفريط المذمومين عقلا وشرعا وعرفا والموزونات هى الامور العلمية والعملية المعدلة بالعقل المبنى على الاستعداد الذاتى(14/437)
وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10)
{ والارض وضعها } اى خفضها مدحوة على الماء اى مبسوطة { للانام } اى لمنافع الانام وهو جمع لا واحد له من لفظه بمعنى الخلق والجن والانس مما على الارض كما فى القاموس فهى كالمهاد والفراش لهم يتقلبون عليها ويتصرفون فوقها وقال ابن عباس رضى الله عنهما رب الناس يدل عليه وقوله
مبارك الوجه يستقى الغام به ... مافى الانام له عدل ولا مثل
وقال قتادة كل ذى روح لانه ينام وقيل من ونم الذباب همس وفيه اشارت الى بسط ارض البشرية لتنتعش كل قبيلة بما لائم طبعها اما انتعاض اهل النفوس البشرية فبأستيفاء الشهوات الحيوانية واللذات الجسمانية واما انتعاش اصحاب القلوب المعنوية فبالواردات القلبية والالهامات الغيبية واما انتعاض ارباب الارواح العلوية فبالتجليات الروحانية والمحاضرات الربانية واما انتعاش صناديد الاسرار اللاهوتية القدسية فالبتجليات الذاتية الاحدية المفنية لكل ماسواه(14/438)
فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11)
{ فيها فاكهة } ضروب كثيرة مما يتفكه به ويتلذذ ففاكهة تشعر باختلاف الانواع { والنخل ذات الاكمام } وهى اوعية الثمر وغلفها قبل التفتق ، يعنى خوشهاى آن در غلاف ، جمع كم بالكسر وهو الغلاف الذى يكون فيه الثمر اول ظهوره ، تا مادامكه مغشق نشده در غلاف باشد ومعنى النخل بالفارسية يعنى درخت خرما . او هو اى الكم كل مايكم بضم الكاف من باب نصر اى يغطى من ليف وسعف وكفرى فانه مما ينتفع به كما ينتفع من المكموم من ثمره وجماره وجذوعه فالليف يغطى الجذع والسعف الجمار وهو كرمان شحم النخل بالفارسية دل درخت خرما ، والكفرى الثمر(14/439)
وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12)
{ والحب } ودر زمين دانه است ، وهو كل مايتغذى به ويقتات كالحنطة والشعير وغيرهما { ذو العصف } هو ورق الزرع او ورق النبات اليابس كالتبن ( قال الكاشفى ) وعصفت كياهيست كه ازو دانه جدا ميشود ، وفى المفردات العصف والعصفية الذى يعصف من الزرع قال فى تاج المصادر العصف برك كشت ببريدن { والريحان } قال فى المفردات الريحان ماله رائحة وقيل الرزق ثم يقال للحب المأكول ريحان كما فى قوله { والحب ذو العصف } وقيل الاعرابى الى ابن قال اطلبت ريحان الله اى رزقه والاصل ماذكرنا انتهى قال ابن عباس ومجاهد والضحاك هو الرزق بلغة حمير فالمراد بالريحان هذا اما الرزق او المشموم كما قال الحسن الريحان هو ريحانكم هذا الذى يشم وهو كل ماطابت رآئحته من النبات او الشاهسفرم وعند الفقهاء الريحان مالساقة رآئحة طيبة كما لورقه كالآس والورد مالورقه رآئحة طيبة فقط كالياسمين كذا فى المغرب قال ابن الشيخ كل بقلة طيبة الرآئحة سميت ريحانا لان الانسان يراح لها رائحة طيبة اى يشم قال راح الشىء يراحه ويريحه واراح الشىء يريحه اذا وجد ريحه وفى الحديث « من قتل نفسا معاهدة لم يرح رائحة الجنة » ويروى لم يرح من راحه يريحه والريحان فى الاصل ريوحان كفعيلان من روح فقلبت الواو ياء وادغم ثم خفف بحذف عين الكلمة كما فى ميت او كفو علان قلبت واوه ياء للتخفيف او للفرق بينه وبين الروحان وهو ماله روح(14/440)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } الخطاب للثقلين المدلول عليهما بقوله تعالى { للانام } لعمومه لهما واشتماله عليهما وسينطق به قوله تعالى { ايها الثقلان } وكذا فى ذكر ابوى الفريقين بقوله { خلق الانسان } دخلق الجان اشعار بأن الخطاب لهما جميعا والآلاء النعم واحدها الى والى والو والى والى كما فى القاموس فى بحر العلوم الآلاء النعم الظاهرة والباطنة الواصلة الى الفريقين وبهذا يظهر فساد ماقيل من ان الآلاء هى النعم الظاهرة فحسب والنعماء هى النعم الباطنة والصواب انهما من الالفاظ المترادفة كالأسود والليوث والفلك والسفن وفى التأويلات النجمية الآلاء هى النعمة الظاهرة والنعماء الباطنة والآيات المتوالية تدعل على هذا لانها نعمة ظاهرة بالنسبة الى اهل الظاهر ومعنى تكذيبهم بالآلاء كفرهم بها والتعبير عن الكفر بالتكذيب لما أن دلالة الآلاء المذكورة على وجوب الايمان والشكر شهادة منها بذلك فكفرهم بها تكذيب بها لامحالة اى فاذا كان الامر كما فصل فبأى فرد من افراد آلاء مالككما ومربيكما بتكل الآلاء تكذبان مع ان كلا منها ناطق بالحق شاهد بالصدق فالاستفهام للتقرير اى للحمل على الاقرار بتلك النعم ووجوب الشكر عليها ( روى ) عن جابر رضى الله عنه انه قال قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن حتى ختمها قال « مالى أراكم سكوتا للجن كانوا احسن منكم ردا ماقرأت عليهم هذه الآية مرى { فبأى آلاى ربكما تكذبان } الا قالوا ولا بشىء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد » قال فى بحر العلوم وفيه دلالة بينة على ان الآلاء أراد بها النعم المطلقة الشاملة للظاهرة والباطنة لا المقيدة بالظاهرة كما سبق اليه بعض الاوهام انهى قال فى آكام المرجان دلت الآية على ان الجن كلهم مكلفون ولا خلاقف فيه بين اهل النظر وزعمت الحشوية انهم مضطرون الى افعالهم وانهم ليسوا مكلفين والدليل على انهم مكلفون مافى القرءآن من ذم الشياطين ولعنهم والتحذير من غوآئلهم وشرهم وذلك ما اعده الله لهم من العذاب وهذه الخصال لايفعلها الله الا لمن خالف الامر والنهى وارتكب الكبائر وهتك المحارم مع تمكنه من ان لايفعل ذلك وقدرته على فعل خلافه ويدل على ذلك ايضا انه كان من دين النبى عليه السلام لعن الشياطين والبيان عن حالهم وانهم يدعن الى الشر والمعاصى ويوسوسون بذلك وتكرار هذه الآية فى هذه الصورة لطرف الغفلة وتأكيد الحجة وتذكير النعمة وتقرير الكرامة من قوله كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وكقولك لرجل احسنت اليه بأنواع الايادى وهو ينكرها الم تكن فقيرا فأغنيتك افتنكر هذا ألم تكن عريانا فكسوتك أفتنكر هذا الم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا وقال الشاعر
لاتقطعن الصديق ماطرفت ... عيناك من قول كاشح أشر
ولا تملن من زياته ... زره وزره زر ثم زر وزر(14/441)
وقال فى برهان القرءآن تكررت الآية احدى وثلاثين مرة ثمان منها ذكرها عقيب آيات فيها تعداد عجائب خلق الله وبدائع صنعه ومبدأ الخلق ومعادهم ثم سبع منها عقيب آيات فيها ذكر النار وشدائدها على عدد ابواب جهنم وحسن ذكر الآلاء عقيبها لان فى خوفها ودفعها نعما توازى النعم المذكورة او لانها حلت بالاعداء وذلك يعد من اكبر النعماء وبعد هذه السبع ثمان فى وصف الجنات واهلها على عدد ابواب الجنة وثمان اخرى بعدها للجنتين دونهما فمن اعتقد الثمانى الاولى وعمل بموجبها استسحق كلتا الثمانيتين من الله ووقاه السبع السابقة ، يقول الفقير من لطائق اسرار هذا المقام ان لفظ ال فى اول اسم الرحمن المعنون به هذه السورة الجلية دل على تلك الاحدى والثلاثين(14/442)
خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14)
{ خلق الانسان من صلصال كالفخار } بيافريد انسانرا از كل خشك مانند سفاكل بخته كه دست بروى زنى آواز كند ، الصلصال الطين اليابس الغير المطبوخ الذى له صلصلة اى صوت يسمع من يبسه وصح عن رسول الله عليه السلام انه قال « اذا تكلم الله بالوحى سمع اهل السموات لصوته صلصلة كصلصلة الجرس على الصفوان والفخار » الخزف أى الطين المطبوخ بالنار وتشبيهه بالفخار لصوه باليبس اذا نقر كأنه صور بصورة من كيثر التفاخر اولا لانه اجوف وقد خلق الله آدم عليه السلام من تراب جعله طينا ثم جمأ مسنونا ثم صلصالا ثم صب عليه ماء الاحزان فلا ترى ابن آدم الا يكابد حزنا فلا تنافى بين الآية الناطقة باحدها وبين مانطق باحد الآخرين(14/443)
وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15)
{ وخلق الجان } اى الجن او ابا الجن وابليس وبه قال الضحاك وفى الكشف الجان ابو الجن كما ان الانسان ابو الانس وابليس ابو الشياطين { من مارج } اى من لهب صاف من الدخان وقال مجاهد المارج هو المختلط بعضه ببعض من اللهب الاحمر والاصفر والاخضر الذى يعلو النار اذا وقدت من مرج امر القو ماذا اختلط واضطرب فمن من مارج من لهب مختلط { من نار } بيان لمارج فانه فى الاصل للمضطرب من مرج اذا اضطرب وفى كشف الاسرار خلق الجن من مارج من نار والملائكة من نورها والشياطين من دخانها وقال بعضهم من النار التى بين الكلة الرقيقة وبين السماء وفيها يكون البرق ولا ترى السماء الا من وراء تلك الكلة ، درباب نهم ازسففر نانىء فتوحات مذكور است كه مارج آتشست ممتزج بهواكه آنرا هواى مشتعل كويند بس جان مخلوقست اذا دو عنصر آتش وهو وآدم آفريده شهده از دو عنصر آب وخاك جون آب وخاك بهم شوند آنرا طين كويند وجون هوا وآتش مختلط كردد آنرا مارج خوانند وجاننكه تناسل در بشر بالقاء آبست در رحم تناسل درجن بالقاء هواست در رحم انثى وميان آفرينش جان وآدم شصت هزار سال بود(14/444)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (16)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } مما افاض عليكما من تضاعيف خلقكما من سوابغ النعم حتى صيركما افضل المركبات وخلاصة الكائنات وفيه اشارة الى ان الحق سبحانه تجلى لحقيقة انسان الروح بصورة صفة صلصال اللطف والجمال ولحقيقة ابليس النفس بصورة صفة مارج القهر والجلال فصار احدهما مظهرا لصورة لطفه والآخر لصورة قهره { فبأى آلاى ربكما تكذبان } ايها الروح اللطيف والنفس الخبيثه لان كل واحد منكما قد ذاق ماجبل عليه من اللطف والقهر والطيب والخبث(14/445)
رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17)
{ رب المشرقين ورب المغربين } خبر متبدأ محذوف اى الذى فعل ماذكر من الافاعيل البديعة رب مشرقى الصيف والشتاء ومغربيهما ومن قضيته ان يكون رب بينهما من الموجودات قاطبة يعنى ان ذكر غاية ارتفاعهما وغاية احطاطهما اشارة الى ان الطرفين يتناولان مابينهما كما اذا قلت فى وصف ملك عظيم له المشرق والمغرب فانه يفهم منه ان له مابينهما ايضا ، قال فى كشف الاسرار احد المشرقين هو الذى تطلع منه الشمس فى اطول يوم من السنة والثانى الذى تطلع منه فى اقصر يوم وبينهما مائة وثمانون مشرقا وكذا الكلام فى المغربين وقيل احد المشرقين للشمس والثانى للقمر وكذا المغربان واما قول عبد الله بن عمر رضى الله عنهما مابين المشرق والمغرب قبلة يعنى لاهل المشرق وهو أن تجعل مغرب الصيف على يمينك ومشرق الشتاء على يسارك فتكون مستقبل القبلة(14/446)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (18)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } مما فى ذلك من فوآئد لا تحصى من اعتدال الهوآء واختلاف الفصول وحدوث مايناسب كل فصل فى وقته الى غير ذلك(14/447)
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19)
{ مرج البحرين } اى ارسلهما من مرجت الدابة اذا ارسلتها وخليتها للرعى والمعنى ارسل البحر الملح والبحر العذب وبالفارسية راه داد دو دريا را كه يكى خوش وشيرين ويكى تلخ وشور { يلتقيان } حال من البحرين قريبة من الحال المقدرة اى يتجاوران ويتماس سطوحهما لا فصل فى مرأى العين وذلك كدجلة تدخل البحر فتشقة فتجرى فى خلاله فراسخ لايتغير طعمها وقيل ارسل بحر فارس والروم يلتقيان فى المحيط لانهما خليجان يتشعبان منه قال سعدى المفتى على هذا فقوله { يلتقيان } اما حال مقدرة ان كان المراد ارسالهما الى المحيط او المعنى اتحاد اصليهما ان كان المراد ارسالهما منه فلكل وجه(14/448)
بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20)
{ بينهما برزخ } اى حاجر من قدرة الله او من الارض والبرزخ الحائل بين الشيئين ومنه سمى القبر برزخا لانه بين الدنيا والآخرة وقيل للوسوسة برزخ الايمان لانها طائفة بين الشك واليقين { لايبغيان } اى لايبغى احدهما على الآخر بالممازجة وابطال الخاصية مع أن شأنهما الاختلاط على الفور بل يبقيان على حالهما زمانا يسيرا ما ان شأنهما الاختلاط وانفعال كل واحد منهما عن الآخر على الفور او لايتجاوزان حديهما باغراق مابينهما من الارض لتكون الارض بارزة يتخذها اهلها مسكنا ومهادا فقوله { لايبغيان } اما من الابتغاء وهو الطلب اى لا يطلبان غير مقدر لهما او من البغى وهو مجاوزة كل احد منهما ماحد له(14/449)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } وليس من البحرين شىء يقبل التكذيب لما فيه من الفوآئد والعبر(14/450)
يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22)
{ يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } اللؤلؤ الدر والمرجان الخرز الاحمر المشهور يقال يلقيه الجن فى البحر وقال فى خريدة العجائب اللؤلؤ يتكون فى بحر الهند وفارس والمرجان ينبت فى البحر كالشجر واذا كلس المرجان عقد الزئبق فمنه ابيض ومنه احمر ومنه اسود وهو يقوى البصر كحلا وينشف رطوبة العين انتهى وقيل اللؤلؤ كبار الدر والمرجان صغاره ، واعلم انه ان أريد بالبحرين هنا بحر فارس وبحر الروم فلا حاجة فى قوله منهما الى التأويل اذا اللؤلؤ والمرجان بمعنييه يخرجان منهما لان كلا منهما ملح ولا عذب فى البحار السبعة الا على قول من قال فى الآية يخرج من مالح بحرى فارس والروم ومن عذب بحر الصين وفى بحر العلوم ان اللؤلؤ يخرج من بحر فارس والمرجان من بحر الروم يعنى لامن كليهما وان أريد بهما البحر الملح والبحر العذب فنسبة خروجهما حينئذ الى البحرين مع انهما انما يخرجان من البحر الملح او مع انهما لايخرجان من جميع البحر ولكن من بعضه كما يقال يخرج الولد من الذكر والانثى وانما تلده الانثى وهو الاظهر او لانهما لايخرجان الا من ملتقى الملح والعذب وهذا يحتمل معنيين احدهما ان الملتقى اسم مكان والخروج بمعنى الانتقال من الباطن الظاهر فانه قال الجمهور يخرج من الاجاج من المواضع التى يقع فيها الانهار والمياه العذبة فناسب اسناد ذلك اليهما وهذا مشهور عند الغواصين والثانى انه مصدر ميمى بمعنى الالتقاء والخرج بمعنى الحدوث والحدوث بمعنى الوجود فانه يحدث ويتكون من التقائهما واجتماعهما كما قال الرازى يكون العذب كاللقاح للملح ونقل عن ابن عباس وعكرمة مولاه ان تكون هذه الاشياء فى البحر بنزول المطر لان الصدف تفتح افواهها للمطر فيكون الاصداف كالارحام للنطف وماء البحر كالجسد العاذى ويدل على انه من المطر ماشتهر من أن السنة اذا اجدبت هزلت الحيتان وقلت الاصداف والجواهر وعلى هذا فضمير منهما للبحرين باعتبار الجنس فتأمل(14/451)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (23)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } زيرا آن جوهرها كه بدان آرايش كنيد واز خريد وفروخت آن فوائد يابيد نعم ظاهره است بس بكدام ازين نعمتهاى بروردكار خرد تكذيب مينماييد وكفته اند مراد بحر آسمان وبحر زمين است كه هرسال متلاقى شوند وابر حاجزست كه منع ميكند درياى آسمانرا از نزول ودرياى زمين را از صعود ودرياى فلك قطرات بردرياى زمين ريخته بدهان صدف درمى آيد وازان درمنعقد كردد وقيل البحران على وفاطمة رضى الله عنهما والبرزخ النبى صلى اليه وسلم ويخرج منهما الحسن والحسين رضى الله عنهما وقيل هما العقل والهوى والبرزخ بينهما لطف الله ويخرج منهما التوفيق والعصمة وقيل هما المعرفة والمعصية والحاحز والعصمة ويخرج منهما الشوق والتوبة لايبغيان لاتؤثر المعصية فى المعرفة وقيل هما الدنيا والآخرة والبرزخ القبر وقيل الحياة والوفاى والبرزخ الاجل وقيل الحجة والشبهة والبرزخ النظر ويخرج منهما الحق والصواب ، امام قشيرى رحمه الله فرموده كه بحرين خوف ورجاست ياقبض وبسط وبرزخ قدرت بى علت ولؤلؤ احوال صافيه ومرجان لطايف وافيه صاحب كشف الاسرار شرح ميكند كه بحر خوف ورجا عامه مسلمان راست وازان كوهر زهد و ورع وطاعت وتقوى بيرون آيد وبحر قبض وبسط خواص مؤمنا نراست وازان جواهر فقر ووجد زايد وبحر انس وهيبت انبيا وصديقا نراكه ازان كوهر فنا روى نمايد ن صاحبش بمنزل بقا بياسايد
زقعر بحر فنا كوهر فنا يابى ... وكرنه غوطه خورى اين كهر كجا يابى
وقال بعض الكبار يشير الى مروج بحر روح وحركته بالتجليات الذاتية والى مروج بحر القلب وحركته بالتجليات الصفاتية والتقائهما فى مقام الوحدة مع بقاء برزخ معنوى بين هذين البحرين المشار بهما الى ماذكر بحيث لايبغى بحر الروح على بحر القلب لعدم نزوله بالكلية لئلا يفنى خاصية بحر القلب ولا يغلب بحر القلب على بحر الروح لعدم عروجه بالكلية لئلا يفنى خاصية بحر الروح كما قال { وما منا الا له مقام معلوم } يخرج لؤلؤ التجليات الذاتية من باحة بحر الروح ومرجان التجليات الصفاتية من لجة بحر القلب ويجوز أن يخرجا مجتمعين من اتحاد بحر الروح وبحر القلب مع بقاء امتياز مابينهما وقال بعضهم يشير الى بحر القدم والحدوث وبحر القدم عذب من حيث القدم وبحر الحدوث ملح من حيث علل الحدوثية وبينهما حاجز عزة وحدانيته بحيث لايختلط احدهما بالآخر لانه منزه عن الحلول فى الاماكن والاستقرار فى المواطن يخرج من بحر القدم القرءآن والاسماء والنعوت ومن بحر الحدوث العلم والمعرفة والفطنة وايضا يشير الى بحر القلب الذى هو بحر الاخلاق المحمدة وبحر النفس الذى هو بحر الاخلاق المذمومة ولا يختلطان بحيث يصير القلب نفسا والنفس قلبا لان بينهما العقل والعلم والشريعة والطريقة فاذا صارت النفس مطمئنة يخرج منها ومن القلب الايمان والايقان والصفاء والنور والطمأنينة وقال ابن عطاء رحمه الله بين العبد وبين الرب بحران عميقان احدهما بحر النجاة وهو القرءآن من تعلق به نجا لان الله تعالى يقول { واعتصموا بحبل الله جميعا } وبحر الهلاك وهو الدنيا من ركن اليها هلك انتهى(14/452)
وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24)
{ وله الجوار } هذه اللام لها معنيان احدهما انها لام الملك والثانى انها لام الاستحسان والتعجب كقولهم لله أنت لله درك كما فى كشف الاسرار والجوار بكسر الرآء اصله الجوارى بالياء بمعنى السفن جمع جارية اقيمت الصفة مقام الموصوف قال ابن الشيخ اعلم ان الاركان اربعة التراب والماء والهوآء والنار فالله تعالى بين بقوله { خلق الانسان من صلصال } من ان التراب اصل المخلوق شريق مركم عجيب الشان وبين بقوله { وخلق الجان من مارج من نار } ان الماء ايضا اصل المخلوق آخر عجيب الشان وبين بقوله { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } ان الماء ا يضا اصل المخلوق له قدر وقيمة ثم ذكر ان الهوآء له تأثير عظيم فى جرى السفينة كالاعلام فقال { وله الجوار } وخصها بالذكر لان جريانها فى البحر لاصنع للبشر فيه وهم معترفون بذلك فيقولون لك الفلك ولك الملك واذا خافوا الغرق دعوا الله خاصة وسميت السفينة جارية لان شأنها الجرى فى البحر وان كانت واقفة فى الساحل والمراسى كما تسمى المملوكة ايضا جارية لان شأنها الجرى والسعى فى حوآئج سيدها { المنشئآت } المرفوعات الشرع على أن يكون من أنشأه اذا رفعه والشرع بضمتين جمع شراع وهو الذى يسمى بالفارسية بادبان ، ولا يبعد أن يكون المنشئآت بمعنى المرفوعات على الماء فتكون جارية على ماهى له كما فى حاشية سعدى المفتى والمعنى المنشئآت المصنوعات اى المخلوقات على أن يكون من أنشأه الله اى خلقه { فى البحر كاللاعلام } جمع علم وهو الجبل الطويل اى كالجبال الشاهقة عظما وارتفاعا وهو حال من ضمير المنشئآت والسفن فى البحر كالجبال فى البر كما ان الابل فى البر كالسفن فى البحر(14/453)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (25)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } من خلق مواد السفن والارشاد الى اخذها وكيفية تركيبها واجرائها فى البحر يابسات لقطع المسافات الكثيرة فى الاوقات القليلة وحصول المعاملات والتجارات لايقدر على خلقها وجمعها وترتيبها غيره سبحانه وفيه اشارة الى جريان سفن الشريعة والطريقة المرفوعات الشرع باحكام الشريعة وآداب الطريقة فى بحر الوحدة الحقيقية كالجبال العظام مشحونات بمنافع كثيرة من الطاعات والعبادات على مقتضى علم الشريعة و الواردات القلبية والالهامات الغيبية على قانون ارباب الطريقة كما فى التأويلات النجمية(14/454)
كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26)
{ كل من عليها فان } الهاء كناية عن غير مذكور كقولهم اذا نهى السفيه جرى اليه والمعنى كل من على الارض من الحيوانات والمركبات ومن للتغليب على الوجهين او من الثقلين فان اى هالك لا محالة يعنى سرانجام كار فانى شوند ، ولما نزلت هذه الآية قالت الملائكة هلكت بنوا آدم فلما نزلت كل نفس ذآئقة الموت ايقنوا بهلاك أنفسهم فان لهم اجساما لطيفة وارواحا متعلقة بتلك الاجسام كأرواح الانسان وما الارواح المجردة المهيمة العالية فلا تفنى(14/455)
وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (28)
{ ويبقى وجه ربك } اى ذاته ومنه كرم الله وجهه اى ذاته فالوجه العضو المعروف استعير للذات لانه اشرف الاعضاء ومجمع المشاعر وموضع السجود ومظهر آثار الخشوع قال القاضى ولو استقريت جهات الموجودات وتفحصت وجوهها وجدتها باسرها فانية فى حد ذاتها الا وجه الله الذى يلى جهته انتهى قال سعدى المفتى فى حاشية هذا المحل هذا اشارة الى وجه آخر وهو أن يكون الوجه بمعنى القصد اى مايقصد وينوى به الله والجهات بمعنى المقاصد وفى العبارة نوع تسامح وقوله يلى جهته اى مقصده والاضافة للبيان اى يتوجه اليه انتهى وقال ابن الشيخ اشارة لى ان الوجه يجوز أن يكون كناية عن الجهة بناء على ان كل جهة لاتخلو عن وجهه يتوجه اليها كما ذكر فى قوله فى جن بالله اى كل من عليها من الثقلين واما اكتسبوه من الاعال هالك الا ماتوجهوا به جهة الله وعملوه ابتغاء لمرضاته انتهى وقال الشيخ ابن نور الدين رحمه الله الماهيات تنقسم الى ثلاثة اقاسم واجب الوجود وممتنع الوجود وممكن الوجود اما الواجب فهو وجود بحت واما الممتنع فهو عدم محض اما الممكن فهو مركب منهما وذلك لان له وجودا واماهية عارضة على وجوده فما هيته امر اعتبارى معدوم فى الخارج لاقبل الوجود فيه من حيث هو هو ووجوده موجود لايقبل العدم من حيث هو هو فكان الممكن موجودا ومخلوقات من وجود وعدم وهذه الجمعية تقبل الوجود والعدم ومن هذا ظهر حقيقة ماقال البيضاوى ولو استقربت الخ وما قاله الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر فى تفسير قوله تعالى { كل شىء هالك الا وجهه } صفة وجه اى ذو الاستغناء المطلق او العظمة فى ذاته وصفاته وذو الفضل التام وهذه من عظائم صفاته تعالى ولقد قال عليه السلام « ألظوا بياذا الجلال ولا كرام » ، يعنى ملازم بكوبيد ياذا الجلال والاكرام وفى تاج المصادر الالظاظ ملازم كرفتن ودائم شدن باران ، والالحاح ايضا وفى القاموس اللظ اللزوم والالحاح وعنه عليه اللام انه مر برجل وهو يصلى ويقول ياذ الجلال والاكرام فقال « استجيب لك الدعاء » الدعاء بهاتين الكلمتين مرجو الاجابة وفى وصفه تعالى بذلك بعد ذكر فناء الخلق وبقائه تعلى ايذان بأنه تعالى يفيض عليهم بعد فنائهم ايضا آثار لطفه وكرمه حسبما ينبى عنه قوله تعالى { فبأى آلاى ربكما تكذبان } فان احياءهم بالحياة الابدية واثباتهم بالنعيم المقيم اجل النعماء واعظم الآلاء قال الطيبى كيف شافرد الضيمر فى قوله { وجه ربك } وثناه فى ربكما والمخاطب واحد قلت اقتضى الاول تعميم الخطاب لكل من يصلح للخطاب لعظم الامر وفخامته فيندرج فيه الثقلان اندراجا اوليا ولا كذلك الثانى فتركه على ظاهره وفى قوله(14/456)
{ كل من عليها فان } الى فناء كل من على ارض البشرية اما بالموت الطبيعى منغسما فى بحر الشهوات الحيوانية واللذات الجسمانية واما بالموت الارادى منسلخا عن الصفات البشرية ملتبسا بالصفات الروحانية وتغليب من اشارة الى ذوى العقول السليمة عن آفات القوة الوهمية والخيالية فانهم بذكاء فطرتهم وبقاء طينتهم يفنون عن الاحكام الطبيعية ويبقون بالتجليات الالهية وبقوله ويبقى وجه الخ اشارة الى فناء الكثرة النسبية الاسمائية وبقاء الوحدة الحقيقية الذاتية الموصوفة بالصفة الجلالية القهرية والجمالية اللطيفة { فبأى آلاى ربكما تكذبان } مما ذكرنا من افناء الحياة المجازية وابقاء الحياة الحقيقية واظهار الصفة اللطيفة فى حق مستحقى اللطف واظهار الصفة القهرية فى حق مستحقى القهر لعلمه المحيط باستحقاقها وقال بعضهم لو نظرت بنظر التحقيق فى لكون واهله لرأيت حقيقة فنائه وفناء اهله وان كان فى الظاهر على رسم الوجود لان من يكون قيامه بغيره فهو فان فى الحقيقية اذ لا يقوم بنفسه ولا نفس له فى الحقيقية فان الوجود الحقيقى وجود القدم لذلك اثنى على نفسه بقوله { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام } ( قال الشيخ المغربى
سايه هستى ميناميد ليك اندر اصل نيست ... نيست را ازهست بشناختى يابى نجات
( وقل المولى الجامى )
تو درميانه هيج نه هرجه هست اوست ... هم خود الست كويد وهم خود بلى كند
وفى ذكر وجهه الباقى تسلية لقلوب العشاق اى أنا أبقى لكم ابدا لا تغتموا فان لكم ماوجدتم فى الدنيا من كشف جمالى ويتسرمد ذلك لكم بلا حجاب ادبا وافى ذكر الجلال تهييج لاهل المحبة والهيبة وفى كاف الوحدة اشارة الى حبيبه عليه السلام يعنى شف الوجه باق لك ابدا اريتك وجهى خاصة ثم العشاق اتباع لك فى النظر الى وجهى فاول الكشف لك ثم للعموم ، واعلم ان وجود الباقى جميعه وجه وبين التجليات تفاوت وفى الحديث « ان الله يتجلى لابى بكر خاصة ويتجلى للمؤمنين عامة »(14/457)
يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)
{ يسأله } ميخو اهند اورا يعنى ميطلبند ازوى { من فى السموات والارض } قاطبة مايحتاجون اليه فى ذواتهم ووجوداتهم حدوثا وبقاء وسائر احوالهم سؤالا مستمرا بلسان المقال وبلسان الحال فانهم كافة من حيث حقائقهم الممكنة بمعزل عن استحقاق الوجود وما يتفرع عليه من الكمالات بالمرة بحيث لو انقطع مابينهم وبين العناية الالهية من العلائق لم يسموا رآئحة الوجود اصلا فهم فى كل آن مستمرون على الاستدعاء والسؤال وعن ابن عباس رضى الله عنهما فأهل السماء يسألونه المغفرة واهل الارض يسألونه الرزق والمغفرة وفى كشف الاسرار مؤمنان دوكروه اند عابدان وعارفان هر سؤال بريكى بر قدر همت او ونواخت هريكى سزاى حوصله او
هر كسى ازهمت والا خويش ... سود برد در خور كالاى خويش
عابد همه ازخواهد عارف خود اورا خواهد احمد بن ابى الجوارى حق را بخواب ديد كفت ، جل جلاله يا احمد كل الناس يطلبون منى الا أبا يزيد فانه يطلبنى
فسرت اليك فى طلب المعالى ... وسار سواى فى طلب المعاش
{ كل يوم } اى كل وقت من الاوقات وهو اليوم الالهى الذى هو الآن الغير المنقسم وهو بطن الزمان فى الحقيقة { هو } تعالى { فى شأن } من لشؤون التى من جملتها اعطاء مسألوا افنه تعالى لايزال ينشىء اشخاصا ويفنى آخرين ويأتى بأحوال ويذهب بأحوال من الغنى والفقر والعزة والذلة والنصب والعزل والصحة والمرض وحو ذلك حسبما نقتضيه مشيئته المبينة على الحكم والمصالح البالغة وفى الحديث « من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين » قال الحسين بن الفضل هو سوق المقادير الى المواقيت وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال خلق الله تعالى لوحا من درة بيضا دفناه ياقوته حمرآء قلمه نور وكتابه نور ينظر فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة يخلق ويرزق ويحيى ويميت ويعز ويذل ويفعل مايشاء فذلك قول تعالى { كل يوم هو فى شأن } وهو مأخوذ من قوله عليه السلام « ان الرب لينظر الى عباده كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة يبدىء ويعيد وذلك من حبه خلقه » ويدل على هذا الحب مايقال من ان الله تعالى يحيى كل يوم الفا وواحدا يميت الفا فالحياة الفانية اذا كانت خيرا لتحصيل الحياة الباقية فما ظنك بفضيلة الحياة الباقية وعن عيينه الدهر كله عن الله يومان احدهما اليوم الذى هو مدة الدنيا فشأنه فيه الامر والنهى والاماتة والاحياء ولاعطاء والمنعم الآخر يوم القيامة فشأنه فيه الجزآء والحساب والثواب والعقاب قال مقاتل نزلت الآية فى اليهود حيث قالوا ان الله لايقضى يو مالسبت شيأ ففيها رد لهم وقوله كل ظرف لما دل عليه { هو فى شأن } اى يقلب الامور كل يوم او يحدثها كل يوم او نحوه كما فى بحر العلوم(14/458)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (30)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } مع مشاهدتكم لما ذكر من احسانه وفى بحر الحقائق يشير الى تجلى الحق فى كل زمن فرد ونفس فرد على حسب المتجلى له واستعداده ولا نهاية للتجليات { فبأى آلاى ربكما تكذبان } من تجلى الحق بصور مطلوبكم وايجاده من كتم العدم ووجود محبوبكم
كل يوم فى شأن جه شانست بدو ... هرزمان جلوه ديكر شود از برده عيان
جلوه حسن ترا غايت وبايانى نيست ... يعنى اوصاف كمال تواندرد بايان
قال البقلى يسأله من فى السموات من الملائكة كلهم على قدر مقاماتهم يسأله الخائف النجاة من العبد والحجاب ويسأله الراجى الوصول الى محل الفرح ويسأله المطيع قوة عابدته وثواب طاعته ويسأله المحب أن يصل اليه ويسأله المشتاق أن يراه ويسأله العاشق أن يقرب منه ويسأله العارف أن يعرفه بمزيد المعرفة ويسأله الموحد أن يفنى فيه ويستغرق فى بحر شهوده ويسأله الجاهل علم مايحجبه عنه ويسأله العالم ويعرفه به وكذا كل قوم على قدر مراتبهم ودرجاتهم وهو تعالى فى { كل يوم هو فى شأن } والشان الحال والامر العظيم(14/459)
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32)
{ سنفرغ لكم } اى سنتجرد لحسابكم وجزآئكم وذلك يوم القيامة عن انتهاء شؤون الخلق المشار اليه بقوله تعالى { كل يوم هو فى شأن } فلا يبقى حينئذ الا شأن واحد هو الجزآء فعبر عنه بالفراغ لهم على المجاز المرسلفان الفراغ يلزمه التجرد والا فليس المراد الفراغ من الشغل لانه تعالى لايشغله شأن عن شأن وقيل هو مستعار من قول المهدد لصاحبه سأفرغ لك اى سأتجرد للايقاع بك من كل مايشغلنى عنه والمراد التوفر على النكاية فيه والانتقام منه فالخطاب للمجرمين منهما بخلافه على الاول { آيه الثقلان } قال الراغب الثقل والخفة متقابلان وكل مايترجح على مايوزن به او يقدر به يقال هو ثقيل واصله فى الاجسام ثم يقال فى المعانى اثقله الغرم والوزر انتهى والمراد هنا الانس والجن سيما بذلك لانهما ثقلا الارض يعنى انهما شبها بثقلى الدابة وفى حواشى ابن الشيخ شبه الارض بالحمولة التى تحمل الاثقال والانس والجن جعلا اثقالا محمولة عليها وجعل ماسواهما كالعلاوة او لرزانة آرآئهما او لانهما مثقلان بالتكليف او لعظم قدرهما فى الارض كما فى الحديث « انى خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتى » وقال الصادق رضى الله عنه سيما ثقلين لانهما يثقلان بالذنوب او لما فيها من الثقل وهو عين تأخرهما بالوجود لان من عادة الثقيل الابطاء كما ان من عادة الخفيف الاسراع والانس اثقل من الجن للركن الا غلب عليهم { فبأى آلاى ربكما } التى من جملتها التنبيه على ماسيلقونه يوم القيامة للتحذير عما يؤدى الى سواء الحساب { تكذبان } بأقوالكما واعمالكما قال فى كشف الاسرار عمل ان بعض هذه السورة ذكر فيه الشدآئد والعذاب والنار والنعمة فيها من وجهين احدهما فى صرفها عن المؤمنين الى الكفار وتلك النعمة عظيمة تقتضى شكرا عظيما والثانى ان التخويف منها والتنبيه عليها نعمة عظيمة لان اجتهاد الانسان رهبة ما يؤلمه اكثر من اجتهاده رغبة فيما ينعمه(14/460)
يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33)
{ يامعشر الجن والانس } هما الثقلان خوطبا باسم جنسهما لزيادة التقرير ولان الجن مشهورون بالقدرة على الافاعيل الشاقة فخوطبوا بما ينبىء عن ذلك لبيان أن قدرتهم لا تفى بما كلفوه والمشعر الجماعة العظيمة سميت به لبلوغه غاية الكثرة فان العشر هو العدد الكامل الكثير الذى لا عدد بعده الا بتركيبة بما فيه من الآحاد تقول احد عشر واثنا عشر وعشرون وثلاثون اى انتثا عشرات وثلاث عشرات فاذا قيل معشر فكأنه قيل محل العشر الذى هو الكثرة الكاملة وقدم الجن على الانس فى هذه الآية لتقدم خلقه والانس على الجن فى قوله تعالى { لئن اجتمعت الانس والجن } لفضله فان التقديم يقتضى الافضلية قال ابن الشيخ لما بين الله تعالى انه سيجيىء وقت يتجدر فيه لمحاسبتهم ومجازاتهم وهددهم بما يدل على شدة اهتمامه بها كان مظنة ان يقال فلم ذلك مع ماله من كمال الاهتمام به فأشار الى جوابه بما محصوله انهم جميعا فى قبضة قدرته وتصرفه لايفوثه منهم احد فلم يتحقق باعث يبعثه على الاستعجال لان مايبعث المستعجل انماهو خوف الفوت وحيث لم يخف ذلك قسم الدهر كله الى قسمين احدهما مدة ايام الدنيا والآخر يوم القيامة وجعل المدة الاولى ايام التكليف والابتلاء والمدة الثانية للحساب والجزآء وجعل كل واحدة من الدارين محل الرزايا والمصائب ومنبع البلايا والنوآئب ولم يجعل لواحد من الثقلين سبيلا للفرار منهما والهرب مما قضاه فيهما فقوله { يامعشر الجن } متعل قوله { سنفرغ لكم } فكانا بمنزلة كلا واحد { ان استطعتم } لم يقل ان استطعتما لان كل واحد منهما فريق كقولهم فاذا هم فريقان يختصمون اى كل فريق منهم يختصم فجمع الضمير هنا نظرا الى معنى الثقلين وثناه فى قوله { يرسل عليكما } كما سيأتى نظرا الى اللفظ اى ان قدرتم على { أن تنفذوا من اقطار السموات والارض } قال فى القاموس النفاذ جواز الشىء عن الشىء والخلوص منه كالنفوذ ومخالطة السهم جوف الرمية وخروج طرفه من الشق الآخر وسائره فيه كالنفذ ونفذهم جازهم وتخلفهم كأنفذهم والنافذ الماضى فى جميع اموره انتهى والاقطار جمع قطر بالضم وهو الجانب والمعنى أن تخرجوا من جوانب السموات والارض هاربين من الله فارين من قضائه { فانفذوا } فاخرجوا من منها وخلصوا انفسكم من عقابى وهو مر تعجيز ولمراد انهم لايفوتونه ولا يعجزونه حتى لايقدر عليهم { لاتنفذون } لاتقدرون على النفوذ { الا بسلطان } اى بقوة وقهر وانتم من ذلك بمعزل بعيد ( روى ) ان الملائكة تنزل فتحيط بجميع الخلائق فيهرب الانس والجن فلا يأتون وجها الا وجدوا الملائكة احاطت به فتقول لهم الملائكة ذلك فكما لايقدر احد على الفرار يوم القايمة كذلك لايقدر فى الدنيا فيدركه الموت والقضاء لامحالة(14/461)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } اى من لتنبيه والتحذير والمساهلة والعفو مع كمال القدرة على العقوبة(14/462)
يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35)
{ يرسل عليكم شواظ } هو لهب خالص لادخان فيه او دخان النار وحرها كما فى القاموس قال سعدى المفتى والله اعلم انها استئناف جوابا عن سؤال الداعى الى الهرب والفرار وان ذلك حين يساق الى المحشر كما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما اى يرسل عليكما لهب بلا دخان ليسوقكم الى المحشر { من نار } متعلق بيرسل والتنوين فيهما للتفخيم { ونحاس } اى دخان او صفر مذاب يصب على رؤسهم وفى المفردات النحاس اللهب بلاد دخان وذلك تشببه فى اللون بالنحاس وفى القاموس النحاس مثلثة عن ابى العباس الككواشى القطر والنار وما سقط من شرار الصفر او الحديد اذا طرق { فلا تنتصران } اى لاتمنعان من ذلك العذاب(14/463)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } من بيان عاقبة الكفر والمعاصى والتحذير عنها فانها لطف ونعمة واى لطف ونعمة(14/464)
فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37)
{ فاذا انشقت السماء } اى انصدعت يوم القيامة وانفك بعضها من بعض لقيام الساعة او انفرجت فصارت ابوابا لنزول الملائكة كقوله تعالى { ويوم تشقق السماء بالغمام } { ونزل الملائكة تنزيلا } وفى الخبر « من نار جهنم اذا كشف عنها » { فكانت وردة } كوردة حمرآء فى اللون وهى الزهرة المعروفة التى تشم والغالب على الورد الحمرة قال
ولو كنت وردا لونه لعشقتنى ... ولكن ربى شاننى بسواديا
وقيل لأن اصل لون السماء لحمرة و انما ترى زرقاء للعبد والحوآئل ولان لون النار اذا خالط الارزق كساه حمرة { كالدهان } خبر ثان لكانت اى كدهن الزيت فكانت فى حمرة الوردة وفى جريان الدهن اى تذوب وتجرى كذوبان الدهن وجريه فتصير حمرآء من جرارة جهنم وتصير مثل الدهن فى رقته وذوبانه وهو اما جمع دهن او اسم لما يدهن به كالادام لما يؤتدم به وجواب اذا محذوف اى يكون من الاحوال والاهوال مالا يحيط به دآئرة المقال قال سعدى المفتى ناصب اذا محذوف اى كان ماكان من الامر الهائل الذى لايحيط به نطاق العبارة او رأيت امرا عظيما هائلا وبهذا الاعتبار تتسبب هذه الجملة عما قبهلا لان ارسال الشواظ يكون سببا لحدوث الامر الهائل او ريؤتهم فى ذلك الوقت(14/465)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } مع عظم شأنها(14/466)
فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39)
{ فيومئذ } اى يوم اذا انشقت السماء حسب ماذكر { لايسأل عن ذنبه انس ولا جان } لانهم يعرفون بسيماهم فلا يحتاج فى تمييز المذنب عن غيره الى ان يسأل عن ذنبه ان أراد أحد أن يطلع على أحوال أهل المحشر وذلك اول مايخرجون من القبور ويحشرون الى الموقف فوجا فوجا على اختلاف مراتبهم واما قوله { فوربك لنسألنهم أجمعين } ونحوه ففى موقف المناقشة والحساب وعن ابن عباس رضى الله عنهما لايسألهم هل عملتم كذا وكذا فانه أعلم بذلك منهم ولكن يسألهم لم عملتم كذا وكذا وعنه ايضا ويسألون سؤال شفاء وراحة واما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ وضمير ذنبه للانس لتقدمه رتبة وافراده لما أن المراد فرد من الانس كأنه قيل لايسأل عن ذنبه انسى ولا جنى وأراد بالجان الجن كما يقال تميم ويراد ولده(14/467)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (40)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } مع كثرة منافعها فان الاخبار بما ذكر مما يزجركم عن الشر المؤدى اليه وفيه اشارة الى شعاشع انوار الطاعة والعبادة على صفحات وجنات انس الروح والى تراكم ظلمات المعصية والمتمرد وسلاسل الطغيان واغلال العصيان على صفحات وجوه جن النفس المظلمة واعناقهم فى هذا اليوم ومما انتقم من عباده المتمردين فى ذلك اليوم فان الانتقام من لاعدآء نعمة على الاحباب ولذا ورد الحمد عقيبه كما قال تعالى { فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين } وكمال الانتقام بافناء اوصاف النفس الامارة بالكلية(14/468)
يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41)
{ يعرف المجرمون بسيماهم } السيما والسيماء باسكر والقصر والمد العلامة والجملة استئناف يجرى مجرى التعليل لعدم السؤال قيل يعرفون بسواد الوجوه وزرقة العيون وقيل بما يعلوهم من الكآبة والحزن كما يعرف الصالحون باضداد ذلك { فيؤخذ بالنواصى والاقدام } النواصى جمع ناصية وهى مقدم الرأس والمراد هنا شعرها والجار والمجرور هو القائم مقام الفاعل يقال أخذه اذا كان المأخوذ مقصودا بالأخذ ومه قوله تعالى { خذوا حذركم } ونحوه وأخذ به اذا كان المأخوذ شيأ من ملابسات المقصود بالاخذ ومنه قوله تعالى { لاتأخذ بلحيتى ولا برأسى } وقول المستغيث خذ بيدى أخذ الله بيدك المعنى تأخذ الملائكة بنواصيهم اى بشعور مقدم رؤسهم واقدامهم فيفذفونهم فى النار او تسحبهم الملائكة الى النار تارة وتأخذ بالنواصى وتجرهم على وجوههم او يجمع بين نواصيهم واقدامهم فى سلسة من ورآء ظهورهم(14/469)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (42)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } من المواعظ والزواجر(14/470)
هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43)
{ هذه جهنم التى يكذب بها المجرمون } على ارادة القول اى يقال لهم ذلك بطريق التوبيخ(14/471)
يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44)
{ يطوف بينهما } اى يدرون بين النار يحرقون بها { وبين حميم آن } اى ماء بالغ من الحرارة اقصاها يصب علهيم او يسقون منه اى يطوفون من النار الى الحميم ومن الحميم الى النار دهشا وعطشا ابدا من أنى يأنى فهو آن مثل قضى يقضى فهو قاض اذا انتهى فى الحرو الفيح قال ابو الليث يسلط عليهم الجوع فيؤتى بهم الى الزقوم الذى طلعها كرؤس الشياطين فأكلوا منها فأخذت فى حلقوهم فاستغاثوا بالماء فأوتوا به من الحميم فاذا قربوه الى وجوههم تناثر لحم وجوههم ويشربون فتغلى اجوافهم ويخرج جميع مافيها ثم يلقى عليهم الجوع فمرة يذهب بهم الى الحميم ومرة الى الزقوم وقال كعب الاحبار ان ودايا ن اودية جنهم يجتمع فيه صديد أهل النار فينطلق بهم فى الاغلال فيغمسون فيه حتى تنخلع اوصالهم ثم يخرجون منه وقد أحدث الله لهم خلقا جديدا فيلقون فى النار(14/472)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (45)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } وق أشير الى سر كون بيان امثال هذه الامور من قبيل الآلاء مرارا فالآلاء فى امثالها حكاياتها فقط للانزجار مما يؤدى الابتلاء بها من الكفر والمعاصى بخلاف مافصل فى اول السورة الى قوله { كل يوم } الخ فانها نعم واصلة البهم فى الدنيا وكذلك حكاياتها من حيث ايجابها للشكر والمثابرة على مايؤدى الى استدامتها وفى الآية اشارة الى الكاسبين بقدم مخالفة الشرع وموافقة الطبع الصفات الذميمة واخلاق الرذيلة وهم يطوفون بين نار المخالفات الشرعية والموافقات الطبيعية وبين حميم الجهل فانه لايقطع العطش ولا يروى الظمئان وانما ينفع للانسان فى الدنيا والآخرة العلم القطعى والكشف الصحيح ألا ترى الى علوم أهل الجدل فانها فى حكم الجهل لان أهلها منغمسون فى الشهوات واللذات مستغرقون فى الاوهام والخيالات ولما نبه الله الامام الغزالى رحمه الله وأيقظه ونظر فاذا علومه التى صرف شطرا من عمره فى تعلمها وتعليمها لا تنقذه فى الآخرة رجع الى كتب الصوفية فتيقن انه ليس أنفع من علومهم لكون معاملاتها ذات الله وصفاته وافعاله وحقائق القرءآن واسراره فترك التدريس ببغداد وخرج الى طلب أهل تلك العلوم حتى يكون منها على ذوق بسبب صحبتهم فوفقه الله فكان من امره ما كان وقد قال ابو يزيد البسطامى قدس سره أخذتم علمكم ميتا عن ميت وأخذنا علمنا عن الحى الذى لايموت وقال الامام فخرالدين للشيخ نجم الدين قدس سره بم عرفت ربك قال بواردات ترد على القلوب فتعجز النفوس فى تكذيبها فالنفس كجهنم فيها نار الشوات وحميم الجهالات فمن زكاها فى الدنيا عن اوصفاها نجا يوم القيامة من الاحتراق والافتراق نعوذ بالله من سوء الحال وسيئات الاعمال وقبائح الاحوال
نمى تازد اين نفس سركش جنان ... كه عقلش تواند كرفتن عنان
كه با نفس وشيطان برآيد بزور ... مصلف بلنكان نيايد زمور(14/473)
وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)
{ ولمن خاف مقام ربه } وبراى كسى كه بترسد ازايستادن بيش خداى تعالى وهو شروع فى تعداد النعم الفائضة علهيم فى الآخرة بعد تعداد ماوصل اليهم فى الدنيا من الآلاء الدينية والدنيوية والمقام اسم مكان ومقامه تعالى موقفه الذين يقف فيه العباد للحساب كما قال { يوم يقوم الناس لرب العالمين } فالاضافة للاختصاص الملكى اذ لا ملك يومئذ الا الله تعالى قال فى عين المعانى نزلت فى أبى بكر رضى الله عنه حين شرب لبنا على ظمأ فأعجبه ثم أخبر أنه من غير حل فاستقاء فقال صلى الله عليه وسلم لما سمعه « رحمك الله لقد أنزلت فيك آية » ودخل فيه من يهم بالمعصية فيذكر الله فيدعها من مخافة الله { جنتان } جنة للخائف الانسى وجنة للخائف الجنى على طريق التوزيع فان الخطاب للفريقين والمعنى لكل خائفين منكما او لكل واحد جنة لعقيدته واخرى لعمله او جنة لفعل الطاعات واخرى لترك المعاصى او جنة يثاب بها وأخرى يتفضل بها عليه او روحانية وجسمانية وكذا ماجاء مثنى بعد وقال فى الموضح دوباغ دهد ايشانرا دربهشت كه يكى از ايشان صد ساله راه طول وعرض داشته باشد ودرميان هرباغ سراهاى خوش وحوران دلكش ، وقال الاستذا القشيرى رحمه الله جنة معجلة هى لذة المناجاة والتذذ بحقائق المشاهدات ومايراد على قلوبهم من صدقه الواردات وجنة مؤجلة وهى الموعودة فى الآخرة وفى بحر العلوم قيل جنة للخائف الانسى وجنة للخائف الجنى لان الخطاب للثقلين وفيه نظر لقوله عليه السلام « ان مؤمن الجن لهم ثواب وعليهم عقاب » وليسوا من أهل الجنة مع امة محمد هم على الاعراف حائط الجنة تجرى فيه الانهار وتنبت فيه الاشجار والثمار ، يقول الفقير قد سبق فى أوآخر الاحقاف ان المذهب ان الجن فى حكم بنى آدم وعقابا لانهم مكلفون مثلهم وان لم نعلم كيفية ثوابهم فارجع الى التفصيل فى تلك السورة(14/474)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } قال محمد بن الحسن رحمه الله بينا كنت نائما ذات ليلة اذا أنا بالباب يدق ويقرع فقلت انظروا من هو فقالوا رسول الخليفة يدعوك فخفت على روحى فقمت ومضيت اليه فلما دخلت عليه قال دعوتك فى مسألة ان ام محمد يعنى زبيدة قلت لها انى امام العدل وامام العدل فى الجنة فقالت انك ظالم عاص قد شهدت لنفسك بالجنة فكذبت بذلك على الله تعالى وحرمت عليك فقلت له ياأمير المؤمنين اذا وقعت فى معصية فهل تخاف الله فى تلك الحال او بعدها فقال اى والله أخافه خوفا شديدا فقلت له أنا أشهد أن لك جنتين لاجنة واحدة قالت تعالى { ولمن خاف مقام ربه جنتان } فلاطفنى وأمرنى بالانصراف فما رجعت الى دارى رأيت البدر متبادرة الى قال بعضهم هو المقام الذى يقوم بين يدى ربه يوم القيامة عند كشف استور وظهور حقائق الامور وسكوت الكلى من الانبياء والاولياء لظهور القدرة والجبروت فلا بد من الخوف من القيام فى ذلك المقام الهائل ، مالك بن دينار كفته دلى كه دروخوف نه همجون خانه كه دروخداوند نه خانه كه درو خداوند نبود عنقريب آن خانه خراب شودو دلى كه درو خوف بودعلامتش آنست كه خاطر را از حرمت بركنودوا خلاق را مهذب كرداند واطراف بادب دارد ابو القاسم حيكم كفته كه ترس از خالق ديكر است وترس از مخلوق ديكر هركه از مخلوق ترسد ازوى بكريزد وهركه ازخالق ترسد باوى كريزد يقول الله تعالى { ففروا الى الله } ترس ازالله باشهوت ودينار نسازد هركه اسير شهوت كشت ترس ازدل وى رخت برداشت ودردست ديو افتاد تابهر درى كه ميخواهد او رامى كشت در آثار بيارندكه يحيى عليه السلام ابر ابليس ورسيده ودردست ابليس بندهاديد ازهر جنس وهررنك كفت اى شقى اين جه بندهاست كه دردست تومى بينم كفت اين انواع شهوات فرزند آدم است كه ايشانرا باين دربند آدم وبرمراد خويش مى دارم كفت يحيى راهيج جيز شناسى كه بآن دروى طمع كننى كفت نه مكريك جيزكه هركه كه طعام سير خورد كرانى طعام اورا ساعتى ازنماز وذكر الله مشغول دارد يحيى كفت ازخداى عز وجل بذيرفتم وباوى عهد بستم كه هركز طعام سير نخورم بزركى رابر سيدندكه خداى تعالى باندوه كنان وترسند كان جه خواهد كفت اكر اندوه براى اودارند ومحمل ترس از بهرا او كشند هنوز نفس ايشان منقطع نشده باشدكه جام رحيق بردستشان نهند بران نبشته كه ان لاتخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة
اندوه غريبان بسر آيد روزى ... دركار غريبان نظر آيد روزى
ترسند كانرا واندوه كنانرا جهار بهشت است دوبهشت سيمين ودو بهشت زرين ، كما قال عليه السلام(14/475)
« جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فهيما » وفى التأويلات النجمية يشير الى من يخاف مقام الشهود ابقاء على نفسه لان الشهود الحقيقى يفنى الشاهد عن شاهديته فى المشهود ويبقيه بالمشهود من آخر مراتب المشاهدة اذ لا لذة فى اوآئل المشاهدة واليه اشار عليه السلام بقوله « اللهم ازرقنا لذة النظر الى لقائك » وبهذا المعنى يقول لعائشة رضى الله عنها حين يغيب عن حسنه « كلمينى ياحميرآء » للتبليغ والارشاد وقوله { جنتان } اى جنه الفناء فى نعمة المشهود وجنة البقاء بالمشهود قوله { مقام ربه } اى مقام شهود ربه محذوف المضاف { فبأى آلاى ربكما تكذبان } من نعمة الفناء من الله ونعمة البقاء بالله(14/476)
ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48)
{ ذواتا أفنان } صفة لجنتان ومابينهما اعتراض وسط بينهما تنبيها على ان تكذيب كل من الموصوف والصفة موجب للانكار والتوبيخ وذواتا تثنية ذات بمعنى صابحة وفى تثنيتها لغتان الرد على الاصل فان اصلها ذوية لانها مؤنثة ذوى والتثنية على اللفظ أن يقال ذاتا والافنان جمع فن اى ذواتا انواع من الاشجار والثمار او جمع فنن وهو الغصن المستقيم طولا او الذى ينشعب من فروع الشجرة اى ذواتا اغصان متشعبة من فروع الشجرة وتخصيصها بالذكر لانها التى تورق وتثمر وتمد الظل وتجتننى منها الثمار يعنى ان فى الوصف تذكيرا لها على سبيل الكناية كأنه قيل ذواتا اوراق واثمار واظلال(14/477)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } وليس فيها شىء يقبل التكذيب(14/478)
فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50)
{ فيهما عينان تجريان } صفة اخرى لجنتان فصل بنيهما بقوله فبأى الخ مع انه لم يفصل به بين الصفات الكائنة من قبيل العذاب حيث قال { يرسل عليكم شواظ من نار ونحاس } مع ان ارسال النحاس غير ارسال الشواظ اى فى كل واحدة منهما عين من ماء غير آسن تجرى كيف يشاء صابحها من الاعالى والأسافل لما علم من وصف انهار الجنة لا من حذف المفعول وقيل تجريان من جبل من مسك عن ابن عباس والحسن رضى الله عنهم تجريان بالماء الزلال احداهما التسنيم والاخرى السلسبيل وقال ابو بكر الوراق رحمه الله فيهما عينان تجريان لمن كانت عيناه فى الدنيا تجريان من مخافة الى الله تعالى
بران ازدوسر جشمه ديده جوى ... ور آلا يشى دارى از خود بشوى
نريزد خدا آب روى كسى ... كه ريزد كناه آب جشمش بسى(14/479)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } وفيه اشارة الى أن فى جنة الفناء عينا يجرى فيها ماء الحياة وهى البقاء بعد الفناء وفى جنة البقاء عينا يجرى فيها ماء العلم والمعرفة والحكمة والبقاء بعد الفناء يستلزم أنواع المعارف والحكم واصناف الموآئد والنعم { فبأى آلاى ربكما تكذبان } يا اصحاب السكر والغيبة ويا ارباب الصحور والحضو كما فى التأويلات النجمية(14/480)
فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52)
{ فيهما من كل فاكهة زوجان } صنفان معهود وغريب لم يره احد ولم يسمع او رطب ويابس او حلو وحامض ويقال لونان وقيل فى المنظر دون المطعم وعن ابن عباس رضى الله عنهما مافى الدنيا حلوة ولا مرة الا وهى فى الجنة حتى الحنظل الا انه حلو وذلك لان مافى الجنة خلق من حلاوة الطاعات فلا يوجد فيها المر المخلوق من مرارة السيئات كزقوم جهنم ونحوه ولكون الجنة دار الجمال لايوجد فيها اللون الاسود ايضا لانه من آثار الجلال والجملة صفة اخرى لجنتان(14/481)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } اى من هذه النعم اللذيذة(14/482)
مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54)
{ متكئين } حال من الخائفين لان من خاف فى معنى الجمع والمعنى يحصل لهم جنتان متكئين اى جالسين جلسة الملوك جلوس راحة ودعة معتمدين { على فرش } جمع فراش بالكسر وهو مايفرش ويبسط ويستمهد للجلوس والنوم { بطائنها } جمع بطانة وهى بالكسر من الثوب خلاف ظهارته بالفارسية آستر { من استبرق } قرأ ورش عن نافع ورويس عن يعقوب من استبرق بحذف الالف وكسر النون لالقاء حركة الهمزة عليها والباقون باسكان النون وكسر الالف وقطعها والاستبرق ما غلظ من الديباج قيل هو استفعل من البريق وهو الاضاءة وقيل من البرقة وهو اجتماع الوان وجعل اسما فاعرب اعرابه وقد سبق شرحه فى الدخان والمعنى من ديباج ثخين وحيث كانت بطائنها كذلك فما ظنك بظهائرها يعنى ان الظهارة كانت أشرف وأعلى كما قال عليه السلام « لمناديل سعد بن معاذ فى الجنة احسن من هذه الحلة » فذكر المنديل دون غيره تنبيها بالأدنى على الأعلى وقيل ظهائرها من سندس او من نور او هو مما قال الله تعالى { فلا تعلم نفس لهم من قرة أعين } { وجنى الجنتين دان } جنى اسم بمعنى المجنى كالقبض بمعنى المقبوض لقول على رضى الله عنه
هذا جناى وخياره فيه ... وكل جان يده الى فيه
ودان من الدنو وهو القرب اصله دانو مثل غازو اى مايجتنى من اشجارها من الثمار قريب يناله القائم والقاعد والمضطجع وبالفارسية وميوه درختان آن دوبهشت نزديكست كه دست قائم وقاعد ومضطجع بدان رسد وقال وان شاء مضطجعا وقال قتادة لايرد بده بعد ولاشؤك ، وكفته اندكسانى كه تكيه دارند ومويه آروز كنند شاخ درخت سرفرو دارد وآن ميوه كه خواهد بدهان وى درآيد ، يقول الفقير ان البعد انما نشأ من كثافة الجسم ولا كثافة فى الجنة واهلها اجسام لطيفة نور انية فى صور الارواح وقد قال من قال ( مصرع ) بعد منزل نبود درسفر روحانى ، وايضا ان الطاعات فى الدنيا كانت فى مشيئة المطيع فثمراتها اياض فى الجنة تكون كذلك فيتناولها بلا مشقة بل لاتناول اصلا فان سهولة التناول تصوير لسهولة الاكل فتلك الثمار تقع فى الفم بلا اخذ على ماقال البعض(14/483)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } من هذه الآلاء اللذيذة الباقية(14/484)
فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56)
{ فيهن } اى فى الجنان المدلول عليها بقوله { جنتان } الما عرفت انهما لكل خائفين من الثقلين او لكل خائف حسب تعدد عمله وقد اعتبر الجمعية فى قوله { متكئين } { قاصرات الطرف } من اضافة اسم الفاعل الى منوصبه تخففا او متعلق القصر وهو على ازواجهن محذوف لعلم به والمعنى نساء يقصرن ابصارهن على ازواجهن لاينظرن الى غيرهم وتقول كل منهم لزوجها وعزة ربى ماأرى فى الجنة شيأ أحسن منك فالحمد لله الذى جعلك زوجى وجعلنى زوجك وقصر الطرف ايضا من الحياء والغنج ، وجون قصر الطرف برمعناى حيا وعنج بود معنى قاصرات الطرف آنست كه كنير كان بهشتى نازنينان اند ازناز فروشكسته جشمان اند ، وقد يقال المعنى قاصرات طرف غيرهن عليهن اى اذا رآهن أجد لم يتجاوز طرفه الى غيرهن لكمال حسنهن { لم يمطثهن انس قبله ولا جان } الجملة صفة لقاصرات الطرف لان اضافتها لفظية يقال طمث المرأة من باب ضرب اذا افتضها بالتدمية اى أخذ بكارتها فالطمث الجماع المؤدى الى خروج دم البكر ثم اطلق على كل جماع طمث وان لم يكتب معه دم وفى القاموس الطمث المس والمعنى لم يسم الانسيات أحد من الانس والا الجنيات أحد من الجن قبل ازاجهن المدلول عليهم بقاصرات الطرف يعنى حوران كه براى انس مقرر اند دست آدمى بدامن ايشان نرسيده باشد وآنانكه براى جن مقرر اند جن نيز درايشان تصرف نكرده باشد ، فهن كالرياض الانف وهى التى لم ترعها الدواب قط وفيه ترغيب لتحصيلهن اذ الرغبة للابكار فوق الرغبة للثيبات ودليل على ان الجن من أهل الجنة وانهم يطمثون كما يطمث الانس فان مقام الامتنان يقتضى ذلك اذ لو لم يطمثوا كمن قبلهم لم يحصل لهم الامتنان به ولكن ليس لهم ماء كماء الانسان بل لهم هوآء بدل الماء وبه يحصل العلوق فى ارحام اناثهم كما فى الفتوحات المكية وهذا يستدعى أن لاتصح المناكحة بين الانس والجن وكذا العكس وقد ذهب الى صحتها جم غفير من العلماء منهم صاحب آكام المرجان واما قول ابن عباس رضى الله عنهما المخنثون اولاد الجن لان الله ورسوله نهيا أن يأتى الرجل امرأته وهى حائض فاذا أتاها سبقه اليها الشيطان فحملت فجاءت بالمخنث وكذا قول مجاهد اذا جامع الرجل ولم يسم انطوى الجان على احليله فجامع معه فلا يدل دلالة قطعية على أن جماعهم كجماع الانس وان من جماعهم الانس يحصل العلوق بل فيه دلالة على شركة الجن معه بسبب الحيض وعدم التسمية كشركة الشيطان فى الطعام الذى لم يسم عليه ونحو فهوه افساد بالخاصية واضرار بما يليق بمقامه والعلم عند الله تعالى ثم ان هؤلاء اى قاصرات من حور الجنة المخلوقات فيها مايبتذلن ولم يمسسن أحد سوآءكن فى الدنيا { ثيبات وابكارا }(14/485)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } من هذه النعم التى هى لتمتع نفوسكم وفيه اشارة شالى أن فى الجنات للفانين فى الله الباقين به حورا من التجليات الذاتية والمعارف الالهية والحكم الربانية مستورات عن عيون الاغيار لايتبرجن ولا يظهرن على غير اربابهن لم يطلع عليهن انس الروح ولا جان النفس لبقائهم بهم وظلمة نفسهم وكثافة طينتهم(14/486)
كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58)
{ كأنهن الياقوت والمرجان } صفة لقاصرات الطرف قد سبق بيان المرجان واما الياقوت فهو حجر صلب شديد اليبس رزين صاف منه احمر وابيض وأصفر وأخضر وازرق وهو حجر لا تعمل فيه النار لقلة دهنيته ولا يثقب لغلظة رطوبته ولا تعمل فيه المبارد لصلابته بل يزداد حسنا على مر الليالى والايام وهو عزيز قليل الوجود سيما الاحمر وبعده الاصفرا صبر على النار من سائر اصنافه واما الأخضر منه فلا صبر له على النار اصلا وفى الطلب اجود اليواقيت واغلاها قيمة الياقوت الرمانى وهو الذى يشا به النار فى لونه ومن تختم بهذه الاصناف أمن من الطاعون وان عم الناس وأمن ايضا من اصابه الصاعقة والغرق ومن حمل شيأ منها او تختم به كان معظما عند الناس وجيها عند الملوك واكل معجون الياقوت يدفع ضرر السم ويزيد فى القوة ومعنى الآية مشبهات باليقاوت فى حمرة الوجنة والمرجان اى صغار الدر فى بياض البشرة وصفائها فان صغار الدر انصع بياضا من كباره وقال قتادة فى صفاء اليقاوت وبياض المرجان ( روى ) عن أبى سعيد فى صفة أهل الجنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم « لكل رجل منهم زوجتان على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ سوقهن دون لحمها ودمها وجلدها » وعنه عليه السلام « اول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين على اثرهم كأشد كوكب اضاءة قلوبهم على قلب رجل واحد لاختلاف بينهم ولا تباغض لكل امرىء منهم زوجتان كل واحدة منهما يرى مخ ساقها من ورآء لحمها من الحسن يسبحون الله بكرة وعيشا لايسقمون ولايمتخطون ولا يبصقون آنيتهم الذهب والفضة وامشاطهم الذهب ووجور مجامرهم الالوة وربحهم المسك » وعنه عليه السلام « ان المرأة من اهل الجنة ليرى بياض ساقها من ورآء سبعين حلة من حرير ومخها » ان الله قالت { كأنهن الياقوت والمرجان } فاما الياقوت فانه حجر لو ادخلت فيه سلكا ثم استصفيته لرأيته من ورآئه « وقال عمر وبن ميمون ان المرأة من الحور العين لتلبس سبعين حلة فيرى مخ ساقها من قدامها كما يرى الشارب الاحمر فى الزجاجة اليضاء(14/487)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } من النعم المتعلقة بالنظر والتمتع وفيه اشارة الى ان هذه الحورآء العرفانية والحسناء الاحسانية ياقوت تجليات البسط والانشراح ومرجان الابيض { فبأى آلاى ربكما تكذبان } ابا لمشبه ام بالمشبة به(14/488)
هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)
{ هل جزآء الاحسان الا الاحسان } هل يجيىء على اربعة اوجه الاول بمعنى قد كقوله تعالى { هل آتى } والثانى بمعنى الامر كقوله تعالى { فهل انتم منتهون } اى فانتهوا والثالث بمعنى الاستفهام كقوله تعالى { فهل وجدتم ماوعد ربكم حقا } والرابع بمعنى ما الجحد كما فى هذه الآية اى ماجزآء الاحسان فى العمل الا الاحسان فى الثواب وعن انس رضى الله عنه انه قال قرأ رسول الله عليه السلام هلا جزآء الخ ثم قال « هل تدرون ماقال ربكم » قالوا الله ورسوله اعلم قال « يقوله هل جزآء من انعمت عليه بمعرفتى وتوحيدى الا أن اسكنه جنتى وحظيرة قدسى برحمتى » ( قال الكشافى ) حاصل آيت آنست جزاى نيكى نيكست بس جزا دهند طاعات را درجات ومكافات كنند شكرها بزياده ونفوس را بفرح وتوبه را بقبول ودعارا باجابت وسؤال بعطا واستغفاررا بمغفرت وخوف دنيارا بأمن آخرت وجزاء فنا فى الله بقا بالله
هركه درراه محبت شدفنا ... يافت از بحر لقا در بقا
هر كرا شمشير شوقش سربريد ... ميوه وصل ازدرخت شوق جيد
فغاية الاحسان من العبد الفناء فى الله وموالمولى اعطاء الوجود الحقانى اياه فعليك بالاحسان كل آن وحين فان الله لايضيع اجر المحسنين ( حكى ) ان ذا النون المصرى قدس سره رأى عجوزا كافرة تنفق الحبوب للطيور وقت الشتاء فقال انه لايقبل من الجنبى فقالت افعل قبل او لم يقبل ثم انه رأها فى حرم الكعبة فقالت ياذ النون احسن الى نعمة الاسلام بقبضة من الحبة ( رورى ) ان مخلوقا مهيبا اعترض فى طريق الحج فمنع القافلة عن المرور فقال بعضهم لعله عطشان فأخذ بيد سيفا وبيد قربة ماء حتى دنا اليه فصب فى فمه قربة الماء حتى ارتوى وغاب ثم انه نام فى الرجوع من الحج فلما استيقظ رأى القافلة قد ذهبت فبقى وحيدا فى البرية وفى تلك الحيرة جاءه رجل معه راحلة وأمره بالقيام فركبها حتى لحق الحجاج فأقسم عليه من هو فقال أنا الذى رفعت عطشى بقربة الماء ( وروى ) ان أمرأة أعطت لقمة للسائل فاخذ ذئب ولدها فى الصحرآء فظهر شخص فأخرجه من فم الذهب واعطاها اياه وقال هذه اللقمة بتلك اللقمة قال الحسن الاحسان أن يعم ولايخص فيكون كالمطر والريح والشمس والقمر قال بعض اهل التحقيق الجنة جزاء الاعمال واما جزاء التوحيد فرؤية الملك المتعال فذكر الله تعالى احسن صنوف الاحسان ( يروى ) ان العبد اذا قال لا اله الا الله أتت اى هذه الكلمة الى صحيفته فلا تمر على خطيئة الا محتها حتى تجد حسنة مثلها فتجلس الى جنبها وعن أبى ذر رضى الله عنه قال يارسول الله دلنىعلى عمل يدخلنى الجنة ويباعدنى عن النار فقال عليه السلام « اذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة فانها بعشر امثالها » فقال يارسول الله لا اله الا الله من الحسنات فقال عليه السلام « هى احسن الحسنات » ويكفى فى شرف التوحيدان الايمان الذى هو اصل الطاعات وتنوير القلب الذى هو محل انظر الحق وتصفية الباطن من اكدار السوى انما يصحل به(14/489)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } منه نعمه الواصلة فى الدنيا والآخرة(14/490)
وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62)
{ ومن دونهما جنتان } مبتدأ وخبر اى ومن دون تينك الجنتين الموعودتين للخائفين المقربين جنتان أخريان لم دونهم من اصحابه اليمين فالخائفون قسمان المقربون واصحاب اليمين وهم دون المقربين بحسب الفضائل العلمية والعملية فدون بمعنى الادنى مرتبة ومنزلة لا بمعنى غير فالجنتان الاوليان افضل من الاخريين كفضل المقربين على الابرار وقيل ليس دون من الدناءة بل من الدنو وهو القرب اى ومن دون هاتين الجنتين الى العرش اى اقرب اليه وارفع منهما وحمله بعض المفسرين على ومعنى الغير ( كما قال الكشافى ) ويجزاين بوستان كه مذكورشد دوبوستان ديكرست وكفته اندد وبوستان اول اززرست براى سابقان واين دو بوستان ازنقره براى اصحاب يمين ، واطلقهما صاحب كشف الاسرار حيث قال من دون الجنتين الاوليين جننتان أخريان جنتان من فضة آنيتهما ومافيهما وجنتان من ذهب آنيتهما ومافيهما ولكل رجل وامرأة من اهل الجنة جنتان احداهما جزاء عمله والاخرى ورثوها عن الكفار وقيل لكل وا حد منهم اربع جنان فى الجهات الاربع ليضاعف له السور بالتنقل من جنة الى جنة ويكون امتع لانه ابعد من الملل فيما طبع عليه البشر وجلمة معانى من دونهما فوقهما او من دون صفتيهما او من دونهما فى الدرج او امامهما او قبلهما ( وفلاة من دونها سفرطا ، ل وميل يفضى الى اميال ) ويؤيد معنى الادنى مرتبة قول اشيخ نجم الدين فى تأويلاته يشير الى جنتى الابرار القائمين بالاعمال الصحيحة والاقوال المستقيمة الناظرين الى المراتب السنية الطالبين للمراتب والمقامات العلية ان لهم جنتين ومن دون جنتى المذكورين اعنى الفانين عن ناسوتيتهم والباقين بلا هويته(14/491)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } مما ذكر من الجنتين(14/492)
مُدْهَامَّتَانِ (64)
{ مدهامتان } صفة لجنتان يقال ادهام الشىء يدهام ادهيما ما فهو مدهمام اسود وفى تاج المصادر فى باب الافعيلال الادهيمام سياه شدن لان الدهمة بالضم السواد والادهم الاسود ومنه قوله تعالى { مدهامتان } اسى سوداوان يعنى علالونها دهمة وسواد من شدة الخضرة والرى وان شئت قلت خضرا وان تضربان الى السواد من شدة الخضرة وبالفارسية دوبهشت سبز از بسيارى سبزى بسياهى رسيده والنظر الى الخضرة يجلو البصر كما قال عليه السلام « ثلاث يجلون البصر النظر الى الخضرة والى الماء الجارى والى الوجه الحسن » قال ابن عباس رضى الله عنهما والاثمد عند النوم وهو الكحل الاسود واجوده الاصفهانى وهو بارد يابس ينفع العين اكتحالا ويقوى اعصابها ويمنع عنها كثيرا من الآفات والاوجاع سيما الشيوخ والعجائز وان جعل معه شىء من المسك كان غاية فى النفع وينفع من حرق النار طلاء مع الشحن ويقطع التنزف ويمنع الرعاف اذا ان من اغشية الدماغ وفى الحديث « خيرا كحالكم الاثمد ينبت الشعر ويجلو البصر » كما فى خريدة العجائب وفى قوله { مدهامتان } اشعار بأن الغالب على هاتين الجنتين النبات والرياحين المنبسطة على وجه الارض وعلى الاوليين الاشجار والفواكة ودل هذا على فضل الاوليين على الاخريين قال فى التأويلات النجمية يشير به الى غلكبة القوة النباتية على اصحاب هاتين الجنتين وهم اصحاب اليمين والى غلبة القوة الروحانية على اصحاب الجنتين الاوليين لان فيهما كثرة الاشجار والفواكة وهم المقربون(14/493)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } حيث تتمتع ابصاركم بخضرة نابتات هاتين الجنتين وتنتفع انوفكم بشم رياحينهما قال الفقهاء اذا قرأ فى الصلاة آية واحدة هى كلمة واحدة نحو قوله تعالى { مدهامتان } او حرف واحد واحد نحو ق و ص و ن فان كل حرف منها آية عند البعض فالاصح انه لايجزى عن فرض القرآءة لانه لايسمى قارئا لان القرآءة ضم الحروف والكلمات بعضها الى بعض فى الترتيل(14/494)
فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66)
{ فيهما عينان نضاختان } يقال نضخة كمنعه رشه ونضخ الماء اشتد فورانه من ينبوعه كما فى القاموس اى فوارتان بالماء لاتنقطعان وبالفارسية جوشنده بآب يعى هرجندازو بر دارند ديكر جوشد ، وهذا يدل ايضا على فضل الاوليين على الاخريين لانه تعالى قال فى الاوليين { عينان تجريان } وفى الاخريين { نضاختان } والنضخ دون الجرى لان النضخ هو الفوران وهو يتحقق بان يكون الماء بحيث كلما اخذ منه شىء فار آخر مكانه ولا يكفى هذا القدر فى جريانه فلا شك ان الجرى ابلغ منه وقال ابن عباس رضى الله عنهما نضاختان بالمسك والعنبر وقال الكلبى بالخير والبركة(14/495)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } حيث يحصل لكم الرى من شراب تينك العينين(14/496)
فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)
{ فيهما فاكهة ونخل ورمان } عطف الاخيرين على الفاكهة كعطف جبريل وميكائيل على الملائكة بيانا لفضلهما فان ثمرة النخل فاكهة وغذاء والرمان بالفارسية انار ، فاكهة ودواء يعنى بحسب حال الدنيا والافا لكل فى الجنة للتفكه ومن هذا قال ابو حنيفة رحمه الله من حلف لا يأكل فاكهة فأكل رمانا او رطبا لم يحنث خلافا لصاحبيه يعنى ان أبا حنيفة لايجعلهما من الفاكهة بخلاف صاحبيه وغيرهما فلا يحنت من حلف أن لا يأكل فاكهة فأكل تمرا او رمانا عنده وكذا الحكم عنده فى العنب ومن جعلهما من الفاكهة حملهما على التخصيص بذكرهما بيانا لفضلهما كما امر آنفا وقد سبق بيان النخل مفصلا قال ابن عباس رضى الله عنهما نخل الجنة جذوعها زمرد أخضر وكربها ذهب احمر وسعفها كوة لاهل الجنة منها مقطعاتهم وحللهم وثمرها امثال القلال والدلاء اشد بياضا من اللبن واحلى من العسل والين من الزبد ليس له عجم كلما نزعت ثمرة عادت مكانها اخرى وانهارها تجرى فى غير اخدود والرمان من الاشجار التى لا تقوى الا بالبلاد الجارة ( روى ) عن ابن عباس رضى الله عنهما مالقحت رمانة قبط الا بحبة من الجنة وقال الامام على رضى الله عنه اذا اكلتم الرمان فكلوه ببعض شحمه فانه دباغ للمعدة وما من حبة مه تقيم فى جوف مؤمن الا انارت قلبه واخرجت شيطان الوسوسة منه اربعين يوما وفى الحديث « من اكل رمانا انار الله قلبه اربعين يوما » ولا يخفى مافى جمع الرمان مع انار من اللطافة واجوده الكبار الحلو المليس وهو حار رطب يلين الصدر والحلق ويجلوا لمعدة وينفع من الخفقان ويزيد فى الباءة وقشره تهرب منه الهوام وفى التأويلات النجمية يشير الى ضعف استعداد اصحاب اليمين بالنسبة الى المقربين لان الرمان للدواء لا للتفكه وتهيئة الدواء فى البيت تدل على ضعف مزاج ساكن البيت(14/497)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } حيث هيأ لكم مابه تتلذذون من الفواكه(14/498)
فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70)
{ فيهن خيرات حسان } صفة اخرى لجنتان كالجملة التى قبلها والكلام فى جمع الضمير كالذىمر شفيما مر وخيرات مخففة من خيرات جمع خيرة لان خير الذى بمعنى اخير لايجمع فلا يقال فيه خيرون ولا خيرات ومعناها بالفارسية زنان بركزيده ، وقيل فى تفسير الخيرات اى لسن بدمرات ولا بخرات الدمر النتن والبخر بالتحريك النتن فى الفم والابط وغيرهما ولا متطلعات التطلع جشم داشتن ، وقولهم عافى الله من لم يتطلع فى فمك اى لم يتعقب كلامك ( ولا متشوفات ) التشوف خويشتن آراستن وجشم داشتن ، ويعدى بالى وفى القاموس شفته شوفا جلوته وشيفت الجارية تشاف زينت وتشوف تزين والى الخير تطلع ومن السطح تطاول ونظر وأشرف ( ولاذريات ) يقال ذرب كفرح ذربا وذرابة فهو ذرب حد والذرية بالكسر السليطة اللسان ( ولا سليطات ) السلط والسليط الشديد والطويل اللسان ( ولاطماحات ) يقال طمح بصره اليه كمنع ارتفع والمرأة طمحت فهى طامح وككتاب النشوز ( ولاطوافات فى الطرف ) اى دورات ( حسان ) جمع حسنة وحسناء اى حسان الخلق والخلق يعنى نيكو رويان ونيكو خويان ، وهن من الحور وقيل من المؤمنات الخيرات ويدل على الاول مابعد الآية وفى الحديث « لو أن امرأة من نساء اهل الجنة اطلعت على السموات والارض لاضاءت ما بينهما ولملأت مابينهما ريحا ولعصابتها على رأسها خير من الدنيا مافيها » وروى لو أن حورآء بزقت فى بحر لعذب ذلك البحر من عذوبة ريقها ( وروى انهن يقلن نحن الناعمات فلا نبأس ) يعنى ماييم بالعمت كه درويش نمى شويم ( الراضيات فلا تسخط ) يعنى ماييم راضى كه غضب نمى كنيم ( نحن الخالدات فلا نبيد ) يعنى ماييم جاويدكه هلاك نمى شويم ( طوبى لمن كناله وكان لنا ) وفى الأثر « اذا قلن هذه المقالة اجابتهن المؤمنات من نساء الدنيا نحن المصليات وماصليتن ونحن الصائمات وماصمتن ونحن المتصدقات وما تصدقتن فغلبنهن والله غلبنهن » وفيه بيان ان هاتين الجنتين دون الاوليين لانه تعالى قال فى الاوليين فى صفة الحور العين { كأنهن الياقوت والمرجان } وفى الاخريين { فيهن خيرات حسان } وليس كل حسن كحسن الياقوت والمرجان قال فى التأويلات النجمية { فيهن خيرات حسان } من المعاملات الفاضلات المكاشفات العاليات وهذا الوصف ايضا يدل على ان جنة المقربين افضل من جنة الابرار واصحاب اليمين لان ثمرة تلك الجنة الفناء والبقاء وثمرة هذه الجنة المعاملات وتحسين الاخلاق(14/499)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } وقد انعم عليكم بما به تستمعون من النساء(14/500)
حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)
{ حور } بدل من خيرات جمع حورآء وهى البيضاء ووصفت فى غير هذه الآية بالعين وهى جمع عيناء بمعنى عظيمة العين وقال بعضهم شديدة سواد العين يعنى سياه جشمان اند { مقصورات فى الخيام } قصرن فى خدورهن وحبسن ( قال الكاشفى ) ازجشمهاى بيكانكان نكاه داشته ودرخيمها بداشته ، وفيه اشارى لاى انهن لايظهرن لغير المحارم وان لم تكن الجنة دار التكليف وذلك لانهن من قبيل الاسرار وهى تصان عن الاغيار غيرة عليها يقال امرأة قصيرة وقصورة اى مخدرة مستورة لاتخرج ومقصورات الطرف على ازواجهن لايبغين بهم بدلا والاخيام جمع خيمة وهى للقبة المضروبة على الاعواد هكذا جمع خيام الدنيا وهى لاتشبه خيام الجنة الا بالاسم فانه قد قيل ان الخيمة من خيامهن درة مجوفة عرضها ستون ميلا فى كل زاوية منها اهلون مايرون الا حين يطوف عليهم المؤمنون وقال ابن مسعود لكل زوجة خيمة طولها ستون ميلا ، وكفته اند مراد خانهاست يعنى مستورات فى الحجال ، وحجلة خانه بود براى داماد وعروس ، قال فى القاموس الحجلة محركة كالقبة موضع يزين بالثياب والستور للعروس والجمع حجل وحجال قال البقلى رحمه الله وصف جوارى جنانه التى خلقهن لخدمة اوليائه وألبسهن لباس نوره وأجلسهن على سرير انسه فى حجال قدسه وضرب عليهن خيام الدر والياقوت ينتظرون ازواجهن من العارفين والمؤمنين المتقين لايصرفن ابصارهن فى انتظارهن عن مسلك الاولياء من ازواجهن الىغيره وفى الآية اشارة الى ان الاسماء تنقسم بالقسمة الاولى قسمين بعضها كونية اى لها مظاهر فى الكون وبعضها غير كونية اى ليس لها مظاهر فى الكون بال هى من المستأثرات الغيبية كما جاء فى دعاء النبى عليه السلام « اللهم انى اسألك بكل اسم سميت به نفسك أو أنزلته فى كتابك اوعلمته احد او استأثرت به فى علم غيبك المكنون » وقوله { حور مقصورات } يعنى ان من خصائص هاتين الجنتين ان فيهما معانى وحقائق ماظهرت مظاهرها فى هذا العالم بل بعد فى خيام الغيب المكنون فى جنة السر(15/1)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } وقد خلق من النعم ماهى مقصورة ومحبوسة لكم(15/2)
لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74)
{ لم يطمثهن انس قبله ولا جان } كالذى فى نظيره فى جميع الوجوه وقال بعضهم اى قبل اصحاب الجنتين دل عليهم ذكر الجنتين قال فى كشف الاسرار كرر ذلك زيارة فى التشويق وتأكيدا للرغبة وفيه انه ليس بتكرير لان الاول فى ازواج المقربين وهذا فى ازواج الابرار قال محمد بن كعب ان المؤمن يزوج ألف ثيب وألف بكر وألف حورآء(15/3)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } مع انها ليست كنعم الدنيا اذ قد تطمث المرأة فى الدنيا ثم يتزوجها آخر ثيبا فهن نعم باكورة فيالها من طيب وصالها ويالها من حسنها وبراعة جمالها لا قدر احد على حكايتها ولا يبلغ وصف الى نهايتها والعقول فيها حيارى والقلوب سكارى(15/4)
مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)
{ متكئين } حال صاحبه محذوف يلع على الضمير فى قبلهم { على رفرف } اما اسم جنس او اسم جمع واحده رفرفه قيل هو ماتدلى من الاسرة من عالى الثياب او ضرب من البسط او الوسائد قال فى المفردات الرفرف ضرب من الثياب مشبه بالرياض انتهى ومن معانى الرفرف الرياض وكان بساط انوشروان ستين ذراعا فى ستين ذراعا يبسط له فى ايوانه منظوما باللؤلؤ والجواهر الملونة على ألوان زهر الربيع وينشر اذا عدمت الزهور وفى القاموس الرفرف ثياب خضر تتخذ منها المحابس وتبسط وفضول المحابس والفرش وكل مافضل فثنى والفراش والرقيق من الديباج { خضر } نعت لرفرف جمع أخضر والخضرة احد الالوان بين البياض والسواد وهو الى السواد أقرب فلهذا اسمى الاسود أخضر والاخضر أسود { وعبقرى } عطف على رفرف والمراد الجنس ولذا وصف بالجمع وهو قوله { حسان } حملا على المعنى وهو جمع حسن والعبقرى منسوب الى عبقر تزعم العرب انه اسم بلد كثير الجن فينسبون اليه كل شىء عجيب وقال قطرب ليس هو من المنسوب بل هو بمنزلة كرسى وبختى قال فى القاموس عبقر موضع كثير الجن وقرية ثيابها فى غاية الحسن والعبقرى ضرب من البسط كالعباقرى انتهى وفى المفردات قيل هو موضع للجن ينسب اليه كل نادر من انسان وحيوان وثوب قال الله تعالى { وعبقرى حسان } وهو ضرب من الفرش جعله الله مثلا لفرش الجنة وفى التكملة عبقر اسم موضع يصنع فيه الوشى كانت العرب اذا رأت شيأ نسبته الىه فخاطبهم الله على عادتهم وفى فتح الرحمن العبقرى بسط حسان فيها صور وغير ذلك والعرب اذا استحسنت شيأ واستجادته قالت عبقرى قال ابن عطية ومنه قول النبى عليه السلام « رأيت عمر بن الخطاب فى المنام يستقى من بئر فلم أر عبقر يايفرى فريه » اى سيدا يعمل عمله وقيل عبقر اسم رجل كان بمكة يتخذ الزرابى ويجيدها فنسب اليه كل شىء جيد حسن وبالفارسية وبساطى قيمتى درغايت نيكويى قوله تعالى فى الاولين { متكئين على فرش بطائنها من استبرق } وترك ذكر الظهارة لرفعة شأنها وخروجها عن كونها مدركة بالعقول والافهام وفى الاخريين متكئين على رفرف خضر وعبقرى وبه يعلم تفاوت مابينها وقيل الاستبراق ديباج والعبقرى موشى والديباج اعلى من المواشى قال ابن الشيخ الرفرف فراش اذا استقر عليه الولى طار به من فرحه وشوقه اليه يمينا وشمالا وحيثما يريده الولى ( ورى ) فى حديث المعراج ان رسول الله عليه السلام لما بلغ سدرة المنتهى جاءه الرفرف فتناوله من جبريل وطار به الى سيد العرش فذكر عليه السلام « انه طار بى يخفضنى ويرفعنى حتى وقت بى على ربى ولما حان الانصراف تناوله فطار به حفضا ورفعا يهوى به حتى اداه الى جبريل » فالرفرف خادم بين يدى الله من جملة الخدم مختص بخواص الامور فى محل الدنو والقربة كما أن البراق دابة يركبها الانبياء مخصوصة بذلك فهذا الرفرف الذى سخره لاهل الجنتين هو متكأهم وفرشهم يرفرف بالولى ويطير به على حافات تلك الانهار وحيث يشاء من خيامه وازواجه وقصوره انتهى وهذا التقرير على تقدير أن يكون دون من الدنو ومعنى من دونهما ارفع منهما كما لايخفى ويدعل عليه ان الرفرف اعظم خضرة من الفرش المذكورة فى قوله { متكئين على فرش }(15/5)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77)
{ فبأى آلاى ربكما تكذبان } وقد هيا لكم ماتتكئون عله فتستريحون(15/6)
تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)
{ تبارك اسم ربك } تنزيه وتقديس له تعالى فيه تقرير لما ذكر فى السورة الكريمة من آلائه الفائضة على الانام اى تعالى اسمه الجليل الذى من جملته ماصدرت به السورة من اسم الرحمن المنبىء عن افاضة الآلاء المفصلة وارتفع عما يليق بشأنه من الامور التى من جملتها جحود نعمائه وتكذيبها واذا كان حال اسمه بملابسة دلالته عليه كذلك فما ظنك بذاته الاقدس الاعلى وقيل الاسم بمعنى الصفة وقيل مقحم مثل ثم اسم السلام عليكما اى ثم السلام عليكما قال فى فتح الرحمن وهذا الموضع مما أريد فيه بالاسم مسماه وفى التأويلات النجمية هذا يدل على ان الاسم هو المسمى لان المتعالى هو المسمى فى ذاته لا الاسم وان كان فتبعيته وكذا الموصوف بالقهر واللطف والجلال والاكرام هو المسمى فحسبه انتهى وفى الامالى وليس الاسم غيرا للمسمى وفى شرح الاسماء الحسنى للزروقى الصحيح ان الاسم غير المسمى ولا فى الصفة والموصوف ولا فى التلاوة والمتلو طلبا للسلامة وحذرا على الغير وهو { ذى الجلال والاكرام } وصف به الرب تكميلا لما ذكر من التنزيه والتقريرن كفته اند اول جيزى كه از قرءآن درمكه بقريش آشكارا خواندند بعض آيات ازأول اين سورة بود روايت كردند از عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه كفت صاحبه رسول عليه السلام مجتمع شدند كفتندتاين غايت مردم قريش از قرآن هيج نشنيدند درميان ماكيست كه ايشارنا قرأن شنواند آشكارا عبدالله بن مسعود كفت آنكس من باشم كه قرآن أشكارا برايشان خواتم اكرجه از ان رنج وكزند آيدبس بيامد ودر انجمن قريش بيستاد وابتداء سوره رحمن در كرفت والختى ازان آيات برخواند قريش جون آن بشنيدند ازسر غيظ وعداوت اورا زخمها كردند وريجانيدند بس جون بعض خوانده اورافار كذاشتند وبنزديك اصحاب باز كنشت ، صلى الله عليه وسلم اذا سلم من الصلاة لم يقعد الا مقدار ما يقول « اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والاكرام » كما فى كشف الاسرار قال الزرقى ذو الجلال والاكرام هو الذى له العظمة والكبرياء والافضال التام المطلق منعرف انه ذو الجلال والاكرام هابه لمكان الجلال وانس به لمكان الاكرام فكان بين خوف ورجاء وه اسم الله الاعظم وقال بعضهم اسماء الهل تعالى كهلا اعظم لدلالتها على العظيم فانه اذا عظم الذات والمسمى عظم الاسماء والصفات وانما الكلام فى ذكرها بالحضور والشهود والاستغراق فى بحر الجود وهو ذكر الكمل من افراد الانسان نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذاكرين له ظاهرا وباطنا اولا وآخرا(15/7)
إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1)
{ اذا وقعت الوقعة } انتصاب اذا بمضمر اى اذا قامت القيامة وحدثت وذلك عند النفنخة الثاينة يكون من الاهوال مالا يفى به المقال سماها واقعة مع ان دلالة اسم الفاعل على الحال والقيامة مما سيقع فى الاستقبال لتحقق وقوعها ولذا اختير اذا وصيغة الماضى فالواقعة من اسماء الله القيامة كالصاخة والطامة والآزفة(15/8)
لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2)
{ ليس لوقعتها كاذبة } قال الراغب يكنى عن الحرب بالوقعة وكل سقوط شديد يعبر عنه بذلك قال ابو الليث سميت القيامة الواقعة لصوتها والمعنى لايكون عند وقوعها نفس تكذب على الله وتفترى بالشريك والولد والصاحبة وبانه لايبعث الموتى لان كل نفس حنيئذ مؤمنة صادقة مصدقة واكثر النفوس اليوم كاذبة مكذبة فاللام للتوقيت والكاذبة اسم فاعل او ليس لاجل وقعتها او فى حقها كذب بل كل ماورد فى شأنها من الاخبار حق صادق لاريب فيه فاللام للتعليل والكاذبة مصدر كالعاقبة(15/9)
خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3)
{ خافضة } اى هى خافضة لاقوام { رافعة } لآخرين وهو تقرير لعظمتها على سبيل الكناية فان الوقائع العظام يرتفع فيها اناس الى مراتب ويتضع اناس وتقديم الحفض على الرفع للتشديد فى التهويل قال بعضهم خافضة لاعدآء الله الى النار رافعة لاولياء الله الى الجنته او تخفض اقواماً بالعدل وترفع اقواما بالفضل او تخفض اقواما بالدعاوى وترفع اقواما بالحقائق وعن ابن عباس رضى الله عنهما تخفض اقواما كانوا مرتفعين فى الدنيا وترفع اقواما كانوا متضعين فيها ، آن روز بلال درويش راض رضى الله عنه مى آرند باتاج وحلة ومركب بردابرد ميزنند ن بفردوس اعلى برند وخواجه اورا امية بن خلف با اغلال وانكال وسلاسل بروى مى كشند تابدرك اسفل برند آن طيلسان بوش منافق رابآتش مى برند وآن قبابسته مخلص رابه ببهشت مى فرستندان بير مباحاتى مبتدع را بآتش قهر مى سوزند ون جوان خراباتى معتقدرا برتخت بخت مى نشانند
بسابير مباحاتى كه بى مركب فروماند ... بسارند خراباتى كه زين بر شير نربندد(15/10)
إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4)
{ اذا رجت الارض رجا } الرج تحريك الشىء وازعاجه والرجرجة الاضطراب اى خافضة رافعة اذا حركت الارض تحريكا شديداً بحيث ينهدم مافوقها من بناء وجبل ولا تسكن زلزلتها حتى تلقى جميع مافى بطنها على ظهرها(15/11)
وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5)
{ وبست الجبال بسا } اى فتت حتى صارت مثل السويق الملتوت من بس السويق اذالته والبسيسة سويق يلت فيتخذ زاداٍ او سيقت وسيرت من اماكنها من بس الغنم اذا ساقها(15/12)
فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6)
{ فكانت } اى فصارت بسبب ذلك { هباء } اى غبار وهو مايسطع من سنابك الخيل او الذى يرى فى شعاع الكوة او الهباء ما يتطاير من شرر النار او ماذرته الريح من الاوراق { منبثا } اى منتشرا متفرقا وفى التفسيران الله تعالى يبعث ريحا من تحت الجنته فتحمل الارض والجبال وتضرب بعضها بعض ولا تزال كذلك حتى تصير عبارا ويسقط ذلك الغبار على وجوه الكفار كقوله تعالى { وجوه يومئذ عليها غبرة } وقال بعضهم ان هذه الغبرة هى التراب الذى اشار شاليه تعالى بقوله { ياليتنى كنت ترابا } وسيجيىء تحقيقه فى محله وفى الآية اشارة الى قيامة العارفين وهى قيامة العشق وسطوته وجذبة التوحيد وصدمته وهى تخفض القوى الجسمانية البشرية المقتضية لاحكام الكثرة وترفع القوى الروحانية الالهية المستدعية لانوار الوحدة وصرصر هذه القيامة اذا ضربت على ارض البشرية ومرت على جبال الانانية الانسانية جعلت تعينهما متلاشيا فانيا فى ذاتهما وصفاتهما لا اسم لهما ولا رسم ولا اثر ولا عين بل هباء منبثا لاحقيقة له فى الجود كسراب بقيعة يحسبه الظمئان ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيأ ووجد الله عنده واليه الاشاره بقولهم اذا اتم الفقر فهو اليه ولابد فى سلوك طريق الحق من ارشاد استاذ حاذق وتسليك شيخ كامل مكمل حتى تظهر حقيقة التوحيد بتغليب القوى الرحانية على القوى الجسمانية كا قال العارف الربانى ابو سعيد الخراز قدس سره حين سئل عن التوحيدان الملوك اذا دخلوا قرية افسدوها وجعلوا اعزة اهلها اذلة(15/13)
وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7)
{ وكنتم } اما خطاب للامة الحاضرة والامم السالفة تغليبا وللحاضرة فقط { ازواجا } اى اصنافا { ثلاثة } اثنان فى الجنة وواحد فى النار وكل صنف يكون مع صنف آخر فى الوجود او فى الذكر فهو زوج فردا كان او شفعا(15/14)
فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9)
{ فاصحاب الميمنة ماصحاب الميمنة واصحاب المشئمة ماأصحاب المشئمة } تقسيم للازواج الثلاثة فأصحاب الميمنة متبدأ خبره ماأصحاب الميمنة على ان ما الاستفهامية مبتدأ ثان مابعده خبره والاصل ماهم اى اى شىء هم فى حالهم وصفتهم والمراد تعجيب المسامع من شأن الفريقين فى الفخامة والفظاعة كأنه قيل ماعرفت حالهم اى شىء فاعرفها وتعجب منها فأصحاب الميمنة فى غاية حسن الحال واصحاب المشأمة فى نهاية سوء الحال نحو زيد وما زيد حيث لايقال الا فى موضع التعظيم والتعجب واصحاب الميمنة اصحاب المنزلة السنية واصحاب المشامة اصحاب المنزلة الدنية اخذا من تيمنهم بالميامن اى بطرف اليمين وتشؤمهم بالشمائل اى بجانب الشمال كما تقول فلان منى باليمين والشمال اذا وصفته عندك بالرفعة والضعة تريد مايلزم من جهتى اليمين والشمال من رفعة القدر وانحطاطه او الذين يؤتون صحائفهم بايمانهم والذين يؤتونها بشمائلهم او الذى يكونون يوم القيامة على يمين العرش فيأخذون طريق الجنة والذين يكونون على شمال العرش فيفضى بهم الى النار او اصحاب اليمن واصحاب الشئوم فان السعدآء ميامين على انفسهم بطاعتهم والاشقياء مشائيم عليها بمعاصيهم او اصحاب الميمنة الذين كانوا على يمين آدم يوم الميثاق قال الله تعالى فى حقهم هؤلاء من اهل الجنة ولا أبالى واصحاب المشأمة الذين كانوا على شماله وقال الله تعالى فيهو هؤلاء فى اهل النار ولا أبالى وفى القاموس اليمن البركة كالميمنة يمن فهو ميمون وايمن والجمع ميامين وايامن ضد اليسار والجمعايمن ايمان وايامن وايامين والبركة والقوة الشئوم ضد اليمن والمشأمة ضد الميمنة(15/15)
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10)
{ والسابقون السابقون } هم القسم الثالث من الازواج الثلاثة اخر ذكرهم ليقترن ببيان محاسن احوالهم واصل السبق التقدم فى السير ثم تجوز به فىغيره من التقدم والجملة مبتدأ وخبر والمعنى والسابقون هم الذين اشتهرت احوالهم وعرفت محاسنهم كقوله انا ابو النجم وشعرى شعرى او السابقون الاول مبتدأ والثانى تأكيدا له كرر تعظيما لهم والخبر جملة قوله اولئك الخ وفى البرها التقدير عند بعضهم السابقون مالسابقون فحذف ما لدلالة ماقبله عليه وهم الذين سبقوا الى الايمان والطاعة عند ظهور الحق من غير تلعثم وتوان فالمراد بالسبق هو السبق بالزمان او الذين سبقوا فى حيازة الكمالات الدينية والفضائل القينية فالمراد بالسبق هو السبق بالشرف كما قال الراغب يستعار السبق لاحراز الفضل وعلى ذلك السابقون السابقون اى المتقدمون الى ثواب الله وجنته بالاعمال الصالحة(15/16)
أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11)
{ اولئك } الموصفون بذلك النعت الجليل وهو مبدأ خبره قوله { المقربون } اى الذين قربت الى العرش العظيم درجاتهم واعليت مرابتهم ورقيت الى حظائر القدس نفوسهم الزكية ، يقول الفقير عرف هذا المعنى من قوله عليه السلام « اذا سألتم الله فاسالوه الفردوس فانه اوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن » فانه يظهر منه ان الفردوس مقام المقربين لقربه من العرش الذى هو سقف الجنة ولم يقل اولئك المتقربون لانهم بتقريب ربهم سبقوا لا بتقرب انفسهم ففيه اشارة الى الفضل العظيم فى حق هؤلاء يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم(15/17)
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12)
{ فى جنات النعيم } متعلق بالمقربون او بمضمر هو حال من ضميره اى كائنين فى جنات لنعيم يعنى در بوستانهاى مشتمل بر انواع نعمتن قيل السابقون اربعة سابق امة موسى عليه السلام وهو خربيل مؤمن آل فرعون وسابق امة عيسى وهو حبيب النجار صاحب انطاكية وسابقا امة محمد عليه السلام وهما ابو بكر وعمر رضى الله عنهما وقال كعب هم اهل القرآن المتوجون يوم القيامة فانهم كادوا أن يكونوا انبياء الا انه لا يوحى اليهم والمراد باهل القرءآن الملازمون لقرآءته العاملون به وكان خلق النبى عليه السلام القرءآن وقيل الناس ثلاثة فرجل ابتكر الخير فى حداثه سنة ثم داوم عليه حتى خرج من الدنيا فهو السابق المقرب ورجل ابتكر عمره بالذنب وطول الغفلة ثم تراجع بتوبة فهذا صاحب اليمين ورجل ابتكر الشرفى حداثة سنه ثم لم يزل علهي حتى خرج من الدنيا فهذا صاحب الشمال وقال حضرة شيخى وسندى قدس سره فى بعض تحريراته العباد ثلاثة اصناف صنف هم اهل النيسان وصنف هم اهل الذكر وصنف هم اهل الاحسان والصنف الاول اهل الفتور مطلقا وليس فيه بوجه من الحضور شىء اصلا وهم اهل البعد قطعا وليس لهم من القرب شىء جدا وهم اصحاب المشأمة ماصحاب المشأمة وهم ارباب الغضب والقهر والجلال ولهم فى نار الجحيم عذاب اليم وماء حميم والصنف الثانى اهل الفتور من وجه واهل الحضور من وجه وهم اهل البعد بوجه واهل القرب بوجه وهم اصحاب الميمنة واصحاب الميمنة ماصحاب الميمنة وهم ارباب الرحمة واللطف والجمال ولهم فى نور النعيم ثواب عظيم وسرور مقيم والصنف الثالث اهل الحضور مطلقا وليس فيهم بوجه من الفتور شىء اصلا وهم اهل القرب مطلقا وليس لهم من البعد شىء اصلا وهم السابقون السابقون السابقون اولئك المقربون وهم اصحاب كمال الرضى الاجتباء والاصطفاء لهم فى سر نعيم جنة الوصال دوام الصحبة والمشاهدة والمعاينة وبقاء تجلى الوجه الحق والجمال المطلق وهم ارباب الكمال المتوجه بوجه بلا قفا فى الظاهر وقفا بلا وجه فى الباطن والثالث وجه بلا قفا فى الظاهر والباطن لكونهم على تعين الوجه المطلق وفى رسالته العرفانية اصحاب اليمين ممن سوى المرقرين وجه بلا قفا فى الظاهر لحصول الرؤية لهم وقفا بلا وجه فى الباطن اى لعدم انكشاف البصيرة لهم واصحاب الشمال قفا بلا وجه فى الظاهر اى باعتبار البداية ووجه بلا قفا فى الباطن اى باعتبار النهاية وقال الى اللائحات البرقيات له ذكر بعضهم بمجرد اللسان فقط وهم فريق الغافلين من الفجار ولهم رد مطلق فانهم يقولونه بأفواههم ماليس فى قلوبهم وذكر بعضهم بمجرد اللسان والعقل فقط وهم فريق المتيقظين من الابرار ولهم قبول بالنسبة الى من تحتهم لا بالنسبة الى من فوقهم وذكر بعضهم بمجرد اللسان والعقل والقلب فقط وهم فريق اهل البداية من المقربين وقبولهم نسبى ايضا وذكر بعضهم بمجرد اللسان والعقل والقلب والروح فقط وهم اهل الوسط من المقربين وقبولهم اضافى ايضا وذكر بعضهم كان مطلقا حيث تحقق لهم ذكر اللسان وفكر المذكور ومطالعة الآثار بالعقل وحضور المذكور ومكاشفة الاطوار وبالقلب وانس المذكور ومشاهدة الانوار بالروح والفناء فى المذكور ومعاينة الاسرار بالسر فلهم قبول مطلقا وليس لهم رد اصلا لأن كمالهم وتمامهم كان حقيقيا جدا وهم ارباب النهاية من المقربين من الانبياء والمرسلين واولياء الكاملين الا كملين(15/18)
وفى التأويلات النجمية يشير الى مراتب اعاظم المملكة الانسانية ومقامات اكابرها وصناديدها وهم الروح السابق المقرب وجود او رتبة والقلب المتوسط صاحب الميمنة والنفس الاخيرة صاحبة المشأمة اما تسمية الروح بالسابق فلسبقه بالتجليات الذاتية الرحامنية والتنزلات الربانية وبقاء طهارته ونزاهته ابتدآء وانتهاء ووصف القلب بصاحب الميمنة ليمنه والتيمن به وغلبة التجليات الصفاتية والاسمائية عليه ووصف النفس بصاحبة المشأمة لشؤمها وميشوميتها وتلعثمها عند اجابة دواعى الحق بالانقياد من غير عناد واعتناد واما تقديم القلب والنفس على الروح فلسعة الرحمانية الواسعة كل شىء كما قال { ورحمتى وسعت كل شىء } وقال « رحمتى سبقت غضبى » اذ جعل النفس برزخا بين القلب والروح لتستفيد برحمته مرة من هذا وتارة من هذا وتصير منصبة بنورانتيهما وتؤمن بهما ان شاء الله تعالى كما قال تعالى { الا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } وبقوله { فى جنات نعيم } يشير الى جنة الذات وجنة الصفات وجنة الافعال لان السابقين المقربين هم الفانون فى الله بالذات والصفات والافعال والباقون بالله بالذات والصفات والافعال ولصاحب كل مقام من هذه المقامات الثلاثة جنة مختصة به جزاء وفاقا هذه الجنات كلها شاملة للنعيم الدنيوى واخروى ان فهمت الرموز الالهية فزت بالكنوز الرحمانية(15/19)
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13)
{ ثلة من الاولين } اى هم امم كثيرة من الاولين غير محصورة العدد وهم الامم السالفة من لدن آدم الى نبينا عليهما السلام وعلى من بينهما من الانبياء العظام وهذا التفسير مبنى على أن يراد بالسابقين غير الانبياء واشتقاق الثلة من الثل وهو الكسر وجماعة السابقين مع كثرتهم مقطوعة مكسورة من جملة بنى آدم وقال الراغب الثلة قطعة مجتمعة من الصوف ولذلك قيل للغنم ثلة ولاعتبار الاجتماع قيل ثلة من الاولين اى جماعة(15/20)
وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)
{ وقليل من الآخرين } اى من هذه الامة ولايخالفه قوله عليه السلام « ان امتى يكثرون سائر الامم » اي يغلبونهم بالكثرة فان اكثرية سابقى الامم السالفة من سابقى هذه الامة لاتمنع اكثرية تابعى أولئك مثل ان يكون سابقوهم ألفين وتابعوهم ألفا فالمجموع ثلاثة آلاف ويكون سابقواهذه الامة الفا وتابعوهم ثلاثة آلاف فالمجموع اربعة آلاف فرضا وهذا المجموع اكثر من المجموع الاول وفى الحديث « انا اكثر الناس تبعا يوم القيامة » ولا يرده قوله تعالى فى اصحاب اليمين { ثلبة من الاولين0وثلة من الآخرين } لان كثرة كل من الفريقين فى انفسهما لا تنافى اكثرية احدهما من الآخر وسيأتى ان الثلتين من هذه الامة وقد روى مرفوعا ان الاولين والآخرين ههنا ايضا متقدموا هذه الامة ومتأخروهم وهو المختار كمافى بحر العلوم فالمتقدمون مثل الصحابة والتابعين رضى الله عنهم ولما نزلت بكى عمر رضى الله عنه فنزل قوله { ثلة من الاولين0و ثلة من الآخرين } يعنى كريان شد وكفت بانبى الله مابانو كرويديم وتصديق كرديم وازما اهل نجاب نيامد مكر اندك ا ين آيت آمد كه { وثلة من الاخرين } حضرت صلى الله عليه وسلم آياتبروى خواند وعمر فرمودكه رضينا من ربنا وفى الحديث « أترضون أن يكونوا ربع اهل الجنة قلنا نعم قال أترضون ان تكونوا ثلث اهل الجنة قلنا نعم قال والذى نفسى محمد بيده انى لارجوا أن تكونوا نصف اهل الجنة وذلك ان الجنة يعنى كونكم نصف اهلها بسبب انها لايدخلها الا نفس مسلمة وما أنتم فى اهل الشرك الا كالشعرة البيضاء فى جلد الثور الاسود وكالشعرة السوداء فى جلد الثور الاحمر » اى فلا يستبعد دخول كلهم الجنة وقد ترقى عليه السلام وفى حديث آخر من النصف شالى الثلثين وقال ان اهل الجنة مائة وعشرون صفا وهذه الامة منها ثمانون قال السهيلى رحمه الله فى كتاب التعريف والاعلام قال عليه السلام « نحن الآخرون السابقون يوم القيامة » فهم اذا محد صلى الله عليه وسلم وامته واول سابق الى باب الجنة محمد عليه السلام وفى الحديث « انا اول من يقرع باب الجنة فأدخل ومعى فقرآء المهاجرين » واما آخر من يدخل الجنة وآخر اهل النار خروجاً منها رجل اسمه جهينة فيقول اهل الجنة تعالوا نسأل جهينة فعنده الخبر اليقين فيسألونه هل بقى أحد فى النار ممن يقول لا اله الا لله
نماند بزندان دوزخ اسير ... كسى راكه باشد جنين دستكير
يقول الفقير هذه خصلاة ماورده اهل التفسير فى هذا المقام والذى يلوح لى ان المقربين وان كانوا داخلين فى اصحاب اليمين الا ان المراد بقوله تعالى { وثلة من الآخرين } هى الثلة التى من اصحاب اليمين وهم هنا المقربين بقرينة تقسم الازواج وتبيين كل فريق منهم على حدة وكلا منافى المقربين خصوصا اعنى السابقين منه هذه الامة هل هم من سابقى الامم كما يدل عليه ظاهر قوله تعالى { وقليل من الآخرين } او هم اكثر كما يدل عليه بعض الشواهد والظاهر أنهم اكثر من اصحاب اليمين والآية محمولة على مقدمى هذه الامة ومتأخريها كما أشير اليه سابقا وذلك لان النبى عليه السلام شبه علماء هذه الامة بانبياء بنى اسرائيل ولاشك ان لانبياء كلهم من المقربين وعلماء هذه الامة لا نهاية لهم دل عليه ان اولياء فى كل عصر من اعصار هذه الامة عدد الانبياء وهم مائة ألف واربعة وعشرون ألفا وقد يزيد عددهم على عدد الانبياء بحسب نوارنية الزمان وقد ثبت ان كل اربعين مؤمنا فى قوة ولى عرفى فاذا كان صفوف هذه الامة يوم القيامة ثمانين فظاهر أن عددهم يزيد على عدد الاولين بزيادة العدد يزيد الاولياء اصحاب اليمين وبزيادتهم يزيد الاولياء المقربين السابقون فان العدد المذكور منهم الغوث والاقطاب والكمل فاعرف(15/21)
وفى التأويلات النجمية يشير بقوله { ثلة من الاولين } الى كثرة ارباب القلوب صواحب التجليات الجزيئة الصفاتية والاسمائية وكثرة اصحاب اللذات النفسانية الظلمانية وبقوله { وقليل من الآخرين } المحمديين يشير الى ارباب الارواح الظاهرة صواحب التجليات الذاتية المقدسة عن كثرات الاسماء والصفات الاعتبارية(15/22)
عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15)
{ على سرر موضونة } حال اخرى من المقربين والسر رجع سرير بالفارسية تحت ، والموضونة المنسوجة بالذهب مشبكة بالدر والياقوت او المتواصلة من الوضن وهو نسج الدرع ثم استعير لكل نسج محكم(15/23)
مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16)
{ متكئين عليها متقابلين } حالان من الضمير المستكن فيماتعلق به على سرر والتقابل أن يقبل بعضهم على بعض اما بالذات واما بالعناية والمودة اى مستقرين على سرر متكئين عليها اى قاعدين قعود الملك للاستراحة متقابلين لاينظر بعضهم من اقفاء بعض وهو وصف لهم بحسن العشرة وتهذيب الاخلاق والآداب وقال ابو الليث متقابلين فى الزيارة ( قال الكاشفى ) برابر يكديكر يعنى روى باروى تابديدان يكديكر مستأنس ومسرور باشند(15/24)
يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17)
{ يطوف عليهم } اى يدور حولهم للخدمة حال الشرب وغيره { ولدان } جمع وليد وخدمة الوليد أمتع من خدمة الكبير يعنى خدمت كودك زيبا ترست از خدمت كبار { مخلدون } مبقون ابداً على شكل الولدان وطراوتهم لايتحولون عنها لانهم خلقوا للبقاء ومق خلق للبقاء لا يتغير قال فى الاسئلة المقحمة هؤلاء هل يدخلون تحت قوله تعالى { كل نفس ذائقة الموت } والجواب انهم لايموتون فيها بل يلقى عليم بين النفختين نوم انتهى ، وازين معلوم شدكه اين كودكان را حق تعلى بمحض كرم خود أفريده باشد براى خدمت بهشتيان ، فهم للخدمة لاغير والحور العين للخدمة والمتعة وقيل هم اولاد اهل الدنيا لم يكن لهم حسنات فيثابون عليها ولاسيئات فيعاقبون عليها وفى الحديث « اولاد الكفار خدام اهل الجنة » ولفظ الولدان يشهد لابى حنيفة رحمه الله فى أن اطفال المشركين خدم اهل الجنة لان الجنة لا ولادة فيها ويجوز أن يكون معنى مخلدون مقرطون ، يعنى آرستكان بكو شوار هاى زرين ، والخلد السوار والقرط كالخلدة محركة والجمع كقردة وولدان مخلدون مقرطون او مسورون اولا يهرمون ابدا ولايجاوزون حد الوصافة كما فى القاموس وقال فى كشف الاسرار الخلادة لغة قحطانية(15/25)
بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18)
{ بأكواب } من الذهب والجواهر اى بآنية لاعرى لها ولا خراطيم وهى الاباريق الواسعة الرآس لا خرطوم لها ولايعوق الشارب منها عائق عن شرب من اى موضع أراد منها فلا يحتاج أن يحول الاناء من الحالة التى تناوله به ليشرب { واباريق } جمع ابريق وهو الذى له عروة وخرطوم يبرق لونه من صفائه وقيل انها اعجمية معربة آبريز ، اى بآنيه ذات عرى وخراطيم ويقال الكوب للماء وغيره والابريق لغسل الايدى والكأس لشرب الخمر كما قال { وكأس من معين } اى وبكأس من خمرة جارية من العيون اخبر ان خمر الآخرة ليست كخمر الدنيا تستخرج بتكلف وعلاج وتكون فى اوعية بل هى اكثر جارية كما قال { وانهار من خمر } والكأس القدح اذا كان فيها شراب والا فهو قدح يقال معن الماء اذا جرى فهو فعيل بمعنى الفاعل او ظاهره تراها العيون فى الانهار كالماء المعين وهو الظاهر لجارى فيكون بمعنى مفعول من المعاينة من عانه اذا شخصه وميزه بعينه قال فى القاموس المعن الماء الظاهر ومعن الماء اساله وامعن الماء جرى والمعنان بالضم مجارى الماء فى الوادى فان قلت كيف جمع الاكواب والاباريق وافرد الكأس فالوجواب ان ذلك على عادة اهل الشرب فانهم يعدون الخمر فى الاوانى المتعددة ويشربون بكأس واحدة(15/26)
لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19)
{ لايصدعون عنها } الصدع شق فى الاجسام الصلبة كالزجاج والحديد ونحوهما ومنه استعير الصداع كما ينالهم ذلك من خمر الدنيا وحقيقته لايصدر صداعهم عنها قال ابن عباس رضى الله عنهما فى الخمر أربع خصال السكر والصداع والقيىء والبول وليست فى خمر الجنة بل هى لذة يلا اذى { ولا ينزفون } اى لايسكرون يعنى لاتذهب عقولهم او ينفد شرابهم من انزف الشارب اذا نفد عقله او شرابه فالنفاد اما للعقل وهو من عيوب خمر الدنيا وللشرب فان بنفادها تختل الصبحة(15/27)
وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22)
{ وفاكهة مما يتخيرون } يقال تخيرت الشىء اخذت خيره اى يختارونه ويأخذون خيره وافضله من ألوانها وكلها خيار وهو عطف على بأكواب اى يطوف عليهم ولدان بفاكهة وهو مايؤكل من الثمار تلذذا لا لحفظ الصحة لاستغنائهم عن حفظ الصحة بالغذآء فى الجنة وليس ذلك كقوت الدنيا الذى يتناوله من يضطر اليه ويضيق عليه لتأخره عنه وهو اشارة الى انه يتناول المأكولات التى يتنعم بها ثم ذكر اللحم الذى هو سيد الادام وكانت العرب يتوسعون بلحمان الابل ويعز عندهم لحم الطير الذى هو أطيب اللحوم ويسمعون بها عند الملوك فوعدوها فقيل { ولحم طير ممايشتهون } اى يتمنون مشويا او مطبوخا يتناولونها مشتهين لها مضطرين ولا كارهين وآن آن بودكه مؤمنان برخوان نشته باشند مرغ بيايد ودربيش ايشان برشاخ طوبى نشيند وآوازد هدكه من آنم كه هيج جشمه نيست دربهشت كه ازان نجشيده ام وهيج درختى نيست كه كمن از ميوه آن نخورده ام كوشت من خوشترين همه كوشتهاست بس بهشتى كوشت ويرا آرزو كند مرغ ازان شالخ طوبى در كرددو برسرخوان اقتدسه قسمت شوديكى يخته ويكى قد يدويكى بريان بس بهشتى جندانكه خواهد بخورد ديكر باره بقدرت حق زنده شود وبربرد .
وفى الاسئلة المقحمة انما قال { وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون } فغاير بين اللفظين والجواب لان الفواكه كما تكون للاكل تكون ايضا للنظر والشم واما لحم الطير فمختلف الشهوات فى اكل بعض اجزآئه دون البعض ولما لم يكن بعد الاكل والشرب أشهى من الجمال قال { وحور عين } عطف على ولدان او مبتدأ محذوف الخبر أى وفيها او لهم حور عين ان نساء وحور جمع حورآء وهى البيضاء او الشديدة بياض العين والشديدة سوادها وعين جمع عيناء وهى الواسعة الحسنة العين وهن خلقن من تسبيح الملائكة كما فى عين المعانى(15/28)
كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)
{ كأمثال اللؤلؤ المكنون } صفة لحور او حال اى الدر المخزون فى الصدف لم تسمه الايدى ولم تره الاعين او المصون عما يضربه ويدنسه فى الصفاء والنقاء ولما بالغ فى و صف جزآئهم بالحسن والصفاء دل على ان اعمالهم كانت كذلك لان الجزآء من جنس العمل فقال { جزآء بما كانوا يعملون } مفعول به اى يفعل بهم ذلك الجزآء بأعمالهم الصالحة فى الدنيا فما جزآء الاحسان الا الاحسان فالمنازل منقسمة على قدر الاعمال واما نفس دخول الجنة فيفضل الله ورحمته لاعمل عالم فمن طمع فى أن يدخل الجنة ويأكل من اللحم اللذيذ ويشرب من الشارب الهنيىء ويستمتع بالحور العين آثر وجه زواجها ( ويروى ) ان الحورآء اذا مشت سمع تقديس الجلاجل من ساقيها وتمجيد الاسورة من ساعديها وان عقد الياقوت يضحك فى نحرها وفى رجليها نعلان من ذهب شراكهما من لؤلؤ تصران اى تصوتان بالتسبيح على كل امرأة سبعون حلة ليست منها حلة على لون الاخرى وسبعون لونا من الطيب ليس منها لون على لون الآخر لكل امرأة سبعون سريرا من ياقوت احمر منسوجة بالدر على كل سرير سبعون فراشا بطائنها من استبرق وفوق السبعين فراشا سبعون أريكة لكل امرأة منهم سبعون وصيفة بيد كل وصيفة صحيفتان من ذهب فيما لون من طعام يجد لآخر لقمة منه لذة لايجدها لاولها ويعطى زوجها مثل ذلك على سرير من ياقوت احمر عليه سواران من ذهب موشح بياقوت احمر وكان يحيى بن معاذ رحمه الله يقول اخطب زوجة لاتسلبها منك المنايا وأعرس بها فى دار لايخربها دوران البلايا واسبك لها حجلة لاتحرقها نيران الرزايا ( وروى ) انهم خلقن من الزعفران كما فى كشف الاسرار(15/29)
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25)
{ لايسمعون فيها لغوا } اى باطلا قال فى القاموس اللغو واللغا السقط ومالا يعتد به من كلام وغيره وفى المفردات اللغو من الكلام مالا يعتد به هو الذى يورد لاعن روية وفكر فيجرى مجرى اللغا وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور { ولا تأثيما } ولانسبة الى الاثم اى لايقال لهم اثمتم اى لا لغو فيها ولا تأثيم ولا سماع والاثم اسم للافعال المبطئة عن الثواب والجمع آثام(15/30)
إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26)
{ الا قيلا } اى قولا { سلاما سلاما } بدل من قيلا والاستثناء منقطع اى لكنهم يسمعون فيها قولا سلاما سلاما او هو من باب لايذوقون فيها الموت الا الموتة الاولى فى انه من التعليق بالمحال ومعنى سماعهم السلام انهم يفشون السلام فيسلمون سلاما بعد سلام او لايسمع كل من المسلم والمسلم عليه الاسلام الآخر بدأ اورداً وفى الآية اشارة الى ان جنات السابقين المقربين صافية عن الكدورات المتغصة لساكنيها فارغة عن العاملات المعبسة لقاطنيها لايقول أهلها الا مع الحق ولا يسمعون الا من الحق تجلى الحق لهم عن اسمه السلام المشتمل على السلامة من النقائص والآفات المتضمن للقربات والكرامات ، اعلم ان عز السلام سلام الله على عباده كما قال { سلام قولا من رب رحيم } ثم سلام الارواح العالية كما حكى عن بعض الصالحين انه قال كان لى ابن استشهد فلم أره فى المنام الا ليلة توفى عمر بن عبدالعزيز رضى الله عنه وهو سابع الخلفاء الاثنى عشر ترآءى لى تلك الليلة فقلت يابنى ألم تكن ميتا فقال لا ولكنى استشهدت وانا حى عند الله ارزق فقلت له ماجاء بك فقال نودى فى اهل السماء ألا لا يبقى نبى ولا صديق ولا شهيد الا ويحضر الصلاة على عمر بن عبدالعزيز فجئت لاشهد الصلاة ثم جئتكم لاسلم عليكم ، يقول الفقير شاهدت فى الحرمين الشريفين حضور الارواح للصلوات والطواف وسلام بعضهم على بعض حتى سلمت انا فى السحر الاعلى عند مقام جبرآئيل على الخلفاء الاربعة والملائكة اربعة ولله الحمد على ذلك
سلام من الرحمن نحو جنابه ... لان سلامى يلايليق ببابه(15/31)
وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27)
{ واصحاب اليمين } شروع فى تفصيل ما أجمل عند التقسيم من شؤونهم الفاضلة اثر تفصيل شؤون السابقين وهو مبتدأ خبره جملة قوله { ماصحاب اليمين } اى لا تدرى مالهم من الخير والبركة بسبب فواضل صفاتهم وكوامل محاسنهم(15/32)
فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28)
{ فى سدر } اى هم فى سدر { مخضود } اى غير ذى شوك لا كسدر الدنيا فان سدر الدنيا مخلوق بشوك وسدر الحنة بلا شوك كأنه خضد شوكه اى قطع ونزع عنه فقوله { سدر مخضود } اما من باب المبالغة فى التشبيه او مجاز بعلاقة السببية فان الخضد سبب لانقطاع الشوك وقيل مخضود اى مثنى اغصانه لكثرة حمله من خضد الغصن اذا ثناه وهو رطب فمخضود على هذا الوجه من حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه والسدر شجر النبق وهو ثمر معروف محبوب عند العرب يتخذون من ورقة الحرض وفى المفردات السدر شجر قليل الغذآء عند الاكل وقد يخضد ويستظل به فجعل ذلك مثل لظل الجنة ونعيمها قال بعض ليس شىء من ثمر الجنة فى غلف كما يكون فى الدنيا من الباقلاء وغيره بل كلها مأكول ومشروب ومشموم ومنظور اليه(15/33)
وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29)
{ وطلح منضود } قد نضد حمله وتراكب بعضه على بعض من اسفله الى اعلاه ليست له سوق بارزة وهو شجر الموز وهو شجر له اوراق كبار وظل بارد كما ان اوراق السدر صغار أو هو ام غيلان وله انوار كثيرة منتظمة طيبة الرآئحة يقصد العرب منه النزهة والزينة وان كان لايؤكل منه شىء وعن السدى شجر يشبه طلح الدنيا ولكن له ثمر احلى من العسل وعن مجاهد كان لاهل الطائف واد معجب فيه الطلح والسدر فقالوا ياليت لنا فى لاجنة مثل هذا الوادى فنزلت هذه الآية وقد قال تعالى { وفيها ماتشتهه الانفس وتلذ الاعين } فذكر لكل قوم مايعجبهم ويحبون مثله وفضل طلح الجنة وسدرها على ما فى الدنيا كفضل سائر مافى الجنة على مافى الدنيا(15/34)
وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)
{ وظل ممدود } ممتد لاينتقص ولا يتفاوت كظل مابين طلوع الفجر وطلوع الشمس والعرب تقول للشىء الذى لاينقطع ممدود وفى الحديث « فى الجنة شجرة يسير الراكب فى ظلها مائة عام لايقطعها » وعن ابن عباس رضى الله عنهما شجرة فى الجنة على ساق يخرج اليها اهل الجنة فيتحدثون فى اصلها اويتذكر بعضهم ويشتهى لهو الدنيا فيرسل الله ريحا من الجنة فتحرك تلك الشجرة بكل لهو كان فى الدنيا وقال فى كشف الاسرار ويحتمل ان الظل عبارة عن الحفظ تقول فلان فى ظل فلان اى فى كنفه لانه لا شمس هناك انتهى ، يقول الفقير بل المراد منه الراحة كما فى قوله تعالى { وندخلهم ضلا ضليلا } لانه انما يجلس المرء فى الظل للاستراحة وكانت العرب يرغبون فيه لقلته فى بلادهم وغلبة حرارة الشمس ومنه قوله عليه السلام « السلطان ظل الله فى ارضه يأوى اليه كل مظلوم » اى يستريح عند عدله ومنه قولهم مد الله ظلاله اى ظلال عدله ورأفته حتى يصل اثر الاستراحة الى الناس كلهم(15/35)
وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31)
{ وماء مسكوب } يسكب لهم ويصب اينما شاؤا وكيفما أرادوا بلا تعب او مصبوب سائل يجرى على الارض فى غير اخدود لاينقطع يعنى كون الماء مسكوبا كثيرا اما عبارة عن كونه ظاهرا مكشوفا غير مختص ببعض الاماكن والكيفيات او عن كونه جاريا واكثر ماء العرب من الآبار والبرك فلا ينسكب فلا يصلون الى الماء الا بالدلو والرشاء فوعدوا بالماء الكثير الجارى حتى يجرى فى الهوآء على حسب الاشتهاء كأنه مثل حال السابقين بأقصى مايتصور لأهل المدن وحال اصحاب اليمين باكمل مايتصور لاهل البواد ايذانا بالتفاوت بين الحالين فكما ان بينهما تفاوتا فكذا بين حاليهما(15/36)
وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32)
{ وفاكهة كثيرة } بحسب الانواع والاجناس(15/37)
لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33)
{ لامقطوعة } فى وقت من الاوقات كفواكه الدنيا { ولا ممنوعة } عن متناوليها بوجه من الوجوه كبعد المتناول وانعدام ثمن يشترى به وشوك به وشوك فى الشجر يؤذى من يقصد تناولها وحائط يمنع الدخول ونحوها من المحظورات وفى الحديث « ماقطعت ثمرة من ثمار الجنة الا ابدل الله مكانها ضعفين »(15/38)
وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36)
{ وفرش } جمع فراش وهو مايبسط ويفرش اى هم فى بسط { مرفوعة } اى رفيعة القدر أو مرتفعة وارتفاعها كما بين السماء والارض وهو مسيرة خمسمائة عام او مرفوعة على الاسرة وقيل الفرش هى النساء حيث يكنى بالفراش وباللباس والازار عن المرأة وفى الحديث « الولد للفراش » فسمى المرأة فراشا وارتفاعها كونهن على الارآئك دل عليه قوله تعالى { انا أنشأناهن انشاء } وعلى الاول اضمر هن لدلالة ذكر الفرش التى هى المضاجع عليهن دلالة بينة والمعنى ابتدأنا خلقهن ابتدآء جديدا نم غير ولاد ابدآء واعادة اما الابدآء فكما فى الحور لانهن انشأهن الله فى الجنة من غير ولادة واما الاعادة فكما فى نساء الدنيا المقبوضة عجائز وفى الحديث « هن اللواتى قبضن فى دار الدنيا عجائب شمطا » جمع شمطاء والشمط بياض شعر الرأس يخالطه سواد « رمصا » جمع رمصاء والرمص بالتحريك وسخ يجتمع فى الموق جعلهن الله تعالى بعد الكبر أتراباً على ميلاد واحد فى الاستوآء كلما أتاهن ازواجهن وجدوهن ابكارا فلما سمعت عائشة رضى الله عنها ذلك قالت واوجاه فقال عليه السلام « ليس هناك وجع » وقد فعل الله فى الدنيا بزكريا عليه السلام فقال تعالى { واصلحنا له زوجه } سئل الحسن عن ذلك الصلاح فقال جعلها شابة بعد ان كانت عجوزا ولودا بعد كانت عقيما وذلك قوله تعالى { فجعلناهن } بعد أن كن عجائز { ابكارا } اى عذارى جمع بكر والمصدر البكارة بالفتح قال الراغب البكرة اول النهار وتصور منها معنى التعجيل لتقمها على سائر اوقات لنهار وفقيل لكل متعجل بكر وسميت التى لم تفتض بكرا اعتبارا بالثيب لتقدمها عليها فيما يراد له النساء قال سعدى المفتى ان أريد بالانشاء معنى الابدآء فالجعل بمعنى الخلق وقوله { ابكارا } حال وان اريد به الاعادة فهو بمعنى التصبير وابكارا مفعوله الثانى قال بعضهم دل قوله { فجعلناهن ابكارا } على ان المراد بهن نساء الدنيا لان المخلوقة ابتدآء معلوم انها بكر وهن أفضل واحسن من حور الجنة لانهن عملن الصالحات فى الدنيا بخلاف الحور وعن الحسن رضى الله عنه قالت عجوز عند عائشة رضى الله عنها من بنى عامر يارسول الله ادع الله أن يدخلنى الجنة فقال « يا ام فلان ان الجنة لايدخلها عجوز » فولت وهى تبكى فقال عليه السلام « اخبروها انها ليست يومئذ بعجوز » وقرأ الآية(15/39)
عُرُبًا أَتْرَابًا (37)
{ عربا } جمع عروب كرسل جمع رسول وهى المتحبية الى زوجها الحسنة التنقل واشتقاقه من اعرب اذا بين والعرب تبين محبتها لزوجها بشكل وغنج وحسن وفى المفردات امرأة عروبة معربة بحالها عن عقتها ومحبة زوجها وفى بعض التفاسير عربا كلامهن عربى { اترابا } جمع ترب بالكسر وهى اللدة والسن ومن ولد معد وهى تربى اى مستويات فى سن بنت ثلاث وثلاثين سنة وكذا ازواجهن والقامة ستون ذراعا فى سبعة اذرع على قامة ابيهم آدم شباب جردمكحولون احسنهم كالقمر ليلة البدر وآخرهم كالكوكب الدرى فى السماء يبصر وجه فى وجهها وتبصر وجهها فى وجهه لايبزقون ولا يتمخطون وما كان فوق ذلك من الاذى فهو ابعد وفى الحديث « ان الرجل ليفتض فى الغداة سبعين عذراء ثم ينشئهن الله ابكارا » وقال عليه السلام « ان الرجل من اهل الجنة ليزوج خمسمائة حورآء واربعة آلاف ثيب وثمانية آلاف بكر يعانق كل واحدة منهن مقدار عمره فى الدنيا » ودرتبيان آورده كه جمله راببهشت آرند بدين سن سازند وبشو هرد هند وعجوزه را نيزرد كنند بدين سن اكر شوهر نداشته باشد دردنيا ببعض ازاهل بهشت دهند واكر شوهر داشته باشد اما شوهر واواز اهل بهشت نبوده جون امرأة فرعون اورابيكى از بهشتيان دهند واكر زوج اوبهشتى بود بازبدو ارزانى دارند واكر زيادة ازيك شوهر داشته باشد وهمه بهشتى باشند بزوج اخرين نامزد كنند وفى الحديث « أدنى اهل الجنة الذى له ثمانون ألف خادم واثنتان وسبعون زوجة وينصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية الى صنعاء » الجابية بالجيم بلد بالشام وصنعاء بلد باليمن كثيرة الاشجار والمياه تشبه دمشق وفى الحديث « تقول الحورآء لولى الله كم من مجلس من مجالس ذكر الله قد اكرمك به العزيز اشرفت عليك بدلالى وغنجى واترابى وأنت قاعد بين اصحابك تخطبنى الى الله فترى شوقك كان يعدل شوقى اوجدك كان يعدل جدى والذى اكرمنى بك واكرمك بى ما خطبتنى الى الله مرة الا خطبتك الى الله سبعين مرة فالحمد لله الذى اكرمنى بك واكرمك بى »(15/40)
لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38)
{ لاصحاب اليمين } معلقة بانشأنا(15/41)
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40)
{ ثلة من الاولين وثلة من الآخرين } اى هم امة من الاولين امة من الآخرين وفى الحديث « هم جمعيا من امتى » اى الثلثان من امتى فعلى هذا التابعون باحسان ومن جرى مجراهم ثلة اولى وسائر الامة ثلة اخرى فى آخر الزمان وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلام يوما فقال « عرضت على الامم فجعل يمر النبى معه الرجل والنبى معه الرجلان معه الرهط والنبى ليس معه رهط والنبى ليس معه احد ورأيت سواداً كثيرا سد الافق فقيل لى انظر هكذا وهكذا فرأيت سواداً كثيرا سد الافق فقيل لى هؤلاء امتك ومع هؤلاء سبعون الفا يدخلون الجنة بغير حساب » وفى رواية عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « عرضت على الانبياء الليلة بأتباعها حتى أتى على موسى فى كبكبة من بنى اسرآئيل اى فى جماعة منهم فلما رأيتهم اعجبونى فقلت اى رب من هؤلاء قيل هذا اخوك موسى ومن معه من بنى اسرآئيل فقلت فأين امتى قيل انظر عن يمينك فاذا ظراب مكة قد سدت بوجوه الرجال وهو جمع طرب ككتف وهو مانتأ من الحجارة وحد طرفه والجبل المنبسط او الصغير كما فى القاموس قيل هؤلاء امتك أرضيت قلت رب رضيت رب رضيت قيل انظر عن يسارك فاذا الافق سد بوجوه الرجال قيل هؤلاء امتك أرضيت قلت رب رضيت رب رضيت فقيل ان مع هؤلاء سبعين الفا يدخلون لاجنة بلا حساب عليهم » فقال نبى الله صلى الله عليه وسلم « ان استطعتم ان تكونوا من السبعين فكونوا وان عجزتم وقصرتم فكونوا من اهل الظراب وان عجزتم فكونوا من الافق فانى قدر رأيت ثمة اناسا يتهاوشون كثيرا » ، يعنى اكر عاجز آييد بس باشيد از ا هل افق كه من ديدم آنجا مردم بسيار مختلط بودند ، قال فى القاموس الهوش العدد الكثير والهوشة الاختلاط والهويشة الجماعة المختلطة والهواشات بالضم الجماعات من الناس والتهاوش فى الحديث جمع تهواش مقصور من التهاويش تفعال من الهوش وتهوشوا اختلطوا كتهاوشوا وعليه اجتمعوا وهاوشهم وخالطهم ( وروى ) انه قال صلى الله عليه وسلم « انى لارجو أن تكونوا شطر اهل الجنة » ثم تلا { ثلة من الاولين وثلة من الآخرين } ، يقول الفقير الذى يتحصل من هذا ان الابرار كثير من هذه الامة فى اوآئلها واواخرها وكذا من الامم السابقة واما السابقون فكثير من هذه الامة فى اوآئلها دون اواخرها كما دلت عليه الآية المتقدمة وكذا قول الحسن البصرى رحمه الله حيث قال رأيت سبيعن بدريا كانوا فيما احل الله لهم ازهد منكم فيما حرم الله عليكم وكانوا بالبلاء اشد منكم فرحا بالرخاء لو رأيتموهم قلتم مجانين ولو رأوا اخياركم قالوا مالهؤلاء من خلاق ولو رأوا اشراركم حكموا بأنهم لايؤمنون بيوم الحساب ان عرض عليهم الحلال من المال تركوه خوفا من فساد قلوبهم انتهى(15/42)
واما السابقون من الامم السالفة فان انظم اليهم الانبياء فهم اكثر من سابقى هذه الامة والا فلا كما حققناه سابقا وذلك ان زهاد الامم وان كانوا اكثر من زهاد هذه الامة لكنهم لعدم استقرار اكثرهم على اليقين قلوا واما هذه الامة فمن قلتهم بالنسبة اليهم كثروا لثباتهم على اليقين الاعتقاد والاعتصام بالقرءآن كما ورد فى بعض الاخبار(15/43)
وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41)
{ واصحاب الشمال } شروع فى تفصيل احوالهم وهم الكفار لقوله تعالى { والذين كفورا بآياتنا هم اصحاب المشأمة0عليهم نار مؤصدة } { ماصحاب الشمال } اى لاتدرى مالهم من الشر وشدة الحال يوم القيامة(15/44)
فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42)
{ فى سموم } اى هم فى حر نار تنفذ فى المسام وهى ثقب البدن وتحرق الاجساد والاكباد قال فى القاموس السموم الريح الحارة تكون غالبا فى النهار والحرور الريح الحارة بالليل وقد تكون بالنهار { وحميم } وهو الماء المتناهى فى الحرارة(15/45)
وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43)
{ وظل من يحموم } من دخان اسود بهيم فان اليحموم الدخان الاسود من كل شىء كما فى القاموس يفعول من الحمة بالضم وهو الفحم تقول العرب اسود يحموم اذا كان شديد السواد قال الضحاك النار سوداء واهلها سود وكل شىء فيها اسود ولذا لايكون فى الجنة الاسود الا الخال واشفار العين والحاجب ، يقول الفقير فيه تحذير عن شرب الدخان الشائع فى هذه الاعصار فانه يرتفع حين شربه ويكون كالظل فوق شاربه مع مالشربة من الغوآئل الكثيرة ليس هذا موضع ذكرها فنسأل الله العافية لمن ابتلى به اذ هو مما يستخبثه الطباع السليمة وهو حرام كما عرف فى التفاسير(15/46)
لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44)
{ لابارد } كسائر الظلال { ولا كريم } ولانافع من اذى الحر لمن يأوى اليه نفى بذلك ما اوهم الظل من الاسترواح يعنى انه سماه ظلا ثم نفى عنه وصيفة البرد والكرم الذى عبر به عن دفع اذى الحر لتحقيق انه ليس بظل والكرم صفة لكل مايرضى ويجرى فى بابه والظل يقصد لفائدتين لبرودته ودفع اذى الحر وان لم تحصل الاستراحة بالبرد لعدمه كمن فى البيوت المسدودة الاطراف بحيث لايتحرك فيها الهواء فان من يأوى اليها لايستأهلون للظل البارد والكريم الذى هو لأضدادهم فى الجنة(15/47)
إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45)
{ انهم كانوا كقبل ذلك مترفين } تعليل لابتلائهم بما ذكر من العذاب يقال ترف كفرح تنعم واترفه النعمة اطغته وانعمته وفلان اصر على البغى والمترف كمكرم المتروك يصنع مايشاء فلا يمنع كما فى القاموس اى انهم كانوا قبل ماذكر من سواء العذاب فى الدنيا منعمين بانواع النعم من المآكل والمشارب والمساكن الطيبة والمقامات الكريمة منهمكين فى الشهوات فلا جرم عذبوا بنقائضها(15/48)
وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46)
{ وكانوا يصرون على الحنث العظيم } اى الذنب العظيم الذى هو الشرك ومنه قولهم بلغ الغلام الحنث اى الحلم ووقت المؤاخذة بالذنب وحنث فى يمينه خلاف بر فيها وقال بعضهم الحنث هنا الكذب لانهم كانوا يحلفون بالله مع شركهم لايبعث الله من يموت ، يقول الفقير بدل على هذا مايأتى من قوله { ثم انكم ايها الضالون المكذبون } والحكمة فى ذكر سبب عذابهم مع انه لم يذكر فى اصحاب اليمين سبب ثوابهم فلم يقل انهم كانوا قبل ذلك شاكرين مذعنين التنبيه على ان ذلك الثوات منه تعالى فضل لا تستوجبه طاعة مطيع وشكر شاكر وان العقاب منه تعالى عدل فاذا لم يعلم سبب العقاب يظن ان هناك ظلما وفى الآية اشارة الى سموم نار البعد والحجاب وحميم القهر والغضب وظل شجرة الجهل مافيه برد اليقين كسائر الظلال ولا يسكن حرارة عطشهم من طلب الدنيا ولذاتها وما فيه كرم الهمة ايضا حتى يعينهم على ترك الدنيا وزينتها وزخارفها بل لايزالون يطلبون من الدنيا ماليس فيها من الاستراحة والاسترواح انه كانوا قبل ذلك متفرفين يعنى ما كان استظلالهم بشجرة الجهل المركب التى ليس فيها برد اليقين ولا كرم الهمة الا بسبب استعدادتهم الذاتية المجبولة على جب الشهوات واللذات قبل دخولهم فى الوجود العينى وايضا كان استضلالهم بشجرة الجهل لانهم كانوا فى محبة النفس والدنيا متمكنين فى الازل اذا الحنث العظيم هو حب النفس وحب الدنيا كما قال صلى الله عليه وسلم « حب الدنيا رأس كل خطيئة »
مر اطاعت نفس شهوت برست ... كه هر ساعتش قبله ديكر است
برمرد هيشار دنيا خست ... كه هر مدتى جاى ديكر كست(15/49)
وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47)
{ وكانوا } مع شركهم { يقولون } لغاية عتوهم وعنادهم { أئذا متنا } آيا وقتى كه بميريم { وكنا ترابا وعظاما } اى كان بعض اجزائنا من اللحم والجلد ترابا وبعضها عظاما نخرة وتقديم التراب لعراقته فى الاستبعاد وانقلابه من الاجزاء البادية واذا ممحضة للظرفية والعامل فيها مادل علهي قوله تعالى { أئنا لمبعوثون } لانفسه لان مابعدان واللام والهمزة لايعمل فيما قبلها وهو البعث وهو المرجع للانكار وتقييدها بالوقت المذكور ليس لتخصيص انكاره به فانهم منكرون للاحياء بعد الموت وان كان البدن على حاله بل لتقوية الانكار للبعث بتوجيهه اليه فى حالة منافية له بالكلية وليس مدار انكارهم كونهم ثابتين فى المبعوثية بالفعل فى حال كونهم ترابا وعظاما بل كونهم بعرضية ذلك واستعدادهم له ومرجعه الى انكار البعث بعد تلك الحالة(15/50)
أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48)
{ أو آبائنا الاولون } الواو للعطف على المستكين فى لمبعوثون ، يعنى آيا مدران وبدران بيشين مانيز مبعوث شوند(15/51)
قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49)
{ قل } رد الانكار هم وتحقيقا للحق { ان الاولين والآخرين } من الامم الذين من جملتهم انتم وآباؤكم وبالفارسية بدرستى كه بيشينيان از آباى شما وغير آن وبيشينان از شما وغير شما .
وفى تقديم الاولين مبالغة فى الرد حيث كان انكارهم لبعث آبائهم اشد من انكارهم لبعثهم مع مراعاة الترتيب الوجودى(15/52)
لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50)
{ لمجموعون } بعد الموت وكأنه ضمن الجمع معنى السوق فعدى تعديته بالى ولذا قال { الى ميقات يوم معلوم } الى ماوقتت به الدنيا وحدت من يوم معلوم لله معين عنده وهو يوم القيامة والاضافة بمعنى من كخاتم فضة والميقات هو الوقت المضروب للشىء ينتهى عنده او يبتدأ فيه ويوم القيامة ميقات تنتهى الدنيا عنده واول جزء منه فالميقات الوقت المحدود وقد يستعار للمكان ومنه مواقيت الاحرام للحدود التى لايتجاوزها من بريد دخول مكة الا محرما(15/53)
ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51)
{ ثم انكم } الخطاب لاهل مكة واضرابهم عطف على ان الاولين داخل تحت القول وثم للتراخى زمانا او رتبة { ايها الضالون } عن الحق والهدى { المكذبون } اى البعث(15/54)
لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52)
{ لآكلون } بعد البعث والجمع ودخول جنهم { من شجر الزقوم } من الاولى لابتداء الغاية والثانية لبيان الشجر وتفسيره اى مبتدئون الاكل من شجر هو الزقوم وهو شجر كربه المنظر والطعم حار فى اللمس منتن فى الرائحة وهى الشجرة الملعونة فى القرءآن قال اهل الحقيقة سدرة المنتهى اغصانها نعم لاله الجنة واصولها زقوم لاهل النار فهى مبدأ اللطف والقهر والجمال والجلال(15/55)
فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53)
{ فمالئون } بس يركنند كان باشيد ، يقال ملأ الاناء فهو مملوء من باب قطع والملىء بالكسر مقدر ما يأخذه الاناء اذا امتلأ { منها } اى من ذلك الشجر والتأنيث باعتبار المعنى { البطون } اى بطونكم من شدة الجوع او بالقسر وفيه بيان لزيادة العذاب وكما له اى لايكتفى منكم بنفس الاكل كما لايكتفى من يأكل الشىء تحلة القسم بل تلزمون بان تملأوا منها البطون اى يملأ كل واحد منكم بطنه او بطون الامعاء والاول اظهر والثانى ادخل فى التعذيب(15/56)
فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54)
{ فشارون عليه } اى على شجر الزقوم اى عقيب ذلك بلا ريث لعطشكم الغالب وتذكير ضمير الشجر باعتبار اللفظ { من الحميم } اى الماء الحار فى الغاية(15/57)
فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55)
{ فشاربون شرب الهيم } كالتفسير لما قبله اى لايكون شربكم شربا معتادا بل يكون مثل شرب الهيم وهى الابل التى بها الهيام وهو داء يصيبها يشبه الاستسقاء فتشرب ولا تروى الى ان تموت او تقسم سقما شديدا جمع اهيم وهيماء فاصله هيم كأحمر وحمر وفقلبت الضمة كسرة لتصح الياء والمعنى انه يسلط عليهم من الجوع والتهاب لنار فى احشائهم بمايضطرهم الى اكل الزقوم الذى هو كالمهل فاذا املأوا منه بطونهم وهو فى غاية الحرارة والمرارة سلط عليهم من العطش مايضطرهم الى شرب الحميم الذى يقطع امعاءهم فيشربونه شرب الابل العطاش وفيه بيان لزيادة العذاب ايضا اى لايكون شربكم ايها الضالون كشرب من يشرب ماء حارا منتنا فانه يمسك عنه اذا وجده مؤلما معذبا بخلاف شربكم فانكم تلزمون بان تشربوا منه مثل مايشرب الجمل الاهيم فانه يشرب ولايروى وفى الآية اشارة الى افراط النفس والهوى فى شرب ماء حميم الجهل والضلال وفى اكل زقوم المشتهيات المورثة للوبال ولغاية حرصها لاتزيد الا جوعا وعطشا ولا يملأ جوف ابن آدم الا التراب
كجا ذكر در انبان آز ... بسختى نفس ميكند يادراز(15/58)
هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56)
{ هذا } الذى ذكر من الزقوم والحميم او مايلقونه من العذاب { نزلهم } اى زرقهم المعد لهم اى كالنزل الذى يعد للنازل مما حضر مكرمة له { يوم الدين } اى يوم الجزآء فاذا كان ذلك نزلهم فما ظنك بحالهم بعدما استقر لهم القرار واطمأنت بهم الدار فى النار وفيه من التهكم مالا يخفى كما فى قوله تعالى { فبشرهم بعذاب أليم } لان مايعد لهم فى جهنم ليس مكرمة لهم والجملة مسوقة من جهته تعالى بطريق الفذلكة مقررة لمضمون الكلام الملقن غير داخلة تحت القول(15/59)
نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57)
{ نحن خلقناكم فلولا تصدقون } اى فهلا تصدقون أيها الكافرة بالخلق فان مالا يحققه العمل ولايساعده بل ينبىء عن خلافه ليس من التصديق فى شىء او بالبعث فان من قدر على الابدآء قدر على الاعادة ، اعلم ان الله تعالى اذا اخبر عن نفسه بلفظ الجميع يشير به الى ذاته وصفاته واسمائه كما قال { انا نحن نزلنا الذكر ون له لحافظون } وكما قال { انا انزلناه } واذا اخبر عن نفسه بلفظ المفرد يشير الى ذاته المطلقة كما قال { انى انا الله رب العالمين } هذا اذا كان القائل المخبر هو الله تعالى واما اذا كان العبد فينبغى أن يقول أنت يارب لا أنتم لايهامه الشرك المنافى لتوحيد القائل ولذا يقال أشهد أن لا اله الا الله ليدل على شهادته بخصوصه فتعين توحيده ويظهر تصديقه(15/60)
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58)
{ افرأيتم ماتمنون } اى تقذفونه وتصبونه فى ارحام النساء من النطف الى تكون منها الولد فقوله { أفرأيتم } بمعنى اخبرونى وما تمنون مفعوله الاول والجملة الاستفهامية مفعوله الثانى يقال امنى الرجل يمنى لايغر ومنبت الشىء امنية اذا قضيته وسمى المنى منيا لان الخلق منه يقضى(15/61)
أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59)
{ ءأنتم تخلقونه } اى تقدرونه وتصورونه بشرا سويا فى بطون النساء ذكرا او انثى { ام نحن الخالقون } له من غير دخل شىء فيه وام قيل منقطعة لان مابعدها جلمة فالمعنى بل أنحن الخالقون على ان الاستفهام للتقرير وقيل متصلة ومجيىء الخالقون بعد نحن بطريق التأكيد لا بطريق الخبرية اصالة وفيه اشارة الى معنى ان وقوع نطف الاعمال والافعال وموادها فى ارحام قلوبكم ونفوسكم بخلقى وارادتى لا بخلقكم وارادتكم ففيه تخصيص مواد لخواطر المقتضية للافعال والاعمال والاقوال الى نفسه وقدرته وسلبها عن الخلق(15/62)
نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60)
{ نحن قدرنا بيكم الموت } اى قسمناه عليكم ووقتنا موت كل احد بوقت معين حسبما تقتضيه مشيئتنا المبنية على الحكم البالغة فمنهم من يموت صغيرا ومنهم من يموت كبيرا ، يقول الفقير قيل لى فى بعض الاسحار اصبر ولا يكون الا ماقدر الله تعالى فمرضت بعد ايام ابنتى امة الله حتى ماتت جعلها الهل فرطا وذخرا وشافعة ومشفعة وقد ثبت ان ابراهيم عليه السلام تعلق باسمعيل فابتلى بذبحه وكذا يعقوب عليه السلام تعلق بيوسف فابتلى بالفراق فهذه كلها مقادير يحب الرضى بها { وما نحن بمسبوقين } اى انا قادرون(15/63)
عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61)
{ على أن نبدل } منكم { امثالكم } لايغلبنا احد على أن نذهبكم ونأتى مكانكم بأشباهكم من الخلق يقال سبقته على كذا اى غلبته عليه وغلب فلان فلانا على الشىء اذا اخذه منه بالغلبة { وننشئكم فيما لاتعلمون } من الخلق والاطوار لاتعهدون بمثلها وقال الحسن البصرى رحمه الله اى نجعلكم قردة وخنازير كمن مسخ قبلكم ان لم تؤمنوا برسلنا يعنى لسنا عاجزين عن خلق امثالكم بدلا منكم ومسخكم من صوركم الى غيرها ويحتمل ان الآية تنحو الى الوعيد فالمراد اما انشاؤهم فى خلق لايعلمونها أو صفات لايعلمونها يعنى كيفيات من الألوان والاشكال وغيرها وفى الحديث « ان اهل الجنة جرد مرد وان الجهنى ضرسه مثل أحد » وفى الآية اشارة الى ان الله تعالى ليس بعاجز عن تبديل الصفات البشرية بالصفات الملكية وجعل السالكين مظهر الصفات غير صفاتهم التى هم عليها اذ توارد الصفات المختلفة المتابينة على نفس واحدة على مقتضى الحكمة البالغة ليس من المحال ألا ترى الى الجوهر الواحد فانه يصير تارة فضة واخرى ذهبا بطرح الاكسير(15/64)
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62)
{ ولقد علمتم النشاة } اى الخلقة { الاولى } هى خلقتهم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة وقيل هى فطرة آدم من التراب { فلولا تذكرون } فهلا تتذكرون ان من قدر عليها قدر على النشأ الاخرى حتما فانها اقل صنعا لحصول المواد وتخصص الاجزآء وسبق المثال
آنكه مارا زخلوت تابود ... مى كشد تابجلوه كاه وجود
بار ديكركه از سموم هلاك ... روى بوشيم زير برده خاك
هم نواند بامر كن فيكون ... كارد از كوشه لحد بيرون
وفى الخبر عجبا كل العجب للمكذب بالنشأة الآخرة وهو يرى النشأة الاولى وعجبا للمصدق بالنشأة الآخرة وهو يسعى لدار الغرور وفى الآية دليل على صحة القياس حيث جهلهم فى ترك قياس النشأة الاخرى على الاولى وترك القياس اذا كان جهلا كان القياس وكل ما كان من قبيل العلم فهو صحيح ( وفى المثنوى )
مجتهد هركه كه باشد نص شناس ... اندر آن صورت نينديشد قياس
جون نيايد نص اندر صورتى ... از قياس آنجا نمايد عبرتى
اين قياسات وتحرى روزا بر ... نابشت مر قبله راكردست حبر
ليك باخورشيد وكعبه بيش رو ... اين قياس واين تحرى مجو
ومنه يعلم بطلان قياس ابليس فانه قياس على خلاف الامر عنده وروده ( كما قال فى المثنوى )
اول آنكس كين قياسكها نمود ... بيش انوار خدا ابليس بود
كفت نار ازخاك بى شك بهترست ... من زنار واوز خاك اكدرست
بس قياس فرع براصلش كنيم ... او ز ظلمت مازنور روشنيم
كفت حق نى بلكه لا انساب شد ... زهد وتقوى فضل را محراب شد
وفيه اشارة الى انا اذا قدرنا على انشاء النشأة الاولى البشرية الطبيعية الدنيوية مع عدم مداة المواد الصفاتية فمن استعجز قدرة الله فقد كفر ألا ترى الى محرومى البداية مرزوقى النهاية مثل ابراهيم بن آدهم وفضيل بن عياض ومالك بن دينار وغيرهم قدس الله اسرارهم فان الله تعالى أنشأهم نشأة اخرى ولو بعد حين(15/65)
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63)
{ أفرأيتم } اخبرونى وبالفارسية اخبار كنيد { ماتحرثون } اى تبذرونه من الحب وتعملون فى ارضه بالسقى ونحوه والحرثة القاء البذر فى الارض وتهيئتها للزرع(15/66)
أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64)
{ ءأنتم تزرعونه } تنبتونه وتردونه نباتا يربو وينمو الى أن يبلغ { ام نحن الزارعون } اى المنبتون لاأنتم والزرع الانبات وحقيقة ذلك كون بالامور الالهية دون البشرية ولذا نسب الحرث اليهم ونفى عنهم الزرع ونسبه الى نفسه وفى الحديث « لايقولن احدكم زرعت وليقل حرثت فان الزرع هو لله » والحاصل ان الحرث فعلهم من حيث ان اختيارهم له مدخل فى الحرث والزرع خالص فعل الله فان انبات السنبل والحب لامدخل فيه لاختيار العبد اصلا واذا نسب الزرع الى العبد فلكونه فاعلا للاسباب التى هى سبب الزرع والانبات فى الاسئلة المقحمة الاصح ان الحرث والزرع واحد كقوله تعالى { ولاتقسى الحرث } فهلا أضاف الحرث الى نفسصه ايضا والجواب ان اضافة الحرث الينا اضافة الاكتساب واضافته الى نفسه اضافة الخلق والاختراع كقوله تعالى { ومارميت اذ رميت } قال الحليمى يستحب لكل من ألقى فى الارض بذرا أن يقرأ بعد الاستعاذة { أفرأيتم } الى قوله { بل نحن محرمون } ثم يقول الله الزارع والمنبت والمبلغ اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد وارزقنا ثمره وجنبنا ضرره واجعلنا لأنعمك من الشاكرين ويقال ان هذا القول امان لذلك الزرع من جميع الآفات الدود والجراد وغير ذلك وفى الآية امتنان ليشكروا على نعمة الزرع واستدلال بان من قدر على الانبات قدر على الاعادة فكما انه ينبت الحب فى الارض وينبت بذر النطفة فى الرحم فكذا ينبت من حب عجب الذنب فى القبر فان كلها حب وذلك لان بذر النطفة وكذا عظم عجب الذنب شىء كخر دلة كما اسلفناه(15/67)
لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65)
{ لو نشاء } لو للمضى وان دخل على المضارع ولذا لاجزمه فهو شرط غير جازم اى لو أردنا { لجعناه } اى الزرع بمعنى المزروع { حطاما } الحطم كسر الشىء مثل الهشم ونحون ثم استعمل لكل كسر متناه والمعنى هشيما اى يابسا متكسرا متفتتا بعدما انبتناه وصار بحيث طمعتم فى حيازة غلاله وجمعها { فظلتم } اى فصرتم بسبب ذلك { تفكهون } تتعجبون من سوء حاله اثر ماشاهدتموه على أحسن مايكون من الحال او تندمون على فعلتم فيه من الاجتهاد وانفقتم عليه او تندمون على ماأصابتم لاجله من المعاصى فتتحدثون فيه والتفكه التنقل بصنوف الفاكهة وقد استعير للتنقل بالحديث وقرىء تفكنون بالننون والتفكن التعجب والتفكر والتندم ومنه الحديث مثل العالم كمثل الحمة يأتيها العبدآ ويتركها القرباء فبيانهم اذعار ماؤها فانتفع بها قوم يتفكنون اى يتندمون والحمة العين الحارة من الحميم وهو الماء الحار يستشفى به الاعلاء والمرضى(15/68)
إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66)
{ انا لمغرومون } حال من فاعل تفكهون اى قائلين انا لملزمون غرامة ما انفقنا والغرامة ان يلزم الانسان ماليس فى ذمته وعليه كما فى المغرب او مهلكون بهلاك رزقنا او بشؤم معاصينا من الغرام وهو الهلاك(15/69)
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67)
{ بل نحن محرومون } حرمن رزقنا او محدودون لامجدودون اى ممنوعون من الحد وهو المنع لاحظ لنا ولاجد ولابخت ولو كنا مجدودين لما فسد علينا هذا ( روى ) عن انس ابن مالك رضى الله عنه قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بارض الانصار فقال « مايمنعكم من الحرث » قالوا الجدوبة قال « أفلا تفعلون فان الله تعالى يقول أنا الزارع ان شئت زرعت بالماء وان شئت زرعت بالريح وان شئت زرعت بالبذر » ثم تلا رسول الله عليه السلام { أفرأيتم ماتحرثون } الآية ففى الحديث اشارة الى الله تعالى هو الذى يعطى ويمنع باسباب وبغيرها فالتوحيد هو أن يعتقد أن التأثير من الله تعالى لامن غيره كالكوكب ونحوه فانه يتهم النفس بالمعصية القاطعة للرزق وفى الحديث « ماسنة بأمطر من اخرى لكن اذا عمل قوم بالمعاصى حول الله ذلك الى غيرهم فاذاعصوا جميعا صرف الله ذلك الى الفيافى والبحار » وفى الحديث « دم على الطهارة يوسع عليك الرزق » فاذا كان تو سيع الرزق فى الطهارة فتضييقه فى خلافهما والرزق ظاهر وباطن وكذا الطهارة والنجاسة فلا بد لطالب الرزق مطلقا أنيكون على طهارة مطلقة دآئما فان قلت فما حال اكثر السلف فانهم كانوا فقرآء مع دوام الطهارة قلت كان السلف فى الزرق المعنوى اكثر من الخلف وه والمقصود الاصلى من الرزق انما كانوا فقرآء فى الظاهر لكمال افتقارهم الحقيقى كما قال عليه السلام « اللهم أغننى بالافتقار اليك » فمنعوا عنى الغنى الصورى تطبيقا لكل من الظاهر والباطن بالآخر فهم أغنى الاغنياء فى صورة الفقرآء وماعداهم ممن ليس على صفتهم افقر الفقراء فى صورة الاغنياء فالمرزوق من رزق غذآء الروح من الواردات والعلوم والفيوض والمحروم من حرمه فاعرفه ( وفى المثنوى )
فهم نان كردن نه حكمت اى رهى ... زانكه حق كفت كلوا من رزقه
رزق حق حكمت بود در مرتبت ... كان كلو كيرت نباشد عاقبت
آن دهان بستى دهانى باز شد ... كه خورنده لقمهاى راز شد
كرز شير ديوتن را بروى ... در فطام او بسى نعمت خورى(15/70)
أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68)
{ أفرأيتم } خبر نماييد { الماء الذى تشربون } عذبا فراتا وتخصيص هذا الوصف بالذكر مع كثرة منافعه لان الشرب اهم المقاصد المنوطة به(15/71)
أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69)
{ ءأنتم أنزلتموه من المزن } اى من السحاب واحده مزنة وقيل هو السحاب الابيض وماؤه اعذب { ام نحن المنزلون } له بقدرتنا والرؤية ان بمعنى العلم فملعقة بالاستفهام وان كانت بمعنى الابصار والمعرفة فالجملة الاستفهامية استئناف وهذا اختبار الرضى(15/72)
لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70)
{ لو نشاء جعلناه اجاجا } ملحا زعاقا لايمكن شربه وحذف اللام فى الشرطية الاولى للفرق بين المطعوم والمشروب فى الاهمية وصعوبة الفقد يعنى ان امر المطعوم ههنا مع اثباتها مقدم على المشروب وان الوعيد بفقده أشد وأصعب من قبل ان المشروب انما يحتاج اليه تبعا للمطعوم { فلولا تشكرون } فهلا تشكرون ماذكر جميعا من المطعوم والمشروب بتوحيد منعمه واطاعة امره او فلولا تشكرون على ان جعلناه عذبا وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان تحت العرش بحرا تنزل منه ارزاق الحيوانات يوحى الله اليه فيمطر ماشاء من سمء الى سماء حتى ينتهى الى سماء الدنيا ويوحى الى السماء ان غربليه فتغربله فليس من قطرة تقطر الا معها ملك يضعها موضعها ولا ينزل من السماء قطرة الا بكيل معلوم ووزم معلوم الا ماكان من يوم الطوفان فانه نزل بغير كيل ولا وزن وقال بعض الحكماء ان المطر يأخذه قوس الله من البحر الى السحاب ثم ينزل من السحاب الى الارض قال بعضهم هو أدخل فى القدرة لان ماء البحر مر فيصعد ملحا وينزل عذبا وفى الآية اشارة الى ان بعض بلاد العرب ليس لها آبار ولا انهار جارية فلا يشرب اهلها الا من المطر فى المصانع فمنها القدس الشريف وينبع وجدة المحروسة ونحوهها وللماء العذب مزيد فضل فى هذه البلاد ولذا امتهن الله به على العباد وفيها اشارة الى ماء معرفة والعلم الالهى فانه ليس بالكسب والاجتهاد بل بمحض عطاء الله تعالى ولو شاء الله لجهل الماء العذب الجارى من شمرب الكشف والشهود ماء ملحا جاريا من مشرب الحجاب والجهالة والضلالة فلا بد من الشرك على نعم المعارف والحقائق والحكم .
واعلم ان من حفر بئر فما أن يصل الى الماء او لا فان وصل فاما أن يكون ذلك الماء مالحا او عذبا فعلى تقدير كونه عذبا ليس كالمطر الحاصل بلا اسباب فانه طيب طاهر خالص فهذا مثل علم علماء الرسوم ومثل علم علماء الحقيقة فان الانبياء والاولياء ملهمون من عند الله تعالى ولا خطأ فى لوحى والالهام اصلا ولذا تقول ان علم الصوفية هو العلم الصواب كله فعلمهم تذكرى ليس لهم احتياج الى ترتيب المقدمات بخلاف علماء الرسوم فان علمهم تفكرى هتاج الى ذلك ولا بد لطالب الفيض من تهيئة المحل قبل وروده ألا ترى الى صاحب الحرث فانه يشتغل بتهيئة الارض والقاء البذر ولا يدرى من ينزل المطر فاذا نزل أصاب محزه ، ثم اعلم ان الورح ينزل بالمطر وله تعين فى كل نشأ بما يناسبه فعند تمام الخلقة فى الرحم ينفخ الله تعالى الروح وهو عبارة عن تعين الروح وظهوره لكن عبر عنه بالنفخ لان العقل قاصر عن دركه وكان عليه السلام يكشف رأسه عند نزول المطر ويقول حديث عهد بربه فالروح روح كان سبب للحياة مطلقا فينبغى تلقى التجليات الواردة من قبل الحق بهيئة المحل كما ان النبى عليه السلام كشف رأسه وهيأ محل نزول المطر وذلك لان المطر ينزل من العلو فلقى على أعلى شىء فى الانسان وهو الرأس(15/73)
أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71)
{ أفرأيتم النار التى تورون } الا يرآء آتش از آتش زنه بيرون كردن ، اى تقدحونها وتستخرجونها من الزناد والعرب تقدح بعودين تحك احدهما على الآخر ويسمون الأعلى الزند والاسفل الزندة شبهوهما بالفحل والطروقة يقال ناقة طروقة اى بلغت أن يضربها الفحل لان الطرق الضرب(15/74)
أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72)
{ ءأنتم أنشأتم شجرتها } التى منهال الزناد وهى المرخ والعفار كما مر فى صورة يس { ام نحن المنشئون } لها بقدرتنا(15/75)
نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73)
{ نحن جعلناها تذكرة } استئناف مبين لمنافعها اى جعلنا نار الزناد تذكير النار جهنم من حيث عقلنا بها اسباب المعاش لينظروا اليها ويذكروا ما اوعدوا به من نار جهنم او تذكرة وموعظة وانموذجا من جهنم لما روى عن النبى عليه السلام « ناركم هذه التى يوقدها بنوا آدم جزؤ من سبعين جزأ من حر جهنم » وقيل تبصره فى امر البعث فانه ليس ابدع من اخراج النار من الشىء الرجب وفى عين المعانى وهو حجة على منكرى عذاب الفقير حيث تضمن النار مالا يحرق ظاهره { ومتاعا } ومنفعة وبلغة لان حمل النار يشق { للمقوين } للذين ينزلون القوآء بالفتح وهو القفر الخالى عن الماء والكلاء والعمارة وهم المسافرون وتخصيصهم بذلك لانهم احوج اليها ليهرب منها السباع ويسطلوا من البرد ويجففوا ثيابهم ويصلحوا طعامهم فان المقيمين او النازلين بقرب منهم ليسوا بمضطرين الى الاقتداح بالزناد وتأخير هذه المنفعة للتنبيه على ان الاهم هو النفع الاخروى يقال اقوى الرجل اذا نزل فى الارض القوآء كأصحر اذا دخل فى الصحراء وفى الحديث قال النبى عليه السلام لجبريل « مالى لم أر ميكائيل ضاحكا قط قال ماضحك ميكائيل منذ خلقت النار » وعن انس رضى الله عنه يرفعه ان أدنى اهل النار عذابا الذى يجعل له نعلان يغلي منهما دماغه فى رأسه وفيه بيان شدة نار جهنم وانها ليست كنار الدنيا وقانا الله واياكم منها وفى الآية اشارة الى نار المحبة المشتعلة الموقودة بمقدح الطلب فى حراقة قلب المحب الصادق فى سلوك طريق الحق وشجرتها هى العناية الالهية السرمدية يدل هذا التأويل قول العارف أبى الحسين المنصور قدس سره حين سئل عن حقيقة المحبة هى العناية الالهية السرمدية لولاها ما كنت تدرى مالكتاب ولا الايمان نحن جعلناها تذكرة لأرباب النفوس البشرية ليهتدوا بنورها الى سلوك طريق الحق { ومتاعا للمقوين } اى غذآء لأرواح المحبين الطاوين اياما وليالى عن الطعام والشراب كما حكى عن سهل التسترى رحمه الله انه كان يطوى ثلاثين يوما وعن أبى عقيل المغربى قدس سره انه ما اكل سنتين وهو مجاور بمكة وعن كثير من المرتاضين السالكين وانما رفع ادريس عليه السلام الى السماء الرابعة لمبالغته فى التجريد والترويح حتى ان الروحانية غلبت عليه فخلع بدنه وخالط الملائكة واتصل بروحانية الافلاك وترقى الى عالم القدس وقد اقامه ستة عشر عاما لم ينم ولم يطعم شيأ ولم يتزوج قط لزوال الشهوة بالكلية حتى صار عقلا مجردا من كثرة الرياضة ورفع الى اعلا الامكنة وهو المكان الذى يدور عليه رحى عالم الافلاك وهو فلك الشمس ثم نار المحبة اشد النيران قال الجنيد قدس سره قالت النار يارب لو لم اطعمك هل كنت تعذبنى بشىء هو اشد منى قال نعم كنت اسلط عليك نارى الكبرى قالت هل نار اعظم منى قال نعم نار محبتى اسكنها قلوب اوليائى المؤمنين كما فى فتح القريب
مهر جانان آتش است عشاق را ... مى بسوزد هستىء مشتاق را(15/76)
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)
{ فسبح باسم ربك العظيم } لم يقل فسبح ربك لان سبح منزل منزلة اللازم ولم يعتبر تعلقه بالمفعول ومعناه فأحدث التسبيح بذكر اسمه تعالى اضمار المضاف شكرا على تلك النعم وان جحدها الجاحدون أو بذكره على المجاز فان اطلاق الاسم للشىء ذكر له والباء للاستعانة او الملابسة والمراد بذكر ربه هنا تلاوة القرءآن والعظيم صفة للاسم او الرب قال ابن عطاء رحمه الله سبحه ان الله اعظم من أن يلحقه تسبيحك او يحتاج الى شىء منك لكنه شرف عبيده بأن امرهم أن يسبحوه ليطهروا أنفسهم بما ينزهونه به(15/77)
فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75)
{ فلا أقسم } اى فاقسم ولامزيدة للتأكيد وتقوية الكلام كما فى قوله تعالى { لئلا يعلم اهل الكتاب } وما قيل ان المعنى فلا أقسم اذ الامر اوضح من أن يحتاج الى قسم خصوصا الى مثل هذا القسم العظيم فيأباه تعيين المقسم به وتفخيم شأن المقسم به { بمواقع النجوم } اى بمساقطها وهى مغاربها وتخصيصها بالقسم لما فى غروبها من زوال اثرها والدلالة على وجود مؤثر دآئم لا يتغير او لان ذلك وقت قيام المتهجدين والمبتهلين اليه تعالى وأوان نزول الرحمة والرضوان علهيم او بمنازلهم ومجاريها فان له تعالى فى ذلك من الدليل على عظم قدرته وكمال حكمته مالا يحيط به البيان وقيل النجوم نجوم القرءآن ومواقعها اوقات نزولها واليه ذهب ابن عباس رضى الله عنهما وقيل النجوم الصحابة والعلماء الهادون بعدهم ومواقعهم القبور وقيل غير ذلك(15/78)
وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77)
{ وانه } اى القسم المذكور { لقسم لو تعلمون عظيم } لما فى القسم به من الدلالة على عظم القدرة وكمال الحكمة وفرط الرحمة ومن مقتضيات رحمته أن لايترك عباده سدى بغير كتاب قوله { لو تعلمون } اعتراض بين الصفة والموصوف لتأكيد تعظيم المحلوف به وجوابه متروك أريد به نفى علمهم او محذوف ثقة بظهوره اى لعظمتموه او لعملتم بموجبه ففيه تنبيه على تقصير المخاطبين فى الامر وعظيم صفة قسم وهذه الجملة ايضا اعتراض بين القسم وجوابه الذى هو قوله تعالى { انه لقرءآن كريم } هو المقسم عليه اى لكتاب كثير النفع لاشتماله على اصول العلوم المهمة فى صلاح المعاش والمعاد على أن يستعار الكرم ممن يقوم به الكرم من ذوى العقول الى غيرهم او حسن مرضى فى جنسه من الكتب او كريم عند الله وقال بعضهم كريم لانه يدل على مكارم الاخلاق ومعالى الامور وشرآئف الافعال وقيل كريم لنزوله من عند كريم بواسطة الكرام الى اكرم الخلق(15/79)
فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78)
{ فى كتاب مكنون } اى مصون عن غير المقربين من الملائكة اى لايطلع عليه من سواهم وهو اللوح المحفوظ(15/80)
لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)
{ لايسمه الا المطهرون } اما صفة اخرى للكتاب فالمراد بالمطهرين الملائكة المنزهون عن الكدورات الجسمانية واوضار الاوزار وللقرءآن فالمراد المطهرون من الاحداث مطلقا فيكون نفقيا بمعنى النهى اى لاينبغى أن يمسه الا من كان على طهارة من الادناس كالحدث والجنابة ونحوهما على طريقة قوله عليه السلام « المسلم أخو المسلم لايظلمه ولا يسلمه » اى لاينبغى له أن يظلمه او يسمله الى من يظلمه فالمراد من القرءآن المصحف سماه قرءآنا على قرب الجوار والاتساع كما روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرءآن الى ارض العدو وأراد به المصحف وفى الفقه لايجوز لمحدث بالحدث الاصغر وهو مايوجب الوضوء مس المصحف الا بغلافه المنفصل الغير المشرز كالخريطة ونحوها لان مسه ليس مس القرءآن حقيقة لا المتصل فى الصحيح وهو الجلد المشرز لانه من المصحف يعنى تبع له حتى يدخل فى بيعه بلا ذكر وهذا اقرب الى التعظيم وكره المس بالكم لانه تابع للحامل فلا كيون حائلا ولهذا لو حلف لايجلس على الارض فجلس وذيله بينه وبين الارض حنث وانما منع الاصغر عن مس المصحف دون تلاوته لانه حل اليد دون الفم ولهذا لم يجب غسله فى الوضوء ، والجنابة كانت حالة كليهما ولا يرد العين لان لجنب حل نظره الى مصحف بلا قرآءة كذا لايجوز لمحدث مس درهم فيه سورة الا بصرته ولا لجنب دخول المسجد الا لضرورة فان احتاج الى الدخول تيمم ودخل لانه طهارة عند عدم الماء ولا قرآءة القرءآن ولو دون آية لان مادونها شىء من القرءآن ايضا الا على وجه الدعاء او الثناء كالبسملة والحمدلة وفى الاشباه لو قرأ الفاتحة فى صلاته على الجنازة ان قصد الدعاء والثناء لم يكره وان قصد التلاوة كره وفيه اشارة الى ان حكم القراءة يتغير بالقصد ويجوز للجنب الذكر والتسبيح والدعاء .
والحائض والنفساء كالجنب فى الاحكام المذكورة ويدفع المصحف الى الصبى اذا فى الامر بالوضوء حرج بهم وفى المنع تضيع حفظ القرءآن اذ الحفظ فى الصغر كالنقش فى الحجر وفى الاشباه ويمنع الصبى من مس المصحف انتهى والتوفيق ظاهر وفى كشف الاسرار واما الصبيان فلا صحابنا فيهم وجهان احدهما انهم يمنعون منه كالبالغين والثانى انه لايمنعون لمعنيين احدهما ان الصبى لو منع ذلك ادى الى أن لايتعلم القرءآن ولا يحفظه لان وقت تعلمه وحفظه حال الصغر والثانى ان الصبى وانت كانت له طهارة فليست بكاملة لان النبية لاتصلح منه فاذا جاز أن يحمله على غير ظهر كامل جاز أن يحمله محدثا ودر انوار مذكور است كه جنب وحائض را بقول ابى يوسف جائزست كتابت قرآن وقتى كه لوح برزمين بودنه بركنار ونزد محمد بهيد وجه روانيست ومحمد بن فضل رحمه الله فرموده كه مراد ازين طهارت توحيدست يعنى بايدكه از غير موحدان كسى قرآن نخواند وابن عباس رضى الله عنه نهى ميكرد ازانكه يهود ونصارى را تمكين دهند از قرآءت قرآن ، وقال بعضهم يجوز للمؤمن تعليم القرءآن للكافر رجاء هدايته الى الاسلام ، ومحققان كفته اند مراد از مس اعتقادست يعنى معتقد نباشد قرآ نرا اكر ياكيزه دلان كه مؤمنانند وياتفسير وتأويل آن ندانند الا آنها كه سر ايشان باك باشد از ماسوى الله(15/81)
جمال حضرت قران نقاب انكه براندازد ... كه دار الملك معنى را مجرد بينداز غوغا
ودر بحر الحقائق فرموده كه مكاشف نشود باسرار قرآن مكر كسى كه ياكيزه كردد ازلوث توهم غير وبرسد بمقام شهود حق درمر آى خلق واين معنى ميسر نشود جز بفناى مشاهد وشهود در مشهورد
جون تجلى كردد اوصاف قديم ... بس بسوزد وصف حادث راكليم
وتحقيقه ان الهاء اشارة الى الهوية الالهية فانه لايمس سرها الا المطهرون عن جنابة كل مقام من المقامات الوجودية وهى التعلق به والبعد بواسطته عن الحق المطلق والمطهر بالفتح لابد له من المطهر بالكسر وهو تعالى فالعبد لايطهر نفسه ولا يزكيها وانما يطهره الله ويزكيه فان طهره الله وزكاه فهم مراد القرءآن ولذا قال بعض الكبرآء ان القرءآن بكراى بالنسبة الى علماء الظاهر والرسم فان الذى فهموه من القرءآن انما هو ظاهره ومزاياه المتعلقة به وانما حل عقدته علماء الباطن والحقيقة لان الله تعالى قال { واتقوا الله ويعلمكم الله } فهم اهل التقوى الحقيقى ولذا علمهم الله مالم يعلم احدا من العالمين وان كان القرءآن لاتنقضى عجائبه وقس عليه الحديث فان مراد رسول الله عليه السلام على الحقيقة لايفهمه الا أهل الحقيقة ومن ثمة اقتصر علماء الحديث وشراحه على بيان الاعراب المفهوم الظاهرى من غير أن يتعرضوا لحقائقه فأين شرح النووى والكرمانى وابن حجر ونحوهم من شرح الصدر القنوى ونحوه رضى الله عنهم(15/82)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80)
{ تنزيل من رب العالمين } صفة اخرى للقرءآن وهو مصدر نعت به حتى جرى مجرى اسمه يعنى ان التنزيل بمعنى المنزل سمى المنزل على اتساع اللغة كما يقال للمقدور قدر وللمخلوق خلق على قوله من يجيزه(15/83)
أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81)
{ أفبهذا الحديث } الذى ذكرت نعوته الجليلة الموجبة لاعظامه واجلاله وهو القرءآن الكريم وسماه حديثا لان فيه حوادث الامور كما فى كشف الاسرار وهو متعلق بقوله { مدهنون } وجاز تقديمه على المبتدأ لان عامله يجوز فيه ذلك والاصل أفأنتم مدهنون بهذا الحديث { أنتم } ياهل مكة { مدهنون } الادهان فى الاصل مثل التدهين لكن جعل عبارة عن المداراة والملاينة وترك الجد والمعنى متهاونون به ومستحقرون كمن يدهن فى الامر اى يلين جانبه ولا يتصلب فيه تهاونا به وفى تاج المصادر الادهان مداهنت كردن وغسل كردن .
قال فى الاحياء الفرق بين المداهنة والمداراة بالغرض الباعث على الاغضاء فان أغضبت السلامة دينك ولما ترى فيه من اصلاح اخيك بالاغضاء فانت مدار وان أغضبت لحظ نفسك واجتلاب شهواتك واسلامة جاهك فأنت مداهن قال ابو الدردآء رضى الله عنه انا لنبش فى وجوه اقوام وان قلوبنا لتعلنهم وهذا معنى المدارة وهو منع شر من يخاف شره(15/84)
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)
{ وتجعلون رزقكم } اى شكر رزقكم بتقدير المضاف ليصح المعنى والرزق فى الاصل مصدر سمى به مايرزق والمراد نعمة القرءآن { انكم تكذبون } اى تضعون التكذيب لرازقه موضع الشكر او تجعلون شكر رزقكم الصورى انكم تكذبون بكونه من الله حيث تنسبونه الى الانواء وكان عليه السلام يقول « لوحبس الله اقطر عن امتى عشر سنين ثم انزل لاصبحت طائفة منهم يقولون سقينا بنوء كذا » وقال عليه السلام « اخوف ماأخاف على امتى حيف الائمة والتكذيب بالقدر والايمان بالنجوم » ( روى ) انه عليه السلام صلى صلاة الصبح بالحديبية فى اثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال « هل تدرون ماذا قال ربكم » قالوا الله ورسوله اعلم قال « اصبح من عبادى مؤمن بى وكافر فاما من قال مطرنا بفضل الله وبرحمته فذلك مؤمن بى كافر بالكواكب وما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بى مؤمن بالكواكب » وفى الحديث « ثلاث من امر الجاهلية العطن فى الانساب والنياحة والانواء » فالطعن معروف والنياحة البكاء على الميت مع تعديد محاسنه والانوآء جمع نوء المنازل الثمانى والعشرون للقمر والعرب كانت تعتقد ان الامطار والخير كله يجيىء منه وفى حواشى ابن الشيخ فى سورة الفرقان الانواء النجوم التى يسقط واحد منها فى جانب المغرب وقت طلوع الفجر ويطلع رقيبه فى جانب المشرق من ساعته والعرب كانت تضيف الامطار والرياح والحر والبرد الى الساقط منها وقيل الى الطالع منها انتهى
وفى القاموس النوء النجم مال للغروب او سقوط النجم فى المغرب مع الفجر وطلوع آخر يقابله من ساعته فى المشرق انتهى فظهر ان التأثير من الله تعالى فى الاشياء فيجيب على المؤمن أن يعتقده منه تعالى لا من الافلاك والنجم والدهر ونحوهما وفى هدية المهديين لو صاحت الهامة او طير آخر فقال رجل يموت المريض يكفر ولو خرج الى السفر ورجع فقال ارجع لصياح العقعق كفر عند بعضهم وقيل لا ولو قال عند صياح الطير غله كران مى خواهد شد ، فقد اختلف المشايخ فى كفره وجه الكفر ظاهر لانه ادعى الغيب انتهى والناس يتشاءمون بأصوات بعض الطيور كالهامة واليوم ( كما قال الشيخ سعدى )
بلبلا مرده بهار بيار ... خبرى بدببوم باز كذار
فان يكن هناك اعتقاد التأثير منها فذلك كفر والا فمرجد التشاؤم لايوجب الكفر خصوصا اذا كان القول بطريق الاستدلال من الامارات والأليق بحال المؤمن حمل مثل ذلك على التنبيهات الالهية فان الله فى كل شىء حكمة لا القطع على المقدورات والجزم فيما لايبلغ علمه كنهه فان الله يحيى ويميت ويوقظ وينيم بأسباب وبغيرها(15/85)
فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83)
{ فلولا } بس جرا { اذا بلغت الحلقوم } لولا للتحضيض لاظهار عجزهم واذا ظرفية والحلقوم مجرى الطعام وفى كشف الاسرار مجرى النفس البعلوم مجرى الطعام اى فهلا اذا بلغت النفس اى الروح او نفس احدكم وروحه الحلقوم وتداعت الى الخروج وهو كناية عن غير مذكور وفى الحديث « ان ملك الموت له اعوان يقطعون العروق ويجمعون الروح شيأ فشيا حتى ينتهى بها الى الحلقوم فيتوفاها ملك الموت »(15/86)
وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84)
{ وانتم } الواو للحال من فاعل بلغت اى والحال انتم أيها الحاضرون وحول صاحبها { حينئذ } آن هنكام { تنظرون } الى ماهو فيه من الغمرات ولكم تعطف عليه ووفور رغبة فى انجائه من المهالك(15/87)
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85)
{ ونحن أقرب اليه } اى الى المحتضر علما وقدرة وتصرفا قال بعضهم عبر عن العلم بالقرب الذى هو اقوى سبب الاطلاع { منكم } حيث لاتعرفون حاله الا ماتشاهدونه من آثار الشدة من غير أن تقفوا على كنهها وكيفيتها واسبابها ولا أن تقدروا على دفع أدنى شىء منها ونحن المتولون لتفاصيل احواله بعلمنا وقدرتنا او بملائكة الموت الذين يقبضون روحه { ولكن لاتبصرون } لاتدركون كنه مايجرى عليه لجهلكم بشؤوننا فقوله { لاتبصرون } من البصيرة لا من البصر والأقرب تفسيره بقوله { لاتدركون } كوننا أعلم به منكم كما فى حواشى سعدى المفتى قال البقلى رحمه الله قرب بالتفاوت قرب العلم وقرب بالاحاطة وقرب بالفعل وقرب بالصفة وقرب بالقهر وقرب باللطف والمسافة والمكان منفى على ذاته وصفاته ولكن يتجلى القلوب من عين العظمة لاذابتها برؤية القهر ولقلوب من عين الجمال ليعرفها الاصطفائية وذلك القرب لايبصره الا أهل القرب وشواهده ظاهرة لأهل المعرفة وفى الخطاب تحذير وترهيب(15/88)
فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86)
{ فلولا } بمعنى هلا { ان كنتم غير مدينين } اى غير مجزيين مملوكين اذلاء من دان السلطان رعيته اذا ساسهم واستعبدهم وفى المفردات او غير مجزيين فان الدين الجزآء ايضا وهو ناظر الى قوله تعالى { نحن خلقانكم فلولا تصدقون } فان التحضيض يستدعى عدم المحضض عليه حتما(15/89)
تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87)
{ ترجعونها } اى النفس الى مقرها وتردون روح ميتكم الى بدنه من الرجع وهو الرد العامل فى اذا والمحضض عليه بلولا الاولى والثانية مكررة للتأكيد وهى مع مافى حيزها دليل جواب الشرط والمعنى ان كنتم غير مربوبين كما ينبىء عنه عدم تصديقكم بخلقنا اياكم فهلا ترجعون النفس الى مقرها عند بلوغها الحلقوم { ان كنتم صادقين } فى اعتقادكم فان عدم تصديقهم بخالقيته تعالى لهم عبارة عهن تصديقهم بعدم خالقيته تعالى بموجب مذهبهم اى فاذا لم يمكنكم ذلك فاعلموا ان الامر الى غيركم وهو الله تعالى فآمنوا به وهو تكرير للتأكيد لامن اعتراض الشرط اذ لا معنى له هنا(15/90)
فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88)
{ فاما ان كان من المقربين } هو قرب درجاتهم من العرش بعد الممات اثر بيان حاله عند الوفاة اى فما ان كان المتوفى من المقربين وهم اجل الازواج الثلاثة(15/91)
فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89)
{ فروح } اى فله استراحة وقرىء بضم الرآء وفسر بالرحمة لانها سبب لحياة المرحوم فاطلاقه على الرحمة استعارة تصريحية وبالحياة الدآئمة التى لاموت فيها قال بعضهم الروح يعبر به عن معانٍ فالروح روح الاجسام الذى يقبض عد الممات وفيه حياة النفس والروح جبرآئيل لانه كان ياتى الانبياء بما فيه حياة القلوب وعيسى روح الله لانه كان من نفخ جبرآئيل وأضيف الى الله تعظيما وكلام الله روح لانه حياة من الجهل موت الكفر ورحمة الله روح كقوله تعالى { وأيدهم بروح منه } اى برحمة والرح الرزق لانه حياة الاجساد وفى القاموس الروح بالضم مافيه الروح مابه حياة الانفس وبالفتح الراحة والرحمة ونسيم الريح ومكان روحانى طيب والروحانى بالضم مافيه الروح وفى كتاب الملل والنحل الروحانى بالضم من الروح والروحانى بالفتح من الروح والروح والروح متقاربان فكأن الروح جوهر والورمح حالته الخاصة به انتهى { وريحان } ورزق او هو مايشم وعن أبى العالية لايفارق أجد من المقربين الدنيا حتى يؤتى ببعض من ريحان الجنة فيشمه ثم يقبض روحه وقال الزجاج الريحان هنا التحية لأهل الجنة ، يكى از بزركان دين كفته است كه روح وريحان هم دردنياست هم در عقبى روح در دنياست وريحان در عقبى روح آنست كه دل بنده مؤمن را بنظر خويش بيار ايدتا حق ازباطل واشناسد انكه بعلم فزاخ كندتا قدرت دران جاى يابد آنكه بينا كند تابنور منت مى بيند شنوا كند تابند ازلى مى شنود باك كند تاهمه صحبت او جويد بعطر وصال خوش كند تاردران مهر دوست رويد بنور خويش روشن كند تا از وبار ديكر بصيقل عنايت بزد ايد تادر هرجه نكرد اورا بيند بنده جون بدين صفت بسراى سعادت رود آنجا ريحان كرامت بيند نسيم انس ازباغ قدس دميده زبر درخت وجود تخت رضا نهاده بساط انس كسرتده شمع عطف افروخته وبر فلك نشته ودوست ازلى برده بركرفته بسم ع بنده سلام رسانيده وديدار ذو الجلال نموده { وجنة نعيم } اى ذات تنعم فالاضافة لأدنى الملابسة ( وقال الكاشفى ) بوستان بر نعمت .
قال بعض أهل الحقيقة فله روح الوصال وريحان الجمال وجنة الجلال لروحه روح الانس ولقلبه ريحان القدس ولنفسه جنة الفردوس او الروح النظر الى وجه الجبار والريحان الاستماع لكلامه وجنة النعيم هو أن لايحجب العبد فيها عن مولاه اذا قصد زيارته وللمقربين ذلك فى دار الدنيا وروحهم المشاهدة وريحانهم سرور الخدمة وجنة النعيم السرور بذكره وقال بعضهم الروح للعابيدن والريحان للعارفين وجنة النعيم لعوام المؤمنين او فله روح الشهود الذاتى وريحان السرور وجنة نعيم اللذات بالوصول اليها الدخول فيها ، يقول الفقير الروح للنفوس والاجساد لانها تستريح بعد الموت برفع التكاليف عنها وان كان أهل الله على نشاط دآئم فى باب الخدمة لان التعب يرتفع بالوصول الى الهل لكونه من آثار النفس والطبيعة ولا نفس ولا طبيعة بعد الوصول والريحان للقلوب ولا رواح ولذا حبب الى النبى عليه السلام الطيب لانه يوجد فيه ذوق الانس والمحاضرة وجعل عليه السلام الولد من الريحان لانه يشم كما يشم المشموم وانه من تنزلات ابيه كما ان القلوب من تنزلات الارواح والارواح من تنزلات الاسرار ووجد عليه السلام نفس الرحمن من قبل اليمن وانما وجده قلبه وروحه وكان ذك النفس عصام الدين عم اويس القرنى وكان حينئذ قطب الابدال وكان عليه السلام يستنشق بحس شمه ايضا روآئح الجنة ونحوها وجنة نعيم للاسرار وهى الجنة المضافة الى الله تعالى فى قوله(15/92)
{ وادخلى جنتى } وعند دخولهم هذه الجنة لايراهم احد أبدا لعلو طبقتهم ورفعة درجتهم فلا يعرفهم احد لا فى الدنيا ولا فى العقبى فهم من قبيل المعلوم المجهول(15/93)
وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90)
{ واما ان كان من اصحاب اليمين } عبر السابقين بالمقربين لكونه اجل اوصافهم وعبر عن اصحاب اليمين بالعنوان السابق اذ لم يذكر لهم فيما سبق وصف واحد ينبىء عن شانهم سواه كما ذكر للفريقين الآخرين واستعير اليمين للتيمن والسعادة قاله الراغب(15/94)
فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)
{ فسلام لك } ياصاحب اليمين { من اصحاب اليمين } من اخوانك يسلمون عليك عند الموت وبعده فيكون السلام اشارة له انه من أهل الجنة قال فى الارشاد هذا اخبار من جهته تعالى بتسليم بعضهم على بعض كما يفصح عنه اللام لا حكاية لانشاء سلام بعضهم على بعض والا لقيل عليك والالتفات الى خطاب كل واحد منهم للتشريف قال سهل رحمه الله اصحاب اليمين هم الموحدون اى العاقبة لهم بالسلامة لانهم امناء الله قد ادوا الامانة يعنى امره ونهيه لم يحدثوا شيأ من المعاصى والزلات قد أمنوا الخوف والهول الذى ينال غيرهم وحقيقته ان المقربين اصحاب الشهود الذاتى واصحاب اليمين اصحاب الشهود الاسمائى والصفاتى فله السلامة من اسمه السلام على لسان اخوانه الاسمائية نسأل الله لى ولكم السلامة والنجاة والانس والحضور والشهود فى اعلى المقامات والدرجات(15/95)
وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92)
{ واما ان كان من المكذبين الضالين } وهم اصحاب الشمال عبر عنهم بذلك حسبما وصفوا به عند بيان احوالهم بقوله تعالى { ثم انكم أيها الضالون المكذبون } ذما لهم بذلك واشعارا بسبب مابتلوا به من العذاب وهو تكذيب البعث ونحوه والضلال عن الحق والهدى(15/96)
فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93)
{ فنزل } اى فله نزل كائن { من حميم } يشرب بعد اكل الزقوم كما فصل فيما قبل وبالفارسية بس مراوراست بيشكش در قبر ازاب كرم كرده دردوزخ بادود آتش دوزخ(15/97)
وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94)
{ وتصلية جحيم } اى ادخال فى النار وقيل اقامة فيها ومقاساة لألوان عذابها وقيل ذلك مايجده فى القبر من سموم النار ودخانها يقال اصلاه النار وصلاه اى جعله يصلاها والمصدر هنا مضاف الى المفعول(15/98)
إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95)
{ ان هذا } اى الذى ذكر فى هذه السورة الكريمة { لهو حق اليقين } اى حق الخبر اليقين فهو من قبيل اضافة الموصوف الى الصفة على الاتساع والمجاز وقيل الحق الثابت من اليقين اى الحق الثابت الذى لايطرأ عليه التبدل والتغير وقال ابو الليث اى يقين حق اليقين انتهى واليقين علم يحصل به ثلج الصدور ويسمى برد اليقين فهو العلم الذى يحصل به اطمئنان النفس ويزول ارتيابها واضطرابها والمراد هنا المعلوم المتيقن به لان المبتدأ عبارة عن المعلم فجيب أن يكون الخبر ايضا كذلك التقدير ان هذا لهو ثابت الخبر المتيقن به اى الثابت منه على ان الاضافة بمعنى من وفى فتح الرحمن هذه عبارة فيها مبالغة لانها بمعنى واحد كما تقول فى امر توكده هذا يقين اليقين وصواب الصواب بمعنى انه نهاية الصواب فهى عبارة مبالغة وتأكيد معناه ان هذا الخبر هو نفس اليقين وحقيقته انتهى
قال ابن الملك اضافة العلم الى اليقين اضافة الشىء الى مرادفه كما فعلوا مثل ذلك فى العطف وفى شرح النصوص بالنون العلم اليقينى هو العلم الحاصل بالادراك الباطنى بالفكر الصائب والاستدلال وهذا للعلماء الذين يوقنون بالغيب ولا تزيد هذه المرتبة العلمية الا بمناسبة الارواح القدسية فاذا يكون العلم عينا ولا مرتبة للعين الا اليقين الحاصل من مشاهدة المعلوم ولا تزيد هذه المرتبة الا بزوال حجاب الاثنينية فاذا يكون العين حقا ولا مرتبة للحق الا الادراك بأحدية جمعك اى بحقيقتك المشتملة على المدركات الظاهرة والباطنة والجامعة بين روحانيتك وجسمانيتك اى يدركها بها ادراكا يستوعب معرفة كل ماشتملت عليه حقيقة المدرك من الامور الظاهرة والباطننة وهو حال الكامل وصفه من صار قلبه متسوى الحق الذى قد وسعه كما اخبره لانه حال جمع الجمع وزيادة هذه المرتبة اى حق اليقين عدم ورود الحجاب بعده وعينه للاولياء وحقه للانبياء واما حقيقة اليقين وهو باطن حق ايقين فهو لنبينا عليه السلام وهذه الدرجات والمراتب لاتحصل الا بالمجاهدة مثل دوام الوضوء وقلة الاكل والذكر والسكوت بالفكر فى ملكوت السموات والارض وبادآء السنن والفرآئض وترك ماسوى الحق والغرض وتقليل المنام والعرض واكل الحلال وصدق المقال والمراقبة بقلبه الى الله تعالى فهذه مفاتيح المعاينة والمشاهدة انتهى وقال ابن عطاء رحمه الله ان هذا القرآن لحق فى صدور الموقنين وأهل اليقين وهو الحق من عند الحق فلذلك تحقق فى قلوب المحققين واليقين ماستقر فى قلوب اوليائه وقد قال سيدنا على رضى الله عنه وكرم الله وجهه لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا
حل خلد وجحيم دانستم ... بيقين انجنانكه مى بايد
كر حجاب ازميانه بر كيرند ... آن يقين ذره نيفزا يد(15/99)
يعنى اكر احوال آخرت منكشف شود وجمله را معاينه كنم يك ذره در يقين من زياده نشود كه علم اليقين من امروز جوعين اليقين منست در فردا ، وقال عليه السلام « اللهم انى اسألك ايمانا يباشر قلبى ويقينا ليس بعده كفر » وهو اليقين الحاصل بالعيان وظهور الحقيقة ولذا نقول أهل علم اليقين ذو خطر لايحصل منه الارشاد بخلاف أهل عين اليقين فانه قطب ارشاد وبخلاف أهل حق اليقين فانه قطب الاقطاب فالتجليات ثلاثة تجل علمى وتجل عينى وتجل حقى فالاول كعلم الكعبة علما ضروريا من غير رؤية والثانى مثل رؤيتها من بعيد والثالث كدخولها قال قتادة ان الله ليس تاركا احدا من الناس حتى يوقفه على اليقين من هذا القرءآن اما المؤمن فأيقن فى الدنيا فنفعه ذلك يوم القيامة واما الكافر فأيقن يوم القيامة حين لاينفعه ( قال المولى الجامى )
سيراب كن زبحر يقين جان تشنه را ... زين بيش خشك لب منشين برسراب ريب(15/100)
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)
{ فسبح } يامحمد { باسم ربك العظيم } الفاء لترتيب التسبيح او الامر به على ماقبلها فان حقية مافصل فى تضاعيف السورة الكريمة مما يوجب تنزيهه تعالى عما لايليق بشانه الجليل من الامور التى من جملتها الاشتراك به والتكذيب بآياته الناطقة بالحق وقال ابو عثمان قدس سره فسبح شركا لما وقفنا امتك اليه من التمسك بسنتك وفى فتح الرحمن هذه عبارة تقتضى الامر بالاعراض عن اقوال الكفار وسائر امور الدنيا المختصة بها وبالاقبال على امور الآخرة وعبادة الله والدعاء اليه ( روى ) انه لما نزل { فسبح باسم ربك العظيم } قال عليه السلام « اجعلوها فى ركوعكم » فلما نزل { سبح اسم ربك الاعلى } قال « اجعلوها فى سجودكم » وكان عليه السلام يقول فى ركوعه « سبحان ربى العظيم » وفى سجوده « سبحان ربى الاعلى » وسر اختصاص سبحان ربى العظيم بالركوع والاعلى بالسجود ان الاول اشارة الى مرتبة الحيوان والثانى اشارة الى مرتبة النبات والجماد فلا بد من الترقى فى التنزيه والحق سبحانه فوق التحت كما انه فوق الفوق ونسبة الجهات اليه على السوآء لنزاهته عن التقيد بالجهات فلهذا شرع التسبيح فى الهبوط واختلف الائمة فى التسبيح المذكور فى الصلاة فقال احمد هو واجب تبطل الصلاة بتركه عمدا ويسجد لتركه سهوا والواجب عنده مرة واحدة وأدنى الكمال ثلاثة وقال ابو حنيفة والشافعى هو سنة وقال مالك يكره لزوم ذلك لئلا يعد واجبا فرضا والاسم هنا بمعنى الجنس اى بأسماء ربك والعظيم صفة ربك ، درخبرست كه عثمان بن عفان رضى الله عنه عيادت كرد عبدالله بن مسعود را رضى الله عنه در بيمارىء مرك كفت ياعبدالله اين ساعت ازجه مى نالىء كفت اشتكى ذنوبى بر كناهان خود مى نالم عثمان كفت جه آرزوست ترا درين وقت كفت رحمة ربى يعنى آرزوى من آنست كه الله تعالى برمن رحمت كند وبر ضعف وعجز من بنجشايد عثمان كفت أفلا ندعو الطبيب يعينى طبيب را خوانيم تادرد ترا مداوات كند كفت الطبيب امرضنى يعنى طبيب مرا بروز بيمارى افكند كفت خواهى تاترا عطايى فرمايم كه ببعضى حاجتهاى خود صرف كنى كفت لاحاجة لى به يعنى وقتى مرا باين حاجت نيست وهيج دربايست نيست كفت دستورى هست تابدخترانت دهم ناجار ايشانرا حاجت بود كفت نه كه ايشانرا حاجت نيست وا كر حاجت بود به ازين من ايشانرا عطايى داده ام كفته ام كه بوقت حاجت وضرورت سورة الواقعة برخوانيد كه من از رسول خدا شنيدم كه عليه السلام « من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة ابدا » قال سعدى المفتى هو حديث صحيح وفى حديث آخر « من دوام على قرآءة سورة الواقعة لم يفتقر ابدا » قال ابن عطية فيها ذكر القيامة وحظوظ الناس فى الآخرة وفهم ذلك غنى لافقر معه ومن فهمه يشتغل بالاستعداد قال الغزالى رحمه الله فى منهاج العابدين قرآءة هذه السورة عند الشدة فى امر الرزق والخصاصة شىء وردت به الاخبار المأثورة عن النبى عليه السلام وعن الصحابة رضى الله عنهم حتى ابن مسعود رضى الله عنه حين عوتب فى امر ولده اذ لم يترك لهم الدنيا قال لقد خلفت لهم سورة الواقعة فان قلت ارادة متاع الدنيا بعمل الآخرة لا تصح قلت مراده أن يرزقهم الله تعالى قناعة او قوتا يكون لهم عدة على عبادة الله تعالى وقوة على درس العلم وهذه من جملة ارادة الخير دون الدنيا فلا رياء انتهى كلامه وعن هلال بن يساف عن مسروق قال من أراد أن يعلم نبأ الاولين والآخرين وبنأ أهل الجنة واهل النار ونبأ الدنيا ونبأ الآخرة فليقرأ سورة الواقعة(15/101)
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)
{ سبح لله مافى السموات والارض } التسبيح تنزيه الله تعالى اعتقادا وقولا وعملا عما لايليق بجانبه سبحانه بدأ الله بالمصدر فى الاسرآء لانه الاصل ثم بالماضى فى الحديد والحشر والصف لانه اسبق الزمانين ثم بالمستقبل فى الجمعة والتغابن ثم بالامر فى الاعلى استيعابا لهذه الكلمة من جميع جهاتها ففيه تعليم عباده استمرار وجود التسبيح منهم فى جميع الازمنة والاوقات والحاصل ان كلا من صيغتى الماضى والمضارع جردت عن الدلالة على مدلولها من الزمان المخوص فأشعر باستمراره فى الازمنة لعدم ترجيح البعض على البعض فالمكونات من لدن اخراجها من العدم الى الوجود مسبحة فى كل الاوقات لايتخص تسبيحها بوقت دون وقت بل هى مسبحة ابدا فى الماضى وتكون مسبحة ابدا فى المستقبل وفى الحديث « أفضل الكلام اربع سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر لايضرك بأيهن بدأت » وسئل على رضى الله عنه عن سبحان الله فقال كلمة رضى الله لنفسه وسبح متعد بنفسه كما فى قوله تعالى { وتسبحوه } واللام اما مزيدة للتأكيد كما فى نصحت له وشكرت له فى نصحته وشكرته او للتعليل والفعل منزل منزلة اللازم اى فعل التسبيح واوقعه واحدثه لاجل الله تعالى وخالصا لوجهه والمراد بما فى السموات والارض جميع المخلوقات من حى وجماد وجاء بما تغليبا للاكثر مع ان اكثر العلماء على ان مايعم العقلاء وغيرهم والمراد بستبيح الكل تسبيح عباده وقمال كما قال بعض الكبار قد أخذ الله بأبصار الانس والجن عن ادراك حياة الجمال الا من شاء الله والاشياء كلها انما خلقت له سبحانه لتسبح بحمده واما انتفاعا بها انما هو بحكم التبعية لا بالقصد الاول قال الحسن البصرى رحمه الله لولا مايخفى عليكم من تسبيح من معكم فى البيوت ماتقاررت ثم وقال بعضهم لايصدر عن الحى الا حى ولو وجد من العالم موجود غير حى لكان غير مستند الى حقيقة الهية وذلك محال فالجماد ميت فى نظر المحجوب حى فى نفس الامر لاميت لان حقيقة الموت مفارقة حى مدبر لحى مدبر والمدبر والمدبر حى والفارقة نسية عدمية لا وجودية فان الشان اما هو عزل عن ولاية وانتقال من دار الى دار وليس من شرط الحى أن يحس لان الاحساس والحواس امر معقول زآئد على كونه حيا وانما هما من شرط العلم وقد لا يحس وقد لايحس وتأمل صاحب الآكلة اذا اكل مايغيب به احساسه كيف يقطع عضوه ولا يحص به مع انه حى ليس يميت وقال بعضهم كل شىء فى العالم يسبح الله بحمده الذى اطلعه الله على انه حمد به نفسه ويختلف ذلك باختلافهم الا الانسان خاصة فان بعضه يسبح بغير حمده ولايقبل من الحق بعض ماثنى به على نفسه فهو يؤمن ببعض وهو قوله(15/102)
{ ليس كمثله شىء } ويكفر ببعض وهو تنزيه الله عما اضافه الى نفسه ووصف نفسه به من التشبيه بالمحدثات فقوله تعالى { وان من شىء الا يسبح بحمده } اى بالثناء الذى اثنى به الحق على نفسه انزله على السنة رسله لابما ولده العقل فان الله تعالى قال فى حق من سبح الحق بعقله { سبحان ربك رب العزة عما يصفون } اعلامنا انه ورآء كل ثناء واهل الله تعالى لابد لهم فى سلوكهم من سماع تسبيح كل شىء بلسان طلق لا لسان حال كما يعتقده بعضهم ثم ان الله تعالى من رحمته يأخذ اسماعهم بعد تحققهم ذلك ويبقى معهم العلم لانه لو أسمعهم ذلك على الدوام لطاشت عقولهم وفى الحديث « ان كل شىء من الجماد والحيوان يسمع عذاب القبر الا الثقلين » فثبت ان السموات والارض بجميع اجزآئهما وما فيها من الملك والشمس والقمر والنجوم والانس والجن والحيوان والنبات والجماد لها حياة وفهم وادراك وتسبيح وحمد كما قال تعالى { وان من شىء الا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم } واعلم ان الله تعالى هو المسبح اسم مفعول فى مقام التفصيل والمسبح اسم فاعل فى مقام الجمع فالتسبيح تنزيه الحق بحسب مقام الجمع والتفصيل من النقائص الامكانية ومن الكمالات الانسانية المختصة من حيث التقيد والتعين { وهو العزيز } بقدرته وسلطانه لا يمانعه ولا ينازعه شىء { الحكيم } بلطفه وتدبيره لايفعل الا ماتقتضيه الحكمة والمصلحة وفيه اشعار بعلية الحكم فان العزة وهى الغلبة على كل شىء تدل على كمال القدرة والحكمة تدل على كمال العلم والعقل يحكم بأن الموصوف بهما يكون منزها عن كل نقص كالعجز والجهل ونحوهما ولذا كان الامن كفرا لأن فيه نسبة العجز الى الله تعالى وكذا اليأس لان فيه نسبة البخل الى الله الجواد(15/103)
لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2)
{ له ملك السموات والارض } اى التصرف الكلى ونفوذ الامر فيهما ومافيهما من الموجودات من حيث الايجاد والاعدام وسائر التصرفات مما نعلم ومالا نعلم ، يقول الفقير فان قلت كيف اضاف الملك الى ماهو متناه وكمال ملكه تعالى غير متناه قلت ان للسموات والارض ظاهرا وهو ما كان حاضرا ومرئيا من عالم الملك وهو متناه لانه من قبيل الاجسام والصور وباطنا وهو ماكان غائبا غير محسوس من اسرارهما وحقائقهما وهو غير متناه لانه من عالم الملكوت والمعانى فاضافة الملك الى الله تعالى اضافة مطلقة يندرج تحتهال الملك والملكوت وهما غير متناهيين فى الحقيقة ألا ترى ان القرءآن لاتنقضى عجائبه فهو بحر لاساحل له من حيث اسراره ومن حيث ان المتكلم به هو الذى لانهاية له وان كان اى القرءآن متناهيا فى الظاهر والحس فالمراد بالملك هو الملك الحقيقى لان ملك البشر مجاز كما سيتضح بيانا فى هذه السورة { يحيى ويميت } استئناف مبين لبعض احكام الملك اى يحيى الموتى والنطف والبيض ويميت الاحياء ومعنى الاحياء والاماتة جعل الشىء حيا وجعله ميتا وقد يستعاران للهداية والاضلال فى نحو قوله { اومن كان ميتا فأحييناه } وهو يحيى القلوب بتجلى اسم المحيى ويميت النفوس بتجلى اسم المميت او يحيى النفوس بموت القلوب ويميت القلوب بحياة النفوس على طريق المغالبة وقال ابن عطاء رحمه الله هو مالك الكل وله الملك جمع يميت من يشاء بالاشتغال بالملك ويحيى من يشاء بالاقبال على الملك { وهو على كل شىء } من الاشياء التى من جملتها ماذكر من الاحياء والاماتة على مقتضى الحكمة والارادة { قدير } تام القدرة فان الصبغة للمبالغة(15/104)
هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)
{ هو الاول } السابق على سائر الموجودات بالذات والصفات لما انه مبدئها ومبدعها فالمراد بالسبق والاولية هو الذاتى لا الزمانى فان الزمان من جملة الحوادث ايضا { والآخر } الباقى بعد فنائهاحقيقة او نظر الى اذاتها مع قطع النظر عن مبقيها فان جميع الموجودات الممكننة اذا انقطع النظر عن علتها فهى فانية
اول او اول بى ابتدا ... آخر او آخر بى انتها
بود ونبود اين جه بلندست وبست ... باشد واين نيز نباشد كه هست
{ والظاهر } وجود الكثرة دلائله الواضحة { والباطن } حقيقة فلا يحوم العقل حول ادراك كنهه وليس يعرف الله الا الله وتلك الباطنية سوآء فى الدنيا والآخرة فاضمحل مافى الكشاف من ان فيه حجة على ما من جوز ادراكه فى الآخرة بالحاسة وذلك فان كونه باطنا بكنه حقيقته لاينافى كونه مرئيا فى الآخرة من حيث صفاته { وهو بكل شىء عليم } لايعزب عن علمه شىء من الظاهر والخفى فان عليم صيغة مبالغة تدل على انه تعالى تام العلم بلكل شىء جليه وخفيه وفى هذا المقام معان ىخر هو الاول والذى تبتدأ منه الاسباب والآخر الذى تنتهى اليه المسببات اى اذا نظرت الى سلسلة الموجودات المتكونة بضعها من بعض وجدت الله مبدأ تلك السلسلة ومنتهاها تبتدىء منه سلسلة الاسبات وتنتهى اليه سلسلة المسببات ولذا قالوا لاتعتمد على الريح فى استوآء السفينة وسيرها وهذا شرك فى توحيد الافعال وجهل بحقائق الامور ومن انكشف له امر العالم كما هو عليه علم أن الريح لايتحرك بنفسه بل له محرك الى أن ينتهى الى المحرك الاول الذى لامحرك له ولا يتحرك هو فى نفسه ايضا بل هو منزه عن ذلك عما يضاهيه والظاهر اى الغالب على كل شىء والباطن اى العالم بباطن كلى شىء على أن يكون الظاهر من ظهر عليه اذا علاه وغلب والباطن من بطنه اذا علم باطنه ولم يرتضه الزمخشرى لفوات المطابقة بين الظاهر والباطن حينئذ ( وروى ) عن أبى هريرة رضى الله عنه قال دخلت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسالته خادما فقال لها عليه السلام « ألا أدلك على ماهو خير لك من ذلك أن تقولى اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شىء منزل التوراة والانجيل والفرقان فاقل الحب والنوى اعوذ بك من شر كل ذى شر أنت آخذ بناصيته أنت الاول فليس قبلك شىء وأنت الآخر فليس بعد شىء وانت الظاهر فليس فوقك شىء وأنت الباطن فليس دونك شىء اقض عنى الدين واغننى من الفقر عنى بالظاهر » الغالب والباطن العالم ببواطن الاشياء يعنى انه الغالب الذى يغلب كلى شىء ولا يغلب عليه فيتصرف فى المكونات على سبيل الغلبة والاستيلاء اذ ليس فوقه أحد يمنعه والعالم ببواطن الاشياء فهو ملجأ والمنجى يلتجىء اليه كل ملتجىء لا ملجأ ولا منجى دونه اى غيره وقال الامام احتج كثير من العلماء فى اثبات أن الاله واحد بقوله { هو الاول } قالوا اول هو الفرد السابق ولهذا لو قال احد اول مملوك اشتريته فهو حر ثم اشترى عبدين لم يعتقا لان شرط كونه اولا حصول الفردية وهنا لم تحصل فلو اشترى بعد ذلك عبدا واحدا لم يعتق لان شرط الاولية كونه سابقا وههنا لم يحصل فثبت ان الشرط فى كونه اولا أن يكون فردا فكانت الآية دالة على أن صانع العالم واحد فرد وايضا هو لاول خارجا لانه موجد الكل والآخر ذهنا كما يدل عليه براهين اثبات الصانع او بحسب ترتيب سلوك العارفين فذا نظرت الى ترتيب السلوك ولاحظت منازل السالكين السائرين اليه تعالى فهو آخر مايرتقى اليه درجات العارفين وكل معرفة تحصل قبل معرفته فهى مرقاة الى معرفته والمنزل الاقصى هو معرفة الله فهو آخر بالاضافة الى السلوك فى درجات الارتقاء فى باب المعارف الاول بالاضافة الى الوجود الخارجى فمنه المبتدأ اولا واليه المرجع آخرا وقال بعض الكمل هو بالاول باعتبار بدء السير نزولا والآخر باعتبار ختم السير عروجا الظاهر بحسب النظر الى وجود الحق والباطن بحسب النظر الى وجود الخلق وهذا ماقلوا ان ظاهر الحق باطن الخلق وباطن الخلق ظاهر الحق لان الهوية برزخ بينهما لايبغيان وبالنظر الى الحق هوية الهية وبالنظر الى الخلق هوية كونية وهذه مرتبة قاب قوسين وفوقها مرتبة او أدنى وتلكم يوما عند الشبلى رحمه الله فى الصفات فقال اسكتوا فان ثمة متاهات لايخرقها الاوهام ولاتحويها الافهام وكيف يمكن الكلام فى صفات من تجتمع فيه الاضداد من قوله { هو الاول والآخر والظاهر والباطن } خاطبنا على قدر افهامنا(15/105)
وقال الراغب الاول هو الذى يترتب عليه غيره ويستعمل على اوجه اولها المتقدم بالزمان كقولك عبدالملك اولا ثم منصور والثانى المتقدم بالرياسة فى الشىء وكون غيره محتذيا به نحو الامير اولا ثم الوزير والثالث المتقدم بالوضع والنسبة كقولك للخارج من العراق القادسية اولا ثم فيد وهى قريى فى البادية على طريق الحاج وللخارج من مكة فيد اولا ثم القادسية والرابع المتقد بالنظام الصناعى نحو أن يقال الأساس اولا ثم البناء واذا قيل فى صفة الله هو الاول فمعناه الذى لم يسبقه فى الوجود شىء والى هذا يرجع قول من قال هو الذى لايحتاج الىغيره ومن قال هو المستغنى بنفسه والظاهر والباطن فى صفة الله لايقال مزدوجين كالاول والآخر فاظاهر قيل اشارة الى معرفتنا البديهية فان القطرة تقضى فى كل مانظر اليه الانسان انه تعالى موجود كما قال تعالى(15/106)
{ وهو الذى فى السماء إله وفى الارض إله } ولذلك قال بعض الحكماء مثل طالب معرفته مثل من طوف الآفاق فى طلب ماهو معه والباطن اشارة الى معرفته الحقيقية وهى التى أشار اليها أبو بكر الصديق رضى الله عنه بقوله يامن غاية معرفته القصور عن معرفته وقيل ظاهر بآياته باطن بذاته وقيل ظاهر بأنه محيط بالاشياء مدرك لها باطن فى أن يحاط به كما قال { لاتدركه الابصار وهو يدرك الابصار } وقد روى عن أمير المؤمنين ما دل على تفسير اللفظين حيث قال تجلى لعباده من غير أن رأوه واراهم نفسه من غير أن تجلى لهم ومعرفته ذلك تحتاج الى فهم ثاقب وعقل اقد كما فى المفردات وايضا هو الاول فى عين آخريته والآخر فى عين اوليته والظاهر فى عين باطنيته والباطن فى عين ظاهريته من حيثية واحدة وباعتبار واحد فى آن واحد لاقتضاء ذاته المطلقة عن هذه الاعتبارات المختلفة والحيثيات المتنافرة المتابينة لاحاطته بالكل واستغنائه عن الكل قيل للعارف الربانى أبى سعيد الخراز قدس سره بم عرفت الله قال بجمعه بين الاضداد فتلا { هو الاول والآخر والظاهر والباطن } ولا يتصور الجمع بين الاضداد الا من حيثية واحدة واعتبار واحد فىآن واحد وهو بكل شىء من الاولية والآخرية والظاهرية والباطنية عليم اذا علمه عين ذاته وذاته محيط بالاشياء كما قال { والله بكل شىء محيط } كما فى التأويلات النجمية
قال الواسطى رحمه الله لم يدع للخلق نفسا بعد ما أخبر عن نفسه { هو الاول والآخر والظاهر والباطن } وقال ايضا من كان حظه من اسمه الاول كان شغله بما سبق ومن كان حظه من اسمه الآخر كان مربوطا بما يستقبل ومن كان حظه من اسمه الظاهر لاحظ عجائب قدرته ومن كان حظه من اسمه الباطن لاحظ ماجرى فى السر من انواره وقال ايضا حظوظ الانبياء عليهم السلام مع تباينها من اربعة اسماء وقيام كل فريق منهم باسم منها فمن جمعها كلها فهو أوسطهم ومن فنى عنها بعد ملابستها فهو الكامل التام وهى قوله { هو الاول } الخ وقال ايضا من ألبسه الاولية فالتجلى له فى الآخرية محال لانه لا يتجلى الا لمن فقده او كان بعيدا عنه فقر به وقال الجنيد قدس سره نفى القدم عن كل اول باوليته ونفى البقاء عن كل آخر بآخريته واضطر الخلق الى الاقرار بربوبيته بظاهريته وحجب الافهام عن ادراك كنهه وكيفية بباطنيته وقال السدى هو الاول ببره اذ عرفك بتوحيده والآخر بجوده اذ عرفك التوبة عن ماجنيت والظاهر بتوفيقه اذ وفقك للسجود له والباطن بستره اذا عصيته يستر عليك وقال ابن عمر رضى الله عنه هو الاول بالخلق والآخر بالرزق والظاهر بالاحياء والباطن بالاماتة وايضا الاول بلا تأويل أحد والآخر بلا تأخير أحد والظاهر بلا اظهار أحد والباطن بلا ابطال أحد والاول القديم والآخر الرحيم والظاهر الحليم والباطن العليم والاول يكشف أحوال الدنيا حتى لايرغبوا فيها والآخر يكشف أحوال العقبى حتى لايشكوا فيها والظاهر على قلوب اوليائه حتى يعرفوه والباطن على قلوب اعدآئه حتى ينكروه والاول بالازلية والآخر بالأبدية والظاهر بالأحدية والباطن بالصمدية والاول بالهيبة والآخر بالرحمة والظاهر بالحجة والباطن بالنعمة والاول بالعطاء والآخر بالجزآء والظاهر بالثناء والباطن بالوفاء والاول بالهداية والآخر بالكفاية والظاهر بالولاية والباطن بالرعاية(15/107)
صاحب كشف الاسرار فرموده كه زبان رحمت ازروى اشارت ميكويد ا ى فرزند آدم خلق درحق توجهار كروه اند اول كروهى كه در اول حال ترابكار آيند جون بدر ومادر دوم جمعى كه در آخر زندكانى دست كيرند جون اولاد واحفاد سوم زمره كه آشكارا باتو باشند جون دوستان وياران ، جهارم فرفه كه بنهان باتو معاش كنند جون زنان وكنيزان ، رب العالمين ميفرمايد كه اعتماد برينها مكن وكار ساز خود ايشانرا مينداركه اول منم كه ترا از عدم بوجود آوردم آخر منم كه باز كشت توبمن خواهد بود ظاهر منم كه صورت توبخوبتر وجهى بيار استم باطن منم كه اسرار وحقايق درسينه تووديعت نهادم
اول وآخر تويى كيست حدوث وقدم ... ظاهر وباطن تويى جيست وجود وعدم
اول بى انتقال آخر بى ارتحال ... ظاهر بى جند وجون باطن بى كيف وكم
ويقال هو اول خالق الاولين والآخر خالق الآخرين والظاهر خالق الآدميين وهم ظاهرون والباطن خالق الجن والشياطين وهم لايظهرون وقال الترمذى هو الاول بالتأليف والآخر بالتكليف والظاهر بالتصريف والباطن بالتعريف والاول بالانعام والآخر بالاتمام والظاهر بالاكرام والباطن بالالهام وقال بعض المحقيين من أهل الاصول هذا مبالغة فى نفى التشبيه لان كل من كان اولا لايكون آخرا وكل من كان ظاهرا لايكون باطنا فأخبر انه الاول والآخر الظاهر الباطن ليعلم انه لايشبه شيا من المخلوقات والمصنوعات وقال بعض المكاشفين هو الاول اذا كان هو ولم تكن صور العالم كما قال عليه السلام « كان الله ولاشىء معه » فهو متقدم عليها وهذا التقدم هو المراد بالاولية وهو الآخر اذا كان عين صور العالم عند ظهروها ولها التأخر فهو باعتبار ظهروه بها له الآخرية فالآخر عين الظاهر والباطن عين الاول هذا باعتبار التنزل من الحق الى الخلق واما باعتبار الترقى من الخلق الى الحق فالآخر عين الباطن والظاهر عين الاول وقال الامام الغزالى رحمه الله لاتعجبن من هذا فى صفات الله فان المعنى الذى به الانسان انسان ظاهر باطن فانه ظاهر ان استدل عليه بافعاله المرئية المحكمة بطان ان طلب من ادراك الحس فان الحس انما يتعلق بظاهر بشريته وليس الانسان انسانا ببشريته المرئية منه بل لو تبدلت تلك البشرية بل سائر اجزآئه فهو هو والاجزآء متبدلة ولعل اجزآء كل انسان بعد كبره غير الاجزآء التى كانت فيه عند صغره فانها تحللت بطول الزمان وتبدلت بامثالها بطريق الاعتدآء وهويته لم تتبدل فتلك الهوية باطنة عن الحواس ظاهرة للعقل بطريق الاستدلال عليها بآثارها وافعالها وقال الزروقى الاول الآخر هو الذى لامفتتح لوجوده لامختتم له بثبوت قدمه واستحالة عدمه وكل شىء منه بدأ واليه يعود وانما عطف الواو لتباعد مابين موقعى معناهما ومن عرف انه الاول غاب عن كل شىء به ومن عرف انه الآخر رجع بكل شىء اليه ، وخاصية الآخر صفاء الباطن عما سواه تعالى فاذا واظب عليه انسان فى كل ويم مائة مرة خرج من قبله سوى الحق والظاهر الباطن هو الواضح الربوبية بالدلائل المحتجب عن الكيفية والاوهام فهو الظاهر من جهة التعريف الباطن من جهة التكييف ومجراهما فى العطف مجرى الاسمين السابقين ومن عرف انه الظاهر لم يستدل بشىء عليه ورجع بكل شىء اليه ومن عرف انه الباطن استدل بكل شىء عليه ورجع به اليه وخاصية الظاهر اظهار نور الولاية على قلب قارئه اذا قرأه عند الاشراق وخاصية الباطن وجود النفس لمن قرأه فى اليوم ثلاث مرات فى كل ساعة زمانية ومن قال بعد صلاة ركعتين خمسا واربعين مرة { هو الاول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شىء عليم } حصل له ماطلبه ايا كان وقال بعض الكبار حقيقة الاول هو الذى افتتح وجوده عن عدم وهذا منتف فى حق الحق بلا شك فهو الاول لا بأولية تحكم عليه ولاجل ذلك سمى نفسه الآخر ولو كانت اوليته مثل اولية الموجودات لم يصح أن يكن آخرا اذ الآخر عبارة عن انتهاء الموجودات المقيدة فهو الآخر لا بآخرية تحكم عليه اذ آخريته عبارة عن فناء الموجودات كلها ذاتا وصفة وفعلا فى ذاته وصفاته وافعاله تعالى بظهور القيامة واما غير الحق فله اولية تحكم عليه مثل قوله عليه السلام(15/108)
« اول ماخلق الله العقل » اى اول مافتتح به من العدم الى الوجود العقل الذى هو نور محمد صلى الله عليه وسلم وله آخرية تحكم عليه مثل قوله عليه السلام « نحن الآخرون الأولون » وفى رواية السابقون يعنى الآخرون فى الظهور من حيث النشأة العنصرية الجسمانية الاولون فى العلم الالهى من حيث الظهور فى النشأة الروحانية ومن صلى فى اول الوقت من حيث اولية الحق المنزهة عن أن يتقدمها اولية لشىء فهو المصلى الصلاة لأول وقتها فتنسحب عبادة هذا المصلى من هناك الى وقت وجود هذا المصلى فمن بادر لأول هذا الوقت فقد حاز الخير بكلتى يديه وهو مشهد نفيس أشاروا فيه بتكل الاولية الى معنى اصطلحوا عليه لا الى مايتبادر لذهن غيرهم كما فى كتاب الجوهر للشعرانى رحمه الله .
يقول الفقير عمل الشافعى رحممه الله بقوله عليه لسلام « اول الوقت رضوان الله فصلى الفجر فى اول وقته » وعمل ابو حنيفة رضى الله عنه بقوله تعالى { ومن الليل فسبحه وادبار النجوم } وفى الآية الآخرية وبالعكس ولكل وجهة بحسب الفناء والبقاء وقد أشير الى فىبعض الاسحار أن الكعبة وضعت عند الفجرة أى عند انفجار الصبح الصادق على مابينت وجهه فى كتاب الواردات الحقية نسأل الله النور(15/109)
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)
{ هو الذى خلق السموات والارض } بقدرته الكاملة وحكمته البالغة { فى ستة ايام } من ايام الآخرة او من ايام الدنيا قال ابن عطية هو الاصوب اولها الاحد وآخرها الجمعة ، تاملاكئة مشاهده كنند حدوث انهارا جيزى بس ازجيزى وسنت تدريج وتأنى درهركار حاصل آيد ، كذا وقع الاختلاف فى الاربعين التى خمر الله فيها طينة آدم هل هى بأيام الدنيا او بأيام الآخرة وفيه اشارة الى مراتب الصفات الست وهى الحياة والعلم والقدرة والارادة والسمع والبصر اى هو الذى تجلى للاشياء كلها بذاته الموصوفة بالصفات الست اذ تجلى الوجود لايكون الا من لوازمه ولو احقه كما قال تعالى { وان من شىء الا يسبح بحمده } والتسبيح يستلزم الحياة وما يترتب عليها من العلم بالتسبيح وبالمسبح ومن القدرة على التسبيح والارادة بتخصيص المسبح ومن السمع اذ كل مسبح لابد له من استماع تسبيحه ومن البصر اذ لابد لكل مسبح أن يشاهد المسبح فى بعض مراتب الشهود كما فى التاويلات النجمية { ثم استوى } اى استولى { على العرش } المحيط بجميع الاجسام رحمانيته لان استوى متى عدى بعلى اقتضى معنى الاستيلاء واذا عدى بالى اقتضى معنى الانتهاء اليه اما بالذات او بالتدبير قال بعض الكبار هو محمول على التمثيل وقد سبق بيانه مرارا ( قال الكاشفى ) بس قصد كرد بتدبير عرش واجرآء امور متعلقه بد وبر وفق ارادت .
وفى التأويلات النجمية يعنى استتم وتمكن تجليه على عرش استعدادات المظاهر السماوية الروحانية والمظاهر الارضية الجسمانية ماتجلى لعرش استعداد شىء الا بحسب قابليته وقبوله لا زآئد ولا ناقص ( كما قال العارف )
يكى مومى اوزين كم نبايد همى ... وكر بيش باشد نشايد همى
{ يعلم مايلج فى الارض } كالكنوز والدفائن والموتى والبذور وكا لغيث ينفد فى موضع وينبع فى الآخر ولو لوج الدخول فى مضيق وفى المناسبات الدخول فى الساتر الجلمة الداخل { ومايخرج منها } كالجواهر من الذهب والفضة والنحاس وغيرها والزروع و الحيوانات والماء وكالكنوز والموتى يوم القيامة وفى التأويلات النجمية يعنى يعلم بعلمه المحيط مايدخل فى ارض البشرية من بذور النباتات النفسانية مثل مخالفات الشرع وموافقات الطبع وزروع الاحوال القلبية من مخالفات الطبع وموافقات الشرع والواردات القلبية والالهامات الغيبية وزروع الاذواق والوجدانيات من التجليات الرحمانية التنزلات الربانية لترتب الاعمال على النيات كما قال عليه السلام « انما الاعمال بالنيات » وقال ايضا « لكل امرىء مانوى » اذ النية بمرتبة البذر والعمل بمرتبة الزرع والقلب والنفس والروح بمنزلة الارض المستعدة لكل نوع من البذر وقال بعضهم يعلم مايلج فى الارض قلب المؤمن من الاخلاص والتوحيد وفى ارض قلب الكافر من الشك والشرك ومايخرج منها بحسب حالهما { وما ينزل من السماء } كالكتب والملائكة والاقضية والصواعق والامطار والثلوج { ومايعرج فيها } كالملائكة الذين يكتبون الاعمال والدعوات والاعمال والارواح السعيدة والابخرة والادخنة وقال بعضهم وماينزل من السماء على قلوب اوليائه من الالطاف والكشوف وفنون الأحوال العزيزة ومايعرج من أنفاس الأولياء المشتاقين اذا تصادعت حسراتهم وعلت زفراتهم { وهومعكم اينما كنتم } فى الارض وهو تمثيل لاحاطة علمه تعالى بهم وتصوير لعدم خروجهم عنه اينما داروا وفى الحديث(15/110)
« أفضل ايمان المرء أن يعلم ان الله معه حيث كان »
يار باتست هركجا هستى ... جاى ديكر جه خواها اى اوباش
ياتودر زيرك كليم جواوست ... بس بر و اى حريف خود راباش
قال موسى عليه السلام اين أجدك يارب قال ياموسى اذا قصدت الى فقد وصلت الى فى التأويلات النجمية وهو معكم لا بالمعية المفهومية للعوام والخواص ايضا
اين معيت مى نكجند در بيان ... نى زمان دارد خبر زونى مكان
بل بالمعية المذوقة بالذوق الكشفى الشهودى اى انا معكم بحسب مراتب شهوداتكم ان كنتم فى مشهد الفعلى فانا معكم بالتجلى الذاتى ما أتقدم ولا أتأخر عنكم وقال بعضم الكبار تلك المعية ليست هيى مثل مايتصور بالعقل حسا او ذهنا او خيالا او وهما تعالى شأنه عن ذلك علوا كبيرا انما هى معية تفرد الحق سبحانه بيعنها وتحققها وعلمها لايعلم سرها الا الله ومن اطلعه عليه من الكمل ويحرم كشفها ترحما على العقول القاصرة عن درك الاسرار الخفية كما قال ابن عباس رضى الله عنهما أبهموا ماأبهم الله وبينوا مابين الله يعنى اذا اقتضى المقام الابهام كما اذا طلب ببيان المبهم على ماهو عليه فى نفسه وعقل الطالب قاصر عن دركه فلا جرم انه حرام لما فيه من هلاكه واما اذا طلب بيان المبهم لا على ماهو عليه فى نفسه بل على وجه يدركه عقله يضرب تأويل يستحسنه الشرع ففيه رخصة شرعية اعتبرها المتأخرون دفعا لانقلاب قلب الطالب وتريسخا على عقيدته حتى تندفع عن صدره الوساوس والهواجس والمراد على هذه اما معية حفظه او معية امره او غيره ذلك مما لا اضطراب فيه لا شرعا ولا عقلا ولا خارجا والاين المذكور فى الآية متناول لجميع الأينات الازلية والابدية من المعنوية والروحانية والمثالية والحسية والدنيوية والبرزخية والنشرية والحشرية والنيرانية والجنانية والغيبية والشادية مطلقا كلية كانت او جزيئة وهذه الاينية كالمعية من المبهمات والمتشابهات وما يعلم تأويلاها الا الله وما يتذكر سرها الا اولو الالباب قال بعضهم فى هذه الآية بشارة للعاشقين حيث هو معهم اينما كانوا وتوفيق للمتوكلين وسكينة للعارفين وبهجة للمحبين ويقين للمراقبين ورعاية للمقبلين واشارة الى سر الوحدة للموحدين قال الحسين رحمه لله ماقارب الحق الأكوان ولا فراقها كيف يفارقها وهو موجودها وحافظها وكيف ياقرب القدم الحدوث به قوام الكل وهو بائن عن الكل انتهى { والله بما تعملون بصير } فيجازيكم عليه ثوابا وعقابا وهو عبارة عن احاطته بأعمالهم فتأخيره عن الخلق لما اراد المراد مايدور عليه الجزآء من العلم التابع للمعلوم لا لما قيل من أن الخلق دليل على العلم فبالخلق يستدل على العلم والدليل يتقدم على المدلول وفى الآية ايقاظ للغافلين وتنشيط للمتيقظين ودلالة لهم على الخشية والحياء من رب العالمين واشارة لهم الى ان اعمالهم محفوظة وانهم مجزيون بها ان خيرا فخير ان شرا فشر قال بعض الكبار والله بما تعملون بصير لانه العامل بكم وفيكم ولابد لكل عامل أن يبصر عمله ومايتعلق به(15/111)
لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (5)
{ له ملك السموات والارض } تكرير للتأكيد وتمهيد لقوله تعالى { والى الله ترجع الامور } على البناء للمفعول من رجع رجعا اى رد ردا وقرىء على البناء للفاعل من رجع رجوعا والمعنى اليه تعالى وحده لا الى غيره استقلالا واشتراكا ترد جميع الامور فاستعدوا للقائه باختيار أرشد الامور وأحسنها عند الله ، بس تكرير كلام جهت آنست كه اول تعلق بايدآء دارد وثانى باعادة ، ولذا اقرن بالاولى يحيى ويميت وبالثانى مايكون فى الآخرة من رد الخلق اليه وجزآئه اياهم بالثواب والعقاب وفيه اشارة الى انه له ملك علوم السموات الروحانية وهى العلوم الكشفية اللدنية الموهوبة بالاسم الوهاب من غير تحصيلى الاسباب لعبادة المخلصين بافاضته عليهم وله ايضا ملك العلوم الرسمية الكسبية الارضية بالسعى والاجتهاد للعلماء بافاضة توفيق الكسب والاجتهاد فامور العلوم الكشفية والكسبية ترجع الى عناية الله الازلية والابدية(15/112)
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (6)
{ يولج الليل فى النهار } الا يلاج الادجال يعنى أز زمان شب درروز افزايد ، حتى يصير النهار اطول مايكون خمس عشرة ساعة والليل اقصر مايكون تسع ساعات { ويولج النهار فى الليل } يعنى از زامن روز بشب زياده كند باختلاف الفصول وبحسب مطالع الشمس ومغاربها حتى يصير الليل اطول مايكون خمس عشرة ساعة والنهار اقصر مايكون تسع ساعات والليل النهار ابدا اربع وعشرون ساعة قال فى فتح الرحمن فيه تنبيه على العبرة فيما يجاذبه والليل والنهار من الطول والقصر وذلك متشعب مختلف حسب اختلاف الاقطار والازمان الاربعة وذلك بحر من بخار الكفرة لمن تأمله { وهو عليم } اى مبالغ فى العلم { بذات الصدور } اى بمكنوناتها اللازمة لها من الاسرار والمعتقدات وذلك اغمض مايكون وهو بيان لاحاطة علمه تعالى بما يضمرونه فى نياتهم بعد بيان احاطته بأعمالهم التى يطهرونها وفى الآية اشارة الى انه يستهلك ظلمة ليل البشرية والطبيعة فى نور نهار الروح بطريق تغليب نور نهار الروح وهو تعالى علام بكل مايصدر من أصحاب ليل النفوس من السيئات ومن ارباب نهار الارواح من الحسنات لايفوته منهما شىء قال ابن عباس رضى الله عنهما اسم الله الاعظم فى اول سورة الحديد فى ست آيات من اولها فاذا علقت على المقاتل فى الصف لم ينفذ اليه حديد كما فى فتح الرحمن(15/113)
آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7)
{ آمنوا بالله ورسوله وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه } روى ان الآية نزلت فى غزوة ذى العشيرة وهى غزوة تبوك وفى عين المعانى يحتمل الزكاة والنفقة فى سبيل الله والمعنى جعلكم الله خلفاء فى التصرف فيه من غير آن تملكوه حقيقة عبر عما بأيديهم من الاموال والارزاق بذلك تحقيقا للحق وترغيبا لهم فى الانفاق فان علم انهم الله وانه بمنزلة الوكيل والنائب بحيث يصرفها الى ما عينه الله من المصارف هان عليه الانفاق او جعلكم خلفاء من قبلكم فيما كان بايديهم بتوريثه اياكم فاعتبروا بحالهم حيث انتقل منهم اليكم وسينتقل منكم الى من بعدكم فلا تبخلوا به قال الشاعر
ويكفيك قول الناس فيما ملكته ... لقد كان هذا مرة لفلان
فلا بد من انفاق الاموال التى هى للغير وستعود الى الغير فكما ان الانفاق من مال الغير يهون على النفس اذا اذن فيه صاحبه فكذا من المال الذى على شرف الزوال
مكن تكيه برملك وجاء وحشم ... كه بيش ازتو بودست وبعد ازتوهم
خوروبوش وبخشاى وراحت رسان ... نكه مى جه دارى زبهر كسان
بخيل توانكر بدينار وسيم ... طلسم است بالاى كنجى مقيم
از ان سالهامى بماند زرش ... كه لرزد طلسم جنين برسرش
بسنك اجل ناكها بشكنند ... بآ سودكى كنج قسمت كنند
{ فالذين آمنوا منكم وانفقوا } حسبما امروا به ( قال الكاشفى ) ونفقه كردندمال خودرا بزكاة وجهاد وسائر خيرات { لهم } سبب ذلك { اجر كبير } مزدى بزرك وثوابى عظيم كه جنت ونعيم است ، قال فى فتح الرحمن الاشارة فيه الى عثمان رضى الله عنه وحكمها باق يندب الى هذه الافعال بقية الدهر وفى التأويلات النجمية يخاطب كل واحد من المشايخ والعلماء ويأمرهم بالايمان بالله وبرسوله ايمانا كليا جامعا شرآئط الايمان الحقيقى الشهودى العيانى ويوصيهم بأفاضة علوم الوهب على مستحقيها وتعليم علوم الدارسة لمستعديها اذا العلماء فى العلوم الكسبية والمشايخ فى المعرفة والحكمة الوهبية خلفاء فيهما فعليهم أن ينفقوا على الطالبين المستحقين الذين ينفق الله ورسوله عليهم كما قال عليه السلام حكاية عن الله تعالى « انفق انفق عليكم » وقال عليه السلام « لاتوك فيوكى عليك » وفى الحديث « من كتم علما يعلمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار » ويشمل هذا الوعدي حبس الكتب عمن يطلبها للانتفاع بها لاسيما مع عدم التعدد لنسخها الذى هو أعظم اسباب المنع وكون المالك لايهدى لراجيه منها والابتلاء بهذا كثيرا كما فى المقاصد الحسنة للامام السخاوى رحمه الله فالذين آمنوا من روح القلب الايمان الشهودى وانفقوا من تلك العلوم الوهبية والكسبية على النفس وصفاتها بالارشاد الى موافقات الشرع ومخالفات الطبع وفى التسليك فى طريق السير والسلوك بالاتصاف بصفات الروحانية والانسلاخ عن صفات البشرية النفسانية لهم اجر كبير كما قال تعالى { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها }(15/114)
وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8)
{ ومالكم لاتؤمنون بالله } لاتؤمنون حال من الضمير فى لكم لما فيه من معنى الفعل اى اى شىء ثبت الانكار لكم وحصل حال كونكم غير مؤمنين حقيقته ماسبب عدم ايمانكم بالهل على توجيه الانكار والنفى الى السبب فقط مع تحقق المسبب { والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم } حال من ضمير لا تؤمنون مفيدة لتوبيخهم على الكفر مع تحقق ما يوجب عدمه بعد توبيخهم عليه مع عدم مايوبجه اى واى عذر فى ترك الايمان والرسول يدعوكم اليه وينبهكم عليه بالحجج والآيات فان الدعوة المجردة لاتفيد فلو لم يجب الداعى دعوة مجردة وترك ما دعاه اليه لم يستحق الملامة والتوبيخ فلام لتؤمنوا بمعنى الى ولا يبعد حملها على التعليلية اى يدعوكم الى الايمان لاجل أن تؤمنوا { وقد اخذ ميثاقكم } حال من مفعول يدعوكم والميثاق عقد يؤكد بيمين وعهد والموثق الاسم منه اى وقد أخذ الله ميثاقكم بالايمان من قبل دعوة الرسول اياكم اليه وذلك بنصب الأدلة والتمكين من النظر وحمله بعض العلماء على المأخوذ يوم الذر اى حين أخرجهم من صلب آدم فى صورة الذر وهى النمر الصغير { ان كنتم مؤمنين } لموجب ما فان هذا موجب لاموجب ورآه وفى عين المعانى اى ان كنتم مصدقين بالميثاق وفى فتح الرحمن اى ان دمتم على ما بدأتم به(15/115)
هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9)
{ هو الذى ينزل } بواسطة جبرآئيل عليه السلام { على عبده } المطلق محمد عليه السلام { آيات بينات } واضحات من الامر والنهى والحلال والحرام { ليخرجكم } الله ياقوم محمد أو العبد بسبب ترك الآيات { من الظلمات الى النور } من ظلمات الكفر والشرك والشك والجهل والمخالفة والحجاب الى نور الايمان والتوحيد واليقين والعلم والموافقة والتجلى { وان الله بكم لرؤف رحيم } حيث يهديكم الى سعادة الدارين بارسال الرسول وتنزيل الآيات بعد نصب الحجج العقلية ( وقال الكاشفى ) مهر بانست كه قرآن ميفرستد بخشاينده است كه رسول را بدعوت ميفر مايد ، وقال بعضهم لرؤف بافاضة نور الوحى رحيم بازالة ظلمة النفس البشرية(15/116)
وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)
{ ومالكم الا تنفقوا فى سبيل } اى واى شىء لكم من أن تنفقوا فما هو قربه الى الهل ماهو له فى الحقيقة وانما أنتم خلفاؤه من صرفه الى ماعينه من المصارف فقوله { فى سبيل الله } مستعار لما يكون قربة اليه وقال بعضهم معناه لاجل الله { ولله ميراث السموات والارض } حال من فاعل لاتنفقوا او مفعوله المحذوف اى ومالكم فى ترك انفقاها فى سبيل الله والحال انه لايبقى لكم منها شىء بل تبقى كلها لله بعد فناء الخلق واذا كان كذلك فانفاقها بحيث تستخلف عوضا يبقى وهو الثواب كان اولى من الامساك لانها اذا تخرج من أيديكم مجانا بلا عوض وفائدة قال الراغب وصف الله نفسه بانه الوارث من حيث ان الاشياء كلها صائرة اليه وقال ابو الليث انما ذكر لفظ الميراث لان العرب تعرف ان ماترك الانسان يكون ميراثا فخاطبهم بما يعرفون فيما بينهم قال بعض الكبار اولا ان القلوب مجبولة على حب المال مافرضت الزكاة ومن هنا قال بعضهم العارف لا زكاة عليه والحق ان عليه الزكامة كما ان عليه الصلاة الطهارة من الجنابة ونحوهما لانه يعلم ان نفسه مجموع العالم ففيها من يحب المال فيوفيه حقه من ذلك الوجه باخراجها فهو زاهد من وجه وراغب من وجه آخر وقد اخرج رسول الله عليه السلام صدقة ماله فالكامل من جمع بين الوجهين اذا الوجوب حقيقة فى المال لاع على المكلف لانه انما كلف باخراج الزكاة من المال لكون المال لايخرج بنفسه فللعارفين المحبة فى جميع العالم كله وان تفاضلت وجوهها فيحبون جميع مافى العالم بحب الله تعالى فى ايجاد ذلك لامن جهة عين ذلك الموجود فلابد للعارف أن يكون فيه جزء يطلب مناسبة العالم ولولا ذلك الجزاء ما كانت محبة ولا محبوب ولا تصور وجودها وفى كلام عيسى عليه السلام قلب كل انسانحيث ماله فاجعلوا اموالكم فى السماء تكن قلوبكم فى السماء فحيث اصحابه على الصدقة لما علم ان الصدقة تقع بيد الرحمن وهو يقول ءأمنتم من فى السماء فانظر ما أعجب كلام النبوة وما أدقه وأحلاء وكذلك لما علم السامرى ان حب المال ملصق بالقلوب صاغ لهم العجل من حليهم بمرأى منهم لعلمه ان قلوبهم تابعة لاموالهم ولذلك لما سارعوا الى عبادة العجل دعاهم اليها فعلم ان العارف من حيث سره الربانى مستخلف فيما بيدجه من المال كالوصى على مال المحجور عليه يخرج عنه الزكاة وليس له فيه شىء ولكن لما كان المؤمن لحجابه يخرجها بحكم الملك فرضت عليه الزكاة لنال بركات ثواب من رزىء فى محبوبه والعارف لايخرج شيأ بحكم الملك والمحبة كالمؤمن انما يخرج امتثالا للامر ولا تؤثر محبت فلمال فى محبته الله تعالى لانه ما أحب المال الا بتحبيب الله ومن هنا قال سليمان عليه السلام هب لى ملكا لاينبغى لاحد من بعدى انك أنت الوهاب فما طلب الا من نسبة فاقة فقير الى عنى ، ثم اعلم ان المال انما سمى مالا لميل النفوس اليه فان الله تعالى قد أشهد النفوس مافى المال من قضاء الحاجات المجبول عليها الانسان اذ هو فقير بالذات ولذلك مال الى المال بالطبع الذى لاينفك عنه ولو كان الزهد فى لمال حقيقة لم يكن مالا ولكان الزهد فى الآخرة اتم مقاما من الزهد فى الدنيا وليس الامر كذلك فان الله تعالى قد وعد بتضعيف الجزآء الحنسة بعشر امثالها الى سبعمائة ضعف فلو كان القليل منه حجاب لكان الكثير منه اعظم حجابا فالدنيا للعارف صفة سليمانية كمالية وما اليق قوله(15/117)
{ انك أنت الوهاب } أتراه عليه السلام سأل مايحجبه عن الله تعالى او سأل مايبعده من الله تعالى كلا ثم انظر الى تتميم النعمة عليه بدار التكليف بقوله تعالى له { هذا عطاؤنا فامنن او أمسك بغير حساب } فرفع عنه الحرج فى التصرف بالاسم المانع والمعطى واخصته بجنة معجلة فى الدنيا ما حجبه ذلك المال عن ربه فانظر الى درجة العارف كيف كيف جمع بين الجنتين وتحقق بالحقيقتين وأخرج زكاة المال الذى بيده عملا بقوله تعالى { وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه } فجعله مالكا للأنفاق من حقيقة الهية فيه فى مال هو ملك الحقيقة أخرى فيه هو وليها من حيث الحقيقة الالهية { لايستوى منكم } يامعشر المؤمنين ( روى ) ان جماعة من الصحابة رضى الله عنهم انفقوا انفقات كثيرة حتى قال ناس مؤلاء اعظم اجرا من كل من انفق قديما فنزلت الآية مبينة ان النفقة قبل فتح مكة أعظم أجرا { من انفق من قبل الفتح } اى فتح مكة الذى ازال الهجرة وقال عليه السلام فيه « لاهجرة بعد الفتح ولكن الجهاد ونية » وهذا قول الجمهور وقال الشعبى هو صلح الحديبية فان فتح كما سبق فى سورة الفتح { وقاتل } العدو تحت لوآء رسول الله صلى الله عليه وسلم والاستوآء يقتضى شيئين فقسيم من أنفق محذوف لوضوحه ودلالة مابعده عليه اى لايتسوى فى الفضل من أنفق من قبل الفتح وقاتل ومن انفق من بعده وقاتل والظاهر أن من أنفق فاعل لايستوى وقيل من مبتدأ ولايستوى خبره ومنكم حال من ضمير لايستوى لا من ضمير انفق لضعف تقديم مافى الصلة على الموصول او الصفة على الموصوف و لضعف تقديم الخبر على منكم لان حقه أن يقع بعده ثم فى انفق اشارة الى انفاق المال ومايقدر عليه من القوى وفى قاتل اشارة الى انفاق النفس فان الجهاد سعى فى بذل الوجود ليحصل بالفناء كمال الشهود ولذا قال تعالى(15/118)
{ ولا تقولوا لمن يقتل فى سبيل الله أموات بل أحياء عند ربهم يرزقون } فهذه الحياة حياة أخروية باقية عندية فكيف تساويها الحياة الدنيوة الفانية الخلقية مع ان رزق الحياة الفانية ينفد وما عند الله باق ولذا قال { اكلها دآئم وظلها } اى راحتها فالانسان العاقل بترك الراحة الدنيوية اليسيرة لله تعالى يصل الى الراحة الكثيرة الأخروية فشأنه يقتضى الجهاد والقتال { اولئك } المنفقون المقاتلون قيل انفتح وهم السابقون الاولون من المهاجرين والانصار { اعظم درجة } وأرفع منزلة عند الله وبعظم الدرجة يكون عظم صاحبها فالدرجة بمعنى المرتبة والطبقة وجمعها درجات واذا كانت بمعنى المرقاة فجمعها درج { من الذين انفقوا من بعد وقتلوا } لانهم انما فعلوا من الانفاق والقتال قبل عزة الاسلام وقوة أهله كمال الحاجة الى النصرة بالنفس والمال وهؤلاء فعلوا مافعلوا بعد ظهور الدين ودخول الناس فيه أفواجا وقلة الحاجة الى الانفاق والقتال وقد صرح عليه السلام ايضا بفضل الاولين بقوله « لو أنف احدكم مثل أحد ذهبا مابلغ مد أحدهم ولا نصيفه » قال فى القاموس المد بالضم مكيال وهو رطلان او رطل وثلث او ملىء كفى الانسان المعتدل اذا ملأها ومديده بهما وبه سمى مدا وقد جربت ذلك فوجدته صحيحا والنصيف والنصف واحد وهو أحد شقى الشىء والضمير فى نصيفه راجع الى احدهم لا الى المد والمعنى ان احدكم أيها الصحابة الحاضرون لايدرك بانفاق مثل جبل أحد ذهبا من الفضيلة ماأدرك أحدهم بانفاق مد من الطعام او نصيف له وفيه اشارة الى ان صحبة السابقين الاولين كاملة بالنسبة الى صحبة اللاحقين الآخرين لسبقهم وتقدمهم وفى الحديث « سيأتى قوم بعدكم تحقرون اعمالكم مع أعمالهم » قالوا يارسول الله نحن أفضل ام هم قال « لو أن أحدهم أنفق مثل أحد ذهبا مادرك فضل أحدكم ولا نصفه » فرقت هذه الآية بينكم وبين الناس لايستوى منكم الآية ذكره ابو الليث فى تفسيره وفيه اشارة الى ان الصحابة متفاتون فى الدرجة بالنسبة الى التقدم والتأخر واحراز الفضائل فكذا الصحابة ومن بعدهم فالصحابة مطلقا أفضل ممن جاء بعدهم مطلقا فانهم السابقون من كل وجه { وكلا } اى كل واحد من الفريقين وهو مفعول او لقوه { وعد الله الحسنى } اى المثوبة الحسنى وهى الجنةن لا الاولين فقط ولكن الدرجات متفاوتة { والله بما تعملون خبير } بظواهره وبواطنه فيجازيكم بحسبه قال فى المناسبات لما كان زكاء الاعمال انما هو بالنبات وكان التفضيل مناط العلم قال مرغبا فى حسن النيات مرهبا من التقصير فيها والله بما تعملون اى تجددون عمله على ممر الاوقات خبير اى عالم بباطنه وظاهره علما لامزيد عليه بوجه فهو يجعل جزآء الاعمال على قدر النيات التى هى ارواح صورها(15/119)
عبادت باخلاص نيت نكوست ... وكرنه جه آيد زبى مغز بوست
وقال الكلبى نزلت هذه الآية فى أبى بكر الصديق رضى الله عنه وفيها دلالة ظاهرة وحجة باهرة على تفضيل أبى بكر وتقديمه فان اول من أسلم وذلك فما روى ان أبا امامة قال لعمر بن عبينة باى شىء تدعى انك ربع الاسلام ق لانى كنت أرى الناس على الضلالة ولا ارى للاوثان شيأ ثم سمعت عن رجل يخبر عن أخبار مكة فركبت راحلتى حتى قدمت عليه فقلت من أنت قال انا نبى قلت وما نبى قال رسول الله قلت بأى شىء أرسلك قال اوحد الله لا أشرك به شيأ واكسر الاوثان واصل الارحام قلت من معك على هذا قال حر وعبد واذا معه ابو بكر وبلال فاسلمت عند ذلك فرأيتنى ربع الاسلام يعنى بس دانستم خودرا ربع اسلام ، وانه اى أبا بكر اول من اظهر الاسلام على ماروى عن عبدالله ابن مسعود رضى الله عنه قال كان او من اظهر الاسلام رسول الله عليه السلام وابو بكر وعمار وامه سمية وصهيب وبلال المقداد وانه اول من قاتل على الاسلام وخاصم الكفار حتى ضرب ضربا اشرف به على الهلاك على ماقاله ابن مسعود رضى الله عنه أول من اظهر الاسلام بسيفه النبى عليه السلام وأبو بكر رضى الله عنه وانه اول من أنفق على رسول الله وفى سبيل الله قال ابن عمر رضى الله عنهما كنت عند النبى عليه السلام وعنده أبو بكر وعليه عباءة فدكية قد خللها فى صدره بخلال يعنى بروى كليمى بودكه استوار كرده ويرا درسينه خود بخلال ، قال فى القاموس خل الكساء شده بخلال وذو الخلال ابو بكر الصديق رضى الله عنه لانه تصدق بجمع ماله وخل كساءه بخلال انتهى فنزل عليه جبريل عليه السلام فقال مالى أرى أبا برك عليه عباءة قد خلها فى صدره بخلال فقال أنفق ماله على قبل الفتح قال فان الله تعالى يقول اقرأ عليه السلام وقل له أراض أنت عنى فى فقرك هذا ام ساخط فقال ابو بكر ءأسخط على ربى انى عن ربى راض انى عن ربى راض ولهذا قدمه الصحابة رضى الله عنهم على أنفسهم واقروا له بالتقدم والسبق وذلك فيما روى عبد الله بن سلمة عن على رضى الله عنه قال سبق رسول الله عليه السلام وثنى ابو بكر وثلث عمر يعنى سابقست رسول الله ودر بى وى ابو بكر است وسوم عمر است ، فلا اؤتى برجل فضلنى على أبى بكر وعمر الا جلدته جلد المفترى واطرح شهادته يعنى طرح شهادت وى كنم ودر صفت وى كفته اند
صاحب قدم مقام تجريد ... سر دفتر جمله اهل توحيد
در جمع مقربان سابق ... حقا كه جواو نبود صادق(15/120)
وفى الآية اشارة الى أن من تقدمت مجاهدته على مشاهدته وهو المريد المراد والسالك المجذب والمحب المحبوب اعلى واجل وأسبق درجة ومرتبة من درجات المشاهدة ومراتبها ممن تقدمت مشاهدته على مجاهدته حين يقعد ارباب المشاهدة فى مقعد صدق عند مليك مقتدر لمشاهدة وجهه ورؤية جماله فى جنة وصاله يفوقه ويسبقه ويتقدمه وهو المراد المريد والمجذوب السالك والمحبوب المحب فان المجاهدة قدمت على المشاهدة فى قوله تعالى { والذين جاهوا فينا لنهدينهم سبلنا } فيصير سلوك الاول واقعا على وفق العادة الآلهية والسنة الربانية وسلوك الثانى على خارقها والمعتبر فى الترتيب الالهى تقدما وتأخرا باعتبار الاكمل انما هو وفق العادة والسنة الالهية وهما وان كانا متحدين باعتبار اصل حسن المشاهدة لكنهما متفاوتان باعتبار قدرها ودرجتها فانهم الصافون وما منا الا له مقام معلوم كذا فى كتاب اللائحات البرقيات لحضرة شيخى وسندى روح الله روحه(15/121)
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11)
{ من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا } من مبتدأ خبره ذا والذى صفة ذا او بدله والاقراض حقيقة اعطاء العين على وجه يطلب بدله وقرضا حسنا مفعلو مطلق له بمعنى اقراضا حسنا وهو الاخلاص فى الانفاق اى الاعطاء لله وتحرى اكرم المال وأفضل الجهات والمعنى من ذا الذى ينفق ماله فى سبيل الله رجاء أن يعوضه فانه كمن يقرضه وقال فى كشف الاسرار كل من قدم عملا صالحا يستحق به مثوبة فقد أقرض ومنه قوله الايادى قروض وكذلك كل من قدم عملا سيئا يستوجب به عقوبة فقد أقرض فلذلك قالت تعالى { قرضا حسنا } لان المعصية قرض سيىء قال مية
لاتخلطن خبيثات بطيبة ... واخلع ثيابك منها وانج عريانا
كل امرىء سوف يجزى قرضه حسنا ... او سيئة ومدين مثل مادانا
وقيل المراد بالقرض الصدقة انتهى وههنا وجه آخر وهو ان القرض فى الاصل القطع من قرض الثوب بالمقراض اذا قطعه به ثم سمى به مايقطعه الرجل من أمواله فيعطيه عينا بشرط رد بدله فعلى هذا يكون قرضا حسنا مفعولا به والمعنى من ذا الذى يقرض الله مالا حسنا اى حلالا طيبا فانه تعالى لايقبل الا الحلال الطيب { فيضاعفه له } بالنصب على جواب الاستفهام باعتبار المعنى كأنه قيل أيقرض الله احد فيضاعفه له اى قيعطيه أجره اضعافا من فضله انما قلنا باعتبار المعنى لان الفاء انما تنصب فعلا مردودا على فعل مستفهم عنه كما قاله أبو على الفارسى وههنا السؤال لم يقع عن القرض بل عن فاعله { وله أجر كريم } اى وذلك الأجر المضموم اليه الاضعاف كريم حسن مرضى فى نفسه حقيق بأن يتنافس فيه المتنافسون وان لم يضاعف فيكف وقد ضوعف اضعافا كثيرة ( وروى ) انه لما نزلت هذه الآية جعل ابو الدحداح يتصدق بنصف كل شىء يملكه فى سبيل الله حتى انه خلع احدى نعليه ثم جاء الى ام الدحداح فقال انى بايعت ربى فقالت ربح بيعك فقال النبى عليه السلام « كم نخلة مدلاة عذوقها فى الجنة لابى الدحداح » قال بعضهم سأل الله منهم القرض ولو كانوا على نعت المرؤة لخرجوا من وجودهم قبل سؤاله فضلا عن المال فان العبد وما يملكه لمولاه فاذا بذلوا الوجود المجازى وجدوا من الله بدله الوجود الحقيقى وله أجر كريم بحسب الاجتهاد فى السير الى الله والتوجه الى عتبة بابه الكريم
هركسى ازهمت والاى خويش ... سود برد درخور كالاى خويش
وفى الآية اشارة الى القرض الشرعى لمن يستقرض كما دل عليه قوله تعالى « عبدى استطعمتك فلم تطعمنى » فاعطاء القرض للعبد اعطاء الله تعالى والقرض أفضل من الصدقة لانه ربما سأل سائل وعنده مايكفيه واما المستقرض فلا يستقرض الا من حاجة وقال بعضهم هذا القرض هو ان يقول سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر وهو أفضل الاذكار وعن الحسن هم التطوعات وفى المرفوع « النافلة هدية المؤمن الى ربه فليحسن احدكم هديته وليطيبها » والحصال ان الكريم يرد القرض باحسن مايكون من الرد ويحسن ايضا فى مقابلة الهدية(15/122)
يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)
{ يوم ترى المؤمنين والمؤمنات } منصوب باضمارا ذكر تفخيما لذلك اليوم اى اذكر وقت رؤيتهم يوم القيامة على الصراط { يسعى نورهم } حال من مفعول ترى اى نور ايمانهم وطاعتهم والسعى المشى السريع وهو دون العدو ويستعمل للجد فى الامر خيرا كان او شرا واكثر مايستعمل فى الافعال المحمودة { بين ايديهم وبأيمانهم } جمع يمين بمعنى الجارحة والمراد جهة اليمين وبين ظرف للسعى قال ابو الليث يكون النور بين أيديهم وبأيمانهم وعن شمائلهم الا أن ذكر الشمال مضمر وقال فى فتح الرحمن وخص بين الايدى بالذكر لانه موضع حاجة الانسان الى النور وخص ذكر جهة اليمين تشريفا وناب ذلك مناب ان يقول وفى جهاتهم وفى كشف الاسرار لان طريق الجنة يمنة وتجاههم وطريق اهل النار يسرة ذات شمال وفى الحديث « بينا انا على حوضى انادى هلم اذا اناس اخذتهم ذات الشمال فاختلجوا دونى فأنادى الا هلم فيقال انك لاتدرى ماحدثوا بعدك فأقول سحقا » يقول الفقير ذكر بين الايدى اشارة الى المقربين الذين هم وجه بلا قفا ظاهرا وباطنا فلهم نور مطلق يضيىء من جميع الجهات وذكر الايمان اشارة الى اصحاب اليمين الذين هم وجه من وجه وقفا من وجه آخر فنورهم نور مقيد بايمانهم وما اصحاب الشمال فلا نور لهم اصلا لانهم الكفرة الفجرة فلذا طوى ذكر الشمال من البين از اين مسعود منقولست كه نورهركسى بقدر عمل ورى بود نور يكى از صنعا باشد تابعدن وادنى نورى آن بودكه صاحبش قدم خود رابيند بارى هيج مؤمن بى نور نباشد ، وقال منهم من يؤتى نوره كالنخلة ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم وأدناهم نورا يؤتى نوره على ابهام قدميه فيطفأ مرة ويتقد اخرى فاذا ذهب بهم الى الجنة ومروا على الصراط يسعى نورهم جنيبا لهم ومتقدما ومرورهم على الصراط على قدر نورهم هم فمنهم من يمر كطرف العين ومنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالسحاب ومنهم من يمر كانقضاض الكواكب ومنهم من يمر كشد الفرس والذى أعطى نوره على ابهام قدميه يحبو على وجهه ويديه ورجليه ويقف مرة ويمشى اخرى وتصيب جوارحه النار فلا يزال كذلك حتى يخلص وكما ان لهم يوم القيامة نورا يسعى بين أيديهم وبايمانهم فاليوم لهم فى قلوبهم نور يهتدون به فى جميع الاحوال ويبدوا أيضا فى بشرتهم فمن ظهر له ذلك النور انقاد له وخضع وكان من المقربين ومن لم يظهر له ذلك تكبر عليه ولم يستسلم وكان من المنكرين وحين تعلق نظر عبدالله بن سلام الى وجه النبى عليه السلام آمن به وقال ماهو بوجه كذا وكذاب اضرابه بخلاف أبى جهل واحزابه قال بعض الكبار نور الايمان كناية عن تمكن اجتهادهم وسعيهم الى الله بالسير والسلوك وذلك لان قوة الانسان فى يمينه وبها يعرف اليمني من الشمال { بشراكم اليوم جنات } اى تقول لهم الملائكة الذين يتلقونهم بشراكم اى ماتبشرون به اليوم جنات او بشراكم دخول جنات فحذف المضاف واقيم مقامه المضاف اليه فى الاعراب { تجرى من تحتها الانهار خالدين فيها ذلك } اى ماذكر من النور والبشرى بالجنات المخلدة { هو الفوز العظيم } الذى لاغاية ورآءه لكونهم ظفروا بكل ماأرادوا ( قال الكاشفى ) رستكارىء بزركست جه از همه جان مقدس فداى ديدارت(15/123)
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13)
{ يوم يقول المنافقون والمنافقات } بدل من يوم ترى { للذين آمنوا } اى اخلصوا الايما بكل مايجب الايمان به { انظرونا } اى انتظرونا يقولون ذلك لما ان المؤمنين يسرع بهم لى الجنة كالبروق الخاطفة على ركاب تزف بهم وهؤلاء مشاة او انظروا الينا فانهم اذا انظروا اليهم استقبولهم بوجوههم فيستضيئون بالنور الذى بين أيديهم فانظرونا على هذا الوجه من باب الحذف والايصال لان النظر بمعنى الابصار لايتعدى بنفسه وانما انظار لهم وامهال { نقتبس من نوركم } اى نستضىء منه ونمش فيه معكم واصله اتخاذ القبس وهو محركة شعلة نار تقتبس من معظم النار كالمقباس قال الراغب القبس المتناول من الشعلة والاقتباس طلب ذلك ثم لطلب العلم والهداية قال بعضهم النار والنور من اصل واحد وهو الضوء المنتشر يعين على الابصار وكثير مايتلا زمان لكن النار متاع للمقوين فى الدنيا والنور متاع لهم فى الدنيا والآخرة ولاجل ذلك استعمل فى النور الاقتباس وقيل نقتبس من نوركم اى نأخذ من نوركم قبسا سراجا وشعلة وقيل ان الله يعطى المؤمنين نورا على قدر اعمالهم يمشون به على الصراطى ويعطى المنافقين ايضا نورا خديعة لهم وهو قوله تعالى { وهو خادعهم } فبينما هم يمشون اذ بعث الله ريحا وظلمة فأطفأ نور المنافقين فذلك قوله { يوم لايخزى الله النبى والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا اتمم لنا نورنا } مخافة أن يسلبوا نورهم كما سلب نور المنافقين وقال الكلبى بل يستضىء المنافقون بنور المؤمنين ولايعطون النور فاذا سبقهم المؤمنون وبقوا فى الظلمة قالوا للمؤمنين انظرونا نقتبس من نوركم { قيل } طردا لهم وتهكما بهم من جهة المؤمنين او من جهة الملائكة { ارجعوا ورآءكم } الى الموقف { فالتمسوا نورا } اى فاطلبوا نورا فانه من ثمة يقتبس او الى الدناي فالتمسوا النور بتحصيل مباديه من الايمان والاعمال الصالحة
كارا اينجا كن تشوبشست در محشر بسى ... آب از بنجا بركه درعقبى بسى شور وشرست
وروى عن ابى امامة الباهلى رضى الله عنه انه قال بينا العباد يوم القيامة عند الصراط اذ غشيهم ظلمة يقسم الله النور بين عباده فيعطى الله المؤمن نورا ويبقى المنافق والكافر لايعطيان نورا فكما لايستضىء الاعمى بنور البصير لايستضىء الكافر والمنافق بنور المؤمن فيقولون انظرونا نقتبس من نوركم فيقولون لهم ارجعوا حيث قسم النور فيرجعون فلا يجدون شيأ فيرجعون وقد ضرب بينهم بسور او ارجعوا خائبين خاسئين وتنحوا عنا فالتمسوا نورا آخر وقد علموا أن لانور ورآءهم وانما قالوه تخييبا لهم او أردوا بالنور ماورآءهم من الظلمة الكثيفة تهكما بهم وقال بعض أهل الاشارة كأن استعداداتهم الفطرية الفائتة عنهم تقول بلسان الحال ارجعوا الى استعدادتكم الفطرية التى أفسدتم بحب الدنيا ولذاتها وشهواتها واقتبسوا منها نورا اذا ماتصلون الى مطلوباتكم الا بحسب استعداداتكم وهى فائتة عنكم باشتغالكم بالامور الدنيوية واعراضكم عن الاحكام الاخروية والتوجهات المعنوية { فضرب بينهم } اى بين الفريقين وهم المؤمنون والمنافقون يعنى ملائكة بحكم الهى بزنند ، ولما كان البناء مما يحتاج الى ضرب باليد ونحوها من الآلات عبر عنه بالضرب ومثله ضرب الخيمة لضرب اوتادها بالمطرقة { بسور } اى حائط بين شق الجنة وشق النار فان سور المدينة حائطها المشتمل عليها والباء زآئدة وبالفارسية ديوارى نزديك جون باره شهرى ، قال بعضهم هو سور بين أهل الجنة والنار يقف عليه اصحاب الاعراف يشرفون على اهل الجنة واهل النار وهو السور الذى يذبح عليه الموت يراه الفريقان معا { له } اى لذلك السور { باب } يدخل فيه المؤمنون فيكون السور بينهم باعتبار ثانى الحال اعنى بعد الدخول لاحين الضرب { باطنه } اى باطن السور او الباب { فيه الرحمة } لانه يلى الجنة { وظاهره من قبله } اى من جهته وعنده { العذاب } لانه يلى النار وقال بعضهم هو سور بين القدس الشرقى باطنه فيه المسجد الاقصى { وظاهره من قبله العذاب } وهو واد يقال له وادى جهنم وكان كعب يقول فى الباب الذى يسمى باب الرحمة فى بيت المقدس انه الباب الذى قال الله { فضرب بينهم بسور له باب } الآية يعنى ان هذا الموضع المعروف بوادى جهنم موضع السور قال ابن عطية وهذا القول فى السور بعيد يعنى بل المراد بالسور الاعراف ، يقول الفقير لابعد فيه بالنسبة الى من يعرف الاشارة وقد روى ان عبادة قام على سور بيت المقدس الشرقى فبكى فقال بعضهم مايبكيك يا أبا الوليد فقال ههنا اخبرنا رسول الله عليه السلام انه رأى جهنم وفى الحديث(15/124)
« بيت المقدس ارض المحشر والمنشر » فيجوز أن يكون الموضع المعروف بوادى جهنم موضع السور على سور الاعراف بعينه لكن على كيفية لايعرفها الا الله لانه تبدل الارض غير الارض يوم القيامة وقد صح ان مواضع العبادات تلتحق بأرض الجنة فلا بعد فى أن يكون المسجد الاقصى من الجنة وخارجة من النار وبينهما السور(15/125)
يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14)
{ ينادونهم } كأنه قيل فماذا يفعلون بعد ضرب السور ومشاهدة العذاب فقيل ينادى المنافقون المؤمنين من ورآء السور ( قال الكاشفى ) منافقون جون بازبس نكرند ونورى نه بينند باز متوجه مؤمنان شوند ديوارى بينند ميان خود وابشان حاجز شده اذان در بنكرند مؤمنا ترا مشاهده نمايندكه خرامان متوجه رياض شدند بخوانند ايشاترا بزارى كويند اى مؤمنان { الم نكن } فى الدنيا { معكم } يريدون به موافقتهم لهم فى الامور الظاهرة كالصلاة والصوم والمناكحة الموارثة ونحوهما { قالوا بلى } كنتم معنا بحسب الظاهر { ولكنكم فتنتم انفسكم } مختموها بالنفاق واهلكتموها اضافة الفتنة الى النفس اضافة الميل والشهوة والى الشيطان فو قوله { ايفتننكم الشيطان } اضافة الوسوسة والى الله تعالى فى قوله { قال فانا فتنا قومك } اضافة الخلق لانه خلق الضلال فيه فى ليفتنن { وتربصتم } بالمؤمنين الدوآئر والتربص الانتظار وقال مقاتل وتربصتم بمحمد عليه السلام الموت وقلتم يوشك أن يموت فنستريح منه وهو وصف قبيح لان انتظار موت وسائل الخير ووسائظ الحق من عظيم الجرم والقباحة اذ شأنهم أنى يرجى طول حياتهم ليستفاد منهم ويغتنم بمجالتهم { وارتبتم } وشككتم فى امر الذين او فى النبوة او فى هذا اليوم { وغرتكم الامانى } الفارغة التى من جملتها الطمع فى انتكاس امر الاسلام جمع امنية كأضحية بالفارسية آرزو .
وفى عين المعانى وغرتكم خدع الشيطان وقال ابو الليث أباطيل الدنيا { حتى جاء امر الله } اى الموت { وغركم بالله } الكريم { الغرور } اى غركم الشيطان بأنه عفو كريم لايعذبكم قال قتادة مازالوا على خدعة من الشيطان حتى قذفهم الله فى النار قال الزجاج الغرور على ميزان ابن آدم كثيرا قال فى المفردات الغرور كل مايغر الانسان من مال وجاه وشهوة وشيطان وقد فسر بالشيطان اذ هو اخبث الغارين بالدنيا لما قيل الدنيا تغر وتضر وتمر(15/126)
فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15)
{ فاليوم لايؤخذ منكم } أيها المنافقون { فدية } اى فدآء حفظ الانسان من النائبة بما يبذله عنه من مال او نفس اى لايؤخذ منكم دية ولا نفس اخرى مكان أنفسكم { ولا من الذين كفروا } اى ظاهرا وباطنا وفيه دلالة على ان الناس ثلاثة اقسام مؤمن ظاهرا وباطنا وهو المخلص ومؤمن ظاهرا لا باطنا وهو المنافق وكافر ظاهرا وباطنا { مأواكم } مرجعكم { النار } لاترجعون الى غيرها ابدا { هى } اى النار { مولاكم } تتصرف فيكم تصرف المولا فى عبيده لما أسلفتم من المعاصى او أولى بكم فالمولى مشتق من الاولى بحذف الزوآئد وحقيقته مكانكم الذى يقل فيه هو اولى بكم كما يقالهو مئنة الكرم اى مكان لقول القائل انه كريم فهو مفعل من اولى كما ان مئنة مفعلة من ان التى للتأكيد والتحقيق غير مشتقة من لفظها لان الحروف لاشتق منها بل ربما تتضمن الكلمة حروفها دلالة على ان معناه فيها او ناصركم على طريقة قوله ( تحية بينهم وضرب وجيع ) فان مقصوده نفى التحية فيما بينم قطعا لان الضرب الوجعي ليس بتحية فيلزم أن لاتحية بنيهم البتة فكذا اذا قيل لاهل النار هى ناصركم يراد به أن ناصر لكم البتة او متوليكم اى المتصرف فيكم تتولاكم كما توليتم فى الدنيا موجباتها { وبئس المصير } اى المرجع النار
وفى التأويلات النجمية اى نار القطيعة والهجران مولاكم ومتسلطة عليكم وبئس الرجوع الى تلك النار وعن الشبلى قدس سره انه رأى غصنا طريا قد قطع عن اصله فبكى فقال اصحابه مايبكيك فقال هذا الفرع قد قطع عن اصله وهو طرى بعد ولا يدرى ان مأله الذبول واليبس ، شبلى ديده زنى راكه ميكريد وميكريد ياويلاه من فراق ولدى شبلى كريست وكفت ياويلاه من فراق الاخدان زن كفت جرا جنين ميكويى شبلى كفت توكريه ميكنى بر مخلوقى كه هرآينه فانى خواهدشد من جرا كريه نكنم برفراق خالقى كه باقى باشد
فرزند ويار جونكه بميرند عاقبت ... اى دوست دل مبند بجز حى لايموت(15/127)
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)
{ ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } من أنى الامر بأنى الدنيا واناء واناء اذا جاء اناه اى وقته وحان حينه وادرك والخشوع ضراعة وذل اى ألم يجيىء وقت ان تخشع قلوبهم لذكره تعالى وتطمئن به ويسارعوا الى طاعته بالامتثال لاوامره والانتهاء عما نهوا عنه من غير توان ولا فتور قال بعضهم الذكر ان كان غير القرءآن يكون المعنى ان ترق وتلين قلوبهم اذا ذكر الله فان ذكر الله سبب لخشوع القلوب اى سبب فالذكر مضاف الى مفعوله واللام بمعنى الوقت وان كان القرءآن فهو مضاف الى الفاعل واللام للعلة لمواعظ الهل تعالى الى ذكرها فى القرءآن ولآياته التى تتلى فيه وبالفارسية آيات وقت نيايد مر آنانرا كه كرويده اند آنكه بترسد ونرم شود دلهاى ايشان براج ياد كردن خداى { ومانزل من الحق } اى القرءآن وهو عطف على ذكر الله فان كان هو المراد به ايضا فالعطف لتغاير العنوانين فانه ذكر وموعظة كأنه حق نازل من السماء والا فالعطف كما فى قوله تعالى { انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا } ومعنى الخشوع له الانقياد التام لاوامره ونواهيه والعكوف على العمل بما فيه من الاحكام التى من جملتها ماسبق وما لحق من الانفاق فى سبيل الله روى ان المؤمنين كانوا مججبين بمكة فلما هاجروا اصابوا الرزق والنعمة ففتروا عما كانوا عليه من الخشوع فنزلت وعن ابن مسعود رضى الله عنه ماكان بين اسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية اربع سنين وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان الله استبطأ قلوب المؤمنين فعابتهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرءآن وعن الحسن رحمه الله والله لقد استبطأهم وهم يقرأون من القرءآن اقل مما تقرأون فانظروا فى طول ماقرأتم منه وما ظهر فيكم من الفسق ، قولى آنست كه مزاح ومضاحك درميان اصحاب بسيار شد آيت نازل ، كشت كما قال الامام الغزالى رحمه الله فى منهاج العابدين ثم الصحابة الذين هم خير قرن كان يبدو منهم شىء من المزاح فنزل قوله تعالى { الم يأن } الخ وعن أبى بكر الصديق رضى الله عنه ان هذه الآية قرئت بين يديه وعنده قوم من أهل اليمامة فبكوا بكاء شديدا فنظر اليهم فقال هكذا كنا قست القلوب قال السهر وردى فى العوارف حتى قست القلوب اى تصلبت وادمنت سماع القرءآن وألفت نواره فما استغربته حتى تتغير والواجد كالمستغرب ولهذا قال بعضهم حالى قبل الصلاة كحال فى الصلاة اشارة منه الى استمرار حال الشهود انتهى فقوله حتى قست القلوب ظاهره تقبيح للقلوب بالقسوة والتلوين وحقيقته تحسين لها بالشهود والتمكين قال البقلى رحمه الله فى الآية هذا فى حق قوم من ضعفاء المريدين الذين فى نفوسهم بقايا الميل الى الحظوظ حتى يحتاجوا الى الخشوع عند ذكر الله وأهل الصفوة احترقوا فى الله بنيران محبة لله ولو كان هذا الخطاب للاكابر لقال أن تخشع قلوبهم لله لان الخشوع لله موضع فناء العارف فى لمعروف وارادة الحق بنعت الشوق اليه فناؤهم فى بقائه بنعت الوله والهيمان والخشوع للذكر موضع الرقة من القلب فاذا رق القلب خشع بنور ذكر الله لله كأنه تعالى دعاههمم بلطفه الى سماع ذكره بنعت الخشوع والخضوع والمتابعة لقوله والاستلذاذ بذكره حتى لايبقى فى قلوبهم لذة فوق لذة ذكره قال أبو الدردآء رضى الله عنه استعيذ من خشوع النفاق قيل وما خشوع النفاق قال أن ترى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع(15/128)
رو آوازه خواهاى در اقليم فاش ... برون حله كن كو درون حشو باش
اكر بيخ اخلاص درم بوم نيست ... ازين دركسى جون تو محرم نيست
زر اندود كانرا بآتش برند ... يديد آيد آنكه كه مس بازرند
{ ولا يكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل } عطف على تخشع والمراد النهى عن مماثلة اهل الكتاب فيما حكى عنهم بقوله { فطال عليهم الامد } اى الاجل والزمان الذى بينهم وبين انبيائهم او الاعمار والآمال وغلبهم الجفاء والقسوة وزالت عنه الروعة التى كانت تأتيهم من التوراة والانجيل اذا تلوهما وسمعوهما { فقست قلوبهم } فهى كالحجارة او اشد قسوة والقسوة غلظ القلب وانما تحصل من اتباع الشهوة فان الشهوة والصفوة لاتجتمعان { وكثير منهم فاسقون } اى خارجون عن حدود دينهم رافضون لما فى كتابهم بالكلية لفرط الجفاء والقسوة ففيه اشارة الى ان عدم الخشوع فى اول الامر يفضى الى الفسق فى آخر الامر ، وكفته اند نتيجه سختى دل غفلت است ونشأه نرمىء دل توجه بطاعت
دلى كزنور معنى نيست روشن ... مخوانش دل كه آن سنكست وآهن
دلى كز كرد غفلت رنك دارد ... ازان دل سنك وآهن ننك دارد
روى ان عيسى عليه السلام قال لاتكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسوا قلوبكم فان القلب القاسى بعيد من الله و لاتنظروا فى ذنوب العباد كأنكم أرباب وانظروا فى ذنوبكم كأنكم عبيد فانما الناس رجلان مبتلى ومعافى فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية(15/129)
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17)
{ اعلموا ان الله يحيى الارض بعد موتها } تمثيل لاحياء القلوب القاسية بالذكر والتلاوة باحياء الارض الميتة بالغيث للترغيب فى الخشوع والتحذير عن القساوة ( كاف الكاشفى ) بدانيد اى منكران بعث ان الله يحيى الارض بعد موتها وبهمان منوال زنده خواهد ساخت امواترا { قد بينا لكم الآيات } الى من جملتها هذه الآيات { لعلكم تعقلون } كى تعقلوا ما فيها وتعلموا بموجبها فتفوزوا بسعادة الدراين ، سبب وبت فضيل بن عياض رحمه الله ميكويندكه سماع اين آيت يعنى الم يأن الخ بود دريده كار مردانه راه زدند وبر ناشايسته قدم نهادند وقتى سوداى عشق صاحب جمال درسروى افتاد باوى ميعادى نهاد درميانه شب بسرآن وعده باز شد بديوار برمى شد كه كوينده كفت ألم يأن للذين الخ اين آيت تيروار درنشانه دل وى نشست دردى وسوزى ازدرون وى سر برزد كمين عنايت برو كشادند اسير كمند توفيق كشت ازآنجا بازكشت وهمى ككفت بلى والله قد آن بلى والله قد آن ازآنجا بركست ودر خرابه شد جماعتى كاروانيان آنجا بودند وبا يكديكر ميكفتند فضيل در راهست اكر برويم راه بر مازند ورخت ببرد فضيل خودرا ملامت كرد كفت اى بد مرداكه منم اين جه شقاوتست كه روى بمن نهاده درميانه شب بقصد معصيت ازخانه بدر آمده وقومى مسلمانان ازبيم من درين كنج كريخته روى سوى آسمان كرد واز دلى صافى توبت نصوح كرد كفت اللهم انى تبت اليك وجعلت توبتى اليك جوار بيتك الحرام الهى ازبد سزايىء خود بدردم وازنا كسىء خود بفغان دردمرا درمان سازى درمان ساز همه درد مندان اى باك صفت از عيب اى عالى صفت زآشوب اى بى نياز ازخدمت من اى بى نقصان از خيانت من من بجاى رحمتم ببخشاى برمن اسير بند هواى خويشم بكشاى مرا ازين بند ا لله تعالى دعاء ويرا مستجاب كرد وبوى كرامتها كرد از آنجا بركشت وروى بخانه كعبه نهاد سالها آنجا مجاور شد واز جمله اوليا كشت
كداى كوى تواز هشت خلد مستغنيست ... اسير عشق تو ازهر دون آزادست
وقال ابن المبارك رحمه الله كنت يوما فى بستان وانا شاب وكان معى اصحابى فأكلنا وشربنا وكنت مولعا بضرب العود فأخذت العود فى الليل لأضرب به فنطق العود وقال ألم يأن للذين الخ فرضبته بالارض وكسرته وتركت الامور الشاغلة عن الله تعالى وعن مالك بن دينار رحمه الله انه سئل عن سبب توبته فقال كنت شرطيا وكنت منهمكا على شرب الخمر ثم انى اشتريتجارية نفيسة ووقعت منى أحسن موقع فولدت لى بنتا فشغفت بها فلما دبت على الارض ازدادت فى قلبى حبا وألفتنى وألفتها فكنت اذا وضعت المسكر جاءت الى وجاذبتنى اياه وأراقته على ثوبى فلما تم لها سنتان ماتت فأكمدنى الحزن عليها فلما كانت ليلة النصف من شعبان وكانت جمعة بت ثملا من الخمر ولم أصل صلاة العشاء فرأيت كأن أهل القبور قد خرجوا وحشر الخلائق وانا معهم فسمعت حسا من ورآئى فالتفت فاذا انا بتنين عظيم اعظم مايكون اسود ازرق قد فتح فاه مسرعا نحوى فمررت بين يديه هاربا فزعا مرعوبا فمررت فى طريق بشيخ نقىء الثياب طيب الرائحة فسلمت عليه فرد على السلام فقلت له أجرنى وأغثنى فقال أنا ضعيف وهذا اقوى منى وما أقدر عليه ولكن مر وأسرع فلعل الله يسبب لك ماينجيك منه فوليت هاربا على وجهى فصعدت على شرف من شرف القيامة فاشرفت على طبقات النيران فنظرت الى اهلها فكدت اهوى فيها من فزع التنين وهو فى طلبى فصاح بى صائح ارجع فلست من أهلها فاطمأننت الى قوله ورجعت ورجع التنين فى طلبى فأتيت الشيخ فقلت ياشيخ سألتك ان تجيرنى من هذا التنين فلم تفعل فبكى الشيخ وقال انا ضعيف ولكن سر الى هذا الجبل فان فيه ودآئع للمسلمين فان كان لك فيه وديعة فستنصرك فنظرت الى جبر مستدير فيه كوى مخرقة وستور معلقة على كل خوخة وكوة مصراعان من الذهب الاحمر مفصلان باليواقيت مكللان بالدر وعلى كل مصراع ستر من الحرير فلما نظرت الى الجبل هربت اليه والتنين ورآئى حتى اذا قربت منه صاح بعض الملائكة ارفعوا الستور وافتحا المصاريع وأشرفوا فلعل لهذا البائس فيكم وديعة تجيره من عدوه واذا الستور قد رفعت والمصاريع قد فتحت فأشرف على اطفال بوجوه كالاقمار وقرب التنين منى فتحيرت فى امرى فصاح بعض الاطفال ويحكم اشرفوا كلكم فقد قرب منه فأشرفوا فوجا بعد فوج فاذا بابتنى التى ماتت قد أشرفت على معهم فملا رأتنى بكبت وقالت أبى والله ثم وثبت فى كفة من نور كرمية السهم حتى مثلث بين يدى فمدت يدها الشمال الى يدى اليمنى فتعقلت بها ومدت يدها اليمنى قولى ها ربا ثم اجلستنى وقعدت فى حجرى وضربت بيدها اليمنى الى لحيتى وقالت ياأبت(15/130)
{ ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } فكيت وقلت يا بنية وأنتم ترفعون القرءآن فقالت يا أبت نحن اعرف به منكم قلت فأخبرينى عن التنين الذى أراد أن يهلكنى قالت ذلك عملك السوء قويته فأراد أن يغرقك فى نار جهنم قلت فاخبرينى عن الشيخ الذى مررت به فى طريقى قالت ياأبتى ذلك عملك الصالح اضعفته حتى لم يكن له طاقة بعملك السوء قلت يابنية وما تصنعون فى هذا الجبل قالت نحن اطفال المسلمين قد اسكنا فيه الى أن تقوم الساعة ننتظر كم تقدمون علينا فنشفع لكم فانتبهت فزعا فما اصبحت فارقت ما كنت عليه وتبت الى الله تعالى وهذا سبب توبتى
سر از جيب غفلت بر آرر كنون ... كه فردا نماند بحجلت نكون
كنون بايد اى خفته بيداربود ... جو مرك اندر آرد زخوابت جه سود
زهجران طفلى كه درخاك رفت ... جه نالى كه باك آمد وباك رفت
توباك آمدى بزحذر باش وياك ... كه ننكست ناباك رفتن بخاك(15/131)
إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18)
{ ان المصدقين والمصدقات } اى المتصدقين والمتصدقات { واقرضوا الله قرضا حسنا } عطف على الصلة من حيث المعنى اى ان الناس الذين تصدقوا وتصدقن واقرضوا الله قرضا حسنا واقرضن والاقراض الحسن عبارة عن التصدق من الطيب عن طيبة النفس وخلوص النية على المستحق للصدقة ففيه دلالة على ان المعتبر هو التصدق المقرون بالاخلاص فيندفع توهم التكرار لان هذا تصدق مقيد ماقبله تصدق مطلق وفى الحديث « يامعشر النساء تصدقن فانى أريتكن اكثر أهل النار » وفيه اشارة الى زيادة احتاجهن الى التصدق ( روى ) مسلم عن جابر رضى الله عنه انه قال شهدت مع رسول الله عليه السلام وصلاة العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا اقامة ثم قام متوكئا على بلال رضى الله عنه فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى الى النساء فوعظن وذكرهن فقال « تصدقن فان اكثركن حطب جهنم » قالت امرأة لم يارسول الله فقال « لانكن تكثرون الشكاية وتكفرن العشير » أى المعاشر وهو الزوج فجعلن يتصدقن من حليهن ويلقين فى ثوب بلال حتى اجتمع فيه شىء كثير قسمه على فقراء المسلمين { يضاعف لهم } البناء للمعفول مسند الى مابعده من الجار والمجرور وقيل الى مصدر مافى حيز الصلة على حذف مضاف اى ثواب التصدق { ولهم اجر كريم } وهو الذى يقترن به رضى واقبال
بدنيا توانى كه عقبى خرى ... بخرجان من ورنه حسرت خورى(15/132)
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19)
{ والذين آمنوا بالله ورسله } كافة وهو مبتدأ { اولئك } مبتدأ ثان { هم } مبتدأ ثالث خبره قوله { الصديقون والشهداء } وهو مع خبره خبر للاول او هم ضمير الفصل ومابعده خبر لاولئك والجملة خبر للموصول اى اولئك { عند ربهم } بمنزلة الصديقين والشهداء المشهورين بعلو المرتبة ورفعة المحل وهم الذين سبقوا الى التصديق واستشهدوا فى سبيل الله قال فى فتح الرحمن الصديق نعت لمن كثر منه الصدق وهم ثمانية نفر من هذه الامة سبقو اهل الارض فى زمانهم الى الاسلام ابو بكر وعلى وزيد وعثمان وطلحة والزبير وسعد وحمزة وتاسعهم عمر بن الخطاب رضى الله عنهم الحقه الله بهم ان تم به الاربعون لما عرف من صدق نيته وقيل الشهدآء على ثلاث درجات الدرجة الاولى الشهيد بن الصفين وهو اكبرهم درجة ثم كل من قضى بقارعة او بلية وهى الدرجة الثانية مثل الغرق والحرق والهالك فى الهدم والمطعون والمبطون والغريب والميتة بالوضع والميت يوم الجمعة وليلة الجمعة ةوالميت على الطهارة والدرجة الثالثة مانطقت به هذه الآية العامة للمؤمنين وقال بعضهم فى معنى الآية هم المبالغون فى الصدق حيث آمنوا وصدقوا جميع اخباره تعالى ورسله والقائمون بالشهادة لله بالوحدانية ولهم بالايمان او على الامم يوم القيامة وقال بعض الكبار يعنى الذين آمنوا بالله ايمانا حقيقيا شهوديا عيانيا لاعلميا بيانيا وذلك بطريق الفناء فى الله نفسا وقلبا وسرا وروحا والبقاء به وآمنوا برسله بفناء صفات القلب والبقاء بصفات الروح اولئك هم المتحققون بصفة الصديقية البالغون اقصى مراتب الصدق والشهدآء مختص بهم لابمن آمن بالتقليد وصدق وشهد باللسان من غير العيان والعيان يترتب على الفناء وفرقوا بين الصادق والصديق بأن الصادق كالمخلص بالكسر من تخلص من شوآئب الصفات النفسانية مطلقا والصديق كالمخلص بالفتح من تخلص ايضا عن شوآئب الغيريه والثانى اوسع فلكا واكثر احاطة فكل صديق ومخلص بالفتح صادق ومخلص بالكسر من غير عكس قال أبو على الجرجانى قدس سرة قلوب الابرار متعلقة بالكمون مقبلين ومدبرين وقلوب الصديقين معلقة بالعرش مقبلين بالله لله { لهم اجرهم ونورهم } مبتدأ وخبر والجملة خبر ثان للموصول والضمير الاول على الوجه الاول للموصول والاخيران للصديقين والشهدآء ولا بأس بالفك عند الامن اى لهم مثل اجرهم ونورهم المعروفين بغاية الكمال وعزة المنال وقد حذف اداة التشبيه تنبيها علة قوة المماثلة وبلوغها حد الاتحاد كما فعل ذلك حيث قيل هم الصديقون والشهدآء ولست المماثلة بين ما للفريق الاول من الأجر و النور وبين تمام ماللأخيرين من الاصل بدون الاضعاف ليحصل التفاوت واما على الوجه الثانى فمرجع الكل واجد والمعنى لهم الأجر والنور الموعود ان لهم قال بعض الكبار لايكون الأجر الا مكتسبا فان اعطاك الحق تعالى ماهو خارج عن الكسب فهو نور وهبات ماوهبه الحق لهم من ذلك حتى لاينفرد الأجر من غير أن يختلط به ا لوب لان الأجر فيه شائبة الاستحقاق اذ هو معاوضة عن عمل ما تقدم يضاف الى العبد فماتم أجر الا ويخالطه نور وذلك لتكون المنة الالهية مصاحبة للعبد حيث كان فان تسمية العبد أجيرا مشعر بأن له نسبة فى الطاعات والاعمال الصادرة عنه فتكون الاجارة من تلك النسبة ولذلك طلب العبد العون على خدمة سيده فان قلت من اى جهة قيل العبد الاجرة والبعد واجب عليه الخدمة لسيده من غير أن يأخذ اجرة وان جعلناه أجنبيا فمن اى جهة تيعن الفرض عليه ابتدآء قيل الاجر والأجير لا يفترض عليه الا حين يؤجر نفسه قلت الانسان مع الحق تعالى على حالين حالة عبودية وحالة اجارة فمن كونه عبدا فهو مكلف بالفرض كالصلاة والزكاة وجميع الفرائض ولا أجر له على ذلك جملة واجدة ومن كونه أجيرا له الاجرة بحكم الوعد الالهى ولكن ذلك مخصوص بالأعمال المندوبة لا المفروضة فعلى تلك الأعمال التى ندب الحق اليها فرضت الاجور فان تقرب العبد بها الى سيده أعطاه اجارته وان لم يتقرب لم يطلب بها ولا عوتب عليها ومن هنا كان العبد حكمه حكم الأجنبى فى الاجارة للفرض الذى يقابله الجزآء اذ هو العهد الذى بين الله وبين عباده واما النوافل لها الاجور المنتجة للمحبة الالهية كما قال(15/133)
« لايزال عبدى يتقرب اليه بالنوافل حتى احبه » والحكمة فى ذلك ان المتنفل عبد اختيارى كالأجير فاذا اختار الانسان أنيكون عبدالله لاعبد هواه فقد آثر الله على هواه وهو فى الفرآئض عبد اضطرار لاعبد اختبار وبين عبودية الاضطرار وعبودية الاختيار مابين الأجير والعبد المملوك اذا العبد الاصلى ماله على سيده استحقاقا الا مالا بد منه مأكل وملبس ثم يقوم بواجبات مقام سيده ولايزال فى دار سيده لايبرح ليلا ولانهارا الا اذا وجهه فى شغل آخر فهو فى الدنيا مع الله وفى القيامة مع الله وفى الجنة مع الله لانها جمعيا ملك لسيدة فيتصرف فيما تصرف الملاك والاجير ماله سوى ماعين له من الاجرة منها نفقته وكسوته وماله دخول على حرم سيدة وموجره ولا له اصطلاع على اسراره ولاتصرف فى ملكه الا بقدر ماستؤجر عليه فاذا انقضت مدة اجارته وأخذ أجرته فارق مؤجره واشتغل بأهله وليس له من هذا الوجه حقية ولا نسبة تطلب ممن استأجره الا أن يمن عليه رب المال بأن يبعث خلفه ويجالسه ويخلع عليه فذلك من باب المنة وقد ارتفعت عنه فى الآخرة عبودية الاختيار فان تفطنت لهذا نبهك على مقام جليل تعرف منه من اى مقام قالت الانبياء عليهم السلام مع كونهم عبيدا خلصا لم يملكهم هوى نفوسهم ولا أحد من خلق الله ومع هذا قالوا ان اجرى الا على الله وذلك لان قولهم هذا راجع الى تحققهم بدخولهم تحت حكم الاسماء الالهية بخلاف غيرهم ومن هناك وقعت الاجارة فهم فى حال الاضطرار والاختيار عبيد للذات وهم لها ملك فان الاسماء الالهية تطلبهم لنظهر آثارهم فيهم وهم مخيرون فى الدخول تحت اى اسم الهى شاؤا وقد علمت الاسماء الالهية ذلك فعينت لهم الاجور وكل اسم يناديهم ادخلوا تحت أمرى وانا أعطيكم كذا وكذا فلا يزال أحدهم فى خدمة ذلك الاسم حتى يناديه السيد من حيث عبودية الذات فيترك كل اسم الهى ويقوم لدعوة سيده فاذا فعل ما أمر به حينئذ رجع الى اى اسم شاء ولهذا يتنفل الانسان ويتعبد بما شاء حتى يسمع اقامة الصلاة المفروضة فيؤمر بها ويترك النافلة فهو دائما مع سيده بحكم عبودية الاضطرار كذا فى كتاب الجواهر للامام الشعرانى قدس سره(15/134)
{ والذين كفورا وكذبوا بآياتنا اولئك } الموصوفون بالصفات القبيحة { اصحاب الجحيم } بحيث لايفارقونها ابدا وفيه دليل على ان الخلود فى النار مخصوص بالكفار من حيث ان التركيب يشعر بالاختصاص والصحبة تدل على الملازمة عرفا وأراد بالكفر الكفر بالله فهو فى مقابلة الايمان بالله وبتكذيب الآيات تكذيب مابأيدى الرسل من الآيات الالهية وتكذيبها تكذيبهم فهو فى مقابلة الايمان والتصديق بالرسل وفيه وصف لهم بالوصفين القبيحين اللذين هما الكفر والتكذيب وفيه اشارة الى أن الذين كفروا بذاتنا وكذبوا بصفاتنا الكبرى كفرا صريحا بينا قلبا وسرا وروحا اولئك اصحاب جحيم البعد الطرد واللعن المخصوص بالخلود وعبر عن الصفات بالآيات لان الكتب الالهية صفات الله تعالى وايضا الانبياء عليهم السلام صفات الله من حيث انهم مطاهر اسمائه الحسنى وصفاته العليا وقس عليهم سائر المجالى والمرآئى لكنهم متفاوتون فى الظهور بالكمال واذا كان تكذيب الانبياء وآياتهم مما يوجب الوعيد فكذا تكذيب الاولياء وآياتهم فان العلماء العاملين ورثة الانبياء والمرسلين والمراد بآيات الاولياء الكرامات العلمية والكونية فالذين من معاصريهم وغير معاصريهم صدقوهم اولئك اصحاب النعيم والذين كذبوهم اولئك اصحاب الجحيم وهذه الآيات واصحابها لاتنقطع الى قيام الساعة فان باب الولاية مفتوح نسأ الله سبحانه أن يتولانا بعميم افضلله بحرمة النبة وآله(15/135)
اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)
{ اعلموا } بدانيد اى طالبان دنيا { انما الحياة الدنيا } لفظ الحياة زآئدة والمضاف مضمر اى امور الدنيا ويجوز أن تجعل الحياة الدنيا مجازا عن امورها بعلاقة اللزوم وفى كشف الاسرار الحياة القربى فى الدار الاولى وبالفارسية زندكانىء اين سراى ، وماصلة فان المقصود الحياة فى هذه الدار فكل ماقبل الموت دنيا وكل ماتأخر عنه اخرى { لعب } اى عمل باطل تتبعون فيه أنفسكم اتعاب اللاعب بلا فائدة
بازبجه ايست طفل قريب اين متاع دهر ... بى عقل مرد مانكه بد ومبتلا شوند
{ ولهو } تلهون به أنفسكم وتشغلونها عما يهمكم من اعمال الآخرة { وزينة } من الملابس والمراكب والمنازل والمراكب والمنازل الحسنة تزينون بها { وتفاخر بينكم } بالانساب والاحساب تتفاخرون بها والفخر المباهاة فى الاشياء الخارجة عن الانسان كالمال والجاه ويعبر عن كل نفيس بالفاخر كما فى المفردات { وتكاثر فى الاموال والاولاد } بالعدد والعدد يعنى ومباهاتست بكثرت اموال واولاد لاسيما التطاول بها على اولياء الله ، وبدانيد كه در اندك زمانى آن بازى برطرف شود ولهو وفرح يغم وترح مبدل كردد وريشها از همه فروريزد وتفاخر وتكاثر جون شراره آتش نابود شودت ، وقيل لعب كلعب الصبيان وزينة كزينة النسوان وتفاخر كتفاخر الاقران وتكاثر كتكاثر الدهقان قال على لعمار رضى الله عنهما لاتحزن على الدنيا فان الدنيا ستة اشياء مطعوم ومشروب وملبوس ومشموم ومركوب ومنكوح فأكبر طعامها العسل وهو ريقة ذبابة واكبر شرابها الماء ويستوى فيه جميع الحيوان اكبر الملبوس الديباج وهو نسج دودة واكبر المشموم المسك وهو دم ظبية واكبر المركوب الفرس وعليها يقتل الرجال واكبر المنكوح النساء وهو مبال فى مبال وفى الحديث « مالى وللدنيا انما مثلى ومثل الدنيا كمثل راكب قام فى ظل شجرة فى يوم صائف ثم راح وتركها »
جهان اى بسر ملك جاويد نيست ... زدنيا وفادار اميد نيست
{ كمثل غيث } محل الكاف النصب على الحالية من الضمير فى لعب لان فيه معنى الوصف اى تثبت لها هذه الاوصاف مشبهة غيثا او خبر متبدأ محذوف اى هى كمثل او خبر بعد خبر للحياة الدنيا والغيب مطر محتاج اليه بغيث الناس من الجدب عند قوله المياه فهو مخصوص بالمطر النافع بخلاف المطر فانه عام { اعجب الكفار } اى الحراث قال الازهرى العرب تقول للزراع كافر لانه يكفر اى يستر بذره بتراب الارض والكفر فى اللغة التغطية ولهذا يسمى الكافر كافر لانه يغطى الحق بالباطل والكفر القبر لسترها الناس وفى الحديث « اهل الكفور اهل القبور » والليل كافر لستره الاشخاص { نباته } اى النبات الحاصل منه والمراد الكافرون بالله لانهم اشد اعجابا بزينة الدنيا ولا المؤمن اذا رأى معجبا انتقل فكره الى قدرة صانعه فأعجب بها والكافر لايتخطى فكره عما احسن به فيستغرق فيه اعجابا وقد منع فى بعض المواضع عن اظهار الزينةن صونا لقلوب الضعفاء كما فى الاعراس ونحوها { ثم يهيج } اى يجف بعد خضرته ونضارته بآفة سماوية او ارضية يقال هاج النبت يهيج هيجا وهياجنا وهياجا بالكسر يبس والهائجة ارض يبس بقلها او اصفر واهاجه أيبسه وأهيجها وجدها هائجة للنبات { فتراه مصفرا } بعد ما رأيته ناضرا مونقا وانما لم يقل فيصفر ايذانا بأن اصفراره مقارن وانما المرتب عليه رؤيته كذلك { ثم يكون } بس كردد بعد از زردى { حطاما } درهم شكسته وكوفته وريزه ريزه شده :(15/136)
قال فى القاموس الحطم الكسر او خاص باليابس فالآية تحقير لامور الدنيا اعنى مالا يتوصل به الى الفوز الآجل ومنه المثل وببيان انها امور خيالية اى باطلة لاحقيقة لها وعن على رضى الله عنه الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا قليلة النفع سريعة الزوال لايركن اليها العقلاء فضلا عن الاطمئنان بها وتمثيل لحالها فى سرعة تقضيها وقلة نفعها بحال النبات المذكور زينة الحياة الدنيا هى زينة الله الا انها تختلف بالقصد وهى محبوبة بالطبع فاذا تحرك العبد اليها بطبعه كانت زينة الحياة الدنيا فذم بذلك وان كانت غير محرمة شرعا واذا تحرك اليها بأمر من ربه كانت زينة الله وحمد بها وذلك لان أمر الله وكل مايرجع اليه جد كله والحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر وفخر الانسان على مثله انما هو من جهله بحقيقته فهذا سبب الذم قال بعض الكبار الشهوات سبع وهى ماذكر فى قوله تعالى { زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث } وقد انزلها الله الى خمس فى هذه الآية وهى { اعلموا انما الحياة الدينا } الخ ثم أنزل هذه الخمس الى أمرين فى آية اخرى كما قال فى سورة محمد { انما الحياة الدنيا لعب ولهو } ثم جعل هذين الامرين امرا واحدا فى قوله تعالى { فأما من خاف ماقم ربه ونهى النفس عن الهوى } فالهوى جامع لانواع الشهوات فمن تخلص من الهوى من كل قيد وبرزخ بلغ مسالك الوصول الى المطلب الا على والمقصد الاقصى { وفى الآخرة عذاب شديد } لمن أقبل عليها ولم يطلب بها الآخرة وقدم ذكر العذاب لانه من نتائج الانهماك فيما فصل من احوال الحياة الدنيا { ومغفرة } عظيمة كائنة { من الله ورضوان } كثير يقادر قدره لمن أعرض عنها وقصد بها الآخرة بل الله تعالى فان الدنيا والآخرة حرامان على اهل الله
اى طلب دنيا توبسى مغرورى ... وى مائل عقبى تويكى مزدورى
وى آنكه زميل هردو علام دروى ... تو طالب نور بلكه عين نورى
وفيه اشارة الى فضل النية الحسنة وانها تحيل المباح ونحوه طاعة قال بعض الكبار من استقامت سريرته وصلحت نيته أدرك جميع ماتمناه من الاعمال الصالحة وفى الخبر(15/137)
« من نام على طهارة وفى عزمه انه يقوم من الليل فأخذ الله بنفسه الى الصباح كتب الله له قيام ليله » وورد مثل ذلك فيمن خرج لجهاد او حج وتأمل الطباخ والخباز يقوم من الليل يهيىء الطعام والخبز للأكلين وهم نائمون وهو طالب للربح ناسيا حاجة الناس ولو كان ذا بصيرة لفعل ذلك بقصد مصالح العباد وجعل ربحه ونفعه بحكم البيع والحاصل ان اهل الكسب سواء كانوا من اهل السوق او من غيرهم ينبغى أن تكون نيتهم السعى فى مصالح العباد والتقوى بكسبهم على طاعة الله حتى يكونوا مأجورين فى ذلك ومن استرقه الكون بحكم مشروع كالسعى فى مصالح العباد والشكر لاحد من المخلوقين من جهة نعمة اسداها اليه فهو لم يبرح عن عبوديته لله تعالى لانه فى ادآء واجب اوجبه الحق عليه وتعبد العبد لمخلوق عن أمر الله لايقدح فى العبودية بخلاف من استرقه الكون لغرض نفسى ليس للحق فيه رآئحة امر فان ذلك يقدح عبوديته لله ويجب عليه الرجوع الى الحق تعال قال بعض الكبار من ذم الدنيا فقد عق امه لان جميع الانكاد والشرور التى ينسبها الناس الى الدنيا ليس هو فعلها وانما هو فعل اولادها لان الشر فعل المكلف لا فعل الدنيا فهى مطية العبد عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر فهى تحب أن لايشقى أحد من اولادها لانها كثيرة الحنو عليهم وتخاف أن تأخذهم الضرة الاخرى على غير أهبة مع كونها ماولدتهم ولا تعبت فى تربيتهم فمن عقوق اولادها كونهم ينسبون جميع افعال الخير الى الآخرة ويقولون اعمال الآخرة والحال انهم ماعملوا تلك الاعمال الا فى الدنيا فللدنيا أجر المصيبة التى فى اولادها ومن اولادها فمن أنصف من ذمها بل هو جاهل بحق امه ومن كان كذلك فهو بحق الآخرة اجهل وفى الحديث « اذا قال العبد لعن الله الدنيا قالت الدنيا لعن الله اعصانا لربه » وقال بعضهم طلب الثواب على الاعمال بحسن النيات والرغبة فيه لايختص بالعامة بلا لايتحاشى عنه الكمل لعلمهم ان الله تعالى أنشأهم على امور طبيعية وروحانية فهم يطلبون ثواب ماوعد الله به ويرغبون فيه اثباتا للحكم الالهى فان المكابرة بالربوبية غير جائزة فهم مشاركون للعامة فى طلب الرغبة ويتميزون فى الباعث على ذلك فكان طلب العارفين ذلك لاعطاء كل ذى حق حقه ليخرجوا عن ظلم أنفسهم اذا وفوها حقها فمن لم يوف نفسه حقها فقد نزل عن درجة الكمال وكان عاشا لنفسه { ومالحياة الدنيا الا متاع الغرور } اى كالمتاع الذى يتخذ من نحو الزجاج والخزف مما يسرع فناؤه يميل اليه الطبع اول مارآه فاذا أخذه وأراد أن ينتفع به ينكسر ويفنى ( حكى ) انه حمل الى بعض الملوك قد فيروزخ مرصعا بالجواهر لم ير له نظير وفرح به الملك فرحا شديدا فقال لمن عنده من الحكماء كيف ترى هذا قال أراه فقرا حاضرا ومصيبة عاجلة قال وكيف ذلك قال انكسر فهو مصيبة لاجبر لها وان سرق صرت فقيرا اليه وقد كنت قبل أن يحمل اليك فى امن من المصيبة والفقر فاتفق انه انكسر القدح يوما فعظمت المصيبة على الملك وقال صدق الحكيم ليته لم يحمل الينا ثم كونها متاع الغرور والخدعة انما هو لمن اطمأن بها ولم يجعلها ذريعة الى الآخرة واما من اشتغل فيها بطلب الآخرة فهى له متاع بلاغ الى ماهو خير منها وهى الجنة فالدنيا غير مقصودة لذاتها بل لأجر الآخرة وفى الحديث(15/138)
« نعم المال الصالح للرجل الصالح » ( وفى المثنوى )
مال راكذ بهر حق باشى حمول ... نعم مال صالح كفتش رسول
فما شغل العبد عن الآخرة فهو من الدنيا ومالا فهو من الآخرة قال بعض الكبار ورد خطاب الهى يقول فيه خلقت الخلق لينظروا الى مفاتيح الدنيا ومحاسن الناس فيؤديهم النظر فى مفاتيح الدنيا الى الزهد فيها ويؤديهم النظر فى محاسن الناس الى حسن الظن بهم فعكسوا القضية فنظروا الى محاسن الدنيا فرغبوا فيها ونظروا الى مساوى الناس فاغتابوهم ( حكى ) ان الشيخ أ الفوارس شاهين بن شجاع الكرمانى رحمه الله خرج للصيد وهو ملك كرمان فأمعن فى الطلب حتى وقع فى برية مقفرة وحده فاذا هو بشاب راكب على سبع وحوله سباع لما رأته ابتدرت نحوه فزجرها الشاب عنه فلما دنا اليه سلم عليه وقال له يا شاه ماهذه الغفلة عن الله اشتغلت بدنياك عن آخرتك وبلذتك وهواك عن خدمة مولاك انما أعطاك الهل الدنيا لتستعين بها على خدمته فجلتها ذريعة الى الاشتغال عنه فبينما الشاب يحدثه اذ خرجت عجوز وبيدها شربة ماء فناولتها الشاب فشرب ودفع باقيه الى الشاه فشربه فقال ماشربت شيأ ألذ منه ولا أبرد ولا اعذب ثم غابت العجوز فقال الشاب هذه الدنيا وكلها الله الى خدمتى فما احتجت الى شىء الا أحضرته الى حين يخطر ببالى اما بلغك ان الله تعالى لما خلق الدنيا قال لها يادنيا من خدمنى فاخدميه ومن خدمك فاستخدميه فلما رأى ذلك تاب واجتهد الى ان كان من اهل الله تعالى فان قلت ان الله تعالى خلق للانسان جميع مافى الارض ولا ينبغى للعروس أن تجمع مانثر عليها بطريق الاعزاز والاكرام فمن عرف شأنه الجليل مانظر الى الامر الحقير القليل بل كان من اهل المروءة والهمة العالية فى الاعراض عما سوى الله تعالى والاقبال والتوجه الى الله تعالى(15/139)
سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)
{ سابقوا } اى سارعوا مسارعة السابقين لأقرانهم فى المضمار وهو الميدان { الى مغفرة } عظيمة كائنة { من ربكم } اى الى اسبابها وموجباتها كالاستغفار وسائر الاعمال الصالحة اى بحسب وعد الله والا فالعمل نفسه غير موجب وفى دعائه عليه السلام « أسألك عزآئم مغفرتك » اى أن توفقنى للاعمال التى تغفر لصاحبها لا محالة ويدخل فيها المسابقة الى التكبيرة الاولى مع الامام ونحوها ، سلمى قدس سره ككفت كه وسيله معفرت حضرت رسالت است عليه السلام بس حق سبحانه وتعالى ميفرمايدكه ستاب نماييد بمتابعت اوكه سبب آمر زش است
بيمبركسى را شفاعت كرست ... كه بر جاده شرع بيغمبرست
قال الشيخ الشهير بافتاده قدس سره ان الله تعالى أرسلنا من عالم الامر الى عالم الارواح ثم منه الى عالم الاجساد وخلقنا فى أحسن تقويم واعطانا اختيارا جزيئا وقال ان كنتم صرفتم ذلك الاختيار الى جانب العبادات والطاعات الى طريق الوصول الى الحسنات أدخلكم الجنة وأيسر لكم الوصال ورؤية الجمال وأمرنا بالاسراع الى تلك الطريق على وجه المبالغة فان صيغة المفاعلة للمبالغة وانما امر بمبالغة الاسراع لقلة عمر الدنيا وقد ذهب الانبياء والاولياء ونحن نذهب ايضا فينبغى أن نسرع فى طريق الحق لئلا يفوت الوصول الى الدرجات العالية بالاهمال والتكاسل وطريق الاسراع فى مرتبة الطبيعة الامتثال بالاوامر والاجتناب عن النواهى وفى مرتبة النفس تزيكتها عن الاخلاق الرديئة كالكبر والرياء والعجب والغضب والحسد وحب المال وحب الجاه وتحليتها بالاخلاق المحمودة كالتواضع والاخلاص ورؤية التوفيق من الله والحلم والصبر والرضى والتسليم والعشق والارادة نحوها وفى مرتبة الروح بتحصيل معرفة الله تعالى وفى مرتبة السر ينفى ماسوى الله تعالى وقال البقلى قدس سره دعا المريدين الى مغفرته بنعت الاسراع ودعا المشتاقين الى جماله بنعت الاشتياق وقد دخل الكل فى مظنة الخطاب لان الكل قد وقعوا فى بحار الذنوب حين لم يعرفوه حق معرفته ولم يعبدوه حق عبادته فدعاهم جميعا الى التطهير فى بحر رحمته حتى صاروا متطهرين من غرورهم بانهم عرفوه فاذا وصلوا الى الله عرفوا انهم لم يعرفوه فيأخذ الله بأيديهم بعد ذلك ويكرمهم بأنواع ألطافة ثم ان المسابقة انما تكون بعد القصد والطلب ( وفى المثنوى )
كركران وكر شتابنده بود ... آنكه كوينده است يابنده بود
{ وجنة عرضها كعرض السماء والارض } اى كعرض سبع سموات وسبع ارضين لو وصل بعضها ببعض على أن يكون اللام فى السماء والارض للاستغراق واذا كان عرضها كذلك فما ظنك بطولها فان طول كل شىء اكثر من عرضه قال اسماعيل السدى رحمه الله لو كست السموات والارض وصرن خردلا فبكل خردلة الله جنة عرضها كعرض السموات والارض ويقال هذا التشبيه تمثيل للعباد بما يعقلون ويقع فى نفوسهم مقدار السموات والارض وتقديم المغفرة على الجنة لتقديم التخلية على التحلية { اعدت } هيئت { للذين آمنوا بالله ورسله } فيه دليل على ان الجنة مخلوقة بالفعل كما هو مذهب اهل السنة وان الايمان وحده كاف فى استحقاقها اذ لم يذكر مع الايمان شىء آخر ولكن الدرجات باعمال وفيه شىء فان الايمان بالرسل انما يكمل بالايمان بما فى ايديهم من الكتب الالهية والعملبما فيها { ذلك } الذى وعد من المغفرة والجنة { فضل الله } وعطاؤه وهو ابتدآء لطف بلا علة { يؤتيه } تفضلا واحسانا { من يشاء } ايتاءه اياه من غير ايجاب لاكما زعمه اهل الاعتزال { والله ذو الفضل العظيم } ولذلك يؤتى من يشاء من ذلك الفضل الذى لاغاية ورآءه والمراد منه التنبيه على عطاء ان العظيم عظيم والاشارة الى ان أحدا لايدخل الجنة الا بفضل الله نبيا او وليا قال عليه السلام(15/140)
« خرج من عندى خليلى جبرآئيل عليه السلام آنفا فقا يا محمد والذى بعثك بالحق ان عبدا من عباد الله عبد الله خمسمائة سنة على رأس جبل يحيط به بحر فأخر لله له عينا عذبة فى اسفل الجبل وشجرة رمان كل يوم تخرج رمانة فاذا أمسى نزل وأصاب من الوضوء وأخذ تلك الرمانة فأكلها ثم قال للصلاة فسأل ربه أن يقبض روحه ساجدا وأن يلاجعل للارض ولا لشىء على جسده سبيلا على يبعثه الله وهو ساجد ففعل ونحن ونمر عليه اذا هبطنا واذا عرجنا وهو على حاله فى السجود قال جبريل فنحن نج فى العلم انه يبعث يوم القيامة فيوقف بين يدى الله فيقول له الرب ادخلوا عبدى الجنة برحمتى فيقول العبد بل بعملى فيقول الله قابسوا عبدى بنعمتى عليه وبعمله فتوجد نعمة البصر قد أحاطت بعبادة خمسمائة سنة وبقيت عليه النعم الباقية بلا عبادة فى مقابلتها فيقول الله ادخلوا عبدى النار فيجر الى النار فينادى ويقول برحمتك ادخلنى الجنة فيقول الله ردوه الى فيوقف بين يديه فيقول عبدى من خلقك ولم تك شيأ فيقول أنت يارب فيقول أكان ذلك بعملك او برحمتى فيقول بل برحمتك فيقول من قواك على عبادة خمسمائة سنة فيقول أنت يارب فيقول من أنزلك فى الجبل وسط البحر وأخرج الماء العذب من بين المالح وأخرج لك رمانة كل ليلة وانما تخرج فى السنة مرة واحدة وسألتنى أن أقبضك ساجدا من فعل بك ذلك كله فيقول أنت يارب قال فذلك كله برحمتى وبرحمتى ادخلك الجنة »
جورويى بخدمت نهى بر زمين ... خدارا ثنا كوى وخودرا مبين
اميدى كه دارم بفضل خداست ... كه برسعى خود تيكه كردن خطاست
همين اعتمادم بيارىء حق ... اميدم بآمر زكارىء حق(15/141)
مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)
{ ما أصاب من مصيبة فى الأرض } ما نافية والمصيبة اصلها فى الرمية يقال أصاب السهم اذا وصل الى المرمى بالصواب ثم اختص بالنائبة اى ماحدث من حادثة كائنة فى الارض كجدب وعاهة فى الزروع والثمار { ولا فى أنفسكم } كمرض وآفة وموت ولد وخوف عدو وجوع { الا فى كتاب } اى الا مكتوبة مثبتة فىعلم الله او فى اللوح المحفوظ { من قبل أن نبرأها } نخلق الانفس او المصائب او الارض فان البرء فى اللغة هو الخلق والبارىء الخالق وذكر الربيع بن صالح الاسلمى قال دخلت على سعيد بن جبير حين جيىء به الى الحجاج حين أراد قتله فبكى رجل من قومه فقال سعيد مايبكيك قال ماأصابك قال فلا تبك قد كان فى علم الله أن يكون هذا ألم تسمع قول الله تعالى { ما أصاب من مصيبة فى الارض ولا فى أنفسكم الا فى كتاب من قبل أن نبرأها } .
قال فى الروضة رؤى الحجاج فى المنام بعد وفاته فقيل مافعل الله بك فقال قتلنى بكل تقيل قتلة وبسعيد بن جبير سبعين قتلة وفى الآية دليل على ان جميع الحوادث الارضية قبل دخولها فى الوجود وكذا جميع اعمال الخلق بتفاصيلها مكتوبة فى اللوح المحفوظ ليستدل الملائكة بذلك المكتوب على كونه تعالى عالما بجمع الاشياء قبل وجودها وليعرفوا حلمه فانه تعالى مع علمه انهم يقومون على المعاصى خلقهم ورزقهم وأملهم وليحذروا من امثال تلك المعاصى وليشكروا الله على توفيقه اياهم للطاعات وعصمته اياهم من المعاصى وفيها دليل ايضا على انه تعالى يعلم الاشياء قبل وقوعها لان اثباتها فى الكتاب محال ولو سأل سائل ان الله تعالى هل يعلم عدد أنفاس اهل الجنة يقال له ان الله يعلم انه لاعدد لأنفاسهم { ان ذلك } اى اثباتها فى كاب مع كثرتها { على لله } متعلق بقوله { يسير } لاستغنائه فيه عن العدة والمدة وان كان عسيرا على العباد قال الجنيد قدس سره من عرف الله بالربوبية وافتقر اليه فى اقامة العبودية وشهد بسره ماكشف الله له من آثار القدرة بقوله ماأصاب الخ فسمع هذا من ربه وشهد بقلبه وقع فى الروح والراحة وانشرح صرده وهان عليه مايصيبه فان قلت كان الله قادرا علىأن يوصل العباد اليه بلا تعب ولا مصيبة فيكف اوقعهم فى المحن والبلايا قلت أراد أن يعرفهم بامتحان القهر حقائق الربوبية وغرآئب الطرق اليه حتى يصلوا اليه من طريق الجلال والجمال ففى الآية تطين للنفوس على الرضى بالقضاء والصبر على البلاء وحمل لها على شهود المبتلى فى عين البلاء فان به يسهل التحمل والا فمن كان غافلا عن مبدأ اللطف والقهر فهو غافل فى اللطف والقهر ولذا تعظم عليه المصيبة بخلاف حال أهل الحضور فانهم يلتذون بالبلاء التذاذهم بالعافية بل ولذة البلاء فو لذة العافية
ازدست تومشت بردهائم خوردن ... خوشتركه بدست خويش تانم خوردن
ومن امثال العرب ضرب الحبيب زبيب اى لذيذ(15/142)
لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)
{ ليكلا تأسوا } يقال أسى على مصيبته يأسى أسى من باب علم اى حزن اى اخبرنا كم باثباتها وكتابتها فى كتاب كيلا يحصل لكم الحزن والألم { على مافاتكم } من نعم الدنيا كالمال والخصب والصحة العافية { ولا تفرحوا بما آتاكم } اى أعطاكم الله فان من علم أن كلا من المصيبة والنعمة مقدر يفوت ما قدر فواته ويأتى ما قدر اتيانه لامحالة لايعظم جزعه على مافات ولا فرحة بما هو آت اذ يجوز أن يقدر ذهابه عن قريب وقيل لبرز جمهر أيها الحكيم مالك لاتحزنعلى مافات ولا تفرج بما هو آت قال لان الفائت لاتلافى بالعبرة والآتى لايستدام بالحبرة اى بالحبور والسرور لا التأسف يرد فائتا ولا الفرح يقرب معدوما قال ابن مسعود رضى الله عنه لأن امس جمرة احرقت ما أحرقت وابقت مابقت احب الى من أن اقول لشىء لم يكن ليته كان ( قال الكاشفى ) اخبارست بمعنى نهى يعنى ازادبار دنيا ملول واز اقبال او مسرور مشويد كه نه آنرا قر اريست ونه اين را اعتبارى كردست
دهد كراى شادى نكند ... ورفوت شود نير نير زد بغمى
واز مرتضى رضى الله عنه منقولست كه هركه بدين آيت كار كند هرآيينه فرا كيردزهد اورا بهردو طرف او يعنى تمام باشد وجه زيبا كفته اند
مال اربتور ونهد مشوشاد ازان ... ورفوت شود مشو بفرياد ازان
بندست بسنديده بكن ياد ازان ... تادنيى ودينت شود آباد ازان
والمراد بالآية نفى الأسى المانع عن التسليم لامر الله والفرح الموجب للبطر والاختيال ولذا عقب بقوله تعالى { والله لايحب كل مختال فخور } فان من فرح بالحظوظ الدنيوية وعظمت فى نفسه اختال وافتخر بها لامحالة والمختال المتكبر المعجب وهو من الخيلاء وهو التكبر من تخيل فضيلة تترآءى للانسان من نفسه ومنها يتأول لفظ الخيل لما قيل انه لايركب أحد فرسا الا وجه فى نفسه نخوة وبالفارسية وخداى تعالى دوست ندارد هر متكبرى را كه برنعمت دنيا برديكرى تطاول كند فخور نازنده بدنيا وفخر كننده بدان برا كفاه واقران .
قال فى بحر العلوم المختال ذو الخيلاء والكبر وهو من العام المخصوص بدليل قول النبى عليه السلام « ان من الخيلاء مايحبها الله ومنها مايبغضها الله اما الخيلاء التى يحبها الله فالاختيال عند الصدقة واختيال الرجل بنفسه عند اللقاء واما الخيلاء التى يبضغها الله فالاختيال فى البغى والفجور » اى لايحب كل متكبر بما أوتى من الدنيا فخور مبالغ فى الفخر به على الناس انتهى وصف بعض البلغاء متكبرا فقال كأن كسرى حامل غاشيته وقارون وكيل نفقته وبلقيس احدى دايانه وكأن يوسف لم ينظر الا بمقلته ولقمان لم ينطق الا بحكمته وكأن الخضرآء له عشرت والغبرآء باسمه فرشت وفى تخصيص التذييل بالنهى عن الفرح المذكور ايذان بأنه اقبح من الأسى وفى الآية اشارة الا انه يلزم أن يثبت الانسان على حال فى السرآء والضرآء فان كان لابد له من فرح فليفرح شكرا على عطائه لابرطا وان كان لابد من حزن فليحزن صبرا على قضائه لاضجرا قال قتيبة بن سعيد دخلت على بعض احياء العرب فاذا أنا بفضاء مملوء من الابل الميتة بحيث لاتحصى ورأيت شخصا على تل يغزل صوفا فسألته فقال كانت باسمى فارتجعها من أعطاها ثم أنشأ يقول(15/143)
لاو الذى انا بعد من خلائقه ... والمرء فى الدهر نصب الرزء والمحن
ماسرنى أن ابلى فى مباركها ... وما جرى من قضاء الله لم يكن
قال البقلى قدس سره طالب الله بهذه الآية اهل معرفته بالاستقامة والاتصاف بصفاته اى كونوا فى المعرفة بأن لايؤثر فيكم الفقدان والوجدان والقهر واللطف والاتصال والانفصال والفراق والوصال لان من شرط الاتصاف أن لايجرى عليه احكام التلوين والاضطراب فى اليقين والاعوجاج فى التمكين قال القاسم رحمه الله ولا تأسوا على مافاتكم من اوقاتكم و لاتفرحوا بما آتاكم من توبتكم وطاعتكم فانك لاتدرى ماقدر الله فيك وقضى وقال الواسطى رحمه الله الفرح بالكرامات من الاغترارات والتلذذ بالافضال نوع من الاغفال والخمود تحت جريان الامور زين لكل مأمور وقال شيخى وسندى رحمه الله فى كتاب اللائحات والبرقيات لاتحزنوا بمافاتكم مما سوى الله ولا تفرحوا بما آتاكم مما عدا الله حتى لاتظلموا الحزن والفرح بوضعهما فى غير موضعهما واحزنوا بما فاتكم من الله وافرحوا بماآتاكم من الله حتى تعدلوا فيهما بوضعهما فى موضعهما لان الله تعالى حق وماخلاه باطل فكما ان الحزن والفرح بالحق حق وعدل لهما والفاعل للحق محق وعادل فكذلك ان الحزن والفرح بالباطل باطل وظلم لهما والفاعل بالباطل مبطل وظالم ولايفرج ولا يحزن بالله الا المهاجرون الى الله ولايحزن ولا يفرح بما سوى الله الا المعرضون عن الله فعليك بسبيل العادلين فى جميع احوالك واياك وطريق الظالمين ومما سى الله المال والملك قال الحسن رضى الله عنه لصاحب المال فى ماله مصيبتان لم يسمع الاولون والآخرون بمثلهما بسلب عن كله ويسأل عن كله
همه تخت وملكى بذيرد زوال ... بجز ملك فرمان ده لايزال
هنر بايد وفضل ودين وكمال ... كه كاه أيدوكه رود جاه ومال
( حكى ) ان طيرا فى عهد سليمان عليه السلام كان له صورة حسنة وصوت حسن اشتراه رجل بألف درهم وجاء طير آخر فصاح صيحة فوق قفصه وطار فسكت الطير وشكا الرجل الى سليمان فقال احضروه فلما حضروه وقال سليمان لصاحبك عليك حق فقد اشتراك بثمن غال فلم سكت قال يانبى الله قل له حتى يرفع قلبه عنى انى لا أصيح ابدا مادمت فى القفص قال لم قال لان صياحى كان من الجزع الا الوطن والاولاد وقد قال لى ذلك الطير انما حبسك لاجل صوتك فاسكت حتى تنجو فقال سليمان للرجل ماقال الطير فقال الرجل ارسله يانبى الله فانى كنت احبه لصوته فأعطاءه سليمان ألفدرهم ثم أرسل الطير فطار وصاح سبحان من صورنى وفى الهوآء طيرنى ثم فى القفص صيرنى ثم قال سليمان ان الطير مادام فى الجزع لم يفرج عنه فلما صبر فرج عنه وبسببه خلص الرجل من التعلق به ففيه اشارة الى الفناء عن اوصاف النفس فاذا فنى العبد عنها تخلص من الاضطراب وجاز الىعالم السكون ومعرفة سر القدر وفى الحديث(15/144)
« الايمان بالقدر يذهب اليهم والحزن » قال الشيخ ابو عبدالله محمد بن على الترمذى الحكيم قدس سره ولقد مرضت فى سالف ايامى مرضة فلما شفانى الله منها مثلت نفسى بين مادبر الله لى من هذه العلة فى مقدار هذه المدة وبين عبادة الثقلين فى مقدار ايام علتى فقلت لو خيرت بين هذه العلة وبين أن تكون لى عبادة الثقلين فى مقدار الى أيهما تميل اختيارا فصح عزمى ودام يقينى ووقعت بصيرتى على ان مختار الله تعالى لى اكثر شرفا واعظم خطرا وأنفع عاقبة وهى العلة التى دبرها لى ولا شوب فيه اذ كان فعله فشتان بين فعله بك لتنجو به وبين فعلك لتنجو به فلما رأيت هذا دق فى عينى عبادة الثقلين مقدار تلك المدة فى جنب ما آتانى الله فصارت العلة عندى نعمة وصارت النعمة منه وصارت المنة املا وصار الامل عطفا فقلت فى نفسى بهذا كانوا يستمرون فى البلاء على طيب النفوس مع الحق وبهذا الذى انكشف كانوا يفرحون بالبلاء انتهى ( قال الصائب )
تر كهتسى كن كه آسودست از تاراج سيل ... هركه بيش از سيل رخت خود برون از خانه ريخت ...(15/145)
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24)
{ الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل } بدل من كل مختل فان المختال بالمال يضن به غالبا ويأمر غيره به وهذا غاية الذم انه يبخل الانسان ويأمر غيره بالبخل والمعنى يمسكون أموالهم ولا يخرجون منها حق الله فان البخل امساك المقتنيات عما يحق اخراجها فيه ويقابله الجود يقال بخل فهو باخل واما البخيل فالذى يكثر منه البخل الرحيم الراحم والبخل ضربان بخل بقنيات نفسه وبخل بنقيات غيره وهو اكثرهما وعلى ذلك قوله تعالى { الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل } كما فى المفردات وبالفارسية مختال وفخور آنانندكه باوجود دنيا دارى وجمع اسباب آن بخل كنند ومال خود در راه خدا صرف ننمايد وباوجود بخل خود امر نمايند مرد مانرا به بخيلى كردن ، وعن النبى عليه السلام انه قال لبنى سلمة « من سيدكم » قالوا الحد بن قيس وانا لنبخله فقال « واى دآء ادوأ من البخل بل سيدكم الجعد الابيض عمرو بن الجموح » وفى الحديث « اربعة لايجدون ريح الجنة وان ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام البخيل والمنان ومدمن الخمر والعاق للوالدين » { ومن } وهركه { يتول } يعرض عن الانفاق { فان الله هو الغنى } عنه وعن انفاقه { الحميد } المحمود فى ذاته لايضره الاعراض عن شكره ولاينفعه التقرب اليه بشىء من نعمه وفيه تهديد واشعار بأن الامر بالانفاق لمصلحة المنفق واشارة الى ان من أعرض عن الاقبال على الله والادبار عن الانفاق فان الله غنى بحسب ذاته عن اقباله وبحسب صفاته عن ادباره بل هو حميد فى ذاته وصفاته لاينفعه اقباله ولايضره ادباره اذا الضار النافع هو لاغيره وايضا الى النفوس البشرية الامارة بالسوء بالتقاعد عن الاقدام على الطاعة والعبادة ودعوة القلوب والارواح الى الارتكاب للمعاصى والاجتناب عن الطاعات بحسب الغلبة فى بعض الاوقات لاستهلاك القوى الروحانية بحسب ظلمات القوى الجسمانية قال بعض الكبار الانسان من حيث نشأته الطبيعية سعيد وكذلك من حيث نفسه الناطقة مادامت كل نشأة منفردة عن صاحبتها فما ظهرت المخالفة الا بالمجموع ولما جبل الانسان على الامساك لان اصله التراب وفيه يبس وقبض لم يرض بذهاب مال نفسه وغيره فلذا بخل وامر بالبخل
زر از بهر خوردن بود اى بدر ... زبهر نهادن جه سنك وجه زر(15/146)
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)
{ لقد أرسلنا رسلنا } اى الملائكة الى الانبياء او الانبياء الى الامم وهو الاظهر كما فى الارشاد { بالبينات } بحجتهاى روشن كه معجزاتست باشريعتهاى واضحه ، فان قلت لمعجزات يخلقها الله على يدى مدعى النبوة كاحياء الموتى وقلب العصا واليد البيضاء وشق القمر من غير نزول الملك بها نعم معجزة القرءآن نزل بها الملك ولكن نزوله بها على كل رسول غ ير ثابت قلت معنى نزول الملك بها ان الله يخبره على لسانه بوقوع تلك المعجزة على يده { وانزلنا معهم الكتاب } اى جنس الكتب الشامل للكل لتبيين الحق وتمييز صواب العمل اى لتكميل القوة النظرية والعملية ، قوله معهم يجعل على تفسير الرسل بالانبياء حالا مقدرة من الكتاب اى مقدرا كونه معهم والا فالانبياء لم ينزلوا حتى ينزل معهم الكتاب فالنزول مع الكتاب شأن الملائكة والانزال اليهم شأن الانبياء ولذا قدم الوجه الاول اذ لو كان المعنى لقد أرسلنا الانبياء الى الامم لكان الظاهر أن يقال وانزلنا اليهم الكتاب { والميزان } بالفارسية ترازو { ليقوم الناس بالقسط } ليتعاملوا بينهم بالعدل ايفاء واستيفاء ولا يظلم احد أحدا فى ذلك وانزاله انزال اسبابه والامر باعداده والا فالميزان من مصنوعات البشر وليس بمنزل من السماء ( روى ) ان جبريل عليه السلام نزل بالميزان نفسه فدفعه ال نوح عليه السلام وقال مر قومك يزنوا به يعنى تاتسويه حقوق كنند بدان درميان يكديكر بوقت معاملات ، وقال الامام الغزالى رحمه الله أتظن ان الميزان المقرون بالكتاب هو ميزان البر والشعير والذهب والفضة ام تتوهم انه هو الطيار والقبان ما أبعد هذا الحسبان واعظم هذا البهتان فاتق الله ولاتتعسف فى التأويل واعلم يقينا ان هذا الميزان هو ميزان معرفة الله ومعرفة ملائكته كتبه ورسله وملكه وملكوته ليتعلم كيفية الوزن به من انبيائه كما تعلموا من ملائكته فالله هو المعلم الاول والثانى جبرآئيل والثالث الرسول والخلق كلهم يتعلمون من الرسول مالهم طريق فى المعرفة سواه والكل عبارته بلا تغيير وليت شعرى ما دليله على ماذهب اليه من العدول عن الظاهر كذا فى بحر العلوم .
يقول الفقير لعل دليله قوله تعالى { شهد الله انه لا اله الاهو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط } اى حاكما بالعدل او مقيما للعدل فى جميع اموره فاذا كان الله قائما بالعدل فى جميع الامور كان الواجب على العباد أن يقوموا به ايضا ولن يقوموا به حقيقة الا بعد العلم الشامل والمعرفة الكاملة وهى معرفة اللة فهى الميزان الكلى وماعداه من جميع الامور مبنى عليه وموزون به { وانزلنا الحديد } قيل نزل آدم عليه السلام من الجنة ومعه خمسة اشياء من حديد الاول السندان وهو سندان الحداد بالفتح كما فى القاموس واياه عنى الشيخ سعدى فى قوله(15/147)
جو سندان كسى سخت رويى تبرد ... كه خايسك تأديب بر سر نخورد
والثانى الكلبتان وهو ما يأخذ به الحداد الحديد المحمى كما فى القاموس والثالث الميقعة بكسر الميم بعدها ياء مثناة تحتانية اصله موقعة قال فى القاموس الميقعة خشبة القصار يدق عليها والمطرقة والمسن الطويل وقد وقعته بالميقعة فهو وقيع حددته بها والرابع المطرقة وهى آلة الطرق اى الضرب والخامس الابرة وهى مسلة الحديد وروى ومعه المر والمسحاة قال فى القاموس المر بالفتح المسحاة وهى ماسحى به اى قشر وجرف وفى الحديث « ان الله أنزل اربع بركات من السماء الى الارض أنزل الحيد والنار والماء والملح » عن ابن عباس رضى الله عنهما ثلاثة اشياء نزلت مع آدم عليه السلام الحجر الاسود كان اشد بياضا من الثلج وعصا موسى وكانت من آس الجنة طولها عشرة اذرع والحديد وعن الحسن رحمه الله وانزلنا الحديد خلقناه كقوله تعالى { وأنزل لكم من الأنعام } وذلك ان اوامره وقضاياه واحكامه تنزل من السماء قال بعضهم واخرجنا الحديد من المعادن لان العدل انما يكون بالسياسة والسياسة مفتقرة الى العدة والعدة مفتقرة الى الحديد واصل الحديد ماء وهو منزل من السماء { فيه } اى فى الحديد { بأس شديد } وهو القتال به او قوة شديدة يعنى السلاح للحرب لان آلات الحرب انما تتخذ منه وبالفارسية كارزار سخت يعنى آلتها كه دركار زار بكار آيداز وسازند خواه از براى دفع دشمن جون سنان ونيزه وشمشبر وبيكان وخنجر وامثال آن وخواه براى حفظ نفس خود جون زره وخود وجوشن وغير آن .
وفيه اشارة الى ان تمشية قوانين الكتاب واستعمال آلة التسوية يتوقفان على دال صاحب سيف ليحصل القيام بالقسط وان الظلم من شيم النفوس والسيف حجة الله على من عنده ظلم { ومنافع للناس } كالسكين والفأس والمر والابرة ونحوها وما من صنعة الا والحديد او مايعمل بالحديد آلتها وفيه اشارة الى ان القيام بالقسط كما يحتاج الى القائم بالسيف يحتاج ايضا الى مابه قوام التعايش من الصنائع وآلات المحترقة والى سيف الجذبة المتخذ من حديد القهر اذ لابد لكل تجلى جلالى من كون التجلى الجمالى فيه وبالعكس وهم الاولياء وهم يميلون الى الحق بكثرة الالطاف والاعطاف الربانية كما قال تعالى { يابنى اسرئيل اذكورا نعتمى عليكم وانى فضلتكم على العالمين } { وليعلم الله من ينصره ورسله } عطف على محذوف يدل عليه ماقبله فانه حال متضمنة للتعليل كانه قيل ليستعملوه وليعلم الله علما يتعلق به الجزآء من ينصره ورسله باستعمال السيوف والرماح وسائر الاسلحة فى مجاهدة اعدآئه { بالغيب } حال من فاعل ينصر اى غائبين عنه تعالى كما قال ابن عباس رضى الله عنهما ينصرونه ولايبصرونه وانما يحمد ويثاب من أطاع بالغيب من غير معاينة للمطاع او من مفعوله اى حال كونه تعالى غائبا عنهم غير مرئى لهم { ان الله قوى } على هلاك من اراد اهلاكه { عزيز } لايقتصر الى نصرة الغير وانما أمرهم بالجهاد لينتفعوا به ويستجيبوا ثواب الامتثال فيه والقوة عبارة عن شدة البنية وصلابتها المضادة للضعف وهى فى حق الله بمعنى القدرة وهى الصفة التى بها يتمكن الحى من الفعل وتركه بالارادة والعزة الغلبة على كل شىء قال الزروقى رحمه الله القوى هو الذى لايلحقه ضعف فى ذاته ولا فى صفاته ولا فى أفعاله فلا يسمه نصب ولا تعب ولايدركه قصور ولا عجز فى نقض ولا ابرام وخاصية هذا الاسم ظهور القوة فى الوجود فما تلاه ذو همة ضعيفة الا وجد القوة ولا ذو جسم ضعيف الا كان له ذلك لو ذكره مظلوم بقصد اهلاك الظالم ألف مرة كان له ذلك وفكى أمره وخاصية الاسم العزيز وجود الغنى العز صورة او معنى فمن ذكره اربعين يوما فى كل يوم اربعين مرة اعانه الله واعزه فلم يحوجه لأحد من خلقه وفى الاربعين الادريسية ياعزيز المنيع الغالب ملى امره فلا شىء يعادله قال السهرودى رحمه الله من قرأه سبعة أيام متواليات كل يوم ألفا اهلك خصمه وان ذكره فى وجه العسكر سبيعن مرة ويشير اليهم بيده فانهم ينهزمون(15/148)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (26)
{ ولقد ارسلنا } اى وبالله قد بعثنا { نوحا } الى قومه وهم بنو قابيل وهو الأب الثانى { وابراهيم } الى قومه ايضا وهم نمرود ومن تبعه ذكر الله رسالتهما تشريفا الهما بالذكر والانهما من اول الرسل وابوان للانبياء عليهم السلام فالبشر كلهم من ولد نوح والعرب والعبرانيون كلهم من ولد ابراهيم { وجعلنا فى ذريتهما } اى فى نسلهما { النبوة والكتاب } بأن استنبأنا بعض ذريتهما واوحينا اليهم الكتب مثل هود وصالح وموسى وهرون وداود وغيرهم فلا يوجد نبى ولا كتاب الا وهو مدلٍ اليهم بأمتين الاسباب واعظم الانسان { فمنهم } اى فمن ذرية هذين الصنفين او ن المرسل اليهم المدلول عليهم بذكر الارسال والمرسلين يعنى بس بعضى ازانها كه انبياء برايشان آمدند { مهتد } اى الحق يعنى ايمان آورده بكتاب ونبى وثابت شد بردين خود { وكثير منهم فاسقون } خارجون عن الطريق المستقيم فيكنون ضالين لامحالة(15/149)
ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)
{ ثم قفينا على آثارهم برسلنا } اى ثم أرسلنا بعدهم رسلنا والضمير لنوح وابرهيم ومن أرسلا اليهم من الامم يعنى بعد ازنوح وهود وصالح را وبعد از ابراهيم واسماعيل واسحق ويعقوب ويوسف را ، او من عاصرهما من الرسل ولا يعود الى الذرية فان الرسل المقفى بهم من الذرية يقال قفا أثره اتبعه وقفى على أثره بفلان اى اتبعه اياه وجاء به بعده والآثار جمع اثر بالكسر تقول خرجت على اثره اى عقبه فالمعنى اتبعنا من بعدهم واحدا بع واحد من الرسل قال الحريرى فى درة الغواص يقال شفعت الرسول بآخر اى جعلتهما اثنين فاذا بعثت بالثالث فوجه الكلام أن يقال عززت بثالث اى قويت كما تعالى { فعززنا بثالث } فان واترت الرسل فالاحسن أن يقال قفيت بالرسل كما قال تعالى { ثم قفينا على آثارهم برسلنا } { وقفينا بعيسى ابن مريم } اى أرسلنا رسولا بعد رسول حتى انتهى الى عيسى بن مريم فأتينا به بعدهم يعنى وازبى در آورديم اين رسل رواتمام كرديم انبياء بنى اسرآئيل را بعيسى ابن مري ، فأول انبياء بنى اسرآئيل موسى وآخرهم عيسى { وآتيناه الانجيل } دفعة واحدة { وجعلنا فى قلوب } المؤمنين { الذين ابتعوه } اى عيسى فى دينه كالحواريين واتباعهم { رأفة } وهى اللين { ورحمة } وهى الشفقة اى وقفينا رأفعة اى اشد رقة على من كان يتسبب الى الاتصال بهم ورحمة اى رقة وعطفا على من لم يكن له سبب فى الصلة بهم كما كان الصحابة رضى الله عنهم رحماء بينهم حتى كانوا اذلة على المؤمنين مع ان قولبهم فى غاية الصلابة فهم اعزة على الكافرين قيل امروا فى الانجيل بالصفح والاعراض عن مكافأة الناس على الاذى
بدى را بدى سهل باشد حزا ... اكر مردى احسن الى من اسا
وقيلى لهم من لطم خدك الأيمن قوله خدك الأيسر ومن سلب وردآءك فأعطه قميصك ولم يكن لهم قصاص على جناية فى نفس او طرف فاتبعوا هذه الا وامر واطاعوا الله وكانوا متوادين ومتراحمين ووصفوا بالرحمة خلاف اليهود الذين وصفوا بالقسوة { ورهبانية } منصوب اما بفعل مضمر يفسره الظاهر اى وابتدعوا اى اتباع عيسى رهبانية { ابتدعوها } اى حملوا انفسهم على العمل بها واما بالعطف على ما قبلها وابتدعوها صفة لها اى وجعلنا فى قلوبهم رأفة ورحمة ورهبانية مبتدعة من عندهم اى وقفيناهم للتراحم بينهم ولابتداع الرهبانية واستحداثها قال فى قتح الرحمن المعتزلة تعرب رهبانية على انها نصب باضمار فعل يفسره ابتدعوها وليست بمطعوفة على رأفة ورحمة ويذهبون فى ذلك الى ان الانسان يخلق افعاله فيعربون الآية على مذهبهم انتهى والرهبانية المبالغة فى العبادة بمواصلة الصوم ولبس المسموح وترك اكل اللحم والامتناع عن المطعم والمشرب والملبس والنكاح والتعبد فى الغير ان ومعناها العفلة المنسوبة الى الرهبان بالفتح وهو الخائف فان الرهبة مخالفة مع تحزن واضطرب كما فى المفردات فعلان من رهب كخشيان من خشى وقرىء بضم الرآء كانها نسبة الى الرهبان جمع راهب كراكب وركبان ولعل التردد لاحتمال كون النسبة الى المفتوح والضم من التغيير النسب يعنى ان الرهبان لما كان اسما لطائفة مخصوصة صار بمنزلة العلم وان كان جمعا فى نفسه فالتحق بانصار واعراب وفرآئض فقيل رهبانى كما قيل انصارى واعرابى وفرآئض بدون رد الجمع الى واحدة فى النسبة .(15/150)
وقال الراغب فى المفردات الرهبان يكون واحدا وجمعا فمن جعله واحدا جمعه على رهابين ورهبانية بالجمع أليق انتهى وهى الخصال المنسوبة الى الرهبان وسبب ابتداعهم اياها ان الجبابرة ظهروا على المؤمنين بعد رفع عيسى فقاتلوا ثلاث مرات فقتلوا حتى لم يبق منهم الا قليل فخافوا أن يفتتنوا فى دينهم فاختاروا الرهبانية فى قلل الجبال فارين بدينهم مخلصين انفسهم للعبادة منتظرين البعثة النبوية التى وعدها لهم عيسى عليه السلام كما قال تعالى { ومبشرا برسول يأتى من بعدى اسمه احمد } الآية ( وروى ) ان الله لما أغرق فرعون وجنوده استأذن الذين كانوا آمنوا من السحرة موسى عليه السلام فى الرجوع الى الأهل والمال بمصر فأذن لهم ودعا لهم فترهبوا فى رؤوس الجبال فكانوا اول من ترهب وبقيت طائفة منهم مع موسى عليه السلام حتى توفاه الله ثم انقطعت الرهبانية بعدهم حتى ابتدعها بعد ذلك اصحاب المسيح عليه السلام { ماكتبناها عليهم } جلمة مستأنفة والنفى متوجه الى اصل الفعل اى مافرضنا عليم تلك الرهبانية فى كتابهم ولا على لسان رسولهم { الا } استنثاء منقطع اى لكن ابتدعوها { ابتغاء رضوان الله } اى لطلب رضاه تعالى { فما رعوها حق رعايتها } اى فمارعوا حميعا حق رعايتها بضم التثليث والقول بالاتحاد وقصد السمعة والكفر بمحمد عليه السلام ونحوها اليه قال عليه السلام « من آمن بى وصدقنى فقد رعاها حق رعايتها ومن لم يؤمن بى فاولئك هم الهالكون » قال مقاتل لما استضعفوا بعد عيسى التزموا الغيران فما صبروا واكلوا الخنازير وشربوا الخمور ودخلوا مع الفساق وفى المناسبات فما رعوها اى لم يحفظها المقتدون بهم بعدهم كما اوجبوا على انفسهم حق رعايتها اى بكمالها بل قصروا فيها ورجعوا عنها ودخلوا فى دين ملوكهم ولم يبق على دين عيسى عليه السلام الا قليل ذمهم الله بذلك من حيث ان النذر عهد مع الله لايحل نكثه سيما اذا فصد رضاه تعالى { فآتينا الذين آمنوا منهم } اى من العيسيين ايمانا صحيحا وهو الايمان برسول الله عليه السلام بعد رعاية رهبانتيهم لامجرد رعياتها فانها بعد البعثة لغو محض وكفر بحت وانى لها استتباع الأجر قال فى كشف الاسرار لما بعث النبى عليه السلام ولم يبق منهم الا قليل حط رجل من صومعته وجاء سائح من سياحته وصاحب الدير وديره فآمنوا به والصومعة كل بناء متصومع الرأس اى متلاصقه والدير خان النصارى وصاحبه ديار { اجرهم } اى مايحسن ويليق بهم من الاجر وهو الرضوان { وكثير منهم } اى من العيسيين وهم الذين ابتدعوا فضيعوا وكفروا بمحمد عليه السلام { فاسقون } خارجون عن حد الاتباع وهم الذين تهودوا وتنصروا قال فى تفسير المناسبات وكذلك كان فى هذه الامة فانه لما توفى رسول الله تبعه خلفاؤه باحسان فلما مضت الخلافة الراشدة وتراكمت الفتن كما اخبر عليه السلام واشتد البلاء على المتمسكين بصريح الايمان ورجم البيت بحجارة المنجنيق وهدم وقتل عبدالله بن الزبير رضى الله عنه واستبيحت مدينة رسول الله عليه السلام ثلاثة ايام وقتل فيها خيار المسلمين رأى المؤمنون العزلة واجبة فلزموا الزوايا والمساجد وبنوا الربط على سواحل البحر واخذوا فى الجهاد للعدو والنفوس وعالجوا تصفية اخلاقهم ولزموا الفقر اخذا من احوال اهل الصفة وتسموا بالصوفية وتكلموا على الورع والصدق والمنازل والاحوال والمقامات فهؤلاء وزان اولئك انتهى(15/151)
وفى الحديث « يا ابن ام معبد أتدرى مارهبانية امتى » قلت الله ورسوله اعلم قال « الهجرة والجهاد والصلاة والصوم والحج والعمرة والتكبير على التلاع » ( روى ) ان نفرا من الصحابة رضى الله عنهم أخذهم الخوف والخشية حتى أراد بعضهم أن يعتزل عن النساء وبعضهم الاقامة فى رؤوس الجبال وبعضهم ترك الاكل والشر وبعضهم غير ذلك فنهاهم عليه السلام عن ذلك كله وقال « لا رهبانية فى الاسلام » وقال « رهبانية امتى فى المسجد » يعنى المتعبدون من امتى لايأخذون مأخذ النصارى بل يعتكفون فى المساجد دون رؤوس الجبال وقال فى نفى صوم الوصال « انى لست كهيئتكم انى أبيت لى مطعم يطعمنى وساق يسقينى » ( وفى المثنوى )
هين مكن خودرا خص رهبان مشو ... زانكه عفت هست شهوت راكرو
بى هوا نهى از هوا ممكن نبود ... غازيى بر مردكاتن نتوان نمود
بس كلوا از بهر دام شهوتست ... بعد ازان لاتسرفوا آن عفتست
جونكه رنج صبر نبود مرترا ... شرط نبود بس فرونايد جزا
حبذا آن شرط وشادا آن جزا ... آن جزاى دلنواز جان فزا
قال الشافعى رحمه الله ارعبة لايعبأ الله بهم يوم القيامة زهد خصى وتقوى جندى وأمانة امرأة وعبادة صبى وهو محمول على الغالب كما فى المقاصد الحسنة ثم ذكر لاتنبغى الخلوة والعزلة قال فى الاحياء لما بنى عروة قصره بالعقيق وهو كأمير موضع بالمدينة لزومه فقيل له لزمت القصر وتركت مسجد رسول الله فقال رأيت مساجدكم لاهية واسواقكم لاغية والفاحشة فى فجاجكم عالية مما هنالكم عما أنتم فيه عافية ( وحكى ) ان جماعة من السلف مثل مالك وغيره تركوا اجابة الدعوات وعيادة المرضى والجنائز بل كانوا احلاس بيوتهم لايخرجون الا الجملة وزيارة القبور وبعضهم فارق الأمصار وانجاز الى قلل الجبال تفرغا للعبادة وفرارا من الشواغل واختار جماعمة من السلف العزلة لمشاهدتهم المنكرات فى الاسواق والاعياد والمجامع وعجزهم عن التغيير وهذا يقتضى لزوم الهجرة وفى الآية دليل على ان الشروع فى نفل العبادة ملزم وان من شرع فيما ليس عليه ثم تركه استحق اسم الفسق والوعيد فيجب على النادر رعاية نذره لانه عهد مع الله لايحل نكثه ( وروى ) عن بعض الصحابة رضى الله عنهم عليكم باتمام هذه التروايح لانها لم تكن واجبة علكيم وقد اوجبتموها على أنفسكم فانكم ان تركتم صرتم فاسقين ثم قرأ هذه الآية { وكثير منهم فاسقون } .(15/152)
يقول الفقير وهكذا شأن الصلاة المعروفة بالرغائب والبرآءة والقدر فانها ملحقة بالتراويح لكونها من صلاة الليل وقد كانت سنة مسلوكة للعلماء بالله فلا تترك ابدا عند من اعتقد اعتقادهم قال فى فتح الرحمن واختلف الائمة فما اذا انشأ صوما او صلاة تطوعا فقال ابو حنيفة لم يجزله الخروج منه فان أفسده فعليه القضاء لقوله تعالى { ولا تبطلوا اعمالكم } وقال مالك رحمه الله كذلك الا انه اعتبر العذر فقال ان خرج منه لعذر فلا قضاء والا جب وقال الشافعى واحمد رحمهما الله متى انشأ واحدا منهما استحب اتمامه فان خرج مه لم يجب عليه قضاء على الاطلاق واما اذا كان التطوع حجا او عمرة فيلزم اتمامه أفسده وجب قضاؤه لوجوب المضى فى فساده انتهى .
قال بعض الكبار جميع ما ابتدع من السنة الحسنة على طريق القربة الى الله تعالى داخل فى الشريعة التى جاءت بها الرسل عن امر الله قال تعالى { ورهبانية } الخ فأقرهم تعالى عليها ولم يعب عليهم فعلها انما عاب عليهم عدم رعايتهم لها فى دوام العمل فقد وخلع عليها اسم البدعة فى حقهم بخلاف هذه الامة خلع على ماستحسنوه ا سم السنة تشريفا لهم كما قال عليه السلام « من سن سنة حسنة » وماقال من ابتدع بدعة حسنة فافقهم فاجاز لنا ابتداع ماهو حسن وسماه سنة وجعل فيه اجرا لمن ابتدعه ولمن عمل به واخبر أن العابد لله تعالى بما يعطيه نظره اذا لم يكن على شرع من الله معين انه يحشر امة وحده بغير امام يتبعه كما قال تعالى فى ابراهيم { ان ابراهيم كان امة قانتا لله } وذلك لنظره فى الأدلة قبل أن يوحى اليه وقال عليه السلام « بعثت لاتمم مكارم الاخلاق فمن كان عليها فهو على شرع ربه وان لم يعلم » وقال بعضهم جميع ما ابتدعه العلماء والعارفون مما لم تصرح الشريعة بالامر به لايكون بدعة الا ان خالف صريح السنة فان لم يخالفها فهو محمود وذلك كحلق الرأس ولبس المرفقعات والرياضة بقلة الطعام والمنم والمواظبة على الذكر والجهر به على الهيئة المشهورة ونحو ذلك من جميع اوصافهم فانه كلها نواميس حكمية لم يجيىء بها رسول الله عليه السلام فى عموم الناس من عندالله لكونها طريقة أهل الخصوص السالكين طريق الحق وهذه الطريق لاتحتمل العامة الامر بها ولاتجب هى عليهم فقد علمت ان طريق الوم صادرة عن الله ولكن من غير الطريق الصريح النبوى ولولا عليه السلام فتح لامته باب الاستنان ماجترأ احد منهم على أن يزيد حكما ولا وضعا ففى الصحيح(15/153)
« من سن سنحة فله اجهرا وأجر من عمل بها » وقال بعضهم المقصود بالوضع الشرعى الالهى هو تكميل النفوس علما او عملا وهم اتوا بامور زآئدة على الطريقة النبوية موافقة لها فى لغاية والغرض كالامور التى التزمها الصوفية فى هذه الامة بغير ايجاب من الله كتقليل الطعام و كثرة الصيام والاجتناب عن مخالطة الانام وقلة المنام والذكر على الدوام وقال بعضهم مايصدر عن الواصل من الافعال شريعة وكذا الباقى فلا بد من الاعتدال و لذلك قال عليه السلام « الشريعة اقوالى والطريقة اطوارى والمعرفة رأس مالى والحقيقة نقد حالى » وقال بعضهم لاتبتدع فيوجب الله ذلك الابتداع عليك وفى شرعنا من سنة سنة حسنة فما سماها بدعة فان شرعنا قد قررها فليشكر الله صاحب هذه البدعة واليلزمها حيث ألحقه تعالى بأنبيائه ورسله واباح له أن يسن ماسنته الرسل مما يقرب الى الله تعالى ولايخفى ان الكامل من عباد الله من سد باب الابتداع ولم يزد فى التكاليف حكما واحدا موافقه لمراد الله ومراد رسول الله من طلب الرفق والرحمة وقال بعضهم لاتجعل وردك غير ماورد فى الكتاب والسنة تكن من العلماء الادباء لانك حينئذ تجمع بين الذكر والتلاوة فيحصل لك اجر التالين والذاكرين فماترك الكتاب والسنة مرتبة يطلبها الانسان من خير الدنيا والآخرة الا وقد ذكرها فمن وضع من الفقرآء وردا من غير الوارد فى السنة فقد أساء الأدب مع الله ورسوله الا أن يكون ذلك بتعريف من الله فيعرفه خصائص كلمات يجمعها فيكون حينئذ ممتثلا لامخترعا وذلك مثل حزب البحر للشاذلى رحمه الله ونحوه فانه رحمه الله صرح بأنه ماوضع حرفا منه الا باذن الله ورسوله وقال من دعا بغير مادعا به رسول الله فهو مبتدع وقال بعضهم العبد فى ادآء الفرآئض عبد اضطرار وفى فعل الوافل عبد اختيار وعبودية الاضطرار أشرف وأسلم فى حقه من عبودية الاختيار لما قد يخطر بباله فى عبودية الاختيار من شائبة الامتنان ومن ههنا ترك اكابر الرجال من الملامية فعل النوافل واقتصروا على ادآء الفرآئض خوفا من خطور ذلك على قلوبهم فيجرح عبوديتهم وفى الحكم العطائية من علامة اتباع الهوى المسارعة الى نوافل الخيرات والتكاسل عن القيام بحقول الواجبات وهذا حال غالب الخلق الا من عصمه الله ترى الواجب منهم يقوم بالنوافل الكثيرة ولا يقوم بفرض واحد على وجهه(15/154)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28)
{ يا أيها الذين آمنوا } اى بالرسل المتقدمة { اتقوا الله } فيما نهاكم عنه { وآمنوا برسوله } اى بمحمد عليه السلام وفى اطلاقه ايذان بأنه علم فرد الرسالة لايذهب الوهم الى غيره { يؤتكم كفلكين } نصيبين وأجرين نقل عن الراغب الكفل الحظ الذى فيه الكفالة كأنه تكفل بأمره والكفلان هما النصيبان المرغوب فيهما بقوله تعالى { ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة } { من رحمته } از بخشايش خود ، وذلك لايمانكم بالرسول وبمن قبله من الرسل لكن لاعلى ان شريعتهم باقية بعد البعثة بل على انها كانت حقا قيل النسخ وعن أبى موسى رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين الرجل يكون له الامة فعليمها فيحسن تعليمها يؤدبها فيحس تأديبها ثم يعتقها ويتزوجها فله اجران ومؤمن اهل الكتاب الذى كان مؤمنا ثم آمن بالنبى فله أجران والعبد الذى يؤدى حق الله وينصح لسيده » ولذا بكى بعض العبيد حين أعتق لانه ذهب اجر النصح لسيده وبقى أجر ادآء حق الله
تالد هست اسير عشق سليم ... مسند تخت سلطنت مطلب
( وقال الشيخ سعدى )
اسيرش نخواهد رهايى زيند ... شكارش نجويد خلاص از كمند
( وقال المولى الجامى )
مريض عشق توجون مائل شفا كردد ... اسير قيد توكى طالب نجات شود
{ ويجعل لكم نورا تمشون به } يوم القيامة حسبما نطق به قوله تعالى { يسعى نورهم بين ايديهم وبايمانهم } فهو الضياء الذى يمشون به على الصراط الى أن يصلوا الى الجنة وذلك لان جهنم خلقت من الظلمة اذى هى صورة النفس الامارة وهى ظلمانية فنور الايمان والتقوى يدفعها ويزيلها { ويغفر لكم } ماأسلفتم من الكفر والمعاصى فاما حسنات الكفر فمقبولة بعد اسلامهم على مارود فى الحديث الصحيح { والله غفور رحيم } اى مبالغ فى المغفرة والرحمة وفيه اشارة الى مغفرة الذنب الذى هو ملاحظة النفس فانه من اكبر الذنوب والمعاصى كما قالوا وجودك ذنب لايقاس عليه ذنب آخر ( مصراع ) جومرد راهشدى بكذراز سر ودستار(15/155)
لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
{ لئلا يعلم اهل الكتاب } متعلق بمضموم الملة الطلبية المتضمنة معنى الشرط اذا التقدير ان تتقوا الله وتؤمنوا برسوله يؤتكم كذا وكذا لئلا يعلم الذين لم يسلموا من اهل الكتاب اى ليعلموا ولا مزيدة كهى فى مامنعك أن لاتسجد كما ينبىء عنه قرآءة ليعلم ولكى يعلم ولان يعلم بادغام النون فى الباء قال فى كشف الاسرار وانما يحسن ادخالها فى كلام يدخل فى اواخره او أوآئله جحد { ان لايقدرون على شىء من فضل الله } أن مخففة من الثقيلة واسمها الذى هو ضمير الشان محذوف والجملة فى حيز النصب على انها مفعول يعلم ان ليعلمون اهم لاينالون شيأ مما ذكر من فضلة من الكفلين والنور والمغفرة ولا يتمكنون من نيله حيث لم يأتوا بشرطه الذى هو الايمان برسوله { وأن الفضل بيد الله } عطف على أن لا يقدرون يعنى آفزونىء ثواب وجزآء وامثال آن بدست قدرت خداست { يؤتيه } عطا كند { من يشاء } هركرا خواهد ، وهو خبر ثان لأن { والله ذو الفضل العظيم } والعظيم لابد أن يكن احسانه عظيما ( قال الكاشفى ) وخداى تعالى خداوند فضل بزركست يعنى نعمتى تمام كه خواص وعوام را فرا رسيده
فيض كرم راسنده از شرق تا بغرب ... خوان نعم نهاده ازقاف تابقاف
هستند بيش وكم زنوال تو بهره مند ... دارند نيك وبد بعطاء تو اعتراف
وقد جوز أن يكون الامر بالتقوى والايمان لغير اهل الكتاب فالمعنى اتقو الله واثبتوا على ايمانكم برسول الله يؤتكم ماوعد من آمن من أهل الكتاب من الكفلين فى قوله تعالى { اولئك يؤتون أجرهم مرتين } ولا ينقصكم من مثل أجرهم لانكم مثلهم فى الايمانين لاتفرقون بين أحد من رسله ( وروى ) ان مؤمنى أهل الكتاب افتخروا على سائر المؤمنين بأنهم يؤتون أجرهم مرتين وادعوا الفضل عليهم فنزلت وفى الحديث « انما مثلنا ومثل الذين اوتوا الكتاب من قبلنا مثل رجل استأجر اجرآء فقال من يعمل الى آخر النهار على قيراط قيراط فعمل قوم ثم تركوا العمل نصف النهار ثم قال من يعمل نصف النهار الى آخر النهار قيراط قيراط فعلم قوم الى العصر على قيراط قيراط ثم تركما العمل ثم قال من يعمل على قيراطين قيراطين فعمل قوم الى الليل على قيراطين قيراطين فقال الطائفتين الاوليان مالنا اكثر عملا واقل اجرا فقال هل نقصتكم من حقكم شيأ قالوا لا قال ذلك فضلى اوتيه من أشاء » ففيه اشارة الى ان أهل الكمتاب أطول زمانا وعمرا واكثر اجتهادا واقل أجرا وهذه الامة اقصر مدة واقل سعيا واعظم أجرا والى ان الثواب على الاعمال ليس من جهة الاستحقاق لان العبد لايستحق على مولاه بخدمته اجرة بل من جهة الفضلولله ان يتفضل على من يشاء بما يشاء قال البقلى رحمه الله اخرج فضله من الاكتساب وعلل الجهد والطلب يؤتى كراماته من يشاء من عباده المطفين وهو ذو العطاء فى الازل الى الابد والفضل العظيم مالا ينقطع عن المنعم عليه ابدا ( روى ) ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد ويقول ان فيهن آية افضل نم الف آية ويعنى بالمسبحات الحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن ، يقول الفقير انما اخفى عليه السلام تلك الآية ولم يصرح بها لتجتهد الامة بتلاوة جميع السور كما أخفى الله ساعة الاجابة وليلة القدر ونحوهما بعثا للعباد على الاجتهاد واحياء الليالى ( قال الشيخ سعدى )(15/156)
جوهر كوشه تير نياز افكنى ... اميدست ن كه كه صيدى زنى
همه سنكها باس دار اى بسر ... كه لعل از ميانش نباشد بدر
غم جمله خور در هواى يكى ... مراعات صد كن براى يكى(15/157)
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)
{ قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها } سمع مجاز مرسل عن أجاب بعلاقة السببية والمجادلة المفاوضة على سبيل المنازعة والمبالغة يعنى كار براندن باكسى بر سبيل نزاع ، واصله من جدلت الحبل اى احكمت فتله فكأنه المتجادلين يفتل كل واحد الآخر عن رأيه والمراد هنا المكالمة ومراجعة الكلام اى معاودته والمعنى قد أجاب الله دعاء المرأة التى تكالمك فى حق زوجها استفتاء وتراجعك الكلام فى شأنه وفيما صدر عنه فى حقها من ظهاره اياها بغير وجه مشروع وسبب مقبول { وتشتكى الى الله } عطف على تجادلك اى تتضرع الى الله وتظهر مابها من المكروه قال فى المفردات الشكاية والشكاة والشكوى اظهار البثت يقال شكوت واشتكيت واصل الشكوى فتح الشكوة واظهار مافيها وهى سقاء صغير يجعل فيه الماء وكان فى الاصل استعارة كقوله بثثت له مافى وعائى ونفضت مافى جرابى اذا اظهرت مافى قلبك وفى كشف الاسرار الاشتكاء اظهار مايقع بالانسان من المكروه والشكوى اظهار مايصنعه غيره به وفى تاج المصادر الاشتكاء كله كردن وشكوه كرفتن ، وهى قربة صيغرة والمجادلة هى خولة بنت ثلب بن ماللك ابن خزاعة الخزرجية وزوجها اوس بن الصامت اخو عبادة روى انها كانت حسنة البدن رآها اوس وهى تصلى فاشتهى مواقعتها فلما سلمت روادها فأبت وكان به خفة فغضب علهيا بمقتضى البشرية وقال انت على كظهر امى وكان اول اظهار وقع فى الاسلام ثم ندم على ماقال بناء على ان الظهار والايلاء كانا من طلاق الجاهلية فقال لها ما اظنك الى وقد حرمت على فشق ذلك عليها فاتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة رضى الله عنها تغسل شق رأسه فقالت يارسول الله ان زوجى اوس بن الصامت أبو ولدى وابن عمى واحب الناس الى ظاهر منى وما ذكر طلاقا وقد ندم على فعله فهل من شىء يجمعنى واياه فقال عليه السلام « ماأراك الا وقد حرمت عليه » فقالت لاتقل ذلك يارسول الله وذكرت فاقتها ووحدتها بتفانى اهلها وان لها صبية صغارا فقالت ان ضممتهم الى جاعوا وان ضممتهم الى أبيهم ضاعوا فاعاد النبى عليه السلام قوله الاول وهو حرمت عليه فجعلت تراجع رسول الله مقالتها الاولى وكلما قال لها رسول الله حرمت عليه هتفت وقالت أشكو الى الله مما لقيت من زوجى حال فاقتى ووحدتى وقد طالت معه صبحتى ونفضت له بطنى تريد بذلك انى قد بلغت عنده سن الكبر وصرت عقيما لا ألد بعد وكانت فى كل ذلك ترفع رأسها الى السماء على ماهو عادة الناس استنزالا للامر الالهى من جانب العرش وتقول اللهم أنزل على لسان نبيك فقامت عائشة تغسل الشق الآخر من رأسه عليه السلام وهى مازالت فى مراجعة الكلام مع رسول الله وبث الشكوى الى الله حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآيات الاربع سمعا لدعائها وقبولا لشكواها فكانت سببا لظهور امر الظهار وفى قد اشعار بأن الرسول والمجادلة كانا يتوقعان أن ينزل الله حكم الحادثة ويفرج عنها كربها لانها انما تدخل على ماض متوقع { والله يسمع تحاوركما } اى يعلم تراجعكما وتخاطبكما وتجاوبكما فى أمر الظهار فان التحاور بمعنى التجاوب وهو رجع الكلام وجوابه يعنى يكديكر را جواب دادان ، من الحور بمعنى الرجوع وذلك كان برجوع الرسول الى الحكم بالحرمة مرة بعد أخرى ورجوع المجادلة الى طلب التحليل كذلك ومثله المحاروة فى البحث ومنه قولهم فى الدعاء نعوذ بالله من الحور بعد الكور اى الرجوع الى النقصان بعد الوصول الى الزيادة او الى الوحشة بعد الانس وقال الراغب الحور التردد اما بالذات واما بالتفكر وقيل نعوذ بالله من الحور بعد الكور اى من التردد بالامر بعد المضى فيه او من نقصان وتردد فى الحال بعد الزيادة فيها وصيغة المضارع للدلالة على استمرار السمع حسب استمرار التحاور وتجدده وفى نظمها فى سلك الخطاب مع أفضل البريات تغليب اذ القياس تحاورها وتحاورك تشريفا لها من جهتين والجملة استئناف جار مجرى التعليل لما قبله فان الحافها فى المسألة ومبالغتها فى التضرع الى الله ومدافعته عليه السلام اياها بجواب منبىء عن التوقف وترقب الوحى وعلمه تعالى بحالهما من دواعى الاجابة وفى كشف الاسرار ليس هذا تكرارا لان الاولى لما حكته عن زوجها والثانى لما كان يجرى بينها وبين رسول الله لان الاول ماضى والثانى مستقبل { ان الله سميع بصير } مبالغ فى العلم بالمسموعات والمبصرات ومن قضيته أن يسمع تحاروهما ويرى مايقارونه من الهيئات التى من جملتها رفع رأسها الى السماء وسائر آثار التضرع(15/158)
يامن يرى مافى الضمير ويسمع ... أنت المعد لكل مايتوقع
يامن يرجى للشدآئد كلها ... يامن اليه المشتكى والمفزع
مالى سوى قرعى لبانك حيلة ... ولئن رددت فاى باب أقرع
حاشى للطفك أن تقنط عاصيا ... الفضل أجزل والمواهب اوسع
وفى الآية دليل على ان امن انقطع رجاؤه عن الخلق ولم يبق له فى مهمه احد سوى ربه وصدق فى دعائه وشكواه كفاه الله ذلك من كان اضعف فالرب به ألطف
دعاى ضعيفان اميد وار ... زباروى مردى به آيد بكار
وفيها ان من استمع الله ورسوله والورثة الى كلامه فسائر الناس اولى ( روى ) ان عمر بن الخطاب رضى الله عنه مر بهذه المرأة فى خلافته وهو على حمار والناس معه فاستوقفته طويلا ووعظته وقالت ياعمر قد كنت تدعى عميرا ثم قيل لك عمر ثم قيل لك امير المؤمنين فاتق الله ياعمر فاه من أيقن الموت خاف الفوت ومن أيقن الحساب خاف العذاب وهو واقف يسمع كلامها فقيل له يا امير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف الطويل فقال والله لو حبستنى من اول النهار الى آخره مازلت الا للصلاة المكتوبة أتدرون من هذه العجوز هى خولة بن ثعلب سمع الله قولها من فوق سبع سموات أيسمع رب العالمين قولها ولايسمعه عمر وهذه الفوقية لايلزم منها الجهة لان الله هو العلى المتعال فاعرف ثم انه من اكبر الذنوب أن يقول الرجل لاخيه اتقى الله فيقول فى جوابه عليك نفسك اى الزم نفسك أنت تأمرنى بهذا وذلك لانه اذا ذكر اسم الله يلزم التعظيم له سوآء صدر من مسلم او كافر وأعلم الناس لايستغنى عن تنبيه وايقاظ(15/159)
بكوى آنجه دانى سخن سود مند ... وكرهيج كس رانيا يد بسند
يقال اللائق بالعاقل أن يكون كالنحل يأخذ من كل شىء ثم يخرجه عسلا فيه شفاء من كل دآء وشمعا له منافع لاسيما الضياء فطالب الحكمة يأخذها من كل مقام سوآء قعد او قام ( المرء لولا عرفه فهو الدمى 0 ولامسك لولا عرفه فهو الدم )
العرف الاول بالضم بمعنى المعروف والثانى بالفتح الرآئحة و الدمى بضم الدال وفتح الميم جمع دمية وهى الصورة المنقشة من رخام او عاج(15/160)
الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)
{ الذين يظاهرون منكم } أيها المؤمنون فلا يلحق بهم الذمى لانه ليس من اهل الكفارة لغلبة جهة العبادة فيها فلا يصح ظهاره { من نسائهم } هذا شروع فى بيان الظهار فى نفسه وحكمه المترتب عليه شرعا بطريق الاستئناف والظهار لغة مصدر ظاهر الرجل اى قال لزوجته أنت على كظهر امى و الظهر العضو والجارحة ويعبر عن البطن بالظهر اى أنت على حرام كبطن امى فكنى عن البطن بالظهر الذى هو عمود البطن لئلا يذكر مايقارب الفرج تأدبا ثم قيل ظاهر من امرأته فعدى بمن لتضمين معنى التجنب لاجتناب أهل الجاهلية من المرأة المظاهر منها اذ الظهار طلاق عندهم كما مر فى قولهم آلى منها لما ضمنه من معنى التباعد من الالية بمعنى الحلف وفى القرءآن واجنبنى وبنى أن نعبد الاصنام اى بعدنى واياهم من عبادة الاصنام فمعنى البعد انما هو الاجتناب ونحوه المتعدى بمن لان معنى الابتدآء الذى هو معنى من لايخلو عن البعد فان من معانى عن لا من ثم انه ألحق الفقهاء بالظهر نحو البطن والفخذ والفرج مما يحرم النظر اليها من الام فمن قال أنت على كبطن امى او فخذها او فرجها كان ظهارا بخلاف مثل اليد أو الرجل وكذا ألحقوا بالام سائر المحارم فلو وضع المظاهر مكان الام ذات رحم محرم منه من نسب كالخالة والعمة او رضاع او صهر كان ظهارا مثل أن يقول أنت عليه كظهر خالتى او عمتى او اختى نسبا او رضاعا او كظهر امرأة ابنى او أبى ولو شبهها بالخمر والخنزير أو الدم او الميتة او قتل المسلم او الغيبة والنميمة او الزنى او الربا او الرشوة فانه ظهار اذا نوى وفى أنت على كأمى صح نية الكرامة اى استحقاق البر فلا يقع طلاق ولا ظهار وصح نية الظهار بأن يقصد التشبيه بالام فى الحرمة فيترتب عليه احكام الظهار لاغير ونية الطلاق بأن يقصد ايجاب الحرمة فان لم ينو شيأ لغا وأنت على حرام كأمى صح فيه مانوى من ظهار او طلاق وايلاء ولو قال أنت امى او اختى او بنتى بدون التشبيه فهو ليس بظهار يعنى ان قال ان فعلت كذا فانت امى وفعلته فهو باطل وان نوى التحريم ولو قالت لزوجها أنت على كظهر امى فانه ليس بشىء
وقال الحسن انه يمين وفى ايراد منكم مع كفاية من نسائهم مزيد توبيخ للعرب وتقبيح لعادتهم فى الظهار فاه كان من أيمان جاهليتهم خاصة دون سائر الامم فلا يليق بهم بعد الاسم أن يراعوا تلك العادة المستهجنة فكأنه قيل منكم على عادتكم القبيحة المستنكرة ويحتمل أن يكون لتخصيص نفع الحكم الشرعى للمؤمنين بالقبول والاقتدآء به اى منكم أيها المؤمنون المصدقون بكلام الله المؤتمرون بأمر الله اذا الكافرون لايستمعون الخطاب ولا يعلمونن بالصواب وفى من نسائهم اشارة الى أن الظهار لايكون فى الامة ومن ذلك قالوا ان للظهار ركنا وهو التشبيه المذكور وشرطا وهو أن يكون المشبه منكوحة حتى لايصح من الامة واهلا وهو من كان من اهل الكفارة حتى لايصح للذمى والصبى والمجنون وحموهو حرمة الوطىء حتى يكفر مع بقاء اصل الملك { ماهن امهاتهم } خبر للموصول اى مانساؤهم امهاتهم على الحقيقة فهو كذب بحت يعنى ان من يقول لامرأته أنت على كظهر أمى ملحق فى كلامه هذا للزوج بالام وجاعلها مثلها وهذا تشبيه باطل لتباين الحالين وكانوا يريدون بالتشبيه الحرمة فى المظاهر منها كالحرمة فى الام تغليظا وتشديدا فان قيل فحاصل الظهار مثلا أنت محرمة على كما حرمت على امى وليس فيه دعوى الامومة حتى تنفى وتثبت للوالدات يقال ان ذلك التحريم فى حكم دعوى الامومة او أن المراد نفى المشابهة لكن نفى الامومة للمبالغة فيه { ان } نافية بمعنى ما { امهاتهم } فى الحقيقة والصدق { الا اللائى } جمع التى اى النساء اللاتى { ولدنهم } اى ولدن المظاهر بن فلا تشبه بهن فى الحرمة الا من ألحقها الشرع بهن من ازواج النبى عليه السلام والمرضعات ومكوحات الآباء لكرامتهن وحرمتهن قد خلى بذلك فى حكم الامهات واما الزوجات فأبعد شىء من الامومة فلا تلحق بن بوجه من الوجوه { وانهم } اى وان المظاهرين منكم { ليقولن } يقولهم ذلك { منكرا من القول } على ان مناط التأكيد ليس صدور القول عنهم فان أمر محقق بل كونه منكرا اى عند الشرع وعند العقل والطبع ايضا كما يشعر به تنكيره وذلك لان زوجته ليست بامه حقيقة ولا ممن ألحقه الشرع بها فكان التشبيه بها الحاقا لأحد المتباينين بالآخر فكان منكرا مطلقا غير معروف { وزورا } اى كذبا باطلا منحرفا عن الحق فان الزور بالتحريك الميل فقيل للكذب زور بالضم لكونه مائلا عن الحق قال بعضهم ولعل قوله وزورا من قيل عطف السبب على المسبب فن قلت قوله أنت على كظهر امى انشاء لتحريم الاستمتاع بها وليس بخبر والانشاء لايوصف بالكذب قلت هذا الانشاء يتضمن الحاق الزوجة المحللة بالام المحرمة ابدا وهذا الحاق مناف لمقتضى الزوجية فيكون كاذبا وعن أبى بكر رضى الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(15/161)
« ألا أنبئكم باكبر الكبائر » قلنا بلى يارسول الله قال « الاشراك بالله وعقوق الوالدين » وكان متكئا فجلس وقال « ألا وقول الزور وشهادة الزور الا وقول الزور وشهادة الزو الا وقول الزور وشهادة الزور » فما زال يقولها حتى قلت لايسكت رواه البخارى قال بعضهم لما كان مبنى طلاق الجاهلية الامر المنكر الزور لم يجعله الله طلاقا ولم تبق الحرمة الا الى وقت التكفير وقال الظهار الذى هو من طلاق الجاهلية ان كان فى الشرع بمقدار من الزمان اولا طلاقا كانت الآية ناسخة والا فلا لان النسخ انما يدخل فى الشرآئع وما قال عليه السلام انها حرمت فلا يعين شيأ من الطرفين الا أن بعض المفسرين جعله مؤيدا للوجه الاول { وان الله لعفو غفور } اى مبالغ فى العفو والمغفرة لما سلف منه على الاطلاق على المذهب الحق او بالمناب عنه على مذهب الاعتزال وذلك ان مادون الشرك حكمه موكول الى مشيئة الله ان شاء يغفره وان لم يتب العبد عنه وان شاء يغفره بعد التوبة وما اذا لم يتب عنه فعذبه عليه فانما يعذبه لى حسب ذنبه لكن الظاهر هنا الحث على التوبة لكون الكلام فى دم الظهار وانكاره(15/162)
وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3)
{ والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا } اللام والى يتعاقبان كثيرا نحو يهدى للحق والى الحق فالمعنى والذين يقولون ذلك القول المنكر ثم يعودون الى ماقالوا ولاى مافات عنهم بسببه من الاستمتاع بالتدارك والتلافى بالتقرر والتكرر ومنه قولهم عاد الغيث لعى ماأفسد اى تداركه باصلاح فافسده امساكه واصلاحه احياؤه ففيه اطلاق اسم السبب على المسبب فان العود الى الشىء من اسباب التدارك والوصول اليه فيكون مجازا مرسلا قال ابن الشيخ العود يستعمل على معنيين أحدهما أن يصير الى شىء قد كان عليه قبل ذلك فتركه فيكون بمعنى الرجوع الى مافارق عنه والآخر أن يصير ويتحول الى شىء وان لم يكن ذلك للتدارك والوصول هو العود بهذا المعنى وهو العود الى شىء مطلقا فحاصل المعنى ثم يعودون الى تدارك ماقالوا ودفع مالزم عليهم به من الفساد من حرمة الحلال ويجوز أن يكون المعنى ثم يريدون العود الى ماحرموا على أنفسهم بلفظ الظهار من الاستمتاع ففيه تنزيل للقول منزلة المقول فيه { فتحرير رقبة } التحرير جعل الانسان حرا وهو خلاف العبد والرقية ذات مرقوق مملوك سوآء كان مؤمنا او كافرا ذكرا او انثى صغيرا او كبيرا هنديا او روميا فالمعنى فتداركه او فالواجب اعتاق رقبة اى رقبة كانت وان كان تحرير المؤمن اولى والصالح أحسن فيعتقها مقرونا بالنية وان كان محتاجا الى خدمتها فلو نوى بعد العتق او لم ينو لم يجزىء وان وان وجد ثمن الرقبة وهو محتاج اليه فله الصيام كما فى الكواشى ولا يجزىء ام الولد والمدبر ولمكاتب الذى ادى شيأ فان لم يؤد جاز ويجب أن تكون سليمة من العيوب الفاحشة بالاتفاق وعند الشافعى يشترط الايمان قياسا على كفارة القتل كما قال تعالى { فتحرير رقبة مؤمنة } قلنا حمل المطلق على المقيد انما هو عند اتحاد الحادثتين واتحاد الحكم ايضا وهنا ليس كذلك والفاء للسببية ومن فوآئدها الدلالة على تكرير وجوب التحرير بتكرر الظهار لان تكرر السبب يوجب تكرر المسبب كقرآءة آية السجدة فى موضعين فلو ظاهر من امرأته مرتين او ثلاثا فى مجلس واحد او مجالس متفرقة لزمه بكل ظهار كفارة { من قبل أن يتماسا } اى من قبل أن يستمتع كل من المظاهر والمظاهر منها بالآخر جماعا وتقبيلا ولمسا ونظرا الى الفرج بشهوة وذلك لان اسم التماس بتناول الكل وان وقع شىء من ذلك قبل التكفير يجب عليه أن يستغفر لانه ارتكب الحرام ولا يعود حتى يكفر وليس عليه سوى الكفارة الاولى بالاتفاق وان أعتق بعض الرقبة ثم مس عليه أن يستأنف عند أبى حنيفة رحمه الله ولا تسقط الكفارة بل يأتى بها على وجه القضاء كما لو أخر الصلاة عن وقتها فانه لايسقط عنه اتيانها بل يلزمه قضاؤها وفى الآية دليل على ان المرأة لايسعها أن تدع الزوج أن يقربها قبل الكفارة لانه نهاهما جميعا عن المسيس قبل الكفارة قال القهستانى لها مطالبة التكفير وكذا لو طلقها ثم تزوجها بعد العدة او زوج آخر حرم وطئها قبل التكفير ثم العود والموجب لكفارة الظهار عند أبى حنيفة رحمه الله هو العزم على جماعها فمتى عزم على ذلك لم تحل له حتى يكفر ولو ماتت بعد مدة قبل أن يكفر سقطت عنه الكفارة لفوت العزم على جماعها { ذلكم } اى الحكم بالكفارة أيها المؤمنون { توعظون به } الوعظ زجر يقترن بتخويف اى تزجرون به من ارتكاب المنكر المذكور فان الغرامات مزاجر من طعاطى الجنايات والمراد بذكره بيان ان المقصود من شرع هذا الحكم ليس تعريضكم للثواب بمباشرتكم لتحرير الرقبة الذى هو علم فى استتباع الثواب العظيم بل هو ردعكم وزجركم عن مباشرة مايوجبه والحاصل ان فى المؤاخذة الدنيوية نفعا لكل من المظاهر وغير المظاهر بأن يحصل للمظاهر الكفارة والتدارك ولغير المظاهر الاحتياط والاجتناب كما قيل(15/163)
نرود مرغ سوى دانه فراز ... جون دكر مرغ بينداندر بند
{ والله بما تعلمون } من جناية الظهار والتكفير ونحو ذلك من قليل وكثير { خبير } اى علام بظواهرها وبواطنها ومجازيكم بها فحافظوا احدود ماشرع لكم ولا تخلوا بشىء منها(15/164)
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)
{ فمن لم يجد } اى فالمظاهر الذى لم يجد الرقبة وعجز عنها بأن كان فقيرا وقت التكفير وهو من حين العزم الى أن تقرب الشمس من الغروب من اليوم الاخير مما صام فيه من الشهرين فلا يتحقق العجز الحقيقى الا به والاعتبار بالمسكن والثياب التى لابد منها فان المعتبر فى ذلك هو الفضل والذى غاب ماله فهو واجد { فصيام شهرين } اى فعليه صيام شهرين { متتابعين } ليس فيهما رضمان والا الايام الخمسة المحرم وصومها اى يوما العيد وايام التشريق فيصلهما بحث لايفصل يوما عن يوم ولاشهرا عن شهر بالافطار فان افطر فيهما يوما أو اكثر بعذر او بغير عذر استأنف ولم يحسب ماصام بالا بالحيض كما سيجيىء { من قبل أن يتماسا } ليلا او نهارا عمدا او خطأ ولو جامع زوجة اخرى ناسيا لا يستأنف ولو أفطرت المرأة للحيض فى كفار القتل او الفطر فى رمضان لا تستأنف لكنها تصل صومها بأيام حيضها ثم انه ان صام بالاهلة أجزأه وان صام ثمانية وخمسين بأن كان كل من الشهرين ناقصا وان صامها بغيرها فلا بد من ستين يوما حتى لو أفطر صبيحة تسعة وخمسين وجب عليه الاستئناف { فمن لم يستطع } اى الصيام بسبب من الاسباب كالهرم والمرض المزمن اى الممتد الغير المرجو برؤه فانه بمنزلة العاجز من كبر السن وان كان يرجى برؤه واشتدت حاجته الى وطىء امرأته فالمختار أن يتنظر البرء حتى يقدر على الصيام ولو كفر بالاطعام ولم ينتنظر القدرة على الصيام أجزأه ومن الاعذار الشبق المفرط وهو أن لايصبر على الجماع فانه عليه السلام رخص للاعرابى أن يعطى الفدية لاجله { فاطعام ستين مسكينا } الاطعام جعله الغير طاعما ففيه رمز الى جواز التمليك والاباحة فى الكفارة والمسكين ويفتح ميمه من لاشىء له او له مالايكفيه وأسكنه الفقر اى قلل حركته والذليل والضعيف ما فى القاموس قال القهستانى فى شرح مختصر الوقاية قيد المسكين اتفاقى لجواز صرفه الى غيره من مصارف الزكاة .
يقول الفير انما خص المسكين بالذكر لكونه أحق بالصدقة من سائر مصارف الزكاة كما ينبىء عنه ماسبق آنفا من تفسير القاموس واطعام ستين مسكينا وان أعطاه فى يوم واحد وبدفعات لايجوز على الصحيح فيطعم لكل مسكين نصف صاع من برا او صاعا من غيره كما فى الفطرة والصاع اربعة امداد ونصفه مدان ويجب تقديمه على المسيس لكن لايستأنف ان مس فى خلال الاطعام لان الله تعالى لم يذكر التماس مع الاطعام هذا عند أبى حنيفة رحمه الله واما عند الآخرين فالاطعام محمول على المقيد فى العتق والصيام ويجوز دفع الكفارة لكافر واخراج القيمة عند ابى حنيفة رحمه الله خلافا للثلاثة وفى الفقه هذا اذا كان المظاهر حرا فلو كان عبدا كفر بالصوم وان اعطاه الملى المال وليس له منعه عن الصوم فان أعتق وأيسر قبل التكفير كفر بالمال { ذلك } اى ذلك البيان والتعليم للاحكام والتنبيه علها واقع او فعنا ذلك { لتؤمنوا بالله ورسوله } وتعملوا بشرآئعه التى شرعها لكم وترفضوا ما كنتم عليه من جاهليتكم ان قيل اذا كان ترك الظهار مفروضا فما بال الفقهاء يجعلونه بابا فى الفقه أجيب بأن الله وان أنكر الظهار وشنع على من تعود به من الجاهلين الا انه تعالى وضع له احكاما يعمل بها من ابتلى به من الغافلين فبهذا الاعتبار جعلوه بابا ليبينوا تلك الاحكام وزادوا قدر مايحتاج اليه من ان المحققين قالوا ان اكثر الاحكام الشرعية للجهال فان الناس لو احترفوا عن سوء المقال والفعال لما احتيج الى تكثير القيل والقال ودلت الآية على ان الظهار أكثر خطأ من الحنث فى اليمين لكون كفارته اغلظ من كفارة الحنث واللام فى لتؤمنوا للحكمة والمصلحة لانها اذا قارنت فعل لله تكون للمصلحة لانه الغنى المطلق واذا قارنت فعل العبد تكون للغرض لانه المحتاج المطلق فأهل السنة لايقولون لتلك المصلحة غرضا اذ الغرض فى العرف مايستكمل به طالبه استدفاعا لنقصان فيه تنفر عنه طبعه والله منزه عن هذا بلا خلاف والمعتزلة يقولون بناء على انه هو الشىء الذى لاجله يراد المراد ويفعل عندهم ولو قلنا بهذا المعنى لكنا قائلين بالغرض وهم لو قالوا بالمعنى لما كنا قائلين به { وتلك } اشارة الاحكام المذكورة من تحريم الظهار وايجاب العتق للواجد وايجاب الصوم لغير الواجد ان استطاع وايجاب الاطعام لمن لم يسطع { حدود الله } التى لايجوز تعديها وشرآئعه الموضوعة لعباده التى لايصح تجاوزها الى مايخالفها جمع حد وهو فى اللغة المنع والحاجز بين الشيئين الذى يمنع اختلاط احدهما بالآخر وحد الزنى وحد الخمر سمى بذلك لكونه مانعا لمتعاطيه عن المعاودة لمثله وجميع حدود الله على اربعة اضرب اما شىء لايجوز أن يتعدى بالزيادة عليه والا القصور عنه كأعداد ركعات صلاة الفرض واما شىء يجوز الزيادة عليه ولا يجوز النقصان منه واما شىء يجوز النقصان منه ولايجوز الزيادة عليه واما شىء يجوز الزيادة عليه والنقصان منه كما فى المفردات { وللكافرين } اى الذين لايعلمون بها ولا يقبلونها { عذاب اليم } عبر عنه بذلك للتغليظ على طريقة قوله تعالى(15/165)
{ ومن فكر فان الله غنى عن العالمين } يعنى ان اطلاق الكفر لتأكيد الوجوب والتغليظ على تارك العمل لا لانه كفر حقيقة كما يزعمه الخوارج قال بعضهم فى قوله عليه السلام « من ترك الصلاة فقد كفر » اى قارب الكفر يقال دخل البلدة لمن قاربها قال فى برهان القرءآن قوله { وللكفارين عذاب اليم } وبعده(15/166)
{ وللكافرين عذاب مهين } لان الاول متصل بضده وهو الايمان فتوعدهم على الكفر العذاب الاليم هو جزاء الكافرين والثانى متصل بقوله { كبتوا } وهو الاذلال والاهانة فوصف العذاب مثل ذلك فقال { وللكافرين عذاب مهين } انتهى والأليم بمعنى المؤلم اى الموجع كالبديع بمعنى المبدع او بمعنى المتألم لكن اسند مجازا الى العذاب مبالغة كأنه فى الشدة بدرجة تتألم بها نفسه وفى اثبات العذاب للكافرين حث المؤمنين على قبول الطاعة ولما نزلت هذه الآيات الاربع تلاها عليه السلام فقال لاوس بن الصامت رضى الله عنه « هل تستطيع عتق رقبة » قال اذن يذهب جل مالى قال « فصيام شهرين متتابعين » قال يارسول الله اذا لم آكل فى اليوم ثلاث مرات كل بصرى وخشيت أن تعشو عينى قال « فاطعام ستين مسكينا » قال لا الا أن تعيننى عليه قال « اعينك بخمسة عشر صاعا وانا داع لك بالبركة » وتلك البركة بقيت فى آله كما فى عين المعانى .
يقول الفقير فى وجوه الاحكام المذكورة اما وجه العتق فلان العاصى اتسحق النار بعصيانه العظيم فجعل عتق المملوك فدآء لنفسه من النار كما قال عليه لسلام « من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل ارب منها اربا منه من النار » ودل تقييد الرقبة بالمؤمنة على أفضلية اعتاق المؤمن وايضا ان ثمن العبد اكثر غالبا من فدية الاطعام والمال يعد من النفس لشدة علاقة النفس به ففى بذله تخليص لها من رذيلة البخل وتنحية لها عن النار واما الوجه فى الصيام فلأن الاصل فيه صيام شهر رمضان وهو ثلاثون يوما ففى صيام ستين يوما تضعيف المشقة وتشديد المحنة على النفس واما الوجه فى اطعام المساكين اما فى نفس الاطعام فلأن الصوم التخلق بوصف الصمدية فاذا فات عنه ذلك لزوم المعالجة بضده وهو الاطعام لان فى بذل المال اذابة النفس كما فى الصوم ومن هذا يعرف سر التنزيل من الرقبة الى الصوم ثم منه الى الاطعام واما فى عدد المساكين فلأن الاطعام بدل من الصيام وخلف له فروعى فيه من العدد ماروعى فى الصيام ويجوز أن يقال ان الله تعالى خلق آدم عليه السلام من ستين نوعا من طبقات الارض فأمر باطعام ستين مسكينا من اولاد آدم حتى تقع المكافأة لجميع اولاده لانه لايخرج احد منهم عن هذه الستين نوعا وايضا سر العدد كون عمر هذه الامة بين الستين والسبيعن فمن راعى العدد فكانما عبد الله ستين سنة التى هى مبلغ عمره ومنتهى امده بحسب الغالب فيتخلص من النار ولكن فيه اشارة الى فضيلة الوقت فانه اذا فات العمل من محله لاينجبر بالقضاء بكماله الاولى بل يصير ساقطا عن درجة الكمال الاولى بستين درجة ولذا وجب صيام ستين واطعامها ( قال المولى الجامى )(15/167)
هردم از عمر كرامى هست كنج بى بدل ... ميرود كنجى جنين هر لحظه برباد آخ آخ
( وقال الشيخ سعدى )
مكن عمر ضايع بافسوس وحيف ... كه فرصت عزيزست والوقت سيف
وفى الاشارة الى أن النفس مطية الروح وزوجته فاذا ظاهر زوج الورح من زوجة النفس بقطع الاستمتاع عنها لغلبة الروحانية عليها ثم بحسب الحكمة الالهية المقتضية لتعلق زوج الروح مع زوجة النفس أراد أن يستمتع منها فعلى زوج الروح يجب من طريق الكفارة تحرير رقبة عن ذلك الاستمتاع والتصرف فيها بأن لايستمتع ولا يتصرف فيها الا بامر الحق ومقتضى حكمته لا بمقتضى طبعه ومشتهيات هواه فانه لايجوز له وعلى تقدير شدة اشتباك زوج الروح بزوجة النفس وقوة ارتباطهما الذاتية ارتباط الراكب بالمركوب وارتباط ربان السفينة بالسفينة ان لم يقدر على تحرير رقبة عن هذا الارتباط فيجب على زوج الروح أن يصوم شهرين ممتابعين من قبل أن يتماسا يعنى أن يمسك نفسه عن الالتفات الى الكونين على الدوام والاستمرار من غير تخلل النفات وان لم يتمكن من قطع هذا التفات لبقاء من بقايا انانيته فيه فيجب عليه اطعام ستين مسكينا من مساكين القوى الروحانية المستهلكة تحت سلطنة النفس وصفاتها ليقيمهم على التخلق بالاخلاق الالهية والتحقق بالصفات الروحانية(15/168)
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (5)
{ ان الذين يحادون الله ورسوله } اى يعادونهما ويشاقونهما وكذا اولياء الله فان من عادى اولياء الله فقد عادى الله وذلك لان كلا من المتعاديين كما انه يكون فى عدوة وشق غيره عدوه الآخر وشقه كذلك يكون فى حد غير حد الآخر غير ان لورود المحادة فى اثناء ذكر حدود الله دون المعاداة والمشاقة من حسن الموقع مالا غاية ورآءه وبالفارسية مخالفت ميكنند باخدا ورسول او از حدود امر ونهى تجاوز مينمايند ، وقال بعضم المحادة مفاعلة من فلظ الحديد والمراد المقابلة بالحديد سوآء كان فى ذلك حديد حقيقة او كان ذلك منازعة شديدة شبيهة بالخصومة بالحديد وقال بعضهم فى معنى الآية يحادون اى يضعون او يختارون حدودا غير حدودهما ففيه وعيد عظيم للملوك والامرآء السوء الذين وضعوا امورا خلاف ماحده الشرع وسموها القانون و نحوه
بادشاهى كه طرح ظلم افكند ... باى ديوان ملك خويش بكند
{ كبتوا } اى اخزوا يعنى خوار ونكو سار كرده شوند ، وفى المفردات الكبت الرد بعنف وتذليل وفى القاموس كبته يكبته صرعه وأخزاه وصرفه وكسره ورد العدو بغيظه واذله قال ابن الشيخ وهو يصلح لان يكون دعاء عليهم واخبارا عما سيكون بالماضى لتحققه اى سيكبتون ويدخل فيهم المنافقون والكافرون جمعيا اما الكافرون فمحادتهم فى الظاهر والباطن واما المنافقون ففى الباطن قط { كما كبت الذين من قبلهم } من كفار الامم الماضية المعادين للرسل عليهم السلام مثل اقوام نوح وهود وصالح وغيرهم ، وكان السرى رحمه الله يقول عجبت من ضعيف عصى قويا فيقال له كيف ذلك ويقول وخلق الانسان ضعيفا { وقد أنزلنا آيات بينات } حال من واو كبتوا اى كبتوا المحادتهم والحال انا قد أنزلنا آيات واضحات فيمن حاد الله ورسوله ممن قبلهم من الامم وفيما فعلنا بهم او آيات بينات تدل على صدق الرسل وصحة ماجاء به والسؤال بأن الانزال نقل الشىء من الأعلى الى الأسفل وهو انما يتصور فى الاجسام والآيات التى هى من الكلام من الاعراض الغير القارة فكيف يتصور الانزال فيها مجاب عنه بأن المراد منه انزال من يتلقف من الله ويرسل الى عباده تعالى فيسند اليها مجازا لكونها المقصودة منه أو المراد منه الايصال والاعلام على الاستعارة { وللكافرين } بتلك الآيات او بكل مايجب الايمان به { عذاب مهين } يذهب بعزهم وكبرهم من الاهانة بمعنى التحقير والمراد عذاب الكبت الذى هو فى الدنيا فيكون ابتدآء كلام او عذاب الآخر فيكون للعطف بمعنى ان لهم الكبت فى الدنيا ولهم عذاب مهين فى الآخرة فهم معذبون فى الدارين قال بعضهم وصف الله العذاب الملحق بالكفارين اولا بالايلام وثانيا بالاهانة لان الايلام يلحق بهم اولا ثم يهانون به واذا كانت الاهانة مافى الآخرة فالتقديم ظاهر وقد سبق غير هذا وفى الآية اشارة الى أن من يعادون مظاهر الله وهم الاولياء المتحققون بالله المجتمعون باسماء الله ويشاققون مظاهر رسوله وهم العلماء القائمون باحكام الشرآئع حجوا وافحموا بأبلغ الحجج واظهر البراهين من الكرامات الظاهرة ونشر العلوم الباهرة وكيف لا وقد أنزلنا بصحة ولايتهم وآثار وراثتهم آيات بينات فمن سترها بستائر ظلمات انكاره قله عذاب القطعية الفظيعة والاهانة من غير ابانة(15/169)
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6)
{ يوم يبعثهم الله } منصوب باذكر المقدر تعظيما لليوم وتهويلا له والمراد يوم القيامة اى يحييهم الله بعد الموت للجزآء { جميعا } اى كلهم بحيث لايبقى منهم احد غير مبعوث فيكون تأكيدا للضمير أو مجتمعين فى حالة واحدة فيكون حالا منه { فينبئهم بما عملوا } من القبائح ببينان صدورها منهم او بتصويرها فى تلكل النشأة بما يليق بها من الصور الهائلة على رؤوس الاشهاد وتخجيلا لهم وتشهيرا لحالهم وتشديدا لعذابهم والا فلا فائدة فى نفس الانباء لينبهوا على ماصدر منهم { احصاه الله } كأنه قيل كيف ينبئهم بأعمالهم وهى اعراض منقضية متثلاشية فيل احصاه الله اى أحاط به عددا وحفظه كما علمه لم يفت منه شىء ولم يغب قال الراغب الاحصاء التحصيل بالعدد يقال أحصيت كذا وذلك من لفظ الحصى واستعمال ذلك فيه لانهم كانوا يعتمدون اعتماد نافيه على الاصابع وقال بعضهم الاحصاء عد باحاطة وضبط اذا اصله العدد بآحاد الحصى للتقوى فى الضبط فهو اخص من العد لعدم لزوم الاحاطة فيه { ونسوه } اى والحال انهم قد نسوه لكثرته او لتهاونهم حين ارتكبوه لعدم اعتقادهم { والله على كل شىء شهيد } لايغيب عنه امر من الامور فالشهيد بمعنى الشاهد من الشهود بمعنى الحضور ، وكفته اند كواهست ومناسب آن مكافات خواهد فرمود وكسى كواهى اورد نتواند كرد
حاكم زحكم دم نزندكر كواه نيست ... حاكم كه خود كواه بود قصه مشكلست
فلابد من استحضار الذنوب والبكاء عليها وطلب التوبة من الله الذى يحصى كل شىء ولاينساه قبل أن يجيىء يوم ايفتضح فيه المصر على رؤوس الاشهادة ولا يقبل الدعاء والمعذرة من العباد ، واعلم ان القول بأنه تعالى شهيد قول بأنه حاضر لكن بالحضور العلمى لا بالحضور الجسمانى فانه منزه عن ذلك فقول من قال الله حاضر محمول على الحضور العملى فلا وجه لا كفار قائلة مع وجوده فى القرءآن(15/170)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7)
{ ألم تر أن الله يعلم مافى السموات وما فى الارض } استشهاد على شمول شهوده تعالى والهمزة للانكار المقرر بالرؤية لما أن الانكار نفى معنى ونفى النفى يقرر الاثبات فتكون الرؤية ثابتة مقرر والخطاب للرسول عليه السلام او لكل من يستحق الخطاب ولمعى أمل تعلم علما يقينيا بمرتبة المشاهدة انه تعالى يعمل مافى السموات ومافى الارض من الموجودات سوآء كان ذلك بالاستقرار فيهما او بالجزائية منهما ( روى ) عن ابن عباس رضى الله عنهما انها نزلت فى ربيعة وحيبب ابنى عمرو وصفوان بن امية كانوا يوما يتحدثون فقال أحدهم ارتى الله يعلم ما نقول فقال الآخر يعلم بعضا وقال الثالث ان كان يعلم بعضه فهو يعلم كله وصدق لان من علم بعض الاشياء بغير سبب فقط علمها كلها لان كونه عالما بغير سبب ثابت له مع كل معلوم فنزلت الآية { مايكون من نجوى ثلاثة } ما نافية ويكون تامة بمعنى يوجع ويقع ومن مقحم ونجوى فاعله وهو مصدر بمعنى التناجى كالشكوى بمعنى الشكاية يقال نجاه نجوى ونجوى ساره كناجاه مناجاة والنجوى السر الذى يكتم اسم ومصدر كما فى القاموس وأصله أن تخلو فى نجوة من الارض اى مكان مرتفع منفصل بارتفاعه عما حوله كأن المتناجى بنجوة من الارض لئلا يطلع عليه احد والمعنى مايقع من تناجى ثلاثة نفر ومسارتهم فالنجوى مصدر مضاف الى فاعله { الا هو } اى الله تعالى { رابعهم } اى جاعلهم اربعة من حيث انه تعالى يشاركهم فى الاطلاع عليها كما قال الحسين النورى قدس سره الا هو رابعهم علما وحكما لا نفاس وذاتا وهو استثناء مفرغ من اعم الاحوال اى مايوجد فى حال ما الا فى هذه الحال وفى الكلام اعتبار التصبير قال النصر ابادى من شهد معية الحق معه زجره عن كل مخالقة وعن ارتكاب كل محذور ومن لايشاهد معيته فانه مختط الى الشبهات والمحارم { ولا خمسة } اى ولا نجوى خمسة نفر { الا هو سادسهم } الا وهو تعالى جاعلهم ستة فى الاطلاع على ما وقع بينهم وتخصيص العددين بالذكر لخصوص الواقعة لان المنافقين المجتمعين فى النجوى كانوا مرة ثلاثة واخرى خمسة ويقال ان التشاور غالبا انما يكون من ثلاثة الى ستة ليكونوا اقل لفظا واجدر رأيا واكتم سرا ولذا ترك عمر رضى الله عنه حين علم بالموت امر الخلافة شورى بين ستة اى على أن يكون امر الخلافة بين ستة ومشاورتهم واتفاق رأيهم وفى الثلاثة اشارة الى الروح والسر والقلب وفى الخمسة اليها باضافة النفس والهوى ثم عمم الحكم فقال { ولا أدنى من ذلك } اى اقل مما ذكر كالاثنين والواحد فان الواحد ايضا يناجى نفسه وبالفارسية ونه كمتر باشد ازسه عدد { ولا اكثر } كالستة ومافوقها { الا هو معهم } اى الله مع المتناجين بالعلم والسماع يعلم مايجرى بينهم و لايخفى عليه ماهم فيه فكأنه ماشاهدهم ومحاضرهم وقد تعالى عن المشاهدة والحضور معهم حضورا جسمانيا { اينما كانوا } اى فى اى مكان كانوا من الاماكن ولو كانوا تحت الارض فان علمه تعالى بالاشياء ليس لقرب مكانى حتى يتفاوت باختلاف الامكنة ولو كانوا تحت الارض فان علمه تعالى بالاشياء ليس لقرب مكانى حتى يتفاوت باختلاف الامكنة قربا وبعدا(15/171)
اين معيت دربيابد عقل وهوش ... زين معيت دم مزن بتشين خموش
قرب حق بابنده دورست از قياس ... بر قياس خود منه آنرا اساس
قال بعض العارفين ، اكر مؤمنات امت احمد را خود اين تشريف بودى كه رب العاليمن درين سوره ميكويد كه مايكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم الى قوله { هو معهم } تمام بودى اصحاب كهف را باجلال رتبت ايشان وكمال منزلت ميكويد ، ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم افنظر كم من فرق بني من كان الله رابعهم وسادسهم وبين من كان اخس الحيوانات رابعهم وسادسهم وحظية المؤمن من المعية أن يعلم ان الخير فى أن يكون جليسه صالحا وكلامه نافعا ولا يتكلم بمالا طائل تحته فيكون عيبا فى حصيفته وعيشا فى صحبته ومعية الله تعالى على العموم كما صرح به قوله تعالى { وهو معكم أينما كنتم } ثم انه قد يكون له تعالى معية مخصوصة ببعض عباده بحسب فيضه وايصال لطفه اليه ونحو ذلك { ثم ينبئهم بما علموا } اى يخبرهم بالذى عملوه فى الدنيا { يوم القيامة } تفضيحا لهم واظهارا لما يوجب عذابهم { ان الله بكل شىء عليم } لان نسبة ذاته المقتضية للعلم الى الكل سوآء ، يعنى نسبت علم او باهمة معلومات يكسانست حالات اهل آسمانرا جنان داندكه حالات اهل زمين را وعلم او بمخفيات امور بدان وجه احاطه كندكه بحليات
نهان وأشكارا هردوا يكسانست بر علمت ... نه اين رازود تربينى نه آنرا ديد تردانى
من عرف انه العالم بكل شىء راقبه فى كل شىء واكتفى بعلمه فى كل شىء فكان واثقابه عند كل شىء ومتوجها له بكل شىء قال ابن عطاء الله متى علمت عدم اقبال الناس عليكم او توجههم بالذم اليكم فارجع الى علم الله فيك فان كل لايقنعك علمه فيك فمصيبتك بعدم قناعتك بعلمه أشد من مصيبتك بوجود الاذى منهم انتهى والتخلق بهذا الاسم تحصيل العلم وافادته للمحتاجين اليه ومن أدمن ذكر ياعلام الغيوب بصيغة الندآء الى أن يغلب عليه منه حال فانه يتكلم بالمغيبات ويكشف مافى الضمائر وترقى رحه الى أن يرقى فى العلم العلوى ويتحدث بامور الكائنات والحوادث قال الفقهاء من قال بأن الله تعالى علام بذاتته اى لا عالم بعلمه قادر بذاته اى لاقادر بقدرته يعنى لايثبت له صفة العلم القائمة بذاته ولا صفة القدرة كالمعتزلة والجهمية يحكم بكفره لان نفى الصفات الالهية كفر قال الرهاوى من اقر بوحدانية الله وانكر الصفات كالفلاسفة والمعتزلة لايكون ايمانه معتبرا كذا قالوا وفيه شىء بالنسبة الى المعتزلة فانهم من اهل القبلة ومن ثمة قال فى شرح العقائد والجمع بين قولهم لايكفر أحد من أهل القبلة وقولهم بكفر من قال بخلق القرءآن واستحالة الرؤية وسب الشيخين وامثال ذلك مشكل انتهى(15/172)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8)
{ الم تر الى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه } نزلت فى اليهود والمنافقين كانوا يتناجون فيما بينهم ويتحلقون ثلاثة وخمسة ويتغمازون بأعينهم اذا رأوا المؤمنين يريدون أن يغيظوهم فنهاهم رسول الله عليه السلام ثم عادوا لمثل فعلهم والخطاب للرسول والهمزة للتعجيب من حالهم وصيغة المضارع للدلالة على تكرر عودهم وتجدده واستحضار صورته العجيبة قال الخدرى رضى الله عنه خرج عليه السلام ذات ليلة ونحن نتحدث فقال « هذه النجوى ألم تنهوا عن النجوى » فقلنا تبنا الى الله انا كنا فى حديث الدجال قال ألا اخبركم بما هو أخوف عليكم منه هو الشرك الخفى يعنى المراآة { ويتناجون } وراز ميكويند { بالاثم والعدوان ومعصية الرسول } عطف على قوله { يعودون } داخل فى حكمه وبيان لما نهوا عنه لضرره فى اليدن اى بما هو اثم فى نفسه وعدوان للمؤمنين وتواص بمعصية الرسول والعدوان الظلم والجور والمعصية خلاف الطاعة { واذا جاؤك } وجون برتو آنيد ، يعنى اهل النجوى { حيوك } ترا تحيت وسلام كنند والتحية فى الاصل مصدر حياك على الاخبار من الحياة فمعنى حياك الله جعل لك حياة ثم استعمل للدعاء بها ثم قيل لكل دعاء فغلب فى الاسلام فكل دعاء تحية لكون جميعه غير خارج عن حصول حياة او سبب حياة اما فى الدنيا واما فى الآخرة { بما لم يحيك به الله } اى بشىء لم يقع من الله أن يحييك به فيقولون السام عليك والسام بلغة اليهود ، مرك است ياقتل بشمشير ، وهم يوهمون انهم يقولون السلام عليك وكان عليه السلام يرد عليهم فيقول عليكم بدن الواو ورواية وعليكم بالواو خطأ كذا فى عين المعانى او يقولون العم صباحا وهو تحية الجاهلية من النعومة اى ليصر صاحبك ناعما لينا لابؤس فيه والله سبحانه يقول { وسلام على المرسلين } واختلفوا فى رد السلام على اهل الذمة فقال ابن عباس والشعبى وقتادة هو واجب لظاهر الامر بذلك وقال مالك ليس بواجب فان رددت فقل عليكم وقال بعضهم يقول فى الرد علاك السلام اى ارتفع عنك وقال بعضم المالكية يقول فى الرد السلام عليك بكسر السين يعنى الحجارة { ويقولون فى انفسهم } اى فميا بينهم ا ذا خرجوا من عندك { لولا يعذبنا بما نقول } لولا تحضيضية بمعنى هلا اى هلا يعذبنا الله ويغضب علينا ويقهرنا بجرآءتنا على الدعاء بالشر على محمد لو كان نبيا حقا { حسبهم } بس است ايشانرا { جهنم } عذابا مبتدأ وخبر أى محسبهم وكافيهم جهنم فى التعذيب من أحسبه اذا كفاه { يصلونها } يدخلونها ويقاسون حر هالا محالة وان لم يعجل تعذيبهم لحكمة والمراد الاستهزآء بهم والاستخفاف بشأنهم لكفرهم وعدم ايمانهم { فبئس المصير } اى جهنم قال فى برهان القرءآن الفاء لما فيه من معنى التعقيب اى فبس المصير ماصاروا اليه وهو جهنم انتهى(15/173)
قال بعض المفسرين وقوله ذلك من جلمة ماعفلوا عما عندهم من العلم فانهم كانوا اهل كتاب يعلمون ان بعض الانبياء قد عصاه امته وآذوه ولم يعجل تعذيبهم لحكمة ومصلحة علمها عند الله تعالى نتهى ، ثم ان الله يستجيب دعاء رسول الله عليه السلام كما روى ان عائشة رضى الله عنها سمعت قول اليهود فقالت علكيم السام والذام واللعن فقال عليه السلام « ياعائشة ارفقى فان الله يحب الرفق فى كل شىء ولا يحب الفحش والتفحش الا سمعت ومارددت عليهم فقلت عليكم فيستجاب لى فيه » وقس عليه حال الورثة الكاملين فان أنفاسهم مؤثرة فمن تعرض لواجد منهم بالسوء فقد تعرض لسوء نفسه وفى البستان
كزيرى بجاهى در افتاده بود ... كه از هول او شير نرماده بود
همه شب زفرياد وزارى نخفت ... يكى برسرش كوفت سنكى وكفت
توهر كز رسيدى بفرياد كس ... كه ميخواهى امروز فريادرس
كه بر جان ريشت نهد مرهمى ... كه جانها بنالد زدستت همى
تومارا همى جاه كندى براه ... بسر لاجرم بر فتادى بجاه(15/174)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9)
{ يا أيها الذين آمنوا } بألسنتهم وقلوبهم { اذا تناجيتم } جون راز كوبيد بايكديكر ، يعنى فى انديتكم وخلواتكم { فلا تتناجوا بالاثم والعدون } كما يفعله المنافقون واليهود { وتناجوا بالبر والتقوى } اى بما يتضمن خبر المؤمنين والاتقاء عن معصية الرسول قال سهل رحمه الله بذكر الله وقرآءة القرءآن والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر { واتقوا الله الذى اليه تحشرون } وحده لا الى غيره استقلالا او اشتراكا فيجازيكم بكل ماتأتون وما تذرون ، يعنى بسوى او جمع كرده خواهيد شد بس از موت ، دلت الآية على ان التناجى ليس بمنهى عنه مطلقا بل مأمور به فى بعض الوجوه ايجابا او استحبابا واباحة على مقتضى المقام ان قيل كيف يأمر الله بالاتقاء عنه وهو المولى الرحيم والقرب منه الذ المطالب والانس به اقصى المآرب فالتقوى توجب الاجتناب والحشر اليه يستدعى الاقبال اليه يجاب بأن فى الكلام مضافا اذا التقدير اتقوا عذاب الله او قهر الله او غيرها فان قيل ان العبد لو قدر على الخلاص من العذاب والقهر لأسرع اليه لكنه ليس بقادر عليه كما قال تعالى { ان يمسك الله بضر فلا كاشف له الا هو وان يردك بخير فلا راد لفضله } والامر انما يكون بالمقدور { لايكلف الله نفسا الا وسعها } أجيب بأن المراد الاتقاء عن السبب من الذنوب المعاصى الصادرة عن العبد العاصى فالمراد واتقوا مايفضى الى عذاب الله ويقتضى قهره فى الدارين من الاثم والعدوان ومعصية الرسول التى هى السبب الموجب لذلك فالمراد النهى عن مباشرة الاسباب والامر بالاجتناب عها ان قيل ان ذلك الاتقاء انما يكون بتوفيق الله له فان وفق العبد له فلا حاجة الى الامر به وان لم يوفقه فلا قدرة له عليه والامر انما يحسن فى المقدور أجيب بأنه تعالى علمه الحق اولا ووهب له اردة جزئية يقدر بها على اخيتار شىء فله الاختيار السابق على ارادة الله تعالى ووجود الاختيار فى الفاعل المختار امر يطلع عليه كل احد حتى الصبيان(15/175)
إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)
{ انما النجوى } المعهودة التى هى التناجى بالاثم والعدوان بقرينة ليحزن { من الشيطان } لامن غيره فانه المزين لها والحامل عليها فكأنها منه { ليحزن الذين آمنوا } خبر آخر من الحزن بالضم بعده السكون متعد من الباب الاول لا من الحزن بفتحتين لازما من الرابع كقوله تعالى { ياعباد لاخوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون } فيكون الموصول مفعوله وفى القاموس الحزن بالضم ويحرك الهم والجمع احزان وحزن كفرح وحزنه الامر حزنان بالضم وأحزنه جعله حزينا وحزنه جعل فيه حزنا وقال الراغب الحزن والحزن خشونة فى الارض وخشونة فى النفس لما يحصل فيها من الغم ويضاده الفرح ولاعتبار الخشونة بالغم قيل خشنت بصدره اذا احزنته والمعنى انما هى ليجعل الشيطان المؤمنين محزنين بتوهمهم انها فى نكبة أصابهم فى سيرتهم يعنى ان غزاتهم غلبوا وان أقاربهم قتلوا متألمين بذلك فاترين فى تدبير الغزو الى غير ذلك مايشوش قلوب المؤمنين وفى الحديث « اذا كنتم ثلاث فلا يتناج اثنان دون صاحبهما فان ذلك يحزنه » { وليس } اى الشيطان او التناجى { بضارهم } بالذى يضر المؤمنين { الا باذن الله } اى بمشيئته وارادته اى ما أراده من حزن او وسوسة كما روى ان فاطمة رضى الله عنها رأت كأن الحسن والحسين رضى الله عنهما أكلا من أطيب جزور بعثه رسول الله اليهما فماتا فلما غدت سألته عليه السلام وسأل هو جبريل ملك الرؤيا فقال لاعلم لى به فعلم انه من الشيطان وفى الكشاف الا باذالله اى بمشيئته وهو أن يقضى الموت على أقاربهم او الغلبة على الغزاة قال فى الاسئلة المقحمة اين ضرر الحزن قلت ان الحزن اذا سلمت عاقبته لايكون حزنا فى الحقيقة وهذه نكتة اصولية اذ الضرر اذا كانت عاقبته الثواب لايكون ضررا فى الحقيقة والنفع اذا كانت عاقبته العذاب لايكون نفعا فى الحقيقة { وعلى الله } خاصة { فليتوكل المؤمنون } ليفوضوا امورهم اليه وليثقوا به ولا يبالوا بنجواهم فانه تعالى يعصمهم من شرها وضررها ، ذكر بما سخن خصم تندخوى مكوى كه اهل مجلس مارا ازان حسابى نيست وفى الآية اشارة الى أن الشيطان يناجى النفس الامارة ويزين لها المعارضات ونحوها ليقع القلب والروح فى الحزن والاضطراب وضيق الصدر ويتقاعد ان من شؤم المعارضة عن السير والطير فى عالم الملكوت ويحرمان من مناجاة الله والطبيعة والشيطان لانها ظلمانية وان كل موافقة فهى فى القلب والروح والسر لانها نورانية الا أن يغلب عليها ظلمة اهل الظلمة وتختفى انوارها تحت تلك الظلمة اختفاء نور الشمس تحت ظلمة السحاب الكثيف فليكن العبد على المعالجة دآئما لكن ينبغى له التوكل التام فان المؤثر فى كل شىء هو الله تعالى(15/176)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)
{ يا ايها الذين آمنوا } يعنى المخلصين { اذا قيل لكم } من اى قائل كان من الاخوان { تفسحوا } التفسح جاى فراخ كردن وفراخ نشتن در مجلس ، وكذا الفسح لكن التفسح يعدى بفى والفسح باللام اى توسعوا ليفسح بعضكم عن بعض ولا تتضاموا من قولهم افسح اعنى اى تنح وأنت فى فسحة من دينك اى فى وسعة ورخصة وفلان فسيح الخلق اى واسع الخلق { المجالس } قال فى الارشاد متعلق بقيل .
يقول الفقير الظاهر انه متعلق بقوله { تفسحوا } لأن البيهقى صرح فى تاج المصادر بان التفسح يعدى بفى على ما أشرنا اليه آنفا { فافسحوا } بس جاى كشاده كنيد بر مردم { يفسح الله لكم } اى فى كل ماتريدون التفسح فيه من المكان والرزق والصدر والقبر وغيرها فان الجزآء من جنس العمل والآية عامة فى كل مجلس اجتمع فيه المسلمون للخير والأجر سوىء كان مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يتضامون تنافسا فى القرب منه عليه السلام وحرصا على استماع كلامه او مجلس حرب وكانوا يتضامون فى مراكز الغزاة ويأتى الرجل الصف ويقول تفسحوا ويأبون لحرصهم على الشهادة او مجلس ذكر او مجلس يوم الجمعة وان كل واحد وان كان أحق بمكان الذى سبق السبق اليه لكنه يوسع لاخيه مالم يتأذ لذلك فيخرجه الضيق من موضعه وفى الحديث « لايقيمن احدكم الرجل من مجلسه ثم يخلفه فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا » وفى رواية « لايقيمن احدكم أخاه يوم الجمعة ولكن ليقل افسحوا » وقيل ان رجلا من الفقرآء دخل المسجد وأراد أن يجلس بجنب واحد من الاغنياء فلما قرب منه قبض الغنى اليه ثوبه فرأى رسول الله عليه السلام ذلك فقال للغنى « أخشيت أن يعديه غناك ويعديك فقره » وفيه حث على التواضع والجلوس مع الفقرآء والتوسعة لهم فى المجالس وان كانوا شعثا غبرا { واذا قيل انشزوا } يقال نشز الرجل اذا نهض وارتفع فى المكان نشزا والنشز كالفلس وكذا النشز بفتحتين المكان المرتفع من الارض ونشز فلان اذا قصد نشزا ومنه فلان عن مقره وقلب ناشز ارتفع عن مكانه رعبا والمعنى واذا قيل لكم قوموا للتوسعة على المقبلين اى من جاء بعدكم { فانشزوا } فارتفعوا وقوموا يعنى اذا كثرت المزاحمة وكانت بحيث لاتحصل التوسعة بتنحى احد الشخصين عن الآخرة حال قعود الجماعة وقيل قوموا جميعا تفسحوا حال القيام فانشزوا ولاتثاقلوا عن القيام او اذا قيل لكم قوموا عن مواضعكم فانتقلوا منها الى موضع آخر لضرورة داعية اليه اطيعوا من أمركم به وقوموا عن مجالسكم وتوسعوا لهم فقال عليه السلام « قم يافلان ويافلان » فأقام من المجلس بعدد المقبلين من اهل بدر فتغامز به المنافقون أنه ليس من العدل أن يقيم أحدا من مجلسه وشق ذلك على من أقيم من مجلسه وعرف رسول الله عليه السلام الكراهية فى وجوههم فانزل الله الاية فالقائل هو الرسول عليه السلام ويقال واذا قيل انشزوا اى انهضوا عن مجلس رسول الله اذا امرتم بالنهوض عنه فانهضوا ولا تملوا رسول لله بالارتكان فيه او انهضوا ال الصلاة او الى الجهاد او الشهادة أو غير ذلك من اعمال الخير فانهضوا ولا تتنبطوا ولا تفرطوا فالقائل يعم الرسول وغيره { يرفع الله الذين آمنوا منكم } جواب للامر اى من فعل ذلك طاعة للامر وتوسعة للاخوان يرفعهم الله بالنصر وحسن الذكر فى الدنيا والايوآء الىغرف الجنان فى الآخرة لان من تواضع رفعه الله ومن تكبر وضعه فالمراد الرفعة المطلقة الشاملة للرفعة الصورية والمعنوية { والذين اوتوا العلم } اى ويرفع العلماء منهم خاصة فهو من عطف الخاص على العلم للدلالة على علو شأنهم وسمو مكانهم حتى كانهم جنس آخر { درجات } اى طبقات عالية ومراتب مرتفعة بسبب ماجمعوا من العلم والعمل لعلو درجته يقتضى للعمل المقرون به مزيد رفعة لايدرك شاؤه العمل الغارى عنه وان كان فى غاية الصلاح ولذا يقتدى بالعالم فى افعاله ولا يقتدى بغيره فعلم من هذا التقرير انه لاشركة للمعطوف عليه فى الدرجات كما قال ابن عباس رضى الله عنهما ثم الكلام عند قوله منكم وينتصب الذين اوتوا العلم بفعل مضمر اى ويرفعهم درجات وانتصاب درجات اما على اسقاط الخافض اى الى درجات او على المصدرية اى رفع درجات فحذف المضاف او على الحالية من الموصول اى ذوى درجات { والله بما تعملون } اى بعملكم او بالذى تعملونه { خبير } علام لايخفى عليه شىء منه لاذاته جنسا او نوعا ولا كفيفة اخلاصا او نفاقا او رياء او سمعة ولا كمية قلة او كثرة فهو خبير بتفسحكم ونشزكم ونيتكم فيهما فلا تضيع عند الله وجعله بعضهم تهديدا لمن لم يمتثيل بالامر او استكرهه فلا بد من التفسح والطاعة وطلب العلم الشريف ويعلم من الآية سر تقدم العالم على غيره فى المجالس والمحاضر لان الله تعالى قجمه واعلاه حيث جعل درجاته عالية وفى الحديث(15/177)
« فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب » اى فضل العالم الباقى بالله على العابد الفانى فى الله كما فى التأويلات النجمية وقال فى عين المعانى المراد علم المكاشفة فى ماورد فضل العالم على العابد كفضلى على امتى اذ غيره وهو علم المعاملة تبع للعمل لثبوته شرطا له اذا لعلم انما يتعد به اذا كان مقرونا بعلم المعاملة قال بعضهم المتعبد بغير علم كحمار الطاحونة يدرو ولا يقطع المسافة
علم جندانكه بيشترتى خوانى ... جون عمل درتونيست نادانى(15/178)
وحي يمدح العلم فالمراد به العلم المقرون بالعمل
رفعت آدمى بعلم بود ... هر كرا علم بيش رفعت بيش
قيمت هركسى بدانش اوست ... سازدافزسون بعلم قيمت خويش
( وقال بعضهم )
مرابتجربه معلوم كشت آخر حال ... كه عزمرد بعلم است وعز علم بمال
وعن بعض الحكماء ليت شعرى اى شىء ادرك من فاته العلم واى شىء فات من ادرك العلم وكل علم لم يوطد بعمل فالى ذل يصير وعن الزهرى رضى الله عنه العلم ذكر فلا يحبه الا ذكروه الرجال قال مقاتل اذا انتهى المؤمن الى باب الجنة يقال له لست بعالم ادخل الجنة بعملك ويقال للعالم قف على باب الجنة واشفع للناس وعن أبى الدردآء رضى اللعنه عنه قال لأن أعلم مسألة احب الى من أن أصلى مائة ركعة ولأن أعلم مسألة أحب الى من أن أصلى ألف ركعة قال ابو هريرة وابو ذر رضى الله عنهما سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « اذا جاء الموت طالب العلم على هذه الحال مات وهو شهيد » واعلم ان جميع الدرجات اما باعتبار تعدد اصحابها فان لكل عالم ربانى درجة عالية او باعتبار تعددها لقوله عليه السلام « بين العالم والعابد مائة درجة بين كل درجة حضر الجواد المضمر سبعين سنة الحضر » بضم الحاء المهملة ارتفاع الفرس فى عدوه والجواد الفرس السريع السير وتضمير الفرس ان تعلفه حتى سمن ثم ترده الى القوت وذلك فى اربعين يوما والمضمار الموضع يضمر فيه الخيل وغاية الفرس فى السباق(15/179)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)
{ ياأيها الذين آمنوا } بالايمان الخالص { اذا ناجيتم الرسول } المناجاة باكسى راز كفتن ، اى اذا كلمتموه سرا فى بعض شؤونكم المهمة الداعية الى مناجاته عليه السلام ومكالمته سرا بالفارسية جون خواهيدكه راز كوييد بارسول وفى بعض التفاسير اذا كالمتموه سرا استفسار لحال مايرى لكم من الرؤيا ففيه ارشاد للمقتدين الى عرضها على المقتدى بهم ليعبروها لهم ومن ذلك عظم اعتبار الواقعات وتعبيرها بين ارباب السلوك حتى قيل ان على المريد أن يعرض واقعته على شيخه سوآء عبر الشيخ او لم يعبر فان الله تعالى قال { ان الله يأمركم أن تودوا الامانات الى اهلها } وهى من جملة الامانة عند المريد لابد ان يؤديها الى الشيخ لما فيها من فائدة جليلة له وقوة لسلوكه وفى التعبير أثر قوى على ماقال عليه السلام « الرؤيا على ماولت » { فقدموا بين يدى نجواكم صدقة } اى فتصدقوا قبلها على المستحق كقول عمر رضى الله عنه افضل ماوتيت العرب الشعر يقدمه الرجل امام حاجته فيستمطر به الكريم ويستنزل به اللئيم يريد قبل حاجته فهو مستعار ممن له يدان على سبيل التخييل فقوله نجواكم استعارة بالكناية وبين يدى تخييلية وفى بعض التفاسير اذا أردتم عرض رؤياكم عليه ليعبرها لكم فتصدقوا قبل ذلك بشىء ليكون ذلك قوة لكم ونفعا فى اموركم والآية نزلت حين اكثر الناس عليه السؤال حتى اسأموه واملوه فأمرهم الله بتقديم الصدقة عند المناجاة فكف كثير من الناس اما الفير فعلسرته واما الغنى فلشحه وفى هذا الامر تعظيم الرسول ونفع الفقرآء والزجر عن الافراط فى السؤال والتمييز بين المخلص والمنافق ومحب الآخرة ومحب الدنيا واختلف فى انه لنلدب او للوجوب لكنه نسخ بقوله تعالى { ءاشفقتم } الآية وهو وان كان متصلا به تلاوة لكنه متراخ عنه نزولا على ماهو شأن الناسخ واختلف فى مقدار تأخر الناسخ عن المنسوخ فقيل كان ساعة من النهار والظاهر انه عشر ايام لما روى عن على رضى الله عنه انه قال ان فى كتاب الله لآية ماعمل بها احد قبلى ولا يعمل بها احد بعدى كان لى دينار فصرفته وفى رواية فاشتريت به عشرة دراهم فكنت اذا ناجيته عليه السلام تصديقت بدرهم يعنى كنت اقدم بين يدى نجواى كل يوم درهما الى عشرة ايام و اسأله خصلة من الخصال الحسنة كا قال الكلبى تصدق به فى عشر كلمات سألهن رسول الله عليه السلام وهو على القول بالوجوب محمول على انه لم يتفق للاغنياء مناجاة فى مدته وهى عشرة ايام فى بعض الروايات اما لعدم المحوج اليها والاشفاق وعلى التقديرين لايلزم مخالفة الامر وان كان للاشفاق وفى بعض التفاسير ولا يظن ظان ان عدم عمل غيره من الصحابة رضى الله عنهم بهذا لعدم الاقدام على التصدق كلا كيف ومن المشهور صدقة أبى بكر وعثمان رضى الله عنهما بألوف من الدراهم والدنانير مرة واحدة فهلا يقدم هذا شأنه على تصدق دينار او دينارين وكذا غيرهما فلعله لم يقع حال اقتضت النجوى حينئذ وهذا لاينافى الجلوس فى مجلسه المبارك والتكلم معه لمصلحة دينية او دنيوية بدون النجوى اذا المناجاة تكلم خاص وعدم الخاص لايقتضى عدم العام كما لايخفى وعن على رضى الله عنه قال لما نزلت الآية دعانى رسول الله فقال(15/180)
« ماتقول فى دينار » قلت لايطيقونه قال « فنصف دينار » قلت لايطيقونه قال « فكم » قلت حبة او شعيرة قال « انك لزهيد » اى رجل قليل المال لزهدك فيه فقدرت على حالك ومافى بالك من الشفقة على المؤمنين وقوله حبة او شعيرة اى مقدارها من ذهب وعن ابن عمر رضى الله عنه كان لعلى رضى الله عنه ثلاث لو كانت لى واحدة منهم كانت أحب الى من حمر النعم تزويجه فاطمة رضى الله عنها واعطاؤه الراية يوم خيبر وآية النجوى قوله حمر النعم بسكون ميم الحمر وهى من انفس اموال العرب يضربون بها المثل فى نفاسة الشىء وانه ليس هناك اعظم منه قال بعضهم ان رسم النثارات للملوك والرؤساء مأخوذ من أدب الله تعالى فى شأن رسوله حيث قال { ياأيها الذين أمنوا اذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجواكم صدقة } { ذلك } التصدق { خير لكم } أيها المؤمنون من امساكه وبالفارسية بهترست مرشمارا زيراكه طاعت بيفزايد { وأطهر } لانفسكم من دنس الريبة ودرن البخل الناشىء من حب المال الذى هو من اعظم حب الدنيا وهو رأس كل خطيئة وبالفارسية وياه كيزه تر براى آنكه كناهان محو كند ، وهذا يشعر بالندب لكن قوله تعالى { فان لم تجدوا فان الله غفور رحيم } منبىء عن الوجوب لانه ترخيص لمن لم يجد فى المناجاة بلا تصدق والمعنى بالفارسية بس اكر نيابيد جيزى كه صدقه دهيد بس خداى تعالى آمر زنده است مركسى راكه اين كناه كند مهر بانست بنده راكه تكليف مالا يطاق ننمايد .
قال بعض اهل الاشارة ان الله تعالى أدب اهل الارادة بهذه الآية أن لايناجوا شيوخهم فى تفسير الالهام واستفهام علم المكاشفة والاسرار الا بعد بذل وجودهم لهم والايمان بهم بشرط المحبة والارادة فان الصحة بهذه الصفة خير لقلوبهم واطهر لنوفسهم فان ضعفوا عن بعض القيام بحقوقهم ومعهم الايمان والارادة وعلموا قصورهم فى الحقيقة فان الله تعالى يتجاوز عن ذلك التقصير وهو رحيم بهم يبلغهم الى درجة الاكابر ( قال المولى الجامى )
جه سود اى شيخ هرساعت فزون خر من طاعت ... جونتوانى كه يك جواز وجود خويشتن كانى ...(15/181)
أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (13)
{ أأشقتهم أن تقدموا بين يدى نجواكم صدقات } الاشفاق الخوف من المكروه ومعنى الاستفهام التقرير كان بعضهم ترك المناجاة للاشفاق ولا مخالفة للامر وجمع صدقات لجمع المخاطبين قال فى بعض التفاسير أفرد الصدقة اولا لكفاية شىء منها وجمع ثانيا نظرا الى كثرة التناجى والمناجى والمعنى اخفتم الفقر يا أهل الغنى من تقديم الصدقات فيكون المفعول محذوفا للاختصار وأن تقدموا فى تقدير لان تقدموا أو أخفتم التقديم لما يعدكم الشيطان عليه من الفقر قال الشاعر
هو عليك ولا تولع باشفاق ... فانما مالنا للوارث الباقى
{ فاذا لم تفعلوا } ما أمرتم به وشق عليكم ذلك وبالفارسية بس جون نكر ديد اين كاررا { وتاب الله عليكم } بأن رخص لكم فى أن لاتفعلوه وأسقط عنكم تقديم الصدقة وذلك لانه لاودجه لحملها على قبول التوبة حقيقة اذ لم يقع منهم التقصير فى حق هذا الحكم بأن وقعت المناجاة بلا تصدق وفيه اشعار بأن أشفاقهم ذنب تجاوز الله عنه لما رأى منهم من الانفعال ماقام مقام توبتهم واذ على بابها يعنى الظرفية والمضى بمعنى انكم تركتم ذلك فيما مضى وتجاوز الله عنكم بفضله فتداركوه بما تؤمرون به بعد هذا وقيل بمعنى اذا للمستقيل كما فى قوله { اذا الاغلال فى اعناقهم } او بمعنى ان الشرطية وهو قريب مما قبله الا ان ان يستعمل فيما يحتمل وقوعه واللا وقوعه { فاقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } مسبب عن قوله { فاذا لم تفعلوا } اى فاذ فرطتم فيما أمرتم به من تقديم الصدقات فتداركوه بالمواظبة على اقامة الصلاة وايتاء الزكاة المفروضة { واطيعوا الله ورسوله } فى سائر الاوامر فان القيام بها كالجابر لما وقع فى ذلك من التفريط وهوتعميم بعد التخصيص لتتميم النفع { والله خبير بما تعملون } عالم بالذى تعملون من الاعمال الظاهرة والباطنة لايخفى عليه خافية فيجازيكم عليه فاعملوا ماأمركم به ابتغاء لمرضاته لالرياء وسمعة وتضرعوا اليه خوفا من عقوباته خصوصا بالجماعة يوم الجمعة ومن الادعية النبوية « اللهم طهر قلبى من النفاق وعلم الرياء ولسانى من الكذب وعينى من الخيانة انك تعلم خائنة الاعين ما تخفى الصدور » وفى تخصيص الصلاة والزكاة بالذكر من بين العبادات المرادة بالامر بالطاعة العامة اشرة الى علو شانهما واناقة قدرهما فان الصلاة رئيس الاعمال البدنية جامعة لجميع انواع العبادات من القيام والركوع والسجود والقعود ومن التعوذ والبسملة والقرآءة والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والصلاة على النبى عليه السلام من الدعاء الذى هو مخ العبادة ومن ذلك سميت صلاة وهى الدعاء لغة فهىعبادة من عبدالله تعالى بها فهو محفوظ بعبادة العابدين من اهل السموات والارضين ومن تركها فهو محروم منها فطوبى لأهل الصلاة وويل لتاركها وان الزكاة هى ام الاعمال المالية بها يطهر القلب من دنس البخل والمال من خبث الحرمة فعلى هذا هى بمعنى الطهارة وبها ينمو المال فى الدنيا بنفسه لانه يمحق الله الربا ويربى الصدقات وفى الآخرة بأجره لانه تعالى يضاعف لمن يشاء وفى الحديث « من تصدق بقدر تمرة من كسب حلال ولا يقبل الله الا الطيب فان الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربى احدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل » فعلى هذا هى من الزكاة بمعنى النماء اى الزيادة وفى البستان
بدنا توانى كه عقبى خرى ... يخرجان من ورنه حسرت خورى
زر ونعمت آيدكسى رابكار ... كه ديوان عقبى كند زر نكار(15/182)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14)
{ الم تر } تعجيب من حال المنافقين الذين يتخذون اليهود اولياء ويناصحونهم وينقلون ايهم اسرار المؤمنين والخطاب للرسول عليه السلام او لكل من يسمع ويعقل وتعدية الرؤية بالى لكونها بمعنى النظر اى ألم تنظر يعنى أيا نمى نركى { الى الذين تولوا } من التولى بمعنى الموالاة الا بمعنى الاعراض اى والوا يعنى دوست كرفتند { قوما غضب الله عليهم } وهم اليهود كما انبأ عنه قوله تعالى { من لعنه الله وغضب عليه } والغضب حركة للنفس مبدأها ارادة الانتقام وهو بالنسبة اليه تعالى نقيض الرضى او ارادة الانتقام او تحقيق الوعيد او الأخذ الأليم والبطش الشديد او هتك الاسرار والتعذيب بالنار او تغيير النعمة { ماهم } اى الذين تولوا { منكم } فى الحقيقة { ولا منهم } اى من القوم المغضوب عليهم لانهم منافقون مذبذبون بين ذلك لهم وان كانوا كفارا فى الواقع لكنهم ليسوا من اليهود حالا لعدم اعتقادهم بما اعتقدوا وعدم وفائهم لهم ومالآ لان المنافقين فى الدرك الاسفل من النار والجملة مستأنفة { ويحلفون على الكذب } الحلف العهد بين القوم والمحالفة المعاهدة والحلف اصله اليمين التى يأخذ بعضهم من بعض بها العهد ثم عبر به عن كل يمين اى يقولون والله انا لمسلمون فالكذب المحلوف عليه هو ادعاء الاسلام وهو عطف على تولوا وادخل فى حكم التعجيب وصيغة المضارع للدلالة على تكرر الحلف وتجدده حسب تكرر مايقتضيه { وهم يعلمون } ان المحلوف عليه كذب كمن يحلف بالغموس وهو الحلف على فعل او ترك ماض كاذبا عمدا سمى بالغموس لانه يغمس صاحبه فى الاثم ثم فى النار ولم يجعل حلفهم غموسا لان الغموس حلف على الماضى وحلفهم هذا على الحال والجملة حال من فاعل يحلفون مقيدة لكمال شناعة مافعلوا فان الحلف على مايعلم انه كذب فى اماية القبح وفى هذه التقييد دلالة على ان الكذب يعم مايعلم المخبر عدم مطابقته للواقع ومالا يعلمه فيكون حجة على النظام والجاحظ ( وروى ) انه عليه السلام كان فى حجرة من حجراته فقال « يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعين شيطان » فدخل عبدالله بن نبتل المنافق بتقديم النون على الباء الموحدة كجعفر وكان ازرق فقال له عليه السلام « لم تشتمنى أنت وأصحابك » فحلف بالله مافعل فقال عليه السلام « فعلت » فانطلق بأصحابه فحلفوا بالله ماسبوه فنزلت فالكذب المحلوف عليه على هذه الرواية هو عدم شتمهم(15/183)
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15)
{ اعد الله لهم } بسبب ذلك { عذابا شديدا } دردنيا بخوارى ورسوايى ودر آخرت بآتش دوزخ والمراد نوع من العذاب عظيم فالنوعية مستفادة من تنكير عذابا والعظيم من توصيفة بالشدة { انهم ساء ما كانوا يعملون } اى تمرنوا عليه واصروا وتمرنهم اى اعتيادهم واستمرار على مثل ماعملوه فى الحال من العمل السوء مستفاد من كان الدالة على الزمان الماضى اى العمل السىء دأبهم(15/184)
اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16)
{ اتخذوا أيمانهم } الفاجرة التى يحلفون بها عند الحاجة واليمن فى الحلف مستعار من اليد اعتبارا بما يفعله المحالف والمعاهد عنده { جنة } وهى الترس الذى يجن صاحبه اى يستره والمعنى وقاية وسترة يسترون بها من المؤمنين ومن قتلهم ونهب أموالهم ، يعنى بناهاى كه خون ومال ايشان درامان ماند ، فالاتخاذ عبارة عن اعدادهم لايمانهم الكاذبة وتهيئتهم الها الى وقت الحاجة ليحلفوا بها ويتخلصوا من المؤاخذة لاعن استعمالها بالفعل فان ذلك متأخر عن المؤآخذة المسبوقة بوقوع الجناية والخيانة واتخاذ الجنة لابد أن يكون قبل المؤآخذة وعن سببها ايضا كما تعرب عنه الفاء فى قوله { فصدوا } اى منعوا الناس وصرفوهم { عن سبيل الله } اى عن دينه فى خلال أمنهم وسلامتهم وتثبيط من لقوا عن الدخول فى الاسلام وتضعيف أمر المسلمين عندهم { فلهم } بسبب كفرهم وصدهم { عذاب مهين } مخزى بين اهل المحشر وعيد ثان بوصف آخر لعذابهم وقيل الاول عذاب القبر وهذا عذاب الآخرة(15/185)
لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (17)
{ لن تغنى عنهم اموالهم ولا أولادهم من الله } اى من عذابه تعالى { شيأ } قليلا من الاغناء يقال أغنى عنه كذا اذا كفاء يعنى انهم يحلفون كاذبين للوقاية المذكورة ولا تنفعهم اذا دخلوا النار أموالهم ولا اولادهم التى صانوها وافتخروا بها فى الدنيا او يقولون ان كان مايقول محمد حقا لندفعن العذاب عن أنفسنا بامولنا وأولادنا فأكذبهم الله بهذه الآية فان يوم القيامة يوم لاينفع فيه مال ولابنون ولايكفى أحد احدا فى شأن من الشؤون { اولئك } الموصوفون بما ذكر من الصفات القبيحة قال فى برهان القرءآن بغير واو موافقة للجمل التى قبلها ولقوله { اولئك حزب الله } { اصحاب النار } اى ملازموها ومقارنوها او مالكوها لكونها حاصلهم وكسبهم الذى اكتسبوه فى الدنيا بالسيئة المردية المؤدية الى التعذيب { هم فيها خالدون } لايخرجون منها ابدا وضميرهم لتقوية الاسناد ورعاية الفاصلة لا للحصر لخلود غير المنافقين فيها من الكفار(15/186)
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18)
{ يوم يبعثهم الله جميعا } يادكن روزى راكه برانكيزد خداى تعالى همه منافقان ازقبور وزنده كند بس ازمرك ، وجميعا حال من ضمير المفعول بمعنى مجموعين { فيحلفون } فى ذلك اليوم وهو يوم القيامة { له } اى الله تعالى على انهم مسلمون مخلصون كما قالوا { والله ربنا ماكنا مشركين } { كما يحلفون لكم } فى الدنيا { ويحسبون } فى الآخرة مصدره الحسبان وهو أن يحكم لاحد النقيضين من غير أن يخطر الآخر بباله فيحسبه ويعقد عليه الاصبع ويكون بعرض أن يعترية فيه شك ويقاربه الظن لكن الظن أن يخطر النقيضين بباله فيغلب احدهما الآخر { انهم } بتلك الأيمان الكاذبة { على شىء } من جلب منفعة او دفع مضرة كما كانوا عليه فى الدنيا حيث كانوا يدفعون بها عن أنفسهم وأموالهم ويستجرون بها فوآئد دنيوية { الا انهم هم الكاذبون } المبالغون فى الكذب الى غاية لامطمح ورآءها حيث تجاسروا على الكذب بين يدى علام الغيوب وزعموا أن أيمانهم الفاجرة ترويج الكذب لديه كما تروجه عند الغافلين والأحرف تنبيه والمراد التنبيه على توغلهم فى النفاق وتعودهم به بحيث لاينكفون عنه موتا ولا حياة ولو ردوا لعادوا لما نهو عنه وانهم لكاذبون(15/187)
اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19)
{ استحوذ عليهم الشيطان } من حذت الابل اذا استوليت عليها وجمعتها وسقثها سوقا عنيفا اى استولى عليهم الشيطان وملكهم لطاعتهم له فى كل مايريد منهم حتى جعلهم رعيته وحزبه وهو مما جاء على الاصل كاستصوب واستنوق اى على خلاف قياس فان القياس أن يقال استحاذ فهو فصيح استعمالا وشاذ قياسا ( وحكى ) ان عمر رضى الله عنه قرأ استحاذ { فأسناهم ذكر الله } المصدر مضاف الى المفعول اى كان سببا بالاستيلا ء لنسيانه تعالى فلم يذكره بقلوبهم ولا بألسنتهم { اولئك } المنافقون الموصوفون بما ذكر من القبائح { حزب الشيطان } اى جنوده واتباعه الساعون فيما أمرهم به والحزب الفريق الذى يجمعه مذهب واحد { الا ان حزب الشيطان هم الخاسرون } اى الموصوفون بالخسران الذى لاغاية ورآءه حيث فوتوا على أنفسهم النعيم المقيم وأخذوا بدله العذاب الأليم قال بعض المشايخ بوأه الله الدرجات الشوامخ علامة استحواذ الشيطان على العبد أن يشغله بعمارة ظاهره من المآكل والملابس ويشغل قلبه عن التفكر فى ألاء الله ونعمه عليه والقيام بشكرها ويشغل لسانه عن ذكر ربه بالكذب واللغو والغيبة والبهتان وسمعه عن الحق بسماع اللهو والهذيان قال بعض أهل الاشارة اذا اراد الشيطان أن ينبت فى سبخة ارض النفس الامارة حنظل الشهوة يثبت اليها ويغربها على انفاذ مرادها فتكون النفس مركبة فيهجم الى بلد القلب ويخرجه بأن يدخل فيه ظلمة الطبيعة فلا ترى عين القلب مسلك الذكر وصفاته فلما احتجب عن الذكر صار وطن ابليس وجنوده وغلب الملعون عليه وهذا يكون بارادة الله تعالى وسببه استحواذ غرور الملعون وتزيينه بأن يلبس امر الدين بأمر الدنيا ويغوبه من طريق العلم فاذا لم يعرف دقائقه صار قرينه والشيطان دون الملك والرحمن اذلا يجتمع الحق مع الباطل
نظر دوست نادر كند سوى تو ... جو در روى دشمن بود روى تو
ندافى كه كمتر نهد دوست باى ... جو بيند كه دشمن بود درسراى(15/188)
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20)
{ ان الذين يحادون الله ورسوله } اى يعادونهما ويخالفون أمرهما ويتعدون حدودهما ويفعلون معهما فعل من ينازع اخر فى ارض فيغلب على طائفة منها فيجعل لها حدا لايتعداه خصمه ولما كانوا لايفعلون ذلك الا لكثرة اعوانهم واتباعهم فيظن من رأهم انهم الآعزآء الذين لا أحد أعز منهم قال تعالى نافيا لهذا الغرور الظاهر { اولئك } الا باعد والاسافل بمافعلوا من المحادة { فى الاذلين } اى فى جملة من هو اذل خلق الله من الاولين والآخرين لاترى أحدا أذل منهم لان ذلة أحد المتخاصمين على مقدار عزة الآخر وحيث كانت عزة الله متناهية كانت ذلة من يحاده كذلك وذلك بالسبى والقتل فى الدنيا وعذاب النار فى الىرخة سوآء كانوا فارس والروم او اعظم منهم سوقة كانوا او ملوكا كفرة كانوا او فسقه(15/189)
كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)
{ كتب الله } استنئاف وارد لتعليل كونهم فى الاذلين اى قضى وأثبت فى اللوح وحيث جرى ذلك مجرى القسم أجيب بما يجاب به { لاغلبن انا ورسولى } اكده لما لهم من ظن الغلبة بالكثرة والقوة والمراد والغلبة بالحجة والسيف او بأحد هما والغلبة بالحجة ثابتة لجميع الرسل لانهم الفائزون بالعاقبة الحميدة فى الدنيا والآخرة واما الغلبة بالسيف فهى ليست بثابته للجميع لان منهم من لم يأمر بالحرب قال الزجاج غلبة الرسل على نوعين من بعث منهم بالحرب فهو غالب بالحرب ومن لم يؤمر بالحرب فهو غالب بالحجة واذا انضم الى الغلبة بالحجة الغلبة بالسيف كان اقوى
محالست جون دوست دارد ترا ... كه دردست دشمن كذارد ترا
وعن مقاتل انه قال المؤمنون لئن فتح الله لنا مكة والطائف وخيبر وما حولهن رجونا أن يظهرنا الله تعالى على فارس والروم فقال رئيس المنافقين عبد الله بن أبى بن سلول أتظنون الروم وفارس كبعض القرى التى غلبتم عليه والله انهم لاكثر عدد او أشد بطشا من أن تظنوا فيم ذلك فنزل قوله تعالى { كتب الله } الآية قال البقلى رحمه الله كتب الله على نفسه فى الازل ان ينصر اولياءه على اعدآئه من شياطين الظاهر والباطن ويعطيهم رايات نصرة الولاية فحيث تبدوا راياتهم التى هى سطوع نور هيبة الحق من وجوههم صار الاعدآء مغلوبين بتأييد الله ونصرته قال أبو بكر بن طاهر رحمه الله اهل الحق لهم الغلبة ابدا ورايات لاحق تسبق رايات غيره جميعا لان الله تعالى جعلهم اعلاما فى خلقه واوتادا فى ارضه ومفزعا لعباده وعمارة لبلاده فمن قصدهم بسوء كبه الله لوجهه واذله فى طاهر عزه { ان الله } تعليل للقهر والغلبة اكده لان افعالهم مع اوليائه افعال من يظن ضفعه { قوى } على نصر انبيائه قال بعضهم القوى هو الذى لايلحقه ضعف فى ذاته ولا فى صفاته ولا فى افعاله ولايمسه نصب ولاتعب ولايدركه قصور ولاعجوز نقض ولا ابرام والقوة فى الاصل عبارة عن شدة البنية وصلابتها المضادة للعضف ويراد بها القدرة بالنسبة الى الله تعالى { عزيز } لايغلب عليه فى مراده
حكمى كه آن زباركه كبريا يود ... كس را دران مجال تصرف كجا كبود
فان قلت فاذا كان الله قويا عزيزا غير عاجز فما وجه انهزام المسلمين فى بعض الاحيان وقد وعد النصرة قلت ان النصرة والغلبة منصب شريف فلا يليق بالكافر لكن الله تعالى تارة يشدد المحنة على الكفار واخرى على المؤمنين لانه لو شدد المحنة على الكفار فى جميع الاوقات وأزالها عن المؤمنين فى جميع الاوقات لحصل العلم الضرورى بأن الايمان حق وما سواه باطل ولو كان كذلك لبطل التكليف والثواب والعقاب فلهذا المعنى تارة يسلط الله المحنة على أهل الايمان واخرى على اهل الكفر لتكون الشبهات باقية والمكلف يدفعها بواسطة النظر فى الدلائل الدالة على صحة الاسلام فيعظم ثوابه عند الله ولان المؤمن قد يقدم على بعض المعاصى فيكون تشدد المحنة عليه فى الدينا تمحيصا لذنوبه وتطهيرا لقلبه واما تشديد المحنة على الكافر فهو من قبيل الغضب ألا ترى ان الطاعون مثلا رحمة للمؤمنين ورجز للكافرين وما من سابق عدل الا له لاحق فضل ولا سابق فضل الا له حق عدل غير أن اثرى العدل والفضل قد يتعلقان بالبواطن خاصة وقد يتعلق أحدهما بالظاهر والآخرة بالباطن وقد يكون اختلاف تعلقها فى حالة واحدة وقد يكون على البدل وعلى اقدر تعلق الأثر السابق يكون تعلق الأثر اللاحق وقد أجرى ا لله سبحانه آثار عدله على ظواهر أصفيائه دون بواطنهم ثم عقب ذلك بايراد آثار فضله على بواطنهم وظواهرهم حتى صار من قاعدة الحكمة والالهية تفويض مما لك الارض للمستضعفين فيها كالنجاشى حيث بيع فى صغره وذلك كثير موجود باستقرآء فمن كمال تربية الحكيم لمن يريد اعلاء شأنهم أن يجرى على ظاهرهم من آثار العدل مافيه تكميل لهم وتنوير لمداركهم وتطهير لوجودهم وتهذيب وتأديب الى غير ذلك من فوآئد التربية ومن تتبع احوال الاكابر من آدم عليه السلام وهلم جرا رأى من احسن بلاء الله مايشهد لما قرر بالصحة والمبتلى به يصبر على ذلك بل يتلذذ كماهو شأن الكبار(15/190)