يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)
{ يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله } الفقراء جمع فقير كالفقائر جمع فقيرة والفقير المكسور الفقار والفقر [ بشت كسى شكستن ] ذكره فى تاج المصادر فى باب ضرب وجعله فى القاموس من حد كرم
وقال الراغب فى المفردات يقال افتقر فهو مفتقر وفقير ولا يكاد يقال فقر وان كان القياس يقتضيه انتهى .
وفهم من هذا ان الفقير صيغة مبالغة كالمفتقر بمعنى ذى الاحتياج الكثير والشديد والفقر وجود الحاجة الضرورية وفقد ما يحتاج اليه وتعريف الفقراء للمبالغة فى فقرهم فانهم لكثرة افتقارهم وشدة احتياكهم همم الفقراء فحسب وان افتقار سائر الاخلاق بالنسبة الى فقرهم بمنزلة العدم . والمعنى يا ايها الناس انتم المحتاجون الى الله تعالى بالاحتياج الكثير الشديد فى انفسكم وفيما يعرض لكم من امر مهم او خطب ملم فان كل حادث مفتقر الى خالقه ليبديه وينشه او لا ويديمه ويبقيه ثانيا ثم الانسان محتاج الى الرزق ونحوه من المنافع فى الدنيا مع دفع المكاره والعوارض والى المغفرة ونحوها فى العقبى فهو محتاج فى ذاته وصفاته وافعاله الى كرم الله وفضله
قال بعض الكبار ان الله تعالى ما شرّف شيأ من المخلوقات بتشريف خطاب انتم الفقراء الى الله حتى الخلق ونحوه وافتقار الانسان الى ذات الله وصفاته فجميع المخلوقات وان كانت محتاجة الى الله تعالى لكن الاحتياج الحقيقى الى ذات الله وصفاته مختص بالانسان من بينها كمثل سلطان له رعية وهو صاحب جمال فيكون افتقار جميع رعاياه الى خزائنه وممالكه ويكون افتقار عشاقه الى عين ذاته وصفاته فيكون غنى كل مفتقر بما يفتقر اليه فغنى الرعية يكون بالمال والملك وغنى العاشق يكون بمعشوقه
كام عاشق دولت ديدار يار ... قصد زاهد جنت ونقش ونكار
هرجه جز عشق شدوبال ... هرجه جز معشوق باقى شد خيال
هست در وصلت غنا اندر غنا ... هست درفرقت غمم وفقر وعنا
ومن الكمالات الانسانية الاحتياج الى الاسم الاعظم من جميع وجوه الاسماء الالهية بحسب مظهريته الكاملة واما غيره من الموجودات فاحتياجهم انما هو بقدر استعدادهم فهو احتياج بوجه دون وجه ولذا ورد ( الفقر فخرى وبه افتخر ) وهذا صحيح بمعناه وان اختلف فى لفظه كما قال عليه السلام « اللهم اغننى بالافتقار اليك ولا تفتقرنى بالاستغناء عنك »
قال فى كشف الاسرار [ صحابه فقرا نام نهاد ] حيث قال { للفقراء المهاجرين } وقال { للفقراء الذين احصروا فى سبيل الله } [ وآن تلبيس توانكرى حال ايشانست تاكس توانكرئ ايشان ندانداين جنانست كه كفته اند ]
ارسلانم خوان تاكس به نداندكه كه ام ... [ بيران طريقت كفته اند بناى دوستى برتلبيس نهاده اندسليمانرا نام ملكى تلبيس فقربوه آدم نام عصيان تلبيس صفوت بود ابراهيم را التباس نعمت تلبيس خلت بود زيرا كه شرط محبت غير تس ودوستان حال خود بهركس ننمايند كسى كه ازكون ذرة ندارد وبكونين نظرى ندارد وهمواره نظر الله ييش جشم خود دارد اورا فقير كويند از همه درويش است وبحق توانكر « انما الغنى غنى القلب » توانكرى درسينه مى بايد نه درخزينه فقيرا اوست كه خودرادر دوجهان جز ازحق دست آويزنكند ونظر خود ندارد جهار تكبير برذات وصفات خود كند جنانكه آن جوانمرد كفت ](11/262)
نيست عشق لا يزالى را دران دل هيج كار ... كاو هنوزاندر صفات خويش مانداست استوار
هركه جر ميدان عشق نيكوان نامى نهاد ... جار تكبيرى كند برذات او ليل ونهار
{ والله هو } وحده { الغنىّ } المستغنى على الاطلاق فكل احد يحتاج اليه لان احد لا يقدر ان يصلح امره الا بالاعوان لان الامير ما لم يكن له خدم واعوان لا يقدر على الامارة وكذا التاجر يحتاج الى المكارين والله الغنىّ عن الاعوان وغيرها
وفى الاسئلة المقحمة معناه الغنىّ عن خلقه فلو لم يخلقهم لجاز ولو ادام حياتهم لابتلاهم كلفهم او لم يكلفهم فالكل عنده بمثابة واحدة لانه غنى عنهم خلافا للمعتزلة حيث قالوا لو لم يكلفهم معرفته وشكره لم يكن حكيما وهذا غاية الخزى ويفضى الى القول بان خلقهم لنفع او دفع وهو قول المجوس بعينه حيث زعموا وقالوا خلق الله الملائكة ليدفع بهم عن نفسه اذى الشيطان انتهى
{ الحميد } المنعم على جميع الموجودات حتى استحق عليهم الحمد على نعمته العامة وفضله الشامل فالله الغنىّ المغنى
قال الكاشفى [ ببايد دانست كه ماهيات ممكنه درو جود محتادند بفاعل { وانتم الفقراء } اشارة با آنس وحق سبحانه وتعالى بحسب كمال ذاتى خود ازوجود عالم وعالميان مستغنيست { الله هو الغنىّ } عبارت از آنست وجون ظهور كمال اسمانى موقوفست بروجود اعيان ممكنات بس درايجاد آن كه نعمتيست كبرى مستحق حمداست وثنا كلمة { الحميد } بدان ايمايى مينمايد وازين رباعى بى بدين معنى توان برد ]
تاخود كردد بجمله اوصاف عيان ... واجب باشدكه ممكن آيد بميان
ورنه بكمال ذاتى از آدميان ... فردست وغنى جنانكه خود كردبيان(11/263)
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16)
{ ان يشأ } اى الله تعالى { يذهبكم } عن وجه الارض ويعدمكم كما قدر على ايجادكم وبقائكم { ويأت } [ وبيارد ] { بخلق } مخلوق { جديد } مكانكم وبدلكم ليسوا على صفتكم بل مستمرون على الطاعة فيكون الخلق الجديد من جنسهم وهو الآدمى او يأت بعالم آخر غير ما تعرفونه : يعنى [ يا كروهى بياردكس نديده ونشنيده بود ] فيكون من غير جنسهم وعلى كلا التقديرين فيه اظهار الغضب للناس وتخويف لهم على سرفهم ومعاصيهم وفيه ايضا من طريق الاشارة تهديد لمدعى محبته وطلبه اى ان لم تطلبوه حق الطلب يفنكم ويأت بخلق جديد فى المحبة والطلب(11/264)
وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)
{ وما ذلك } اى ما ذكر من الاذهاب بهم والاتيان بآخرين { على الله } متعلق بقوله { بعزيز } بمعتذر ولا صعب ومتعسر بل هو هين عليه يسير لشمول قدرته على كل مقدور ولذلك يقدر على الشئ وضده فاذا قال لشئ كن كان من غير توقف ولا امتناع وقد اهلك القرون الماضية واستخلف الآخرين الى ان جاء نوبة قريش فناداهم بقوله يا ايها الناس وبين انهم محتاجون اليه احتياجا كليا وهو غنى عنهم وعن عبادتهم ومع ذلك دعاهم الى ما فيه سعادتهم وفوزهم وهو الايمان والطاعة وهم مع احتياجهم لا يجيبونه فاستحقوا الهلاك ولم يبق الا المشيئة ثم انه تعالى شاء هلاكهم لاصرارهم فهلك بعضهم فى بدر وبعضهم فى غيره من المعارك وخلق مكانهم من يطيعونه تعالى فيما امرهم به ونهاهم عنه ويستحقون بذلك فضله ورحمته واستمر الافناء والايجاد الى يومنا هذا لكن لا على الاستعجال بل على الامهال فانه تعالى صبور لا يؤاخذ العصاة على العجلة ويؤخر العقوبة ليرجع التائب ويقلع المصر
ففى الآية وعظ وزجر لجميع الاصناف من الملوك ومن دونهم فمن اهمل امر الجهاد لم يجد المهرب من بطش رب العباد ومن ترك الامر بالمعروف والنهى عن المنكر فقد جعل نفسه عرضة للهلاك والخطر وعلى هذا فقس
فينبغى للعاقل المكلف ان يعبد الله ويخافه ولا يجترئ على ما يخالف رضاه ولا يكون اسوأ من الجمادات مع ان الانسان اشرف المخلوقات
قال جعفر الطيار رضى الله عنه كنت مع النبى عليه السلام وكان حذاءنا جبل فقال عليه السلام « بلغ منى السلام الى الجبل بنطق لبيك يا رسول الله فعرضت القصة فقال بلغ سلامى الى رسول الله وقل له منذ سمعت قوله تعالى { فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجارة } بكيت لخوف ان اكون من الحجارة التى هى وقود النار بحيث لم يبق فىّ ماء »(11/265)
وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)
{ ولا تزر وازرة وزر اخرى } يقال وزر يزر من الثانى وزرا بالفتح ولكسر ووزرا يوزر من الرابع حمل . والوزر الاثم والثقل والوازرة صفة للنفس المحذوفة وكذا اخرى والمعنى لا تحمل نفس آثمة يوم القيامة اثم نفس اخرى بحيث تتعرى منه المحمول عنها بل انما تحمل كل منهما وزرها الذى اكتسبته بخلاف الحال فى الدنيا فان الجبابرة يأخذون الولى بالولى والجار بالجار واما فى قوله تعالى { وليحملن اثقالهم واثقالا مع اثقالهم } من حمل المضلين اثقالهم واثقالا غير اثقالهم فهو حمل اثقال ضلالهم مع اثقال اضلالهم وكلاهما اوزارهم ليس فيها شئ من اوزار غيرهم ألا يرى كيف كذبهم فى قولهم { اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم } بقوله { وما هم بحاملين من خطاياهم من شئ } ومنه يعلم وجه تحميل معاصى المظلومين يوم القيامة على الظالمين فان المحمول فى الحقيقة جزاء الظلم وان كان يحصل فى الظاهر تخفيف حمل المظلوم ولا يجرى الا فى الذنب المتعدى كما ذكرانه فى اواخر الانعام
وفيه اشارة الى ان الله تعالى فى خلق كل واحد من الخلق سرا مخصوصا به وله مع كل واحد شان آخر فكل مطالب بما حمل كما ان كل بذر ينبت بنبات قد اودع فيه ولا يطالب بنبات بذر آخر لانه لا يحمل الا ما حمل عليه كما فى التأويلات النجمية : قال الشيخ سعدى
رطب ناورد جوب خر زهره بار ... جه تخم افكنى برهمان جشم دار
{ وان تدع } صيغة غائبة اى ولو دعت : وبالفارسية [ واكر بخواند ] { مثقلة } اى نفس اثقلتها الاوزار والمفعول محذوف اى احدا
قال الراغب الثقل والخفة متقابلان ولك ما يترجح عما يوزن به او يقدّر به يقال هو ثقيل واصله فى الاجسام ثم يقال فى المعانى اثقله الغرم والوزر انتهى .
فالثقل الاثم سمى به لانه يثقل صاحبه يوم القيامة ويثبطه عن الثواب فى الدنيا { الى حملها } الذى عليها من الذنوب ليحمل بعضها
قيل فى الاثقال المحمولة فى الظاهر كالشئ المحمول على الظهر حمل بالكسر وفى الاثقال المحمولة فى الباطن كالولد فى البطن حمل بالفتج كما فى المفردات { لا يحمل منه شئ } لم تجب لحمل شئ منه { ولو } للوصل { كان } اى المدعو المفهوم من الدعوة وترك ذكره ليشمل كل مدعو { ذا قربى } ذا قرابة من الداعى كالاب والام والولد والاخ ونحو ذلك اذ لكل واحد منهم يومئذ شأن يغنيه وحمل يعجزه
ففى هذا دليل انه تعالى لا يؤاخذ بالذنب الا جانيه وان الاستغاثة بالاقربين غير نافعة لغير المتقين عن ابن عباس رضى الله عنهما يلقى الاب والام ابنه فيقول يا بنى احمل عنى بعض ذنوبى فيقول لا استطيع حسبى ما علىّ وكذا يتعلق الرجل بزوجته فيقول لها انى كنت لك زوجا فى الدنيا فيثنى عليها خيرا فيقول قد احتجت الى مثقال ذرة من حسناتك لعلى انجوبها مما ترين فتقول ما ايسر ما طلبت ولكن لا اطيق انى اخاف مثل ما تخوفت(11/266)
هيج رحمى نه برادر به برادر دارد ... هيج خيرى نه بدر را به بسر مى آيد
دختر ازبهلوى مادر بكند قصد فرار ... دوستى از همة خويش بسرمى آيد
قال فى الارشاد هذا الآية نفى للتحمل اختيارا والاولى نفى له اجبارا . والاشارة ان الطاعة نور والعصيان ظلمة فاذا اتصف آخر اياما كان ألا ترى ان كل احد عند الصراط يمشى فى نوره لا يتجاوز منه الى غيره شئ وكذا من غيره اليه { انما تنذر } يا محمد بهذه الانذارات . والانذار الابلاغ مع التخويف { الذين يخشون } يخافون { ربهم } حال كونهم { بالغيب } غائبين عن عذابه واحكام الآخرة او عن الناس فى خلواتهم : يعنى [ در خلوتها اثر خشيت برايشان ظاهرت نه در صحبتها ] فهو حال من الفاعل او حال كون ذلك العذاب غائبا عنهم فهو حال من المفعول { واقاموا الصلاة } اى راعوها كما ينبغى وجعلوها منارا منصوبا وعلما مرفوعا
قال فى كشف الاسرار وغاير بين اللفظين لان اوقات الخشية دائمة واوقات الصلاة معينة منقضية . والمعنى انما ينفع انذارك وتحذيرك هؤلاء من قومك دون من عداهم من اهل التمرد والفساد وان كنت نذيرا للخلق كلهم وخص الخشية والصلاة بالذكر لانهما اصلا الاعمال الحسنة الظاهرية والباطنية . اما الصلاة فانها عماد الدين . واما الخشية فانها شعار اليقين وانما يخشى المرء بقدر علمه بالله كما قال تعالى { انما يخشى الله من عباده العلماء } فقلب لم يكن عالما خاشيا يكون ميتا لا يؤثر فيه الانذار كما قال تعالى { لينذر من كان حيا } ومع هذا جعل تأثير الانذار مشروطا بشرط آخر وهو اقامة الصلاة وامارة خشية قلبه بالغيب محافظة الصلاة فى الشهادة وفى الحديث « ان بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة » { ومن } [ وهركه ] { تزكى } تظهر من اوضار الاوزار والمعاصى بالتأثر من هذه الانذارات واصلح حالة بفعل الطاعات { فانما يتزكى لنفسه } لاقتصار نفعه عليها كما ان ثواب التزكى عن المعاصى هو الجنة ودرجاتها وثواب التزكى عن التعلق بما سوى الله تعالى هو جماله تعالى كما اشار اليه بقوله { والى الله المصير } فمن رجع الى الله بالاختيار لم يبق له بمادونه قرار : قال الشيخ سعدى قدس سره
ندادند صاحب دلان دل بيوست ... وكرا بلهى داد بى مغز اوست
مى صرف وحدت كسى نوش كرد ... كه دنيى وعقبى فراموش كرد
والاصل هو العناية
وعن ابراهيم المهلب السائح رضى الله عنه قال بينا انا اطوف واذا بجارية متعلقة باستار الكعبة وهى تقول بحبك لى ألا رددت علىّ قلبى فقلت يا جارية من اين تعلمين انه يحبك قالت بالعناية القديمة جيش فى طلبى الجيوش وانفق الاموال حتى اخرجنى من بلاد الشرك وادخلنى فى التوحيد وعرفنى نفسى بعد جهلى اياها فهل هذا يا ابراهيم الا لعناية او محبة قلت وكيف حبك له قالت اعظم شئ واجله قلت وكيف هو قالت هو ارق من الشراب واحلى من الجلاب . وانما تتولد معرفة الله من معرفة النفس بعد تزكيتها كما اشار اليه ( من عرف نفسه فقد عرف ربه ) ففى هذا ان الولد يكون اعظم فى القدر من الوالد فافهم رحمك الله واياى بعنايته(11/267)
وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19)
{ وما يستوى الاعمى والبصير } تمثيل للكافر والمؤمن فان المؤمن من ابصر طريق الفوز والنجاة وسلكه بخلاف الكافر فكما لا يستوى الاعمى والبصير من حيث الحس الظاهرى اذ لا بصر للاعمى كذلك لا يستوى الكافر والمؤمن من حيث الادراك الباطنى ولا بصيرة للكافر بل الكافر اسوأ حالا من الاعمى المدرك للحق اذ لا اعتبار بحاسة البصر لاشتراكها بين جميع الحيوانات
وفيه اشارة الى حال المحجوب والمكاشف فان المحجوب اعمى عن مطالعة الحق فلا يستوى هو والمكاشف الذى كوشف له عن وجه السر المطلق
وقال الكاشفى { وما يستوى الاعمى } [ وبرابر نيست نابينا يعنى كافر يا جاهل يا كمراه ] { والبصير } وبينا يعنى مؤمن يا عالم يا راه يافته ](11/268)
وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20)
{ ولا } لتأكيد نفى الاستواء { الظلمات } جمع ظلمة وهى عدم النور { ولا } للتأكيد { النور } هو الضوء المنتشر المعين للابصار تمثيل للباطل والحق . فالكافر فى ظلمة الكفر والشرك والجهل والعصيان والبطلان لا يبصر اليمين من الشمال فلا يرجى له الخلاص من المهالك بحال . والمؤمن فى نور التوحيد والاخلاص والعلم والطاعة والحقانية بيده الشموع والانوار اينما سار . وجمع الظلمات مع افراد النور لتعدد فنون الباطل واتحاد الحق يعنى ان الحق واحد وهو التوحيد فالموحد لا يعبد الا الله تعالى واما الباطل فطرقه كثيرة وهى وجوه الاشراك فمن عابد للكواكب ومن عابد للنار ومن عابد للاصنام الى غير ذلك فالظلمات كلها لا تجد فيها ما يساوى ذلك النور الواحد
وفيه اشارة الى ظلمة النفس ونور الروح فان المحجوب فى ظلمة الغفلات المتضاعفة والمكاشف فى نور الروح واليقظة(11/269)
وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21)
{ ولا الظل ولا الحرور } قدم الاعمى على البصير والظلمات على النور والظل على الحرور ليتطابق فواصل الآى وهو تمثيل للجنة والنار والثواب والعقاب والراحة والشدة . الظل بالفارسية [ سايه ]
قال الراغب يقال لكل موضع لا تصل اليه الشمس ظل ولا يقال الفيئ الا لما رال عنه الشمس ويعبر بالظل عن العز والمنعة وعن الرفاهية انتهى .
والحرور الريح الحارة بالليل وقد تكون بالنهار وحر الشمس والحر التى تؤثر تأثير السم تكون غالبا بالنهار . والمعى كما لا يستوى الظل والحرارة من حيث ان فى الظل استراحة للنفس وفى الحرارة مشقة وألما كذلك لا يستوى ما للمؤمن من الجنة التى فيها ظل وراحة وما للكافر من النار التى فيها حرارة شديدة
وفيه اشارة الى ان البعد من الله تعالى كالحرور فى احراق الباطن والقرب منه كالظل فى تفريح القلب(11/270)
وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22)
{ وما يستوى الاحياء ولا الاموات } تمثيل آخر للمؤمنين والكافرين ابلغ من الاول ولذلك كرر الفعل واوثرت صيغة فى الطرفين تحقيقا للتباين بين افراد الفريقين والحى ما به القوة الحساسة والميت ما زال عنه ذلك وجه التمثيل ان المؤمن منتفع بحياته اذ ظاهره ذكر وباطنه فكر دون الكافر اذ ظاهره عاطل وباطنه باطل
وقال بعض العلماء هو تمثيل للعلماء والجهال وتشبيه الجهلة بالاموات شائع ومنه قوله
لا تعجبن الجهول خلته ... فانه الميت ثوبه كفن
لان الحياة المعتبرة هى حياة الارواح والقلوب وذلك بالحكم والمغارف ولا عبرة بحياة الاجساد بدونها لاشتراك البهائم فيها
قال بعض الكبار الاحياء عند التحقيق هم الواصلون بالفناء التام الى الحياة الحقيقية وهم الذين ماتوا بالاختيار قبل ان يموتوا بالاضطرار ومعنى موتهم افناء افعالهم وصفاتهم وذواتهم فى افعال الحق وصفاته وذاته وازالة وجودياتهم بالكلية طبيعة ونفسا واليه الاشارة بقوله عليه السلام « من اراد ان ينظر الى ميت متحرك فلينظر الى ابى بكر » فالحياة المعنوية لا يطرأ عليها الفناء بخلاف الحياة الصورية فانها تزول بالموت فطوبى لاهل الحياة الباقية وللمقارنين بهم والآخذين عنهم
قال ابراهيم الهروى كنت بمجلس ابى يزيد البسطامى قدس سره فقال بعضهم ان فلانا اخذ العلم من فلان قال ابو يزيد المساكين اخذوا العلوم من الموتى ونحن اخذنا العلم من حى لا يموت وهو العلم اللدنى الذى يحصل من طريق الالهام بدون تطلب وتكلف : قال الشيخ سعدى قدس سره
نه مردم همين استخوانند وبوست ... نه هو صورتى جان ومعنى دروست
نه سلطان خريدار هربنده ايست ... نه در زير هر زندة زنده ايست
{ ان الله يسمع } كلامه اسماع فهم واتعاظ وذلك باحياء القلب { من يشاء } ان يسمعه فينتفع بانذارك { وما انت بمسمع من فى القبور } جمع قبر وهو مقر الميت وقبرته جعلته فى القبر . وهذا الكلام ترشيح الاستعارة اقترانها بما يلائم المستعار منه شبه الله تعالى من طبع على قلبه بالموتى فى عدم القدرة على الاجابة فكما لا يسمع اصحاب القبور ولا يجيبون كذلك الكفار لا يسمعون ولا يقبلون الحق(11/271)
إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23)
{ ان } ما { انت الا نذير } منذر بالنار والعقاب واما الاسماع البتة فليس من وظائفك ولا حيلة لك اليه فى المطبوع على قلوبهم الذين هم بمنزلة الموتى وقوله { ان الله يسمع } الخ وقوله { انك لا تهدى من احببت ولكن الله يهدى من يشاء } وقوله { ليس لك من الامر شئ } وغير ذلك لتمييز مقام الالوهية عن مقام النبوة كيلا يشتبها على الامة فيضلوا عن سبيل الله كما ضل بعض الامم السالفة فقال بعضهم عزير ابن الله وقال بعضهم المسيح ابن الله وذلك من كمال رحمته لهذه الامة وحسن توفيقه
يقول الفقير ايقظه الله القدير ان قلت قد ثبت انه عليه السلام امر يوم بدر بطرح اجساد الكفار فى القليب ثم ناداهم باسمائهم وقال « هل وجدتم ما وعد الله ورسوله حقا فانى وجدت ما وعدنى الله حقا » فقال عمر رضى الله عنه يا رسول الله كيف تكلم اجساد الارواح فيها فقال عليه السلام « ما انتم يا سمع لما اقول منهم غير انهم لا يستطيعون ان يردوات شيأ » فهذا الخبر يقتضى ان النبى عليه السلام اسمع من فى القليب وهم موتى وايضا تلقين الميت بعد الدفن للاسماع والا فلا معنى له . قلت اما الاول فيحتمل ان الله تعالى احيى اهل القليب حينئذ حتى سمعوا كلام رسول الله توبيخالهم وتصغيرا ونقمة وحسرة والا فالميت من حيث ميت ليس من شأنه السماع وقوله عليه السلام « ما انتم باسمع » الخ يدل على ان الارواح اسمع من الاجساد مع الارواح لزوال حجاب الحس وانخراقة . واما الثانى فانما يسمعه الله ايضا بعد احيائه بمعنى ان يتعلق الروح بالجسد تعلقا شديدا بحيث يكون كما فى الدنيا فقد اسمع الرسول عليه السلام وكذا الملقن باسماع الله تعالى وخلق الحياة والا فليس من شأن احد الاسماع كما انه ليس من شأن الميت السماع والله اعلم
قال بعض العارفين [ اى محمد عليه السلام دل در بو جهل جه بندى كه اونه ازان اصلست كه طينت خبيث وى نقش نكين تو بذيرد دل در سلمان بند كه ييش ازانكه تو قدم درميدان بعثت نهادى جندين سال كرد عالم سر كردان در طلب تو مى كشت ونشان تو ميجست ] ولسان الحال يقول
كرفت خواهم من زلف عنبر ينت را ... زمشك نقش كنم برك يا سمينت را
بتيغ هندى دست مرا جدا نكند ... اكر بكيرم يك ره سر آستينت را(11/272)
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)
{ انا ارسلناك بالحق } حال من المرسل بالكسر اى حال كوننا محقين او من المرسل بالفتح اى حال كونك محقا او صفة لمصدر محذوف اى ارسالا مصحوبا بالحق وارسلناك بالدين الحق الذى هو الاسلام او بالقرآن { بشيرا } حال كونك بشيرا للمؤمنين بالجنة : وبالفارسية [ مرده دهنده ] { ونذيرا } منذرا للكافرين بالنار : وبالفارسية [ بيم كننده ] { وان من امة } اى ما من امة من الامم السالفة واهل عصر من الاعصار الماضية { الا خلا } مضى
قال الراغب الخلاء المكان الذى لا ساتر فيه من بناء وساكن وغيرهما . والخلو يستعمل فىلزمان والمكان لكن لما تصور فى الزمان المضىّ فسر اهل اللغة قولهم خلا الزمان بقولهم مضى وذهب { فيها } اى فى تلك الامة { نذير } [ بيم وآكاه كننده ] من نبى او عالم ينذرهم والاكتفاء بالانذار لانه هو المقصود الاهم من البعثة
قال فى الكواشى واما فترة عيس فلم يزل فيها من هو على دينه وداع الى الايمان
وفى كشف الاسرار والآية تدل على ان كل وقت لا يخلو من حجة خبرية وان اول الناس آدم وكان مبعوثا الى اولاده ثم لم يخل بعده زمان من صادق مبلغ عن الله او آمر يقوم مقامه فى البلاغ والاداء حين الفترة وقد قال تعالى { أيحسب الانسان ان يترك سدى } لا يؤمر ولا ينهى
فان قيل كيف يجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى { لتنذر قوما ما انذر آباؤهم فهم غافلون } قلت معنى الآية ما من امة من الامم الماضية ولا وقد ارسلت اليهم رسولا ينذرهم على كفرهم ويبشرهم على ايمانهم اى سوى امتك التى بعثناك اليهم يدل على ذلك قوله { وما ارسلنا اليهم قبلك من نذير } وقوله { لتنذر ما انذر آباؤهم } وقيل المراد ما من امة هلكوا بعذاب الاستئصال الا بعد ان اقيم عليهم الحجة بارسال الرسول بالاعذار والانذار انتهى ما فى كشف الاسرار وهذا الثانى هو الانسب بالتوفيق بين الآيتين يدل عليه ما بعده من قوله { وان يكذبوك } الخ والا فلا يخفى ان اهل الفترة ما جاءهم نذير على ما نطق به قوله تعالى { ما انذر آباؤهم } ويدل ايضا ان كل امة انذرت من الامم ولم تقبل استؤصلت فكل امة مكذبة معذبة بنوع من العذاب وتمام التوفيق بين الآيتين يأتى به يس(11/273)
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25)
{ وان يكذبوك } [ واكر معاندان قريش ترا دروغ زن دارند وبرتكذيب استمرار نمابند بس بايشان وبتكذيب آنان مبالات مكن ] { فقد كذب الذين من قبلهم } من الامم العاتية انبياءهم { جاءتهم } [ آمدند بديشان ] وهو وما بعده استئناف او حال اى كذب المتقدمون وقد جاءتهم { رسلهم بالبينات } اى المعجزات الظاهرة الدالة على صدق دعواهم وصحت نبوتهم { وبالزبر } كصحف شيث وادريس وابراهيم عليهم السلام جمع زبور بمعنى المكتوب من زبرت الكتاب كتبته كتابه غلظة وكل كتاب غليظ الكتابة يقال له زبور كما فى المفردات { وبالكتاب المنير } اى المظهر للحق الموضح لما يحتاج اليه من الاحكام والدلائل والمواعظ والامثال والوعد والوعيد ونحوها كالتوراة والانجيل والزبور على ارادة التفصيل دون الجمع اى بعض هذه المذكورات جاءت بعض المكذبين وبعضها بعضهم لا ان الجميع جاءت كلا منهم(11/274)
ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26)
{ ثم اخذت } بانواع العذاب { الذين كفروا } ثبتوا على الكفر وداوموا عليه وضع الموصول موضع ضميرهم لذمهم بما فى حيز الصلة والاشعار بعلية الاخذ { فكيف كان نكير } اى انكارى بالعقوبة وتعييرى عليهم : وبالفارسية [ بس جكونه بود انكار من ابرايشان بعذاب وعقاب ]
قال فى كشف الاسرار [ ييدا كردن نشان ناخوشنودى جون بود حال كردانيدن من جون ديدى ]
قال ابن الشيخ الاستفهام للتقرير فانه عليه السلام علم شدة الله عليهم فحسن الاستفهام على هذا الوجه فى مقابلة التسلية يحذر كفار هذه الامة بمثل عذاب الامم المكذبة المتقدمة والعاقل من وعظ بغيره
نيك بخت آنكسى دلش ... آنجه نيكى دروست بيذيرد
ديكرانرا جو بند داده شود ... او ازان بند بهره بركيرد
ويسلى ايضا رسوله عليه السلام فان التكذيب ليس ببدع من قريش فقد كان اكثر الاولين مكذبين وجه التسلى انه عليه السلام كان يحزن عليهم وقد نهى الله عن الحزن بقوله « ولا تحزن عليهم » وذلك لانهم كانوا غير مستعدين لما دعوا اليه من الايمان والطاعة فتوقع ذلك منهم كتوقع الجوهرية من الحجر القاسى
توان باك كردن ز زنك آينه ... وليكن نيايد زسنك آينه
مع ان الحزن للحق لا يضيع كما ان امرأة حاضت فى الموقف فقالت آه فرأت فى المنام كأن الله تعالى يقول أما سمعت انى لا اضيع اجر العاملين وقد اعطيتك بهذا الحزن اجر سبعين حجة
قال بعض الكبار لا يخفى ان اجر كل نبى فى التبليغ يكون على قدر ما ناله من المشقة الحاصلة له من المخالفين وعلى قدر ما يقاسيه منهم وكل من رد رسالة نبى ولم يؤمن بها اصلا فان لذلك النبى اجر المصيبة وللمصاب اجر على الله بعدد من رد رسالته من امته بلغوا ما بلغوا وقس على هذا حال الولى الوارث الداعى الى الله على بصيرة(11/275)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)
{ ألم تر } الاستفهام تقريرى والرؤية قلبية اى ألم تعلم يعنى قد علمت يا محمد او يا من يليق به الخطاب { ان الله انزل } بقدرته وحكمته { من السماء } اى من الجهة العلوية سماء او سحابا { ماء } { فاخرجنا به } اى بذلك الماء . والالتفات من الغيبة الى التكلم لاظهار كمال الاعتناء بفعل الاخراج لما فيه من الصنع البديع المنبئ عن كمال القدرة والحكمة ولان الرجوع الى نون العظمة اهيب فى العبارة
وقال الكاشفى [ عدول متكلم جهت تخصيص فعل است يعنى ما تواناييم كه بيرون آريم بد
بدان آب ] { ثمرات } جمع ثمرة وهى اسم لكل ما يطعم من احمال الشجر { مختلفا الوانها } وصف سببى للثمرات اى اجناسها من الزمان والتفاح والتين والعنب وغيرها او اصنافها على ان كلا منها ذو اصناف مختلفة كالعنب فان اصنافه تزيد على خمسين وكالتمر فان اصنافه تزيد على مائة او هيآتها من الصفرة والحمرة والخضرة والبياض والسواد وغيرها { ومن الجبال جدد } مبتدأ وخبر . والجدد جمع جدة بالضم بمعنى الطريقة التى يخالف لونها ما يليها سواء كانت فى الجبل او فى غيره والخطة فى ظهر الحمار تخالف لونه وقد تكون للظبى جدتان مسكيتان تفصلان بين لونى ظهره وبطنه
ولما لم يصح الحكم على نفس الجدد بانها من الجبال احتيج الى تقدير المضاف فى المبتدأ اى ومن الجبال ما هو دو جدد اى خطط وطرائق متلونة يخالف لونها لون الجبل فيؤول المعنى الى ان من الجبال ما هو مختلف الوانه لان بيض صفة جدد وحمر عطف على بيض فتلا عليه السلام القرائن الثلاث فان ما قبلها فاخرجنا به ثمرات مختلفا الوانها وما بعدها ومن الناس والدواب والانعام مختلف الوانه اى منهم بعض مختلف الوانه فلا بد فى القرينة المتوسطة بينهما من ارتكاب الحذف ليؤول المعنى الى ما ذكر فيحصل تناسب القرائن
وفى المفردات اى طرائق ظاهرة من قولهم طريق مجدود اى مسلوك مقطوع ومنه جاد الطريق
وفى الجلالين الطرائق تكون فى الجبال كالعروق { بيض } جمع ابيض صفة جدد { وحمر } جمع احمر
وفى كشف الاسرار [ واز كوهها راهها ييدا شده از ورندكان خطها سيبد وخطها سرخ در كوههاى سييد وكوههاى سرخ ] حمل صاحب كشف الاسرار الجدد على الطرائق المسلوكة والظاهر هو الاول لان المقام لبيان ما هو خلقى على ان كون الطريقة بيضاء لا يستلزم كون الجبال كذلك اذ للجبال عروق لونها يخالف لونها وكذا العكس وهو ان كون الجبل ابيض لا يقتضى كون الطريقة كذلك فمن موافق ومن مخالف { مختلف الوانها } اى الوان تلك الجدد البيض والحمر بالشدة والضعف . فقوله بيض وحمر وان كان صفة لجدد الا ان قوله مختلف الوانها صفة لكل واحدة من الجدد البيض والحمر بمعنى ان بياض كل واحدة من الجدد البيض وكذا حمرة الجدد الحمر يتفاوتان بالشدة والضعف .(11/276)
فقوله بيض وحمر وان كان صفة لجدد فرب ابيض اشد بياضا من ابيض آخر وكذا رب احمر اشد حمرة من احمر آخر فنفس البياض مختلف وكذا نفس الحمرة فلذلك جمع لفظ الوان مضافا الى ضمير كل واحد من البيض والحمر فيكون كل واحد منهما من قبيل الكلى المشكك . ويحتمل ان يكون قوله مختلف الوانها صفة ثالثة لجدد فيكون ضمير الوانها للجدد فيكون تأكيدا لقوله بيض وحمر ويكون اختلاف الوان الجدد بان يكون بعضها ابيض وبعضها احمر فتكون الجدد كلها على لونين بياض وحمرة الا انه عبر عن اللونين بالالوان لتكثر كل واحد منهما باعتبار محاله كذا فى حواشى ابن الشيخ
يقول الفقير من شاهد جبال ديار العرب فى طريق الحج وغيرها وجد هذه الاقسام كلها فانها وجددها مختلفة متلونة { وغرابيب سود } عطف على بيض فيكون من تفاصيل الجدد والصفات القائمة بها كالبيض والحمر كأنه قيل ومن الجبال ذو جدد بيض وحمر وسود غرابيب . وانما وسط الاختلاف لانه علم من الوصف بالغرابيب انه ليس فى الاسود اختلاف اللون بالشدة والضعف . ويجوز ان يكون غرابيب عطفا على جدد فلا يكون داخلا فى تفاصيل الجدد بل يكون قسيمها كأنه قيل ومن الجبال مخطط ذو جدد ومنها ما هو على لون واحد وهو السواد
فالغرض من الآية اما بيان اختلاف الوان طرائق الجبال كاختلاف الوان الثمرات فترى الطرائق الجبلية من البعيد منها بيض ومنها حمر ومنها سود واما بيان اختلاف الوان الجبال نفسها وكل منها انردال على القدرة الكاملة كذا فى حواشى ابن الشيخ . والغرابيب جمع غربيب كعفريت يقال اسود غربيب اى شديد السواد الذى يشبه لون الغراب وكذا يقال اسود حالك كما يقال اصفر فاقع وابيض يقق محركة واحمر قان لخالص الصفرة وشديد البياض والحمرة وفى الحديث « ان الله يبغض الشيخ الغربيب » يعنى الذى يخضب بالسواد كما فى تفسير القرطبى والذى لا يشيب كما فى المقاصد الحسنة والسود جمع اسود
فان قلت اذا كان الغرابيب تأكيدا للاسود كالفاقع مثلا فلا صفر ينبغى ان يقال وسود وغرابيب بتقديم السود اذ من حق التأكيد ان يتبع المؤكد ولا يتقدم عليه
قلت الغرابيب تأكيد لمضمر يفسره ما بعده والتقدير سود غرابيب سود فالتأكيد اذا متأخر عن المؤكد وفى الاضمار مزيد تأكيد لما فيه من التكرار وهذا اصوب من كون السود بدلا من الغرابيب كما ذهب اليه الاكثر حتى صاحب القاموس كما قال واما غرابيب سود بدل لان تأكيد الالوان لا يتقدم(11/277)
وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)
{ ومن الناس } [ واز آدميان ] { والدواب } [ واز جار يايان ] جمع دابة وهى ما يدب على الارض من الحيوان وغلب على ما يركب من الخيل والبغال والحمير ويقع على المذكر { والانعام } [ واز جرند كان ] جمع نعم محركة وقد يسكن عينه الابل والبقر والضأن والمعز دون غيرها فالخيل والبغال والحمير خارجه عن الانعام والمعنى ومنهم بعض { مختلف الوانه } او وبعضهم مختلف الوانه بان يكون ابيض واحمر واسود ولم يقل هنا الوانها لان الضمير يعود الى البعض الدال عليه من { كذلك } تم الكلام هنا وهو مصدر تشبيهى لقوله مختلف اى صفة لمصدر مؤكد تقديره مختلف اختلافا كائنا كذلك اى كاختلاف الثمار والجبال { انما يخشى الله من عباده العلماء } يعنى [ هركه نداند قدرت خداير برآفريدن اشيا وعالم نبود بتحويل هر جيزى از حالى بحالى جكونه از خداى تعالى ترسد { انما يخشى الله } الخ
وفى الارشاد وهو تكملة لقوله تعالى { انما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب } بتعيين من يخشاه من الناس بعد بيان اختلاف طبقاتهم وتباين مراتبهم اما فى الاوصاف المعنوية فبطريق التمثيل واما فى الاوصاف الصورية فبطريق التصريح توفيه لكل واحدة اللائق بها من البيان اى انما يخشاه تعالى بالغيب به وبما يليق به ومن صفاته الجليلة وافعاله الجميلة لما ان مدار الخشية معرفة المخشى والعلم بشؤونه فمن كان اعلم به تعالى كان اخشى منه كما قال عليه السلام « انا اخشاكم لله واتقاكم له » ولذلك عقب بذكر افعاله الدالة على كمال قدرته وحيث كان الكفرة بمعزل عن هذه المعرفة امتنع انذارهم بالكلية انتهى .
وتقديم المخشى وهو المفعول للاختصاص وحصر الفاعلية اى لا يخشى الله من بين عباده الا العلماء ولو اخر لانعكس الامر وصار المعنى لا يخشون الا الله وبينهما تغاير ففى الاول بيان ان الخاشعين هم العلماء دون غيرهم وفى الثانى بيان ان المخشى منه هو الله دون غيره
وقرأ ابو حنيفة وعمر بن عبد العزيز وابن سيرين برفع اسم الله ونصب العلماء على ان الخشية استعارة للتعظيم فان المعظم يكون مهيبا فالمعنى انما يعظمهم الله من بين جميع عباده كما يعظم المهيب الخشى من الرجال بين الناس وهذه القراءة وان كانت شاذة لكنها مفيدة جدا وجعل عبد الله بن عمر الخشية بمعنى الاختيار اى انما يختار الله من بين عباده العلماء { ان الله عزيز } [ غالبست در انتقام كشيدن ا كسى كه نترسد ازعقوبت او { غفور } للخاشين وهو تعليل لوجوب الخشية لدلالته على انه معاقب للمصر على طغيانه غفور للتائب من عصيانه ومن حق من هذه صفته ان يخشى
قيل الخشية تألم القلب بسبب توقع مكروه فى المستقبل يكون تاره بكثرة الجناية من البعد وتارة بمعرفة جلال الله وهيبته وخشية الانبياء من هذا القبيل
فعلى المؤمن ان يجتهد فى تحصيل العلم بالله حتى يكون اخشى الناس فبقدر مراتب العلم تكون مراتب الخوف والخشية روى عن النبى صلى الله عليه وسلم انه سئل يا رسول الله فأى الاصحاب افضل قال(11/278)
« من اذا ذكرت الله اعانك واذا نسيت ذكرك » قالوا فأى الاصحاب شر قال « الذى اذا ذكرت لم يعنك واذا نسيت لم يذكرك » قالوا فأى الناس شر قال « اللهم اغفر للعلماء العالم اذا فسد فسد الناس » كذا فى تفسير ابى الليث
علم جندانكه بيشتر خوانى ... جون عمل در تونيست نادانى
نسأل الله سبحانه ان يجعلنا عالميين ومحققين وفى الخوف والخشية صادقين ومحققين(11/279)
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29)
{ ان الذين يتلون كتاب الله } اى يداومون على تلاوة القرآن ويعملون بما فيه اذ لا تنفع التلاوة بدون العمل والتلاوة القراءة اعم متتابعة كالدراسة والا وراد الموظفة والقراءة منها لكن التهدى وتعليم الصبيان لا يعد قراءة ولذا قالوا لا يكره التهجى للجنب والحائض والنفساء بالقرآن لانه لا يعد قارئا كذا لا يكره لهم التعليم للصبيان وغيرهم حرفا حرفا وكلمة كلمة مع القطع بين كل كلمتين { واقاموا الصلاة } بآدابها وشرائطها وغاير بين المستقبل والماضى لان اوقات التلاوة اعم بخلاف اوقات الصلاة وكذا اوقات الزكاة المدلول عليها بقوله { وانفقوا } فى وجوه البر : يعنى [ ازدست بيرون كنند درويشانرا ] { مما رزقناهم } اعطيناهم : يعنى [ از آنجه روزى داده ايم ايشانرا { سرا وعلانية } وهى ضد السر واكثر ما يقال ذلك فى المعانى دون الاعيان يقال اعلنته فعلن اى فى السر والعلانية او انفاق سر وعلانية او ذوى سر وعلانية بمعنى مسرين ومعلنين كيفما اتفق من غير قصد اليهما
وقال الكاشفى { سرا } [ بنهان از خوف آنكه بريا آميخته نكردد { وعلانية } واشكار بطمع آنكه سبب رغبت ديكران كردد بتصدق ] فالاولى هى المسنونة والثانية هى المفروضة وفيهما اشارة الى علم الباطن والظاهر وفيه بعث للمنفق على الصدقة فى سبيل الله فى عموم الاوقات والاحوال { يرجعون } خبر ان { تجارة } تحصيل ثواب بالطاعة والتاجر الذى يبيع ويشترى وعمله التجارة وهى التصرف فى رأس المال طالبا للربح قيل وليس فى كلامهم تاء بعدها جيم غير هذه اللفظة واما تجاه فاصله وجاه وتجوب فالتاء فيه للمضارعة { لن تبور } البوار فرط الكساد والوصف بائر . ولما كان فرط الكساد يؤدى الى الفساد عبر بالبوار عن الهلاك مطلقا ومن الهلاك المعنوى ما فى قولهم خذوا الطريق ولو دارت وتزوجوا البكر ولو بارت واسكنوا المدن ولو جارت . والمعنى لن تكسد ولن تهلك مطلقا بالخسران اصلا : وبالفارسية [ فاسد نبود وزيان بدان نرسيد بلكه در روز قيامت متاع اعمال ايشان رواجى تمام يابد ]
قال فى الارشاد قوله { لن تبور } صفة للتجارة جئ بها للدلالة على انها ليست كسائر التجارات الدائرة بين الربح والخسران لانه اشتراء باق بفان والاخبار برجائهم من اكرم الاكرمين عدة قطعية بحصول مرجوهم(11/280)
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)
{ ليوفيهم اجورهم } [ التوفيه : تمام بدادن ] والاجر ثواب العمل وهو متعلق بلن تبور على معنى انه ينتفى عنها الكساد وتنفق فلا وقف على لن تبور { ويزيدهم } [ وزيادة كند بر ثواب ايشانرا ] { من فضله } اى جوده وتفضله وخزائن رحمته ما يشاء مما لم يخطر ببالهم عند العمل ولم يستحقوا له بل هو كرم محض ومن فضله يوم القيامة نصبهم فى مقام الشفاعة ليشفعوا فيمن وجبت لهم النار من الاقرباء وغيرهم { انه غفور } تعليل لما قبله من التوفية والزيادة اى غفور لفرطاتهم
وفى بحر العلوم ستار لكل ما صدر عنهم مما من شأنه ان يستر محاء له عن قلوبهم وعن ديوان الحفظة { شكور } لطاعاتهم اى مجازيهم عليها ومثيب
وفى التأويلات النجمية غفور يغفر تقصيرهم فى العبودية شكور يشكر سعيهم مع التقصير بفضل الربوبية
قال ابو الليث الشكر على ثلاثة اوجه . الشكر ممن دونه يكون بالطاعة وترك مخالفته . والشكر ممن هو شكله يكون بالجزاء والمكافأة . والشكر ممن فوقه يكون رضى منه باليسير كما قال بعضهم الشكور هو المجازى بالخير الكثير على العمل اليسير والمعطى بالعمل فى ايام معدودة نعما فى الآخرة غير مجذوذة ومن عرف انه الشكور شكر نعمته وآثر طاعته وطلب رحمته وشهد منته
قال الغزالى رحمه الله واحسن وجوه الشكر لنعم الله ان لا يستعملها فى معاصيه بل فى طاعاته
وخاصة هذا الاسم انه لو كتبه احدى واربعين مرة من به ضيق فى النفس وتعب فى البدن وثقل فى الجسم وتمسح به وشرب منه برئ باذن الله تعالى وان تمسح به ضعيف البصر على عينيه وجد بركه ذلك(11/281)
وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31)
{ والذى اوحينا اليك من الكتاب } وهو القرآن ومن للتبيين او للجنس او للتبعيض { هو الحق } الصدق لا كذب فيه ولا شك { مصدقا لما بين يديه } اى حال كونة موافقا لما قبله من الكتب السماوية المنزلة على الانبياء فى العقائد واصول الاحكام وهو حال مؤكدة اى احقه مصدقا لان حقيته لا تنفك عن هذا التصديق { ان الله بعباده } متعلق بقوله { الخبير بصير } وتقديمه عليه لمراعاة الفاصلة التى على حف الراء اى محيط ببواطن امورهم وظواهرها فلو كان فى احوالك ما ينافى النبوة لم يوح اليك مثل هذا الحق المعجز الذى هو عيار على سائر الكتب يعرف صدقها منه وتقديم الخبير للتنبيه على ان العمدة فى ذلك العلم والاحاطة هى الامور الروحانية
وفى التأويلات النجمية { ان الله بعباده } من اهل السعادة واهل الشقاوة { لخبير } لانه خلقهم { بصير } بما يصدر منهم من الاخلاق الكثير ولا يحصل اجر التلاوة للامى اذ لا تلاوة له بل للقارئ فلا بد من التعلم والاشتغال فى جميع الاقات : قال المولى الجامى
جون زنفس وحديثش آيى تنك ... بكلام قديم كن آهنك
مصحفى جوجو شاهد مهوش ... بوسه زن در كنار خويشش كش
حرف او كن حواس جسمانى ... وقف او كن قواى روحانى
دل بمعنى زبان بلفظ سبار ... جشم برخط نه ونقط بكذار
وفى الحديث « اذا كان يوم القيامة وضعت منابر من نور مطوقة ينور عند كل منبر ناقة من نوق الجنة ينادى مناد اى من حمل كتاب الله اجلسوا على هذه المنابر فلا روع عليكم ولا حزن حتى يفرغ الله مما بينه وبين العباد فاذا فرغ الله من حساب الخلق حملوا على تلك النوق الى الجنة » وفى الحديث « ان اردتم عيش السعداء وموت الشهداء والنجاة يوم الحشر والظل يوم الحرور والهدى يوم الضلالة فادرسوا القرآن فانه كلام الرحمن وحرز من الشيطان ورجحان فى الميزان »
ذكر فى القنية ان الصلاة على النبى عليه السلام والدعاء والتسبيح افضل من قراءة القرآن فى الاقات التى نهى عن الصلاة فيها . فالمستحب بعد الفجر مثلا ذكر الله تعالى كما هو عادة الصوفية الى ان تطلع الشمس فان هذا الوقت وان جاز فيه قضاء الفوائت وسجدة التلاوة وصلاة الجنازة ولكن يكره التطوع فهو منهى عنه فيه وكذا المنذورة وركعتا الطواف وقضاء تطوع اذا فسده لانها ملحقة بالنفل اذ سبب وجوبها من جهته جعلنا الله واياكم من المغتنيمن بتلاوة كتابه والمتشرفين بلطف خطابه الواصلين الى الانوار والاسرار(11/282)
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)
{ ثم } للترتيب والتأخير اى بعدما اوحينا اليك او بعد كتب الاولين كما دل ما قبله على كل منهما
وسئل الثورى على ماذا عطف بقوله ثم قال على ارادة الازل والامر المقضى اى بعد ما اردنا فى الازل { اورثنا الكتاب } اى ملكنا بعظمتنا ملكا تاما واعطينا هذا القرآن عطاء والا رجوع فيه
قال الراغب الوراثة انتقال قينة اليك عن غيرك من غير عقد ولا ما يجرى مجرى العقد وسمى بذلك المنتقل عن الميت ويقال لكل من حصل له شئ من غير تعب قد ورث كذا انتهى
وسيأتى بيانه { الذين اصفينا من عبادنا } الموصول مع صلته مفعول ثان لا ورثنا . والاصطفاء فى الاصل تناول صفو الشئ بالفارسية [ بركزيدن وعباد اينجا بموضع كرامت است اكرجه كه نسبت عبوديت آدمرا حقيقت است ] كما فى كشف الاسرار والمعنى بالفارسية [ آنا نراكه بركزيديم از بندكان ما « وهم الامة باسرهم » زيرا آن روز كه اين آيت آمد مصطفى عليه السلام سخت شاد شد وازشادة كه بوى رسيد سه بار بكفت ] امتى ورب الكعبة والله تعالى اصطفاهم على سائر الامم كما اصطفى رسولهم على جميع الرسل وكتابهم على كل الكتب وهذا الايراث للمجموع لا يقتضى الاختصاص بمن يحفظ جميع القرآن بل يشمل من يحفظ منه جزأ ولو انه الفاتحة فان الصحابة رضى الله عنهم لم يكن واحد منهم يحفظ جميع القرآن ونحن على القطع بانهم مصطفون كما فى المناسبات
قال الكاشفى [ عطارا ميراث خواند جه ميراث مالى باشد كه بى تعب طلب بدست آيد هميجنين عطية قرآن بى جست وجوى مؤمنان بمحض عنايت ملك منان بديشان رسيد وبيكانكان را در ميراث دخل نيست دشمنان نيز وبهرهاى اهل قرآن متفاوتست هركس بقدر استحاق واندازة استعداد خود از حقائق قرآن بهره مند شوند ]
زين بزم يكى جرعة طلب كرد يكى جام ... وفى التأويلات النجمية انما ذكر بلفظ الميراث يقتضى صحة النسب او صحة السبب على وجه مخصوص فمن لا سبب له ولا نسب له فلا ميراث له فالسبب ههنا طاعة العبد والنسب فضل الرب فاهل الطاعة هم اهل الجنة كما قال تعالى { اولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس } فهو ورثوا الجنة بسبب الطاعة واصل وراثتهم بالسببية المبايعة التى جرت بينهم وبين الله بقوله { ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة } فهؤلاء اطاعوا الله بانفسهم واموالهم فادخلهم الله الجنة جزاء بما كانوا يعملون واهل الفضل هم اهل الله وفضله معهم بان اورثهم المحبة والمعرفة والقربة كما قال { يحبهم ويحبونه } الآية
ولما كانت الوراثة بالسبب والنسب وكان السبب جنسا واحدا كالزوجة وهما صاحبا الفرض وكان النسب من جنسين الاصول كالآباء والامهات والفروع كل ما يتولد من الاصول كالاولاد والاخوة والاخوات واولادهم والاعمام واولادهم وهم صاحب فرض وعصبية فصار مجموع الورثة ثلاثة اصناف صنف صاحب الفرض بالسبب وصنف صاحب الفرض بالنسب وصنف صاحب الباقى وهم العصبة كذلك الورثة ههنا ثلاثة اصناف كما قال تعالى { فمنهم } اى من الذين اصطفينا من عبادنا { ظالم لنفسه } فى العمل بالكتاب وهو المرجأ لامر الله الى الموقوف امره لامر الله اما يعذبه واما يتوب عليه وذلك لانه ليس من ضرورة وراثة الكتاب مراعاته حق رعايته لقوله تعالى(11/283)
{ فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الادنى ويقولون سيغفر لنا } الآية ولا من ضرورة الاصطفاء المنع عن الوصف بالظلم هذا آدم عليه السلام اصطفاه الله كما قال { ان الله اصطفى آدم } وهو القائل { ربنا ظلمنا انفسنا } الآية
ولما كانت الوارثة بالسبب والنسب وكان السبب جنسا واحدا كالزوجية وهما صاحبا الفرض وكان النسب من جنسين الاصول كالآباء والامهات والفروع كل ما يتولد من الاصول كالاولاد والاخوة والاخوات واولادهم والاعمام واولادهم وهم صاحب فرض وعصبية فصار مجموع الورثة ثلاثة اصناف صنف صاحب الفرض بالسبب وصنف صاحب الفرض بالسبب وصنف صاحب الفرض بالنسب وصنف صاحب الباقى وهم العصبة كذلك الورثة ههنا ثلاثة اصناف كما قال تعالى { فمنهم } اى من الذين اصطفينا من عبادنا { ظالم لنفسه } فى العمل بالكتاب وهو المرجأ لامر الله اى الموقوف امره لامر الله اما يعذبه واما يتوب عليه وذلك لانه ليس من ضرورة وراثة الكتاب مراعاته حق رعايته لقوله تعالى { ان الله اصطفى آدم } وهو القائل { ربنا ظلمنا انفسنا } الآية
سئل ابو زيد البسطامى قدس سره أيعصى العارف الذى هو من اهل الكشف فقال نعم { وكان امر الله قدرا مقدورا } يعنى ان كان الحق قدر عليه فى سابق علمه شيأ فلا بد من وقوعه
واعلم ان الظلم ثلاثة . ظلم بين الانسان وبين الله واعظمه الكفر والشرك والنفاق وظلم بينه وبين الناس . وظلم بينه وبين نفسه وهو المراد بما فى الآية كما فى المفردات
وتقديم الظلم بالذكر لا يدل على تقديمه فى الدرحة لقوله تعالى { فمنكم كافر ومنكم مؤمن } كما فى الاسئلة المقحمة
وقال بعضهم قدم الظالم لكثرة الفاسقين ولان الظلم بمعنى الجهل والركون الى الهوى مقتضى الجبلة والاقتصاد والسبق عارضان
وقال ابو الليث الحكمة فى تقديم الظالم وتأخير السابق كى لا يعجب السابق بنفسه ولا ييأس الظالم من رحمة الله يعنى [ ابتداء بظالم كرد تاشرم زده نكردند وبرحمت بى غايت او اميدوار باشند ]
نيايد از من آلوده طاعت خالص ... ولى برحمت وفضلت اميدوارى هست
وقال القشيرى فى الارث يبدأ بصاحب الفرض وان قل نصيبه فكذا ههنا بدأ بالظالم ونصيبه اقل من نصيب الآخرين [ وكفته اند تقديم ظالم ازروى فضلست وتأخيرش ازراه عدل وحق سبحانه فضل را ازعدل دوستر دارد وتأخير سابق جهت آنست كه تابثواب كه دخول جنانست اقرب باشد يا بجهت آنكه اعتماد بر عمل خود نكند وبطاعت معجب نكردد كه عجب آتشيست كه جون برافروخته شود هزارخر من عبادت بدو سوخته شود ](11/284)
اى بسر عجب آتشى عجبست ... كرم ساز تنور بو لهبست
هركجا شعلة ازو افروخت ... هرجه از علم وزهد ديد بسوخت
{ ومنهم مقتصد } يعمل بالكتاب فى اغلب الاوقات ولا يخلو من خلط الشئ : وبالفارسية [ وهست از ايشان كه راه ميان رفت نه هنر سابقان ونه تفريط ظالمان ] فان الاقتصاد بالفارسية [ ميان رفتن دركار ] وانما قال مقتصد بصيغة الافتعال لان ترك الانسان للظلم فى غاية الصعوبة { ومنهم سابق } اصل السبق التقدم فى السير ويستعار لاحراز الفضل فالمعنى متقدم الى ثواب الله وجنته ورحمته { بالخيرات } بالاعمال الصالحة بضم العليم والارشاد الى العلم والعمل والخير ما يرغب فيه الكل كالعقل والعدل والفضل والشئ النافع وضده الشر
قال بعض الكبار وهذه الخيرات على قسمين . قسم من كسب العبد بتقديم الخيرات . وقسم من فضل الرب بتواتر الجذبات الى ان يسبق على الظالم لنفسه وعلى المقتصد بالسير بالله فى الله وان كان مسبوقا بالذكر فى الاخير كما كان حال النبى عليه السلام مسبوقا بالخروج فى آخر الزمان للرسالة سابقا بالرجوع الى الحضرة ليلة المعراج على جميع الانبياء والرسل كما اخبر عن حال نفسه وحال سابقى امته بقوله « نحن الآخرون السابقون » اى الآخرون خروجا فى عالم الصورة السابقون وصولا الى عالم الحقيقة
وعن جعفر الصادق رضى الله عنه بدأ بالظالمين اخبارا انه لا يتقرب اليه الا بكرمه وان الظلم لا يؤثر فى الاصطفاء ثم ثنى بالمقتصدين لانهم بين الخوف والرجاء ثم ختم بالسابقين لئلا يأمن احد مكره وكلهم فى الجنة بحرمة كلمة الاخلاص
وقد روى ان عمر رضى الله عنه قال على المنبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له »
وقال ابو بكر بن الوراق رتبهم هذا الترتيب على مقامات الناس لان احوال العبد ثلاث معصية وغفلة ثم توبة ثم قربة فاذا عصى دخل فى حيز الظالمين واذا تاب دخل فى جملة المقتصدين واذا صحت التوبة وكثرت العبادة والمجاهدة دخل فى عداد السابقين . والسابق على ضربين سابق ولد سابقا وعاش سابقا ومات سابقا وسابق ولد سابقا وعاش ظالما ومات فاسم الظالم عليهم عارية ولدوا سابقين وماتوا سابقين ولا عبرة بالظلم العارض بل العبرة بالازل والابد لا بالبرزخ بينهما فاما من ولد ظالما وعاش ظالما ومات ظالما من هذه الامة فهو من اهل الكبائر الذين قال النبى عليه السلام فيهم « شفاعتى لاهل الكبائر من امتى »
فعلى هذا المقتصد من مات على التوبة والسابق من عاش فى الطاعة ومات فى الطاعة .(11/285)
او السابق هو الذى ترجحت حسناته بحيث صارت سيآته مكفرة وهو معنى قوله عليه السلام « اما الذين سبقوا فاولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب » واما المقتصد فاولئك يحاسبون حسابا يسيرا . واما الذين ظلموا فاولئك يحبسون فى طول المحشر ثم يتلقاهم الله برحمته
وههنا مقالات اخر كثيرة ذكرنا بعضها منها على ترتيب الآية وهو ان المراد بالطوائف الثلاث التالى للقرآن تلاوة مجردة والقارئ له العامل به والقارئ العامل بما فيه والمعلم له . او من استغنى بماله ومن استغنى بدينه ومن استغنى بربه . او الذى يدخل المسجد وقد اقيمت الصلاة والذى يدخله وقد اذن والذى يدخله قبل تأذين المؤذن وانما كان الاول ظالما لانه نقص نفس الاجر فلم يحصل لها ما حصل لغيرها . او الذى يعبد الله على الغفلة والعادة والذى يعبده على الرغبة والرهبة والذى يعبده على الهيبة . او الذى شغله معاشه عن معاده والذى اشتغل بالمعاش والمعاد جميعا والذى شغله معاده عن معاشه . او من يرتكب المعاصى غير مستحل لها ولا جاحد تحريمها ومن لا يزيد من الطاعات على الفرائض والواجبات ومن يكثر الطاعات ويبلغ النهاية فيها مع اجتناب المعاصى . او من هو معذب ناج ومن هو معاتب ناج ومن هو مقرب ناج . او الذى ترك الحرام والذى ترك الشبهة والذى ترك الفضل فى الجملة . او الذى رجحت سيآته والذى ساوت حسناته سيآته . اومن ظاهره خير من باطنه ومن استوى ظاهره وباطنه ومن باطنه خير من ظاهره . او من اسلم بعد فتح مكة ومن اسلم بعد الهجرة قبل الفتح ومن اسلم قبل الهجرة . او اهل البدو : يعنى [ اهل بادية كه نه كمر جهاد بندند ونه دولت جاعت يابند ] واهل الحضر اى الامصار وهم اصحاب الجماعات والجمعات واهل الجهاد فى سبيل الله . او من لا يبالى من اين اخذ من الحلال او الحرام ومن اخذ من الحلال ومن ترك الدنيا لما انه فى حلالها حساب وفى حرامها عذاب . او الذى يطلق فوق القوت والكفاف والذى يطلب القوت لا الزيادة عليه والذى يتوكل على الله ويجعل جميع جهده فى طاعته . او الذى يدخل الجنة بشفاعة الشافعين والذى يدخلها برحمة الله وفضله والذى ينجو بنفسه وينجو غيره بشفاعته . او الذى يضيع العمر فى الشهوة والمعصية والذى يحارب فيهما والذى يجتهد فى الزلات لان محاربة الصديقين فى الزلات ومحاربة الزاهدين فى الشهوات ومحاربة التأبين فى الموبقات . او من يطلب الدنيا تمتعا ومن يطلبها تلذذا ومن يتركها تزاهدا . او الذى يطلب ما لم يؤمر بطلبه وهو الرزق والذى بطلب ما امر به وما لم يؤمر به والذى يطلب مرضاة الله ومحبته . او اصحاب الكبائر وارباب الصغائر والمجتنب عنهما جميعا فهذا القائل انما حمل الامر على اشده .(11/286)
او من يشتغل بعيب غيره ولا يصلح عيب نفسه ومن يطلب عيب نفسه ويطمع فى عيب غيره ايضا ومن يشتغل بعيب نفسه ولا يطلب عيب غيره اصلا . او الجاهل والمتعلم والعالم [ يا آنكه انصاف ستاند وندهد وآنكه همم ستاند وهمم دهد وآنكه او دهد ونستاند يا طالب نجات ودرجات ومناجات يا ناظر ازخود بخود ونكرنده ازخود باخرت وناظر ازحق بحق يا آنكه بيوسته در خواب غفلت باشد وآنكه كاهى بيدار كردد وآنكه هميشه بيدار بود ] . او الزاهد لانه ظلم نفسه بترك حظه من الدنيا والعارف والمحب . او الذى بجزع عند البلاء والصابر على البلاء والمتلذذ بالبلاء . او من ركن الى الدنيا ومن ركن الى العقبى ومن ركن الى المولى
نعيم هردو جهان ميكنند برما عرض ... دل ازميانه تمنا ندارد الا دوست
او من جاد بنفسه ومن جاد بقلبه ومن جاد بروحه . او من له علم اليقين ومن له عين اليقين ومن له حق اليقين . او الذى يحب الله لنفسه والذى يحبه له والذى اسقط عنه مراده لمراد الحق لم ير لنفسه طلبا ولا مرادا لغلبة سلطان الحق عليه . او من يراه فى الآخرة بمقدار ايام الدنيا فى كل جمعة مرة ومن يراه فى كل يوم مرة ومن هو غير محجوب عنه ولو ساعة . او من هو فى ميدان العلم ومن هو فى ميدان المعرفة ومن هو فى ميدان الوجد . او السالك والمجذوب والمجذوب السالك فالسالك هو المتقرب والمجذوب هو المقرب السالك هو المستهلك فى كمالات القرب الفانى عن نفسه الباقى بربه . او من هو مضروب بسوط الحسرة مقتول بسيف الندامة مضطجع على باب الرجاء ومن هو مضروب بسوط الحسرة مقتول بسيف الندامة مضطجع على باب الكرم ومن هو مضروب بسوط المحبة مقتول بسيف الشوق مضطجع على باب الهيبة
اكر عاشقى خواهى آموختى ... بكشتن فرج يابى از سوختن
مكن كريه بركور مقتول دوست ... قل الحمد لله كه مقبول اوست
فالظالم على هذه الاقاويل كلها هو المؤمن
واما قول من قال الظالم لنفسه آدم عليه السلام والمقتصد ابراهيم عليه السلام والسابق محمد عليه السلام ففيه ان الآية فى حق هذه الامة الا ان يعاد الضمير فى قولهم منهم الى العباد مطلقا
فان قلت هل يقال ان آدم ظلم نفسه
قلت هو قد اعترف بالظلم لنفسه فى قوله { ربنا ظلمنا انفسنا } وان كان الادب الامساك عن مثل هذا المقال فى حقه وان كان له وجه فى الجملة كما قال الراغب الظلم يقال فى مجاوزة الحق الذى يجرى مجرى نقطة الدائرة ويقال فيما يقل ويكثر من التجاوز ولهذا يستعمل فى الذنب الكبير والصغير ولذلك قيل لآدم ظالم فى تعديه ولا بليس ظالم وان كان بين الظلمين بون بعيد انتهى
{ باذن الله } جعله فى كشف الاسرار متعلقا بالاصناف الثلاثة على معنى ظلم الظالم وقصد المقتصد وسبق السابق بعلم الله وارادته .(11/287)
والظاهر تعلقه بالسابق كما ذهب اليه اجلاء المفسرين على معنى بتيسيره وتوفيقه وتمكينه من فعل الخير لا باستقلاله
وفيه تنبيه على عزة منال هذه الرتبة وصعوبة مأخذها
قال القشيرى قدس سره كأنه قال يا ظالم ارفع رأسك فانك وان ظلمت فما ظلمت الا نفسك وبا سابق اخفض رأسك فانك وان سبقت فما سبقت الا بتوفيقى { ذلك } السبق بالخيرات { هو الفضل الكبير } من الله الكبير لا ينال الا بتوفيقه او ذلك الا يراث والاختيار فيكون بالنظر الى جمع المؤمنين من الامة وكونه فضلا لان القرآن افضل الكتب الالهية وهذه الامة المرحومة افضل جميع الامم السابقة
وفى التأويلات النجمية اى الذى ذكر من الظالم مع السابق فى الايراث والاصطفاء ودخول الجنة ومن دقائق حكمته انه تعالى ما قال فى هذا المعرض الفضل العظيم لان الفضل العظيم فى حق الظالم ان يجمعه مع السابق فى الفضل والمقام كما جمعه معه فى الذكر(11/288)
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33)
{ جنات عدن } يقال عدن بمكان كذا اذا استقر ومنه المعدن لمستقر الجواهر كما فى المفردات اى بساتين استقرار وثبات واقامة لا رحيل لانه لا سبب للرحيل عنها وهو اما بدل من الفضل الكبير بتنزيل السبب منزلة المسبب او مبتدأ خبره قوله تعالى { يدخلونها } جمع الضمير لان المراد بالسابق الجنس وتخصيص حال السابقين ومالهم بالذكر والسكوت عن الفريقين الآخرين وان لم يدل على حرمانهما من دخول الجنة مطلقا لكن فيه تحذير لهما من التقصير وتحريض على السعى فى ادراك شئون السابقين
وقال بعضهم المراد بالاصناف الثلاثة الكافر والمنافق والمؤمن او اصحاب المشأمة واصحاب الميمنة ومن اريد بقوله تعالى { والسابقون السابقون } او المنافقون والمتابعون بالاحسان واصحاب النبى عليه السلام او من يعطى كتابه وراء ظهره ومن يعطى كتابه بشماله ومن يعطى كتابه بيمينه
فعلى هذه الاقوال لا يدخل الظالم فى الجنات لكونه غير مؤمن وحمل هذا القائل الاصطفاء على الاصطفاء فى الخلقة وارسال الرسول اليهم وانزال الكتاب والاول هو الاصح وعليه عامة اهل العلم كما فى كشف الاسرار
قال ابو الليث فى تفسير اول الآية واخرها دليل على ان الاصناف الثلاثة كلهم مؤمنون
فاما الاول الآية فقوله { ثم اورثنا الكتاب } فاخبر انه اعطى الكتاب لهؤلاء الثلاثة
واما آخر الآية فقوله { يدخلونها } اذ لم يقل يدخلانها روى عن كعب الاحبار انه قيل له ما منعك ان تسلم على يدى رسول الله عليه السلام قال كان ابى مكننى من جميع التوراة الا ورقات منعنى ان انظر فيها فخرج ابى يوما لحاجة فنظرت فيها فوجدت فيها نعت امة محمد وان يجعلهم الله يوم القيامة ثلاثة اثلاث يدخلون الجنة بغير حساب وثلث يحاسبون حسابا يسيرا ويدخلون الجنة وثلث تشفع لهم الملائكة والنبيون فاسلمت وقلت لعلى اكون من الصنف الاول وان لم اكن من الصنف الثانى او من الصنف الثالث فلما قرأت القرآن وجدتها فى القرآن وهو قوله تعالى { ثم اورثنا الكتاب } الى قوله { يدخلونها }
وفى التأويلات النجمية لما ذكرهم اصنافا ثلاثة رتبها ولما ذكر حديث الجنة والتنعيم والتزين فيها ذكرهم على الجمع { جنات عدن } الآية نبه على ان دخولها الجنة لا باستحقاق بل بفضله وليس فى الفضل تميز فيما يتعلق بالنعمة دون ما يتعلق بالمنعم لان فى الخبر « ان من اهل الجنة من يرى الله سبحانه فى كل جمعة بمقدار ايام الدنيا مرة ومنهم من يراه فى كل يوم مرة ومنهم من هو غير محجوب عنه لحظة » كما سبق { يحلون } [ التحلية : بازيور كردن ] اى يلبسون على سبيل التزين والتحلى نساء ورجالا خبر ثان او حال مقدرة { فيها } اى فى تلك الجنات { من اساور من ذهب } من الاولى تبعيضية والثانية بيانية .(11/289)
واساور جمع اسورة وهو جمع سوار مثل كتاب وغراب معرب « دستواره » والمعنى يحلون بعض اساور من ذهب لانه افضل من سائر افرادها اى بعضا سابقا لسائر الابعاض كما سبق المسورون به غيرهم وقال فى سورة هل اتى { وحلوا اساور من فضة } قيل يجمع لهم الذهب والفضة جميعا وهو اجمل او بعضهم يحلون بالذهب وهم المقربون وبعضهم يحلون بالفضة وهم الابرار { ولؤلؤا } بالنصب عطفا على محل من اساور . واللؤلؤ الدر سمى بذل لتلألئه ولمعانه والمعنى ويحلون لؤلؤا
قال الكاشفى [ جنانكه بادشهان عجم ]
وقرئ بالجر عطفا على ذهب اى من ذهب مرصع باللؤلؤ ومن ذهب فى صفاء اللؤلؤ وذلك لانه لم يعهد الاسورة من نفس اللؤلؤ الا ان تكون بطريق النظم فى السلك
وقال فى بحر العلوم عطف على ذهب فانهم يسورون بالجنسين اساور من ذهب ومن لؤلؤ وذلك على الله يسيروكم من امر من امور الآخرة يخالف امور الدنيا وهذا منها { ولباسهم فيها حرير } لا كحرير الدنيا فانه لا يوجد معناه فى الدنيا الا الاسم واللباس اسم ما يلبس : وبالفارسية [ جامه ويوشش ] والحرير من الثياب ما رق كما فى المفردات وثوب يكون سداه ولحمته ابريسما وان كان فى الاصل الابريسم المطبوخ كما فى القهستانى . ويحرم لبسه على الرجال دون النساء الا فى الحرب ولكن لا يصلى فيه الا ان يخاف العدو او لضرورة كحكة او جرب فى جسده او لدفع القمل ولا يلبسه وان لم يتصل بجلده وهو الصحيح وجاز ان يكون عروة القميص وزره حريرا كالعلم فى الثوب ولا بأس ان يشد خمارا اسود من الحرير على العين الرامدة والناظرة الى الثلج وان تكون التكة حريرا ورخص قدر اربع اصابع كما هى . وقيل مضمومة ولا يجمع المتفرق من الحرير . ويجوز عند الامام ان يجعل الحرير تحت رأسه وجنبه ويكره عندهما وبه اخذا كثر المشايخ . وعلى هذا الخلاف تعليق الحرير على الجدر والابواب ولا بأس بالجلوس على بساط الحرير والصلاة على السجادة منه وبوضع ملاءة الحرير على مهد الصبى . ويلبس الرجل فى الحرب وغيره بلا كراهة اجماعا ما سداه ابريسم ولحمته ابريسم وسداه غيره فى حرب فقط . وكره الباس الصبى ذهبا او حريرا لئلا يعتاده والاثم على الملبس لان الفعل مضاف اليه . وكذا يكره كل لباس خلاف السنة والمستحب ان يكون من القطن والكتان او الصوف . واحب الالوان البياض . ولبس الاخضر سنة . ولبس الاسود مستحب ولا بأس بالثوب الاحمر كما فى الزاهدى الكل من القهستانى وقد سبق باقى البيان فى سورة الحج وغيرها(11/290)
وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34)
{ وقالوا } اى ويقولون عند دخول الجنة حمدا لربهم على ما صنع بهم وصيغة الماضى للدلالة على التحقق : وبالفارسية [ وكوند اين جمع جون از حفرة دوزخ برهند وبروضة بهشت برسند ] { الحمد لله } اى الاحاطة باوصاف الكمال لمن له تمام القدرة { الذى اذهب } ازال { عنا } بدخولنا الجنة { الحزن } الحزن بفتحتين والحزن بالضم والسكون واحد وهو خشونة الارض وخشونة فى النفس لما يحصل فيه من الغم ويضاده الفرح
وفى التأويلات النجمية سمى الحزن حزنا لحزونة الوقت على صاحبه وليس فى الجنة وهى جوار الحضرة حزونة وانما هى رضى واستبشار انتهى
والمراد جنس الحزن سواء كان حزن الدنيا او حزن الآخرة من هم المعاش وحزن زوال النعم والجوع والعطش وقوت من الحلال وخوف السلطان ودغدغة التحاسد والتباغض وحزن الاعراض والآفات وسوسة ابليس والسيآت ورد الطاعات وسوء العاقبة والموت واهوال يوم القيامة والنار والمرور على الصراط وخوف المفراق وتدبير الاحوال وغير ذلك وفى الحديث « ليس على اهل لا اله الا الله وحشة فى قبورهم ولا فى محشرهم ولا فى منشرهم وكأنى باهل لا اله الا الله يخرجون من قبورهم ينفضون التراب عن وجوههم ويقولون الحمد لله الذى اذهب عنا الحزن »
قال ابو سعيد الخراز قدس سره اهل المعرفة فى الدنيا كأهل الجنة فى الآخرة فتركوا الدنيا فى الدنيا فتنعموا وعاشوا عيش الجنانيين بالحمد والشكر بلا خوف ولا حزن
جنت نقدست اينجا ذوق ارباب حضور ... دردل ايشان نباشد حزن وغم تانفخ صور
{ ان ربنا } المحسن الينا مع اساءتنا { الغفور } للمذنبين فيبالغ فى ستر ذنوبهم الفائتة للحصر { شكور } للمطيعين فيبالغ فى اثابتهم فان الشكر من الله الاثابة والجزاء الوفاق
وفى التأويلات غفور للظالم لنفسه شكور للمقتصد والسابق وانما قدم ما للظالم رفقا بهم لضعف احوالهم انتهى
ثم وصفوا الله بوصف آخر هو شكر له(11/291)
الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)
{ الذى احلنا } انزلنا يقال حلت نزلت من حل الاحمال عند النزول كما فى المفردات { دار المقامة } مفعول ثان لاحل وليس يظرف لانها محدودة . والمقامة بالضم مصدر تقول اقام يقيم اقامة ومقامة اى دار الاقامة التى لا انتقال عنها ابدا فلا يريد النازل بها ارتحالا منها ولا يراد به ذلك { من فضله } اى من انعامه وتفضله من غير ان يوجبه شئ من قبلنا من الاعمال فان الحسنات فضل منه ايضا فلا واجب عليه
وذلك ان دخول الجنة بالفضل والرحمة واقتسام الدرجات بالاعمال والحسنات هذا مخلوق تحت رق مخلوق مثله لا يستحق على سيده عوضا لخدمته فكيف الظن بمن له الملك على الاطلاق أيستحق من يعبده عوضا على عبادته تعالى الله عما يقول المعتزلة من الايجاب
وفى التأويلات وبقوله { الذى احلنا دار المقامة } من فضله كشف القناع عن وجه الاحوال كلها فدخل كل واحد من الظالم والمقتصد والسابق فى مقام احله الله فيه من فضله لا بجهده وعمله وان الذى ادخله الله الجنة جزاء بعمله فتوفيقه للعمل الصالح ايضا من فضل الله وهذا حقيقة قوله عليه السلام « قبل من قبل لا لعلة دون ورد من رد لا لعلة » { لا يمسنا } المس كاللمس وقد يقال فى كل ما ينال الانسان من اذى تكليف فيها ولا كدّ : وبالفارسية [ ماندكى ارادوا ان يروه لا يحتاجون الى تحديق مقلة فى جهة يرونه كما هم كيفية كل صفة لهم ارادت الرؤية لقلو تعالى { وفيها ما تشتهى الانفس وتلذ الاعين } والفرق بين النصب واللغوب ان النصب نفس المشقة والكلفة واللغوب ما يحدث منه من الفتور للجوارح
قال ابو حيان هو لازم من تعب البدن فهى الجديرة لعمرى بان يقال فيها
علياء لا تنزل الاحزان ساحتها ... لو مسها حجر مسته سراء
والتصريح بنفى الثانى مع استلزام نفى الاول له وتكرير الفعل المنفى للمبالغة فى بيان انتفاء كل منهما روى عن الضحاك رحمه الله قال اذا دخل اهل الجنة الجنة استقبلهم الولدان والخدم كأنهم اللؤلؤ المكنون فبعث الله من الملائكة من معه هدية من رب العالمين وكسوة من كسوة الجنة فيلبسه فيريد ان يدخل الجنة فيقول الملك كما انت ويقف ومعه عشرة خواتيم من خواتيم الجنة هدية من رب العالمين فيضعها فى اصابعه مكتوب فى اول خاتم منها { سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين } وفى الثانى مكتوب { ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود } وفى الثالث مكتوب { رفعت عنكم الاحزان والهموم } وفى الرابع مكتوب { زوجناكم الحور العين } وفى الخامس مكتوب { ادخلوها بسلام آمنين } وفى السادس مكتوب { انى جزيتهم لايوم بما صبروا } وفى السابع مكتوب { انهم هم الفائزون } وفى الثامن مكتوب { صرتم آمنين لا تخافوا ابدا } وفى التاسع مكتوب { رافقتم النبيين والصديقيين والشهداء } وفى العاشر مكتوب { فى جوار من لا يؤذىلجيران } الى آخر الآية الملك [ اى جوانمرد .(11/292)
قدر ترياق مار كزيده داند . قدر آتش سوزان يروانه داند . قدر ييرهن يوسف يعقوب غمكين داند اوكه مغرور سلامت خويش است اكر اورا ترياق دهى قدر آن جه داند جان بلب رسيدة بايد تاقدر ترياق بداند درويشى دل شكستة غم خوردة اندوه كشيدة بايد تاقدر اين شناسد وعزاين خطاب بداندكه { الحمد الله الذى اذهب عنا الحزن } باش تافرداكه آن درويش دلريش را در حظيرة قدس برسرير سرور نشانند وآن غلمان وولدان جاكروار ييش تخت دولت او سماطين بركشند شب محنت بيايان رسيده خورشيد سعادت از افق كرامت برآمده وحضرت عزت از الطاف وكرم روى بدوريش نهاده بزبان ناز ودلال همى كويد بنعت شكر { الحمد لله } الخ
نماند اين شب تاريك ميرسد سحرش ... نماند ابر زخورشي ميرود كدرش
نسأل الله الانكشاف(11/293)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)
{ والذين كفروا } جحدوا بوجود الله تعالى او بوحدته { لهم } بمقابلة كفرهم الذى هو اكبر الكبائر واقبح القبائح { نار جهنم } التى لا تشبه نارا { لا يقضى عليهم } لا يحكم عليهم بموت ثان : يعنى [ وقتى كه در دوزخ باشند ] { فيموتوا } ويستريحوا من العذاب ونصبه باضمار ان لانه جواب النفى { ولا يخفف عنهم من عذابها } طرفة عين بل كلما خبت زيد استعارها : يعنى [ هركاه كه آتش فرونشيند زيادة كنند احراق والتهاب اورا ]
وقوله كلما خبت لا يدل على تخفيف عنهم بل على نقصان فى النار ثم يزداد كما فى كشف الاسرار
قوله عنهم نائب مناب الفاعل ومن عذابها فى موقع النصب او بالعكس وان كانت زائدة يتعين له الرفع { كذلك } اى مثل هذا الجزاء الفظيع { نجزى } [ جزاميدهيم ] { كل كفور } مبالغ فى الكفر او فى الكفران لا جزاء اخف وادنى منه(11/294)
وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)
{ وهم } اى الكفار { يصطرخون فيها } يستغيثون : وبالفارسية [ فرياد ميخواهند در دوزخ ] والاصطراخ افتعال من الصراخ وهو الصياح بجهد وشدة دخلت الطاء فيه للمبالغة كدخولها فى الاصطبار والاصطناع والاصطياد استعمل فى الاستغاثة بالفارسية [ فرياد خواستن وشفاعت كردن خواستن ] لجهر المستغيث صوته { ربنا } باضمار القول يقولون ربنا { اخرجنا } من النار وخلصنا من عذابها وردنا الى الدنيا { نعمل صالحا } [ عمل بسنديده ] اى نؤمن بدل الكفر ونطيع بدل المعصية وذلك لان قبول الاعمال مبنى على الايمان { غير الذى كنا نعمل } قيدوا العمل الصالح بهذا الوصف اشعارا بانهم كانوا يحسبون ما فعلوه صالحا والآن تبين خلافة اذا كان هوى وطبعا ومخالفة : يعنى [ اكنون عذاب را معاينه ديديم ودانستيم كه كردار مادردنيا شايسته نبود ] { أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر } جواب من جهته تعالى وتوبيخ لهم والهمزة للانكار والنفى والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام [ والتعمير : زندكانى دادن ] والعمر اسم لمدة عمارة البدن بالحياة وما نكرة موصوفة او مصدر يراد به الزمان كقولك آتيك غروب الشمس [ والتذكر : بندكرفتن ] والمعنى ألم نعطكم مهلة ولم نعمركم عمرا او تعميرا او نقتا وزمنا يتذكر فيه من تذكر والى الثانى مال الكاشفى حيث قال بالفارسية [ آيا زند كانى نداديم وعمر ارزانى نداشتيم شمارا آن مقدار بند كيريد ودران عمر هركه خواهد كه بند كيرد ] ومعنى يتذكر فيه اى يتمكن فيه المتذكر من التذكر والتفكر لشأنه واصلاح حاله وان قصر الا ان التوبيخ فى المطاولة اعظم يعنى اذا بلغ حد البلوغ يفتح الله له نظر العقل فيلزم حينئذ على المكلف ان ينظر بنظر العقل الى المصنوعات فيعرف صانعها ويوحده ويطيعه فاذا بلغ الى الثمانى عشرة او العشرين او ما فوق ذلك يتأكد التكليف ويلزم الحجة اشد من الاول وفى الحديث « اعذر الله الى امرئ واخر اجله حتى بلغ ستين سنة » اى ازال عذره ولم يبق منه موضعا للاعتذار حيث امهله طول هذه المدة ولم يعتذر ولعل سر تعيين الستين ما قال عليه السلام « اعمار امتى ما بين الستين الى السبعين » واقلهم من يجوز ذلك فاذا بلغ الستين وجاوزها كانت السبعون آخر زمان التذكر لان ما بعدها زمان الهرم وفى الحديث « ان لله ملكا ينادى كل يوم وليلة ابناء الاربعين زرع قد دنا حصاده وابناء الستين ما قدمتم وما عملتم وابناء السبعين هلموا الى الحساب »
وكان الشيخ عبد القادر الكيلانى قدس سره اذا قام اليه شاب ليتوب يقول يا هذا ما جئت حتى طلبوك ولا قدمت من سفر الجفاء حتى استحضروك يا هذا ما تركناك لما تركتنا ولانسيناك لما نسيتنا انت فى اعراضك وعيننا تحفظك ثم حركناك لقربنا وقدمناك لا نسنا .(11/295)
وكان اذا قام اليه شيخ ليتوب يقول يا هذا اخطأت وابطأت كبر سنك وتمرد جنك هجرتنا فى الصبى فعذرناك وبادرتنا فى الشباب فمهلناك فلما قاطعتنا فى المشيب مقتناك فان رجعت الينا قبلنا
دل زدنيا زودتر كردد جوانا نرا خنك ... كهنكى از سردئ آبست مانع كوزه را
وكان جماعة من الصحابة ومن بعدهم اذا بلغ اربعين سنة او رأى شيبا بالغ فى الاجتهاد وطوى الفراش واقبل على قيام الليل واقل معاشرة الناس ولا فرق فى ذلك بين الاربعين فما دونها لان الاجل مكتوم لا يدرى متى يحل ايقظنا الله واياكم من رقدة الغافلين { وجاءكم النذير } عطف على الجملة الاستفهامية لانها فى معنى قد عمرناكم من حيث ان همزة الانكار اذا دخلت على حرف النفى افادت التقرير كما فى قوله تعالى { ألم نشرح لك صدرك ووضعنا } الخ لانه فى معنى قد شرحنا الخ
والمراد بالنذير رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه الجمهور او ما معه من القرآن او العقل فانه فارق بين الخير والشر او موت الاقارب والجيران والاخوان او الشيب وفيه ان مجيئ الشيب ليس بعام للجميع عموم ما قبله
قال الكاشفى [ واكثر علما برآنند كه مراد از نذير شيب است جه زمان شيب فرو نشانندة شعلة حياتست وموسم ييرى زنك فزايندة آيينة ذات ]
نوبت ييرى جو زند كوس درد ... دل شود ازخو شدلى وعيش فرد
درتن واندام در آيد شكست ... لرزه كند باى زسستى جودست
موى سفيد از اجل آرد بيام ... بشت خم ازمرك رساند سلام
قيل اول من شاب من ولد آدم عليه السلام ابراهيم الخليل عليه السلام فقال ما هذا يا رب قال هذا وقار فى الدنيا ونور فى الآخرة فقال رب زدنى من نورك ووقارك وفى الحديث « ان الله يبغض الشيخ الغربيب » اى الذى لا يشيب كما فى المقاصد الحسنة
وقال فى الكواشى يجوز ان يراد بالنذير كل ما يوزن بالانتقال فلا بد من التنبه عند مجيئه ولذا قال اهل الاصول الصحيح من قولى محمد ان الحج يجب موسعا يحل فيه التأخيرالا اذا غلب على ظنه انه اذا اخر يفوت فاذا مات قبل ان يحج فان كان الموت فجأة لم يلحقه اثم وان كان بعد ظهور امارات يشهد قلبه بانه لواخر يفوت لم يحل له التأخير ويصير مضيقا عليه لقيام الدليل فان العمل بدليل القلب اوجب عند عدم دلالته [ در موضح آورده كه جون دزخيان استغاثة كنند وبفرياد آيند وكويند خدايا مارا بدنيا فرست تا عمل خير كنيم بمقدار زمان دنيا از اول ابداع تا آخر انقطاع فرياد كنند تا حق سبحانه وتعالى جواب فرمايد كه زندكانى دادم شمارا ونذير فرستاد بشما كويند بلا زند كانى يافتيم ونذيررا ديديم خداى تعالى فرمايد ] { فذوقوا } [ بس بجشيد عذاب دوزخ فالفاء لترتيب الامر بالذوق على ما قبلها من التعمير ومجيئ النذير { فما } الفاء للتعليل { للظالمين } على انفسهم بالكفر والشرك { من نصير } يدفع العذاب عنهم
وفيه اشارة الى انهم كانوا فى الدنيا نائمين ولذا لم يذوقوا الالم فلما ماتوا وبعثوا وتيقظوا تيقظا تاما ذاقوا العذاب وادركوه ](11/296)
إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38)
{ ان الله عالم غيب السموات والارض } اى يختص بالله علم كل شئ فيهما غاب عن العباد وخفى عليهم فكيف يخفى عليهم احوالهم وانهم لو ردوا الى الدنيا لعادوا لما نهوا عنه { انه } تعالى { عليم بذات الصدور } لم يقل ذوات الصدور لارادة الجنس وذات تأنيث ذى بمعنى صاحب والمعنى عليم بالضمرات صاحبه الصدور اى القلوب : وبالفارسية [ داناست بجيزها كه مضمراست درسنها ] فحذف الموصوف واقيمت صفته وجعلت الخواطر القائمة بالقلب صاحبة له بملازمتها وحلولها كما يقال للبن ذو الاناء ولولد المرأة وهو جنين ذو بطنها فالاضافة لادنى ملابسة
وفى التأويلات النجمية اى عالم باخلاص المخلصين وصدق الصادقين وهما من غيب سموات القلوب وعالم بنفاق المنافقين وجحدا الجاحدين وهما من غيب ارض النفوس انتهى
ففيه وعد ووعيد وحكم الاول الجنة والقربة وحكم الثانى النار والفرقة
قيل لا يا رب الا ما لا خير فيه قال كذلك لا ادخل النار من عبادى الا من لا خير فيه وهو الايمان
در خلائق روحاى باك هست ... روحهاى شيرة كلناك هست
واجبست اظهار اين نيك وتباه ... همجنان اظهار كندمها زكاه(11/297)
هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39)
{ هو } اى الله تعالى وهو مبتدأ خبره قوله { الذى جعلكم خلائف فى الارض } جمع خليفة واما خلفاء فجمع خليف وكلاهما بمعنى المستخلف اى جعلكم خلفاء فى ارضه والقى اليكم مقاليد التصرف فيها وسلطكم على ما فيها واباح لكم منافعها او جعلكم خلفاء ممن كان قبلكم من الامم واورثكم ما بايديهم من متاع الدنيا لتشكروه بالتوحيد والطاعة
وفيه اشارة الى ان كل واحد من الافاضل والاراذل خليفة من خلفائه فى ارض الدنيا . فالافاضل يظهرون جمال صنائعه فى مرآة اخلاقهم الربانية وعلومهم اللدنية . والاراذل يظهرون كمال بدائعه فى مرآة حرفهم وصنعة ايديهم . ومن خلافتهم ان الله تعالى استخلفهم فى خلق كثير من الاشياء كالخبز فانه تعالى يخلق الحنطة بالاستقلال والانسان بخلافته يطحنها ويخبزها وكالثواب فانه تعالى يخلق القطن والانسان يغزله وينسج منه الثوب بالخلافة وهلم جرا { فمن } [ بس هركه ] { كفر } منكم نعمة الخلافة بان يخالف امر مستخلفه ولا ينقاد لاحكامه ويتبع هواه { فعليه كفره } اى وبال كفره وجزاؤه وهو الطرد واللعن والنار لا يتعداه الى غيره { ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم الا مقتا }
قال الراغب المقت البغض الشديد لمن يراه متعاطيا لقبيح : يعنى [ نتيجة كفرايشان بنسبت مكر بغض ربانى كه سبب غضب جاودانى همان تواند بود ] { ولا يزيد الكافرين كفرهم الا خسارا } [ مكر زيانى در آخرت كه حرمانست ازجنت ] والتكرير لزيادة التقرير والتنبيه على ان اقتضاء الكفر لكل واحد من الامرين الهائلين القبيحين بطريق الاستقلال والاصالة . والتنكير للتعظيم اى مقتا عظيما ليس وراءه خزى وصغار وخسارا عظيما ليس بعده شر وتبار(11/298)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40)
{ قل } تبكيتا لهم { أرأيتم } [ آياد يديد ] { شركاؤكم } اى آلهتكم وصنامكم والاضافة اليهم حيث لم يقل شركائى لانهم جعلوهم شركاء الله وزعموا ذلك من غير ان يكون له اصل ما اصلا { الذين تدعون } [ ميخوانيد ايشانرا ومى برستيد ] { من دون الله } اى حال كونكم متجاوزين دعاء الله وعبادته { ارونى } اخبرونى : وبالفارسية [ بنماييد وخبر كنيد مرا ] وذلك لان الرؤية والعلم سبب الاخبار فاستعمل الاراءة فى الاخبار وهو بدل من أرأيتم بدل اشتمال كأنه قيل اخبرونى عن شركائكم ارونى { ماذا خلقوا من الارض } أى جزء من اجزاء الارض استبدوا بخلقه دون الله والمراد من الاستفهام نفى ذلك : وبالفارسية [ اين شركا جه جيز آفريده اند اززمين وآنجه درو برويست ] { ام لهم } [ آياهست ايشانرا ] { شرك فى السموات } شركة مع الله فى خلق السموات ليستحقوا بذلك شركة فى الالوهية ذاتية { ام آتيناهم } اى الشركاء ويجوز ان يكون الضمير للمشركين { كتابا } ينطق بانا اتخذناهم شركاء { فهم على بينت منه } اى حجة ظاهرة من ذلك الكتاب بان لهم شركة جعلية
ولما نفى انواع الحجج فى ذلك اضرب عنه بذكر ما حملهم عليه وهو التقدير فقال { بل } [ نه جنين است بلكه ] { ان } نافيه اى ما { يعد الظالمون } [ وعده نمى دهند مشركان برخى ايشان كه اسلاف يا رؤسا واشرافنند ] { بعضا } [ برخى ديكررا كه اخلاف ويا اراذل واتباعند ] { الا غرورا } بالطلا لا اصل له وهو قولهم هؤلاء شفعاؤنا عند الله وهو تغرير محض يسفه بذلك آراؤهم وينبئهم على ذميم احوالهم وافعالهم وخسة هممهم ونقصان عقولهم باعراضهم عن الله واقبالهم على ما سواه
فعلى العاقل ان يصحح التوحيد ويحققه ولا يرى الفاعل والخالق الا الله
وعن ذى النون رضى الله عنه قال بينا انا اسير فى تيه بنى اسرائيل اذا انا بجارية سوداء قد استلبها الوله من حب الرحمن شاخصة ببصرها نحو السماء فقلت يا بطال ان الله تعالى خلق الارواح قبل الاجساد بالفى عام ثم ادارها حول العرش فما تعارف منها ائتلف وماتنا كرمنها اختلف فعرفت يا ابا الفيض ضع على جوارحك ميزان القسط حتى يذوب كل ما كان لغير الله ويبقى القلب مصفى ليس فيه غير الرب فحينئذ يقيمك على الباب ويوليك ولاية جديدة ويأمر الخزان لك بالطاعة فقلت يا اختاه زيدينى فقالت يا ابا الفيض خذ من نفسك لنفسك واطع الله اذا خلوت يجبك اذا دعوت ولن يستحيب الا من قلب غير غافل وهو قلب الموحد الحقيقى الذى زال عنه الشرك مطلقا
اكرجه آينة دارى از براى رخش ... ولى جه سودكه دارى هميشة آينه تار
بيا بصيقل توحيد زآينه بزدآى ... غبار شرك كه تاباك كرددا ززنكار(11/299)
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)
{ ان الله يمسك السموات والارض } اى يحفظهما بقدرته فان الامساك ضد الارسال وهو التعلق بالشئ وحفظه { ان تزولا } الزوال الذهاب وهو يقال فى كل شئ قد كان ثابتا قبل اى كراهة زوالهما عن اماكنهما فان الممكن حال بقائه لا بدله من حافظ فعلى هذا يكون مفعولا له او يمنعها من ان تزولا لان الامساك منع يقال امسكت عنه كذا اى منعته فعلى هذا يكون مفعولا به { ولئن زالتا } اى والله لئن زالت السموات والارض عن مقرهما ومركزهما بتخليتهما كما يكون يوم القيامة { ان } نافية اى ما { امسكهما } [ نكاه ندارد ايشانرا ] اى ما قدر على اعادتهما الى مكانهما { من احد } [ هيج يكى ] ومن مزيدة لتأكيد نفى الامساك عن كل احد { من بعده } من للابتداء اى من بعد امساكه تعالى او من بعد الزوال والجملة سادة مسد الجوابين للقسم والشرط { انه } سبحانه { كان حليما } غير معاجل بالعقوبة التى تستوجبها جنايات الكفار حيث امسكهما وكانتا جديرتين بان تهدّا هدّا لعظم كلمة الشرك { غفورا } لمن رجع عن كلمة الكفر وقال بالوحدانية
والحلم ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب كما فى المفردات
والفرق بين الحليم والصبور ان المذنب لا يأمن القعوبة فى صفة الصبور كما يأمنها فى صفة الحليم يعنى ان الصبور يشعر بانه يعاقب فى الآخرة بخلاف الحليم كما فى المفاتيح ولعل هذا بالنسبة الى المؤمنين دون الكفار
قال فى بحر العلوم الحليم مجازى اى يفعل بعباده فعل من يحلم على المسيئ ولا يعاجلهم بالعقوبة مع تكاثر ذنوبهم
وفى شرح الاسماء للامام الغزالى رحمه الله تعالى الحليم هو الذى يشاهد معصية العصاة ويرى مخالفة الامر ثم لا يستفزه غضب ولا يعتريه غيظ ولا يحمله على المسارعة الى الانتقام مغ غاية الاقتدار عجلة وطيش
فعلى العاقل ان يتخلق بهذا الاسم بان يصفح عن الجنايات ويسامح فى المعاملات بل يجازى الاساءة بالاحسان فانه من كمالات الانسان
بدى را بدى سهل باشد جزا ... اكر مردى احسن الى من اساء
روى عن بعضهم انه كان محبوسا وكان يعرض غدوة وعشية ليقتل فرأى النبى عليه السلام فى النوم فقال له اقرأ واشار الى هذا الآية فقال كم اقرأ فقال اربعمائة مرة فقرأ فلم يذكر عشرين ليلة حتى اخرج . ولعل سره ان السموات والارض اشارة الى الارواح والاجساد فكما ان الله تعالى يحفظ عالم الصورة من اوجه وحضيضه فكذا يحفظ ما هو انموذجية وهو عالم الانسان . وايضا ان الجانى وان كان مستحقا للعقوبة لكن مقتضى الاسم الحليم ترك المعاجلة بل الصفح بالكلية ففى مداومة الآية استعطاف واستنزال للرحمة على الجسم والروح وطلب بقائهما
واعلم ان التوحيد لنظام العالم بأسره ألا يرى انه لا تقوم الساعة حتى لا يقال فى الارض الله الله اى لا يوجد من يوحد توحيدا حقيقيا فانه اذا انقرض اهل هذا التوحيد وانتقل الامر من الظهور الى البطون يزول العالم وينتقض اجزاؤه لانه اذا يكون كجسد بلا روح والروح اذا فارق الجسد يتسارع الى الجسد البلى والفساد
ففى الآية اخبار عن عظيم قدرة الله على حفظ السموات والارض وامساكهما عن الزوال والذهاب ان الانسان الكامل من حيث انه خليفة الله هو المعاد المعنوى فيه يحفظ الله عالم الارواح والاجسام
وفى الفتوحات المكية لا بد فى كل اقليم او بلد او قرية من ولى به يحفظ الله تلك الجهة سواء كان اهل تلك الجهة مؤمنين او كفارا يروى ان آخر مولود فى النوع الانسانى يكون بالصين فيسرى بعد ولادته العقم فى الرجال والنساء ويدعوهم الى الله فلا يجاب فى هذه الدعوة فاذا قبضه الله وقبض مؤمنى زمانه بقى من بقى مثل البهائم لا يحلون حلالا ولا يحرمون حراما فعليهم تقوم الساعة وتخرب الدنيا وينتقل الامر الى الآخرة(11/300)
مدار نظم امور جهان انسانست ... جميع اهل جهان جسم وجان انسانت
فناى عالم صورت برحلتش مربوط ... مقام بوج سما اوت كرد بارض هبوط(11/301)
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42)
{ واقسموا بالله } اقسم حلف اصله من القسامة وهى ايمان تقسم على اولياء المقتول ثم صار اسما لكل حلف كما فى المفردات والضمير لمشركى مكة : والمعنى [ وسوكند خوردند اهل مكة بخداى تعالى ] { جهد ايمانهم } مصدر فى موقع الحالى اى جاهدين فى ايمانهم . والجهد والجهد الطاقة والمشقة . وقيل الجهد بالفتح المشقة وبالضم الوسع والايمان بالفتح جمع يمين واليمين فى الحلف مستعار من اليمين بمعى اليد اعتبارا بما يفعل المحالف والمعاهد عنده
قال الراغب اى حلفوا واجتهدوا فى الحلف ان يأتوا به على ابلغ ما فى وسعهم انتهى
وكان اهل الجاهلية يحلفون بآبائهم وبالاصنام وبغير ذلك وكانوا يحلفون بالله ويسمونه جهد اليمين وهى اليمين المغلظة كما قال النابغة
حلفت فلم اترك لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مطلب
اى كما ان الله تعالى اعلى المطالب كذلك الحلف به اعلى الاحلاف روى ان قريشا بلغهم قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ان اهل الكتاب كذبوا رسلهم فقالوا لعن الله اليهود والنصارى اتتهم الرسل فكذبوهم وحلفوا { لئن جاءهم نذير } اى والله لئن جاء قريشا نبى منذر { ليكونن اهدى } اطوع واصوب دينا { من احدى الامم [ از يكى امتان كذشته ] اى من كل من اليهود والنصارى فقط ولم يقل من الامم بدون احدى لانه لو قال لجاز ان يراد بعض الامم وقوله فى اواخر الانعام { ان تقولوا انما انزل الكتاب على طائفتين من قبلنا } اى اليهود والنصارى ثم قوله { او تقولوا لو انا انزل علينا الكتاب لكنا اهدى منهم } اى الى الحق لا ينافى العموم لان تخصيص الطائفتين وكتابيهما انما هو لاشتهارهما بين الامم واشتهارهما فيما بين الكتب السماوية
وقال بعضهم معنى من احدى الامم من الامة التى يقال لها احدى الامم تفضيلالا على غيرها فى الهدى والاستقامة ومنه قولهم للداهية هى احدى الدواهى اى العظيمة واحدى سبع اى احدى ليالى عاد فى الشدة
وفى الآية اشارة الى ان الانسان لما كان مركبا من الروح والجسد فبروحانيته يميل الى الدين وما يتعلق به وببشريته يميل الى الدنيا وما يتعلق بها الكافر والمؤمن فيه سواء الا ان الكافر اذا مال الى شئ من الدين بحسب غلبة روحانية على بشريته وعاهد عليه ثم وقع فى معرض الوفاء به لم توافقه نفسه لانها مائلة الى الكفر راغبة عن الدين وظلمة الكفر تحرّضه على نقض العهد فينقضه وان المؤمن اذا مال الى شئ من الدنيا بحسب غلبة بشريته على روحانية وعاهد عليه وهو يريد الوفاء به يمنعه نور ايمانه عن ذلك ويحرضه على نقض العهد فينقضه وكذلك المريد الصادق اذا اشتد عليه القبض وملت نفسه من مقاساة شدة الرياضة والمجاهدة يمنى نفسه بنوع من الرخص استمالة لها وربما عاهد الله عليه ويؤكد الشيطان فيه عهده ويمنيه وبعده فاذا وقع فى معرض الوفاء واراد ان يفى بعده فاذا صدقت ارادته تسبق عزيمته وتحرك سلسلة طلبه فينقض عهده مع النفس ويجدد عهد الطلب مع الله ويتمسك بدوام الذكر وملازمته الى ان بفتح الله بمفتاح الذكر باب قلبه الى الحضرة ويزهق بمجيئ الحق باطل ما تمناه { فلما جاءهم نذير } وأى نذير افضل الكل واشرف الانبياء والرسل عليهم السلام { ما زادهم } اى النذير او مجيئه على التسبب { الا نفورا } تباعدا عن الحق والهدى : وبالفارسية [ مكر رميدن از حق ودورشدن ](11/302)
اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)
{ استكبارا فى الارض } بدل من نفورا او مفعول له يعنى عتوا على الله وتكبرا عن الايمان به : وبالفارسية : [ كردن كثى ازفرمان الهى ]
قال فى بحر العلوم الاسكتبار التكبر كالاستعظام والتعظم لفظا ومعنى انتهى
قال بعض الكبار ان الله تعالى قد انشأك من الارض فلا ينبغى لك ان تعلو على امك
زخاك آفريدت خداوند باك ... بس اى بنده افتادكى كن جوخاك
{ ومكر السيئ } عطف على استكبار او على نفورا واصله ان مكروا المكر السيئ فحذف الموصوف استغناء بوصفه ثم بدل ان مع الفعل بالمصدر ثم اضيف اتساعا
قال فى تاج المصادر [ المكر : تاريك شدن شب ] ومنه اشتق المكر لانه السعى بالفساد فى خفيه
وقال الراغب المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة وذلك ضربان محمود وهو ان يتحرى بذلك فعل جميل وعلى ذلك قوله { والله خير الماكرين } ومذموم وهو ان يتحرى به فعل قبيح انتهى
ومنه الآية ولذا وصف بالسيئ والمعنى ما زادهم الا المكر السيئ فى دفع امره عليه السلام بل وفى قتله واهلاكه : وبالفارسية [ وآنكه مكر كردند مكرى بد يعنى حيلة اند يشيدند در هلاك كردن آن تدبير ] { ولا يحيق المكر السيئ الا باهله }
قال فى القاموس حاق به يحيق حيقا وحيوقا وحقيانا احاط به كاحاق وحاق بهم العذاب احاط ونزل كما فى المختار والحيق ما يشتمل على الانسان من مكروه فعله والمعنى ولا يحيط المكر السيئ الا باهله وى يعنى مرك هر ما كرى بوى احاطه كندو اطراف وحوانب وى فرو كيرد وهرجه رد باب قصد كسى انديشيده باشد در بارة خود مشاهد نمايد ]
قال فى بحر العلوم المعنى الا حيقا ملصقا باهله وهو استثناء مفرغ فيجب ان يقدر له مستثنى منه عام مناسب له من جنسه فيكون التقدير ولا يحيق المكر السيئ حيقا الا حيقا باهله وفى الحديث « لا تمكروا ولا تعينواما كرا فان الله يقول ولا يحيق المكر السيئ حيقا الا باهله ولا تبغوا ولا تعينوا باغيا فان الله يقول انما بغيكم على انفسكم » واما قوله عليه السلام « انصر اخاك طالما او مظلوما » فمعناه بالنسبة الى نصرة الظالم ان تنصره على ابليس الذى يوسوس فى صدره بما يقع منه فى الظلم بالكلام الذى تستحليه النفوس وتنقاد اليه فتعينه على رد ما وسوس اليه الشيطان من ذلك وفى حديث آخر « المكر والخديعة فى النار » يعنى اصحابهما لانهما من اخلاق الكفار لا من اخلاق المؤمنين الاخيار وفى امثالهم من حفر لاخيه جبا وقع فيه منكبا فلا يصيب الشر الا اهل الشر [ وابن باميين را درين باب قطعه است اين دوبيت اينجا ثبت افتاد ](11/303)
درباب من زروى حسد يكدو ناشناس ... دمها زدند وكوره تزوير تافتند
زاعمال نفسهم همه نيكى بمن رسيد ... وايشان جزاى فعل بدخويش يافتند
جعلنا الله واياكم ممن صفا قلبه من الغل والكدر وحفظنا من الوقوع فى الخطر { فهل ينظرون } النظر هنا بمعنى الانتظار اى ما ينتظرون : وبالفارسية [ بس آيا انتظار ميبرند مكذبان ومكاران يعنى نمى برند وجشم نمى دارند ] { الا سنة الاولين } اى سنة الله فى الامم المتقدمة بتعذيب مكذبيهم وما كريهم . والسنة الطريقة وسنة النبى طريقته التى كان يتحراها وسنة الله طريقة حكمته { فلن } الفاء لتعليل ما يفيده الحكم بانتظارهم العذاب من مجيئه { تجد } [ بس نيابى توالبته ] { لسنة الله تبديلا } بان يضع موضع العذاب غير العذاب وهو الرحمة والعفو { ولن تجد لسنة الله تحويلا } بان ينقله من المكذبين الى غيرهم [ والتحويل : بكردانيدن ] ونفى وجدان التبديل والتحويل عبارة عن نفى وجودهما بالطريق البرهانى وتخصيص كل منهما بنفى مستقل لتأكيد انتفائهما
وفى الآية تنبيه على ان فروع الشرائع وان اختلفت صورها فالغرض المقصود منها لا يختلف ولا يتبدل وهو تطهير النفس وترشيحها للوصول الى ثواب الله وجواره كما فى المفردات(11/304)
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44)
{ أولم يسيروا فى الارض } الهمزة للانكار والنفى والواو للعطف على مقدر اى اقعد مشركوا مكة فى مساكنهم ولم يسيروا ولم يمضوا فى الارض الى جانب الشام واليمن والعراق للتجارة { فينظروا } اى هلكوا لما كذبوا الرسل وآثار هلاكهم باقية فى ديارهم { وكانوا } اى والحال ان الذين من قبلهم كعاد وثمود وسبأ كانوا { اشد منهم قوة } [ سخترين ازمكيان ازروى توانايى ] واطول اعمارا فما نفعهم طول المدى وما اغنى عنهم شدة القوى { وما كان الله ليعجزه من شئ } [ الاعجاز : عاجز كردن ] واللام ومن لتأكيد النفى والمعنى استحال من كل الوجوه ان يعجز الله تعالى شئ ويسبقه ويفوته { فى السموات ولا } تأكيد آخر لما النافية ففى هذا الكلام ثلاثة تأكيدات { فى الارض } [ بس هرجه خواهد كند وكسى بر حكم او ييشى نكيرد ] { انه } تعالى { كان عليما } بليغ العلم بكل شئ فى العالم مما وجد ويوجد { قديرا } بليغ القدرة على كل ممكن ولذلك علم بجميع اعمالهم السيئة فعاقبهم بموجبها فمن كان قادرا على معاقبة من قبلهم كان قادرا عل معاقبتهم اذا كانت اعمالهم مثل اعمالهم والآية وعظ من الله تعالى ليعتبروا
نرود مرغ سوى دانه فراز ... جون دكر مرغ بينداندر بند
بند كيراز مصائب دكران ... تانكيرند ديكران زتوبند
والاشارة انه ما خاب له تعالى ولى ربح له عدو فقد وسع لاوليائه فضلا كثيرا ودمر على اعدائه تدميرا وسبب الفضل والولاية هو التوحيد كما ان سبب القهر والعداوة هو الشرك
قال بعض الكبار ما اخذ الله من اخذ من الامم الا فى الآخر النهار كالعنين وذلك لان اسباب التأثير الآلهى المعتاد فى الطبيعة قد مرت عليه وما اثرت فيه فدل على ان العنة فيه استحكمت لا تزول فلما عدمت فائدة النكاح من لذة وتناسل فرق بينهما اذ كان النكاح موضوعا للالتذاذ او للتناسل اولهما معا او فى طائفة لكذا وفى حق اخرى لكذا وفى حق اخرى للمجموع وكذلك اليوم فى حق من اخذ من الامم اذا انقضت دورته وقع الاخذ الآلهى فى آخره انتهى
كلامه قدس سره
واعلم ان الله تعالى امهل عباده ولم يأخذها بغتة ليروا ان العفو والاحسان احب اليه من الاخذ والانتقام وليعلموا شفقته وبره وكرمه وان رحمته سبقت غضبه ثم انهم اذا لم يعرفوا الفضل من العدل واللطف من القهر والجمال من الجلال اخذهم فى الدنيا والاخرة بانواع البلاء والعذاب وهى تطهير فى حق المؤمن وعقوبة محضة فى حق الكافر لانه ليس من اهل التطهير اذ التطهير انما يتعلق بلوث المعاصى غير الكفر عصمنا الله واياكم مما يوجب سخطه وعذابه وعقابه { ولو يؤاخذ الله الناس } جميعا(11/305)
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)
{ ولو يواخذكم الله الناس } جميعا { بما كسبوا } من المعاصى : وبالفارسية [ واكر مؤاخذة كرد خداى تعالى مردمانرا بجزاى آنجه كسب ميكنند از شرك ومعصيت جنانكه مؤاخذه كرد امم ماضيه ] { ما ترك على ظهرها } الظهر بالفارسية [ بشت ] والكناية راجعة الى الارض وان لم يسبق ذكرها لكونها مفهومة من المقام { من دابة } من نسمة تدب عليها من بنى آدم لانهم المكلفون المجازون ويعضده ما بعد الآية او من غيرهم ايضا فان شؤم معاصى المكلفين يلحق الدواب فى الصحارى والطيور فى الهواء بالقحط ونحوه
ولذا يقال من اذنب ذنبا فجميع الخلق من الانس والدواب والوحوش والطيور والذر خصماؤه يوم القيامة وقد اهلك الله فى زمان نوح عليه السلام جميع الحيوانات الا ما كان منها فى السفينة وذلك بشؤم المشركين وسببهم
وقال بعض الائمة ليس معناه ان البهيمة توخذ بذنب ابن آدم ولكنها خلقت لابن آدم فلا معنى لابقائها بعد افناء من خلقت له { ولكن يؤخرهم الى اجل مسمى } وقت معين معلوم عند الله وهو يوم القيامة { فاذا جاء اجلهم } [ بس جون بيايد وقت هلاك ايشان ] { فان الله كان بعباده بصيرا } فيجازيهم عند ذلك باعمالهم ان خيرا فخير وان شرا فشر
آنرا بلوامع رضا بنوازد ... اين را بلوامع غضب بكدازد
كس را بقضاى قدرتش كارى نيست ... آنست صلاح خلق كوميسازد
وفى الآية اشارة الى انه ما من انسان الا يصدر منه ما يستوجب المؤاخذة ولكن الله تعالى بفضله ورحمته يمهل ثم يؤاخذ من كان اهل المؤاخذة ويعفو عمن هو اهل العفو
ففى الآية بيان حلمه تعالى وارشاد للعباد الى الحلم فان الحلم حجاب الآفات وملح الاخلاق
وساد احنف بن قيس بعقله وحلمه حتى كان يتجرد لامره مائة الف سيف وكان امراء الامصار يلتجئون اليه فى المهمات وهو المضروب به المثل فى الحلم وقال له رجل دلنى على المروء فقال عليك بالخلق الفسيح والكف عن القبيح ثم قال ألا ادلك على ادوى الداء قال بلى قال اكتساب الذم بلا منفعة
ومن بلاغات الزمخشرى « البأس والحلم حاتمى واحنفى : والدين والعلم حنيفى وحنفى » وفيه لف ونشر على الترتيب والبأس الشجاعة وفيها السخاوة اذ لا تكون الشجاعة والا بسخاوة النفس ولا تكون السخاوة الا بالشجاعة فان المال محبوب لا يصدر انفاقه الا ممن غلب على نفسه . والجود منسوب الى ابراهيم بن الحنيف معلم ابى حنيفة رحمه الله . والعلم منسوب الى ابى حنيفة وفى هذا المعنى قيل
الفقه زرع ابن مسعود وعلقمة ... حصاده ثم ابراهيم دوّاس
نعمان طاحنه يعقوب عاجنه ... محمد خابز والآكل الناس
ثم ان الحلم لا بد وان يكون فى محله كما قيل
ارى الحلم فى بعض المواضع ذلة ... وفى بعضها عزا يسود فاعله
وكذلك الاحسان فانه انا يحسن اذ وقع فى موقعه
هر آنكس كه بردزد رحمت كند ... ببازوى خود كاروان ميزند
ثم ان البصير هو المدرك لكل موجود برؤيته
وخاصية هذا الاسم وجود التوفيق فمن قرأه قبل صلاة الجمعة مائة مرة فتح الله بصيرته ووفقّه لصالح القول والعمل نسأل الله سبحانه ان يفتح بصيرتنا الى جانب الملكوت ويأخذنا عن التعلق بعالم الناسوت ويحلم عنا باسمه الحليم ويختمنا بالخير ممن اتى بقلب سليم(11/306)
يس (1)
{ يس } اما مسرود على نمط التعديل فلا حظ له من الاعراب او اسم للسورة وعليه الاكثر فمحله الرفع على انه خبر مبتدأ محذوف اى هذه يس او النصب على انه مفعول لفعل مضمر اى اقرأ يس ويؤيد كونه اسم السورة قوله عليه السلام « ان الله تعالى قرأ طه ويس قبل ان خلق آدم بالفى عام فاذا سمعت الملائكة قالوا طوبى لامى ينزل عليهم هذا وطوبى لالسن تتكلم بهذا وطوبى لا جواف تحمل هذا » [ ودر خبرست كه جون دوستان حق در بهشت رسند از جناب جبروت ندا آيدكه از ديكران بسيار بشنيديد وقت آن آمدكه از ما شنويد « فيسمعهم سورة الفاتحة وطه ويس » مصطفى عليه السلام كفت ] « كأن الناس لم يسمعوا القرآن حين سمعوا الرحمن يتلوه عليهم » كما فى كشف الاسرار
وقال بعضهم ان الحروف المقطعة اسماء الله تعالى ويدل عليه ان عليا رضى الله عنه كان يقول « يا كهيعص يا حمعسق » فيكون مقسما به مجرورا او منصوبا باضمار حرف القسم وحذفه والمراد بحذفه ان لا يكون اثره باقيا وباضماره ان يبقى اثره مع عدم ذكره ففى نحو الله لافعلن يجوز النصب بنزع الخافض واعمال فعل القسم المقدر ويجوز الجر ايضا باضمار حرف الجر اى اقسم بيس اى الله تعالى
وفى الارشاد لامساغ للنصب باضمار فعل لاقسم لان ما بعده مقسم به وقد ابوا الجمع بين القسمين على شئ واحد قبل انقضاء الاول
وقال بعض الحكماء الالهية انها اسماء ملائكة هم اربعة عشر كما سبق بيان فى طسم
وعن ابن عباس رضى الله عنهما ولعل اصله يا انيسين تصغير هو الله تعالى وهو لا يقول ولا يفعل الا ما هو صواب وحكمة فتكون « يا » من يس حرف نداء و « سين » شطر انيسين فلما كثر النداء به فى ألسنتهم اقتصروا على شطره الثانى للتخفيف كما قالوا فى القسم من الله اصله ايمن الله [ واين خطاب باصورت رد بشريت مصطفاست عليه السلام جنانكه جاى ديكر كفت { قل انما انا بشر مثلكم } ازانجا كه انسانيت وجنسيت آنست او مشاكل خلق است واين خطاب بانسان بروفق آنست واز آنجاكه شرف نبوتست وتخصيص رسالت خطاب باوى اينست كه ( يا ايها النبى : يا ايها الرسول ) واين خطاب كه باصورت وبشري ازبهر آن رفت كه تانقاب غيرت سازند وهر نامحر مرا برجمال وكمال وى اطلاع ندهند اين جنانست كه كويند ]
ارسلانم خوان تاكس نه بداندكه كيم ... وعن ابن الحنفية معناه يا محمد دليله قوله بعده انك لمن المرسلين وفى الحديث « ان الله سمانى بسبعة اسماء محمد واحمد وطه ويس والمزمل والمدثر وعبد الله »(11/307)
ويؤيده انه يقال لاهل البيت آل يس كما قيل سلام على ال طه ويس سلام على ال خير الببين
لله دركمو يا آل سا سينا ... يقول الفقير يحتمل ان يكون المراد يس اول من عظمه الله تعالى بما فى سورة يس فلا يحصل التأييد
وقال الكاشفى [ حقيقت آنست كه دركلام عرب از كلمة بحر فى تعبير ميكنند جنانجه
قد قلت لها قفى فقالت ق ... اى وقفت بس ميشايد كه جرف سين اشارت بكلمة يا سيد البشر او يا سيد الاولين والآخرين وحديث « انا سيد ولد آدم » تفسير اين حرف بود ] كما قال فى العرائس لم يمدح عليه السلام بذلك نفسه ولكن اخبر عن معنى مخاطبة الحق اياه بقوله يس انتهى
[ وديكر ببايد دانست كه ازميان حروف سين را سويت اعتدالي هست كه ميان زبر وبينات او توافق وتساوى هست وهيج حرفى ديكر آن حال ندارد لا جرم مخصوص بحضرت ختميه است صلى الله عليه وسلم كه عدالت حقيقى خواه در طريق توحيد وخواه دراحكام شرع بد و اختصاص دارد
تراست مرتبة اعتدال درهمه حال ... كه در خصائص توحيد اعدل ازهمة
تمكن است ترا در مقام جمع الجمع ... بدين فضيلت مخصوص افضلى ازهمة
واز فحواى كلمات سابقة روايح رياحين قلب القرآن يس استشمام ميتواند نمود ] وسيجيء تمامه فى آخر السورة ان شاء الله تعالى
وقال نعمة الله النقشبندى يا من تحقق بينبوع بحر اليقين وسبح سالما من الانحراف والتلوين
وشيخ نجم الدين [ كفت قسمست بيمن نبوت حبيب وبسر مطهر او ]
وقال البقلى اقسم بيد القدرة الازلية وسناء الربوبية
وقال القشيرى الياء يشير الى يوم الميثاق والسين الى سره مع الاحباب كأنه قال بحق يوم الميثاق وسرى مع الاحباب والقرآن الخ
وذهب قوم الى ان الله تعالى لم يجعل لاحد سبيلا الى ادراك معانى الحروف فى اوائل السور وقالوا ان الله تعالى متفرد بعلمها ونحن نؤمن بانها من جملة القرآن العظيم ونكل علمها اليه تعالى ونقرأها تعبدا وامتثالا لامر الله وتعظيما لكلامه وان لم نفهم منها ما نفهمه من سائر الآيات [ درينابيع آورده كه هر حرفى ازحروف مقطعه را سريسا ازاسرار خزانة غيب كه حضرت حق حبيب خودرا بر آن اطلاع داده بعد ازان جبرائيل برآن نازل شده وجزانة ورسول الله مقبول كسى بر آن وقوف ندارد ]
قال الشيخ ابن نور الدين في بعض وارداته سألت رسول اله صلى الله عليه وسلم عن اسرار المتشابهات من الحروف فقال هى من اسرار المحبة بينى وبين الله فقلت هل يعرفها احد فقال ولا يعرفها جدى ابراهيم عليه السلام هى من اسرار الله تعالى التى لا يطلع عليها نبى مرسل ولا ملك مقرب ويؤيده ما فى الاخبار ان جبريل عليه السلام نزل بقوله تعالى(11/308)
{ كهيعص } فلما قال كاف قال النبى عليه السلام « علمت » فقال ها فقال « علمت » فقال يا فقال « علمت » فقال صاد فقال « علمت » فقال جبريل كيف علمت ما لم اعلم
يقول الفقير لا شك انه عليه السلام وصل الى مقام فى الكمال لم يصل اليه احد من كمال الافراد فضلا عن الغير ويدل عليه عبوره ليلة المعراج جميع المواطن والمقامات فلهذا جاز ان يقال لم يعرف احد من الثقلين والملائكة ما عرفه النبى عليه فان علوم الكل بالنسبة الى علمه كقطرة من البحر فله عليه السلام علم حقائق الحروف بما لا مزيده عليه بالنسبة الى ما فى حد البشر واما غيره فلهم علم لوازمها وبعض حقائق الحروف بما لا مزيدة عليه بالنسبة الى ما فى حد البشر واما غيره فلهم علم لوازمها وبعض حقائقها بحسب استعداداتهم وقابلياتهم هذا ما يعطيه الحال والله تعالى اعلم بالخفايا والاسرار وما ينطوى عليه كتابه ويحيط به خطابه(11/309)
وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2)
{ والقرآن } بالجر على انه مقسم به ابتداء { الحكيم } اى الحاكم كالعليم بمعنى العالم فانه يحكم بما فيه من الاحكام او المحكم من التناقض والعيب ومن التغير بوجه ما كما قال تعالى { وانا له لحافظون } وهو الذى احكم نظمه واسلوبه واتقن معناه وفحواه او ذى الحكمة اى المتظمن لها والمشتمل عليها فانه منبع كل حكمة ومعدن كل عظة فيكون بمعنى النسب مثل تامر بمعنى ذى ترما او هو من قبيل وصف الكلام بصفة المتكلم به اى الحكيم قائله(11/310)
إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3)
{ انك } يا اكمل الرسل وافضل الكل وهو مخاطبة المواجهة بعد شرف القسم بنفسه وهو مع قوله { لمن المرسلين } جواب للقسم والجملة لرد انكار الكفرة بقولهم فى حقه عليه السلام لست مرسلا وما ارسل الله الينا رسولا . والارسال قد يكون للتسخير كارسال الريح والمطر وقد يكون ببعث من له اختيار نحو ارسال الرسل كما فى المفردات
قال فى بحر العلوم هو من الايمان الحسنة البديعة لتناسب بين المرسل به والمرسل اليه اللذين احدهما المقسم المنزل الآخر المقسم عليه المنزل اليه انتهى
وهذه الشهادة منه تعالى من جملة ما اشير اليه بقوله تعالى { قل كفى بالله شهيدا بينى وبينكم } ولم يقسم الله لاحد من انبيائه بالرسالة فى كتابه الاله
قال فى انسان العيون من خصائصه عليه السلام ان الله تعالى اقسم على رسالته بقوله { يس والقرآن الحكيم انك لمن المرسلين } : قال الشيخ سعدى قدس سره
ندانم كدامين سخن كويمت كه والا ترى زانجه من كويمت
تراعز لولاك تمكين بس است ثناى توطه ويس بس است
ومعنى ثناء طه انه عليه السلام صلى فى الليالى حتى تورمت قدماه فقال تعالى طه اى ياطه او يا طالب الشفاعة وهادى البشر ما انزلنا عليك القرآن لتشقى اى لتقع به فى التعب
وقال بعضهم الطاء تسعة والهاء خمسة معناه يا من هو كالقمر المنير ليلة البدر ومعنى ثناء يس ما ذكر من الاقسام على رسالته مع انه يحتمل ان يراد بيس يا سيد البشر ونحوه على ما سلف وذلك ثناء من الله أى ثناء(11/311)
عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)
{ على صراط مستقيم } خبر آخر لان اى متمكن على توحيد وشرائع موصلة الى الجنة والقربة والرضى واللذة واللقاء وفى موضع انك لعلى هدى مستقيم [ يعنى كه نو از سالنى بر طريقى راست بردينى درست وشريعتى باك وسيرتى بسنديده ] كما فى كشف الاسرار
فان قلت أى حاجة الى قوله على { صراط مستقيم } ومن المعلوم ان الرسل لا يكونون الا على صراط مستقيم
قلت فائدة وصف الشرع بالاستقامة صريحا وان دل عليه { لمن المرسلين } التزاما فجمع بين الوصفين فى نظام واحد كأنه قال انك لمن المرسلين الثابتين على طريق ثابت استقامته وقد نكره ليدل به على انه ارسل من بين الصرط على صراط مستقيم لا يوازيه صراط ولا يكتنه وصفه فى الاستقامة فالتنكير للتفخيم
وفى التأويلات النجمية يشير بقوله { يس } الى { مستقيم } الى سيادة النبى عليه السلام والى انه ما بلغ احد من المرسلين الى رتبته فى السيادة وذلك لانه تعالى اقسم بالقرآن الحكيم انه لمن المرسلين على صراط مستقيم الى قاب قوسين من القرب او ادنى اى بل ادنى من كمال القرب كما قال صلى الله عليه وسلم « لى مع الله وقت لا يسعنى فيه ملك مقرب ولا نبى مرسل » فان لكل نبى مرسل سيرة الى مقام معين على صراط مستقيم هو صراط الله كما ان النبى عليه السلام اخبر انه رأى ليلة المعراج فى كل سماء بعض الانبياء حتى قال عليه السلام « رأيت موسى عليه السلام فى السماء السادسة ورأى ابراهيم عليه السلام فى السماء السابعة » وقد عبر عنهم الى كمال رتبة ما بلغ احد من العالمين اليها(11/312)
تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)
{ تنزيل العزيز الرحيم } نصب على المدح باضمار اعنى والتقدير اعنى بالقرآن الحكيم تنزيل العزيز الرحيم انك لمن المرسلين لتنذر الخ وهو مصدر بمعنى المفعول اى المنزل كما تقول العرب هذا الدرهم ضرب الامير اى مضروبة عبر به عن القرآن لكمال عراقته فى كونه منزلا من عند الله تعالى كأنه نفس التنزيل [ وتنزيل بناء كثرات ومبالغة است اشارت است كه اين قرآن بيكبار از آسمان فرو آمد بلكه بكرات ومرات فرو آمد بمدت بيست وسه سال سيزده سال بمكه وده سال بمدينة نجم نجم آيت آيت سورت سورت جنانكه حاجت بود ولائق وقت بود ]
والعزيز الغالب على جميع المقدورات المتكبر الغنى عن طاعة المطيعين المنتقم ممن خالفه ولم يصدق القرآن
وخاصية هذا الاسم وجود الغنى والعز صورة او حقيقة او معنى فمن ذكره اربعين يوما فى كل يوم اربعين مرة اعانه الله تعالى واعزه فلم يحوجه ال ىحد من خلقه
وفى الاربعين الادريسية يا عزيز المنيع الغالب على امره فلا شئ يعادله
قال السهروردى من قرأه سبعة ايام متواليات كل يوم الفا اهلك الله خصمه وان ذكره فى وجه العسكر سبعين مرة ويشير اليهم بيده فانهم ينهزمون
والرحيم المتفضل على عباده المؤمنين بانزال القرآن ليوقظهم من نوم الغفلة ونعاس النسيان
وخاصية هذا الاسم رقة القلب والرحمة للمخلوقين فمن داومه كل يوم مائة كان له ذلك ومن خاف الوقوع فى مكروه ذكره مع قرينه وهو اسم الرحمن او حمله
وفى الاربعين الادريسية يا رحيم كل صريخ ومكروب وغياثه ومعاذه
قال السهروردى اذا كتبه ومحاه بماء وصب فى اصل شجرة ظهر فى ثمرها البركة ومن شرب من ذلك اشتاق لكاتبه وكذا ان كتب مع اسم الطالب والمطلوب وامه فانه يهتم ويدركه من الشوق ما لا يمكنه الثبات معه ان كان وجها يجوز فيه ذلك والا فالعكس
قال فى الارشاد وفى تخصيص الا سمين الكريمين المعربين عن الغلبة التامة والرأفة العامة حث على الايمان به ترهيبا وترغيبا حسبما نطق به قوله تعالى { وما ارسلناك الا رحمة للعالمين } وفى التأويلات النجمية يشير الى ان القرآن تنزيل من عزيز غنى لا يحتاج الى تنزيله لعلة بل هو رحيم اقتضت رحمته تنزيل القرآن فانه حبل الله يعتصم به الطالب الصادق ويصعد الى سرادقات عزته وعظمته
وفى كشف الاسرار [ عزيز به بيكانكان رحيم بمؤمنان اكر عزيز بود بى رحيم هركز اورا كسى نيابد واكر رحيم بود بى عزيز همه كس اورا يابد عزيز است تاكافران دردنيا اورا ندانند رحيم است در عقبى تامؤمنان اورا بينند ]
دست نقاب خود بكشيد ... عاشقان ذوق وصل او بجشيد
ماند اهل حجاب در برده ... ببلاى فراق او مرده(11/313)
لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)
{ لتنذر } متعلق بتنزيل اى لتخوف بالقرآن { قوما ما انذر آباؤهم } ما نافية والجملة صفة مبينة لغاية احتياجهم الى الانذار . والمعنى لتنذر قوما لم ينذر آباؤهم الاقربون لتطاول مدة الفترة ولم يكونوا من اهل الكتاب ويؤيده قوله تعالى { وما ارسلنا اليهم قبلك من نذير } يعنى العرب وقوله { هو الذى بعث فى الاميين } الى قوله { وان كانوا من قبل لفى ضلال مبين } ويجوز ان تكون ما موصوله او موصوفة على ان تكون الجملة مفعولا ثانيا لتنذر بحذف العائد . والمعنى لتنذر قوما العذاب الذى انذره او عذابا انذره آباؤهم الابعدون فى زمن اسماعيل عليه السلام وانما وصف الآباء فى التفسير الاول بالاقربين وفى الثانى بالابعدين لئلا يلزم ان يكونوا منذرين وغير منذرين فآباؤهم الاقدمون اتاهم النذير لا محالة بخلاف آبائهم الادنين وهم قريش فيكون ذلك بمعنى قوله { أفلم يدبروا القول ام جاءهم ما لم يأت آباءهم الاولين } فان قلت كيف هذا وقد وقعت الفترات فى الازمنة بين نبى ونبى حسبما يحكى فى التواريخ واما الحديث فقيل كان خالد مبعوثا الى بنى عبس خاصة دون غيرهم من العرب وكان بين عهد عيسى وعهد نبينا عليه السلام . ويقال ان قبره بناحية جرجان على قلة جبل يقال له خدا وقد قال فيه الرسول عليه السلام لبعض من بناته جاءته « يا بنت نبى ضيعة قومه » كذا فى الاسئلة المقحمة
ويحتمل التوفيق بوجه آخر وهو ان المراد بالامة التى خلافيها نذير هى الامة المستأصلة فانه لم يستأصل قوم الا بعد النذير والاصرار على تكذيبه وايضا ان خلو النذير فى كل عصر يستلزم وجوده فى كل ناحية والله اعلم { فهم غافلون } متعلق بنفى الانذار مترتب عليه . والضمير للفريقين اى لم ينذر آباؤهم فهم جميعا لاجله غافلون عن الايمان والرشد وحجج التوحيد وادلة البعث والفاء ادخله على الحكم المسبب عما قبله فالنفى المتقدم سبب له يعنى ان عدم انذارهم هو سبب غفلتهم بما انذر آباؤهم الاقدمون لامتداد المدة فالفاء داخلة على سبب الحكم المتقدم . والغفلة ذهاب المعنى عن النفس والنسيان ذهابه عنها بعد حضوره
قال بعضهم الغفلة نوم القلب فلا تعتبر حركة اللسان اذا كان القلب نائما ولا يضر سكونه اذا كان متيقظا ومعنى التيقظ ان يشهده تعالى حافظا له رقيبا عليه قائما بمصالحه . قال المولى الجامى قدس سره
رب تال يفوه بالقرآن ... وهويفضى به الى الخذلان
لعنتست اين كه بهر لهجه وصوت ... شود ازتو حضور خاطر فوت
فكر حسن غنا برد هوشت ... متكلم شود فرا موشت
نشود بر دل توتابنده ... كين كلام خداست يابنده
حكم لعنت ز قفل ب اخلاص ... نيست باقارئان قرآن خاص
بس مصلى كه درميان نماز ... ميكند برخداى عرض نياز
جون در صدق نيست باز برو ... ميكند لعنت آن نماز برو(11/314)
وفى الحديث « الغفلة فى ثلاث الغفلة عن ذكر الله والغفلة فيما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس وغفلة الرجل عن نفسه فى الدين »
وفى كشف الاسرار [ غافلان دواند يكى ازكار دين غافل واز طلب اصلاح خود بى خبر سربدنيا درنهاده ومست شهوت كشته وديدة فكرت وعبرت برهم نهاده حاصل وى آنست كه رب العزة كفت { والذين هم عن آياتنا غافلون اولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون } وفى الخبر « عجبت لغافل وليس بمفعول عنه » [ ديكر غافلى است بسنديه ازكار دنيا وترتيب معاش غافل سلطان حقيقت بر باطن وى استيلا نموده در مكائفة جلال احديث جنان مستهلك شده كه ازخود غائب كشته نه ازدنيا خبر دارد نه از عقبا بزبان حال ميكويد ]
اين جهان دردست عقلست آن جهان دردست روح باى همت برقفاى هر دوده سالار زن
قالوا الصوفى كائن بائن
هركه حق داد نور معرفتش ... كائن بائن بود صفتش
جان بحق تن بغير حق كائن ... تن زحق جان زغير حق بائن
ظاهر او بخلق بيوسته ... باطن او زخلق بكسسته
از درون آشنا وهمخانه ... وزبرون در لبان بيكانه
فاهل هذه الصفة هم المتيقظون حقيقة وان ناموا لانه لا تنام عين العارفين وما سواهم هم النائمون حقيقة وان سهروا لانه لم تنفتح ابصار قلوبهم [ ودر وصايا واردست كه يا على بامردكان منشين على رضى الله عنه كفت يا رسول الله مردكان كيانند كفت اهل جهلت وغفلت ] اللهم اجعلنا من اهل العلم والعرفان والايقان والشهود والعيان وشرفنا بلقائك فى الدارين واصرفنا عن ملاحظة الكونين آمين(11/315)
لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)
{ لقد } اللام جواب القسم اى ولله لقد { حق القول } وجب وتحقق { على اكثرهم } اى اكثر القوم الذين تنذرهم وهم اهل مكة { فهم لا يؤمنون } اى بانذارك اياهم والفاء داخلة على الحكم المسبب عما قبله
واختلفوا فقال بعضهم القول حكم الله تعالى انهم من اهل النار
وفى المفردات علم الله بهم
وقال بعضهم القول كناية عن العذاب اى وجب على اكثرهم العذاب . والجمهور على ان المراد به قوله تعالى لابليس عند قوله { لاغوينهم اجمعين : لاملأن جهنم منك وممن تبعك منهم اجمعين } وهو المعنى بقوله { ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين } وهذا القول لما تعلق بمن تبع ابليس من الجنّ والانس وكان اكثر اهل مكة ممن علم الله منهم الاصرار على اتباعه واختيار الكفر الى ان يموتوا كانوا ممن وجب وثبت عليهم مضمون هذا القول لكن لا بطريق الجبر من غير ان يكون من قبلهم ما يقتضيه بل بسبب اصرارهم الاختيارى على الكفر والانكار وعدم تأثرهم من التذكير والانذير
ولما كان مناط ثبوت القول وتحققه عليهم اصرارهم على الكفر الى الموت كان قوله { فهم لا يؤمنون } متفرعا فى الحيقة على ذلك لا على ثبوت القول
قال الكاشفى [ مراد آنانندكه خداى تعالى ميدانست كه ايشان بركفر ميرند يابر شرك كشته شوند جون ابو جهل واضراب او ] وحقيقة هذا المقام ان الكل سعيدا كان او شقيا يجرون فى هذه النشأة على مقتضى استعداداتهم فالله تعالى يظهر احوالهم على صفحات اعمالهم لا يجبرهم فى شئ اصلا فمن وجد خيرا فليحمد الله تعالى ومن وجد غيره فلا يلومن الانفسه والاعمال امارات وليست بموجبات فان مصير الامور فى النهاية الى ما جرى به القدر فى البداية
وفى الخبر الصحيح روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله تعالى عنهما قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى يديه كتابان فقال للذى فى يده اليمنى « هذا كتاب من رب العالمين فيه اسماء اهل الجنة واسماء آبائهم وقبائلهم ثم اجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم ابدا » ثم قال للذى بشماله « هذا كتاب من رب العالمين فيه اسماء اهل النار واسماء آبائهم وقبائلهم ثم اجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم ابدا » ثم قال بيده فنبذهما ثم قال « فرغ ربكم من العباد فريق فى الجنة وفريق فى السعير » وحكم الله تعالى على الاكثر بالشقاوة فدل على ان الاقل هم اهل السعادة وهم الذين سمعوا فى الازل خطاب الحق ثم اذا سمعوا نداء النبى عليه السلام اجابوه لما سبق من الاجابة لنداء الحق . وانما كان اهل السعادة اقل لان المقصود من الايجاد ظهور الخليفة من العباد وهو يحصل بواحد مع ان الواحد على الحق هو السواد الاعظم فى الحقيقة
قال بعض الكبار من رأى محمدا عليه السلام فى اليقظة فقد رأى جميع المقربين لانطوائهم فيه ومن اهتدى بهداه فقد اهتدى بهدى جميع النبيين .(11/316)
والاسلام عمل . والايمان تصديق . والاحسان رؤية او كالرؤية فشرط الاسلام الانقياد وشرط الايمان الاعتقاد وشرط الاحسان الاشهاد فمن آمن فقد اعلى الدين ومن اعلاه فقد تعرض لعلوه وعزه عند الله تعالى ومن كفر فقد اراد اطفاء نور الله والله نوره : وفى المثنوى
هركه برشمع خدا آرديفو ... شمع كى ميرد بسوز وبوزاو
لما قال المشركون يوم احد اعل هبل اعل هبل اذ لهم الله وهبلهم وهو صنم كان يعبد فى الجاهلية وهو الحجر الذى يطأه الناس فى العتبة السفلى من باب بنى شيبة وهو الآن مكبوب على وجهه وبلط الملوك فوقه البلاط فان كنت تفهم مثل هذه الاسرار والا فاسكت والله تعالى حكيم يضع الامور كلها فى مواضعها فكل ما ظهر فى العالم فهو حكمة وضعه فى محله لكن لا بد من الانكار لما انكره الشارع فاياك والغلط(11/317)
إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8)
{ انا } بمقتضى قهرنا وجلالنا { جعلنا } خلقنا او صيرنا { فى اعناقهم } جمع بالفارسية [ كردن ] والضمير الى اكثر اهل مكة { اغلالا } عظيمة ثقالا جمع غل بالضم وهو ما يشد به اليد الى العنق للتعذيب والتشديد سواء كان من الحديد او غيره
وقال القهستانى الغل الطوق من حديد الجامع لليد الى العنق المانع عن تحرك الرأس
وفى المفردات اصل الغلل تدرع الشئ وتوسطه ومنه الغلل للماء الجارى مختص بما يقيد به فيجعل الاعضاء وسطه وغل فلان قيد به
وقيل للبخيل هو مغلول اليد قال تعالى { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت ايديهم } انتهى
{ فهى الى الاذقان } الفاء للنتيجة او التعقيب . والاذقان جمع ذقن وهو مجتمع اللحيين بالفارسية [ زنخدان ] اى فالاغلال منتهية الى اذقانهم بحيث لا يتمكن المغلول منها من تحرك الرأس والالتفات : وبالفارسية [ بس آن غلها وزنجيرها ييوسته شده بزنخدا نهاى ايشان ونمى كذارندكه سرها بجنبانند ] ووجه ووصل الغل الى الذقن هو اما كونه غليظا عريضا يملأ ما بين الصدر والذقن فلا جرم يصل الى الذقن ويرفع الرأس الى فوق واما كون طوق الغل الذى يجمع اليدين الى العنق بحيث يكون فى ملتقى طرفيه تحت الذقن حلقة يدخل فيها رأس العمود الواصل بين ذلك الطوق وبين قيد اليد خارجا عن الحلقة الى الذقن فلا يخليه يحرك رأسه { فهم مقمحون } رافعون رؤسهم غاضون ابصارهم فان الاقماح رفع الرأس الى فوق مع غض البصر يقال قمح البعير قموحا فهو قامح اذا رفع رأسه عند الحوض بعد الشرب اما لارتوائه او لبرودة الماء او لكراهة طعمه واقمحت البعير شددت رأسه الى خلف واقمحه الغل اذا ترك رأسه مرفوعا من ضيقه
قال بعضهم لفظ الآية وان كان ماضيا لكنه اشارة الى ما يفعل بهم فى الآخرة كقوله تعالى { وجعلنا الاغلال فى اعناق الذين كفروا } الآية ولهذا قال الفقهاء كره جعل الغل فى عنق عبده لانه عقوبة اهل النار
قال الفقيه ان فى زماننا جرت العادة بذلك اذا خيف من الاباق بخلاف التقييد فان غير مكروه لانه سنة المسلمين فى المتمردين هذا والجمهور على ان الآية تمثيل لحال الاكثر فى تصميمهم على الكفر وعدم امتناعهم عنه وعدم التفاتهم الى الحق وعدم انعطاف اعناقهم نحوه بحال الذين غلت اعناقهم فوصلت الاغلال الى اذقانهم وبقوا رافعين رؤسهم غاضين ابصارهم فهم ايضا لا يلتفتون الى الحق ولا يعطفون اعناقهم نحوه ولا يطأطئون رؤسهم ل ولا يكادون يرون الحق او ينظرون الى جهته
وقال الراغب قوله فهم مقمحون تشبيه بحال البعير ومثل لهم وقصد الى وصفهم بالتأبى عن الانقياد للحق وعن الاذعان لقبول الرشد والتأبى عن الانفاق فى سبيل الله انتهى : وفى المثنوى
كفت اغلالا فهم به مقمحون ... نيست آن اغلال برما از برون
بنهد بنهان ليك ازآهن را بتر ... بند آهن را كند باره بتر
بند آهن را توان كردن جدا ... بند غيبى نداند كس دوا
مرد را زبنور اكر نيشى زند ... طبع او آن لحظة بر دفعى تند
زخم نيش اما جوازهستئ تست ... غم قوى باشد نكردد درد ست
قال النقشبندى هى اغلال الامانى والآمال وسلاسل الحرص والطمع بمزخرفات الدنيا الدنية وما يترتب عليها من اللذات الوهمية والشهوات البهيمة(11/318)
وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)
{ وجعلنا } اى خلقنا لهم من كمال غضبنا عليهم وصيرنا { من بين ايديهم } [ از بيش روى ايشان ] { سدا } [ ديوارى وحجابى ] قرأه حفص بالفتح والباقون بالضم وكلاهما بمعنى
وقيل ما كان من عمل الناس بالفتح وكان من خلق الله بالضم { ومن خلفهم } [ از بس ايشان ] { سدا } [ بردة ومانعى ] { فاغشيناهم } [ الاغشاء : بربو شانيدن وكور كردن ] والمضاف محذوف والتقدير غطينا ابصارهم وجعلنا عليها غشاوة وهو ما يغشى به الشئ : وبالفارسية [ بس بيوشيديم جشمهاى ايشانرا ] { فهم لا يبصرون } الفاء داخلة على الحكم المسبب عما قبله لان من احاطه السد من جميع جوانبه لا يبصر شيأ اذ الظاهر ان المراد ليس جهتى القدام والخلف فقط بل يعم جميع الجهات الا ان جهة القدام لما كانت اشرف الجهات واظهرها وجهة الخلف كانت ضدها خصت بالذكر
والآية اما تتمة سدا كذلك فغضينا بهما ابصارهم فهم بسبب ذلك لا يقدرون على ابصارهم شئ ما اصلا . واما تمثيل مستقل فان ما ذكر من جعلهم محصورين بين سدين هائلين قد غطينا بهما ابصارهم بحيث لا يبصرون شيأ قطعا كاف فى الكشف عن فظاعة حالهم وكونهم محبوسين فى مطمورة الغى والجهالات محرومين من النظر فى الادلة والايات
قال الامام المانع من النظر فى الآيات والدلائل قسمان . قسم يمنع من النظر فى الآيات التى فى انفسهم فشبه ذلك بالغل الذى يجعل صاحبه مقحما لا يرى نفسه ولا يقع نظره على الآفاق فلا تتبين له الآيات التى فى الآفاق كما ان المقمح لا تتبين له الآيات التى فى الانفس فمن ابتلى بهما حرم من النظر بالكلية لان الدلائل والآيات مع كثرتها منحصرة فيهما كما قال تعالى { سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى انفسهم } وقوله تعالى { انا جعلنا فى اعناقهم } مع قوله { وجعلنا من بين ايديهم } الخ اشارة الى عدم هدايتهم لآيات الله تعالى فى الانفس والآفاق [ محققان كويند كه سد بيش طول املست وطمع بقا وسد عقب غفلت ازجنايات كذشته وقلت ندم واستغفار بروهركه اورا دوسد جنين احاطه كرده باشد هرآينه جشم او بوشيده باشد از نظردر دلائل قدرت ونه بيندر راه فلاح وهدايت ] وفى المثنوى
خلفهم سدا فاغشينا همو ... مى نه بيند بندرا بيش وبس او
رنك صحرا درد آن سد كه خاست ... او نمى داند كه آن سر قضاست
شاهد تو سد روى شاهداست ... مرشد تو كفت مرشداست
[ وآوردند كه ابو جهل سوكند خورد بلات وعزى كه اكر ييغمبررا عليه السلام درنماز بيند سر مبارك او نعوذ بالله بشكند وعرب را ازو باز رهاند روزى ديد كه آن حضرت نماز مى كرد ودر حرم كعبه آن ملعون دست اورا بجهد بسياراز كردن او دور كردند واين آيت يعنى(11/319)
{ انا جعلنا فى اعناقهم } الخ آمدكه ما ايشانرا بازداشتيم جنانجه مغلولان ازكارها بازداشته شوند ومخزومى ديكر كه وليد بن مغيره است كفت من بروم ويدين سنك محمد را عليه السلام بكشم نعوذ بالله جون بنزديك آن حضرت آمد نابينا شد تاحس وآواز مى شنيد وسك را نديد ] فرجع الى اصحابه فلم يرهم حتى نادوه واخبرهم بالحال فنزل فى حقه قوله تعالى { وجعلنا من بين ايديهم } الخ فيكون ضمير الجمع فى الآيتين على طريقة قولهم بنوا فلان فعلوا كذا والفاعل واحد منهم [ وكفته اند اين آيت حرزى نيكوست كسى را كه ازدشمن ترسد اين آيت برروى دشمن خواند الله تعالى شر آن دشمن ازوى بازدارد دشمن را ازوى در حجاب كند جنانكه بارسلو خدا كرد آن شب كه كافران قصدوى كردند بدر سراى وى آمدند تابر سروى هجوم برند رسول خدا على را رضى الله عنه برجاى خود خوابانيد وبيرون آمد وبايشان بركذشت واين آيت مى خواند { وجعلنا من بين ايديهم سدا } الخ ودشمنان اورا نديدند ودر حجاب بماندند رسو ل بركذشت وقصد مدينة كرد وآن ابتداى هجرت بود ] كذا فى كشف الاسرار
وقال فى انسان العيون لما خرج عليه السلام من بيته الشريف اخذ حفنة من تراب ونثره على رؤس القوم عند الباب وتلا { يس والقرآن الحكيم } الى قوله { فاغشيناهم فهم لا يبصرون } فاخذ الله تعالى ابصارهم عنه عليه السلام فلم يبصروه(11/320)
وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10)
ليهم انذرتهم ام لم تنذرهم } اى مستو عند اكثر اهل مكة انذارك اياهم وعدمه لان قوله { انذرتهم ام لم تنذرهم } وان كانت جملة فعليه استفهامية لكنه فى معنى مصدر مضاف الى الفاعل فصح الاخبار عنه فقد هجر فيه جانب اللفظ الى المعنى ومنه « تسمع بالمعيدى خير من ان تراه » وهمزة الاستفهام وام لتقرير معنى الاستواء والتأكيد فان معنى الاستفهام منسلخ منهما رأسا بتجريدهما عنه لمجرد الاستواء كما جرد حرف النداء عن الطلب لمجرد التخصيص فى قولهم « اللهم اغفر لنا ايتها العصابة » فكما ان هذا جرد حرف النداء وليس بنداء كذلك { ءانذرتهم ام لم تنذرهم } على صورة الاستفهام وليس باستفهام { لا يؤمنون } [ نمى كردند ايشان كه علم قديم موت ايشان بركفر حكم كرده است بسبب اختيار ايشان ] وهو استئناف مؤكد لما قبله مبين لما فيه من اجمال ما فيه الاستواء
قال فى كشف الاسرار اى من اضله الله هذا الضلال لم ينفعه الانذار روى ان عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى دعا غيلان اقرأ اول سورة يس الى قوله { ام لم تنذرهم لا يؤمنون } فقال غيلان يا امير المؤمنين والله لكأنى لم اقرأها قط قبل اليوم اشهدك يا امير المؤمنين انى تائب مما كنت اتكلم به فى القدر فقال عمر بن عبد العزيز اللهم ان كان صادقا فتب عليه وثبته وان كان كاذبا فسلط عيله من لا يرحمه واجعله آية للمؤمنين قال فاخذه هشام بن عبد الملك فقطع يديه ورجليه قال بعضهم انا رأيته مصلوبا على باب دمشق
دلت الحكاية على ان القدرية هم الذين يزعمون ان كل عبد خالق لفعله ولا يرون الكفر والمعاصى بتقدير الله تعالى
وقال الامام المطرزى وتعالى عن ذلك علوا كبيرا
ولما بين كون الانذار عندهم كعدمه عقبه ببيان من يتأثر منه فقيل(11/321)
إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)
{ انا تنذر } اى ما ينفع انذارك الا { من اتبع الذكر } اى القرآن بالتأمل فيه او الوعظ والتذكير ولم يصر على اتباع خطوات الشيطان { وخشى الرحمن بالغيب } اى خاف عقابه تعالى والحال انه غائب عن العقاب على انه حال من الفاعل او الحال ان العقاب غائب عنه اى قبل نزول العقاب وحلوله على انه حال من المفعول او حال كونه غائبا عن عيون الناس فى خلوته ولم يغتر برحمته فانه منتقم قهار كما انه رحيم غفار وكيف يؤمن سخطه وعذابه بعدان قال { ان عذاب ربهم غير مأمون } ومن كان نعمته بسبب رحمته اكثر فالخوف منه اتم مخافة ان يقطع عنه النعم المتواترة فظهر وجه ذكر الرحمن مع الخشية مع ان الظاهر ان يذكر معها ما ينبئ عن القهر
وفى التأويلات النجمية { وخشى الرحمن بالغيب } اى بنور غيبتى يشاهد وخامة عاقبة الكفر والعصيان ويتحقق عنده بشواهد الحق كمالية حلاوة الايمان ورفعة رتبة العرفان { فبشره } اى من اتبع وخشى وحد الضمير مراعاة اللفظ من { بمغفرة } عظيمة لذنوبة { واجر كريم } حسن مرضى لاعماله الصالحة لا يقادر قدره وهو الجنة وما فيها مما اعده الله لعباده الجامعين بين اتباع ذكره وخشيته والفاء لترتيب التبشير بمثنى على مثنى فالتأمل فى القرآن او التأثر من الوعظ يؤدى الى الايمان المؤدى الى المغفرة لان الله تعالى يغفر ما دون الشرك لمن يشاء والخشية تودى الى الحسنات المؤدية الا فى اصحاب الذكر لانهم فى مشاهد عظمة المذكور فبركة موعظة الصادق تزيد لهم تعظيم الله تعالى واجلاله واذا زاد هذا المعنى زادت العبودية وزال التعب وحصل الانس مع الرب
واعلم ان الجنة دار جمال وانس وتنزل الهى لطيف . واما النار فهى دار جلال وجبروت فالاسم الرب مع اهل الجنة والاسم الجبار مع اهل النار ابد الآبدين ودهر الداهرين وقد قال تعالى « هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار ولا ابالى » وانما كان الحق تعالى لا يبالى بما فعل بالفريقين . ولو كان البطش الشديد هذا كله من المبالاة والتهم بالمأخوذ كذا فى الفتوحات المكية(11/322)
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)
{ انا } من مقام كما قدرتنا والجمع للتعظيم ولكثرة الصفات
وقال بعضهم لما فى احياء الموتى من حظ الملائكة وينافيه الحصر الدال على قوله { نحن }
قال فى البحر كرر الضمير لتكرير التأكيد { نحيى الموتى } نبعثهم بعد مماتهم ونجزيهم على حسب اعمالهم فيظهر حينئذ كمال الاكرام والانتقام للمبشرين والمنذرين من الانام
والاحياء جعل الشئ حيا ذا حس وحركة والميت من اخرج روحه وقد اطلق النبى عليه السلام لفظ الموتى على كل غنى مترف وسلطان جائر وذلك فى قوله عليه السلام « اربع يمتن القلب الذنب على الذنب وكثرة مصاحبة النساء وحديثهن وملاحاة الاحمق تقول له ويقول لك ومجالسة الموتى قيل يا رسول الله وما مجالسة الموتى قال كل عنى مترف وسلطان جائر »
وفى التأويلات النجمية نحيى قلوبا ماتت بالقسوة بما نمطر عليها من صوب الاقبال والزلفة انتهى
فالاحياء اذا مجاز عن الهداية { ونكتب } اى نحفظ ونثبت فى اللوح المحفوظ يدل عليه آخر الآية او يكتب رسلنا وهم الكرام الكاتبون وانما اسند اليه تعالى ترهيبا ولانه الآمر به { ما قدموا } اى اسلفوا من خير وشر وانما اخر الكتابة مع انها مقدمة على الاحياء لانها ليست مقصودة لذاتها وانما تكون مقصودة لامر الاحياء ولولا الاحياء والاعادة لما ظهر للكتابة فائدة اصلا { وآثارهم } اثر الشئ حصول ما يدل على وجوده اى آثارهم التى ابقوها من الحسنات كعلم علموه او كتاب الفوه او حبيس وقفوه او بناء شئ من المساجد والرباطات والقناطر وغير ذلك من وجوه البرّ قال الشيخ السعدى
تمرد آنكه ماند بس از وى بجاى ... بل ومسجد وخان مهمان سراى
هرآن كو نماند از بسش ياد كار ... درخت وجودش نياورد بار
وركرفت آثار خيرش نماند ... نشايد بس از مرك الحمد خواند
ومن السيآت كوظيفة وظفها بعض الظلمة على المسلمين مسانهة او مشاهرة وسكة احدثها فيها تحسيرهم وشئ احدث فيه صدّ عن ذكر الله من الحان وملاهى ونحوه قوله تعالى { ينبأ الانسان يومئذ بما قدم واخر } اى بما قدم من اعماله واخر من آثاره وفى المثنوى
هركه بنهد سنت بد اى فتى ... تادر افتد بعد او خلق از عمى
جمع كردد بر وى آن جملة بزه ... كوسرى بودست وايشان دم غزه
فعلى العدول ان يرفعوا الاحداث التى فيها ضرر بين الناس فى دينهم ودنياهم والا فالراضى كالفاعل وكل مجزى بعمله
از مكافات عمل غافل مشو ... كندم از كندم برويد جو زجو
كين جنين كفتست بير معنوى ... كاى برادر هرجه كارى بدروى
وقال بعض المفسرين هى آثار المشائين الى المساجد ولعل المراد انها من جملة الآثار كما فى الارشاد روى ان جماعة من الصحابة بعدت دورهم عن المسجد النبوى فارادوا النقلة الى جوار المسجد فقال عليه السلام(11/323)
« ان الله يكتب خطواتكم ويثيبكم عليها فالزموا بيوتكم » والله تعالى لا يترك الجزاء على الخطى سواء كانت فى حسنة او فى سيئة وفى الحديث « اعظم الناس اجرا من يصلى ثم ينام »
واختلف فيمن قربت داره من المسجد هل الافضل له ان يصلى فيه او يذهب الى الابعد فقالت طائفة الصلاة فى الابعد افضل لكثرة الثواب الحاصل بكثرة الخطى
وقال بعضهم الصلاة فى الاقرب افضل لما ورد « لا صلاة لجار المسجد الا فى المسجد » ولا حياء حق المسجد ولما له من الجوار وان كان فى جواره مسجد ليس فيه جماعة وبصلاته فيه يحصل الجماعة كان فعلها فى مسجد الجوار افضل لما فيه من عمارة المسجد واحيائه بالجماعة واما لو كان اذا صلى فى مسجد الجوار صلى وحده فالبعيد افضل ولو كان اذا صلى فى بيته صلى جماعة واذا صلى فى مسجد الجوار صلى وحده ففى بيته افضل
قال بعضهم جار المسجد اربعون دارا من كل جانب
وقيل جار المسجد من سمع النداء
قال فى مجمع الفتاوى رجل لو كان فى جواره مسجدان يصلى فى اقدمهما لان له زيادة حرمة وان كانا سواء ايهما اقرب يصلى هناك وان كان فقيها يذهب الى الذى قومه اقل حتى يكثر بذهابه وان لم يكن فقيها يخير قالوا كل ما فيه الجماعة كالفرائض والتروايح فالمسجد فيه افضل فثواب المصلين فى البيت بالجماعة دون ثواب المصلين فى المسجد بالجماعة وفى الحديث « صلاة الرجل فى جماعة تضعف على صلاته فى بيته وفى سوقه ( خسمة وعشرين ضعفا ) وفى رواية ( سبعة وعشرين ) » وذلك لان فرائض اليوم والليلة سبع عشرة ركعة والرواتب عشر فالجميع سبع وعشرون
واكثر العلماء على ان الجماعة واجبة
وقال بعضهم سنة مؤكدة وفى الحديث « لقد هممت ان آمر رجلا يصلى بالناس وانظر الى اقوام يتخلفون عن الجماعة فاحرّق بيوتهم » وهذا يدل على جواز احراق بيت المتخلف عن الجماعة لان الهم على المعصية لا يجوز من الرسول عليه السلام لانه معصية فاذا جاز احراق البيت على ترك الواجب او السنة المؤكدة فما ظنك فى ترك الفرض وفى الحديث « بشروا المشائين فى الظلم الى المساجد بالنور التام يوم القيامة » وفيه اشارة الى ان كل ظلمة ليست بعذر لترك الجماعة بل الظلمة الشديدة واطلاق اللفظ يشعر بان المتحرى للافضل ينبغى ان لا يتخلف عن الجماعة بأى وجه كان الا ان يكون العذر ظاهرا اليد والرجل من خلاف او مفلوجا او لا يستطيع المشى او اعمى والمطر والطين والبرد الشديد والظلمة الشديدة فى الصحيح وكذا الخوف من السلطان او غيره من المتغلبين جعلنا الله واياكم ممن قام بامره فى جميع عمره { وكل شئ } من الاشياء كائنا ما كان سواء كان ما يصنعه الانسان او غيره وهو منصوب بفعل مضمر يفسره قوله { أحصيناه } ضبطناه وبيناه(11/324)
قال ابن الشيخ اصل الاحصاء العد ثم استعير للبيان والحفظ لان العد يكون لاجلهما
وفى المفردات الاحصاء التحصيل بالعدد يقال احصيت كذا وذلك من لفظ الحصى واستعمال ذلك فيه لانهم كانوا يعتمدون عليه فى العد اعتمادنا فيه على الاصابع { فى امام مبين } اصل عظيم الشان مظهر لجميع الاشياء مما كان وما سيكون وهو اللوح المحفوظ سمى اماما لانه يؤتم به ويتبع
قال الراغب الامام المؤتم به انسانا كان يقتدى بقوله وبفعله او كتابا او غير ذلك محقا كان او مبطلا وجمعه ائمة نحو قوله تعالى { يوم ندعو كل اناس بامامهم } اى بالذى يقتدرون به وقيل بكتابهم { وكل شئ احصيناه فى امام مبين } فقد قيل اشارة الى اللوح المحفوظ انتهى .
وفى الاحصاء ترغيب وترهيب فان المحصى لم يصح منه الغفلة فى حال من الاحوال بل راقب نفسه فى كل وقت ونفس وحركة وسكنة
وخاصية هذا الاسم تسخير القلوب فمن قرأه عشرين مرة على كل كسرة من الخبز والكسر عشرون فانه يسخر له الخلق
فان قلت ما فائدة تسخير الخلق
قلت دفع المضرة او جلب المنفعة واعظم المنافع التعليم والارشاد واختار بعض الكبار ترك التصرف والالتفات الى جانب الخلق بضرب من الحيل فان الله تعالى يفعل ما يريد والا هم تسخير النفس الامارة حتى تنقاد للامر وتطيع للحق فمن لم يكن له امارة على نفسه كان ذليلا فى الحقيقة وان كان مطاعا فى الظاهر
وفى التأويلات النجمية { وكل شئ } مما يتقربون به الينا { احصيناه فى امام مبين } اى اثبتنا آثاره وانواره الملكوت منتقشة واسرار الجبروت منطبعة مما كان فى حد البشر دركه وطوق العقل الكلى كشفه وانما يحصل هذا بعد التصفية بحيث لم يبق فى القلب صورة ذرة مما يتعلق بالكونين ومعنى التصفية ازالة المتوهم ليظهر المتحقق فمن لم يدر المتوهم من المتحقق حرم من المتحقق : قال المولى الجامى قدس سره
سككى مى شد استخوان بدهان ... كرده ره بر كنار آب روان
بسكه آن آب صاف وروشن بود ... عكس آن استخوان در آب نمود
برد بيجاره سك كمان كه مكر ... هست درآب استخوان دكر
لب جو بكشاد سوى آن بستاد ... استخوان ازدهان در آب فتاد
نيست را هستئ توهم كرد ... بهرآن نيست هست را كم كرد
فعلى العاقل ان يجلو المرآة ليظهر صورة الحقيقة وحقيقة الوجود ويحصل كمال العيان والشهود نسأل الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا من اهل الصفوة ويحفظنا من الكدورات والهفوة انه غاية المقصود ونهاية الامل من كل علم وعمل(11/325)
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13)
{ واضرب لهم مثلا اصحاب القرية } الى قوله خامدون يشير الى اصناف الطافه مع احبائه وانواع قهره مع اعدائه كما فى التأويلات النجمية امر الله تعالى سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم بانذار مشركى مكة بتذكيرهم قصة اصحاب القرية ليحترزوا عن ان يحل بهم ما نزل بكفار اهل تلك القرية
قال فى الارشاد ضرب المثل يستعمل على وجهين . الاول فى تطبيق حالة غريبة بحالة اخرى مثلها فالمعنى اجعل اصحاب القرية مثلا لاهل مكة فى الغلو فى الكفر والاصرار على تكذيب الرسل اى طبق حالهم بحالهم على ان مثلا مفعول ثان واصحاب القرية مفعولا الاول اخر عنه ليتصل به ما هو شرحه وبيانه . والثانى فى ذكر حالة غريبة وبيانها للناس من غير قصد الى تطبيقها بنظيرة لها فالمعنى اذكر بين لهم قصة هى فى الغرابة كالمثل فقوله اصحاب القرية اى مثل اصحاب القرية على تقدير المضاف كقوله { واسأل القرية } وهذا المقدر بدل من الملفوظ او بيان له
والقرية انطاكية من قرى الروم وهى ذات عين وسور عظيم من صخر داخله خمسة اجبل دورها اثنا عشر ميلا كما فى القاموس ويقال لها انتاكية بالتاء بدل الطاء وهو المسموع من لسان الملك فى قصة ذكرت فى مشارع الاشواق
قال الامام السهيلى نسبت انطاكية الى انطقيس وهو اسم الذى بناها من مدائن النار بشهادة النبى عليه السلام حيث قال « اربع مدائن من مدائن الجنة مكة والمدينة وبيت القدس وصنعاء اليمن واربع مدائن من مدائن النار انطاكية وعمورية وقسطنطينية وظفار اليمن » وهو كقطام بلد باليمن قرب صنعاء اليه ينسب الجزع وهو بالفتح خرز فيه سواد وبياض يشبه به الاعين وكانت انطاكية احدى المدن الاربع التى يكون فيها بطارقة النصارى وهى انطاكية والقدس والاسكندرية ورومية ثم بعدها قسطنطينة
قال فى خريدة العجائب رومية الكبرى مدينة عظيمة فى داخلها كنيسة عظيمة طولها ثلاثمائة ذراع واركانها من نحاس مفرع مغطى كلها بالنحاس الاصفر وبها كنيسة ايضا بنيت على هيئة بيت المقدس وبها الف حمام فندق وهو الخان ورومية اكبر من ان يحاط بوصفها ومحاسنها وهى الروم مثل مدينة فرانسة للافرنج كرسى ملكهم ومجتمع امرهم وبيت ديانتهم وفتحها من اشراط الساعة { اذ جاءها المرسلون } بدل من اصحاب القرية بدل الاشتمال لاشتمال الظروف على ما حل فيها كأنه قيل واجعل وقت مجيئ المرسلين مثلا او بدل من المضاف المقدر كأنه قيل واذكر لهم وقت مجيئ المرسلين وهم رسل عيسى عليه السلام الى اهل انطاكية(11/326)
إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14)
{ اذا ارسلنا اليهم اثنين } بدل من اذ الاولى اى وقت ارسالنا اثنين الى اصحاب القرية وهما يحيى ويونس ونسبة ارسالهما اليه تعالى بناء على انه بامره تعالى فكانت الرسل رسل الله . ويؤيده مسألة فقهية وهى ان وكيل الوكيل باذن الموكل بان قال الموكل له اعمل برأيك يكون وكيلا للموكل لا للوكيل حتى لا ينعزل بعزل الوكيل اياه وينعزل اذا عزله الموكل الاول { فكذبوهما } اى فاتياهم فدعواهم الى الحق فكذبوهما فى الرسالة بلا تراخ وتأمل وضربوهما وحبسوهما على ما قال ابن عباس رضى الله عنهما وسيأتى { فعززنا } اى قويناهما فحذف المفعول لدلالة ما قبله عليه ولان القصد ذكر المعزز به وبيان تدبيره اللطيف الذى به عز الحق وذل الباطل يقال عزز المطر الارض اذا لبدها وسددها وارض عزاز اى صلبة وتعزز اللحم اشتد وعز كأنه حصل فى هزاز يصعب الوصول اليه
وفى تاج المصادر [ التعزيز والتعزة : ليرومند كردند ] ومنه الحديث « انكم لمعزز بكم » اى مشدد [ وفرو نشاندن باران ومين را ] انتهى
{ بثالث } هو شمعون الصفار ويقال له شمعون الصخرة ايضا رئيس الحواريين وقد كان خليفة عيسى عليه السلام بعد رفعه الى السماء
قال فى التكملة اختلف فى المرسليين الثلاثة فقيل كانوا انبياء رسلا ارسلهم الله تعالى وقيل كانوا من الحواريين ارسلهم عيسى بن مريم الى اهل القرية المذكورة ولكن لما كان ارساله اياهم عن امره اضاف الارسال اليه انتهى
علم منه ان الحواريين لم يكونوا انبياء لا فى زمان عيسى ولا بعد رفعه واليه الاشارة بقوله عليه السلام « ليس بينى وبينه نبى » اى بين عيسى وان احتمل ان يكون المراد النبى الذى يأتى بشريعة مستقلة وهو لا ينافى وجود النبى المقرر للشريعة المتقدمة { فقالوا } اى جميعا { انا اليكم مرسلون } مؤكدين كلامهم لسبق الانكار لما ان تكذيبهما تكذيب للثالث لا تحاد كلمتهم
قال فى كشف الاسرار [ قصة آنست كه رب العالمين وحى فرستاد بعيسى عليه السلام كه من ترا بآسمان خواهم برد حواريان را يكاد يكان دودان دوان بشهرها فرست تاخلق را بدين حق دعوت كنند عيسى ايشانرا حاضر كرد ورئيس ومهترايشان شمعون وايشانرا يكان يكان ودوان دوان قوم بقوم فرستاد وشهر شهر ايشانرا نامزد مى زد وايشانرا كفت جون من بآسمان رفتم شماهر كجا كه معين كرده ميرويد ودعوت ميكنيد واكر زبان آن قوم ندانيد درآن راه كه ميرويد شمارا فرستة بيش ايد جامى شراب بر دست نهاده از ان شراب نورانى بازخوريد تاز بان او قوم بدانيد ودوكس را بشهر انطاكيه فرستاد ] وكانوا عبدة اصنام
وقال اكثر اهل التفسير ارسل اليهم عيسى اثنين قبل رفعة ولما امرهما ان يذهبا الى القرية قالا يا نبى الله انا لا نعرف لسان القوم فدعا الله لهما فناما بمكانهما فاستيقظا وقد حملتهما الملائكة والقتهما الى ارض انطاكية فكلم كل واحد صاحبه بلغة القوم فلما قربا من المدينة رأيا شيخا يرعى غنيمات له وهو حبيب النجار الذى ينحت الاصنام وهو صاحب يس لان الله تعالى ذكره فى سورة يس فى قوله تعالى(11/327)
{ وجاء رجل من اقصى المدينة } فسلما عليه فقال من انتما فاخبراه بانهما من رسل عيسى [ آمده ايم تاشمارا بردين حق دعوت كنيم وراه راست وملت باك شما نماييم كه دين حق توحيداست وعبادت خداى يكتا يير كفت شمارا برراستى اين سخن هيج معجزه هست كفتند آرى ] نحن نشفى المريض ونبرئ الاكمه والابرص باذن الله وكان للرسل من المعجزة ما للانبياء بدعاى عيسى [ ييركفت مرا بسر يست ديوانه وياخود دير كاه تاوى بيماراست ودردوى علاج اطبا نه بذيرد خواهم كه اورا به بينيد ايشانرا نخانه برد ] فدعوا الله تعالى ومسحا المريض فقام باذن الله صحيحا
قدم نهادى وبرهر دوديده جا كردى ... بيكنفس دل بيمارا را دوا كردى
فآمن حبيب وفشا الخبر وشفى على ايديهما خلق وبلغ حديثهما الى الملك واسمه بحناطيس الرومى او انطيخس او شلاحن فطلبهما فاتياه فاستخبر عن حالهما فقالا نحن رسل عيسى ندعوك الى عبادة رب وحده فقال النا رب غير الهتنا قال نعم وهو من او جدك وآلهتك من آمن به دخل الجنة ومن كفر به دخل النار وعذب فيها ابدا فغضب وضربهما وحبسهما فانتهى ذلك الى عيسى فارسل ثالثا وهو شمعون لينصرهما فانه رفع بعده كما قاله البعض فجاء القرية متنكرا اى لم يعرف حاله ورسالته وعاشر حاشية الملك حتى استأنسوا به ورفعوا حديثه الى الملك فانس به وكان شمعون يظهر موافقته فى دينه حيث كان يدخل معه على الصنم فيصلى ويتضرع وهو يظن انه من اهل دينه كما قال الشيخ سعدى فى قصة صنم سومنات لما دخل الكنيسة متنكرا واراد ان يعرف كيفية الحال
بتك را يكى بوسه دادم بدست ... كه لعنت برو باد وبربت برست
بتقليد كافر شدم روز جند ... برهمن شدم در مقالات زند
فقال شمعون للملك يوما بلغنى انك حبست رجلين دعواك الى اله غير الهك فهل لك ان تدعوهما فاسمع كلامهما واخاصمهما عنك فدعاههما . وفى بعض الروايات لما جاء شمعون الى انطاكية دخل السجن اولا حتى انتهى الى صاحبيه فقال لهما ألم تعلما انكما لا تطاعان الا بالرفق واللطف
جو بينى كه جاهل بكين اندراست ... سلامت بتسليم دين اندراست
قال وان مثلكما مثل امرأة لم تلد زمانا من دهرها ثم ولدت غلاما فاسرعت بشأنه فاطعمته الخبز قبل اوانه فغص به فمات فكذلك دعوتكما هذا الملك قبل او ان الدعاء ثم انطلق الى الملك يعنى بعد التقرب اليه استدعاهما للمخاصمة فلما حضرا قال لهما شمعون من ارسلكما قالا الله الذى خلق كل شئ وليس له شريك فقال صفاه واوجزا قالا يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد قال وما برهانكما على ما تدعيانه قالا ما يتمنى الملك فجيء بغلام مطموس العينين اى كان لا يتميز موضع عينيه من جبهته فدعوا الله حتى انشق له موضع البصر فاخذا بندقتين من الطين فوضعهما فى حدقيته فصارتا مقلتين ينظر بهما فتعجب الملك فقال له شمعون أرأيت لو سألت الهك حتى يصنع مثل هذا فيكون لك وله الشرف قال ليس لى عنك سر مكتوم ان الهنا لا يبصر ولا يسمع ولا يضر ولا ينفع ثم قال له الملك ان هنا غلاما مات منذ سبعة ايام كان لابيه ضيعة قد خرج اليها واهله ينتظرون قدومه واستأذنوا فى دفنه فامرتهم ان يؤخروه حتى يحضروا ابوه فهل يحييه ربكما فامر باحضار ذلك الميت فدعوا الله علانية ودعا شمعون سرا فقام الميت حيا باذن الله [ كفت جون جانم از كالبد جدا كشت مرا بهفت وادئ آتش بكذر انيدند از آنكه بكفر مرده ام ] وانا احذركم عما انتم فيه من الشرك فآمنوا [ وكفت اينك درهاى آسمان مى بينم كشاده وعيسى ييغمبر ايستاده زير عرش واز بهر اين ياران شفاعت ميكند وميكويدكه بارخدايا ايشانرا نصرت ده كه ايشان رسولان من اند ] حتى احيانى الله وانا اشهد ان لا اله الله وان عيسى روح الله وكلمته وان هؤلاء الثلاثة رسل الله قال الملك ومن الثلاثة قال الغلام شمعون وهذان فتعجب الملك فلما رأى شمعون ان قوم الغلام قد اثر فى الملك اخبره بالحال وانه رسول المسيح اليهم ونصحه فآمن الملك فقط كما حكاه القشيرى خفية على خوف من عتاة ملئه واصر قومه فرجموا الرسل بالحجارة وقالوا ان كلمتهم واحدة وقتلوا حبيب النجار وابا الغلام الذى احيى لانه ايضا كان قد آمن ثم ان الله تعالى بعث جبريل فصاح عليهم صيحة فماتوا كلهم كما سيجيء تمام القصة(11/328)
وقال وهب مب منبه وكعب الاحبار بل كفر الملك ايضا واصروا جميعا هو وقومه على تعذيب الرسل وقتلهم ويؤيده حكاية تماديهم فى اللجاج والعناد وركوبهم متن المكابرة فى الحجاج ولو آمن الملك وبعض قومه كما قال بعضهم لكان الظاهر ان يظاهروا الرسل ويساعدوهم قبلوا فى ذلك او قتلوا كدأب النجار الشهيد ولم ينقل ذلك مع ان الناس على دين ملوكهم لا سيما بعد وضوح البرهان(11/329)
قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15)
{ قالوا } اى اهل انطاكية الذين لم يؤمنوا مخاطبين للثلاثة { ما انتم الا بشر } آدمى { مثلنا } هو من قبيل قصر القلب فالمخاطبون وهم الرسل لم يكونوا جاهلين بكونهم بشرا ولا منكرين لذلك لكنهم نزلوا منزلة المنكرين لاعتقاد الكفار ان الرسول لا يكون بشرا فنزلوهم منزلة المنكرين للبشرية لما اعتقدوا التنافى بين الرسالة والبشرية فقلبوا هذا الحكم وعكسوه وقالوا ما انتم الا بشر مثلنا اى انتم مقصورون على البشرية ليس لكم وصف الرسالة التى تدعونها فلا فضل لكم علينا يقتضى اخصاصكم بالرسالة دوننا ولو ارسل الرحمن الى البشر رسلا لجعلهم من جنس افضل منهم وهم الملائكة على زعمهم { وما انزل الرحمن من شئ } من وحى سماوة ومن رسول يبلغه فكيف صرتم رسلا وكيف يجب علينا طاعتكم وهو تتمة الكلام المذكور لانه يستلزم الانكار ايضا { ان انتم } اى ما انتم { الا تكذبون } فى دعوى رسالته(11/330)
قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16)
{ قالوا ربنا يعلم } بعلمه الحضورى { انا اليكم لمرسلون } وان كذبتمونا استشهدوا بعلم الله وهو يجرى مجرى القسم فى التوكيد مع ما فيه من تحذيريهم معارضة علم الله وازادوا اللام المؤكدة لما شاهدوا منهم من شدة الانكار(11/331)
وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17)
{ وما علينا } اى من جهة ربنا { الا البلاغ المبين } اى الا تبليغ رسالته تبليغا ظاهرا مبينا بالآيات الشاهدة بالصحة فانه لا بد للدعوى من البينة وقد خرجنا من عهدته فلا مؤاخذة لنا بعد ذلك من جهة ربنا ليس فى وسعنا اجباركم على الايمان ولا ان نوقع فى قلوبكم العلم بصدقنا فان آمنتم والا فينزل عليكم وفيه تعريض لهم بان انكارهم للحق ليس لخفاء حاله وصحته بل هو مبنى على محض العناد والحمية الجاهلية(11/332)
قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18)
{ قالوا } لما ضاقت عليهم الحيل ولم يبق لهم علل { انا تطيرنا بكم } اصل التطير التفاؤل بالطير فانهم يزعمون ان الطائر السانح سبب للخير والبارح سبب الشر كما سبق فى النمل ثم استعمل فى كل ما يتشاءم به والمعنى انا تشاء منا بكم جريا على ديدن الجهلة حيث كانوا يتيمنون بكل ما يوافق شواتهم ان كان مستجلبا لكل شر ووبال ويتشاءمون بكل ما لا يوافقها وان كان مستتبعا لسعادة الدارين
وقال النقشبندى قد تشاء منا بقدومكم اذا منذ قدمتم الى ديارنا ما نزل القطر علينا وما اصابنا هذا الشر الا من قبلكم اخرجوا من بيننا وارجعوا الى اوطانكم سالمين وانتهوا عن دعوتكم ولا تتفوهوا بها بعد . وكان عليه السلام يحب التفاؤل ويكره التطير والفرق بينهما ان الفأل انما هو من طريق حسن الظن بالله والتطير انما هو من طريق الاتكال على شئي سواه وفى الخبر لما توجه النبى عليه السلام نحو المدينة لقى بريدة بن اسلم فقال « من انت يا فتى » قال بريدة فالتفت عليه السلام الى ابى بكر فقال « برد امرنا وصلح » اى سهل ومنه قوله « الصوم فى الشتاء الغنيمة الباردة » ثم قال عليه السلام « ابن من انت يا فتى » قال ابن اسلم فقال عليه السلام لابى بكر رضى الله عنه « سلمنا من كيدهم »
وفى الفقه لو صاحت الهامة او طير آخر فقال رجل يموت المريض يكفر ولو خرج الى السفر ورجع فقال ارجع لصياح العقعق كفر عند البعض وفى الحديث « ليس عبد الا سيدخل فى قلبه الطيرة فاذا احس بذلك فليقل انا عبد الله ما شاء الله لا قوة الا بالله لا يأتى بالحسنات الا الله ولا يذهب بالسيآت الا الله اشهد ان الله على كل شئ قدير ثم يمضى بوجهه » يعنى يمضى مارّا بوجهه اى بجهة وجهه فعدى يمضى بالباء لتضمين معنى المرور قالوا من تطيرنا منهيا عنه حتى منعه مما يريده من حاجته فانه قد يصيبه ما يكرهه كما فى عقد الدر { لئن لم تنتهوا } والله لئن لم تمتنعوا عن مقالتكم ههذ ولم تسكتوا عنا : وبالفارسية [ واكر نه باز ايستيد ازدعواى خود ] { لنرجمنكم } [ الرجم : سنكسار كردن ] اى لنرمينكم بالحجارة { وليمسنكم منا عذاب اليم } [ وبشما رسد ازما عذابى دردنماى ] اى لا نكفى برجمكم بحجر او حجرين بل نديم ذلك عليكم الى الموت وهو العذاب الاليم او ليمسنكم بسبب الرجم منا عذاب مؤلم . وفسر بعضهم الرجم بالشتم فيكون المعنى لا نكتفى بالشتم بل يكون شتمنا مؤديا الى الضرب والايلام الحسى حكى ان دباغا مر بسوق العطارين فغشى عليه وسقط فاجتمع عليه اهل السوق وعالجوه بكل ما يمكن من الاشياء العطرة فلم يفق بل اشتد عليه الحال ولم يدر احد من اين صار مصروعا ثم اخبر اقرباؤه بذلك فجاء اخوه وفى كمه شئ من نجاسة الكلب فسحقه حتى اذا وصلت رائحته الى شمه افاق وقام وهكذا حال الكفار كما قال جلال الدين قدسر سره فى المثنوى(11/333)
ناصحان او را بعنبر يا كلاب ... مى دوا سازند بهر فتح باب
مر خبيثانرا نشايد طيبات ... در خورو لايق نباشد اى ثقات
جون زعطر وحى كم كشتندوكم ... بدفغان شان كه تطيرنا بكم
رنج وبيماريست مارا زين مقال ... نيست نيكو وعظتان مارا بفال
كربيا غازيد نصحى آشكار ... ماكنيم آن دم شمارا سنكسار
ما بلغوا ولهو فربه كشته ايم ... در نصيحت خويش را نسرشته ايم
هست قوت مادروغ ولاف ولاغ ... شورش معده است مارا زين بلاغ
هركرا مشك نصيحت سودنيست ... لا جرم بابوى بدخو كردنيست
مشر كانرا ازان نجس خواندست حق ... كاندرون بشك زادند از سبق
كرم كوزادست در سركين ابد ... مى نكرداند بعنبر خوى خود(11/334)
قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19)
{ قالوا } اى المرسلون لاهل انطاكية { طائركم } اى سبب شؤمكم { معكم } لا من قبلنا وهو سوء اعتقادكم وقبح اعمالكم فالطائر بمعنى ما يتشاءم به مطلقا { آئن ذكرتم } بهمزتين استفهام وشرط اى وعظتم بما فيه سعادتكم وخوّفتم : وبالفارسية [ آيا اكربند داده مى شويد ] وجواب الشرط محذوف ثقة بدلالة ما قبله عليه اى تطيرتم او توعدتم بالرجم والتعذيب { بل انتم قوم مسرفون } اضراب عما تقضيه الشرطية من كون التذكير سببا للشؤم او مصححا للتوعد اى ليس الامر كذلك بل انتم قوم عادتكم الاسراف فى العصيان والتجاوز فيه عن الحد فلذلك اتاكم الشؤم او فى الظلم والعدوان ولذلك توعدتم وتشاءمتم بمن يجب اكرامه والتبرك به . وهؤلاء القوم فى الحقيقة هم النفس وصفاتها فانها اسرفت فى موافقة الطبع ومخالفة الحق فكل من كان فى يد مثل هذه النفس فهو لا يبالى بالوقوع فى المهالك ولا يزال يدعو الناس الى ما سلكه من شر المسالك
هركرا باشد مزاج وطبع سست ... او نخواهد هيج كس را تن درست
وكل من تخلص عنها وزكاها افلح هو من تبعه ولذا وعظ الانبياء والاولياء وذكروا ونبهوا الناس على خطاهم واسرافهم وردوهم عن طريقة اسلافهم ولكن الذكرى انما تنفع المؤمنين حكى ان غلام الخليل سعى بالصوفية الى خليفة بغداد وقال انهم زنادقة فاقتلهم ولك ثواب جزيل فاحضرهم الخليفة وفيهم الجنيد والشبلى والنورى فامر بضرب فتقدم ابو الحسين النورى فقال السياف أتدرى الى ما تبادر فقال نعم فقال وما يعجلك فقال اوثر اصحابى بحياة ساعة فتحير السياف وانهى الامر الى الخليفة فتعجب الخليفة ومن عنده من ذلك فامر بان يختبر القاضى حالهم فقال القاضى يخرج الىّ واحد منهم حتى ابحث معه فخرج اليه ابو الحسن النورى فالقى اليه القاضى مسائل فقهية فالتفت عن يمينه ثم التفت عن يساره ثم اطرق ساعة ثم اجابه عن الكل ثم اخذ يقول بعد فان لله عبادا اذا قاموا قاموا بالله واذا انطقوا نطقوا بالله وسرد كلاما بكى القاضى ثم سأله القاضى عن التفائه فقال سالتنى عن المسائل ولا اعلم لها جوابا فسألت عنها صاحب اليمين فقال لا علم لى ثم سألت صاحب الشمال فقال لا علم لى فسألت قلبى فاخبرنى قلبى عن ربى فاجبتك بذلك فارسل القاضى الى الخليفة ان كان هؤلاء زنادقة فليس على وجه الارض مسلم [ خليفة ايشانرا بخواند وكفت حاجتى خواهيد كفتند حاجت ما آنست كه مارا فراموش كنى نه بقبول خود مارا مشرف كردانى نه برد مهجور كه مارا رد توجون قبول تست خليفة بسياريكريس اوايشانرا باكرامى تمام روارنه كرد جون در نهاد خليفة وقاضى عدل وانصاف سرشته مى شد لا جرم بجانب حق ميل كردند ودر حق صوفية محققين طريقة ظلم واسراف سالك نشدند ] عصمنا الله واياكم من مخالفة الحق الصريح بعد وضوحه بالبرهان الصحيح(11/335)
وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)
{ وجاء من اقصى المدينة } ابعد جوانب انطاكية : وبالفارسية [ وآمد ازدورتر جابى ازان شهر ] { رجل } فيه اشارة الى رجولية الجائى وجلادته وتنكيره لتعظيم شأنه لا لكونه رجلا منكورا غير معلوم فانه رجل معلوم عند الله تعالى وكان منزله عند اقصى باب فى المدينة وفى مجيئة من اقصى المدينة بيان لكون الرسل اتوا بالبلاغ المبين حتى بلغت دعوتهم الى اقصى المدينة حيث آمن الرجل وكان دور السور اثنى عشر ميلا كما سبق { يسعى } حال كونه يسرع فى مشيه فان السعى المشى السريع وهو دون العدو كما فى المفردات . والمراد حبيب بن مرى النجار المشهور عند العلماء بصاحب يس كما سبق وجهه
وفى بعض التواريخ كان من نسل الاسكندر الرومى وانما سمى حبيب النجار لانه كان ينحت اصنامهم
يقول الفقير هذا ظاهر على تقدير ان يكون ايمانه على ايدى الرسل وهو الذى عليه الجمهور واما قوله عليه السلام « سباق الامم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين على بن ابى طالب وصاحب يس ومؤمن آل فرعون » فمعناه انهم لم يسجدوا للصنم ولم يخلوا بما هو من اصول الشرائع ولا يلزم من نحت الاصنام السجدة لها والاظهر انه كان نجارا كما فى التعريف للسهيلى ولا يلزم من كونه نجارا كونه ناحتا للاصنام وقد قالوا انه ممن آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهما ستمائة سنة . وكان سبب ايمانه به انه كان من العلماء بكتاب الله ورأى فيه نعته ووقت بعثته فآمن به ولم يؤمن بنبى غيره عليه السلام قبل مبعثه وقد آمن به قبل مبعثه ايضا غير حبيب النجار كما قال السيوطى اول من اظهر التوحيد بمكة وما حولها قس بن ساعدة وفى الحديث « رحم الله قسا انى لارجو يوم القيامة ان يبعث امة وحده » وورقة بن نوفل ابن عم خديجة رضى الله عنها وزيد بن عمرو بن نفيل وكذا آمن به عليه السلام قبل مبعثه واظهر التوحيد تبع الاكبر
وقصته انه اجتاز بمدينة الرسول عليه السلام وكان فى ركابه مائة الف وثلاثون الفا من الفرسان ومائة الف وثلاثة عشر الفا من الرجالة فاخبر ان اربعمائة رجل من اتباعه من الحكماء والعلماء تبايعوا ان لا يخرجوا منها فسألهم عن الحكمة فقالوا ان شرف البيت انما هو برجل يخرج يقال له محمد هذه دار اقامته ولا يخرج منها فبنى فيها لكل واحد منهم دارا واشترى له جارية واعتقها وزوجها منه واعطاهم عطاء جزيلا وكتب كتابا وختمه ورفعه الى عالم عظيم وامره ان يدفع ذلك الكتاب لمحمد صلى الله عليه وسلم لم ينزل الى فى داره ووصل اليه عليه السلام الكتاب المذكور على يد بعض ولد العالم المسطور فى اول البعثة او حين هاجر وهويين مكة والمدينة ولما قرئ عليه قال(11/336)
« مرحبا بتبع الاخ الصالح » ثلاث مرات وكان ايمانه قبل مبعثه بالف سنة ويقال ان الاوس والخزرج من اولاد اولئك العلماء والحكماء . وذكر انه حفر قبر بصنعاء قبل الاسلام فوجد فيه امرأتان لم تبليا وعند رؤسهما لوح من فضة مكتوب فيه بالذهب هذا قبر فلانة وفلانة ابنتى تبع ماتتا وهما تشهدان ان لا اله الله الله ولا تشركان به وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما وفى الحديث « من مات وهو يعلم لا اله الا الله دخل الجنة » وانما لم يقل من مات وهو يؤمن او يقول ليعلمنا ان كل موحد لله فى الجنة يدخلها من غير شفاعة ولو لم يوصف بالايمان كقس ابن ساعدة واضرابه ممن لا شريعة بين اظهرهم يؤمنون بها وبصاحبها فقس موحد لا مؤمن كما فى المفردات المكية [ كفتند حبيب تجار خانة داشت درآن كوشه از شهر بدورتر جايى از مردمان وكسب كردى هرروز آنجه كسب وى بود يك نيمه بصدقة دادى ويك نيمه بخرج عيال كردى وخدايرا بنهان عبادت كردى وكس ازحال وى خبر نداشتى تا آن روز كه رسولان عيسى را رنجانيدند وجفا كردند ازان منزل خويش بشتاب بيامد وايمان خويش آشكارا كرد
وكفته اند اهل انطاكية دارها بردند وآن رسولا نرا باجهل تن كه ايمان آورده بودند كلوهاى شان سوراخ كردند ورسنها بكلوا در كشيدند وازدار بياويختند خبر بحبيب نجار رسيد كه خدايرا مى برستيد درغارى جنانكه ابدال دركوه نشينند وازخلق عزلت كيرند بشاب ازمنزل خويش بيامد ] { قال } استئناف بيانى كأنه قيل فما قال عند ما جاء ساعيا ووصل الى المجمع ورآهم مجتمعين على الرسل قاصدين قتلهم فقيل قال { يا قوم } اصله يا قومى معناه : وبالفارسية [ اى كروه من ] خاطبهم بيا قوم لتأليف قلوبهم واستمالتها نحو قبول نصحيته وللاشارة الى انهلا يريد بهم الا الخير وانه غير متهم بارادة السوء بهم
قال بعضهم وكان مشهورا بينهم بالورع واعتدال الاخلاق { اتبعوا المرسلين } المبعوثين اليكم بالحق تعرض لعنوان رسالتهم حثالهم على اتباعهم [ قتاده كفت جون بياند نخست رسولا نرا بديد كفت شما باين دعوت كه ميكنيد هيج مزد ميخواهيد كفتند ماهيج مزد نميخواهيم وجز اعلاى كلمة حق واظهار دين الله مقصود نيست جبيب قوم را بكفت ](11/337)
اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21)
{ اتبعوا من لا يسألكم } [ نمى خواهند ازشما ] { اجرا } اجرة ومالا على النصح وتبليغ الرسالة { وهم مهتدون } الى خير الدين والدنيا والمهتدى الى طريق الحق الموصل الى هذا الخير اذا لم يكن متهما فى الدعوة يجب اتباعه وان لم يكن رسولا فكيف وهم رسل ومهتدون ومن قال الا يغال هو ختم الكلام بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها تكون الآية عنده مثالا له لان قوله وهم مهتدون مما يتم المعنى بدونه لان الرسول مهتد لا محالة الا ان فيه زيادة حث على اتباع الرسل وترغيب فيه فقوله من لا يسألكم بدل من المرسلين معمول لاتبعوا الاول والثانى تأكيد لفظى للاول
قال فى الارشاد تكرير للتأكيد ولتوسل به الى وصفهم بما يرغبهم فى اتباعهم من التنزه عن الغرض الدنيوى والاهتداء الى الخير الدنيا والدين انتهى
وفيه ذم للمتشيخة المزّورين الذين يجمعون بتلبيساتهم اموالا كثيرة من الضعفاء الحمقى المائلين نحو اباطيلهم كما فى التأويلات النقشبندية
ره كاروان شير مردان زنند ... ولى جامة مردم اينان كنند
عصاى كليمند بسيار خوار ... بظاهر جنين زرد روى ونزار
[ جون حبيب آن قوم را نصيحت كرد ايشان كفتند ] وانت مخالف لديننا ومتابع لهؤلاء الرسل فقال(11/338)
وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22)
{ ومالى } وأى شئ عرض لى { لا اعبد الذى فطرنى } خلقنى واظهرنى من كتم العدل وربانى بانواع اللطف والكرم وقد سبق الفطر فى اول فاطر وهذا تطلف فى الارشاد بايراده فى معرض اللطف والكرم وقد سبق الفطر فى اول فاطر وهذا تلطف فى الارشاد بايراده فى معرض المناصحة لنفسه وامحاض النصح حيث اراهم انه اختار لهم ما يختار لنفسه والمراد لنفسه والمراد تقريعهم على ترك عبادة خالقهم الى عبادة غيره كما ينبئ عنه قوله { واليه ترجعون } مبالغة فى التهديد اى اليه تعالى لا الى غيره تردون ايها القوم بعد البعثة للمجازاة او للمحاسبة
قال فى فتح الرحمن اضاف الفطرة الى نفسه والرجوع اليهم لان الفطرة اثر النعمة وكانت عليه اظهر وفى الرجوع معنى الزجر وكان بهم أليق
قال بعض العارفين العبودية ممزوجة بالفطرة والمعرفة فوق الخلقة والفطرة وهذا المعنى مستفاد من قول النبى عليه السلام « كل مولود يولد على الفطرة » ولو كانت المعرفة ممزوجة بالفطرة لما قال « وابواه يهود انه ويمجسانه وينصرانه » بل المعرفة تتعلق بكشف جماله وجلاله صرفا بالبديهة بغير علة واكتساب لقوله { ولقد آتينا ابراهيم رشده من قبل } قال بعضهم العبد الخالص من عمل على رؤية الفطرة لا غير واجل منه من يعمل على رؤية الفاطر ثم عاد على المساق الاول وهو ابراز الكلام فى صورة النصيحة لنفسه(11/339)
أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23)
فقال { ءاتخذ من دونه } اى دون الذى فطرنى وهو الله تعالى { آلهة } باطلة وهى الاصنام وهو انكار ونفى لاتخاذ الآلهة على الاطلاق اى لا اتخذ ثم استأنف لتعليل النفى فقال { ان يردن الرحمن بضر } يعنى [ اكرخواهد رحمن ضررى بمن رسد ] والضر اسم لكل سوء ومكروه يتضر ربه { لا تغن عنى شفاعتهم } اى الآلهة { شيأ } اى لا تنفعنى شيأ من النفع اذ لا شفاعة لهم فتنفع فنصب شيأ على المصدرية وقوله لا تغن جواب الشرط والجملة الشرطية استئناف لا محل لها من الاعراب { ولا ينقذون } الانقاذ التخليص اى لا يخلصوننى من ذنيك الضر والمكروه بالنصرة والمظاهرة وهو عطف على لا تغن وعلامة الجزم حذف نون الاعراب لان اصله لا ينقذوننى وهو تعميم بعد تخصيص مبالغة بهما فى عجزهم وانتفاء قدرتهم
قال الامام السهيلى ذكروا ان حبيبا كان به داء الجذام فدعا له الحوارى فشفى فلذلك قال ان يردن الرحمن الخ انتهى
وقال بعضهم ان المريض كان ابنه كما سبق الا ان يقال لا مانع من ابتلاء كليهما او ان مرض ابنه فى حكم مرض نفسه فلذا اضاف الضر الى نفسه ويحتمل ان الضر ضر القوم لانه روى شفاء كثير من مرضاهم على يدى الرسل فاضافه حبيب الى نفسه على طريقة ما قبله من الاستمالة وتعريفا للاحسان بهم بطريق اللطف(11/340)
إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)
{ انى اذا } اى اذا اتخذت من دونه آلهة { لفى ضلال مبين } فان اشراك ما ليس من شأنه النفع ولا دفع الضر بالخالق المقتدر الذى لا قادر غيره ولا خير الاخيرة ضلال بين لا يخفى على احد ممن له تمييز فى الجملة(11/341)
إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)
{ انى آمنت بربكم } الذى خلقكم ورباكم بانواع النعم وانما قال آمنت بربكم وما قال آمنت بربى ليعلموا ان ربهم هو الذى يعبده فيعبدوا ربهم ولو قال انى آمنت بربى لعلهم يقولون انت تعبد ربك ونحن نعبد ربنا وهو آلهتهم { فاسمعون } اجيبونى فى وعظى ونصحى واقبلوا قولى كما يقال سمع الله لمن حمده اى قبله فالخطاب للكفرة شافههم بذلك اظهارا للتصلب فى الدين وعدم المبالاة بالقتل . واضافة الرب الى ضميرهم لتحقيق الحق والتنبيه على بطلان ما هم عليه من اتخاذ الاصنام اربابا كما فى الارشاد وانما اكده اظهارا لصدوره عنه بكمال الرغبة والنشاط
ولما فرغ من نصيحته لهم وثبتوا عليه فوطئوه بارجلهم حتى خرجت امعاؤه من دبره ثم القى فى البئر وهو قول ابن مسعود رضى الله عنه
وقال السدى رجموه يعنى [ ايشان اورا سنك مى زندند تاهلاك شد وهو يقول رب اهد قومى آن دليل است بركمال وفرط شفقت وى برخلق اني آنجنان است كه ابو بكر الصديق بنى تيم را كفت آنكه كه اورا مى رنجانيدند واز دين حق بادين باطل ميخواندند كفت « اللهم اهد بنى تيم فانهم لا يعلمون يأمروننى بالرجوع من الحق الى الباطل » كمال شفقت ومهربانئ ابو بكر رضى الله عنه برخلق خدا غرفة بود از بحر نبوت عربى عليه السلام بآن خبركه كفت ( ما صب الله تعالى شيأ فى صدرى الا وصببته فى صدر ابى بكر ) وخلق مصطفى عليه السلام باخلق جنان بود كه كافران بقصدون برخاسته بودند ودندان عزيزوى ميشكستند ونجاست برمهر نبوت مى انداختند وآن مهتر عالم دست شفقت برسر ايشان نهاده كه ] ( اللهم اهد قومى فانهم لا يعلمون ) وفى المثنوى
طبع را كشتتد در حمل بدى ... ناحمولى بود هست ايزدى
اى مسلمان خود ادب اندر طلب ... نيست الا حمل بى ادب
وقال الحسن خرقوا خرقا فى حلق حبيب فعلقوه من وراء سور المدينة
وقيل نشروه بالمنشار حتى خرج من بين رجليه
وقيل القى فى البئر وهو الرس وقبره فى سوق انطاكية
قيل طوّل معهم الكلام ليشغلهم بقتله تخلص الرسل كما فى حواشى ابن الشيخ وكذا قال الكاشفى [ وبقولى آنست بسلامت بيرون رفتد وحبيب كشته شد وقولى آنست كه ييغمبران وملك ومؤمنان كشته شدند ] كما قال ابو الليث فى تفسيره وقتلوا الرسل الثلاثة
جون سفيها نراست اين كار وكيا ... لازم آمد يقتلون الانبيا(11/342)
قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)
{ قيل ادخل الجنة } قيل له اى لحبيب النجار ذلك لما قتلوه اكراما له بدخولها حينئذ كسائر الشهداء
وقيل معناه البشرى بدخول الجنة وانه من اهلها يدخلها بعد البعث لا انه امر بدخولها فى الحال لان الجزاء بعد البعث وانما لم يقل قيل له لان الغرض بيان المقول لا المقول له لظهوره وللمبالغة فى المسارعة الى بيانه والجملة استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية حاله كأنه قيل كيف كان لبقاء ربه بعد ذلك التصلب فى دينه والتسخى بروحه لوجهه تعالى فقيل قيل ادخل الجنة وكذا قوله تعالى { قال } الى آخره فانه جواب عن سؤال نشأ من حكاية حاله كأنه قيل فماذا قال عند نيله تلك الكرامة السنية فقيل قال متمنيا علم قومه بحاله ليحملهم ذلك على اكتساب مثله بالتوبة عن الكفر والدخول فى الايمان والطاعة جريا على سنن الاولياء فى كظم الغيظ والترحم على الاعداء وليعملوا انهم كانوا على خفاء عظيم فى امره وانه كان على الحق وان عداوتهم لم تكسبه الاسعادة { يا ليت قومى } يا فى مثل هذا المقام لمجرد التنبيه من غير قصد الى تعيين المنبه [ اى كاشكى قوم من ] { يعلمون بما غفر لى ربي } ما موصولة اى بالذى غفر لى ربى بسببه ذنوبى او مصدرية اى بمغفرة ربى والباء صلة يعلمون او استفهامية وردت على الاصل وهو ان لا تحذف الالف بدخول الجار والباء متعلقة بغفر اى بأى شئ غفر لى ربى يريد به تفخيم شأن المهاجرة عن ملتهم والمصابرة على اذيتهم لاعزاز الدين حتى قتل { وجعلنى من المكرمين } اى المنعمين فى الجنة وان كان على النصف اذتمامه انما يكون بعد تعلق الروح بالجسد يوم القيامة وفى الحديث المرفوع « نصح قومه حيا وميت » [ اكرآن قوم اين كرامت ديندى ايشان نيز ايمان آوردندى ] وهكذا ينبغى للمؤمن ان يكون ناصحا للناس لا يلتفت الى تعصبهم وتمردهم ويستوى حاله فى الرضى والغضب
قال حمدون القصار لا يسقط عن النفس رؤية الخلق بحال ولو سقط عنها فى وقت لسقط فى المشهد الاعلى فى الحضرة ألا تراه فى وقت دخول الجنة يقول يا ليت قومى يعلمون يحدّث نفسه اذ ذاك
يقول الفقير وذلك لان حجاب الامكان الذى هو متعلق بجانب النفس والخلق والكثرة لا يزول ابدا وان كان الانسلاخ التام ممكنا لا كامل البشر عند كمال الشهود فان هذا الانسلاخ لا يخرجهم عن حد الحدوث والامكان بالكلية والا يلزم ان ينقلب الحادث الممكن واجبا قديما وهو محال
قال فى كشف الاسرار [ نشان كرامت بنده آنست كه مردوار در آيد وجان ودل وروزكار فداى حق ويدن اسلام كند جنانكه حبيب كرد تا از حضرت عزت اين خلعت كرامت بدور سيدكه { ادخل الجنة } دوستان اوجون بآن عقبة خطرناك رسند بايشان خطاب آيد(11/343)
{ ألا تخافوا ولا تحزنوا } بازايشانرا بشارت دهند كه { وابشروا بالجنة } احمد بن حنبل رحمه الله در نزع بود بدست اشارت مى كرد وبزبان دند نه مى كفت عبد الله بسرش كوش بردهان او نهاد تاجه شنود او درخويشتن مى كفت « لا بعد لا بعد » بسرش كفت اى بدر اين جه جالتست كفت اى عبد الله وقتى باخطراست نه جاى ببردى اززحم ما ومن ميكويم « لا بعد » هنوز نه بايك نفس مانده جاى خطراست نه جاى امن وكار موقوف بعنايت حق . امير المؤمنين على رضى الله عنه كويد يكى را درخاك مى نهادم سه بار روى او بجانب قبله كردم هربار روى از قبلة بكردانيد بس ندايى شنيدكه اى على دست بدار آنكه ما ذليل كرديم توعزيز نتوانى كرد وكذا العكس در خبر آيد كه بندة مؤمن جون ازسراى فانى روى بدان منزل بقا نهد غسال اورا بدان نخته جوب خواباند تابشويد ازجناب قدم بنعت كرم خطاب آيدكه اى مقربان دركاه درنكريد جنانكه آن غسال ظاهر او بآب ميشويد ما باطن او بآب رحمت ميشوييم ساكنان حضرت جبروت كويند بادشاها مارا خبركن تا آنجه نورست كه ازدهان وى شعله مى زند وكويد از نور جلال ماست كه از باطن وى برظاهر تجلى ميكند حبيب نجار جون بآن مقام دولت رسيد اورا كفتند { ادخل الجنة } اى در آى درين جان ناز دوستان وميعادرا زمحبان ومنزل آسايش مشتاقان تاهم طوبى بينى هم زلفى هم حسنى . جون آن نواخت وكرامت ديد كفت { يا ليت قومى يعلمون } الخ آرزو كرد كه كاشكى قوم من دانستندى كه ماكجا رسيديم وجه ديديم نواخت حق ديديم وبمغفرت الله رسيديم ]
آنجايكه ابرار نشستند نشتيم ... صد كونه شراب از كف اقبال جشيديم
مارا همه مقصود بخشايش حق بود ... المنة لله كه بمقصود رسيديم(11/344)
وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28)
{ وما انزلنا على قومه } اى قوم حبيب وهم اهل انطاكية { من بعده } اى من بعد قتله { من جند } [ عسكر ] { من السماء } لاهلاكهم والانتقام منهم كما فعلناه يوم بدر والخندق بل كفينا امرهم بصيحة ملك { وما كنا منزلين } وما صح فى حكمتنا ان تنزل لاهلاك قومه جندا من السماء لما انا قدرنا لكل شئ سببا حيث اهلكنا بعض الامم بالحاصب وبعضهم بالصيحة وبعضهم بالخسف وبعضهم بالاغراق وجعلنا انزال الجند من السماء من خصائصك فى الانتصار من قومك
وفى الآية استحقار لاهل انطاكية ولاهلاكهم حيث اكتفى فى استئصالهم بما يتوسل به الى زجر نحو الطيور والوحوش من صيحة عبد واحد مأمور وايماء الى تفخيم شأن الرسول عليه السلام لانه اذا كان ادنى صيحة ملك واحد كافيا فى اهلاك جماعة كثيرة ظهر ان انزال الجنود من السماء يوم بدر والخندق لم يكن الا تعظيما لشأنه واجلالا لقدره لا لاحتياج الملائكة الى المظاهرة والمعاونة فانه قيل كما لم ينزل عليهم جندا من السماء لم يرسل اليهم جندا من الارض ايضا فما فائدة قوله من السماء فالجواب انه ليس للاحتراز بل لبيان ان النازل عليهم من السماء لم يكن الا صيحة واحدة اهلكتهم باسرهم(11/345)
إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)
{ ان كانت } اى ما كانت الاخذة او العقوبة على اهل انطاكية { الا صيحة واحدة } [ مكر يك فرياد كه جبرائيل هردوبازى درشهر ايشان كرفته صيحة زد ] { فاذا هم } [ بس آنجا ايشان ] { خامدون } ميتون لا يسمع لهم حس ولا يشاهد لهم حركة شبهوا بالنار الخامدة رمزا الى ان الحى كالنار الساطعة فى الحركة والالتهاب والميت كالرماد يقال خمدت النار سكن لهبها ولم ينطفئ جمرها وهمدت اذا طفئ جمرها
قال فى الكواشى لم يقل هامدون وان كان ابلغ لبقاء اجسادهم بعد هلاكهم ووقعت الصيحة فى اليوم الثالث من قتل حبيب الرسل او فى اليوم الذى قتلوهم فيه . وفى رواية فى الساعة التى عادوا فيها بعد قتلهم الى منازلهم فرحين مستبشرين وانما عجل الله عقوبتهم غضبا لاوليائه الشهداء فانه تعالى يغضب لهم كما يغضب الاسد لجروه نسأل الله ان يحفظنا من موجبات غضبه وسخطه وعذابه(11/346)
يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30)
{ يا حسرة على العباد } المصرين على العناد تعالى فهذه من الاحوال التى حقها ان تحضرى فيها وهى ما دل عليه قوله تعالى { ما يأتيهم من رسول الا كانوا به يستهزؤن } فان المستهزئين بالناصحين الذين نيطت بنصائحهم سعادة الدارين احقاء بان يتحسروا ويتحسر عليهم المتحسرون وقد تلهف على حالهم الملائكة والمؤمنون من الثقلين فقوله { يا حسرة } نداء للحسرة عليهم والحسرة وهى اشد الغم والندامة على الشئ الفائت لا تدعى ولا يطلب اقبالها لانهامما لا تجيب والفائدة فى ندائها مجرد ننبيه المخاطب وايقاظه ليتمكن فى ذهنه ان هذه الحالة تقتضى الحسرة وتوجب والنداء عندهم يكون لمجرد التنبيه
وقد جوز ان يكون تحسرا عليهم من جهة الله بطريق الاستعارة لتعظيم ما جنوه على انفسهم شبه استعظام الله لجنايتهم على انفسهم بتحسر الانسان على غيره لاجل ما فاته من الدولة العظمى من حيث ان ذلك التحسر يستلزم استعظام ما اصاب ذلك الغير والانكار على ارتكابه والوقوع فيه ويؤيده قراءة يا حسرتا لان المعنى يا حسرتى ونصبها لطولها بما تعلق بها من الجار اى لكونها مشابهة بالمنادى المضاف فى طولها بالجار المتعلق
وفى بحر العلوم قوله { ما يأتيهم } الخ حكاية حال ماضية مستمرة اى كانوا فى الدنيا على الاستمرار يستهزئون بمن يأتيهم من الرسول من غاية الكبر ويستحقرون ويستنكفون عن قبول دينه ودعوته وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن استهزاء قومه
وفى تفسير العيون قوله { يا حسرة على العباد } بيان حال استهزائهم بالرسل اى يقال يوم القيامة يا حسرة وندامة على الكفار حيث لم يؤمنوا برسلهم وقوله { ما يأتيهم } الخ تفسير لسبب الحسرة النازلة بهم وفى الحديث « ان المستهزئين بالناس فى الدنيا يفتح لهم يوم القيامة باب من ابواب الجنة فيقال لهم هلم هلهم فيأتيه احدهم بكربه وغمه فاذا اتاه اغلق دونه فلا يزال يفعل به ذلك حتى يفتح له الباب فيدعى اليه فلا يجيب من الاياس »
وقال مالك بن دينار قرأت فى زبور داود طوبى لمن لم يسلك سبيل الآثمين ولم يجالس الخطائين ولم يدخل فى هزؤ المستهزئين وفى المثنوى
باره دوزى ميكنى اندر دكان ... زير اين دكان تو مدفون دو كان
هست اين دكان كرآيى زودباش ... تيشه بستان وتكش را مى تراش
تاكه تيشه ناكهان بركان نهى ... از دكان وباره دوزى وا رهى
باره دوزى جيست خورد آب ونان ... مى زنى اين باره بر دلق كران
هر زمان مى درد اين دلق تنت ... باره بروى مى زنى زين خوردنت
بارة بركن ازين قعر دكان ... تابر آرد سربه ييش تو دو كان
ييش ازان كين مهلت خانه كرى ... آخر آيد تو نبردى زو برى
بس ترا بيرون كند صاحب دكان ... وين دكانرا بركند از روى كان
توز حسرت كاه بر سر مى زنى ... كاه خام خود برميكنى
كاى دريغا آن من بود اين دكان ... كور بودم برنخوردم زين مكان
اى دريغا بود ما را برد باد ... تا ابد يا حسرة شد للعباد(11/347)
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31)
{ ألم يروا } وعيد للمشركين فى مكة بمثل عذاب الامم الماضية ليعتبروا ويرجعوا عن الشرك اى ألم يعلم اهل مكة { كم اهلكنا قبلهم من القرون } كم خبرية . والقرن القوم المقترنون فى زمن واحد اى كثرة اهلاكنا من قبلهم من المذكورين آنفا ومن غيرهم بشؤم تكذيبهم وقوله ألم يروا معلق عن العمل فيما بعده لان كم لا يعمل فيها ما قبلها وان كانت خبرية لان اصلها الاستفهام خلا ان معناه نافذ فى الجملة كما نفذ فى قولك ألم تر ان زيدا لمنطلق وان لم يعمل فى لفظه فالجملة منصوبة المحل بيروا { انهم اليهم لا يرجهون } بدل من اهلكنا على المعنى اى ألم يعلموا كثرة اهلاكنا القرون الماضية والامم السالفة كونهم اى الهالكين غير راجعين اليهم اى الى هؤلاء المشركين اى اهلكوا اهلاكا لارجوع لهم من بعده فى الدنيا : وبالفارسية [ ومشاهده نكردند كه هلاك شدكان سوى اينان بازنمى كردند يعنى بدنيا معاودت نمى كنند ] أفلا يعتبرون ولم لا ينتبهون فكما انهم مضوا وانقرضوا الى حيث لم يعودوا الى ما كانوا فكذلك هؤلاء سيهلكون وينقرضون اثرهم ثم لا يعودون
وقال بعضهم ألم يروا ان خروجهم من الدنيا ليس كخروج احدهم من منزله الى السوق او الى بلد آخر ثم عودته الى منزله عند اتمام مصلحته هناك بل هو مفارق من الدنيا ابدا فكونهم غير راجعين اليهم عبارة عن هلاكهم بالكلية ويجوز ان يكون المعنى ان الباقين لا يرجعون الى المهلكين بسبب الولادة وقطعنا نسلهم واهلكناهم كما فى التفسير الكبير [ سلمان فارسى رضى الله عنه هر كاه كه بخرابى برطذشنة توقف كردى دل بدادند ومال ورفتكان آن منزل ياد كردى كفتى كجايند ايشان كه اين بنا نهادند واين مسكن ساختند وبزارى بناليدى وجان بردر باختند تا آن غرفها بياراستند جون دلبران نهادند وجون كل بشكفتند برك بريختند ودر كل خفتند ]
سل الطارم العالى الذرى عن قطينه ... نجا ما نجا من بؤس عيش ولينه
فلما استوى فى الملك واستعبد العدى ... رسول المنايا تله لجبينه
وهذه الآية ترد قول اهل الرجعة اى من يزعم ان من الخلق من يرجع قبل القيامة بعد الموت كما حكى عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قيل له ان قوما يزعمون ان عليا رضى الله عنه مبعوث قبل يوم القيامة فقال بئس القوم نحن اذا نكحنا نساءه وقسمنا ميراثه اى لو كان راجعا لكان حيا والحى لا تنكح نساؤه ولا يقسم ميراثه كما قال الفقهاء اذا بلغ الى المرأة وفاة زوجها فاعتدت وتزوجت وولدت ثم جاء زوجها الاول فهى امرأته لانها كانت منكوحته ولم يعترض شئ من اسباب الفرقة فبقيت على النكاح السابق ولكن لا يقربها حتى تنقضى عدتها من النكاح الثانى . ويجب اكفار الروافض فى قولهم بان عليا واصحابه يرجعون الى الدنيا فينتقمون من اعدائهم ويملأ الارض قسطا كما ملئت جورا وذلك القول مخالف للنص نعم ان روحانية على رضى الله عنه من وزراء المهدى فى آخر الزمان على ما عليه اهل الحقائق ولا يلزم من ذلك محذور قطعا لان الارواح تعين الارواح والاجسام فى كل وقت وحال فاعرف هذا(11/348)
وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)
{ وان كل لما جميع لدينا محضرون } ان نافية وتنوين كل عوض عن المضاف اليه . ولما بمعنى الا . وجميع فعيل بمعنى مفعول جمع بين كل وجميع لان الكل يفيد الاحاطة دون الاجتماع والجميع يفيد ان المحشر يجمعهم . ولدينا بمعنى عندنا ظرف لجميع او لما بعده . والمعنى ما كل الخلائق الا مجموعين عندنا محضرون للحساب والجزاء
وهذه الآية بيان لرجوع الكل الى المحشر بعد بيان عدم الرجوع الى الدنيا وان مات ترك على حاله ولو لم يكن بعد الموت بعث وجمع وحبس وعقاب وحساب لكان الموت راحة للميت ولكنه يبعث ويسأل فيكرم المؤمن والمخلص والصالح والعادل ويهان الكافر والمنافق والمرائى والفاسق والظالم فيفرح من يفرح ويتحسر من يتحسر فللعباد موضع التحسر ان لم يتحسروا اليوم
واعلم انه غلبت على اهل زماننا مخالفة اهل الحق ومعاداة اولياء الله واستهزاؤهم بهم وبكلماتهم المستحسنة الا من يشاء الله به خيرا من اهل النظر وارباب الارادة وقليل ما هم فكما ان الله تعالى هدد كفار الشريعة فى هذا المقام من طريق العبارة كذك هدد كفار الحقيقة من طريق الاشارة فانه لم يفت منهم احد ولم ينفلت من قبضة القدرة الى يومنا هذا ولم يكن لواحد منهم عون ولا مدد وكلهم رجعوا اليه واحضروا لديه وعوتبوا بل عوقبوا على ما هم عليه
ثم اعلم ان الله تعالى جعل هذه الامة آخر الامم فضلا منه وكرما ليعتبروا بالماضين وما جعلهم عبرة لامة اخرى وانه تعالى قد شكا لهم من كل امة وما شكا الى احد من غيرهم شكايتهم الا ما شكا الى نبيهم المصطفى صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج كما قال عليه السلام « شكا ربى من امتى شكايات . الاولى انى لم اكلفهم عمل الغد وهم يطلبون منى رزق الغد . والثانية انى لا ادفع ارزاقهم الى غيرهم وهم يدفعون عملهم الى غيرى . والثالثة انهم يأكلون رزقى ويشكرون غيرى ويخونون معى ويصالحون خلقى . والربعة ان العزة لى وانا المعز وهم يطلبون العز من سواى . والخامسة انى خلقت النار لكل كافر وهم يجتهدون ان يوقعوا انفسهم فيها »
فغان بديها كه در نفس ماست ... نه فعل نكوهست نه كفتار راست
دوهواهنده بودن بمحشر فريق ... ندانم كدامين دهندم طريق
حدايا دو جشمم زباطل بدوز ... بنورم كه فردا بنارت مسوز(11/349)
وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33)
{ وآية } علامة عظيمة ودلالة واضحة على البعث والجمع والاحضار وهو خبر مقدم للاهتمام به وقوله { لهم } اى لاهل مكة اما متعلق بآية لانها بمعنى العلامة او بمضمر هون صفة لها والمبتدأ قوله { الارض الميتة } اليابسة الجامدة : وبالفارسية [ خشك وبى كياه ] { احببناها } استئناف مبين لكيفية كون الارض الميتة آية كأن قائلا قال كيف تكون آية فقال احييناها والاحياء فى الحقيقة اعطاء الحياة وهى صفة تقتضى الحس والحركة والمعنى ههنا هيجنا القوى النامية فيها واحدثنا نضارتها بانواع النباتات فى وقت الربيع بانزال الماء من بحر الحياة وكذلك النشور فانا نحيى الابدان البالية المتلاشية فى الاجداث بانزال رشحات من بحر الجود فنعيدهم احياء كما ابدعناهم اولا من العدم { واخرجنا منها } اى من الارض { حبا } الحب الذى يطحن والبرز الذى يعصر منه الدهن وهو جمع حبة والمراد جنس الحبوب التى تصلح قواما للناس من الارز والذرة والحنطة وغيرها { فمنه } اى فمن الحب { يأكلون } تقديم الصلة ليس لحصر جنس المأكول فى الحب حتى يلزم ان لا يؤكل غيره بل هو لحصر معظم المأكول فيه فان الحب معظم ما يؤكل ويعاش به ومنه صلاح الانس حتى اذا قلّ قلّ الصلاح وكثر الضر والصياح واذا فقد فقد النجاح باختلال الاشباح والارواح ولامر ما قال عليه السلام « اكرموا الخبز فان الله اكرمه فمن اكرم الخبز اكرمه الله » وقال عليه السلام « اكرموا الخبز فان الله سخر له بركات السموات والارض والحديد والبقر وابن آدم ولا تسندوا القصة بالخبز فانه ما اهانه قوم الا ابتلاهم الله بالرجوع » وقال عليه السلام « اللهم متعنا بالاسلام وبالخبز فلولا الخبز ما صمنا ولا صلينا ولا حجبنا ولا غزونا وارزقنا الخبز والحنطة » كما فى بحر العلوم
قال فى شرعة الاسلام ويكرم الخبز باقصى ما يمكن فانه يعمل فى كل لقمة يأكلها الانسان من الخبز ثلاثمائة وستون صانعا او لهم ميكائيل الذى يكيل الماء من خزانة الرحمة ثم الملائكة التى تزجر السحاب والشمس والقمر والافلاك وملائكة الهواء ودواب الارض وآخرهم الخباز : قال الشيخ سعدى قدس سره
ابروباد ومه وخورشيد وفلك دركارند ... تاتونانى بكف آرى وبغفلت نخورى
همه ازبهر توسر كشته وفرمان بردار ... شرط انصاف نباشد كه توفرمان نبرى
ومن اكرام الخبز ان يلتقط الكسرة من الارض وان قلت فيأكلها تعظيما لنعمة الله تعالى وفى الحديث « من اكل ما يسقط من المائدة عاش فى وسعة وعوفى فى ولده وولد ولده من الحمق » ويقال ان التقاط الفتات مهور الحور العين ولا يضع القصعة على الخبز ولا غيرها الا ما يؤكل به من الادام . ويكره مسح الاصابع والسكين بالخبز الا اذا اكله بعده . وكذا يكره وضع الخبز جنب القصعة لتستوى . وكذا يكره اكل وجه الخبز او جوفه ورمى باقية لما فى كل ذلك من الاستحقاق بالخبز والاستخفاف بالخبز يورث الغلاء والقحط كذا فى شرح النقاية والعوارف وذكر ان الارز خلق من عرق النبى عليه السلام . زعم بعضهم ان اهل الهند لما منعوا من اخراجه الى الروم اطمعوه البط ثم ذبحوه فاخرجوه خيفة منهم بهذه الحيلة
قال بعض الكبار من لم يأكل الارز بهذا الزعم فليأكل السم(11/350)
وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34)
{ وجعلنا فيها } وخلقنا فى الارض { جنات } بساتين مملوءة { من نخيل } جمع نخلة { واعناب } جمع عنب اى من انواع النخل والعنب ولذلك جمعا دون الحب فان الدال على الجنس مشعر بالاختلاف ولا كذلك الدال على الانواع
فان قلت لم ذكر النخيل دون التمور متى يطابق الحب والاعناب فى كونها مأكول لان التمور والحب والاعناب كلها مأكولة دون النخيل
قلت لاختصاص شجرها بمزيد النفع وآثار الصنع وذلك لانها اول شجرة استقرت على وجه الارض وهى عمتنا لانها خلقت من فضل طينة آدم عليه السلام وهى تشبه الانسان من حيث استقامة قدّها وطولها وامتياز ذكرها من بين النبات واختصاصها باللقاح ورائحة طلعها كرائحة المنى ولطلعها غلاف كالمشيمة التى يكون الولد فيها ويقطع رأسها ماتت كما قالوا اقرب الجماد الى النبات المرجان لانه ينبت فى البحر كالنبات ويكون له اغصان واقرب النبات الى الحيوان النخل لانها تموت بقطع رأسها ولا تثمر بدون اللقاح كما ذكر واقرب الحيوان الى الانسان الفرس : يعنى [ ازحيثيت شعور وزيركى ] ويرى المنامات كبنى آدم ولو اصاب جمار النخلة آفة هلكت والجمار من النخلة كالمخ من الانسان واذا تقارب ذكورها واناثها حملت حملا كثيرا لانها تستأنس بالمجاورة واذا كانت ذكورها بين اناثها القحتها بالريح وربما قطع الفها من الذكور فلا تحمل لفراقة ويعرض لها العشق وهو ان تميل الى نخلة اخرى ويخف حملها وتهزل وعلاجه ان يشد بينها وبين معشوقها الذى مالت اليه بحبل او يعلق عليها سعفة منه او يجعل فيها من طلعة
ومن خواص النخلة ان مضغ خوصها يقطع رائحة الثؤم وكذا رائحة الخمر
واما العنب فقد جاء فى بعض الكتب المنزلة أتكفرون بى وانا خالق العنب وله خواص كثيرة وكذا الزبيب روى انه اهدى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبيب فقال « بسم الله كلوا نعم الطعام الزبيب يشد العصب ويذهب الوصب ويطفئ الغضب ويرضى الرب ويطيب النكهة ويذهب البلغم ويصفى اللون » وماء الكرم الذى يتقاطر من قضبانها بعد كسحها ينفع للجرب شربا ويجمع ويسقى للمشغوف بالخمر بعد شرب الخمر من غير علمه فيبغض الخمر قطعا
واول من استخرج الخمر جمشيد الملك فانه توجه مرة الى الصيد فرأى فى بعض الجبال كرمة وعليها عنب فظنها من السموم فامر بحملها حتى يجرّ بها ويطعم العنب لمن يستحق القتل فحملوه فتكسرت حباته فعصروها وجعلوا ماءها فى ظرف فما عاد الملك الى قصره الا وقد تخمر العصير فاحضر رجلا وجب عليه القتل فسقاه من ذلك فشربه بكره ومشقة ونام نومة ثقيلة ثم انتبه وقال اسقونى منه فسقوه ايضا مرارا فلم يحدث فيه الا السرور والطرب فسقوا غيره وغيره فذكروا انهم انبسطوا بعد ما شربوه ووجدوا سروا وطربا فشرب الملك فاعجبه ثم امر بغرسه فى سائر البلاد وكانت الخمر حلالا فى الامم السالفة فحرمها الله تعالى علينا لانها مفتاح لكل شر وجالبة لكل سوء وضرّ ومميته للقلب ومسخطه للرب وفى الحديث(11/351)
« خير خلكم خل خمركم » وذلك لان انقلاب الخمر الى الخل مرضاة للرب
وفيه خواص كثيرة واكثر الناس السعال والتنحنح فى مجلس معاوية فامر بشرب خل الخل
والخل ورد فيه ( نعم الادام ) وقد تعيش به كثير من السلف الكرام نسأل الله القناعة على الدوام { وفجرنا } الفجر شق الشئ شقا واسعا كما فى المفردات
قال بعضهم التفجير كالتفتيح لفظا ومعنى وبناء التفعيل للتكثير : والمعنى بالفارسية [ در كشاديم وروانه كرديم ] { فيها } اى فى الارض { من العيون } جمع عين وهى فى الاصل الجارحة ويقال لمنبع الماء عين تشبيها بها فى الهيئة وفى سيلان الماء منها ومن عين الماء اشتق ماء معين اى ظاهر للعيون ومعنى من العيون من ماء العيون فحذف الموصوف واقيمت الصفة مقامه او العيون ومن مزيدة على رأى الاخفش
واعلم ان تفجير الانهار والعيون فى البلاد رحمة من الله تعالى على العباد اذ حياة كل شئ من الماء وللبساتين منه النضارة والنماء . والعيون اما جارية واما غير جارية والجارية غير الانهار اذ هى اكثر واوسع من العيون ومنبعها غير معلوم غالبا كالنيل المبارك حيث لم يوجد رأسه وغير الجارية هى الآبار . وفى الدنيا عيون وآبار كثيرة وفى بعضها خواص زائدة كعين شبرم وهى بين اصفهان وشيراز وهى من عجائب الدنيا وذلك ان الجراد اذا وقعت بارض يحمل اليها من ذلك العين ماء فى ظرف او غيره فيتبع ذلك الماء طيور سود تسمى السمرمر ويقال له السوادية بحيث ان حامل الماء لا يضعه الى الارض ولا يلتفت وراءه فتبقى تلك الطيور على رأس حامل الماء فى الجو كالسحابة السوداء الى ان يصل الى الارض التى بها الجراد فتصيح الطير عليها فتقتلها فلا يرى شئ من الجراد متحركا بل يموت من اصوات تلك الطيور
يقول الفقير فى حد الروم ايضا عين يقال لها ماء الجراد وهى مشهورة فى جميع البلاد الرومية ينقل ماؤها من بلده الى بلدة لقتل الجراد اذا استولت وقد حصلت تلك الخاصية لها بنفس من انفاس بعض الاولياء وان كان التأثير فى كل شئ من الله تعالى ولهذا نظائر منها ان فى قبر ابراهيم بن ادهم قدس سره ثقبة اذا قصد ظالم بسوء البلدة التى فيها ذلك القبر المنيف يخرج من تلك الثقبة نحل وزنابير تلسعه ومن يتبعه فيتفرقون : وفى المثنوى
اوليارا هست قوت ازآله ... تير جسته بازكر داند زراه
نسأل الله العصمة والتوفيق والشرب من عين التحقيق(11/352)
لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)
{ ليأكلوا من ثمره } متعلق بجعلنا وتأخيره عن تفجير العيون لانه من مبادى الاثمار اى وجعلنا فيها جنات من نخيل واعناب ورتبنا مبادى اثمارها ليأكلوا من ثمر ما ذكر من الجنات والنخيل ويواظبوا على الشكر اداء لحقوقنا ففيه اجراء الضمير مجرى اسم الاشارة { وما عملته ايديهم } عطف على ثمره وايديهم كناية عن القوة لان اقوى جوارح الانسان فى العمل يده فصار ذكر اليد غالبا فى الكناية ومثله ذلك بما قدمت ايديكم وفى كلام العجم [ بدست خويش كردم بخويشتن ] وانت لا تنوى اليد بعينها كما فى كشف الاسرار والمعنى وليأكلوا من الذى عملته ايديهم وهو ما يتخذ منه من العصير والدبس ونحوهما
وقيل ما نافية والمعنى ان الثمر بخلق الله تعالى لا بفعلهم ومحل الجملة النصب على الحالية ويؤكد الاول قراءة عملت بلاهاء فان حذف العائد من الصلة احسن من الحذف من غيرها { أفلا تشكرون } انكار واستقباح لعدم شكرهم النعم المعدودة والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام اى يرون هذه النعم او يتنعمون بها فلا يشكرونها بالتوحيد والتقديس والتحميد [ صاحب بحر الحقائق فرموده كه معنئ آيت بزبان اهل اشارت آنست كه زمين دلر ازنده كرديم بباران عنايت وبيرون أورديم ازان حب طاعت تا ارواح ازان غذا مى يابند وساختيم بوستانها از نخيل اذكار واعناب اشواق وعيون حكمت دروى روان كرديم تازا ثمار مكاشفات ومشاهدات تمتع مى كيرند از نتايج اعمال كه كرده اند از صدقات وخيرات آيا سباس دارى نميكنند يعنى سباس نمى بايد داشت برين نعم ظاهره وباطنه تاموجب مزيد آن شودكه ] { لئن شكرتم لازيدنكم }
كر شكر كنى زياده كردد نعمت ... وزدل ببرد دغدغة بيش وكمت
بس زود بسر منزل مقصود رسى ... از منهج شكر آكه نلغزد قدمت(11/353)
سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)
{ سبحان الذى خلق الازواج كلها } سبحان علم للتسبيح الذى هو التبعيد عن السوء اعتقادا وقولا اى اعتقاد البعد عنه والحكم به فان العلم كما يكون علما للاشخاص كزيد وعمرو وللاجناس كاسامة يكون للمعانى ايضا لكن علم الاعيان لا يضاف وهذا لا يجوز بغير اضافة كما فى الآية اقيم مقام المصدر وبين مفعوله باضافته اليه والمراد بالازواج الاصناف والانواع جمع زوج بالفارسية [ جفت ] خلاف الفرد ويقال للانواع ازواج لان كل نوع زوج بقسميه . وفى سبحان استعظام ماذكر فى حيز الصلة من بدائع آثار قدرته وروائع نعمائه الموجبة للشكر وتخصيص العبادة به والتعجب من اخلال الكفرة بذلك والحالة هذه فان التنزيه لا ينافى التعجب . والمعنى اسبح الذى اوجد الاصناف والانواع سبحانه اى انزهه عما لا يليق به كما فعله الكفار من الشرك وما تركوه من الشكر وتلقين للمؤمنين ان يقولوه ويعتقدوا مضمونه ولا يخلوا به لوا يغفلوا عنه
وقال بعضهم سبحان مصدر كغفران اريد به التنزه التام والتباعد الكلى عن السوء على ان تكون الجملة اخبار من الله بالتنزه والمعنى تنزه تعالى بذاته عن كل لا ما يليق به تنزها خاصا ومن هو خالق الاصناف والانواع كيف يجوز ان يشرك به ما لا يخلق شيأ بل هو مخلوق عاجز
قال ابن الشيخ والتنزيه يتناول التنزيه بالقلب وهو الاعتقاد الجازم وباللسان مع ذلك الاعتقاد وهو الذكر الحسن وبالاركان معهما جميعا وهو العمل الصالح والاول هو الاصل والثانى ثمرة الاول والثالث ثمرة الثانى والذى لان الانسان اذا اعتقد شيأ ظهر من قلبه على لسانه واذا قال ظهر صدقه فى مقاله من افعال جوارحه فاللسان ترجمان الجنان والاركان ترجمان اللسان { مما تنبت الارض } بيان للازواج من انفسهم اى الذكر والانثى { ومما لا يعلمون } اى والازواج مما لا يطلعهم على خصوصياته لعدم قدرتهم على الاحاطة بها ولما انه لم يتعلق بها شئ من مصالحهم الدينية والدنيوية
قال القرطبى اى من اصناف خلقه فى البر والبحر والسماء والارض ثم يجوز ان يكون ما يخلقه لا يعلمه البشر ويعلمه الملائكة ويجوز ان لا يعلمه مخلوق
يقال دواب البحر والبر الف صنف لا يعلم الناس اكثرها
قال فى بحر العلوم ويجوز ان يكون المعنى مما لا يدركون كنهه مما خلق من الاشياء من الثواب والعقاب كما قال عليه السلام « اربع لا تدرك غايتها شرور النفس وخداع ابليس وثواب اهل الجنة وعقاب اهل النار » ومنه الروح فانه ما بلغنا ان الله تعالى اطلع احدا على حقيقة الروح
وفى الاية اشارة الى انه ما من مخلوق الا وقد خلق شفعا اذ الفردية من اخص اوصاف الربوبية كما قال عبد العزيز المكى رحمه الله خلق الازواج كلها ثم قال(11/354)
{ ليس كمثله شئ } ليستدل بذلك ان خالق الاشياء منزه عن الزوج والى ان فى كل شئ دليلا على وجوده تعالى ووحدته وكمال قدرته
قال فى كشف الاسرار [ هريكى برهستى الله وبريكانكئ وى نشان نه كواهى دهنده را خرد نه نشان دهنده را زبان ]
وفى كل شئ له آية ... تدل على انه واحد
قال فى انيس الوحدة وجليس الخلوة [ وقتى بادشاهى بوداورا بكفر وزندقه ميلى بود وزيرى داشت عاقل ومسلمان خواست كه باد شارها ازان باز آورد وعادت وزير آنجنان بودكه هرسال بادشاهرا يكبار ضيافت كردى جون وقت ضيافت در رسيد بادشاهرا دعوت كرد بزمين شورستان كفت آنجاى جه جاى ميزبانيست وزير كفت آنجا بوستانهاى خوش وانهار دلكش روان وعمارتهاى كران ظاهر شده است بى آنكه كسى مباشرت واقدام نموده بادشاه جون اين سخن دور از عقل شنيد بحنديد وكفت در عقل جه كونه كنجد كه بنابى بنا كننده ظاهر شود وزير كفت ظاهر شده عالم علوى وسفليست باجندين عجائب وغرائب بى آفريد كارى جه كونه معقول بود باد شاهرا اين سخن عظيم خوش آمد واورا سعادت وهدايت روى نمود ]
جشمها وكوشهارا بسته اند ... جزمرا آنهاكه از خود رسته اند
جزعنايت كى كشايد جشم را ... جز محبت كى نشاند خشم را
جون كريزم زانكه بى توزنده نيست ... بى خداونديت بود بنده نيست
توبه بى توفيقت اى نور بلند ... جيست جز بدريش توبه ريش خند
نسأل الله الوقوف على اسراره والاستنارة بانوار آثاره انه الظاهر فى المجالى بحسن اسمائه وصفاته والباطن بحقائق كالاته فى غيب ذاته(11/355)
وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37)
{ وآية لهم } اى علامة عظيمة لاهل مكة على كمال قدرتنا وهو مبتدأ خبره قوله { الليل } المظلم كأنه قيل كيف كان آية فقيل { نسلخ منه النهار } المضيئ اى نزيل النهار ونكشفه على مكان الليل ونلقى ظله بحيث لا يبقى معه شئ من ضوئه الذى هو شعاع الشمس فى الهواء مستعار من السلخ وهى ازالة ما بين الحيوان وجلده من الاتصال وان غلب فى الاستعمال تعليقه بالجلد يقال سلخت الاهاب بمعنى اخرجتها عنه { فاذا هم مظلمون } داخلون فى الظلام مفاجأة فان اذا للمفاجأة اى ليس لهم بعد ذلك امر سوى الدخول فيه
وفيه رمز الى ان الاصل هو الظلمة والنور عارض متداخل فى الهواء فاذا خرج منه اظلم فعلى هذا المعنى كان الواقع عقيب اذهاب الضوء عن مواضع ظلمة الليل هو ظهور الظلمة كما كان الواقع عقيب سلخ الاهاب هو ظهور المسلوخ واما على معنى الا خراج فالواقع بعده وان كان هو الابصار دون الاظلام والمقام مقام ان يقال فاذا هم مبصرون لكن لما كان الليل زمان ترح وألم وعدم ابصار والنهار وقت فرح وسرور وابصار جعل الليل كأنه يفاجئهم عقيب اخراج النهار من الليل بلا مهلة اذزمان السرور ليس فيه مهلة حكما وان كان ممتدا بخلاف زمان الغم فانه كان فيه المهلة وان كان قصيرا كما قيل سنة الوصل سنة وسنة الهجر سنة وقيل
ويوم لا اراك كألف شهر ... وشهر لا اراك كالف عام
قال الحافظ
آندم كه باتو باشم يكساله هست روزى ... واندم كه بى توباشم يكلحظه هست سالى
محن الزمان كثيرة لا تنقضى ... وسروره يأتيك كالاعياد
وفى الخبر عن سلمان رضى الله عنه قال الليل موكل به ملك يقال له شراهيك فاذا حان وقته اخذ خرزة سوداء فدلاها من قبل المغرب فاذا نظرت اليها الشمس وجبت اى سقطت فى اسرع من طرفة العين وقد امرت ان لا تغرب حتى ترى الخرزة فاذا غربت جاء الليل وقد نشرت الظلمة من تحت جناحى الملك فلا تزال الخرزة معلقة حتى يجيئ ملك آخر يقال له هراهيل بخرزة بيضاء فيعلقها من قبل المطلع فاذا رأتها الشمس طلعت فى طرفة عين وقد امرت ان لا تطلع حتى ترى الخرزة البيضاء فاذا طلعت جاء النهار وقد نشر النور من تحت حناحى الملك فلنور النهار ملك موكل لظلمة الليل ملك موكل عند الطلوع والغروب كما وردت الاخبار ذكره السيوطى فى كتاب الهيئة السنية
قال فى كشف الاسرار [ بزركى را برسيدند كه شب فاضلتر باروز جواب دادكه شب فاضلتركه درهمه شب آسايش وراحت بود والراحة من الجنة ودر روز سرور بالنسبة الى العامة ايضا اذا كانت ليلة الافطار فان للصائم فرحة عند ذلك كما ورد فى الحديث [ وبزركى كفت شب حظ مخلصا نست كه عبادت باخلاص كنند ريا دران نه وروز خظ مرائيا نست كه عبادت بريا كنند اخلاص دران نه وحى آمد ببعض انبياكه ] كذب من ادعى محبتى اذا جنة الليل نام عنى أليس كل محب يحب خلوة حبيبه ها انا مطلع عليكم اسمع وارى
وفى التأويلات النجمية { وآية لهم الليل } البشرية { نسلخ منه النهار } الروحانية { فاذا هم مظلمون } بظلمة الخلقية فان الله خلق الخلق بظلمة ثم رش عليهم من نوره(11/356)
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)
{ والشمس } معطوف على الليل اى وآية لهم الشمس المضيئة المشرقة على صحائف الكائنات كاشراق نور الوجود المطلق الفائض على هياكل الموجودات حسب التجليات الالهية كأنه قيل كيف كانت آية فقيل { تجرى } او حال كونها جارية وسائرة { لمستقر لها } فيه وجوه
الاول ان اللام فى لمستقر للتعليل والمستقر اسم مكان اى تجرى لبلوغ مستقر وحد معين ينتهى اليه دورها فى آخر السنة فشبه بمستقر المسافر اذا قطع سيره
والثانى ان اللام بمعنى الى والمستقر كبد السماء اى وسطها والمعنى تجرى الى ان تبلغ الى وسط السماء وتستقر فيه شبه بطؤ حركتها فيه بالوقفة والاستقرار والا فلا استقرار لها حقيقة كما قال فى المفردات الزوال يقال فى شئ قد كان ثابتا ومعلوم ان لاثبات للشمس فكيف يقال زوال الشمس فالجواب قالوه لاعتقادهم فى الظهيرة ان لها ثبانا فى كبد السماء وكما قال فى شرح التقويم فان قلت لم سميت السيارة بها وليست السموات بساكنة قلت لسرعة حركتها بالنسبة الى حركة الكواكب الباقية فان حركتها فى غاية البطؤ ولذلك تسمى ثوابت
والثالث ان اللام لام العاقبة والمستقر مصدر ميمى اى تجرى بحيث يترتب على جريها استقرارها فى كل برج من البروج الاثنى عشر على نهج مخصوص بان تستقر فى كل برج شهرا ويأخذ الليل من النهار فى نصف الحول والنهار من الليل فى النصف الآخر منه وتبلغ نهاية ارتفاعها فى الصيف ونهاية انحطاطها فى الشتاء ويترتب عليه اختلاف الفصول الاربعة وتهيئة اسباب معاش الارضيات وتربيتها
والرابع ان المعنى المنتهى مقدر لكل يوم من المشارق والمغارب فان لها فى دورها ثلاثمائة وستين مشرقا ومغربا تطلع كل يوم من مطلع وتغرب من مغرب ثم لا تعود اليها الى العام القابل فالمستقر اسم زمان اى تجرى الى زمان استقرارها وانقطاع حركتها عند خراب العالم او الى وقت قرارها وتغير حالها بالطلوع من مغربها كما قال ابو ذر رضى الله عنه دخلت المسجد ورسول الله عليه السلام جالس فلما غابت الشمس قال عليه السلام « يا ابا ذر أتدرى اين تذهب هذه الشمس » فقلت الله ورسوله اعلم فقال « تذهب تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك ان تسجد ولا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها ويقال لها ارجعى من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله والشمس تجرى لمستقر لها » وفهم من الحديث ان المستقر ايضا تحت العرش والمراد بالسجدة الانقياد ويجوز ان تكون على حقيقتها فان الله تعالى قادر على ان يخلق فيها حياة وادراكا يصح معهما سجدتها كما سبق نظائرها
قال بعض العارفين تسجد بروحها عند العرش كما تسجد الروح عند النوم اذا باتت على طهارة(11/357)
قال امام الحرمين وغيره من الفضلاء لاخلاف ان الشمس تغرب عند قوم وتطلع عند قوم آخرين والليل يطول عند قوم ويقصر عند قوم آخرين وعند خط الاستواء يكون الليل والنهار وسطها ارفع ولذلك سموا الجزيرة التى هى وسط الارض كلها المستوى فيها الليل والنهار قبة الارض وحول الارض البحر الاعظم المحيط فيه ماء غليظ منتن لا تجرى فيه المراكب وحول هذا البحر جبل قاف خلق من زمرد اخضر وسماء الدنيا مقبية عليه ومنه خضرتها
وسئل الشيخ ابو حامد رضى الله عنه عن بلاد بلغار كيف يصلون لان الشمس لا تغرب عندهم الا مقدار ما بين المغرب والعشاء ثم تطلع فقال يعتبر صومهم وصلاتهم باقرب البلاد اليهم والاصح عند اكثر الفقهاء انهم يقدرون الليل والنهار ويعتبرون بحسب الساعات كما قال عليه السلام فى حق الدجال « يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة فيقدر الصلاة والصيام فى زمنه » { ذلك } الجرى البديع المنطوى على الحكم العجيبة التى تتحير فى فهمها العقول والافهام { تقدير العزيز } الغالب بقدرته على كل مقدور { العليم } المحيط علمه بكل معلوم
قال فى المفردات التقدير تبيين كمية الشئ
وتقدير الله الاشياء على وجهين احدهما باعطاء القدرة . والثانى ان يجعلها على مقدار مخصوص ووجه مخصوص حسبما اقتضته الحكمة
وذلك ان فعل الله ضربان ضرب اوجده بالفعل ومعنى ايجاده بالفعل اظهاره . وضرب اجراه بالقوة وقدره على وجه لا يتأتى غير ما قدر فيه كتقديره فى النواة ان ينبت منها النخل دون التفاح والزيتون وتقدير منى الآدمى ان يكون منه الانسان دون سائر الحيوانات
فتقدير الله على وجهين . احدهما بالحكم منه ان يكون كذا ولا يكون كذا اما على سبيل الوجوب واما على سبيل الامكان . والثانى باعطاء القدرة عليه
وفى الآية اشارة الى شمس نور الله فانها { تجرى لمستقر لها } وهو قلب استقر فيه رشاش نور الله { ذلك } المستقر { تقدير العزيز } الذى لا يهتدى اليه احد الابه { العليم } الذى يعلم حيث يجعل رسالته فليس كل قلب مستقرا لذلك النور فلا بد من التهيئة والتصقيل الى ان يتلطف ويزول منه كل ثقيل مما يتعلق بظلمات الكون والفساد
كوهر انواررا دلهاى باك آمد صدف ...(11/358)
وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)
{ والقمر قدرناه } بالنصب باضمار فعل يفسره الظاهر كما فى زيدا ضربته اى وقدرنا القمر قدرناه اى قدرنا له وعينا { منازل } وهى ثمان وعشرون مقسومة على الاثنى عشر برجا كما استوفينا الكلام عليها فى اوائل سورة يونس ينزل القمر كل ليلة فى واحدة من تلك المنازل لا يتخطاها ولا يتقاصر عنها فاذا كان فى آخر منازله دق واستقوس ويستتر ليلتين ان كان الشهر ثلاثين او ليلة ان كان تسعة وعشرين وقد صام عليه السلام ثمانية او تسعة رمضانات خمسة منها كانت تسعة وعشرين يوما والباقى ثلاثين وقد قال عليه السلام « شهرا العيد لا ينقصان » اى حكمهما اذا كانا تسعا وعشرين مثل حكمهما اذا كانا ثلاثين فى الفضل وقد صح ان دور هذه الامة هو الدور القمرى العربى الذى حسابه مبنى على الشهر لا الدور الشمسى الذى مبنى حسابه على الايام { حتى عاد } [ تاعود كرد ماه ]
قال ابن الشيخ حتى صار القمر فى آخر الشهر واول الشهر الثانى فى دقته واستقواسه واصفراره { كالعرجون } فعلون من الانعراج وهو الاعوجاج وهو عود العذق ما بين شماريخه الى منبته من النخلة . والعذق بالكسر فى النخل بمنزلة العنقود فى الكرم بالفارسية [ خوشه خرما ] . والشماريخ جمع شمراخ او شمروخ ما عليه البسر من العيدان { القديم } العتيق فاذا قدم وعتق دق وتقوس واصفر شبه به القمر فى آخر الشهر فى هذه الوجوه الثلاثة اى فى عين الناظر وان كان فى الحقيقة عظيما بنفسه فالقديم ما تقادم عهده بحكم العادة ولا يشترط فى اطلاق لفظ القديم عليه مدة بعينها اذ يقال لبعض الاشياء قديم وان لم يمض عليه حول وقيل اقل هذا القديم الحول فمن حلف كل مملوك قديم لى فهو حر عتق من مضى عليه الحول
قال فى كشف الاسرار [ ازروى حكمت كفته اندكه زيادت ونقصان ماه از آنست كه درابتداى آفرينش نور او بركمال بود بخود نظرى كرد عجبى دروى ييدا شد رب العزة جبريل را فرمود تابرخويش بروى ماه زد وآن نور ازوى بستاد ابن عباس رضى الله عنهما كفت آن خطها كه برروى ماه مى بينيد نشان بر جبرائيل اسن نور از وى بست اما نقش برجاى بماند ونقش كلمة توحيداست برييشانى ماه نبشت « لا اله الا الله محمد رسول الله » ياخود حروفى كه ازان اسم جميل حاصل ميشود جون نور ازماه بستدند اورا از خدمت دركاه منع كردند ماه ازفر شتكان مدد خواست تا از بهروى شفاعت كردند كفتند بار خدايا ماه درخدمت دركاه عزت خوى كرده هيج روى آن دارد كه بيكباركى اورا مهجور كنى رب العزه شفاعت ايشان قبول كرد واورا دستورى داد تاهر ماهى بيكبار سجود كند درشب جارده اكنون هرشب كه برآيد نورش بكمال رسد بازجون از جهارده در كذرد هرشب در نوروى نقصان مى آيد ازبساط خدمت دورتر مى كردد ]
وقيل شبيه الشمس عبد يكون ابدا فى ضياء معرفته وهو صاحب تمكين غير متلون اشرقت شمس معرفته من بروج سعادته دائما لا يأخذه كسوف ولا يستره حجاب .(11/359)
وشبيه القمر عبد تكون احواله فى التنقل وهو صاحب تلوين له من البسط ما يرقيه الى حد الوصال ثم يرد الى الفترة ويقع فى القبض مما كان به من صفاء الحال فيتناقص ويرجع الى نقصان امره الى ان يرفع قلبه من وقته ثم يجود عليه الحق فيوفقه لرجوعه عن فترته وافاقته من سكرته فلا يزال يصفو حاله الى ان يقرب من الوصال ويرتقى الى ذروة الكمال فعند ذلك يقول بلسان الحال
ما زلت انزل من ودادك منزلا تتحير الالباب عند نزوله
وفى التأويلات النجمية وبقوله { والقمر قدرناه منازل } يشير الى قمر القلب فان القلب كالقمر فى استفادة النور من شمس الروح اولا ثم من شمس شهود الحق تعالى ثانيا وله ثمانية وعشرون منزلا على حسب حروف القرآن كما ان للقمر ثمانية وعشرون منزلا فالقلب ينزل فى كل حين منها بمنزل وهذه اسماؤها الالفة والبر والتوبة والثبات والجمعية والحلم والخلوص والديانة والذلة والرأفة والزلفة والكرم واللين والمروءة والنور والولاية والهداية واليقين فاذا صار الى آخر منازله فقد تخلق بخلق القرآن واعتصم بحبل الله وله آن ان يعتصم بالله ولهذا قال الله تعالى لنبيه فى قطع منازل العبودية { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } ويقال للمؤمن فى الجنة اقرأ وارق يعنى اقرأ القرآن وارتق فى مقامات القرب وبقوله { حتى عاد كالعرجون القديم } يشير الى سير قمر القلب فى منازله فاذا الف الحق تعالى فى اول منزله ثم بر بالايمان والعمل الصالح ثم تاب وتوجه الى الحضرة ثم ثبت على تلك التوبة جعل له الجمعية مع الله فيستنير قمر قلبه بنور ربه حتى يصير بدرا كاملا ثم يتناقص بدنوه من شمس شهود الحق تعالى قليلا كلما ازداد دنوه من الشمس ازداد فى نفسه نقصانا الى ان يتلاشى ويخفى ولا يرى له اثر وهذا مقام الفقر الحقيقى الذى افتخر به النبى صلى الله عليه وسلم فى قوله « الفقر فخرى » لانه عليه السلام كلما ازداد دنوه الى الحضرة ليلة المعراج ازداد فى فقره عن الوجود كما اخبر الله تعالى عنه بقوله { ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسيثن او ادنى } كمل ههنا فقره عن الوجود فوجده الله تعالى عائلا فاغناه بجوده انتهى
واعلم ان القمر مرآة قابلة لان تكتسب النور من قرص الشمس حسب المحاذاة بينهما ولما كان دور الشمس بطيئا كان ظهور اثرها دائرا على حصول الفصول الاربعة التى هى الربيع والصيف والخريف والشتاء ولما كان دور القمر سريعا كان ظهورا اثره فى الكون سريعا والى القمر ينظر القلب فى سرعة الحركة ولهذا السر اسكن الله آدم فى فلك القمر لمناسبة باطنه به فى سرعة حركاته وتقلباته .(11/360)
ثم ان القمر مرئى مدرك واما الشمس فى اشراقها واضاءتها وتلألؤ شعاعها لا تدرك كيفيتها وكميتها على ما هى عليه من تمنعها وامتناعها واحتيج الى طريق يتوصل به الى ابصارها بقدر الوسع فافادت الفكرة الخبرة أن يأخذ الانسان كثيفا ويملأه ماء صافيا نظيفا ويضعه فى مقابلة الشمس لتنعكس صورة من الشمس فى الماء فيلاحظ الانسان الشمس بغير دفع تلألؤ الاضواء ويراها فى اسفل قعر الاناء فان اللطيف من شأنه القبول والكثيف من شأنه الامساك فقبل الماء وامسك الاناء وهذا تدبير من يريد ابصار الشمس الظاهرة بمقلته الباصرة فاذا كان الشمس الظاهرة المتناهية لا يدرك عكسها بالاستعدادات السابقة والتدبيرات اللاحقة فما ظنك بشمس عالم الاحدية الالهية الربوبية الغير المتناهية وان نسبتها اليه فى الانارة والاضاءة والظهور والاظهار ودفع انوار العظمة ليست الا كذرّة فى الآفاق والسبع الطباق او كقطرة بالنسبة الى البحار الزاخرة او كجزء لا يتجزأ بالنسبة الى الدنيا والآخرة سبحان الله وله المثل الاعلى فى الارض والسماء فاذا عرفت هذا المثال عرفت حال القلب مع شمس الربوبية وانعكاس نورها فيه : قال الشيخ المغربى قدس سره
نخست ديده طلب كنه بسى آنكهى ديدار ... از آنكه يار كند جلوه بر اولو الابصار
ترا كه جشم نباشد جه حاصل از شاهد ... ترا كه كوش نباشد جه سود از كفتار
اكرجه آينة دارى از براى رخش ... ولى جه سود كه دارى هميشه آينه تار
بيا بصيقل توحيد زآينه بزدآى ... غبار شرك كه تا باك كردد از زنكار
وقال ايضا
كجا شود بحقيقت عيان جمال حقيقت ... اكر مظاهر وآينة مجاز نباشد
مجوى دردل ما غير دوست زانكه نيابى ... از آنكه در دل محمود جز اياز نباشد
به ييش عقل مكه قصهاى عشق كه آنرا ... قبول مى نكند آنكه عشقباز نباشد(11/361)
لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)
{ لا الشمس ينبغى لها } هو ابلغ من لا ينبغى للشمس كما ان انت لا تكذب بتقديم المسند اليه آكد من لا تكذب انت لاشتمال الاول على تكرر الاسناد . ففى ذكر حرف النفى مع الشمس دون الفعل دلالة على ان الشمس مسخرة لايتيسر لها الا ما اريد بها وقدر لها وينبغى من الانفعال وثلاثية بغى يبغى بمعنى طلب تجاوز الاقتصار فيما يتحرى تجاوزه او لم يتجاوز واما استعمال انبغى ماضيا فقليل
قال فى كشف الاسرار يقال بغيت الشئ فانبغى لى اى استسهلته فتسهل لى وطلبته فتيسر لى والمعنى لا الشمس يصح لها ويتسهل : وبالفارسية [ نه آفتاب سزد مرورا وشايد ] { ان تدرك القمر } فى سرعة سيره فان القمر اسرع سيرا حيث يقطع فلكه ويدور فى منازله الثمانى والعشرين فى شهر واحد بخلاف الشمس فانها ابطأ منه حيث لا تقطع فلكها ولا تدور فى تلك المنازل المقسومة على الاثنى عشر برجا الا فى سنة فيكون مقام الشمس فى كل منزلة ثلاثة عشر يوما فهى لا تدرك القمر فى سرعة سيره فانه تعالى جعل سيرها ابطأ من سير القمر واسرع من سير زحل وهو كوكب السماء السابعة وذلك لان الشمس كاملة النور فلو كانت بطيئة السير لدامت زمانا كثيرا فى مسامتة شئ واحد فتحرقه ولو كانت سريعة السير لما حصل لها لبث فى بقعة واحدة بقدر ما يخرج النبات من الارض والاوراق والثمار من الاشجار وبقدر ما ينضج الثمار والحبوب ويجف فلو ادركت القمر فى سرعة سيره لكان فى شهر واحد صيف وشتاء فيختل بذلك احكام الفصول وتكوّن النبات وتعيش الحيوان ويجوز ان يكون المعنى ليس للشمس ان تدرك القمر فى آثاره ومنافعه مع قوة نورها واشراقها فان لكل واحد منهما آثارا ومنافع تخصه وليس للآخر ان يدركه فيها كما قالوا الثمرة تنضجها الشمس ويلونها ويعطيها الطعم الكوكب
وقالوا ان سهيلا وهو كوكب يمنىّ يعطى الحجر اللون الاحمر فيصير عقيقا . ويجوز ان يكون معى ان تدرك القمر اى فى مكانه فان القمر فى السماء الدنيا والشمس فى السماء الرابعة فهى لا تدركه فى مكانه ولا يجتمعان فى موضع اولا تدركه فى سلطانه اى نوره الذى هو برهان لوجوده فان نوره انما يكون بالليل فليس للشمس ان تجامعه فى وقت من اوقات ظهور سلطانه بان تطلع بالليل فتطمس نوره فسلطان القمر بالليل وسلطان الشمس بالنهار ولو ادركت الشمس القرم لذهب ضوءه وبطل سلطانه ودخل النهار على الليل
وفى بعض التصاوير لا ينبغى للشمس ان تدرك سلطان القمر فتراه ناقصا وذلك ان الله تعالى لما قبض نور القمر سأله القمران لا ترى الشمس نقصانه
وقال بعض الكبار جعل الله شهورنا قمرية ولم يجعلها شمسية تنبيها من الله تعالى للعارفين من عباده ان آية القمر بمحوه عن العالم الظاهر لمن اعتبر فى قوله تعالى وتدبر { لا الشمس ينبفى لها ان تدرك القمر } اى فى علو المرتبة والشرف فكان ذلك تقوية لكتم آياتهم التى اعطاها للمحمديين العربيين واجراها واخفاها فيهم يعنى ان آيات المحمدين ليست بظاهرة فى ظواهرهم غالبا كآية القمر وستظهر كراماتهم فى الآخرة التى هى آثار ما فى بواطنهم من العلوم والكشوف والحقائق والخوارق { ولا الليل سابق النهار } اى ولا الليل يسبق النهار فيعجزه من ان ينتهى اليه ويجيئ الليل بعده ولكن الليل يعاقب النهار ويناوبه
وقيل المراد بهما آيتاهما وهما النيران وبالسبق سبق القمر الى سلطان الشمس فى محو نورها فيكون عكسا للاول فالمعنى لا يصح للقمر ايضا ان يطلع فى وقت ظهور سلطان الشمس وضوئها ب حيث يغلب نورها ويصير الزمان كله ليلا فهما يسيران الدهر ولا يدخل احدهما على الآخر ولا يجتمعان الا عند ابطال الله هذا التدبير ونقض هذا التأليف وتطلع الشمس من مغربها ويجتمع معها القمر كما قال تعالى(11/362)
{ وجمع الشمس والقمر } وذلك من اشراط الساعة
فان قلت اذا كان هذا عكس ما ذكر قبله كان المناسب ان يقال ولا الليل مدرك النهار
قلت ايراد السبق مكان الادراك لانه الملائم لسرعة سيره
وفيه اشارة الى انه كما لا يصير القمر شمسا والشمس قمرا فكذلك قمر القلب بتوجهه الى شمس شهود الحق يتنور بنورها كما قال تعالى { واشرقت الارض بنور ربها } ولكنه لا يصير الرب تعالى عبدا ولا العبد ربا فان للرب الربوبية وللعبد العبودية تعالى الله عما يقول اصحاب الحلول وارباب الفضول { وكل } اى وكلهم على ان التنوين عوض عن المضاف اليه الذى هو الضمير العائد الى الشمس والقمر والجمع باعتبار التكاثر العارض لهما بتكاثر مطلعهما فان اختلاف الاحوال يوجب تعددا ما فى الذات او الى الكواكب فان ذكرهما مشعر بها { فى فلك } مخصوص معين من الافلاك السبعة
وفى بحر العلوم فى جنس الفلك كقولهم كساهم الامير حلة يريدون كساهم هذا الجنس والفلك مجرى الكواكب ومسيرها وتسميته بذلك لكونه كالفلك كما فى المفردات والجار متعلق { يسبحون } السبح المر السريع فى الماء او فى الهواء واستعير لمر النجوم فى الفلك كما فى المفردات
وقال فى كشف الاسرار السبح الانبساط فى السير كالسباحة فى الماء وكل من انبسط فى شئ فقط سبح فيه والمعنى يسيرون بانبساط وسهولة لامزاحم لهم سير السابح فى سطح الماء
واخرج السيوطى فى كتاب الهيئة السنية خلق الله بحرا دون السماء جاريا فى سرعة السهم قائما فى الهواء بامر الله تعالى لا يقطر منه قطرة يجرى فيه الشمس والقمر والنجوم فذلك قوله تعالى { وكل فى فلك يسبحون } والقمر يدور دوران العجلة فى لجة غمر ذلك البحر فاذا احب الله ان يحدث الكسوف حرف الشمس عن العجلة فتقع فى غمر ذلك البحر ويبقى سائرا على العجلة النصف او الثلث او ما شاء الرب تعالى للحكمة الربانية واقتضاء الاستعداد الكونى(11/363)
قال المنجمون قوله تعالى { يسبحون } يدل على ان الشمس والقمر والكواكب السيارة احياء عقلاء لان الجمع بالواو والنون لا يطلق على غير العقلاء
وقال الامام الرازى ان ارادوا القدر الذي يصح به التسبيح فنقول به لان كل شئ يسبح بحمده وان ارادوا شيأ آخر فذلك لم يثبت والاستعمال لا يدل عليه كما فى قوله تعالى فى حق الاصنام { ما لكم لا تنطقون } وقوله { ألا تأكلون } وقال الامام النسفى جمع يسبحون بالواو والنون لانه تعالى وصفها بصفات العقلاء كالسباحة والسبق والادراك وان لم يكن لها اختيار فى افعالها بل مسخرة عليها يفعل بها ذلك تجبرا
يقول الفقير هنا وجه آخر هو ان صيغة العقلاء باعتبار مبادى حركات الافلاك والنجوم فان مبادى حركاتها جواهر مجردة عن مواد الافلاك فى ذواتها ومتعلقة بها فى حركاتها ويقال لتلك الجواهر النفوس الفلكية على انه ليس عند اهل الله شئ خال عن الحياة فان سرّ الحياة سار فى جميع الاشياء ارضية كانت او سماوية لا سيما الشمس والقمر اللذان هما عينا هذا التعين الكونى
جملة ذرات زيمن وآسمان ... مظهر سرّ حياتست اى جوان
كى تواند يافتن آنرا خرد ... هست اوسرى خرد كى بى برد
نسأل الله تعالى حقيقة الادراك والحفظ عن الزلق والهلاك(11/364)
وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41)
{ وآية لهم } اى علامة عظيمة لاهل مكة على كمال قدرتنا وهو خبر مقدم لقوله { انا حملنا ذريتهم } [ الحمل : برداشتن ]
قال فى القاموس ذرأ كجعل خلق الشئ كثر ومنه الذرية مثلثة لنسل الثقلين انتهى
قال الراغب الذرية اصلها الصغار من الاولاد وان كان يقع على الصغار والكبار فى المتعارف ويستعمل فى الواحد والجمع واصله الجمع انتهى ويطلق على النساء ايضا لا سيما مع الاختلاط مجازا على طريقة تسمية المحل باسم الحال لانهم مزارع الذرية كما فى حديث عمر رضى الله عنه حجوا بالذرية يعنى النساء وفى الحديث نهى عن قتل الزرارى يعنى النساء والمعنى انا حملنا اولادهم الكبار الذين يبعثونهم الى تجاراتهم { فى الفلك } [ در كشتى ] وهو ههنا مفرد بدليل وصفه بقوله { المشحون } اى المملوء منهم ومن غيرهم والشحناء عداوة امتلأت منها النفوس كما فى المفردات او حملنا صبيانهم ونساءهم الذين يستصحبونهم : يعنى [ برد اشتيم فرزندان خرد وزنان ايشانرا كه آنانرا قوت سفر نيست برخشكى ] وتخصيص الذرية بمعنى الضعفاء الذين يستحبونهم فى سفر البحر مع ان تسخير البحر والفلك نعمة فى حق انفسهم ايضا لما ان استقرارهم فى السفن اشق واستمساكهم فيها اعجب(11/365)
وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42)
{ وخلقنا لهم من مثله } مما يماثل الفلك { ما يركبون } من الابل فانها سفائن البر فتعريف الفلك للجنس لان المقصود من الآية الاحتجاج على اهل مكة ببيان صحة البعث وامكانه . استدل عليه اولا باحياء الارض الميتة وجعلها سببا لتعيشهم . ثم استدل عليه بتسخير الرياح والبحار والسفن الجارية فيها على وجهه يتوسلون بها الى تجارات البحر ويستحصبون من يهمهم حمله من النساء والصبيان كما قال تعالى { وحملناكم فى البر والبحر } وقيل تعريفه للعهد الخارجى والمراد فلك نوح عليه السلام المذكور فى قوله { واصنع الفلك باعيننا ووحينا } فيكون المعنى انا حملنا ذريتهم اى اولاده الى يوم القيامة فى ذلك الفلك المشحون منهم ومن سائر الحيوانات التى لا تعيش فى الماء ولولا ذلك لما بقى للآدمى نسل ولا عقب وخلقنا لهم من مثله اى مما يماثل ذلك الفلك فى صورته وشكله من السفن والزوارق : وبالفارسية [ جون زورق وصندل وناو ]
فان قلت فعلى هذا لم لم يقل حملناهم وذريتهم مع ان انفسهم محو لون ايضا
قلت اشارة الى ان نعمة التخليص عامة لهم ولاولادهم الى يوم القيامة ولو قيل حملناهم لكان امتنانا بمجرد تخليص انفسهم من الغرق وجعل السفن مخلوقة لله تعالى مع كونها من مصنوعات العباد ليس لمجرد كونها صنعتهم باقدار الله تعالى والهامه بل لمزيد اختصاص اهلها بقدرته تعالى وحكمته حسبما يعرب عنه قوله تعالى { واصنع الفلك باعيننا ووحينا } والتعبير عن ملابستهم بهذه السفن بالركوب لانها باختيارهم كما ان التعبير عن ملابسة ذريتهم بفلك نوح بالحمل لكونها بغير شعور منهم واختيار واما قوله تعالى فى سورة المؤمنين { وعليها وعلى الفلك تحملون } فبطريق التغليب وجعل بعضهم المعنى الثانى اظهر لانه اذا اريد بمثل الفلك واعتذر عنه فى الارشاد بان حديث خلق الابل فى خلال الآية بطريق الاستطراد لكمال التماثل بين الابل والفلك فكأنها نوع منه
وقيل المراد بالذرية الآباء والاجداد فان الذرية تطلق على الاصول والفروع لانها من الذرء بمعنى الخلق فيصلح الاسم للاصل والنسل لان بعضهم خلق من بعض فالآباء ذريتهم لان منهم ذرأ الابناء . وفيه ان الذرية فى اللغة لم تقع الا على الاولاد وعلى النساء كما ذكر اللهم الا ان ايراد ذرية ابيهم ادم عليه السلام وهم الاصول والفروع الى قيام الساعة والعلم عند الله تعالى [ كفتند سه جيزر الله تعالى راند بكمال قدرت خويش شتران در صحرا وميغ در هوا وكشتى در دريا ] وفهم من الامتنان بالحمل جواز ركوب البحر الا من دخول الشمس العقرب الى آخر الشتاء فانه لا يجوز ركوبه حينئذ لانه من القاء الى التهلكة كما فى شرح حزب البحر للشيخ الزروقى قدس سره(11/366)
وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43)
{ وان نشأ نغرقهم } الخ من تمام الآية فانهم معترفون بمضمونه كما ينطق به قوله تعالى { واذا غشيهم موج كالظلل . دعوا الله مخلصين له الدين } وفى تعليق الاغراق وهو بالفارسية [ غرفة كردن ] بمحض المشيئة اشعار بانه قد تكامل ما يوجب هلاكهم من معاصيهم ولم يبق الاتعلق مشيئته تعالى به
قال فى بحر العلوم وهو محمول على الفرض والتقدير بدليل قوله { ولا هم ينقذون الا رحمة منا } الخ والمعنى ان نشأ اغراقهم نغرقهم فى اليم ما حملناهم فيه من الفلك وبالفارسية [ واكر خواهيم اهل كشتى را كه مراد ذريت مذكوره غرقه سازيم ورد آب كشيم ] فان الغرق الرسوب فى الماء { فلا صريخ لهم } فعيل بمعنى مفعول اى مصرخ وهو المغيب بالفارسية [ فريادس ] والصريخ ايضا صوت المتسصرخ والمعنى فلا مغيث لهم يحرسهم من الغرق ويدفعه عنهم قبل وقوعه : وبالفارسية [ بس هيج فريادرسى نيست مر ايشانرا كه ازغرقه شدن نكه دارد ] قبل الوقوع { ولا هم ينقذون } ينجون منه بعد وقوعه يقال انقذه واستنقذه اذا خلصه من ورطة ومكروه(11/367)
إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)
{ الا رحمة منا ومتاعا الى حين } استثناء مفرغ من اعم العلل الشاملة للباعث المتقدم والغاية المتأخرة اى لا يغاثون ولا ينقذون لشئ من الاشياء الا لرحمة عظيمة ناشئة من قبلنا داعية الى الاغاثة والانقاذ : وتمتع بالفارسية [ برخور دارى وانتفاع دادن ] بالحياة مترتب عليهما الى زمان قد لآجالهم
وفى الآية رد على ما زعم الطبيعى من ان السفينة تحمل بمقتضى الطبيعة وان المجوف لا يرسب فقال تعالى فى رده ليس الامر كذلك بل لو شاء الله تعالى اغراقهم لا غرقهم وليس ذلك بمقتضى الطبيعة والا لما طرأ عليها آفة ورسوب
والاشارة الى ان المنعم عليه ينبغى ان لا يأمن فى حال النعمة عذاب الله تعالى فان كفار الامم السالفة آمنوا من بطشه تعالى فاخذوا من حيث لا يشعرون فكيف يأمن اهل مكة واهل السفينة لكن لا يعرفون قدر النعمة الا بعد تحولها عنهم ولا قدر العافية الا بعد الابتلاء بمصيبة
قال الشيخ سعدى [ بادشاهى باغلام عجمى در كشتى نشسة بود غلام دريارا هر كزنديده بود ومحنت كشتى نكشيده كريه وزارى درنهاد ولرزه براندامش افتلاد جندانكه ملاطفت كردند آرام نكرفت ملك را عيش ازو منغص شد جاره ندانستند حكيمى دران كشتى بود ملك را كفت اركر فرمان دهى من اورا بطريقى خاموش كنم كفت غايت لطف باشد فرمود تاغلام را بدريا انداختند بارى جند غوطه بخورد مويش كرفنند وسوى كشتى آوردند بهر دودست درسكان كشتى آويخت جون برآمد بكوشة بنشست وقرار كرفت ملك را عجب آمد وبرسيد درين جه حكمت بود كفت اى خداوند اول محنت غرق شدن ندشيده بود قدر سلامت كشتى نمى دانست همجنان قدر عافيت كسى داندكه بمصيبت كرفتار آيد
اى سير ترا نان جوين ننمايد ... معشوق منست آنكه بنزديك توز شتست
حوران بهشتى را دوزخ بود اعراف ... از دوز خيان برس كه اعراف بهشتست
فلا بد من مقابلة النعمة بالشكر والعطاء بالطاعة والاجتهاد في طريق التوحيد والمعرفة فان المقصود من الامهال هو تدارك الحال
وفى التأويلات النجمية { وآية لهم انا حملنا ذريتهم فى الفلك المشحون } يشير الى حمله عباده فى سفينة الشريعة خواصهم فى بحر الحقيقة وعوامهم فى بحر الدنيا فان من نجا من تلاطم امواج الهوى فى بحر الدنيا انما نجا بحمله للعناية فى سفينة الشريعة وكذا من نجا من تلاطم امواج الشبهات فى بحر الحقيقة انما نجا بحمله لعواطف احسان ربه فى سفينة الشريعة بملاحية ارباب الطريقة { وخلقنا من مثله ما يركبون } يعنى العوام فى بحر الدنيا والخواص فى بحر الحقيقة بكسر سفينة الشريعة فمن ركب من المتمنين بحر الحقيقة بلا سفينة الشريعة او كسروا السفينة اغرقوا فادخلوا نارا { فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون الا رحمة منا } وهم المشايخ فانهم صورة رحمة الحق تعالى { ومتاعا الى حين } اى الى تدركهم العناية الازلية انتهى(11/368)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45)
{ واذا قيل لهم } اى لكفار مكة بطريق الانذار : وبالفارسية [ وجون كفته شود مر كافرا نراكه ] { اتقوا } [ تبرسيد ] { ما بين ايديكم } اى العقوبات النازلة على الامم الماضية الذين كذبوا رسلهم واحذروامن ان ينزل بكم مثلها ان لم تؤمنوا جعلت الوقائع الماضية باعتبار تقدمها عليهم كأنها بين ايديهم { وما خلفكم } من العذاب المعد لكم فى الآخرة بعد هلاككم جعلت احوال الآخرة باعتبار انها تكون بعد هلاكهم كأنلها خلفكم او ما بين ايديكم من امر الآخرة فاعملوا لها وما خلفكم من الدنيا فلا تغتروا بها وقيل غير ذلك وما قدمناه اولى لان الله خوف الكفار فى القرآن بشيئين احدهما العقوبات النازلة على الامم الماضية والثانى عذاب الآخرة { لعلكم ترحمون } اما حال من واو اتقوا اى راجين ان ترحموا او غاية لهم اى كى ترحموا فتنجوا من ذلك لا عرفتم ان مناط النجاة ليس الا رحمة الله وجواب اذا محذوف اى اعرضوا عن الموعظة حسبما اعتادوه وتمرنوا عليه وزادوا مكابرة وعنادا كما دلت عليه الآية الثانية
كسى را كه بندار درسر بود ... مبندار هركز كه حق بشنود
زعلمش ملال آيد ازو عظ ننك ... شقايق بباران نرويد زسنك
وفى التأويلات النجمية { واذا قيل لهم اتقوا ما بين ايديكم } اى احذروا من الدنيا وما فيها من شهواتها ولذائذها { وما خلفكم } من الآخرة وما فيها من نعيمها وحورها وقصورها واشجارها واثمارها وانهارها وفيها ما تشتهى الانفس وتلذك الاعين منها { لعلكم ترحمون } بمشاهدة الجمال ومكاشفة الجلال وكمالات الوصال
وقال بعضهم { اتقوا ما بين ايديكم } من احوال القيامة الكبرى { وما خلفكم } من احوال القيامة الصغرى فان الاولى تأتى من جهة الحق والثانية تأتى من جهة النفس بالفناء فى الله وبالتجرد عن الهيآت البدنية فى الثانية والنجاة منها والرحمة هى الخلاص من الغضب بالكلية فانه ما دامت فى النفس بقية فالعبد لا يخلو عن غضب وحجاب وتشديد بلاء وعذاب(11/369)
وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46)
{ وما } نافية { تأتيهم } تنزل اليهم { من } مزيدة لتأكيد العموم { آية } تنزيلية كائنة { من } تبعيضة { آيات ربهم } التى من جملتها هذه الآيات الناطقة بما فصل من بدائع صنع الله سوابغ آلائه الموجبة للاقبال عليها والايمان بها { الا كانوا عنها } متعلق بقوله { معرضين } يقال اعرض اى اظهر عرضه اى ناحيته والجملة حالم من مفعول تأتى والاستثناء مفرغ من اعم الاحوال اى وما تأتيهم من آية من آيات ربهم فى حال من الاحوال الا حال اعراضهم عنها على وجه التكذيب والاستهزاء ويجوز ان يراد بالآيات ما يعم الآيات التنزيلية والتكوينية فالمراد باتيانهم ما يعم نزول الوحى وظهور تلك الامور لهم والمعنى ما يظهر لهم آية من الآيات الشاهدة بوحدانيته تعالى وتفرده بالالوهية الا كانوا تاركين للنظر الصحيح فيها المؤدى الى الايمان به تعالى فكل ما فى الكون فهو صورة صفة من صفاته تعالى وسره من اسرار ذاته
مغربى آنجه عالمش خواند ... عكس رخسارتست در مرآت
وانجه او آدمش همى داند ... نسخة عالمست مظهر ذات
وقال المولى الجامى قدس سره
جهان مرآت حسن شاهد ماست ... فشاهد وجهه فى كل ذرات
ثم ان اعظم الآيات واكبر العلامات الرجال البالغون الكاملون فى الدين من ارباب الحقيقة واهل اليقين فمن وفق للقبول والتسليم وتربى بتربيتهم الحسنة الى ان يحصل على القلب السليم نجا وكان مقبلا مقبولا . ومن قابلهم بالاعراض ونازلهم بالاعتراض هلك وكان مدبرا مردودا
قال بعض الكبار من عدم الانصاف ايمان الناس بما جاء من اخبار الصفات على لسان الرسل وعدم الايمان بها اذا اتى بها احد من العلماء الورثين لهم فان البحر واحد واذا لم يؤمنوا بما جاءت به الاولياء فلا اقل من ان يأخذوه منهم على سبيل الحكاية وكما جاءت الانبياء بما تحيله العقول من الصفات وآمنا به كذلك يجب الايمان بما جاء به الاولياء المحفوظون وكمل سلمنا ما جاء به الاصل كذلك نسلم ما جاء به الفرغ بجامع الموافقة انتهى
واما قول ابى حنيفة رضى الله عنه ما اتانا عن الرسول صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين وما اتانا عن الصحابة رضى الله عنهم فنأخذ تارة ونترك اخرى وما اتانا عن التابعين فهم رجال ونحن رجال فانما هو بالنظر الى الاجتهاد الظاهر الذى يختلف فيه العلماء والاعراض فيه انتقال من الادنى الى الاعلى بحسب الدليل الاقوى وقد يفتح الله على الطالب على لسان شيخه بعلوم لم تكن عند الشيخ لحسن ادبه مع الله ومع شيخه
وسأل الاعمش ابا حنيفة عن مسائل فاجاب فقال الاعمش من اين لك هذا قال مما حدثتنا به فقال يا معشر الفقهاء انتم الاطباء ونحن الصيادلة وهى الجماعة المنسوبة الى الصندل وهو شجر طيب الرائحة قلبت النون ياء كما يقال صندلانى وصيدلانى والمراد من يبيع مواد الادوية . ومن علامة العلم المكتسب دخوله فى ميزان العقول وعلامة العلم الموهوب ان لا يقبله ميزان الا فى النادر وترده العقول من حيث افكارها . ومن اعظم المكر بالعبد ان يرزق العلم ويحرم العمل به او يرزق العمل ويحرم الاخلاص فيه فاذا رأيت يا اخى هذا من نفسك او علمته من غيرك فاعلم ان المقبل به ممكور به فالاقبال الى الله تعالى انما هو الاخلاص فان وجه الرياء الى الغير حفظنا الله تعالى واياكم(11/370)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (47)
{ واذا قيل لهم } اى للكافرين بطريق النصحية { انفقوا } على المحتاجين { مما رزقكم الله } اى بعض ما اعطاكم بطريق التفضل والانعام من انواع الاموال فان ذلك مما يرد البلاء ويدفع المكاره { قال الذين كفروا } بالصانع تعالى وهم زنادقة كانوا بمكة . والزنديق من لا يعتقد الها ولا بعثا ولا حرمة شئ من الاشياء { للذين آمنوا } تهكما بهم وبما كانوا عليه من تعليق الامور بمشيئة الله تعالى حيث كانوا يقولون لو شاء الله لا غنى فلانا ولو شاء الله لاعزه ولو شاء لكان كذا وكذا وانما حمل على التهكم لان المعطلة تعظوننا به : وبالفارسية [ آيا طعام دهيم ] اى لا نطعم فان الهمزة للانكار والطعام فى الاصل البر وقوله عليه السلام « انه طعام طعم وشفاء سقم » فتنبيه منه انه غذاء بخلاف سائر المياه { من لو يشاء الله اطعمه } اى على زعمكم : يعنى [ خداكه بزعم شما قادرست بزاطعام خلق بايستى كه ايشانرا طعام دهدجون او طعام نداد ما نيز نمى دهيم { ان انتم } [ نيستيد شما اى مومنان ] { الا فى ضلال مبين } الضلال العدول عن الطريق المستقيم ويضاده الهداية ويقال الضلال لكل عدول عن المنهج عمدا كان او سهوا يسيرا كان او كثيرا لهذا صح ان يستعمل فيمن يكون منه خطأ ما كما فى المفردات . والمعنى فى خطأ بين بالفارسية [ كمراهى آشكارا ] حيث تأمروننا بما يخالف مشيئة الله تعالى [ واين سخن ازايشان خطا بود براى آنكه بعض مردم را خداى تعالى توانكر ساخته وبعضى را درويش كذشته وبجهت ابتلا حكم فرموده كه اغنيا مال خدايرا بفقرا دهند بس مشيت را بهانه ساختن وامر الهى راكه بانفاق فرموده فرو كذاشتن محض خطا وعين جفاست
درويش را خدا بتوانكر حواله كرد ... تاكار او بسازد وفارغ كند دلش
ازروى بخل اكر نشود ملتفت بوى ... فردا بود ندامت واندوه حاصلش
وفى الحديث « لو شاء الله لجعلكم اغنياء لا فقير فيكم ولو شاء لجعلكم فقراء لا غنى فيكم ولكنه ابتلى بعضكم ببعض لينظر كيف عطف الغنى وكيف صبر الفقير » وهذه الآية ناطقة بترك شفقتهم على خلق الله وجملة الله وجملة التكاليف ترجع الى امرين التعظيم لامر الله والشفقة على خلق الله وهم قد تركوا الامرين جميعا وقد تمسك البخلاء بما تمسكوا به حيث يقولون لا نعطى من حرم الله ولو شاء لاغناه نعم لو كان مثل هذا الكلام صادرا عن يقين وشهود وعيان لكن مفيدا بل توحيدا محضا يدور عليه كمال الايمان ولكنهم سلكوا طريق التقليد والانكار والعناد الاكبر واذا مر بالفقراء يقول اياكم ان تغبنوا مرتين
وعن على رضى الله عنه ان المال حرث الدنيا والعمل الصالح حرث الآخرة فليكن مجلسه مع المساكين نسأل الله تعالى فضله الكثير ولطفه الوفير فانه مسبب الاسباب ومنه فتح الباب : وفى المثنوى
ما عيال حضرتيم وشير خواه ... كفت الخلق عيال للاله
آنكه او از آسمان باران دهد ... هم تواند كو زرحمت نان دهد
كل يوم هو فى شأن بخوان ... مرورا بى كار وبى فعلى مدان(11/371)
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)
{ ويقولون } اى اهل مكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين انكارا واستبعادا { متى } [ كى است ] { هذا الوعد } بقيام الساعة والحساب والحزاء . ومعنى طلب القرب فى هذا اما بطريق الاستهزاء واما باعتبار قرب العهد بالوعد . والوعد يستعمل فى الخير والشر والنفع والضر والوعيد فى الشر خاصة . والوعد هنا يتضمن الامرين لانه وعد بالقيامة وجزاء العباد ان خيرا فخير وان شرا فشر
قال فى كشف الاسرار انما ذكر بلفظ الوعد دون الوعيد لانهم زعموا ان لهم الحسنى عند الله ان كان الوعد حقا
يقول الفقير هذا انما يتمشى فى المشركين دون المعطلة وقد سبق انهم زنادقة كانوا بمكة { ان كنتم صادقين } فى وعدكم فقولوا متى يكون وهذا الاستعجال بهجوم الساعة والاستبطاء لقيام القيامة انما وقع تكذيبا للدعوة وانكارا للحشر والنشر ولو كان تصديقا واقرارا واستخلاصا من هذا السجن وشوقا الى الله تعالى ولقائه لنفعهم جدا ولما قامت عليهم القيامة عند الموت كما لا تقوم على المؤمنين بل يكون الموت لهم عيدا وسرورا وفى المثنوى
خلق در بازار يكسان مى روند ... آن يكى در ذوق وديكر دردمند
همجنان در مرك وزنده مى رويم ... نيم در خسران ونيمى خسرويم(11/372)
مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49)
{ ما ينظرون } جواب من جهته والنظر بمعنى الانتظار اى ما ينتظر كفار مكى { الا صيحة واحدة } لا تحتاج الى ثانية هى النفخة الاولى التى هى نفخة الصعق والموت والصيحة رفع الصوت { تأخذهم } مفاجأة وتصل الى جميع اهل الارض . والاخذ حو الشئ وتحصيله وذلك تارة بالتناول نحو { معاذ الله ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده } وتارة بالقهر نحو { لا تأخذه سنة ولا نوم } ويقال اخذته الحمى ويعبر عن الاسير بالمأخوذ والاخيذ { وهم يخصمون } اصله يختصمون فقلبت التاء صادا ثم اسكنت وادغمت فى الصاد الثانية ثم كسرت الخاء لالتقاء الساكنين وخاصمته نازعته واصل المخاصمة ان يتعلق كل واحد بخصم الآخر بالضم اى جانبه وان يجذب ان يجذب كل واحد خصم الجوالق من جانب وهو الجانب الذى فيه العروة . والمعنى والحال انهم يتخاصمون ويتنازعون فى تجاراتهم ومعاملاتهم ويشتغلون بامور دنياهم حتى تقوم الساعة وهم فى غفلة عنها فلا يغتروا لعدم ظهور علامتها ولا يزعموا انها لا تأتيهم
عن ابن عباس رضى الله عنهما قال تهيج الساعة والرجلان يتبايعان قد نشرا اثوابهما فلا يطويانها والرجل يلوط حوضه فلا يستقى منه والرجل قد انصرف بلبن لقحته فلا يطعمه والرجل قد رفع اكلته الى فيه فلا يأكلها ثم تلا { تأخذهم وهم يخصمون } روى ان الله تعالى يبعث ريحا يمانية ألين من الحرير واطيب رائحة من المسك فلا تدع احدا فى قلبه مثقال ذرة من الايمان الاقبضته ثم يبقى شرار الخلق مائة عام لا يعرفون دينا وعليهم تقوم الساعة وهم فى اسواقها يتبايعون
فان قلت هم ما كانوا منتظرين بل كانوا جازمين بعدم الساعة والصيحة
قلت نعم الا انهم جعلوا منتظرين نظرا الى ظاهر قولهم متى يقع لان من قال متى يقع الشئ الفلانى يفهم من كلامه انه ينتظر وقوعه(11/373)
فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)
{ فلا يستطيعون } الاستطاعة استفعال من الطوع وذلك وجود ما يصير به الفعل متأتيا اى لا يقدرون { توصية } مصدر بالفارسية [ وصيت كردن ] والوصية اسم من الايصاء يقال وصيت الشئ بالشئ اذا وصلته به وسمى الزام شئ من مال او نفقة بعد الموت بالوصية لانه لما اوصى به اى اوجب والزم وصل ما كان من امر حياته بما بعده من امر مماته والتنكير للتعميم اى فى شئ من امورهم اذ كانت فيما بين ايديهم
قال ابن الشيخ لا يستطيعون توصية ما ولو كانت بكلمة يسيرة فاذا لم يقدرون عليها يكونون اعجز عما يحتاجون فيه الى زمان طويل من اداء الواجبات ورد المظالم ونحوها لان القول ايسر من الفعل فاذا عجزوا عن ايسر ما يكون من القول تبين ان الساعة لا تمهلهم بشئ ما واختيار الوصية من جنس الكلمات لكونها اهم بالنسبة الى المختصر فالعاجز عنها يكون اعجز عن غيرها { ولا الى اهلهم } الاهل يفسر بالازواج والاولاد وبالعبيد والاماء والاقارب وبالاصحاب وبالمجموع كما فى شرح المشارق لابن الملك
قال الراغب اهل الرجل من يجمعه واياهم نسب وعبر باهل الرجل عن امرأته { يرجعون } ان كانوا فى خارج ابوابهم بل تبغتهم الصيحة فيموتون حيث ما كانوا : وبالفارسية [ يس نتوانند وصيت كردن با حاضران ونه بسوى ايشان كر غائب باشند باز كردند يعنى مجال از بازار بخانه رفتن نداشته باشند الحاصل دران وقت كه در بازار بخصومت وجدال ومعاملات مشغول باشند ومهمات دنيايى سازند يكبار اسرافيل بصور در دمد وهمه خلق برجاى بميرند ] الا ما شاء الله كما يأتى فى سورة الزمر ان شاء الله تعالى
واعلم ان الموت يدرك الانسان سريعا والانسان لا يدرك كل الامانى فعلى العبد ان يتدارك الحال بقصر الآمال : قال الشيخ سعدى قدس سره
تو غافل در انديشة سود ومال ... كه سرماية عمر شد بايمال
غبار هوى جشم عقلت بدوخت ... شموس هوس كشت عمرت بسوخت
خبر دارى اى استخوان قفس ... كه جان تو مرغيست نامش نفس
جومرغ از قفس رفت وبكست قيد ... دكر ره نكردد بسعى تو صيد
نكه دار فرصت كه عالم دميست ... دمى بيش دانا به از عالميست
سكندر كه بر عالمى حكم داشت ... دران دم كه بكذشت عالم كذاشت
ميسر نبودش كزو عالمى ... ستانند ومهلت دهندش دمى
دل اندر دلارام دنيا مبند ... كه ننشست باكس كه دل برنكند
سر ازجيب غفلت برآور كنون ... كه فردا نمانى بحسرت نكون
طريقى بدست آر وصلحى بجوى ... شفيعى بر انكيز وعذرى بكوى
كه يك لحظه صوت نبندد امان ... جو يميانه برشد بدور زمان
دعا عمرو بن العاص رضى الله عنه حين احتضاره بالغل والقيد فلبسهما ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(11/374)
« ان التوبة مبسوطة ما لم يغرغر ابن ادم بنفسه » ثم استقبل القبلة فقال اللهم امرتنا فعصينا ونهيتنا فارتكبنا هذا مقام العائد بك فان تعف فاهل العفو انت وان تعاقب فيما قدمت يداى سبحانك لا اله الا انت انى كنت من الظالمين فمات وهو مغلول مقيد فبلغ الحسن بن على رضى الله عنهما فقال استسلم الشيخ حين ايقن بالموت ولعله ينفعه
ومن السنة حسن الوصية عند الموت ان كان يوصى عند الموت كالذى يقسم ماله عند الشبع . ومن مات بغير وصية لم يؤذن له فى الكلام بالبرزخ الى يوم القيامة ويتزاور الاموات ويتحدثون وهو ساكت فيقولون انه مات من غير وصية فيوصى بثلث ماله
وعن ابن عباس رضى الله عنهما الضرار فى الوصية من الكبائر ويوصى بارضاء خصومه وقضاء دينونه وفدية صلاته وصيامه جعلنا الله واياكم من المتداركين لحالهم والمتفكرين فى مآلهم والمكثرين من صالحات الاعمال والمنتقلين من الدنيا على اللطف والجمال(11/375)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51)
{ ونفخ فى الصور } اى ينفخ فى الصور وصيغة الماضى للدلالة على تحقق الوقوع والنفخ نفخ الريح فى الشئ : وبالفارسية [ دردميد ] والجمهور على اسكان واو الصور
وفيه وجهان
احدهما انه القرن الذى ينفخ فيه اسرافين عليه السلام وفيه بعدد كل روح ثقبة هى مقامه فالمعنى ونفه فى القرن نفخا هو سبب لحياة الموتى . والثانى جمع صورة كصوف جمع صوفة ويؤيد هذا الوجه قراءة بعض القراء ونفخ فى الصور بفتح الواو فالمعنى ونفخ فى الصور الارواح وذلك ايضا بنفخ القرن والمراد النفخة الثانية التى يحيى الله بها كل ميت لا النفخة الاولى التى يميت الله بها كل حى وبينهما اربعون سنة تبقى الارض على حالها مستريحة بعدما مر بها من الاهوال العظام والزلازل وتمطر سماؤها وتجرى مياهها وتطعم اشجارها ولاحى على ظهرها من المخلوقات فاذا مضى بين النفختين اربعون عاما امطر الله من تحت العرش ماء غليظا كمنى الرجال يقال له ماء الحيوان فتنبت اجسامهم كما ينبت البقل وتأكل الارض ابن ادم الاعجب الذنب فانه يبقى مثل عين الجرادة لا يدركه الطرف فينشأ الخلق من ذلك وتركب عليه اجزاؤه كالهباء فى شعاع الشمس فاذا تكاملت الاجساد يحيى الله تعالى اسرافيل فينفخ فى الصور فيطير كل روح الى جسده ثم ينشق عنه القبر { فاذا هم } بغتة من غير لبث اى الكفار كما دل عليه ما بعد الاية { من الاجداث } اى القبور جمع جدث محركة وهو القبر كما فى القاموس
فان قيل اين يكون فى ذلك الوقت اجداث وقد زلزلت الصيحة الجبال
اجيب بان الله يجمع اجزاء كل ميت فى الموضع الذى اقبر فيه فيخرج من ذلك الموضع وهو جدثه { الى ربهم } اى الى ربهم ومالك امرهم على الاطلاق وهى دعوة اسرافيل للنشور او الى موقف ربهم الذى اعد للحساب والجزاء وقد صح ان بيت المقدس هى ارض المحشر والمنشر وكل من الجارين متعلق بقوله { ينسلون } كما دل عليه قوله { يوم يخرجون من الاجداث سراعا } اى يسرعون بطريق الاجبار دون الاختيار لقوله تعالى { لدينا محضرون } من نسل الثعلب ينسل اسرع فى عدوه والمصدر نسل ونسلان واذا المفاجأة بعد قوله { ونفخ فى الصور } اشارة الى كمال قدرته تعالى والى ان مراده لا يتخلف عن ارادته زمانا حيث حكم بان النسلان وهو سرعة المشى وشدة العدة ويتحقق فى وقت النفخ لا يتخلف عنه مع ان النسلان لا يكون الا بعد مراتب وهى جمع الاجزاء المتفرقة والعظام المتفتة وتركيبها واحياؤها وقيام الحى ثم نسلانه
فان قيل قال تعالى فى آية اخرى { فاذا هم قيام ينظرون } وقال ههنا { فاذا هم من الاجداث الى ربهم ينسلون } والقيام غير النسلان وقد صدر كل واحد منهما فى موضعه باذا المفاجأة فيلزم ان يكونا معا
والجواب من جهين . والاول ان القيام لا ينافى المشى السريع لان الماشى قائم ولا ينافى النظر ايضا . والثانى ان الامور المتعاقبة التى لا يتخلل بينها زمان ومهلة تجعل كأنها واقعة فى زمان واحد كما اذا قيل مقبل مدبر(11/376)
قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)
{ قالوا } اى الكفار فى ابتداء بعثهم من القبور منادين لويلهم وهلاكهم من شدة ماغشيهم من امر القيامة { يا ويلنا } احضر فهذا او انك ووقت مجيئك
وقال الكاشفى [ اى واى برما ] فويل منادى اضيف الى ضمير المتكلمين وهو كلمة عذاب وبلاء كما ان ويح كلمة رحمة { من } استفهام { بعثنا من مرقدنا } كان حفص يقف على مرقدنا وقفة لطيفة دون قطع نفس لئلا ان اسم الاشارة صفة لمرقدنا يم يبتدئ هذا ما وعد الرحمن على انها جملة مستأنفة ويقال لهذه الوقفة السكت وهى قطع الصوت مقدارا اخصر من زمان النفس . والبعث [ برانكيختن ] والمرقد اما مصدر اى من رقادنا وهو النوم او اسم مكان اريد به الجنس فينتظم مراقد الكل اى من مكاننا الذى كنا فيه راقدين : وبالفارسية [ كه برانكيخته يعنى بيدار كرد مارا زخوا بكاه ما ] فان كان مصدرا تكون الاستعارة الاصلية تصريحية فالمستعار منه الرقاد والمستعار له الموت والجامع عدم ظهور الفعل والكل عقلى وان كان اسم مكان تكون الاستعارة تبعية فيعتبر التشبيه فى المصدر لان المقصود بالنظر فى اسم المكان تكون الاستعارة تبعية فيعتبر التشبيه فى المصدر لان المقصود بالنظر فى اسم المكان وسائر المشتقات انما هو المعنى القائم بالذات وهو الرقاد ههنا لانفس الذات وهى ههنا القبر الذى ينام فيه واعتبار التشبيه فى المقصود الا هم اولى
قال فى الاسئلة المقحمة ان قيل اخبر الكفار بانهم كانوا فى القبر قبل البعث فى حال الرقاد وهذا يرد عذاب القبر قلت انهم لاختلاط عقولهم يظنون انهم كانوا نياما او ان الله تعالى يرفع عنه العذاب بين النفختين فكأنهم يرقدون فى قبورهم كالمريض يجد خفة ما فينسلخ عن الحس بالمنام فاذا بعثوا بعد النفخة الآخرة وعاينوا القيامة دعوا بالويل ويؤيد هذا الجواب قوله عليه السلام « بين النفختين اربعون سنة وليس بينهما قضاء ولا رحمة ولا عذاب الا ما شاء ربك » او ان الكفار اذا عاينوا جهنم وانواع عذابها وافتضحوا على رؤس الاشهاد وصار عذاب القبر فى جنبها كالنوم قالوا من بعثنا من مرقدنا وذلك ان عذاب القبر روحانى فقط
وقول الامام الاعظم رحمة الله ان سؤال القبر للروح والجسد معا اراد به بيان شدة تعلق احدهما بالآخرة كارواح الشهداء ولذا عدوا احياء واما عذاب يوم القيامة فجسدانى وروحانى وهو اشد من الروحانى فقط { هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون } جملة من مبتدأ وخبر وما موصوله والعائد محذوف اى هذا البعث هو الذى وعده الرحمن فى الدنيا وانتم قلتم متى هذا الوعد انكارا وصدق فيه المرسلون بانه حق وهو جواب من قبل الملائكة او المؤمنين عدل به عن سنن سؤال الكفار تذكيرا لكفرهم وتقريعا لهم عليه وتنبيها على ان الذى يهمهم هو السؤال عن نفس العبث ماذا هو دون الباعث كأنهم قالوا بعثكم الرحمن الذى وعدكم ذلك فى كتبه وارسل اليكم الرسل فصدقوكم فيه وليس بالبعث الاكبر ذو الافزاع والاهوال(11/377)
إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)
{ ان كانت } اى ما كانت النفخة الثانية المذكورة { الا صيحة واحدة } حصلت من نفخ اسرافيل فى الصور وقيل صيحة البعث هو قول اسرافيل على الصخرة بيت المقدس ايتها العظام البالية والاوصال المتقطعة والاعضاء المتمزقة والشعور المنتشرة ان الله المصور الخالق يأمركنّ ان تجتمعن لفصل القضاء فاجتمعوا هلموا الى العرض والى جبار الجبابرة
يقول الفقير الظاهر ان هذا ليس غير النفخ فى الحقيقة فيجوز ان يكون المراد من احدهما المراد من الآخر او ان يقال ذلك اثناء النفخ بحيث يحصل هو والنفخ معا اذ ليس من ضرورة التكلم على الوجه المعتاد حتى يحصل التنافى بينهما { فاذا هم } بغتة من غير لبث ما طرفة عين وهم متبدأ خبره قوله { جميع } اى مجموع وقوله { لدينا } اى عندنا متعلق بقوله { محضرون } للفصل والحساب
وفيه من تهوين امر البعث والحشر والايذان باستغنائهما عن الاسباب ما لا يخفى كما هو عسير على الخلق يسير على الله تعالى لعدم احتياجه الى مزاولة الاسباب ومعالجة الآلات كالخلق وانما امره اذا اراد شيأ ان يقول له كن فيكون
وفى الآية اشارة الى الحشر المعنوى الحاصل لاهل السلوك فى الدنيا وذلك ان العالم الكبير صورة الانسان وتفصيله فكما انه تتلاشى اجزاؤه وقت قيام الساعة بالنفخ الاول ثم تجتمع بالنفخ الثانى فيحصل الوجود بعد العدم كذلك الانسان العاشق يتفرق انياته ويتقطع تعيناته وقت حصوله العشق بالجذبة القوية الالهية ثم يظهر ظهورا آخر فيحصل البقاء بعد الفناء فاذا وصل الى هذه وصل الى هذه المرتبة يكون هو اسرافيل وقته كما جاء فى المثنوى
هين كه اسرافيل وقتند اوليا ... مرده را زايشان حياتست ونما
جان هريك مردة از كورتن ... برجهد زآواز شان اندر كفن
فالرقاد هو غفلة الروح فى جدث البدن ولا يبعثه فى الحقيقة غير فضل الله تعالى وكرمه ولا يفنيه عنه الا تجلى من جلاله والانبياء والاولياء عليهم السلام وسائط بين الله تعالى وبين ارباب الاستعداد فمن ليس له قابلية الحياة لا ينفعه الفنخ
همه فيلسوفان يونان وروم ... ندانند كردانكبين از زقوم
ز وحشى نيايدكه مردم شود ... بسعى اندر وتربيت كم شود
بكوشش نرويد كل از شاخ بيد ... نه زنكى بكر ما به كردد سفيد
نسأل الله المحسان كثير الاحسان(11/378)
فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54)
{ فاليوم } اى فيقال للكفار حين يرون العذاب المعد لهم اليوم اى يوم القيامة وهو منصوب بقوله { لا تظلم نفس } من النفوس برة كانت او فاجرة والنفس الذات والروح ايضا { شيأ } نصب على المصدرية اى شيأ من الظلم بنقص الثواب وزيادة العقاب { ولا تجزون الا ما كنتم تعملون } اى الاجزاء ما كنتم تعملونه فى الدنيا على الاستمرار من الكفر والمعاصى والاوزار ايها الكفار على حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه للتنبيه على قوة التلازم والارتباط بينهما كأنهما شئ واحد او الا بما كنتم تعملونه اى بمقابلته او بسببه فقوله { لا تظلم نفس } ليأمن المؤمن وقوله { ولا تجزون } الخ لييأس الكافر
فان قلت ما الفائدة فى ايثار اطريق الخطاب عند الاشارة الى يأس المجرم والعدول عن الخطاب عند الاشارة الى امان المؤمن
فالجواب ان قوله { لا تظلم نفس شيأ } يفيد العموم وهو المقصود فى هذا المقام فانه تعالى لا يظلم احد مؤمنا كان او مجرما واما قوله { ولا تجزون } فانه يختص بالكافر فانه تعالى يجزى المؤمن بما لم يعمله من جهة الوراثة وجهة الاختصاص الالهى فانه تعالى يختص برحمته من يشاء من المؤمنين بعد جزاء اعمالهم فيوفيهم اجورهم ويزيدهم من فضله اضعافا مضاعفة
فضل او بى نهايت ويايان ... لطف اواز تصورت بيرون
فض او هم سعد آر امبذول ... اجر او ميشده غير ممنون(11/379)
إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55)
{ ان اصحاب الجنة } الخ من جملة ما سيقال لهم يومئذ زيادة لحسرتهم وندامتهم فان الاخبار بحسن حال اعدائهم اثر بيان سوء حالهم مما يزيدهم مساءة على مساءة { اليوم } اى يوم القيامة مستقون { فى شغل }
قال فى المفردات الشغل بضم الغين وسكونها العارض الذى يذهل الانسان
وفى الارشاد والشغل هو الشان الذى يصدر المرء ويشغله عما سواه من شؤونه لكونه اهم عنده من الكل اما الايجابه كمال المسرة والبهجة او كمال المساءة والغم والمراد هنا هو الاول والتنوين للتفخيم اى فى شغل عظيم الشان { فاكهون } خبر آخر لان من الفكاهة بفتح الفاء وهى طيب العيش والنشاط بالتنعم واما الفكاهة بالضم فالمزاج والشطارة اى حديث ذوى الانس ومنه قول على رضى الله عنه لا بأس بفكاهة يخرج بها الانسان من حد العبوس والمعنى متنعمون بنعيم مقيم فائزون بملك كبير . ويجوز ان يكون فاكهون هو الخبر وفى شغل متعلق به ظرف لغوله اى متلذذون فى شغل فشغلهم شغل التلذذ لا شغل فيه تعب كشغل اهل الدنيا . والتعبير عن حالهم هذه بالجملة الاسمية قبل تحققها تنزيل للمترقب المتوقع منزلة الواقع للايذان بغاية سرعة تحققها ووقوعها ولزيادة مساءة المخاطبين بذلك وهم الكفار ثم ان الشغل فسر على وجوه بحسب اقتضاء مقام البيان ذلك
منها افتضاض الابكار وفى الحديث « ان الرجل ليعطى قوة مائة رجل فى الاكل والشرب والجماع » فقال رجل من اهل الكتاب ان الذى يأكل ويشرب يكون له الحاجة فقال عليه السلام « يفيض من جسد احدهم عرف مثل المسك الاذفر فيضمر بذلك بطنه » وفى الحديث « ان احدهم ليفتض فى الغداة الواحدة مائة عذراء » قال عكرمة فتكون الشهوة فى اخراهن كالشهوة فى اولادهن وكلما افتضها رجعت على حالها عذراء ولا تجد وجع الافتضاض اصلا مكا فى الدنيا وجاء رجل فقال يا رسول الله أنفضى الى نسائنا فى الجنة كما نفضى اليهن فى الدنيا قال « والذى نفسى بيده ان المؤمن ليفضى فى اليوم الواحد الى الف عذراء » [ عبد الله بن وهب كفت كه در جنت عرفه ايست كه ويرا عاليه كفته مى شود دروى حوريست ويرا غنجه كفته مى شود هر كاه كه دوست خداى بوى آيد آيد بوى جبرائيل اذن دهد ويرا بس برخيزد براطرافش باوى جهار هزار كنيزك باشد كه جمع كنند دامنهاى وى وكيسوهاى ويرا بخور كنند از براى وى بمجمر هاى بى آتس . كفته امد در صحبت بهشتيان منى ومذى وفضولات نباشد جنانكه دردنيا بلى لذت صحبت آن باشدكه زير هر تار موى يك قطره عرق بيايدكه رنكش رنك عرق بود وبويس بوى مشك ]
وفى الفتوحات المكية ولذة الجماع اهل الدنيا اضعافا مضاعفة فيجد كل من الرجال والمرأة لذة لا يقدر قدرها لو وجداها فى الدنيا غشى عليهما من شدة حلاوتها لكن تلك اللذة انما تكون بخروج ريح اذ لا منى هناك كالدنيا كا صرحت به الاحاديث فيخرج من كل من الزوجين ريح كرائحة المسك وليس لاهل الجنة ادبار مطلقا لان الدبر انما خلق فى الدنيا مخرجا للغائط ولا غائط هناك ولولا ان ذكر الرجل او فرج المرأة يحتاج اليه فى جماعهم لما كان وجد فى الجنة فرج لعدم البول فيها ونعيم اهل الجنة مطلق والراحة فيها مطلقة الاراحة النوم فليس عندهم من نعيم راحته شئ لانهم لا ينامون ولا يعرف شئ الا بصده
ومنها سماع الاصوات الطيبة والنغمات اللذيذة [ جون بندة مؤمن دربهست آرزوى سماع ]
كند رب العزت اسرافيل را بفرستد تابر جانب راست وى بايستد وقرآن خواندن كيرد داود برجب بايستد زبور خواندن كيرد بندد سماع همى كند تاوقت وى خوش كردد وجان وى در شهود جانان مستغرق رب العزت در آن دم بردة جلال بردارد ديدار بنمايد بنده بجام شراب طهور بنوازد طه ويس خواندن كيرد جان بنده آنكه بحقيقت در سماع آيد ]
ثم انه ليس فى الجنة سماع المزامير والاوتار بل سماع القرآن وسماع اصوات الابكار المغنية والاوراق والاشجار ونحو ذلك كما سبق بعض ما يتعلق بهذا المقام فى اوائل سورة الروم واواخر الفرقان
قال بعض العلماء السماع محرك القلب مهيج لما هو الغالب عليه فان كان الغالب عليه الشهوة والهوى كان حراما والا فلا
قال بعض الكبار اذا كان الذكر بنغمة لذيذة فله فى النفس اثر كما للصورة الحسنة فى النظر ولكن السماع لا يتقيد بالنغمات المعروفة فى العرف اذ فى ذلك الجهل الصرف فان الكون كله سماع عند صاحب الاستماع فالمنتهى غنى عن تغنى اهل العرف فان محركه فى باطنه وسماعه لا يحتاج الى الامر العارض الخارج المقيد الزائد
ومنها التزاور : يعنى [ شغل ايشان دربهشت ريارت يكديكرست اين بزيارت آن ميرود وآن بزيارت اين مى آيد وقتى ييعمبران روند وقتى همه بهم جمع شوند بزيارت دركاه عزت وحضرت الهيت روند ] وفى الحديث(11/380)
« ان اهل الجنة يزورون ربهم فى كل يوم جمعة فى رحال الكافور واقربهم منه مجلسا اسرعهم اليه يوم الجمعة وابكرهم غدوا »
قال بعض الكبار ان اهل النار يتزاورون لكن على حالة مخصوصة وهى ان لا يتزاور الا اهل كل طبقة مع اهل طبقته كالمحرور يزور المحرورين والمقرور يزور المقرورين فلا يزور المقرور محرورا وعكسه بخلاف اهل الجنة للاطلاق والسراح الذى لاهلها المشاكل للنعيم ضدما لاهل النار من الضيق والتقييد
ومنها ضيافتة الله تعالى [ خدايرا عز وجل دو ضيافت است مر بندكانرا يكى اندر ربض بهشت بيرون بهشت ويكى ايد بهشت ولكن آن ضيافت كه در بهشت است متكرر ميشود جنانكه رؤيت وما ظنك بشغل من سعد بضيافة الله والنظر الى وجهه وفى الحديث(11/381)
« اذا نظروا الى الله نسوا نعيم الجنة »
ومنها شغلهم عما فيه اهل النار على الاطلاق وشغلهم عن اهاليهم فى النار لا يهمهم ولا يبالون بهم ولا يذكرونهم كيلا يدخل عليهم تنغيص ف نعيمهم : يعنى [ بهشتيانرا جندان ناز ونعيم بودكه ايشانرا برواى اهل دوزخ نبود نه خبرايشان برسند نه برواى ايشان دارندكه نام ايشان بريد ] وذلك لان الله تعالى ينسيهم يخرجهم من خاطرهم اذ لو خطر ذكرهم بالبال تنعص عيش الوقت [ وكفته اند شغل بهشتيان ده جيزاست ملكى كه درو عزل نه . انسى كه ما او وحشت نه ] والظاهر ان المراد بالشغل ما هم فيه من فنون الملاذ التى تلهيهم عما عداهم الكلية أى شغل كان
وفى الآية اشارة الى ان اهل النار لانعم لهم من الطعام والشراب والنكاح وغيرها لان النعيم من تجلى الصفات الجمالية وهم ليسوا من اهله لان حالهم القهر والجلال غير ان بعض الكبار قال اما اهل النار فينامون فى اوقات ببركة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وذلك هو القدر الذى ينالهم من النعيم فنسأل الله العافية انتهى وهذا كلام من طريق الكشف وليس ببعيد اذ قد ثبت فى تذكرة القرطبى ان بعض العصاة ينامون فى النار الى وقت خروجهم منها ويكون عذابهم نفس دخولهم فى النار فانه عار عظيم وذل كبير ألا يرى ان من حبس فى السجن كان هو عذابا له بالنسبة الى مرتبته وان لم يعذب بالضرب والقيد ونحوهما ثم انا نقول والعلم عند الله تعالى
[ ودر بحر الحقائق كويد مراد از اصحاب جنت طالبان بهشت اندكه مقصد ايشان نعيم جنات بوح حق سبحانه وتعالى ايشانرا بتنعم مشغول كرداند وآن حال اكرجه نسبت بادوزخيان ازجلائل احوال است نسبت باطالبان حق بغايت فرو مى نمايد واينجا سر « اكثر اهل الجنة البله » بى توان برد ]
وعن بعض ارباب النظر انه كان واقفا على باب الجامع يوم الجمعة والخلق قد فرغوا من الصلاة وهم يخرجون من الجامع قال هؤلاء حشو الجنة وللمجالسة اقوام آخرون
وقد قرئ عند الشبلى رحمه الله قوله تعالى { ان اصحاب الجنة } الخ فشهق شهقة وغاب فلما افاق قال مساكين لو علموا انهم عما شغلوا لهلكوا : يعنى [ بيجاركان اكرد انندكه از كه مشغول شده اند فى الحال درورطة هلاك مى افتند
ودر كشف الاسرار از شيخ الاسلام الانصارى نقل ميكند كه مشغول نعمت بهشت ازان عامة مؤمنانست اما مقربان حضرت از مطالعة شهود وملاحظة نور وجود يك لحظه بانعيم بهشت نبردازند ] قال على رضى الله عنه لو حجبت عنه ساعة لمت(11/382)
روزيكه مرا وصل تودر جنك آيد ... از حال بهشتيان مرا ننك آيد
وربى تو بصحراى بهشتم خوانند ... صحراى بهشت بر دلم تنك آيد
وفى التأويلات النجمية ان لله تعالى عبدا استخصهم للتخلق باخلاقه فى سر قوله « كنت سمعه وبصره فى بسمع وبى يبصر » فلا يشغلهم شأن اشتغالهم بابدانهم مع اهلهم عن شأن شهود مولاهم فى الجنة كما انهم اليوم مستديمون لمعرفته بأى حال من حالاتهم ولا يقدح اشتغالهم باستيفاء حظوظهم من معارفهم
فعلى العاقل ان يكون فى شغل الطاعات والعبادات لكن لا يحتجب به عن المكاشفات والمعاينات فيكون له شغلان شغل الظاهر وهو من ظاهر الحنة وشغل الباطن وهو من باطنها فمن طلبه تعالى لم يضره ان يطلب منه لان عدم الطلب مكابرة له فى ربوبيته ومن طلب منه فقط لم ينل لقاءه
قال يحيى بن معاذ رضى الله عنه رأيت رب العزة فى منامى فقال لى يا معاذ كل الناس يطلبون منى الا ابا يزيد فانه يطلبنى
واعلم ان كل مطلوب يوجد فى الآخرة فهو ثمرة بذر طلبه فى الدنيا سواء تعلق بالجنة او بالحق كما قال عليه السلام « يموت المرء على ما عاش فيه ويحشر على ما مات عليه »(11/383)
هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56)
{ هم } الخ استثناف مسوق لبيان كيفية شغلهم وتفههم وتكميلها بما يزيدهم بهجة وسرورا من شركة ازواجهم لهم فيما هم فيه من الشغل والفكاهة وهم مبتدأ والضمير لاصحاب الجنة { وازواجهم } عطف عليه والمراد نساؤهم اللاتى كن لهم فى الدنيا او الحور العين او خلاؤهم كما فى قوله تعالى { احشروا الذين ظلموا وازواجهم } ويجوز ان يكون الكل مرادا فقوله وازواجهم اشارة الى عدم الوحشة لان المنفرد يتوحش اذا لم يكن له جليس من معارفه وان كان فى اقصى المراتب ألا ترى انه عليه السلام لحقته الوحشة ليله المعراج حين فارق جبريل فى مقامه فسمع صوتا يشابه صوت ابى بكر رضى الله عنه فزالت عنه تلك الوحشة لانه كان يأنس به وكان جليسه فى عامة الاوقات ولامر ما نهى عليه السلام عن ان يبيت الرجل منفردا فى بيت { فى ظلال على الارائك متكئون } قوله متكئون على الارائك خبرا ثانيا . والظلال جمع ظل كشعاب جمع شعب والظل ضد الضح بالفارسية [ سايه ] او جمع ظلة كقباب جمع قبة وهى الستر الذى يسترك من الشمس . والارائك جمع اريكة وهى كسفينة سرير فى حجلة وهى محركة موضع يزين بالثياب والستور للعروس كما فى القاموس
قال فى المختار الاريكة سرير متخذ مزين فى قبة او بيت فاذا لم يكن فيه سرير فهو حجلة اى لا اريكة وتسميتها بالاريكة اما لكونها فى الاصل متخذة من الاراك وهو شجر يتخذ منه المسواك او لكونها مكانا للاقامة فان اصل الاروك الاقامة على رعى الاراك ثم تجوز به فى سائر الاقامات . والاتكاء الاعتماد بالفارسية [ تكيه زدن ] اى معتمدون فى ظلال على السرر فى الحجال والاتكاء على السرر دليل التنعم والفراغ
قال فى كشف الاسرار [ معنى آنست كه ايشان وجفتان ايشان زير سايها اند بناها وخيمها كه از براى ايشان ساخته اند خيمهاست از مرواريد سفيد جهار فرسنك در جهار فرسنك آن خيمه زده شصت ميل ارتفاع آن ودران خيمه سريرها وتختها نهاده هر تختى سيصد كزار ارتفاع آن بهشتى جون خواهدكه بارن تخت شود تخت بزمين بهن باز شود تا بهشتى آسان بى رنج بر ان تخت شود ]
فان قيل كيف يكون اهل الجنة فى ظلال والظل انما يكون حيث تكون الشمس وهم لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا
اجيب بان المراد من الظل ظل اشجار الجنة من نور العرش لئلا يبهر ابصار اهل الجنة فانه اعظم من نور الشمس
وقيل من نور قناديل العرش كذا فى حواشى ابن الشيخ
وقال فى المفردات ويعبر بالظل عن العز والمنعة وعن الرفاهة قال تعالى { ان المتقين فى ظلال وعيون } اى فى عزة ومنعة واظلنى فلان اى حرسنى وجعلنى فى ظله اى فى عزه ومنعته وندخلهم ظلا ظليلا كناية عن نضارة العيش انتهى(11/384)
وقال الامام فى سورة النساء ان بلاد العرب كانت فى غاية الحرارة فكان الظل عندهم من اعظم اسباب الراحة وهذا المعنى جعلوه كناية عن الراحة قال عليه السلام « السلطان ظل الله فى الارض »
وفى الآية الى ان الله تعالى يقول لا قوام فارغين عن الالتفات الى الكونين مراقبين للمشاهدات ان اصحاب الجنة اليوم فى شغل فاكهون هم وازواجهم اى اشكالهم فارغبوا انتم الىّ واشتغلوا بى وتنعموا بنعيم وصالى وتلذذوا بمشاهدة جمالى فانه لا لذة فوقها رزقنا الله واياكم ذلك : قال الحافظ
صحبت حور نخواهم كه بود عين قصور ... باخيال تواكر باد كرى بردازم
وقال ايضا
نعيم اهل جهان بيش عاشقان يك جو ...(11/385)
لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57)
{ لهم فيها فاكهة } الخ بيان لما يتمتعون به فى الجنة من المآكل والمشارب ويتلذذون به من الملاذ الجسمانية والروحانية بعد بيان مالهم فيها من مجالس الانس ومحافل القدس تكميلا لبيان كيفية ما هم فيه من الشغل والبهجة والفاكهة الثمار كلها والمعنى لهم فى الجنة غاية مناهم فاكهة كثيرة من كل نوع من انواع الفواكة عظيمة لا توصف جمالا وبهجة وكمالا ولذة كما روى ان الرمانة منها تشبع السكن وهو اهل الدار بوالتفاحة تنفتق عن حوراء عيناء وكل ما هو من نعيم الجنة فانما يشارك نعيم الدنيا فى الاسم دون الصفة
وفيه اشارة الى ان لا جوع فى الجنة لان التفكه لا يكون لدفع ألم الجوع { ولهم ما يدعون } الجملة معطوفة على الجملة السابقة وعدم الاكتفاء بعطف ما يدعون على فاكهة لئلا يتوهم كون ما عبارة عن توابع الفاكهة وتتماتها وما عبارة عن مدعو عظيم الشان معين او مبهم . ويدعون اصله يدتعيون على وزن يفتعلون من الدعاء لا من الادّعان بمعنى الاتيان بالدعوى : وبالفارسية [ دعوى كردن بركسى ] فبناء افتعل الشئ فعله لنفسه واعلاله انه استثقلت الضمة على الياء فنقلت الى ما قبلها فحذفت لاجتماع الساكنين فصار يدتعون ثم ابدلت التاء دالا فادغمت الدال فى الدال فصار يدعون والمعنى ولهم ما يدعون الله به لانفسهم من مدعو عظيم الشان او كل ما يدعون به كائنا ما كان من اسباب البهجة وموجبات السرور
قال ابن الشيخ اى ما يصح ان يطلب فهو حاصل لهم قبل الطلب كما قال الامام ليس معناه انهم يدعون لانفسهم شيأ فيستجاب لهم بعد الطلب بل معناه لهم ذلك فلا حاجة الى الدعاء كما اذا سألك احد شيأ فقلت لك ذلك وان لم تطلبه ويجيئ الادعاء بمعى التمنى كما قال فى تاج المصادر [ الادعاء : آرزو خواستن ] من قولهم ادع على ما شئت بمعنى تمنه علىّ فالمعنى ولهم ما يتمنونه : وبالفارسية [ ومرايشانرا آنجه خواهند وآرزو برند وابن عباس رضى الله عنهما كفت كه بهشتى از اطعمه واشربه بى آنكه بزبان آرد بيش خود حاضر بيند ](11/386)
سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)
{ سلام } بدل من ما يدعون كأنه قيل ولهم سلام وتحية يقال لهم { قولا } كائنا { من } جهة { رب رحيم } اى يسلم عليهم من جهته تعالى بواسطة الملك او بدونها مبالغة فى تعظيمهم فقولا مصدر مؤكد لفعل هو صفة لسلام وما بعده من الجار متعلق بمضمر هو صفة له والاوجه ان ينتصب قولا على الاختصاص اى بتقدير اعنى فان المقام المدح من حيث ان هذا القول صادر من رب رحيم فكان جديرا بان يعظم امره وفى الحديث « بينا اهل الجنة فى نعيمهم اذ سطع لهم نور فرفعوا رؤسهم فاذا الرب تعالى قد اشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا اهل الجنة فذلك قوله سلام قولا من رب رحيم فينظر اليهم وينظرون اليه فلا يلتفتون الى شئ من النعيم ما داموا ينظرون اليه حتى يحتجب عنهم فيبقى نوره وبركته عليهم فى ديارهم »
سلام دوست شنيدن سعادتست وسلامت ... بوصل يار رسيدن فضيلتست وكرامت
قال فى كشف الاسرار [ معنى سلام آنست كه سلمت عبادى من الحرقة والفرقة واشارت رحمت درين موضع آنست كه ايشانرا برحمت خويش قوت وطاقت دهد تابى واسطه كلام حق بشنون وديدار وى وايشانرا دهشت وحيرت نبود ]
وفى التأويلات النجمية يشسير الى ان سلامه تبارك وتعالى كان قولا منه بلا واسطة واكده بقوله رب ليعلم انه ليس بسلام على لسان سفير وقوله رحيم فالرحمة فى تلك الحالة ان يرزقهم الرؤية حال ما يسلم عليهم ليكمل لهم النعمة
وفى حقائق البقلى سلام الله ازلى الى الابد غير منقطع عن عباده الصادقين فى الدنيا والآخرة لكن فى الجنة يرع عن آذانهم جميع الحجب فيسمعون سلامه وينظرون الى وجهه كفاحا
سلامت من دلخسته در سلام توباشد ... زهى سعادت اكر دولت سلام تويابم
قال فى كشف الاسرار [ سلام خداوند كريم بربندكان ضعيف دو ضرب است يكى بسفير وواسطه ويكى بى سفير وبى سفير وبى واسطع اما آنجه بواسطه است اول سلام مصطفا ست عليه السلام : وذلك فى قوله { اذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم } اى محمد جون مؤمنان برتو آيند ونواخت ما طلبند تو بنيابت ما برايشان سلام كن وبكوى { كتب ربكم على نفسه الرحمة } باز جون روز كار حيات بنده برسد وبريد مرك در رسد دران دم زدن بازيسين ملك الموت را فرمان آيدكه توبريد حضرت ما يى يفرمان ما قبض روح بنده ميكنى نخست اورا شربت شادى ده ومرهمى بردل خستة بروى نه بروى سلام كن ونعمت بروى تمام كن اينست كه رب العزة كفت { تحيتهم يوم يلقونه سلام واعد لهم اجرا كريما } آن فرشتكان ديكركه اعوان ملك الموت اند جون آن نواخت وكرامت بينندهمه كويند(11/387)
{ سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون } اى بندة مؤمن در ساخت بهشت نه كه كار كارتست ودولت دولت تو وازان بس جون از حساب وكتاب ديوان قيامت فارغ شود بدر بهشت رسد ورضوان اورا استقبال كند كويد { سلام عليكم طبتم فادخلوا خالدين } سلام ودرود برشما خوش كشتيد وباك آمديد وباك زندكانى كرديد اكنون دررويد درين سراى جاودان وناز ونعيم بى كران وازان بس كه در بهشت آيد بغرفة خويش آرام كيرد فرستاد كان ملك آيندواورا مزده دهند وسلام رسانند وكونند { سالم عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } جون كوش بنده ازشنيدن سلام واسطه برشود وازدرود فرشتكان برشود آرزوى ديدار حق وسلام وكلام متكلم مطلق كند كود بزبان افتقار در حالت انكسارى بساط انبساط كه . اى معدن ناز من اين نياز من تاكى . اى شغل جان من اين شغل جان من تاكى . اى مشهود جان من اين خبر برسيدن من تاكى . خداوندا موجود دل عارفانى درذ كريكانه آرزوى مشتقانى درو جود يكانه هيج روى آن دارد خداوندا كه ديدار بنمايى وخود سلام كنى برين بنده ] فيتجلى الله عز وجل ويقول سلام عليكم يا اهل الجنة فذلك قوله { سلام قولا من رب رحيم }
قيل سبعة اشياء ثواب لسبعة اعضاء لليد { يتنازعون فيها كأسا } للرجل { ادخولها بسلام } للبطن { كلوا واشربوا هنيئا } للعين { وتلذ الاعين } للفرج { وحور عين } للاذن سلام قولا للسان { وآخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين }(11/388)
وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)
{ وامتازوا } يقال ام زه عنه يميزه ميزا اى عزله ونحاه فامتاز والتمييز الفصل بين المتشابهات ودل الامتياز على انه حين يحشر النسا يختلط المؤمن والكافر والمخلص والمنافق ثم يمتاز احد الفريقين عن الآخر كقوله تعالى { ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون } وهو عطف قصة سوء حال هؤلاء وكيفية عقابهم على قصة حسن حال اولئك ووصف ثوابهم وكان تغيير السبك لتخييل كمال التباين بين الفريقين وحاليهما ويجوز ان يكون معطوفا على مضمر ينساق اليه حكاية حال اهل الجنة كأنه قيل بعد بيان كونهم فى شغل عظيم الشان وفوزهم بنعيم مقيم يقصر عنه البيان فليقروا بذلك عينا وامتازوا عنهم وانفردوا { اليوم } وهو يوم القيامة والفصل والجزاء { ايها المجرمون } الى مصيركم فكونوا فى السعير وفنون عذابها ولهبها بدل الجنة لهم والوان نعمها وطربها : وبالفارسية [ وجدا شويد آنروز اى مشركان ازموحدان واى منافقان از مخلصان كه شما بزندان دشمنان مى رانند وايشسانرا ببوستان دوستان خوانند ]
وعن قتادة اعتزلوا عما ترجون وعن كل خير او تفرقوا فى النار لكل كافر بيت من النار ينفرد به ويردم بابه بالنار فيكون فيه ابد الابدين لا يرى ولا يرى وهو على خلاف ما للمؤمن من الاجتماع بالاخوان وعذاب الفرقة عن القرناء والاصحاب من اسوء العذاب واشد العقاب
وفى التأويلات يشير الى امتياز المؤمن والكافر فى المحشر والمنشر بابيضاض وجه المؤمن واسوداد وجه الكافر وبايتاء كتاب المؤمن بيمينه وبايتاء كتاب الكافر بشماله وبثقل الميزان وبخفته وبالنور وبالظلمة وثبات القدم على الصراط وزلة القدم عن الصراط وغير ذلك
قال بعض الكبار اعلم ان اهل النار الذين لا يخرجون منها اربع طوائف المتكبرون والمعطلة والمنافقون والمشركون ويجمعها كلها المجرمون قال تعالى { وامتازوا اليوم ايها المجرمون } اى المستحقون لان يكونوا هلا لسكى النار فهؤلاء اربع طوائف هم الذى لا يخرجون من النار من انس وجن وانما جاء تقسيمهم الى اربع طوائف من غير زيادة لان الله تعالى ذكر عن ابليس انه يأتينا من بين ايدينا ومن خلفنا وعن ايماننا وعن شمائلنا ولا يدخل احد النار الا بواسطته فهو يأتى للمشرك من بين يديه ويأتى للمتكبر عن يمينه ويأتى للمنافق عن شماله ويأتى للمعطل من خلفه وانما جاء للمشرك من بين يديه لان المشرك بين يديه جهة غيبية فاثبت وجود الله ولم يقدر على انكاره فجعله ابليس يشرك بالله فى الوهيته شيأ يراه ويشاهده وانما جاء للمتكبر من جهة اليمين لان اليمين محل القوة فلذلك تكبر لقوته التى احس بها من نفسه وانما جاء للمنافق من جهة شماله الذى هو الجانب الاضعف لكون المنافق اضعف الطوائف كما ان الشمال اضعف من اليمين ولذلك كان فى الدرك الاسفل من النار ويعطى كتابه بشماله وانما جاء للمعطل من خلفه لان الخلف ما هو محل نظر فقال له ما ثم شئ فهذه اربع مراتب لاربع التى هى المراتب فى السبعة ابوا كان الخارج ثمانية وعشرين منزلا عدد منازل القمر وغيره من الكواكب السيارة انتهى كلامه(11/389)
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60)
{ ألم اعهد اليكم يا بنى آدم } الخ من جملة ما يقال لهم يوم القيامة بطريق التقريع والالزام والتبكيت بين الامر بالامتياز وبين الامر بدخول جهنم بقوله تعالى { اصلوها اليوم } الخ والعهد والوصية التقدم بامر فيه خير ومنفعة والمراد ههنا ما كلفهم الله تعالى على ألسنة الرسل من الاوامر والنواهى التى من جملتها قوله تعالى { ولا تتبعوا خطوات الشطان انه لكم عدو مبين } وغيرها من الآيات الكريمة الواردة فى هذا المعنى والمراد ببنى آدم المجرمون : والمعنى بالفارسية [ ايا عهد نكرده ام شمارا يعنى عهد كردم وفرمودم شمارا ] { ان لا تعبدوا الشيطان } ان مفسرة للعهد الذى فيه معنى القول بالامر النهى او مصدرية حذف منها الجار اى ألم اعهد اليكم فى ترك عبادة الشيطان والمراد بعبادة الشيطان عبادة غير الله لان الشيطان لا يعبده احد ولم يرد عن احد انه عبد الشيطان الا انه عبر عن عبادة غير الله بعبادة الشيطان لوقوعها بامر الشيطان وتزيينه والانقياد فيما سوّله ودعا اليه بوسوسته فسمى اطاعة الشيطان والانقياد له عبادة له تشبيها لها بالعبادة من حيث ان كل واحد منهما ينبئ عن التعظيم والاجلال ولزيادة التحذير والتنفير عنها ولوقوعها فى مقابلة عبادته تعالى
قال ابن عباس رضى الله عنهما من اطاع شيأ عبده دل عليه { أفرأيت من اتخذ الهه هواه } والمعنى بالفارسية [ نيزستيد شيطانرا يعنى بتان بفرمودة شيطان ] { انه لكم عدو مبين } اى ظاهر العداوة لكم يريد ان يصدكم عما جبلتم عليه من الفطرة وكلفتم به من الخدمة وهو تعليل لوجوب الانتهاء عن المنهى عنه ووجه عداوة ابليس لبنى آدم انه تعالى لما اكرم آدم عليه السلام عاداه ابليس حسدا والعاقل لا يقبل من عدوه وان كان ما يلقاه اليه خيرا اذ لا امن من مكره فان ضربة الناصح خير من تحية العدو
قال الشيخ سعدى قدس سره [ دشمن جون ازهمه حيلتى درماند سلسله دوستى بجنباند بس آنكاه بدوستى كارها كندكه هيج دشمن نتوانج كرد ]
حذركن زانجه دشمن كويد آن كن ... كه بر زانو زنى دست تغابن
كرت راهى نمايد راست جون تير ... ازان بر كرد وراه دست جب كير
قال بعض الكبار اعلم ان عداوة ابليس لبنى آدم اشد من معاداته لابيهم آدم عليه السلام وذلك ان بنى آدم خلقوا من ماء والماء منافر للنار واما آدم فجمع بينه وبين ابليس اليبس الذى فى التراب فبين التراب والنار جامع ولهذا صدقه لما اقسم له بالله انه لناصح وما صدقه الابتاء لكونه لهم ضدا من جميع الوجوه فبهذا كانت عداوة الابناء اشد من عداوة الاب ولما كان العدو محجوبا عن ادراك الابصار جعل الله لنا علامات فى القلب من طريق الشرع نعرفه بها تقوم لنا مقام البصر فنتحفظ بتلك العلامة من القائه واعانة الله عليه بالملك الذى جعله الله مقابلا له غيبا بغيب انتهى(11/390)
وفى التأويلات النجمية فى الآية اشارة الى كمال رأفته وغاية مكرمته فى حق بنى آدم اذ يعاتبهم معاتبة الحبيب للحبيب ومناصحة الصديق للصديق وانه تعالى يكرمهم ويجعلهم عن ان يعبدوا الشيطان لكمال رتبتهم واختصاص قربتهم بالحضرة وغاية ذلة الشيطان وطرده ولعنه من الحضرة وسماه عدوا له وله سمى بنى آدم الاولياء والاحباب وخاطب المجرمين منهم كالمتعذر الناصح لهم ألم اعهد اليكم ألم انصح ألم اخبركم عن خباثة الشيطان وعداوته لكم وانكم اعز من ان تعبدوا مثله ملعونا مهينا(11/391)
وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)
{ وان اعبدونى } لان مثلكم يستحق لعباده مثلى فانى انا العزيز وانى العزيز الغفور وانى خلقتكم لنفسى وخلقت المخلوقات لاجلكم وعززتكم واكرمتكم بان اسجدت لكم ملائكتى المقربين وعبادى المكرمين وهو عطف على ان لا تعبدوا وان فيه كما هى فيه اى وحدونى بالعبادة ولا تشركوا بها احدا وتقديم النهى على الامر لما ان حق التحلية التقدم على التحلية ولتصل به قوله تعالى { هذا صراط مستقيم } فانه اشارة الى عبادته تعالى التى هى عبارة عن التوحيد والاسلام وهو المشار اليه بقوله تعالى { هذا صراط مستقيم } والمقصود بقوله تعالى { لاقعدن لهم صراطك المستقيم } والتنكير للتفخيم
قال البقلى طلب الحق منهم ما خلق فى فطرتهم من استعداد قبول الطاعة اى اعبدونى بى لابكم فهذا صراط مستقيم حيث لا تنقطع العبودية عن العباد ابدا ولا يدخل فى هذا الصراط اعوجاج واضطراب اصلا وكل قول يقبل الاختلاف بين المسلمين الاقول « لا اله الا الله محمد رسول الله » فانه غير قابل للاختلاف فمعناه متحقق وان لم يتكلم به احد
قال الواسطى من عبد الله لنفسه فانما يعبد نفسه ومن عبده لاجله فانه لم يعرف ربه ومن عبده بمعنى ان العبودية جوهرة فطرة الربوبية فقد اصاب ومن علامات العبودية ترك الدعوى واحتمال البلوى وحب المولى وحفظ الحدود والوفاء بالعهود وترك الشكوى عند المحنة وترك المعصية عند النعمة وترك الغفلة عند الطاعة
قال بعض الكبار لا يصح مع العبودية رياسة اصلا لانها ضد لها ولهذا قال المشايخ رضوان الله عليهم آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الجاه
واعلم انه كم نصح الله ووعظ وانذر وحذر ووصل القول وذكر ولكن المجرمين لم يقبلوا النصح ولم يتعظوا بالوعظ ولم يعملوا بالامر بل عملوا بامر الشيطا وقبلوا اغواءه اياهم فليرجع العاقل من طريق الحرب الى طريق الصلح : قال الشيخ سعدى قدس سره
نه ابليس در حق ما طعنه زد ... كزاينان نيايد بجز كاربد
فغان ازبديها كه در نفس ماست ... كه ترسم شود ظن ابليس راست
جو ملعون بسند آمدش قهرما ... خدايش بر انداخت ازبهر ما
كجا بر سر آيم ازين عاروننك ... كه باو بصلحيم وباحق بجنك
نظر دوست تادر كند سوى تو ... كه درروى دشممن بودروى تو
ندانى كه كمترنهد دوست باى ... دوبيند كه دشمن بوددر سراى
وقال ايضا من طريق الاشارة
نه مارا درميان عهد ووفا بود ... جفا كردى وبدعهدى نمودى
هنوزت ارسر صلحست باز آى ... كزان محبوبتر باشى كه بودى(11/392)
وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)
{ ولقد اضل منكم جبلا كثيرا } جواب قسم محذوف والخطاب لبنى آدمه
وفى الارشاد الجملة استئناف مسوق لتشديد التوبيخ وتأكيد التقريع ببيان ان جناياتهم ليست بنقض العهد فقط بل به وبعدم الاتعاظ بما شاهدوا من العقوبات النازلة على الامم الخالية بسبب طاعتهم للشيطان والخطاب لمتأخريهم الذين من جملتهم كفار مكة خصوا بزيادة التوبيخ والتقريع لتضاعف جناياتهم والجبل بكسر الجيم وتشديد اللام الخلق اى المخلوق ولما تصور من الجبل العظم قيل للجماعة العظيمة جبل تشبيها بالجبل فى العظم واسناد الاضلال الى الشيطان مجاز والمراد سببيته كما فى قوله تعالى { رب انهن اضللن كثيرا من الناس } والا فالهداية والاضلال والارشاد والاغواء صفة الله تعالى فى الحقيقة بدليل قوله عليه السلام « بعثت داعيا ومبلغا وليس الىّ من الهدى شئ وخلق ابليس مزينا وليس اليه من الضلالة شئ » والمعنى وبالله لقد اضل الشيطان منكم خلقا كثيرا يعنى صار سببا لضلالهم عن ذلك الصراط المستقيم الذى امرتكم بالثبات عليه فاصابهم لاجل ذلك ما اصابهم ومن العقوبات الهائلة التى ملأ الآفاق اخبارها وبقى مدى الدهر آثارها
وقال بعضهم وكيف تعبدون الشيطان وتنقادون لامره مع انه قد اضل منكم يا بنى ادم جماعة متعددة من بنى نوعكم فانحرفوا باضلاله عن سواء السبيل فحرموا من الجنة الموعودة لهم { أفلم تكونوا تعقلون } الفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام اى أكنتم تشاهدون آثار عقوباتهم فلم تكونوا تعقلون انها لضلالهم وطاعتهم ابليس او فلم تكونوا تعقلون شيأ اصلا حتى ترتدعوا عما كانوا عليه كيلا يحيق بكم العقاب
وقال الكاشفى [ ايا نيستيد شما كه تعقل كنيد وخودرا دردام فريب او بيفكنيد ]
وفى كشف الاسرار هو استفهام تقريع على تركهم الانتفاع بالعقل وفى الحديث « قسم الله العقل ثلاثة اجزاء فمن كانت فيه فهو العاقل حسن المعرفة بالله » اى الثقة بالله فى كل امر والتفويض اليه والائتمار له على نفسك واحوالك والوقوف عند مشيئته لك فى كل امر دنيا وآخرة وحسن الطاعة لله وهو ان تطيعه فى كل اموره وحسن الصبر لله وهو ان تصبر فى النوائب صبرا لا يرى عليك فى الظاهر اثر النائبة كذا فى درر الاصول
وفى التأويلات النجمية { ولقد اضل منكم جبلا كثيرا } عن صراط مستقيم عبوديتى وابعدكم عن جوارى تظلموا على انفسكم وارجعوا الى ربكم واعلم ان العقل نور يستضاء به كما قال فى المثنوى
كربصورت وانمايد عقل رو ... تيره باشد روز ييش نوراو
ورمثال احمقى ييدا شود ... ظلمت شب ييش اوروشن بود
اندك اندك خوى كن بانور روز ... ورنه خفاشئ بمانى بى فروز
ثم اعلم ان الجاهل الاحمق والضال المطلق فى يد الشيطان يقوده حيث يشاء ولو علم حقيقة الحال وعقل ان الله الملك المتعال واهتدى الى طريق التوحيد والطاعة لحفظه الله من تلك الساعة فان التوحيد حصنه الحصين ومن دخل فيه امن من مكر العدو المهين ومن خرج عنه طالبا للنجاة ادركه الهلاك ومات فى يد الآفات ومن اهمل نفسه فلم يتحرك لشئ كان كمجنون لا يعرف شمسا من فئ فنسأل الله الاشتغال بطاعته واستيعاب الاوقات بعبادته وطرد الشيطان بانوار الخدمة وقهر النفس بانواع الهمة(11/393)
هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63)
{ هذه جهنم التى كنتم } ايها المجرمون { توعدون } اى توعدونها على ألسنة الرسل فى الدنيا فى ازمنتها المتطاولة بمقابلة عبادة الشيطان مثل قوله تعالى { لاملأن جهنم منك وممن تبعك منهم اجمعين } وغير ذلك وهو استئناف يخاطبون به من خزنة جهنم بعد تمام التوبيخ والتقريع والالزام والتبكيت عند اشرافهم على شفير جهنم(11/394)
اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64)
{ اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون } يقال صلى اللحم كرمى يصليه صليا شواه والقاه فى النار وصلى النار قاسى حرها واصله اصليوها فاعل كاحشيوا وهو امر تنكيل واهانة كقوله تعالى { ذق انك انت العزيز الكريم } والمعنى ادخلولها وقاسوا حرها وفنون عذابها اليوم بكفركم المستمر فى الدنيا وفى ذكر اليوم ما يوجب شدة ندامتهم وحسرتهم يعنى ان ايام لذاتكم قد مضت ومن هذا الوقت واليوم وقت عذابكم
قال ابو هريرة رضى الله عنه او قدت النار الف عام فابيضت ثم اوقدت الف عام فاحمرت ثم اوقدت الف عام فاسودت فهى سوداء كالليل المظلم وهى سجن الله تعالى لمجرمين قال النبى عليه السلام لجبرائيل « مالى لم أر ميكائيل ضاحكا قط » قال ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار
قال بعضهم ذكر النار شديد فكيف العطيعة والفضيحة فيها ولذا ورد فضوح الدنيا اهون من فضوح الآخرة
وقال العطار رحمه الله لوان نارا اوقدت ان اصل النار لخلاصى من القى نفسه فيها صار لاشيا لخشيت ان اموات من الفرح قبل ان اصل الى النار لخلاصى من العذاب الابدى فانظر الى انصاف هؤلاء السادات كيف اساؤا الظن بانفسهم مع انهم موحدون توحيدا حقيقيا عابدون عارفون وقد جعل دخول النار مسببا عن الكفر والشرك والاوزار
خدايا بعزت كه خوارم مكن ... بذل كنه شر مسارم مكن
مرا شر مسارى زروى توبس ... دكر شر مسارم مكن ييش كس
بلطفم بخوان يابران ازدرم ... ندارد بجز آستانت سرم
بحقت كه جشم زباطل بدوز ... بنورت كه فردا بنارم مسوز(11/395)
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)
{ اليوم نختم على افواههم } الختم فى الاصل الطبع ثم استعير للمنع والافواه جمع فم واصل فم فوه بالفتح وهو مذهب سيبويه والبصريين كشوب واثواب حذفت الهاء حذفا على غير قياس لخفائها ثم الواو لاعتدالها ثم ابدل الواو المحذوفة ميما لتجانسهما لانهما من حروف الشفة فصار فم فلما اضيف رد الى اصله ذهابا به مذهب اخواته من الاسماء
وقال الفراء جمع فوه بالضم كسوق واسواق وفى الآية التفات الى الغيبة للايذان بان ذكر احوالهم القبيحة استدعى ان يعرض عنهم ويحكى احوالهم الفظيعة لغيرهم مع ما فيه من الايمان الى ان ذلك من مقتضيات الختم لان الخطاب لتلقى الجواب وقد انقطع بالكلية والمعنى نمنع افواهم من النطق ونفعل بها ما لا يمكنهم معه ان يتكلموا فتصير افواههم كأنها مختومة فتعترف جوارحهم بما صدر عنها من الذنبوب { وتكلمنا ايديهم وتشهد ارجلهم } باستنطاقنا اياها { بما كانوا يكسبون } فتنطق الاربع بما كسبوه من السيآت والمراد جميع الجوارح لا ان كل عضو يعترف بما صدر منه [ والكسب : حاصل كردن كسى جيزى را والمعنى بالفارسية [ امروز مهر مى نهيم بر دهنهاى ايشان جون ميكويد كه مشرك نبوده وتكذيب رسل نكرده وشيطانرا نبرستيده وسخن كويد باما دستهاى ايشان وكواهى دهد بايهاى ايشان بآنجه بودند در دنيا ميكردند ]
قال بعضهم لما قيل لهم { ألم اعهد اليكم يا بنى آدم ان لا تعبدوا الشيطان } جحدوا وقالوا والله ربنا ما كنا مشركين وما عبدنا من دونك من شئ وما اطعنا الشيطان فى شئ من المنكرات فيختم على افواههم وتعترف جوارحهم بمعاصيهم . والختم لازم للكفار ابدا . اما فى الدنيا فعلى قلوبهم كما قال تعالى { ختم الله على قلوبهم } واما فى الآخرة فعلى افواهم ففى الوقت الذى كان الختم على قلوبهم كان قولهم بافواههم كما قال تعالى { ذلك قولهم بافواههم } فلما ختم على افواههم ايضا لزم ان يكون قولهم باعضائهم لان الانسان لا يملك غير القلب وللسان والاعضاء فاذا لم يبق القلب واللسان تعين الجوارح والاركان
وفى كشف الاسرار [ روز قيامت عمل كافران بركافران عرضه كنند وصحيفهاى كردار ايشان بايشان نمايند آن رسواييها بينند وكردها برمثال كوهاى عظيم انكار كنند وخصومت دركيرند وبر فرشتكان دعوى دروغ كنند كويند ما اين كه در صحيفهاست نكرده ايم وعمل ما نيست همسايكان برايشان كواهى دهند همسايكانرا دروغ زن كيرند اهل عشيرت كواهى دهند وايشانرا نيز دروغ زن كيرند بس رب العزت مهر برد هنهاى ايشا نهد وجوارح ايشان بسخن آردتا بر كردهاى ايشان كواهى دهند ] وعن انس رضى الله عنه كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال « هل تدرون مم اضحك »(11/396)
قلنا الله ورسوله اعلم قال « فى مخاطبة العبد ربه يقول يا رب ألم تجرنى من الظلم يقول بلى فيقول لا اجيز عن نفسى الا شاهدا منى فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا فيختم على فيه ويقال لاركانه انطقى فتنطق باعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكنّ وسحقا فعنكنّ كنت اناضل » اى ادافع واول عظم من الانسان فى نطق الاعضاء والجوارح بما صدر عنها ليعلم ان ما كان عونا على المعاصى صار شاهدا فلا ينبغى لاحد ان يلتفت الى ما سوى الله ويصحب احدا غير الله لئلا يفتضح ثمة بسبب صحبته
نكشود صائب از مدد خلق هيج كار ... از خلق روى خود به خدا ميكنيم ما
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان الغالب على الافواه الكذب كما قال { يقولون بافواههم ما ليس فى قلوبهم } والغالب على الاعضاء الصدق ويوم القيامة يوم يسأل الصادقين عن صدقهم فلا يسأل الافواه فانها كثيرة الكذب ويسأل الاعضاء فانها كثيرة الصدق فتشهد بالحق اما الكفار فشهادة اعضائهم عليهم مبيدة لهم واما العصاة من المؤمنين الموحدين فقد تشهد عليهم اعضاؤهم بالعصيان ولكن تشهد لهم بعض اعضائهم ايضا بالاحسان كما جاء فى بعض الاخبار المروية المسندة ان عبدا تشهد عليه اعضاؤه بالزلة فتتطاير شعرة من جفن عينيه فتستأذن بالشهادة له فيقول الحق تعالى تكلمى يا شعرة جفن عين عبدى واحتجى عن عبدى فتشهد له بالبكاء من خوفه فيغفر له وينادى مناد هذا عتيق الله بشعرة [ در كشف الاسرار فرمود كه جنانكه جوارح اعدا برافعال بدايشان كواهى ميدهد همجنين اعضاى برطاعت ايشان اقامت شهادت كند جنانجه در آثار آورده اندكه حق سبحانه وتعالى بندة مؤمن را خطاب كند كه جه آوردة او شرم دارد كه عبادات وخيرات خود برشمارد حق سبحانه اعضاى ويرا بسخن در آورد تاهريك اعمال خودرا باز كويند انامل كواهى بردهد بر تسبيحات ] كما قال عليه السلام لبعض النساء « عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس واعقدن بالانامل فانهن مسءولات مستنطقات » يعنى بالشهادة يوم القيامة ولذا سن عد الاذكار بالاصابع وان لم يعلم العقد المعهود يعدّهن باصابعه كيف شاء كما فى الاسرار المحمدية
وقال بعض العرفاء معى الختم على الافواه وتكلم الايدى وشهادة الارجل تغيير صورهم وحبس ألسنتهم عن النطق وتصوير ادييهم وارجلهم على صورة تدل بهيآتها واشكالها على اعمالها وتنطق بألسنة احوالها على ما كان من هيئة افعالها انتهى .
فكما ان هيئة اعضاء المجرمين تدل على قبح احوالهم وسوء افعالهم كذلك شكل جوارح المؤمنين يدل على حسن احوالهم وجمال افعالهم وكل اناء يترشح بما فيه فطوبى للسعداء ومن يتبعهم فى زيهم وهيآتهم وطاعاتهم وعباداتهم
بى نيك مردان بيايد شتافت ... كه هركين سعادت طلب كرد يافت
وليكن تو دنبال ديو خسى ... ندانم كه در صالحان كى رسى
ييمبر كسى را شفاعت كرست ... كه برجادة شرع ييغمبرست(11/397)
وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66)
{ ولو نشاء } لو للمضى ان دخل على المضارع ولذا لا يجزمه اى ولو اردنا عقوبة المشركين فى الدنيا هم اهل مكة { لطمسنا على اعينهم } طمس الشئ ازالة اثره بالكلية يقال طمسته اى محوته واستأصلت اثره كما فى القاموس اى لسوينا اعينهم ومحوناها بان ازلنا ضوءها وصورتها بحيث لا يبدو لها شق ولا جفن وتصير مطموسة ممسوخة كسائر اعضائهم : وبالفارسية [ هرأينه ناييدا كنيم يعنى رقم محو كشيم برجشمهاى ايشان ] يعنى كما اعمينا قلوبهم ومحونا بصائرهم لو نشاء لاعمينا ابصارهم الظاهرة وازلناها بالكلية فيكون عقوبة على عقوبة { فاستبقوا الصراط } الاستباق افتعال : وبالفارسية [ بريكديرك ييش كرفتن ] والصراط من السبيل مالا لاتواء فيه بل يكون على سبيل القصد وانتصابه بنزع الجار لان الصراط مسبوق اليه لا مسبوق اى فارادوا ان يستبقوا ويتبادروا الى الطريق الواسع الذى اعتادوا سلوكه : وبالفارسية [ بس ييشى كيرند وآهنك كنند راهى راكه در سلوك آن معتادند ] { فأنى يبصرون } اى فكيف يبصرون الطريق وجهة السلوك الى مقاصدهم حين لاعين لهم للابصار فضلا عن غيره اى لا يبصرون لان أنى بمعنى كيف وكيف هنا انكار فتفيد النفى وحاصله تهديد لاهل مكة بالطمس فان الله تعالى قادر على ذلك كما فعل بقول لوط حين كذبوه وراودوه عن ضيفه
وفى التأويلات النجمية يشير الى طمس عين الظاهر بحيث لا يكون لها شق فكيف تبكى حتى تشهد بالبكاء على صاحبها ويشير ايضا الى طمس عين الباطن فاذا كانت مطموسة كيف يبصر بها الحق والباطل ليرجع من الباطل الى الحق واذا لك يبصر بها الحق كيف يخاف من الباطل ليحترق قلبه بنار الخوف فيسيل منه الدمع ليشهد له بالبكاء من الخوف
كريه وزارى دليل رهبتست ... هركرا اين نيست اهل شقوتست(11/398)
وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67)
{ ولو نشاء لمسخناهم } المسخ تحويل الصورة الى ما هو اقبح منها سواء كان ذلك التحويل بقبلها الى صورة البهيمية مع بقاء الصورة الحيوانية او بقلبها حجرا ونحوه من الجمادات بابطال القوى الحيوانية . والمعنى ولو نشاء نسقطهم عن رتبة التكليف ودرجة الاعتبار لغيرنا صورهم بان جعلناهم قردة وخنازير كما فعلنا بقوم موسى اى بنى اسرائيل فى زمان داود عليه السلام اوبان جعلناهم حجارة ومدرة وهذا اشد من الاول واقبح لان الاول خروج عن رتبة الانسانية الى الحيوانية وهذا عن الحيوانية الى الجمادية التى ليس فيها شعور اصلا وقطعا { عل مكانتهم } بمعنى المكان الا ان المكانة اخص كالمقامة والمقام اى مكانهم ومنزلهم الذى هم فيه قعود : وبالفارسية [ برجاى خويش تاهم آنجا افسرده شوند ] قال بعضهم لاقعدناهم على ارجلهم وازمناهم { فما استطاعوا مضيا } ذهابا واقبالا الى جانب امامهم اى لم يقدروا ان يبرحوا مكانهم باقبال . اصله مضوى قلبت الواو ياء وادغمت الياء فى الياء وكسرت الضاد قبل الياد لتسلم الياء ومن قرأ مضيا بكسر الميم فانما كسرها اتباعا للضاد { ولا يرجعون } اى ولا رجوعا وادبارا الى جة خلفهم فوضع موضع الفعل لمراعاة الفاصلة وليس مساق الشرطين لمجرد بيان قدرته تعالى على ما ذكر من عقوبة الطمس والمسخ بل لبيان انهم بما هم عليه من الكفر ونقض العهد وعدم الاتعاظ بما شاهدوا من آثار دثار امثالهم احقاء بان يفعل بهم فى الدنيا تلك العقوبة كما فعل بهم فى الآخرة عقوبة الختم وان المانع من ذلك ليس الا عدم تعلق المشيئة الالهية به كأنه قيل لو نشاء عقوبتهم بما ذكر من الطمس والمسخ لفعلناها لكنا لم نفعل جريا على سنن الرحمة العامة والحكمة التامة الداعيتين الى امهالهم زمانا الى ان يتوبوا ويؤمنوا ويشكروا النعمة اوالى ان يتولد منهم من يتصف بذلك
قال بعض الحكماء المسخ ضربان خاص وهو تشويه الخلق بالفتح وعام فى كل زمان وهو تبديل الخلق بالضم وذلك ان يصير الانسان متخلقا بخلق ذميم من اخلاق بعض الحيوانات نحو ان يصير فى شدة الحرص كالكلب او الشره كالخنزير او الغمارة كالثور . فعبارة الآية فى تحويل الصورة واشارتها فى تحويل الصفات الانسانية بالصفات السبعية والشيطانية فلا يقدرون على ازالة هذه الصفات ولا يقدرون على رجوعهم الى صفاتهم الانسانية فمن مسخه الله فى الدنيا بصفات حشره فى صورة صفته الممسوخة كما جاء فى الحديث الصحيح « ان آزر يحشر على صفة ضبع »
قال فى حياة الحيوان فى الحديث يلقى ابراهيم عليه السلام اباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة فيقول له ابراهيم ألم اقل لك لا تعص فيقول ابوه فاليوم لا اعصيك فيقول ابراهيم يا رب انك وعدتنى ان لا تخزينى يوم يبعثون فأى خزى اخزى من ان يكون ابى فى النار فيقول الله تعالى انى حرمت الجنة على الكافرين ثم يقال يا ابراهيم ما تحت رجليك فينظر فاذا هو بذبح متلطخ وهو بكسر الذال والخاء المعجمتين ذكر الضباع الكثيرة الشعر فيؤخذ بقوائمة ويلقى فى النار والحكمة فى كون آزر مسخ ضبعا دون غيره من الحيوان ان الضبع تغفل عما يجب التيقظ له وتوصف بالحمق فلما لم يقبل آزر النصيحة من اشفق الناس عليه وقبل خديعة عدوه الشيطان اشبه الضبع الموصوفة بالحمق لان الصياد اذا اراد ان يصيدها رمى فى حجرها بحجر فتحسبه شيأ تصيده فتخرج لتأخذه فتصاد عند ذلك ولان آزر لو مسخ كلبا او خنزيرا كان فيه تشويه لخلقه فاراد الله تعالى اكرام ابراهيم عليه السلام بجعل ابيه على هيئة متوسطة(11/399)
قال فى المحكم يقال خزيته اى ذللته فلما خفض ابراهيم عليه السلام له جناح الذل من الرحمة لم يخز بصفة الذل يوم القيامة فاذا كان حال ابراهيم فما ظنك بغيره ممن لم يأت الله بقلب سليم فينبغى ان لا يلتفت الى الا كتساب بل يؤخذ بصالحات الاعمال وخالصات الاحوال نرجو من الله المتعال ان لا يفضحنا يوم السؤال(11/400)
وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)
{ ومن نعمره } [ التعمير : زندكانى دادن ] والعمر مدة عمارة البدن بالروح اى ومن نطل عمره فى الدنيا : وبالفارسية [ هركرا عرم دراز دهيم ] { ننكسه فى الخلق } [ التنكيس : نكونسار كردن ] وهو ابلغ والنكس اشهر وهو قلب الشئ على رأسه ومنه نكس الولد اذا خرج رجله قبل رأسه والنكس فى المرض ان يعود فى مرضه بعد افاته والنكس فى الخلق وهو بالفارسية [ آفرينش ] الرد الى ارذل العمر والمعنى نقلبه فيه ونخلقه على عكس ما خلقناه اولا فلا يزال يتزايد ضعفه وتتناقص قوته وتنتقض بنيته ويتغير شكله وصورته حتى يعود الى حالة شبيهة بحال الصبى فى ضعف الجسد وقلة العقل والخلو عن الفهم والادراك
ارانى كل يوم فى انتقاص ... ولا يبقى على النقصان شئ
{ أفلا يعقلون } اى أيرون ذلك فلا يعقلون ان من قدر على ذلك يقدر على ما ذكر من الطمس والمسخ فانه مشتمل عليهما وزيادة غير ان على تدرج وان عدم ايقاعهما لعدم تعلق مشيئة تعالى بهما
نزد قدرت كارها دشوار نيست ... وفى البحر فان لم نفعلها بكم فى الدنيا نفعلها بكم فى الآخرة ان لم تتوبوا عن الكفر والمعاصى فانه روى ان بعض الناس من هذه الامة يحشرون على صورة القردة وبعضهم على صورة الخنازير وبعضهم منكوسين ارجلهم فوق وجوههم يسحبون عليها وبعضهم عميا وبعضهم صما وبكما وبعضهم يمضغون ألسنتهم فهى مدلاة على صدورهم يسيل القيح من افواههم يتقذرهم اهل الجمع الى عير ذلك وسيجيئ تفصيله فى محله
قال ابو بكر الوراق قدس سره من عمره الله بالغفلة فان الايام والاحوال مؤثرة فيه حالا فحالا من طفولة وشباب وكهولة وشيبة الى ان يبلغ ما حكى الله عنه من قوله { ومن نعمره ننكسه فى الخلق } ومن احياه الله بذكره فان تلون الاحوال لا يؤثر فيه فانه متصل الحياة بحياة الحق حى به وبقربه قال الله تعالى { فلنحيينه حيوة طيبة } قال كشف الاسرار [ اين بندكانرا تنبيهى است عظيم بيدار كردن ايشان ازخواب غفلت يعنى خودرا درايابيد وروز كار جوانى وقوت بغنيمت داريد وعمل كنيد ييش ازانكه نتوانيد قال النبى صلى الله عليه وسلم « اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وحياتك قبل موتك وفراغك قبل شغلك » [ بس اكرروز كار جوانى ضايع كند ودر عمل تقصير كند برسر ييرى وعجز عذرى باز خواهد هم نكوبود ] قال النبى عليه السلام « اذا بلغ الرجل تسعين سنة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وكتب اسير الله فى الارض وشفعفىهل بيته واذا بلغ مائة سنة استحيى الله عز وجل منه ان يحاسبه » اى رضى عنه وسامح فى حسابه : قال الشيخ سعدى قدس سره
دلم ميدهد وقت وقت اين اميد ... كه حق شرم دارد زموى سفيد
عجب دارم ار شرم دارد زمن ... كه شرمم نمى آيد از خويشتن(11/401)
وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69)
{ وما علمناه الشعر } رد وابطال لما كانوا يقولون فى حقه عليه السلام من انه شاعر وما يقوله شعر والظاهر فى الرد ان يقال انه ليس بشاعر وان ما يتلوه عليكم ليس بشعر الا ان عدم كونه شاعرا لما كان ملزوما لعدم كون معلمه علمه الشعر نفى اللازم واريد نفى الملزوم بطريق الكناية التى هى ابلغ من التصريح
قال الراغب يقال شعرت اصبت الشعر ومنه استعير شعرت كذا اى علمت علما فى الدقة كاصابة الشعر وسمى الشاعر شاعرا لفطنته ودقة معرفته
فالشعر فى الاصل اسم للعلم الدقيق فى قولهم ليت شعرى وصار فى التعارف اسما للموزون المقفى من الكلام والشاعر المختص بصناعته
وفى القاموس الشعر غلب على منظوم القول لشرفه بالوزن والقافية وان كان كل علم شعرا والجمع اشعار يقال شعر به كنصر وكرم علم به وفطن له وعقله
والشعر عند الحكماء القدماء ليس على وزن وقافية ولا الوزن والقافية ركن فى الشعر عندهم بل الركن فى الشعر ايراد المقدمات المخيلة فحسب ثم قد يكون الوزن والقافية معينين فى التخيل فان كانت المقدمة التى تورد فى القياس الشعرى مخيلة فقط تمحض القياس شعريا وان انضم اليها قول اقناعى تركبت المقدمة من معنيين شعرى واقناعى وان كان الضميم اليه قولا يقينيا تركبت المقدمة من شعرىّ وبرهانىّ
قال بعضهم الشعر اما منطقى وهو المؤلف من المقدمات الكاذبة واما اصطلاحى وهو كلام مقفى موزون على سبيل القصد والقيد الا خير يخرج ما كان وزنه اتفاقيا كآيات شريفة اتفق جريان الوزن فيها اى من بور الشعر الستة عشر نحو قوله تعالى { لن تنالوا البر حتى تنفقوا } وقوله { وجفان كالجواب وقدور راسيات } وقوله { نصر من الله وفتح قريب } ونحو ذلك كلمات شريفة نبوية جاء الوزن فيها اتفاقيا من غير قصد اليه وعزم عليه نحو قوله عليه السلام حين عثر فى بعض الغزوات فاصاب اصبعه حجر فدميت
هل انت الا اصبع دميت ... وفى سبيل الله ما لقيت
وقوله يوم حنين حين نزل ودعا واستنصر او يوم فتح مكة
انا النبى لا كذب ... انا ابن عبد المطلب
وقوله يوم الخندق
باسم الاله وبه بدانا ... ولو عبدنا غيره شقينا
وغير ذلك سواء وقع فى خلال المنثورات والخطب ام لا . والمراد بالشعر الواقع فى القرآن الشعر المنطقى سواء كان مجردا عن الوزن ام لا والشعر المنطقى اكثر ا يروج بالاصطلاحى
قال الراغب قال بعض الكفار للنبى عليه السلام انه شاعر فقيل لما وقع فى القرآن من الكلمات الموزونة والقوافى
وقال بعض المحصلين ارادوا انه كاذب لان ظاهر القرآن ليس على اساليب الشعر ولا يخفى ذلك على الاغتم من العجم فضلا عن بلغاء العرب فانما رموه بالكذب لان اكثر ما يأتى به الشاعر كذب ومن ثمة سموا الادلة الكاذبة شعرا
قال الشريف الجرجانى فى حاشية المطالع والشعر وان كان مفيدا للخواص والعوام فان الناس فى باب الاقدام والاحجام اطوع للتخييل منهم للصدق لما شهد به قوله تعالى { وماعلمناه الشعر } الآية والمعنى وما علمنا محمدا الشعر بتعليم القرآن على معنى ان القرآن ليس بشعر فان الشعر كلام متكلف موضوع ومقال مزخرف مصنوع منسوج على منوال الوزن والقافية مبنى على خيالات واوهام واهية فاين ذلك التنزيل الجليل الخطر المنزه عن مماثلة كلام البشر المشحون بفنون الحكم والاحكام الباهرة الموصلة الى سعادة الدنيا والآخرة ومن اين اشتبه عليهم الشؤون واختلط بهم الظنون قاتلهم الله انى يؤفكون
وفى الآية اشارة الى ان النبى عليه السلام معلم من عند الله لانه تعالى علمه علوم الاولين والآخرين وما علمه الشعر لان قرآن ابليس وكلامه لانه قال رب اجعل لى قرآنا قال تعالى { وما علمناه الشعر } اعلم ان الشعر محل للاجمال واللغز والتورية اى وما رمزنا لمحمد صلى الله عليه وسلم شيأ ولا ألغزنا ولا خاطبناه بشئ ونحن نريد شيأ ولا اجملنا له الخطاب حيث لم يفهم انتهى
وهل يشكل على هذه الحروف المقطعة فى اوائل السور ولعله رضى الله عنه لا يرى ان ذلك من قبيل المتشابه او ان المتشابه ليس مما استأثر الله بعلمه
وفى التأويلات النجمية يشير قوله { وما علمناه الشعر } الى ان كل اقوال واعمال واحوال تجرى على العباد فى الظاهر والباتطن كلها تجرى بتعليم الحق تعالى حتى الحرف والصنائع وذلك سر قوله تعالى { وعلم آدم الاسماء كلها } وتعليمه الصنائع لعباده على ضربين بواسطة وبغير واسطعة اما بالواسطة فبتعليم بعضهم بعضا واما بغير الواسطة فكما علم داود عليه السلام صنعة اللبوس وكل حرفة وصنعة يعملها الانسان من قريحته بغير تعليم احد فهى من هذا القبيل انتهى
وفى المثنوى(11/402)
قابل تعليم وفهمست اين جسد ... ليك صاحب وحى تعليمش دهد
جملة حرفتها يقين از وحى بود ... اول اوليك عقل آنرا فزود
هيج حرفت را ببين كين عقل ما ... داند او آموختن بى اوستا
كرجه اندر مكر موى اشكاف بد ... هيج بيشه رام بى استاد شد
ثم حكى قصة قابيل فانه تعلم حفر القبر من الغراب حتى دفن اخاه هابيل بعد قتله وحمله على عاتقه اياما { وما ينبغى له } البغاء الطلب والانبغاء انفعال منه يقال بغيته اى طلبته فانطلب
قال الراغب هو مثل قوله النار ينبغى ان تحرق الثوب اى هى مسخرة للاحراق والمعنى وما يصح لمحمد الشعر ولا يتسخر ولا يتسهل ولا يتأتى له لو طلبه اى جعلناه بحيث لو اراد قرض الشعر لم يتأت له ولم يكن لسانه يجرى به الا منكسرا عن وزنه بتقديم وتأخير او نحو ذلك كما جعلناه اميا لا يهتدى للخط ولا يحسنه ولا يحسن قراءة ما كتبه غيره لتكون الحجة اثبت وشبهة المرتابين فى حقية رسالته ادحض فانه لو كان شاعرا لدخلت الشبهة على كثير من الناس فى ان ما جاء به يقوله من عند نفسه لانه شاعر صناعته نظم الكلام
وقال فى انسان العيون والحاصل ان الحق الحقيق بالاعتماد وبه تجتمع الاقوال ان المحرم عليه صلى الله عليه وسلم انما هو انشاء الشعر اى الاتيان بالكلام الموزون عن قصد وزنه وهذا هو المعنى بقوله { وما علمناه الشعر } فان فرض وقوع كلام موزون منه عليه السلام لا يكون ذلك شعرا اصطلاحا لعدم قصد وزنه فليس من الممنوع منه والغالب عليه انه اذا انشد بيتا من الشعر متمثلا به او مسندا لقائله لا يأتى به موزونا
وادعى بعض الادباء انه عليه السلام كان يحسن الشعر اى يأتى به موزونا قصدا ولكنه كان لا يتعاطاه اى لا يقصد الاتيان به موزونا قال وهذا اتم واكمل مما لو قلنا انه كان لا يحسنه وفيه ان فى ذلك تكذيبا للقرآن
وفى التهذيب للبغوى من ائمتنا قيل كان عليه السلام يحسن الشعر ولا يقوله والاصح انه كان لا يحسنه ولكن كان يميز بين جيد الشعر ورديئه ولعل المراد بين الموزون منه وغير الموزون
ثم رأيته فى ينبوع الحياة قال كان بعض الزنادقة المتظاهرين بالاسلام حفظا لنفسه وماله يعرض فى كلامه بان النبى عليه السلام كان يحسن الشعر يقصد بذلك تكذيب كتاب الله تعالى فى قوله { وما علمناه الشعر وما ينبغى له } الآية الكل فى انسان العيون
يقول الفقير اغناه الله القدير هذا ما قالوه فى هذا المقام وفيه اشكال كما لا تخفى على ذوى الافهام لانهم حين حملوا الشعر فى هذا الكلام على المنطقى ثم بنوا قوله وما ينبغى له على القريض لم يتجاوب آخر النظم باوله والظاهر ان المراد وما ينبغى له من حيث نبوته وصدق لهجته ان يقول الشعر لان المعلم من عند الله لايقول الا حقا وهذا لا ينافى كونه فى نفسه قادرا على النظم والنثر ويدل عليه تميزه بين جيد الشعر ورديئه اى موزونه وغير موزونه على ما سبق ومن كان مميزا كيف لا يكون قادرا على النظم فى الالهيات والحكم لكن القدرة لا تستلزم الفعل فى هذا الباب صونا عن اطلاق لفظ الشعر والشاعر الذى يوهم التخييل والكذب وقد كان العرب يعرفون فصاحته وبلاغته وعذوبة لفظه وحلاوة منطقه وحسن سرده والحاصل ان كل كمال انما هو مأخوذ منه كما سبق فى اواخر الشعراء .(11/403)
وكان احب الحديث اليه صلى الله عليه وسلم الشعر اى ما كان مشتملا على حكمة او وصف جميل من مكارم الاخلاق او نصرة الاسلام او ثناء على الله ونصيحة للمسلمين .(11/404)
وايضا كان ابغض الحديث اليه صلى الله عليه وسلم الشعر اى ما كان فيه كذب وقبح وهجو ونحو ذلك . واما ما روى من انه عليه السلام كان يضع لحسان فى المسجد منبرا فيقوم عليه يهجو من كان يهجو رسول الله والمؤمنين فذلك من قبيل المجاهدة التى اشير اليها فى قوله { جاهدوا باموالكم وانفسكم وألسنتكم }
شاعران شيران شدند وهجوشان ... همجوجنكال وجو دندانست دان
تيز كن دندان وموزى قطع كن ... اين جنين باشد مكاقات بدان
{ ان هو } اى ما القرآن { الا ذكر } اى عظة من الله تعالى وارشاد للانس والجن كما قال تعالى { ان هو الا ذكر للعالمين } { وقرآن مبين } اى كتاب سماوى بين كونه كذلك او فارق بين الحق والباطل يقرأ فى المحاريب ويتلى فى المعابد وينال بتلاوته والعمل بما فيه فوز الدين فكم بينه وبين ما قالوا . فعطف القرآن على الذكر عطف الشئ على احد اوصافه فان القرآن ليس مجرد الوعظ بل هو مشتمل على المواعظ والاحكام ونحوها فلا تكرار
قال فى كشف الاسرار [ هر ييغمبرى كه آمد برهان نبوت وى ازراه ديدها در آمد جو آتش ابراهيم وعصا ويد بيضاء موسى واحياء موتاى عيسى عليهم السلام وبرهان نبوت محمد عربى ازراه دلها در آمد بل هو آيات بينات فى صدور الذين اوتوا العلم اكرجه مصطفى را نيز معجزات بسيار بود كه محل اطلاع ديدها بود جون انشقاق قمر وتسبيح حجر وكلام ذئب واسلام ضب وغير آن اما مقصود آنست كه موسى تحدى بعصا كرد وعيسى تحدى باحياء موتى كرد ومصطفى عليه السلام تحدى بكلام كرد { فأتوا بسورة من مثله } عصاى موسى هرجند درو صفت ربانى تعبيه بوداز درخت عوسج بود ودم عيسى هرجند كه درو لطف الهى تعبيه يود اما وديعت سنية بشر يود اى محمد توكه مى روى دمى وجوبى باخود مبر جوب نفقة خران باشد ودم نصيب بيماران توصفت قديم ما قرآن مجيد باخود ببرتا معجزة توصفت ما بود ](11/405)
لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)
{ لينذر } اى القرآن متعلق بقوله وقرآن او بمحذوف دل عليه قوله الا ذكر وقرآن اى الا ذكر انزل ليندر ويخوف { من كان حيا } اى عاقلا فهيما يميز المصلحة من المفسدة ويستخدم قلبه فيما خلق له ولا يضيعه فيما لا يعنيه فان الغافل بمنزلة الميت وجعل العقل والفهم للقلب بمنزلة الحياة للبدن من حيث ان منافع القلب منوطة بالعقل كما ان منافع البدن منوطة بالحياة
وفيه اشارة الى ان كل قلب تكون حياته بنور الله وروح منه يفيده الانذار ويتأثر به وامارة تأثره الاعراض عن الدنيا والاقبال على الآخرة والمولى
وقال بعضهم من كان حيا اى مؤمنا فى علم الله فان الحياة الابدية بالايمان يعنى ان ايمان من كان مؤمنا فى علم الله بمنزلة الحياة للبدن لكونه سببا للحياة الابدية
قال ابن عطاء من كان فى علم الله حيا احياه الله بالنظر اليه والفهم عنه والسماع منه والسلام عليه
وقال الجنيد الحى من كان حياته بحياة خالقه لا من تكون حياته ببقاء نفسه ومن كان بقاؤه ببقاء نفسه فانه ميت فى وقت حياته ومن كان حياته بربه كان حقيقة حياته عند وفاته لانه يصل بذلك الى رتبة الحياة الاصلية وتخصيص الانذار بمن كان حى القلب مع انه عام له ولمن كان ميت القلب لانه المنتفع به { ويحق القول } اى يجب كلمة العذاب وهو { لأملأنّ جهنم من الجنة والناس أجمعين } { على الكافرين } المصرين على الكفر لانه اذا انتفت الريبة الا المعاندة فيحق القول عليهم وفى ايرادهم بمقابلة من كان حيا اشعار بانهم لخلوهم عن آثار الحياة واحكامها التى هى المعرفة اموات فى الحقيقة كالجنين ما لم ينفخ ما لم ينفخ فيه الروح فالمعرفة تؤدى الى الايمان والاسلام والاحسان التى لا يموت اهلها بل ينتقل من مكان الى مكان
قال حضرة شخيى وسندى روح الله روحه حالة النوم وحالة الانتباه اشارة الى الغفلة ويقظة البصيرة فوقت الانتباه كوقت انتباه القلب فى اول الامر ثم الحركة الى الوضوء اشارة الى التوبة والانابة ثم الشروع فى الصلاة اشارة الى التوجه الالهى والعبور من عالم الملك والناسوت والدخول فى عالم الملكوت ففى الحركات بركات كما اشار اليه المولوى فى قوله
فرقتى لو لم تكن فى ذا السكوت ... لم يقل انا اليه راجعون
ثم ان الانذار صفة النبى عليه السلام فى الحقيقة وقد قرئ لتنذر بتاء بالخطاب ثم صفة وارثه الا كمل الذى هو على بصيرة من امره
قال الشيخ الشهير بافتاده قدس سره ان الوعظ لا يليق بمن لم يعرف المراتب الاربع لانه يعالج مرض الصفراء بعلاج البلغم او السوداء نعم يحصل له الثواب اذا كان لوجه الله تعالى ولكن لا يحصل الترقى قدرذرة فانه لا بد ان يعرف الواعظ ان أية آية تتعلق بالطبيعة وأية آية تتعلق بالنفس ولذلك بكى الاصحاب دما فمن وجب عليه القول الازلى بموت قلبه وقساوته كالكافرين والغافلين فلا يتأثر بالانذار اذ الباز الاشهب انما يصيد الصيد الحى فنسأل الله الحياة واليقظة والتأثر من كل الانذار والتنبيه والعظة(11/406)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71)
{ أولم يروا } الهمزة للانكار والتعجب والواو للعطف على مقدر والضمير للمشركين من اهل مكة اى ألم يتفكروا ولم يعلموا علما يقينيا هو فى حكم المعاينة اى قدرأوا وعملوا { انا } بمقتضى جودنا { خلقنا لهم } اى لاجلهم وانتفاعهم { مما عملت ايدينا } العمل كل فعل من الحيوان يقصد فهو اخص من الفعل اى مما تولينا احداثه بالذات لم يشاركنا فيه غيرنا بمعاونة وتسبب وذكر الايدى واسناد العمل اليها استعارة تمثيلية من عمل يعمل بالايدى لانه تعالى منزه عن الجوارح
قال الكاشفى [ ميان مردمان مثاليست هركارى كه تنها كند كويند من اين مهم بدست خود ساخته ام يعنى ديكر مرا درساختن يارى نداده ] وانما تخاطب العرب بما يستعملون فى مخاطباتهم [ اينجا نيز ميفر مايدكه ماآفريديم براى ايشان بخود بى مشاركت غيرى ]
قال الراغب الايدى جمع يد بمعنى الجارحة خص لفظ اليد لقصورنا اذ هى القنطرة وهذا القصر على يدى فلان . وفى الخبر على اليد ما اخذت حتى تؤديه فالامانة مؤداة وان لم تباشر باليد فيقول مالى فى يد فلان او اليتيم تحت يد القيم فاليد يكنى بها عن الملكة والضبط
وقال فى الاسئلة المقحمة الايدى هنا صلة وهو كقوله { فبما كسبت ايديهم } ومذهب العرب الكناية باليد والوجه عن الجملة انتهى
وهذه المعانى متقاربة فى الحقيقة { انعاما } مفعول خلقنا اخر جمعا بينه وبين احكامه المتفرعة عليه بقوله تعالى { فهم } الخ جمع نعم وهو المال الراعية وهى الابل والبقر والغنم والمعز مما فى سيره نعمومة اى لين ولا يدخل فيها الخيل والبغال والحمر لشدة وطئها الارض وخص بالذكر من بين سائر ما خلق الله من المعادن والنبات والحيوان غير الانعام لما فيها من بدائع الفطرة كما فى الابل وكثرة المنافع كما فى البقر والغنم اى الضأن والمعز { فهم لها مالكون }
قال ابن الشيخ الفاء للسببية ومالكون من ملك السيد والتصرف اى فهم لسبب ذلك مالكون لتلك الانعام بتمليكنا اياها وهم متصرفون فيها بالاستقلال يختصون بالانتفاع بها لا يزاحمهم فى ذلك غيرهم(11/407)
وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72)
{ ذللناهم لهم } [ التذليل : خوار وذليل ومنقاد كردن والذل بالضم ويكسر ضد الصعوبة
وفى المفردات الذل ما كان عن قهر والذل ما كان بعد تصعب وشماس من غير قهر وذلت الدابة بعد شماس ذلا وهى ذلول ليست بصعبة . والمعنى وصيرنا تلك الانعام منقادة لهم : وبالفارسية [ رام كرديم انعام را براى ايشان ] بحيث لا تستعصى عليهم فى شئ مما يريدون بها من الركوب والحمل والسوق الى ما شاؤا والذبح مع كمال قوتها وقدرتها فهو نعمة من النعم الظاهرة ولهذا الزم الله الراكب ان يشكر هذه النعمة ويسبح بقوله { سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين } { فمنها ركوبهم } بفتح الراء بمعنى المركوب كالحلوب بمعنى المحلوب اى فبعض منها مركوبهم اى معظم منافعها الركوب وقطع المسافات وعدم التعرض للحمل لكونه من تتمات الركوب
قال الكاشفى [ بس بعضى ازان مركوب ايشانست كه بران سوارى كنند جون شتر ] والركوب فى الاصل كون الانسان على ظهر حيوان وقد يستعمل فى السفينة والراكب اختص فى التعارف بمتطى البعير [ والامتطاء : مركب ومطيه كرفتن ] { ومنها يأكلون } اى وبعض منها يأكلون لحمه وشحمه(11/408)
وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)
{ ولهم فيها } اى فى الانعام المركوبة والمأكولة { منافع } اخر غير الركوب والاكل كالجلود والاصواف والاوبار والاشعار والنسيلة اى النتائج وكالحراثة بالثيران { ومشارب } من اللبن جمع مشروب والشرب تناول كل مائع ماء كان او غيره { أفلا يشكرون } اى أيشانهدون هذه النعم التى يتنعمون بها فلا يشكرون المنعم بها بان يوحده ولا يشركوا به فى العبادة فقد تولى المنعم احداث تلك النعم ليكون احداثها ذريعة الى ان يشكروها فجعلوها وسيلة الى الكفران كما شكا مع حبيبه(11/409)
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74)
{ واتخذوا } اى مع هذه الوجوه من الاحسان { من دون الله } اى متجاوزين الله المتفرد بالقدرة المتفضل بالنعمة { آلهة } من الاصنام واشركوها به تعالى فى العبادة { لعلهم ينصرون } رجاء ان ينصروا من جهتهم فيما اصابهم من الامور او ليشفعوا لهم فى الآخرة ثم استأنف(11/410)
لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75)
فقال { لا يستطيعون نصرهم } اى لا تقدر آلهتهم على نصرهم والواو لوصفهم الاصنام باوصاف العقلاء { وهم } اى المشركون { لهم } اى لآلهتهم { جند } عسكر { محضرون } اثرهم فى النار اى يشيعون عند مساقهم الى النار ليجعلوا وقودا لها : وبالفارسية [ سباه اند حاضر كرده شد كان فردا كه لشكر ايشانند بايشان حاضر شوند جردزخ ]
قال الكواشى روى انه يؤتى بكل معبود من دون الله ومعه اتباعه كأنهم جنده فيحضرون فى النار هذه لمن امر بعبادة نفسه او كان جمادا
عابد ومعبود باشد در جحيم ... حسرت ايشان شود تاكه عظيم(11/411)
فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76)
{ فلا يحزنك قولهم } الفاء لترتيب النهى على ما قبله والنهى وان كان بحسب الظاهر متوجها الى قولهم لكنه فى الحقيقة متوجه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهى له عن التأثر منه بطريق الكناية على ابلغ وجه وآكده فان النهى عن اسباب الشئ ومباديه المؤدية اليه نهى عنه بالطريق البرهانى وابطال للسبيية . وقد يوجه النهى الى المسبب ويراد النهى عن السبب كما فى قوله لا ارينك ههنا يريد به نهى مخاطبه عن الحضور لديه والمراد بقولهم ما ينبئ عنه ما ذكر من اتخاذهم الاصنام آلهة فان ذلك مما لا يخلو عن التفوه بقولهم هؤلاء آلهتنا وانهم شركاء الله تعالى فى المعبودية وغير ذلك مما يورث الحزن كذا فى الارشاد
قال ابن الشيخ الفاء جزائية اى اذا سمعت قولهم فى الله ان له شريكا وولدا وفيك انك كاذب شاعر وتألمت من اذائهم وجفائهم فتسل باحاطة علمى بجميع احوالهم وبانى اجازيهم على تكذيبهم اياك واشراكهم بى { انا نعلم ما يسرون وما يعلنون }
قال فى الارشاد تعليل صريح للنهى بطريق الاستئناف بعد تعليله بطريق الاشعار فان العلم بما ذكر مستلزم للمجازاة قطعا اى نعلم بعلمنا الحضورى عموم ما يضمرون فى صدورهم من العقائد الفاسدة ومن العداوة والبغض وجميع ما يظهرون بألسنتهم من كلمات الكفر والشرك بالله والانكار للرسالة فنجازيهم على جميع جناياتهم الخافية والبادية
بآشكار نهان هرجه كفتى وكردى * جزا دهد بتو داناى آشكار ونهان
وتقديم السر على العلن اما للمبالغة فى بيان شمول علمه تعالى لجميع المعلومات كأن علمه تعالى بما يسرون اقدم منه بما يعلنون مع استوائهما فىلحقيقة فان علمه تعالى بمعلوماته ليس بطريق حصول صورها بل وجود كل شئ فى نفسه علم بالنسبة اليه تعالى وفى هذا المعنى لا يختلف الحال بين الاشياء البارزة والكامنة واما لان مرتبة السر متقدمة على مرتبة العلن اذ ما من شئ يعلن الا وهو او مباديه مضمر فى القلب قبل ذلك فتعلق علمه بحالته الاولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية حقيقة
وفى الاية اشارة الى ان كلام الاعداء الصادر من العداوة والحسد جدير ان يحزن قلوب الانبياء مع كمال قوتهم وانهم ومتابعيهم مأمورون بعدم الالتفات وتطييب القلوب فى مقاساة الشدائد فى الله بان لها ثمرات كريمة عند الله واللحساد مطالب بها عند الله كما قال { انا نعلم ما يسرون } من الحسد والضغائن { وما يعلنون } من العداوة والطعن وانواع الجفاء واذا علم العبد ان المه آت من الحق هان عليه ما يقاسيه لا سيما اذا كان فى الله كما فى التأويلات النجمية
قال بعض الكبار ليخفف ألم البلاء علمك بان الله هو المبتلى
هرجه ازجانان مى آيد صفا باشد مرا
هذا
قال فى برهان القرآن قوله { فلا يحزنك قولهم انا نعلم } وفى يونس(11/412)
{ ولا يحزنك قولهم ان العزة لله جميعا } تشابها فى الوقف على قولهم فى السورتين لان الوقف عليه لازم وان فيهما مكسور فى الابتداء لا فى الحكاية ومحكى القول فيهما محذوف ولا يجوز الوصل لان النبى صلى الله عليه وسلم منزه عن ان يخاطب بذلك انتهى
قال فى بحر العلوم قوله { انا } الخ تعليل للنهى على الاستئناف ولذلك لو قرئ انا بفتح الهمزة على حذف لام التعليل جاز وعليه تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم « لبيك ان الحمد والنعمة لك » كسر ابو حنيفة وفتح الشافعة وكلاهما تعليل انتهى
وفى الكواشى وزعم بعضهم ان من فتح { انا } بطلت صلاته وكفر وليس كذلك لانه لا يخلو اما ان يفتحها تعليلا فمعناه كالمكسورة او يفتحها بدلا من قولهم وليس بكفر ايضا لجواز ان يخاطب هو صلى الله عليه وسلم والمراد غيره نحو تأكدي { لئن اشركت ليحبطن عملك } بل ان اعتقد ان محمدا عليه السلام يحزن لعلمه تعالى سرهم وعلانيتهم فقد كفر او يفتحها معمولة قولهم عند من يعمل القول بكل حال وليس بكفر ايضا انتهى كلامه باجمال(11/413)
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)
{ أولم ير الانسان انا خلقناه من نطفة } كلام مستأنف مسوق لبيان بطلان انكارهم البعث بعد ما شاهدوا فى انفسهم اوضح دلائله واعدل شواهده كما ان ما سبق مسوق لبيان بطلان اشراكهم بالله بعد ما عاينوا فيما بايديهم ما يوجب التوحيد والاسلام . والهمزة للانكار والتعجيب والواو للعطف على مقدر والرؤية قلبية والنطفة الماء الصافى ويعبر بها عن ماء الرجل روى ان جماعة من كفار قريش منهم ابىّ بن خلف ووهب بن حذافة بن جمح وابو جهل العاص بن وائل والوليد بن المغيرة اجتمعوا يوما فقال ابىّ بن خلف ألا ترون الى ما يقول محمد ان الله يبعث الاموات ثم قال اللات والعزى لاذهبن اليه ولا خصمنه واخذ عظما باليا فجعل يفته بيده ويقول يا محمد ان الله يحيى هذا بعدما رمّ قال عليه السلام « نعم ويبعثك ويدخلك جهنم » فنزلت ردا عليه فى انكاره البعث لكنها عامة تصلح ردا لكل من ينكره من الانسان لان الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
وفى الارشاد وايراد الانسان موضع المضمر لان مدار الانكار متعلق باحواله من حيث هو انسان كما فى قوله تعالى { أو لا يذكر الانسان انا خلقناه من قبل ولم يك شيأ } والمعنى ألم يتفكر الانسان المنكر للبعث ايا من كان ولم يعلم علما يقينيا انا خلقناه من نطفة : وبالفارسية [ آيا ند وندانست ابىّ وغيروا آنراكه ما بيافريديم اورا از آبى مهين در قرارى مكين جهل روز اوراد در طور نطفه نكه داشتيم تامضغة كشت مصطفى عليه السلام كفت « ان خلق احدكم يجمع فى بطن امه اربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله عز وجل اليه ملكا باربع كلمات فيقول اكتب اجله ورزقه وانه شقى او سعيد » آنكه تقطيع هيكل او صورت شخص او در ظهور آورديم واورا كسوت بشريت بوشانيديم وازان قرار مكين باين فضاى رحيب آورديم واز بستان برازخون اورا شير صافى داديم وبعقل وفهم وسمع وبصر ودل وجان اورا بياراستيم وبقبض وبسط ومشى وحركات اورا قوت داديم وجون ازان نطفه باين رتب رسانيديم وسخن كوى ودليركشت ] { فاذا هو } [ بس أنكاء او ] { خصيم } شديد الخصومة والجدال بالباطل { مبين } اى مبين فى خصومته او مظهر للحجة وهو عطف على الجملة المنفية ففاجأ خصومتنا فى امر يشهد بصحته وتحققه مبدأ فطرته شهادة بينة فهذا حال الانسان الجاهل الغافل ونعم ما قيل
اعلمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رمانى
اعلمه القوافى كل حين ... فلما قال قافية هجانى
وما قيل
لقد ربيت جروا طول عمرى ... فلما صار كلبا عض رجلى
قال السمرقندى العامل فى اذا المفاجأة معنى المفاجأة وهو عامل لا يظهر استغنى عن اظهاره بقوة ما فيها من الدلالة عليه ولا يقع بعدها الا الجملة المركبة من المبتدأ والخبر وهو فى المعنى فاعل لان معنى { فاذا هو خصيم مبين } فاجأة خصومة بينة كما ان معنى قوله { اذا هم يقنطون } فاجأهم قنوطهم او مفعول اى فاجأ الخصومة وفاجأوا القنوط يعنى خاصم خالقه مخاصمة ظاهرة وقنطوا من الرحمة(11/414)
وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)
{ وضرب لنا مثلا } عطف على الجملة الفجائية اى ففاجأ خصومتنا وضرب لنا مثلا اى اورد فى شأننا قصة عجيبة فى نفس الامر وهى فى الغرابة والبعد عن العقول كالمثل وفى انكار احيانا العظام ونفى قدرتنا عليه
قال ابن الشيخ المثل يستعار للامر العجيب تشبيها له فى الغرابة بالمثل العرفى الذى هو القول السائر ولا شك ان نفى قدرة الله على البعث مع انه من جملة الممكنات وانه تعالى على كل شئ قدير من اعجب العجائب { ونسى خلقه } عطف على ضرب داخل فى حيز الانكار والتعجيب والمصدر مضاف الى المفعول اى خلقنا اياه من النطفة اى ترك التفكر فى بدء خلقه ليدله ذلك على قدرته على البعث فانه لا فرق بينهما من حيث ان كلا منهما احياء موات وجماد
وقال البقلى فى خلق الانسان والوجوه الحسان من علامات قدرته اكثر مما يكون فى الكون لان الكونين والعالمين فى الانسان مجموعون وفيه علمه معلوم لو عرف نفسه فقد عرف ربه لان الخليقة مرآة الحقيقة تجلت الحقيقة فى الخلقية لاهل المعرفة ورب قلب ميت احياه بجمالته بعد موته بجهالته { قال } استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ عن حكاية ضرب المثل كأنه قيل أى مثل ضرب او ماذا قال فقيل قال { من يحيى العظام } منكرا له اشد النكير مؤكدا له بقوله { وهى رميم } اى بالية اشد البلى بعيدة من الحياة غاية البعد حيث لاجلد عليها ولا لحم ولا عروق ولا اعصاب يقال رمّ العظم يرم رمة بكسر الراء فيهما اى بلى فهو رميم وعدم تأنيث الرميم مع وقوعه خبرا للمؤنثة لانه اسم لا بلى من العظام غير صفة كالرفات
وقد تمسك بظاهر الآية الكريمة من اثبت للعظم حياة وبنى عليه الحكم بنجاسة عظم الميت وهو الشافعى ومالك واحمد واما اصحانا الخنفية فلا يقولون بنجاسته كالشعر ويقولون المراد باحياء العظام ردها الى ما كانت عليه من الغضاضة والرطوبة فى بدن حى حساس
واختلفوا فى الآدمى هل يتنجس بالموت
فقال ابو حنيفة يتنجس لانه دموى الا انه يطهر بالغسل كرامة له وتكره الصلاة عليه فى المسجد
وقال الشافعى واحمد لا يتنجس به ولا تكره الصلاة عليه فيه وعن مالك خلاف والاظهر الطهارة واما الصلاة عليه فى المسجد فالمشهور من مذهبه كراهتها كقول ابى حنيفة(11/415)
قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)
{ قل } يا محمد تبكيتا لذلك الانسان المنكر بتذكير ما نسيه من فطرة الدالة على حقيقة الحال وارشاده الطريقة للاشتشهاد بها { يحيها } اى تلك العظام { الذى أنشأها } اوجدها { اول مرة } اى فى اول مرة ولم تكن شيأ فان قدرته كما هى لاستحالة التغير فيها والمادة على حالها فى القابلية اللازمة لذاتها وهو من النصوص القاطعة الناطقة بحشر الاجساد استدلالا بالابتداء على الاعادة وفيه رد على من لم يقل به وتكذيب له { وهو } اى الله المنشئ { بكل خلق عليم } مبالغ فى العلم بتفاصيل كيفيات الخلق والايجاد انشاء واعادة محيط بجميع الاجزاء المتفتتة المتبددة لكل شخص من الاشخاص اصولها وفروعها واوضاع بعضا من بعض من الاتصال والانفصال والاجتماع والافتراق فيعيد كلا من ذلك على النمط السابق مع القوى التى كانت قبل
وفى بحر العلوم بليغ العلم بكل شئ من المخلوقات لا يخفى عليه شئ من الاجزاء المتفتتة واصولها وفروعها فاذا اراد ان يحيى الموتى يجمع اجزاءهم الاصلية ويعيد الارواح اليها ويحيون كما كانوا احياء وهو معنى حشر الاجساد والارواح وبعث الموتى
قال القاضى عضد الدين فى المواقف هل يعدم الله الاجزاء البدنية ثم يعيدها او يفرقها ويعيد فيها التأليف والحق انه لم يثبت ذلك ولا نجزم فيه نفيا ولا اثباتا لعدم الدليل على شئ من الطرفين وقوله تعالى { كل شئ هالك الا وجهه } لا يرجح احد الاحتمالين لان هلاك الشئ كما يكون باعدام اجزائه يكون ايضا يتفريقها وابطال منافعها انتهى .
فالجسم المعاد هو المبتدأ قد فنى بتفرق اجزائه الاصلية وبطلان منافعها ثم انه تعالى الف بين الاجزاء المتفرقة وضم بعضها الى بعض على النمط السابق وخلق فيها الحياة
واعلم ان المنكرين للحشر منهم من لم يذكر فيه دليلا ولا شبهة بل اكتفى بمجرد الاستبعاد وهمم الاكثرون كقولهم { ائذا ضللنا فى الارض ائنا لفى خلق جديد } وقولهم { ائذا متنا وكنا ترابا وعظاما ائنا لمبعوثون } ومن قال { من يحيى العظام وهى رميم } قاله على طريق الاستبعاد فابطل الله استبعادهم بقوله { ونسى خلقه } } اى نسى انا خلقناه من تراب ثم من نطفة متشابهة الاجزاء ثم جعلنا له من ناصيته الى قدمه اعضاء مختلفة الصور وما اكتفينا بذلك حتى اودعناه ما ليس من قبيل هذه الاجرام وهو النطق والعقل اللذان بهما استحق الاكرام فان كانوا يقنعون بمجرد الاستبعاد اعادة النطق والعقل من نطفة قذرة لم تكن محلا للحياة اصلا ويستبعدون اعادة النطق والعقل الى محل كانا فيه
ومنهم من ذكر شبهة وان كانت فى آخرها تعود الى مجرد الاستبعاد وهى على وجهين . الاول انه بعد العدم لم يبق شيأ فكيف يصح على العدم الحكم بالوجود فاجاب تعالى عن هذه الشبهة بقوله { قل يحيها الذى انشأها اول مرة } يعنى انه كما خلق الانسان ولم يك شيأ مذكورا كذلك يعيده وان لم يبق شيأ مذكورا .(11/416)
والثانى ان من تفرقت اجزاؤه فى مشارق العالم ومغاربه وصار بعضه فى ابدان السباع وبعضه فى حواصل الطيور وبعضه فى جدران المنازل كيف يجتمع وابعد من هذه انه لو اكل انسان انسانا وصارت اجزاء المأكول داخلة فى اجزاء الآكل فان اعيدت اجزاء الآكل لا يبقى للمأكل اجزاء تتخلق منها اعضاؤه وان اعيدت الاجزاء المأكولة الى بدن المأكول واعيد المأكول باجزائه لا تبقى للآكل اجزاء يتخلق منها فابطل الله هذه الشبهة بقوله { وهو بكل خلق عليم }
ووجهه ان فى الآكل اجزاء اصلية واجزاء فضلية وفى المأكل ايضا كذلك فاذا اكل انسان انسانا صارت الاجزاء الاصلية للمأكل فضلة بالنسبة الى الآكل والاجزاء الاصلية للآكل وهى ما كان قبل الاكل هى التى تجمع وتعاد مع الآكل والاجزاء المأكولة مع المأكول والله بكل خلق عليم يعلم الاصل من الفضل فيجمع الاجزاء الاصلية للآكل ويجمع الاجزاء الاصلية للمأكول وينفخ فيه الروح وكذلك يجمع الاجزاء المتفرقة فى البقاع المتباعدة بحكمته وقدرته
قال بعض الافاضل لما كان تمسكهم بكون العظام رميمة من وجهين . احدههما اختلاط اجزاء الابدان والاعضاء بعضها مع بعض فكيف يميز اجزاء بدن من اجزاء رميمة يابسة جدا مع ان الحياة تستدعى رطوبة البدن . اشار الى جواب الاول بقوله { وهو بكل خلق عليم } فيمكنه تمييز اجزاء الابدان والاعضاء . والى جواب الثانى(11/417)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80)
{ الذى جعل لكم من الشجر الاخضر نارا } بدل من الموصول الاول وعدم الاكتفاء بعطف الصلة للتأكيد ولتفاوتهما فى كيفية الدلالة . والشجر من النبت ماله ساق . والخضرة احد الالوان بين البياض والسواد وهو الى السواد اقرب فلهذا سمى الاسود اخضر والاخضر اسود . وقيل سواد العراق للموضع الذى تكثر فيه الخضرة ووصف الشجر بالاخضر اسود . وقيل سواد العراق للموضع الذى تكثر فيه الخضرة ووصف الشجر بالاخضر دون الخضراء نظرا الى اللفظ فان لفظ الشجر مذكر ومعناه مؤنث لانه جمع شجرة كثمر وثمرة والجمع مؤنث لكونه بمعنى الجماعة . والمعنى خلق لاجلكم ومنفعتكم من الشجر الاخضر كالمرخ والعفار نارا والمرخ بالخاء المعجمة شجر سريع العورى والعفار بالعين المهملة كسحاب شجر آخر تقدح منه النار
قال الحكماء لكل شجر نار الا العناب فمن ذلك يدق القصار الثوب عليه ويتخذ منه المطرقة والعرب تتخذ زنودها من المرخ والعفار وهما موجدان فى اغلب المواضع من بوادى العرب يقطع الرجل منهما غصنين كالمسواكين وهما اخضران يقطر منهما الماء فيسحق المرخ وهو ذكر على العفار وهو انثى فتنقدح النار باذن الله تعالى وذلك قوله تعالى { فاذا انتم منه توقدون } اذا للمفاجأة والجار متعلق بتوقدون والضمير راجع الى الشجر [ والايقاد : آتش افروختن ] اى تشعلون النار من ذلك الشجر لا تشكون فى انها تخرج منه كذلك لا تشكون فى ان الله يحيى الموتى ويخرجهم من القبور للسؤال والجزاء من الثواب والعقاب فان من قدر على احداث النار واخراجها من الشجر الاخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها بكيفية كان اقدر على اعادة الغضاضة الى ما كان غضا فطرأ عليه اليبوسة والبلى وعلم منه ان الله تعالى جامع الاضداد ألا يرى انه جمع الماء النار فى الخشب فلا الماء يطفئ النار ولا النار تحرق الخشب
ويقال ان الله تعالى خلق ملائكة نصف ابدانهم من الثلج ونصفها من النار فلا الثلج يطفئ النار ولا النار تذيب الثلج
وفى الآية اشارة الى شجر اخضر البشرية ونار المحبة فمصباح القلوب انما يوقد منه
قال بعض الكبار ظاهر البدن من عالم الشهادة والقلب من عالم الملكوت وكما تنحدر من معارف القلب آثار الى الجوارح فكذلك قد ترتفع من احوال الجوارح التى هى من عالم الشهادة آثار الى القلب والحاصل انه يتقدح الظاهر بالاعمال فيحدث منها نور يتنور به البال ويزيد الحال
ادخلوا الابيات من ابوابها ... واطلبوا الاغراض من اسبابها
نسأل الله الدخول فى الطريق والوصول الى منزل التحقيق(11/418)
أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81)
{ أوليس الذى خلق السموات والارض } الهمزة للانكار وانكار النفى والواو للعطف على مقدر المقام فهمزة الانكار وان دخلت على حرف العطف ظاهرا لكنها فى التحقيق داخلة على كلمة النفى قصدا الى اثبات القدرة له وتقريرها . والمعنى أليس القادر المقتدر الذى انشأ الاناسى اول مرة وأليس الذى جعل لهم من الشجر الاخضر نارا وأليس الذى خلق السموات اى الاجرام العلوية وما فيها والارض اى الاجرام السفلية وما عليها مع كبر جرمهما وعظم شأنهما : وبالفارسية [ آيانيست آنكس كه بيافريد آسمانها وزمينها بابزركى اجرام ايشان ] { بقادر } فى محل النصب لانه خبر ليس { على ان يخلق } فى الآخرة { مثلهم } اى مثل الاناسى فى الصغر والحقارة بالنسبة اليهما ويعيدهم احياء كما كانوا فان بديهة العقل قاضية بان من قدر على خلقهما فهو على خلق الاناسى اقدر كما قال تعالى { لخلق السموات والارض اكبر من خلق الناس } او مثلهم فى اصول الذات وصفاتها وهو المعاد فان المعاد مثل الاول فى الاشتمال على الاجزاء الاصلية والصفات المشخثة وان غايره فى بعض العوارض لان اهل الجنة جرد مرد وان الجهنمى ضرسه مثل احد وغير ذلك
وقال شرف الدين الطيبى لفظ مثل ههنا كناية عن المخاطبين نحو قولك مثلك يجودى اى على ان يخلقهم
وفى التأويلات النجمية قال ان الاعادة فى معنى الابتداء فاذا اقررتم بالابتداء فأى اشكال بقى فى جواز الاعادة فى الانتهاء ثم قال الذى قدر على خلق النار فى الاغصان من المرخ والعفار قادر على خلق الحياة فى الرمة البالية ثم زاد فى البيان بان قال القدرة على مثل الشئ كالقدرة عليه لاستوائهما بكل وجه وانه يحيى النفوس بعد موتها فى العرصة كما يحيى الانسان من النطفة والطير من البيضة ويحيى القلوب بالعرفان لاهل الايمان كما يحيى نفوس اهل الكفر بالهوى والطغيان
دل عاشق جوباغ وفيض حق ابر بهارآسا ... حيات تازه بخشد حق دمادم باع دلهارا
{ بلى } جواب من جهته تعالى وتصريح با افاده الاستفهام الانكارى من تقرير ما بعد النفى وايذان بتعين الجواب نطقوا به او تلعثموا فيه مخافة الالزام
قال ابن الشيخ هى مختصة بايجاب النفى المتقدم ونقضه فهى ههنا لنقض النفى الذى بعد الاستفهام اى بلى انه قادر كقوله تعالى { ألست بربكم قالوا بلى } ونعم يقال فى الاستفهام المجرد نحو { هل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم } ولا ههنا بلى فاذا قيل ما عندى شئ فقلت بلى فهو رد لكلامه فاذا قلت نعم فاقرار منك انتهى
{ وهو الخلاق العليم } عطف على ما يفيده الايجاب اى بلى هو قارد على ذلك والمبالغ فى العلم والخلق كيفا وكما
وقال بعضهم كثير المخلوقات والمعلومات يخلق خلقا بعد خلق ويعلم جميع الخلق ذكر البرهان الرشيدى ان صفات الله تعالى التى على صيغة المبالغة كلها مجاز لانها موضوعة للمبالغة ولا مبالغة فيها لان المبالغة ان يثبت للشئ اكثر مما له وصفاته تعالى متناهية فى الكمال لا يمكن المبالغة فيها .(11/419)
وايضا فالمبالغة تكون فى صفات تفيد الزيادة والنقصان وصفات الله منزهة عن ذلك واستحسنه الشيخ تقى الدين السبكى
وقال الزركشى فى البرهان التحقيق ان صيغة المبالغة قسمان . احدهما ما تحصل المبالغة فيه بحسب زيادة الفعل . والثانى بحسب زيادة المفعولات ولا شك ان تعددها لا يوجب للفعل زيادة اذ الفعل الواقع قد يقع على جماعة متعددين وعلى هذا القسم تنزل صفات الله وارتفع الاشكال ولهذا قال بعضهم فى حكيم معنى المبالغة فيه تكرار حكمه بالنسبة الى الشرائع
وقال فى الكشاف المبالغة فى التواب للدلالة على كثرة من يتوب عليه من عباده او لانه بليغ فى قبول التوبة صاحبها منزلة من لم يذنب قط لسعة كرمه(11/420)
إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)
{ انما امره } اى شأنه تعالى { اذا اراد شيأ } وجود شئ من الاشياء خلقه { ان يقول له كن } اى ان يعلق به قدرته { فيكون } قرئ بالنصب على ان يكون معطوف على يقول والجمهور على رفعه بناء على انه فى تقدير فهو يكون بعطف الجملة الاسمية على الاسمية المتقدمة وهى قوله انما امره ان يقول له كن فالمعنى فهو يحدث من غير توقف على شئ آخر اصلا . وهذا تمثيل لتأثير قدرته تعالى فيما اراده بامر الآمر المطاع للمأمور المطيع فى سرعة حصول المأمور به من غير توقف على شئ ما وهو قول ابى منصور الما تريدى لانه لا وجه لحمل الكلام على الحقيقة اذ ليس هناك قول ولا آمر ولا مأمور لان الامر ان كان حال وجود المكون فلا وجه للامر وان كان حال عدمه فكذلك اذ لا معنى لان الامر ان كان حال وجود المكون فلا وجه للامر وان كان حال عدمه فكذلك اذ لا معنى لان يؤمر المعدوم بان يوجه نفسه
قال النقشبندى والتعقيب فى فيكون انما نشأ من العبارة والا فلا تأخير ولا تعقيب فى سرعة نفوذ قضائه سبحانه [ وكويند اين كن كلمة علامتيست كه جون ملائكة بشنوند دانندكه خير حادث خواهد شد ]
حرفيست كاف ونون زتو امير صنع او ... ازقاف تابقاف بدين حرف كشته دال
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان الارادة الازلية كما تعلقت بايجاد المكونات تعلقت القدرة الازلية على وفق الحكمة الازلية بالمقدورات الى الابد على وفق الارادة باشارة امر كن فيكون الى الابد ما شاء فى الازل انتهى
فان قلت ارادته قديمة فلو كان القول قديما صار المكون قديما
قلت تعلق الارادة حادث فى وقت معين وهو وقت وجود المكون فى الخارج والعين فلا يلزم ذلك
وعن بعض الكبار فى قوله عليه السلام « ان الله فرد يحب الفرد » ان مقام الفردية يقتضى التثليث فهو ذات وصفة وفعل وامر الايجاد يبتنى على ذلك واليه الاشارة بقوله { انما امره } الخ فهو ذات وارادة وقول والقول مقلوب اللقاء بعد الاعلال فليس عند الحقيقة هناك قول وانما لقاء الموجد اسم فاعل بالموجد اسم مفعول وسريان هويته اليه وظهور صفته وفعله فيه فافهم هذه الدقيقة وعليها يدور سر قول تعالى { ونفخت فيه من روحى } اذ لا نفخ هناك اصلا وانما هو تصوير
قال الحسين النورى قدس سره ابدأ الاكوان كلها بقوله كن اهانة وتصغيرا ليعرف الخلق اهانتها ولا يركنوا اليها ويرجعوا الى مبدئها ومنشئها فشغل الخلق زينة الكون فتركهم معه واختار من خواصه من اعتقهم من رق الكون واحياهم به فلم يجعل للعلل عليهم سبيلا ولا للآثار فيهم طريقا
محو معنى وفارع از صورم ... نيست از جلوة صور خبرم
تاشدم ازسواى حق فانى ... يافتم من وجود حقانى
شد زمن غائب عالم اكوان ... ديده ام كشت برزنور جهان(11/421)
فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)
{ فسبحان الذى بيده ملكوت كل شئ } الملكوت والرحموت والرهبوت والجبروت مصادر زيدت الواو والتاء فيها للمبالغة فى الملك والرحمة والرهبة والجبر
قال فى المفردات الملكوت مختص بملك الله تعالى والملك ضبط الشئ والتصرف فيه بالامر والنهى اى فاذا تقرر ما يوجب تنزهه تعال تنزيهه اكمل ايجاب من الشئون المذكورة كالانشاء والاحياء وان ارادته لا تتخلف عن مراده ونحو ذلك فنزهوا الله الذى بيده اى تحت قدرته وفى تصرف قبضته ملك كل شئ وضبطه وتصرفه عما وصفوه تعالى به من العجز وتعجبوا مما قالوه فى شأنه تعالى من النقصان : وبالفارسية [ بس وصف كنيد به باكى وبى عيبى آنكسى راكه بدست اقتدار اوست بادشاهى همه جيز ] { واليه } لا الى غيره اذ لا مالك سواه على الاطلاق { ترجعون } تردون بعد الموت فيجازيكم باعمالكم وهو وعد للمقرين ووعيد للمنكرين : يعنى [ وعدة دوستانست ووعيد دشمنان اينانرا شديد العقابست وآنانرا ] وطوبى لم وحسن مآب فالخطاب للمؤمنين والكافرين
وفى التأويلات النجمية اثبت لكل شئ ملكوتا وملكوت الشئ ما هو الشئ به قائم ولو لم يكن للشئ ملكوت يقوم به لما كان شئ والملكوتات قائمة بيد قدرته { واليه ترجعون } بالاختيار القبول وبالاضطرار اهل الرد عصمنا الله من الرد بفضله وسعة كرمه اه
وعن ابن عباس رضى الله عنهما كنت لا اعلم ما روى فى فضل يس وقراءتها كيف خصت به فاذا انه لهذه الآية وفى الحديث « اقرأوا سورة يس على موتاكم » قال الامام وذلك لان الانسان حينئذ ضعيف القوة وكذا الاعضاء لكن القلب يكون مقبلا على الله تعالى بكليته قاذا قرئ عليه هذه السورة الكريمة تزداد قوة قلبه ويشتد تصديقه بالاصول فيزداد اشراق قلبه بنور الايمان وتتقوى بصيرته بلوامع العرفان انتهى
يقول الفقير اغناه الله القدير وايضا ان المشرف على النزع يناسبه خاتمة السورة اذ الملكوت الذى هو الروح القائم هو به وسر الفائض عليه من ربه يرجع الى اصله حينئذ وينسلخ عن عالم الملك وقتئذ واليه الاشارة بالقول المذكور لابن عباس رضى الله عنهما وفى الحديث « ان لكل شئ قلبا وقلب القرآن يس »
خدايت لشكرى داده زقرآن ... بس آنكه قلب آن لشكر زيس
قيل انما جعل يس قلب القرآن اى اصله ولبه لان المقصود الا هم من انزال الكتب بيان انهم يحشرون وانهم جميعا لديه محضرون وان المطيعين يجازون باحسن ما كانوا يعملون ويمتاز عنهم المجرمون وهذا كله مقرر فى هذه السورة بابلغ وجه واتمه
ونقل عن الغزالى انه انما كانت قلب القرآن لان الايمان صحته بالاعتراف بالحشر والنشر وهذا المعنى مقرر فيها بابلغ وجه فشابهت القلب الذى يصح به البدن
وقال ابو عبد الله القلب امير على الجسد وكذلك يس امير على سائر السور موجود فيه كل شئ .(11/422)
ويجوز ان يقال فى وجه شبهه بالقلب انه لما كان القلب غائبا عن الاحساس وكان محلا للمعانى الجليلة وموطنا للادراكات الخفية والجلية وسببا لصلاح البدن وفساده شبه الحشر به فانه من عالم الغيب وفيه يكون انكشاف الامور والوقوف على حقائق المقدور وبملاحظته واصلاح اسبابه تكون السعادة الابدية وبالاعراض عنه وافساد اسبابه يبتلى بالشقاوة السرمدية
وقال النسفى يمكن ان يقال فى كونه قلب القرآن ان هذه السورة ليس فيها الا تقرير الاصول الثلاثة الوحدانية والرسالة والحشر وهو الذى يتعلق بالقلب والجنان واما الذى باللسان والاركان ففى غير هذه السورة فلما كان فيها اعمال القلب لا غير سماها قلبا . وآخر الحديث المذكور « من قرأها يريد بها وجه الله غفر الله له واعطى من الاجر كأنما قرأ القرآن ثنتين وعشرين مرة وايما مسلم قرئ عنده اذا نزل به ملك الموت يس نزل بكل حرف منها عشرة املاك يقومون بين يديه صفوفا يصلون عليه ويستغفرون له ويشهدون غسله ويتبعون جنازته ويصلون عليه ويشهدون دفنه وايما مسلم قرأ يس وهو فى سكراته لم يقبض ملك الموت روحه حتى يجيئه رضوان بشربة من الجنة يشربها وهو على فراشه ويقبض روحه وهو ريان ويمكث فى قبره وهو ريان ولا يحتاج الى حوض من حياض الانبياء حتى يدخل الجنة وهوريان » وفى الحديث « ان فى القرآن لسورة تشفع لقارئها ويغفر لسامعها تدعى فى التوراة المعمة » قيل يا رسول الله وما المعمة قال « تعم صاحبها بخير الدارين وتدفع عنه اهاويل الآخرة وتدعى الدافعة والقاضية » قيل يا رسول الله وكيف ذلك قال « تدفع عن صاحبها كل سوء وتقضى له كل حاجة » وفى الحديث « من قرأها عدلت له عشرين حجة ومن سمعها كان له ثواب صدقة الف دينار فى سبيل الله ومن كتبها ثم شربها ادخلت جوفه الف دواء والف نور والف بركة والف رحمة ونزع منه كل داء وغل » وفى الحديث « من قرأ سورة يس فى ليلة اصبح مغفور له »
وعن يحيى بن كثير قال بلغنا انه من قرأ يس حين يصبح لم يزل فى فرح حتى يمسى ومن قرأها حين يمسى لم يزل فى فرح حتى يصبح وفى الحديث « اقرأوا يس فان فيها عشر بركات ما قرأها جائع الاشبع وما قرأها عار الا اكتسى وما قرأها اعزب الا تزوج وما قرأها خائف الا أمن وما قرأها مسجون الا فرج وما قرأها مسافر الا اعين على سفره وما قرأها رجل ضلت له ضاله الا وجدها وما قرئت عند ميت الا خفف عنه وما قرأها عطشان الا روى وما قرأها مريض الا برئ » وفى الحديث « يس لما قرئت له »(11/423)
وفى الحديث « من دخل المقابر وقرأ سورة يس خفف عنهم يؤمئذ وكان له بعدد من فيها حسنات »
وفى ترجمة الفتوحات [ وجون ببالين محتضر حاضر شوى سورة يس بخوان شيخ اكبر قدس سره ميفرما يدكه وقتى بيمار بودم ودرين مرض مراغشيانى شد بحدى كه مرا از جملة مردكان شمردند دران حالت قومى ديدم منظر هاى كريه وصورتهاى قبيح ميخواستند كه بمن اذيتى رسانند وشخصى ديدم بغايت خوب روى باقوت تمام وازوى بوى خوش مى آمد آن طائفه را ازمن دفع كرد وتابدان حدكه ايشانرا مقهور كردانيد اورا برسيدم توكيستى كفت من سورة يس ام ازتو دفع ميكنم جون ازان حالت بهوش آمدم بدر خودرا ديدم كه ميكريست وسورة يس ميخواند دران لحظه ختم كرد اورا از آنجه مشاهده كرده بودم خبر دادم وبعد ازان بمدتى از رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن رسيدكه ( اقرأوا على موتاكم يس )
قال الامام اليافعى قد جاء فى الحديث « ان عمل الانسان يدفن معه فى قبره فان كان العمل كريما اكرم صاحبه وان كان لئيما آلمه » اى ان كان عملا صالحا وبشره ووسع عليه قبره ونورّه وحماه من الشدائد والاهوال وان كان عملا سيئا فزع صاحبه وروّعه واظلم عليه قبره وضيقه وعذبه وخلى بينه وبين الشدائد والاهوال والعذاب والوبال كما جاء فى المثنوى
در زمانه مرترا سه همره اند ... آن يكى وافى واين يك غد رمند
آن يكى ياران وديكر رخت ومال ... وآن سوم وافيست وان حسن الفعال
مال نايد باتو بيرون از قصور ... يار آيد ليك آيد تابكور
جون ترا روز اجل آيد به ييش ... يار كويد از زبان حال خويش
تابد نيجا بيش همره نيستم ... بر سر كورت زمانى بيستم
فعل تو وافيست زوكن ملتحد ... كه در آيد باتو در قعر لحد
بس يمير كفت بهر اين طريق ... باو فاتر از عمل نبود وفيق
كربود نيكوابد يارت شود ... وربود بد در لحد مارت شود
وعن بعض الصالحين فى بعض بلاد اليمن انه لما دفن بعض الموتى وانصرف الناس سمع فى القبر صوتا ودقا عنيفا ثم خرج من القبر كلب اسود فقال له الشيخ الصالح ويحك أى شئ انت فقال انا عمل الميت قال فهذا الضرب فيك ام فيه قال فى وجدت عنده سورة يس واخواتها فاحلت بينه وبينى وضربت وطردت
قال اليافعى قلت لما قوى عمله الصالح غلب عمله الصالح وطرد عنه بكرم الله ورحمته ولو كان عمله القبيح اقوى لغلبه وافزعه وعذبه نسأل الله الكريم الرحيم لطفه ورحمته وعفوه وعافتيه لنا ولا حبابنا ولا خواننا المسلمين اللهم اجب دعانا بحرمة سورة يس(11/424)
وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1)
{ والصافات صفا } الواو للقسم والصافات جمع صافة بمعنى جماعة فالصافات بمعنى الجماعات الصافات ولو قيل والصافين وما بعدها بالتذكير لم يحتمل الجماعات . والصف ان يجعل الشئ على خط مستقيم كالناس والاشجار : [ وبالفارسية [ رسته كردن ] ] تقول صففت القوم من باب ردّ فاصطفوا اذا اقمتم على خط مستو لاداء الصلاة او لاجل الحرب . اقسم الله سبحانه بالملائكة الذين يصفون للعبادة فى السماء ويتراصون فى الصف اى بطوائف الملائكة الفاعلات للصفوف على ان المراد ايقاع نفس الفعل من غير قصد الى المفعول واللاتى يقفن صفا صفا فى مقام العبودية والطاعة : وبالفارسية [ وبحق فرشتكان صف بركشيده در مقام عبوديت صف بركشيدنى ] او الصافات انفسها اى الناظمات لها فى سلك الصفوف بقيامها فى مواقف الطاعة ومنازل الخدمة وفى الحديث « ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم » قلنا وكيف تصف الملائكة عند ربهم قال « يمتون الصفوف المقدّمة ويتراصون فى الصف » [ التراص : نيك در يكديكر بايستادن ]
وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه اذا اراد ان يفتح بالناس الصلاة قال استووا تقدم يا فلان تأخر يا فلان ان الله عز وجل يرى لكم بالملائكة اسوة يقول والصافات صفا : يعنى [ خداى تعالى مى نمايد برشمارا به بملائكة اقتدا كويد ] والصافات صفا
وعن ابن عباس رضى الله عنهما ترد الملائكة صفوفا صفوفا لا يعرف كل ملك منهم من الى جانبه لم يلتفت منذ خلقه الله تعالى
وفى القاموس والصافات صفا الملائكة المصطفون فى الهواء يسبحون ولهم مراتب يقومون عليها صفوفا كما يصطف المصلون انتهى
وقال بعضهم الصافات اجنحتها فى الهواء منتظرة لامر الله تعالى فيما يتعلق بالتدبير وقيل غير ذلك وقوله تعالى فى اواخر هذه السورة { وانا لنحن الصافون } يحتمل الكل
قال بعض الكبار الملائكة على ثلاثة اصناف مهيمون فى جلال الله تعالى تجلى لهم فى اسمه الجليل فهيمهم وافناهم عنهم فلا يعرفون نفوسهم ولا من هاموا فيه وصنف مسخرون ورأسهم القلم الا على سلطان عالم التدوين والتسطير وصنف اصحاب التدبير للاجسام كلها من جميع الاجناس كلها وكلهم صافون فى الخدمة ليس لهم شغل غيرما امروا به وفيه لذتهم وراحتهم
وفى الآية بيان شرف الملائكة حيث اقسم بهم وفضل الصفوف وقد صح ان الشيطان يقف فى فرجة الصف فلا بد من التلاصق والانضمام والاجتماع ظاهرا وباطنا(11/425)
فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2)
{ فالزاجرات زجرا } يقال زجرت البعير اذا حثثته ليمضى وزجرت فلانا عن سوء فانزجر اى نهيته فانتهى فزجر البعير كالحث له وزجر طرد بصوت ثم يستعمل فى الطرد تارة وفى الصوت اخرى
وفى تاج المصادر [ الزجر : تهديد كردن وبانك برستور زدن تابرود ] اى الفاعلات للزجر اتو الزاجرات لما نيط بها زجره من الاجرام العلوية والسفلية وغيرها على وجه يليق بالمزجور ومن جملة ذلك زجر العباد عن المعاصى وزجر الشيطان عن الوسوسة والاغواء وعن استراق السمع كما سيأتى
قال بعضهم يعنى الملائكة الذين يزجرون السحاب يؤلفونه ويسوقونه الى البلد الذى لا مطر به(11/426)
فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3)
{ فالتاليات ذكرا } مفعول التاليات واما صفا وزجرا فمصدران مؤكدان لما قبلهما بمعنى صفا بديعا وزجرا بليغا اى التاليات ذكرا عظيم الشأن من آيات الله وكتبه المنزلة على الانبياء عليهم السلام وغيرهما من التسبيح والتقديس والتحميد والتمجيد . او المراد بالمذكورات نفوس فى مواطن الحرب كأنهم بنيان مرصوص . او طوائف قوادهم الصافات لهم فيها الزاجرات الخيل للجهاد سوقا والعدو فى المعارك طردا التاليات آيات الله وذكره وتسبيحه فى تضاعيف ذلك لايشغلهم عن الذكر مقابلة العدوّ وذلك لكمال شهودهم وحضورهم مع الله وفى الحديث « ثلاثة اصوات يباهى الله بهن الملائكة الاذان والتكبير فى سبيل الله ورفع الصوت بالتلبية » او نفوس العابدين الصفات عند اداء الصلاة بالجماعة الزاجرات الشياطين بقراءة اعوذ بالله من الشيطان الرجيم التاليات القرآن بعدها
ويقال فالتاليات ذكرا اى الصبيان يتلون فى الكتاب فان الله تعالى يحول العذاب عن الخلق ما دامت تصعد هذه الاربعة الى السماء اولها اذان المؤذنين . والثانى تكبير المجاهدين . والثالث تلبية الملبين . والرابع صوت الصبيان فى الكتاب [ صاحب تأويلات فرموده كه سوكند ميخورد بنفوس سالكان طريق توحيد كه در مواقف مشاهده صف بركشيده دواعى شيطانى ونوازع شهوات نفسانى را زجرى نمايند وبانواع ذكر لسانى يا قلبى يا سرى يا روحى بحسب احوال خود اشتغال ميفرمايند ]
وفى التأويلات النجمية { والصافات صفا } يشير الى صفوف الارواح وجاء انهم لما خلقوا قبل الاجساد كانوا فى اربعة صفوف . كان الصف الاول ارواح الانبياء والمرسلين . وكان الصف الثانى ارواح الاولياء والاصفياء . وكان الصف الثالث ارواح المؤمنين والمسلمين . وكان الصف الرابع ارواح الكفار والمنافقين { فالزاجرات زجرا } هل الالهامات الربانية الزاجرات للعوام عن المناهى والخواص عن رؤية الطاعات والاخص عن الالتفات الى الكونين { فالتاليات ذكرا } هم الذاكرون الله تعالى كثيرا والذاكرات انتهى
وهذه الصفات ان اجريت ثم للتلاوة او على العكس وان اجريت كل واحدة منهن على طوائف معينة فهو للدلالة على ترتب الموصوفات فى مراتب الفضل بمعنى ان طوائف الصافات ذوات فضل والزاجرات افضل والتاليات ابهر فضلا او على العكس
وفى تفسير الشيخ وغيره وجاء بالفاء للدلالة على ان القسم بمجموع المذكورات(11/427)
إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4)
{ ان الهكم } يا اهل مكة فان الآية نزلت فيهم اذ كانوا يقولون بطريق التعجب أجعل الآلهة الها واحدا او يا بنى آدم : وبالفارسية [ وبدرستى كه خداى شمادر ذات وحدانيت خود ] { لواحد } لا شريك له فلا تتخذوا آلهة من الاصنام والدنيا والهوى والشيطان . والجملة جواب للقسم والفائدة فيه مع ان المؤمن مقر من غير حلف والكافر غير مقرّ ولو بالحلف تعظيم القسم به واظهار شرفه وتأكيد المقسم عليه على ما هو المألوف فى كلامهم وقد انزل القرآن على لغتهم وعلى اسلوبهم فى محاوراتهم
وقيل تقدير الكلام فيها وفى مثلها ورب الصافات ورب التين والزيتون
وفى المفردات الوحدة الانفراد والواحد فى الحقيقة هو الشئ الذى لا جزء له البتة ثم يطلق على كل موجود حتى انه ما من عدد الا ويصح وصفه به فيقال عشرة واحدة ومائة واحدة
فالواحد لفظ مشترك يستعمل فى خمسة اوجه . الاول ما كان واحدا فى الجنس اوفى النوع كقولنا الانسان والفرس واحد فى الجنس وزيد وعمرو واحد فى النوع . والثانى ما كان واحدا بالاتصال اما من حيث الخلقة كقولك شخص واحد واما من حيث الصناعة كقولك حرفة واحدة . والثالث ما كان واحدا لعدم نظيره اما فى الخلقة كقولك الشمس واحدة واما فى دعوى الفضيلة كقولك فلان واحد دهره وكقولك هو نسيج وحده . والرابع ما كاتن واحد الامتناع التجزى فيه اما الصغرة كالهباء واما لصلابته كالماس . والخامس للمبتدأ اما لمبدأ العدد كقولك واحد اثنين واما لمبدأ الخط كقولك النقطة الواحدة والوحدة فى كلها عارضة فاذا وصف الله عز وجل بالواحد فمعناه هو الذى لا يصح عليه التجزى ولا التكثر ولصعوبة هذه الوحدة قال الله تعالى { واذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة } انتهى
قال الغزالى رحمه الله الواحد هو الذى لا يتجزى ولا يثنى
اما الذى لا يتجزئ فكالجواهر الواحد الذى لا ينقسم فيقال انه واحد بمعنى انه لا جزء له وكذا النقطة لا جزء لها والله تعالى واحد بمعنى انه يستحيل تقدير الانقسام على ذاته
واما الذى لا يثنى فهو الذى لا نظير له كالشمس مثلا فانها وان كانت قابلة للقسمة بالوهم متجزئة فى ذاتها من قبيل الاجسام فهى لا نظير لها الا انه يمكن لها نظير فما فى الوجود موجود ينفرد بخصوص وجود الا ويتصور ان يشاركه فيه غيره الا الله تعالى فانه الواحد المطلق ازلا وابدا فالعبد انما يكون واحدا اذا لم يكن فى ابناء جنسه نظير له فى خصلة من خصال الخير وذلك بالاضافة الى ابناء جنسه وبالاضافة الى الوقت اذ يمكن ان يظهر فى وقت آخر مثله وبالاضافة الى بعض الخصال دون الجميع فلا وحدة على الاطلاق الا الله تعالى انتهى .(11/428)
ولا يوحده تعالى حق توحيده الا هو اذ كل شئ وحده اى اثبت وجوده وفعله بتوحيده فقد جحده باثبات وجود نفسه وفعله واليه الاشارة بقول الشيخ ابى عبد الله الانصارى قدس سره تعالى
ما وحد الواحد من واحد ... اذ كل من ينعته جاحد
فاذا فنى الوجود المجازى صح التوحيد الحقيقى الذاتى وكل شئ من الاشياء عين مرآة توحيده كما قالوا
ففى كل شئ له آية ... تدل على انه واحد
وذلك لان كل شئ واحد بهويته او بانتهائه الى الجزء الذى لا يتجزئ او بغير ذلك
تادم وحدت زدى حافظ شوريده حال ... خامة توحيد كش برورق اين وآن
قال الشيخ الزروقى فى شرح الاسماء من عرف انه الواحد افرد قلبه له فكان واحدا به وقد فسر قوله عليه السلام « ان الله وتر يحب الوتر » يعنى القلب المنفرد له
وخاصة هذا الاسم الواحد اخراج الكون من القلب فمن قرأه الف مرة خرج الخلائق من قلبه فكفى خوف الخلق وهو اصل كل بلاء فى الدنيا والآخرة وسمع عليه السلام رجلا يقول فى دعائه اللهم انى اسألك باسمك الله الواحد الاحد الفرد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد فقال « سأل الله باسمه الا عظم الذى اذا دعى به اجاب واذا سئل به اعطى »
وفى الاربعين الادريسية يا واحد الباقى اول كل شئ وآخره
قال السهرودى يذكره من تواليت عليه الافكار الرديئة فتذهب عنه وان قرأه الخائف من السلطان بعد صلاة الظهر خمسمائة مرة فانه يأمن ويفرج همه ويصادقه اعداؤه(11/429)
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5)
{ رب السموات والارض وما بينهما } خبر ثان لان اى مالك السموات والارض وما بينهما من الموجودات ومربيها ومبلغها الى كمالاتها { ورب المشارق } اى مشارق الشمس وهى ثلاثمائة وستون مشرقا تشرق كل يوم من مشرق منها وبحسبها تختلف المغارب ولذلك اكتفى بذكرها يعنى اذا كانت المشارق بهذا العدد تكون المغارب ايضا بهذا العدد فتغرب فى كل يوم من مغرب منها واما قوله تعالى { رب المشرقين ورب المغربين } فهما مشرقا الصيف والشتاء ومغرباهما وقوله رب المشرق والمغرب اراد به الجهة فالمشرق جهة والمغرب جهة واعادة الرب فى المشارق لغاية ظهور آثار الربوبية فيها وتجددها كل يوم كما ذكر آنفا . تلخيصه هو رب جميع الموجودات وربوبيته لذاته لا لنفع يعود اليه بخلاف تربية الخلق والربوبية بمعنى المالكية والخالقية ونحوهما عامة وبمعنى التربية خاصة بكل نوع بحسبه فهو مربى الاشباح بانواع نعمه ومربى الارواح بلطائف كرمه ومربى نفوس العابدين باحكام الشريعة ومربى قلوب المشتاقين بآداب الطريقة ومربى اسرار المحبين بانوار الحقيقة والرب عنوان الادعية فلا بد للداعى من استحضاره لسانا وقلبا حتى يستجاب فى دعائه اللهم ربنا انك انت الواحد وحدة حقيقة ذاتية لا انقسام لك فيها فاجعل توحيدنا توحيدا حقانيا ذاتيا سريا لامجازية فيه وانك انت الرب الكريم الرحيم فكما انك ربنا وخالقنا فكذا مر بينا ومولينا فاجعلنا فى تقلبات انواع نعمك شاغلين بك فارغين عن غيرك واوصل الينا من كل خيرك(11/430)
إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6)
{ انا زينا السماء الدنيا } اى القربى منكم ومن الارض واما بالنسبة الى العرش فهى البعدى . والدنيا تأنيث الادنى بمعنى الاقرب { بزينة } عجيبة بديعة { الكواكب } بالجر بدل من زينة على ان المراد بها الاسم اى ما يزان به لا المصدر فان الكواكب بانفسها واوضاع بعضها عن بعض زينة وأى زينة
وفيه اشارة الى ان الزينة التى تدرك بالبصر يعرفها الخاصة والعامة والى الزينة التى يختص بمعرفتها الخاصة وذلك احكاماه وسيرها والكواكب معلقة فى السماء كالقناديل او مكوكبة عليها كالمسامير على الابواب والصناديق وكون الكواكب زينة للسماء الدنيا لا يقتضى كونها مركوزة فى السماء الدنيا ولا ينافى كون بعضها مركوزة فيما فوقها من السموات لان السموات اذا كانت شفافة واجراما صافية فالكواكب سواء كانت فى السماء الدنيا او فى سماوات اخرى فهى لا بد وان تظهر فى السماء الدنيا وتلوح منها فتكون سماء الدنيا مزينة بالكواكب
والحاصل ان المراد هو التزيين فى رأى العين سواء كانت اصول الزينة فى سماء الدنيا او فى غيرها وهذا مبنى على ما ذهب اليه اهل الهيئة من ان الثوابت مركوزة فى الفلك الثامن وما عدا القمر فى السنة المتوسطة وان لم يثبت ذلك فحقيقة العلم عند الله تعالى(11/431)
وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7)
{ وحفظنا } منصوب بعطفه على زينة باعتبار المعنى كأنه قيل انا خلقنا الكواكب زينة للسماء وحفظا برمى الشهب { من كل شيطان مارد } اى خارج عن الطاعة متعر عن الخير من قولهم شجر امرد اذا تعرى من الورق ومنه الامرد لتجرده عن الشعر
وفى التأويلات النجمية قوله { انا زينا } الخ يشير الى الرأس فانه بالنسبة الى البدن كالسماء مزين { بزينة الكواكب } الحواس وايضا زين سماء الدينا بالنجوم وزين قلوب اوليائه بنجوم المعارف والاحوال وكما حفظ السموات بان جعل النجوم للشياطين رجوعا كذلك زين القلوب بانوار التوحيد فاذا قرب منها الشياطين رجموهم بنور معارفهم كما قال { وحفظنا من كل شيطان مارد } يعنى من شياطين الانس
وحكى ان ابا سعيد الخراز قدس سره رأى ابليس فى المنام فاراد ان يضربه بالعصا فقال يا ايا سعيد انا لا اخاف العصا وانما اخاف من شعاع شمس المعرفة
بسوزد نور باك اهل عرفان دير نارى را ...(11/432)
لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8)
{ لا يسمعون الى الملأ الاعلى } اصل يسمعون يتسمعون فادغمت التاء فى السين وشددت والتسمع وتعديته بالى لتضمنه معنى الاصغاء . والملأ جماعة يجتمعون على رأى فيملأون العيون رواء والنفوس جلالة وبهاء والملأ الاعلى الملائكة او اشرافهم او الكتبة وصفوا بالعلو لسكونهم فى السموات العلى والجن والانس هم الملأ الاسفل لانهم سكان الارض وهذا كلام مبتدأ مسوق لبيان حالهم بعد بيان حفظ السماء منهم مع التنبيه على كيفية الحفظ وما يعتريهم فى اثناء ذلك من العذاب . والمعنى لا يتطلبون السماء والاصغاء الى الملائكة الملكوتية : يعنى [ ملائكة كه مطلع اند بر بعضى از اسرار لوح بايكديكر ميكويند ايشانرا نمى شنوند بلكه طاقت شنودن وكوش فرانهادن ندارند ] { ويقذفون } القذف الرمى البعيد ولاعتبار البعد فيه قيل منزل قذف وقذيف بحجر رميت اليه حجرا ومنه قذفه بالفجور اى يرمون : وبالفارسية [ وانداخته مى شوند ] { من كل جانب } من جميع جوانب السماء اذا قصدوا الصعود اليها(11/433)
دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9)
{ دحورا } علة للقذف اى للدحور وهو طرد يقال دحره دحرا ودحورا اذا طرده وابعده { ولهم } فى الآخرة غير ما فى الدنيا من عذاب الرجم بالشهب { عذاب واصب } دائم غير منقطع من وصب الامر وصوبا اذا دام
قال فى المفردات الوصب السقم اللازم(11/434)
إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)
{ الا من خطف الخطفة } استثناء من واو يسمعون ومن بدل منه . والخطف الاختلاس بسرعة والمراد اختلاس الكلام اى كلام الملائكة مسارقة كما يعرب عنه تعريف الخطفة اى لا يسمع جماعة الشياطين الا الشيطان الذى خطف اى اختلس الخطفة اى المرة الواحدة يعنى كلمة واحدة من كلام الملائكة : وبالفارسية [ وانرا قوت استماع كلام ملائكة نيست مكر كسى كه درربايد يك ربودن يعنى بد زدد سخنى ازفرشته ] { فاتبعه } اى طبعه ولحقه : وبالفارسية [ بس ازبى در آيد اورا ]
قال ابن الكمال الفرق بين اتبعه انه يقال اتبعه اتباعا اذا طلب الثانى اللحوق بالاول وتبعه تبعا اذا مر به ومضى معه { شهاب }
قال فى القاموس الشهاب ككتاب شعلة من نار ساطعة انتهى والمراد هنا ما يرى منقضا من السماء { ثاقب }
قال فى المفردات الثاقب النير المضيء يثقب بنوره واضاءته ما يقع عليه انتهى
اى مضئ فى الغاية كأنه يثقب الجو بضوئه يرجم به الشياطين اذا صعدوا لاستراق السمع
وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نفر من اصحابه اذرمى بنجم فاستنار فقال عليه السلام « ما كنتم تقولون لمثل هذا فى الجاهلية » فقالوا يموت عظيم او يولد عظيم فقال « انه لا يرمى لموت احد ولا لحياته ولكن الله اذا قضى امرا يسبحه حملة العرش واهل السماء السابعة يقولون » اى اهل السماء السابعة ( لحملة العرش ماذا قال ربكم فيخبرونهم فيستخبر اهل كل سماء اهل سماء حتى ينتهى الخبر الى السماء الدنيا فيتخطب الجن فيرمون فما جاؤا به على وجهه فهو حق ولكنهم يزيدون فيه ويكذبون فما ظهر صدقه فهو من قسم ما سمع من الملائكة وما ظهر كذبه فهو من قسم ما قالوه ) قيل كان ذلك فى الجاهلية ايضا لكن غلظ المنع وشدّد حيث بعث النبى عليه السلام . قيل هيئة استراقهم ان الشياطين يركب بعضهم بعضا الى السماء الدنيا فيسمع من فوقهم الكلام فيلقيه الى من تحته ثم هو يلقيه الى الآخر حتى الى الكاهن فيرمون بالكوكب فلا يخطئ ابدا فمنهم من يقتل ومنهم من يحرق بعض اعضائه واجزائه ومنهم من يفسد وعقله وربما ادركه الشهاب قبل ان يلقيه وربما القاه قبل ان يدركه ولاجل ان يصيبهم مرة ويسلمون اخرى لا يرتدعون عن الاستراق بالكلية كراكب البحر للتجارة فانه قد يصيبه الموج وقد لا يصيبه فلذا يعود الى ركوب البحر رجاء السلامة
ولا يقال ان الشيطان من النار فلا يحترق لانه ليس من النار الصرف كما ان الانسان ليس من التراب الخالص مع ان النار القوية اذا استولت على الضعيفة استهلكتها ثم ان المراد بالشهاب شعلة نار تنفصل من النجم لا انه النجم لا انه النجم نفسه لانه قار فى الفلك على حاله
وقالت الفلاسفة ان الشهب انما هى اجزاء نارية تحصل فى الجو عند ارتفاع الابخرة المتصاعدة واتصالها بالنار التى دون الفلك انتهى
وقال بعض كبار اهل الحقيقة لولا الاثير الذى هو بين السماء والارض ما كان حيوان ولا نبات ولا معدن فى الارض لشدة البرد الذى فى السماء الدنيا فهو يسخن العالم لتسرى فيه الحياة بتقدير العزيز العليم وهذا الاثير الذى هو ركن النار متصل بالهواء والهواء حار رطب ولما فى الهواء من الرطوبة اذا اتصل بهذا الاثير اثر فيه لتحركه اشتعالا فى بعض اجزاء الهواء الرطبة فبدت الكواكب ذوات الاذنات لانها هواء محترق لا مشتعل وهى سريعة الاندفاع وان اردت تحقيق هذا فانظر الى شرر النار اذا ضرب الهواء النار بالمروحة يتطاير منها شرر مثل الخيوط فى رأى العين ثم تنطفئ كذلك هذه الكواكب وقد جعلها رجوما للشياطين الذين هم كفار الجن كما قال الله تعالى انتهى كلامه قدس سره
قال بعضهم لما كان كل نير يحصل فى الجو مصابيح لاهل الارض فيجوز ان تنقسم الى ما تكون باقية على وجه الجهر آمنة من التغير والفساد وهى الكواكب المركوزة فى الافلاك والى ما لا تبقى بل تضمحل وهو الحادث بالبخار الصاعد على ما ذهب اليه الفلاسفة او بتحريك الهواء الاثير واشعاله على ما ذهب اليه بعض الكبار فلا يبعد ان يكون هذا الحادث رجما للشيطان
يقول الفقير اغناه الله القدير قول بعض الكبار يفيد حدوث الكواكب ذوات الاذناب من التحريك المذكور وهى الكواكب المنقضة سواء كانت ذوات اذناب اولا وهذا لا ينافى ارتكاز الكواكب الغير الحادثة فى افلاكها او تعليقها فى السماء او بايدى الملائكة كالقناديل المعلقة فى المساجد او كونها ثقبا فى السماء او عروقا نيرة من الشمس على ما ذهب الى كل منها طائفة من اهل الظاهر والحقيقة
قال قتادة جعل الله النجوم لئلا زينة للسماء ورجوما للشياطين وعلامات يهتدى بها فمن تأول فيها غير ذلك فقد تكلف ما لا علم كالملأ الا على فى الاشتغال بشانه(11/435)
كاه كويى اعوذ وكه لاحول ... ليك فعلت بود مكذب قول
بحقيقت بسوز شيطانرا ... ساز از نور حال درمانرا(11/436)
فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (11)
{ فاستفتهم } خطاب للنبى عليه السلام والضمير لمشركى مكة [ والاسفتاء : فتواى خواستن ] والفتيا والفتوى الجواب عما يشكل من الاحكام يقال استفتيته فافتانى بكذا
قال بعضهم الفتوى من الفتى وهو الشاب القوى وسمى الفتوى فتوى لان المفتى يقوى السائل فى جواب الحادثة وجمعه فتاوى بالفتح والمراد بالاستفتاء هنا الاستخبار كما فى قوله تعالى فى قصة اهل الكهف { ولا تستفت فيهم منهم احدا } وليس المراد سؤال الاستفهام بل التوبيخ . والمعنى فاستخبر يا محمد مشركى مكة توبيخا واسألهم سؤال محاجة { أهم } [ آيا ايشان ] { اشد خلقا } اقوى خلقة وامتن بنية او اصعب على الخالق خلقا او اشق ايجادا { ام من } اى ام الذى { خلقنا } من الملائكة والسماء والارض وما بينهما والمشارق والكواكب والشهب الثواقب والشياطين المردة ومن لتغلب العقلاء على غيرهم { انا خلقناهم } اى خلقنا اصلهم وهو آدم وهم من نسله { من طين لازب } لاصق يلصق ويعلق باليد لا رمل فيه
قال فى المفردات اللازب الثابت الشديد الثبوت ويعبر باللازب عن الواجب فيقال ضربة لازب اهو والباء بدل من الميم والاصل لازم مثل مكة وبكة كما فى كشف الاسرار والمراد اثبات المعاد ورد استحالتهم وتقريره ان استحالة المعاد اما لعدم قابلية المادة ومادتهم الاصلية هى الطين اللازب الحاصل من ضم الجزء المائى الى الجزء الارضى وهما باقيان قابلان الانضمام بعد واما لعدم قدرة الفاعل وهو باطل فان من قدر على خلق هذه الاشياء العظيمة قادر على ما يعتد به بالاضافة اليها وهو خلق الانسان واعادته سيما ومن الطين اللازب بدأهم وقدرته ذاتية لا تتغير فهى بالنسبة الى جميع المخلوقات على السواء [ بس هركاه خورشيد قدرت ازافق ارادت طلوع نمايد ذرات مقدورات درهواى ابداع وفضاى اختراع بجلوه در آيند ] قدس سره
كاينك زعدم سوى وجود آمده ايم ... قال الشيخ سعدى قدس سره
بامرش وجود ازعدم نقش بست ... كه داند جزاو كردن ازنيست هست
دكرره بكتم عدم در برد ... واز آنجا بصحراى محشر برد
وفى الآية اشارة الى انه تعالى اودع فى الطينة الانسانية خصوصية لزوب ولصوق يلصق بكل شئ صادقة فصادف قوما الدنيا فلصقوا بها وصادف قوما الآخرة فلصقوا بها وصادف قوما نفحات الطاف الحق فلصقوا بها فاذابتهم وجذبتهم عن انانيتهم بهويتها كما تذيب الشمس الثلج وتجذبه اليها فطوبى لعبد لم يتعلق بغير الله تعالى : قال الحافظ
غلام همت آنم كه زير جرخ كبود ... زهر جه رنك تعلق بذيرد آزادست(11/437)
بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)
{ بل عجبت ويسخرون }
قال سعدى المفتى اضاب عن الامر بالاستفتاء اى لا تستفتهم فانهم معاندون ومكابرون لا ينفع فيهم الاستفتاء وانظر الى تفاوت حالك وحالهم انت تعجب من قدرة الله تعالى على خلق هذه الخلائق العظيمة ومن قدرته على الاعادة وانكارهم للبعث وهم يسخرون من تعجبك وتقريرك للبعث
وقال قتادة عجب نبى الله من هذا القرآن حين انزل وضلال بنى آدم وذلك ان النبى عليه السلام كان يظن ان كل من يسمع القرآن يؤمن به فلما سمع المشركون القرآن فسخروا منه ولم يؤمنوا عجب من ذلك النبى عليه السلام فقال الله تعالى { بل عجبت ويسخرون } والسخرية الاستهزاء والعجب والتعجب حالة تعرض للانسان عند الجهل بسبب الشئ ولهذا قال بعض الحكماء العجب ما لايعرف سببه ولهذا قيل لا يصح على الله التعجب اذهو علام الغيوب لا يخفى عليه خافية . فى صفة الله تعالى قد يكون بمعنى الانكار الشديد والذم كما فى قراءة بل عجبت بضم التاء وقد يكون بمعنى الاستحسان والرضى كما فى حديث « عجب ربكم من شاب ليست له صبوة ونخوة »
وفى فتح الرحمن هى عبارة عما يظهره الله فى جانب المتعجب منه من التعظيم والتحقير حتى يصير الناس متعجب منه انتهى
وسئل الجنيد عن هذه الآية فقال ان الله تعالى لا يعجب من شئ ولكن الله وافق رسوله فقال { وان تعجب فعجب قولهم } اى هو كما تقوله
وفى المفردات بل عجبت ويسخرون اى عجبت من انكارهم البعث لشدة تحققك بمعرفته ويسخرون بجهلهم . وقرأ بعضهم بل عجبت بضم التاء وليس ذلك اضافة التعجب الى نفسه فى الحقيقة بل معناه انه مما يقال عنده عجبت او تكون عجبت مستعارة لمعنى انكرت نحو { أتعجبين من امر الله } انتهى(11/438)
وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13)
{ واذا ذكروا } اى ودأبهم المستمر انهم اذا وعظوا بشئ من المواعظ : وبالمواعظ : وبالفارسية [ وجون بندداده شو ندبه جيزى { لا يذكرون } لا يتعظون : وبالفارسية [ ياد نكنند آنرا وبدان بند بذير نشوند ]
وفيه اشارة الى انهم نسوا الله غاية النسيان بحيث لا يذكرونه واذا ذكروا يعنى بالله تعالى لا يتذكرون(11/439)
وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14)
وا آية } اى معجزة تدل على صدق القائل بالبعث { يستسخرون } [ الاستسخار : افسوس داشتن ] والسين والتاء للمبالغة والتأكيد اى يبالغون فى السخرية والاستهزاء او للطلب على اصله اى يستدعى بعضهم من بعض ان يسخر منها : يعنى [ يكديكررا بسخرية مى خوانند ](11/440)
وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15)
{ وقالوا ان هذا } [ نيست اين كه ماديدم ] ان نافية بمعنى ما وهذا اشارة الى ما يرونه من الآية الباهرة { الا سحر مبين } ظاهر سحريته
وفيه اشارة الى ان اهل الانكار اذا رأوا رجلا يكون آية من آيات الله يسخرون منه ويعرضون عن الايمان به ويقولون لما يأتى به ان هذا الا سحر مبين لانسداد بصائرهم عن رؤية حقيقة الحال بغطاء الانكار ونسبة اهل الهدى الى الضلال
جون نباشد جشم ويرانور جان ... كفت وكوى وجه باقى شدخيال(11/441)
أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16)
{ أئذا } اى أنبعث اذا { متنا } وبالفارسية [ آيا برانكيختان باشيم جون ميريم ما ] { وكنا ترابا } [ وباشيم خاك ] { وعظاما } [ واستخوانهاى بى كوشت وبوست ] اى كان بعض اجزائنا ترابا وبعضها عظاما وتقديم التراب لانه منقلب من الاجزاء البالية { أئنا لمبعوثون } اى لا نبعث فان الهمزة للانكار الذى يراد به النفى وتقديم الظرف لتقوية الانكار للبعث بتوجيهه الى حالة منافية له غاية المنافاة(11/442)
أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17)
{ أو آباؤنا الاولون } الهمزة للاستفهام والواو للعطف وآباؤنا رفع على الابتداء وخبره محذوف عند سيبوية اى وآباؤنا الاولون اى الاقدمون ايضا مبعوثون ومرادهم زيادة الاستبعاد بناء على انهم اقدم فبعثهم ابعد على زعمهم(11/443)
قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18)
{ قل } تبكيتا لهم { نعم وانتم داخرون } نعم بفتحتين يقع فى جواب الاستخبار المجرد من النفى ورد الكلام الذى بعد حرف الاستفهام والخطاب لهم ولآبائهم على التغليب . والدخول اشد الصغار والذلة يقال ادخرته فدخر أى اذللته فذل والجملة حال من فاعل ما دل عليه نعم اى كلكم مبعوثون والحال انكم صاغرون اذلاء على رعم منكم(11/444)
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19)
{ فانما هى زجرة واحدة } لا تحتاج الى نعم الاخرى وهى اما ضمير مبهم يفسره خبره او ضمير البعثة المذكورة فى ضمن نعم لان المعنى مبعوثون والجملة جواب شرط مضمر او تعليل لنهى مقدر اى اذا امر الله بالبعث فانما هى الخ او لا تستصعبوه فانما هى الخ . والزجرة الصيحة من زجر الراعى غنمه او ابله اذا صاح عليها وهى النفخة الثانية { فاذا هم } اذا للمفاجأة والضمير للمشركين
وفى بعض التفاسير للخلائق كلهم اى فاذا هم قائمون من مراقدهم احيا { ينظرون } حيارى او يبصرون كما كانوا او ينتظرون ما يفعل بهم(11/445)
وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20)
{ وقالوا } اى المبعوثون وصيغة الماضى للدلالة على التحقق والتقرر { يا ويلنا } الويل الهلاك اى يا هلاكنا احضر فهذا او ان حضورك
وقال الكاشفى [ اى واى برما ] { هذا يوم الدين } تعليل لدعائهم الويل بطريق الاستئناف اى اليوم الذى نجازى باعمالهم فلما شاهدوا البعث ايقنوا بما بعده ايضا فتقول لهم الملائكة بطريق التوبيخ والتقريع(11/446)
هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)
{ هذا يوم الفصل } اى القضاء او الفرق بين فريقى الهدى والضلال { الذى كنتم به تكذبون } اى كنتم على الاستمرار تكذبون به وتقولون انه كذب ليس له اصل ابدا فيقول الله تعالى للملائكة { احشروا الذين ظلموا } الحشر يجيئ بمعنى البعث وبمعنى الجمع والسوق وهو المراد ههنا دون الاول كما لا يخفى والمراد بالظالمين المشركون من بنى ادم [ جمع كنيدوبهم آريد آنانرا كه ستم كردند برخود بشرك ] { وازواجهم } اى اشباههم من اهل الشرك والكفر والنفاق والعصيان عابد الصنم مع عبدته وعابد الكواكب مع عبدتها واليهود مع اليهود والنصارى مع النصارى والمجوس مع المجوس وغيرهم من الملل المختلفة ويجوز ان يكون المراد بالازواج نساءهم اللاتى على دينهم او قرناءهم من الشياطين كل كافر مع شيطانه فى سلسلة { وما كانوا يعبدون من دون الله } من الاصنام ونحوها زيادة فى تحسرهم وتخجيلهم { فاهدوهم الى صراط الجحيم } الضمير للظالمين وازواجهم ومعبوديهم اى فعرّفوهم طريق جهنم ووجهوهم اليها وفيه تهكم بهم ويقال الظالم فى الآية عام على من ظلم نفسه وغيره فيحشر كل ظالم مع من كان معينا له اهل الخمر مع اهل الخمر الزنى مع اهل الزنى واهل الربا مع اهل الربا وغيرهم كل مع مصاحبه [ درقوت القلوب آورده كه يكى از عبد الله بن مبارك قدس سره برسيدكه من خياطم واحيانا براى ظلمه جامه مى دورم ناكاه ازعوان اشان نباشيم ابن مبارك فرمودنى توكه ازاعوان نيستى بلكه از ظلمانى اعوان ظلمه آنهاند كه سوزن ورشته بتو ميفروشند ]
وفى الفروع ويكره للخفاف والخياط ان يستأجر على عمل من زى الفساق ويأخذ فى ذلك اجرا كثيرا لانه اعانة على المعصية [ نقليست كه يكبار امام اعظم رضى الله عنه را محبوس كردند يكى از ظلمة بيامدكه مراقلمى تراش كن كفت ترسم كه ازان قوم باشم كه حق تعالى ميفرمايد ] { احشروا الذين وظلموا وازواجهم } اى اتباعهم واعوانهم واقرانهم المقتدين بهم فى افعالهم وفى الحديث « امرؤ القيس قائد لواء الشعراء الى النار » كما فى تذكير القرطبى
يار ظالم مباش تانشوى ... روز حشر ازشمارة ايشان
ويروى ان ابن المبارك رؤى فى المنام فقيل له ما فعل بك ربك فقال عاتبنى واوقفنى ثلاث سنة بسبب انى نظرت باللطف يوما الى مبتدع فقال انك لم تعاد عدوى فكيف حال القاعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين
وفى الروضة يجيب دعوة الفاسق والورع ان لا يجيب ويكره للرجل المعروف الذى يقتدى به ان يتردد الى رجل من اهل الباطل وان يعظم امره بين الناس فانه يكون مبتدعا ايضا ويكون سببا لترويج امره الباطل واتباع الناس له فى اعتقاده الفاسد وفعله الكاسد . والحاصل ان ارباب النفوس الامارة كانوا يدلون فى الدنيا على صراط الجحيم من حيث الاسباب من الاقوال والافعال والاخلاق فلذا يحشرون على ما ماتوا وكذلك من اعان صاحب فترة فى فترته او صاحب زلة فى زلته كان مشار كاله فى عقوبته واستحقاق طرده واهانته كما اشتركت النفوس والاجساد فى الثواب والعقاب نسأل الله العمل بخطابه والتوجه الى جنابه والسلوك بتوفيقه والاهتداء الى طريقه انه المعين(11/447)
وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)
{ وقفوهم } قفوا امر من وقفه وقفا بمعنى حبسه لا من وقف وقوفا بمعنى دام قائما فالاول متعد والثانى لازم . والمعنى احبسوا المشركين ايها الملائكة عند الصراط كما قال بطريق التعليل { انهم مسئولون } عما ينطق به(11/448)
مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25)
{ مالكم } [ جيست بشماكه ] { لا تناصرون } حال من معنى الفعل فى مالكم اى ما تصنعون حال كونكم غير متناصرين وحقيقته ما سبب عدم تناصركم وان لا ينصر بعضكم بالتخليص من العذاب كما كنتم تزعمون فى الدنيا كما قال ابو جهل يوم بدر نحن جميع منتصر : يعنى [ ما همه هم يشتيم يكديكرراتا كين كشيم از محمد ] وتأخير هذا السؤال الى ذلك الوقت لانه وقت تنجز العذاب وشدة الجاجة الى النصرة وحالة انقطاع الرجاء منها بالكلية فالتوبيخ والتقريع حينئذ اشد وقعا وتأثيرا وفى الحديث « لا تزال قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن اربعة عن شبابه فيم ابلاه وعن عمره فيم افناه وعن ماله من اين اكتسبه وفيم انفقه وعن عمله ماذا عمل به »
قال بعض الكبار مقام السؤال صعب قوم يسألهم الملك وقوم يسألهم الملك فالذين تسألهم الملائكة اقوام لهم اعمال صالحة تصلح للعرض والكشف واقوام لهم اعمال لا تصلح للكشف وهم قسمان الخواص يسترهم الحق عن اطلاع الخلق عليهم فى الدنيا والآخرة واقوام هم اهل الزلات يخصهم الله تعالى برحمته فلا يفضحهم واما الاغيار والاجانب فيقال لهم كفى بنفسك اليوم عليك حسبا فاذا قرأوا كتابهم يقال لهم فما جزاء من عمل هذا فيقولون جزاؤه النار فيقال لهم ادخلوا بحكمكم كما ان جبرائيل جاء فى الصورة البشر الى فرعونوقال ما جزاء عبد عصى سيده وادعى العلو عليه وقد رباه بانواع نعمه قال جزاؤه الغرق قال اكتب لى فكتب له صورة فتوى فلما كان يوم الغرق اظهر الفتوى وقال كن غريقا بحكمك على نفسك . ويجوز ان يقال لهم فى بعض احوال استيلاء الفزع عليهم ما لكم لا تناصرون فيكون منقطعا عما قبله
قال فى بحر العلوم والآية نص قاطع ينطق بحقية الصراط وهو جسر ممدود على متن جهنم ادق من الشعر واحد من السيف يعبره اهل الجنة وتزل به اقدام اهل النار وانكره بعض المعتزلة لانه لا يمكن العبور عليه وان امكن فهو تعذيب للمؤمنين واجيب بان الله قادر ان يمكن من العبور عليه ويسهله على المؤمنين حتى ان منهم من يجوزه كالبرق الخاطف ومنهم كالريح الهابّة ومنهم كالجود الى غير ذلك : وفى سلسلة الذهب للمولى الجامى
هركه باشد زمؤمن وكافر ... بر سريل كنند شان حاضر
هركه كافر بود جو بنهد باى ... قعر دوزخ بود مرا وراجاى
مؤمنانرا زحق رسد تأييد ... ليك بر قدر قوت توحيد
هركرا بر طريقت نبوى ... ره نبود دست غير راست روى
دوزخ از نور او كند برهيز ... بكذرد همجو برق خاطف تيز
ياجو مرغ بران وباد وزان ... ياجو جيزى دكر سبكترازان
وانكه ضعفى بود در ايمانش ... نبود زان كذشتن آسانش
بلكه دريخ آن كذركه تنك ... باشد اورا بقدر ضعف درنك
ليك يابد خلاص آخر كار ... كرجه بيند مشقت درنك(11/449)
وفى الحديث « اذا اجتمع العالم والعابد على الصراط قيل للعابد ادخل الجنة وتنعم بعبادتك وقيل للعالم قف ههنا فاشفع لمن احببت فانك لا تشفع لاحد الا شفعت فقام مقام الانبياء » وقد جاء فى الفروع رجلان تعلما علما كعلم الصلاة او نحوها احدهما يتعلم ليعلم الناس والآخر يتعلم ليعمل به فالاول افضل لان منفعة تعليم الخلق اكثر لكونه خيرا متعديا فكان هو افضل من الخير اللازم لصاحبه وقد جاء فى الآثار ( ان مذاكرة العلم ساعة خير من احياء الليلة ) خصوصا اذا كان مما يتعلق بالعلم بالله وقد قل اهله فى هذا الزمان وانقطعت مذاكرته عن اللسان لانقطاع ذوق الجنان وانسداد البصيرة والعياذ بالله من الخذلان والحرمان(11/450)
بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26)
{ بل هم اليوم مستسلمون } [ الاستسلام : كردن نهادن ] يقال استسلم للشئ اذا انقاد له وخضع واصله طلب السلامة . والمعنى منقادون ذليلون خاضعون بالاضطرار لظهور عجزهم وانسداد باب الحيل عليهم اسلم بعضهم بعضا وخذله عنه عجز فكل مستسلم غير منتصر كقوم متحابين انكسرت سفينتهم فوقعوا فى البحر فاسلم كل واحد منهم صاحبه الى الهلكة لعجزه عن تنجية نفسه فضلا عن غيره بخلاف حال المتحابين فى الله : قال الحافظ
يار مردان خدا باش كه در كشئ نوح ... هست خاكى كه بآبى نخرد طوفانرا(11/451)
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27)
{ واقبل } حينئذ [ والاقبال : بيش آمدن وروى فراكسى كردن ]
يقال اقبل عليه بوجهه وهو ضد الادبار { بعضهم } هم الاتباع او الكفرة { على بعض } هم الرؤساء او القرناء حال كونهم { يتساءلون } يسأل بعضهم بعضا سؤال توبيخ بطريق الخصومة والجدال ولذا فسر بيتخاصمون كأنه قيل كيف يتساءلون فقيل(11/452)
قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28)
{ قالوا } اى الاتباع للرؤساء او الكفرة للقرناء { انكم كنتم تأتوننا } فى الدنيا { عن اليمين } عن القوة والاجبار فنتجبروننا على الغى والضلال فاتبعناكم خوفا منكم بسبب القهر والقوة وبها يقع اكثر الاعمال . او عن الناحية التى كان منها الحق فتصرفوننا عنها كمات فى المفردات . او عن الجهة التى كنا نأمنكم منها لحلفكم انكم على الحق فصدقناكم فانتم اضللتمونا كما فى فتح الرحمن فاليمين اذا بمعنى الحلف والاول اوفق للجواب الآتى كما فى الارشاد
ويقال من اتاه الشيطان من جهة اليمين اتاه من قبل الدين لتلبيس الحق عليه . ومن اتاه من جهة الشمال اتاه من قبل الشهوات . ومن اتاه من بين يديه اتاه من قبل تكذيب القيامة . ومن اتاه من خلفه اتاه من قبل تخويفه بالفقر على نفسه وعلى من يخلف بعده فلم يصل رحما ولم يؤد زكاة
فى الآية اشارتان . الالوى ان دأب اهل الدنيا انهم يلقون ذنب بعضهم على بعض ويدفعون عن انفسهم ويبرئون اعراض الاخوان من تهمة الذنوب ويتهمون انفسهم بها كما كان عيسى عليه السلام اذا رأى قد سرق شيأ يقول له اسرقت فيقول لا والذى لا اله الا هو فيقول عيسى صدقت وكذبت عيناى . والثانية ان من كان مؤمنا حقيقيا لا يقدر احد على اضلاله ومن كان مؤمنا تقليديا يضل باضلال اهل الهوى والبدع ويزول ايمانه بادنى شبهة كما اشار بنفى الايمان فى الجواب الآتى(11/453)
قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29)
{ قالوا } استئناف بيانى كأنه قيل فماذا قال الرساء او القرناء فقيل قالوا { بل لم تكونوا مؤمنين } اى لم نمنعكم من الايمان بالقوة والقهر او بنحو ذلك بل لم تؤمنوا باختياركم واعرضتم عنه مع تمكنكم منه وآثرتم الكفر عليه(11/454)
وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30)
{ وما كان لنا عليكم من سلطان } من قهر وتسلط نسلب به اختياركم . والسلاطة ايضا منه ما فى الآية ونظائرها { بل كنتم قوما طاغين } مختارين للطغيان مصرين عليه والطغيان مجاوزة الحد فى العصيان(11/455)
فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31)
{ فحق علينا } اى لزم وثبت علينا { قوم ربنا } وهو قوله { لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم اجمعين } { انا لذائقون } اى الساب الذى ورد به الوعيد : وبالفارسية [ بدرستى كه جشندكانيم عذار را دران روز ](11/456)
فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32)
{ فاغويناكم } فدعونا الى الغى والضلال دعوة غير ملجئة فاستجبتم لنا باختياركم الغى على الرشد : وبالفارسية [ بس ما شمارا دعوت كرديم بكمراهى وكثر راهى بجهت آنكه ] { انا كنا غاوين } ثابتين على الغواية فلا عتب علينا فى تعرضنا لاغوائكم بتلك المرتبة من الدعوة لتكونوا امثالنا فى الغواية : وبالفارسية [ ما بوديم كمراهان خواستيم كه شما نيز ما باشيد در مثل است كه خر من سوخته خر من سوخته طلبد ]
من مستم وخواهم كه توهم مست شوى ... تا همجو من سوخته همدست شوى(11/457)
فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33)
{ فانهم } اى الاتباع والمتبوعين { يومئذ } [ آنروز ] { فى العذاب } متعلق بقوله { مشتركون } حسبما كانوا مشركين فى الغواية(11/458)
إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34)
{ انا كذلك } اى مثل ذلك الفعل البديع الذى تقتضيه الحكمة التشريعية وهو الجمع بين الضالين والمضلين فى العذاب { نفعل بالمجرمين } المتناهين فى الاجرام وهم المشركون كما يعرب عنه التعليل(11/459)
إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35)
بقوله تعالى { انهم كانوا اذا قيل لهم } بطريق الدعوة والتلقين بان يقال قولوا { لا اله الا الله يستكبرون } يتعظمون عن القول
وقع ذكر لا اله الا الله فى القرآن فى موضعين . احدهما فى هذه السورة . والثانى فى سورة القتال فى قوله { فاعلم انه لا اله الا الله } وليس فى القرآن لهما ثالث
وفى التلويح لا يخفى ان الاستثناء ههنا بدل من اسم لا على المحل والخبر محذوف اى لا اله موجود فى الوجود الا الله انتهى
قال الهندى ويجوز فى المستثنى النصب على الاستثناء ولا يضعف الا فى نحو لا اله الا الله من حيث انه يوهم وجها ممتنعا وهو الابدال من اللفظ انتهى
قال العصام لان ايهام البدل ههنا من اللفظ ايهام الكفر وبينه وبين قصد المخبر بالتوحيد تناف(11/460)
وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36)
{ ويقولون ائنا } [ آياما ] { لتاركوا آلهتنا } [ ترك كنند كانيم عبادات خداى خودرا ] { لشاعر مجنون } اى لاجل قول شاعر مغلوب على عقله يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم وهمزة الاستفهام للانكار اى ما نحن بتاركى عباة آلهتنا وفى الاصنام : وبالفارسية [ ما بسخن او ترك عبادت اصنام نكنيم ] ولقد كذبوا فى ذلك حيث جننوه وشعروه وقد علموا انه ارجح الناس عقلا واحسنهم رأيا واشدهم قولا واعلاهم كعبا فى المآثر والفضائل كلها واطولهم باعا فى العلوم والمعارف باسرها ويشهد بذلك خطبة ابى طالب فى تزويج خديجة الكبرى فى محضر بنى هاشم ورؤساء مضر على ما سبق فى سورة آل عمران ان عند قوله تعالى { ولقد منّ الله } الآية(11/461)
بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37)
{ بل جاء الحق } اى ليس الامر على ما قالوه من الشعر والجنون بل جاء محمد بالحق وهو التوحيد { وصدق المرسلين } جميعا فى مجيئهم بذلك فما جاء به هو الذى اجمع عليه كافة الرسل فاين الشعر والجنون من ساحته الرفيعة
هركرا در عقل كل باشد كمال ... نيست او مجنون اى شوريده حال(11/462)
إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (38)
{ انكم } بما فعلتم من الاشراك وتكذيب الرسول والاستكبار { لذائقون العذاب الاليم } والالتفات الى الخطاب لاظهار كمال الغضب عليهم(11/463)
وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39)
{ وما تجزون الا ما كنتم تعملون } اى الاجزاء ما كنتم تعملونه من السيآت او الا ما كنتم تعملونه منها
قال ابن الشيخ ولما كان المقام مظنة ان يقال كيف يليق بالكريم الرحيم المتعالى عن النفع والضر ان يعذب عباده اجاب عنه بقوله { وما تجزون } الخ وتقريره ان الحكمة تقتضى الامر بالخير والطاعة والنهى عن القبيح والمعصية ولا يكمل المقصود من الامر والنهى الا فى الترغيب فى الثواب والترهيب بالعقاب ولما وقع الاخبار بذلك وجب تحقيقه صونا للكلام عن الكذب فلهذا السبب وقعوا فى العذاب انتهى
فعلى العاقل ان يحذر من يوم القيامة وجزائه فينتقل من الانكار الى الاقرار ومن الشك الى اليقين ومن الكبر الى التواضع ومن الباطل الى الحق ومن الفانى الى الباقى ومن الشرك الى التوحيد ومن الرياء الى الاخلاص
وسئل عن على رضى الله عنه ما علامة المؤمن قال اربع . ان يطهر قلبه من الكبر والعداوة . وان يطهر لسانه من الكذب والغيبة . وان يطهر قلبه من الرياء والسمعة . وان يطهر جوفه من الحرام والشبهة واعظم الكبر ان يتكبر عن قول لا اله الا الله الذى هو اساس الايمان وخير الاذكار وكلمة الاخلاص وبه يترقى العبد الى جميع المراتب الرفيعة لكن بشرائطه واركانه [ حسن بصرى را برسيدندكه جه كريى درين خبر كه ] ( من قال لا اله الا الله دخل الجنة ) قال لمن عرف حدها وادى حقها
هركرا از خدا بود تأييد ... نشود كار او بجز توحيد
ذكر توحيد ماية حالست ... جون ازان بكذرى همه قالست(11/464)
إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40)
{ الا عباد الله المخلصين } استثناء منقطع من ضمير ذائقون وما بينهما اعتراض جيئ به مسارعة الى تحقيق الحق بيان ان ذوقهم العذاب ليس الا من جهتهم لا من جهة غيرهم اصلا ولكون الاستثناء منقطعا والا بمعنى لكن
قال فى كشف الاسرار تم الكلام ههنا اى عند قوله تعالى { الا ما كنتم تعملون } والمعنى انكم لذائقون العذاب الاليم لكن عباد الله المخلصين لا يذوقونه . والمخلصون بالفتح من اخلصه الله لدينه وطاعته واختاره لجناب حضرته كقوله تعالى { وسلام على عباده الذين اصطفى } اى اصطفاهم الله تعالى فلهم سلامة من الازل الى الابد . والمخلص بالكسر من اخلص عبادته لله تعالى ولم يشرك بعبادته احدا كقوله تعالى { واخلصوا دينهم الله } وحقيقة الفرق بينهما على ما قال بعض العارفين ان الصادق والمخلص بالكسر من باب واحد وهو من تخلص من شوائب الغيرية ايضا والثانى اوسع فلكا واكثر احاطة فكل صديق ومخلص بالفتح صادق ومخلص بالكسر من غير فرحم الله حفصا حيث قرأ بالفتح حيثما وقع فى القرآن(11/465)
أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41)
{ اولئك } الخ استئناف فكأن سائلا سأل ما لهؤلاء المخلصين من الاجر والثواب فقيل اولئك الممتازون عما عداهم بالاضافة والاخلاص { لهم } بمقابلة اخلاصهم فى العبودية { رزق } لا يدانية رزق ولا يحيط به وصف على ما يفيده التنكير والرزق اسم لما يسوقه الله الى الحيوان فيأكله { معلوم } الخصائص من حسن المنظر ولذة الطعم وطيب الرائحة ونحوها من نعوت الكمال والظاهر ان معناه معلوم وجودا وقدرا وحسنا ولذة وطيبا ووقتا بكرة وعشيا او دواما كل وقت اشتهوه فان فيه فراغ الخاطر وانما يضطرب اهل الدنيا فى حق الرزق لكون ارزاقهم غير معلومة لهم كما فى الجنة
تشنكانرا نمايد اندر خواب ... همه عالم بجشم جشمة آب
هركرا جشمه شد جدا لب او ... كى بماند بآنكه در لب جو(11/466)
فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42)
{ فواكه } بدل من رزق جمع فاكهة وهى كل ما يتفكه به اى يتنعم باكله من الثمار كلها رطبها ويابسها وتخصيصها بالذكر لان ارزاق اهل الجنة كلها فواكه اى ما يأكل بمجرد التلذذ دون الاقتياب : وبالفارسية [ قوت كرفتن ] لانهم مستغنون عن القوت لكنون خلقتهم على حالة تقتضى البقاء فهى محكمة محفوظة من التحلل المحوج الى البدل بخلاف خلقة اهل الدنيا فانها على حالة تقتضى الفناء فيه ضعيفة محتاجة الى ما يحصل به القوام اللهم الا خلقة بعض الافراد المصونة من التحلل والتفسخ دنيا وبرزخا
وقال بعضهم لان الفواكه من اتباع سائر الاطعمة فذكرها مغن عن ذكرها
يقول الفقير والظاهر ان الاقتصار على الفواكه للترغيب والتشويق من حيث انه لا يوجد فى اغلب ديار العرب خصوصا فى الحجاز انواع الفواكه { وهم مكرمون } عنده لا يلحقهم هوان وذلك اعظم المثوبات واليقها باولى الهمم
وقال بعضهم لما فصل خصائص رزقهم بين ان ذلك الرزق يصل اليهم بالتعظيم والاكرام لان مجرد المطعوم من غير اعزاز واكرام يليق بالبهائم
ولما ذكر مأكولهم وصف مساكنهم(11/467)
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43)
{ فى جنات النعيم } النعيم النعمة اى فى جنات ليس فيها الا النعيم فالاضافة للاختصاص والظرف يقرر محل الرزق والاكرام او خبر آخر لقول هم مثل(11/468)
عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (44)
{ على سرر } [ برتختهاى آراسته ] جمع سرير وهو الذى يجلس عليه من السرور اذ كان كذلك لاولى النعمة وسرير الميت يشبه به فى الصورة وللتفاؤل بالسرور الذى يلحق بالميت برجوعه الى الله وخلاصه من السجن المشار اليه بقوله عليه السلام « الدنيا سجن المؤمن » ويجوز ان يتعلق على سرر بقوله { متقابلين } اى حال كونهم متقابلين على سرر وهو حال من الضمي فى قوله على سرر : والمعنى بالفارسية [ روى در روى يكديكر تابديدار هم شاد وخرم باشند ] والتقابل وهو ان ينظر بعضهم وحبه بعض اتم للسرور والانس
وقيل لا ينظر بعضهم الى قفا بعض لدوران الاسرة بهم ثم ان استئناس بعضهم برؤية بعض صفة الابرار فان من صفة الاحرار ان لا يستأنسوا الا بمولاهم
وسئل يحيى بن معاذ رضى الله عنه هل يقبل الحبيب بوجهه على الحبيب فقال وهل يصرف الحبيب وجهه عن الحبيب وذلك لكون احدهما مرآة للآخرة فالله تعالى يتجلى للمقربين كل لحظة فيدوم عليهم انسهم الباطن حال كومن ظواهرهم مستغرقة فى نعيم الجنان : قال الكمال الخجندى
دولت آن نيست كه يابم دو جهان زير نكين ... دولت اينست وسعادت كه ترا يافته ام
ولما ذكر مأكل المخلصين ومسكنهم ذكره بعده صفة شربهم(11/469)
يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45)
{ يطاف عليهم } استئناف مبنى على ما نشأ عن حكاية تكامل مجالس انسهم . والطواف الدوران حول الشئ وكذا الاطافة كما قال فى التهذيب [ الاطافة : كرد جيزى بركشتن ] : والمعنى بالفارسية [ كردانيده ميشود برايشان يعنى ساقيان بهشت وخادمان برسرايشان مى كردانند ] { بكأس } [ جامى تر ] اى باناء فيه خمر فان الكأس يطلق على الزجاجة ما دام فيها خمر والا فهو قدح واناء { من معين } صفة كأس اى كائنة من شراب معين اى ظاهر للعين او من نهر معين اى جار على وجه ارض الجنة فان الجنة انهارا جارية من خمر كأنهار جارية من ماء
قال فى المفردات هو من قولهم معن الماء جرى فهو معين وقيل ماء معين هو من العين والميم زائدة فيه انتهى
وفى الآية اشارة الى ان قوما شربوا ومشربهم الشراب بالكأس والشراب معين محسوس وقوما شربوا ومشربهم الحب والحب مغيب مستور وقوما شربوا ومشربهم المحبوب هو سر مكنون
نسيم الحب يحييكم ... رحيق الحب يهيكم
من المحبوب يأتيكم ... الى المحبوب ينهيكم(11/470)
بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46)
{ بيضاء } لونا اشد من لون اللبن والخمر البيضاء لم تر فى الدنيا ولن ترى وهذا من جملة مالا عين رأت ولا اذن سمعت . وبيضاء تأنيث ابيض صفة ايضا لكأس وكذا قوله { لذة للشاربين } لكل من يشرب منها . ووصفها بلذة اما للمبالغة اى كأس لذيذة عذبة شهية طيبة صارت فى لذتها كأنها نفس اللذة او لانها تأنيث اللذ بمعنى اللذيذ وصفها باللذة بيانا لمخالفتها لخمور الدنيا لانقطاع اللذة عن خمور الدنيا كلها رأسا بالكلية(11/471)
لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47)
{ لا فيها غول } بخلاف خمور بالدنيا فان فيها غول كالصداع ووجع البطن وذهاب العقل والاثم فهو من قصر المسند اليه على المسند . يعنى ان عدم الغول مقصور على الاتصاف بفى اذ خمور الجنة لا تتجاوز الاتصاف بفى كخمور الدنيا : وبالفارسية [ نيست دران شراب آفتى وعلتى كه بر خمر دنيا مرتب است جون فساد حال وذهاب عقل وصداع سر وخواب وجزآن ] وهى صفة لكأس ايضا وبطل عمل لا وتكررت لتقدم خبرها . والغول اسم بمعنى الغائلة يطلق على كل اذية ومضرة
قال فى المفردات قال تعالى فى صفة خمر الجنة { لا فيها غول } نفيا لكل مانبه عليه بقوله { واثمهما اكبر من نفعمها } وبقوله { رجس من عمل الشيطان } انتهى يقال غاله الشئ اذا اخذه من حيث لم يدر وهلكه من حيث لا يحس به ومنه سمى السعلاة غولا بالضم والسعلاة سحرة الجن كما سبق فى سورة الحجر
قال فى بحر العلوم ومنه الغول الذى يراه بعض الناس فى البوادى ولا يكذبه ولا ينكره الا المعتزلة من جميع اصناف الناس حتى جعلوه من كذبات العرب مع انه يشهد بصحته قوله عليه السلام « اذ تغولت الغيلان فنادوا بالاذان » انتهى
قال ابن الملك عند قوله عليه السلام « لا عدوى ولا طيرة ولا غول » هو واحد الغيلان وهى نوع من الجن كانت العرب يعتقدون انه فى الفلاة يتصرف فى نفسه ويتراءى للناس بالوان مختلفة واشكال شتى ويضلهم عن الطريق ويهلكهم
فان قيل ما معنى النفى وقد قال عليه السلام « اذا تفولت الغيلان » اى تلونت لونا بصور شتى ( فعليكم بالاذان )
اجيب بانه كان ذلك فى الابتداء ثم دفعه الله عن عباده . او يقال المنفى ليس وجود الغول بل ما يزعمه العرب من تصرفه فى نفسه انتهى
اى من تلونه بالصور المختلفة واغتيال اى اضلاله واهلاكه والغول يطلق على ما يهلك كما فى المفرادات : وفى المثنوى
ذكر حق كن بانك غولانرا بسوز ... اخذ ذكر الحق من الاذان فى الحديث واراد بالغيلان ما يضل السالك ايا كان { ولا هم } اى المخلصون { عنها } اى عن خمر الجنة { ينزفون } يسكرون من نزف الشارب فهو نزيف ومنزوف اذا ذهب عقله من السكر وبالكسر من انزف الرجل اذا سكر وذهب عقله او نفد شرابه
وفى المفردات نزف الماء نزحه كله من البئر شيأ بعد شئ ونزف دمه ودمعه اى نزح كله ومنه قيل سكران نزف اى نزف فمه بسكره . وقرئ ينزفون اى بالكسر من قولهم انزف القوم اذا نزف ماء بئرهم انتهى
ثم انه افرد هذا بالنفى مع اندراجه فيما قبله من نفى الغول عنها لما انه من معظم مفاسد الخمر كأنه جنس برأسه .(11/472)
والمعنى لا فيها نوع من انواع الفساد من مغص اى وجع فى البطن او صداع او حمى او عربدة اى سوء خلق والمعربد مؤذ نديمه فى سكره قاموس اى لالفو ولا تأثيم ولا هم يسكرون
وفى بحر العلوم وبالجملة ففى خمر الدنيا انواع من الفساد من السكر وذهاب العقل ووقوع العداوة والبغضاء والصداع والخسارة فى الدين والدنيا حتى جعل شاربها كعابد الوثن ومن القيئ والبول وكثيرا ما تكون سببا للقتال والضراب والزنى وقتل النفس بغير حق كما شوهد من اهلها ولا شئ من ذلك كله فى خمر الجنة
قال بعض العرفاء جميع البلاء والاتكابات ليس الا لكثافتنا فلولا هذه الكثافة لما عرض لنا الامراض والاوجاع ولم يصدر منا ما يقبح فى العقول والاوضاع ألا يرى انه لا مرض فى عالم الآخرة ولا شئ مما يتعلق بالكثافة ولكن معرفة الله تعالى لا تحصل لو لم تكن تلك الكثافة فهى مدار الترقى والتنزل ولذلك لا يكون للملائكة ترق وتدل فهم على خلقتهم وجبلتهم الاصلية(11/473)
وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48)
{ عندهم } اى عند المخلصين { قاصرات الطرف } القصر الحبس والمنع وطرف العين جفنه والطرف تحريك الجفن وعبر به عن النظر لان تحريك الجفن يلازمه النظر . والمعنى حور قصرن ابصارهن على ازواجهن لا يمددن طرف الى غيرهم ولا يبغين بهم بدلا لحسنهم عندهن ولعفتهن كما فى بعض التفاسير { عين } صفة بعد صفة لموصوف ترك ذكره للعلم به . جمع عيناء بمعنى واسعة العين واصله فعل بالضم كسرت الفاء لتسلم الياء والمعنى حسان الاعين وعظامها
قال فى المفردات يقال للبقر الوحشى عيناء واعين لحسن عينه وبها شبه الانسان(11/474)
كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)
{ كأنهن } اى القاصرات { بيض } بفتح الباء جمع بيضة وهو المعروف سمى البيض لبياضه والمراد به هنا بيض النعام : يعنى [ خاية شتر مرغ ] { مكنون } ذكر المكنون مع انه وصف به الجمع فينبغى ان يؤنث اعتبارا للفظ الموصوف ومكنون اى مستور من كننته اى جعلته فىكن وهو السترة شبهن بيض النعام المصون من الغبار ونحوه فى الصفاء والبياض المخلوط بادنى صفرة فان ذلك احسن ألوان الابدان اى لم تنله الايدى فان ما مسته الايدى يكون متدنسا
وقال الطبرى اولى الاقاويل ان يقال ان البيض هو الجلدة التى فى داخل القشرة قبل ان يمسها شئ لانه مكنون يعنى هو البيض اول ما ينحى عنه قشره
يقول الفقير اغناه الله القدير ذكر الله تعالى فى هذه الآيات ما كان لذة الجسم ولذة الروح . اما لذة الجسم فالتنعم بالفواكه وانواع النعم والخمر التى لم يكن عند العرب احب منها والتمتع بالازواج الحسان . واما لذة الروح فالسرور الحاصل من الاكرام والانس الحاصل من صحبة الاخوان والانبساط الحاصل من النظر الى وجوه الحسان وفى الحديث « ثلاث يجلين البصر النظر الى الخضرة والى الماء الجارى والى الوجه الحسن » قال ابن عباس رضى الله عنهما والاثند عند النوم نسأل الله لقاءه وشهوده ونطلب منه فضله وجوده
دارم اندك روشنايى در بصر ... بى جمال او ولى فيه النظر
قال بعض العرفاء البيضة حلال لطيف ولكن اهل التصوف لا يأكلها لانها ناقصة وانما كمالها اذا كانت دجاجة وكذا لا يحصل منها الشبع التام وكذا من مرق العمارة لعدم طهارته فلتكن هذه المسألة نقلا وفاكهة لاهل الارادة ومن الله الوصول الى اسباب السعادة(11/475)
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50)
{ فاقبل بعضهم على بعض يتساءلون } معطوف على يطاف اى ليشرب عباد الله المخلصون فى الجنة فيتحادثون على الشراب كما هو عادة الشرب فى الدنيا فيقبل بعضهم على بعض حال كونهم يتساءلون عن الفضائل والمعارف وعما جرى عليهم ولهم فى الدنيا : وبالفارسية [ مى برسند از احوال دنيا وما جراى ايشان بادوست ودشمن ] فالتعبير عنهم بصيغة الماضى للتأكيد والدلالة على تحقق الوقوع حتما
وفى الآية اشارة الى ان اهل الجنة هم الذين كانوا ممن لم يقبلوا على الله بالكلية وان كانوا مؤمنين موحدين والا كانوا فى مقعد صدق مع المقربين(11/476)
قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51)
{ قال قائل منهم } فى تضاعيف محاوراتهم واثناء مكالماتهم { انى كان لى } فى الدنيا { قرين } مصاحب وجليس : وبالفارسية [ مرايارى وهمنشينى بود ](11/477)
يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52)
{ يقول } لى على طريقة التوبيخ بما كنت عليه من الايمان والتصديق بالبعث { ائنك } [ آياتو ] { لمن المصدقين } المعتقدين والمقرين بالبعث(11/478)
أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53)
{ أئذا متنا } [ آيا جون بميريم ] { وكنا ترابا } [ وخاك كرديم ] { وعظاما } [ واستخوانهاى كهنه ] { أأئنا لمدينون } جمع مدين من الدين بمعنى الجزاء ومنه كما تدين اى لمبعوثون ومحاسبون ومجزيون اى لانبعث ولا نجزى(11/479)
قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54)
{ قال } اى ذلك القائل بعد ما حكى لجلسائه مقالة قرينه فى الدنيا { هل انتم } [ آياشما ] { مطلعون } [ الاطلاع : ديده ور شدن ] اى ناظرون الى اهل النار لاريكم ذلك القرين المكذب بالبعث يريد بذلك بيان صدقه فيما حكاه فقال جلساؤه انت اعرف به منا فاطلع انت(11/480)
فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55)
{ فاطلع } عليه : يعنى [ فرونكيرد برايشان ] { فرآه } اى قرينه { فى سواء الجحيم } فى وسط جهنم : وبالفارسية [ درميان آتش دوزخ ] وسمى وسط الشئ سواء لاستواء المسافة منه الى جميع الجوانب
قال ابن عباس رضى الله عنهما فى الجنة كوى ينظر منها اهلها الى اهل النار ويناظرونهم لان لهم فى توبيخ اهل النار لذة وسروروا
يقول الفقير لاشك ان الجنة فى جانب الاوج والنار فى طرف الحضيض فلاهل الجنة النظر الى النار واهلها كما ينظر اهل الغرف الى من دونهم واما سرورهم لعذابهم مع كونهم مؤمنين رحماء فلان يوم القيامة يوم ظهور اسم المنتقم والقهار ونحوهما فكما انهم فى الدنيا رحماء بينهم اشداء على الكفار كذلك لا يرحمون الاعداء كما لا يرحمهم الله اذ لو رحمهم لادخلهم الجنة نسأل الله ثوابه وجنته(11/481)
قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56)
{ قال } اى القائل مخاطبا لقرينه متشمتا به حين رآه على صورة قبيحة { تالله ان } اى ان الشان { كدت } قاربت : وبالفارسية [ بخداى كه نزديك توبودى كه ] { لتردين } [ كرتخلتط كردى وتباه ] اى لتهلكنى بالاغواء والردى الهلاك والارداء الاهلاك واصله تردينى بياء المتكلم فحذفت اكتفاء بالكسرة(11/482)
وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)
{ ولولا نعمة ربى } بالهداية والعصمة { لكنت من المحضرين } الاحضار لا يستعمل الا فى الشر كما فى كشف الاسرار اى من الذين احصروا العذاب كما احضرته انت وامثالك
وفى التأويلات النجمية { ولولا نعمة ربى } حفظه وعصمته وهدايته { لكنت من المحضرين } معكم فيما كنتم فيه من الضلالة فى البداية وفيما انتم فيه من العذاب والبعد فى النهاية وانما اخبر الله تعالى عن هذه الحالة قبل وقوعها ليعلم ان غيبة الاشياء وحضورها عند الله سواء لا يزيد حضورها فى علم الله شيأ ولا ينقص عيبتها من علمه شيأ سواء فى علمه وجودها وعدمها بل كانت المعدومات فى علمه موجودة
برو علم يك ذره بوشيده نيست ... كه ييدار وبنهان بنزدش يكيست(11/483)
أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58)
{ أفما نحن بميتين } رجوع الى محاورة جلسائه بعد اتمام الكلام مع قرينه سرورا بفضل الله العظيم والنعيم المقيم فان تذكر الخلود فى الجنة لذة عظيمة والهمزة للتقرير وفيها معنى التعجب والفاء للعطف على مقدر يقتضيه نظم الكلام اى أنحن مخلدون منعمون فما نحن بميتين اى بمن شأنه الموت(11/484)
إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59)
{ الا موتتنا الاولى } التى كانت فى الدنيا وهى متناولة لما فى القبر بعد الاحياء للسؤال قاله تصدبقا لقوله تعالى { لا يذوقون فيها الموت الا الموتة الاولى } اى لا نموت فى الجنة ابدا سوى موتتنا الاولى فى الدنيا ونصبها على المصدر من اسم الفاعل يعنى انه مستثنى مفرغ معرب على حسب العوامل منصوب بميتين كما ينصب المصدر بالفعل المذكور قبله فى مثل قولك ما ضربت زيدا الاضربة واحدة كأنه قيل وما نحن نموت موتة الا موتتنا الاولى وقيل نصبها على الاستثناء المنقطع بمعنى لكن الموتة الاولى قد كانت فى الدنيا
وقيل الا هنا بمعنى بعد وسوى { وما نحن بمعذبين } كالكفار فان النجاة من العذاب ايضا نعمة جليلة مستوجبة للتحدث بها كما ان العذاب محنة عظيمة مستدعية لتمنى الموت كل ساعة
وعن ابى بكر الصديق رضى الله عنه الموت اشد مما قبله واهون مما بعده
وفى الآية اشارة الى ان من مات الموتة الاولى وهى الموتة الارادية عن الصفات النفسانية الحيوانية فقد حيى بحياة روحانية ربانية لا يموت بعدها ابدا بل ينقل المؤمن من دار الى دار فى جوار الحق ولا يعذب بنار الهجران وآفة الحرمان
هركه فانى شداز ارادت خويش ... زندكى يافت اوز مهجت خويش
از عذاب والم مسلم كشت ... درجوار خدا منعم كشت(11/485)
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60)
اى الامر العظيم الذى نحن فيه من النعمة والخلود والامن من العذاب { لهو الفوز العظيم } الفوز الظفر مع حصول السلامة اى لهو السعادة والظفر بكل المراد اذا الدنيا وما فيها تحتقر دونه كما تحتقر القطرة من البحر المحيط والحبة من البيدر الكبير(11/486)
لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)
{ لمثل هذا فليعمل العاملون } اى لنيل هذا المرام الجليل يجب ان يعمل العاملون ويجتهد المجتهدون لا للحظوظ الدنيوية السريعة الانقطاع المشوبة بفنون الآلام والبلايا والصداع
قال الكاشفى [ ازبراى نعمتها بس بايدكه عمل كنند كان نه براى مال وجاه دنياكه برشرف زوال وصدد انتقال است ]
كربار كشى بار نكارى بارى ... وركار كنى براى يارى بارى
وروى بخا كراهى خواهى ماليد ... برخاك ره طرفه سوارى بارى
ويحتمل ان يكون قوله ان هذا الخ من كلام رب العزة فهو ترغيب فى طلب ثواب الله بطاعته ويقال فليحتمل المحتملون الاذى لانه قد حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات كما قال جلال الدين الرومى قدس سره
حفت الجنة بمكروهاتنا ... حفت النيران من شهواتنا
يعنى جعلت الجنة محفوفة بالاشياء التى كانت مكرهة لنا وجعلت النار محاطة بالاشياء التى محبوبة لنا فما بين المرء وبين الجنة حجاب الا المكاره وهو حجاب عظيم صعب خرقه وما بين النار وبينه حجاب الا الشهوات وهو حجاب حقير سهل لاهل والعياذ بالله من الاقبال على الشهوات والادبار عن الكرامات فى الجنات
قال فى كشف الاسرار [ بس عارفان سزاتراندكه براميد ديدار جلال احديث ويافت حقائق قربت وتباشير صبح وصلت ديده ديده ودل فرا كنند وجان وروان درين بشارت نثار كنند ] يعنى ان هبت نفحة من نفحات الحق من جنات القدس او شم رائحة من نسيم القرب او بدت شطبة من الحقائق وتباشير الوصلة حق للعارف ان يقول ان هذا لهو الفوز العظيم وبالحرى ان يقول { لمثل هذا فليعمل العاملون } بل لمثل هذه الحالة تبذل الارواح وتفدى الاشباح كما قيل
على مثل ليلى بقتل المرء نفسه ... وان بات من سلمى على اليأس طاويا
والحاصل ان لكل من العابدين والعارفين حصة من اشارة هذا فى الآية وكان بعض الصلحاء يصلى الضحى مائة ركعة ويقول لهذا خلقنا وبهذا امرنا يوشك اولياء الله ان يكون ويحمدوا اى على ما آتاهم الله فى مقابلة مجاهداتهم وطاعاتهم من الاجر الجزيل والثواب الجميل . وقد ثبت ان كثيرا من الصلحاء تلوا عند النزع قوله تعالى لمثل هذا الى آخر ما اشير اليه لما شاهده من حيث مقامه فنسأل الله القلب السليم فى الدنيا والنعيم المقيم فى العقبى ولله تعالى ألطاف لا تحويها الافكار حكى ان موسى عليه السلام سأل ربه تعالى من ادنى اهل الجنة منزلة فقال رجل يجيئ بعدما دخل اهل الجنة الجنة فيقال له ادخل الجنة فيقول رب وكيف وقد نزل الناس منازلهم واخذوا اخذهم فيقال له أترضى ان يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت يا رب فيقول لك ذلك ومثله ومثله فيقول فى الخامسة رضيت يا رب فيقول هذا لك وعشرة امثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك فيقول رضيت يا رب قال موسى عليه السلام فمن اعلاهم منزلة فقال اولئك الذين اردت غرس كرامتهم بيدى وختمت عليها فلم ترعين ولم تسمع اذن ولم يخطر على قلب بشر والكل فوز لكن الفوز بالاعلى فوز عظيم ألا ترى انه لا تستوى الرعية والسلطان فالدنيا فان كان للرعية عباء فللسلطان قباء وان كان لهم حجرة فله غرفة وان كان لهم كسرة خبز فله الوان نعمة وهكذا فقد تفاوتت الهمم فى الدنيا واختلف الاغراض ولذا تفاوت المراتب فى العقبى وتباين الاعواض فمن وجه الله تعالى وجد الجنة ايضا بكل ما فيها ولكن ليس كل من يجد الجنة باسرها يصل الى الله تعالى والانس به والاحتظاظ بلقائه المستغرق جميع الاوقات وشهوده المستوعب لكل الحالات فكن عالى الهمة فان علو الهمة من الايمان وغاية الايمان الاحسان ونهايته الاستغراق فى شهود المنان(11/487)
أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62)
{ أذلك خير نزلا ام شجرة الزقوم } الهمزة للتقرير والمراد حمل الكفار على اقرار مدخولها وذلك اشارة الى نعيم الجنة . وخير وارد على سبيل النهكم والاستهزاؤ بهم وانتصاب نزلا على الحالية وهو ما يهيأ من الطعام الحاضر للنازل اى الضيف ومنه انزال الاجناد لارزاقهم . والزقوم اسم شجرة صغيرة الورق مرة كريهة الرائحة تكون بتهامة يعرفها المشركون سميت بها الشجرة الموصوفة بقوله انها شجرة الخ
وفى المفردات شجرة الزقوم عبارة عن اطعمة كريهة فى النار ومنه استعير زقم فلان وتزقم اذا ابتلع شيأ كريها . والمعنى ان نعم الجنة والرزق المعلوم للمؤمنين فيها خير طعاما يعنى ان الرزق المعلوم نزل اهل الجنة واهل النار نزلهم شجرة الزقوم اى ثمرها فايهما خير فى كونهما نزلا وفى ذكره دلالة على ان ما ذكره من النعيم لاهل الجنة بمنزلة ما يعد ويرفع للنازل ولهم وراء ذلك ما تقصر عنه الافهام وكذلك الزقوم لاهل النار ويقال اصل النزل الفضل والزيادة والريع ومنه قولهم العسل ليس من انزال الارض اى من ريعها وما يحصل منها فاستعير للحاصل من الشئ فانتصاب نزلا على التمييز . والمعنى أذلك الرزق المعلوم الذى حاصله اللذة والسرور خير حاصلا ام شجرة الزقوم التى حاصلها الالم والغم(11/488)
إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63)
{ انا جعلنا فتنة للظالمين } محنة وعذابا لهم فى الآخرة فان الفتن فى اللغة الاحراق او ابتلاء فى الدنيا حيث فتنوا وضلوا عن الحق بسببه فان الفتن قد يطلق على المضل عن الحق فان الكفار لما سمعوا كون هذه الشجرة فى النار فتنوا به فى دينهم وتوسلوا به الى الطعن فى القرآن والنبوة والتمادى فى الكفر وقالوا كيف يمكن ذلك والنار تحرق الشجر ولم يعلموا ان من قدر على خلق حيوان يعيش فى النار ويتلذذ به اقدر على خلق الشجر فى النار وحفظه من الاحراق(11/489)
إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64)
{ انها شجرة تخرج فى اصل الجحيم } اى تنبت فى قعر جهنم فمنبتها فى قعرها واغصانها ترتفع الى دركاتها ولما كان اصل عنصرها النار لم تحرق بها كسائر الاشجار ألا ترى ان السمك لما تولد فى الماء لم يغرق بخلاف ما لم يتولد فيه
ولعله رد على ابن الزبعرى وصناديد قريش وتجهيل لهم حيث قال ابن الزبعرى لهم ان محمدا يخوفنا بالزقوم والزقوم بلسان البربر الزبد والتمر فادخلهم ابو جهل بيته وقال يا جارية زقمينا فاتتهم بالزبد والتمر فقال استهزاء تزقموا فهذا ما توعدكم به محمد فقال تعالى { انها شجرة تخرج فى اصل الجحيم } فليس الزقوم ما فهم هؤلاء الجهلة الضلال(11/490)
طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65)
{ طلعها } اى حملها وثمرها الذى يحرج منها ويطلع مستعار من طلع النخلة لمشاركته له فى الشكل . والطلع شئ يخرج من النخل كأنه نعلان مطبقان والحمل بينهما منضود { كأنه } [ كويا او ] { رؤوس الشياطين } فى تناهى القبح والهول لان صورة الشيطان اقبح الصوروا كرهها فى طباع الناس وعقائدهم ومن ثمة اذا وصفوا شيأ بغاية القبح والكراهة قالوا كأنه شيطان وان لم يروه فتشبيه الطلع برؤس الشياطين تشبيه بالمخيل كتشبيه الفائق فى الحسن بالملك قال تعالى حكاية { ما هذا بشرا ان هذا الا ملك كريم } وفيه اشارة الى ان من كان ههنا معلوماته فى قبح صفات الشياطين يكون هناك مكافاته فى قبح صورة الشياطين(11/491)
فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66)
{ فانهم } [ بس دوز خيان ] { لآكلون منها } اى من الشجرة ومن طلعها فالتأنيث مكتسب من المضاف اليه { فمالئون منها البطون } لغلبة الجوع او للقسر على اكلها وان كرهوها ليكون ذلك نوعا آخر من العذاب
وفيه اشارة الى انهم كانوا لها فى مزرعة الآخرة اعنى الدنيا زارعين فما حصدوا الا ما زرعوا . والمالئ اسم فاعل من ملأ الاناء ماء يملؤه فهو مالئ ومملوء . والبطون جمع بطن وهو خلاف الظهر فى كل شئ(11/492)
ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67)
{ ثم ان لهم عليها } اى على الشجرة التى ملأوها منها بطونهم بعد ما شبعوا منها وغلبهم العطش وطال استسقاؤهم كما ينبئ عنه كلمة ثم فتكون للتراخى الزمانى ويجوز ان تكون للرتبى من حيث ان كراهة شرابهم وبشاعته لما كانت اشد واقوى بالنسبة الى كراهة طعامهم كان شرابهم ابعد من طعامهم من حيث الرتبة فيكونون جامعين بين اكل الطعام الكريه البشيع وشرب شراب الكره الابشع { لشوبا من حميم } الشوب الخلط والحميم الماء الحار الذى قد انتهى حره اى شرابا من دم او قيح اسود او صديد ممزوجا مشوبا بماء حار غاية الحرارة يقطع امعاءهم(11/493)
ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68)
{ ثم ان مرجعهم } اى مصيرهم { لالى الجحيم } اى الى دركاتها او الى نفسها فان الزقوم والحميم نزل يقدم اليهم قبل دخولها وقيل الجحيم خارج عنها لقوله تعالى { هذه جهنم التى يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن } يذهب بهم عن مقارهم ومنازلهم من الجحيم الى شجره الزقوم فيأكلون منها الى يتملئوا ثم يسقون من الحميم ثم يردون الى الجحيم كما يرد الابل عن موارد الماء ويؤيده قراءة ابن مسعود « ثم ان منقلبهم » وفى الحديث « يا ايها الناس اتقوا الله ولا تموتن الا وانتم مسلمون فلو ان قطرة من الزقوم قطرت لامرّت على اهل الدنيا معيشتها فكيف بمن هو طعامه وشرابه وليس له طعام غيره »(11/494)
إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69)
{ انهم الفوا آباءهم ضالين } تعليل لاستحقاقهم ما ذكر من فنون العذاب بتقليد الآباء فى الدين من غير ان يكون لهم ولآبائهم شئ يتمسك به اصلا . والالفاء بالفاء الوجدان : وبالفارسية [ يافتن ] وضالين مفعول ثان لقوله الفوا بمعنى وجدوا . والمعنى وجدوهم ضالين فى نفس الامر عن الهدى وطلب الحق ليس لهم ما يصلح شبهة فضلا عن صلاحية الدليل(11/495)
فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70)
{ فهم } اى الكافرين الظالمون { على آثارهم } اى آثار الآباء جمع اثر بالفارسية [ بى ] { يهرعون } يسرعون من غير ان يتدبروا انهم على الحق او لا مع ظهور كونهم على الباطل بادنى تأمل والاهراع . الاسراع الشديد كأنهم يزعجون ويحثون حثا على الاسراع على آثارهم(11/496)
وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71)
{ ولقد } جواب قسم اى وبالله لقد { ضل } [ كمراه شد ] { قبلهم } اى قبل قومك قريش { اكثر الاولين } من الامم السابقة اضلهم ابليس ولم يذكر لان فى الكلام دليلا فاكتفى بالاشارة(11/497)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72)
{ ولقد ارسلنا فيهم } [ وبتحقيق مافرستاديم درميان ايشان ] يعنى الاكثرين { منذرين } اى انبياء اولى عدد كثير ذوى شأن خطير بينوا لهم بطلان ما هم عليه وانذروهم عافبته الوخيمة(11/498)
فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73)
{ فانظر كيف كان عاقبة المنذرين } اى آخر امر الذين انذروا من الهول والفظاعة والهلاك لما لم يلتفتوا الى الانذار ولم يرفعوا لهم رأسا . والخطاب اما للرسول او لكل احد ممن يتمكن من مشاهدة آثارهم وسماع اخبارهم وحيث كان المعنى انهم اهلكوا هلاكا فظيعا استثنى منهم المخلصون(11/499)
إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74)
{ الا عباد الله المخلصين } اى الذين اخلصهم الله بتوفيقهم للايمان والعمل بموجب الانذار يعنى انهم نجوا مما اهلك به كفار الامم الماضية
وفى الآية تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بيان الله تعالى ارسل قبله رسلا الى الامم الماضية فانذروهم بسوء عاقبة الكفر والضلال فكذبهم قومنهم ولم ينتهوا بالانذار واصروا على الكفر والضلال فصبر الرسل على اذاهم واستمروا على دعوتهم الى الله تعالى فاقتدبهم وما عليك الا البلاغ ثم ان عاقبة الاصرار الهلاك وغاية الصبر النجاة والفوز بالمراد
فعلى العاقل تصحيح العمل بالاخلاص وتصحيح القلب بالتصفية
قال الواسطى مدار العبودية على ستة اشياء التعظيم والحياء والخوف والرجاء والمحبة والهيبة . فمن ذكر التعظيم يهيج الاخلاص . ومن ذكر الهيبة يدع التملك والاختيار ويكون تابعا فى ارادته لارادة الله تعالى ولا يقول الا سمعنا واطعنا
وقد صح ان ذا القرنين لما دخل الظلمات قال لعسكره ليرفع كل منكم من الاحجار التى تحت اقدام الافراس فانها جواهر فمن رفع بلغ نهاية الغنى ومن خالف وانكر ندم وبقى فى التحسر ابدا
كاشكى بهر امتحان بارى ... كرد مى نان ذخيره مقدارى
تاكنون نقد وقت من كشتى ... وقتم اينسان بمقت نكذشتى
كاشكى كزكهر بكردم بار ... برسكندر نكردمى انكار
تانيفتا دمى ازان تقصير ... در حجاب وخجالت وتشوير
آين بود حال كافر ومسلم ... كاو درين تنك موطن ومظلم
جون رشيدا ازخدا كتاب ورسول ... آن برد ييش رفت اين بقبول
نزدند از سر فساد وغلو ... كافران جز در عناد وعتو
مؤمنان كرده در ييمبر روى ... هم سمعنا وهم اطعنا كوى
شد بلايا نهايت انكار ... شد عطايا نهايت اقرار
ومن الله التوفيق بطريق التحقيق(11/500)
وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75)
{ ولقد نادينا نوح } نوع تفصيل لحسن عاقبة المنذرين الكسر وسوء خاتمة المنذرين بالفتح . والنداء الدعاء بقرينة فلنعم المجيبون . والمعنى وبالله لقد دعانا نوح وهو اول المرسلين حين ئيس من ايمان قومه بعد ما دعاهم اليه احقابا ودهورا فلم يزدهم دعاؤه الا فرارا ونفورا فاجبناه احسن الاجابة حيث اوصلناه الى مراده من نصرته على اعدائه والانتقام منهم بابلغ ما يكون { فلنعم المجيبون } اى فوالله لنعم المجيبون نجن فحذف ما حذف ثقة بدلالة ما ذكر عليه والجمع دليل العظمة والكبرياء(12/1)
وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)
} [ التنجية : نجات دادن ] { واهله } [ وكسان او ] { من الكرب العظيم } [ ازندوه بزرك ] اى من الغرق او من اذى قومه دهرا طويلا . والكرب الغم الشديد والكربة كالغمة واصل ذلك من كرب الارض وهو قلبها بالحفر فالغم يثير النفس اثارة ذلك ويصح ان يكون الكرب من كربت الشمس اذا دنت للمغيب(12/2)
وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77)
{ وجعلنا ذريته } نسله { هم } فحسب { الباقين } حيث اهلكنا الكفرة بموجب دعائه رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا
وقد روى انه مات كل من كان معه فى السفينة غير ابنائه وازواجهم وهم الذين بقوا منتاسلين الى يوم القيامة
قال قتادة انهم كلهم من ذرية نوح وكان له ثلاثة اولاد سام وحام ويافت . فسام ابو العرب وفارس والروم واليهود والنصارى . وحام ابو السودان من المشرق الى المغرب والسند والهند والنوبة والزنج والحبشة والقبط والبربر وغيرهم . ويافث ابو الترك والخزر ويأخوج ومأجوج وما هنالك
قال فى كشف الاسرار [ اصحاب التواريخ كفتند فرزاندن يافت هفت بودند نامهاى ايشان ترك وخزر وصقلاب وتاريس ومنسلك وكمارى وصين ومسكن ايشان ميان مشرق ومهب شمال بود وهرجه ازين جنس مردم اند از فرزندان اين هفت برادرانند وهمجنين فرزندان حام بن نوح هفت ازين جنس مردم اند از فرزندان اين هفت برادرانند وهمجنين فرزندان حام بن نوح هفت بودند نامهاى ايشان سند وهند وزنج وقبط وحبش ونوب وكنعان ومسكن ايشان ميان جنوب ودبور وصبابود وجنس سياهان همه ازفرزندان اين هفت برادرانند اما فرزندان سام ميكويند بنج بودند وقومى ميكويند كه هفت بودندارم وارفخشد وعالم ويفر واسود وتارخ وتورخ ارم بدر عاد وثمود بودار فحشد بدر عرب بود از ايشان فالغ وقحطان بود فالغ جد ابراهيم عليه السلام قحطان ابو اليمن بود وعالم بدر خراسان واسود بدر فارس ويفر بدر روم بود وتورخ بدر ارمين بود صاحب ارمينيه وتارخ بدر كرمان بود اين ديار واقطاع همه بنام ايشان باز ميخوانند وبعد ازنوع خليفة وى سام بود برسر فرزندان نوح فرمانده بود وكارساز ومسكن وى زمين عراق بود وايران شهر ] وقيل يشتوا بارض خوخى ويصيف بالموصل [ ونوح رابسر جها رمين بود نام او يام ] وهو الغريق ولم يكن له عقب(12/3)
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78)
{ وتركنا عليه } ابقينا على نوح { فى الآخرين } من الامم : وبالفارسية [ درميان بسينيان ](12/4)
سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79)
{ سلام على نوح } اى هذا الكلام بعينه وهو وارد على الحكاية كقولك قرأت سورة انزلنا فلم ينتصب السلام لان الحكاية لا تزال عن وجهها . والمعنى يسلمون عليه تسليما ويدعون له على الدوام امة بعد امة { فى العالمين } بدل من قوله فى الآخرين لكونه ادل منه على الشمول والاستغراق لدخول الملائكة والثقلين فيه . والمراد الدعاء بثبات هذه التحية واستمرارها ابدا فى العالمين من الملائكة والثقلين فيه . وفى تفسير القرطبى جاءت الحية والعقرب لدخول السفينة فقال نوح لا احملكما لانكما سبب الضر والبلاء فقالا احملنا فنحن نضمن لك ان لا نضر احدا ذكرك فمن قرأ حين يخاف مضرتهما { سلام على نوح فى العالمين } لم يضره ذكره القشيرى
وفى التأويلات النجمية يشير بهذا الى ان المستحق لسلام الله هو نوح روح الانسان لانه ما جاء ان الله سلم على شئ من العالمين غير الانسان كما قال تعالى ليلة المعراج « السلام عليك ايها النبى ورحمة الله وبركاته » فقال عليه السلام « السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين » وما قال وعلى الملائكتك المقربين . وانما كان اختصاص الانسان بسلام من بين العالمين لانه حامل الامانة الثقيلة التى اعرض عنها غيره فكان احوج شئ الى سلام الله ليعبر بالامانة على الصراط المستقيم الذى هو ادق من الشعرة واحد من السيف ولهذا قال النبى عليه السلام « تكون دعوة الرسل حينئذ رب سلم سلم » وهل سمعت ان يكون لغير الانسان العبور على الصراط وانما اختصوا بالعبور على الصراط لانهم يؤدون الامانة الى اهلها وهو الله تعالى فلا بد من العبور على صراط الله الموصل اليه لاداء الامانة(12/5)
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80)
{ انا كذلك نجزى المحسنين } الكاف متعلقة بما بعدها اى مثل ذلك الجزاء الكامل من اجابة الدعاء وابقاء الذرية والذكر الجميل وتسليم العالمين ابدا نجزى الكاملين فى الاحسان لاجزاء ادنى منه فهو تعليل لما فعل بنوح من الكرامات السنية بانه مجازاة له على احسانه(12/6)
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81)
{ انه من عبادنا المؤمنين } تعليل لكونه من المحسنين بخلوص عبوديته وكمال ايمانه
وفيه اظهار لجلالة قدر الايمان واصالة امره وترغيب فى تحصيله والثبات عليه
وفى كشف الاسرار خص الايمان بالذكر والنبوة اشرف منه بيانا لشرف المؤمنين لا لشرف نوح كما يقال ان محمدا عليه السلام من بنى هاشم
قال عباس بن عطاء ادنى مراتب الصديقين اعلى مراتب المؤمنين(12/7)
ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82)
{ ثم اغرقنا الآخرين } اى المغايرين لنوح واهله وهم كفار قومه اجمعين [ والاغراق : غرقه كردن يعنى آنكه ديكرانرا بآب كشتيم ] وهو عطف على نجيناه . وثم لما بين الانجاء والاغراق من التفاوت وكذا اذا كان عطفا على تركنا وليس للتراخى لان كلا من النجاء والابقاء انما هو بعد الاغراق دون العكس كما يقتضيه التراخى(12/8)
وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83)
{ وان من شيعته } اى ممن شايع نوحا وتابعه فى اصول الدين { لابراهيم } وان اختلفت فروع شريعتيهما ويجوز ان يكون بين شريعتيهما اتفاق كلى او اكترى
وعن ابن عباس رضى الله عنهما من اهل دينه وعلى سنته او ممن شايعه على التصلب فى دين الله ومصابرة المكذبين وما كان بينهما الانبياء هود وصالح وكان بين نوح وابراهيم الفان وستمائة واربعون سنة
وفى بعض التفاسير ان الضمير عائد الى حضرة صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم وان كان غير مذكور فابراهيم وان كان سابقا فى الصورة لكنه متابع لرسول الله فى الحقيقة ولذا اعترف بفضله ومدح دينه ودعا فيه حيث قال { ربنا وابعث فيهم رسولا منهم } الآية
ييش آمدند بسى انبيا وتو ... كر آخر آمدى همه را ييشوا تويى
خوان خليل هست نمدان خوان تو ... برخوان اصطفا نمك انبيا تويى(12/9)
إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)
{ اذ جاء ربه } منصوب باذكر { بقلب سليم } الباء للتعدية اى بقلب سليم من آفات القلوب بل من علاقة من دون الله مما يتعلق بالكونين ومعنى مجيئة به ربه اخلاصه له كأنه جاء به متحضنا اياه بطريق التمثيل والافليس القلب مما ينقل من مكان الى مكان حتى يجاء به(12/10)
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85)
{ اذ قال } الخ بدل من اذ الاولى { لابيه } آزر بن باعر بن ناحور بن نافع بن سالح بن ارفخشد ابن سام بن نوح { وقومه } وكانوا عبدة الاصنام { ماذا تعبدون } استفهام انكارى وتوبيخ اى أى شئ تعبدون(12/11)
أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86)
{ أفكا آلهة دون الله تريدون } الافك اسوء الكذب اى أتريدون آلهة من دون الله افكا اى للافك فقدم المفعول على الفعل للعناية ثم المفعول له على المفعول به لان الاهم مكافحتهم بانهم على افك آلهتهم وباطل شركهم(12/12)
فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87)
{ فما ظنكم } اى أي شئ ظنكم فما مبتدأ خبره ظنكم { برب العالمين } اذا لقيتموه وقد عبدتم غيره ان يغفل عنكم اولا يؤاخذكم بما كسبت ايديكم اى لاظن فكيف القطع
قال فى كشف الاسرار [ دردل ابراهيم بود كه بتان ايشان را كيدى سازد تاحجت برايشان الزام كنند وآشكارا نمايد كه ايشان معبودى را نشايند روزى وياران وى كفتند كه اى ابراهيم بيا تابصحرا بيرون شويم وبعيد كاه ما برويم ](12/13)
فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88)
{ فنظر } ابراهيم { نظرة فى النجوم } جمع نجم وهو الكوكب الطالع اى فى علمها وحسابها اذ لو نظر الى النجوم انفسها لقال الى النجوم وكان القوم يتعاطون علم النجوم فعاملهم من حيث كانوا لئلا ينكروا عليه واعتل فى التخلف عز عيدهم اى عن الخروج معهم الى معبدهم(12/14)
فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89)
{ فقال انى سقيم }
قال فى المفردات السقم والسقم المرض المختص بالبدن والمرض قد يكون فى البدن وفى النفس . وقوله انى سقيم فمن التعريض والاشارة به اما الى ماض واما الى مستقبل واما الى قليل مما هو موجود فى الحال اذ كان الانسان لا ينفك من خلل يعتريه وان كان لا يحس به ويقال مكان سقيم اذا كان فيه خوف انتهى
وقال ابن عطاء انى سقيم من مخالفتكم وعبادتكم الاصنام او بصدد الموت فان من فى عنقه الموت سقيم وقد فوجئ رجل فاجتمع عليه الناس وقالوا مات وهو صحيح فقال اعرابى أصحيح من الموت فى عنقه وايا ما كان فلم يقل الا عن تأول فان العارف لا يقع فى انهتاك الحرمة ابدا وكان ذلك من ابراهيم لذب عن دينه وتوسل الى الزام قومه
قال عز الدين بن عبد السلام الكلام وسيلة الى المقاصد فكل مقصود محمود يمكن التوصل اليه بالصدق والكذب جميعا فالكذب فيه حرام فان امكن التوصل اليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح ان كان تحصيل ذلك المقصود مباحا . وواجب ان كان ذلك المقصود واجبا فهذا ضابطه
وفى الاسئلة المقحمة ومن الناس من يجوّز الكذب فى الحروب لاجل المكيدة والخداع وارضاء الزوجة والاصلاح بين المتهاجرين والصحيح ان ذلك لا يجوز ايضا فى هذه المواضع لان الكذب فى نفسه قبيح والقبيح فى نفسه لا يصير حسنا باختلاف الصور والاحوال وانما يجوز فى هذه المواضع بتأويل وتعريض لا بطريق التصريح . ومثاله يقول الرجل لزوجته اذا كان لا يحبها كيف لا احبك انت حلالى وزوجتى وقد صحبتك وامثال هذه فاما اذا قال صريحا بانى احبك وهو يبغضها فيكون كذبا محضا ولا رخصة فيه . مثاله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا اراد النهضة نحو يمينه كان يسأل عن منازل اليسار ليشبه على العدو من أى جانب يأتيه واما اذا كان يقصد جانبا ويقول امضى الى جانب آخر فهذه من قبيلها انتهى .
وكان القوم يتطيرون من المريض فلما اسمعوا من ابراهيم ذلك هربوا منه الى معبدهم وتركوه فى بيت الاصنام فريدا ليس معه احد(12/15)
فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90)
وذلك قوله تعالى { فتولوا عنه } فاعرضوا وتفرقوا عن ابراهيم { مدبرين } هاربين مخافة العدوى اى السراية
وقال بعضهم ان المراد بالقسم هو الطاعون وكان اغلب الاسقام وكانوا يخافون العدوى
يقول الفقير المشهور ان الطاعون قد فشا فى بنى اسرائيل ولم يكن قبلهم الا على رواية كما قال عليه السلام « الطاعون رجز ارسل على بنى اسرائيل او على من كان قبلكم »(12/16)
فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91)
{ فراغ الى آلهتهم } اى ذهب اليها فى خفية واصله الميل بحيلة من روغة الثعلب وهو ذهابه فى خفية وحيلة
قال فى القاموس راغ الرجل والثعلب روغا وروغانا مال وحاد عن الشئ
وفى تاج المصادر [ الروغ والروغان : روباهى كردن ] [ والروغ : بنهان سوى جيزى شدن ]
وفى التهذيب [ الروغ والروغان : دستان كردن ] { فقال } للاصنام استهزاء [ جون ديد ايشانرا آراسته وخوانهاى طعام عند الاصنام لتحصل له البركة بسببها ](12/17)
مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92)
{ ما لكم لا تنطقون } اى ما تصنعون غير ناطقين بجوابى : وبالفارسية [ جيست شمارا كه سخن نمى كوييد ومرا جوابى ندهيد ](12/18)
فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93)
{ فراغ عليهم } فمال مستعليا عليهم حال كونه يضربهم { ضربا باليمين } او حال كونه ضاربا باليمين اقوى الجارحتين واشدهما وقوة الآلة تقتضى قوة الفعل وشدته
وقيل بالقوة والمتانة وعلى ذلك مدار تسمية الحلف باليمين لانه يقوى الكلام ويؤكده
وقيل بسبب الحلف وهو قوله { وتالله لأكيجن اصنامكم } فلما رجعوا من عيدهم الى بيت الاصنام وجدوها مكسورة : يعنى [ باره باره كشته ] فسألوا عن الفاعل فظنوا عن ابراهيم عليه السلام فعله فقيل فاثبوا به(12/19)
فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94)
{ فاقبلوا } اى توجه المأمورون باحضاره { اليه } الى ابراهيم
قال ابن الشيخ اليه يجوز ان يتعلق بما قبله وبما بعده { يزفون } حال من واو اقبلوا اى يسرعون من زفيف النعام وهو ابتداء عدوها
قال فى المفردات اصل الزفيف فى هبوب الريح وسرعة النعامة التى تخلط الطيران بالمشى وزفزف النعام اذا اسرع ومنه استعير زف العروس استعارة ما تقتضى السرعة لالاجل مشيها ولكن للذهاب بها على خفة من السرور(12/20)
قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95)
{ قال } اى بعدما وتوا به وجرى بينهم وبينه من المحاورات ما نطق به قوله تعالى { قالوا أانت فعلت هذا بآلهتنا يا ابراهيم } الى قوله { لقد علمت ما هؤلاء ينطقون } { أتعبدون } همزة الاستفهام للانكار { ما تنحتون } ما تنحتونه من الاصنام فما موصولة . والنحت نحت الشجر والخشب ونحوهما من الاجسام : وبالفارسية [ تراشيدن يعنى آيامى يرستيند آنجه مى تراشيد ازسنك وجوب بدست خود ](12/21)
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)
{ والله خلقكم } حال من فاعل تعبدون مؤكدة للانكار والتوبيخ اى الحال انه تعالى خلقكم والخالق هو الحقيق بالعبادة دون المخلوق { وما تعملون } اى وخلق ما تعملونه من الاصنام وغيرها فان جواهر اصنامهم ومادتها بخلقه تعالى وشكلها وان كان بفعلهم لكنه باقدار الله تعالى اياهم عليه وخلقه ما يتوقف عليه فعلهم من الدواعى والعدد والاسباب فلم يلزم ان يكون الشئ مخلوقا لله تعالى ومعمولا لهم وظهر من فحوى الآية ان الافعال مخلوقة لله تعالى مكتسبة للعباد حسبما قالته اهل السنة والجماعة وبالاكتساب يتعلق الثواب والعقاب : قال المولى الجامى
فعل ماخواه زشت وخواه نكو ... يك بيك هست آفريدة او
نيك وبد كرجه مقتضاى قضاست ... اين خلاف رضا وآن برضاست(12/22)
قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97)
{ قالوا } [ كفت نمردود وخواص او ]
وقال السهيلى فى التعريف قائل هذه المقالة لهم فيما ذكر الطبرى اسمه الهيزن رجل من اعراب فارس وهم الترك وهو الذى جاء فى الحديث « بينا رجل يمشى فى حلة يتبختر فيها فخسف به فهو يتجلجل فى الارض الى يوم القيامة » { ابنوا له بنيانا } [ بنا كنيد براى سوختن ابراهيم بنايى واز هيزم برساخته آتش دران زنيد ] روى عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال بنوا حائطا من حجر طوله فى السماء ثلاثون ذراعا وعرضه عشرون ذراعا وملأوه حطبا واشعلوه نارا وطرحوه فيها كمال قال { فالقوه فى الجحيم } فى النار الشديدة الايقاد : وبالفارسية [ بس طرح كنيد ودر افكنيد اورا در آتش سوزان ] من الجمجمة وهى شدة التأجج والالتهاب واللام عوض عن المضاف اليه اى ذلك البنيان(12/23)
فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)
{ فارادوا به كيدا } اى شرا وهو ان يحرقوه بالنار عليه السلام لما قهر لهم بالحجة وألقمهم الحجر قصدوا ان يكيدوا به ويحتالوا لاهلاكه كما كاد اصنامهم بكسره اياهم لئلا يظهر للعامة عجزهم والكيد ضرب من الاحتيال كما فى المفردات { فجعلناهم الاسفلين } الاذلين بابطال كيدهم وجعله برهانا نيرا على علو شانه عليه السلام بجعل النرا عليه بردا وسلاما على ما سبق تفصيل القصة فى سورة الانبياء
فان قلت لم ابتلاه تعالى بالنار فى نفسه
قلت لان كل انسان يخاف بالطبع من ظهور صفة القهر كما قيل لموسى عليه السلام { ولا تخف سنعيدها سيرتها الاولى } فاراه تعالى ان النار لا تضر شيأ الا باذن الله تعالى وان ظهرت بصورة القهر وصفته وكذلك اظهر الجمع بين المتضادين بجعلها بردا وسلاما
وفيه معجزة قاهرة لاعدائه فانهم كانوا يعبدون النار والشمس والنجوم ويعتقدون وف الربوبية لها فاراهم الحق تعالى انها لا تضر الا باذن الله تعالى
وقد ورد فى الخبر ان النمردود لما شاهد النار كانت على ابراهيم بردا وسلاما قال ان ربك لعظيم نتقرب اليه بقرابين فذبح تقربا اليه آلافا كثيرة فلم ينفعه لاصراره على اعتقاد وعمله وسوء حاله : قال المولى الجامى
يافت ناكان آن حكيمك راه ... ييش جمعى زاو لياء الله
فصل دى بود ومنقل آتش ... شعله ميزد ميان ايشان خوش
شد بتقريب آتش ومنقل ... از خليل برى زنقص وخلل
ذكر آن قصة كهن بتمام ... كه برونار كشت برد وسلام
آن حكيمك زجهل واستكبار ... كفت بالطبع محرق آمدنار
آنجه بالطبع محرقست كجا ... كردد از متقضاى طبع جدا
يكى از حاضران زغيرت دين ... كفت هين دامنت بيار وببين
منقل آتشش بدامان ريخت ... آتش خجلتش زجان آنكيخت
كفت دركن ميان آتش دست ... هيج كرمى ببين در آتش هست
جون نه دستش بسوخت نى دامن ... شد ازان جهل اوبرو روشن
طبع راهم مسخر حق ديد ... جانش ازتيركئ عقل رهيد
اكر آن علم او يقين بودى ... قصة اوكى اينجنني بودى
علم كامد يقين زبيم زوال ... بيقين ايمن است درهمه حال(12/24)
وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)
{ وقال } ابراهيم بعدما انجاه الله تعالى من النار قاله لمن فارقه من قومه فيكون ذلك توبيخا لهم او لمن هاجر معه من اهله فيكون ذلك ترغيبا لهم { انى ذاهب الى ربى } اى مهاجر من ارض حرّان او من بابل او قرية بين البصرة والكوفة يقال لها هرمز بحره الى حيق امرنى ربى وهو الشام او الى حيث اتجرد فيه لعبادته تعالى أى موضع كان فان الذهاب الى ذات الرب محال اذ ليس فى جهة
وفى بحر العلوم ولعله امره الله تعالى بان يهجر دار الكفر ويذهب الى موضع يقدر على زيادة الصخرة التى هى قبلته وعلى عمارة المسجد الحرام او هى القرية التى دفن فيها كما امر نبينا بالجهرة من مكة الى المدينة
وفى بعض التواريخ دفن ابراهيم بارض فلسطين وهى بكسر الفاء وفتح اللام وسكون السين المهملة البلاد التى بين الشام وارض مصر منها الرملة وغزة وعسقلان وغيرها { سيهدين } الى مقتصدى الذى اردت وهو تعالى معه ولم يكن كذلك حال موسى حيث قال { عسى ربى ان يهدينى سواء السبيل } ولذلك اتى بصيغة التوقع
وهذه الآية اصل فى الهجرة من ديار الكفر الى ارض يتمكن فيها من اقامة وظائف الدين والطاعة واول من فعل ذلك ابراهيم هاجر مع لوط وصار الى الارض المقدسة
قال فى كشف الاسرار [ برذوق اهل معرفت { انى ذاهب الى ربى } اشارتست بانقطاع بنده ومعنى انقطاع باحق بريدنست در بدايت بجهد ودر نهايت بكل بدايت تن درسعى وزبان در ذكر وعمر در جهد ونهايت باخلق عاريت وباخود بيكانه واز تعلق آسوده ]
وصل ميسر نشود جز بقطع ... قطع نخست از همه ببريدنست
فمن بقى له فى القلب لمحة للعالم باسره الملك والملكوت لم ينفتح له باب العلم بالله من حيث المشاهدة ولم يدخل عالم الحقيقة
واسطى [ كفت خليل ازخلق بحق مى شد وحبيب ازحق بخلق مى آمد اوكه ازخلق بحق شود حق را بدليل شناسد واوكه ازحق بخلق آيد دليل را بحق شناسد ] روى ان ابراهيم عليه السلام لما جعل الله النار عليه بردا وسلاما واهلك عدوه النمردود وتزوج بسارة وكانت احسن النساء وجها وكانت تشبه حواء فى حسنها عزم الانتقال من ارض بابل الى الشام [ بس روى مبارك بشام نهاد ودران راه هاجر بدست ساره خاتون افتاد وآنرا بابراهيم بخشيد وجون هاجر ملك يمين وى شد دعا كرده كه ](12/25)
رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100)
{ رب } [ اى برودكار من ] { هب لى من الصالحين } المراد ولد كامل الصلاح عظيم الشأن فيه اى بعض الصالحين يعيننى على الدعوة والطاعة ويؤنسنى فى الغربة يعنى الولد لان لفظ الهبة على الاطلاق خاصا به وان كان قدورد مقيدا بالاخ فى قوله { ووهبنا له من رحمتنا اخاه هرون نبيا }(12/26)
فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)
ولقوله تعالى { فبشرناه بغلام حليم } فانه صريح فى ان المبشر به غيرما استوهبه عليه السلام . والغلام الطارّ الشارب والكهل ضد او من حين يولد الى ان يشيب كما فى القاموس
وقال بعض اهل اللغة الغلام من جاوز العشر واما من دونها فصبى والحليم من لا يعجل فى الامور ويتحمل المشاق ولا يضطرب عند اصابة المكروه ولا يحركه الغضب بسهولة . والمعنى بالفارسية [ يس مرده داديم اورا يفرزندى بردبار يعنى جون ببلوغ رسد حليم بود ] ولقد جمع فيه بشارات ثلاث بشارة انه غلام وانه يبلغ اوان الحلم فان الصبى لا يوصف بالحلم وانه يكون حليما وأى حلم يعادل حلمه حين عرض عليه ابوه الذبح وهو مراهق فاستسلم
قال الكاشفى [ بس خداى تعالى اسماعيل را ازهاجر بوى ارزانى داشت وبحكم سبحانه از زمين شام هاجر يسر آورده را بمكة برد واسماعيل آنجا نشو ونمايافت ](12/27)
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)
{ فلما بلغ } الغلام { معه } مع ابراهيم { السعى } الفاء فصيحة معربة عن مقدر اى فوهبنا له فنشأ فلما بلغ رتبة ان يسعى معه فى اشغاله وحوائجه ومصالحه ومعه متعلق بالسعى وجاز لانه طرف فيكفيه رائحة من الفعل لا يبلغ لاقتضائه بلوغهما معا حد السعى ولم يكن معا كذا فى بحر العلوم . وتخصيصه لان الادب اكمل فى الرفق والاستصلاح فلا نستسعيه قبل اوانه لانه استوهبه لذلك وكان له يومئذ ثلاث عشرة سنة { قال } ابراهيم { يا بنى } [ اى بسرك من تصغيرشفقت است ] { انى ارى فى المنام انى اذبحك } قربانا لله تعالى اى ارى هذه الصورة بعينها او ما هذه عبارته وتأويله
وقيل انه رأى ليلة التروية كأن قائلا يقوله له ان الله يأمرك بذبح ابنك هذا فلما اصبح روّى فى ذلك من الصباح الى الرواح أمن الله تعالى هذا الحلم ام من الشيطان فمن ثمة سمى يوم التروية فلما امسى رأى مثل ذلك فعرف انه من الله تعالى فمن ثمة سمى يوم عرفة ثم رأى فى الليلة الثالثة فهم بنحره فسمى اليوم يوم النحر { فانظر ماذا } منصوب بقوله { ترى } من الرأى فيما القيت اليك : وبالفارسية [ بس در نكر درين كارجه جيزى بينى رأى توجه تقاضا ميكند ] فانما يسأله عما يبديه قلبه ورأيه أى شئ هل هو الامضاء او التوقف فقوله ترى من الرأى الذى يخطر بالبال لا من رؤية العين وانما شاوره فيه وهو امر محتوم ليعلم ما عنده فيما نزل من بلاء الله تعالى فتثبت قدمه ان جزع ويأمن ان سلم ويكتسب المثوبة عليه بالانقياد له قبل نزوله وتكون سنة فى المشاورة . فقد قيل لو شاور آدم الملائكة فى اكله من الشجرة لما فرط منه ذلك { قال يا ابت افعل } [ كفت اى بدربكن ] { ما تؤمر } [ آنجه فرموده شد بدان ] اى ما تؤمر به فحذف الجار او لا على القاعدة المطردة ثم حذف العائد الى الموصول بعد انقلابه منصوبا بايصاله الى الفعل او حذفا دفعة او افعل امرك اضافة المصدر الى المفعول وتسمية المأمور به امرا وصيفة المضارع حيث لم يقل ما امرت للدلالة على ان الامر متعلق به متوجه اليه مستمر الى حين الامتثال به ولعله فهم من كلامه انه رأى ذبحه مأمورا به ولذا قال ما تؤمر وعلم ان رؤيا الانبياء حق وان مثل ذلك لا يقدمون عليه الا بامر
وانما امر به فى المنام دون اليقظة مع ان غالب وحى الانبياء ان يكون فى اليقظة ليكون مبادرتهما الى الامتثال ادل على كمال الانقياد والاخلاص . قالوا رؤيا الانبياء حق من قبيل الوحى فانه يأتيهم الوحى من الله ايقاظا اذ لا تنام قلوبهم ابدا ولانه لطهارة نفوسهم ليس للشيطان عليهم سبيل
وفى اسئلة الحكم لم امر الله تعالى ابراهيم بذبح ولده فى المنام ورؤيا الانبياء حق وقتل الانسان بغير حق من اعظم الكبائر
قيل امره فى المنام دون اليقظة لانه ليس شئ ابغض الى الله من قتل المؤمن { ستجدنى } [ زود باشد كه يابى مرا ] ثم استعان بالله فى الصبر على بلائه حيث استثنى فقال { ان شاء الله } ومن اسند المشيئة الى الله تعالى والتجأ اليه لم يعطب { من الصابرين } على الذبح او على قضاء الله تعالى قال الذبيح من الصابرين ادخل نفسه فى عداد الصابرين فرق عليه وموسى عليه السلام تفرد بنفسه حيث قال للخضر(12/28)
{ ستجدنى ان شاء الله صابرا } فخرج . والتفويض اسلم من التفرد واوفق لتحصيل المرام ولما كان اسماعيل فى مقام التسليم والتفويض الى الله تعالى وقف وصبر ولما كان موسى فى صورة المتعلم ومن شأن المتعلم ان يتعرض لاسناذه بالاعتراض فيما لم يفهمه خرج ولم يصبر
وقال بعضهم ظاهر موسى تعرض وباطنه تسليم ايضا لانه انما اعترض على الخضر بغيره الشرع(12/29)
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)
{ فلما اسلما } اى استسلم ابراهيم وابنه لامرا الله وانقادا وحضعا له : وبالفارسية [ بس هنكام كه كردن نهادند خدايرا ] يقال سلم لامر الله واسلم واستسلم بمعنى واحد قرئ بهن جميعا واصلها من قولك سلم هذا لفلان اذا خلص له ومعناه سلم ان ينازع فيه وقولهم سلم لامر الله واسلم له منقولان منه ومعناهما اخلص نفسه لله وجعلها سالمة وكذلك معنى استسلم استخلص نفسه لله تعالى
وعن قتادة فى اسلما اسلم ابراهيم ابنه واسماعيل نفسه { وتله للجبين }
قال فى القاموس تله صرعه والقاه على عنقه وخده . والجبين احد جانبى الجبهة فللوجه فوق الصدغ جبينان عن يمين الجبهة وشمالها
قال الراغب اصل التل المكان المرتفع والتليل العنق وتله للجبين اسقطه على التل او على تليله
وقال غيره صرعه على شقه فوقع جبينه على الارض لمباشرة الامر بصبر وجلد ليرضيا الرحمن ويحزنا الشيطان وكان ذلك عند الصخرة من منى او فى الموضع المشرف على مسجد منى او فى المنحر الذى ينحر فيه اليوم وروى ان ابليس عرض لابراهيم عند جمرة العقبة فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم عرض له عند الجمرة الكبرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب تم مضىبراهيم لامر الله تعالى وعزم على الذبح ومنه شرع رمى الجمرات فى الحج فهو من واجبات الحج يجب بتركه الفدية باتفاق الائمة
قال فى التأويلات النجمية ومن دقة النظر فى رعاية آداب العبودية فى حفظ حق الربوبية فى القصة ان اسماعيل امر اباه ان يشد يديه ورجليه لئلا يضطرب اذا مسه ألم الذبح فيعاتب ثم لما هم بذبحه قال افتح القيد عنى فانى اخشى ان اعاتب فيقال لى أمشدود اليد حبيبى يطيعنى
ولوبيد الحبيب سقيت سما ... لكان السم من يده يطيب
وقد قيل ضرب الحبيب يطيب
ازدست تومشت بردهان خوردن ... خوشتركه بدست خويش نان خوردن(12/30)
وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)
{ وناديناه ان } مفسرة لمفعول ناديناه المقدر اى ناديناه بلفظ هو قولنا { يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا } بالعزم على الاتيان بالمأمور به وترتيب مقدماته : وبالفارسية [ بدرستى كه راست كردى خوابى كه ديده بودى ]
وفى شرح الفصوص للمولى الجامى اى حققت الصورة المرئية وجعلتها صادقة مطابقة للصورة الحسية الخارجية بالاقدام على الذبح والتعرض لمقدماته وقد قيل انه امر السكين بقوته على حلقه مرارا فلم يقطع ثم وضع السكين على قفاه فانقلب السكين
آن توكل توخليلانه ترا ... تانبرد تيغت اسماعيل را
فعند ذلك وقع النداء
وفى الخبر سأل نبينا عليه السلام جبريل هل اصابك مشقة وتعب فى نزولك من السماء قال نعم فى اربعة مواضع . الاول حين القى ابراهيم فى النار كنت تحت العرش قال الله تعالى ادرك عبدى فادركته وقلت له هل لك من حاجة فقال اما اليك فلا . والثانى حين وضع ابراهيم السكين على حلق اسماعيل كنت تحت العرش قال الله تعالى ادرك عبدى فادركته طرفة عين فقلبت الكسين . والثالث حين شبحك الكفار وكسروا رباعيتك يوم احد قال الله تعالى ادرك دم حبيبى فانه لوسقطن من دمه على الارض قطرة ما اخرجت منها نباتا ولا شجرا فقبضت دمك بكفى ثم رميته فى الهواء . والرابع حين القى يوسف فى الجب قال الله تعالى ادرك عبدى فادركته قبل ان وصل الى قعر الجب واخرجت حجرا من اسفل البئر فاجلسته عليه . وجواب لما محذوف ايذانا بعدم وفاء التعبير بتفاصيل كأنه قيل كان ما كان مما لا يحيط به نطاق البيان من استبشارهما وشكر هما لله تعالىعلى ما انعم الله به عليهما من رفع البلاء بعد حلوله والتوفيق سلما لم يوفق احد لمثله واظهار فضلهما بذلك على العالمين مع احراز الثواب العظيم الى غير لك
قال بعض العارفين الانسان مجبول على حب الولد فاقتضت غيره الخلة ومقام المحبة ان يقطع علاقة القلب عن غيره فامر بذبح ولده امتحانا واختبارا له ببذل احب الاشياء فى سبيل الله من غير توقف واشعارا للملائكة بانه خليل الله لا يسعه غير الحق فليس المبتغى منه تحصيل الذبح انما هو اخلاء السر عنه وترك عادة الطبع
وقال المولى الجامى غلبت عليه محبة الحق حتى تبرأ من ابيه فى الحق ومن قومه وتصدى لذبح ابنه فى سبيل الله وخرج عن جميع ماله مع كثرته المشهورة لله تعالى ورد فى الخبر انه كان له خمسة آلاف قطيع من الغنم فتعجب الاغنام عليها اطواق الذهب فطلع ملك فى صورة آدمى على شرف الوادى فسبح قائلا سبوح قدوس رب الملائكة والروح فلما سمع الخليل تسبيح حبيبه اعجبه وشوّقه نحو لقائه فقال يا انسان كرر ذكر ربى فلك نصف مالى فسبح بالتسبيح المذكور فقال كرر تسبيح خالقى فلك جميع اموالى مما ترى من الاغنام والغلمان وكانوا خسمة آلاف غلام فانصفت الملائكة وسلمت بخلته كما سلمت بخلافة آدم وهذا من جملة الاسرار التى جعل بها ابا ثانيا لنا
يقول الفقير اغناه الله القدير سمعت من شيخى قدس سره انه قال ان ابراهيم له الاحراز بجميع مراتب التوحيد مراتب التوحيد من الافعال والصفات والذات وذلك لان الحجب الكلية ثلاثة هى المال والولد والبدن فتوحيد الافعال انما يحصل بالفناء عن المال وتوحيد الصفات بالفناء عن الولد وتوحيد الذات بالفناء عن الجسم والروح فتلك الحجب على الترتيب بمقابلة هذه المقامات من التوحيد فاخذت الله من ابراهيم المال تحقيقا للتوحيد الاول وابتلاه بذبح الولد تحقيقا للتوحيد الثانى وبجسمه حين رمى به فى نار نمرود تحقيقا للتوحيد الثالث فظهر بهذا كله فناؤه فى الله وبقاؤه بالله حققنا الله وايكم بحقيقة التوحيد واوصلنا واياكم الى سر التجريد والتفريد { انا كذلك نجزى المحسنين } تعليل لتفريج تلك الكربة عنهما باحسانهما واحتج به من جوز النسخ قبل وقوع المأمور به فانه عليه السلام كان مأمورا بالبذبح ولم يحصل
قال فى اسئلة المقحمة وهذه القصة حجة على المعتزلة فان الآية تدل على ان الله تعالى قد يأمر بالشئ ولا يريده فانه تعالى امر ابراهيم بذبح ولده ولم يرد ذلك منه والمعتزلة لا يجوزون اختلاف الامر والارادة(12/31)
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106)
{ ان هذا } [ بدرستى كه اين كار ] { لهو البلؤا المبين } الابتلاء البين الذى يتميز فيه المخلص من غيره او المحنة البينة الصعوبة اذ لا شئ اصعب منها
قال البقلى اخبر سبحانه وتعالى ان هذا بلاء فى الظاهر ولا يكون بلاء فى الباطن لان فى حقيقته بلوغ منازل المشاهدات وشهود اسرار حقائق المكاشفات وهذا من عظائم القربات واصل البلاء ما يحجبك عن مشاهدة الحق لحظة ولم يقع هذا البلاء بين الله وبين احبابه قط فالبلاء لم عين الولاء
قال الحريرى البلاء على ثلاثة اوجه على المخالفين نقم وعقوبات وعلى السابقين تمحيص وكفارات وعلى الاولياء والصديقين نوع من الاختبارات
جاميا دل بغم ودرد نه اندرره عشق ... كه مردره آنكس كه نه اين درد كشيد(12/32)
وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)
{ وفديناه بذبح } بما يذبح بدله فيتم به الفعل المأمور وهر فرى الاوداج وانهار الدم اى جعلنا الذبح بالكسر اسم لما يذبح فداء له وخصلناه به من الذبح : وبالفارسية [ وفدا داديم اسماعيل را بكبشى ] والفادى فى الحقيقة هو ابراهيم وانما قال وفديناه لانه تعالى هو المعطى له والآمر به على التجوز فى الفداء او الاسناد { عظيم } اى عظيم الجثة سمين وهى السنة فى الاضاحى كما قال عليه السلام « عظموا ضحاياكم فانها على الصراط مطاياكم » او عظيم القدر لانه يفدى به الله نبيا نبيين عظيمين احدهما اعظم من الآخر وهما اسماعيل ومحمد عليهما السلام لانه كان محمد فى صلب اسماعيل انتهى
وفى اسئلة الحكم لم عظم الله الذبح مع ان البدن اعظم فى القربان من الكبش لانها تنوب عن سبعة الجواب لشدة المناسبة بين الكبش وبين النفس المسلمة الفانية فى الله فانه خلق مستسلما للذبح فحسب فيكون الكبش فى الآخرة صورة الموت يذبح على الصراط كما كان صورة الفناء الكلى والتسليم والانقياد ولذلك المعنى عظمه الله تعالى لان فضل كل شئ بالمعنى لا بالصورة اذ فضل الصورة تابع لفضل المعنى بخلاف البدنة فان المقصود الاعظم منها الركوب وحمل الاثقال عليها قيل كان ذلك كبشا من الجنة
وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه الكبش الذى قربه هابيل فتقبل منه وكان يرعى فى الجنة حتى فدى به اسماعيل وحينئذ تكون النار التى نزلت فى زمن هابيل لم تأكله بل رفعته الى السماء وحينئذ يكون قول بعضهم فنزلت النار فاكلته محمولا على التسمح كما فى انسان العيون . ويحتمل ان تتجسم الروح كما تتجسم المعانى وتبقى ابدا فلا ينافى ان تأكله النار فى زمن هابيل ان يذبحه ابراهيم ثانيا
وروى انه هرب من ابراهيم عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتى اخذه فبقى سنة فى الرمى
وروى انه رمى الشيطان حين تعرض له بالوسوسة عند ذبح ولده كما سبق
وروى انه لما ذبحه قال جبريل « الله اكبر الله اكبر » فقال الذبح « لا اله الا الله والله اكبر » فقال ابراهيم « الله اكبر ولله الحمد » فبقى سنة
واعلم ان الذبح ثلاثة وهو ذبح هابيل ثم ذبح ابراهيم ثم ذبح الموت فى صورة الكبش . وكذا الفداء فانه فداء اسماعيل بكبش هابيل وفداء المؤمنين يوم القيامة يفدى عن كل مؤمن بكافر يأخذ المؤمن بناصيته فيلقيه فى النار وفداء الله عن الحياة الابدية بالموت يذبح فى صورة الكبش على الصراط فيلقى به فى النار بشارة لاهل الجنة بالخلود الدائم وتبكيتا لاهل النار بالعقوبة الدائمة
ففيه اشارة الى مراتب التوحيد فذبح هابيل اشارة الى توحيد الذات والفناء الكلى فى ذات الله تعالى فذبحه اعظم من كل ذبح وفداؤه اتم من كل فداء
قالوا ان الدم اذا تعين على الحاج فلا يسقط عمن تعين عليه ولما تعين ذبح ولد ابراهيم لم يسقط عنه الدم اصلا ففداه الله تعالى بكبش عظيم حيث جعله بدل افساد نبى مكرم فحصل الدم ان وجب فلا يرتفع ولذا من نذر بذبح ولده لزمه شاة عند الحنفية فصارت صورة ولد ابراهيم صورة الكبش يساق الى الجنة يدخل فيها فى أى صورة شاء فذبحت صورة الكبش ولبست صورة ولد ابراهيم صورة الكبش وهذا سبب العقيقة التى كل انسان مرهون بعيقته ولو لم يفد الله بالكبش لصار ذبح الناس واحدا من ابنائهم سنة الى يوم القيامة
وتحقيق المقام انه كان كبش ظهر فى صورة ابن ابراهيم فى المنام لمناسبة واقعة بينهما وهى الاستسلام والانقياد فكان مراد الله الكبش لا ابن ابراهيم فما كان ذلك المرئى عند الله الا الذبح العظيم متمثلا فى صورة ولده ففدى الحق ولده بالذبح العظيم وهذا كمال ان العلم يرى فى صورة اللبن فليس ما يرى فى حضرة الخيال عين اللبن وحقيقته فلو تجاوز ابراهيم عليه السلام عما رآه فى حضرة الخيال الى المعنى المقصود منه بان يعبر ذبح ابنه فى منامه بذبح الكبش الذى فى صورته لما ظهر لاهل الآفاق كمال فنائه وتمام استسلامه وكذلك انقياد ابنه لكن الله سبحانه اراد اراءة استسلامهما واظهار انقيادهما لامره تعالى فاخفىعليه تعبير رؤياه وستر المقصود من المنام حتى صدق الرؤيا وفعل ما فعل لتلك الحكمة العيلة
واختلف ( فى ان الذبيح اسماعيل او اسحاق فذهب اكثر المفسرين الى الاول لوجوده ذكرت فى التفاسير ولان قرنى الكبش كانا معلقين بالكعبة الى ان احترق البيت واحترق القرنان فى ايام ابن الزبير والحجاج ولم يكن اسحاق ثمة
وفى فضائل القدس كان فى السلسة التى فى وسط القبة على صخرة الله درة يتيمة وقرنا كبش ابراهيم وتاج كسرى معلقات فيها ايام عبد الملك بن مروان فلما صارت الخلافة الى بنى هاشم حولوا الى الكعبة حرسها الله انتهى
يقول الفقير هذا يقتضى ان لا تأكل النار الكبش الذى جاء فداء لان بقاء القرن من موجبات ذلك واكل النار القربان كان عادة الهية من لدن آدم الى زمان نبينا عليه السلام ثم رفع عن قربان هذه الامة
اللهم الا ان يحمل على احد وجوه .(12/33)
الاول ان معنى اكل النار القربان احراقه بحيث يخرج عن الانتفاع به وهذا لا يوجب كون القرنين حريقين بالكلية . والثانى ان الذى كان يحرقه النار ليس جثة القربان بمجموعها من القرن الى القدم بل ثروبه واطايب لحمه كما روى ان بنى اسرائيل كانوا اذا ذبحوا قربانا وضعوا ثروبه واطايب لحمه فى موضع فيدعو النبى فتأتى نار فتأكله فلا يلزم ان يكون جميع اجزائه مأكولة محروقة .(12/34)
والثالث انه محمول على التمسح كما سب فى قربان هابيل
فان قلت قد صح ان عبد المطلب نذر ان يذبح ولدا ان سهل الله حفر بئر زمزم او بلغ بنوه عشرة فلما سهل الله فخرج السهم على عبد الله والد رسول الله منعه اخواله ففداه بمائة من الابل ولذلك سنت الدية بمائة فقد روى انه فرق لحوم القرابين المذكورة الى الفقراء ولم تأكلها النار فكيف كان سنة الهية بين جميع الملل
قلت المتقرب ان كان جاهليا فلا شك ان قربانه غير معتد به وان كان اسلاميا فلا بد ان يكون فى محضر بنى من الانبياء اذ هو الذى يدعو فتأتى النار كما لا يخفى على من له حظ او فى من علم التفسير والتأويل ) وذهب ( الى الثانى بعض ارباب الحقائق والتوفيق بين الروايتين عند التحقيق ان صورة الذبح جرى فى الظاهر الى حقيقة اسماعيل اولا ثم سرى ثانيا الى حقيقة اسحاق لتحققه ايضا بمقام الارث الا براهيمى من التسليم والتفويض والانقياد الذى ظهر فى صورة الكبش ولهذا السر اشتركا فى البشارة الالهية { وبشرناه بغلام حليم : وبشرناه باسحق } فكان اسماعيل واسحاق مختلفين فى الصورة والتشخيص متفقين فى المعنى والحقيقة فان شئت قلت ان الذبيح هو اسماعيل وان شئت قلت انه اسحاق فانت مصيب فى كل من القولين فى الحقيقة لما عرفت ان احدهما عين الآخر فى التحقق بسر ابراهيم عليه وعليهما السلام الى يوم القيام(12/35)
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108)
{ وتركنا عليه } اى ابقينا على ابراهيم { فى الآخرين } من الامم(12/36)
سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109)
{ سلام على ابراهيم } اى هذا الكلام بعينه كما سبق فى قصة نوح(12/37)
كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110)
{ كذلك نجزى المحسنين } الكاف متعلقة بما بعدها وذلك اشارة الى ابقاء ذكره الجميل فيما بين الامم الى ما اشير اليه فيما سبق فلا تكرار اى مثل ذلك الجزاء الكامل نجزى المحسنين لا جزاء ادنى منه يعنى ان ابراهيم من المحسنين وما فعلناه به مما ذكر مجازاة له على احسانه(12/38)
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111)
{ انه من عبادنا المؤمنين } الراسخين فى الايمان على وجه الايقان والاطمئنان
وفى التأويلات النجمية اى من عبادنا المخلصين لا من عباد الدنيا والهوى والسوى(12/39)
وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112)
{ وبشرناه } اى ابراهيم : والتبشير بالفارسية [ مزده دادن ] وهو الاخبار بما يظهر سرورا فى المخبر به ومنه تباشير الصبح لما ظهر من اوائل ضوئه { باسحق } من سارة رضى الله عنها { نبيا من الصالحين } اى مقضيا بنبوته مقدرا كونه من الصالحين وبهذا الاعتبار وقعا حالين ولا حاجة الى وجود المبشر به وقت البشارة فان وجود ذى الحال ليس بشرط وانما الشرط مقارنة تعلق الفعل به لاعتبار معنى الحال
وفى التاويلات النجمية { نبيا } اى ملهما من الحق تعالى كما قال بعضهم حدثنى قلبى عن ربى { من الصالحين } اى من المستعدين لقبول الفيض الالهى بلا واسطة انتهى .
وفى ذكر الصلاح بعد النبوة تعظيم لشأنه وايماء الى انه الغاية لها لتضمنها معنى الكمال والتكميل بالفعل على الاطلاق وقد سبق الكلام المشبع فيه فى اواخر سورة يوسف(12/40)
وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113)
{ وباركنا عليه } على ابراهيم فى اولاده : وبالفارسية [ وبركت داديم بر ابراهيم ] { وعلى اسحق } بان اخرجنا من صلبه انبياء من بنى اسرائيل وغيرهم كايوب وشعيب او افضنا عليهما بركات الدين والدنيا { ومن ذريتهما محسن } فى عمله او لنفسه بالايمان والطاعة { وظالم لنفسه } بالكفر والمعاصى { مبين } ظاهر ظلمه
وفيه تنبيه على ان الظلم فى اولادهما وذريتهما لا يعود عليهما بعيب ولا نقيصة وان المرء يجازى بما صدر من نفسه طاعة او معصية لا بما صدر من اصله وفرعه كما قال { ولا تزر وازرة وزر اخرى } وان النسب لا تأثير له فى الصلاح والفساد والطاعة والعصيان فقد يلد الصالح العاصى والمؤمن الكافر وبالعكس ولو كان ذلك بحسب الطبيعة لم يتغير ولم يتخلف
وفيه قطع لاطماع اليهود المفاخرين بكونهم اولاد الانبياء وفى الحديث « يا بنى هاشم لا يأتينى الناس باعمالهم وتأتونى بانسابكم » الواو فى وتأتونى واو الصرف ولهذا نصب وتأتونى حذف نون تأتون علامة للنصب وهذه النون نون الوقاية اى لا يكون اعمال الناس وانسابكم مجتمعين فائتونى بالاعمال والغرض تقبيح افتخارهم لديه عليه السلام بالانساب حين يأتى الناس بالاعمال
أتفخر باتصالك من علىّ ... واصل البولة الماء القراح
وليس بنافع نسب زكى ... تدنسه صنائعك القباح
وقال بعضهم
وما ينفع الاصل من هاشم ... اذا كانت النفس من باهله
وقبيلة باهلة عرفوا بالدناءة لانهم كانوا يأكلون بقية الطعام مرة ثانية ويأكلون نقى عظام الميتة
كر بنكرى باصل همه بنى آدمند ... زان اعتبار جملة عزيز ومكرمند
بيش اند ناس صورة نسناس سيرتان ... خلقى كه آدمند بخلق وكرم كمند
وفى المثل « ذهب الناس وما بقى الا النسناس » وهم الذين يتشبهون بالناس وليسوا بالناس او هم خلق فى صورة الناس وقال بعضهم
اصل را اعتبار جندان نيست ... روى همجوورد خندان نيست
مى زغوره شود شكر ازنى ... عسل از نحل حاصلست بقى
فعلى العاقل ترك الاغترار بالانساب والاحساب والاجتهاد فيما ينفعه يوم الحساب
وكان زين العابدين رضى الله عنه يقول اللهم انى اعوذ بك ان تحسن فى لوامع العيون علانيتى وتقبح سريرتى ومن الله التوفيق(12/41)
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114)
{ ولقد مننا على موسى وهرون } المنان فى صفة الله تعالى المعطى ابتداء من غير ان يطلب عوضا يقال منّ عليه منا اذا اعطاه شيأ ومنّ عليه منة اذا اعد نعمته عليه وامتن وهو مذموم من الخلق لا من الحق كما قال تعالى { بل الله يمن عليكم } والمعنى وبالله لقد انعمنا على موسى واخيه هارون بالنبوة وغيرها من النعم الدينية والدنيوية(12/42)
وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115)
{ ونجيناهما وقومهما } وهم بنو اسرائيل { من الكرب العظيم } من تعذيب فرعون واذى قومه القبط وقد سبق معنى الكرب فى هذه السورة ولما كانت النتيجة عبارة عن التخليص من المكروه وهى لا تقتضى الغلبة اتبعها بقوله(12/43)
وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116)
{ ونصرناهم } اى موسى وهارون وقومهما { فكانوا } بسبب ذلك { هم } فحسب { الغالبين } على عدوهم فرعون وقومه غلبة لا غاية وراءها بعد ان كان قومهما فى اسرهم وقسرهم مقهورين تحت ايديهم
وفيه اشارة الى تنجية موسى القلب وهارون السر من غرق بحر الدنيا وماء شهواتها ونصرتهما مع صفاتهما على فرعون النفس وصفاتها فليصبر المجاهدون على انواع البلاء الى ان تظهر آثار الولاء فان آخر الليل ظهور النهار وغاية الخريف والشتاء طلوع الازهار والانوار : قال الحافظ
جه جورها كه كشيدند بلبلان ازدى ... ببوى آنكه دكر نوبهار باز آمد(12/44)
وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117)
{ وآتيناهما } بعد ذلك المذكور من النتيجة { الكتاب المستبين } اى البليغ والمتناهى فى البيان والتفصيل وهو التوراة فانه كتاب مشتمل على جميع العلوم التى يحتاج اليها فى مصالح الدين والدنيا قال تعالى { انا انزلنا التورة فيها هدى ونور } فاستبان مبالغة بان بمعنى ظهر ووضح وجعل الكتاب بالغا فى بيانه من حيث انه لكماله فى بيان الاحكام وتمييز الحلال عن الحرام كأنه يطلب من نفسه ان يبينها ويحمل نفسه على ذلك وقيل هذه السين كهى فى قوله يستسخرون فان بان واستبان وتبين واحد نحو عجل واستعجل وتعجل فيكون معناه الكتبا المبين(12/45)
وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118)
{ وهديناهما } بذلك الكتاب { الصراط المستقيم } الموصل الى الحق والصواب بما فيه من تفاصيل الشرائع وتفاريع الاحكام
وفى كشف الاسرار وهديناهما دين الله الاسلام اى ثبتناهما عليه واستعير الصراط المستقيم من معناه الحقيقى وهو الطريق المستوى للدين الحق وهو ملة الاسلام وهذا امر تحقق عقلا فقد نقل اللفظ الى امر معلوم من شانه ان ينص عليه ويشار اليه اشارة عقلية ولاجل تحققه سميت هذه الاستعارة بالتحقيقية
وفيه اشارة الى ايتاء العلوم الحقيقة والالهامات الربانية والهداية بذلك الى الحضرة الواحدية والاحدية(12/46)
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ (119) سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120)
{ وتركنا عليهما فى الآخرين سلام على موسى وهارون } اى ابقينا عليهما فيما بين الامم الآخرين هذا الذكر الجميل والثناء الجزيل فهم يسلمون عليهما ويقولون سلام على موسى وهارون ويدعون لهما دعاء دائما الى يوم الدين(12/47)
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121)
{ انا كذلك } اى مثل هذا الجزاء الكامل { نجزى المحسنين } لذين هما من جملتهم لاجزاء قاصرا عنه(12/48)
إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122)
{ انهما من عبادنا المؤمنين } يشير الى ان طريق الاحسان هو الايمان فالايمان هو مرتبة الغيب والاحسان هو مرتبة المشاهدة ولما كان الايمان ينشأ عن المعرفة كان الاصل معرفة الله والجرى على مقتضى العلم فالانسان من حيث ما يتغذى نبات ومن حيث ما يحس ويتحرك حيوان ومن حيث الصورة التخطيطية فكصورة فى جدار وانما فضيلته بالنطق والعلم والفهم وسائر الكمالات البشرية وفى الحديث « ما فضلكم ابو بكر بكثير صوم ولا صلاة ولكن بسرّ وقر فى صدره » ومن آثار هذا السر الموقور ثباته يوم موت الرسول عليه السلام وعدم تغيره كسائر الاصحاب حيث صعد المنبر وقرأ { وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل } الآية فكان ايمانه اقوى وثباته اوفى ومشاهدته اعلى(12/49)
وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123)
{ وان الياس لمن المرسلين } اى الى بنى اسرائيل وهو الياس بن ياسين بن شير بن فخاص بن الغيرار بن هارون ابن عمران وهو من سبط هارون اخى موسى بعث بعد موسى هذا هو المشهور وعليه الجمهور ودل عليه ما فى بعض المعتبرات ان الموجود من الانبياء بابدانهم العنصرية اربعة اثنان فى السماء ادريس وعيسى واثنان فى الارض الخضر والياس فادريس والياس اثنان من حيث الهوية والتشخيص
وقال جماعة من العلماء منهم احمد بن حنبل ان الياس هو ادريس ويعقوب هو اسرائيل ويونس هود والنون وعيسى هو المسيح ومحمد هو احمد صلوات الله عليهم اجمعين ووافقهم فى ذلك بعص اكابر المكاشفين فعلى هذا معناه ان هوية ادريس مع كونها قائمة فى انيته الياس الباقى الى الآن فتكون من حيث العين والحقيقة واحدة ومن حيث التعين الصورى اثنتين كنحو جبرائيل وميكائيل وعزرائيل يظرهون فى الآن الواحد فى مائة الف مكان بصور شتى كلها قائمة بهم وكذلك ارواح الكمل كما يروى عن قضيب البان الموصلى قدس سره انه كان يرى فى زمان واحد فى مجالس متعددة مشتغلا فى كل بامر غير ما فى الآخر وليس معناه ان العين خلع الصورة الادريسية ولبس الصورة الالياسية والالكان قولا بالتناسخ(12/50)
إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124)
{ اذ قال } اى اذكر وقت قوله { لقومه ألا تتقون } اى عذاب الله تعالى : وبالفارسية [ آيانمى ترسيد ازعذاب الهى ](12/51)
أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125)
{ أتدعون بعلا } أتعبدونه اى لا تعبدوه ولا تطلبوه منه الخير . والبعل هو الذكر من الزوجين ولما تصور من الرجل استعلاء على المرأة فجعل سائسها والقائم عليها شبه كل مستعل على غيره به فسمى باسمه فسمى العرب معبودهم الذى يتقربون به الى الله بعلا لاعتقادهم ذلك . فالبعل اسم صنم كان لاهل بك من الشام وهو البلد المعروف اليوم ببعلبك وكان من ذهب طوله عشرون ذراعا وله اربعة اوجه وفى عينيه ياقوتتان كبيرتان فتنوا به وعظموه حتى اخدموه اربعمائة سادن وجعلوهم انبياءه فكان الشيطان يدخل جوفه ويتكلم بشريعة الضلالة والسدنة يحفظونها ويعلمونها الناس { وتذرون احسن الخالقين } وتتركون عبادته(12/52)
اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126)
{ الله ربكم ورب آبائكم الاولين } بالنصب على البدلية من احسن الخالقين والتعرض لذكر ربوبيته تعالى لآبائهم للاشعار ببطلان آرائهم ايضا . ثم ان الخلق حقيقة فى الاختراع والانشاد والابداع ويستعمل ايضا بمعنى التقدير والتصوير وهو المراد به ههنا لان الخلق بمعنى الاختراع لا يتصور من غير الله حتى يكون هو احسنهم كما قال الراغب
ان قيل قوله { فتبارك الله احسن الخالقين } يدل على انه يصح ان يوصف غيره بالخلق
قيل ذلك معناه احسن المقدرين او يكون على تقدير ما كانوا يعبدون ويزعمون ان غير الله يبدع فكأنه قيل وهب ان ههنا مبدعين وموجدين فالله تعالى احسنهم ايجادا على ما يعتقدون كما قال خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم انتهى .
وعبد الخالق عند الصوفية المتحققين هو الذى يقدر الاشياء على وفق مراد الحق لتجليه له بوصف الخلق والتقدير فلا يقدر الا بتقديره له تعالى
قال الامام الغزالى رحمه الله اذا بلغ العبد فى مجاهدة نفسه بطريق الرياضة فى سياستها وسياسة الخلق مبلغا ينفرد فيه باستنباط امور لم يسبق اليها ويقدر مع ذلك على فعلها والترغيب فيها كان كالمخترع لما لم يكن له وجود قبل اذ يقال لواضع الشطرنج انه الذى وضعه واخترعه حيث وضع ما لم يسبق اليه انتهى .
يقول الفقير ان بعض الكمل كانوا يتركون فى مكانهم بدلا منهم على صورتهم وشكلهم ويكونون فى امكنة فى آن واحد كما روى عن قضيب البان فيما سبق فهو من اسرار هذا المقام لانه انما يقدر عليه بعد المظهرية للاسم الخالق والوصول الى سره فاعرف واكتم وصن وصم(12/53)
فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127)
{ فكذبوه } اى الياس { فانهم } بسبب تكذيبهم اياه { لمحضرون } لمدخلون فى النار والعذاب لا يغيبون منها ولا يخفف عنهم كقوله { وما هم بمخرجين } لان الاحضار المطلق مخصوص بالشر عرفا(12/54)
إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128)
{ الا عباد الله المخلصين } استثناء متصل من فاعل كذبوه
وفيه دلالة على ان من قومه من لم يكذبه ولم يحضر فى العذاب وهم الذين اخلصهم الله تعالى بتوفيقهم للايمان والعمل بموجب الدعوة والارشاد(12/55)
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (129)
{ وتركنا عليه } وابقينا على الياس { فى الآخرين } من الامم(12/56)
سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130)
{ سلام على الياسين } اى هذا الكلام بعينه فيدعون له ويثنون عليه الى يوم القيامة وهو لغة فى الياس كسيناء فى سينين فان كل واحد من طور سيناء وطور سينين بمعنى الآخر زيد فى احدهما الياء والنون فكذا الياس والياسين وقرئ باضافة آل الى ياسين لانهما فى المصحف مفصولان فيكون ياسين ابا الياس والياسين وقرئ باضافة آل الى ياسين لانهما فى المصحف مفصولان فيكون ياسين ابا الياس والآل هو نفس الياس(12/57)
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131)
{ انا كذلك } مثل هذا الجزاء الكامل { نجزى المحسنين } احسانا مطلقا ومن جملتهم الياس(12/58)
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132)
{ انه } لا شبهة ان الضمير لالياس فيكون الياس والياسين شخصا واحدا وليس الياسين جمع الياس كما دل عليه ما قبله من قوله سلام على نوح وسلام على ابراهيم وسلام على موسى وهرون { من عبادنا المؤمنين }
قال الكاشفى [ ايمان اسميست من جميع كمالات صورى ومعنوى ونام بندكى بتشريفيست خاص ازبراى اهل اختصاص ]
اكر بندة خويش خوانى مرا ... به از مملكت جاودانى مرا
شهانى كه بابخت فرخنده اند ... همه بندكاز ترا بنده اند
روى انه بعث بعد موسى عليه السلام يوشع بن نون ثم كالب بن يوقنا ثم حزقيل ثم لما قبض الله حزقيل النبى عظمت الاحداث فى بنى اسرائيل ونسوا عهد الله وعبدوا الاوثان وكانت الانبياء من بنى اسرائيل يبعثون بعد موسى بتجديد ما نسوا من التوراة وبنوا اسرائيل كانوا متفرقين بارض الشام وكان سبط منهم حلوا ببعلبك ونواحيها من ارض الشام وهم السبط الذين كان منهم الناس فلما اشركوا وعبدوا الصنم المذكور وتركوا العمل بالتوراة بعث الله الياس اليهم نبيا وتبعه يسع بن اخطوب وآمن به وكان على سبط الياس ملك اسمه اجب وكان له امرأة يقال لها ازبيل يستخلفها على رعيته اذا غاب عنهم وكانت تبرز للناس وتقضى بينهم وكانت قتالة للانبياء والصالحين يقال انها هى التى قتلت يحيى بن زكريا عليهما السلام وقد تزوجت سبعة من ملوك بنى اسرائيل وقتلتهم كلهم غيلة وكانت معمرة يقال انها ولدت سبعين ولدا وكان لزوجها اجب جار صالح يقال له مزدكى وكانت له جنينة يعيش فى جنب قصرهما فحسدته فى ذلك حتى اذا خرج الملك الى سفر بعيد امرت جمعا من الناس ان يشهدوا على مزدكى انه سب زوجها اجب فاطاعوها فيه وكان فى حكم ذلك الزمان يحل قتل من سبب الملك اذا قامت عليه البينة فاحضرته فقالت له بلغنى انك شتمت الملك فانكر فاحضرت الشهود فشهدوا عليه بالزور فامرت بقتله واخذت جنينة غصبا ثم لما قدم الملك اوحى الله الى الياس ان يخبرهما بان الله قد غضب عليهما لوليه مزدكى حين قتلاه ظلما وآلى على نفسه انهما ان لم يتوبا عن صنيعهما ولم يردا الجنينة على ورثة مزدكى ان يهلكهما فى جوف الجنينة ثم يدعهما جيفتين ملقاتين حتى تتعرى عظامهما من لحومهما فلما سمعا ذلك اشتد غضبهما الى الياس ولم يظهر منهما ولا من قومهما الا المخالفة والعصيان والاصرار الى ان هم الملك بتعذيب الياس وقتله فلما احس الياس بالشر خرج من بينهم لان الفرار مما لا يطاق من سنن المرسلين وارتقى الى اصعب جبل وارفعه فدخل مغارة فيه يقال انه بقى فيها سبع سنين يأكل من نبات الارض وثمار الشجر وهم فى طلبه قد وضعوا عليه العيون والله تعالى ستره كما وقع مثله لاصحاب الكهف فلما طال عصيانهم دعا عليهم بالقحط والجوع سبع سنين فقال الله تعالى الياس انا ارحم بخلقى من ذلك وان كانوا ظالمين ولكن اعطيك مرادك ثلاث سنين فقحطوا بتلك المدة فلم يقلعهم ذلك عن الشرك ولما رأى ذلك منهم الياس دعا الله تعالى بان يريحه منهم فقيل له اخرج يوك كذا الى موضع كذا فما جاءك من شئ فاركبه ولا تهبه فخرج الياس فى ذلك اليوم ومعه خادمه أليسع فوصل الموضع الذى امر فاستقبله فرس من نار وجميع الآلة من النار حتى وقف بين يديه فركب عليه فانطلق به الفرس الى جانب السماء فناداه أليسع ما تأمرنى فقذف اليه الياس بكسائه من الجو الاعلى : يعنى [ كه ترا خليفة خويش كردم بر بنى اسرائيل ] ورفع الله الياس من بين اظهرهم وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وكساه الريش فكان انسيا ملكيا ارضيا سماويا
قال بعضهم كان قد مرض واحس بالموت فبكى فاوحى الله اليه لم تبكى أحرصا على الدنيا ام جزعا من الموت ام خوفا من النار قال لا ولكن وعزتك جلالك انما جزعى كيف يحمدك الحامدون بعدى ولا احمدك ويذكرك الذاكرون بعدى ولا اذكرك ويصوم الصائمون بعدى ولا اصوم ويصلى المصلون بعدى ولا اصل فقيل له ايا الياس لاؤخرنك الى وقت لا يذكرنى ذاكر يعنى يوم القيامة وسلط الله على قومه عدوا لهم من حيث لا يشعرون فاهلكم وقتل اجب وامرأته ازبيل فى جنبنة مزدكى فلم تزل جيفتاهما ملقاتين فيها الى ان بليت لحومهما ورمت عظامهما ونبأ الله أليسع وبعثه الى بنى اسرائيل وايده فآمنت به بنوا اسرائيل وكانوا يعظمونه ويطيعونه وحكم الله فيهم قائم الى ان فارقهم أليسع روى ان الياس والخضر عليهما السلام يصومان شهر رمضان ببيت المقدس ويوافيان الموسم فى كل عام وهما آخر من يموت من بنى آدم
وقيل ان الياس موكل بالفيافى جمع فيفاة بمعنى الصحراء والحضر موكل بالبحار وذكر انهما يقولان عند افتراقهما من الموسم ما شاء الله لا يسوق الخير الا الله .(12/59)
ما شاء الله لا يصرف السوء الا الله . ما شاء الله ما يكون من نعمة فمن الله . ما شاء الله توكلنا على الله حسبنا الله ونعم الوكيل [ محمد بن احمد العابد كويد رد مسجد اقصى نشسته بودم ورز آزينه بعد ازنماز ديكر كه دو مرد ديدم يكى برصف وهيئت ما وآن ديكر شخصى عظيم بود قدى بلند وييشانى فراخ بهن صدر وذارعين اين شخص عظيم ازمن دور نشست وآن ييركه برصفت وقد ما بود فراييش آمد وسلام كرد جواب سلام دادم وكفتم « من انت رحمك الله » توكيستى وآنكه ازما دور نشسته است كيست كفت من خضرم واو برادرم الياس از كفتار ايشان دردل من هراس آمد وبلرزيدم خضر كفت « لا بأس عليك نحن نحبك » ماترا دوست داريم جه انديشه برى .(12/60)
آنكه كفتيا هركه روز آزينه نماز ديكر بكزارد وروى بسوى قبله كند وتا بوقت فروشدن آفتاب همى كويد « يا الله يا رحمن » رب العزة دعاى وى مستجاب كرداند وحاجت وى روا كند كفتم « آنستنى آنسك الله بذكره » كفتم طعام توجه باشد كفت كرفس وكماءة كفتم طعام الياس جه باشد كفت دو رغيف خوارى هرشب وقت افطار كفتم مقام او كجا باشد كفت در جزار دريا كفتم شما كى فراهم آييد كفت جون يكى از اولياء الله از دنيا بيرون شود هردو بروى نماز كنيم ودر موسم عرفات فراهم آييم وبعد از فراغ مناسك او موى من باز كند ومن هوى اوباز كنم كفتم اولياء الله را همه شناسى كفت قومى معدودرا شناسم كفت جون رسول خدا صلوات الله عليه ازدنيا بيرون شد زمين الله ناليدكه « بقيت لا يمشى على نبى الى يوم القايمة » رب العالمين كفت من از اين امت مردانى را بديدارم دلها انبيا باشد . آنكه خضر برخاست تارود من نيز برخاستم تاباوى باشم كفت توبا من نتوانى بود من هر روز نمازا بامداد بمكة كزارم در مسجد حرام وهمجنان نشينم نزديك ركن شامى در حجرتا آفتاب برآيد آنكه طواف كنم ودر ركعت خلف المقام بكزارم ونماز ييشين بمدينة مصطفى عليه السلام كزارم ونماز شام بطور سينا ونماز خفتن برسد ذو القرنين وهمة شب آنجا باس دارم جون وقت صب باشد نماز بامداد بامكه برم در مسجد حرام ](12/61)
وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133)
{ وان لوطا } هو لوط بن هاران اخى ابراهيم الخليل عليه السلام { لمن المرسلين } الى قومه وهم اهل سدوم بالدال المهملة فكذبوه وارادوا اهلاكه فقال رب نجنى واهلى مما يعملون فنجاه الله واهله(12/62)
إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134)
{ اذ نجيناه } اى اذكر وقت تنجيتنا اياه ولا يتعلق بما قبله لانه لم يرسل اذ نجى { واهله اجمعين } [ وهمه اهل بيت اورا ازدختران وغير ايشان ](12/63)
إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135)
{ الا عجوزا } هى امرأة الخائنة واهلة كانت كافرة وكان نكاح الوثنيات والاقامة عليهن جائزا فى شريعته وسميت المرأة المسنة عجوزا لعجزها عن كثير من الامور يكن صفتها وقت تنجيتهم فلم يكن بد من تقدير مقدر أى الباقين فى العذاب والهلاك وقيل للباقى غابر تصورا بتخلف الغبار عن الذى يعدو فيخلفه او الماضين الهالكين وقيل غابر تصور المضى الغبار عن الارض . والمعنى بالفارسية [ مكر ييرده زنى كه اوبودجه او اقرار كرفت در بازار ماندكاه يعذاب وبالوط همراهى نكرد : قال الشيخ سعدى
بابدان يار كشت همسر لوط ... خاندان نبوتش كم شد
سك اصحاب كهف روزى جند ... بى نيكان كرفت ومردم شد(12/64)
ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (136)
{ ثم دمرنا } التدمير ادخال الهلاك على الشئ اى اهلكنا { الآخرين } بالائتفاك بهم وامطار الحجارة عليهم فانه تعالى لم يرض بالائتفاك حتى اتبعه مطرا من حجارة : وبالفارسية [ بس هلاك كردم ديكر انرا ار قوم وى ديار ايشان وقتى زير وزبر ساختيم ] فان فى ذلك شواهد على جلية امره وكونه من جملة المرسلين وتقدم ذكر قصته فى سورة هود والحجر فارجع(12/65)
وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137)
{ وانكم } يا اهل مكة { لتمرون عليهم } اى على ديار قوم لوط المهلكين ومنازلهم فى متاجركم الى الشام وتشاهدون آثار هلاكهم فان سدوم فى طريق الشام وهو وقوله تعالى { وانها لبسبيل مقيم } { مصبحين } حال من فاعل تمرون اى حال كونكم داخلين فى الصباح(12/66)
وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138)
{ وبالليل } اى وملتبسين بالليل اى مساء ولعلها وقعت بقرب منزل يمر به المرتحل عنه صباحا والقاصد له سماء ويجوز ان يكون المعنى نهارا وليلا على ان يعمم المرور للاوقات كلها من الليل والنهار ولا يخصص بوقتى الصباح والمساء { أفلا تعقلون } اى أفتشاهدون ذلك فلا تعقلون حتى تعتبروا به وتخافوا ان يصيبكم مثل ما اصابهم فان من قدر على اهلاك اهل سدوم واستئصالهم بسبب كفرهم وتكذيبهم كان قادرا على اهلاك كفار مكة واستئصالهم لاتحاد السبب ورجحانه لانهم اكفر من هؤلاء واكذب كما يشهد به قوله { أكفاركم خير من اولئكم } وكان النبى عليه السلام يقول لابى جهل « ان هذا اعتى على الله من فرعون » فعلى العاقل ان يعتبر ويؤمن بوحدانية الحق ويرجع الى ابواب فضله وكرمه ورحمته ويؤدب عجوز نفسه الامارة ويحملها على التسليم والامتثال كى لا تهلك مع اهل القهر والجلال
قال بعض الكبار لابد من نصرة لكل داخل طريق اهل الله عز وجل ثم اذا حصلت فاما ان يعقبها رجوع الى الحال الاول من العبادة والاجتهاد وهم اهل العناية الآلهية اما ان لا يعقبها رجوع الى الحال الاول من العبادة والاجتهاد وهم اهل العناية الآلهية واما ان لا يعقبها رجوع فلا يفلح بعد ذلك ابدا انتهى
اى فيكون كالمصر على ذنبه ابتداء
ثم ان الله تعالى ركب العقل فى الوجود الانسانى ومن شأنه ان يرى ويختار ابدا الاصلح والافضل فى العواقب وان كان على النفس فى المبدأ مؤونة ومشقة واما الهوى فهو على ضد ذلك فانه يؤثر ما يدفع به المؤذى فى الوقت وان كان يعقبه مضرة من غير نظر منه فى العواقب كالصبى الرمد الذى يؤثرا اكل الحلاوات واللعب فى الشمس على اكل الاهليلج والحجامة ولهذا قال النبى عليه السلام « حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات »
تو بركرة در كمر ... نكر تانييجد زحكم توسر
اكر بالهنك از كفت در كسيخت ... تن خويشتن كشت وخونت بريخت
ففيه اشارة الى فكر العواقب
وجاء فى الامثال [ وقتى زنبورى مورى را ديدكه بهزار حيله دانه بخانه مكشيد ودران رنج بسيارى ديد اورا كفت اى مور اين جه رنجست كه برخود نهادة واين جه بارست كه اختيار كردة بيا مطعم ومشرب من ببين كه هر طعام كه لطيف ولذيذ ترست تا ازمن زياده نيايد بيادشاهان نرسد هر آنجا كه خواهم كزينم وخورم درين سخن بودكه بربريد وبدكان قصابى برمسلوخى نشست قصاب كارد كه دردست داشت بران زنبور مغرور زد ودوباره كرد وبرزمين انداخت ومور بيامد وباى كشان اورامى برد وكفت « رب شهوة ساعة اورثت صاحبها حزنا طويلا » زنبور كفت مرا بجايى مبركه نخواهم مور كفت هركه از روى حرص وشهوت جايى نشيندكه خواهد بجايى كشندش كه نخواهد ] نسأل الله ان يوفقنا لاصلاح الطبيعة والنفس ويجعل يومنا خيرا من الامس فى التوجه الى جنابه والرجوع الى بابه انه هادى القلوب الراجعة فى الاوقات الجامعة ومنه المدد كل يوم لكل قوم(12/67)
وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139)
{ وان يونس } ابن متى بالتشديد وهم اسم ابيه او امه
وفى كشف الاسرار اسم ابيه متى واسم امه تنجيس كان يونس من اولاد هود كما فى انوار المشارق وهو ذو النون وصاحب الحوت لانه التقمه . وامان ذو النون المصرى من اولياء هذه الامة فقيل انما سمى به لانه ركب سفينة مع جماعة فقد واحد منهم ياقوتا فلم يجده فآل رأيهم الى ان هذا الرجل الغريب قد سرقه فعوتب عليه فانكر الشيخ فحلف فلم يصدقوه بل اصروا على انه ليس الا فيه فلما اضطر توجه ساعة فاتى جميع الحوت من البحر فى فيها يواقيت فلما رأوا ذلك اعتذروا عن فعلتهم فقام وذهب الى البحر ولم يغرق باذن الله تعالى فسمى ذا النون { لمن المرسلين } الى بقية ثمود وهم اهل نينوى بكسر النون الاولى وفتح الثانية وقيل بضمها قرية على شاطئ دجلة فى ارض الموصل
وفى كلام الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر قد اجتمعت بجماعة من قوم يونس سنة خمس وثمانين وخمسمائة بالاندلس حيث كنت فيه وقست اثر رجل واحد منهم فى الارض فرأيت طول قدمه ثلاثة اشبار وثلثى شبر انتهى
ولما بعث اليهم دعاهم الى التوحيد اربعين سنة وكانوا يعبدون الاصنام فكذبوه واصروا على ذلك فخرج من اظهرهم واوعدهم حلول العذاب بهم بعد ثلاث او بعد اربعين ليلة ثم ان قومه لما اتاهم امارات العذاب بان اطبقت السماء غيما اسود يدخن دخانا شديدا ثم يهبط حتى يغشى مدنيتهم حتى صار بينهم وبين العذاب قدر ميل اخلصوا الله تعالى بالدعاء والتضرع بان فرقوا بين الامهات والاطفال وبين الاتن والجحوش وبين البقر والعجول وبين الابل والفصلان وبين الضأن والحملان وبين الخيل والافلاء ولبسوا المسوح ثم خرجوا الى الصحراء متضرعين ومستغفرين حتى ارتفع الضجيج الى السماء فصرف الله عنهم العذاب وقبل توبتهم ويونس ينتظر هلاكهم فلما امسى سأل محتطبا مر بقومه كيف كان حالهم فقال هم سالمون وبخير وعافية وحدثه بما صنعوا فقال لا ارجع الى قوم قد كذبتهم وخرج من ديارهم مستنكفا خجلا منهم ولم ينتظر الوحى وتوجه الى جانب البحر(12/68)
إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140)
وذلك قوله تعالى { اذ ابق } اى اذكر وقت اباقه اى هربه واصله الهرب من السيد لكن لما كان هربه من قومه بغير اذن ربه حسن اطلاقه عليه بطريق المجاز تصويرا لقبحه فانه عبد الله فكيف يفر بغير الاذن والى اين يفر والله محيط به وقد صح انه لا يقبل فرض الآبق ولا نفله حتى يرجع فاذا كان الادنى مأخوذا بزلة فكيف الاعلى { الى الفلك المشحون } اى المملوء من الناس والدواب والمتاع ويقال المجهز الذى فرغ من جهازه يقال شحن السفينة ملأها كما فى القاموس روى ان يونس لما دخل السفينة وتوسطت البحر احتسبت عن الجرى ووقفت فقال الملاحون هنا عبد آبق من سبده وهذا رسم السفينة ما نراه من غير ريح ولا سبب ظاهر وقال التجار قد جربنا مثل هذا فاذا رأينا نقترع فمن خرج سهمه نرميه فى البحر لان غرق الواحد خير من غرق الكل فاقترعوا ثلاث مرات فخرجت القرعة على يونس فى كل مرة(12/69)
فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141)
{ فساهم } المساهمة المقارعة : يعنى [ باكسى قرعه زدن ] والسهم ما يرمى به من القداح ونحوه . والمعنى فقارع اهل الفلك من الآبق والقوا السهام على وجه القرعة . والمفهوم من تفسير الكاشفى ان الضمير الى يونس : [ يونس قرعه زد باهل كشتى سه نوبت ] { فكان من المدحضين } فصار من المغلوبين بالقرعة واصله المزلق عن مقام الظفر والغلبة
قال فى القاموس دحضت رجله زلقت والشمس زالت والحجة دحوضا بطلت انتهى . فالادحاض بالفارسية [ باطل كردن حجت ] وحين خرجت القرعة على يونس قال انا العبد الآبق او يا هؤلاء انا والله العاصى فتلفف فى كسائه ثم قام على رأس السفينة فرمى بنفسه فى البحر : يعنى [ يونس كليم درسر خود كشيده خود رادر بحر افكند ](12/70)
فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142)
{ فالتقمه الحوت } الالتقام الابتلاع : يعنى [ لقمه كردن وفرو بردن ] يقال لقمت اللقمة والتقمتها اذا ابتلعتها اى فابتلعه السمك العظيم
قال الكاشفى [ حق تعالى وحى فرستاد بما هى كه در آخرين ديارها باشد تاييش كشتى آمده دهن بازكرده ]
وقال فى كشف الاسرار فصادفه حوت جاء من قبل اليمن فابتلعه فسفل به الى قرار الارضين حتى سمع تسبيح الحصى { وهو مليم } حال من مفعول التقمه اى داخل فى الملامة ومعنى دخوله فى الملامة كونه يلام سواء لاموه ام لا يقال الام الرجل اذا اتى او آتى بما يلام عليه فيكون المليم بمعنى من يستحق اللوم سواء لاموه ام لا يقال الام الرجل اذا اتى بما يلام عليه او يلوم نفسه : يعنى [ واو ملامت كننده بود نفس خودرا كه جرا ازقوم كر يختى ] فالهمزة على هذا للتعدية لا على التقديرين الاولين روى ان الله تعالى اوحى الى السكمة انى لم اجعله لك رزقا ولكن جعلت بطنك له وعاء فلا تكسرى منه عظما ولا تقطعى منه وصلا فمكث فى بطن الحوت اربعين ليلة كما دل عليه كونه منبوذا على الساحل وهو سقيم
قال الكاشفى [ سه روز ياهفت روز اشهر آنست كه جهل روز درشكم ما هى بود وآن ما هى هفت دريارا بكشت وحق سبحانه وتعالى كوشت وبوست او را نازك وصافى ساخته بود جون آبكينه تايونس عجائب وغرائب بحر را مشاهده كرد وييوسته بذكر حق سبحانه وتعالى اشتغال داشت ](12/71)
فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143)
{ فلولا انه } [ بس اكرنه آنست كه يونس ] { كان من المسبحين } فى بطن الحوت وهو قوله { لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين } او من الذاكرين الله كثيرا بالتسبيح مدّة عمره
وعن سهل من القائمين بحقوق الله قبل البلاء ذكرا او صلاة او غيرهما(12/72)
لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)
{ للبث } لمكث حيا او ميتا { فى بطنه } اى فى بطن الحوت { الى يوم يبعثون } يعنى [ تا آن روز كه خلق را برانكيزند از قبور ]
قال فى كشف الاسرار فيه ثلاثة اوجه . احدها يبقى هو والحوت الى يوم البعث . والثانى يموت الحوت ويبقى هو فى بطنه . والثالث يموتان ثم يحشر يونس من بطنه فيكون بطن الحوت قبرا له الى يوم القيامة فلم يلبث لكونه من المسبحين
وفيه حث على اكثار الذكر وتعظيم لشأنه واشارة الى ان خلاص يونس القلب اذا التقمه حوت النفس لا يكون الا بملازمة ذكر الله ومن اقبل عليه فى السراء اخذ بيده عند الضراء والعمل الصالح يرع صاحبه اذا عثر واذا صرع يجد متكئا
وفى الوسيط كان يونس عبدا صالحا ذاكر الله فلما وقع فى بطن الحوت قال الله { فلولا انه كان من المسبحين } الآية وان فرعون كان عبدا طاغيا ناسيا ذكر الله { فلما ادركه الغرق قال آمنت بالذى آمنت به بنو اسرائيل } قال الله تعالى { آلآن وقد عصيت قبل } وعن الشافعى انفس ما يداوى به الطاعون التسبيح لان الذكر يرفع العقوبة والعذاب كما قال الله تعالى { فلولا انه كان من المسبحين } وعن كعب قال سبحان الله يمنع العذاب
وعن عمر رضى الله عنه انه امر بجلد رجل فقال فى اول جلده سبحان الله فعفا عنه
ذكر حق شافع بود دركاه را ... راضى وخشنود كند الله را
قال فى كشف الاسرار [ خداوند كريم جون يونس را درشكم ما هى بزندان كرد نام الله جراغ ظلمت او بود يا الله انس ورحمت او بود هرجندكه ازروى ظاهر ما هى بلاى يونس بود اما ازروى باطن خلوتكاه ساختند خليل را درمبان آتش نمرود خلوتكاه ساختند وصديق اكبررا بامهتر عالم دران كوشة غار خلوتكاه ساختند همجنين هركجا مؤمنين وموحدين است اورا خلوتكاهى است وآن سينة عزيز وى است وغار سروة نزول كاه لطف الهى وموضع نظر ربانى ] روى ابو هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال « سبح يونس فى بطن الحوت فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا ربنا نسمع صوتا ضعيفا بارض غربية فقال تعالى ذلك عبدى يونس هصتمة فحبسته فى بطن الحموت فى البحر قالوا العبد الصالح الذى كان يصعد اليك منه فى يوم وليلة عمل صالح قال نعم فشفعوا له فامر الحوت فقذفه بالسالح فى ارض نصيبين » وهى بلدة قاعدة ديار ربيعة(12/73)
فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145)
{ فنبذناه بالعراء } النبذ القاء الشئ الخالى عن البناء والاشجار المظلة لتعريه عما يستر اهله ومعارى الانسان الاعضاء التى من شأنها ان تعرى كاليد والوجه والرجل . والاسناد المعبر فى قوله فنبذناه من قبيل اسناد الفعل الى السبب الحامل على الفعل فالمعنى فحملنا الحوت على لفظه ورميه بالمكان الخالى عما يغطيه من شجرا ونبت { وهو سقيم } اى عليل البدن من اجل ما ناله فى بطن الحوت من ضعف بدنه فصار كبدن الطفل ساعة يولد لا قوة له او بلى لحمه ونتف شعره حتى صار كالفرخ ليس عليه شعر وريش ورق عظمه وضعف بحيث لا يطيق حر الشمس وهبوب الرياح
وفيه اشارة الى ان القلب وان تخلص من سجن النفس وبحر الدنيا يكون سقيما بانحراف مزاجه القلبى بمجاورة صحبة النفس واستراق طبعها(12/74)
وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146)
{ وانبتنا عليه } اى فوقه مظللة عليه { شجرة من يقطين } يفعيل مشتق من قطن بالمكان اذا اقام به كاشتقاق الينبوع من نبع فهو موضوع لمفهوم كلى متناول للقرع والبطيخ والقثاء والقثد والحنظل ونحوها مما كان ورقه كله منبسطا على وجه الارض ولم يقم على ساق واحدته يقطينة
وفى القاموس اليقطين مالا ساق له من النبات ونحوه وبهاء القرعة الرطبة انتهى
اطلق هنا على الفرع استعمالا للعام فى بعض جزئياته
قال ابن الشيخ ولعل اطلاق اسم الشجر على القرع مع ان الشجر فى كلامهم اسم لكل نبات يقوم على ساقه ولا ينبسط على وجه الارض مبنى على انه تعالى انبت عليه شجرة صارت عريشا لما نبت تحتها من القرع بحيث استولى القرع على جميع اغضانها حتى صارت كأنها شجرة من يقطين وكان هذا الانبات كالمعجزة ليونس فاستظل بظلها وغطته باوراقها عن الذباب فانه لا يقع عليها كما يقع على سائر العشب وكان يونس حين لفظه البحر متغيرا يؤلمه الذباب فسترته الشجرة بورقها . قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم انك تحب القرع قال « اجل هى شجرة اخى يونس » وعن ابى يوسف لو قال رجل ان رسول الله كان يحب القرع مثلا يقال الآخر انا لا احبه فهذا كفر يعنى اذا قاله على وجه الاهانة والاستخفاف والا فلا يكفر على ما قاله بعض المتأخرين
وروى انه تعالى قيض له اروية وهى الانثى من الوعل تروح عليه بكرة وغشية فيشرب من لبنها حتى اشتد لحمه ونبت شعره وعادت قوته(12/75)
وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)
{ وارسلناه الى مائة الف } هم قومع الذين هرب منهم والمراد ارساله السابق وهو ارساله اليهم قبل ان خرج من بينهم والتقمه الحوت . اخبر او لا بانه من المرسلين على الاطلاق ثم اخبر بانه قد ارسل الى مائة الف جمة وكان توسيط تذكير وقت هربه الى الفلك وما بعده بينهما لتذكير سببه وهو ما جرى بينه وبين قومه من انذاره اياهم عذاب الله وتعيينه لوقت حلوله وتعللهم وتعليقهم لايمانهم بظهور اماراته ليعلم ان ايمانهم الذى سيحكى بعد لم يكن عقيب الارسال كما هو المتبادر من ترتب الايمان عليه بالفاء بل بعد اللتيا والتى { او يزيدون } اى فى مرأى الناظر فانه اذا نظر اليهم قال انهم مائة الف او يزيدون عليها عشرين الفا او ثلاثين او سبعين فاو التى للشك بالنسبة الى المخاطبين اذ الشك على الله محال والغرض وصفهم بالكثرة وهذا هو الجواب عن كل ما يشبه هذا كقوله { عذرا او نذرا . لعله يذكر او يخشى . لعلهم يتقون او يحدث لهم ذكرى } وغير ذلك(12/76)
فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (148)
{ فآمنوا } اى بعد ما شاهدوا علائم حلول العذاب ايمانا خاصا { فمتعناهم } اى بالحياة الدنيا وابقيناهم { الى حين } قدره الله سبحانه لهم وهذا كناية عن رد العذاب عنهم وصرف العقوبة روى ان يونس عليه السلام نام يوما تحت الشجرة فاستيقظ وقد يبست فخرج من ذلك العراء ومر بجانب مدينة نبنوى فرأى هنالك غلاما يرعى الغنم فقال له من انت يا غلام فقال من قوم يونس قال فاذا رجعت اليهم فاقرأ عليهم منى السلام واخبرهم انك قد لقيت يونس ورأيته فقال الغلام ان تكن يونس فقد تعلم ان من يحدث ولم يكن له بينة قتلوه وكان فى شرعهم ان من كذب قتل فمن يشهد لى فقال له يونس تشهد لك هذه الشجرة وهذه البقعة فقال الغلام ليونس مرهما بذلك فقال لهما اذا جاءكما هذا الغلام فاشهدا له قالتا نعم فرجع الغلام الى قومه فاتى الملك فقال انى لقيت يونس وهو يقرأ عليكم السلام فامر الملك ان يقتل فقال ان لى بينة فارسل معه جماعة فانتهوا الى الشجرة والبقعة فقال لهما الغلام انشد كما الله عز وجل اى اسألكما بالله تعالى هل اشهد كما يونس قالتا نعم فرجع القوم مذعورين فاتوا الملك فحدثوه بما رأوا فتناول الملك يد الغلام فاجلسه فى منزله وقال له انت احق منى بهذا المقام والملك فاقام بهم الغلام اربعين سنة روى فى بعض التفاسير ان قومه آمنوا فسألوه ان يرجع اليهم فابى يونس لان النبى اذا هاجر لم يرجع اليهم مقيما فيهم وروى انه لما استيقظ فوجد انه قد يبست الشجرة فاصابته الشمس حزن لذلك حزنا شديدا فجعل يبكى فبعث الله اليه جبرائيل وقال قل له أتحزن على شجرة لم تخلقها انت ولم تنبتها ولم تربها وانا الذى خلقت مائة الف من الناس او يزيدون تريد منى ان استأصلهم فى ساعة واحدة وقد تابوا وتبت عليهم فاين رحمتى يا يونس وانا ارحم الراحمين وما احسن ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ترغيبا للعبد فيما يوصله الى ما خلق له وتفضيلا لهذا الموصل على هدم النشأة الانسانية وان كان ذلك الهدم واقعا بموجب الامر وكان للهادم رتبة اعلاء كلمة الله وثواب الشهادة « ألا انبئكم بما هو خير لكم وافضل من ان تلقوه عهدوكم فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم ذكر الله » اى ما هو خير لكم ما ذكر الله تعالى فابقاه هذه النشأة افضلمن هدمها وان كان بالامر
وفى كشف الاسرار [ در قصه آورده اندكه جون يونس عليه السلام ازان ظلمت نجات يافت وازان نحنت برست وباميان قوم خودشد وحى آمد بوى كه فلان مرد فخارى را كوى تا آ ، خنورهاى ويرانها كه باين يكسال ساخته فخار بخشايشى كرد وكفت بار خدايا مرا رحمت مى آيد بارن مرد كه يكساله عمل وى تباه خواهى كرد ونيست ميشود وبرصد هزار مرد از بندكان من بخشايش ننمودى وهلاك وعذاب ايشان خواستى « يا يونس لم تخلقهم ولو خلقتهم لرحمتهم » بشر حافى را رحمه الله بخواب ديدند كفتند حق تعالى باتونجه كرد كفت بامن عتاب كرد كفت اى بشر آن همه خوف ووجل در دنيا ترا از بهر جه بود « اما علمت ان الرحمة والكرم صفتى » فردا مصطفى عربى را عليه السلام دركنهكاران امت شفاعت دهد تا آنكه كه كويد خداوند مرا درحق كسانى شفاعت ده كه هرنيكى نكرده اند فيقول الله عز وجل يا محمد اين يكى مراست حق من وسزاى منست آنكه خطاب آيدكه « اخرجوا من النار من ذكرنى مرة فى مقام او خاف منى فى وقت » اين آن رحمتست كه سؤال دروى كم كشت اين آن لطف است كه انديشه دروى نيست كشت اين آن كرم است كه وهم درو متحير كشت اين آن فضلست كه حد آن ازغايت اندازه د ركذشت .(12/77)
اى بنده اكر طاعت كنى قبول بر من . ورسؤال كنى عطا بر من . وركناه كنى عفو بر من . آب در جوى من . راحت دركوى من . طرب در طلب من . انس باجمال من . سرور ببقاى من . شادى بلقاى من ]
قال الكاشفى { فمتعناهم الى حين } [ بس برخور دارى داديم ايشانرا تاهنكام اجل ايشان وبعد ازانكه متقاضى اجل باسترداد وديعت روح متوجه كردد نه بمدافعت ابطال منع او ميسر است ونه ببذل اموال دفع او متصور ]
روزى كه اجل دست كشايد بستيز ... وزبهر هلاك بركشد خنجرتيز
نه وقت جدل بود نه هنكام دخيل ... نه روى مقاومت نه يا راى كريز
وصارت قصة يونس آخر القصص لما فيها من ذكر عدم الصبر على الاذى والاباق كما انهم اخروا ذكر الحلاج فى المناقب لما صدر منه من الدعوى على الاطلاق ولعل عدم ختم هذه القصة وقصة لوط بما ختم به سائر القصص من ذكر السلام وما يتبعه للتفرقة بينهما وبين ارباب الشرائع الكبار واولى العزم من الرسل او اكتفاء بالتسليم الشامل لكل الرسل المذكورين فى آخر السورة قاله البيضاوى والشيخ رشيد الدين فى كشف الاسرار واورده المولى ابو السعود فى تفسير بصيغة التمريض
يقول الفقير وجهه ان الياس ويونس سواء فى ان كلا منهما ليس من ارباب الشرائع الكبار واولى العزم من الرسل فلا بد لتخصيص احدهما بالسلام من وجه وان التسليم المذكور فى آخر السورة شامل لكل من ذكر هنا ومن لم يذكر فحينئذ كان الظاهر ان يقتصر على ذكر سلام نوح ونحوه ثم يعمم عليهم وعلى غيرهم ممن لم يكن فى درجتهم(12/78)
فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149)
{ فاستفتهم } [ بس برس از ايشان ] اى اذا كان الله موصوفا بنعوت الكمال والعظمة والجلال متفردا بالخلق والربوبية وجميع الانبياء مقرين بالعبودية داعين للعبيد الى حقيقة التزنه والتوحيد فاستخبر على سبيل التوبيخ والتجهيل قريشا وبعض طوائف العرب نحو جهينة وبنى سلمة وخزاعة وبنى مليح فانهم كانوا يقولون ان الله تعالى تزوج من الجن فخرجت منها الملائكة فهم بنات الله ولذا يسترهن عن العيون فاثبتوا الاولاد لله تعالى ثم زعموا انها من جنس الاناث لا من جنس الذكور وقسموا القسمة الباطلة حيث جعلوا الاناث لله تعالى وجعلوا الذكور لانفسهم فانهم كانوا يفتخرون بذكور الاولاد ويستنكفون من البنات ولذا كانوا يقتلونهن ويدفنونهن حياء قال تعالى { واذا بشر احدكم بالانثى ظل وجه مسودا وهو كظيم } الآية ومن هنا انه من رأى فى المنام انه اسود وجهه فنه يولد له بنت والذى يستنكف منه المخلوق كيف يمكن اثباته للخالق كما قال تعالى { ألربك البنات } اللاتى هن اوضع الجنسين { ولهم البنون } الذين هم ارفعهما
وفيه تفضيل لانفسهم على ربهم وذلك مما لا يقول به من له ادنى شئ من العقل وهذا كقوله { ألكم الذكر وله الانثى تلك الذا قسمة ضيزى } اى قسمة جائرة غير عادلة
وفيه اشارة الى كمال جهالة الانسان وضلالته اذا وكل الى نفسه الخسيسة وخلى الى طبيعته الركيكة انه يظن بربه ورب العالمين نقائص لا يستحقها ادنى عاقل بل غافل من اهل الدنيا
برى ذاتش او تهمت ضد وجنس ... غنى ذاتش از تهمت جن وانس
نه مستغنى از طاعتش بشت كست ... نه برحرف او جاى انكشت كس
ثم انتقل الى تبكيت آخر(12/79)
أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150)
{ ام خلقنا الملائكة اناثا } الاناث ككتاب جمع الانثى اى بل ام خلقنا الملائكة الذين هم من اشرف الخلائق وابعدهم من صفات الاجسام ورذائل الطبائع اناثا والانوثة من اخس صفات الحيوان ولو قيل لادناهم فيك انوثة لتمزقت نفسه من الغيظ لقائله ففى جعلهم الملائكة اناثا استهانة شدية بهم { وهم شاهدون } حال من فاعل خلقنا مفيد للاستهزاء والتجهيل اى والحال انهم حاضرون حينئذ فيقدمون على ما يقولون فان امثال هذه الامور لا تعلم الا بالمشاهدة اذ لا سبيل الى معرفتها بطريق العقل الصرف بالضرورة او بالاستدلال اذ الانوثة ليست من لوازم ذاتهم بل من اللوازم الخارجية وانتفاء النقل مما لا ريب فيه لا بد ان يكون القائل بانوثتهم شاهدا اى حاضرا عند خلقهم اذ اسباب العلم هذه الثلاثة فكيف جعلوهم اناثا ولم يشهدوا خلقهم ثم استأنف(12/80)
أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152)
{ ألا } حف تنبيه : يعنى [ بدانكه ] { انهم من افكهم } اى من اجل كذبهم الاسوء وهو متعلق بقوله { ليقولون ولد الله } [ بزاد خداى تعالى يعنى براى او بزادند آن ] يعنى مبنى مذهبهم الفاسد لسي الا الافك الصريح والافتراء القبيح من غير ان يكون لهم دليل او شبهة قطعا . والولد يعم الذكور والاناث والقليل والكثير وفيه تجسيم له تعالى وتجويز الفناء عليه لان الولادة مختصة بالاجسام القابلة للكون والفسادن { وانهم لكاذبون } فى قولهم ذلك كذبا بينا لا ريب فيه(12/81)
أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153)
{ أصطفى البنات على البنين } بفتح الهمزة على انها همزة استفهام للانكار والاستبعاد دخلت على الف الافتعال اصله أصطفى فحذفت همزة الافتعال التى هى همزة الوصل استغناء عنها بهمزة الاستفهام . والاصطفاء اخذ صفوة الشئ لنفسه اى أتقولون انه اختار البنات على البنين مع نقصانهن رضى بالاخص الادنى : وبالفارسية [ آيا بركزيد خداى تعالى دخترانرا كه مكروه طباع شماند به بسران كه مادة افتخار واستظهار شما ايشانند ](12/82)
مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154)
{ ما لكم } أى شئ لكم فى هذه الدعوى
وقال الكاشفى [ جيست شمارا قسمت ] { كيف تحكمون } على الغنى عن العالمين بهذا الحكم الذى تقضى ببطلانه بديهة العقول ارتدعوا عنه فانه جور : وبالفارسية [ جكونه حكم ميكنيد ونسبت ميدهيد بخداى آنرا كه براى خود نمى بسنديد ]
قال ابن الشيخ جملتان استفهاميتان ليس لاحديهما تعلق بالاخرى من حيث الاعراب استفهم او لا عما استقر لهم وثبت استفهام انكار ثم استفهم تعجب من حكمهم هذا الحكم الفاسد وهو ان يكون احسن الجنسين لانفسهم واخسهما لربهم(12/83)
أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155)
{ أفلا تذكرون } بحذف احدى التائبين فانه مركوز فى عقل زكى وغبى ثم انتقل الى تبكيت آخر(12/84)
أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156)
{ ام لكم سلطان مبين } اى هل لكم حجة واضحة نزلت عليكم من السماء بان الملائكة بنات الله ضرورة ان الحكم بذلك لا بد له من سند حسى او عقلى وحيث انتفى كلاهما فلا بد من سند نقلى(12/85)
فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (157)
{ فائتوا بكتابكم } الناطق بصحة دعواكم : وبالفارسية [ بس بياريد آن كتاب منزل را ] فالباء للتعدية { ان كنتم صادقين } فيها فاذا لم ينزل عليكم كتاب سماوى فيه ذكر ذلك الحكم فلم تصرون على الكذب ثم التفت الى الغيبة للايذان بانقطاعهم عن الجواب وسقوطهم عن درجة الخطاب واقتضاء حالهم ان يعرض عنهم ويحكى جناياتهم لآخرين(12/86)
وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158)
{ وجعلوا بينه } تعالى { وبين الجنة } الجنة بالكسر جماعة الجن والملائكة كما فى القاموس والمراد هنا الملائكة وسموا جنة لاجتنانهم واستتارهم عن الابصار ومنه سمى الجنين وهو المستور فى بطن الام والجنون لانه خفاء العقل . والجنة بالضم الترس لانه يجن صاحبه ويستره . والجنة بالفتح لانها كل بستان ذى شجر يستر باشجاره الارض فمن له اجتنان عن الاعين جنس يندرج تحته الملائكة والجن المعروف
قالوا الجن واحد ولكن من خبث من الجن ومرد وكان شرا كله فهو شيطان ومن طهر منهم ونسك وكان خيرا فهو ملك
قال الراغب الجن يقال على وجهين احدهما للروحانيين المستترة عن الحواس كلها بازاء الانس فعلى هذا يدخل فيه الملائكة والشياطين فكل ملائكة جن وليس كل جن ملائكة
وقيل بل الجن بعض الروحانيين وذلك ان الروحانيين ثلاثة اخيار وهم الملائكة واشرار وهم الشياطين واوساط فهم اخيار واشرار وهم الجن ويدل على ذلك قوله تعالى { قل اوحى الىّ انه استمع نفر من الجن } الى قوله { ومنا القاسطون } { نسبا } النسب والنسبة اشتراك من جهة الابوين وذلك ضربان نسب بالطول كالاشتراك بين الآباء والابناء ونسب بالعرض كالنسبة بين الاخوة وبنى العم وقيل فلان نسيب فلان اى قريبة . والمعنى وجعل المشركون بما قالوا نسبة بين الله وبين الملائكة واثبتوا بذلك جنسية جامعة له وللملائكة
وفى ذكر الله الملائكة بهذا الاسم فى هذا الموضع اشارة الى ان من صفته الاجتنان وهو من صفات الاجرام لا يصلح ان يناسب من لا يجوز عليه ذلك
وفيه اشارة الى جنة الانسان وقصور نظر عقله عن كمال احدية الله وجلال صمديته اذا وكل الى نفسه فى معرفة ذات الله وصفاته فيقيس ذاته على ذاته وصفاته على صفاته فيثبت له نسبا كما له نسب ويثبت له زوجة وولدا كما له زوجة وولد ويثبت له جوارح كما له جوارح ويثبت له مكانا كما له مكان تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا وهو يقول تبارك وتعالى { ليس كمثله شئ وهو السميع البصير }
جهان متفق بر الهيتش ... فرومانده از كنه ما هيتش
بشر ما وراى جلالش نيافت ... بصر منتهاى كمالش نيافت
نه ادراك در كنه ذاتش رسد ... نه فكرت بنور صفاتش رسد
ثم ان هذا وهو قوله تعالى { وجعلوا بينه } الخ عبارة عن قولهم الملائكة بنات الله وانما اعيد ذكره تمهيدا لما يعقبه من قوله { ولقد علمت الجنة } اى وبالله لقد علمت الجنة التى عظموها بان جعلوا بينها وبينه تعالى نسبا وهم الملائكة { انهم } اى الكفرة { لمحضرون } النار معذبون بها لا يغيبون عنها لكذبهم وافرائهم فى ذلك والمراد به المبالغة فى التكذيب ببيان ان الذى يدعى هؤلاء المشركون لهم تلك النسبة ويعلمون انهم اعلم منهم بحقيقة الاحل يكذبونهم فى ذلك ويحكمون بانهم معذبون لاجله حكما مؤكدا
قال فى كشف الاسرار [ نحويان كفتند جون ان از قفاى علم وشهادت آيد مفتوح بايد مكر كه در خبر لام آيد آنكه مكسور باشد ] كقول العرب اشهد ان فلانا عاقل وان فلانا لعاقل وجهه ان ان المكسور لا تغير معنى الجملة واللام الداخلة على الخبر لتأكيد معنى الجملة
ثم ان الله تعالى نزه نفسه عما قالوه من الكذب(12/87)
سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159)
{ سبحان الله } اى تنزه تعالى تنزها لائقا بجنابه { عما يصفون } به من الولد والنسب او نزهوه تنزيها عن ذلك او ما ابعد وما انزه من هؤلاء خلقه وعبيده عما يضاف اليه من ذلك فهو تعجب من كلمتهم الحمقاء وجعلتهم العوجاء(12/88)
إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (160)
{ الا عباد الله المخلصين } استثناء منقطع من الواو فى يصفون اى يصفه هؤلاء بذلك ولكن المخلصين الذين اخلصهم الله بلطفه من الواث الشكوك والشبهات ووفقهم للجريان بموجب اللب برءا من ان يصفوه به
وجعل ابو السعود قوله سبحان الله عما يصفون بتقدير قول معطوف على علمت الملائكة ان المشركين لمعذبون لقولهم ذلك وقالوا سبحان الله عما يصفون به من الولد والنسب لكن عباد الله المخلصين الذين نحن من جملتهم برءاء من ذلك الوصف بل نصفه بصفات العلى فيكون المستثنى ايضا من كلام الملائكة(12/89)
فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161)
{ فانكم } ايها المشركون عود الى خطابهم لاظهار كمال الاعتناء بتحقيق مضمون الكلام { وما تعبدون } ومعبوديكم وهم الشياطين الذين اغووهم(12/90)
مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162)
{ ما انتم } ما نافية وانتم خطاب لهم ولمعبوديهم تغليبا للمخاطب على الغائب { عليه } الضمير لله وعلى متعلقة بقوله { بفاتنين } الفاتن هنا بمعنى المضل والمفسد يقال فتن فلان على فلان امرأته اى افسدها عليه واضلها حاملا اياها على عصيان زوجها فعدى الفاتن بعلى لتضمينه معنى الحمل والبعث . والمعنى ما انتم بفاتنين احدا من عباده اى بمضلين ومفسدين بحمله على المعصية والخلاف فمفعول فاتنين محذوف(12/91)
إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (163)
{ الا من هوصال الجحيم } منهم اى داخلها لعلمه تعالى بانه يصر على الكفر بسوء اختياره ويصير من اهل النار لا محالة فيضلون بتقدير الله من قدر الله ان يكون من اهل النار واما المخلصون منهم فانهم بمعزل عن افسادهم واضلالهم فهم لا جرم برءاء من ان يفتنوا بكم ويسلكوا مسلككم فى وصفه تعالى بما وصفتموه به . قوله صال بالكسر اصله صالى على وزن فاعل من الصلى وهو الدخول فى النار يقال صلى فلان النار يصلى صليا من الباب الرابع دخل فيها واحترق فاعل كقاض فلما اضيف الى الجحيم سقط التنوين وافرد حملا على لفظ من
واحتج اهل السنة والجماعة بهذه الآية وهى قوله { فانكم } الخ على انه لا تأثير لالقاء الشيطان ووسوسته ولا لاحوال معبودهم فى وقوع الفتنة وانما المؤثر هو قضاء الله وتقديره وحكمه بالشقاوة ولا يلزم منه الجبر وعدم لوم الضال بما كسبا لما اشير اليه من انهم لا يقدرون على اضلال احد الا اضلال من علم الله منه اختيار الكفر والاصرار عليه وعلم الله وتقديره وقضاؤه فعلا من افعال المكلفين لا ينافى اختيار العبد وكسبه
هركه در فعل خود بود مختار ... فعل او دور باشد از اجبار
بهر آن كرد امر ونهى عباد ... تاشود ظاهر انقياد وعناد
زايد از انقياد حب ورضا ... وزخلاف وعناد سوء قضا
بس بود امر ونهى شرط ظهور ... فعلها را ز بندة مأمور(12/92)
وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164)
{ وما منا } حكاية اعتراف الملائكة للرد على عبدتهم كأنه قيل ويقول الملائكة الذين جعلتموهم بنات الله وعبدتموهم بناء على ما زعمتم من ان بينهم وبينه تعالى مناسبة وجنسية جامعة وما منا احد اى ملك على حذف الموصوف واقامة الصفة مقامه فالموصوف المقدر فى الآية مبتدأ وقوله { الا له مقام معلوم } صفة وما مقدم خبره اى احد استثنى منه من له مقام معلوم ليس منا يعنى لكل واحد منا مرتبة فى المعرفة والعبادة والانتهاء الى امر الله فى تدبير العالم مقصور عليها لا يتجاوزها ولا يستطيع ان ينزل عنها قدر ظفر خضوعا لعظمته وخشوعا لهيبته وتواضعا لجلاله كما روى فمنهم راكع لا يقيم صلبه وساجد لا يرفع رأسه
ففيه تنبيه على فساد قول المشركين انهم اولاد الله لان مبالغتهم فى اظهار العبودية تدل على اعترافهم بالعبودية فكيف يكون بينه تعالى وبينهم جنسية
قال ابن عباس رضى الله عنهما ما فى السموات موضع شبر الا وعليه ملك يصلى او يسبح بل والعالم مشحون بالارواح فليس فيه موضع بيت ولا زاوية الا وهو معمور بما لا يعلمه الا الله ولذا امر النبى عليه الصلاة والسلام بالتستر فى الخلوة وان لا يجامع الرجل امرأته عريانين
وقال السدى { الا له مقام معلوم } فى القربة والمشاهدة
وقال ابوبكر الوراق قدس سره { الا له مقام معلوم } يعبد الله عليه كالخوف والرجاء والمحبة والرضى : يعنى [ مراد مقامات سنيه است جون خوف ورجا ومحبت ورضا كه هريك از مقربان حظائر ملكوت ومقدسان صوامع جبروت در مقامى ازان ممكن اند ]
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان للملك مقاما معلوما لا يتعدى حده وهو مقام الملك الروحانى او الكروبى فالروحانى لا يعبر عن مقامه الى مقام الكروبى لا يقدم على مقام الروحانى فلا عبور لهم من مقامهم الى مقام فوق مقامهم ولا نزول لهم الى مقام دون مقامهم ولهم بهذا فضيلة على انسان بقى فى اسفل سافلين فى الدرك الاسفل من النار وللذين عبروا منهم عن اسفل سافلين بالايمان والعمل الصالح وصعدوا على اعلى عليين بل ساروا الى مقام قاب قوسين بل طاروا الى منزل او أدنى فضيلة عليهم ولهذا امروا بسجدة اهل الفضل منهم فقعوا له ساجدين فللانسان ان يتنزل من مقام الانسانية الى دركة الحيوانية كقوله تعالى { اولئك كالانعام بل هم اضل } وله ان يترقى بحيث يعبر عن المقام الملكى ويقال له تخلقوا باخلاق الله انتهى
وقال جعفر رضى الله عنه الخلق مع الله على مقامات شتى من تجاوز حده هلك فللانبياء مقام المشاهدة والمرسل مقام العيان وللملائكة مقام الهيبة وللمؤمنين مقام الدنو وللعصاة مقام التوبة وللكفار مقام الغفلة والطرد واللعنة(12/93)
وقال الحسين قدس سره المرديون يتحولون من مقام الى مقام والمرادون يتجاوزون المقامات الى رب المقامات
وقال بعضهم العارف يأكل فى هذه الدار الحلوى والعسل فهذا مقامه والكامل المحقق يأكل فيها الحنظل لا يتلذذ فيها بنعمة لاشتغال بما كلفه الله تعالى من الشكرعليها وغير ذلك من تحمل هموم الناس فكم من فرق بين المقامين واهل الفناء وان تألموا هنا ولكن ذلك ليس بالم بل اشد العذاب والالم فيما اذا رأى اهل الذوق مراتب اهل الفناء فوقهم واقله التألم من تقدمهم
باش تافانى شود احوال تو ... بكزرد از حال كل تا حال تو
از مقامى ساز بقعه خويش را ... كه بماند جمله زير بال تو(12/94)
وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165)
{ وانا لنحن الصافون } فى مواقف الطاعة ومواطن الخدمة : وبالفارسية [ وبدرستى كه ما صف كشيد كانيم در مواقف در طاعات ومواضع خدمت ]
قال الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر ليس للملائكة نافلة انما هم دائما فى فرائض بعدد انفاسهم فلا نفل لهم بخلاف البشر انتهى
قيل ان المسلمين انما اصطفوا فى الصلاة منذ نزلت هذه الآية وليس يصطف احد من اهل الملل فى صلاتهم غير المسلمين
يقول الفقير الاصطفاف فى الصلاة حصل بفعل النبى صلى الله عليه وسلم فى اول ما صلى من الصلوات وهى صلاة الظهر فانه لما نزل من المعراج وزالت الشمس امر فصيح باصحابه الصلاة جامعة فاجتمعوا فصلى به عليه السلام جبريل وصلى النبى عليه السلام بالناس الا ان يتفق نزول الآية فى ذلك الوقت ولكن كلام القائل يقتضى كونهم مقيمين للصلاة فرادى قبل نزولها كما قال قتادة كان الرجال والنساء يصلون معا حتى نزلت { وما منا الا له مقام معلوم } فتقدم الرجل وتأخر النساء فكانوا يصلون منفردين حتى نزلت { وانا لنحن الصافون }(12/95)
وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)
{ وانا لنحن المسبحون } المقدسون لله تعالى عن كل ما لا يليق بجناب كبريائه وتحلية كلامهم بفنون التأكيد لابراز صدوره عنهم بكمال الرغبة والنشاط
قال البيضاوى ولعل الاول اشارة الى درجاتهم فى الطاعات وهذا فى المعارف انتهى
قال بعض الكبار للملائكة الترقى فى العلم لافى العمل فلا يترقون بالاعمال كما لا نترقى باعمال الآخرة اذا انتقلنا اليها واما الانسان فله الترقى فى العلم والعمل ولو ان الملائكة ما كان لها الترقى فى العلم ما قبلت الزيادة حين علمه الاسماء كلها فانه زادهم علما بالاسماء لم يكن عندهم
قال البقلى رحمه الله لما كانوا من اهل المقامات افتخروا بمقاماتهم فى العبودية من الصلاة والتسبيح ولو كانوا من اهل الحقائق فى المعرفة لفنوا عن ملاحظة طاعاتهم من استيلاء انوار مشاهدة الحق
وفى التأويلات النجمية ولو كان من مفاخر الملك ان يقولوا وانا لنحن الصافون يعنى فى الصلاة والعبودية فان للانسان معه شركة فى هذا وللانسان صف يحبه الله وليس للملك فيه شركة وذلك قوله { ان الله يحب الذين يقاتلون فى سبيله صفا كأنهم بينان مرصوص } وان يقولوا { وانا لنحن المسبحون } ايضا للانسان معهم شركة ومن مفاخر الانسان ان يقولوا انا لنحن المحبون وانا لنحن المحبوبون وهم المخصوصون به فى الترقى من مقام المحبية الى مقام المحبوبية انتهى
وهذا بالنسبة الى اكاملهم وافاضلهم
لفظ انسان يكى ولى هركس ... زده ازوى بقدر خويش نفس
جنبش هركسى زجاى ويست ... روى هركس بفكر ورأى ويست
تابر اهل طلب خداى مجيد ... متجلى نشد باسم مريد
يا رادت كسى نشد موصوف ... بمحبت كسى نشد معروف(12/96)
وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167)
{ وان كانوا ليقولون } ان هى المخففة من الثقيلة وضمير الشان محذوف واللام هى الفارقة بينها وبين النافية وفى الاتيان بان المخففة واللام اشارة الى انهم كانوا يقولون ما قالوه مؤكدين جادّين فيه فكم بين اول امرهم وآخره . والمعنى وان الشان كان قريش تقول قبل المبعث(12/97)
لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168)
{ لو ان عندنا ذكرا من الاولين } اى كتابا من كتب الاولين من التوراة والانجيل : وبالفارسية [ اكر بودى نزديك ما كتابى كه سبب بند ونصيحت بودى ](12/98)
لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169)
{ لكنا عباد الله المخلصين } اى لاخلصنا العبادة لله ولما خالفنا كما خالفوا(12/99)
فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170)
{ فكفروا به } الفاء فصيحة اى فجاءهم ذكر أى ذكر سيد الاذكار وكتاب مهيمن على سائر الكتب والاسفار وهو القرآن فكفروا به وانكروه وقالوا فى حقه وفى حق من انزل عليه ما قالوا { فسوف يعلمون } اى عاقبة كفرهم وغائلته من المغلوبية فى الدنيا والعذاب العظيم فى العقبى وهو وعيد لهم وتهديد
وفيه اشارة الى تنزل الانسان الى الدرك الاسفل والى ان مآل الدعوى بلا تطبيق للصورة بالمعنى خزى وقهر لا يصلون مع الفرائض الا ما لا بد منه من مؤكدات النوافل خوفا ان يقوم بهم دعوى انهم اتوا بالفرائض على وجه الكمال الممكن وزادوا على ذلك فانه لا نفل الا عن كمال فرض ونعم ما فهموا ولكن ثم ما هو اعلى وهو ان يكثروا من النوافل توطئة لمحبة الله لهم عن كمال فرض ونعم ما فهموا ولكن ثم ما هو اعلى وهو ان يكثروا من النوافل توطئة لمحبة الله لهم ثم يرون ذلك جبرا لبعض ما فى فرائضهم من النقص وفى الحديث « حسنوا نوافلكم فبها تكمل فرائضكم » وفى المرفوع « النافلة هدية المؤمن الى ربه فليحسن احدكم هديته وليطيبها » ولكون الهدية سببا للمحبة قال عليه السلام « تهادوا تحابوا »
واعلم ان القرآن ذكر جليل انزل تذكيرا للناس وطردا للوسواس الخناس فانه كلما ذكر الانسان خنس الشيطان اى تأخر والقرآن وان كان كله ذكرا لكن ما كل آى القرآن يتضمن ذكر الله فان فيه حكاية الاحكام المشروعة وفيه قصص الفراعنة وحكايات اقوالهم وكفرهم وان كان فى ذلك الاجر العظيم من حيث هو قرآن بالاصغاء الى القارئ اذا قرأه من نفسه وغيره فذكر الله اذا سمع فى القرآن اتم من استماع قول الكافرين فى الله ما لا ينبغى فالاول من قبيل استماع القول الاحسن والثانى من استماع قول الحسن والثانى من استماع القول الحسن فاعرف ذلك . ويستحب لقارئ القرآن فى المصحف ان يجهر بقراءته ويضع يده على الآية يتتبعها فيأخذ اللسان حظه من الرفع ويأخذ البصر حظه من النظر واليد حظها من المس وكان كبار السلف يقرأون على سبيل التأنى والتدبر للوقوف على اسراره وحقائقه كما حكى ان الشيخ العطار قدس سره كان يختم فى اوائله فى كل يوم ختمة وفى كل ليلة ختمة ثم لما آل الامر الى الشهود واخذ الفيض من الله ذى الجود بقى فى السبع الاول من القرآن اكثر من عشرين سنة ومن الله العناية والهداية(12/100)
وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171)
{ ولقد سبقت } اى وبالله لقد تقدمت فى الازل او كتبت فى اللوح المحفوظ ثم ان السبق والتقدم الموقوف على الزمان انما هو بالنسبة الى الانسان والا فالامر بالاضافة الى الله كائن على ما كان { كلمتنا } وعدنا على ما لنا من العظمة { لعبادنا } الذين اخلصوا لنا العبادة فى كل حركة وسكون { المرسلين } الذين زدناهم على شرف الاخلاص فى العبودية شرف الرسالة ثم فسر ذلك الوعد بطريق استئناف(12/101)
إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172)
{ انهم لهم } خاصة { المنصورون } فمن نصرناه فلا يغلب كما ان من خذلناه لا يغلب ثم عمم(12/102)
وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)
فقال { وان جندنا } اى من المرسلين واتباعهم المؤمنين والجند العسكر { لهم } اى لا غيرهم { الغالبون } على اعدائهم فى الدنيا والآخرة وان رؤى انهم مغلوبون فى بعض المشاهد لان العاقبة لهم والحكم للغالب والنادر كالمعدوم والمغلوبية لعارض كمخالفة امر الحاكم وطمع الدنيا والعجب والغرور ونحو ذلك لا تقدح فى النصر المقضى بالذات . والنصر منصب شريف لا يليق الا بالمؤمن واما الكافر فشأنه الاستدراج وغاية الخذلان
وقال بعضهم لم يرد بالنصر هذا النصر المعهود بل الحجة لان الحق انما يتبين من الباطل بالحجة لا بالسيف فاراد بذلك ان الحجة تكون للانبياء على سائر الامم فى اختلاف الاطوار والاعصار
وقال الحسن البصرى رحمه الله اراد بالنصرة هذه النصرة بعينها دون الحجة ثم قال ما انتهى الى ان نبيا قتل فى حرب قط
يقول الفقير اراد الحسن المأمور بالحرب منصور لا محالة بخلاف غير المأمور وهو التوفيق بين قوله تعالى { وتقتلون النبيين } ونظائره وبين هذه الآية وامثالها
والحاصل ان المؤمنين المخلصين هم المنصورون والغالبون لان المستند الى المولى الغالب العزيز هو المنصور المظفر الغالب القاهر واعداءهم هم المنهزمون المغلوبون لان المستند الى غير الله خصوصا الى الحصون والقلاع المبنية من الاحجار هو المنهزم المدمر المغلوب المقهور
تكيه برغير بود جهل وهوى ... نيست آنجام اعتماد سوى
ثم ان جنده تعالى هم مظاهر اسمه العزيز والمنتقم ومظاهر قوله { بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق }
وفى التأويلات النجمية جنده الذين نصبهم لنشر دينه واقامهم لنصر الحق وتبيينه فمن اراد اذلالهم فعلى اذ قانه يخرّ
والجند كما ورد فى الحديث جندان جند الوغى وجند الدعاء فلا بد لجند الوغى من عمل الوغى وشغل الحرب ولجند الدعاء من عمل الدعاء وشغل الادب فمن وجد فى قلبه الحضور واليقظة فليطمع فى الاجابة ومن وجد الفتور والغفلة فليخف عدم الاصابة
كة دعاى تو مستجاب شود كه بيك روى درد ومحراب
وفى الحديث « لا تزال طائفة من امتى يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناواهم » اى عاداهم « حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال » ولا شك ان الملوك العثمانية خاتمة هذه الطائفة وعيسى والمهدى عليهما السلام خاتمة الخاتمة والصيحة الواحدة الآخذة كل من بقى على الارض عند قيام الساعة من الكفرة الفجرة خاتمة خاتمة الخاتمة(12/103)
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174)
{ فتول عنهم } اى اذا علمت ان النصرة والغلبة لك ولا تباعك فاعرض عن كفار مكة واصبر على اذاهم { حتى حين } اى مدة يسيرة وهى مدة الكف عن القتال فالآية محكمة لا منسوخة بآية القتال(12/104)
وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175)
{ وابصرهم } على اسوء حال وافظع نكال حل بهم من القتل والاسر والمراد بالامر بابصارهم الايذان بغاية قربه كأنه بين يديه يبصره فى الوقت والا فمتعلق الابصار لم يكن حاضرا عند الامر { فسوف يبصرون } ما يقع حينئذ من الامور
وفى التأويلات وابصر احوالهم فسوف يبصرون جزاء ما عملوا من الخير والشر انتهى .
وسوف للوعيد ليتوبوا ويؤمنوا دون التبعيد لان تبعيد الشئ المحذر منه كالمنافى لارادة التخويف به ولما نزل { فسوف يبصرون } قالوا استعجالا واستهزاء لفرط جهلهم متى هذا(12/105)
أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176)
ن يستعجلون } اى أبعد هذا التكرير من الوعيد يستعجلون بعذابنا والهمزة للانكار والتعجب يعنى تعجبوا من هذا الامر المستنكر : وبالفارسية [ آيا بعذاب ما شتاب ميكنند ووقت نزول آن مى برسند ]
وفى التوراة « أبى يغترون ام علىّ يجترئون : يعنى [ بمهلت دادن وفرا كذشتن من فريفته شوند يا بر من ديرى كنند ونمى ترسند ](12/106)
فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177)
{ فاذا نزل } العذاب الموعود { بساحتهم }
قال فى المفردات الساحة المكان الواسع ومنه ساحة الدار انتهى
وفى حواشى ابن الشيخ الساحة الفناء الخالى عن الابنية وفناء الدار بالكسر ما امتد من جوانبها معدا لمصالحها : وبالفارسية [ ييشكاه منزل ] والمعنى بفنائهم وقربهم وحضرتهم كأنه جيش قد هزمهم فاناخ بفنائهم بغتة { فساء صباح المنذرين } فبئس صباح المنذرين صباحهم اى صباح من انذر بالعذاب وكذبه فلم يؤمن واللام للجنس فان افعال المدح والذم تقتضى الشيوع والابهام والتفصيل فلا يجوز ان تكون للعهد . والصباح مستعار من صباح الجيش المبيت لوقت نزول العذاب ولما كثرت منهم الاغارة فى الصباح سموها صباخحا وان وقعت ليلا
قال الكاشفى [ آورده اندكه درميان عرب قتل وغارت واسر بسيار بود هر لشكر كه قصد قبيلة داشتندى شب همه شب راه ييموده وقت سحر كه خواب كرانيست بحوالة ايشان آمدندى ودست بقتل وغارت واسر وتاراج بركشاده قوم را مستأصل كردندى وبدين سبب كه اغلب غارت در صباح واقع مى شد غارت را صباح نام نهادند وهرجند در وقتى ديكر وقوع يا فتى همان صباح كفتندى ](12/107)
وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179)
{ وتول عنهم حتى حين وابصر فسوف يبصرون } تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم اثر تسلية وتأكيد لوقوع الميعاد تأكيد مع ما فى اطلاق الفعلين عن المفعول من الايذان بان ما يبصره عليه السلام من فنون المسار وما يبصرون من انواع المضار لا يحيط به الوصف والبيان
وفى البرهان حذف الضمير من الثانى اكتفاء بالاول(12/108)
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180)
{ سبحان ربك } خطاب للنبى عليه السلام وقوله { رب العزة } بدل من الاول { عما يصفون } اى نزه يا محمد من هومر بيك ومكر ومالك العزة والغلبة على الاطلاق عما يصفه المشركون به مما لا يليق بجناب كبريائه من الاولاد والازواج والشركاء وغير ذلك من الاشياء التى من جملتها ترك نصرتك عليهم كما بدل عليه استعجالهم بالعذاب
قال فى بحر العلوم اضاف الرب الى العزة لاختصاصه بها كأنه قيل ذى العزة كقولك صاحب صدق لاختصاصه بالصدق فلا عزة الا له على ان العزة ذاتية او لمن اعزه من الانبياء وغيرهم فالعزة حادثة كائنة بين خلقه وهى وان كانت صفة قائمة بغيره تعالى الا انها مملوكة له مختصة به يضعها حيث يشاء كما قال تعالى { تعز من تشاء } وفيه اشعار بالسلوب والاضافات كما فى قوله تعالى { تبارك اسم ربك ذى الجلال والاكرام } وذلك ان قوله سبحان اشارة الى السلوب كالجلال فان كل منهما يفيد ما افاد الآخر فى قولنا سبحان ربنا عن الشريك والشبيه وجل ربنا عنهما . وقوله ربك رب العزة اشارة الى الاضافات كالاكرام وانما قدم السلب على الاضافة لان السلوب كافية فيها ذاته من حيث هو هو بخلاف الاضافات فانه لابد من تحققها من غيره لان الاضافة لا توجد الا عند وجود المضافين
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام سبحان الله كلمة مشتملة على سلب النقص والعيب عن ذات الله وصفاته فما كان من اسمائه سلبا فهو مندرج تحت هذه الكلمة كالقدوس وهو الطاهر من كل عيب والسلام وهو الذى سلم من كل آفة فنفينا بسبحان الله كل عيب عقلناه وكل نقص فهمناه . ثم ان المرسلين لما كانوا وسائط بين الله وبين عباده نبه على علو شانهم(12/109)
وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181)
{ وسلام } وسلامة ونجاة من كل المكاره وفوز بجميع المآرب { على المرسلين } الذين يبلغون رسالات الله الى الامم ويبينون لهم ما يحتاجون اليه من الامور الدينية والدنيوية او لهم وآخرهم محمد عليهم السلام فهو تعميم للرسل بالتسليم بعد تخصيص بعضهم فيما سبق لان تخصيص كل واحد بالذكر يطول وفى الحديث « اذا سلمتم علىّ فسلموا على المرسلين فانما انا احدهم » كما فى فتح الرحمن وحواشى ابن الشيخ وغيرهما وفى الحديث « اذا صليتم علىّ فعمموا » اى للآل والاصحاب
قال فى المقاصد الحسنة لم اقف عليه بهذا اللفظ ويمكن ان يكون بمعنى صلوا علىّ وعلى انبياء الله فان الله بعثهم كما بعثنى انتهى(12/110)
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)
{ الحمد لله رب العالمين }
قال الشيخ عز الدين الحمد لله كلمة مشتملة على اثبات ضروب الكمال لذاته وصفاته تعالى فما كان من اسمائه متضمنا للانبات كالعليم والقدير والسميع والبصير فهو مندرج تحتها فاثبتنا بالحمد لله كل كمال عرفناه وكل جلال ادركناه
قال المولى ابو السعود هذا اشارة الى وصفه تعالى بصفاته الكريمة الثبوتية بعد التنبيه على اتصافه بجميع صفاته السلبية وايذان باستتباعها للافعال الجميلة التى من جملتها افاضته عليهم من فنون الكرامات السنية والكمالات الدينية والدنيوية واسباغه عليهم وعلى من اتبعهم من فنون النعماء الظاهرة والباطنة الموجبة لحمده تعالى واشعار بان ما وعده من النصرة والغلبة قد تحقق . والمراد تنبيه المؤمنين على كيفية تسبيحه وتحميده والتسليم على رسله الذين هم وسائط بينهم وبينه عز وجل فى فيضان الكمالات الدينية والدنيوية عليهم ولعل توسط التسليم على المرسلين بين تسبيحه تعالى وتحميده لختم السورة الكريمة بحمده مع ما فيه من الاشعار بان توفيقه عليهم من جملة نعمه الموجبة للحمد انتهى
وقال بعضهم والحمد لله على اهلاك الكافرين وانجاء المؤمنين وعلى كل حال يعنى هو المحمود فى كل من الحالات ساء ام سرّ نفع ام ضرّ
در بلا ودر ولا الحمد خوان ... اين بود آيين باك عاشقان
وعن على رضى الله تعالى عنه من احب ان يكتال بالمكيال الا وفى من الاجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه من مجلسه سبحان ربك الخ
وفى بعض النسخ من احب ان يكال له واليه الاشارة بقوله الكاشفى [ هركه دوست ميداردكه برو ييمايند مزد ثواب را به ييمانة بزر ركتر بايد كه آخر كلام او از مجلس اين آيت باشد ]
يقول الفقير اصلحه الله القدير فللمؤمن ان يتدارك حاله بشيئين قبل ان يقوم من مجلسه احدهما بجلب الاجر الجزيل وهو بالآية المذكورة . والثانى بالكفارة وهو بما اشار اليه النبى عليه السلام فى قوله « من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه فقال قبل ان يقوم سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك فقد غفر له » يعنى من الصغائر ما لم يتعلق بحق آدمى كالغيبة كما فى شرح الترغيب المسمى بفتح القريب
فعلى العاقل ان لا يغفل فى مجلسه بل يذكر ربه لانسه ويختمه بما هو من باب التخلية والتحلية والتصقية والتجلية وآخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين(12/111)
ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2)
{ ص } خبر مبتدأ محذوف اى هذه سورة ص كما مر فى اخواته [ بعضى بر آنندكه حروف مقطعه براى اسكات كفارست كه هروقت كه حضرت محمد عليه السلام در نماز وغير آن قرآن بجهر تلاوت فرمودى ايشان ازروى عناد صفير زدندى ودست بردست كوفتندى تا آن حضرت درغلط افتد حق سبحانه وتعالى اين حروف فرستاد تا ايشان بعد از استماع آن متأمل ومتفكر شده از تغليط باز مى ماندند ]
وقال الشعبى ان الله تعالى فى كل كتاب سرا وسره فى القرآن فواتح السور
وقال بعضهم ص مفتاح اسمه الصادق والصبور والصمد والصانع
وفى التأويلات النجمية يشير الى القسم بصاد صمديته فى الازل وبصاد صانعيته فى الوسط وبصاد صبوريته الى الابد وبصاد صدق الذى جاء بالصدق وصاد صديقية الذى صدق به وبصاد صفوته فى مودته ومحبته ا ه
وقال ابن جبير رضى الله عنه { ص } يحيى الله به الموتى بين النفختين
وقال ابن عباس رضى الله عنهما { ص } كان بحرا بمكة وكان عليه عرش الرحمن اذ لا ليل ولا نهار
وفى بعض المعتبرات كان جبلا بمكة ومضى شرح هذا الكلام فى اول { المص } وقيل فى { ص } معناه ان محمدا عليه السلام صاد قلوب الخلائق واستمالها حتى امنوا به كما قال فى انسان العيون ومما لا يكاد يقضى منه العجب حسن تدبيره عليه السلام للعرب الذين هم كالوحوش الشاردة كيف ساسهم واحتمل جفاءهم وصبر على اذاهم الى ان انقادوا اليه واجتمعوا عليه صلى الله عليه وسلم واختاروه على انفسهم وقاتلوا دونه اهلهم وآباءهم وابناءهم وهجروا فى رضاه اوطانهم انتهى
يقول الفقير اغناه الله القدير سمعت شيخى وسندى قدس سره وهو يقول ان قوله تعالى { ق } اشارة الى مرتبة الاحدية التى هى التعيين الاول كما فى سورة الاخلاص المصدرة بكلمة قل المبتدأة بحرف ق وقوله ص اشارة الى مرتبة الصمدية التى هى التعيين الثانى المندرجة تحته مرتبة بعد مرتبة وطورا بعد طور الى آخر المراتب والاطوار { والقرآن ذى الذكر } الواو للقسم . والذكر الشرف والنباهة او الذكرى والموعظة او ذكر ما يحتاج اليه فى امر الدين من الشرائع والاحكام وغيرها من اقاصيص الانبياء واخبار الامم الماضية والوعد والوعيد وحذف جواب القسم فى مثل ذلك غير عزيز والتقدير على ما هو الموافق لما فى اول يس ولسياق الآية ايضا وهو عجبوا الخ ان محمدا الصادق فى رسالته وحق نبوته ليس فى حقيقته شك ولا فيما انزل عليه من القرآن ريب { بل الذين كفروا } من رؤساء اهل مكة فهو اضراب عن المفهوم من الجواب { فى عزة }
قال الراغب العزة حالة مانعة للانسان من ان يغلب ويمدح بالعزة تارة كما فى قوله تعالى(12/112)
{ ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } لانها الدائمة الباقية وهى العزة الحقيقية ويذم بها اخرى كما فى قوله تعالى { بل الذين كفروا فى عزة } لان العزة التى هى التعزز وهى فى الحقيقة ذل وقد تستعار للحمية والانفة المذمومة وذلك فى قوله تعالى { اخذته العزة بالاثم } انتهى
وقد حمل اكثر اهل التفسير العزة فى هذا المقام على الثانى لما قالوا بل هم فى استكبار عن الاعتراف بالحق والايمان وحمية شديدة : وبالفارسية [ درسركشىند از قبول حق ] { وشقاق } اى مخالفة لله وعداوة عظيمة لرسول الله عليه السلام فلذا لا ينقادون
وفى التأويلات النجمية وبقوله { والقرآن ذى الذكر } يشير الى القسم بالقرآن الذى هو مخصوص بالذكر وذلك لان القرآن قانون معالجات القلوب المريضة واعظم مرض القلب نسيان الله تعالى كما قال { نسوا الله فنسيهم } واعظم علاج مرض النسيان بالذكر كما قال { فاذكرونى اذكركم } ولان العلاج بالضد وقوله { بل الذين } الخ يشير الى انحراف مزاج قلوب الكفار بمرض نسيان الله من اللين والسلامة الى الغلظة والقساوة ومن التواضع الى التكبر ومن الوفاق الى الخلاف ومن الوصلة الى الفرقة ومن المحبة الى العداوة ومن مطالعة الآيات الى الاعراض عن البحث فى الادلة والسير للشواهد(12/113)
كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)
{ كم } مفعول قوله { اهلكنا } ومن فى قوله { من قبلهم } لابتداء الغاية وقوله { من قرن } تمييز . والقرن القوم المقترنون فى زمن واحد . والمعنى قرنا كثيرا اهلكنا من القرون المتقدمة اى امة من الامم الماضية بسبب الاستكبار والخلاف { فنادوا } عند نزول بأسنا وحلول نقمتنا استغاثة او توبة واستغفارا لينجوا من ذلك : وبالفارسية [ بس ندا كردند و آواز بلند برداشتندتا كسى ايشانرا بفريادرسد ] { ولات حين مناص } حال من ضمير نادوا اى نادوا واستغاثوا طلبا للنجاة والحال ان ليس الحين حين مناص اى فوت وفرار ونجاة لكونه حالة اليأس : وبالفارسية [ ونيست آن هنكام وقت رجوع بكريز يزكاه ]
فقوله لا هى المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث للتأكيد كما زيدت على رب وثم وخصت بنفى الاحيان ولم يبرز الا احد معموليها اسمها او خبرها والاكثر حذف اسمها
وفى بعض التفاسير لات بمعنى ليس بلغة اهل اليمن انتهى . والوقف عليها بالتاء عند الزجاج وابى على وعند الكسائى نحو قاعدة وضاربة وعند ابى عبيد على لا ثم يبتدىء تحين مناص لانه عنده ان هذه التاء تزاد مع حين فيقال كان هذا تحين كان ذاك كذا فى الوسيط . والمناص المنجأ اى النجاة والفوت عن الخصم على انه مفعل من ناصه ينوصه اذا فاته اريد به المصدر ويقال ناص ينوص اى هرب وقال اى تأخر ومنه ناص قرنه اى تأخر عنه حينا
وفى المفردات ناص الى كذا التجأ اليه وناص عنه تنحى ينوص نوصا . والمناص الملجأ انتهى [ در معالم فرموده كه عادت كفار مكى آن بودكه جون دركارزاركار بر ايشان زار شدى كفتندى مناص مناص يعنى بكر زيد حق سبحانه وتعالى خبر ميدهدكه بهنكام حلول عذاب دربدر خلاص مناص خواهند كفت وآنجا جاى كريز نخواهدبود ](12/114)
وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4)
{ وعجبوا ان جاءهم منذر منهم } اى عجب كفار اهل مكة من ان جاءهم منذر ينذرهم النار اى رسول من جنسهم بل ادون منهم فى الرياسة الدنيوية والمال على معنى انهم عدوا ذلك خارجا عن احتمال الوقوع وانكروه اشد الانكار لا انهم اعتقدوا وقوعه وتعجبوا منه قالوا ان محمدا مساو لنا فى الخلقة الظاهرة والاخلاق الباطنة والنسب والشكل والصورة فكيف يعقل ان يختص من بيننا بهذا المنصب العالى ولم يتعجبوا من ان تكون المنحوتات آلهة وهذه مناقضة ظاهرة فلما تحيروا فى شأن النبى عليه السلام نسبوه الى السحر والكذب كما قال حكاية { وقال الكافرون } وضع فيه الظاهر موضع المضمر غضبا عليهم وايذانا بانه لا يتجاسر على مثل ما يقولونه الا المتوغلون فى الكفر والفسوق { هذا } [ اين منذر ] { ساحر } فيما يظهره من الخوارق { كذاب } فيما يسنده الى الله من الارسال والانزال لم يقل كاذب لرعاية الفواصل ولان الكذب على الله ليس كالكذب على غيره ولكثرة الكذب فى زعمهم فانه يتعلق بكل آية من الآيات القرآنية بخلاف اظهار الخوارق فانه قليل بالنسبة اليه هكذا لاح لى هذا المقام
وفى التأويلات النجمية لما كانوا منحرفى مزاج القلوب لمرض نسيان الحق جاءت النبوة على مذاق عقولهم المتغيرة سحرا والصدّيق كذابا
قال الكاشفى [ جه تيره رايى كه انوار لمعات وحى را ازتا ريكىء سحر امتياز نكند وجه بى بصيرتى كه آثار شعاع صدق را از ظلمات كذب بازنشناسند ]
كشته طالع آفتابى اينجينين عالم فروز ... ديده خفاش را يكذره ازوى نورنه
ازشعاع روز روشن روى كيتى مستنير ... تيركىء شب هنوز از ديده وى دورنه
واعلم ان اثبات النبوة والولاية سهل بالنسبة الى اهل العناية والتوفيق فان قلوبهم ألفت الاعراض عما سوى الله بخلاف اهل الانكار والخذلان فان قلوبهم الفت الاعراض عن الله فلذا صحبتهم الوقيعة إلى انبياء الله واوليائه
قال الاستاذ ابو القاسم الجنيد رضى الله عنه التصديق بعلمنا هذا ولاية يعنى الولاية الصغرى دون الكبرى
قال اليافعى والناس على اربعة اقسام . القسم الاول حصل لهم التصديق بعلمهم والعلم بطريقتهم والذوق لمشربهم واحوالهم . والقسم الثانى حصل لهم التصديق والعلم المذكور دون الذوق . والقسم الثالث حصل لهم التصديق دونهما . والقسم الرابع لم يحصل لهم من الثلاثة شىء نعوذ بالله من الحرمان ونسأله التوفيق والغفران فهم الذين اطالوا ألسنتهم فى حق الخواص ورموهم بالسحر والكذب والجنون لكونهم ليسوا من المحارم فى شأن من الشؤون : وفى المثنوى
جون خدا خواهد كه برده كس درد ... ميلش اندر طعنه با كان برد(12/115)
أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)
{ أجعل الآلهة الها واحدا } الهمزة للانكار والاستبعاد . والآلهة جمع اله وحقه ان لا يجمع اذ لا معبود فى الحقيقة سواه تعالى لكن العرب لاعتقادهم ان ههنا معبودات جمعوه فقالوا آلهة . والها واحدا مفعول ثان لجعل لانه بمعنى صير اى صيرهم الها واحدا فى زعمه وقوله لا فى فعله لان جعل الامور المتعددة شيأ واحدا بحسب الفعل محال [ آورده اندكه بعد ازاسلام حمزة وعمر رضى الله عنهما اشراف قريش جون وليد وابو سفيان وابو جهل وعتبه وشيبه واميه ازروى اضطراب نزد ابو طالب آمده درمرض موت او كفتند اى عبد مناف تو بزركتر ومهترمايى آمده ايم تاميان ما وبرادر زاده خود حكم فرمايى كه يك يك ازسفهاى قوم را مى فريبد ودين محدث وآين مجدد خودرا بديشان جلوه ميدهد سنك تفرقه در مجمع ما افكنده است ونزديك بآن رسيده كه دست تدارك از اطفاى اين نائره عاجز آيد ابو طالب آن حضرت را صلى الله تعالى عليه وسلم طلبيد وكفت اى محمد قوم تو آمده اند وايشانرا ازتو مدعاييست يكباركى طرف انحراف مورد متمناى ايشان تأمل نماى حضرت عليه السلام فرمود اى معشر قريش مطلوب شما ازمن جه جيزست كفتند آنكه دست ازنقض دين ما بدارى وسب آلهه ما فروكذارى تامانيز متعرض تو ومتابعان تونشويم حضرت عليه السلام فرمودكه « لا اله الا الله محمد رسول الله » بيكبار اشراف قريش ازان حضرت اعراض نموده كفتند ] أجعل الخ اى أصير محمد بزعمه الآلهة الها واحدا بان نفى الالوهية عنهم وقصرها على واحد ولم يعلموا انهم جعلوا الاله الواحد الهة { ان هذا } [ بدرستى كه يكانكى خداى تعالى ] { لشىء عجاب } العجاب بمعنى العجيب وهو الامر الذى يتعجب منه كالعجب الا ان العجيب ابلغ منه والعجاب بالتشديد ابلغ من العجاب بالتخفيف ونحوه طويل وطوال . والمعنى بليغ فى العجب لانه خلاف ما اتفق عليه آباؤنا الى هذا الآن
وقال بعضهم [ نيك شكفت جه سيصد وشصت بت كه ماداريم كاريك شهر مكه راست نمى توانند كرد يك خداى كه محمد ميكويد كار تمام عالم جون سازد ] يعنى انهم ما كانوا اهل النظر والبصيرة بل اوهامهم كانت تابعة للمحسوسات فقاسوا الغائب على الشاهد وقالوا لا بد لحفظ هذا العالم الكبير من آلهة كثيرة يحفظونه بامره وقضائه تعالى ولم يعرفوا الاله ولا معنى الآلهية فان الآلهية هى القدرة على الاختراع وتقدير قادرين على الاختراع غير صحيح لما يجب من وجوده التمانع بينهما وجوازه وذلك يمنع من كمالها ولو لم يكونا كاملى الوصف لم يكونا الهين وكل امر جرّ ثبوته سقوطه فهو مطروح . باطل(12/116)
وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6)
{ وانطلق الملأ منهم } الانطلاق الذهاب والملأ الاشراف لا مطلق الجماعة ويقال لهم ملأ لانهم اذا حضروا مجلسا ملأت العيون وجاهتهم والقلوب مهابتهم اى وذهب الاشراف من قريش وهم خمسة وعشرون عن مجلس ابى طالب بعد ما اسكتهم رسول الله عليه السلام بالجواب الحاضر وشاهدوا تصلبه عليه السلام فى الدين وعزيمته على ان يظهره على الدين كله ويئسوا مما كانوا يرجونه بتوسط ابى طالب من المصالحة على الوجه المذكور { ان } مفسرة للمقول المدلول عليه بالانطلاق لان الانطلاق عن مجلس التقاول لا يخلو عن القول اى وانطلق الملأ منهم بقول هو قول بعضهم لبعض على وجه النصيحة { امشوا } سيروا على طريقتكم وامضوا فلا فائدة فى مكالمة هذا الرجل . وحكى المهدوى ان قائلها عقبة بن ابى معيط { واصبروا على آلهتكم } اى واثبتوا على عبادتها متحملين لما تسمعونه فى حقها من القدح
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان الكفار اذا تراضوا فيما بينهم بالصبر على آلهتهم فالمؤمنون اولى بالصبر على عبادة معبودهم والاستقامة فى دينهم بل الطالب الصادق والعاشق الوامق اولى بالصبروالثبات على قدم الصدق فى طلب المحبوب المعشوق { ان هذا } تعليل للامر بالصبر او لوجوب الامتثال به اى هذا الذى شاهدناه من محمد من امر التوحيد ونفى آلهتنا وابطال امرنا { لشىء يراد } من جهته عليه السلام امضاؤه وتنفيذه لا محالة من غير صارف يلويه ولا عاطف يثنيه لا قول يقال من طرف اللسان او امر يرجى فيه المسامحة بشفاعة او امتناع فاقطعوا اطماعكم عن استنزاله عن رأيه بواسطة ابى طالب وشفاعته وحسبكم ان لا تمنعوا من عبادة آلهتكم بالكلية فاصبروا عليها وتحملوا ما تسمعونه فى حقها من القدح وسوء المقالة هذا ما ذهب اليه المولى ابو السعود فى الارشاد
وقال فى تفسير الجلالين لامر يراد بنا ومكر يمكر علينا
وقال سعدى المفتى وسنح بالبال انه يجوز ان يكون المراد ان دينكم لشىء يستحق ان يطلب ويعض عليه بالنواجذ فيكون ترغيبا وتعليلا للامر السابق
وقال بعضهم [ بدرستى كه مخالفت محمد باما جيز نيست كه خواسته اند بما از حوادث زمان واز وقوع آن جاره نيست ]
يقول الفقير امده الله القدير بالفيض الكثير ويجوز ان يكون المعنى ان الصبر والثبات على عبادة الآلهة التى هى الدين القديم يراد منكم فانه اقوى ما يدفع به امر محمد كما قالوا نتربص به ريب المنون فيكون موافقا لقرينه فى الاشارة الى المذكور فيما قبله او ان شأن محمد لشىء يراد دفعه واطفاء ثائرته بأى وجه كان قبل ان يعلو ويشيع كما قيل
علاج اوقعه ييش از وقوع بايدكرد ... ودل عليه اجتماعهم على مكره عليه السلام فابى الله الا ان يتم نوره(12/117)
مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7)
{ ما سمعنا بهذا } الذى يقوله من التوحيد { فى الملة الآخرة } ظرف لغو سمعنا اى فى الملة التى ادركنا عليها آباءنا وهى ملة قريش ودينهم الذى هم عليه فانها متأخرة عما تقدم عليها من الاديان والملل
وفيه اشارة الى ركون الجهال الى التقليد والعادة وما وجدوا عليه اسلافهم من الضلال واخطاء طريق العبادة
ترسم نرسى بكعبه اى اعرابى ... كين ره كه توميروى بتركستانست
والملة كالدين اسم لما شرع الله لعباده على يد الانبياء ليتوصلوا به الى ثواب الله وجواره فاطلاق كل منهما على طريقة المشركين مجاز مبنى على التشبيه { ان هذا } نافية بمعنى ما { الا اختلاق } الاختلاق [ دروغ كفتن ازنزد خود ] اى كذب اختلقه من عند نفسه
قال فى المفردات وكل موضع استعمل فيه الخلق فى وصف الكلام فالمراد به الكذب ومن هذا امتنع كثير من الناس اطلاق لفظ الخلق على القرآن وعلى هذا قوله ان هذا الا اختلاق(12/118)
أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8)
{ أأنزل عليه الذكر من بيننا } ونحن رؤساء الناس واشرافهم واكبرهم سنا واكثرهم اموالا واعوانا واحقاء بكل منصب شريف ومرادهم انكار كون القرآن ذكرا منزلا من الله تعالى . وامثال هذه المقالات الباطلة دليل على ان مناط تكذيبهم ليس الا الحسد على اختصاصه عليه السلام بشرف النبوة من بينهم وحرمانهم منه وقصر النظر على متاع الدنيا وغلطوا فى القصر والقياس . اما الاول فلان الشرف الحقيقى انما هو بالفضائل النفسانية دون الخارجية . واما الثانى فلان قياس نفسه عليه السلام بانفسهم فاسد اذ هو روح الارواح واصل الخليقة فأنى يكون هو مثلهم واما الصورة الانسانية فميراث عام من آدم عليه السلام لا تفاوت فيها بين شخص وشخص نعم وجهه عليه السلام كان يلوح منه انوار الجمال بحيث لم يوجد مثله فيما بين الرجال
اى حسن سعادت زجبين توهويدا ... اين حسن جه حسنست تقدس وتعالى
وفيه اشارة الى حال اكثر علماء زماننا وعبادهم انهم اذا رأوا عالما ربانيا من ارباب الحقائق يخبر عن حقائق لم يفهموها ويشير الى دقائق لم يذوقوها دعتهم النفوس المتمردة الى تكذيبه فيجحدونه بدل الاغتنام بانفاسه والاقتباس من انواره ويقولون أكوشف هو بهذه الحقائق من بيننا ويقعون فى الشك من امرهم كما قال تعالى { بل هم فى شك من ذكرى } اى القرآن او الوحى بميلهم الى التقليد واعراضهم عن النظر فى الادلة المؤدية الى العلم بحقيته وليس فى عقيدتهم ما يجزمونه فهم مذبذبون بين الاوهام ينسبونه تارة الى السحر واخرى الى الاختلاق
وفيه اشارة الى ان القرآن قديم لان الذكر المحدث يكون مسبوقا بالنسيان وهو منزه عنه { بل لما يذوقوا عذاب } فى لما دلالة على ان ذوقهم العذاب على شرف الوقوع لانها للتوقع اى بل لم يذوقوا بعد عذابى فاذا ذاقوه تبين لهم حقيقة الحال
وفيه تهديد لهم اى سيذوقون عذابى فيلجئهم الى تصديق الذكر حين لا ينفع التصديق
وفيه اشارة الى انهم مستغرقون فى بحر عذاب الطرد والبعد ونار القطيعة لكنهم عن ذوق العذاب بمعزل لغلبة الحواس الى ان يكون يوم تبلى السرائر فتغلب السرائر على الصور والبصائر على البصر فيقال لهم ذوقوا العذاب يعنى كنتم معذبين وما كنتم ذائقى العذاب فالمعنى لو ذاقوا عذابى ووجدوا ألمه لما قدموا على الجحود دل على هذا قوله عليه السلام « الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا »
شو زخواب كران جان بيدار ... تا جمالش عيان ببين اى يار(12/119)
أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9)
{ ام عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب } ام منقطعة بمعنى بل والهمزة وهى للانكار . والخزآئن جمع خزانة بالكسر بمعنى المخزن اى بل أعندهم خزائن رحمته تعالى يتصرفون فيها حسبما يشاؤن حتى يصيبوا بها من شاؤا ويصرفوها عمن شاؤا ويتحكموا فيها بمقتضى آرائهم فيتخيروا للنبوة بعض صناديدهم . والمعنى ان النبوة عطية من الله تعالى يتفضل بها على من يشاء من عباده لا مانع له فانه العزيز اى الغالب الذى لا يغالب الوهاب الذى له ان يهب كل ما يشاء
جون زحال مستحقان آكهى ... هرجه خواهى هركرا خواهى دهى
ديكرانرا اين تصرف كى رواست ... اختيار اين تصرفها تراست(12/120)
أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10)
{ ام لهم ملك السموات والارض وما بينهما } ترشيح اى تربية لما سبق اى بل الهم ملك هذه العوالم العلوية والسفلية حتى يتكلموا فى الامور الربانية ويتحكموا فى التدابير الالهية التى يستأثر بها رب العزة والكبرياء { فليرتقوا فى الاسباب } جواب شرط محذوف . والارتقاء الصعود
قال الراغب السبب الحبل الذى يصعد به النخل وقوله تعالى { فليرتقوا فى الاسباب } اشارة الى قوله { ام لهم سلم يستمعون } فيه وسمى كل ما يتوصل به الى شىء سببا انتهى . والمعنى ان كان لهم ما ذكر من الملك فليصعدوا فى المعارج والمناهج التى يتوصل بها الى العرش حتى يستووا عليه ويدبروا امر العالم وينزلوا الوحى الى ما يختارون ويستصوبون وفيه من التهكم بهم ما لا غاية وراءه(12/121)
جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11)
{ جند ما هنالك مهزوم من الاحزاب } الجند جمع معد للحرب وما مزيدة للتقليل والتحقير نحو اكلت شيأ ما وهنالك مركب من ثلاث كلمات احداها هنا وهو اشارة الى مكان قريب والثانية اللام وهى للتأكيد والثالثة الكاف وهى للخطاب قالوا واللام فيها كاللام فى ذلك فى الدلالة على بعد المشار اليه . والهزم الكسر يقال هزم العدو كسرهم وغلبهم والاسم الهزيمة وهزمه يهزمه فانهزم غمزه بيده فصارت فيه حفرة كما فى القاموس . والحزب جماعة فيها غلظ كما فى المفردات
قال ابن الشيخ جند خبر مبتدأ محذوف ومن الاحزاب صفته اى جملة الاحزاب وهم القرون الماضية الذين تحزبوا وتجمعوا على الانبياء بالتكذيب فقهروا وهلكوا ومهزوم خبر ثان للمبتدأ المقدر او صفة لجند وهنالك ظرف لمهزوم او صفة اخرى لجند وهو اشارة الى الموضع الذى تقاولوا وتحاوروا فيه بالكلمات السابقة وهو مكة اى سيهزمون بمكة وهو اخبار بالغيب لانهم انهزموا فى موضع تكلموا فيه بهذه الكلمات
وقال بعضهم هناك اشارة الى حيث وضعوا فيه انفسهم من الانتداب اى الاجابة والمطاوعة لمثل ذلك القول العظيم من قولهم لمن ينتدب لامر ليس من اهله لست هنالك فان هواهم الزائغ وحسدهم البالغ حملهم على ان يقولوا أانزل عليه الذكر من بيننا فانتدبوا له ووضعوا انفسهم فى مرتبة ان يقولوا ذلك العظيم فانه لاستلزامه الاعتراض على مالك الملك والملكوت لا ينبغى لاحد ان يجترىء عليه ويضع نفسه فى تلك المرتبة . والمعنى هم كجند ما من الكفار المتحزبين على الرسل مهزوم مكسور عما قريب فلا تبال بما يقولون ولا تكترث بما يهذون
ففيه اشارة الى عجزهم وعجز آلهتهم يعنى ان هؤلاء الكفار ليس معهم حجة ولا لاصنامهم من النفع والضر مكنة ولا فى الدفع والرد عن انفسهم قوة
وسمعت من فم حضرة شيخى وسندى قدس سره يقول استناد الكفار الى الاحجار ألا ترى الى القلاع والحصون واستناد المؤمنين الى « لا اله الا الله محمد رسول الله » ألا ترى انهم لا يتحصنون بحصن سوى التوكل على الله تعالى وهو يكفيهم كما قال تعالى « لا اله الا الله حصنى فمن دخل فى حصنى امن من عذابى » انتهى(12/122)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12)
{ كذبت قبلهم } اى قبل قومك يا محمد وهم قريش { قوم نوح } اى كذبوا نوحا وقد دعاهم الى الله وتوحيده الف سنة الا خمسين عاما { وعاد } قوم هود { وفرعون } موسى عليه السلام { ذو الاوتاد } جمع وتد محركة وبكسر التاء وهو ما غرز فى الارض او الحائط من خشب : وبالفارسية [ ميخ ] اى ذو الملك الثابت لانه استقام له الامر اربعمائة سنة من غير منازع واصله ان يستعمل فى ثبات الخيمة بان يشد اطنابها على اوتاد مركوزة فى الارض فان اطنابها اذاشتدت عليها كانت ثابتة فلا تلقيها الريح على الارض ولا تؤثر فيها ثم استعير لثبات الملك ورسوخ السلطنة واستقامة الامر بان شبه ملك فرعون بالبيت المطنب استعارة بالكناية واثبت له لوازم المشبه به وهو الثبات بالاوتاد تخييلا . وجه تخصيص هذه الاستعارة ان اكثر بيوت العرب كانت خياما وثباتها بالاوتاد ويجوز ان يكون المعنى ذو الجموع الكثيرة سموا بذلك لانهم يشدون البلاد والملك ويشد بعضهم بعضا كالوتد يشد البناء والخباء فتكون الاوتاد استعارة تصريحية وفى الحديث « المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا » اى لا يتقوى فى امر دينه ودنياه الا بمعونة اخيه كما ان بعض البناء يتقوى ببعضه ويكفى دليلا على كثرة جموع فرعون انه قال فى حق بنى اسرائيل ان هؤلاء لشرذمة قليلون مع انهم كانوا ينيفون على ستمائة الف مقاتل سوى الصغير والشيخ . ويجوز ان يكون الاوتاد حقيقة لا استعارة فانه على ما روى كانت له اوتاد من حديد يعذب الناس عليها فكان اذا غضب على احد مده مستلقيا بين اربعة اوتاد وشد كل يد وكل رجل منه الى سارية وكان كذلك فى الهواء بين السماء والارض حتى يموت او كان يمد الرجل مستلقيا على الارض ثم يشد يديه ورجليه ورأسه على الارض بالاوتاد
يقول الفقير هذه الرواية هى الانسب لما ذكروه فى قصة آسية امرأة فرعون فى سورة التحريم من انها لما آمنت بموسى اوتد لها فرعون باوتاد فى يديها ورجليها كما سيجىء(12/123)
وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13)
{ وثمود } قوم صالح
قال ابن عباس رضى الله عنهما ان قوم صالح آمنوا به فلما مات صالح رجعوا بعده عن الايمان فاحيى الله صالحا وبعثه اليهم ثانيا فاعلمهم انه صالح فكذبوه فاتاهم بالناقة فكذبوه فعقروها فاهلكهم الله
قال الكاشفى [ بعضى ايمان آوردند وجمعى تكذيب نمودند وبسبب عقر ناقة هلاك شدند ] { وقوم لوط }
قال مجاهد كانوا اربعمائة الف بيت فى كل بيت عشرة
وقال عطاء ما من احد من الانبياء الا ويقوم معه يوم القيامة قوم من امته الا لوط فانه يقوم وحده كما فى كشف الاسرار { واصحاب الايكة } اصحاب الغيضة من قوم شعيب بالفارسية [ اهل بيشه ]
قال الراغب الأيك شجر ملتف واصحاب الايكة قيل نسبوا الى غيضة كانوا يسكنونها وقيل هى اسم بلد كما فى المفردات { اولئك الاحزاب } بدل من الطوائف المذكورة يعنى المتحزبين اى المجتمعين على انبيائهم الذين جعل الجند المهزوم يعنى قريشا منهم(12/124)
إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14)
{ ان كل الا كذب الرسل } استئناف جيىء به تهديدا لما يعقبه اى ما كل حزب وجماعة من اولئك الاحزاب الا كذب رسوله على نهج مقابلة الجمع بالجمع لتدل على انقسام الآحاد بالآحاد كما فى قولك ركب القوم دوابهم والاستثناء مفرغ من اعم الاحكام فى حيز المبتدأ اى ما كل واحد منهم محكوما عليه بحكم الا محكوم عليه بانه كذب الرسل ويجوز ان يكون قوله { اولئك الاحزاب } مبتدأ وقوله { ان كل الا كذب الرسل } خبره محذوف العائد اى ان كل منهم { فحق عقاب } اى ثبت ووقع على كل منهم عقابى الذى كانت توجبه جناياتهم من اصناف العقوبات المفصلة فى مواقعها(12/125)
وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15)
{ وما ينظر هؤلاء } الاشارة الى كفار مكة بهؤلاء تحقير لشأنهم وتهوين لامرهم وما ينتظر هؤلاء الكفرة الذين هم امثال اولئك الطوائف المذكورة المهلكة فى الكفر والتكذيب { الا صيحة واحدة } هى النفخة الثانية اى ليس بينهم وبين حلول ما اعد لهم من العقاب الفظيع الا هى حيث اخرت عقوبتهم الى الآخرة لما ان تعذيبهم بالاستئصال حسبما يستحقونه والنبى عليه السلام بين اظهرهم خارج عن السنة الالهية المبنية على الحكم الباهرة كما نطق به قوله تعالى { وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم } ثم ان الانتظار يحتمل ان يكون حقيقة او استهزاء فهم وان كانوا ليسوا بمنتظرين لان تأتيهم الصيحة الا انهم جعلوا منتظرين لها تنبيها على قربها منهم فان الرجل انما ينتظر الشىء ويمد طرفه اليه مترقبا فى كل آن حضوره اذا كان الشىء فى غاية القرب منه { ما لها من فواق } اى ما للصيحة من توقف مقدار فواق ففيه تقدير مضاف هو صفة لموصوف مقدر . والفواق بالضم كغراب ويفتح كما فى القاموس ما بين حلبتى الحالب من الوقت لان الناقة تحلب ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل لادرار اللبن ثم تحلب ثانية يعنى اذا جاء وقت الصيحة لم تستأخر هذا القدر من الزمان كقوله تعالى { فاذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة } وهو عبارة عن الزمان اليسير وفى الحديث « من اعتكف قدر فواق فكأنما اعتق رقبة من ولد اسماعيل » وفى الحديث « من قاتل فى سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة »
وفى الآيتين اشارة الى تسلية قلب النبى عليه السلام وتصفيته عن الاهتمام بكفار مكة لئلا يضيق قلبه من تكذيبهم ولا يحزن عليهم لكفرهم فان هؤلاء الاحزاب كذبوا الرسل كما كذبه قومه وكانوا اقوياء متكثرين عددا وقومه جندا قليلا من تلك المتحزبين ثم انهم كانوا مظهر القهر وحطب نار الغضب ما اغنى عنهم جمعهم وقوتهم ابدانا وكثرتهم اسبابا فكذا حال قريش فانتظارهم ايضا اثر من آثار القهر الالهى ونار من نيران الغضب القهارى(12/126)
وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16)
{ وقالوا } بطريق الاستهزاء والسخرية عند سماعهم بتأخير عقابهم الى الآخرة والقائل النضر بن الحرث بن علقمة بن كندة الخزاعى واضرابه وكان النضر من شياطينهم ونزل فى شأنه فى القرآن بضع عشرة آية وهو الذى قال { امطر علينا حجارة من السماء } { ربنا } وتصدير دعائهم بالنداء للامعان فى الاستهزاء كأنهم يدعون ذلك بكمال الرغبة والابتهال { عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب } القط القطعة من الشىء من قطه اذا قطعه والمراد هنا القسط والنصيب لانه قطعه من الشىء مفرزة
قال الراغب اصل القط الشىء المقطوع عرضا كما ان القدّ هو المقطوع طولا والقط النصيب المفروض كأنه قط وافرز وقد فسر ابن عباس رضى الله عنهما الآية به انتهى . فالمعنى عجل لنا قسطنا وحظنا من العذاب الذى توعدنا به محمد ولا تؤخره الى يوم الحساب الذى مبدأه الصيحة المذكورة ويقال لصحيفة الجائزة ايضا قط لانها قطعة من القرطاس . فالمعنى عجل لنا صحيفة اعمالنا لننظر فيها
قال سهل ابن عبد الله التسترى رحمه الله لا يتمنى الموت الا ثلاثة رجل جاهل بما بعد الموت او رجل يفر من اقدار الله عليه او مشتاق محب لقاء الله
وفيه اشارة الى ان النفوس الخبيثة السفلية يميل طبعها الى السفليات وهى فى الدنيا لذائذ الشهوات الحيوانية وفى الآخرة دركات اسفل سافلين جهنم كما ان القلوب العلوية اللطيفة يميل طبعها الى العلويات وهى فى الدنيا حلاوة الطاعة ولذاذة القربات وفى الآخرة درجات اعلى عليين الجنات وكما ان الارواح القدسية تشتاق بخصوصيتها الى شواهد الحق ومشاهدات انوار الجمال والجلال ولكل من هؤلاء الاصناف جذبة بالخاصية جاذبة بلا اختيار كجذبة المغناطيس للحديد وميلان وطبع الحديد الى المغناطيس من غير اختيار بل باضطرار كذا فى التأويلات النجمية : وفى المثنوى
ذره ذره كاندرين ارض وسماست ... جنس خودرا همجوكاه و كهرباست(12/127)
اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17)
{ اصبر } يا محمد { على ما يقولون } اى ما يقوله كفار قريش من المقالات الباطلة التى من جملتها قولهم فى تعجيل العذاب ربنا عجل لنا الخ فعن قريب سينزل الله نصرك ويعطيهم سؤلهم
قال شاه الكرمانى الصبر ثلاثة اشياء ترك الشكوى وصدق الرضى وقبول القضاء بحلاوة القلب
قال البقلى كن خاطر النبى عليه السلام ارق من ماء السماء بل الطف من نور العرش والكرسى من كثرة ما ورد عليه من نور الحق فلكمال جلاله فى المعرفة كان لا يحتمل مقالة المنكرين وسخرية المستهزئين لا انه لم يكن صابرا فى مقام العبودية { واذكر } من الذكر القلبى اى وتذكر { عبدنا } المخصوص بعنايتنا القديمة { داود } ابن ايشا من سبط يهودا بن يعقوب عليه السلام بينه وبين موسى عليه خمسمائة وتسع وستون سنة وقام بشريعة موسى وعاش مائة سنة { ذا الايد } يقال آد يئيد ايدا مثل باع يبيع بيعا اشتد وقوى . والايد القوة كما فى القاموس والقوة الشديدة كما فى المفردات اى ذا القوة فى الدين القائم بمشاقه وتكاليفه
وفى الكواشى ويجوز ان يراد القوة فى الجسد والدين انتهى
واعلم انه تعالى ذكر اولا قوة داود فى امر الدين ثم زلته بحسب القضاء الازلى ثم توبته بحسب العناية السابقة وامره عليه السلام بتذكر حاله وقوته فى باب الطاعة ليتقوى على الصبر ولا يزل عن مقام استقامته وتمكينه كما زل قدم داود فظهرت المناسبة بين المسندين واتضح وجه عطف واذكر على اصبر { انه اواب } من الاوب وهو الرجوع اى رجاع الى الله ومرضاته اى عن كل ما يكره الله الى ما يحب الله وهو تعليل لكونه ذا الايد ودليل على ان المراد به القوة فى امر الدين وما يتعلق بالعبادة لا قوة البدن لان كونه راجعا الى مرضاة الله لا يستلزم كونه قوى البدن وقد روى انه لم يكن جسيما كسائر الانبياء بل قصير القامة واكثر القوى البدنية كان فيمن زاده الله بسطة فى جسمه
وفى التأويلات النجمية تشير الآية الى كماليته فى العبودية بانه لم يكن عبد الدنيا ولا عبد الآخرة وانما كان عبدنا خالصا مخلصا وله قوة فى العبودية ظاهرا وباطنا . فاما قوته ظاهرا فبانه قتل جالوت وكثيرا من جنوده بثلاثة احجار رماها عليهم . واما قوته فى الباطن فلانه كان اوابا وقد سرت اوابيته فى الجبال والطير فكانت تؤوب معه انتهى . ومن قوة عبادة داود كان يصوم يوما ويفطر يوما وذلك اشد الصوم وكان ينام النصف الاول من الليل ويقوم النصف الاخير منه مع سياسة الملك
وفى بعض التفاسير كان ينام النصف الاول من الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وهو الموافق لما فى المشارق من قوله عليه السلام « احب الصيام الى الله صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما واحب الصلاة الى الله » اى فى النوافل « صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه » وانما صار هذا النوع احب لان النفس اذا نامت الثلثين من الليل تكون اخف وانشط فى العبادة(12/128)
إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18)
{ انا سخرنا الجبال معه } بيان لفضله مع داود اى ذللناها ومع متعلق بالتسخير وايثارها على اللام لكون تسخير الجبال له عليه السلام لم يكن بطريق تفويض التصرف فيها اليه كتسخير الريح وغيرها لسليمان عليه السلام لكون سيرها معه بطريق التبعية له فتكون مع على حالها ويجوز ان تكون مع متعلقة بما بعدها وهو قوله { يسبحن } اى حال كونها تقدس الله تعالى مع داود لم يقل مسبحات للدلالة على تجدد التسبيح حالا بعد حال
قال فى كشف الاسرار كان داود يسمع ويفهم تسبيح الجبال على وجه تخصيصه به كرامة له ومعجزة انتهى
واختلفوا فى كيفية التسبيح فقيل بصوت يتمثل له وهو بعيد وقيل بلسان الحال وهو ابعد وقيل بخلق الله فى جسم الجبل حياة وعقلا وقدرة ونطقا فحينئذ يسبح الله كما يسبح الاحياء العقلاء وهذا لسان اهل الظاهر واما عند اهل الحقيقة فسر الحياة سار فى جميع الموجودات حيوانا او نباتا او جمادا فالحياة فى الكل حقيقة لا عارضية او حالية او تمثيلية لكن انما يدركها كمل المكاشفين فتسبيح الجبال مع داود على حقيقته لكن لما كان على كيفية مخصوصة وسماعه على وجه غريب خارج عن العقول كان من معجزات داود عليه السلام وكراماته وقد سبق مرارا تحقيق هذا المقام بما لا مزيد عليه من الكلام { بالعشى } فى آخر النهار { والاشراق } فى اول النهار ووقت الاشراق هو حين تشرق الشمس اى تضيىء ويصفو شعاعها وهو قت الضحى واما شروقها فطلوعها يقال شرقت الشمس ولما تشرق
وعن ابن عباس رضى الله عنهما كنت امر بهذه الآية لا ادرى ما هى حتى حدثتنى ام هانى بنت ابى طالب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم فتح مكة فدعا بوضوء فتوضأ وفى البخارى واغتسل فى بيتها ثم صلا الضحى ثمانى ركعات وقال « يا ام هانى هذه صلاة الاشراق » ومن هنا قال بعضهم من دخل مكة واراد ان يصلى الضحى اول يوم اغتسل وصلاها كما فعله عليه السلام يوم فتح مكة
وقال بعضهم صلاة الضحى غير صلاة الاشراق كما دل عليه قوله عليه السلام « من صلى الفجر بجماعة ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كان له كاجر حجة وعمرة تامة تامة » وهى صلاة الاشراق كما فى شرح المصابيح وقوله عليه السلام « صلاة الاوابين حين تدمض الفصال من الضحى » والمعنى أن صلاة الضحى تصلى اذا وجد الفصيل حر الشمس من الرمضاء اى من الارض التى اشتد حرها من شدة وقع الشمس عليها فان الرمض شدة وقع الشمس على الرمل وغيره والفصيل الذى يفصل ويفطم عن الرضاع من الابل وخص الفصال هنا بالذكر لانها التى ترمض لرقة جلد رجلها
وفيه اشارة الى مدحهم بصلاة الضحى فى الوقت الموصوف لان الحر اذا اشتد عند ارتفاع الشمس تميل النفوس الى الاستراحة فيرد على قلوب الاوابين المستأنسين بذكر الله تعالى ان ينقطعوا عن كل مطلوب سواه
يقول الفقير يمكن التوفيق بين الروايتين بوجهين .(12/129)
الاول يحتمل ان يكون الاشراق من اشرق القول اذا دخلوا فى الشروق اى الطلوع فلا يدل على الضحى الذى هو الوقت المتوسط بين طلوع الشمس وزوالها . والثانى ان اول وقت صلاة الاشراق هو ان ترتفع الشمس قدر رمح وآخر وقتها هو اول وقت صلاة الضحى فصلاة الضحى فى الغداة بازاء صلاة العصر فى العشى فلا ينبغى ان تصلى حتى تبيض الشمس طالعة ويرتفع كدرها بالكلية وتشرق بنورها كما يصلى العصر اذا اصفرت الشمس فقوله عليه السلام « هذه صلاة الاشراق » اما بمعنى انها اشراق بالنسبة الى آخر وقتها واما بمعنى انها ضحى باعتبار اول وقتها
قال الشيخ عبد الرحمن البسطامى قدس سره فى ترويح القلوب يصلى اربع ركعات بنية صلاة الاشراق فقد وردت السنة يقرأ فى الركعة الاولى بعد الفاتحة سورة والشمس وضحاها وفى الثانية والليل اذا يغشى وفى الثالثة والضحى وفى الرابعة ألم نشرح لك ثم اذا حان وقت صلاة الضحى ركعتان او اربع ركعات او اكثر الى ثنتى عشرة ركعة ولم ينقل ازيد منها بثلاث تسليمات وان شئت بست تسليمات ورد فى فضلها اخبار كثيرة من صلاها ركعتين فقد ادى ما عليه من شكر الاعضاء لان الصلاة عمل بجميع الاعضاء التى فى البدن ومن صلاها ثنتى عشرة ركعة بنى له قصر من ذهب فى الجنة وللجنة باب يقال له الضحى فاذا كان يوم القيامة نادى مناد اين الذين كانوا يدومون على صلاة الضحى هذا بابكم فادخلوه برحمة الله عز وجل(12/130)
وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19)
{ والطير } عطف على الجبال جمع طائر كركب وراكب وهو كل ذى جناح يسبح فى الهواء { محشورة } حال من الطير والعامل سخرنا اى وسخرنا الطير حال كونها محشورة مجموعة اليه من كل جانب وناحية : وبالفارسية [ جمع كرده شد نزد وىوصف زده بالاى سروى ] وكانت الملائكة تحشر اليه ما امتنع عليه منها كما فى كشف الاسرار عن ابن عباس رضى الله عنهما كان اذا سبح جاوبته الجبال بالتسبيح واجتمعت اليه الطير فسبحت وذلك حشرها وانما لم يراع المطايقة بين الحالين بان يقال يحشرن لان الحشر جملة ادل على القدرة منه متدرجا كما يفهم من لفظ المضارع { كل } اى كل واحد من الجبال والطير { له } اى لاجل داود اى لاجل تسبيحه فهو على حذف المضاف { اواب } رجاع الى التسبيح اذا سبح سبحت الجبال والطير معه : وبالفارسية [ بازكرداننده آواز خود باوى بتسبيح ] ووضع الاواب موضع المسبح لانها كانت ترجع التسبيح والمرجع رجاع لانه يرجع الى فعله رجوعا بعد رجوع . والفرق بينه وبين ما قبله وهو يسبحن . ان يسبحن بدل على الموافقة فى التسبيح وهذا يدل على المداومة عليها
وقيل الضمير لله اى كل من داود والجبال والطير لله اواب اى مسبح مرجع لله . التسبيح والترجيع بالفارسية [ نغمت كردانيدن ] روى ان الله تعالى لم يعط احدا من خلقه ما اعطى داود من حسن الصوت فلما وصل الى الجبال الحان داود تحركت من لذة السماع فوافقته فى الذكر والتسبيح ولما سمعت الطيور نغماته صفرت بصفير التنزيه والتقديس ولما اصغت الوحوش صوته ودنت منه حتى كانت تؤخذ باعناقها فقبل الكل فيض المعرفة والحالة بحسب الاستعداد ألا ترى الى الهدهد والبلبل والقمرى والحمامة ونحوها
دانى جه كفت مرا آن بلبل سحرى ... توخودجه آدمى كزعشق بيخبرى
اشتر بشعر عرب درحالتست وطرب ... كرذوق نيست تراكز طبع جانورى
فالتأثر والحركة والبكاء ونحوها ليست من خواص الانسان فقط بل اذا نظرت بنظر الحقيقة وجدتها فى الحيوانات بل فى الجمادات ايضا لكونها احياء بالحياة الحقيقية كما اشير اليه فيما سبق
قال الكاشفى [ يكى ازا وليا سنكى راديدكه جون قطرات باران آب ازوميجكد ساعتى توقف كرد بتأمل دران نكريست سنك باوى بسخن در آمدكه اى ولى خدا جندين سالست كه خداى تعالى مرا آفريده وازبيم سياست اواشك حسرت ميريزم آن ولى مناجات كردكه خدايا اين سنك را ايمن كردان دعاى اوباجابت بيوسته مزده امان بدان سنك رسيد آن ولى بعداز مدتى ديكر باره همانجا رسيد و آن سنك رايدكه ازنوبت اول بيشتر قطرها ميريخت فرمودكه اى سنك جون ايمن شدى اين كريه ازجيست جواب دادكه اول مى كريستم از خوف عقوبت وحالا ميكريم ازشادى امن وسلامت(12/131)
ازسنك كريه بين ومكو آن ترشحست ... دركوه ناله بين ومبندار كان صداست
قال بعض كبار المكاشفين سبحت الجبال وكذا الطير لتسبيح داود ليكون له عملها لان تسبيحها لما كان لتسبيحه منتشأ منه لا جرم يكون ثوابه عائدا اليه لا اليها لعدم استحقاقها لذلك بخلاف الانسان فانه اذا وافقه انسان آخر فى ذكره وتسبيحه او عمل بقوله يكون له مثل ثواب ذكره وتسبيحه لاحيائه وايقاظه فهو صيده واحق به وانما كان يسبح الجبال والطير لتسبيحه لانه لما قوى توجهه عليه السلام بروحه الى معنى التسبيح والتحميد سرى ذلك الى اعضائه وقواه فانها مظاهر روحه ومنها الى الجبال والطير فانها صور اعضائه وقواه فى الخارج فلا جرم يسبحن لتسبيحه وتعود فائدة تسبيحها اليه وخاصية العشى والاشراق ان فيهما زيادة ظهور انوار قدرته وآثار بركة عظمته وان وقت الضحى وقت صحو اهل السكر من خمار شهود المقامات المحمودة وان العشى وقت اقبال المصلين الى المناجاة وعرض الحاجات(12/132)
وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)
{ وشددنا ملكه } قوينا ملكه بالهيبة والنصرة ونحوهما
قال الكاشفى [ ومحكم كرديم بادشاهى ويرا بدعاى مظلومان . يابوزراى نصيحت كنندكان . يابكوتاه كردن ظلم ازرعيت . يابالقاى رعب وى دردل اعادى . يابيافتن زره وساختن آلات حرب . يابه بسيارىء لشكر . يابكثرت باسبانان جه هرشب سى وشش هزار مردباس خانه وى ميداشتند ]
وقيل كان اربعون الف لابسى درع يحرسونه فاذا اصبح قيل ارجعوا فقد رضى عنكم نبى الله وكان نبينا عليه السلام يحرس ايضا الى نزول قوله تعالى { والله يعصمك من الناس } ومن ذلك اخذ السلاطين الحرس فى السفر والحضر فلا يزالون يحرسونهم فى الليالى ولهم اجر فى ذلك
وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه ادعى رجل على آخر بقرة وعجز عن اقامة البينة فاوحى الله تعالى الى داود عليه السلام ان اقتل المدعى عليه فاعلم الرجل فقال صدقت يا نبى الله ان الله لم يأخذنى بهذا الذنب ولكن بانى قتلت ابا هذا غيلة فقتله فقال الناس ان اذنب احد ذنبا اظهره الله عليه فقتله فهابوه وعظمت هيبته فى القلوب . والغيلة بالكسر هو ان يخدع شخصا فيذهب به الى موضع فاذا صار اليه قتله { وآتيناه الحكمة } اى العلم بالاشياء على ما هى عليه والعمل بمقتضاه ان كان متعلقا بكيفية العمل
واعلم ان الحكمة نوعان . احدهما الحكمة المنطوق بها وهى علم الشريعة والطريقة . والثانى الحكمة المسكوت عنها وهى اسرار الحقيقة التى لا يطلع عليها عوام العلماء على ما ينبغى فيضرهم او يهلكهم كما روى ان رسول الله صلى الله وسلم كان يجتاز فى بعض سكك المدينة مع اصحابه فاقسمت عليه امرأة ان يدخلوا منزلها فدخلوا فرأوا نارا موقدة واولاد المرأة يلعبون حولها فقالت يا نبى الله الله ارحم بعباده ام انا باولادى فقال عليه السلام « بل الله ارحم فانه ارحم الراحمين » فقالت يا رسول الله أترانى احب ان القى ولدى فى النار قال « لا » فقالت فكيف يلقى الله عبيده فيها وهو ارحم بهم قال الراوى فبكى رسول الله عليه السلام فقال « هكذا اوحى الى » { وفصل الخطاب } لبيان تلك الحكمة على الوجه المفهم كما فى شرح الفصوص للمولى الجامى رحمه الله فيكون بمعنى الخطاب الفاصل اى المميز والمبين او الخطاب المفصول اى الكلام الملخص الذى ينبه المخاطب على المرام من غير التباس
وفى شرح الجندى يعنى الافصاح بحقيقة الامر وقطع القضايا والاحكام باليقين من غير التياب ولا شك ولا توقف فيكون بمعنى فصل الخصام بتمييز الحق من الباطل فالفصل على حقيقته واريد بالخطاب المخاصمة لاشتمالها عليه
وفى التأويلات النجمية { وشددنا ملكه } فى الظاهر بان جعلناه اشد ملوك الارض { و } فى الباطن بان { آتيناه الحكمة وفصل الخطاب } والحكمة هى انواع المعارف من المواهب وفصل الخطاب بيان تلك المعارف بادل دليل واقل قليل انتهى وانما سمى به اما بعد لانه يفصل المقصود عما سبق تمهيدا له من الحمد والصلاة(12/133)
وقال زياد اول من قال فى كلامه اما بعد داود عليه السلام فهو فصل الخطاب ورد بانه لم يثبت عنه انه تكلم بغير لغته واما بعد لفظة عربية وفصل الخطاب الذى اوتيه داود هو فصل الخصومة كما فى انسان العيون
اللهم الا ان يقال ان صح هذا القول لم يكن ذلك بالعربية على هذا النظم وانما كان بلسانه عليه السلام
وقال علىّ رضى الله عنه فصل الخطاب ان يطلب البينة من المدعى ويكلف اليمين من انكر لان كلام الخصوم لا ينقطع ولا ينفصل الا بهذا الحكم
قالوا كان قبل ذلك قد علق الله سلسلة من السماء وامره بان يقضى بها بين الناس فمن كان على الحق يأخذ السلسلة وتصل يده اليها ومن كان ظالما لا يقدر على اخذ السلسلة فاتفق ان رجلا غصب من رجل آخر لؤلؤا فجعل اللؤلؤ فى جوف عصاه ثم خاصم المدعى الى داود عليه السلام فقال ان هذا قد اخذ لؤلؤا وانى صادق فى مقالتى فجاء واخذ السلسلة ثم قال المدعى عليه خذ منى العصا فاخذ عصاه فقال انى دفعت اللؤلؤ اليه وانى صادق فى مقالتى فجاء واخذ السلسلة فتحير داود فى ذلك ورفعت السلسلة وامر عليه السلام بان يقضى بالبينات والايمان فذلك قوله { وآتيناه الحكمة } يعنى العلم والفهم وفصل الخطاب يعنى القضاء بالبينات والايمان على الطالبين والمدعى عليهم كذا فى تفسير الامام ابى الليث رحمه الله وكان الحكم فى شرعنا ايضا بذلك لانه اسدّ الطرق واحسن الوسائل فى كل مسئلة من المسائل لكل سائل(12/134)
وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)
{ وهل اتاك نبأ الخصم } استفهام معناه التعجب والتشويق الى استماع ما فى حيزه للايذان بانه من الاخبار البديعة التى حقها ان لا تخفى على احد . والنبأ الخبر العظيم والخصم بمعنى المخاصم واصل المخاصمة ان يتعلق كل واحد بخصم الآخر بالضم اى جانبه ولما كان الخصم فى الاصل مصدرا متساويا افراده وجمعه اطلق على الجمع فى قوله تعالى { اذ تسوروا المحراب } يقال تسور المكان اذا علا سوره وسور المدينة حائطها المشتمل عليها وقد يطلق على حائط مرتفع وهو المراد هنا . والمراد من المحراب البيت الذى كان داود عليه السلام يدخل فيه ويشتغل بطاعة ربه
قيل كان ذلك البيت غرفة وسمى ذلك البيت محرابا لاشتماله على المحراب على طريقة تسمية الشىء باشرف اجزائه واذ متعلقة بمحذوف وهو التحاكم اى نبأ تحاكم الخصم اذ تسوروا المحراب اى تصعدوا سور الغرفة ونزلوا اليه . والمراد بالخصم المتسورين جبرائيل وميكائيل بمن معهما من الملائكة على صورة المدعى والمدعى عليه والشهود والمزكين من بنى آدم(12/135)
إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22)
{ اذ دخلوا على داود } بدل مما قبله { ففزع منهم } الفزع انقباض ونفار يعترى الانسان من الشىء المخيف وهو من جنس الجزع ولا يقال فزعت من الله كما يقال خفت منه وانما فزع منهم لانه كان الباب مغلقا وهو يتعبد فى البيت فنزلوا عليه بغتة من فوق اى من غير الباب على خلاف العادة
وفيه اشارة الى كمال ضعف البشرية مع انه كان اقوى الاقوياء اذ فزع منهم ولعل فزع داود كان لاطلاع روحه على انه تنبيه له وعتاب فيما سلف منه كما سيأتى فلما رأوه فزعا { قالوا } ازالة لفزعه { لا تخف } منا
قال فى التأويلات النجمية يشير الى انه لا تخف من صورة احوالنا فانا جئنا لتحكم بيننا بالحق ولكن خف من حقيقة احوالنا فانها كشف احوالك التى جرت بينك وبين خصمك اوريا { خصمان } اى نحن فريقان متخاصمان على تسمية مصاحب الخصم خصما تجوزا والحاصل انه اطلق لفظ الخصم فيما سبق على الجمع بدليل تسوروا ثم ثنى بتأويل الفريق وهم وان لم يكونوا فريقين بل شخصين اثنين بدليل ان هذا اخى الآية لكن جعل مصاحب الخصم خصما فكانا بمن معهما فريقين من الخصوم فحصل الانطباق بين صيغة التثنية فى قوله خصمان وبين ما مر من ارادة الجمع { بغى } [ ستم وجور كرد ] { بعضنا على بعض } هو على الفرض وقصد التعريض بداود لا على تحقيق البغى من احدهما فلا يلزم الكذب اذ الملائكة منزهون عنه فلا يحتاج الى ما قيل ان المتخاصمين كانا لصين دخلا عليه للسرقة فلما رآهما اخترعا الدعوى كما فى شرح المقاصد { فاحكم بيننا بالحق } بالعدل : وبالفارسية [ بس حكم كن درميان ما براستى ] { ولا تشطط ] [ الاشطاط : بيدا كردن واز حد در كذشتن ] من الشطط وهو مجاوزة الحد وتخطى الحق . والمعنى لا تجر فى الحكومة وهو تأكيد للامر بالحكم بالحق والمقصود من الامر والنهى الاستعطاف { واهدنا الى سواء الصراط } الى وسط طريق الحق بزجر الباغى عما سلكه من طريق الجور وارشاده الى منهاج العدل(12/136)
إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23)
{ ان هذا } استئناف لبيان ما فيه الخصومة { اخى } فى الدين او فى الصحبة والتعرض لذلك تمهيد لبيان كمال قبح ما فعل به صاحبه { له تسع وتسعون نعجة ولى } قرأ حفص عن عاصم ولى بفتح الياء والباقون باسكانها على الاصل { نعجة واحدة } النعجة هى الانثى من الضأن وقد يكنى بها عن المرأة والكناية والتعريض ابلغ فى المقصود وهو التوبيخ فان حصول العلم بالمعرض به يحتاج الى تأمل فاذا تأمله واتضح قبحه كان ذلك اوقع فى نفسه واجلب لخجالته وحيائه { فقال اكفلنيها } اى ملكنيها وحقيقته اجعلنى اكفلها كما اكفل ما تحت يدى والكافل هو الذى يعولها وينفق عليها { وعزنى فى الخطاب } اى غلبنى فى مخاطبته اياى محاجة بان جاء بحجاج لم اقد على رده
وعن ابن عباس رضى الله عنهما كان اعز منى واقوى على مخاطبتى لانه كان الملك فالمعنى كان اقدر على الخطاب لعزة ملكه كما فى الوسيط(12/137)
قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)
{ قال } داود بعد اعتراف المدعى عليه او على تقدير صدق المدعى والا فالمسارعة الى تصديق احد الخصمين قبل سماع كلام الآخر لا وجه له وفى الحديث « اذا جلس اليك الخصمان فلا تقض لاحدهما حتى تسمع من الآخر » { لقد ظلمك } جواب قسم محذوف قصد به عليه السلام المبالغة فى انكار فعل صاحبه وتهجن طمعه فى نعجة من ليس له غيرها مع ان له قطيعا منها { بسؤال نعجتك الى نعاجه } السؤال مصدر مضاف الى مفعوله وتعديته الى مفعول آخر بالى لتضمنه معنى الاضافة والضم كأنه قيل بضم نعجتك الى نعاجه على وجه السؤال والطلب
وفى هذا اشارة الى ان الظلم فى الحقيقة من شيم النفوس فان وجدت ذا عفة فالعلة كما قال يوسف { وما ابرىء نفسى } الآية فالنفوس جبلت على الظلم والبغى وسائر الصفات الذميمة ولو كانت نفوس الانبياء عليهم السلام كذا فى التأويلات النجمية
يقول الفقير هذا بالنسبة الى اصل النفوس وحقيقتها والا فنفوس الانبياء مطمئنة لا امارة اذ لم يظهر فيهم الا آثار المطمئنة وهى اول مراتب سلوكهم وقد اشار الشيخ الى الجواب بقوله فان وجدت الخ فاعرف ذلك فانه من مزالق الاقدام وقد سبق التحقيق فيه فى سورة يوسف
ثم قال داود عليه السلام حملا للنعجة على حقيقتها لا على كونها مستعارة للمرأة { وان كثيرا من الخلطاء } اى الشركاء الذين خلطوا اموالهم جمع خليط كظريف والخلطة الشركة وقد غلبت فى الماشية { ليبغى بعضهم على بعض } اى ليتعدى غير مراعى لحق الصحبة والشركة : يعنى [ از حق خودزياده مى طلبند ] { الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } منهم فانهم يجتنبون عن البغى والعدوان { وقليل ما هم } وهم قليل فهم مبتدأ وقليل خبره قدم عليه للاهتمال به وانما افرد تشبيها بفعيل بمعنى مفعول وما مزيد لتأكيد القلة او للابهام او التعب من قلة الموصوفين بالايمان وصالح العمل { وظن داود انما فتناه } الظن مستعار للعلم الاستدلالى لما بينهما من المشابهة . يعنى ان الظن الغالب لما كان يقارب العلم استعير له فالظن يقين لكنه ليس بيقين عيان فلا يقال فيه الا العلم . وما فى انما كافة والمعنى وعلم داود بما جرى فى مجلس الحكومة انما فعلنا به الفتنة والامتحان لا غير بتوجيه الحصر الى نفس الفعل بالقياس الى ما يغايره من الافعال { فاستغفر ربه } اثر ما علم ان ما صدر عنه ذنب كما استغفر آدم عليه السلام بقوله ربنا ظلمنا انفسنا الخ وموسى عليه السلام بقوله تبت اليك وغيرهما من الانبياء الكرام على ما بين فى موضعه { وخر } سقط حال كونه { راكعا } اى ساجدا على تسمية السجود ركوعا لانه مبدأه لانه لا يكون ساجدا حتى يركع وفى كل من الركوع والسجود التحنى والخضوع وبه استشهد ابو حنيفة واصحابه فى سجدة التلاوة على ان الركوع يقوم مقام السجود او خرّ للسجود راكعا اى مصليا اطلاقا للجزء وارادة لكل كأنه احرم بركعتى الاستغفار والدليل على الاول اى على ان الركوع ههنا بمعنى السجود ما رواه ابن عباس رضى الله عنهما ان النبى عليه السلام كان يقول فى سجدة ص وسجدة الشكر(12/138)
« اللهم اكتب لى عندك بها اجرا واجعلها لى عندك ذخرا وضع عنى بها وزرا واقبلها منى كما قبلت من عبدك داود سجدته » { واناب } اى رجوع الى الله تعالى بالتوبة من جميع المخالفات التى هى الزلات وما كان من قبيل ترك الاولى والافضل لان حسنات الابرار سيآت المقربين
وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان النبى عليه السلام سجد فى ص « وقال سجدها داود توبة ونسجدها شكرا »
وهذه السجدة من عزائم السجود عند ابى حنيفة ومالك رحمها الله وكل منهما على اصله فابو حنيفة يقول هى واجبة ومالك هى فضيلة وعند الشافعى واحمد سجدة شكر تستحب فى غير الصلاة فلو سجد بها فى الصلاة بطلت عندهما كما فى فتح الرحمن
وقال الكاشفى [ اين سجده نزدامام اعظم سجدة عزيمت است وميكويد بتلاوت وى سجده بايد كرد در نماز وغير نماز ونزد امام شافعى از عزائم نيست واز امام احمد درين سجده دو روايتست واين سجدة دهم است بقول امام اعظم
ودر فتوحات مكيه اين را سجده انابت كفته وفرموده كه ] يقال لها سجدة الشكر فى حضرة الانوار لان داود سجدها شكرا(12/139)
فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (25)
{ فغفرنا له ذلك } اى ما استغفر منه وكان ذلك فى شهر ذى الحجة كما فى بحر العلوم وروى انه عليه السلام بقى فى سجوده اربعين يوما وليلة لا يرفع رأسه الا لصلاة مكتوبة او لما لا بد منه ولا يرقأ دمعه حتى نبت منه العشب حل رأسه ولم يشرب ماء الا ثلثاه دمع وجهد نفسه راغبا الى الله فى العفو عنه حتى كاد يهلك واشتغل بذلك عن الملك حتى وثبت ابن له يقال له ايشا على ملكه فاجتمع اليه اهل الزيغ من بنى اسرائيل فلما نزلت توبته بعد الاربعين وغفر له حاربه فهزمه وقد قال نبينا عليه السلام « اذا بويع لخليفتين » اى لأحدهما اولا وللآخر بعده « فاقتلوا الآخر منهما » لأنه كالباغى هذا اذا لم يندفع الا بقتله { وان له } اى داود { عندنا لزلفى } لقربة وكرامة بعد المنفرة كما وقع لآدم عليه السلام . والزلفى القربة والازلاف التقريب والازدلاف الاقتراب ومنه سميت المزدلف لقربها من الموقف
وعن مالك بن دينا فى قوله { وان له } الخ يقول الله تعالى لداود عليه السلام وهو قائم بساق العرش يا داود مجدنى بذلك الصوت الرخيم اللين فيقول كيف وقد سلبتنيه فى الدنيا فيقول انى ارده عليك فيرفع داود صوته بالزبور فيستفرغ نعيم اهل الجنة كما فى الوسيط { وحسن مآب } حسن مرجع فى الجنة
وفى كشف الاسرار هو الجنة يعنى الجنة هى مآب الانبياء والاولياء واصل هذه القصة ان داود عليه السلام رأى امرأة رجل يقال له اوريا بن حنانا ويقال لها بنشاوع او بنشاويع بنت شايع فمال قلبه اليها وابتلى بعشقها وحبها من غير اختيار منه كما ابتلى نبينا عليه السلام بزينب رضى الله عنها لما رآها يوما حتى قال يا مقلب القلوب فسأله داود ان يطلقها فاستحيى ان يرده ففعل فتزوجها وهى ام سليمان عليه السلام وكان ذلك جائزا فى شريعته معتادا فيما بين امته غير مخل بالمروءة حيث كان يسأل بعضهم بعضا ان ينزل عن امرأته فيتزوجها اذا اعجبته خلا انه عليه السلام لعظم منزلته وارتفاع مرتبته وعلو شانه نبه بالتمثيل على انه لم يكن ينبغى له ان يتعاطى ما يتعاطاه آحاد امته ويسأل رجلا ليس له الا امرأة واحدة ان ينزل عنها فيتزوجها مع كثرة نسائه بل كان يجب عليه ان يصبر على ما امتحن به كما صبر نبينا عليه السلام حتى كان طالب الطلاق هو زوج زينب وهو زيد المذكور فى سورة الاحزاب لا هو عليه السلام اى لم يكن هو عليه السلام طالب الطلاق
قال البقلى عشق داود عليه السلام لعروس من عرائس الحق حين تجلى الحق منها له فانه كان عاشق الحق فسلاه بواسطة من وسائطه وهذه القصة تسلية لقلب نبينا عليه الصلاة والسلام حيث اوقع الله فى قلبه محبة زينب فضاق صدره فقال سبحانه(12/140)
{ سنة من قد ارسلنا قبلك من رسلنا } وفرح بذلك وزاد له محبة الله والشوق الى لقائه
قال ابو سعيد الخراز قدس سره زلات الانبياء فى الظاهر زلات وفى الحقيقة كرامات وزلف ألا ترى الى قصة داود حين احس باوائل امره كيف استغفر وتضرع ورجع فكان له بذلك عنده زلفى وحسن مآب صدق ابو سعيد فيما قال لان بلاء الانبياء والاولياء لا ينقص اصطفائيتهم بل يزيدهم شرفا على شرفهم وذلك لان مقام الخلافة مظهر الجمال والجلال فيتحقق بتجليات الجلال بالافتتان والابتلاء وفى ذلك ترق له كما قال فى التأويلات النجمية ان من شأن النبى والولى ان يحكم كل واحد منهم بين الخصوم بالحق كما ورد الشرع به بتوفيق الله وان الواجب عليهم ان يحكموا على انفسهم بالحق كما يحكمون على غيرهم كما قال تعالى { كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على انفسكم } فلما تنبه داود انه ما حكم على نفسه بالحق كما حكم على غيره استغفر ورجع الى ربه متضرعا خاشعا باكيا بقية العمر معتذرا عما جرى عليه فتقبل الله منه ورحم عليه وعفا عنه كما قال { فغفرنا له ذلك وان له عندنا لزلفى } اى لقربة بكل تضرع وخضوع وخشوع وبكاء وانين وحنين وتأوّه صدر منه { و } له بهذه المراجعات { حسن مآب } عندنا انتهى وفى الحديث « اوحى الله تعالى الى داود يا داود قل للعاصين اى يسمعونى ضجيج اصواتهم فانى احب ان اسمع ضجيج العاصين اذا تابوا الىّ يا داود لن يتضرع المتضرعون الى من هو اكرم منى ولا يسأل السائلون اعظم منى جودا وما من عبد يطيعنى الا وانا معطيه قبل ان يسألنى ومستجيب له قبل ان يدعونى وغافر له قبل ان يستغفرنى »
وقد انكر القاضى عياض ما نقله المؤرخون والمفسرون فى هذه القةص ووهى قولهم فيها ونقل عن ابن عباس وابن مسعود رضى الله عنهم انهما قالا ما زاد داود على ان قال للرجل انزل لى عن امرأتك واكفلنيها فعاتبه الله على ذلك ونبه عليه وانكر عليه شغله بالدنيا قال وهذا هو الذى ينبغى ان يعول عليه من امره وحكى بعضهم ان اوريا كان خطب تلك المرأة : يعنى [ اوريا آن زنرا خطبه كرده بود اورا بخواسته واز قوم وى اجابت يافته ودل بروى نهاد « فاما عقد نكاح » هنوز نرفته بود « فلما غاب اوريا » يعنى بغزا رفت ] وكان من غزاة البلقاء ثم خطبها داود فزوجت منه لجلال قدره فاغتم لذلك اوريا فعاتبه الله على ذلك فكان ذنبه ان خطب على خطبة اخيه المسلم مع عدم احتياجه لانه كانت تحت نكاحه وقتئذ تسع وتسعون امرأة ولم يكن لاوريا غير من خطبها(12/141)
يقول الفقير دل نظم القرآن على الرواية فقوله { اكفلنيها } دل على انها كانت تحت نكاح اوريا وايضا دل اللفظ { الخصم } على ان اوريا بصدد الخصام ولا يكون بهذا الصدد الا بكونها تحت نكاحه مطلوبة منه بغير حسن رضاه وصفاء قلبه ومجرد جواز استنزال الرجل عن امرأته فى شريعتهم لا يستلزم جواز الجبر فلما طلقها اوريا استحياء من داود بقيت الخصومة بينه وبين داود اذ كان كالجبر كما دل { وعزنى فى الخطاب } فكان السائل العزيز الغالب فهاتان الروايتان اصح ما ينقل فى هذه القصة فانهم وان اكثروا القول فيها لكن الانبياء منزهون عما يشين بكمالهم او لا يزين بجمالهم خصوصا عما يقوله القصاص من حديث قتل اوريا وسببية داود فى ذلك بتزوج امرأته ولذلك قال على رضى الله عنه من حدث بحديث داود عليه السلام على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين وذلك حد الفرية على الانبياء صلوات الله عليهم اجمعين
وفى الفتوحات المكية فى الباب السابع والخمسين بعد المائة ينبغى للواعظ ان يراغب الله فى وعظه ويجتنب عن كل ما كان فيه تجر على انتهاك الحرمات مما ذكره المؤرخون عن اليهود من ذكر زلات الانبياء كداود ويوسف عليهما السلام مع كون الحق اثنى عليهم واصطفاهم ثم الداهية العظمى ان يجعل ذلك فى تفسير القرآن ويقول قال المفسرون كذا وكذا مع كون ذلك كله تأويلات فاسدة باسانيد واهية عن قوم غضب الله عليهم وقالوا فى الله ما قصه الله علينا فى كتابه وكل واعظ ذكر ذلك فى مجلسه مقته الله وملائكته لكونه ذكر لمن فى قلبه مرض من العصاة حجة يحتج بها ويقول اذا كان مثل الانبياء وقع فى مثل ذلك فأى شىء انا فعلم ان الواجب على الواعظ ذكر الله وما فيه تعظيمه وتعظيم رسله وعلماء امته وترغيب الناس فى الجنة وتحذيرهم من النار واهوال الموقف بين يدى الله تعالى فيكون مجلسه كله رحمة انتهى كلام الفتوحات على صاحبه اعلى التجليات
قال الشيخ الشعرانى قدس سره فى الكبريت الاحمر وكذلك لا ينبغى له ان يحقق المناط فى نحو قوله تعالى { ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك } ولا نحو قوله { منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة } وقوله { ولا تزال تطلع على خائنة منهم الا قليلا } فان العامة اذا سمعوا مثل ذلك استهانوا بالصحابة ثم احتجوا بافعالهم انتهى كلامه
قال حجة الاسلام الغزالى رحمه الله يحرم على الواعظ وغيره رواية مقتل الحسين رضى الله عنه وحكاياته وما جرى بين الصحابة من التشاجر والتخاصم فانه يهيج بغض الصحابة والطعن فيهم وهم اعلام الدين وما وقع بينهم من المنازعات فيحمل على محامل صحيحة فلعل ذلك الخطأ فى الاجتهاد لا لطلب الرياسة او الدنيا كما لا يخفى انتهى والحاصل ان معاصى الخواص ليست كمعاصى غيرهم بان يقعوا فيها بحكم الشهوة الطبيعية وانما تكون معاصيهم بالخطأ فى التأويل فاذا اظهر الله لهم فساد ذلك التأويل الذى اداهم الى ذلك الفعل حكموا على انفسهم بالعصيان وتابوا ورجعوا الى حكم العزيز المنان(12/142)
يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)
{ يا داود } اى فغفرنا له ذلك وقلنا له يا داود { انا جعلناك خليفة فى الارض } الخلافة النيابة عن الغير اما لغيبة المنوب عنه واما لموته واما لعجزه واما لتشريف المستخلف وعلى هذا الوجه الاخير استخلف الله اولياءه فى الارض اذ الوجوه الاول محال فى حق الله تعالى فالخليفة عبارة عن الملك النافذ الحكم وهو من كان طريقته وحكومته على طريقة النبى وحكومته والسلطان اعم والخلافة فى خصوص مرتبة الامامة ايضا اعم . والمعنى استخلفناك على الملك فى الارض والحكم فيما بين اهلها اى جعلناك اهل تصرف نافذ الحكم فى الارض كمن يستخلفه بعض السلاطين على بعض البلاد ويملكه عليها وكان النبوة قبل داود فى سبطه والملك فى سبط آخر فاعطاهما تعالى داود عليه السلام فكان يدبر امر العباد بامره تعالى
وفيه دليل بين على ان حاله عليه السلام بعد التوبة كما كان قبلها لم يتغير قط بل زادت اصطفائيته كما قال فى حق آدم عليه السلام { ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى } قال بعض كبراء المكاشفين ثم المكانة الكبرى والمكانة الزلفى التى خصه الله بها التنصيص على خلافته ولم يفعل ذلك مع احد من ابناء جنسه وهم الانبياء وان كان فيهم خلفاء
فان قلت آدم عليه السلام قد نص الله على خلافته فليس داود مخصوصا بالتنصيص على خلافته قلنا ما نص على خلافة آدم مثل التنصيص على خلافة داود وانما قال للملائكة انى جاعل فى الارض خليفة فيحتمل ان يكون الخليفة الذى اراده الله غير آدم بان يكون بعض اولاده ولو قال ايضا انى جاعل آدم لم يكن مثل قوله انا جعلناك خليفة بضمير الخطاب فى حق داود فان هذا محقق ليس فيه احتمال غير المقصود
قال بعضهم تجبرت الملائكة على آدم فجعله الله خليفة وتجبر طالوت على داود فجعله خليفة وتجبرت الانصار على ابى بكر رضى الله عنه فجعله خليفة فلذا جعل الله الخلفاء ثلاثة آدم وداود وابا بكر . وكان مدة ملك داود اربعين سنة مما وهبه الخليفة الاول من عمره فان آدم وهب لداود من عمره ستين سنة فلذا كان خليفة فى الارض كما كان آدم خليفة فيها
وفى الآية اشارة الى معان مختلفة
منها ان الخلافة الحقيقية ليست بمكتسبة للانسان وانما هى عطاء وفضل من الله يؤتيه من يشاء كما قال تعالى { انا جعلناك خليفة } اى اعطيناك الخلافة
ومنها ان استعداد الخلافة مخصوص بالانسان كما قال تعالى { وجعلكم خلائف الارض } ومنها ان الانسان وان خلق مستعدا للخلافة ولكن بالقوة فلا يبلغ درجاتها بالفعل الا الشواذ منهم
ومنها ان الجعلية تتعلق بعالم المعنى كما ان الخلقية تتعلق بعالم الصورة ولهذا لما اخبر الله تعالى عن صورة آدم عليه السلام قال(12/143)
{ انى خالق بشرا من طين } ولما اخبر عن معناه قال { انى جاعل فى الارض خليفة } ومنها ان الروح الانسانى هو الفيض الاول وهو اول شىء تعلق به امر كن ولهذا نسبه الى امره فقال تعالى { قل الروح من امر ربى } فلما كان الروح هو الفيض الاول كان خليفة الله
ومنها ان الروح الانسان خليقة الله بذاته وصفاته اما بذاته فلانه كان له وجود من جود وجوده بلا واسطة فوجوده كان خليفة وجود الله واما بصفاته فلانه كان له صفات من جود صفات الله بلا واسطة فكل وجود وصفات تكون بعد وجود الخليفة يكون خليفة خليفة الله بالذات والصفات وهلم جرا الى ان يكون القالب الانسانى هو اسفل سافلين الموجودات وآخر شىء لقبول الفيض الالهى واقل حظ من الخلافة فلما اراد الله ان يجعل الانسان خليفة خليفته فى الارض خلق لخليفة روحه منزلا صالحا لنزول الخليفة فيه وهو قالبه واعدّ له عرشا فيه ليكون محل استوائه عليه وهو القلب ونصب له خادما وهو النفس فلو بقى الانسان على فطرة الله التى فطر الناس عليها يكون روحه مستفيضا من الحق تعالى فائضا بخلافة الحق تعالى على عرش القلب والقلب فائض بخلافة الروح على خادم النفس والنفس فائضة بخلافة القلب على القالب والقالب فائض بخلافة النفس على الدنيا وهى ارض الله فيكون الروح بهذه الاسباب والآلات خليفة الله فى ارضه بحكمه وامره بتواقيع الشرائع
ومنها ان من خصوصية الخلافة الحكم بين الناس بالحق والاعراض عن الهوى بترك متابعته كما ان من خصوصية اكل الحلال العمل الصالح قال تعالى { كلوا من الطيبات واعملوا صالحا } ومنها ان الله تعالى جعل داود الروح خليفة فى ارض الانسانية وجعل القلب والسر والنفس والقالب والحواس والقوى والاخلاق والجوارح والاعضاء كلها رعية له ثم على قضية كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته امر بان يحكم بين رعيته بالحق اى بامر الحق لا بامر الهوى كما قال تعالى { فاحكم بين الناس بالحق } اى بحكم الله تعالى فان الخلافة مقتضية له حتما وحكم الله بين خلقه هو العدل المحض وبه يكون الحاكم عادلا لا جائرا . والحكم لغة الفصل وشرعا امر ونهى يتضمنه الزاما { ولا تتبع الهوى } اى ما تهواه النفس وتشتهيه فى الحكومات وغيرها من امور الدين والدنيا : وبالفارسية [ وبيروى مكن هواى نفس را وآرزوهاى اورا ]
قال بعضهم وهو يؤيد ما قيل ان ذنب داود الهم الذى هم به حين نظر الى امرأة اوريا وهو ان يجعلها تحت نكاحه او ما قيل ان ذنبه المبادرة الى تصديق المدعى وتظليم الآخر قبل مسألته { فيضلك عن سبيل الله } بالنصب على انه جواب النهى اى فيكون الهوى او اتباعه سببا لضلالك عن دلائله التى نصبها على الحق تكوينا وتشريعا
قال بعض الكبار { ولا تتبع الهوى } اى ما يخطر لك فى حكمك من غير وحى منى { فيضلك عن سبيل الله } اى عن الطريق الذى اوحى بها الى رسلى انتهى
فان قلت كيف يكون متابعة الهوى سببا للضلال قلت لان الهوى يدعو الى الاستغراق فى اللذات الجسمانية فيشغل عن طلب السعادات الروحانية التى هى الباقيات الصالحات فمن ضل عن سبيل الله الذى هو اتباع الدلائل المنصوبة على الحق او اتباع الحق فى الامور وقع فى سبيل الشيطان بل فى حفرة النيران والحرمان { ان الذين يضلون عن سبيل الله } تعليل لما قبله ببيان غائلته واظهار فى سبيل الله فى موضع الاضمار للايذان بكمال شناعة الضلال عنه { لهم عذاب شديد بما نسوا } اى بسبب نسيانهم { يوم الحساب } مفعول لنسوا .(12/144)
ولما كان الضلال عن سبيل الله مستلزما لنسيان يوم الحساب كان كل منهما سببا وعلة لثبوت العذاب الشديد تأدب سبحانه وتعالى مع داود حيث لم يسند الضلال اليه بان يقول فلئن ضللت عن سبيلى فلك عذاب شديد لما هو مقتضى الظاهر بل اسنده الى الجماعة الغائبين الذين داود عليه السلام واحد منهم
واعلم ان الله تعالى خلق الهوى الباطل على صفة الضلالة مخالفا للحق تعالى فان من صفته الهداية والحكمة فى خليفته يكون هاديا الى الحضرة بضدية طبعه ومخالفة امره كما ان الحق تعالى كان هاديا الى حضرته بنور ذاته وموافقة امره ليسير السائر الى الله على قدمى موافقته امر الله ومخالفته هواه ولهذا قال المشايخ لولا الهوى ما سلك احد طريقا الى الله واعظم جنايات العبد واقبح خطاياه متابعة الهوى كما قال عليه السلام « ما عبد اله فى الارض ابغض على الله من الهوى » وفى الحديث « ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع واعجاب المرء بنفسه » وللهوى كمالية فى الاضلال لا توجد فى غيره وذلك لانه يحتمل ان يتصرف فى الانبياء عليهم السلام باضلالهم عن سبيل الله كما قال لداود عليه السلام { ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله } وبقوله { ان الذين } الخ يشير الى ان الضلال الكبير هو الانقطاع عن طلب الحق ومن ضل عن طريق الحق اخذ بعذاب شديد القطيعة والحرمان من القرب وجوار الحق وذلك بما نسوا يوم الحساب وهو يوم يجازى فيه كل محق بقدر هدايته وكل مبطل بحسب ضلالته كما فى التأويلات النجمية
وفى الآية دليل بين على وجوب الحكم بالحق وان لا يميل الحاكم الى احد الخصمين بشىء من الاشياء وفى الحديث انه عليه السلام قال لعلى « يا على احكم بالحق فان لكل حكم جائر سبعين درعا من النار لو ان درعا واحدا وضع على رأس جبل شاهق لاصبح الجبل رمادا »(12/145)
[ درفوائد السلوك آورده كه بنكركه بادشاهى جه صعب كاريست كه حضرت داود عليه السلام با كمال درجه نبوت وجلال مرتبه رسالت بحمل اعابى جنين امرى مأمور وبخطب اثقال جنين خطابى مخاطب مى شودكه { فاحكم بين الناس بالحق } ميان مردمان حكم بطريق معدلت ونصفت كن وداورى برمنهج عدل وانصاف نماى وباى بر جاى حق نه بر طريق باطل ومتابعت هواى نفس برمتابعت مراد حق اختيار مكن كه ترا از مسالك مراضىء ما كمراه كردند : ودر سلسلة الذهب ميفرمايد
نص قرآن شنوكه حق فرمود ... در مقام خطاب يادود
كه ترازان خليفكى داديم ... سوى خلقان ازان فرستاديم
تادهى ملك را زعدل اساس ... حكم رانى بعدل بين الناس
هركرا نه زعدل دستورست ... از مقام خليفكى دورست
آنكه كيرد ستم زديو سبق ... عدل جون خواندش خليفه حق
بيشه كرده خلاف فرمان را ... كشته نائب مناب شيطان را
حق زشاهان بغير عدل نخواست ... آسمان وزمين بعدل بياست
شاه باشد شبان خلق همه ... رمه وكرك آن رمه ظلمه
بهر آنست هاى هوى شبان ... تا بيابد رمه زكرك امان
جون شبان سازكار كرك بود ... رمه را آفت بزرك بود
هركرا دل بعدل شد مائل ... طمع از مال خلق كوبكسل
طمع و عدل آتش وآبند ... هردو يكجا قرار كى يابند
هر كرا از خليفكىء خداى ... نشود سير نفس بد فرماى
سيرمشكل شود ازان زروسيم ... كه كشدكه زبيوه كه زيتيم
ومن الله التوفيق للعدل فى الانفس والآفاق واجراء احكام الشريعة وآداب الطريقة على الاطلاق انه المحسن الخلاق(12/146)
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27)
{ وما خلقنا السماء والارض وما بينهما } من المخلوقات { باطلا } اى خلقا باطلا لا حكمة فيه بل ليكون مدارا للعلم والعمل ومذكرا للآخرة وما فيها من الحساب والجزاء فان الدنيا لا تخلو عن الصفو والكدر وكل منهما يفصح عما فى الآخرة من الراحة والخطر وايضا ليكون مرآة يشاهد فيها المؤمنون الذين ينظرون بنور الله شواهد صفات الجمال والجلال
جهان مرآت حسن شاهد ماست فشاهد وجهه فى كل ذرات
{ ذلك } اى كونه خلقا باطلا خاليا عن الغاية الجليلة والحكمة الباهرة { ظن الذين كفروا } اى مظنون كفار مكة فانهم وان كانوا مقرين بان الله هو الخالق لكن لما اعتقدوا بان الجزاء الذى هو علة خلق العالم باطل لزمهم ان يظنوا ان المعلول باطل ويعتقدوا ذلك { فويل } اى فاذا كان مظنونهم هذا فالهلاك كل الهلاك اى فشدة هلاك حاصل : وبالفارسية [ بس واى ] { للذين كفروا } خبر لويل { من النار } من تعليلية مفيدة لعلية النار لثبوت الويل لهم صريحا بعد الاشعار بعلية ما يؤدى اليها من ظنهم وكفرهم اى فويل لهم بسبب النار المرتبة على ظنهم وكفرهم فلا بد من رؤية الحق حقا والباطل باطلا وتدارك زاد اليوم اى يوم الجزاء ظاهرا وباطنا ليحصل الخلاص والنجاة والنعيم واللذات فى اعلى الدرجات(12/147)
أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28)
{ ام نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات } ام منقطعة بمعنى بل والهمزة الانكارية اى بل أنجعل المؤمنين المصلحين فى الارض { كالمفسدين فى الارض } بالكفر والمعاصى اى لا نجعلهم سواء فلو بطل البعث والجزاء كما يظن الكفار لاستوت عند الله حال من اصلح ومن افسد ومن سوى بينهما كان سفيها والله تعالى منزه عن السفه فانما بالايمان والعمل الصالح يرفع المؤمنين الى اعلى عليين ويرد الكافرين الى اسفل سافلين { ام نجعل المتقين كالفجار } اى كما لا نجعل اهل الايمان والعمل الصالح الذين هم مظاهر صفات لطفنا وجمالنا كالمفسدين الذين هم مظاهر صفات قهرنا وجلالنا كذلك لا نجعل اهل التقوى كالفجار والفجر شق الشىء شقا واسعا والفجور شق سر الديانة . انكر التسوية اولا بين اهل الايمان والشرك ثم بين اهل التقوى والهوى يعنى من المؤمنين وهو المناسب لمقام التهديد والوعيد كى يخاف من الله تعالى كل صنف بحسب مرتبته ويجوز ان يكون تكرير الانكار الاول باعتبار وصفين آخرين يمنعان التسوية من الحكيم الرحيم وروى ان كفار قريش قالوا للمؤمنين انا نعطى فى الآخرة من الخير ما تعطون بل اكثر فقال تعالى { ام نجعل } الخ وانما قالوا ذلك على تقدير وقوع الآخرة كما سبق من قوله تعالى { وقالوا نحن اكثر اموالا واولادا وما نحن بمعذبين } وسيجىء فى قوله تعالى { أفنجعل المسلمين كالمجرمين } اى فى ثواب الآخرة
واعلم ان الله تعالى سوى بين الفريقين فى التمتع بالحياة الدنيا بل الكفار اوفر حظا من المؤمنين لان الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة لكن الله جعل الدار الآخرة للذين لا يريدون علوا فى الارض ولا فسادا وهم المؤمنون المخلصون المنقادون لله ولامره وانما لم يجازهم فى هذه الدار لسعة رحمته وضيق هذه الدار فلذا اخر الجزاء الى الدار الآخرة فاذا ترقى الانسان من الهوى الى الهدى ومن الفجور الى التقوى اخذ الاجر بالكيل الاوفى
ثم لما كان القرآن منبع جميع السعادات والخيرات وصفه اولا ثم بين المصلحة فيه فقال(12/148)
كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)
{ كتاب } خبر مبتدأ محذوف وهو عبارة عن القرآن اى هذا كتاب { انزلناه اليك } صفته { مبارك } خبر ثان للمبتدأ اى كثير المنفعة دنيا ودينا لمن آمن به وعمل باحكامه وحقائقه واشاراته فان البركة ثبوت الخير الآلهى فى الشىء والمبارك ما فيه ذلك الخير { ليدبروا آياته } متعلق بانزلنا واصله يتدبروا فادغمت التاء فى الدال اى انزلناه ليتفكروا فى آياته بالفكر السليم فيعرفوا ما يتبع ظاهرها من المعانى الفائقة والتأويلات اللائقة اى ليتفكروا فى معانيها فان التدبر عبارة عن النظر فى عواقب الامور والتفكر تصرف القلب فى معانى الاشياء لدرك المطلوب { وليتذكر اولوا الالباب } اى وليتعظ به اصحاب العقول الخالصة عن شوب الوهم عمم التدبر لعموم العلماء وخص التذكر بخصوص العقلاء لان التدبر للفهم والتذكر لوقوع الاجلال والخشية الخاص باكابر اهل العلم
قال بعضهم التفكر عند فقدان المطلوب لاحتجاب القلب بالصفات النفسانية واما التذكر فهو عند رفع الحجاب والرجوع الى الفطرة الاولى فيتذكر ما انطبع فى النفس فى الازل من التوحيد والمعارف انتهى فعلم ان المقصود من كلام الحق التفكر والتذكر والاتعاظ به لا حفظ الالفاظ فقط
قال الشبلى قدس سره قرأت اربعة آلاف حديث ثم اخترت منها حديثا واحدا وكان علم الاولين والآخرين مندرجا فيه وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبعض اصحابه « اعمل لدنياك بقدر مقامك فيها واعمل لآخرتك بقدر بقائك فيها واعمل لله بقدر حاجتك اليه واعمل للنار بقدر صبرك عليها » وكان الصحابة يكتفون ببعض السور القرآنية ويشتغلون بالعمل بها فان المقصود من القرآن العمل به روى ان رجلا جاء الى النبى عليه السلام وقال علمنى مما علمك الله فدفعه الى رجل يعلمه القرآن فعلمه اذا زلزلت الارض حتى اذا بلغ فمن يعمل الخ قال حسبى فاخبر النبى عليه السلام بذلك فقال « دعوه فقد فقه الرجل »
وقال ابراهيم بن ادهم رحمه الله مررت بحجر مكتوب عليه قلبنى ينفعك فقلبته فاذا مكتوب عليه انت بما تعلم لا تعمل فكيف تطلب ما لم تعلم
وعن البصرى رحمه الله قد قرأ هذا القرآن عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله حفظوا حروفه وضيعوا حدوده حتى ان احدهم ليقول والله لقد قرأت القرآن فما اسقطت منه حرفا والله وقد اسقط كله ما يرى عليه للقرآن اثر فى خلق ولا عمل والله ما هو بحفظ حروفه واضاعة حدوده والله ما هؤلاء بالحكماء ولا الوزعة لا اكثر الله فى الناس مثل هؤلاء فمن اقتفى بظاهر المتلوّ كان مثله كمثل من له لقحة درور لا يحلبها ومهرة نتوج لا يستولدها
قال انس رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(12/149)
« تعوذوا بالله من فخر القراء فانهم اشد فخرا من الجبابرة » ولا احد ابغض الى رسول الله من قارىء متكبر وعن على رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم « تعوذوا بالله من دار الحزن فانها اذا فتحت استجارت منها جهنم سبعين مرة اعدها الله للقراء المرائين باعمالهم وان شر القراء لمن يزور الامراء » وفى سلسلة الذهب للمولى الجامى قدس سره
رب تال يفوه بالقران ... وهو يفضى به الى الحذلان
خواجه را نيست جزتلاوت كار ... ليكن آن طرد ولعنت آرد بار
لعنتست اين كه بهرلهجه وصوت ... شود از تو حضور خاطر فوت
نشود بر دل تو تا بنده ... كين كلام خداست يابنده
لعنتست اين كه سازدت بىسيم ... روز شب با امير وخواجه نديم
خانه شان مزبله است وقرآن نور ... دار اين نور را زمزبله دور
معنىء لعن جيست مردودى ... بمقامات بعد خشنودى
هركه ماند از خدا بيك سرمو ... آمد اندر مقام بعد فرو
كرجه ملعون نشد زحق مطلق ... هست ملعون بقدر بعد ازحق(12/150)
وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30)
{ ووهبنا لداود سليمان } [ وبخشيديم داودرا فرزندى كه آن سليمانست ] عليهما السلام . والهبة عطاء الواهب بطريق الانعام لا بطريق العوض والجزاء الموافق لاعمال الموهوب له فسليمان النعمة التامة على داود لان الخلافة الظاهرة الالهية قد كملت لداود وظهرت اكمليتها فى سليمان وكذا على العالمين لما وصل منه اليهم من آثار اللطف والرحمة
وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال اولادنا من مواهب الله ثم قرأ { يهب لمن يشاء اناثا ويهب لمن يشاء الذكور } روى ان داود عليه السلام عاش مائة سنة ومات يوم السبت فجأة ويوم السبت لهم كيوم الجمعة لنا اتاه ملك الموت وهو يصعد فى محرابه اى الغرفة وينزل وقال جئت لاقبض روحك فقال دعنى حتى انزل وارتقى فقال مالى الى ذلك سبيل نفدت الايام والشهور والسنون والآثار والارزاق فما انت بمؤثر بعدها فسجد داود على مرقاة من الدرج فقبض نفسه على تلك الحال . وموت الفجأة رحمة للصالحين وتخفيف ورفق بهم اذ هم المنقطعون المستعدون فلا يحتاجون الى الايصاء وتجديد التوبة ورد المظالم بخلاف غيرهم ولذا كان من آثار غضب الله على الفاسقين واوصى داود لابنه سليمان بالخلافة { نعم العبد } سليمان لصلاحية استعداده للكمال النوعى الانسانى وهو مقام النبوة والخلافة
قال بعضهم العبودية هى الذبول عن موارد الربوبية والخمول تحت صفات الالوهية { انه اواب } رجاع الى الحضرة باخلاص العبودية بلا علة دنيوية ولا اخروية او رجاع الى الله فى جميع الاحوال فى النعمة بالشكر وفى المحنة بالصبر [ بظاهر ملك ومملكت ميراند وبباطن فقر وفاقت همىبرورد سليمان روزى تمنى كرد كفت بار خدايا جن وانس وطيور ووحوش بفرمان من كردى جه بود كه ابليس را نيز بفرمان من كنى تا اورا بند كنم كفت اى سليمان اين تمنى مكن كه دران مصلحت نيست كفت بار خدايا كر هم دو روز باشد اين مراد من بده كفت دادم سليمان ابليس را در بند كرد ومعاش سليمان با آن همه ملك ومملكت از دست رنج خويش بود هر روز زنبيلى ببافتى وبدو قرص بدادى ودر مسجد با درويشى بهم بخوردى وكفتى ] مسكين وجالس مسكينا
يك كدا بود سليمان بعصا وزنبيل ... يافت از لطف تو آن حشمت وملك آرايى
آن روز كه ابليس را در بند كرد زنبيل ببازار فرستاد وكس نخريد كه در بازار آن روز هيج معاملت وتجارت نبود ومردم همه بعبادت مشغول بودند آن روز سليمان هيج طعام نخورد ديكر روز همجنان بر عادت زنبيل بافت وكس نخريد سليمان كرسنه شد بالله ناليد كفت بار خدايا كرسنه ام وكس زنبيلى نمى خرد فرمان آمد كه اى سليمان نمى دانى كه جون تو مهتر بازاريان در بند كنى در معاملات بر خلق فروبسته شود ومصلحت خلق نباشد او معمار دنياست ومشارك خلق در اموال واولاد ] يقول الله تعالى { وشاركهم فى الاموال والاولاد } فظهر من هذه الحكاية حال سليمان مع الله تعالى وكونه متخليا عن المال فارغا عن الملك فى الحقيقة
جو هر ساعت از تو بجايى رود دل ... بتنهايى اندر صفايى نبينى
ورت مال وجاهست وزرع وتجارت ... جو دل باخدايست خلوت نشينى(12/151)
إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31)
{ اذ عرض عليه } اى اذكر ما صدر عنه اذ عرض عليه يقال عرض له امر كذا اى ظهر وعرضته له اى اظهرته وعرض الجند اذا امرهم عليه ونظر ما حالهم { بالعشى } هو من الظهر الى آخر النهار { الصافنات } مرفوع بعرض جمع صافن لا صافنة لانه لذكور الخيل وصفة المذكر الذى لا يعقل يجمع هذا الجمع مطردا كما عرف فى النحو . والصفن الجمع بين الشيئين ضاما بعضهما الى بعض يقال صفن الفرس قوائمه اذا قام على ثلاث وثنى الرابعة اى قلب احد حوافره وقام على طرف سنبك يد او رجل والسنبك طرف مقدم الحافر وهو من الصفات المحمودة فى الخيل لا يكاد يتفق الا فى العربى الخالص : والمعنى بالفارسية [ اسبان ايستاده به سه باى وبر كناره سم از قائم جهارم ] { الجياد } جمع جواد وجود وهو الذى يسرع فى جريه تشبيها له بالمطر الجود : والمعنى بالفارسية [ اسبهاى تازى نيورنك نيكوقد تيزرو ] كذا قاله صاحب كشف الاسرار وكأنه جمع بين معنى الجيد والجواد
قال فى القاموس الجواد السخى والسخية والجمع الاجواد والجيد ضد الرديىء والجمع الجياد وقيل الجواد هو الفرس الذى يجود عند الركض اى العدو
وعن ابن عباس رضى الله عنهما الجياد الخيل السوابق واذا جرت كانت سراعا خفافا فى جريها روى ان سليمان عليه السلام غزا اهل دمشق ونصيبين وهى قاعدة ديار ربيعة فاصاب الف فرس عربى او اصابها ابوه من العمالقة فورثها منه وهذا على تقدير عدم بقاء قوله عليه السلام « نحن معاشر الانبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة » على عمومه او يحمل على الاستعارة بعلاقة المشابهة فى ثبوت ولاية التصرف فان لسليمان حق التصرف فيما تركه ابوه فى بيت المال كالدروع ونحوها كما كان للخلفاء حق التصرف فيما تركه نبينا عليه السلام ولذا منع ابو بكر رضى الله عنه فاطمة رضى الله عنها عن الميراث حين طلبته وذلك ان ما تركه عليه السلام من صفايا اموال النفير وفدك كان مصروفا الى نفقة نسائه كما فى حياته لكونهن محبوسات عليه الى وفاتهن وايضا الى نفقة خليفته لكونه خادما له قائما مقامه وما فضل من ذلك كان يصرف الى مصالح المسلمين فلم يبق له بعد وفاته ما يكون ميراثا لاهل بيته [ وكفته اند اسبان دريايى بودند وبر داشتند وديوان . براى سليمان از بحر بر آوردند ] وسيجىء ما يؤيده وعلى كل تقدير قعد سليمان يوما بعدما صلى الظهر على كرسيه وكان يريد جهادا فاستعرض تلك الافراس اى طلب عرضها عليه فلم تزل تعرض عليه وهو ينظر اليها ويتعجب من حسنها حتى غربت الشمس وغفل عن العصر وكانت فرضا عليه كما فى كشف الاسرار وعن ورد كان له من الذكر وقتئذ وتهيبه قومه فلم يعلموه فاغتم لما فاته بسبب السهو والنسيان فاستردها فعقرها تقربا الى الله وطلبا لمرضاته على ان يكون العقر قربة فى تلك الشريعة ولذا لم ينكر عليه فعله او مباحا فى ذلك اليوم وانما اراد بذلك الاستهانة بمال الدنيا لمكان فريضة الله كما قاله ابو الليث فلم يكن من قبيل تعذيب الحيوان
يقول الفقير سر العقر ههنا هو ان تلك الخيل لما شغلته عن القيام الى الصلاة كان العقد كفارة موافقة له
وقال بعضهم المراد من العقر الذبح فيكون تقديم السوق كما يأتى لرعاية الفاصلة فذبحها وتصدق بلحومها وكان لحم الخيل حلالا فى ذلك الوقت وانما لم يتصدق بها لانه يحتاج الى زمان ووجدان محل صالح له .(12/152)
والحاصل انه ذبح تسعمائة وبقى مائة وهو ما لم يعرض عليه بعد فما فى ايدى الناس من الجياد فمن نسل تلك المائة الباقية كذا
قالوا وفيه ان هذا يؤيد كون تلك الخيل قد اخرجت من البحر اذ لو كانت من غنائم الغزو لم يلزم ان يكون نسل الجياد من تلك المائة لوجود غيرها فى الدنيا وايضا على تقدير كونها ميراثا من ابيه بالمعنى الثانى كما سبق تكون امانة فى يده والامانة لا تعقر ولا تذبح كما لا يخفى(12/153)
فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32)
{ فقال انى احببت حب الخير عن ذكر ربى } قاله عليه السلام عند غروب الشمس اعترافا بما صدر عنه من الاشتغال بها عن الصلاة وندما عليه وتمهيدا لما يعقبه من الامر بردها وعقرها والتعقيب بالفاء باعتبار اواخر العرض المستمر دون ابتدائه والتأكيد للدلالة على ان اعترافه وندمه عن صميم القلب لا لتحقيق مضمون الخبر واصل احببت ان يعدى بعلى لانه بمعنى آثرت كما فى قوله تعالى { فاستحبوا العمى على الهدى } وكل من احب شيأ فقد آثره لكن لما انيب مناب انبت وضمن معناه عدى تعديته بعن وحب الخير مفعوله اى مفعول به لانبت المضمن والذى انيب مناب الذكر هو الاطلاع على احوال الخيل لا حب الخيل الا انه عدى الفعل الى حب الخيل للدلالة على غاية محبته لها فان الانسان قد يحب شيأ ولكنه يحب ان لا يحبه كالمريض الذى يشتهى ما يضره ولذا لما قيل لمريض ما تشتهى قال اشتهى ان لا اشتهى واما من احب شيأ واحب ان يحبه فذلك غاية المحبة . والخير المال الكثير والمراد به الخيل التى شغلته عليه السلام لانها مال ويحتمل انه سماها خيرا كأنها نفس الخير لتعلق الخير بها قال عليه السلام « الخير » اى الاجر والمغنم « معقود بنواصى الخيل الى يوم القيامة » والمراد بالذكر صلاة العصر بدليل قوله بالعشى وسميت الصلاة ذكرا لانها مشحونة بالذكر كما فى كشف الاسرار او الورد المعين وقتئذ . ومعنى الآية انبت حب الخيل اى جعلته نائبا عن ذكر ربى ووضعته موضعه وكان يحب لمثلى ان يشتغل بذكر ربه وطاعته { حتى توارت بالحجاب } التوارى الاستتار والضمير للشمس واضمارها من غير ذكر لدلالة العشى عليها اذ لا شىء يتوارى حينئذ غيرها فالحجاب مغيب الشمس ومغربها كما فى المفردات وحتى متعلق بقوله احببت وغاية له باعتبار استمرار المحبة ودوامها حسب استمرار العرض . والمعنى انبت حب الخير عن ذكر ربى واستمر ذلك حتى توارت اى غربت الشمس تشبيها لغروبها فى مغربها بتوارى الجارية المخبأة بحجابها اى المستترة بخبائها وخدرها
وقيل الضمير فى توارت للصافنات اى حتى توارت بحجاب الليل اى بظلامه لان ظلام الليل يستر كل شىء(12/154)
رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)
{ ردوها علىّ } من تمام مقالة سليمان ومرمى غرضه من تقديم ما قدمه والخطاب لاهل العرض من قومه اى اعيدوا تلك الخيل على { فطفق مسحا بالسوق والاعناق } الفاء فصيحة مفصحة عن جملة قد حذفت ثقة بدلالة الحال عليها وايذانا بغاية سرعة الامتثال بالامر وطفق من افعال المقاربة الدالة على شروع فاعلها فى مضمون الخبر فهو بمعنى اخذ ورع وخبر هذه الافعال يكون فعلا مضارعا فى الاغلب ومسحا نصب على المصدرية بفعل مقدر هو خبر طفق والمسح امرار اليد على الشىء والجمهور على ان المراد به هنا القطع من قولهم مسح علاوته اى ضرب عنقه وقطع رأسه والعلاوة بالكسر اعلى الرأس او العنق
قال فى المفردات مسحته بالسيف كناية عن الضرب والسوق جمع ساق كدور ودار والساق ما بين الكعبين كعب الركبة وكعب الرجل . والاعناق جمع عنق بالفارسية [ كردن ] والباء مزيدة كما فى قوله تعالى { وامسحوا برؤسكم } فان مسحت رأسه ومسحت برأسه بمعنى واحد . والمعنى فردوها عليه فاخذ يمسح بالسيف مسحا سوقها واعناقها اى يقطع اعناقها ويعرقب ارجلها اى هو واصحابه او يذبح بعضها ويعرقب بعضها ازالة للعلاقات ورفعا للحجاب الحائل بينه وبين الحق واستغفارا وانابة اليه بالترك والتجريد
وفى الآية اشارة الى ان حب غير الله شاغل عن الله وموجب للحجاب وان كل محبوب سوى الله اذا حجبك عن الله لحظة يلزمك ان تعالجه بسيف لا اله الا الله
« لا » نهنكيست كائنات آشام ... عرش تا فرش در كشيده بكام
هر كجا كرده آن نهنك آهنك ... ازمن وما نه بودى ماند ونه رنك
وقال الامام فى تفسيره الصواب ان يقال ان رباط الخيل كان مندوبا اليه فى دينهم كما هو مندوب اليه فى شرعنا ثم ان سليمان عليه السلام احتاج الى الغزو فجلس على كرسيه وامر باحضار الخيل وامر باجرائها وذكر انى لا اجريها لاجل الدنيا وحظ النفس وانما جريها واحبها لامر الله تعالى وتقوية دينه وهو المراد من قوله عن ذكر ربى ثم انه امر باجرائها وتسييرها حتى توارت بالحجاب اى غابت عن بصره فانه كان له ميدان واسع مستدير يسابق فيه بين الخيل حتى تتوارى عنه وتغيب عن عينه ثم انه امر الرائضين بان يردوها فردوا تلك الخيل اليه فلما عادت اليه طفح يمسح سوقها واعناقها اى بيده حبا لها وتشريفا وابانة لعزتها لكونها من اعظم الاعوان فى قهر الاعداء واعلاء الدين وهو قول الزهرى وابن كيسان وليس فيه نسبة شىء من المنكرات الى سليمان عليه السلام فهو احق بالقبول عند اولى الافهام
وفى الفتوحات المكية معنى الآية احببت الخير عن ذكر ربى الخير بالخيرية فاحببته لذلك والخير هى الصافنات الجياد من الخيل واما قوله فطفق مسحا اى يمسح بيده على اعناقها وسوقها فرحا واعجابا بخير ربه لا فرحا بالدنيا لان الانبياء منزهون عن ذلك وهذه تشبه ما وقع لايوب عليه السلام حين ارسل الله له جرادا من ذهب فصار يحثو فى ثوبه منه ويقول لا غنى لى عن بركتك يا رب فما احب سليمان الخير الا لكونه تعالى احب حب الخير ولذلك اشتاق اليها لما توارت بالحجاب يعنى الصافنات الجياد لكونه فقد المحل الذى اوجب له حب الخير عن ذكر ربه فقال ردوها علىّ .(12/155)
وليس للمفسرين الذين جعلوا التوارى للشمس دليلا فان الشمس ليس لها هنا ذكر ولا الصلاة التى يزعمون ومساق الآية لا يدل على ما قالوه بوجه ظاهر البتة انتهى كلام الفتوحات
وعن على رضى الله عنه اشتغل سليمان عليه السلام بعرض الافراس للجهاد حتى تورات بالحجاب اى غربت الشمس فقال بامر الله للملائكة الموكلين بالشمس ردوها يعنى الشمس فردوها الى موضع وقت العصر حتى صلى العصر فى وقتها فذلك من معجزات سليمان عليه السلام
قال فى كشف الاسرار [ سليمان عليه السلام درراه خدا آن همه اسبان فدا كرد ودل ازان زينت وآرايش دنيا بر داشت وباعبادت الله برداخت لاجرم رب العزة اورا به ازان عوض داد بجاى اسبان بادرا مركب اوساخت وبسبب آن اندوه كه بوى رسيد برفوت عبادت فرشته قرص آفتاب ازمغرب باز كردانيد از بهروى تانماز ديكر بوقت خويش بكزارد و آن ويرا معجزه كشت وجنانكه اين معجزه ازبهر سليمان بيغمبر بيدا كشت درين امت ازبهر امير المؤمنين على رضى الله عنه ازروى كرامت بيداكشت درخبرست مصطفى عليه السلام سربر كنار على نهاد وبخفت على نماز ديكر نكرده بود نخواست كه خواب بررسول قطع كند مرد عالم بود كفت نماز طاعت حق وخدمت راست رسول طاعت حق همجنان مى بود تاقرص آفتاب بمغرب فروشد مصطفى عليه السلام از خواب درآمد على كفت يا رسول الله وقت نماز ديكر فوت شد ومن نماز نكردم رسول كفت اى على جرانماز نكردى كفت نخواستم كه لذت خواب برتو قطع كنم جبريل آمدكه يا محمد حق تعالى مرا فرمود تاقرص آفتاب را از مغرب باز آرم تا على نماز ديكر بوقت بكزارد بعض ياران كفتند قرص آفتاب را جندان باز آوردكه شعاع آفتاب ديدم كه بر ديوار هاى مدينه مى تافت
قال الكاشفى وانكه آفتاب بدعاى حضرت بيغمبر عليه السلام در صهباى خيبر بعد از غروب بازكشت وبجاى عصر آمد تا حضرت على رضى الله عنه نماز كزارد ونزد محدثان مشهورست وامام طحاوى در شرح آثار خويش فرمودكه روات اين ثقات اندو ازاحمد ابن صالح رحمه الله نقل كرده كه اهل علم را سزاوار نيست كه تغافل كنند از حفظ اين حديث كه از علامات نبوتست ] ولا عبرة بقول بعضهم بوضعه(12/156)
كه دعوتش كرفته كريبان آفتاب ... بالا كشيده ازجه مغرب برآ سمان
كه قرص بدررا بسر كردخوان جرخ ... دستش دونيم كرده بيك ضربت بنان
واعلم ان حبس الشمس وردها وقع مرارا ومعنى حبسها وقوفها عن السير والحركة بالكلية او بطؤ حركتها او ردها الى ورائها ومعنى ردها اعادتها بعد غروبها ومغيبها فقد حبست لداود عليه السلام وذلك فى رواية ضعيفة وردت لسليمان على ما قرر . وحبست ايضا لخليفة موسى عليه السلام وهو يوشع بن نون فانه سار مع بنى اسرائيل لقتال الجبارين وكان يوم الجمعة ولما كاد يفتحها كادت الشمس تغرب فقال للشمس ايتها الشمس انك مأمورة وانا مأمور بحرمتى عليك ألا ركدت اى مكثت ساعة من النهار وفى رواية اللهم احبسها علىّ فحبسها الله حتى افتتح المدينة وانما دعا بحبسها خوفا من دخول البيت المحرم عليهم فيه المقاتلة . وردت ايضا لعلى رضى الله عنه بدعاء نبينا عليه السلام على ما سبق . وحبست ايضا على الغروب لنبينا عليه السلام وذلك انه اخبر فى قصة المعراج ان عير قريش تقدم يوم كذا فلما كان ذلك اليوم اشرفت قريش ينتظرون ذلك وقد ولى النهار حتى كادت الشمس تغرب فدعا الله تعالى فحبس الشمس عن الغروب حتى قدمت العير وفى بعض الروايات حبست له عن الطلوع لانه عليه السلام قال « وتطلع العير عليكم من الثنية عند طلوع الشمس » فحبس الله الشمس عن الطلوع حتى قدمت العير . وحبست ايضا له عليه السلام فى بعض ايام الخندق الى الاحمرار والاصفرار وصلى حينئذ وفى بعضها لم تحبس بل صلى بعد الغروب واليه الاشارة بقوله عليه السلام « شغلونا عن الصلاة الوسطى » اى عن صلاة العصر
وفى كلام سبط ابن الجوزى ان قيل حبسها ورجوعها مشكل لانها لو تخلفت او ردّت لاختلت الافلاك وفسد النظام قلنا حبسها وردها من باب المعجزات ولا مجال للقياس فى خرق العادات . وذكر انه وقع لبعض الوعاظ ببغداد انه قعد يعظ بعد العصر ثم اخذ فى ذكر فضائل آل البيت فجاءت سحابة غطت الشمس وظن الناس الحاضرون عنده ان الشمس غابت فارادوا الانصراف فاشار اليهم ان لا يتحركوا ثم ادار وجهه الى ناحية المغرب وقال
لا تغربى يا شمس حتى ينتهى ... مدحى لآل المصطفى ولنجله
ان كان للمولى وقوفك فليكن ... هذا الوقوف لولده ولنسله
فطلعت الشمس فلا يحصى ما رمى عليه من الحلىّ والثياب هذا كلامه رحمه الله سبحانه وتعالى(12/157)
وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34)
{ ولقد فتنا سليمن } الفتنة الاختبار والابتلاء { والقينا } الالقاء الطرح { على كرسيه } الكرسى اسم لما يقعد عليه والمراد سريره المشهور وقد سبق فى سورة سبأ { جسدا }
قال فى المفردات الجسد الجسم لكنه اخص قال الخليل لا يقال الجسد لغير الانسان من خلق الارض ونحوه وايضا فان الجسد يقال لما له لون والجسم يقال لما لا يبين له لون كالماء والهواء
وقال فى انوار المشارق الفرق بين الجسد والبدن ان الاول يعم لذى الروح وغيره ويتناول الرأس والشوى والثانى مخصوص بذى الروح ولا يتناولهما ومن هذا قد اشتهر فيما بينهم حشر الاجساد باضافة الحشر الخاص بذى الروح الى الاجساد العامة له ولغيره دون الابدان المخصوصة وذلك لان فى اضافته الى البدن باعتبار انه لا يتناول الرأس والشوى على ما نص عليه الزمخشرى فى الفائق والخليل فى كتاب العين قصورا مخلا بحكم الاعادة بعينه واما ما فى الجسد من العموم الزائد على قدر الحاجة فمندفع بقرينة اضافة الحشر انتهى كلام الانوار والمراد به فى الآية القالب بلا روح كما سيأتى { ثم اناب } اى سليمان عليه السلام . والانابة الرجوع الى الله تعالى روى ان سليمان كان له ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سرية وكان فى ظهره ماء مائة رجل اى قوتهم وهكذا انبياء الله اعطى كل منهم من القوة الجماعية ما لم يعط احد من افراد امته وكذا الولى الاكمل فان له قوة زائدة على سائر الآحاد وان لم تبلغ مرتبة قوة النبى فقال سليمان عليه السلام يوما لاطوفن الليلة على سبعين امرأة اى اجامعهن او تسعين او تسع وتسعين او مائة تأتى كل واحدة بفارس يجاهد فى سبيل الله ولم يقل ان شاء الله فقال له صاحبه اى وزيره آصف قل ان شاء الله فلم يقل فطاف عليهن تلك الليلة فلم تحمل الا امرأة واحدة جاءت بشق ولد له عين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة فالقته القابلة على كرسيه وهو الجسد المذكور قال نبينا عليه السلام « لو قال ان شاء الله لجاهدوا فى سبيل الله فرسانا اجمعون »
قال القاضى عياض رحمه الله وان سئل لم لم يقل سليمان فى تلك القصة المذكورة ان شاء الله فعنه اجوبة . اسدّها ما روى فى الحديث الصحيح انه نسى ان يقولها اى كلمة ان شاء الله وذلك لينفذ مراد الله . والثانى انه لم يسمع صاحبه وشغل عنه انتهى فمعنى ابتلائه قوله لاطوفن الخ وتركه الاستثناء ومعنى القاء الجسد على كرسيه القاء الشق المذكور عليه ومعنى انابته رجوعه الى الله تعالى عن زلته وهو تركه الاستثناء فى مثل ذلك الامر الخطير لان ترك الاولى زلة للانبياء اذ حسنات الابرار سيآت المقربين ألا ترى ان نبينا عليه السلام لما سئل عن الروح وعن اصحاب الكهف وذى القرنين قال(12/158)
« ائتونى غدا اخبركم » ولم يستثن فحبس عنه الوحى اياما ثم نزل قوله تعالى { ولا تقولون لشىء انى فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله } وروى ان سليمان عليه السلام ولد له ابن فاجتمعت الشياطين على قتله وذلك انهم كانوا يقدرون فى انفسهم انهم سيستريحون مما هم فيه من تسخير سليمان اياهم على التكاليف الشاقة والاعمال المستمرة الدائمة بموته فلما ولد له ابن قال بعضهم لبعض ان عاش له ولده لم ننفك عما نحن فيه من البلاء فسبيلنا ان نقتل ولده او نخبله والتخبيل افساد العقل والعضو فعلم سليمان بذلك فامر السحاب فحمله وكانت الريح تعطيه غذاءه وربى فيه خوفا من مضرة الشياطين فابتلاه الله لاجل خوفه هذا وعدم توكله فى امر ابنه على ربه العزيز بموت ابنه حيث مات فى السحاب والقى ميتا على كرسيه فهو المراد من الجسد الملقى على كرسيه
قال فى شرح المقاصد فتنبه لخطأه فى ترك التوكل فاستغفر وتاب فهذا مما لا بأس به وغايته ترك الاولى اذ ليس فى التحفظ ومباشرة الاسباب ترك الامتثال لامر التوكل على ما قال عليه السلام « اعقلها وتوكل » انتهى
فان قلت كان الشياطين يصعدون الى السماء وقتئذ فما فائدة رفعه فى السحاب فى المنع عنهم قلت فائدته ان الشياطين التى خاف سليمان على ابنه منهم كانوا فى خدمته الدائمة فى الارض فكان فى الرفع الى السحاب رفعه عن ابصارهم وتغييبه عن عملهم وتسليمه الى محافظة الملائكة ولما القى ابنه الميت على كرسيه جزع سليمان عليه اذ لم يكن له الا ابن واحد فدخل عليه ملكان فقال احدهما ان هذا مشى فى زرعى فافسده فقال له سليمان لم مشيت فى زرعه قال لان هذا الرجل زرع فى طريق الناس فلم اجد مسلكا غير ذلك فقال سليمان للآخر لم زرعت على طريق الناس أما علمت ان الناس لا بد لهم من طريق يمشون فيه فقال لسليمان صدقت لم ولدت على طريق الموت أما علمت ان ممر الخلق على الموت ثم غابا عنه فاستغفر سليمان واناب الى الله تعالى : قال الشيخ سعدى قدس سره
مكن خانه در راه سيل اى غلام ... كه كس را نكشت اين عمارت تمام
نه از معرفت باشد وعقل ورأى ... كه در ره كند كاروانى سراى
ز هجران طفلى كه در خا رفت ... جه نالى كه باك آمد و باك رفت
تو باك آمدى بر حذر باش وباك ... كه ننكست ن باك رفتن بخاك
مكن عمر ضايع بافسوس وحيف ... كه فرصت عزيزست والوقت سيف(12/159)
قال الكاشفى [ ومشهور آنست كه بواسطه ترك ازلى انكشتر مملكت سليمان بدست صخرجن افتاد وجهل روز برتخت سليمان نشست وباز آن خاتم بدست سليمان آمد بمملكت بازكشت ] فيكون المعنى ولقد ابتليناه بسبب ملكه والقينا على كرسيه جسدا يعنى العفريت الذى اخذ خاتمه وجلس على كرسيه وهو صخر صاحب البحر على اشهر الاقاويل وسمى جسدا لانه تمثل بصورة سليمان ولم يكن هو فكان جسدا محضا وصورة بلا معنى ثم اناب اى رجع الى ملكه بعد اربعين يوما
يقول الفقير ارشده الله القدير هذا وان كان مشهورا محررا خصوصا فى نظم بعض العرب والعجم لكنه مما ينكر جدا ولا يكاد يصح قطعا وذلك لوجوه . احدها انه ليس فى جلوس الجن على الكرسى معنى الالقاء الا ان يتكلف . والثانى ان جميع الانبياء معصومون من ان يظهر شيطان بصورهم فى النوم واليقظة لئلا يشتبه الحق بالباطل ولان الانبياء عليهم السلام صور الاسم الهادى ومظاهر صفة الهداية والشيطان مظهر الاسم المضل والظاهر بصفة الضلالة فهما ضدان فلا يجتمعان ولا يظهر احدهما بصورة الآخر وقس على الانبياء احوال الكمل من الاولياء فانهم ورثتهم ومتحققون بمعارفهم وحقائقهم
فان قيل عظمة الحق سبحانه اتم من عظمة كل عظيم فكيف امتنع على ابليس ان يظهر بصورة الانبياء مع ان اللعين قد ترأى لكثيرين وخاطبهم بانه الحق طلبا لاضلالهم وقد اضل جماعة بمثل هذا حتى ظنوا انهم رأوا الحق وسمعوا خطابه قلنا ان كل عاقل يعلم ان الحق ليست له صورة معينة معلومة توجب الاشتباه ولذا جوز بعض العلماء رؤية الله فى المنام فى أى صورة كانت لان ذلك المرئى غير ذات الله اذ ليس لها صورة واما الانبياء فانهم ذووا صور معينة معلومة مشهودة توجب الاشتباه . والثالث انه كيف يصح من الحكيم ان يجلس شيطانا من الشياطين على كرسى نبى من الانبياء ويسلطه على المسلمين ويحكمه عليهم مع انه لم يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا
كس نيايد بزير سايه بوم ... ورهماى ازجهان شود معدوم
والرابع ان الخاتم كان نورانيا فكيف صح ان يستقر فى يد الشيطان الظلمانى بطريق تقلد الحكومة وقد ثبت ان الشيطان يحرقه النور مطلقا ولذا جعل الشهاب رجما للشياطين . والخامس انه كان ملك سليمان فى الخاتم فكيف يصح ان يجلس الجنى على كرسيه على تقدير قذف الخاتم فى البحر على ما قالوا
قال فى كشف الاسرار [ ملك سليمان در خاتم وى بود ونكين آن خاتم كبريت احمر بود ] انتهى
وفى عقد الدرر انه كان خاتم آدم عليه السلام قبل خروجه من الجنة البسه الحق اياه ثم اودع فى ركن من اركان العرش وكان مكتوب عليه فى السطر الاول « بسم الله الرحمن الرحيم » وفى الثانى « لا اله الا الله » وفى الثالث « محمد رسول الله » فلما انزله جبريل الى سليمان اضطرب العالم من مهابته ولما وضعه فى اصبعه غاب عن اعين الناس فقالوا يا نبى الله نريد ان نتشرف بمشاهدة جمالك فقال اذكروا الله فلما ذكروه رأوه فالتأثير من الله وبسليمان المظهرية والخاتم واسطة فى الحقيقة .(12/160)
وانما وضع ملكه فى فص خاتم لانه تعالى اراه فى ذلك ان ما اعطيت فى جنب ما لم تعط قدر هذا الحجر من بين سائر الاحجار اذ كان ملك الدنيا عند الله تعالى كقدر حجر من الاحجار والله يعز من يشاء بما يشاء(12/161)
قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35)
{ قال } سليمان وهو بدل من اناب وتفسير له { رب } [ اى بروردكار من ] { اغفر لى } ما صدر منى من الزلة التى لا تليق بشانى وتقديم الاستغفار على الاستيهاب الآتى لمزيد اهتمامه بامر الدين جريا على سنن الانبياء والصالحين وكون ذلك ادخل فى الاجابة { وهب لى } [ وببخش مرا ] { ملكا } [ بادشاهى وتصرفى كه ] { لا ينبغى } [ نسزد ونشايد ] { لاحد } من الخلق { من بعدى } الى يوم القيامة بان يكون الظهور به بالفعل فى عالم الشهادة فى الامور العامة والخاصة مختصا بى وهو الغاية التى يمكنه بلوغها دل على هذا المعنى قول نبينا عليه السلام « ان عفريتا من الجن » وهو الخبيث المنكر « تفلت علىّ البارحة » اى تعرض فى صورة هر كما فى حياة الحيوان
قال فى تاج المصادر [ التفلت بجستن ] وفى الحديث « ان عفريتا من الجن تفلت علىّ البارحة » اى تعرض له فلتة اى فجأة « ليقطع على صلاتى فامكننى الله منه » الامكان القدرة على الشىء مع ارتفاع الموانع اى اعطانى الله مكنة من اخذه وقدرة عليه « فاخذته فاردت ان اربطه » بكسر الباء وضمها اى اشده « على سارية من سوارى المسجد » اى اسطوانة من اساطينه « حتى تنظروا اليه كلكم ويلعب به ولدان اهل المدينة فذكرت دعوة اخى سليمان رب اغفر لى وهب لى ملكا لا ينبغى لاحد من بعدى فرددته خاسئا » اى ذليلا مطرودا لم يظفر بى ولم يغلب على صلاتى فدل على ان الملك الذى آتاه الله سليمان ولم يؤته احدا غيره من بعده هو الظهور بعموم التصرف فى عالم الشهادة لا التمكن منه فان ذلك مما آتاه الله غيره من الكمل نبيا كان او وليا ألا ترى ان نبينا عليه السلام قال « فامكننى الله منه » اى من العفريت فعلمنا ان الله تعالى قد وهب التصرف فيه بما شاء من الربط وغيره ثم ان الله تعالى ذكره فتذكر دعوة سليمان فتأدب معه كمال التأدب حيث لم يظهر بالتصرف فى الخصوص فكيف فى العموم فرد الله ذلك العفريت ببركة هذا التأدب خاسئا عن الظفر به . وكان فى وجود سليمان عليه السلام قابلية السلطنة العامة ولهذا الهمه الله تعالى ان يسأل الملك المخصوص به فلم يكن سؤاله للبخل والحسد والحرص على الاستبداد بالنعمة والرغبة فيها كما توهمه الجهلة . واما سلطان الانبياء صلى الله عليه وسلم فقد افنى جميع ما فى ملك وجوده من جهة الافعال والصفات فلم يبق شىء فظهر مكانه شىء لا يوصف حيث وقع تجلى الذات فى مرتبة لم ينلها احد من افراد الخلق سابقا ولا لاحقا وستظهر سلطنته الصورية ايضا بحيث يكون آدم ومن دونه تحت لوائه(12/162)
در بزم احتشام تو سياره هفت جام ... وز مطبخ نوال تو افلاح نه طبق
هر خطبه كمال بنام تو شد ازل ... كس تا ابد زلوح نمىخوانده اين سبق
{ انك انت الوهاب } لجميع استعدادات كل ما سألت من الكمالات كما قال تعالى { وآتاكم من كل ما سألتموه } وفى التأويلات النجمية بقوله { قال رب اغفر لى } الآية يشير الى معان مختلفة . منها انه لما اراد طلب الملك الذى هو رفعة الدرجة بنى الامر فى ذلك على التواضع الموجب للرفعة وهو قوله { رب اغفر لى }
ومنها انه قدم طلب المغفرة على طلب الملك لانه لو كان طلب الملك زلة فى حق الانبياء كانت مسبوقة بالمغفرة لا يطالب بها . ومنها ان الملك مهما يكن فى يد مغفور له منظور بنظر العناية ما يصدر منه تصرف فى الملك الا مقرونا بالعدل والنصفة وهو محفوظ من آفات الملك وتبعاته . ومنها قوله { وهب لى ملكا لا ينبغى لاحد من بعدى } اى يكون ذلك موهوبا له بحيث لا ينزعه منه ويؤتيه من يشاء كما هى السنة الالهية جارية فيه
ومنها قوله { لا ينبغى لاحد من بعدى } اى لا يطلبه احد غيرى لئلا يقع فى فتنة الملك على مقتضى قوله تعالى { ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى } فان الملك جالب للفتنة كما كان جالبا لها الى سليمان بقوله { ولقد فتنا سليمان } ومنها قوله { لا ينبغى لاحد من بعدي } اى لا يكون هذا الملك ملتمس احد منك غيرى للتمتع والانتفاع به وهو بمعزل عن قصدى ونيتى فى طلب هذا فان لى فى طلب هذا الملك نية لنفسى ونية لقلبى ونية لروحى ونية للممالك باسرها ونية للرعايا
فاما نيتى لنفسى فتزكيتها عن صفاتها الذميمة واخلاقها اللئيمة وذلك فى منعها عن استيفاء شهواتها وترك مستلذاتها النفسانية بالاختيار دون الاضطرار وانما يتيسر ذلك عد القدرة الكاملة عليه بالمالكية والملكية بلا مانع ولا منازع وكماليته فى المملكة بحيث لا يكون فيها ما يحرك داعية من دواعى البشرية المركوزة فى جبلة الانسان ليكون كل واحد من المشتهيات والمستلذات النفسانية محركة لداعية تناسبها عند تملكها والقدرة عليها عند توقان النفس اليها وغلبات هواها فيحرم على النفس مراضعها ويحرمها من مشاربها وينهاها عن هواها خالصا لله وطلبا لمرضاته فتموت النفس عن صفاتها كما يموت البدن عند اعواز فقدان ما هو غذاء يعيش به فاذا ماتت عن صفاتها الذميمة يحييها الله بالصفات الحميدة كما قال { ولنحيينه حياة طيبة } وقال { قد افلح من زكاها } فلا يبقى لها نظر الى الدنيا وسائر نعمها كما كان حال سليمان لم يكن له نظر الى الدنيا ونعيمها وانما كان مع تلك الوسعة فى المملكة يأكل كسرة من كسب يده مع جليس مسكين ويقول مسكين جالس مسكينا وامانيته لقلبه فتصفيته عن محبة الدنيا وزينتها وشهواتها وتوجيهه الى الآخرة بالاعراض عنها عند القدرة عليها والتمكن فيها ثم صرفها فى سبيل الله وقلع اصلها من ارض القلب ليبقى القلب صافيا من الدنس قابلا للفيض الالهى فانه خلق مرآة لجميع الصفات الالهية(12/163)
وامانيته لروحه فلتحيته بالاخلاق الحميدة الربانية ولا سبيل اليها الا بعلو الهمة وخلوص النية فان المرء يطير بهمته كالطائر يطير بجناحيه وتربية الهمة بحسب نيل المقاصد الدنيوية الدينية وصرفها فى نيل المراتب الدينية الاخروية الباقية وان ترك المقاصد الدنيوية الدينية وان كان اثر التربية الهمة ولكن لا يبلغ حد اثر صرف ما يملك من المقاصد الدنيوية لنيل الدرجات العلية فلما كان من اخلاق الله ان يحب معالى الامور ويبغض سفسافها التمس سليمان اقصى مراتب الدنيا ونهاية مقاصدها لئلا يلتفت ويستعملها فى تربية الهمة لتتخلى روحه بان يحسن اليهم ويؤلف قلوبهم ببذل المال والجاه فان القلوب جبلت على حب من احسن اليها فانهم اذا احبوا نبى الله لزمهم حب الله فيكون حب الله وحب نبيه فى قلوبهم محض الايمان ومن لم يمكن ان يؤمن بالاحسان فيدخلهم فى الايمان بالقهر والغلبة بان يأتيهم بجنود لم يروها كما ادخل بلقيس وقومها فى الايمان
واما نيته للممالك فبان يجعل الممالك الدنيوية الفانية اخروية باقية بان يتوسل بها الى الحضرة بصرفها باظهار الدين واقامة الحق واعلاء كلمة الاسلام
فان قيل قوله { لا ينبغى لاحد من بعدى } هل يتناول النبى عليه السلام اولا قلنا اما بالصورة فيتناول ولكن لعلو همته وكمال قدره لا لعدم استحقاقه لانه عرض عليه صلى الله عليه وسلم ملك اعظم من ملكه فلم يقبله « وقال الفقر فخرى » واما بالمعنى فلم يتناول النبى صلى الله عليه وسلم لانه قال « فضلت على الانبياء بست » يعنى على جميع الانبياء ولا خفاء فى ان سليمان عليه السلام ما بلغ درجة واحدة من اولى العزم من الرسل مع اختصاصه بصورة الملك منهم وهم معه مفضولون بست فضائل من النبى عليه السلام فمعنى الملك الحقيقى الذى كان ملك سليمان صورته بلا ريب يكون داخلا فى الفضائل التى اختصه الله بها واخبر عنها بقوله { وكان فضل الله عليك عظيما } بل اعطاه الله ما كان مطلوب سليمان من صورة الملك ومعناه اوفر ما اعطى سليمان وفتنه به من غير زحمة مباشرة صورة الملك والافتتان به عزة ودلالا انتهى كلام التأويلات على مكاشفه اعلى النجليات(12/164)
فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36)
{ فسخرنا له الريح } قال ابو عمرو انه ريح الصبا اى فذللناها لطاعة سليمان اى جعلناها مطيعة لا تخالفه اجابة لدعوته فعاد امره عليه السلام على ما كان عليه قبل الفتنة فيكون ذلك مسببا عن انابته : وبالفارسية [ بس رام كردانيدم مر سليمان را باد تافرمان وى برد ]
وفيه اشارة الى ان سليمان لما فعل بالصافنات الجياد ما فعل فى سبيل الله عوضه الله مركبا مثل الريح كان غدوها شهرا ورواحها شهرا كما فى التأويلات النجمية وقد سبق ايضا من كشف الاسرار
قال البقلى رحمه الله كان سليمان عليه السلام من فرط حبه جمال الحق يحب ان ينظر الى صنائعه وممالكه ساعة فساعة من الشرق الى الغرب حتى يدرك عجائب ملكه وملكوته فسخر الله له الريح واجراها بمراده وهذا جزاء صبره فى ترك حظوظ نفسه { تجرى بامره } بيان لتسخيرها له { رخاء } حال من ضمير تجرى . والرخاء الريح اللينة من قولهم شىء رخو كما فى المفردات : وبالفارسية [ نرم وخوش ]
وفى الفتوحات المكية ان الهواء لا يسمى ريحا الا اذا تحرك وتموج فان اشتدت حركته كان زعزعا وان لم تشتد كان رخاء وهو ذو روح يعقل كسائر اجزاء العالم وهبوبه تسبيحه تجرى به الجوارى ويطفأ به السراج وتشتعل به النار وتتحرك المياه والاشجار ويموج البحر وتزلزل الارض ويزجى السحاب انتهى . والمعنى حال كون تلك الريح لينة طيبة لا تزعزع ولا تنافى بين كونها لينة الهبوب وبين قوله تعالى { ولسليمان الريح عاصفة } لان المراد ان تلك الريح ايضا فى قوة الرياح العاصفة الا انها لما جرت بامره عليه السلام كانت لينة رخاء او تسخر له كلا نسيميها { حيث اصاب } ظرف لتجرى او لسخرنا . واصاب بمعنى اراد لغة حميرا وهجر
وفى القاموس الاصابة القصد اى حيث قصد واراد من النواحى والاطراف
واعلم ان المراد بقوله بامره جريان الريح بمجرد امره من غير جمعية خاطر ولا همة قلب فهو الذى جعل الله من الملك الذى لا ينبغى لاحد من بعده لا مجرد التسخير فان الله تعالى سخر لنا ايضا ما فى السموات وما فى الارض وما بينهما لكن انما تفعل اجرام العالم لهمم النفوس اذا اقيمت فى مقام الجمعية فهذا التسخير عن امر الله لا عن امرنا كحال سليمان عليه السلام(12/165)
وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37)
{ والشياطين } عطف على الريح { كل بناء } بدل من الشياطين وهو مبالغة بان اسم الفاعل من بنى وكانوا يعملون له عليه السلام ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات لما سبق فى سورة سبأ ويبنون له الابنية الرفيعة بدمشق واليمن ومن بنائهم بيت المقدس واصطخر وهى من بلاد فارس تنسب الى صخر الجنى المراد بقوله تعالى { قال عفريت من الجن } { وغواص } مبالغة غائص من غاص يغوص غوصا وهو الدخول تحت الماء واخراج شىء منه
قال فى المفردات قوله تعالى { ومن الشياطين من يغوصون له } اى يستخرجون الدرر والجواهر والحلىّ من البحر وهو اول من استخرج اللؤلؤ من البحر(12/166)
وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38)
{ وآخرين مقرنين فى الاصفاد } عطف على كل بناء داخل فى حكم البدل يقال قرنت البعيرين اذا جمعت بينهما وقرنت على التكثير كما فى الآية
قال الراغب والتقرين بالفارسية [ برهم كردن ]
قال ابن الشيخ مقرنين صفة لآخرين وهو اسم مفعول من باب التفعيل منقول من قرنت الشىء بالشىء اى وصلته به وشدد العين للمبالغة والكثرة . والاصفاد جمع صفد محركة وهو القيد وسمى به العطاء لانه يرتبط بالمنعم عليه وفرقوا بين فعليهما فقالوا صفده قيده واصفده اعطاه على عكس وعد واعد فان الثلاثى فيه للخير والمنفعة والرباعى للشر والمضرة ولكن فى كون اصفد بمعنى اعطى نكتة وهى ان الهمزة للسلب . والمعنى ازلت ما به من الاحتياج بان اعطيته ما تندفع به حاجته بخلاف اوعد فانه لغة اصلية موضوعة للتهديد . ومعنى الآية وسخرنا له شياطين آخرين لا يبنون ولا يغوصون كأنه عليه السلام فصل الشياطين الى عملة استعملهم فى اعمال الشاقة من البناء والغوص ونحو ذلك والى مردة قرن بعضهم مع بعض فى السلاسل واوثقهم بالحديد لكفهم على الشر والفساد
فان قيل ان هذه الآية تدل على ان الشياطين لها قوة عظيمة قدروا بها على تلك الابنية العظيمة التى لا يقدر عليها البشر وقدروا على الغوص فى البحار واستخراج جواهرها وانى يمكن تقييدهم بالاغلال والاصفاد وفيه اشكال وهو ان هذه الشياطين اما ان تكون اجسادهم كثيفة او لطيفة فان كانت كثيفة وجب ان يراهم من كان صحيح الحاسة اذ لو جاز ان لا يراهم مع كثافة اجسادهم لجاز ان يكون بحضرتنا جبال عالية واصوات هائلة لا نراها ولا نسمعها وذا سفسطة وان كانت اجسادهم لطيفة واللطافة تنافى الصلابة فمثل هذا يمتنع ان يكون موصوفا بالقوة الشديدة بحيث يقدر بها على ما لا يقدر عليه البشر لان الجسم اللطيف يكون ضعيف القوام تتمزق اجزاؤه بادنى المدافعة فلا يطيق تحمل الاشياء الثقيلة ومزاولة الاعمال الشاقة وايضا لا يمكن تقييده بالاصفاد والاغلال قلنا ان اجسادهم لطيفة ولكن شفافة ولطافتها لا تنافى صلابتها بمعنى الامتناع من التفرق فلكونها لطيفة لا ترى ولكونها صلبة يمكن تقيدها وتحملها الاشياء الثقيلة ومزاولتها الاعمال الشاقة ولو سلم ان اللطافة تنافى الصلابة الا انا لا نسلم ان اللطيف الذى لا صلابة له يمتنع ان يتحمل الاشياء الثقيلة وقدر على الاعمال الشاقة ألا ترى ان الرياح العاصفة تفعل افعالا عجيبة لا تقدر عليها جماعة من الناس
وقال فى بحر العلوم والاقرب ان المراد تمثيل كفهم عن الشرور بالتقرين فى الصفد يعنى ان قولهم لا يمكن تقييده بالاصفاد والاغلال حقيقة مسلم ولكن ليس الكلام محمولا على حقيقته لانهم لما كانوا مسخرين مذللين لطاعته عليه السلام بتسخير الله اياهم له كان قادرا على كفهم عن الاضرار بالخلق فشبه كفهم عن ذلك بالتقرين فى الاصفاد فاطلق على الكف المذكور لفظ التقرين استعارة اصلية ثم اشتق من التقرين يعنى المعنى المجازى لفظ مقرنين فهو استعارة تبعية بمعنى ممنوعين عن الشرور
وفى الاسئلة المقحمة الجن اجسام مؤلفة واشخاص ممثلة ولا دليل يقضى بان تلك الاجسام لطيفة او كثيفة بل يجوز ان تكون لطيفة وان تكون كثيفة وانما لا نراهم لا للطافتهم كما يزعمه المعتزلة ولكن لان الله تعالى لا يخلق فينا ادراكا لهم انتهى
قال القاضى ابو بكر الاصل الذى خلقوا منه هى النار ولسنا ننكر مع ذلك ان يكثفهم الله تعالى ويغلظ اجسامهم ويخلق لهم اعراضا زائدة على ما فى النار فيخرجون عن كونهم نارا ويخلق لهم صورا واشكالا مختلفة فيجوز ان نراهم اذا قوى الله ابصارنا كما يجوز ان نراهم لو كثف الله اجسامهم
قال القاضى عبد الجبار ان الله تعالى كشفهم لسليمان حتى كان الناس يرونهم وقواهم حتى كانوا يعملون له الاعمال الشاقة والمقرّن فى الاصفاد لا يكون الا جسما كثيفا واما اقداره عليهم وتكثيفهم فى غير ازمان الانبياء فانه غير جائز لانه يؤدى الى ان يكون نقضا للعادة كما فى آكام المرجان فى احكام الجان
وقال بعضهم ان الشياطين كانوا يشاهدون فى زمن سليمان ثم انه لما توفى امات الله اولئك الشياطين وخلق نوعا آخر فى غاية الرقة واللطافة وفيه ان الشياطين منظرون فكيف يموتون الى ان يختص الانظار بابليس او الا ان يحمل الشياطين على كفار الجن فانهم ماردون ايضا روى ان الله تعالى اجاب دعاء سليمان بان سخر له ما لم يسخره لاحد من الملوك وهو الرياح والشياطين والطير وسخر له من الملوك ما لم يتيسر لغيره مثل ذلك فانه روى انه ورث ملك ابيه داود فى عصر كيخسرو بن سياوش وسار من الشأم الى العراق فبلغ خبره الى كيخسرو فهرب الى خراسان فلم يلبث قليلا حتى هلك ثم سار الى مرو ثم سار الى بلاد الترك فوغل فيها ثم جاز بلاد الصين ثم عطف الى ان وافى بلاد فارس فنزلها اياما ثم عاد الى الشام ثم امر ببناء بيت المقدس فلما فرغ منه سار الى تهامة ثم الى صنعاء وكان من حديثه مع صاحبة صنعاء وهى بلقيس ما ذكره الله تعالى فى كتابه الكريم وغزا بلاد المغرب الاندلس وطنجة وافرنجة ونواحيها(12/167)
هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39)
{ هذا } اى فسخرنا وقلنا له هذا الذى اعطيناك من الملك العظيم والبسطة والتسلط على ما لم يسلط عليه غيرك { عطاؤنا } الخاص بك الذى لا يقدر عليه غيرنا { فامنن } من قوله منّ عليه منا اى انعم اى فاعط منه من شئت { او امسك } وامنع منه من شئت واو للاباحة { بغير حساب } حال من المستكن فى الامر اى غير محاسب على منّه واحسانه ومنعه وامساكه لا حرج عليك فيما اعطيت وفيما امسكت لتفويض التصرف فيه اليك على الاطلاق
وفى المفردات قيل تصرف فيه تصرف من لا يحاسب اى تناول كما تحب فى وقت ما تحب وعلى ما تحب وانفقه كذلك انتهى
قال الحسن ما انعم الله على احد نعمة الا كان عليه تبعة الا سليمان فان اعطى اجر عليه وان لم يعط لم يكن عليه تبعة واثم وهذا مما خص به والتبعة ما يترتب على الشىء من المضرة وكل حق يجب للمظلوم على الظالم بمقابلة ظلمه عليه
قال بعض الكبار المحققين كان سؤال سليمان ذلك عن امر ربه والطلب اذا وقع عن الامر الالهى كان امتثال امر وعبادة فللطالب الاجر التام على طلبه من غير تبعة حساب ولا عقاب فهذا الملك والعطاء لا ينقصه من ملك آخرته شيأ ولا يحاسب عليه اصلا كما يقع لغيره . واما ما روى ان سليمان آخر الانبياء دخولا الجنة لمكان ملكه فعلى تقدير صحته لا ينافى الاستواء بهم فى درجات الجنة ومطلق التأخر فى الدخول لا يستلزم الحساب وقد روى « ان الاغنياء يدخلون الجنة بعد الفقراء بخمسمائة سنة » ويجوز ان يكون بغير حساب حالا من العطاء اى هذا عطاؤنا ملتبسا بغير حساب لغاية كثرته كما يقال للشىء الكثير هذا لا يحيط به حساب او صلة له وما بينها اعتراض على التقديرين(12/168)
وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40)
{ وان له عندنا لزلفى } اى لقربة فى الآخرة مع ما له من الملك العظيم فى الدنيا { وحسن مآب } وهو الجنة وفى الحديث « أرأيتم ما اعطى سليمان بن داود من ملكه فان ذلك لم يزده الا تخشعا ما كان يرفع بصره الى السماء تخشعا لربه » انتهى اى ولذا وجد الزلفى وحسن المرجع فطوبى له حيث كان فقيرا فى صورة الغنى
وفى الآية اشارة الى ان الانسان اذا كمل فى انسانيته يصير قابلا للفيض الالهى بلا واسطة فيعطيه الله تعالى من آثار الفيض تسخير ما فى السموات من الملائكة كما سخر لآدم بقوله اسجدوا لآدم وما فى الارض كما سخر لسليمان الجن والانس والشياطين والوحوش والطيور وذلك لان كل ما فى السموات وما فى الارض اجزاء وجود الانسان الكامل فاذا انعم الله عليه بفيضه سخر له اجزاء وجوده فى المعنى اما فى الصورة فيظهر على بعض الانبياء تسخر بعضها اعجازا له كما ظهر على نبينا عليه السلام تسخر القمر عند انشقاقه باشارة اصبع ولذا قال هذا عطاؤنا الخ يشير الى ان للانبياء بتأييد الفيض الآلهى ولاية افاضة الفيض على من هو اهله عند استفاضته ولهم امساك الفيض عند عدم الاستفاضة من غير اهله ولا حرج عليهم فى الحالتين وان له عندنا لزلفى فى الافاضة والامساك وحسن مآب لانه كان متقربا الينا بالعطاء والمنع كما فى التأويلات النجمية روى ان سليمان عليه السلام فتن بعدما ملك عشرين سنة وملك بعد الفتنة عشرين سنة ثم انتقل الى حسن مآب : قال الشيخ سعدى
جهان اى بسر ملك جاويد نيست ... ز دنيا وفادارى اميد نيست
نه بد رفتى سحركاه وشام ... سرير سليمان عليه السلام
بآخر نديدى كه بر باد رفت ... خنك آنكه باذانش وداد رفت
ايقظنا الله تعالى واياكم(12/169)
وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41)
{ واذكر عبدنا ايوب } ابن آموص بن رازح بن روم بن عيص بن اسحق ابن ابراهيم عليه السلام وامه من اولاد لوط بن هاران وزوجته رحمة بنت افراييم بن يوسف عليه السلام اوليا بنت يعقوب عليه السلام ولذا قال فى كشف الاسرار كان ايوب فى زمان يعقوب اوما خير بنت ميشا بن يوسف والاول اشهر الاقاويل
قال القرطبى لم يؤمن بايوب الا ثلاثة نفر وعمره ثلاث وتسعون وقوله ايوب عطف بيان للعبد { اذ نادى ربه } بدل من عبدنا اى دعا وتضرع بلسان الاضطرار والافتقار { انى } اى بانى { مسنى الشيطان } اصابنى وبالفارسية [ ديو بمن رسيد ] فتكون الباء فى قوله { بنصب } للتعدية اى تعب ومشقة وكذا النصب بفتحتين { وعذاب } العذاب الايجاع الشديد اى ألم ووصب يريد مرضه وما كان يقاسيه من فنون الشدائد وهو المراد بالضر فى قوله فى سورة الانبياء { انى مسنى الضر } وهو حكاية لكلامه الذى ناداه به بعبارته والا لقيل انه مسه الخ وليس هذا تمام دعائه عليه السلام بل من جملته قوله { وانت ارحم الراحمين } فاكتفى ههنا عن ذكره بما فى سورة الانبياء كما ترك هناك ذكر الشيطان ثقة بما ذكر ههنا
فان قلت لا قدرة للشيطان البتة على ايقاع الناس فى الامراض والاسقام لانه لو قدر على ذلك لسعى فى قتل الانبياء والاولياء والعلماء والصالحين فهو لا يقدر ان يضر احدا الا بطريق القاء الوساوس والخواطر الفاسدة فما معنى اسناد المس اليه قلت ان الذى اصابه لم يصبه الا من الله تعالى الا انه اسنده الى الشيطان لسؤال الشيطان منه تعالى ان يمسه الله تعالى بذلك الضر امتحانا لصبره ففى اسناده اليه دون الله تعالى مراعاة للادب روى ان ايوب عليه السلام كان له اموال كثيرة من صنوف مختلفة وهو مع ذلك كان مواظبا على طاعة الله محسنا للفقراء واليتامى وارباب الحاجات فحسده ابليس لذلك وقال انه يذهب بالدنيا والآخرة فقال الهى عبدك ايوب قد انعمت عليه فشكرك وعافيته فحمدك ولو ابتليته بنزع النعمة والعافية لتغير عن حاله فقال تعالى انى اعلم منه ان يعبدنى ويحمدنى على كل حال فقال ابليس يا رب سلطنى عليه وعلى اولاده وامواله فسلطه على ذلك فاحرق زرعه واسقط الابنية على اولاده فلم يزدد ايوب الا حمدا لربه ثم نفخ فى جسده نفخة خرجت بها فيه النفاخات ثم تقطرت بالدم الاسود واكله الدود سبع سنين وهو على حاله فى مقام الصبر والرضى والتسليم فكان بلاؤه امتحانا من غير ان يكون منه ذنب يعاقب عليه ليبرز الله ما فى ضميره فيظهر لخلقه درجته اين هو من ربه كما ذكره الحكيم الترمذى فى نوادر الاصول .(12/170)
وعلى هذا القول اعتماد الفحول فدع ما عداه فانه غير مقبول
وفى التأويلات النجمية يشير بقوله { واذكر } الخ الى معانى مختلفة
منها ان من شرط عبودية خواص عباده من الانبياء والاولياء الصبر عند نزول البلاء والرضى بجريان احكام القضاء
ومنها ليعلم ان الله تعالى لو سلط الشيطان على بعض من اوليائه وانبيائه لا يكون لاهانتهم بل يكون لعزتهم واعانتهم على البلوغ على رتبة نعم العبدية ودرجة الصابرين المحبوبين
ومنها ان العباد من الانبياء والاولياء لو لم يكونوا فى كنف عصمة الله وحفظه لمستهم الشياطين بنصب وعذاب
ومنها ان من آداب العبودية اجلال الربوبية واعظامها عن احالة الضر والبلاء والمحن عليها لا على الشيطان كما قال يوسف عليه السلام { وجاء بكم من البدو من بعد ان نزغ الشيطان بينى وبين اخوتى } وقال يوشع عليه السلام { وما انسانيه الا الشيطان } وقال موسى عليه السلام { هذا من عمل الشيطان } ومنها ليعلم انه ما بلغ مقام الرجال البالغين الا بالصبر على البلوى وتفويض الامور الى المولى والرضى بما يجرى عليه من القضاء انتهى(12/171)
ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42)
{ اركض برجلك } الركض الضرب والدفع القوى بالرجل فمتى نسب الى الراكب فهو اغراء مركوبه وحثه للعدو نحو ركضت الفرس ومتى نسب الى الماشى فوطىء الارض كما فى الآية كذا قاله الراغب . والرجل القدم او من اصل الفخذ الى رؤس الاصابع . والمعنى اذ نادى فقلنا له على لسان جبريل عليه السلام حين انقضاء مدة بلائه اركض برجلك اى اضرب بها الارض : وبالفارسية [ بزن باى خودرا بزمين ] وهى ارض الجابية بلد فى الشام من اقطاع ابى تمام فضربها فنبعت عين فقلنا له { هذا } [ اين جشمه ] { مغتسل بارد } تغتسل به
وقال الكاشفى [ جاى غسل كردنست يا آبيست كه بدان غسل كنند ] اشار الى ان المغتسل هو الموضع الذى يغتسل فيه والماء الذى يغتسل به والاغتسال غسل البدن وغسلت الشىء غسلا اسلت عليه الماء فازلت درنه { وشراب } تشرب منه فيبرأ باطنك . والشراب هو ما يشرب ويتناول من كل مائع ماء كان او غيره والواو لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف
وقال بعض الكبار هذا مغتسل به اى ماء يغتسل به وموضعه وزمانه بارد يبرد حرارة الظاهر وشراب يبرد حرارة الباطن يعنى انما كان الماء باردا لما كان عليه من افراط حرارة الالم فسكن الله افراطها الزائد المهلك ببرد الماء وابقى الحرارة النافعة للانسان
وفى كلام الشيخ الشهير بافتاده البرسوى قدس سره ان المراد بالماء فى هذه الآية صورة احياء الله تعالى وهو المراد بماء المطر ايضا فيما روى انه اذا كان يوم القيامة ينزل المطر على الاموات اربعين سنة فيظهرون من الارض كالنبات انتهى فاغتسل ايوب عليه السلام من ذلك الماء وشرب فذهب ما به من الداء من ظاهره وباطنه فان الله تعالى اذا نظر الى العبد بنظر الرضى يبدل مرضه بالشفاء وشدته بالرخاء وجفاءه بالوفاء فقام صحيحا وكسى حلة وعاد اليه جماله وشبابه احسن ما كان
قال ابن عباس رضى الله عنهما مكث فى البلاد سبع سنين وسبعة اشهر وسبعة ايام وسبعة ساعات لم يغمض فيهن ولم ينقلب من جنب الى جنب كما فى زهرة الرياض
قال حضرة الشيخ بالى الصوفى فى شرح الفصوص الاشارة فيه ان الله تعالى امر نبيه بضرب الرجل على الارض ليخرج منها الماء لازالة ألم البدن فهو امر لنا بالسلوك والمجاهدة ليخرج ماء الحياة وهو العلم بالله من ارض وجودنا لازالة امراض ارواحنا وهى الحجب المبعدة عن الحق ثم قال وفى هذه الآية سر لطيف وهو ان السالكين مسلك التقوى بالمجاهدة . والرياضات اذا اجتمعوا فى منزل وذكروا الله كثيرا باعلى صوت وضربوا ارجلهم على الارض مع الحركة أية حركة كانت وكانت نيتهم بذلك ازالة الالم الروحانى جاز منهم ذلك اذا ضرب الرجل الصورية على الارض الصورية مع الذكر الصورى بنية خالصة يوصل الى الحقيقة اذ ما من حكم شرعى الا وله حقيقة توصل عامله الى حقيقته انتهى كلامه
قال بعض العلماء بالله ارتفاع الاصوات فى بيوت العبادات بحسن النيات وصفاء الطويات يحل ما عقدته الافلاك الدائرات حتى قال اهل البصائر ان الانفاس البشرية هى التى تدير الافلاك العلوية انتهى .(12/172)
فقد شرطوا فى ضرب الرجل وكذا فى رفع الصوت حسن النية وصفوة الباطن من كل غرض ومرض فاذا كان المرء حسن النية يراعى الادب الظاهرى والباطنى من كل الوجوه فيعرج بمعراج الخلوص على ذروة مراتب اهل الخصوص ويسلم من الجرح والقدح لكون حركته على ما اشار اليه النصوص
قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر فى الفتوحات المكية لا يجوز لاحد التواجد الا باشارة شيخ مرشد عارف بامراض الباطن . وفى محل آخر من شرط اهل الله فى السماع ان يكونوا على قلب رجل واحد وان لا يكون فيهم من ليس من جنسهم او غير مؤمن بطريقهم فان حضور مثل هؤلاء يشوش . وفى آخر لا ينبغى للاشياخ ان يسلموا للمريد حركة الوجد الذى تبقى معه الاحساس بمن فى المجلس ولا يسلم له حركته الا ان غاب ومهما احس بمن كان فى المجلس تعين عليه ان يجلس الا ان يعرف الحاضرون انه متواجد لا صاحب وجد فيسلم له ذلك لان هذه الحالة غير محمودة بالنظر الى ما فوقها . وفى آخر اذا كانت حركة المتواجد نفسية فليست بقدسية وعلامتها الاشارة بالاكمام والمشى الى خلف والى قدام والتمايل من جانب الى جانب والتفريق بين راجع وذاهب فقد اجمع الشيوخ على ان مثل هذا محروم مطرود انتهى . فقد شرط الشيخ رضى الله عنه فى هذه الكلمات لمن اراد الوجد والسماع حضور القلب والعشق والمحبة والصدق وغلبة الحال . فقول القرطبى استدل بعض الجهال المتزهدة وطغاة المتصوفة بقوله تعالى لايوب عليه السلام { اركض برجلك } على جواز الرقص وهذا احتجاج بارد لانه تعالى انما امر بضرب الرجل لنبع الماء لا لغيره وانما هو لاهل التكلف كما دل عليه صيغة التزهد والتصوف فان اتقياء الامة برآء من التكلف فهو زجر لفسقة الزمان عما هم عليه من الاجتماع المنافى لنص القرآن فانهم لو كانوا صلحاء مستأهلين لأباحت لهم اشارة القرآن ذلك لكنهم بمعزل عن الركض بشرائط فهم ممنوعون جدا
قال الشيخ الشهير بافتاده قدس سره ليس فى طريق الشيخ الحاجى بيرام قدس سره الرقص حال التوحيد وليس فى طريقنا ايضا بل نذكر الله قياما وقعودا ولا نرقص على وفق قوله تعالى { الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم } وقال ايضا ليس فى طريقتنا رقص فان الرقص والاصوات كلها انما وضع لدفع الخواطر ولا شىء فى دفعها اشد تأثيرا من التوحيد فطريقنا طريق الانبياء عليهم السلام فنبينا عليه السلام لم يلقن الا التوحيد(12/173)
وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43)
{ ووهبنا له اهله } معطوف على مقدر اى فاغتسل وشرب فكشفنا بذلك ما به من ضر كما فى سورة الانبياء ووهبنا له اهله : يعنى [ فرزندان ويرا زنده كرديم ] وكانوا ثلاثة عشر روى الحسن ان الله تعالى احياهم بعد هلاكهم اى بما ذكر من ان ابليس هدم عليهم البناء فماتوا تحته { ومثلهم معهم } عطف على اهله فكان له من الاولاد ضعف ما كان له قبل اى زاده على ما كان له قبل البلاء : قال الصائب
زفوت مطلب جزؤى مشوغمين كه فلك ... ستاره ميبرد و آفتاب مى آرد
{ رحمة منا } اى لرحمة عظيمة عليه من عندنا { وذكرى لاولى الالباب } ولتذكيرهم بذلك ليصبروا على الشدائد كما صبر ويلجأوا الى الله فيما ينزل بهم كما لجأ ليفعل بهم ما فعل به من حسن العاقبة : قال الكاشفى رحمت الهى فرج را بصبر ناريست ]
اصبر فان الصبر مفتاح الفرج ... كليد صبر كسى را كه باشد اندردست ... هرآينه در كنج مراد بكشايد
بشام تيره محنت بساز وصبرنماى ... كه دمبدم سحر از برده روى بنمايد
[ آورده اندكه درزمان مرض ايوب عليه السلام زوجه او رحمه بهمى رفته بود وديرمى آمد ايوب سوكند خورد كه اورا صدجوب بزند جون تباشير صبح صحت ازافق رحمت روى نمود وايوب بحالت تن درستى وجوانى بازآمد خواست تا سوكند خود را راست كند خطاب ازحضرت عزت رسيدكه ](12/174)
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)
{ وخذ بيدك ضغثا }
قال فى الارشاد معطوف على اركض او على وهبنا بتقدير وقلنا خذ بيدك الخ والاول اقرب لفظا وهذا انسب معنى فان الحاجة الى هذا الامر لا تمس الا بعد الصحة . والضغث الحزمة الصغيرة من الحشيش ونحوه فى المفردات الضغث قبضة ريحان او حشيش وبه شبه الاحلام المختلطة التى لا يتبين حقائقها انتهى
وقال الكاشفى [ وبكير بدست خود دسته از جوب ازخرما يا از حشائش خشك شده كه بعدد صد باشد وفى كشف الاسرار مفسران كفتند ابليس برصورت طبيبى برسر راه نشست وبيماران ار مداوات مى كرد زن ايوب آمد وكفت بيمارىكه فلان علت دارد اورا مداوات كنى ابليس كفت اورا مداوات كنم وشفا دهم بشرط آنكه جون اورا شفا دهم اومراكويد « انت شفيتنى » يعنى تومرا شفا دادى ازشما جزاين نخواهم زن بيامد و آنجه ازوى شنيد بايوب كفت ايوب بدانست كه آن شيطانست واورا از راه مىبرد و كفت « والله لئن برئت لاضربنك مائة » بس جون به شد جبريل آمد وبيام آورد ازحق تعالىكه آن زن ترا درايام بلا خدمت نيكود كرد اكنون تخفيف ويرا وتصديق سوكندخودرا دسته كياه وريحان كه بعدد صد شاخ باشد باقبضه كه ازين درخت كندم كه خوشه برسردارد آنرا بدست خويش كير ] فانه قال فى التكملة وقد روى انه اخذ مائة سنبلة فى كف واحد فضربها بها
وقيل باعت ذؤابتيها برغيفين وكانتا متعلق ايوب اذا قام فحلف بذلك
قال فى فتح الرحمن روى ان ايوب عليه السلام كانت زوجته مدة مرضه تختلف اليه فيتلقاها الشيطان مرة فى صورة طبيب ومرة فى هيئة ناصح فيقول لها لو سجد هذا المريض للصنم الفلانى لبرىء ولو ذبح عناقا للصنم الفلانى لبرىء ويعرض لها وجوها من الكفر فكانت هى ربما عرضت ذلك على ايوب فيقول لقيت عدو الله فى طريقك فلما اغضبته حلف ان عوفى ليجلدنها مائة جلدة انتهى
يقول الفقير هذه الوجوه ذكرت ايضا فى غيره من التفاسير لكنها ضعيفة فان امرأة ايوب وهى رحمة وكانت بنت ابن يوسف الصديق عليه السلام على ما هو الارجح ولا يتصور من مثل هذه المرأة المتدينة ان تحمل ايوب على ما هو كفر فى دينه وفى سائر الاديان وبمجرد نقل كلام العدو لا يلزم الغضب والحلف فالوجه الاول أليق بالمقام { فاضرب به } اى بذلك الضغث زوجك { ولا تحنث } فى يمينك فان البر يتحقق به فاخذ ضغثا فضربها ضربة واحدة يقال حنث فى يمينه اذا لم يف بها
وقال بعضهم الحنث الاثم ويطلق على فعل ما حلف على تركه وترك ما حلف على فعله من حيث ان كل واحد منهما سبب له
وفى تاج المصادر [ الحنث : دروغ شدن سوكند ] ويعدى بفى [ وبزه مندشدن ]
فان قيل لم قال الله تعالى لايوب عليه السلام { لا تحنث } وقال لمحمد صلى الله عليه وسلم(12/175)
{ قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم } قلنا لان كفارة اليمين لم تكن لاحد قبلنا بل هى لنا مما اكرم الله به هذه الامة بدليل قوله تعالى لكم كذا فى اسئلة الحكم
وفى كلام بعض المفسرين لعل التكفير لم يجز فى شرعهم او ان الافضل الوفاء به انتهى
قال الشيخ نجم الدين رحمه الله اراد الله ان يعصم نبيه ايوب عليه السلام من الذنبين اللازمين . احدهما اما الظلم واما الحنث وان لا يضيع اجر احسان المرأة مع زوجها وان لا يكافئها بالخير شرا وتبقى ببركتها هذه الرخصة فى الامم الى يوم القيامة انتهى . فقد شرع الله هذه الرحمة رحمة عليه وعليها لحسن خدمتها اياه ورضاه عنها وهى رخصة باقية فى الحدود يجب ان يصيب المضروب كل واحد من المائة اما باطرافها قائمة او باعراضها مبسوطة على هيئة الضرب اى بشرط ان توجد صورة الضرب ويعمل بالحيل الشرعية بالاتفاق روى ان الليث بن سعد حلف ان يضرب ابا حنيفة بالسيف ثم ندم من هذه المقالة وطلب المخرج من يمينه فقال ابو حنيفة رحمه الله خذ السيف واضربنى بعرضه فتخرج عن يمينك كما فى مناقب الامام رضى الله عنه
قال فى فتح الرحمن مذهب الشافعى اذا وجب الحد على مريض وكان جلدا اخر للمرض فان لم يرج برؤه جلد بعثكال عليه مائة غصن فان كان خمسين ضرب به مرتين وتمسه الاغصان او ينكبس بعضها على بعض ليناله بعض الالم فان برىء اجزأه ومذهب ابى حنيفة رحمه الله يؤخر فلا يجلد حتى يبرأ كمذهب الشافعى فان كان ضعيف الخلقة يخاف عليه الهلاك لو ضرب شديدا يضرب مقدار ما يتحمله من الضرب ومذهب مالك لايضرب الا بالسوط ويفرق الضرب وعدد الضربات مستحق لا يجوز تركه فان كان مريضا آخر الى ان يبرأ كمذهب الشافعى وابى حنيفة ومذهب احمد يقام الحد فى الحال ولا يؤخر للمرض ولو رجى زواله ويضرب بسوط يؤمن معه التلف كالقضيب الصغير فان خشى عليه من السوط اقيم باطراف الثياب وعثكول النخل فان خيف عليه من ذلك جمع ضغث فيه مائة شمراخ فضرب به ضربة واحدة كقول الشافعى واما اذا كان الحد رجما فلا يؤخر بالاتفاق ولا يقام الحد على حامل حتى تضع بغير خلاف فابو حنيفة ان كان حدها الجلد فحتى تتعالّ اى تخرج من نفاسها وان كان الرجم فعقيب الولادة وان لم يكن للصغير من يربيه فحتى يستغنى عنها والشافعى حتى ترضعه اللبان ويستغنى بغيرها او فطام لحولين ومالك واحمد بمجرد الوضع { انا وجدناه } علمناه { صابرا } فيما اصابه فى النفس والاهل والمال
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان ايوب عليه السلام لم يكن ليجد نفسه صابرا لولا انا وجدناه صابرا اى جعلناه يدل على هذا المعنى قوله تعالى لنبيه عليه السلام(12/176)
{ واصبر وما صبرك الا بالله } اى هو الذى صبرك وان لم تكن تصبر انتهى روى انه بلغ امر ايوب عليه السلام الى ان لم يبق منه الا القلب واللسان فجاءت دودة الى القلب فعضته واخرى الى اللسان فعضته فعند ذلك دعا ايوب فوقعت دودة فى الماء فصار علقا واخرى فى البر فصار نحلا يخرج منه العسل
وفى زهرة الرياض انه بقى على بدنه اربعة من الديدان واحد طار ووقع على شجرة الفرصاد فصار دود القز وواحد وقع فى الماء فصار علقا وواحد وقع فى الحبوب فصار سوسا والرابع طار ووقع فى الجبال والاشجار فصار نحلا وهذا بعدما كشف الله عنه
واعلم ان العلماء قالوا ان الانبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الامراض المنفرة ويناقش فيه بحديث ايوب عليه السلام اذ روى انه تفرق عنه الناس حتى ارتد بعض من آمن به الا ان يستثنى ايوب عليه السلام فان ابتلاءه كان خارقا للعادة وابتلاء الناس به أى ابتلاء
ثم اعلم انه ليس فى شكواه الى الله تعالى اخلال بصبره فان الصبر حبس النفس عن الشكوى لغير الله لا الى الله تعالى وفى حبس النفس عن الشكوى الى الله فى رفع الضر مقاومة القهر الالهى وهو ليس من آداب العبودية فلا بد من الشكاية ليصح الافتقار الذى هو حقيقتك المميزة نسبة العبودية من الربوبية ولذا قال ابو يزيد البسطامى قدس سره
جارجيز آورده ام شاها كه در كنج تونيست ... نيستى وحاجت وعجز ونياز آورده ام
وجاع بعض العارفين فبكى فعاتبه فى ذلك بعض من لا ذوق له فقال انما جوّعنى لابكى واسأل { نعم العبد } اى ايوب { انه اواب } تعليل لمدحه اى انما كان نعم العبد لانه رجاع الى الله تعالى لا الى الاسباب مقبل بجملة وجوده الى طاعته او رجاع الى الحضرة فى طلب الصبر على البلاء والرضى بالقضاء ولقد سوى الله تعالى بين عبديه اللذين احدهما انعم عليه فشكر والآخر ابتلى فصبر حيث اثنى عليهما ثناء واحدا فقال فى وصف سليمان { نعم العبد انه اواب } وفى وصف ايوب كذلك ولم يلزم من الاوابية الذنب لان بلاء ايوب كان من قبيل الامتحان على ما سبق
واعلم ان العيش فى البلاء مع الله عيش الخواص وعيش العافية مع الله عيش العوام وذلك لان الخواص يشاهدون المبلى فى البلاء وتطيب عيشتهم بخلاف العوام فانهم بمعزل من الشهود فيكون البلاء لهم عين المحنة ولذا لا صبر لهم
قال ابن مسعود رضى الله عنه ايوب عليه السلام رأس الصابرين الى يوم القيامة
قال بعضهم [ بلاذخيره اوليا واختياراصفياست هريكى بنوعى ممتحن بودند .(12/177)
نوح بدست قوم خويش كرفتار . ابراهيم بآتش نمرود . اسماعيل بفتنه ذبح . يعقوب بفراق فرزند . زكريا ويحيى بمحنت قتل . موسى بدست فرعون وقبطيان وعلى هذا اوليا واصفيا . يكى را محنت غربت بود ومذلت . يكى را كرسنكى وفاقت . يكىرا بيمارى وعلت . يكىرا قتل وشهادت . مصطفى عليه السلام كفت ( ان الله ادخر البلاء لاوليائه كما ادخر الشهادة لاحبابه ) جون رب عزت آن بلاها ازايوب كشف كرد روزى بخاطروى بكذشت كه نيك صبر كردم دران بلاندا آمدكه « أانت صبرت ام نحن صبرناك يا ايوب لولا انا وضعنا تحت كل شعرة من البلاء جبلا من الصبر لم تصبر » جنيد قدس سره كفت ] من شهد البلاء بالبلاء ضج من البلاء ومن شهد البلاء من المبلى حنّ الى البلاء
قال ابن عطاء ليخفف ألم البلاء عنك علمك بان الله هو المبلى
واعلم ان لكل بلاء خلفا اما فى الدنيا واما فى الآخرة واما فى كليهما : قال الصائب
هر محنتى مقدمه راحتى بود ... شد همزبان حق جو زبان كليم سوخت
يروى ان الله تعالى لما اذهب عن ايوب ما كان فيه من الاذى انزل عليه ثوبين ابيضين من السماء فاتزر باحدهما وارتدى بالآخر ثم مشى الى منزله فاقبلت سحابة فسحت فى اندر قمحه ذهبا حتى امتلأ واقبلت سحابة اخرى الى اندر شعيره فسحت فيه ورقا حتى امتلأ وشكر الله خدمة زوجته فردها الى شبابها وجمالها(12/178)
وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45)
{ واذكر عبادنا } المخصوصين من اهل العناية { ابراهيم واسحق } ابن ابراهيم { ويعقوب } ابن اسحق ثم اومأ الى وجه اختصاصهم بجنابه تعالى فقال { اولى الايدى } ذوى الايدى وهى جمع يد بمعنى الجارحة فى الاصل اريد بها القوة مجازا بمعونة المقام وذلك لكونها سبب التقوى على اكثر الاعمال وبها يحصل البطش والقهر ولم تجمع القوة لكونها مصدرا يتناول الكثير { والابصار } جمع بصر حمل على بصر القلب ويسمى البصيرة وهى القوة التى يتمكن بها الانسان من ادراك المعقولات
قال فى المفردات البصر يقال للجارحة الناظرة وللقوة التى فيها ويقال لقوة القلب المدركة بصيرة وبصر ولا يكاد يقال للجارحة بصيرة . وجمع البصر ابصار وجمع البصيرة بصائر . والمعنى ذوى القوة فى الطاعة والبصيرة فى امور الدين
ويجوز ان يراد بالايدى الاعمال الجليلة لان اكثر الاعمال تباشر بها فغلب الاعمال بالايدى على سائر الاعمال التى تباشر بغيرها وان يراد بالابصار المعارف والعلوم الشريفة لان البصر والنظر اقوى مباديها وهم ارباب الكمالات العملية والنظرية والذين لا يفكرون فكر ذوى الديانات فى حكم من لا استبصار لهم
وفيه تعريض بالجهلة البطالين وانهم كالزمنى والعميان حيث لا يعملون عمل الآخرة ولا يستبصرون فى دين الله وتوبيخ على تركهم المجاهدة والتأمل مع تمكنهم منهما : وفى المثنوى
اندرين ره مىتراش ومىخراش ... تا دم آخر دمى فارغ مباش(12/179)
إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46)
{ انا اخلصناهم بخالصة } تعليل لما وصفوا به من شرف العبودية وعلو الرتبة . والتنكير للتفخيم اى انا جعلناهم خالصين لنا بخصلة خالصة عظيمة الشأن لا شوب فيها { ذكرى الدار } مصدر بمعنى التذكر مضاف الى مفعوله وهو خبر مبتدأ محذوف والجملة صفة خالصة . والتقدير هى تذكرهم للدار الآخرة دائما ولا همّ لهم غيرها واطلاق الدار يعنى مرادا بها الدار الآخرة للاشعار بانها الدار فى الحقيقة وانما الدنيا معبر
فان قيل كيف يكونون خالصين لله تعالى وهم مستغرقون فى الطاعة وفيما هو سبب لها وهو تذكر الآخرة قلت ان استغراقهم فى الطاعة انما هو لاستغراقهم فى الشوق الى لقاء الله ولما لم يكن ذلك الا فى الآخرة استغرقوا فى تذكرها وفى الآخرة [ آن ياد كردن سراى آخرتست جه مطمح نظر انبيا جزفوز بلقاى حضرت كبريا نيست وآن در آخرت ميسر شود ]
وفى التأويلات انا صفيناهم عن شوب صفات النفوس وكدورة الانانية وجعلناهم لنا خالصين بالمحبة الحقيقية ليس لغيرنا فيهم نصيب ولا يميلون الى الغير بالمحبة العارضة لا الى انفسهم ولا الى غيرهم بسبب خصلة خالصة غير مشوبة بهمّ آخر هى ذكرى الدار الباقية والمقر الاصلى اى استخلصناهم لوجهنا بسبب تذكرهم لعالم القدس واعراضهم عن معدن الرجس مستشرفين لانواره لا التفات لهم الى الدنيا وظلماتها اصلا انتهى
يقول الفقير اراد ان الدنيا ظلمة لانها مظهر جلاله تعالى والآخرة نور لانها مجلى جماله تعالى والتاء للتخصيص والاصل الآخر الذى هو الله تعالى ولذا يرجع العباد اليه بالآخرة(12/180)
وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47)
{ وانهم عندنا لمن المصطفين } قوله عند ظرف لمحذوف دل عليه المصطفين ولا يجوز ان يكون معمولا لقوله من المصطفين لان الالف واللام فيه بمعنى الذى وما فى حيز الصلة لا يتقدم على الموصول . والمصطفين بفتح الفاء والنون جمع مصطفى اصله مصطفيين بالياءين وبكسر الاولى . والمعنى لمن المختارين من امثالهم { الاخيار } المصطفين عليهم فى الخير
وفى التأويلات وانهم فى الحضرة الواحدية لمن الذين اصطفيناهم لقربنا من بنى نوعهم الاخيار المنزهين عن شوائب الشر والامكان والعدم والحدثان انتهى
وذكر العندية وقرن بها الاصطفائية اشارة الى ان الاصطفائية فى العبودية ازلية قبل وجود الكون فشرفهم خاص وموهبة خالصة بلا علل . والاخيار جمع خير كشر واشرار على انه اسم تفضيل او خير بالتشديد او خير بالتخفيف كاموات جمع ميت وميت(12/181)
وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48)
{ واذكر اسمعيل } ابن ابراهيم عليهما السلام وليس هو باشموئيل بن هلقاثان على ما قال قتادة وانما فصل ذكره عن ذكر ابيه واخيه للاشعار بعراقته فى الصبر الذى هو المقصود بالتذكر وذلك لانه اسلم نفسه للذبح فى سبيل الله او ليكون اكثر تعظيما فانه جد افضل الانبياء والمرسلين { واليسع } هو ابن اخطوب من العجوز استخلفه الياس عليه السلام على بنى اسرائيل ثم استنبىء ودخل اللام على العلم لكونه منكرا بسبب طرو الاشتراك عليه فعرف باللام العهدية على ارادة اليسع الفلانى مثل قول الشاعر
رأيت الوليد بن اليزيد مباركا ... { وذا الكفل } هو ابن عم يسع او يشير بن ايوب عليه السلام بعث بعد ابيه الى قوم فى الشام
واختلف فى نبوته والاكثرون على انه نبى لذكره فى سلك الانبياء واختلف ايضا انه الياس او يوشع او زكريا او غيرهم وانما لقب بذى الكفل لانه فرّ اليه مائة نبى من بنى اسرائيل من القتل فآواهم وكفلهم بمعنى اطعمهم وكساهم وكتمهم من الاعداء
وفى التأويلات النجمية قيل ان اليسع وذا الكفل كانا اخوين وذو الكفل تكفل بعمل رجل صالح مات فى وقته كان يصلى لله كل يوم مائة صلاة فاحسن الله اليه الثناء { وكل } اى وكلهم على ان يكونوا بدلا منهم { من الاخيار } المشهورين بالخيرية
والآيات تعزية وتسلية للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم فان الانبياء عليهم الصلاة والسلام اذا اجتهدوا فى الطاعات وقاسوا الشدائد والآفات وصبروا على البلايا والاذيات من اعدائهم مع انهم مفضولون فالنبى عليه السلام اولى بذلك لكونه افضل منهم والافضل يقاسى ما لا يقاسى المفضول اذ به تتم رتبته وتظهر رفعته
قال فى كشف الاسرار [ اسما دختر صديق رضى الله عنها روايت كندكه مصطفى عليه السلام روزى در انجمن قريش بكذشت يكى از ايشان بر خاست كفت تويىكه خدايان مارا بد ميكويى ودشنام مىدهى رسول خدا كفت من ميكويم كه معبود عالميان يكيست بى شريك وبى نظير شما در برستش اصنام برباطليد ايشان همه بيكبار هجوم كردند ودر رسول آويختندن واورا ميزدند اسما كفت اين ساعت يكى آمد بدرسراى ابوب بكر وكفت « ادرك صاحبك » صاحب خويش را در ياب كه در زخم دشمنانى كرفتارست ابو بكر بشتاب رفت وبا ايشان كفت « ويلك أتقتلون رجلا ان يقول ربى الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم » ايشان رسول را بكذاشتند وابوبكررا بيمحابازدند وابوبكر كيسوان داشت جون بخانه بازآمددست بكيسوان فرو مى آورد وموىبدست وىبازمى آمد وميكفت « تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والاكرام » رب العالمين اين همه رنج وبلا بر دوستان نهدكه از ايشان جوجيز دوست دارد جشمى كريان ودلى بريان ودوست داردكه بنده مى كريد واورا دران كريه مى ستايدكه « ترى اعينهم تفيض من الدمع » ودوست داردكه بنده مى نالد وبردركاه او مىزارد واورادآن مىستايدكه ] وجلت قلوبهم وفى المثنوى(12/182)
باسياستهاى جاهل صبركن ... خوش مدارا كن بعقل من لدن
صبر برنا اهل اهلا نراجليست ... صبر صافى ميكند هر جادليست
آتش نمرود ابراهيم را ... صفوت آينه آمد در جلا
جور كفر نوحيان وصبر نوح ... نوح را شد صيقل مر آت نوح
انبيا رنج خسان بس ديده اند ... از جنين ماران بسى بيجيده اند
روبكش خندان وخوش بارحرج ... از بى الصبر مفتاح الفرج
اللهم اعنا على الصبر(12/183)
هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49)
{ هذا } المذكور من الآيات الناطقة بمجالس الانبياء { ذكر } اى شرف لهم وذكر جميل يذكرون به ابدا كما يقال يموت الرجل ويبقى اسمه وذكره ويموت الفرس ويبقى ميدانه
يادكارست جون حديث بشر ... يادكارت بخير به كه بشر
وفى التفسير الفارسى [ اين خبر انبيا سبب ياد كردست ترا اى محمد وقوم ترا ] كما فى قوله تعالى { وانه لذكر لك ولقومك } وعن ابن عباس رضى الله عنهما هذا ذكر من مضى من الانبياء
وفى التأويلات النجمية هذا اى القرآن فيه ذكر ما كان وذكر الانبياء وقصصهم لتعتبر بهم وتقتدى بسيرهم { وان للمتقين } الذين يتقون الله لا ما سواه وهذا لان جنات عدن مقام اهل الخصوص { لحسن مآب } مرجع فى الآخرة مع مالهم فى الدنيا من الثناء الجميل وهو من اضافة الصفة الى الموصوف اى مآبا حسنا(12/184)
جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50)
{ جنات عدن } عطف بيان لحسن مآب . واصل العدن فى اللغة الاقامة ثم صار علما بالغلبة روى ابو سعيد الخدرى رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم « ان الله تعالى بنى جنة عدن بيده وبناها بلبنة من ذهب ولبنة من فضة وجعل ملاطها المسك وترابها الزعفران وحصباءها الياقوت ثم قال لها تكلمى فقالت قد افلح المؤمنون قالت الملائكة طوبى لك منزل الملوك »
يقول الفقير دل الحديث على ان جنة عدن مقر الخواص والمقربين الذين هم بمنزلة الملوك من الرعايا ودل عليه الاطلاق فى قوله ايضا قد افلح المؤمنون لان الله تعالى عقب فى القرآن قوله { قد افلح المؤمنون } بصفات جليلة لا تتيسر الا للخواص فاين السياس من منازل السلاطين { مفتحة } اى حال كون تلك الجنات مفتحة { لهم الابواب } منها والابواب مفعول مفتحة اى اذا وصلوا اليها وجدوها مفتوحة الابواب لا يحتاجون الى فتح بمعاناة ولا يلحقهم ذل الحجاب ولا كلفة الاستئنذان تستقبلهم الملائكة بالتبجيل والترحيب والاكرام يقولون سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار
وقيل هذا مثل كما تقول متى جئتنى وجدت بابى مفتوحا لا تمنع من الدخول
فان قيل ما فائدة العدول عن الفتح الى التفتيح قلنا المبالغة وليست لكثرة الابواب بل لعظمها كما ورد من المبالغة فى وسعها وكثرة الداخلين ويحتمل ان يكون للاشارة الى ان اسباب فتحها عظيمة شديدة لان الجنة قد حفت بالمكاره على وجه لما رآها جبرائيل عليه السلام مع عظمة نعيمها قال يا رب أنى هذه لا يدخلها احد(12/185)
مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51)
{ متكئين فيها } حال من لهم اى حال كونهم جالسين فيها جلسة المتنعمين للراحة ولا شك ان الاتكاء على الارائك دليل التنعم ثم استأنف لبيان حالهم فى الجنات فقال { يدعون فيها } [ مى خوانند دران بهشتها ] { بفاكهة كثيرة } اى بالوان الفاكهة وهى ما يؤكل للذة لا للغذاء . والاقتصار على دعاء الفاكهة للايذان بان مطاعمهم لمحض التفكه والتلذذ دون التغذى فانه لتحصيل بدل المتحلل ولا تحلل فيها { وشراب } اى ويدعون فيها ايضا بشراب وقيل تقديره وشراب كثير فحذف اكتفاء بالاول اى يدعون بشراب كثير بمعنى الوانه
يقال نطق القرآن بعشرة اشربة فى الجنة منها الخمر الجارية من العيون وفى الانهار ومنها العسل واللبن وغيرهما ولا شك ان الاذواق المعنوية فى الدنيا متنوعة ومقتضاه تنوع التجليات الواقعة فى الجنة سواء كانت تجليات شرابية او غيرها(12/186)
وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52)
{ وعندهم } اى عند المتقين { قاصرات الطرف } اى زوجات قصرن طرفهن اى نظرهن على ازواجهن لا ينظرن الى غيرهم : يعنى [ زنانى كه از غير شوهر جشم باز كيرند ]
قال فى كشف الاسرار هذا كقولهم فلانة عند فلان اى زوجته { اتراب } جمع ترب الكسر وهى اللدة اى من ولد معك والهاء فى اللدة عوض عن الواو الذاهبة من اوله لانه من الولادة . والمعنى لدات اقران ينشأن معا تشبيها فى التساوى والتماثل بالترائب التى هى ضلوع الصدر ولوقوعهن على الارض معا اى يمسهن التراب فى وقت واحد
قال فى كشف الاسرار لدات مستويات فى السن لا عجوز فيهن ولا صبية
وقال بعضهم لدات لازواجهن اى هن فى سن ازواجهن : يعنى [ تمام زنان بهشت درسن متساوى ازواج باشند مجموع سى وسه سال ] لا اصغر ولا اكبر . وفيه ان رغبة الرجل فيمن هى دونه فى السن اتم وانه كان التحاب بين الاقران ارسخ فلا يكون كونهن لدات لازواجهن صفة مدح فى حقهن [ وبعضى برانندكه مراد ازاتراب آنست كه همه زنان متساوى باشند در حسن يعنى هيج يك را رديكرى فضلى نبود دران تاطبع بفاضله كشد واز مفضوله منصرف كردد ] وفى الخبر الصحيح « يدخل اهل الجنة الجنة جردا مردا مكحلين ابناء ثلاث وثلاثين سنة لكل رجل منهم زوجتان على زوجة سبعون حلة يرى مخ ساقها من ورائها »(12/187)
هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53)
{ هذا } اى تقول لهم الملائكة هذا المعد من الثواب والنعيم { ما توعدون } ايها المتقون على لسان النبى عليه السلام { ليوم الحساب } اى لاجله فان الحساب علة للوصول الى الجزاء
يقول الفقير ويحتمل ان يكون التقدير ما توعدون بوقوعه فى يوم الحساب والجزاء(12/188)
إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54)
{ ان هذا } اى ما ذكر من الوان النعم والكرامات { لرزقنا } عطاؤنا اعطيناكموه { ماله من نفاد } اى ليس له انقطاع ابدا وفناء وزوال
قال فى المفردات النفاد الفناء
قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ليس لشىء نفاد ما اكل من ثمارها خلف مكانه مثله وما اكل من حيوانها وطيرها عاد مكانه حيا
وفى التأويلات النجمية وبقوله { جنات عدن } الى قوله { ليوم الحساب } يشير الى ان هذه الجنات بهذه الصفات مفتوحة لهم الابواب وابواب الجنة بعضها مفتوحة الى الخلق وبعضها مفتوحة الى الخالق لا يغلق عليهم واحد منها فيدخلون من باب الخلق وينتفعون بما اعد لهم فيها ثم يخرجون من باب الخالق وينزلون فى فى مقعد صدق عند مليك مقتدر لا يقيدهم نعيم الجنة ليكونوا من اهل الجنة كما لم يقيدهم نعيم الدنيا ليكونوا من اهل النار بل اخلصهم من حبس الدارين ومتعهم بنزل المنزلين وجعلهم من اهل الله وخاصته { ان هذا لرزقنا ماله من نفاد } اى هذا ما رزقناهم فى الازل فلا نفاد له الى الابد انتهى
فعلى العاقل الاعراض عن اللذات الفانية والاقبال على الاذواق الباقية فالفناء يوصل الى البقاء كما ان الفقر يوصل الى الغنى ولكل احتياج استغناء [ حكايت كنند مردى مال بسيار داشت دردلش افتادكه بازركانى كند دران كشتى كه نشته بود بشكست ومال او جمله غرق شد واو برلوحى بماند بجزيره افتاد حالى بى مونسى ورفيقى سالها بروى آمد دلتنك كشت وغمكين شدشي برلب دريا نشسته بود وموى باليده وجامها ازوى فروشداين بيت ميكفت ]
اذا شاب الغراب اتيت اهلى وهيهات الغراب متى يشيب ... [ آوازى از درياشنيدكه كسى ميكفت ]
عسى الكرب الذى امسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب
[ ديكر روزآن مردار جشم بردريا افتاد وجيزى عظيم ديد جون نزديك آمد كشتى جو عروسى بودجون اين مردرا بديدند كفتند حال توجيست قصه اش بكفت واز شهرش خبرداد كفتند ترا هيج يسر بود كفت نعم وصفتش بيان كردايشان همه بروى افتادندوبوسه بروى دادند وكفتند اين بسر تواست واين كشتى ازان اوست ومابند كان اوييم وهرجه ازان اوست ازان توبود واورا موى فروكرند وجامهاى فاخر بوشيدند وبراحت باجايكاه خويش آوردند ] فظهر ان ذلك الرجل ظن ان نفسه هلك ورزقه نفد فوجد الله تعالى قد اعطاه حالا احسن من حاله الاول فان رزقه ليس له نفاد وعطاءه غير مجذوذ(12/189)
هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55)
{ هذا } اى الامر فى حق المتقين هذا الذى ذكرناه
وقال بعضهم هذا من قبيل ما اذا فرغ الكاتب من فصل واراد الشروع فى فصل آخر منفصل عما قبله قال هذا اى احفظ ما كان كيت وكيت وانتظر الى ما يجيىء { وان للطاغين } اى للذين طغوا على الله وكذبوا الرسل يعنى للكافرين
قال الراغب الطغيان تجاوز الحد فى العصيان { لشر مآب } مرجع فى الآخرة(12/190)
جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56)
{ جهنم } عطف بيان لشر مآب { يصلونها } حال من المنوى فى للطاغين اى حال كونهم يدخلونها ويجدون حرها يوم القيامة ولكن اليوم مهدوا لانفسهم { فبئس المهاد } اى جهنم : وبالفارسية [ بس بد آرامكاهيست دوزخ ] وهو المهد والفرش مستعار من فراش النائم اذ لا مهاد فى جهنم ولا استراحة وانما مهادها نار وغواشيها نار كما قال تعالى { لهم من جهنم مهاد } اى فراش من تحتهم ومن تجريدية { ومن فوقهم غواش } اى اغطية : يعنى [ زيروزبر ايشبان آتش باشد ](12/191)
هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57)
{ هذا فليذوقوه } اى ليذوقوا هذا العذاب فليذوقوه والذوق وجود الطعم بالفم واصله فى القليل لكنه يصلح للكثير الذى يقال له الاكل وكثر استعماله فى العذاب تهكما { حميم } اى هو حميم وهو الماء الذى انتهى حره : يعنى [ آن آب كرم است درنهايت حرارت جون بيش لب رسد ويرا بسوزد وجون بخورند دو باره شود ] { وغساق } ما يغسق من صديد اهل النار اى يسيل من غسقت العين سال دمعها
قال الكاشفى [ مراد ريم است كه از كوشت وبوست دوزخيان واز فروج زانيان سيلان ميكدند آنرا جمع كرده بديشان مىخورانند ]
وقال ابن عباس رضى الله عنهما هو الزمهرير يحرقهم برده كما تحرقهم النار بحرّها
وفى القاموس الغساق كسحاب وشداد البارد المنتن فلو قطرت منه قطرة فى المشرق لنتنت اهل المغرب ولو قطرت قطرة فى المغرب لنتنت اهل المشرق
وعن الحسن هو عذاب لا يعلمه الا الله ان ناسا اخفوا لله طاعة فاخفى لهم ثوابا فى قوله { فلا تعلم نفس ما اخفى لهم } واخفوا معصية فاخفى لهم عقوبة
وقيل هو مستنقع فى جهنم يسيل اليه سم كل ذى سم من عقرب وحية يغمس فيه الآدمى فيسقط جلده ولحمه عن العظام
وفى التأويلات النجمية { هذا } الذى مهدوا اليوم { فليذوقوه } يوم القيامة يعنى قد حصلوا اليوم معنى صورته { حميم وغساق } يوم القيامة ولكن مذاقهم بحيث لا يجدون ألم عذاب ما حصلوه بسوء اعمالهم فليذوقوه يوم القيامة
هركه اونيك ميكند يابد نيك وبد هركه ميكند يابد
فاذا تنعم المؤمنون بالفاكهة والشراب تعذب الكافرون بالحميم والغساق(12/192)
وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58)
{ وآخر } ومذوق آخر او عذاب آخر { من شكله } اى من مثل هذا المذوق او العذاب فى الشدة والفظاعة { ازواج } قوله آخر مبتدأ وازواج مبتدأ ثان ومن شكله خبر لازواج والجملة خبر المبتدأ الاول وازواج اى اجناس لانه يجوز ان يكون ضروبا : يعنى [ اين عذاب كونا كونست اما همه متشابه يكديكرند درتعذيب وايلام ]
وفى التأويلات النجمية اى فنون اخر مثل ذلك العذاب يشير به الى ان لكل نوع من المعاصى نوعا آخر من العذاب كما ان كل بذر يزرعونه يكون له ثمرة تناسب البذر
همينت بسندست اكر بشنوى ... كه كرخار كارى سمن ندروى(12/193)
هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ (59)
{ هذا فوج مقتحم معكم } الفوج الجماعة والقطيع من الناس وافاج اسرع وعدا وندّ
قال الراغب الفوج الجماعة المارة المسرعة وهو مفرد اللفظ ولذا قيل مقتحم لا مقتحمون والاقتحام الدخول فى الشىء بشدة والقحمة الشدة
قال فى القاموس قحم فى الامر كنصر قحوما رمى بنفسه فيه فجأة بلا رؤية . والمعنى يقول الخزنة لرؤساء الطاغين اذا دخلوا النار مشيرين الى الاتباع الذين اضلوهم هذا اى الاتباع فوج تبعكم فى دخول النار بالاضطرار كما كانوا قد تبعوكم فى الكفر والضلالة بالاختيار فانظروا الى اتباعكم لم يحصل بينكم وبينهم تناصر وانقطعت مودتكم وصارت عداوة
قيل يضرب الزبانية المتبوعين والاتباع معا بالمقامع فيسقطون فى النار خوفا من تلك المقامع فذلك هو الاقتحام : وبالفارسية [ اين كردهست كه در آمدكانند در دوزخ برنج وسختى باشما هركه از روى حرص وشهوت جايى نشنيدكه خواهد بجاى كشندش كه نخواهد ] { لا مرحبا بهم } مصدر بمعنى الرحب وهو السعة وبهم بيان للمدعو وانتصابه على انه مفعول به لفعل مقدر اى لا يصادفون رحبا وسعة او لا يأتون رحب عيش ولا وسعة مسكن ولا غيره وحاصله لا كرامة لهم او على المصدر اى لا رحبهم عيشهم ومنزلهم رحبا بل ضاق عليهم : وبالفارسية [ هيج مرحبا مباد ايشانرا ] يقول الرجل لمن يدعوه مرحبا اى اتيت رحبا من البلاء واتيت واسعا وخيرا كثيرا
قال الكاشفى [ مرحبا كلمه ايست براى اكرام مهمان ميكويند ]
وقال غيره يقصد به اكرام الداخل واظهار المسرة بدخوله ثم يدخل عليه كلمة لا فى دعاء السوء
وفى بعض شروح الحديث التكلم بكلمة مرحبا سنة اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم حيث قال « مرحبا يا ام هانى » حين ذهبت الى رسول الله عام الفتح وهى بنت ابى طالب اسلمت يوم الفتح ومن ابواب الكعبة باب ام هانى لكون بيتها فى جانب ذلك الباب وقد صح انه عليه السلام عرج به من بيتها كما قال المولى الجامى
جو دولت شد زبد خواهان نهانى ... سوى دولت سراى ام هانى
{ انهم صالوا النار } تعليل من جهة الخزنة لاستحقاقهم الدعاء عليهم اى داخلون النار باعمالهم السيئة وباستحقاقهم(12/194)
قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60)
{ قالوا } اى الاتباع عند سماع ما قيل فى حقهم { بل انتم لا مرحبا بكم } [ بلكه شما مرحبا مباد شمارا بدين نفرين سزاوار تريد ] خاطبوا الرؤساء مع ان الظاهر ان يقولوا بطريق الاعتذار الى الخزنة بل هم لا مرحبا بهم قصدا منهم الى اظهار صدقهم بالمخاصمة مع الرؤساء والتحاكم الى الخزنة طمعا فى قضائهم بتخفيف عذابهم او تضعيف عذاب خصمائهم اى بل انتم ايها الرؤساء احق بما قيل لنا من جهة الخزنة لاغوائكم ايانا مع ضلالكم فى انفسكم { انتم قدمتموه لنا } تعليل لأحقيتهم بذلك اى انتم قدمتم العذاب او الصلىّ لنا واوقعتمونا فيه بتقديم ما يؤدى اليه من العقائد الزائغة والاعمال السيئة وتزيينها فى اعيننا واغرائنا عليها لا انا باشرنا من تلقاء انفسنا وذلك ان سبب عذاب الاتباع هو تلك العقائد والاعمال والرؤساء لم يقدموها بل الذين قدموها هم الاتباع باختيارهم اياها واتصافهم بها والذى قدمه الرؤساء لهم ما يحملهم عليها من الاغواء والاغراء عليها وهذا القدر من السببية كاف فى اسناد تقديم العذاب او الصلىّ الى الرؤساء { فبئس القرار } اى فبئس المقر جهنم قصدوا بذمها جناية الرؤساء عليهم(12/195)
قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61)
{ قالوا } اى الاتباع معرضين عن خصومتهم متضرعين الى الله { ربنا من قدم لنا هذا } العذاب او الصلى
وفى التفسير الفارسى { هركه فرا بيش داشت براىما اين كفر وضلال ومارا ازراه حق بلغزانيد ] { فزده عذابا ضعفا فى النار } [ بس زياده كن اورا عذابى دوباره در آتش يعنى آن مقدار عذاب كه دارد آنرا دوجندان كن ] ومن يجوز ان تكون شرطية وفزده جوابها وان تكون موصولة بمعنى الذى مرفوعة المحل على الابتداء والخبر فزده والفاء زائدة لتضمن المبتدأ معنى الشرط وضعفا صفة لعذابا بمعنى مضاعفا وفى النار ظرف لزده او نعت لعذابا
قال الراغب الضعف من الاسماء المتضايفة التى يقتضى وجود احدها وجود الآخر كالضعف والزوج وهو تركب قدرين مساويين ويختص بالعدد فاذا قيل ضعفت الشىء وضاعفته اى ضممت اليه مثله فصاعدا فمعنى عذابا ضعفا اى عذابا مضاعفا اى ذا ضعف بان يزيد عليه مثله ويكون ضعفين اى مثلين فان ضعف الشىء وضعيفه مثلاه كقولهم ربنا وآتهم ضعفين من العذاب
فان قلت كل مقدار يعرض من العذاب ان كان بقدر الاستحقاق لم يكن مضاعفا وان كان زائدا عليه كان ظلما فكيف يجوز سؤاله من الله تعالى يوم القيامة
قلت ان المسئول من التضعيف ما يكون بقدر الاستحقاق بان يكون احد الضعفين بمقابلة الضلال والآخر بمقابلة الاضلال قال عليه السلام « من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة » ونظيره ان الكافرين اذا قتل احدهما وزنى دون الآخر فهما متساويان فى وزر الكفر واما القاتل والزانى فعذابه مضاعف لمضاعفة عمله السيىء
وقال ابن مسعود رضى الله عنه العذاب الضعف هو الحيات والافاعى وذلك المضل آذى روح من اضله فى الدنيا فسلط الله عليه المؤذى فى الآخرة لان الجزاء من جنس العمل
فعلى العاقل اصلاح الباطن وتزكيته من الاخلاق الذميمة والاوصاف القبيحة واصلاح الظاهر وتحليته عن الاقوال الشنيعة والاعمال الفظيعة ولا يغتر بالقرناء السوء فانهم منقطعون غدا عن كل خلة ومودة ولا ينفع لاحد الا القلب السليم والعلم النافع والعمل الصالح
بضاعت بجندانكه آرى برى ... وكر مفلسى شرمسارى برى
اللهم اجعلنا من اهل الرحمة لا من اهل الغضب(12/196)
وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62)
{ وقالوا } اى الطاغون مثل ابى جهل واضرابه : وبالفارسية [ وكويند صناديد قريش دردوزخ ] { مالنا } [ جيست مارا امروز ] وما استفهامية مبتدأ ولنا خبره وهو مثل قوله { مالى لا ارى الهدهد } فى ان الاستفهام محمول على التعجب لا على حقيقته اذ لا معنى لاستفهام العاقل عن نفسه { لا نرى رجالا } الفعل المنفى حال من معنى الفعل فى مالنا كما تقول مالك قائما بمعنى ما تصنع قائما اى ما نصنع حال كونا غير رائين رجالا . والمعنى أى حال لنا لا نرى فى النار رجالا { كنا } فى الدنيا { نعدّهم من الاشرار } يعنى [ از بدان ومردودان ] جمع شر وهو الذى يرغب عنه الكل كما ان الخير هو الذى يرغب فيه الكل يعنون فقراء المسلمين كانوا يسترذلونهم ويسخرون منهم مثل صهيب الرومى وبلال الحبشى وسلمان الفارسى وحباب وعمار وغيرهم من صعاليك المهاجرين الذين كانوا يقولون لهم هؤلاء منّ الله عليهم من بيننا سموهم اشرارا اما بمعنى الاراذل والسفلة الذين لا خير فيهم ولا جدوى كما قال هذا من شر المتاع او لانهم كانوا على خلاف دينهم فكانوا عندهم اشرارا(12/197)
أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63) إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64)
{ أتخذناهم سخريا } بقطع الهمزة على انها استفهام والاصل أتخذناهم حذفت همزة الوصل للاستغناء عنها بهمزة الاستفهام . وسخريا بضم السين وكسرها مصدر سخر
قال فى القاموس سخر اى هزىء كاستسخر والاسم السخرية والسخرى ويكسر انتهى زيد فيه ياء النسبة للمبالغة لان فى ياء النسبة زيادة قوة فى الفعل كما قيل الخصوصية فى الخصوص قالوه انكارا على انفسهم ولو مالها فى الاستخبار منهم فمعنى الاستفهام الانكار والتوبيخ والتعنيف واللوم : وبالفارسية [ ما ايشانرا كرفتيم مهزوءبهم ] { ام زاغت عنهم الابصار } يقال زاغ اى مال عن الاستقامة وزاغ البصر كل وام متصلة معادلة لاتخذناهم والمعنى أى الامرين فعلنا بهم الاستسخار منهم ام الازدراء بهم وتحقيرهم فان زيغ البصر وعدم الالتفات الى الشىء من لوازم تحقيره فكنى به عنه
قال الحسن كل ذلك قد فعلوا اتخذوهم سخريا وزاغت عنهم ابصارهم محقرة لهم . والمعنى انكار كل واحد من الفعلين على انفسهم توبيخا لها
ويجوز ان تكون ام منقطعة والمعنى اتخذناهم سخريا بل زاغت عنهم ابصارنا فى الدنيا تحقيرا لهم وكانوا خيرا منا ونحن لا نعلم على معنى توبيخ انفسهم على الاستسخار ثم الاضراب والانتقال منه الى التوبيخ على الازدراء والتحقير [ در آثار آمده كه حق سبحانه وتعالى آن كروه فقرارا برغرفات بهشت جلوه دهد تاكفار ايشانرا بينند وحسرت ايشان زياده شود ] { ان ذلك } الذى حكى من احوالهم { لحق } لا بد من وقوعه البتة { تخاصم اهل النار } خبر مبتدأ محذوف والجملة بيان لذلك اى هو تخاصم الخ يعنى تخاصم القادة والاتباع : وبالفارسية [ جنك وجدل كردن اهل دوزخ وماجراى ايشان ] وهذا اخبار عما سيكون وسمى ذلك تخاصما على تشبيه تقاولهم وما يجرى بينهم من السؤال والجواب بما يجرى بين المتخاصمين من نحو ذلك
وفى التأويلات النجمية وبقوله { وقالوا مالنا } الخ يشير الى تخاصم اهل النار مع انفسهم يسخرون بانفسهم كما كانوا يسخرون بالمؤمنين فيقولون { مالنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الاشرار اتخذناهم سخريا } وما كانوا من الاشرار { ام زاغت عنهم الابصار } فلا نراهم معنا وهم ههنا { ان ذلك } التخاصم { لحق } مع انفسهم { تخاصم اهل النار } من الندامة حين لا ينفعهم التخاصم ولا الندامة انتهى
وفى الآية ذم وفى الحديث « اتخذوا الايادى عند الفقراء قبل ان تجيىء دولتهم فاذا كان يوم القيامة يجمع الله الفقراء والمساكين فيقال تصفحوا الوجوه فكل من اطعمكم لقمة او سقاكم شربة او كساكم خرقة او دفع عنكم غيبة فخذوا بيده وادخلوه الجنة » قال الحافظ :
از كران تابركان لشكر ظلمست ولى ... از ازل تابايد فرصت درويشانست
وفى الحديث « ملوك الجنة كل اشعث اغبر اذا استأذنوه فى الدنيا لم يؤذن لهم وان خطبوا النساء لم ينكحوا واذا قالوا لم ينصت لقولهم ولو قسم نور احدهم بين اهل الارض لوسعهم » كذا فى انيس المنقطعين قال الحافظ :
نظر كردن بدر ويشان منافى بزركى نيست ... سليمان باجنان حشمت نظرهابود بامورش
اللهم اجعل حيلتنا حب الفقراء واحشرنا فى الدنيا والآخرة مع الفقراء(12/198)
قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65)
{ قل } يا محمد لمشركى مكة { انما انا منذر } رسول منذر من جهته تعالى انذركم واحذركم عذابه على كفركم ومعاصيكم وقل ايضا { وما من اله } فى الوجود { الا الله الواحد } الذى لا يقبل الشركة والكثرة اصلا اى لا فى ذاته ولا فى صفاته ولا فى افعاله فلا ملجأ ولا مفرّ الا اليه يعنى من عرف انه الواحد افرد قلبه له فكان واحدا به وقد فسر قوله عليه السلام « ان الله وتر يحب الوتر » يعنى القلب المنفرد له
اذا كان ما تهواه فى الحسن واحدا ... فكن واحدا فى الحب ان كنت تهواه
ومن خاصية هذا الاسم ان من قرأه الف مرة خرج الخلائق من قلبه { القهار } لكل شىء سواه ومن الاشياء آلهتهم فهو يغلبهم فكيف تكون له شركاء وايضا يقهر العباد بذنوبهم ومعاصيهم
قال الكاشفى [ قهر كننده كه بناى آمال را بقواصف آجال درهم شكند باشركت متوهم وكثرت بى اعتبار را فى نفس الامر وجود ندارد درنظر عارف مضمحل ومتلاشى سازد ]
غيرتش غيردرجهان نكذاشت ... وحدتش اسم اين وآن برداشت
كم شود جمله ظلمت بندار ... نزد انوار واحد قهار
يقول الفقير سمعت من فى حضرة شيخى وسندى قدس سره يقول فى هذه الآية ترتيب انيق فان الذات الاحدية تدفع بوحدتها الكثرة وبقهرها الآثار فيضمحل الكل فلا يبقى سواه تعالى
قال بعضهم القهار الذى له الغلبة التامة على ظاهر كل امر وباطنه ومن عرف قهره لعباده نسى مراد نفسه لمراده فكان له وبه لا لأحد سواه ولا شىء دونه
وخاصية هذا الاسم اذهاب حب الدنيا وعظمة ما سوى الله تعالى عن القلب ومن اكثر ذكره ظهرت له آثار القهر على عدوه ويذكر عند طلوع الشمس وجوف الليل لاهلاك الظالم بهذه الصفة يا جبار يا قهار يا ذا البطش الشديد مرة ثم تقول خذ حقى ممن ظلمنى وعدا علىّ
وفى الاربعين الادريسية يا قاهر ذا البطش الشديد الذى لا يطاق انتقامه يكتب على جام صينى لحل المعقود وعلى ثوب الحرب فى وقته لقهر الاعداء وغلبة الخصوم(12/199)
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66)
{ رب السموات والارض وما بينهما } من المخلوقات اى مالك جميع العوالم فكيف يتوهم ان يكون له شريك { العزيز } الذى لا يغلب فى امر من اموره . وايضا العزيز بالانتقام من المجرمين فالعزة لله تعالى وبه التعزز ايضا كما قيل ليكن بربك عزك تستقر وتثبت فان اعززت بمن يموت فان عزك يموت
قال الشيخ ابو العباس المرسى رحمه الله والله ما رأيت العز الا فى رفع الهمة عن المخلوقين
وخاصية هذا الاسم ان من ذكره اربعين يوما فى كل يوم اربعين مرة اعانه الله واعزه فلم يحوجه لاحد من خلقه
وفى الاربعين الادريسية يا عزيز المنيع الغالب على امره فلا شىء يعادله
قال السهروردى من قرأه سبعة ايام متواليات كل يوم الفا اهلك الله خصمه وان ذكره فى وجه العسكر سبعين مرة ويشير اليهم بيده فانهم ينهزمون { الغفار } المبالغ فى المغفرة والستر والمحو لمن تاب وآمن وعمل صالحا
قال بعضهم الغفار كثير المغفرة لعباده والمغفرة الستر على الذنوب وعدم المؤاخذة بها وما جاء على فعال فاشعار بترداد الفعل وفى الحديث « اذا قال العبد يا رب اغفر لى قال الله اذنب عبدى ذنبا فعلم ان له ربا يغفر الذنب ويأخذ به اشهدكم انى قد غفرت له »
وخاصية هذا الاسم وجود المغفرة فمن ذكره اثر صلاة الجمعة مائة مرة ظهرت له آثار المغفرة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب »
وعن عائشة رضى الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا تضوّر من الليل قال « لا اله الا الله الواحد القهار رب السموات والارض وما بينهما العزيز الغفار » ومعنى تضوّر تلوّى اذا قام من النوم
وفى تاج المصادر [ التضور : برخويشتن بيجدن ازكرسنكى يا از زخم ] وفى هذه الاوصاف الجارية على اسم الله تعالى تقرير للتوحيد فان اجراء الواحد عليه يقرر وحدانيته واجراء القهار العزيز عليه وعيد للمشركين واجراء الغفار عليه وعد للموحدين وتنبيه ما يشعر بالوعيد من وصفى القهر والعز وتقديم وصف القهارية على وصف الغفارية لتوفية مقام الانذار حقه(12/200)
قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67)
{ قل هو } اى القرآن وما انبأكم به من امر التوحيد والنبوة واخبار القيامة والحشر والجنة والنار وغيرها { نبأ عظيم } وشأن جسيم لانه كلام الرب القديم وارد من جانبه الكريم يستدل به على صدقى فى دعوى النبوة . والنبأ ما اخبر النبى عليه السلام عن الله تعالى ولا يستعمل الا فى خبر ذى فائدة عظيمة(12/201)
أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68)
{ انتم عنه معرضون } لا تتفكرون فيه وتعدونه كذبا لغاية ضلالتكم وغاية جهالتكم فلذا لا تؤمنون به مع عظمته وكونه موجبا للاقبال الكلى عليه وتلقيه بحسن القبول فالتصديق فيه نجاة والكذب فيه هلكة(12/202)
مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69)
{ ما كان لى } قرأ حفص عن عاصم بفتح الياء والباقون باسكانها اى ما كان لى فيما سبق { من علم } اى علم ما بوجه من الوجوه على ما يفيده حرف الاستغراق { بالملأ الاعلى } اي بحال الملأ الاعلى وهم الملائكة وآدم عليهم السلام وابليس عليه اللعنة سموا بالملأ الاعلى لانهم كانوا فى السماء وقت التقاول
قال الراغب الملأ الجماعة يجتمعون على رأى فيملأون العيون رواء والنفوس جلالة وبهاء { اذ يختصمون } اى بحالهم وقت اختصامهم ورجوع بعضهم الى بعض فى الكلام فى شأن آدم فان اخباره عن تقاول الملائكة وما جرى بينهم من قولهم { أتجعل فيها من يفسد فيها } حين قال الله لهم { انى جاعل فى الارض خليفة } على ما ورد فى الكتب المتقدمة من غير سماع ومطالعة كتاب لا يتصور الا بالوحى اى فلو لم يكن لى نبوة ما اخبرتكم عن اختصامهم واذ متعلق بالحال المحذوف الذى يقتضيه المقام اذ المراد نفى علمه بحالهم لا بذواتهم والحال يشمل الاقوال الجارية فيما بينهم والافعال ايضا من سجود الملائكة واستكبار ابليس وكفره(12/203)
إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70)
{ ان } اى ما { يوحى الىّ } اى من حال الملأ الاعلى وغيره من الامور المغيبة { الا انما } بفتح الهمزة على تقدير لانما باسقاط اللام { انا نذير } نبى من جهته تعالى { مبين } ظاهر النظارة والنبوة بالدلائل الواضحة عبر عن النبى بالنذير لانه صفته وخصص النذير مع انه بشير ايضا لان المقام يقتضى ذلك
قال فى كشف الاسرار [ وكفته اند اين نبأ عظيم سه خبرست هول مرك وحساب قيامت وآتش دوزخ يحيى بن معاذ رحمه الله كفت « لو ضربت السموات والارض بهذه السياط الثلاثة لانقادت خاشعة فكيف وقد ضرب بها ابن آدم الموت والحساب والنار » مسكين فرزند آدم اورا عقبهاى عظيم در بيش است و آنجه در كمانها مىفتد بيش امادر درياى عشق دنيا بموج غفلت جنان غرق كشته كه نه از سابقه خويش مى انديشه نه از خامه كار مىترسد هر روز بامداد فرشته ندا ميكندكه « خلقتم لامر عظيم وانتم عنه غافلون » دركار روزكار خود جون انديشه كند كسى زبانرا بدروغ ملوث كرده ودلرا بخلف آلوده وسر از خيانت شوريده كردانيده سرىكه موضع امانت است بخيانت سبرده دلىكه معدن تقوىست زنكار خلف كرفته زبانى كه آلت تصديق است بردروغ وقف كرده لا جرم سخن جز خداع نيست ودين جز نفاق نيست
اذا ما الناس جرّبهم لبيب ... فانى قد اكلتهمو وذاقا
فلم ار ودّهم الا خداعا ... ولم ار دينهم الا نفاقا
اكنون اكر ميخواهىكه درد غفلت را مداودات كنى راه توآنست كه تخته نفاق را بآب جشم كه از حسرت خيرد بشويى وبر راه كذر بادى كه از مهب ندامت بر آمد بنهى وبدبيرستان شرع شوى وسوره اخلاص بنويسى كه خداوند عالم از بندكان اخلاص درخواهد ميكويد { وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين } ومصطفى عليه السلام كفت ] ( اخلص العمل يجزك منه القليل ) والله الموفق(12/204)
إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71)
{ اذ قال ربك للملائكة } بدل من اذ يختصمون
فان قيل كيف يجوز ان يقال ان الملائكة اختصموا بهذا القول والمخاصمة مع الله تعالى كفر قلت لا شك انه جرى هناك سؤال وجواب وذلك يشبه المخاصمة والمناظرة والمشابهة تجوّز اطلاق اسم المشبه به على المشبه فحسن اطلاق المخاصمة على المقاولة الواقعة هناك
فان قلت ان الاختصام المذكور سابقا مسند الى الملأ الاعلى وواقع فيما بينهم وما وقع فى جملة البدل هو التقاول الواقع بين الله تعالى وبينهم لانه تعالى هو الذى قال لهم وقالوا له فكيف تجعل هذه الجملة بدلا من قوله اذ يختصمون مبينا ومشتملا له قلت حيث كان تكليمه تعالى اياهم بواسطة الملك صح اسناد الاختصام الى الله تعالى لكونه سببا آمرا وقد سبق المراد بالملائكة في سورة الحجر فارجع { انى خالق } اى فيما سيأتى { بشرا }
قال الراغب عبر عن الانسان بالبشر اعتبارا بظهور جلده من الشعر فان البشرة هى ظاهر الجلد بخلاف الحيوانات التى عليها الصوف او الشعر او الوبر
وقال بعضهم اى ارباب الحقائق سمى آدم بشرا لانه باشره الحق سبحانه بيديه عند خلقه مباشرة لائقة بذلك الجناب مقدسة عن توهم التشبه فان المباشرة حقيقة هى الافضاء بالبشرتين ولذا كنى بها عن الجماع { من طين } اى من تراب مبلول
قال بعض الكبار من عجز وضعف كما قال الله تعالى { الذى خلقكم من ضعف } قالوا مقام التراب مقام التواضع والمسكنة ومقام التواضع الرفعة والثبات ولذا ورد « من تواضع لله رفعه » وكان من دعائه عليه السلام « اللهم احينى مسكينا وامتنى مسكينا »(12/205)
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72)
{ فاذا سويته } اى صورته بالصورة الانسانية والخلقة البشرية او سويت اجزاء بدنه بتعديل طبائعه كما فى الجنين الذى اتى عليه اربعة اشهر فلا بد لنفخ الروح من هذه التسوية البتة كما لا بد لنفخ روح الحقيقة من تسوية الشريعة والطريقة فليحافظ ولذا قال النجم فى تأويلاته { فاذا سويته } تسوية تصلح لنفخ الروح المضاف الى الحضرة { ونفخت فيه من روحى } النفخ اجراء الريح الى تجويف جسم صلح لامساكها والامتلاء بها وليس ثمة نفخ ولا منفوخ وانما هو تمثيل لاضافة ما به الحياة بالفعل على المادة القابلة لها اى فاذا اكملت استعداده وافضت عليه ما يحيى به من الروح التى هى من امرى واضافته الى نفسه لشرفه وطهارته او على سبيل التعظيم لان المضاف الى العظيم عظيم كما فى بيت الله وناقة الله
وبهذا ظهر فساد ما ذهب اليه الحلولية من ان من تبعيضية فيكون الروح جزأ من الله تعالى وذلك انه ليس لله تعالى روح هذا الروح من اجزائه وانما روحه نفسه الرحمانى . وايضا ان كل ماله جزء فهو ممكن ومحدث والله تعالى منزه عنهما
قال القاضى عياض رحمه الله فى الشفاء من ادعى حلول البارى تعالى فى احد الاشخاص كان كافرا باجماع المسلمين
قال الراغب الروح اسم للنفس وذلك لكون النفس بعض الروح فهو كتسمية النوع باسم الجنس كتسمية الانسان بالحيوان وجعل اسما للجزء الذى به تحصل الحياة والتحرك واستجلاب المنافع واستدفاع المضار وهو المذكور فى قوله { قل الروح من امر ربى } وقوله { ونفخت فيه من روحى } واضافته تعالى الى نفسه اضافة ملك وتخصيصه بالاضافة تشريف له وتعظيم كقوله { وطهر بيتى } انتهى
قال الامام الغزالى رحمه الله ان الروح روحان . حيوانى وهى التى تسميها الاطباء المزاج وهى جسم لطيف بخارى معتدل سار فى البدن الحامل لقواه من الحواس الظاهرة والقوى الجسمانية وهذه الروح تفنى بفناء الربانية والعقل والقلب من الالفاظ الدالة على معنى واحد لها تعلق بقوى النفس الحيوانية وهذه الروح لا تفنى بفناء البدن وتبقى بعد الموت
يقول الفقير قال شيخى وسندى روح الله روحه فى بعض تحريراته اعلم ان الروح من حيث جوهره وتجرده وكونه من عالم الارواح المجردة مغاير للبدن متعلق به تعلق التدبير والتصرف قائم بذاته غير محتاج اليه فى بقائه ودوامه ومن حيث ان البدن صورته ومظهر كمالاته وقواه فى عالم الشهادة محتاج اليه غير منفك عنه بل سار فيه لا كسريان الحلول المشهور عند اهله بل كسريان الوجود المطلق الحق فى جميع الموجودات فليس بينهما مغايرة من كل الوجوه بهذا الاعتبار ومن علم كيفية ظهور الحق فى جميع الموجودات فليس بينهما مغايرة من كل الوجوه بهذا الاعتبار ومن علم كيفية ظهور الحق فى الاشياء وان الاشياء من أى وجه عينه ومن أى وجه غيره يعلم كيفية ظهور الروح فى البدن ومن أى وجه عينه ومن اى وجه غيره لان الروح رب بدنه فمن تحقق له حال الرب مع المربوب تحقق له ما ذكرنا وهو الهادى الى العلم والفهم هذا كلامه قدس سره فاحفظه ودع عنك القيل والقال
قال السمرقندى فى بحر العلوم الظاهر ان هذا النفخ بغير وسط وسبب من ملك ويجوز ان يكون بوسط ملك نفخ فيه الروح باذنه كما صرح به النبى عليه السلام فى خلق بنى آدم بقوله ثم(12/206)
« يرسل الله اليه ملكا فينفخ فيه الروح » الحديث وفيه كلام انتهى
يقول الفقير لا يجوز ذلك لان مقام التشريف يأبى عنه لا سيما وقد قال { ونفخت فيه } وقال { خلقت بيدى } فانه لا معنى لارتكاب التجوز فى مثله . واما اولاده فيجوز ذلك فيهم لظهورهم بالوسائط ومنهم عيسى عليه السلام لظهوره بوساطة امه فيجوز ان النافخ فى حقه هو جبريل عليه السلام وان كان الله قد اضافه الى نفسه فى قوله { فنفخنا فيه من روحنا } ثم يقول الفقير نفخ الروح عندى عبارة عن اظهارها فى محلها وعبر عنه بالنفخ لان البدن بعد ظهور الروح فيه يكون كالمنفوخ المرتفع الممتلىء ألا ترى الى ان المت يبقى بعد مفارقة الروح كالخشب اليابس ففيه رمز آخر فى سورة الحجر . ثم فى اضافة الروح اشارة الى تقديم روح آدم على ارواح الملائكة وغيرها لان المضاف الى القديم قديم وان كان جسد بعض الاشياء متقدما على جسده { فقعوا له } امر من وقع يقع اى اسقطوا له : وبالفارسية [ بس بروى در افتيد ]
وفيه دليل على ان المأمور به ليس مجرد انحناء كما قيل وكذا فى قوله { ساجدين } فان حقيقة السجود وضع الوجه على الارض اى حال كونكم ساجدين لاستحقاقه للخلافة وهذه السجود من باب التحية والتكريم فانه لا يجوز السجود لغير الله على وجه العبادة لا فى هذه الامة ولا فى الامم السابقة وانما شاع بطريق التحية للمتقدمين ثم ابطله الاسلام(12/207)
فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73)
{ فسجد الملائكة } اى فخلقه فسواه فنفخ فيه الروح فسجد له الملائكة خلافة عن الحق تعالى اذ كان متجليا فيه فوقعت هيبته على الملائكة فسجدوا له واول من سجد له اسرافيل ولذلك جوزى بولاية اللوح المحفوظ قاله السهيلى نقلا عن النقاش { كلهم } بحيث لم يبق منهم احد الا سجد { اجمعون } بطريق المعية بحيث لم يتأخر فى ذلك احد منهم عن احد ولا اختصاص لافادة هذا المعنى بالحالية بل يفيده التأكيد ايضا
جون ملك انوار حق دروى بيافت ... درسجود افتاد و درخدمت شتافت(12/208)
إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74)
{ الا ابليس } فانه لم يسجد والاستثناء متصل لانه كان من الملائكة فعلا ومن الجن نوعا ولذلك تناوله امرهم . وكان اسم ابليس قبل ان يبلس من رحمة الله عزازيل والحارث وكنيته ابو كردوس وابو مرة كأنه سئل كيف ترك السجود هل كان ذلك للتأمل والتروى او غير ذلك فقيل { استكبر } [ الاستكبار : كردن كشى كردن ] اى تعظم : وبالفارسية [ بزرك داشت خودرا وفرمان نبرد ] وسببه انه كان اعور فما رأى آثار انوار التجلى على آدم عليه السلام
در محفلى كه خورشيد اندرشمار ذره است خودرا بزرك ديدن شرط ادب نباشد
{ وكان من الكافرين } فى علم الله ازلا بالذات وفى الخارج ابدا باستقباح امر الله ولذا كانت شقاوته ذاتية لا عارضية وسعادته فى البين عارضية لا ذاتية : قال الحافظ
من آن نكين سليمان بهيج نستانم ... كه كاه كاه برودست اهرمن باشد
فالعبرة لما هو بالذات وذلك لا يزول لا لما هو بالعرض اذ ذاك يزول ومن هذا القبيل حال برصيصا وبلعام ونحوهما ممن هو مرزوق البداية ومحروم النهاية فالعصاة كلهم فى خطر المشبئة بل الطائعون لا يدرون بما ذا يختم لهم
قالوا ان الاصرار على المعاصى يجر كثيرا من العصاة الى الموت على الكفر والعياذ بالله تعالى كما جاء فى تفسير قوله تعالى { كان عاقبة الذين اساؤا السوءا ان كذبوا بآيات الله } والاستهزاء بها وذلك هو الكفر اعاذنا الله واياكم منه ومن اسبابه المؤدية اليه واماتنا على ملة الاسلام وجعلنا من المقبولين لديه انه السميع للدعاء فى كل الحضرات والمجيب للرجاء فى كل الحالات(12/209)
قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75)
{ قال } الله تعالى لابليس مشافهة حين امتنع من السجود { يا ابليس } وهذه مشافهة لا تدل على اكرام ابليس اذ يخاطب السيد عبده بطريق الغضب وتمامه فى سورة الحجر { ما } أى شىء { منعك } من { ان تسجد } اى دعاك الى ترك السجود { لما } اى لمن { خلقت بيدىّ } خصصته بخلقى اياه بيدى كرامة له اى خلقته بالذات من غير توسط اب وام فذكر اليد لنفى توهم التحوز اى لتحقيق اضافة خلقه اليه تعالى واسناد اليد الى اب بعد قيام البرهان على تنزهه عن الاعضاء مجاز عن التفرد فى الخلق والايجاد تشبيها لتفرده بالايجاد باختصاص ما عمل الانسان بها والتثنية فى اليد لما فى خلقه من مزيد القدرة واختلاف الفعل فان طينته خمرت اربعين صباحا وكان خلقه مخالفا لسائر ابناء جنسه المتكونة من نطفة الابوين او من نطفة الام مميزا عنه ببديع صنعه تعالى ولقد نظم الحكيم السنائى بعض التأويلات بالفارسية
يد او قدرتست ووجه بقاش ... آمدن حكمش ونزول عطاش
اصبعينش نفاذ حكم قدر ... قدمينش جلال وقهر وخطر
[ ودر بعضى تفسير آمده كه مراد يد قدرت ويد نعمتست ودر فتوحات فرموده كه قدرت ونعمت شاملست همه موجودات را « لانه خلق ابليس بالقدرة التى خلق بها آدم » بس بدين منوال تأويل آدم را هيج شر فى ثابت نشود بس لابداست از آنكه بيدى معنى باشدكه دلالت كند برتشريف آدم عليه السلام بر حمل نسبتين تنزيه وتشبيه كه آدم جامع هر دو صفتست مناسب مى نمايد ]
وفى بحر الحقائق يشير بيدى الى صفتى اللطف والقهر وهما تشتملان على جميع الصفات وما من صفة الا وهى اما من قبيل اللطف واما من قبيل القهر وما من مخلوق من جميع المخلوقات الا وهو اما مظهر صفة اللطف او مظهر صفة القهر كما ان الملك مظهر صفة لطف الحق والشيطان مظهر صفة قهر الحق الا الآدمى فانه خلق مظهر كلتى صفتى اللطف والقهر والعالم بما فيه بعضه مرآة صفة لطفه تعالى وبعضه مرآة صفة قهره تعالى والآدمى مرآة ذاته وصفاته تعالى كما قال { سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق } وبهذه الجامعية كان مستحقا لمسجودية الملائكة [ ودرين معنى كفته اند ]
آمد آيينه جميله ولى ... همجو آيينه نكرده جلى
كشت آدم جلاء اين مرآت ... شدعيان ذات او بجمله صفات
مظهرى كشت كلى وجامع ... سر ذات وصفات از ولامع
والحاصل ان الله تعالى اوجد العالم ذا خوف ورجاء فنخاف غضبه ونرجو رضاه فهذا الخوف والرجاء اثر صفتى الغضب والرضى ووصف تعالى نفسه بانه جميل وذو جلال اى متصف بالصفات الجمالية وهى ما يتعلق باللطف والرحمة ومتصف بالصفات الجلالية وهى ما يتعلق بالقهر والغلبة فاوجدنا على انس وهيبة فالانس من كونه جميلا والهيبة من كونه جليلا وهكذا جميع ما ينسب اليه تعالى ويسمى به من الاسماء المتقابلة كالهداية والاضلال والاعزاز والاذلال وغيرها فانه سبحانه اوجدنا بحيث نتصف بها تارة ويظهر فينا آثارها تارة فعبر عن هذين النوعين المتقابلين من الصفات باليدين لتقابلهما وتصرف الحق بهما فى الاشياء وهاتان اليدان هما اللتان توجهتا من الحق سبحانه على خلق الانسان الكامل لكونه الجامع لحقائق العالم ومفرداته التى هى مظاهر لجميع الاسماء فلهذا السر ثنى الله اليدين .(12/210)
واما الجمع فى قوله { مما عملت ايدينا } فوارد على طريق التعظيم كما هو عادة الملوك وايضا ان العرب تسمى الاثنين جمعا كما فى قوله تعالى { فقد صغت قلوبكما } واما الواحد فى قوله تعالى { يد الله } فباعتبار المبدأ والمآل والله الملك المتعال { أستكبرت } بقطع الالف اصله أاستكبرت ادخلت همزة الاستفهام للتوبيخ والانكار على همزة الوصل فحذفت همزة الوصل استغناء عنها بهمزة الاستفهام وبقيت همزة الاستفهام مفتوحة . والمعنى أتكبرت من غير استحقاق { ام كنت من العالين } المستحقين للتفوق والعلو ويحتمل ان يكون المراد بالعالين الملائكة المهيمين الذين ما امروا بالسجود لآدم لاستغراقهم فى شهود الحق وهم الارواح المجردة كما سبق بيانهم فى سورة الحجر(12/211)
قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76)
{ وبارك فيها } وخصوصا كما فى قوله { ونجيناه ولوطا الى الارض التى باركنا فيها } الآية ونحوها واما النار فلم يخبر انه جعل فيها بركة بل المشهور انها مذهبة للبركات فاين المبارك فى نفسه من المزيل لها
والحادى عشر ان الله تعالى جعل الارض محل بيوته التى يذكر فيها اسمه ويسبح له فيها بالغدو والآصال عموما وبيته الحرام الذى جعله قياما للناس مباركا وهدى للعالمين خصوصا فلو لم يكن فى الارض الا بيته الحرام لكفاها ذلك شرفا وفخرا على النار
والثانى عشر ان الله تعالى اودع فى الارض من المعادن والانهار والعيون والثمرات والحبوب والاقوات واصناف الحيوانات وامتعتها والجبال والرياض والمراكب البهية والصور البهيجة ما لم يودع فى النار شيأ من ذلك فأى روضة وجدت فى النار او جنة او معدن او صورة او عين فوّارة او نهر او ثمرة لذيذة
والثالث عشر ان غاية النار انها وضعت خادمة فى الارض فالنار انما محلها محل الخادم لهذه الاشياء فهى تابعة لها خادمة فقط اذا استغنت عنها طردتها وابعدتها عن قربها واذا احتاجت اليها استدعتها استدعاء المخدوم لخادمه
والرابع عشر ان اللعين لقصور نظره وضعف بصره رأى صورة الطين ترابا ممتزجا بماء فاحتقره ولم يعلم انه مركب من اصلين الماء الذى جعل الله منه كل شىء حى والتراب الذى جعله خزانة المنافع والنعم هذا ولم يتجاوز من الطين الى المنافع وانواع الامتعة فلو تجاوز نظره صورة الطين الى مادته ونهايته لرأى انه خير من النار وافضل ثم لو سلم بطريق الفرض الباطل ان النار خير من الطين لم يلزم من ذلك ان يكون المخلوق منها خيرا من المخلوق من الطين فان القادر على كل شىء يخلق من المادة المفضولة من هو خير من المادة الفاضلة فان الاعتبار بكمال النهاية لا بنقصان المادة فاللعين لم يتجاوز نظره محل المادة ولم يعبر منها الى كمال الصورة ونهاية الخلقة { ودركشف الاسرار فرموده كه آتش سبب فرقتست وخاك وسيله وصلت واز آتش كسستن آيد واز خاك بيوستن آدم كه از خاك بود بييوست تاخلقه { ثم اجتباه ربه } يافت ابليس كه از آتش بودبكسست تافرمان { فاهبط منها } مردود كشت روزى شوريده باسلطان العارفين ابو يزيد كفت جه بودى اكر اين خاك بىك نبودى ابو يزيد بانك بروزدكه اكر اين خاك نبودى آتش عشق افروخته نشدى وسوز سينها وآب ديدها ظاهر نكشتىكه اكر خاك نبودى بوى مهرازل كه وآشناى قرب لم يزل كه بودى ]
اى خاك جه خوش طينت قابل دارى ... كلهاى لطيفست كه در كل دارى
در مخزن كنت كنز هركنج كه بودى ... تسليم توكردندكه در دل دارى
ثم فى الآية اشارة الى ان اهل الدعوى والانكار لا يدركون فضائل الانبياء والاولياء الى ابد الآباد ولا يرون انوار الجمال والجلال عليهم فلا يذوقون حلاوة برد الوصال بل يخاطبون من جانب رب العزة بالطرد والابعاد الى يوم المعاد
مدعى خواست كه آيد بتماشا كه راز ... دست غيب آمد وبرسينه نامحرم زد(12/212)
قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77)
{ قال } الله تعالى بقهره وعزته { فاخرج منها } الفاء لترتيب الامر على مخالفته وتعليلها بالباطل اى فاخرج يا ابليس من الجنة او من زمرة الملائكة وهو المراد بالامر بالهبوط لا الهبوط من السماء كما قال البيضاوى فان وسوسته لآدم كانت بعد هذا الطرد
يقول الفقير عظم جناية ابليس يقتضى هبوطه من السماء الى الارض لا التوقف فيها الى زمان الوسوسة واما امر الوسوسة فيجوز ان يكون بطريق الصعود الى السماء ابتلاء من الله تعالى ودخوله الجنة وهو فى السماء ليس باهون من دخوله وهو فى الارض اذ هو ممنوع من الدخول مطلقا سواء كان فى الارض او فى السماء الا بطريق الامتحان
ثم ان الحكمة الالهية اقتضت ان يخرج ابليس من الخلقة التى كان عليها وينسلخ منها فانه كان يفتخر بخلقته فغير الله خلقته فاسود بعدما كان ابيض وقبح بعدما كان حسنا واظلم بعدما كان نورانيا وكذا حال العصاة مطلقا فانه كما تتغير بواطنهم بسبب العصيان تتغير ظواهرهم ايضا بشؤمه فاذا رأيت احدا منهم بنظر الفراسة والحقيقة وجدت عليه اثر الاسوداد وذلك ان المعصية ظلمة وصاحبها ظلمانى والطاعة نور واهلها نورانى فكل يكتسى بكسوة حال نفسه { فانك رجيم } تعليل للامر بالخروج اى مطرود عن كل خير وكرامة فان من يطرد يرجم بالحجارة اهانة له او شيطان يرجم بالشهب السماوية والى الثانى ذهب بعض اهل الحقائق(12/213)
وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78)
{ وان عليك لعنتى } اى ابعادى عن الرحمة فان اللعن طرد او ابعاد على سبيل السخط وذلك من الله تعالى فى الآخر عقوبة وفى الدنيا انقطاع عن قبول فيضه وتوفيقه ومن الانسان دعاء على غيره وتقييدها بالاضافة مع اطلاقها فى قوله تعالى { وان عليك اللعنة } لما ان لعنة اللاعنين من الملائكة والثقلين ايضا من جهته تعالى وانهم يدعون عليه بلعنة الله وابعاده من الرحمة
يقول الفقير اللعنة المطلقة هى لعنة الله تعالى فمآل الآيتين واحد ويجوز ان يكون المعنى وان عليك لعنتى على ألسنة عبادى يلعنونك { الى يوم الدين } اى يوم الجزاء والعقوبة يعنى ان عليك اللعنة فى الدنيا ولا يلزم من هذا التوقيت انقطاع اللعنة عنه فى الآخرة اذ من كان ملعونا مدة الدنيا ولم يشم رائحة الرحمة فى وقتها كان ملعونا ابديا فى الآخرة ولم يجد اثر الرحمة فيها لكونها ليست وقت الرحمة للكافر وقد علم خلوده فى النار بالنص وكذا لعنه كما قال { فاذن مؤذن بينهم ان لعنة الله على الظالمين } مع ما ينضم اليه من عذاب آخر ينسى عنده اللعنة والعياذ بالله تعالى
قال بعضهم اما طرد ابليس فلعجبه ونظره الى نفسه ليعتبر كل مخلوق بعده قال انا خير منه
ويقال طرده وخذله ترهيبا للملائكة ولبنى آدم كى يحذروا مما لا يرضى الله عنه ويحصل لهم العبرة
اين خوديرا خرج كن اندر خدا ... تانمانى همجو آن ابليس جدا
كن حذر ازسطوت قهاريش ... روبسوى حضرت غفاريش
عبرت بيشينيان كير اى خلف ... تا خلاصى يا بى از قهر وتلف
ومن الله العصمة والتوفيق(12/214)
قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79)
{ قال } ابليس { رب } [ اى بروردكارمن ] { فانظرنى } الانظار الامهال والتأخير والفاء فصيحة اى اذا جعلتنى رجيما فامهلنى ولا تمتنى { الى يوم يبعثون } من قبورهم للجزاء وهو يوم القيامة والمراد آدم وذريته [ والبعث : مرده رازنده كردن ] واراد بدعائه ان يجد فسحة لاغوائهم ويأخذ منهم ثاره وينجو من الموت بالكلية اذ لا موت بعد يوم البعث فلم يجب ولم يوصل الى مراده(12/215)
قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80)
{ قال } الله تعالى { فانك من المنظرين } اى من جملة الذين اخرت آجالهم ازلا بحسب الحكمة كالملائكة ونحوهم(12/216)
إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81)
{ الى يوم الوقت المعلوم } الذين قدره الله وعينه لفناء الخلائق وهو وقت النفخة الاولى لا الى وقت البعث الذى هو المسئول
قال فى اكام المرجان ظاهر القرآن يدل على ان ابليس غير مخصوص بالانظار واما ولده وقبيله فلم يقم دليل على انهم منظرون معه
وقال بعضهم الشياطين يتوالدون ولا يموتون الى وقت النفخة الاولى بخلاف الجن فانهم يتوالدون ويموتون ويحتمل ان بعض الجن ايضا منظرون كما ان بعض الانس كالخضر عليه السلام كذلك
وفيه ان الظاهر ان يموت الخضر وامثاله حين يموت المؤمنون ولا يبقى منهم احد وذلك قبل الساعة بكثير من الزمان ثم ان قوله تعالى { فانك } الخ اخبار من الله تعالى بالانظار المقدر ازلا لا انشاء لانظار خاص به قد وقع اجابة لدعائه وكان استنظاره طلبا لتأخير الموت لا لتأخير العقوبة هكذا فى الارشاد
يقول الفقير لا شك ان الله تعالى استجاب دعاء ابليس ليكون طول بقائه فى الدنيا اجرا له فى مقابلة طول عبادته قبل لعنه ودعاء الكافر مستجاب فى امور الدنيا فلا مانع ان يكون انظاره بطريق الانشاء يدل عليه ترتيبه على دعاءه الحادث وذلك لا يمنع كونه من المنظرين ازلا لان كل امر حادث فى جانب الابد فهو مبنى على امر قديم فى الازل ألا ترى ان كفره بانشاء استقباح امر الله تعالى مبنى على كفره الازلى فى علم الله تعالى ثم لا مانع ان يكون الاستنظار لطلب تأخير الموت وتأخير العقوبة جميعا لان اللعن من موجبات العقوبة فطلب الانظار خوفا من العذاب المعجل ولما حصل مراده صرح بالاغواء لاجل الانتقام لان آدم هو الذى كان سبب لعنه
وفى الآية اشارة الى ان من ابعده الحق وطرده قلب عليه احواله حتى يجر الى نفسه اسباب الشقاوة كما دعا ابليس ربه وسأله الانظار من كمال شقاوته ليزداد الى يوم القيامة اثمه الذى هو سبب عقوبته واغتر بالمدة الطويلة ولم يعلم ان ما هو آت قريب [ عمر اكرجه دراز بود جون مرك رونمود ازان درازى جه سود نوح عليه السلام هزار سال درجهان بسربرده است امروز جند هزار سالست كه مرده است
دريغا كه بكذشت عمر عزيز ... بخواهد كذشت اين دم جندنيز
فانظره الله تعالى واجابه اذ سأله بربوبيته ليعلم ان كل من سأله باسم الرب فانه يجيبه كما اجاب ابليس وكما اجاب آدم عليه السلام اذ قال { ربنا ظلمنا انفسنا } فاجابه { وتاب عليه وهدى }(12/217)
قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)
{ قال } ابليس عليه ما يستحق { فبعزتك } الباء للقسم اى فاقسم بعزتك اى بقهرك وسلطانك وبالفارسية بغالبيت وقهر توسوكند ولا ينافيه قوله تعالى حكاية فيما اغويتنى لان اغواء اياه اثر من آثار قدرته وعزته وحكم من احكام قهره وسلطنته ولهذه النكتة الخفية ورد الحلف بالعزة مع أن الصفات اللائقة للحلف كثير وفى التأويلات النجمية ثم ابليس لتمام شقاوت قال فبعزتك الخ ولو عرف عزته لما اقسم بها على مخالفته { لأغوينهم اجمعين } لأحملنهم على الغى وهو ضد الرشد ولأكونن سببا لغوايتهم اى ذرية آدم بتزيين المعاصى لهم وادخال الشكوك والشبهات فيهم والاغواء بالفارسية كمراه كردن . ثم صدق حيث استثنى فقال(12/218)
إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)
{ الا عبادك منهم المخلصين } اى عبادك المخلصين من ذرية آدم وهم الذين اخلصهم الله تعالى لطاعته وعصمهم من الغواية وقرىء بالكسر على صيغة الفاعل اى الذين اخلصوا قلوبهم واعمالهم لله تعالى من غير شائبة الرياء وفى التأويلات النجمية ثم لعجزه وعزة عباد الله قال الا عبادك منهم المخلصون فى عبوديتك انتهى قال بعضهم العبد المخلص هو الذى يكون سره بينه وبين ربه بحيث لا يعلمه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده ولا هوى فيميله ثم لا شك أن من العباد عبادا اذا رأى الشيطان اثر سلطنة ولايتهم وعزة احوالهم يذوب كما يذوب الملح فى الاناء ولا يبقى له حيل ولا يطيق ان يمكر بهم بل ينسى فى رؤيتهم جميع مكرياته ولا يطيق ان يرمى اليهم من اسهم وسوسته بل مكره محيط به لا باهل الحق وهكذا حال ورثة الشيطان من المنكرين المفسدين مع اهل الله تعالى فانهم محفوظون عما سوى الله تعالى مطلقا(12/219)
قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84)
{ قال } الله تعالى { فالحق } بالرفع على انه مبتدأ محذوف الخبر اى فالحق قسمى على ان الحق اما اسمه تعالى كما فى قوله تعالى ان الله هو الحق المبين او نقيض الباطل عظمه الله تعالى باقسامه به ويحتمل ان يكون التقدير فالحق منى كما قال الحق من ربك { والحق اقول } بالنصب على انه مفعول لأن قوله قدم عليه للقصر اى لا اقول الا الحق { لأملأن جهنم منك } اى من جنسك من الشيطان { وممن تبعك } فى الغواية والضلال بسوء اختياره { منهم } اى من ذرية آدم { اجمعين } تأكيد للكاف وما عطف عليه اى لأملأنها من المتبوعين والاتباع اجمعين لا اترك احدا منهم وفى التأويلات النجمية ولما كان تجاسره فى مخاطبته الحق حيث اصر على الخلاف واقسم عليه اقبح واولى فى استحقاق اللعنة من امتناعه للسجود لآدم قال فالحق الخ انتهى فعلى العاقل ان يتأدب بالآداب الحسنة قولا وفعلا ولا يتجاسر على الله تعالى اصلا ولا يتبع خطوات الشيطان حتى لا يرد معه النار وعن ابى موسى الاشعرى قال اذا اصبح ابليس بث جنوده فيقول من اضل مسلما ألبسته التاج قال فيقول له القائل لم ازل بفلان حتى طلق امرأته قال يوشك أن يتزوج ويقول الآخر لم ازل بفلان حتى عق اى عصى والديه او أحدهما قال يوشك ان يبر قال فيقول القائل لم ازل بفلان حتى شرب قال انت اى انت فعلت شيأ عظيما ارضى عنه قال ويقول الآخر لم ازل بفلان حتى زنى فيقول انت قال ويقول الآخر لم ازل بفلان حتى قتل فيقول انت انت اى انت صنعت شيأ اعظم وحصلت غاية امنيتى وكمال رضاى وذلك لان وعيد القتل اشد واعظم كما قال تعالى ومن قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له الخ فلذلك كرر انت اشارت الى كمال رضاه عنه وعن بعض الاشياخ انه قال الشيطان اشد بكاء على المؤمن اذا مات لما فاته من افتنانه اياه فى الدنيا ويقال لما انظر الله ابليس واهبطه الى الارض اعطاه منشور الدنيا فاول نظرة منه وقعت على الجبال فمن شؤمه من ذلك الوقت لا تحتمل الماء للاحجار بل يرسلها الى اسفله ومن كان على دينه لا يبقى على الصراط ما لم ينته الى اسفل السافلين فيا خسارة من كان انسانا دخل النار معه(12/220)
لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85)
{ قل } يا محمد للمشركين { ما اسألكم } نميخواهيم از شما { عليه } اى على لقرءآن الذى اتيتكم به او على تبليغ الوحى واداء الرسالة { من اجر } من مال دنيويى ولكن اعلمكم بغير اجر وذلك لان من شرط العبودية الخالصة ان لا يراد عليها الجزاء ولا الشكور فمن قطع رأس كافر فى دار الحرب او اسره واحضره عند رئيس العسكر ليعطى له مالا فقد فعله للأجر لا لله تعالى وعلى هذه جميع ما يتعلق به الاغراض الفاسدة
فرادا كه بيشكاه حقيقت شود بديد ... شرمنده رهروى كه عمل برمجاز كرد
{ وما انا من المتكلفين } اى المتصنعين بما ليسوا من اهله على ما عرفتم من حالى حتى انتحل النبوة اى ادعيها لنفسى كاذبا واتقول القرءآن من تلقاء نفسى وبالفارسية ومن ييستم از جماعتى كه بتصنع ازخود جيزى ظاهر كنند وبر سازند كه ندارند
وحاصله ما جئتكم باختيارى دون ان ارسلت اليكم فكل من قال شيأ من تلقاء نفسه فقد تكلف له والتكلف فى الاصل التعسف فى طلب الشىء الذى لا يقتضيه الالعقل وفى تاج المصادر التكلف رنج جيزى بكشيدن واز خويشتن جيزى نمودن كه آن نباشد
والمتكلف المتعرض لما لا يعينه انتهى وفى المفردات تكلف الشى ما يفعله الانسان باظهار كلفة مع مشقة تناله فى تعاطيه وصارت الكلفة فى التعاريف اسما للمشتقة والتكلف اسم لما يفعل بمشقة او بتصنع او تشبع ولذلك صار التكليف ضربين محمودا وهو ما يتحراه الانسان ليتوصل به الى أن يصير الفعل الذى يتعاطاه سهلا عليه ويصير كلف به ومحبا له وبهذا النظر استعمل التكليف فى تكليف العبادات والثانى ما يكون مذموما واياه عنى بقوله وما انا من المتكلفين وصح فى الحديث النهى عن التكلف كما قال عليه السلام انا بريىء من المتكلف وصالحوا امتى وفى حديث آخر أنا والاتقياء من امتى برأ آء من التكلف وكذ صح عن رسول الله عليه السلام النهى عن السجع فى الدعاء لانه من باب التكلف والتصنع ومن هذا قال اهل الحقائق لا يعين للصلاة شيأ من القرءآن بل يقرأ اول ما يقرع خاطره فى اول الركعة فانه المسلك الذى اختار الله تعالى له وعنه عليه السلام للمتكلف ثلاث علامات ينازع من فوقه يعنى يكى آنكه نزاع كند باكسى كه برترازوست ويتعاطى مالا ينال يعنى دوم آنكه ميخواهد كه فرا كيرد آنجه يافتن آن نه مقدور اوست ويقول ما لم يعلم يعنى سوم آنكه كويد جيزى كه نداند قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه يا ايها الناس من علم شيأ فليقل ومن لم يعلم فليقل الله اعلم فان من العلم ان تقول لما لا تعلم الله اعلم فانه تعالى قال لنبيه عليه السلام { وما انا من المتكلفين } وفى الحديث « من افتى بغير علم لعنته ملائكة السموات والارض »(12/221)
قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)
{ ان هو } اى ما هو : يعنى [ نيست اين كه من آوردم ازخدا ] يعنى القرآن والرسالة { الا ذكر } اى عظة من الله تعالى وايضا شرف وذكر باق { للعالمين } للثقلين كافة(12/222)
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87)
{ ولتعلمن } ايها المشركون { نبأه } اى ما انبأ القرآن به من الوعد والوعيد وغيرهما او صحة خبره وانه الحق والصدق { بعد حين } بعد الموت او يوم القيامة حين لا ينفع العلم وفيه تهديد
قال فى المفردات الحين وقت بلوغ الشىء وحصوله وهو مبهم المعنى ويتخصص بالمضاف اليه نحو { ولات حين مناص } ومن قال حين على اوجه للاجل نحو { ومتعناهم الى حين } وللسنة نحو { تؤتى اكلها كل حين } وللساعة نحو { حين تمسون } وللزمان المطلق نحو { هل اتى على الانسان حين من الدهر } { ولتعلمن نبأه بعد حين } فانما فسر ذلك بحسب ما وجده وقد علق به انتهى
قال الحسن ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين فينبغى للمؤمن ان يكون بحيث لو كشف الغطاء ما ازداد يقينا ومن كلام سيدنا على رضى الله عنه لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا
حال وخلد و جحيم دانستم ... بيقين آنجنانكه مى بايد
كرحجاب از ميانه بر كيرند ... آن يقين ذره نيفزايد
[ معنى اين كلمه آنست كه داردنيا سراى حجابست واحوال آخرت مرا يقين كشته است ازحشر ونشر وثواب وعقاب ونعيم وجحيم وغير آن بس اكر حجاب بردارند تا آن جمله را مشاهده كنم يك ذره در يقين من زيادت نشود كه علم اليقين من امروز جو عين اليقين منست درفردا ] واخبر القرآن ان الكفار يؤمنون بعد الموت بالقرآن وبما اخبر به ولكن لا يقبل ايمانهم
وسئل ابو القاسم الحكيم فقيل له العاصى يتوب من عصيانه ام كافر يرجع من الكفر الى الايمان فقال بل عاص يتوب من عصيانه لان الكافر فى حال كفره اجنبى والعاصى فى حال عصيانه عارف بربه والكافر اذا اسلم ينتقل من درجة الاجانب الى درجة المعارف والعاصى اذا تاب ينتقل من درجة المعارف الى درجة الاحباء فلا بد من التوبة والتوجه الى الله تعالى قبل الموت حتى يزول التهديد والوعيد ويظهر الوعد والتأييد ويحصل الانبساط فى جميع المواطن وينصب الفيض فى الظاهر والباطن بلطفه تعالى وكرمه(12/223)
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)
{ تنزيل الكتاب } اى القرآن وخصوصا منه هذه السورة الشريفة وهو مبتدأ خبره قوله { من الله العزيز الحكيم } لا من غيره كما يقول المشركون ان محمدا تقوّله من تلقاء نفسه
وقيل معناه تنزيل الكتاب من الله فاستمعوا له واعملوا به فهو كتاب عزيز نزل من رب عزيز على عبد عزيز بلسان ملك عزيز فى شأن امة عزيزة والتعرض لوصفى العزة والحكمة للايذان بظهور اثريهما فى الكتاب بجريان احكامه ونفاذ اوامره ونواهيه من غير مافع ولا ممانع وبابتناء جميع ما فيه على اساس الحكم الباهرة
وقال الكاشفى { العزيز } [ خداوند غالب در تقدير { الحكيم } دانا است در تدبير ]
وفى فتح الرحمن العزيز فى قدرته الحكيم فى ابداعه(12/224)
إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2)
{ انا انزلنا اليك الكتاب بالحق } شروع فى بيان شأن المنزل اليه وما يجب عليه اثر بيان شأن المنزل وكونه من عند الله فلا تكرار فى اظهار الكتاب فى موضع الاضمار لتعظيمه ومزيد الاعتناء بشأنه . والباء اما متعلقة بالانزال اى بسبب الحق واثباته واظهاره واما بمحذوف هو حال من نون العظمة اى انزلناه اليك حال كوننا محقين فى ذلك او حال من الكتاب اى انزلناه حال كونه ملتبسا بالحق والصواب اى كل ما فيه حق لا ريب فيه موجب للعمل حتما
وفى التأويلات النجمية اى من الحق نزل وبالحق نزل وعلى الحق نزل
قال فى برهان القرآن كل موضع خاطب الله النبى عليه السلام بقوله { انا انزلنا اليك } ففيه تكليف واذا خاطبه بقوله { انزلنا عليك } ففيه تخفيف ألا ترى الى ما فى اول السورة اليك فكلفه الاخلاص فى العبودية والى ما فى آخرها عليك فختم الآية بقوله { وما انت عليهم بوكيل } اى لست بمسئول عنهم فخفف عنه ذلك { فاعبد الله } حال كونك { مخلصا له الدين } الاخلاص ان يقصد العبد بنيته وعمله الى خالقه لا يجعل ذلك لغرض من الاغراض اى ممحضا له الطاعة من شوائب الشرك والرياء فان الدين الطاعة كما فى الجلالين وغيره
قال فى عرائس البيان امر حبيبه عليه السلام بان يعبده بنعت ان لا يرى نفسه فى عبوديته ولا الكون واهله ولا يتجاوز عن حد العبودية فى مشاهدة الربوبية فاذا سقط عن العبد حظوظه من العرش الى الثرى فقد سلك مسلك العبودية الخالصة
كر نباشد نيت خالص جه حاصل از عمل ... قال بعض الكبار العبادة الخالصة معانقة الامر على غاية الخضوع . وتكون بالنفس فاخلاصها فيها التباعد عن الانتقاص . وبالقلب فاخلاصه فيها العمى عن رؤية الاشخاص . وبالروح فاخلاصه فيها التنقى عن طلب الاختصاص واهل هذه العبادة موجود فى كل عصر لما قال عليه السلام « لا يزال الله يغرس فى هذا الدين غرسا يستعملهم فى طاعته »
قال الكاشفى [ مخاطب حضرتست ومراد امت است كه مأمورند بآنكه طاعت خودرا ازشرك وريا خالص سازند ]
وفى كشف الاسرار [ فرموده رسول خدا عليه السلام باين خطاب جنان ادب كرفت كه جبريلآمد وكفت « يا محمد أتختار ان تكون ملكا نبيا او عبدا نبيا » كفت خداوندا بندكى خواهم وملكى نخواهم ملكى تراملسم است وبندكى مارا مسلم اكر ملك اختيار كنم با ملك بمانم وآنكه افتخار من بملك باشد ليكن بندكى اختيار كنم تامملوك تو باشم وافتخار من بملك تو باشد ازينجا كفت ( انا سيد ولد آدم ولا فخر ) يعنى مارا بهيج جيز فخرنيست فخر ما بخالقست زيراكه برماكس نيست جزاو اكر بغيراو فخركنم بغيراو نكرسته باشم وفرمان { فاعبد الله مخلصا } بكذاشته باشم وبكذاشته فرمان نيست وبغيراو نكرستن شرط نيست لاجرم بغيراو فخرنيست ] قال الحافظ
كدايىء درجانا بسلطنت مفروش ... كسى زسايه اين در بآفتاب رود(12/225)
أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)
{ الا } بدانيدكه { لله } اى من حقه وواجباته { الدين الخالص } من الشرك اى الا هو الذى يجب أن يخص باخلاص الطاعة له يعنى او سزاوار آنست كه طاعت او خالص
باشد لتفرده بصفات الالوهية واطلاعه على الغيوب والاسرار وخلوص نعمته عن استجرار النفع وفى الكواشى ألا لله الدين الخالص من الهوى والشك والشرك فيتقرب به اليه رحمة لا ان له حاجة الى اخلاص عبادته وفى التأويلات النجمية الدين الخالص ما يكون جملته لله وما للعبد فيه نصيب والمخلص من خلصه الله من حبس الوجود بجوده لا بجهده وعن الحسن الدين الخالص الاسلام لان غيره من الاديان ليس بخالص من الشرك فليس بدين الله الذى امر به فالله تعالى لا يقبل الا دين الاسلام وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال قلت يا رسول الله انى اتصدق بالشىء واضع الشىء اريد به وجه الله وثناء الناس فقال عليه السلام والذى نفس محمد بيده لا يقبل الله شيأ شورك فيه ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا لله الدين الخالص وقال عليه السلام قال الله سبحانه من عمل لى عملا اشرك فيه معى غيرى فهو له كله وانا بريىء منه وانا اغنى الاغنياء عن الشرك وقال عليه السلام لا يقبل الله عملا فيه مقدار ذرة من رياء
زعمرو اى بسر جشم اجرت مدار ... جو درخانه زيد باشى بكار
سزاى الله تعالى عبادت باكست بى نفاق وطاعت خالصه بن ريا و كوهر اخلاص كه يابنددر صدق دل يابند يادر درياى سينه واز انيجاست كه حذيقه كويد رضى الله عنه ازان مهتر كائنات عليه السلام بر سيدم كه اخلاص جيست كفت از جبريل برسيدم كه اخلاص جيست كفت از رب العزة بر سيدم كه اخلاص جيست كفت سر من اسرارى استودعته قلب من احببت من عبادى كفت كوهرست از خزينه اسرار خويش بيرون آوردم ودرسو يداى دل دوستان خويش و ديعت نهادم اين اخلاص نتيجه دوستى است و اثر بندكى هركه لباس محبت بوشيد و خلعت بندكى برافكند هركاركه كند ازميان دل كند دوستى حق تعالى بآ رزوهاى برا كنده دريك دل جمع نشود و فريضه تن نماز و روزه است و فريضه دل دوستى حق نشان دوستى آنست كه هر مكروه طبيعت و نهادكه
از دوست بتوآيد بر ديده نهى ... ولو بيدالحبيب سقيت سما
لكان السم من يده يطيب ... زهرى كه بيادتو خروم نوش آيد
ديوانه ترابيند وباهوش آيد ... آن دل كه توسوختى ترا شكركند
وآن خون كه توريختى بتو فخر كند { والذين } عبارة عن المشركين { اتخذوا } يعنى عبدوا { من دونه } اى حال كونهم مجاوزين الله وعبادته { اولياء } اربابا اوثانا كالملائكة وعيسى وعزير والاصنام لم يخلصوا العبادة لله تعالى بل شابوها بعبادة غيره حال كونهم قائلين { ما نعبدهم } اى الاولياء لشىء من الاشياء { الا ليقربونا الى الله زلفى } اى تقريبا فهو مصدر مؤكد على غير لفظ المصدر ملاقٍ له فى المعنى وكانوا اذا سئلوا عمن خلق السموات والارض قالوا الله فاذا قيل لهم لم تعبدون الاصنام قالوا انما نعبدهم ليقربونا الى الله ( وفى تفسير الكاشفى ) درخواست كنند تا بشفاعت ايشان ميزلت يابيم(12/226)
وذكر الشيخ عبد الوهاب الشعرانى أن اصل وضع الاصنام انما كان من قوة التنزيه من العلماء الاقدمين فانهم نزهوا الله عن كل شىء وامروا بذلك عامتهم فلما رأوا ان بعض عامتهم صرح بالتعطيل وضعوا لهم الاصنام وكسوها الديباج والحلى والجواهر وعظموها بالسجود وغيره ليتذكروا بها الحق الذى غاب عن عقولهم وغاب عن اولئك العلماء ان ذلك لا يجوز الا باذن من لله تعالى { ان الله } الخ خبر للموصول { يحكم بينهم } اى بين المتخذين بالكسر غير الخملصين وبين خصمائهم المخلصين للدين وقد حذف لدلالة الحال عليه { فيما هم فيه يختلفون } من الدين الذى اختلفوا فيه بالتوحيد والاشراك وادعى كل فريق صحة ما انتحله وحكمه تعالى فى ذلك ادخال الموحدين الجنة والمشركين النار فالضمير للفريقين { ان الله لا يهدى } لا يوفق الى الاهتدآء الى الحق الذى هو طريق النجاة من المكروه والفوز بالمطلوب { من هو كاذب كفار } اى راسخ فى الكذب مبالغ فى الكفر كما يعرب عنه قرآءة كذاب وكذوب فانهما فاقدان للبصيرة غير قابلين للاهتداء لتغيير هما الفطرة اصلية بالتمرن فى الضلالة والتمادى فى الغى قال فى الوسيط هذا فيمن سبق عليه القضاء بحرمان الهداية فلا يهتدى الى الصدق والايمان البتة ( قال الحافظ )
كرجان بدهد سنك سيه لعل نكردده ... باطينت اصلى جه كند بد كهر افتاد
وكذبهم قولهم فى بعض اوليائهم بنات الله وولده وقولهم ان الآلهة تشفع لهم وتقربهم الى الله وكفرهم عبادتهم تلك الاولياء وكفرانهم النعمة بنسيان المنعم الحقيقى وفى التأويلات النجمية ان الانسان مجبول على معرفة صانعه وصانع العالم ومقتضى طبعه عبادة صانعه والتقرب اليه من خصوصية فطرة الله التى فطر الناس عليها ولكن لا عبرة بالمعرفة الفطرية والعبادة الطبيعية لانها مشوبة بالشركة لغير الله ولانها تصدر من نشاط النفس واتباع هواها وانما تعتبر المعرفة الصادرة عن التوحيد الخالص ومن اماراتها قبول دعوة الانبياء والايمان بهم وبما انزل عليهم من الكتب ومخالفة الهوى والعبادة على وفق الشرق لا على وفق الطبع والتقرب الى الله باداء ما افترض الله عليهم ونافلة قد استن النبى صلى الله عليه وسلم بها او بمثلها فانه كان من طبع ابليس السجود لله ولما امر بالسود على خلاف طبعه ابى واستكبر وكان من الكافرين بعد ار كان من الملائكة المقربين وكذلك حال الفلاسفة ممن لا يتابع الانبياء منهم ويدعى معرفة الله ويتقرب الى الله بانواع العلوم واصناف الطاعات والعبادات بالطبع لا بالشرع ومتابعة الهوى لا بامر المولى فيكون حاصل امره ما قال تعالى وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا فاليوم كل مدع يدعى حقيقة ما عنده من لدين والمذهب على اختلاف طبقاتهم فالله تعالى يحكم بينهم فى الدار الآخرة اما فى الدنيا فيحق الحق باتساع صدور اهل الحق بنور الاسلام وبكتابة الايمان فى قلوبهم وتأييدهم بروح منه وكشف شواهد الحق عن اسرارهم وبتجلى صفات جماله وجلاله لارواحهم ويبطل الباطل بتضييق صدور اهل الاهواء والبدع وقسوة قلوبهم وعمى اسرارهم وبصائرهم وغشاوة ارواحهم بالحجب .(12/227)
واما فى الآخرة فبتبييض وجوه اهل الحق واعطاء كتابهم باليمين وتثقيل موازينهم وجوازهم على الصراط وسعى نورهم بين ايديهم وايمانهم ودخول الجنة ورفعتهم فى الدرجات وبتسويد وجوه اهل الباطل وايتاء كتبهم بالشمال ومن وراء ظهورهم وتخفيف موازينهم وزلة اقدامهم عن الصراط ودخول النار ونزولهم فى الدركات وبقوله { ان الله لا يهدى من هو كاذب كفار } يشير الى تهديد من يتعرض لغير مقامه ويدعى رتبة ليس بصادق فيها فالله لا يهديه قط الى ما فيه سداده ورشده وعقوبته ان يحرمه تلك الرتبة التى تصدى لها بدعواه قبل تحققه بوجودها : قال الحافظ
كرانكشت سليمانى نباشد ... جه خاصيت دهد نقش نكينى
خدا زان خرقه بيزارست صدبار ... كه صد بت ماندش درآستينى
ومن الله العصمة من الدعوى قبل التحقق بحقيقة الحال وهو المنعم المتعال(12/228)
لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4)
{ لو اراد الله ان يتخذ ولدا } كما زعم المشركون بان الله تعالى اتخذ ولدا { لاصطفى } لاتخذ واختار { مما يخلق } اى من جنس مخلوقاته { ما يشاء } ولم يخص مريم ولا عيسى ولا عزيرا بذلك ولخلق جنسا آخر اعز واكرم مما خلق واتخذه ولدا لكنه لا يفعله لامتناعه والممتنع لا تتعلق به القدرة والارادة وانما امره اصطفاء من شاء من عباه وتقريبهم منه وقد فعل ذلك بالملاكة وبعض الناس كما قال الله تعالى { الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس } ولذا وضع الاصطفاء مكان الاتخاذ
وقال بعضهم معناه لو اتخذ من خلقه ولدا لم يتخذه باختيارهم بل يصطفى من خلقه من يشاء
وقال الكاشفى { هرآينه اختيار كردىز آنجه مى آفريند آنجه خواستى از اعز اشيا واحسن آن واكمل كه بنون اند نه از نقص كه بتانند اما مخلوق مماثل خالق نيست وميان والد ومولود مجانست شرط است بس اورا فرزند نبود ] { سبحانه } مصدر من سبح اذا بعد اى تنزه تعالى بالذات عن ذلك الاتخاذ وعما نسبوا اليه من الاولاد والاولياء وعلم للتسبيح مقول على ألسنة العباد اى اسبحه تسبيحا لائقا به او سبحوه تسبيحا حقيقا بشانه { هو } مبتدأ خبره قوله { الله } المتصف بالالوهية { الواحد } الذى لا ثانى له والولد ثانى والده وجنسه وشبه
وفى بحر العلوم واحد اى موجود جل عن التركيب والمماثلة ذاتا وصفة فلا يكون له ولد لانه يماثل الوالد فى الذات والصفات { القهار } الذى بقهاريته لا يقبل الجنس والشبه بنوع ما
وفى الارشاد قهار لكل الكائنات كيف يتصور ان يتخذ من الاشياء الفانية ما يقوم مقامه(12/229)
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)
{ خلق السموات والارض } وما بينهما من الموجودات حال كونها ملتبسة { بالحق } والصواب مشتملة على الحكم والمصالح لا باطلا وعبثا
قال الكاشفى [ بيافريد آسمان وزمين را براستى نه بباطل وبازى بلكه در آفرينش هريك ازان صدهزار آثار قدرت واطوار حكمت است نعيمه تاديده وران از روى اعتبار ارقام معرفت آفريد كار بر صفحات آن دلائل مطالعه نمايند ]
نوشته است براوراق آسمان وزمين خطى كه فاعتبروا منه يا اولى الابصار
{ يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل }
قال فى تاج المصادر تكوير الليل على النهار تغشيته اياه ويقال زيادته من هذا فى ذاك كما قال الراغب فى المفردات تكوير الشىء ادارته وضم بعضه الى بعض ككور العمامة وقوله تعالى { يكور الليل } الخ اشارة الى جريان الشمس فى مطالعها وانتقاص الليل والنهار وازديادهما انتهى . والمعنى يغشى كل واحد منهما الآخر كأنه يلفه عليه لف اللباس على اللابس : وبالفارسية [ بر مىبيجد ودر مى آرد شب را بروز وبه برده ظلمت آن نور اين مىبوشد ودر مىآرد روز را برشب وشعله روشنىء آن تاريكى اين را مختفى مىسازد ] وذلك ان النور والظلمة عسكران مهيبان عظيمان وفى كل يوم يغلب هذا ذاك كما فى الكبير او يغيب كل واحد منهما بالآخر كما يغيب الملفوف باللفافة عن مطامح الابصار او يجعل كارّا عليه كرورا متتابع تتابع اكوار العمامة بعضها على بعض { وسخر الشمس والقمر } جعلهما منقادين لامره تعالى { كل } منهما { يجرى } يسير فى بروجه { لاجل مسمى } لمدة معينة هى منتهى دورته فى كل يوم او شهر او منقطع حركته اى وقت انقطاع سيره وهو يوم القيامة وانما ذلك لمنافع بنى آدم وفى الحديث « وكل بالشمس سبعة املاك يرمونها بالثلج ولولا ذلك ما اصابت شيأ الا احرقته » [ وكفته اند ستاركان آسمان دو قسم اندقسمى بر آفتاب كذر كنند وازوى روشنايى كيرند وقسمى آفتاب بر ايشان كذر كند وايشانرا روشنايى دهد از روى اشارت ميكويد مؤمنان دو كروهند كروهى بدركاه شوند بجد واجتهاد تا نور هدايت يابند ] كما قال تعالى { والذين جاهدا فينا لنهدينهم سبلنا } [ وكروهى آنند كه عنايت ازلى بر ايشان كذر كند وايشانرا نور معرفت دهد ] كما قال تعالى { أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه } { ألا } اعلموا { هو } وحده { العزيز } الغالب القادر على كل شىء فيقدر على عقاب العصاة { الغفار } المبالغ فى المغفرة ولذلك لا يعاجل بالعقوبة وسلب ما فى هذه الصنائع البديعة من آثار الرحمة وعموم المنفعة : وبالفارسية [ سلب اين نعمتها نمى كند از آدميان با وجود وقوع شرك ومعصيت از ايشان ]
قال الامام الغزالى رحمه الله الغفار هو الذى اظهر الجميل وستر القبيح والذنوب من جملة القبائح التى سترها باسبال الستر عليها فى الدنيا والتجاوز عن عقوبتها فى الآخرة
والغفر هو الستر .(12/230)
واول ستره على عبده ان جعل مقابح بدنه التى تستقبحها الاعين مستورة فى باطنه مغطاة بجمال ظاهره فكم بين باطن العبد وظاهره فى النظافة والقذارة وفى القبح والجمال فانظر ما الذى اظهره وما الذى ستره . وستره الثانى ان جعل مستقر خواطره المذمومة وارادته القبيحة سر قلبه حتى لا يطلع احد على سر قلبه ولو انكشف للخلق ما يخطر بباله فى مجارى وسواسه وما ينطوى عليه ضميره من الغش والخيانة وسوء الظن بالناس لمقتوه بل سعوا فى تلف روحه واهلاكه فانظر كيف ستر عن غيره اسراره وعوارفه . والثالث مغفرة ذنوبه التى كان يستحق الافتضاح بها على ملأ من الخلق وقد وعد ان يبدل من سيآته حسنات ليستر مقابح ذنوبه بثواب حسناته اذا مات على الايمان
وحظ العبد من هذا الاسم ان يستر من غيره ما يحب ان يستر منه وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم من ستر على مؤمن عورته ستر الله عورته يوم القيامة والمغتاب والمتجسس والمكافىء على الاساءة بمعزل وعن هذا الوصف وانما المتصف به من لا يفشى من خلق الله الا احسن ما فيهم ولا ينفك مخلوق عن كمال ونقص وعن قبح وحسن فمن تغافل عن المقابح وذكر المحاسن فهو ذو نصيب من هذا الاسم والوصف كما روى عن عيسى عليه السلام أنه مر مع الحواريين بكلب ميت قد غلب نتنه فقالوا ما انتن هذه الجيفة فقال عيسى عليه السلام ما احسن بياض اسنانها تنبيها على ان الذى ينبغى ان يذكر من كل شىء ما هو احسنه ( قال الشيخ سعدى )
مكن عيب حلق اى خردمند فاش ... بعيب خود از خلق مشغول باش
جو باطل سرايند نكمار كوش ... جوبى ستر بينى نظر را بيوش(12/231)
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)
{ خلقكم } اى الله تعالى ايها الناس جميعا { من نفس واحدة } هى نفس آدم عليه السلام { ثم جعل منها } اى خلق من جنس تلك النفس واحدة او من قصيراها وهى الضلع التى تلى الخاصرة او هى آخر الاضلاع وبالفارسية ازاستخوان بهلوىجب او { زوجها } حوآء عليها السلام وثم عطف على محذوف هو صفة لنفس اى من نفس واحدة خلقها ثم جعل منها زوجها فشفعها وذلك فان ظاهر الآية يفيد ان خلق حوآء بعد خلق ذرية آدم وليس كذلك وفيه اشارة الى أن الله تعالى خلق الانسان من نفس واحدة هى الروح وخلق منها زوجها وهو القلب فانه خلق من الروح كما خلقت حوآء من ضلع آدم عليه السلام فالله تعالى متفرد بهذا الخلق مطلقا فينبغى ان يعرف ويعبد بلا اشراك { وانزل لكم } اى قضى وقسم لكم فان قضاياه تعالى وقسمه توصف بالنزول من السماء حيث تكتب فى اللوح المحفوظ او احدث لكم وانشأ باسباب نازلة من السماء كالامطار واشعة الكواكب وهذا كقوله قد انزلنا عليكم لباسا ولم ينزل اللباس نفسه ولكن انزل الماء الذى هو سبب القطن والصوف واللباس مهما { من الانعام } از جهار بايان { ثمانية ازواج } ذكرا وانثى هى الابل والبقر والضأن والمعز والانعام جمع نعم بفتحتين وهى جماعة الابل فى الاصل لا واحد لها من لفظها قال ابن الشيخ فى اول المائدة الانعام مخصوص بالانواع الاربعة وهى الابل والبقر والضأن والمعز ويقال لها الازواج الثمانية لان ذكر كل واحد من هذه الانواع زوج بانثاه وانثاه زوج بذكره فيكون مجموع الازواج ثمانية بهذا الاعتبار من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين والخيل والبغال والحمير خارجة من الانعام قال فى بحر العلوم الواحد اذا كان وحده فهو فرد واذا كان معه غيره من جنسه سمى كل واحد منهما زوجا فهى زوجان بدليل قوله تعالى خلق الزوجين الذكر والانثى وعند الحساب الزوج خلاف الفرد كالاربعة والثمانية فى خلاف الثلاثة والسبعة وخصصت هذه الانواع الاربعة بالذكر لكثرة الانتفاع بها من اللحم والجلد والشعر والوبر وفى التأويلات النجمية وانزل لكم من الانعام ثمانية ازوج اى خلق فيكم من صفات الانعام ثمانى صفات وهى الاكل والشرب والتغوط والتبول والشهوة والحرص والشره والغضب واصل جميع هذه الصفات الصفتان الاثنتان الشهوة والغضب فانه لا بد لكل حيوان من هاتين الصفتين لبقاء وجوده بهما فبالشهوة يجلب المنافع الى نفسه وبالغضب يدفع المضرات { يخلقكم فى بطون امهاتكم } اى فى ارحامهن جمع ام زيدت الهاء فيه كما زيدت فى اهراق من اراق { خلقا } كائنا { من بعد خلق } اى خلقا مدرجا حيوانا سويا من بعد عظام مكسوة لحما من بعد عظام عارية من بعد مضغ مخلقة من بعد مضغ غير مخلقة من بعد علقة من بعد نطفة ونظيره قوله تعالى وقد خلقكم اطوارا { فى ظلمات ثلاث } متعلق بيخلقكم وهى ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة وهى بالفتح محل الولد اى الجلد الرقيق المشتمل على الجنين او ظلمة الصلب والبطن والرحم وفيه اشارة الى ظلمة الخلقية وظلمة وجود الروح وظلمة البشرية وان شئت قلت ظلمة الجسد وظلمة الطبيعة وظلمة النفس فكما أن الجنين يخرج فى الولادة الاولى من الظلمات المذكورة الى نور عالم الملك والشهادة فكذا السالك يخرج فى الولادة الثانية من الظلمات المسطورة الى نور عالم الملكوت والغيب فى مقام القلب والروح ( قال الحافظ )(12/232)
بال بكشا وصفير از شجر طوبى زن ... حيف باشد جوتومرغى كه اسير قفسى
{ ذلكم } اشارة اليه تعالى باعتبار افعاله المذكورة ومحله الرفع على الابتدآء اى ذلكم العظيم الشأن الذى عدت افعاله { الله } خبره وقوله تعالى { ربكم } خبر آخر له اى مربيكم فيما ذكر من الاطوار وفيما بعدها ومالككم المستحق لتخصيص العبادة به وفى التأويلات النجمية اى انا خلقتكم وانا صورتكم وانا الذى اسبغت عليكم انعامى وخصصتكم بجميع اكرامى وغرقتكم فى بحار افضالى وعرفتكم استحقاق شهود جمالى وجلالى وهديتكم الى توحيدى وادعوكم الى وحدانيتى فما لكم لا تنطقون الى بالكلية وما لكم لا تطلبون منى ولا تطلبوننى وقد بشرتكم بقوله ألا من طلبنى وجدنى ومن كان لى كنت له ومن كنت له يكون له ما كان لى { له الملك } على الاطلاق فى الدنيا والآخرة ليس لغيره شركة فى ذلك بوجه من الوجوه وبالفارسية مرورا بادشاهى مطلق كه زوال وفنا بدوراه نيابد وقال بعض الكبار له ملك القدرة على تبليغ العباد الى المقامات العليه والكرامات السنية فينبغى للعبد ان لا يقنط فان الله تعالى قادر ليس بعاجز والجملة خبر آخر وكذا قوله تعالى { لا اله الا هو } نيست معبودى بسزا مكرا وفكما أن لا معبود الا هو فكذا لا مقصود بل لا موجود الا هو فهوا الوجود المطلق والهوية المطلق والواحدة الذاتية { فانى تصرفون } اى فكيف ومن اى وجه تصرفون وتردون عن ملازمة بابه بالعبودية الى باب عاجز مثلكم من الخلق اى عن عبادته تعالى الى عبادة الاوثان مع وفور موجباتها ودواعيها وانتفاء الصارف عنها بالكلية الى عبادة غيره من غير داع اليها مع كثرة الصوارف عنها قال على كرم الله وجه قيل للنبى عليه السلام هل عبدت وثنا قط قال لا قيل هل شربت خمرا قال لا وما زلت اعرف ان الذى هم اى الكفار عليه من عبادة الاوثان ونحوها كفر وما كنت ادرى ما الكتاب ولا الايمان فادلة العقل وحدها كافية فى الحكم ببطلان عبادة غير الله فكيف وقد انضم اليها ادلة الشرع فلا بد من الرجوع الى باب الله تعالى فانه المنعم الحقيقى والعبودية له لأنه الخالق(12/233)
قال ابو سعيد الخراز قدس سره العبودية ثلاثة الوفاء لله على الحقيقة ومتابعة الرسول فى الشريعة والنصيحة لجماعة الامة
واعلم ان العبادة هى المقصود من خلق الاشياء كما قال الله تعالى { وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون } سواء فسرت العبادة بالمعرفة ام لا اذ لا تكون المعرفة الحقيقية الا من طريق العبادة
وعن معاذ رضى الله عنه قال قلت يا رسول الله اخبرنى بعمل يدخلنى الجنة ويباعدنى من النار قال « لقد سألت عن عظيم وانه يسير على من يسر الله تعالى تعبد الله لا تشرك به شيأ وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ثم قال ألا ادلك على ابواب الخير الصوم جنة والصدقة تطفىء الخطيئة كما تطفأ النار بالماء وصلاة الرجل فى جوف الليل » ثم تلا { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } الآية ثم قال « ألا اخبرك برأس الامر وعموده وذروة سنامه الجهاد » ثم قال « ألا اخبرك بملاك ذلك كله » قلت بلى يا رسول الله فاخذ بلسانه وقال « كف عليك هذا » قلت يا نبى الله وانا المؤاخذون بما نتكلم به فقال « ثكلتك امك وهل يكب الناس فى النار على وجوههم او على مناخرهم الا حصائد ألسنتهم »
تراديده درسر نهادند وكوش ... دهن جاى كفتار ودل جاى هوش
مكر بازدانى نشيب ازفراز ... نكويىكه اين كوته است آن دراز(12/234)
إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)
{ ان تكفروا } به تعالى بعد مشاهدة ما ذكر من فنون نعمائه ومعرفة شؤونه العظيمة فى قوله تعالى { ان تكفروا انتم ومن فى الارض جميعا } { فان الله غنى عنكم } وعن العالمين اى فاعلموا انه تعالى غنى عن ايمانكم وشكركم غير متأثر من انتفائهما والغنى هو الذى يستغنى عن كل شىء لا يحتاج اليه لا فى ذاته ولا فى صفاته لانه الواجب من جميع جهاته { ولا يرضى لعباده الكفر } وان تعلقت به ارادته تعالى من بعضهم اى عدم رضاه بكفر عباده لاجل منفعتهم ودفع مضرتهم رحمة عليهم لا لتضرره به تعالى . وانما قيل لعباده لا لكم لتعميم الحكم للمؤمنين والكافرين وتعليله بكونهم عباده
واعلم ان الرضى ترك السخط والله تعالى لا يترك السخط فى حق الكافر لانه لسخطه عليه اعد له جهنم ولا يلزم منه عدم الارادة اذ ليس فى الارادة ما فى الرضى من نوع استحسان فالله تعالى مريد الخير والشر ولكن لا يرضى بالكفر والفسوق فان الرضى انما يتعلق بالحسن من الافعال دون القبيح وعليه اهل السنة وكذا اهل الاعتزال
وقال ابن عباس رضى الله عنهما والذى لا يرضى لعباده المؤمنين الكفر وهم الذين ذكرهم فى قوله { ان عبادى ليس لك عليهم سلطان } فيكون عاما مخصوصا كقوله { عينا يشرب بها عباد الله } يريد بعض العباد وعليه بعض الماتريدية حيث قالوا ان الله يرضى بكفر الكافر ومعصية العاصى كما انه يريدهما صرح بذلك الخصاف فى احكام القرآن
ونقل ان هشام بن عبد الملك انما قتل غيلان القدرى باشارة علماء الشأم بقوله ان الله لا يرضى لعباده الكفر قال هشام ان لم يكن الله قادرا على دفع الكفر عن الكفار يكون عاجزا فلا يكون الها وان قدر فلم يدفع يكون راضيا فافحم غيلان
وفى الاسئله المقحمة فان قيل هل يقولون بان كفر الكافر قد رضيه الله تعالى للكافر قلنا ان الله تعالى خلق كفر الكافر ورضيه له وخلق ايمان المؤمن ورضيه له وهو مالك الملك على الاطلاق
وتكلف بعض اهل الاصول فقال ان الله تعالى لا يرضى بكون الكفر حسنا ودينا لانه تعالى يرضى وجوده وهو حسن ولا يخلقه وهو حسن وعلى هذا معنى قوله تعالى { والله لا يحب الفساد } والاليق باهل الزمان والابعد عن التشنيع والاقرب ان لا يرضى من عباده الكفر مؤمنا كان او كافرا
يقول الفقير ان رضى الله بكفر الكافر ومعصية العاصى اختياره وارادته له فى الازل فلذا لم يتغير حكمه فى الابد لا مدحه وثناؤه وترك السخط عليه فارتفع النزاع ومن تعمق فى اشارة قوله تعالى { ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها ان ربى على صراط مستقيم } انكشف له حقيقة الحال { وان تشكروا } تؤمنوا به تعالى وتوحدوه يدل عليه ذكره فى مقابلة الكفر { يرضه لكم } اصله يرضاه على ان الضمير عائد الى الشكر حذف الالف علامة للجزم وهو باختلاس ضمة الهاء عند اهل المدينة وعاصم وحمزة وباسكان الهاء عند ابى عمرو وباشباع ضمة الهاء عند الباقين لانها صارت بخلاف الالف موصولة بمتحرك .(12/235)
والمعنى يرضى الشكر والايمان لاجلكم ومنفعتكم لانه سبب لفوزكم بسعادة الدارين لا لانتفاعه تعالى به
وفى التأويلات النجمية يعنى لا يرضى لكفركم لانه موجب للعذاب الشديد ويرضى لشكركم لانه موجب لمزيد النعمة وذلك لان رحمته سبقت غضبه يقول يا مسكين انا لا ارضى لك ان لا تكون لى يا قليل الوفاء كثير التجنى فان اطعتنى شكرتك وان ذكرتنى ذكرتك { ولا تزر وازرة وزر اخرى } بيان لعدم سراية كفر الكافر الى غيره اصلا . والوز الحمل الثقيل ووزره اى حمله . والمعنى ولا تحمل نفس حاملة للوزر حمل نفس اخرى من الذنب والمعصية [ بلكه هريك بردارنده وزر خود بردارد جنانكه كناه كسى دردفتر ديكر نمىنوبسند ]
كه كناه دكران برتونخواهند نوشت ... { ثم الى ربكم مرجعكم } اى رجوعكم بالبعث بعد الموت لا الى غيره { فينبئكم } عند ذلك : وبالفارسية [ بس خبر دهد شمارا ] { بما كنتم تعملون } اى بما كنتم تعملونه فى الدنيا من اعمال الكفر والايمان اى يجازيكم بذلك ثوابا وعقابا كما قال الكاشفى [ واخبار ازآن بمحاسبه ومجازات باشد ]
وفى تفسير ابى السعود فى غير هذا المحل عبر عن اظهاره بالتنبئة لما بينهما من الملابسة فى انهما سببان للعلم تنبيها على انهم كانوا جاهلين بحال ما ارتكبوه غافلين عن سوء عاقبته اى يظهر لكم على رؤس الاشهاد ويعلمكم أى شىء شنيع كنتم تفعلونه فى الدنيا على الاستمرار ويرتب عليه ما يليق به من الجزاء { انه } تعالى { عليم بذات الصدور } تعليل للتنبئة اى مبالغ فى العلم بمضمرات القلوب فكيف بالاعمال الظاهرة واصله عليم بمضمرات صاحبة الصدور
وفى الآية دليل على ان ضرر الكفر والطغيان يعود الى نفس الكافر كما ان نفع الشكر والايمان يعود الى نفس الشاكر والله غنى عن العالمين كما وقع فى الكلمات القدسية « يا عبادى لو ان اولكم وآخركم وانسكم وجنكم كانوا على اتقى قلب رجل واحد منكم » اى على تقوى اتقى قلب رجل « ما زاد ذلك فى ملكى شيأ يا عبادى لو ان اولكم وآخركم وانسكم وجنكم كانوا على افجر قلب واحد منكم ما نقص ذلك من ملكى شيأ » وفى آخر الحديث فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ الا نفسه
واعلم أن الشكر سبب الرضوان ألا ترى الى قوله تعالى وان تشكروا يرضه لكم ولشرف الشكر امر انبياءه فقال لموسى فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين روى أنه اخذ التوارة وهى خمسة الواح او تسعة من الياقوت وفيها مكتوب يا موسى من لم يصبر على قضائى ولم يشكر نعمائى فليطلب ربا سواى وكان الانبياء لمعرفتهم لفضل الشكر يبادرون اليه روى أنه عليه السلام لما تورمت قداماه من قيام الليل اى انتفختا من الوجع الحاصل من طول القيام فى الصلاة قالت عائشة رضى الله عنها أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال عليه السلام افلا اكون عبدا شكورا اى مبالغا فى شكر ربى وفى ذلك تنبيهه على كمال فضل قيام الليل حيث جعله النبى عليه السلام شكرا لنعمته تعالى ولا يخفى أن نعمه عظيمة وشكره ايضا عظيم فاذا جعل النبى عليه السلام قيام الليل شكراً لمثل هذه نعم الجليلة ثبت أنه من اعظم الطاعات وافضل العبادات وفى الحديث صلاة فى مسجدى هذا افضل من عشرة آلاف فى غيره الا المسجد الحرام وصلاة فى المسجد الحرام افضل من مائة ألف صلاة فى غيره ثم قال ألا ادلكم على ما هو افضل من ذلك قالوا نعم قال رجل قام فى سودا الليل فاحسن الوضوء وصلى ركعتين يريد بهما وجه الله تعالى وعن عائشة رضى الله عنها أن النبى عليه السلام كان اذا فاته قيام الليل بعذر قضاه ضحواة اى من غير وجوب عليه بل على طريق الاحتياط فان الورد الملتزم اذا فات عن محله يلزم أن يتدارك فى وقت آخر حتى يتصل الاجر ولا ينقطع الفيض فانه بدوام التوجه يحصل دوام العطا وشرط عليه السلام ارادة وجه الله تعالى فانه تعالى لا يقبل ما كان لغيره ولذا وعدوا وعد بقوله انه عليم بذات الصدور فمن اشتمل صدره على الخلوص تخلص من يد القهره ومن اشتمل على الشرك والرياء وجد الله عند عمله فوفاه حسابه(12/236)
اكر جز بحق ميرود جاده ات ... در آتش فشانند سجاده ات
اكر جانب حق ندارى نكاه ... بكويى بروز اجل آه آه
جه وزن آورد جايى انبان باد ... كه ميزان عدلست وديوان داد
مرايى كه جندان عمل مى نمود ... بديدند هيجش در انبان نبوت
منه آب روى ريارا محل ... كه اين آب در زير دارد وحل
جعلعنا الله واياكم من الصالحين الصادقين المخلصين فى الاقوال والافعال والاحوال دون الفاسقين الكاذبين المرائين آمين يا كريم العفو كثير النوال(12/237)
وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)
{ واذا مس الانسان ضر } اصابه ووصل اليه سوء حال من فقر او مرض او غيرهما وبالفارسية وجون آنكاه كه بر سيد ايشانرا سختى . قال الراغب المس يقال فى كل ما ينال الانسان من اذى والضر يقابل بالسرآء والنعماء والضرر بالنفع { دعا ربه } فى كشف ذالك الضر حال كونه { منيبا اليه } راجعا اليه مما كان يدعوه فى حالة الانابة الى الله والرجوع اليه بالتوبة واخلاص العمل والنوب رجوع الشىء مرة بعد اخرى وهذا وصف للجنس بحال بعض افراده كقوله تعالى ان الانسان لظلوم كفار وفيه اشارة الى أن من طبيعة الانسان انه اذا مسه ضر خشع وخضع والى ربه فزع وتملق بين يديه وتضرع ( وفى المثنوى )
بندمى نالد بحق ازدر دونيش ... صد شكايت ميكند از رنج خويش
حق همى كويدكه آخر رنج ودرد ... مر ترا لابه كان او راست كرد
در حقيقت هر عددرا روى تست ... كيميا ونافع دلجوى تست
كه از واندر كريزى درخلا ... استعانت جويى از لطف خدا
در حقيقت دوستان دشمن اند ... كه زحضرت دور و مشغولت كنند
{ ثم اذا خوله نعمة منه } اى اعطاه نعمة عظيمة من جنابه تعالى وازال عنه ضره وكفاه امره واصلح باله واحسن حاله من التخول وهو العتهد اى المحافظة والمراعاة اى جعله خائل مال من قولهم فلان خائل ماله اذا كان متعهدا له حسن القيام به ومن شأن الغنى الجواد أن يراعى احوال الفقرآء او من الخول وهو الافتخار لان الغنى يكون متكبرا طويل الذيل اى جعله يخول اى يختال ويفتخر بالنعمة { نسى ما كان يدعو اليه } اى نسى الضر الذى كان يدعو الله الى كشفه { من قبل } اى من قبل التخويل كقوله تعالى مر كألم يدعنا الى ضر مسه او نسى ربه الذى كان يدعوه ويتضره اليه اما بناء على أن ما بمعنى من كما فى قوله تعالى وما خلق الذكر والانثى واما ايذانا بأن نسيانه بلغ الى حيث لا يعرف مدعوه ما هو فضلا عن أن يعرفه من هو فيعود الى رأس كفرانه وينهمك فى كبائر عصيانه ويشرك بمعبوده ويصر على جحوده وذلك لكون دعائه المحسوس معلولا بالضر الممسوس لا ناشئا عن الشوق الى الله المأنوس ( وفى المثنوى )
آن ندامت از نتيجه رنج بود ... نى زعقل روشن جون كنج بود
جونكه شد ربح آن ندامت شدعدم ... مى نيرز دخاك آن توبه ندم
ميكند او توبه و بير خرد ... بابك لوردوا لعادوامى زند
وفى عرآئس البقلى وصف الله اهل الضعف من اليقين اذا مسه ألم امتحانه دعاه بغير معرفته واذا وصل اليه نعمته احتجب بالنعمة عن المنعم فبقى جاهلا من كلا الطريقين لا يكون صابرا فى البلاء ولا شاكرا فى النعماء وذلك من جهله بربه ولو ادركه بنعت المعرفة وحلاوة المحبة لبذل له نفسه حتى يفعل به ما يشاء وقال بعضهم اقل العبيد علما ومعرفة أن يكون دعاؤه لربه عند نزول ضر به فان من دعاه بسبب او لسبب فذلك دعاء معلول مدخول حتى يدعوه رغبة فى ذكره وشوقا اليه وقال الحسين من نسى الحق عند العوافى لم يجب الله دعاءه عند المحن والاضطرار ولذلك قال النبى عليه السلام لعبد الله بن عباس رضى الله عنهما تعرف الى الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة وقال النهر جورى لا تكون النعمة التى تحمل صاحبها الى نسيان المنعم نعمة بل هى الى النقم اقرب(12/238)
اين كله زان نعمتى كن كت زند ... ازدرما دور مطرودت كند
{ وجعل لله اندادا } شركاء فى العبادة اى رجع الى عبادة الاوثان جمع ند وهو يقال لما يشارك فى الجوهر فقط كما فى المفردات وقال فى بحر العلوم هو المثل المخالف اى امثالا يعتقد انها قادرة على مخالفة الله ومضادته { ليضل } الناس بذلك يعنى تاكمراه كندمر دمانرا { عن سبيله } الذى هو التوحيد . والسبيل من الطرق ما هو معتاد السلوك استعين للتوحيد لانه موصل الى الله تعالى ورضاه قرى ليضل بفتح الياء اى ليزداد ضلالا او يثبت عليه والا فاصل الضلال غير متأخر عن الجعل المذكور واللام لام العاقبة فان النتيجة قد تكون غرضا فى الفعل وقد تكون غير غرض والضلال والاضلال ليسا بغرضين بل نتيجة الجعل وعاقبته { قل } الامر الآتى للتهديد كقوله { اعملوا ما شئتم } فالمعنى قل يا محمد تهديدا لذلك الضال المضل وبيانا لحاله ومآله
وفى التأويلات النجمية قل للانسان الذى هذه طبيعته فى السراء والضراء { تمتع بكفرك قليلا } اى تمتعا قليلا فهو صفة مصدر محذوف او زمانا قليلا فهو صفة زمان محذوف يعنى : [ ازمتمتعات بهرجه خواهى اشتغال كن دردنيا تاوقت مرك والتمتع برخوردارى كرفتن ] يعنى الانتفاع { انك من اصحاب النار } فى الآخرة اى من ملازميها والمعذبين فيها على الدوام [ ولذتهاى دنيا درجنب شدت عذاب دوزخ بغايت محقراست ] وهو تعليل لقلة التمتع
وفيه من الاقناط من النجاة ما لا يخفى كأنه قيل واذ قد ابيت قبول ما امرت به من الايمان والطاعة فمن حقك ان تؤمر بتركه لتذوق عقوبته
وفيه اشارة الى ان من صاحب فى الدنيا اهل النار وسلك على اقدام مخالفات المولى وموافقات الهوى طريق الدركات السفلى وهو صاحب النار واهلها والى ان عمر الدنيا قليل فكيف بعمر الانسان وان التمتع بمشتهيات الدنيا لا يغنى عن الانسان شيأ فلا بد من الانتباه قبل نداء الاجل
وصلى ابو الدرداء رضى الله عنه فى مسجد دمشق ثم قال يا اهل دمشق الا تستحيون الى متى تؤملّون ما لا تبلغون وتجمعون ما لا تأكلون وتبنون ما لا تسكنون ان من كان قبلكم امّلوا بعيدا وبنوا مشيدا وجمعوا كثيرا فاصبح املهم غرورا وجمعهم بورا ومساكنهم قبورا(12/239)
وذكر فى الاخبار ان رجلا قال لموسى عليه السلام ادعو الله ان يرزقنى مالا فدعا ربه فاوحى الله اليه يا موسى أقليلا سألت ام كثيرا قال يا رب كثيرا قال فاصبح الرجل اعمى فغدا على موسى فتلقاه سبع فقتله فقال موسى يا رب سألتك ان ترزقه كثيرا واكله السبع فاوحى الله اليه يا موسى انك سألت له كثيرا وكل ما كان فى الدنيا فهو قليل فاعطيته الكثير فى الآخرة فطوبى لمن ابغض الدنيا وما فيها وعمل للآخرة والمولى قبل دنو الاجل وظهور الكسل جعلنا الله واياكم من المتيقظين آمين(12/240)
أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)
{ امن } بالتشديد على ان اصله ام من والاستفهام بمعنى التقرير والمعنى الكافر القاسى الناسى خير حالا واحسن مالا ام من وهو عثمان بن عفان رضى الله عنه على الاشهر ويدخل فيه كل من كان على صفة التزكية ومن خفف الميم تبع المصحف لان فيه ميما واحدة فالالف للاستفهام دخلت على من ومعناه ام من { هو قانت } كمن ليس بقانت
القنوت يجيىء على معانى . منها الدعاء فقنوت الوتر دعاؤه واما دعاء القنوت فالاضافة فيه بيانية كما فى حواشى اخى جلبى . ومنها الطاعة كما فى قوله تعالى { والقانتات } ومنها القيام فالمصلى قانت اى قائم وفى الفروع وطول القيام اولى من كثرة السجود لقوله عليه السلام « افضل الصلاة طول القنوت » اى القيام كما فى الدرر وفى الحديث « مثل المجاهد فى سبيل الله كمثل القانت الصائم » يعنى المصلى الصائم كما فى كشف الاسرار . والتعقيب بآناء الله وبساجدا وقائما يخصصه اى القنوت بالقيام فالمعنى ام من هو قائم { آناء الليل } اى فى ساعاته واحده انى بكسر الهمزة وفتحها مع فتح النون وهو الساعة وكذا الانى والانو بالكسر وسكون النون يقال مضى انوان وانيان من الليل اى ساعتان { ساجدا } حال من ضمير قانت اى حال كونه ساجدا { وقائما } تقديم السجود على القيام لكونه ادخل فى معنى العبادة والواو للجمع بين الصفتين . والمراد بالسجود والقيام الصلاة عبر عنها بهما لكونهما من اعظم اركانها . فالمعنى قانت اى قائم طويل القيام فى الصلاة كما يشعر به آناء الليل لانه اذا قام فى ساعات الليل فقد اطال القيام بخلاف من قام فى جزء من الليل { يحذر الآخرة } حال اخرى على الترادف او التداخل او استئناف كأنه قيل ما باله يفعل القنوت فى الصلاة فقيل يحذر عذاب الآخرة لايمانه بالبعث { ويرجو رحمة ربه } اى المغفرة او الجنة لا انه يحذر ضرّ الدنيا ويرجو خيرها فقط كالكافر
وفى التأويلات النجمية يشير الى القيام باداء العبودية ظاهرا وباطنا من غير فتور ولا تقصير { يحذر الآخرة } ونعيمها كما يحذر الدنيا وزينتها { ويرجو رحمة ربه } لا نعمة ربه انتهى
ودلت الآية على ان المؤمن يجب ان يكون بين الخوف والرجاء يرجو رحمة ربه لعمله ويحذر عذابه لتقصيره فى عمله
ثم الرجاء اذا جاوز حدّه يكون امنا والخوف اذاجاوز حدّه يكون اياسا وكل منهما كفر فوجب ان يعتدل كما قال عليه السلام « لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا »
كرجه دارى طاعتى ازهيبتش ايمن مباش ... وركنه دارى زفيض رحمتش دل برمدار
نيك ترسان شوكه قهراوست بيرون ازقياس ... باش بس خوش دل كه لطف اوست افزون ازشمار(12/241)
ثم فى الآية تحريض على صلاة الليل وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال من احب ان يهوّن الله عليه الموقف يوم القيامة فليره الله فى سواد الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه كما فى تفسير الحدادى
قال ربيعة بن كعب الاسلمى رضى الله عنه كنت ابيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتيت بوضوئه وحاجته فقال لى « سل » فقلت اسألك مرافقتك فى الجنة فقال « أو غير ذلك » فقلت هو ذلك قال « فاعن نفسك على كثرة السجود » اى بكثرة الصلاة
قال بعض العارفين ان الله يطلع على قلوب المستيقظين فى الاسحار فيملأها نورا فترد الفوائد على قلوبهم فتستنير ثم تنتشر العوافى من قلوبهم الى قلوب الغافلين
خروسان درسحر كويدكه قم يا ايها الغافل ... سعادت آنكسى داردكه وقت صبح بيدارست
{ قل } بيانا للحق وتنبيها على شرف العلم والعمل { هل يستوى الذين يعلمون } حقائق الاعمال فيعملون بموجب علمهم كالقانت المذكور { والذين لا يعلمون } ما ذكر فيعملون بمقتضى جهلهم وضلالهم كالكافر . والاستفهام للتنبيه على كون الاولين فى اعلى معارج الخير وكون الآخرين فى اقصى مدارج الشر
وفى بحر العلوم الفعل منزل منزلة اللازم ولم يقدّر له مفعول لان المقدر كالمذكور . والمعنى لا يستوى من يوجد فيه حقيقة العلم ومن لا يوجد { انما يتذكر اولو الالباب } كلام مستقل غير داخل فى الكلام المأمور به وارد من جهته تعالى اى انما يتعظ بهذه البيانات الواضحة اصحاب العقول الخالصة من شوائب الخلل والوهم وهؤلاء بمعزل عن ذلك
قيل قضية اللب الاتعاظ بالآيات ومن لم يتعظ فكأنه لا لب له ومثله مثل البهائم
وفى المفردات اللب العقل الخالص من الشوائب وسمى بذلك لكونه خالص ما فى الانسان من قواه كاللباب من الشىء
وقيل هو ما زكا من العقل فكل لب عقل وليس كل عقل لبا ولذا علق الله تعالى الاحكام التى لا تدركها الا العقول الزكية باولى الالباب نحو قوله { ومن يؤت الحكمة فقد اوتى خيرا كثيرا وما يذكر الا اولوا الالباب } ونحو ذلك من الآيات انتهى
وفى التأويلات النجمية { هل يستوى الذين يعلمون } قدر جوار الله وقربته ويختارونه على الجنة ونعيمها { والذين لا يعلمون } قدره { انما يتذكر } حقيقة هذا المعنى { اولوا الالباب } وهم الذين انسلخوا من جلد وجودهم بالكلية وقد ماتوا عن انانيتهم وعاشوا بهويته انتهى
وفى الآية بيان لفضل العلم وتحقير للعلماء الغير العاملين فهم عند الله جهلة حيث جعل القانتين هم العلماء
قال الشيخ السهروردى فى عوارف المعارف ارباب الهمة اهل العلم الذين حكم الله تعالى لهم بالعلم فى قوله تعالى { ام من هو قانت آناء الليل } الى قوله { قل هل يستوى } الخ حكم لهؤلاء الذين قاموا بالليل بالعلم فهم لموضع علمهم ازعجوا النفوس عن مقار طبيعتها ورقوها بالنظر الى اللذات الروحانية الى ذرى حقيقتها فتجافت جنوبهم عن المضاجع وخرجوا من صفة الغافل الهاجع انتهى(12/242)
وفى الحديث « يشفع يوم القيامة ثلاث الانبياء ثم العلماء ثم الشهداء »
وقال ابن عباس رضى الله عنهما خير سليمان بن داود عليهما السلام بين العلم والمال والملك فاختار العلم فاعطى المال والملك وفى الخبر ان الله تعالى ارسل جبرائيل الى آدم عليهما السلام بالعقل والحياء والايمان فخيره بينهن فاختار العقل فتبعاه وفى بعض الروايات ارسل بالعلم والحياء والعقل فاستقر العلم فى القلب والحياء فى العين والعقل فى الدماغ وفى الحديث « من احب ان ينظر الى عتقاء الله من النار فلينظر الى المتعلمين فوالذى نفسى بيده ما من متعلم يختلف الى باب العلم الا كتب الله له بكل قدم عبادة سنة وبنى له بكل قدم مدينة فى الجنة ويمشى على الارض تستغفر له ويستغفر له كل من يمشى على الارض ويمسى ويصبح مغفور الذنب وشهدت الملائكة هؤلاء عتقاء الله من النار »
وذكر ان شرف العلم فوق شرف النسب ولذا قيل ان عائشة رضى الله عنها افضل من فاطمة رضى الله عنها ولعله المراد بقول الامالى
وللصدّيقة الرجحان فاعلم ... على الزهراء فى بعض الخصال
لان النبى عليه السلام قال « خذوا ثلثى دينكم من عائشة » واما اكثر الخصال فالرجحان للزهراء على الصدّيقة كما دل عليه قوله عليه السلام « كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد » وفى الحديث « طلب العلم فريضة على كل مسلم »
قال فى الاحياء اختلف الناس فى العلم الذى هو فرض على كل مسلم
فقال المتكلمون هو علم الكلام اذ به يدرك التوحيد ويعلم ذات الله وصفاته
وقال الفقهاء هو علم الفقه اذ به يعرف العبادات والحلال والحرام
وقال المفسرون والمحدثون هو علم الكتاب والسنة اذ بهما يتوصل العلوم كلها
وقال المتصوفة هو علم التصوّف اذ به يعرف العبد مقامه من الله تعالى . وحاصله ان كل فريق نزل الوجوب على العلم الذى هو بصدده قوله « على كل مسلم » اى مكلف ذكرا كان او انثى
قال فى شرح الترغيب مراده علم ما لا يسع الانسان جهله كالشهادة باللسان والاقرار بالقلب واعتقاد ان البعث بعد الموت ونحوه حق وعلم ما يجب عليه من العبادات وامر معايشه كالبيع والشراء فكل من اشتغل بامر شرعىّ يجب طلب علمه عليه مثلا اذا دخل وقت الصلاة تعين عليه ان يعرف الطهارة وما يتيسر من القرآن ثم تعلم الصلاة وان ادركه رمضان وجب عليه ان ينظر فى علم الصيام وان اخذه الحج وجب عليه حينئذ علمه وان كان له مال وحال عليه الحول تعين عليه علم زكاة ذلك الصنف من المال لا غير وان باع او اشترى وجب عليه علم البيوع والمصارفة وهكذا سائر الاحكام لا يجب عليه الا عند ما يتعلق به الخطاب(12/243)
فان قيل يضيق الوقت على نيل علم ما خوطب به فى ذلك الوقت قلنا لسنا نريد عند حلول الوقت المعين وانما نريد بقربه بحيث ان يكون له من الزمان بقدر ما يحصل ذلك العلم المخاطب به ويدخل عقيبه وقت العمل وهذا المذكور هو المراد بعلم الحال فعلم الحال بمنزلة الطعام لا بد لكل احد منه وعلم ما يقع فى بعض الاحايين بمنزلة الدواء يحتاج اليه فى بعض الاوقات
وقال فى عين العلم المراد المكاشفة فيما ورد « فضل العالم على العابد كفضلى على امتى » اذ غيره وهو علم المعاملة تبع للعمل لثبوته شرطا له وكذا المراد المعاملة القلبية الواجبة فيما ورد « طلب العلم فريضة على كل مسلم » اى يفترض عليه علم احوال القلب من التوكل والانابة والخشية والرضى فانه واقع فى جميع الاحوال وكذلك فى سائر الاخلاق نحو الجود والبخل والجبن والجراءة والتكبر والتواضع والعفة والشره والاسراف والتقتير وغيرها ويمتنع ان يراد غير هذه المعاملات اما التوحيد فللحصول واما الصلاة فلجواز ان يتأهلها شخص وقت الضحى بالاسلام او البلوغ ومات قبل الظهر فلا يفترض عليه طلب علم تلك الصلاة فلا يستقيم العموم المستفاد من كل لفظة كل وكذا المراد علم الآخرة مطلقا اى مع قطع النظر عن المعاملة والمكاشفة فيما ورد { قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون } لئلا يفضل علماء الزمان على الصحابة فمجادلة الكلام والتعمق فى فتاوى ندر وقوعها محدث وبالجملة علم التوحيد اشرف العلوم لشرف معلومه وكل علم نافع وان كان له مدخل فى التقرب الى الله تعالى الا ان القربة التامة انما هى بالعلم الذى اختاره الصوفية المحققون على ما اعترف به الامام الغزالى رحمه الله فى منقذ الضلال . وكان المتورعون من علماء الظاهر يعترفون بفضل ارباب القلوب ويحلفون الى مجالسهم . وسأل بعض الفقهاء ابا بكر الشبلى قدس سره اختبارا لعلمه وقال كم فى خمس من الابل فقال اما الواجب فشاة واما عندنا فكلها لله فقال وما دليلك فيه قال ابو بكر رضى الله حين خرج عن جميع ماله لله ولرسوله فمن خرج عن ماله كله فامامه ابو بكر رضى الله عنه ومن ترك بعضه فامامه عمر رضى الله عنه ومن اعطى لله ومنع لله فامامه عثمان رضى الله عنه ومن ترك الدنيا لاهلها فامامه على رضى الله عنه فكل علم لا يدل على ترك الدنيا فليس بعلم وقد قال عليه السلام(12/244)
« اعوذ بك من علم لا ينفع » وهو العلم الذى لا يمنع صاحبه عن المنهى ولا يجره الى المأمور به
وفى كشف الاسرار [ علم سه است علم خبرى وعلم الهامى وعلم غيبى . علم خبرى كوشها شنود . وعلم الهامى دلها شنود . وعلم غيبى جانها شنود . علم خبرى بروايت است . علم الهامى بهدايت است . علم غيبى بعنايت است . علم خبرى راكفت { فاعلم انه لا اله الا الله } « فقدم العلم لانه امام العمل » علم الهامى راكفت { ان الذين اوتوا العلم من قبله } علم غيبى راكفت { وعلمناه من لدنا علما } ووراى اين همه علمىست كه وهم آدمى بدان نرسد وفهم ازان درماند ] وذلك علم الله عز وجل بنفسه على حقيقته قال الله تعالى { ولا يحيطون به علما } قال الشبلى قدس سره العلم خبر والخبر جحود وحقيقة العلم عندى بعد اقوال المشايخ الاتصاف بصفة الحق من حيث علمه حتى يعرف ما فى الحق
وقال بعض الكبار المقامات كلها علم والعلم حجاب اى ما لم يتصل بالمعلوم ويفنى فيه وكذا الاشتغال بالقوانين والعلوم الرسمية حجاب مانع عن الوصول وذلك لان العلم الالهى الذى يتعلق بالحقائق الالهية لا يحصل الا بالتوجه والافتقار التام وتفريغ القلب وتعريته بالكلية عن جميع المتعلقات الكونية والعلوم والقوانين الرسمية واما علم الحال فمن مقدمات السلوك فحجبه مانع لا هو نفسه وعينه ولا يدعى احد ان العلم مطلقا حجاب وكيف يكون حجابا وهو سبب الكشف والعيان لكن لا بد من فنائه فى وجود العالم وفناء ما يقتضيه من الافتخار والتكبر والازدراء بالغير ونحوها ولكون بقائه حجابا قلما سلك العلماء بالرسوم نسأل الله سبحانه ان يزين ظواهرنا بالشرائع والاحكام وينور بواطننا بانواع العلوم والالهام ويجعلنا من الذين يعلمون وهم الممدوحون لا من الذين لا يعلمون وهم المذمومون آمين وهو المعين(12/245)
قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)
{ قل يا عباد الذين آمنوا } اى قل لهم قولى هذا بعينه وفيه تشريف لهم باضافتهم الى ضمير الجلالة فان اصله يا عبادى بالياء حذفت اكتفاء بالكسرة
وفى كشف الاسرار [ اين خطاب باقومى است كه مراد نفسه خويش بموافقت حق بدادند ورضاى الله برهواى نفس بركزيدند تاصفت عبوديت ايشان درست كشت ورب العالمين رقم اضافت بر ايشان كشيدكه { يا عبادى } ومصطفى عليه السلام كفت ( من مقت نفسه فى ذات الله آمنه الله من عذاب يوم القيامة ) وابو يزيد بسطامى قدس سره ميكويد اكر فرادى قيامت مراكويندكه آرزويى كن آرزوى من آنست بدوزخ اندر آيم واين نفس برآتش عرض كنم كه دردنيا ازوبسيار بيجيدم ورنج وى كشيدم ] انتهى
وايضا ان اخص الخواص هم العباد الذين خلصوا من عبودية الغير من الدنيا والآخرة لكونهما مخلوقتين وآمنوا بالله الخالق ايمان الطلب شوقا ومحبة { اتقوا ربكم } اى اثبتوا على تقوى ربكم لان بالايمان حصول التقوى عن الكفر والشرك او اتقوا عذابه وغضبه باكتساب طاعته واجتناب معصيته او اتقوا به عما سواه حتى تتخلصوا من نار القطيعة وتفوزوا بوصاله ونعيم جماله { للذين احسنوا فى هذه الدنيا } اى عملوا الاعمال الحسنة فى هذه الدنيا على وجه الاخلاص ورأسها كلمة الشهادة فانها احسن الحسنات { حسنة } مبتدأ وخبره للذين وفى هذه الدنيا متعلق باحسنوا
وفيه اشارة الى قوله « الدنيا مزرعة الآخرة » اى حسنة ومثوبة عظيمة فى الآخرة لا يعرف كنهها وهى الجنة والشهود لان جزاء الاحسان الاحسان والاحسان ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك فالمحسن هو المشاهد وبمشاهدة الله يغيب ما سوى الله فلا يبقى الا هو وذلك حقيقة الاخلاص واما غير المحسن فعلى خطر لبقائه مع ما سوى الله تعالى فلا يأمن من الشرك والرياء القبيح ومن كان عمله قبيحا لم يكن جزاؤه حسنا
وفى التأويلات النجمية { للذين احسنوا } فى طلبى { في هذه الدنيا } ولا يطلبون منى غيرى حسنة اى لهم حسنة وجدانى يعنى حسن الوجدان مودع فى حسن الطلب : قال الخجندى
بكوش تابكف آرى كليد كنج وجود ... كه بى طلب نتوان يافت كوهر مقصود
توجاكر در سلطان عشق شو جواياز ... كه هست عاقبت كار عاشقان محمود
{ وارض الله واسعة } فمن تعسر عليه التوفر على التقوى والاحسان فى وطنه فليهاجر الى حيث يتمكن فيه من ذلك كما هو سنة الانبياء والصالحين فانه لا عذر له فى التفريط اصلا
وفيه حث على الهجرة من البلد الذى يظهر فيه المعاصى وقد ورد « ان من فر بدينه من ارض الى ارض وجبت له الجنة » وانما قال بدينه احترازا عن الفرار بسبب الدنيا ولاجلها خصوصا اذا كان المهاجر اليه اعصى من المهاجر منه(12/246)
وفى التأويلات النجمية يشير الى حضرة جلاله انه لا نهاية لها فلا يغتر طالب بما يفتح عليه من ابواب المشاهدات والمكاشفات فيظن انه قد بلغ المقصد الاعلى والمحل الاقصى فانه لا نهاية لمقامات القرب ولا غاية لمراتب الوصول : وفى المثنوى
اى برادر بى نهايت دركهيست ... هر كجاكه ميرسى بالله مأيست
{ انما يوفى الصابرون } الذين صبروا على دينهم فلم يتركوه للاذى وحافظوا على حدوده ولم يفرطوا فى مراعاة حقوقه لما اعتراهم فى ذلك من فنون الآلام والبلايا التى من جملتها مهاجرة الاهل ومفارقة الاوطان [ والتوفية : تمام بدادن ]
قال فى المفردات توفية الشىء بذله وافيا كاملا واستيفاؤه تناوله وافيا . والمعنى يعطون { اجرهم } بمقابلة ما كابدوا من الصبر { بغير حساب } اى بحيث لا يحصى ويحصر وفى الحديث « انه تنصب الموازين يوم القيامة لاهل الصلاة والصدقة والحج فيوفون بها اجورهم ولا تنصب لاهل البلاء بل يصب عليهم الاجر صبا حتى يتمنى اهل المعافاة فى الدنيا ان اجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به اهل البلاء من الفضل »
تو مبين رنجورى غمديدكان ... كاندران رنجيده ازبكزيد كان
هركرا از زخمها غم بيشتر ... لطف يارش داده مرهم بيشتر
قال سفيان لما نزل { من جاء بالحسنة فله عشر امثالها } قال عليه السلام « رب زد لامتى » فنزل { مثل الذين ينفقون اموالهم فى سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل فى كل سنبة مائة حبة } فقال عليه السلام « رب زد لامتى » فنزل { انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب } فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وسئل النبى عليه السلام أى الناس اشد بلاء قال « الانبياء ثم الامثل فالامثل يبتلى الرجل على حسب دينه » فان كان فى دينه صلبا اشتد بلاؤه وان كان فى دينه ذا رقة هون عليه فما زال كذلك حتى يمشى على الارض كمن ليس له ذنب وقال صلى الله عليه وسلم « ان العبد اذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله فى جسده او فى ماله او فى ولده ثم صبر على ذلك حتى يبلغه المنزلة التى سبقت له من الله » وان عظم الجزاء مع عظم البلاء وان الله عز وجل اذا احب قوما ابتلاهم فمن رضى فله الرضى ومن سخط فله السخط
وفى عرائس البقلى وصف الله القوم باربع خصال بالايمان والتقوى والاحسان والصبر فاما ايمانهم فهو المعرفة بذاته وصفاته من غير استدلال بالحدثان بل عرفوا الله بالله واما تقواهم فتجريدهم انفسهم عن الكون حتى قاموا بلا احتجاب عنه واما احسانهم فادراكهم رؤيته تعالى بقلوبهم وارواحهم بنعت كشف جماله واما صبرهم فاستقامتهم فى مواظبة الاحوال وكتمان الكشف الكلى(12/247)
وحقيقة الصبر ان لا يدعى الديمومية بعد الاتصاف بها ومعنى { ارض الله واسعة } ارض القلوب ووسعها بوسع الحق فاذا كان العارف بهذه الاوصاف فله اجران اجر الدنيا وهو المواجيد والواردات الغريبة واجر الآخرة وهو غوصه فى بحار الآزال والآباد والفناء فى الذات والبقاء فى الصفات
قال الحارث المحاسبى الصبر التهدّف لسهام البلاء
وقال طاهر المقدسى الصبر على وجوه صبر منه وصبر له وصبر عليه وصبر فيه اهونه الصبر على اوامر الله وهو الذى بين الله ثوابه فقال { انما يوفى الصابرون } الخ
وقال يوسف بن الحسين ليس بصابر من يتجرع المصيبة ويبدى فيها الكراهة بل الصابر من يتلذذ بصبره حتى يبلغ به الى مقام الرضى(12/248)
قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11)
{ قل } روى ان كفار قريش قالوا للنبى عليه السلام ما يحملك على الذى اتيتنا به ألا تنظر الى ملة آبائك وسادات قومك يعبدون اللات والعزى فتأخذ بتلك الملة فقال تعالى قل يا محمد للمشركين { انى امرت } من جانبه تعالى { ان } اى بان { اعبد الله } حال كونى { مخلصا له الدين } اى العبادة من الشرك والرياء بان يكون المقصد من العبادة هو المعبود بالحق لا غير كما فى قوله تعالى { قل انما امرت ان اعبد الله ولا اشرك به }(12/249)
وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12)
{ وامرت } بذلك { لان اكون اول المسلمين } من هذه الامة اى لاجل ان اكون مقدمهم فى الدنيا والآخرة لان السبق فى الدين انما هو بالاخلاص فيه فمن اخلص عدّ سابقا فاذا كان الرسول عليه السلام متصفا فى الدين انما هو بالاخلاص قبل اخلاص امته فقد سبقهم فى الدين اذ لا يدرك المسبوق مرتبة السابق ألا ترى الى الاصحاب مع من جاء بعدهم والظاهر ان اللام مزيدة فيكون كقوله تعالى { وامرت ان اكون اول من اسلم } فالمعنى وامرت ان اكون اول من اسلم من اهل زمانى لان كل نبى يتقدم اهل زمانه فى الاسلام والدعاء الى خلاف دين الآباء وان كان قبله مسلمون
قال بعضهم الاخلاص ان يكون جميع الحركات فى السر والعلانية لله تعالى وحده لا يمازجه شىء
وقال الجنيد قدس سره امر جميع الخلق بالعبادة وامر النبى عليه السلام بالاخلاص فيها اشارة الى ان احدا لا يطيق تمام مقام الاخلاص سواه(12/250)
قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13)
{ قل انى اخاف ان عصيت ربى } بترك الاخلاص والميل الى ما انتم عليه من الشرك { عذاب يوم عظيم } اى اخاف من عذاب يوم القيامة وهو يوم عظيم لعظمة ما فيه من الدواهى والاهوال بحسب عظم المعصية وسوء الحال
وفيه زجر عن المعصية بطريق المبالغة لانه عليه السلام مع جلالة قدره اذا خاف على تقدير العصيان فغيره من الامة اولى بذلك
ودلت الآية على ان المترتب على المعصية ليس حصول العقاب بل الخوف من العقاب فيجوز العفو عن الصغائر والكبائر : قال الصائب
محيط از جهره سيلاب كرده راه ميشويد ... جه انديشد كسى باعفو حق ازكرد زلتها(12/251)
قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14)
{ قل الله } نصب بقوله { اعبد } على ما امرت لا غيره لا استقلالا ولا اشتراكا { مخلصا له دينى } من كل شوب وهو بالاضافة لان قوله اعبد اخبار عن المتكلم بخلاف ما فى قوله مخلصا له الدين لان الاخبار فيه امرت وما بعده صلته ومفعوله فظهر الفرقان كما فى برهان القرآن
وقال الكاشفى [ باك كننده براى اوكيش خودرا ازشرك يا خاص سازنده عمل خودرا ازريا ]
وفى التأويلات النجمية قل الله اعبد لا الدنيا ولا العقبى واطلب بعبادتى المولى مخلصا له دينى
وكل له سؤل ودين ومذهب ... فلى انتمو سؤلى ودينى هوا كمو
زيشت آينه روى مراد نتوان ديد ... تراكه روى بخلق است ازخداجه خبر(12/252)
فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)
{ فاعبدوا } اى قد امتثلت ما امرت به فاعبدوا يا معشر الكفار { ما شئتم } ان تعبدوه { من دونه } تعالى . والامر للتحديد كما فى قوله تعالى { اعملوا ما شئتم } قال فى الارشاد وفيه من الدلالة على شدة الغضب عليهم ما لا يخفى كأنهم لما لم ينتهوا عما نهوا عنه امروا به كى يحل بهم العقاب ولما قال المشركون خسرت يا محمد حيث خالفت دين آبائك قال تعالى { قل ان الخاسرين } اى الكاملين فى الخسران الذى هو عبارة عن اضاعة ما يهمه واتلاف ما لا بد منه
وفى المفردات الخسران انتقاص رأس المال يستعمل فى المال والجاه والصحة والسلامة والعقل والايمان والثواب وهو الذى جعل الله الخسران المبين وهو بالفارسية [ زيان : والخاسر زيانكار بكو بدرستى كه زيانكار ان ] { الذين } [ آنانندكه ] فالجملة من الموصول والصلة خبران { خسروا انفسهم } بالضلال واختيار الكفر لها اى اضاعوها واتلفوها اتلاف البضاعة فقوله انفسهم مفعول خسروا
وقال الكاشفى [ زيان كردند در نفسهاى خودكه كمراه كشتند ] { واهليهم } بالضلال واختيار الكفر لها ايضا اصله اهلين جمع اهل واهل الرجل عشيرته وذو قرابته كما فى القاموس ويفسر بالازواج والاولاد وبالعبيد والاماء وبالاقارب وبالاصحاب وبالمجموع كما فى شرح المشارق لابن الملك { يوم القيمة } حين يدخلون النار بدل الجنة حيث عرضوهما للعذاب السرمدى واوقعوهما فى هلكة لا هلكة وراءها { ألا ذلك } الخسران { هو الخسران المبين } حيث استبدلوا بالجنة نارا وبالدرجات دركات كما فى كشف الاسرار
وقال الكاشفى [ بدانيد وآكاه باشيدكه آنست آن زيان هويداكه برهيجكس ازهل موقف بوشيده نماند ]
وفى التأويلات النجمية الخاسر فى الحقيقة من خسر دنياه بمتابعة الهوى وخسر عقباه بارتكاب ما نهى عنه وخسر مولاه بتولى غيره ثم شرح خسرانهم بنوع بيان فقال(12/253)
لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)
{ لهم من فوقهم ظلل من النار } لهم خبر الظلل والضمير للخاسرين ومن فوقهم حال من ظلل والظلل جمع ظلة كغرف جمع غرفة وهى سحابة تظل وشىء كهيئة الصفة بالفارسية [ سايبان ]
وفي كشف الاسرار ما اظلك من فوقك . والمعنى للخاسرين ظل من النار كثيرة متراكبة بعضها فوق بعض حال كون تلك الظل من فوقهم والمراد طباق وسرادقات من النار ودخانها وسمى النار ظلة لغلظها وكثافتها ولانها تمنع من النظر إلى ما فوقهم
وفيه اشعار بشدة حالهم فى النار وتهكم بهم لان الظلة انما هى الاستظلال والتبرد خصوصا فى الاراضى الحارة كأرض الحجاز فاذا كانت من النار نفسها كانت احرّ ومن تحتها اغمّ { ومن تحتهم } ايضا { ظلل } والمراد احاطة النار بهم من جمع جوانبهم كما قال تعالى { احاط بهم سرادقها } اى فسطاطها وهو الخيمة شبه به ما يحيط بهم من النار كما سبق فى الكهف ونظير الآية قوله تعالى { يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت ارجلهم } وقوله { لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش } وقال بعضهم ومن تحتهم ظلل اى طباق من النار ودركات كثيرة بعضها تحت بعض هي ظلل للآخرين بل لهم أيضا عند تردّيهم فى دركاتها كما قال السدى هى لمن تحتهم وهى فرش لهم وكما قال فى الأسئلة المقحمة كيف سمى ما هو الاسفل ظللا والظلال ما يكون فوقا والجواب لانها تظلل من تحتها فاضاف السبب الى حكمه { ذلك } العذاب الفظيع هو الذى { يخوف الله به عباده } فى القرآن ليؤمنوا ويحذرهم اياه بآيات الوعيد ليجتنبوا ما يوقعهم فيه
وفي الوسيط يخوف الله به عباده المؤمنين يعنى ان ما ذكر من العذاب معد للكفار وهو تخويف للمؤمنين ليخافوه فيتقوه بالطاعة والتوحيد { يا عباد } [ اى بندكان من ] واصله يا عبادى بالياء { فاتقون } ولا تتعرضوا لما يوجب سخطى وهذه عظة من الله تعالى بالغة منطوية على غاية اللطف والرحمة
وفيه إشارة الى ان الله تعالى خلق جهنم سوطا يسوق به عباده الى الجنة اذ ليس تحت الوجود الا ما هو مشتمل للحكة والمصلحة فمن خاف بتخويف الله اياه من هذا الخسران فهو عبده عبدا حقيقيا ومستأهل لشرف الإضافة اليه
وعن ابى يزيد البسطامى قدس سره ان الخلق يفرون من الحساب وانا اقبل عليه فان الله تعالى لو قال لى اثناء الحساب عبدى لكفانى فعلى العاقل تحصيل العبودية وتكميلها كى يليق بخطاب الله تعالى ويكون من اهل الحرمة عند الله تعالى ألا ترى ان من خدم ملكا من الملوك يستحق الكرامة ويصير محترما عنده وهو مخلوق فكيف خدمة الخالق
نقل فى آخر فتاوى الظهيرية ان الامام الاعظم ابا حنيفة رحمه الله لما حج الحجة الاخيرة قال فى نفسه لعلى لا اقدر ان احج مرة اخرى فسأل حجاب البيت ان يفتحوا له باب الكعبة ويأذنوا له فى الدخول ليلا ليقوم فقالوا ان هذا لم يكن لاحد قبلك ولكنا نفعل ذلك لسبقك وتقدمك فى علمك واقتداء الناس كلهم بك ففتحوا له الباب فدخل فقام بين العمودين على رجل اليمنى حتى قرأ القرآن الى النصف وركع وسجد ثم قام على رجل اليسرى وقد وضع قدمه اليمنى على ظهر رجله اليسرى حتى ختم القرآن فلما سلم بكى وناجى وقال الهى ما عبدك هذا العبد الضعيف حق عبادتك ولكن عرفك حق معرفتك فهب نقصان خدمته لكمال معرفته فهتف هاتف من جانب البيت يا ابا حنيفة قد عرفت واخلصت المعرفة وخدمت فاحسنت الخدمة فقد غفرنا لك ولمن اتبعك وكان على مذهبك الى قيام الساعة
ثم ان مثل هذه العبودية ناشئة عن التقوى والخوف من الله تعالى ومطالعة هيبته وجلاله وكان عليه السلام يصلى وبصدره ازيز كازيز المرجل من البكاء .(12/254)
والازيز الغليان وقيل صوته والمرجل قدر من نحاس كذا نقل مثل ذلك عن ابراهيم عليه السلام فحرارة هذا الخوف اذا احاطت بظاهر الجسم وباطنه سلم الانسان من الاحتراق واذا مضى الوقت تعذر تدارك الحال فليحافظ على زمان الفرصة
وحشىء فرصت جوتيرازجشم بيرون جسته است ... تاتوزه مىسازى اى غافل كمان خويش را(12/255)
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)
{ والذين اجتنبوا الطاغوت } [ الاجتناب : بايك سو شدن ] يقال اجتنبه بعد عنه . والطاغوت البالغ اقصى غاية الطغيان وهو تجاوز الحد فى العصيان فلعوت من الطغيان بتقديم اللام على العين لان اصله طغيوت بنى للمبالغة كالرحموت والعظموت ثم وصف به للمبالغة فى النعت كأن عين الشيطان طغيان لان المراد به هو الشيطان وتاؤه زائدة دون التأنيث كما قال فى كشف الاسرار التاء ليست باصلية هى فى الطاغوت كهى فى الملكوت والجبروت واللاهوت والناسوت والرحموت والرهبوت ويذكر اى الطاغوت ويؤنث كما فى الكواشى ويستعمل فى الواحد والجمع كما فى المفردات والقاموس
قال الراغب وهو عبارة عن كل متعد وكل معبود من دون الله
وفى القاموس الطاغوت اللات والعزى والكاهن والشيطان وكل رأس ضلال والاصنام وكل ما عبد من دون الله ومردة اهل الكتاب
وقال فى كشف الاسرار كل من عبد شيأ غير الله فهو طاغ ومعبوده طاغوت
وفى التأويلات النجمية طاغوت كل احد نفسه وانما يجتنب الطاغوت من خالف هواه وعانق رضى مولاه ورجع اليه بالخروج عما سواه رجوعا بالكلية
وقال سهل الطاغوت الدنيا واصلها الجهل وفرعها المآكل والمشارب وزينتها التفاخر وثمرتها المعاصى وميراثها القسوة والعقوبة : والمعنى بالفارسية [ وآنانكه بيكسو رفتند ازشيطان يابتان يا كهنه يعنى از هرجه بدون خداى تعالى برستند ايشان بر طرف شدند ] { ان يعبدوها } بدل اشتمال منه فان عبادة غير الله عبادة للشيطان اذ هو الآمر بها والمزين لها
قال فى بحر العلوم وفيها اشارة الى ان المراد بالطاغوت ههنا الجمع { وانابوا الى الله } واقبلوا عليه معرضين عما سواه اقبالا كليا
قال فى البحر واعلم ان المراد باجتناب الطاغوت الكفر بها وبالانابة الى الله الايمان بالله كما قال تعالى { فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى } وقدم اجتناب الطاغوت على الانابة الى الله كما قدم الكفر بالطاغوت على الايمان بالله على وفق كلمة التوحيد لا اله الا الله حيث قدم نفى وجود الآلهية على اثبات الالوهية لله تعالى { لهم البشرى } بالثواب والرضوان الاكبر على ألسنة الرسل بالوحى فى الدنيا او الملائكة عند حضور الموت وحين يحشرون وبعد ذلك
وقال بعض الكبار لهم البشرى بانهم من اهل الهداية والفضل من الله وهى الكرامة الكبرى { فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه } فيه تصريح بكون التبشير من لسان الرسول عليه السلام وهو تبشير فى الدنيا واما تبشير الملك فتبشير فى الآخرة كما قال تعالى { لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة } كما قال تعالى { لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة } وبالجملة تبشير الآخرة مرتب على تبشير الدنيا فمن استأهل الثانى استأهل الاول . والاصل عبادى بالياء فحذفت
قيل ان الآية نزلت فى عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وسعد وسعيد وطلحة والزبير حين سألوا ابا بكر رضى الله عنه فاخبرهم بايمانه فآمنوا حكاه المهدوى فى التكملة فيكون المعنى يستمعون القول من ابى بكر فيتبعون احسنه وهو قول لا اله الا الله كما فى كشف الاسرار
وقال فى الارشاد ونحوه اى فبشر فوضع الظاهر موضع ضميرهم تشريفا لهم بالاضافة ودلالة على ان مدار انصافهم بالاجتناب والانابة كونهم نقادا فى الدين يميزون الحق من الباطل ويؤثرون الافضل فالافضل انتهى .(12/256)
وهذا مبنى على اطلاق القول وتعميمه جريا على الاصل
يقول الفقير ويحتمل ان يكون المعنى يستمعون القول مطلقا قرآنا كان او غيره فيتبعون احسنه بالايمان والعمل الصالح وهو القرآن لانه تعالى قال فى حقه { الله نزل احسن الحديث } كما سيأتى فى هذه السورة
وقال الراغب فى المفردات فيتبعون احسنه اى الابعد من الشبهة [ ودر بحر الحقائق فرموده كه قول اعم است ازسخن خدا وملك وانسان وشيطان ونفس . اما انسان حق وباطل ونيك وبد كويد . وشيطان بمعاصى خواند . ونفس بآرزوها ترغيب كند . وملك بطاعت دعوت نمايد . وحضرت عزت بخود خواند كما قال { وتبتل اليه تبتيلا } رسول استماع نموده اند بيروى كنند ]
وايضا ان الالف واللام فى القول للعموم فيقتضى ان لهم حسن الاستماع فى كل قول من القرآن وغيره ولهم ان يتبعوا احسن معنى يحتمل كل قول اتباع درايته والعمل به واحسن كل قول ما كان من الله او لله او يهدى الى الله وعلى هذا يكون استماع قول القوّال من هذا القبيل كما فى التأويلات النجمية
وقال الكلبى يجلس الرجل مع القوم فيستمع الاحاديث محاسن ومساوى فيتبع احسنها فيأخذ المحاسن ويحدث بها ويدع مساويها [ ودر لباب كفته كه مراد ازقول سخنانست كه درمجالس ومحافل كذرد واهل متابعت احسن آن اقوال اختيار ميكنند در ايشان ودرامثال آمده ]
خذ ما صفا دع ما كدر ... قول كس جون بشنوى دروى تأمل كن تمام ... صاف رابردار ودردى را رهاكن والسلام
[ وكفته اند استماع قول واتباع احسن آن عمومى دارد ومرد ازقول قرآنست واحسن او محكم باشد دون منسوخ وعزيمت دون رخصت
وكفته اندكه درقرآن مقابح اعدا وممادح اولياست ايشان متابعت احسن مينمايند كه مثلا طريقه موسى است عليه السلام دون سيرت فرعون ] وعلى هذا
وفى كشف الاسرار مثال هذا الاحسن فى الدين ان ولى القتيل اذا طالب بالدم فهو حسن واذا عفا ورضى بالدية فهو احسن . ومن جزى بالسيئة السيئة مثلها فهو حسن وان عفا وغفر فهو احسن . وان وزن او كال فهو حسن وان ارجح فهو احسن . وان اتزن وعدل فهو حسن وان طفف على نفسه فهو احسن . وان رد السلام فقال وعليكم السلام فهو حسن وان قال وعليكم السلام ورحمة الله فهو احسن .(12/257)
وان حج راكبا فهو حسن وان فعله راجلا فهو احسن . وان غسل اعضاءه فى الوضوء مرة مرة فهو حسن وان غسلها ثلاثا ثلاثا فهو احسن . وان جزى من ظلمه بمثل مظلمته فهو حسن وان جازاه بحسنة فهو احسن . وان سجد او ركع ساكتا فهو جائز والجائز حسن وان فعلهما مسبحا فهو احسن . ونظير هذه الآية قوله عز وجل لموسى عليه السلام { فخذها بقوة وائمر قومك يأخذوا باحسنها } وقوله { واتبعوا احسن ما انزل اليكم من ربكم } انتهى ما فى الكشف
وهذا معنى ما قال بعضهم يستمعون قول الله فيتبعون احسنه ويعملون بافضله وهو ما فى القرآن من عفو وصفح واحتمال على اذى ونحو ذلك فالقرآن كله حسن وانما الاحسن بالنسبة الى الآخذ والعامل
قال الامام السيوطى رحمه الله فى الاتقان اختلف الناس هل فى القرآن شىء افضل من شىء فذهب الامام ابو الحسن الاشعرى رحمه الله وبعض الائمة الاعلام الى المنع لان الجميع كلام الله ولئلا يوهم التفضيل نقص المفضل عليه . وذهب آخرون من المحققين وهو الحق كلام الله فى الله افضل من كلامه فى غيره فقل هو الله احد افضل من تبت يدا ابى لهب لان فيه فضيلة الذكر وهو كلام الله وفضيلة الذكر فقط وهو كلام الله تعالى . والاخبار الواردة فى فضائل القرآن وتخصيص بعض السور والآيات بالفضل وكثرة الثواب فى تلاوتها لا تحصى
قال الامام الغزالى رحمه الله فى جوهر القرآن كيف يكون بعض الآيات والسور اشرف من بعض مع ان الكل كلام الله فاعلم نوّرك الله بنور البصيرة وقلد صاحب الرسالة عليه السلام فهو الذى انزل عليه القرآن وقال « يس قلب القرآن : وفاتحة الكتاب سور القرآن : وآية الكرسى سيدة القرآن : وقل هو الله احد تعدل ثلث القرآن » ومن توقف فى تعديل الآيات اول قوله عليه السلام افضل سورة واعظم سورة اراد فى الاجر والثواب لا ان بعض القرآن افضل من بعض فالكل فى فضل الكلام واحد والتفاوت فى الاجر لا فى كلام الله من حيث هو كلام الله القديم القائم بذاته
واعلم ان استماع القول عند العارفين يجرى فى كل الاشياء فالحق تعالى يتكلم بكل لسان من العرش الى الثرى ولا يتحقق بحقيقة سماعه الا اهل الحقيقة وعلامة سماعهم انقيادهم الى كل عمل مقرب الى الله من جهة التكليف المتوجه على الاذن من ارم او نهى كسماعه للعلم والذكر والثناء على الحق تعالى والموعظة الحسنة والقول الحسن والتصامم عن سماع الغيبة والبهتان والسوء من القول والخوض فى آيات الله والرفث والجدال وسماع القيان وكل محرم حجر الشارع عليه سماعه فاذا كان كذلك كان مفتوح الاذن الى الله تعالى : وفى المثنوى
ينبه آن كوش سر كوش سراست ... تانكردد اين كران باطن كراست
وللفقير
ينبه بيرون آر از كوش دلت ... ميرسد تا صوت از هر بلبلت
{ اولئك } المنعوتون بالمحاسن الجميلة وهو مبتدأ خبره قوله { الذين هداهم الله } للدين الحق والاتصاف بمحاسنه { واولئك هم اولوا الالباب } اصحاب العقول السليمة من معارضة الوهم ومنازعة الهوى المستحقون للهداية لا غيرهم
وفى الكلام دلالة على ان الهداية تحصل بفعل الله تعالى وقبول النفس لها يعنى ان لكسب العبد مدخلا فيها بحسب جرى العادة
وفيه اشارة الى ان اولئك القوم هم الذين عبروا عن قشور الاشياء ووصلوا الى الباب حقائقها(12/258)
أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19)
{ أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من فى النار } بيان لاحوال العبدة الطاغوت بعد بيان احوال المجتنبين عنها . والهمزة للاستفهام الانكارى والفاء للعطف على محذوف دل عليه الكلام ومن شرطية والمفهوم من كشف الاسرار وتفسير الكاشفى كونها موصولة وحق بمعنى وجب وثبت وكلمة العذاب قوله تعالى لابليس { لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم اجمعين } وكررت الهمزة فى الجزاء لتأكيد الانكار والفاء فيه فاء الجزاء ثم وضع موضع الضمير من فى النار لمزيد تشديد الانكار والاستبعاد والتنبيق على ان المحكوم عليه بالعذاب بمنزلة الواقع فى النار وان اجتهاده عليه السلام فى دعائهم الى الايمان سعى فى انقاذهم من النار اى تخليصهم فان الانقاذ التخليص من ورطة كما فى المفردات . والمعنى أانت يا محمد مالك امر الناس فمن حق اى وجب وثبت عليه من الكفار عدلا فى علم الله تعالى كلمة العذاب فانت تنقذه فالآية جملة واحدة من شرط وجزاء : وبالفارسية [ آيا هركسى ياآنكسى واجب شد برو كلمه وعيد آيا تو اى محمد مىرهانى آنراكه دردوزخ باشد يعنى ميتوانى كه اورا مؤمن سازى وازعذاب باز هانى يعنى اين كار بدست تو نيست كه دوزخيانرا بازرهانى همجوابولهب وبسرش عقبه وغير آن ]
وفيه اشارة الى ان من حق عليه فى القسمة الاولى ان يكون مظهرا لصفات قهره الى الابد لا ينفعه شفاعة للمؤمنين بدليل قوله تعالى { وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها } وحيث كان المراد بمن فى النار الذين قيل فى حقهم { لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل } استدرك بقوله تعالى(12/259)
لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20)
{ لكن الذين اتقوا ربهم } [ ليكن آنانكه بترسيدند ازعذاب بروردكار خويش وبايمان وطاعت متصف شدند ]
وفى التأويلات النجمية { لكن الذين اتقوا ربهم } اليوم عن الشرك والمعاصى والزلات والشهوات وعبادة الهوى والركون الى غير المولى فقد انقذهم الله تعالى فى القسمة الاولى من ان يحق عليهم كلمة العذاب وحق عليهم ان يكونوا مظهر صفات لطفه الى الابد { لهم غرف } [ منزلهاى بلندتر در بهشت ] اى بحسب مقاماتهم فى التقوى جمع غرفة وهى علية من البناء وسمى منازل الجنة غرفا كما فى المفردات { من فوقها غرف } اى لهم علالى بعضها فوق بعض بين ان لهم درجات عالية فى جنات النعيم بمقابلة ما للكفرة من دركات سافلة فى الجحيم { مبنية } تلك الغرف الموصوفة بناء المنازل على الارض فى الرصانة والاحكام
قال سعدى المفتى الظاهر ان فائدة هذا الوصف تحقيق الحقيقة وبيان كون الغرف كالظلل حيث اريد بها المعنى المجازى على الاستعارة التهكمية
وفى بحر العلوم مبنية بنيت من زبرجد وياقوت ودرّ وغير ذلك من الجواهر
وفى كشف الاسرار مبنية : يعنى [ بخشت زرين وسيمين بر آورده ]
وفيه اشارة بانها مبنية بايدى اعمال العاملين واحوال السالكين { تجرى من تحتها } اى من تحت تلك الغرف المنخفضة والمرتفعة { الانهار } الاربعة من غير تفاوت بين العلو والسفل { وعد الله } مصدر مؤكد لان قوله لهم غرف فى معنى الوعد اى وعدهم الله تلك الغرف والمنازل وعدا { لا يخلف الله الميعاد } لان الخلف نقص وهو على الله محال [ والاخلاف : وعده خلاف دادن ] والميعاد بمعنى الوعد
وفى التأويلات النجمية وعد الله الذى وعد التائبين بالمغفرة والمطيعين بالجنة والمشتاقين بالرؤية والعاشقين الصادقين بالقربة والوصلة لا يخلف الله الميعاد . يعنى اذا لم يقع لهم فترة فلا محالة يصدق وعده واذا وقع لهم ذلك فلا يلومن الا انفسهم
وعن ابى سعيد الخدرى رضى الله عنه عن النبى عليه السلام انه قال « ان اهل الجنة ليتراأون اهل الغرف من فوقهم » المراد من اهلها اصحاب المنازل الرفيعة وتراءى القوم الهلال رأوه باجمعهم ومنه الحديث « كما يتراأون الكوكب الدرىّ الغابر فى الافق من المشرق والمغرب » الغابر الباقى يعنى يرى التباعد بين اهل الغرف وسائر اصحاب الجنة كالتباعد المرئى بين الكوكب ومن فى الارض وانهم يضيئون لاهل الجنة اضاءة الكوكب الدرى « لتفاضل ما بينهم » يعنى يرى اهل الغرف كذلك لتزايد درجاتهم على من سواهم قالوا يا رسول الله تلك منازل الانبياء لا يبلغها غيرهم قال « بلى والذى نفسى بيده رجال » يعنى يبلغها رجال وانما قرن القسم ببلوغ غيرهم لما فى وصول المؤمنين لمنازل الانبياء من استبعاد السامعين « آمنوا بالله وصدقوا المرسلين »
وفيه بشارة واشارة الى ان الداخلين مداخل الانبياء من مؤمنى هذه الامةل لانه قال وصدقوا المرسلين وتصديق جميع الرسل انما صدر منهم لا ممن قبلهم من الامم وفى الحديث « من يدخل الجنة ينعم ولا ييأس لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه » قوله ينعم بفتح الياء والعين اى يصيب نعمة وقوله ولا ييأس بفتح الهمزة اى لا يفتقر وفى بعض النسخ بضمها اى لا يرى شدة قوله لا تبلى بفتح حرف المضارعة واللام(12/260)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21)
{ ألم تر } [ آيا نمى بينى يا محمد ] او يا ايها الناظر { ان الله انزل من السماء } من تحت العرش { ماء } هو المطر - روى - عن ابى هريرة رضى الله عنه عن النبى عليه السلام انه قال « المياه العذبة والرياح اللواقح من تحت صخرة بيت المقدس » يعنى كل ماء فى الارض نهرا او غيره فهو من السماء ينزل منها الى الغيم ثم منه الى الصخرة يقسمه الله بين البقاع { فسلكه } يقال سلك المكان وسلك غيره فيه واسلكه ادخله فيه اى فادخل ذلك الماء ونظمه { ينابيع فى الارض } اى عيونا ومجارى كالعروق فى الاجساد فقوله { ينابيع } نصب بنزع الخافض وقد ذكر الخافض فى قوله { اسلك يدك فى جيبك } وقوله { فى الارض } بيان لمكان الينابيع كقولك لصاحبك ادخل الماء فى جدول المبطخة فى البستان وفيه ان ماء العين هو المطر يحبسه فى الارض ثم يخرجه شيأ فشيأ فالينابيع جميع ينبوع وهو يفعول من نبع الماء ينبع نبعا مثلثة ونبوعا خرج من العين والينبوع العين التى يخرج منها الماء والينابيع الامكنة التى ينبع ويخرج منها الماء { ثم يخرج به } [ بس بيرون مى آرد بدان آب ] { زرعا } هو فى الاصل مصدر بمعنى الانبات عبر به عن المزروع اى مزروعا { مختلفا الوانه } اصنافه من بر وشعير وغيرهما وكيفاته من الالوان والطعوم وغيرهما . وكلمة ثم للتراخى فى الرتبة او الزمان وصيغة المضارع لاستحضار الصورة
قال فى المفردات اللون معروف وينطوى على الابيض والاسود وما يركب منهما ويقال تلوّن اذا اكتسى لونا غير اللون الذى كان له ويعبر بالالوان عن الاجناس والانواع يقال فلان اتى بالوان من الاحاديث وتناول كذا لونا من الطعام انتهى { ثم يهيج } اى يتم جفافه حين حان له ان يثور عن منبته يقال هاج يهيج هيجا وهيجانا بالكسر ثار وهاج النبت يبس كما فى القاموس : وبالفارسية [ بس خشك ميشود آن مزروع ] { فتراه مصفرا } من يبسه بعد خضرته ونضرته : وبالفارسية [ بس مى بينى آنرا زرد شده بعد ازتازه كى وسبزى ]
قال الراغب الصفرة لون من الالوان التى بين السواد والبياض وهى الى البياض اقرب ولذلك قد يعبر بها عن السواد { ثم يجعله } اى الله تعالى { حطاما } فتاتا متكسرا كأن لم يغن بالامس : وبالفارسية [ ريزه ريزه ودرهم شكسته ] يقال تحطم العود اذا تفتت من اليبس ولكون هذه الحالة من الآثار القوية علقت بجعل الله تعالى كالاخراج { ان فى ذلك } المذكور مفصلا { لذكرى } لتذكيرا عظيما [ والتذكير : ياد دادن ] { لاولى الالباب } لاصحاب العقول الخالصة من شوائب الخلل وتنبيها لهم على حقيقة الحال يتذكرون بذلك ان حال الحياة الدنيا فى سرعة التقضى والانصرام كما يشاهدونه من حال الحطام كل عام فلا يغترون ببهجتها ولا يفتنون بفتنها(12/261)
بود حال دنيا جو آن سبزه زار ... كه بس تازه بينى بفصل بهار
جو بروى وزد تند باد خزان ... يكى برك سبزى نيابى ازان
قال فى كشف الاسرار الاشارة فى هذه الآية الى ان الانسان يكون طفلا ثم شابا ثم كهلا ثم شيخا ثم يصير الى ارذل العمر ثم آخره يخترم ويقال ان الزرع ما لم يؤخذ منه الحب الذى هو المقصود منه لا يكون له قيمة كذلك الانسان ما لم يخل من نفسه لا يكون له قدر ولا قيمة
وفى التأويلات النجمية يشير بقوله { ألم تر } الخ الى انزال ماء الفيض الروحانى من سماء القلب { فسلكه ينابيع } الحكمة { فى الارض } البشرية { ثم يخرج به زرعا } من الاعمال البدنية { مختلفا الوانه } من الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد { ثم يهيج } الخ يشير الى اعمال المرائى تراها مخضرة على وفق الشرع ثم تجف من آفة العجب والرياء { فتراه مصفرا } لا نور له { ثم يجعله } من رياح القهر اذ هبت عليه { حطاما } لا حاصل له الا الحسرة وقوله { ان فى ذلك } الخ اشارة الى ان السالك اذا جرى على مقتضى عقله وعلمه يظهر منه آثار الاجتهاد ثم اذا ترقى الى مقام المعرفة تضمحل منه حالته الاولى ثم اذا بدت انوار التوحيد استهلكت الجملة كما قالوا
فلما استبان الصبح ادرج ضوءه ... بانواره انوار تلك الكواكب
فالتوحيد كالشمس ونورها فكما انه بنور الشمس تضمحل انوار الكواكب فكذا بنور التوحيد تتلاشى انوار العلوم والمعارف ويصير حالها الى الافول والفناء ويظهر حال اخرى من عالم البقاء(12/262)
أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)
{ أفمن شرح الله صدره للاسلام } الهمزة للاستفهام الانكارى والفاء للعطف على محذوف ومن شرطية او موصولة وخبرها محذوف دل عليه ما بعده . واصل الشرح بسط اللحم ونحوه يقال شرحت اللحم وشرحته ومنه شرح الصدر بنور الهى وسكينة من جهته تعالى وروح منه كما فى المفردات
قال فى الارشاد شرح الصدر للاسلام عبارة عن تكميل الاستعداد له فان الصدر بالفارسية [ سينه ] محل القلب الذى هو منبع للروح التى تتعلق بها النفس القابلة للاسلام فانشراحه مستدع لاتساع القلب واستضاءته بنوره فهذا شرح قبل الاسلام لا بعده والمعنى أكل النساس سواء فمن بالفارسية [ بس هركسى وياآنكس كه ] { شرح الله صدره } اى خلقه متسع الصدر مستعدا للاسلام فبقى على الفطرة الاصلية ولم يتغير بالعوارض المكتسبة القادمة فيها { فهو } بموجب ذلك مستقر { على نور } عظيم { من ربه } وهو اللطف الالهى الفائض عليه عند مشاهدة الآيات التكوينية والتنزيلية والتوفيق للاهتداء بها الى الحق كمن قسا قلبه وحرج صدره بسبب تبديل فطرة الله بسوء اختياره واستولت عليه ظلمات الغى والضلالة فاعرض عن تلك الآيات بالكلية حتى لا يتذكر بها ولا يغتنمها كقوله تعالى { ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا } يعنى ليس من هو على نور كمن هو على ظلمة فلا يستويان كما لا يستوى النور والظلمة والعلم والجهل
واعلم انه لا نور ولا سعادة لمسلم الا بالعلم والمعرفة ولكل واحد من المؤمنين معرفة تختص به وانما تتفاوت درجاتهم بحسب تفاوت معارفهم
والايمان والمعارف انوار فمنهم من يضيىء نوره جميع الجهات ومنهم من لا يضيىء نوره الا موضع قدميه فايمان آحاد العوام نوره كنور الشمع وبعضهم نوره كنور السراج وايمان الصديقين نوره كنور القمر والنجوم على تفاوتها واما الانبياء فنور ايمانهم كنور الشمس وازيد فكما ينكشف فى نورها كل الآفاق مع اتساعها ولا ينكشف فى نور الشمع الا زاوية ضيقة من البيت كذلك يتفاوت انشراح الصدور بالمعارف وانكشاف سعة الملكوت لقلوب المؤمنين ولهذا جاء فى الحديث « انه يقال يوم القيامة اخرجوا من النار من فى قلبه مثقال من الايمان ونصف مثقال وربع مثقال وشعيرة وذرة »
ففيه تنبيه على تفاوت درجات الايمان وبقدره تظهر الانوار يوم القيامة فى المواقف خصوصا عند المرور على الصراط { فويل } [ بس شدت عذاب ] { للقاسية قلوبهم من ذكر الله } القسوة غلظ القلب واصله من حرج قاس والمقاساة معالجة ذلك ومن اجلية وسببية كما فى قوله تعالى { مما خطيآتهم اغرقوا } والمعنى من اجل ذكره الذى حقه ان تنشرح له الصدور وتطمئن به القلوب اى اذا ذكر الله تعالى عندهم وآياته اشمأزوا من اجله وازدادت قلوبهم قساوة كقوله تعالى { فزادتهم رجسا }(12/263)
وقرىء عن ذكر الله اى فويل للذين غلظت قلوبهم عن قبول ذكر الله
وعن مالك بن دينار رحمه الله ما ضرب عبد بعقوبة اعظم من قسوة قلبه وما غضب الله على قوم الا نزع منهم الرحمة
وقال الله تعالى لموسى عليه السلام فى مناجاته يا موسى لا تطل فى الدنيا املك فيقسو قلبك والقلب القاسى منى بعيد وكن خلق الثياب جديد القلب تخف على اهل الارض وتعرف فى اهل السماء وفى الحديث « تورث القسوة فى القلب ثلاث خصال حب الطعام وحب النوم وحب الراحة »
وفى كشف الاسرار [ بدانكه اين قسوة دل از بسيارى معصيت خيزد عائشة صديقه رضى الله عنها كويد اول بدعتى كه بعد از رسول خدا درميان خلق بديد آمد سيرى بود . ذون مصرى رحمه الله كويد هركز سيرنخوردم كه نه معصيتى كردم . شبلى رحمه الله كفت يهج وقت كرسنه نه نشستم كه در دل خود حكمتى وعبرتى تازه يافتم ] وفى الحديث « افضلكم عند الله اطولكم جوعا وتفكرا وابغضكم الى الله كل اكول شروب نؤوم كلوا واشربوا فى انصاف البطون فانه جزؤ من النبوة » قال الشيخ سعدى
باندازه خور زاد اكر آدمى ... جنين برشكم آدمى يا خمى
درون جاى قوتست وذكر نفس ... تو بندارى از بهرنانست وبس
ندارند تن بروران آكهى ... كه برمعده باشد زحكمت تهى
{ اولئك } البعداء الموصوفون بما ذكر من قساوة القلب : وبالفارسية [ آن كروه غافلان وسنكدلان ] { فى ضلال } بعيد عن الحق { مبين } ظاهر كونه ضلالا للناظر بادنى نظر : يعنى [ ضلالت ايشان برهركه اندك فهمى دارد ظاهراست ]
واعلم ان الآية عامة فيمن شرح صدره للاسلام بخلق الايمان فيه
وقيل نزلت فى حمزة بن عبد المطلب وعلى بن ابى طالب رضى الله عنهما وابى لهب وولده . فحمزة وعلى ممن شرح الله صدره للاسلام . وابو لهب وولده من الذين قست قلوبهم فالرحمة للمشروح صدره والغضب للقاسى قلبه روى فى الخبر انه لما نزلت هذه الآية قالوا كيف ذلك يا رسول الله يعنى ما معنى شرح الصدر قال « اذا دخل النور القلب انشرح وانفسح » فقيل ما علامة ذلك قال « الانابة الى دار الخلود » يعنى التوجه للآخرة « والتجافى عن دار الغرور » [ يعنى برهيز كردن از دنيا ] « والتأهب للموت قبل نزوله » [ وعزيزى درين معنا فرموده است ]
نشان آندلى كز فيض ايمانست نورانى ... توجه باشد اول سوى دار الملك روحانى
زدنيا روى كردانيدن وفكراجل كردن ... كه جون مرك اندر آيدخوش توان مردن بآسانى
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان الايمان نور ينوّر الله به مصباح قلوب عباده المؤمنين والاسلام ضوء نور الايمان تستضيء به مشكاة صدورهم ففى الحقيقة من شرح الله صدره بضوء نور الاسلام فهو على نور من نظر عناية ربه .(12/264)
ومن امارات ذلك النور محو آثار ظلمات الصفات الذميمة النفسانية من حب الدنيا وزينتها وشهواتها واثبات حب الآخرة والاعمال الصالحة والتحلية بالاخلاق الكريمة الحميدة قال تعالى { يمحو الله ما يشاء ويثبت } ومن اماراته ان تلين قلوبهم لذكر الله فتزداد اشواقهم الى لقاء الله تعالى وجواره فيسأمون من محن الدنيا وحمل اثقال اوصاف البهيمية والسبعية والشيطانية فيفرون الى الله ويتنورون بانوار صفاته منها نور اللوائح بنور العلم ثم نور اللوامع ببيان الفهم ثم نور المحاضة بزوائد اليقين ثم نور المكاشفة بتجلى الصفات ثم نور المشاهدة بظهور الذات ثم انوار جلال الصمدية بحقائق التوحيد فعند ذلك لا وجد ولا وجود ولا قصد ولا مقصود ولا قرب ولا بعد ولا وصال ولا هجران ان كل شىء هالك الا وجهه كلا بل هو الله الواحد القهار
جامىمكن انديشه زنزديكى ودورى ... لاقرب ولابعد ولاوصل ولا بين
قال الواسطى نور الشرح منحة عظيمة لا يحتمله احد الا المؤيدون بالعناية والرعياة فان العناية تصون الجوارح والاشباح والرعاية تصون الحقائق والارواح
وفى كشف الاسرار [ بدان كه دل آدمىرا جهار برده است . برده اول صدراست مستقر عهد اسلام كقوله تعالى { أفمن شرح الله صدره للاسلام } . برده دوم قلب است محل نورايمان كقوله تعالى { اولئك كتب فى قلوبهم الايمان } برده سوم فؤادست سرابرده مشاهده حق كقوله تعالى { ما كذب الفؤاد ما رأى } برده جهارم شفافست مجط رحل عشق كقوله تعالى { قد شغفها حبا } رب العالمين جون خواهدكه رميده را بكمند لطف درراه دين خويش كشد اول نظرى كند بصد روى تاسينه وى از هوى وبدعتها باك كردد وقدم وى برجاده سننت مستقيم شود بس نظر كند بقلب وى تا ازآلايش دنيا واخلاق نكوهيده جون عجب وحسد وكبر وريا وحرص وعداوت ورعونت باك كردد ودر راه ورع روان شود بس نظرى كند بفؤاد وى واورا ازآب وكل بازبرد قدم در كوى فنا نهد ونور برسه قسم است يكى برزبان ويكى دردل ويكى درتن . نور زبان يجنت رساند لقوله تعالى { فاثابهم الله بما قالوا جنات } نورتن بفردوس رساند لقوله { ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا } نوردل بلقاى دوست رساند ] لقوله { وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة } وفى الحديث « ان لاهل النعم اعداء فاحذروهم »
قال بعضهم واجل النعم على العبد نعمة الاسلام وعدوها ابليس فاحفظ هذه النعمة وسائر النعم واحذر من النسيان والقسوة والكفران
قال الحسين النورى رحمه الله قسوة القلب بالنعم اشد من قسوته بالشدة فانه بالنعمة يسكن وبالشدة يذكر وقال من همّ بشىء مما اباحه العلم تلذذا عوقب بتضييع العمر وقسوة القلب فليبك على نفسه من صرف عمره وضيع وقته ولم يدرك مراتب المنشر حين صدروهم وبقى مع القاسين قلوبهم نسألك اللهم الحفظ والعصمة(12/265)
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)
{ الله نزل احسن الحديث } هو القرآن الكريم الذى لا نهاية لحسنه ولا غاية لجمال نظمه وملاحة معانيه وهو احسن مما نزل على جميع الانبياء والمرسلين واكمله واكثره احكاما . وايضا حسن الحديث لفصاحته واعجازه . وايضا لانه كلام الله وهو قديم وكلام غيره مخلوق محدث . وايضا لكونه صدقا كله الى غير ذلك سمى حديثا لان النبى عليه السلام كان يحدّث به قومه ويخبرهم بما ينزل عليه منه فلا يدل على حدوث القرآن فان الحديث فى عرف العامة الخبر والكلام
قال فى المفردات كل كلام يبلغ الانسان من جهة السمع او الوحى فى يقظته او منامه يقال له حديث روى ان اصحاب رسول الله عليه السلام ملوا ملة فقالوا له عليه السلام حدثنا حديثا او لو حدثتنا : يعنى [ جه شودكه براى ماسخنى فرمايند وكام طوطيان ارواح مستمعان را بحديث ازل شكر بار وشيرين كردانند سرمايه حيات ابد اهل ذوق را دريك حكايت ازلب شكر فشان يست ] فنزلت هذه الآية . والمعنى ان فيه مندوحة عن سائر الاحاديث { كتابا } بدل من احسن الحديث { متشابها } معانيه فى الصحة والاحكام والابتناء على الحق والصدق واستتباع منافع الخلق فى المعاد والمعاش وتناسب الفاظه فى الفصاحة وتجاوب نظمه فى الاعجاز { مثانى } صفة اخرى لكتابا ووصف الواحد وهو الكتاب بالجمع وهو المثانى باعتبار تفاصيله كما يقال القرآن سور وآيات والانسان عروق وعظام واعصاب وهو جمع مثنى بضم الميم وتشديد النون بمعنى مردد ومكرر لما ثنى من قصصه وانبائه واحكامه واوامره وواهيه ووعده ووعيده ومواعظه او لانه ثنى فى التلاوة فلا يمل كما جاء فى نعته لا يخلق على كثرة الترداد اى لا يزول رونقه ولذة قراءته واستماعه من كثرة ترداده على ألسنة التالين وتكراره على آذان المستمعين واذهان المتفكرين على خلاف ما عليه كلام المخلوق وفى القصيدة البردية
فلا تعد ولا تحصى عجائبها ... ولا تسام على الاكثار بالسأم
اى لا تقابل آيات القرآن مع الاكثار بالملال
وفى المفردات وسمى سور القرآن مثانى لانها تثنى على مرور الايام وتكرر فلا تدرس ولا تنقطع دروس سائر الاشياء التي تضمحل وتبطل على مرور الايام وانما تدرس الاوراق كما روى ان عثمان رضى الله عنه حرق مصحفين لكثرة قراءته فيهما . ويصح ان يقال للقران مثانى لما يثنى ويتجدد حالا فحالا من فوائده كما جاء فى نعته ولا تنقضى عجائبه . ويجوز ان يكون ذلك من الثناء تنبيها على انه ابداء يظهر منه ما يدعو الى الثناء عليه وعلى من يتلوه ويعلمه ويعمل به وعلى هذا الوجه وصفه بالكرم فى قوله { انه لقرآن كريم } وبالمجد فى قوله { بل هو قرآن مجيد }(12/266)
او هو جمع مثنى بفتح الميم واسكان الثاء مفعل من الثنية بمعنى التكرير والاعادة كما فى قوله تعالى { ثم ارجع البصر كرتين } اى كرة بعد كرة او جمع مثنى بضم الميم وسكون الثا وفتح النون اى مثنى عليه بالبلاغة والاعجاز حتى قال بعضهم لبعض ألا سجدت لفصاحته ويجوز ان يكون بكسر النون اى مثن علىّ بما هو اهله من صفاته العظمى
قال ابن بحر لما كان القرآن مخالفا لنظم البشر ونثرهم حول اسماءه بخلاف ما سموا به كلامهم على الجملة والتفصيل فسمى جملته قرآنا كما سموا ديوانا وكما قالوا قصيدة وخطبة ورسالة قال سورة وكما قالوا بيت قال آية وكما سميت الابيات لاتفاق اواخرها قوافى سمى الله القرآن لاتفاق خواتيم الآى فيه مثانى
وفى التأويلات النجمية القرآن كتاب متشابه فى اللفظ مثانى فى المعنى من وجهين . احدهما ان لكل لفظ منه معانى مختلفة بعضها يتعلق بلغة العرب وبعضها يتعلق باشارات الحق وبعضها يتعلق باحكام الشرع كمثل الصلاة فان معناها فى اللغة الدعاء وفى احكام الشرع عبارة عن هيآت واركان وشرائط وحركات مخصوصة بها وفى اشارة الحق تعالى هى الرجوع الى الله كما جاء روحه من الحضرة بالنفخة الخاصة الى القالب فانه عبر على القيام الذى يتعلق بالسماوات ثم على الركوع الذى يتعلق بالحيوانات ثم على السجود الذى يتعلق بالنباتات ثم على التشهد الذى يتعلق بالمعادن فالبصلاة يشير الله عز وجل الى رجوع الروح الى حضرة ربه على طريق جاء منها ولهذا قال النبى عليه السلام « الصلاة معراج المؤمن » والوجه الثانى ان لكل آية تشبها بآية أخرى من حيث صورة الالفاظ ولكن المعانى والاشارات والاسرار والحقائق مثانى فيها الى ما لا ينتهى والى هذا يشير بقوله { قل لو كان البحر مدادا } الآية { تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم } استئناف مسوق لبيان آثاره الظاهرة فى سامعيه بعد بيان اوصافه فى نفسه وتقرير كونه احسن الحديث يقال اقشعر جلده اخذته قشعريرة اى رعدة كما فى القاموس . والجلد قشر البدن كما فى المفردات
وقال بعضهم اصل الاقشعرار تغير كالرعدة يحدث فى جلد الانسان عند الوجل والخوف
وفى الارشاد الاقشعرار التقبض يقال اقشعر الجلد اذا تقبض تقبضا شديدا وتركيبه من القشع وهو الاديم اليابس قد ضم اليه الراء ليكون باعثا ودالا على معنى زائد يقال اقشعر جلده ووقف شعره اذا عرض له خوف شديد من منكر حائل دهمه بغتة . والمراد اما بيان افراط خشيتهم بطريق التمثيل والتصوير او بيان حصول تلك الحالة وعروضها لهم بطريق التحقيق وهو الظاهر اذ هو موجود عند الخشية محسوس يدركه الانسان من نفسه وهو يحصل من التأثر القلبى فلا ينكر . والمعنى انهم اذا سمعوا بالقرآن وقوارع آيات وعيده اصابتهم هيبة وخشية تقشعر منها جلودهم اى يعلوها قشعريرة ورعدة : وبالفارسية [ لرزد ازو يعنى از خوف وعيدكه كر قرآنست بوستها برتنهاى آنانكه مى ترسند از بروردكار خود ] { ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله } اللين ضد الخشونة ويستعمل ذلك فى الاجسام ثم يستعار للخلق ولغيره من المعانى .(12/267)
والجلود عبارة عن الابدان والقلوب عن النفوس كما فى المفردات اى ثم اذا ذكروا رحمة الله وعموم مغفرته لانت ابدانهم ونفوسهم وزال عنها ما كان بها من الخشية والقشعريرة بان تبدلت خشيتهم رجاء ورهبتهم رغبة : وبالفارسية [ بس نرم ميشود وآرام ميكيرد بوستها ودلهاى ايشان بسوى يادكردن رحمت ومغفرت ] وتعدية اللين بالى لتضمنه معنى السكون والاطمئنان كأنه قيل تسكن وتطمئن الى ذكر الله لينة غير منقبضة راجية غير خاشعة او تلين ساكنة مطمئنة الى ذكر الله على ان المتضمن بالكسر يقع حالا من المتضمن بالفتح . وانما اطلق ذكر الله ولم يصرح بالرحمة ايذانا بانها اول ما يخطر بالبال عند ذكره تعالى
فان قلت لم ذكرت الجلود وحدها اولا ثم قرنت بها القلوب ثانيا
قلت لتقدم الخشية التى هى من عوارض القلوب فكأنه قيل تقشعر جلودهم من آيات الوعيد وتخشى قلوبهم من اول وهلة فاذا ذكروا الله ومبنى امره على الرأفة والرحمة استبدلوا بالخشية رجاء فى قلوبهم وبالقشعريرة لينا فى جلودهم . فالجملتان اشارة الى الخوف والرجاء او القبض والبسط او الهيبة والانس او التجلى والاستتار
قال النهر جورى رحمه الله وصف الله بهذه الآية سماع المريدين وسماع العارفين وقال سماع المريدن باظهار الحال عليهم وسماع العارفين بالاطمئنان والسكون فالاقشعرار صفة اهل البداية واللين صفة اهل النهاية
وعن شهر بن حوشب قالت ام الدرداء رضى الله عنها انما الوجل فى قلب الرجل كاحتراق السعفة أما تجد الا قشعريرة قلت بلى قالت فادع الله فان الدعاء عند ذلك مستجاب وذلك لانجذاب القلب الى الملكوت وعالم القدس واتصاله بمقام الانس { ذلك } الكتاب الذى شرح احواله { هدى الله } { راه نمودن خداست يعن ارشاديست مرخلق را ازخداى ] { يهدى به } [ راه بنمايد بوى ] { من يشاء } ان يهديه من المؤمنين المتقين كما قال { هدى للمتقين } لصرف مقدوره الى الاهتداء بتأمله فيما فى تضاعيفه من الشواهد الخفية ودلائل كونه من عند الله { ومن يضلل الله } اى يخلق فيه الضلالة لصرف قدرته الى مباديها واعراضه عما يرشده الى الحق بالكلية وعدم تأثره بوعده ووعيده اصلا { فماله من هاد } يخلصه من ورطة الضلال
وفى التأويلات النجمية { ومن يضلل الله } بان يكله الى نفسه وعقله ويحرمه من الايمان بالانبياء ومتابعتهم { فماله من هاد } من براهين الفلاسة والدلائل العقلية : قال المولى الجامى قدس سره
خواهى بصوب كعبه تحقيق ره برى ... بى برده مقلد كم كرده ره مرو
وفى كشف الاسرار [ يكى ازصحابه روزى بآن مهتر عالم عليه السلام كفت يا رسول الله جرا رخساره ما دراستماع قرآن سرخ ميكردد وآن منافقان سياه كفت زيراكه قرآن نوريست مارا مى افروزد وايشانرا ميسوزد ] يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا : قال الخجندى قدس سره(12/268)
دل ازشنيدن قرآن بكيردت همه وقت ... جوباطلان زكلام حقت ملولى جيست
وفى الآية لطائف
منها انه لما عقب احسنية القرآن بكونه متشابها ومثانى رتب عليه اقشعرار جلود المؤمنين ايماء الى ان ذلك انما يحصل بكونه مرددا ومكررا لان النفوس انفر شىء من حديث الوعظ والنصيحة واكثر جمودا واباء عنه فلا تلين شكيمتها ولا تنقاد طبيعتها الا ان يلقى اليها النصائح عودا بعد بدء ولهذا كان عليه السلام يكرر وعظه ثلاثا او سبعا
ومنها ان الاقعشرار امر مستجلب للرحمة قال عليه السلام « اذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه » اى تساقطت « كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها » وعنه عليه السلام « اذا اقشعر جلد العبد من خشية الله حرمه الله على النار » ولما اتخذ الله ابراهيم خليلا القى فى قلبه الوجل حتى ان خفقان قلبه يسمع من بعيد كما يسمع خفقان الطير فى الهواء
قال مسروق ان المخافة قبل الرجاء فان الله تعالى خلق جنة ونارا فلن تخلصوا الى الجنة حتى تمروا بالنار
ومنها ان غاية ما يحصل للعابدين من الاحوال المذكورة فى هذه الآية من الاقشعرار والخشية والاطمئنان
قال قتادة هذا نعت اولياء الله نعتهم بان تقشعر جلودهم وتطمئن قلوبهم ولم ينعتهم بذهاب عقلهم والغشيان عليهم وانما ذلك فى اهل البدع وهو من الشيطان
وعن عبد الله بن عبد الله ابن الزبير قال قلت لجدتى اسماء بنت ابى بكر رضى الله عنه كيف كان اصحاب رسول الله يفعلون اذا قرئ عليهم القرآن قالت كانوا كما نعتهم الله تدمع اعينهم وتقشعر جلودهم قال فقلت لها ان ناسا اليوم اذا قرئ عليهم القرآن خر احدهم مغشيا عليه فقالت اعوذ بالله من الشيطان الرجيم وروى ان ابن عمر رضى الله عنهما مر برجل من اهل العراق ساقط فقال ما بال هذا قالوا انه اذا قرئ عليه القرآن او سمع ذكر الله سقط فقال ابن عمر رضى الله عنه انا لنخشى الله وما نسقط وقال ابن عمر رضى الله عنهما ان الشيطان يدخل فى جوف احدهم ما كان هذا صنيع اصحب محمد صلى الله عليه وسلم كذا فى التفاسير نحو كشف الاسرار والمعالم والوسيط والكواشى وغيرها
يقول الفقير لا شك ان القدح والجرح انما هو فى حق اهل الرياء والدعوى وفى حق من يقدر على ضبط نفسه كما اشار عليه السلام بقوله « من عشق وعف وكتم ثم مات مات شهيدا »(12/269)
فان من غلب على حاله كان الادب له ان لا يتحرك بشىء لم يؤذن فيه واما من غلب عليه الحال وكان فى امره محقا لا مبطلا فيكون كالمجنون حيث يسقط عنه القلم فبأى حركة تحرك كان معذورا فيها فليس حال اهل البداية والتوسط كحال اهل النهاية فان ما يقدر عليه اهل النهاية لا يقدر عليه من دونهم وكأن الاصحاب رضى الله عنهم ومن فى حكمهم ممن جاء بعدهم راعوا الادب فى كل حال ومقام بقوة تمكينهم بل لشدة تلوينهم فى تمكينهم فلا يقاس عليهم من ليس له هذا التمكين فرب اهل تلوين يفعل ما لا يفعله اهل التمكين وهو معذور فى ذلك لكونه مغلوب الحال ومسلوب الاختيار فليجتهد العاقل فى طريق الحق بلا رياء ودعوى وليلازم الادب فى كل امر متعلق بفتوى او تقوى وليحافظ على ظاهره وباطنه من الشين ومما يورث الرين والغين(12/270)
أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24)
{ أفمن يتقى بوجهه } الهمزة للانكار والفاء للعطف على محذوف ومن شرطية والخبر محذوف . والاتقاء بالفارسية [ حذركردن وخود را نكاه داشتن ] يقال اتقى فلان بكذا اذا جعله وقاية لنفسه والتركيب يدل على دفع شىء عن شىء يضره وتقدير الكلام أكل الناس سواء فمن شأنه وهو الكافر ان يقى نفسه بوجهه الذى هو اشرف اعضائه { سوء العذاب } اى العذاب السيىء الشديد : يعنى [ زبانه آتش ] كما فى تفسير الفارسى للكاشفى { يوم القيمة } لكون يده التى بها كان يتقى المكاره والمخاوف مغلولة الى عنقه كمن هو آمن وهو المؤمن لا يعتريه مكروه ولا يحتاج الى الاتقاء بوجه من الوجوه
وفى التأويلات النجمية { أفمن يتقى ب } توجه { وجهه } لله { سوء العذاب } اى عذاب السيىء { يوم القيامة } ويدفعه به عن نفسه كمن لا يتقى ويظلم على نفسه { وقيل للظالمين } الذين وضعوا الكفر موضع الايمان والتكذيب موضع التصديق والعصيان موضع الطاعة وهو عطف على يتقى اى ويقال لهم من جهة خزنة النار . وصيغة الماضى للدلالة على التحقيق ووضع المظهر فى مقام المضمر للتسجيل عليهم بالظلم والاشعار بعلة الامر فى قوله { ذوقوا } [ بجشيد ] { ما كنتم تكسبون } اى وبال ما كنتم تكسبونه فى الدنيا على الدوام من الكفر والتكذيب والمعاصى
وفى التأويلات النجمية اى ذوقوا ما كسبتم بافعالكم الرديئة واخلاقكم الدنيئة يعنى كنتم فى عين العذاب ولكن ما كنتم تجدون ذوقه لغلبة نوم الغفلة فاذا متم انتبهتم(12/271)
كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (25)
{ كذب الذين } من الامم السابقة الذين جاؤا { من قبلهم } اى من قبل كفار مكة يعنى كذبوا انبياءهم كما كذبك قومك { فاتاهم العذاب } المقدر لكل امة منهم : وبالفارسية [ بس آمد بديشان عذاب الهى ] { من حيث لا يشعرون } من الجهة التى لا يحتسبون ولا يخطر ببالهم اتيان العذاب والشر منها بينا هم آمنون رافهون اذ فوجئوا من مأمنهم فمعنى من حيث لا يشعرون اتاهم العذاب وهم آمنون فى انفسهم غافلون عن العذاب . وقيل معناه لا يعرفون له مدفعا ولا مردا
وفى التأويلات النجمية اى اتاهم العذاب فى صورة الصحة والنعمة والسرور وهم لا يشعرون انه العذاب واشد العذاب ما يكون غير متوقع(12/272)
فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (26)
{ فاذاقهم الله الخزى } اى الذل والصغار : وبالفارسية [ بس بجشانيده ايشانرا خداى تعالى خوراى ورسوايى ] يعنى احسوابه احساس الذائق المطعوم { فى الحيوة الدنيا } بيان لمكان اذاقة الخزى وذلك الخزى كالمسخ والخسف والغرق والقتل والسبى والاجلاء ونحو ذلك من فنون النكال وهو العذاب الادنى { ولعذاب الآخرة } المعد لهم { اكبر } من العذاب الدنيا لشدته ودوامه { لو كانوا يعلمون } اى لو كان من شأنهم ان يعلموا لعلموا ذلك واعتبروا به وما عصوا الله ورسوله وخلصوا انفسهم من العذاب
فعلى العاقل ان يرجع الى ربه بالتوبة والانابة كى يتخلص من عذاب الدنيا والآخرة
وعن الشبلى قدس سره انه قال قرأت اربعة آلاف حديث ثم اخترت منها واحدا وعملت به وخليت ما سواه لانى تأملته فوجدت خلاصى ونجاتى فيه وكان علم الاولين والآخرين مندرجا فيه وذلك ان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال لبعض اصحابه « اعمل لدنياك بقدر مقامك فيها واعمل لآخرتك بقدر بقائك فيها واعمل لله بقدر حاجتك اليه واعمل للنار بقدر صبرك عليها » فاذا كان الصبر على النار غير ممكن للانسان الضعيف فليسلك طريق النجاة المبعدة عن النار الموصلة الى الجنات واعلى الدرجات وفى الحديث « ان بدلاء امتى لم يدخلوا الجنة بصلاة ولا قيام ولكن دخلوها بسخاء الانفس وسلامة الصدر والنصح للمسلمين » واصل الكل هو التوحيد
وعن حذيفة رضى الله عنه انه قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول « مات رجل من قوم موسى فاذا كان يوم القيامة يقول الله تعالى لملائكته انظروا هل تجدون لعبدى شيأ من الاعمال فيقولون لا نجد سوى نقش خاتمه لا اله الا الله فيقول الله تعالى لملائكته ادخلوا عبدى الجنة قد غفرت له » فاذا كان التوحيد منجيا بنقشه الظاهرى فما ظنك بنقشه الباطنى فلا بد من الاجتهاد لاصلاح النفس وتقوية اليقين والحمد لله على نعمة الاسلام والدين وحكى عن ابى على النسفى انه قال فقد مسلم حمارا فخرج فى طلبه فاستقبله مجوسى فانصرف المؤمن وقال الهى انا فقدت الدابة وهذا فقد الدين فمصيبته اكبر من مصيبتى الحمد لله الذى لم يجعل مصيبتى كمصيبته وهذا بالنسبة الى الوقت والحال واما امر المآل فعلى الاشكال كما قال فى المثنوى
هيج كافررا بحوارى منكريد ... كه مسلمان مردنش باشد اميد
جه خبردارى زختم عمر او ... تا بكردانى ازو يكباره رو
ومن الله التوفيق(12/273)
وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27)
{ ولقد ضربنا للناس فى هذا القرآن من كل مثل } يحتاج اليه الناظر فى امور دينه
قال السمرقندى ولقد بينا لهم فيه كل صفة هى فى الغرابة اى فى غرابتها وحسنها كالمثل السائر وقصصنا عليهم كل قصة عجيبة الشان كقصة الاولين وقصة المبعوثين يوم القيامة وغير ذلك . والمراد بالناس اهل مكة كما فى الوسيط ويعضده ما قال بعضهم من ان الخطاب بقوله { يا ايها الناس } فى كل ما وقع فى القرآن لاهل مكة والظاهر التعميم لهم ولمن جاء بعدهم { لعلهم يتذكرون } يتذكرون به ويتعظون به(12/274)
قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)
{ قرآنا عربيا } اى بلغة العرب وهو حال مؤكدة من هذا على ان مدار التأكيد هو الوصف اى التأكيد فى الحقيقة هو الصفة ومفهومها . وبعضهم جعل القرآن توطئة للحال التى هى عربيا والحال الموطئة اسم جامد موصوف بصفة هى الحال فى الحقيقة ويجوز ان ينتصب على المدح اى اريد بهذا القرآن قرآنا عربيا { غير ذى عوج } لا اختلاف فيه بوجه من الوجوه ولا تناقض ولا عيب ولا خلل . والفرق بينه بالفتح وبينه بالكسر ان كل ما ينتصب كالحائط والجدار والعود فهو عوج بفتح العين وكل ما كان فى المعانى والاعيان الغير المنتصبة وبفتحها فى المنتصبة كالرمح والجدار ولذا قال اهل التفسير لم يقل مستقيما او غير معوج مع انه اخصر لفائدتين . احداهما نفى ان يكون فيه عوج ما بوجه من الوجوه كما قال { ولم يجعل له عوجا } والثانية ان لفظ العوج مختص بالمعانى دون الاعيان وهو بالفارسية [ كجى ]
وقال ابن عباس رضى الله عنهما { غير ذى عوج } اى غير مخلوق وذلك لان كونه مقروا بالالسنة ومسموعا بالآذان ومكتوبا فى الاوراق ومحفوظا فى الصدور لا يقتضى مخلوقيته اذ المراد كلام الله القديم القائم بذاته
وفى حقائق البقلى قرآنا قديما ظهر من الحق على لسان حبيبه لا يتغير بتغير الزمان ولا يرهقه غبار الحدثان لا تعوجه الحروف ولا تحيط به الظرف
وفى بحر الحقائق صراطا مستقيما الى حضرتنا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه { لعلهم يتقون } علة اخرى مترتبة على الاولى فان المصلحة فى ضرب الامثال هو التذكر والاتعاظ بها اولا ثم تحصيل التقوى . والمعنى لعلهم يعملون عمل اهل التقوى فى المحافظة على حدود الله فى القرآن والاعتبار بامثاله : وبالفارسية [ شايدكه ايشان بسبب تأمل درمعانى آن بيرهيزند ازكفروتكذيب ]
ثم اورد مثلا من تلك الامثال فقال(12/275)
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29)
{ ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون } المراد بضرب المثل هنا تطبيق حالة عجيبة باخرى مثلها كما مر فى اوائل سورة يس ومثلا مفعول ثان لضرب ورجلا مفعوله الاول اخر عن الثانى للتشويق اليه وليتصل به ما هو من تتمته التى هى العمدة فى التمثيل وفيه خبر مقدم لقوله شركاء والجملة فى حيز النصب على الوصفية لرجلا [ والتشاكس : بايكديكر بدخويى كردن ]
قال فى المفردات الشكس السيىء الخلق ومتشاكسون متشاجرون بشكاسة خلقهم
وفى القاموس وكندس الصعب الخلق وككتف البخيل ومتشاكسون مختلفون عسرون وتشاكسوا تخالفوا . والمعنى جعل الله تعالى للمشرك مثلا حسبما يقود اليه مذهبه من ادعاء كل من معبوديه عبوديته عبدا يتشارك فيه جماعة يتجاذبونه ويتعاورونه فى مهماتهم المتباينة فى تحسره وتوزع قلبه { ورجلا } اى وجعل للموحد مثلا { سلما } خالصا { لرجل } فرد ليس لغيره عليه سبيل اصلا فالتنكير فى كل منهما للافراد اى فردا من الاشخاص لفرد من الاشخاص . والسلم بفتحتين وكقتل وفسق مصدر من سلم له كذا اى خلص نعت به مبالغة كقولك رجل عدل او حذف منه ذو بمعنى ذا سلامة لرجل اى ذا خلوص له من الشرك . والرجل ذكر من بنى آدم جاوز حد الصغر وتخصيص الرجل لانه انطق لما يجرى عليه من الضر والنفع لان المرأة والصبى قد يغفلان عن ذلك { هل } استفهام انكار { يستويان } [ آيا مساوى باشد اين دو بنده ] { مثلا } من جهة الصفة والحال نصب على التمييز والوحدة حيث لم يقل مثلين لبيان الجنس وارادته فيعم اى هل يستوى حالهما وصفاتهما يعنى لا يستويان . والحاصل ان الكافر كالعبد الاول فى كونه حيران متفرق البال لانه يعبد آلهة مختلفة اى اصناما لا يجيىء منها خير بل تكون سببا لوقوعه فى اسفل سافلين كما ان العبد يخدم ملاكا متعاسرين مختلفى الاهوية لا يصل اليه منهم منفعة اصلا والمؤمن كالعبد الثانى فى انضباط احواله واجتماع باله حيث يعبد ربا واحدا يوصله الى اعلى عليين كما ان العبد يخدم سيدا واحدا يرضى عنه ويصل اليه بالعطاء الجزيل
يك يار بسنده كن جويك دل دارى ... { الحمد لله } حيث خصمهم كما قال مقاتل اى قطعهم بالخصومة وغلبهم واظهر الحجة عليهم ببيان عدم الاستواء بطريق ضرب المثل { بل اكثرهم لا يعلمون } اضراب وانتقال من بيان عدم الاستواء على الوجه المذكور الى بيان ان اكثر الناس وهم المشركون لا يعلمون ذلك مع كمال ظهوره فيبقون فى ورطة الشرك والضلال من فرط جهلهم
وفى الآية اشارة الى بيان عدم الاستواء بين الذى يتجاذبه شغل الدنيا وشغل العيال وغير ذلك من الاشياء المختلفة والخواطر المتفرقة وبين الذى هو خالص لله ليس للخلق فيه نصيب ولا للدنيا نسيب وهو من الآخرة غريب والى الله قريب منيب
والحاصل ان الراغب فى الدنيا شغلته امور مختلفة فلا يتفرغ لعبادة ربه واذا كان فى العبادة يكون قلبه مشغولا بالدنيا .(12/276)
والزاهد قد تفرغ من جميع اشغال الدنيا فهو يعبد ربه خوفا وطمعا . والعارف قد تفرغ من الكونين فهو يعبد ربه شوقا الى لقائه فلا استواء بين البطالين والطالبين وبين المنقطعين والواصلين الحمد لله يعنى الثناء له وهو مستحق لصفات الجلال بل اكثرهم لا يعلمون كمال جماله ولا يطلعون على حسن استعدادهم بمرآتية صفات جماله وجلاله والا لعطلوا الامور الدنيوية باسرها وخربت الدنيا التى هى مزرعةن الآخرة : وفى المثنوى
استن اين عالم اىجان غفلتست ... هو شيارى اين جهانرا آفتست
هوشيارى زان جهانست وجوان ... غالب آيد بست كردد اين جهان
هوشيارى آفتاب وحرص يخ ... هوشيارى آب واين عالم وسخ
زان جهان اندك ترشح مىرسد ... تانلغزد درجهان حرص وحسد
كر ترشح بيشتر كردد زغيب ... نىهنر ماند درين عالم نه عيب
فعلى العاقل الرجوع الى الله والعمل بما فى القرآن والاعتبار بامثاله حتى يكون من الذين يعلمون حقيقة الحال : وفى المثنوى
هست قرآن حالهاى انبيا ... ماهيان بحر باك كبريا
ور بخوانى ونه قرآن بذير ... انبيا واوليارا ديده كير
وريذيرايى جو بر خوانى قصص ... مرغ جانت تنك آيد درقفص
مرغ كواندر قفص زندانيست ... مى نجويد رستن ازنادانيست
روحهايى كز قفصها رسته اند ... انبياى رهبر شايسته اند
كان الحسن والحسين رضى الله عنهما يلعبان بين يدى النبى فاعجب بهما فاتاه جبرائيل عليه السلام بقارورة وكاغدة وفى القارورة الدم وفى الكاغدة السم فقال أتحبهما يا محمد فاعلم ان احدهما يقتل بالسيف فهذا دمه والآخر يسقى السم وهذا سمه فقطع القلب عن الاولاد وعلق قلبه بالله تعالى من قال الله ولم يفر من غير الله الى الله لم يقل الله دع روحك وقلبك ثم قل الله كما قال الله تعالى لحبيبه عليه السلام { قل الله ثم ذرهم } اى ذرهم ثم قل الله نسأل الله سبحانه ان يجعلنا من المنقطعين اليه والحاضرين لديه انه هو المسئول(12/277)
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)
{ انك ميت وانهم ميتون } تمهيد لما يعقبه من الاختصام يوم القيامة اذ كان كفار قريش يتربصون برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم موته : يعنى [ كفارمكه ميكفتند جشم ميداريم كه محمد بميرد واز وبازرهيم ] . والموت صفة وجودية خلقت ضدا للحياة
وفى المفردات الموت زوال القوة الحساسية الحيوانية وابانة الروح عن الجسد . والتأكيد بالنون لتنزيل المخاطب منزلة المتردد فيه تنبيها له على ظهور ادلته وحثا على النظر فيها . والمعنى انكم جميعا بصدد الموت فالموت يعمكم ولا معنى للتربص والشماتة بل هو عين الجهالة
مكن شادمانى بمرك كسى ... كه دهرت نماند بس ازوى بسى
فمعنى قوله ميت وميتون : بالفارسية [ مرده خواهى شد وزود بميرند ] اى ستموت وسيموتون والشىء اذا قرب من الشىء يسمى باسمه فلا بد لكل من الموت قريبا وبعيدا وكل آت فهو قريب روى ان آدم عليه السلام لما اهبط الى الارض قيل له لد للفناء وابن للخراب قرأ بعضهم انك مائت وانهم مائتون لانه مما سيحدث وتوضيحه ان المائت صفة حادثة فى الحال او فى المستقبل بدليل صحة قولك زيد مائت الآن او غدا بخلاف الميت فانه صفة لازمة كالسيد للعريق فى السؤدد والسائد لمن حدث له السؤدد
وقيل الموت ليس ما اسند الى ابانة الروح عن الجسد بل هو اشارة الى ما يعترى الانسن فى كل حال من الخلل والنقص وان البشر ما دام فى الدنيا يموت جزأ فجزأ وقد عبر قوم عن هذا المعنى وفصلوا بين الميت والمائت فقالوا هو المتخلل
قال القاضى على بن عبد العزيز ليس فى لغتنا مائت على حسب ما قالوه وانما يقال موت مائت كقولنا شعر شاعر وسيل سائل
قال ابن مسعود رضى الله عنه لما دنا فراق رسول الله جمعنا فى بيت امنا عائشة رضى الله عنها ثم نظر الينا فدمعت عيناه وقال « مرحبا بكم حياكم الله رحمكم الله اوصيكم بتقوى الله وطاعته قد دنا الفراق وحان المنقلب الى الله تعالى والى سدرة المنتهى وجنة المأولى يغسلنى رجال اهل بيتى ويكفنوننى فى ثيابى هذه ان شاؤا او فى حلة يمانية فاذا غسلتمونى وكفنتمونى ضعونى على سريرى فى بيتى هذا على شفير لحدى ثم اخرجوا عنى ساعة فاول من يصلى علىّ حبيبى جبرائيل ثم ميكائيل ثم اسرافيل ثم ملك الموت مع جنودهم ثم ادخلوا علىّ فوجا فوجا فصلوا علىّ » فلما سمعوا فراقه صاحوا وبكوا وقالوا يا رسول الله انت رسول ربنا وشمع جمعنا وبرهان امرنا اذا ذهبت عنا فالى من نرجع فى امورنا قال « تركتكم على المحجة البيضاء » اى على الطريق الواضح الواسع(12/278)
« ليلها كنهارها » اى فى الوضوح « ولا يزيغ بعدها الا هالك وتركت لكم واعظين ناطقا وصامتا فالناطق القرآن والصامت الموت فاذا اشكل عليكم امر فارجعوا الى القرآن والسنة واذا قست قلوبكم فلينوها بالاعتبار فى احوال الاموات » فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه ذلك من صداع عرض له وكان مريضا ثمانية عشر يوما يعوده الناس ثم مات يوم الاثنين كما بعثه الله فيه فغسله على رضى الله عنه وصب الماء اى ماء بئر غرس الفضل بن العباس رضى الله عنهما ودفنوه ليلة الاربعاء وسط الليل وقيل ليلة الثلاثاء فى حجرة عائشة رضى الله عنها وفى الحديث « من اصيب بمصيبة فليذكر مصيبته بى فانها افظع المصائب » وانشد بعضهم
اصبر لكل مصيبة وتجلد ... واعلم بان المرء غير مخلد
واذا اعترتك وساوس بمصيبة ... فاذكر مصابك بالنبى محمد
وفى التأويلات النجمية يشير بقوله { انك ميت } الخ الى نعيه عليه السلام ونعى المسلمين اليهم ليفرغوا باجمعهم عن مأتمهم ولا تعزية فى العادة بعد ثلاث ومن لم يتفرغ عن مأتم نفسه وانواع همومه فليس له من هذا الحديث شمة فاذا فرغ قلبه عن حديث نفسه وعن الكونين بالكلية فحينئذ يجد الخير من ربه وليس هذا الحديث الا بعد فنائهم عنهم ولهذا اوحى الله تعالى الى داود عليه السلام فقال « يا داود فرغ لى بيتا اسكن فيه قال يا رب انت منزه عن البيت كله قال فرغ لى قلبك » وقال لنبينا عليه السلام { ألم نشرح لك صدرك } يعنى قلبك وقال { وثيابك فطهر } اى قلبك عن لوث تعلقات الكونين
سالك باك رو نخوانندش ... آنكه ازماسوى منزه نيست
وقال المولى الجامى قدس سره
روزشب درنظرت موج زنان بحر قدم ... حيف باشد كه بلوث حدث آلوده شوى(12/279)
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)
{ ثم انكم } اى انك واياهم على تغليب ضمير المخاطب على ضمير الغائب واكد بالنون وان كان الاختصام مما لا ينكر لتنزيل المخاطبين منزلة من يبالغ فى انكار الاختصام لانهماكهم فى الغفلة عنه { يوم القيمة عند ربكم } اى مالك امركم { تختصمون } فتحتج انت عليهم بانك بلغتهم ما ارسلت به من الاحكام والمواعظ واجتهدت فى الدعوة الى الحق حق الاجتهاد وهم قد لجوا فى المكابرة والعناد ويعتذرون بما لا طائل تحته مثل اطعنا سادتنا وكبراءنا وجدنا آباءنا
وفى بحر العلوم الوجه الوجيه ان يراد الاختصام العام وان يخاصم الناس بعضهم بعضا مؤمنا او كافرا فيما جرى بينهم فى الدنيا بدلائل . منها قول النبى عليه السلام « اول من يختصم يوم القيامة الرجل والمرأة والله ما يتكلم لسانها ولكن يداها تشهدان ورجلاها عليها بما كانت تعيب لزوجها وتشهد عليه يداه ورجلاه بما كان يؤذيها » ومنها قوله عليه السلام « انا خصم عثمان بن عفان بن يدى الرب تعالى »
وعن ابراهيم النخعى قالت الصحابة رضى الله عنهم ما خصومتنا ونحن اخوان فلما قتل عثمان رضى الله عنه قالوا هذه خصومتنا
وعن ابى سعيد الخدرى رضى الله عنه كنا نقول ربنا واحد ونبينا واحد وديننا واحد وكتابنا واحد فما هذه الخصومة فلما كان يوم صفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا نعم هو هذا . ومنها قوله عليه السلام « من كان عنده مظلمة لاخيه من عرض او شىء فليتحلله اليوم من قبل ان لا يكون دينار ولا درهم ان كان له عمل صالح اخذ منه بقدر مظلمته وان لم يكن له حسنات اخذ من سيآت صاحبه فحمل عليه »
قال ابن الملك يحتمل ان يكون المأخوذ نفس الاعمال بان تتجسد فنصير كالجواهر وان يكون ما اعدلها من النعم والنقم اطلاقا للسبب على المسبب
وعن الزبير بن العوّام رضى الله عنه قال لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم { ثم انكم } الخ قلت اى رسول الله أيكرر علينا ما كان بيننا فى الدنيا مع خواص الذنوب اى الذنوب المخصوصة بنا سوى المخاصمات قال « نعم ليكربن عليكم حتى تؤدوا الى كل ذى حق حقه » قال الزبير ان الامر اذا لشديد وفى الحديث « لا تزال الخصومة بين الناس حتى تخاصم الروح الجسد فيقول الجسد انما كنت بمنزلة جذع ملقى لا استطيع شيأ ويقول الروح انما كنت ريحا لا استطيع ان اعمل شيأ فضرب لهما مثل الاعمى والمقعد يحمل الاعمى المقعد فيدله المقعد ببصره ويحمله الأعمى برجليه » وفى الحديث « أتدرون من المفلس » قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع قال(12/280)
« ان المفلس من امتى من يأتى يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وكان قد شتم هذا وقذف هذا واكل مال هذا وسفك دم هذا فيقضى هذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل ان يقضى ما عليه اخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح فى النار »
فان قيل قال فى آية اخرى { لا تختصموا لدىّ } قيل ان فى يوم القيامة ساعات كثيرة واحوالها مختلفة مرة يختصمون ومرة لا يختصمون كما انه قال { فهم لا يتساءلون } وقال فى آية اخرى { واقبل بعضهم على بعض يتساءلون } يعنى فى حال لا يتساءلون وفى حال يتساءلون وكما انه قال { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه انس ولا جان } وفى موضع آخر { فوربك لنسألنهم اجمعين } ونحو هذا كثير فى القرآن
قال بعض الكبار يوم القيامة يوم عظيم شديد يتجلى الحق فيه اولا بصفة القهر بحيث يسكت الانبياء والاولياء ثم يتجلى باللطف فيحصل لهم انبساط فعند ذلك يشفعون
قال فى التأويلات النجمية { ثم انكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } اى تراجعون الحق تعالى بشفاعة اقربائكم واهاليكم واصدقائكم بعد فراغكم من خويصة انفسكم نسأل الله سبحانه وتعالى العناية(12/281)
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32)
{ فمن اظلم ممن كذب على الله } فى الارشاد المعنى الاول ليختصمون هو الاظهر الانسب بهذا القول فانه مسوق لبيان حال كل من طرفى الاختصام الجارى فى شأن الكفر والايمان لا غير
وفى بحر العلوم فيه دلالة بينة على ان الاختصام يوم القيامة بين الظالمين والمظلومين والمعنى اظلم من كل ظالم من افترى على الله بان اضاف اليه الشرك والولد { وكذب بالصدق } اى بالامر الذى هو عين الحق ونفس الصدق وهو ما جاء به النبى عليه السلام { اذ جاءه } اى فى مجيئه على لسان الرسول عليه السلام يعنى فاجأه بالتكذيب ساعة اتاه واول ما سمعه من غير تدبر فيه ولا تأمل
وفيه اشارة الى من يكذب على الله بادعاء انه اعطاه رتبة وحالا ومقاما واذا وجد صديقا جاء بالصديق فى المقال والاحوال كذبه وينكر على صدقه فيكون حاصل امره يوم القيامة قوله { ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة } ولهذا قال تعالى { أليس فى جهنم مثوى للكافرين } استفهام انكارى وانكار النفى نفى له ونفى النفى اثبات . والثواء هو الاقامة والاستقرار والمثوى المقام والمستقر . والمعنى ان جهنم منزل ومقام للكاذبين المكذبين المذكورين وغيرهم من الكفار جزاء لكفرهم وتكذيبهم(12/282)
وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)
{ والذى جاء } [ وانكه آمد ويا آرد ] { بالصدق وصدق به } الموصول عبارة عن رسول الله عليه السلام ومن تبعه من المؤمنين كما فى قوله تعالى { ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون } فان المراد موسى عليه السلام وقومه { اولئك } المصوفون بالصدق والتصديق { هم المتقون } المنعوتون بالتقوى التى هى اجل الرغائب
وقال الامام السهيلى رحمه الله { والذى جاء بالصدق } هو رسول الله { و } الذى { صدق به } هو الصديق رضى الله عنه ودخل فى الآية بالمعنى كل من صدق ولذلك قال { واولئك هم المتقون } انتهى
وفيه على ما قال اهل التفسير انه يلزم اضمار الذى بان يقال والذى صدق به وذا غير جائز
ودلت الآية على ان النبى عليه السلام يصدق ايضا بما جاء به من عند الله ويتلقاه بالقبول كما قال الله تعالى { آمن الرسول بما انزل اليه من ربه } ومن هنا قال بعضهم ان النبى عليه السلام مرسل الى نفسه ايضا وهكذا وارث الرسول فانه لا يتردد فى صدق حاله وتصديق الخبر الذى يأتيه من الله تعالى فيفيض بركة حاله الى وجوده كله والى من يعتقده ويصدقه ألا ترى ان النبى عليه السلام اتى بالصدق وافاض من بركات صدقه على ابى بكر رضى الله عنه فسمى صديقا وهكذا حال سائر الصديقين قال الحافظ
بصدق كوش كه خورشيد زايد ازنفست ... كه از دروغ سيه روى كشت صبح نخست
يعنى ان الصادق الصديق يتولد من نفسه نفس الشمس المعنوية فتنور الانفس كما ان الصبح الصادق تطلع بعده الشمس الصورية فتنور الآفاق بخلاف حال الكاذب فانه كالصبح الكاذب حيث تعقبه الظلمة(12/283)
لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34)
{ لهم } اى للمتقين بمقابلة محاسن اعمالهم فى الدنيا { ما يشاؤن عند ربهم } اى كل ما يشاؤنه من جلب المنافع ودفع المضار فى الآخرة لا فى الجنة فقط لما ان بعض ما يشاؤنه من تكفير السيآت والامن من الفزع الاكبر وسائر اهوال القيامة انما يقع قبل دخول الجنة
يقال اجمع العبارات لنعيم الجنة { ولهم ما يشتهون } واجمع العبارات لعذاب الآخرة { وحيل بينهم وبين ما يشتهون } وفى التأويلات النجمية { لهم ما يشاؤون عند ربهم } لانهم تقربوا الى الله تعالى بالاتقاء به عما سواه فاوجب الله فى ذمة كرمه ان يتقرب اليهم باعطاء ما يشاؤن من عنده بحسب حسن استعدادهم { ذلك } اى حصول ما يشاؤنه { جزاء المحسنين } ثواب الذين احسنوا اعمالهم بان عملوها على مشاهدة الحق(12/284)
لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)
{ ليكفر الله عنهم اسوأ الذى عملوا }
قال الراغب الكفارة ما يغطى الاثم ومنه كفارة اليمين والقتل والظهار . والتكفير ستره وتغطيته حتى يصير بمنزلة ما لم يعمل ويجوز ان يكون بمعنى ازالة الكفر والكفران كالتمريض بمعنى ازالة المرض واللام متصل بالمحسنين يعنى الذين احسنوا رجاء ان يكفر الله الخ او بالجزاء يعنى جزاهم كى يفر عنهم كذا فى كشف الاسرار
وقال المولى ابو السعود رحمه الله اللام متعلق بقوله لهم ما يشاؤن باعتبار فحواه الذى هو الوعد اى وعدهم الله جميع ما يشاؤنه من زوال المضار وحصول المسار ليكفر عنهم بموجب ذلك الوعد اسوأ الذى عملوا دفعا لمضارهم { ويجزيهم اجرهم } ويعطيهم ثوابهم { باحسن الذى كانوا يعملون } اى اعطاؤنا لمنافعهم واضافة الاسوأ والاحسن الى ما بعدهما ليست من قبيل اضافة المفضل الى المفضل عليه بل من اضافة الشىء الى بعضه للقصد الى التحقيق والتوضيح من غير اعتبار تفضيله عليه وانما المعتبر فيهما مطلق الفضل والزيادة لاعلى المضاف اليه المعين بخصوصه خلا ان الزيادة المعتبرة فيها ليست بطريق الحقيقة بل هى فى الاول بالنظر الى ما يليق بحالهم من استعظام سيآتهم وان قلت واستصغار حسناتهم وان جلت والثانى بالنظر الى لطف كرم اكرم الاكرمين من استكثار الحسنة اليسيرة ومقابلتها بالمثوبات الكثيرة وحمل الزيادة على الحقيقة وان امكن فى الاول بناء على ان تخصيص الاسوأ بالذكر لبيان تكفير ما دونه بطريق الاولوية ضرورة استلزام تكفير الاسوأ لتكفير السيىء لكن لما لم يكن ذلك فى الاحسن كان الاحسن نظمها فى سلك واحد من الاعتبار . والجمع بين صيغتى الماضى والمستقبل فى صلة الموصول الثانى دون الاول للايذان باستمرارهم على الاعمال الصالحة بخلاف السيئة كذا فى الارشاد
واعلم ان سبب التكفير والاجر الاحسن هو الصدق وهو من المواهب لا من المكاسب فى الحقيقة وان كان حصول اثره منوطا بفعل العبد ويجرى فى القول والفعل والوعد والعزم
قال ابو يزيد البسطامى قدس سره اوقفنى الحق سبحانه بين يديه الف موقف فى كل موقف عرض علىّ مملكة الدارين فقلت لا اريدها فقال لى فى آخر موقف يا ابا يزيد ما تريد قلت اريد ان لا اريد قال انت عبدى حقا وصدقا
من كه باشم كه مرا خواست بود ... [ داود طائى رحمه الله عالم وقت بود ودر فقه فريد عصر بود ودرمقام صدق جنان بودكه آن شب كه ازدنيا بيرون رفت ازآسمان ندا آمدكه « يا اهل الارض ان داود الطائى رحمه الله قدم على ربه وهو غير راض » واين منزلت ومنقبت درصدق عمل جنان بودكه ابوبكر عياش حكايت كندكه درحجره وى شدم اورا ديدم نشسته وباره نان خشك دردست داشت ومى كريست كفتم ] مالك يا داود فقال هذه الكسرة آكلها ولا ادرى أمن حلال هى ام من حرام [ وشيخ ابو سعيد ابو الخير قدس سره را در مجلس سؤال كردندكه ] يا الشيخ ما الصدق وكيف السبيل الى الله شيخ كفت
الصدق وديعة الله فى عباده ليس للنفس فيه نصيب لان الصدق سبيل الى الحق وابى الله ان يكون لصاحب النفس اليه سبيل قال عليه السلام لمعاذ رضى الله عنه « يا معاذ اخلص دينك يكفك القليل من العمل »(12/285)
أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36)
{ أليس الله بكاف عبده } ادخلت همزة الانكار على كلمة النفى فافادت معنى اثبات الكفاية وتقريرها
والكفاية ما فيه سد الخلة وبلوغ المراد فى الامر اى هو تعالى كاف عبده محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم امر من يعاديه وناصره عليه وفيه تسلية له عليه السلام ويحتمل الجنس ففيه تسلية لكل من تحقق بمقام العبودية
وعن بعض الكبار أليس الله بكاف عبده ان يعبده ويؤمن به وايضا عبده المتحقق بحقيقة هويته التى هى مبدأ الالوهية اى الوهيته والهيته
وفى التأويلات النجمية ان الله كاف عبده عن كل شىء ولا يكفى له كل شىء عن الله ولهذا المعنى اذ يغشى السدرة ما يغشى من نفائس الملك والملكوت لتكون للنبى عليه السلام تلك النفائس كافية عن رؤية ما زاغ البصر وما طغى بنظر القبول اليها حتى رأى من آيات ربه الكبرى
وفى عرائس البقلى فيه نبذة من العتاب عاتب الحق عباده بلفظ الاستفهام اى هل يجرى على قلوبهم انى اتركهم من رعايتى وحفظى كلا ومن يجترئ ان يقوم بمخاصمة من هو فى نظرى من الازل الى الابد
وفى كشف الاسرار من تبرأ من اختياره واحتياله وصدق رجوعه الى الله من احواله ولا يستعين بغير الله من اشكاله وامثاله آواه الله الى كنف اقباله وكفاه جميع اشغاله وفى الحديث « من اصبح وهمومه هم واحد كفاه الله هموم الدنيا والآخرة » [ عبد الواحد زيدراكفتند هيج كس را دانى كه در مراقبت خالق جنان مستغرق بودكه اورا برواى خلق نباشد كفت يكىرا دانم كه همين ساعت در آيد عتبة الغلام در آمد عبد الواحد كفت اى عتبه درراه كراديدى كفت هيج كس را وراه وى بازار بود انجمن خلق ]
وقال السيد جعفر الصادق رضى الله عنه ما رأيت احسن من تواضع الاغنياء للفقراء واحسن من ذلك اعراض الفقير غن الغنى استغناء بالله تعالى ورعايته وكفايته
قال ابو بكر بن طاهر رحمه الله رفع جلاجل العبودية من عنقه من نظر بعد هذه الآية الى احد من الخلق او رجاهم او خافهم او طمع فيهم
بس ترا از ماسوى امداد هو ... كفت أليس الله بكاف عبده
{ ويخوفونك } اى المشركون { بالذين من دونه } اى بالاوثان التى اتخذوها آلهة من دون الله تعالى ويقولون انك تيبها وانها لتصيبك بسوء كالهلاك او الجنون او فساد الاعضاء
وقال بعض اهل التفسير ان هذه الآية اى قوله { أليس الله بكاف عبده } نزلت مرة فى حق النبى عليه السلام ومرة فى شأن خالد بن الوليد رضى الله عنه كسورة الفاتحة حيث نزلت مرة بمكة ومرة بالمدينة [ ونزولش در حق خالد بن الوليد آنست كه قومى از مشركان عرب درختىرا بمعبودى كرفته بودند ودر وى ديوى درزير بيخ آن درخت قرار كرده بود نام آن ديو عزى ورب العزة آنرا سبب ضلالت ايشان كرده بود مصطفى عليه السلام خالد وليدرا فرموده تاآن درخت را ازبيخ بر آورد وآن ديورا بكشد مشركان كرد آمدند وخالدرا بترسانيدندكه عزى ترا هلاك كند ياديوانه كند خالد از مقالت ايشان مصطفى را خبر كرد ورب العزة در حق وى اين آيت فرستادكه { أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه } خالد باز كشت وآن درخت را ازبيخ بكند وزير آن درخت شخصى يافت عظيم سياه كريه المنظر واورا بكشت يس مصطفى عليه السلام كفت ] ( تلك عزى ولن تعبد ابدا ) كذا فى كشف الاسرار { ومن يضلل الله } اى ومن يجعله دالا عن الطريق القويم والفهم المستقيم حتى غفل عن كفايته تعالى وعصمته له عليه السلام وخوفه بما لا ينفع ولا يضر اصلا { فما له من هاد } يهديه الى خير ما(12/286)
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (37)
{ ومن يهد الله } اى ومن يرشده الى الصراط المستقيم { فما له من مضل } يصرفه عن مقصده او يصيبه بسوء يخل بسلوكه اذ لا راد لفعله ولا معارض لارادته
وفى التأويلات النجمية فيه اشارة الى ان رؤية الخير والشر من غير الله ضلالة والتخويف بمن دون الله غاية الضلالة ولهذا قال { فمن يضلل الله فما له من هاد } ولان الهادى فى الحقيقة هو الله فمن يضلل الله كيف يهديه غيره وكذلك من يهد الله فماله من مضل لان المضل على الحقيقة هو الله فمن يهده الله كيف يضله { أليس الله بعزيز } غالب منيع يعز من يعبده { ذى انتقام } من اعدائه لاوليائه اى هو عزيز ذو انتقام لان الاستفهام اذا دخل على النفى افاد تحقيقا وتقريرا كما مر . والانتقام بالفارسية [ كينه كشيدن ]
وفى بحر العلوم من النقمة وهى الشدة والعقوبة(12/287)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38)
{ ولئن سألتهم } اى هؤلاء المشركين الذين يخوفونك بآلهتهم فقلت لهم { من خلق السموات والارض } من اخترع هذين الجنسين المعبر عنهما بالعالم { ليقولن الله } اى خلقهن الله لوضوح الدليل على اختصاصه بالخالقية واللام الاولى توطئة وتمهيد للقسم والثانية جواب له وهو سادّ مسدّ جوابين
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان الايمان الفطرى مركوز فى جبلة الانسان من يوم الميثاق اذ اشهدهم الله على انفسهم فقال { ألست بربكم قالوا بلى } كما قال تعالى { فطرة الله التى فطر الناس عليها } وقال عليه السلام « كل مولود يولد على الفطرة » فلا يزال يوجد فى الانسان وان كان كافرا اثر ذلك الاقرار ولكنه غير نافع الا مع الايمان الكسبى بالله وملائكته وكتبه ورسله وبما جاؤا به { قل } تبكيتا لهم { أفرأيتم ما تدعون من دون الله ان ارادنى الله بضر هل هن كاشفات ضره } أرأيتم بمعنى اخبرونى جعل الرؤية وهو العلم الذى هو سبب الاخبار مجازا عن الاخبار وتدعون بمعنى تعبدون وما عبارة عن الآلهة والضر سوء الحال ايا كان من مرض وضيق معيشة وشدة والاستفهام للانكار وضميرهن راجع الى ما باعتبار الآلهة . والكشف الاظهار والازالة ورفع شىء عما يواريه ويعطيه . والمعنى بعد ما تحققتم ان خالق العالم العلوى والسفلى هو الله تعالى فاخبرونى ان آلهتكم ان ارادنى الله بضر هل هن يكشفن عنى ذلك الضرر والبلاء ويدفعنه اى لا تقدر على دفعه وازالته { او ارادنى برحمة } اى او ان ارادنى بنفع من صحة او غنى او غير ذلك من المنافع { هل هن ممسكات رحمته } فيمنعنها عنى اى لا تقدر على امساك تلك الرحمة ومنعها وتعليق ارادة الضر والرحمة بنفسه عليه السلام للرد فى نحورهم حيث كانوا خوفوه مضرة الاوثان ولما فيه من الايذان بامحاض النصخ وانما قال كاشفات وممسكات ابانة لكمال ضعفها واشعارا بانوثتها كما قال { ان يدعون من دونه الا اناثا } وهم كانوا يصفونها بالانوثة مثل العزى واللات ومناة فكأنه قال كيف اشركتم به تعالى هذه الاشياء الجمادية البعيدة من الحياة والعلم والقدرة والقوة والتمكن من الخلق هلا استحييتم من ذلك { قل } يا محمد { حسبى الله } حسب مستعمل فى معنى الكفاية اى الله كافىّ فى جميع امورى من اصابة الخير ودفع الشر : وبالفارسية [ بسست مرا خداى تعالى در رسانيدن خيروباز داشتن شر ]
روى انه عليه السلام لما سألهم سكتوا فنزل { عليه } تعالى لا على غيره اصلا { يتوكل المتوكلون } لعلمهم بان ما سواه تحت ملكوته تعالى
توباخداى خود اندازكار ودل خوش دار ... كه رحم اكر نكند مدعى خدا بكند
وفيه اشارة الى ان من تحول عن الكافى الى غير الكافى لم يتم امره فلا بد من التوكل على رب العباد والتسليم له والانقياد [ دركليله ودمنه كويد باسلطان قوى كسى طاقت ندارد وكس با اونستيزد مكر بكردن دادن ويرا مثل آن حشيش كه هركاه باد غله كيرد خودرا فراباد دهد تادر زمين همين كرداندش آخرنجات يابد وآن درخت رفته راكه كردن ننهد از بيخ بركدن وجون شرار بينى وازوبترسى بيش اودر زمين بغلظ تواضع كن تابرهى كه شيرا كرجه عظيم بود اما كريم بود ] فالعصمة من الله تعالى حكى ان سفينة مولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم اخطأ الجيش بارض الروم واسر فانطلق هاربا يلتمس الجيش فاذا باسد فقال له يا ابا الحارث انا سفينة مولى رسول الله فكان مرادى كيت وكيت فاقبل الاسد يتبصبص حتى قام الى جنبه فركب عليه فكان كلما سمع صوتا اهوى اليه فلم يزل كذلك حتى بلغ الجيش ثم رجع الاسد
وفيه اشارات منها ان الحيوان المفترس لا يقدر على الاضرار اذا كان المرء فى عصمة الله فكيف الجماد .(12/288)
ومنها أن طاعة الله تعالى والتوكل عليه سبب النجاة من المهالك . ومنها ان الاستشفاع برسول الله والتقرب اليه بالايمان والتوحيد والعمل بسنته يهدى الى سواء الصراط كما هدى سفينة رضى الله عنه
فعلى العاقل اخلاص التوحيد والاعراض عما سوى الله تعالى فانه تعالى كاف لعبده فى كل حال من الاحوال والامور(12/289)
قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40)
{ قل يا قوم } اى قوم من ] { اعملوا على مكانتكم } على حالتكم التى انتم عليها من العداوة التى تمكنتم فيها فان المكانة تستعار من العين للمعنى كما يستعار هنا وحيث للزمان مع كونهما للمكان { انى عامل } اى على مكانتى ما استعطت ولا يزيد حالى الا قوّة ونصرة { فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه } بسوء اعماله ومن مفعول تعلمون والاخزاء : [ دون كردن وخوار كردن ورسوا كرن وهلاك كردن ] ومعانى هذه الكلمة يقرب بعضها من بعض ومنه الحديث لا تخزوا الحور اى لا تجعلوهن يستحيين من فعلكم كما فى تاج المصادر . والمعنى بالفارسية [ بس زود باشدكه بدانيد آنكس راكه ازماوشما بيايد بدو عذابى كه اورا رسواكند ] وهو عذاب الدنيا وخزى اعدائه دليل على غلبته فقد نصره الله وعذب اعداءه واخزاهم يوم بدر : يعنى [ حق سبحانه رسواكرد دشمنان آن حضرت را در روزبدركه جمعىز ايشان بدست مؤمنان كشته كشتند وكروهى بقيد مذلت وسلسله نكبت كرفتار شدند
اين سربباد داده وآن دستها بيند ... آن كشته خواروزار وكرفتار ومستمند
{ ويحل } ينزل من افعاله من الحلول وهو النزول { عليه عذاب مقيم } الى الابد لا يفارقه دائم لا ينقطع عنه وهو عذاب الآخرة يعنى انتم الهالكون بسبب كونكم على البطلان ونحن الناجون بسبب كوننا على الحق فسوف ينكشف ربحنا وخسرانكم وسوف تظهر زيادتنا ونقصانكم وسوف يطالبكم الله ولا جواب لكم ويعذبكم ولا شفيع لكم ويدمر عليكم ولا صريخ لكم
ايمان رسد بفرياد قرآن رسد بامداد ...(12/290)
إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41)
{ انا انزلنا عليك الكتاب } اى القرآن { للناس } اى لاجلهم فانه مناط لمصالحهم فى المعاش والمعاد وقد سبق الفرق بين اليك وعليك فى اول السورة { بالحق } حال من فاعل انزلنا حال كوننا محقين فى انزاله او من مفعوله كون ذلك الكتاب ملتبسا بالحق والصدق اى كل ما فيه حق وصواب لا ريب فيه موجب للعمل به حتما { فمن اهتدى } بان عمل بما فيه { فلنفسه } اى انما نفع به نفسه { ومن ضل } بان لم يعمل بموجبه { فانما يضل عليها } لما ان وبال وضلاله مقصور عليها { وما انت عليهم بوكيل } الوكيل القائم على الامر حتى يكمله اى وما وكلت عليهم لتجبرهم على الهدى وما وظيفتك الا البلاغ وقد بلغت أى بلاغ
وفى الآية اشارة الى ان القرآن مذكر جوار الحق للناس الذين نسوا الله وجواره فمن تذكر بتذكيره واتعظ بوعظه واهتدى بهدايته كانت فوائد الهداية راجعة الى نفسه بان تنورت بنور الهداية فانمحى عنها آثار ظلمات صفاتها الحيوانية السبعية الشيطانية الموجبة لدخول النار { ومن ضل فانما يضل عليها } فانه يوكله الى نفسه وطبيعته فتغلب عليه الصفات الذميمة فيكون حطب النار { وما انت } يا محمد { عليهم بوكيل } تحفظهم من النار اذا كان فى استعدادهم الوقوع فيها
وفى الحديث « انما مثلى ومثل امتى كمثل رجل استوقد نارا فجعلت الدواب والفراش يقعن فيها وانا آخذ بحجزكم تقحمون فيه » والحجز جمع الحجزة كالكدرة وهى معقد الازار خصه بالذكر لان اخذ الوسط اقوى فى المنع واصل تقحمون بالتشديد تتقحمون وفيه اى فى النار على تأويل المذكور يعنى انا آخذكم حتى ابعدكم عن النار وانتم تدخلون فيها بشدة . ومعنى التمثيل ان النبى عليه السلام فى منعهم عن المعاصى والشهوات المؤدية الى النار وكونهم متقحمين متكلفين فى وقوعها مشبه بشخص مشفق يمنع الدواب عنها وهن يغلبنه
وفى الحديث اخبار عن فرط شفقته على امته وحفظهم من العذاب ولا شك فيه لان الامم فى حجر الانبياء كالصبيان الاغبياء فى اكناف الآباء صلوات الله عليهم وسلامه
وفى الحديث « ان مثل ما بعثنى الله به من الهدى والعلم كمثل غيث اصاب ارضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء وانبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها اجادب امسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا واصاب منها طائفة اخرى انما هى قيعان لا تمسك ماء فذلك مثل من فقه فى دين الله ونفعه الله بما بعثنى به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع لذلك رأسا » اى لم يلتفت اليه بالعمل ولم يقبل هدى الله الذى ارسلت به انتهى فعلم العالم العامل المعلم كالمطر الواقع على التربة الطيبة وعلم العالم المعلم الغير العامل كالمطر الواقع على الاجادب واما الذى لا يقبل الهدى اصلا فكان كالارض التى لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فكما انها ليس فيها ماء ولا كلأ فكذا الكافر والجاهل ليس فيه علم ولا عمل فلا لنفسه نفع ولا لغيره(12/291)
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)
{ الله يتوفى الانفس حين موتها } يقال توفاه الله قبض روحه كما فى القاموس والانفس جمع نفس بسكون الفاء وهى النفس الناطقة المسماة عند اهل الشرع بالروح الاضافى الانسانى السلطانى فسميت نفسا باعتبار تعلقها بالبدن وانصياعها باحكامه والتلبس بغواشيه وروحا باعتبار تجردها فى نفسها ورجوعها الى الله تعالى . فالنفس ناسوتية سفلية والروح لاهوتية علوية
قالوا الروح الانسانى جوهر بسيط محرك للجسم وليس هو حالا فى البدن كالحلول السريانى ولا كالحلول الجوارى ولكن له تعلق به تعلق التدبير والتصرف والروح الحيوانى اثر من آثار هذا الروح على ما سبق منى تحقيقه فى سورة الاسراء عند قوله تعالى { قل الروح من امر ربى } فهو من الروح الانسانى كالقمر من الشمس فى استفاضة النور والبهائم تشارك فيه الانسان وهو الروح الذى يتصرف فى تعديله وتقويته علم الطب ولا يحمل الامانة والمعرفة والتراب يأكل محله وهو البدن العامى لان الله تعالى حرم على الارض ان تأكل اجساد الانبياء والصديقين والشهداء بخلاف الروح الانسانى فانه حامل الامانة والمعرفة والايمان ويتصرف فيه علم الشريعة والطريقة والمعرفة والحقيقة بتوسط الحكماء الالهيين ولا يأكله التراب وهو باعتبار كونه نفسا هو النبى والولى والمشار اليه بابا والمدرج فى الخرقة بعد مفارقته عن البدن والمسئول فى القبر والمثاب والمعاقب وليس له علاقة مع البدن سوى ان يستعمله فى كسب المعارف بواسطة شبكة الحواس فان البدن آلته ومركبه وشبكته وبطلان الآلة والمركب والشبكة لا يوجب بطلان الصياد نعم بطلب الشبكة بعد الفراغ من الصيد فبطلانها غنيمة اذ يتخلص من حملها وثقلها ولذا قال عليه السلام « الموت تحفة المؤمن » اما لو بطلت الشبكة قبل الصيد فقط عظمت فيه الحسرة والندامة ولذا يقول المقصرون { رب ارجعون لعلى اعمل صالحا فيما تركت } الآية . والموت زوال القوة الحساسة كما ان الحياة وجود هذه القوة ومنه سمى الحيوان حيوانا ومبدأ هذه القوة هو الروح الحيوانى الذى محله الدماغ كما ان محل الروح الانسانى القلب الصنوبرى ولا يلزم من ذلك تحيزه فيه وان كانت الارواح البشرية متحيزة عند اهل السنة . ثم ان الانسان ما دام حيا فهو انسان بالحقيقة فاذا مات فهو انسان بالمجاز لان انسانيته فى الحقيقة انما كانت بتعلق الروح الانسانى وقد فارقه : وفى المثنوى
جان زريش وسبلت تن فارغست ... ليك تن بى جان بود مرداريست
ومعنى الآية يقبض الله الارواح الانسانية عن الابدان بان يقطع تعلقها عنها وتصرفها فيها ظاهرا وباطنا وذلك عند الموت فيزول الحس والحركة عن الابدان وتبقى كالخشب اليابس ويذهب العقل والايمان والمعرفة مع الارواح
وفى الوسيط { حين موتها } اى حين موت ابدانها واجسادها على حذف المضاف
يقول الفقير ظاهره يخالف قوله تعالى(12/292)
{ كل نفس ذائقة الموت } فان المفهوم منه ان الموت يطرأ على النفوس لا على البدن اللهم الا ان يقال المراد ان الله تعالى يتوفى الارواح حين موت ابدانها بمفارقة ارواحها عنها واسند القبض اليه تعالى لانه الآمر للملائكة القابضين
وفى زهرة الرياض التوفى من الله الامر بخروج الروح من البدن لو اجتمعت الملائكة لم يقدروا على اخراجه فالله يأمره بالخروج كما امره بالدخول ومن الملائكة المعالجة واذا بلغت الحنجرة يأخذها ملك الموت على الايمان او الكفر انتهى على ان من خواص العباد من يتولى الله قبض روحه كما روى ان فاطمة الزهراء رضى الله عنها لما نزل عليها ملك الموت لم ترض بقبضه فقبض الله روحها واما النبى عليه السلام فانما قبضه ملك الموت لكونه مقدم الامة وكما قال ذو النون المصرى قدس سره آلهى لا تكلنى الى ملك الموت ولكن اقبض روحى انت ولا تكلنى الى رضوان واكرمنى انت ولا تكلنى الى مالك وعذبنى انت نسأل الله الفضل على كل حال { والتى لم تمت فى منامها } قوله فى منامها متعلق بيتوفى المقدر . المنام والنوم واحد وهو استرخاء اعصاب الدماغ برطوبات البخار الصاعد اليه
وقيل هو ان يتوفى الله النفس من غير موت كما فى الآية
وقيل النوم موت خفيف والموت نوم ثقيل وهذه التعريفات كلها صحيح بنظرات مختلفة والمعنى ويتوفى الانفس التى لم تمت فى منامها اى يتوفاها حين نومها بان يقطع تعلقها عن الابدان وتصرفها فيها ظاهرا لا باطنا فالنائم يتنفس ويتحرك ببقاء الروح الحيوانى ولا يعقل ولا يميز بزوال الروح الانسانى ومثل النوم حال الانسلاخ عند الصوفية الا ان المنسلخ حال اليقظة اقوى حالا وشهودا من المنسلخ حال النوم وهو النائم وعبر عن الموت والنوم بالتوفى تشبيها للنائمين بالموتى لعدم تميزهم ولذا ورد النوم اخو الموت
وعن على رضى الله عنه ان الروح يخرج عند النوم ويبقى شعاعه فى الجسد فلذلك يرى الرؤيا فاذا انتبه عاد روحه الى جسده باسرع من لحظة ويروى ان ارواح المؤمنين تعرج عند النوم الى السماء فمن كان منهم طاهرا اى على وضوء اذن له فى السجود لله تعالى تحت العرش ومن لم يكن منهم طاهرا لم يؤذن له فيه فلذلك يستحب ان ينام الرجل على الوضوء لتصدق رؤياه ويكون له مع الله معاملات ومخاطبات
قال بعضهم خلق الله الارواح على اللطافة والاجساد على الكشافة فلما امرت بالتعلق بالاجساد انقبضت من الاحتجاب بها فجعل الله النوم والانسلاخ سببا لسيرها فى عالم الملكوت حتى يتجدد لها المشاهدة وتزيد الرغبة فى قرب المولى وانما يستريح العبد ويجد اللذة فى النوم لانه فى يد الله وهو ارحم الراحمين ويضطرب ويجد الالم فى الموت لانه فى يد ملك الموت وهو اشد الخلائق اجمعين { فيمسك التى قضى عليها الموت } امساك شىء تعلق به وحفظه والقضاء الحكم اى يمسك انفس الاموات عنده ولا يردها الى البدن وذلك الامساك انما هو فى عالم البرزخ الذى تكون الارواح فيه بعد المفارقة من النشأة الدنيوية وهو غير البرزخ بين الارواح المجردة والاجسام اى غير عالم المثال الذى كان النوم او الانسلاخ سببا للدخول فيه لان مراتب تنزلات الوجود ومعارجه دورية والمرتبة التى قبل النشأة الدنيوية هى من مراتب التنزلات ولها الاولية والتى بعدها هى من مراتب المعارج ولها الآخرية وايضا الصور التى تلحق الارواح فى البرزخ الاخير انما هى صور الاعمال ونتائج الافعال السابقة فى النشأة الدنيوية بخلاف صور البرزخ الاول فلا يكون شىء منهما عين الآخرة لكنهما يشتركان فى كونهما عالما روحانيا وجوهرا نورانيا غير مادى مشتملا على مثال صور العالم { ويرسل الاخرى } اى ويرسل انفس الاحياء وهى النائمة الى ابدانها عند اليقظة والنزول من عالم المثال المقيد ولعالم المثال شبه بالجوهر الجسمانى فى كونه محسوسا مقداريا وبالجوهر العقلى المجرد فى كونه نورانيا فجعل الله عالم المثال وسطا شبيها بكل من الطرفين حتى يتجسد اولا ثم يتكاثف ألا ترى ان حقيقة العلم الذى هو مجرد يتجسد بالصورة التى فى عالم المثال { الى اجل مسمى } هو الوقت المضروب لموتها وهو غاية لجنس الارسال اى لا لشخصه حتى يرد لزوم ان لا يقع نوم بعد اليقظة الاولى
وعن سعيد بن جبير ان ارواح الاحياء وارواح الاموات تلتقى فى المنام فيتعارف منها ما شاء الله ان يتعارف فيمسك التى قضى عليها الموت ويرسل الاخرى الى اجسادها الى انقضاء مدة حياتها
وفى الاسئلة المقحمة يقبض الروح حال النوم ثم يمسك الروح التى قضى الموت على صاحبها ووافق نومه اجله انتهى .(12/293)
فيكون قوله فيمسك متفرعا على قوله والتى لم تمت ويؤيده قوله عليه السلام « اذا اوى احدكم الى فراشه فلينفض فراشه بداخلة ازاره فانه لا يدرى ما خلف عليه ثم يقول باسمك ربى وضعت جنبى وبك ارفعه ان امسكت نفسى فارحمها وان ارسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين »
وفيه اشارة الى ان المقصود من الحياة هو الصلاح وما عداه ينبغى ان يكون وسيلة اليه { ان فى ذلك } اى فيما ذكر من التوفى على الوجهين والامساك فى احدهما والارسال فى الآخر { لآيات } عجيبة دالة على كمال قدرته وحكمته وشمول رحمته { لقوم يتفكرون } فى كيفية تعلق الارواح بالابدان وتوفيها عنها تارة بالكلية كما عند الموت وامساكها باقية بعد الموت لا تفنى بفناء الابدان وما يقربها من السعادة والشقاوة واخرى عن ظواهرها فقط كما عند النوم وارسالها حينا بعد حين الى انقضاء آجالها وانقطاع انفاسها(12/294)
وفى الكواشى { لقوم يتفكرون } فيستدلون على ان القادر على ذلك قادر على البعث كما قال الكاشفى [ براى كروهى كه تفكر كنند در امر اماته كه مشابه نوم است ودر احياكه مماثلتست به يقظة ودرتورات مذكوراست كه اى فرزندآدم جنانجه در خواب ميروى بميرد وجنانجه بيدار ميكردى برانكيخته شوى ]
فالموت باب وكل الناس داخله ... وفى الحديث القدسى « ما ترددت فى شىء انا فاعله كترددى فى قبض نفس عبدى المؤمن » لما كان التردد وهو التحير بين الشيئين لعدم العلم بان الاصلح ايهما محالا فى حق الله تعالى حمل عى منتهاه وهو التوقف يعنى ما توقفت فيما افعله مثل توقفى في قبض نفس المؤمن فانى اتوقف فيه واريه ما اعددت له من النعم والكرامات حتى يميل قلبه الى الموت شوقا الى لقائى . ويجوز ان يراد من تردده تعالى ارسال اسباب الهلاك الى المؤمن من الجوع والمرض وغيرهما وعدم اهلاكه بها ثم ارسالها مرة اخرى حتى يستطيب الموت ويستحلى لقاءه كذا فى شرح السنة « يكره الموت » استئناف جواب عمن قال ما سبب ترددك اراد به شدة الموت لان الموت نفسه يوصل المؤمن الى لقاء الله فكيف يكرهه المؤمن وفى الحديث « ان احدكم لن يرى ربه حتى يموت »
تا نميرد بنده از هستى تمام ... او نبيند حق تعالى والسلام
مرك ييش از مرك امنست اى فتى ... اين جنين فرمود مارا مصطفى
قال بعضهم [ وازموت كراهت داشتن بنده را سبب آنست كه محجوبست از ادراك لذت وصال وكمال عزتىكه اورا بعد ازموت حاصل خواهد شد ] « وانا اكره مساءته » اى ايذاءه بما يلحقه من صوبة الموت وكربه « ولا بد له منه » اى للعبد من الموت لانه مقدر لكل نفس
قال بعضهم [ واكرجه حق تعالى كراهت داردكه روح جنان بنده قبض كند اماجون وقت آيد ازغايت محبت كه بابنده دارد حجاب جسم كه نقاب رخساره روح است بر اندازد ]
حجاب جهره جان ميشود غبارتنم ... خوشا دمى كه ازين جهره برده برفكنم
فعلى العاقل ان يتهيأ للموت بتحصيل حضور القلب وصفاء البال فان كثيرا من ارباب الحال والمقال وقعوا فى الاضطراب عند الحال : وفى المثنوى
آن هنرهاى دقيق وقال وقيل ... قوم فرعونند اجل جون آب نيل
سحرهاى ساحران دان جمله را ... مرك جوبى دانكه آن شد ازدها
جادويهارا همه يك لقمه كرد ... يك جهان يرشب بد آن راصبح خورد
آتش ابراهيم را دندان نزد ... جون كزيده حق بود جونش كزد
همجنين باد اجل برعارفان ... نرم وخوش همجو نسيم يوسفان(12/295)
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43)
{ ام اتخذو } نزلت فى اهل مكة حيث زعموا ان الاصنام شفعاؤهم عند الله فقال الله تعالى منكرا عليهم ام اتخذوا اى بل اتخذ قريش فام منقطعة بمعنى بل والهمزة { من دون الله } من دون اذنه تعالى { شفعاء } تشفع لهم عنده تعالى وهى الاصنام جمع شفيع . والشفع ضم الشىء الى مثله والشفاعة الانضمام الى آخر مسائلا عنه واكثر ما يستعمل فى انضمام من هو اعلى رتبة الى من هو ادنى ومنه الشفاعة يوم القيامة { قل أولو كانوا لا يملكون شيأ ولا يعقلون } الهمزة لانكار الواقع واستقباحه والتوبيخ عليه والواو للحال عند الجمهور والمعنى قل يا محمد للمشركين أفتتخذون الاصنام شفعاء ولو كانوا لا يملكون شيأ من الاشياء ولا يعقلونه فضلا عن ان يملكوا الشفاعة عند الله ويعقلوا انكم تعبدونهم : يعنى [ توقع شفاعت مكنيد از جمادات وحال آنكه ايشان ازقدرت وعلم بى بهره اند ]
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان اتخاذ الاشياء للعبادة او للشفاعة بالهوى والطبع لا بامر الله ووفق الشرع يكون ضلالة على ضلالة وان المقبول من العبادة والشفاعة ما يكون بامر الله ومتابعة نبيه عليه السلام على وفق الشرع وذلك لان حجاب العبد هو الهوى والطبع وانما ارسل الانبياء لنفى الهوى لتكون حركات العباد وسكناتهم بامر الحق تعالى ومتابعة الانبياء لا بامر الهوى ومتابعة النفس لان النفس وهواها ظلمانية والامر ومتابعة الانبياء نورانية والشهوات ظلمانية ولكن العبد اذا عبد الله بالهوى والطبع تصير عبادته ظلمانية فاذا جامع زوجته بالامر على وفق الشرع تصير شهوته نورانية(12/296)
قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44)
{ قل } بعد تبكيتهم وتجهيلهم بما ذكر تحقيقا للحق { لله الشفاعة جميعا } نصب على الحال من الشفاعة اى هو الله تعالى مالك الشفاعة لا يستطيع احد شفاعة ما الا ان يكون المشفوع له مرتضى والشفيع مأذونا له وكلاهما مفقود ههنا
قال البقلى بين انه تعالى مرجع الكل الشافع والمشفع فيه حتى يرجع العبد العارف اليه بالكلية ولا يلتفت الى احد سواه فلا يصل اليه احد الا به قال الله تعالى { من ذا الذى يشفع عنده الا بأذنه } ونعم ما قالت رابعة رحمها الله محبة الله تعالى ما ابقت محبة غيره
ففيه اشارة الى ان محبة الرسول عليه السلام مندرجة فى محبة الله تعالى فمن احب الله حبا حقيقيا احب الله ان يأذن لحبيبه فى شفاعته ومن احب رسول الله من غير محبة الله لم يؤذن له فى الشفاعة ألا ترى ان قوما افرطوا فى حب على رضى الله عنه ونسوا محبة الله فنفاهم علىّ بل احرق بعضهم { له } تعالى وحده { ملك السموات والارض } وما فيهما من المخلوقات لا يملك احد ان يتكلم فى امر من اموره بدون اذنه ورضاه واشار الى ان الله تعالى هو المالك حقيقة فان ما سواه عبد ولا ملك للعبد ولو ملكه مولاه وانما هو عارية عنده والعارية مردودة الى مالكها { ثم اليه ترجعون } يوم القيامة لا الى احد سواه لا استقلالا ولا اشتراكا فيفعل يومئذ ما يريد
وفى الكواشى يحصى اعمالكم ثم الىحسابه ترجعون اى تردون فيجازيكم فاحذروا سخطه واتقوا عذابه فيا ربح الموحدين يومئذ ويا خسارة المشركين وفى الحديث « شفاعتى لاهل الكبائر من امتى » والمراد امة الاجابة فالكفر اكبر الكبائر وصاحبه مخلد فى النار لا شفاعة له فان قلت الحكم فى المكروه ان يستحق مرتكبه حرمان الشفاعة كما ذكر فى التلويح فيكون حرمان اهل الكبائر اولى
قلت استحقاق حرمانها لا يوجب الحرمان بالفعل [ شيخ علاء الدولة در عروه كويد جميع فرق اسلامية اهل نجاتند ومراد از ناجيه در حديث « » ستفرق امتى على نيف وسبعين فرقة والناجية منها واحدة « ناجيه بى شفاعتيست ]
واعلم ان افتخار الخلق فى الدنيا بعشرة ولا ينفع ذلك يوم القيامة
الاول المال فلو نفع المال لاحد لنفع قارون قال الله تعالى { فخسفنا به وبداره الارض } والثانى الولد فلو نفع الولد لاحد لنفع ابراهيم عليه السلام اباه آزر قال تعالى { يا ابراهيم اعرض عن هذا } والثالث الجمال فلو نفع الجمال لنفع اهل الروم لأن لهم تسعة اعشار الجمال قال الله تعالى { يوم تبيض وجود وتسود وجوه } والرابع الشفاعة فلو نفعت الشفاعة لنفع الرسول من احب ايمانه قال تعالى { انك لا تهدى من احببت }(12/297)
كأنه قال انت شفيعى فى الجنايات لا شريكى فى الهدايات
والخامس الحيلة فلو نفعت الحيلة لنفع الكفار مكرهم قال تعالى { ومكر اولئك هو يبور } والسادس الفصاحة فلو نفعت الفصاحة لنفعت العرب قال تعالى { لا يتكلمون الا من اذن له الرحمن } والسابع العز فلو نفع العز لنفع ابا جهل قال تعالى { ذق انك انت العزيز الكريم } والثامن الاصدقاء فلو نفع الاصدقاء لنفعوا الفساق قال الله تعالى { الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين } والتاسع الاتباع فلو نفع التبع لنفع الرؤساء قال تعالى { اذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا } والعاشر الحسب فلو نفع الحسب لنفع يعقوب اليهود لانهم اولاد يعقوب قال تعالى { لن تنفعكم ارحامكم ولا اولادكم يوم القيمة } وقال الشيخ سعدى [ خاكستر اكرجه نسب على داردكه آتش جوهر علويست وليكن جون بنفس خود هنرى ندارد باخاك برابراست قيمت شكر نه ازنىست كه آن خاصيت ويست ]
جو كنعانرا طبيعت بى هنر بود ... بيمبر زادكى قدرش نيفزود
هنر بنماى اكر دارىنه كوهر ... كل ازخارست وابراهيم از آزر
فاذا عرفت هذه الجملة فارجع الى الله تعالى من الاسباب الغير النافعة وذلك بكمال الايمان والتقوى(12/298)
وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)
{ واذا } [ وجون وآنكاه كه ] { ذكر الله } حال كونه { وحده } اى منفردا دون آلهة المشركين والعامل فى اذا قوله { اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة } انقبضت ونفرت قلوب الذين لا يصدقون بيوم القيامة . والشمز نفور النفس مما تكره وتشمز وجهه تقبض والاشمئزاز هو ان يمتلىء القلب غيظا وغما ينقبض منه اديم الوجه وهو غاية ما يمكن من الانقباض ففيه مبالغة فى بيان حالهم القبيحة { واذا ذكر الذين من دونه } اى من دون الله يعنى الاوثان فرادى او مع ذكر الله { اذا هم يستبشرون } يفرحون ويظهر فى وجوههم البشر وهو اثر السرور لفرط افتتانهم بها ونسيانهم الحق . والاستبشار هو ان يمتلىء القلب سرورا حتى تنبسط له بشرة الوجه وهو نهاية ما يمكن من الانبساط ففيه مبالغة ايضا فى بيان حالهم القبيحة والعامل فى اذا هو العامل فى اذا المفاجأة تقديره وقت ذكر الذين من دون فاجأوا وقت الاستبشار : والمعنى بالفارسية [ آنكاه ايشان تازه وفرحناك شوند بجهت فراموسى از حق ومشغولى بباطل اما كار مؤمن بر عكس اينست ازياد خداى تعالى شادان وبذكر ما سوى غمكين است ]
نامت شنوم دل از فرح زنده شود ... قال من از اقبال تو فرخنده شود
از غير توهر جا سخن آيد بميان ... خاطر بهزاران غم براكنده شود
حكى ان بعض الصلحاء ذكر عند رابعة العدوية الدنيا وذمها قالت من احب شيأ اكثر من ذكره
واعلم ان هؤلاء المشركين كامثال الصبيان فكما انهم يفرحون بالافراس الطينية والاسود الخشبية وبمذاكرة ما هو لهو ولعب فكذا اهل الاوثان لكون نظرهم مقصورا على الصور والاشباح فكل قلب لا يعرف الله فانه لا يأنس بذكر الله ولا يسكن اليه ولا يفرح به فلا يكون مسكن الحق
اوحى الله تعالى الى موسى عليه السلام يا موسى أتحب ان نسكن معك ببيتك فخر لله ساجدا ثم قال يا رب وكيف تسكن معى فى بيتى فقال يا موسى أما علمت انى جليس من ذكرنى وحيث ما التمسنى عبدى وجدنى كما فى المقاصد الحسنة فعلم ان من ذكر الله فالله تعالى جليسه ومن ذكر غير الله فالشيطان جليسه : قال الشيخ
اكر مرده مسكين زبان داشتى ... بفرياد وزارى فغان داشتى
كه اىزنده جون هست امكان كفت ... لب ازذ كرجون مرده برهم مخفت
جومارا بغفلت بشد روزكار ... توبارى دمى جند فرصت شمار
وفى الحديث « اذا كان يوم حار فقال الرجل لا اله الا الله ما اشد حر هذا اليوم اللهم اجرنى من حر جهنم قال الله تعالى لجهنم ان عبدا من عبيدى استجارنى من حرك فانى اشهدك انى قد اجرته وان كان يوم شديد البرد فقال العبد لا اله الا الله ما اشد برد هذا اليوم اللهم اجرنى من زمهرير جهنم قال الله تعالى لجهنم ان عبدا من عبادى استجارنى من زمهريرك وانى اشهدك انى قد اجرته » قالوا وما زمهرير جهنم قال « بيت يلقى فيه الكافر فيتميز من شدة برده بعضه من بعض » وفى المثنوى
در حديث آمدكه مؤمن دردعا ... جون امان خواهد زدوزح ازخدا
دوزخ ازوى هم امان خواهد بجان ... كه خدايا دور دارم از فلان
فعلى العاقل ان لا ينقطع عن الذكر ويستبشر به فالله تعالى معه معينه(12/299)
قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46)
{ قل اللهم } الميم بدل من حرف النداء والمعنى قل يا محمد يا الله { فاطر السموات والارض } نصب بالنداء اى يا خالق السموات والارض على أسلوب بديع { عالم الغيب والشهادة } يا عالم كل ما غاب عن العباد وكل ما شهدوه اى التجىء يا محمد اليه تعالى بالدعاء لما تحيرت فى امر الدعوة وضجرت من شدة شكيمتهم فى المكابرة والعنادة فانه القادر على الاشياء بجملتها والعالم باحوالها برمّتها { انت } وحدك { تحكم بين عبادك } اى بينى وبين قومى وكذا بين سائر العباد { فيما كانوا فيه يختلفون } اى يختلفون فيه من امر الدين اى تحكم حكما يسلمه كل مكابر ويخضع له كل معاند وهو العذاب الدنيوى او الاخروى والثانى انسب بما بعد الآية
وفيه اشارة الى اختلاف بين الموحدين والمشركين فان الموحدين باشروا الامور بالشرع على ما اقتضاه الامر والمشركين بالطبع على ما استدعاه الشهوة والهوى والله تعالى يحكم بينهم فى الدنيا والآخرة . اما فى الدنيا فالبعفو والفضل والكرم وتوفيق التوبة والانابة واصلاح ذات البين . واما فى الآخرة فالبعدل والنصفة وانتقام بعضهم من بعض كان الربيع بكسر الباء من المحدثين لا يتكلم الا فيما يعنيه فلما قتل الحسين رضى الله عنه قيل الآن يتكلم فقرأ قل اللهم الى قوله يختلفون وروى انه قال قتل من كان يجلسه النبى عليه السلام فى حجره ويضع فاه على فيه
وعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا افتتح صلاته من الليل يقول « اللهم رب جبريل وميكائيل واسرافيل فاطر السموات والارض عالم الغيب والشهادة انت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدنى لما اختلفت فيه من الحق بامرك انك تهدى من شئت الى صراط مستقيم »
وفى الآية اشارة الى ان الحاكم الحقيقى هو الله تعالى وكل حكمه وقضائه عدل محض وحكمة بخلاف حكم غيره تعالى وفى الحديث « ليس احد يحكم بين الناس الا جيىء يوم القيامة مغلولة يداه الى عنقه فكفه العدل واسلمه الجور »
وقال فى روضة الاخيار كان عمر بن هبيرة امير العراق وخراسان فى ايام مروان بن محمد فدعا ابا حنيفة الى القضاء ثلاث مرات فابى فحلف ليضربنه بالسياط وليسجننه وفعل حتى انتفخ وجه ابى حنيفة ورأسه من الضرب فقال الضرب بالسياط فى الدنيا اهون علىّ من مقامع الحديد فى الآخرة ونعم ما قال من قال
بوحنيفة قضانكرد وبمرد ... توبميرى اكرقضانكنى(12/300)
وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (48)
{ ولو ان للذين ظلموا ما فى الارض جميعا } حال من ما اى لو ان لهم جميع ما فى الدنيا من الاموال والذخائر { ومثله معه } [ ومانند آن همه مالهابآن ] { لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيمة } يقال افتدى اذا بذل المال عن نفسه فان الفداء حفظ الانسان من النائبة بما يبذله عنه اى لجعلوا كل ذلك فدية لانفسهم من العذاب الشديد لكن لا مال يوم القيامة ولو كان لا يقبل الافتداء به وهذا وعيد شديد واقناطا لهم من الخلاص
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان هذه الجملة لا يقبل يوم القيامة لدفع العذاب واليوم ههنا تقبل ذرة من الخير ولقمة من الصدقة وكلمة من التوبة والاستغفار كما انهم لو تابوا وبكوا فى الآخرة بالدماء لا يرحم بكاؤهم وبدمعة واحدة اليوم يمحى كثير من ذنوبهم : وفى المثنوى
آخر هركريه آخر خنده ايست ... مردآخر بين مبارك بنده ايست
اشك كان ازبهر او بارند خلق ... كوهراست واشك بندارندخلق
ألا ترى الى دموع آدم وحواء عليهما السلام حيث صارت جواهر فى الدنيا فكيف فى العقبى { وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون } يقال بدا الشىء بدوّا وبداء اى اظهره ظهورا بينا . والاحتساب الاعتداد بالشىء من جهة دخوله فيما يحسبه اى ظهر لهم يوم القيامة من فنون العقوبات ما لم يكن فى حسابهم فى الدنيا وفى ظنهم انه نازل بهم يومئذ
قال الكاشفى [ بنداشت ايشان آن بودكه بوسيله شفاعت بتان رتبه قرب يابند ] { وبدا لهم سيآت ما كسبوا } سيآت اعمالهم او كسبهم حين تعرض عليهم صحائفهم { وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن } اى نزل واصاب واحاط بهم وبال استهزائهم وجزاء مكرهم وكانوا يستهزؤن بالكتاب والمسلمين والبعث والعذاب ونحو ذلك
وهذه الآية اى قوله { وبدا لهم من الله } الخ غاية فى الوعيد لا غاية وراءها ونظيره فى الوعد قوله تعالى { فلا تعلم نفس ما اخفى لهم من قرة اعين } وفى التأويلات النجمية وفى سماع هذه الية حسرة لاصحاب الانتباه وفى بعض الاخبار ان قوما من المسلمين من اصحاب الذنوب يؤمر بهم الى النار فاذا وافوها يقول لهم مالك من انتم فان الذين جاؤا قبلم من اهل النار وجوههم مسودة وعيونهم زرق وانكم لستم بتلك الصفة فيقولون نحن لم نتوقع ان نلقاك وانما انتظرنا شيأ آخر قال الله تعالى وبدا لهم من الله الى يستهزؤن
وقال ابو الليث يعملون اعمالا يظنون ان لهم ثوابا فيها فلم تنفعهم مع شركهم فظهرت لهم العقوبة مكان الثواب
وفى كشف الاسرار [ از حضرت رسالت عليه السلام تفسير آيت { وبدا لهم من الله } الخ برسيدند فرمود ] هى الاعمال حسبوها حسنات فوجدوها فى كفة السيآت(12/301)
وقال بعضهم ظاهر الآية يتعلق باهل الرياء والسمعة افتضحوا يوم القيامة عند المخلصين
وعن سفيان الثورى رحمه الله انه قرأها فقال ويل لاهل الرياء ثلاثا
بنداشت مرايىكه عملهاى نكوست ... مغزىكه بود خلاصه كار زدوست
جون برده زروى ار برداشته كشت ... برخلق عيان شدكه نبود الابوست
[ يكى ازمشايخ يعنى محمد بن المنكدر بوقت حلول اجل جزع ميكرد برسيدندكه سبب جيست فرمودكه مى ترسم جيزى ظاهر كرددكه من آنرا درحساب نمىداشتم ]
قال سهل اثبتوا لانفسهم اعمالا فاعتمدوا عليها فلما بلغوا الى المشهد الاعلى رأوها هباء منثورا فمن اعتمد على الفضل نجا ومن اعتمد على افعاله بدا له منها الهلاك
وفى عرائس البقلى رحمه الله هذه الآية خير من الله للذين فرحوا بما وجدوا فى البدايات مما يغترّ به المغترون وقاموا به وظنوا ان لا مقام فوق مقامهم فلما رأوا بخلاف ظنونهم ما لاهل معارفه واحبابه وعشاق من درجات المعرفة وحقائق التوحيد ولطائف المكاشفات وغرائب المشاهدات ماتوا حسرة . فانظر الى هذه المعانى الشريفة فى هذا المقام فان كلا منها يحتمله الكلام بل وازيد منها على ما لا يخفى على ذوى الافهام واجتهد فى ان يبدو لك من الثواب ما لم يكن يخطر ببالك ان تكون مثابا به وذلك بالاخلاص والفناء التام حتى يكون الله عندك عوضا عن كل شئ(12/302)
فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49)
{ فاذا مس الانسان ضر دعانا } اخبار عن الجنس بما يفعله غالب افراده والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها اى ان المشركين ليشمئزون عن ذكر الله وحده ويستبشرون بذكر الآلهة فاذا مسهم ضر اى اصابهم سوء حال من مرض وفقر ونحوهما دعوا لدفعه من اشمأزوا عن ذكره وهو الله تعالى لمناقضتهم وتعكيسهم في التسبب حيث جعلوا الكفر سببا فى الالتجاء الى الله بان اقاموه مقام الايمان مع ان الواجب ان يجعل الايمان سببا فيه { ثم اذا خولناه نعمة منا } اعطيناه اياها تفضلا فان التخويل مختص بما كان بطريق التفضل لا يطلق على ما اعطى بطريق الجزاء { قال انما اوتيته على علم } اى على علم منى بوجوه كسبه : يعنى [ وجوه كسب وتحصيل آنرا دانستم وبكياست وكفايت من حاصل شد ] او بانى ساعطاه لمالى من الفضل والاستحقاق او على علم من الله باستحقاقى : يعنى [ خدا دانست كه من مستحق اين نعمتم ] والهاء لما ان جعلت موصولة بمعنى ان الذى اوتيته وللنعمى ان جاءت كافة والتذكير لما ان المراد شىء من النعمة وقسم منها ثم قال تعالى ردا لما قاله { بل } [ نه جنين است ميكويد ] { هى } اى النعمة ويجوز ان يكون تأنيث الضمير باعتبار الخبر وهو قوله { فتنة } للانسان اى محنة وابتلاء له أيشكر ام يكفر تقول فتنت الذهب اذا ادخلته النار لتنظر ما جودته وتختبره { ولكن اكثرهم } اى اكثر الناس { لا يعلمون } ان التخويل استدارج وامتحان(12/303)
قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50)
{ قد قالها } اى تلك الكلمة او الجملة وهى قوله { انما اوتيته على علم } { الذين من قبلهم } وهم قارون وقومه حيث قال انما اوتيته على علم عندى وهم راضون به يعنى لما رضى قومه بمقالته جمعوا معه
وقال بعضهم يجوز ان يكون جميع من تقدمنا من الخيار والشرار فيجوز ان يوجد فى الامم المتقدمة من يقول تلك الكلمة غير قارون ايضا ممن ابطرته النعمة واغتر بظاهرها { فما اغنى عنهم ما كانوا يكسبون } من متاع الدنيا ويجمعون منه يعنى ان النعمة لم تدفع عنهم النقمة والعذاب ولم ينفعهم ذلك يقال اغنى عنه كذا اذا كفاه كما فى المفردات(12/304)
فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51)
{ فاصابهم } [ بس رسيد ايشانرا ] { سيآت ما كسبوا } جزاء سيآت اعمالهم واجزية ما كسبوا وتسميتها سيآت لانها فى مقابلة سيآتهم وجزاء سيئة سيئة مثلها
ففيه رمز الى ان جميع اعمالهم من قبيل السيآت والمعنى انهم ظنوا ان ما آتيناهم لكرامتهم علينا ولم يكن كذلك لانهم وقعوا فى العذاب ولم تنفعهم اموالهم وهذا كما قال اليهود { نحن ابناء الله واحباؤه } فقال تعالى خطابا لحبيبه عليه السلام { قل فلم يعذبكم بذنوبكم } يعنى ان المكرم المقرب عند الله لا يعذبه الله وانما يعذب الخائن المهين المهان
ثم اوعد كفار مكة فقال { والذين ظلموا من هؤلاء } المشركين المعاصرين لك يا محمد ومن للبيان او للتبعيض اى افرطوا فى الظلم والعتوّ { سيصيبهم سيآت ما كسبوا } من الكفر والمعاصى كما اصاب اولئك والسين للتأكيد وقد اصابهم اى اصابهم حيث قحطوا سبع سنين وقتل اكابرهم يوم بدر { وما هم بمعجزين } الله تعالى عن تخلى ذاتهم بحسب اعمالهم واخلاقهم
وقال الكاشفى [ عاجز كنند كان مارا از تعذيب ياييشى كيرندكان برعذاب ] يعنى يدركهم العذاب ولا ينجون منه بالهرب(12/305)
أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)
{ أولم يعلموا } اقالوا ذلك ولم يعلموا او اغفلوا ولم يعلموا { ان الله يبسط الرزق لمن يشاء } ان يبسط له اى يوسعه فان بسط الشىء نشره وتوسيعه : يعنى [ نه براى رفعت قدراوبلكه بمحض مشيت ] { ويقدر } لمن يشاء ان يقدره له اى يقتر ويضيق له من غير ان يكون لاحد مدخل ما فى ذلك حيث حبس عنهم الرزق سبعا ثم بسط لهم سبعا
وقال الكاشفى [ وننك ميكند برهركه ميخواهدنه براى خوارى وبى مقدارى اوبلكه از روى حكمت ] روى انهم اكلوا فى سنى القحط الجيف والجلود والعظام والعلهز وهو الوبر بان يخلط الدم باوبار الابل ويشوى على النار وصار الواحد منهم يرى ما بينه وبين السماء كالدخان من الجوع فلم ينفعهم ذلك حيث اصروا على الكفر والعناد { ان فى ذلك } الذى ذكر من القبض والبسط { لآيات } دالة على ان الحوادث كافة من الله تعالى بوسط عادى او غيره { لقوم يؤمنون } اذهم المستدلون بتلك الآيات على مدلولاتها
وفى الآيات فوائد
منها ان من خصوصية نفس الانسان ان تضطرّ الى الله تعالى بالدعاء والتضرع فى الشدة والضر والبلاء فلا عبرة بهذا الرجوع بالاضطرار الى الله تعالى لانه اذا انعم الله عليه بالخلاص والعافية من تلك الشدة والبلاء اعرض عن الله ويكفر بالنعمة ويقول ان ما اوتيته على علم عندى وانما العبرة بالرجوع الى الله والتعرف اليه فى الرخاء كما قال عليه السلام « تعرّف الى الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة »
ومنها ان المدعين يقولون نحن اهل الله فاذا وصل اليهم بلاؤه فزعوا اليه ليرفع عنهم البلاء طلبا لراحة انفسهم ولا يرون المبلى فى البلاء وهم مشركون فى طريق المعرفة فاذا وصل اليهم نعمة ظاهرة احتجبوا بها فاذا هم اهل الحجاب من كلا الطرفين احتجبوا بالبلاء عن المبلى وبالنعمة عن المنعم
قال الجنيد رضى الله عنه من يرى البلاء ضرا فليس بعارف فان العارف من يرى الضر على نفسه رحمة والضر على الحقيقة ما يصيب القلوب من القسوة والرين والنعمة اقبال القلوب على الله تعالى ومن رأى النعمة على نفسه من حيث الاستحقاق فقد جحد النعمة
ومنها ان اكثر اهل النعمة لا يعلمون فتنة النعمة وسوء عاقبتها وببطر النعمة والاغترار بها تقسو قلوبهم وتستولى عليهم الغفلة وتطمئن نفوسهم بها وتنسى الآخرة والمولى
ومنها ان نعمة الدنيا والآخرة وسعادتهما وكذا نقمتهما وشقاوتهما مبنية على مشيئة الله تعالى لا على مشيئة العباد فالاوجب للمؤمنين ان يخرجوا عن مشيئتهم ويستسلموا لمشيئة الله وحكمه وقضائه
كليد قدر نيست دردست كس ... تواناى مطلق خدايست وبس
قال بعضهم
هرجه بايد بهر كه ميشايد ... تودهى آنجنانكه مى بايد
توشناسى صلاح كار همه ... كه تويى آفريد كار همه(12/306)
ومنها ان ضيق حال اللبيب وسعة حال الابله دليل على الرازق وتقديره
ويرد بهذه الآية على من يرى الغنى من الكيس والفقر من العجز اوحى الله تعالى الى موسى عليه السلام أتدرى لم رزقت الاحمق قال يا رب لا قال ليعلم العاقل ان طلب الرزق ليس بالاحتيال فالكل بيد الله ألا الى الله تصير الامور وبه ظهر فساد قول ابن الراوندى
كم عاقل عاقل اعيت مذاهبه ... وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا
هذا الذى ترك الاوهام حائرة ... وصير العالم النحرير زنديقا
اى كافرا نافيا للصانع العدل الحكيم قائلا لو كان له الوجود لما كان الامر كذلك ولقد احسن من قال
كم من اديب فهم عقله ... مستكمل العقل مقل عديم
ومن جهول مكثر ماله ... ذلك تقدير العزيز العليم
يعنى ان من نظر الى التقدير علم ان الامور الجارية على اهل العالم كلها على وفق الحكمة وعلى مقتضى المصلحة ففيه ارشاد الى اثبات الصانع الحكيم لا الى نفى وجوده(12/307)
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)
{ قل يا عبادى الذين اسرفوا على انفسهم }
قال الراغب السرف تجاوز الحد فى كل ما يفعله الانسان وان كان ذلك فى الانفاق اشهر وقوله تعالى { قل يا عبادى الذين اسرفوا على انفسهم } يتناول الاسراف فى الاموال وفى غيرها انتهى . وتعدية الاسراف بعلى لتضمين معنى الجناية والمعنى افرطوا فى الجناية عليها بالاسراف فى المعاصى وارتكاب الكبائر والفواحش
قال البيضاوى ومن تبعه اضافة العباد تخصصه بالمؤمن على ما هو عرف القرآن
يقول الفقير قوله تعالى { فاذا جاء وعد اولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا اولى بأس شديد } ينادى على خلافه لان العباد فسر ههنا ببخت نصر وقومه وكانوا كفارا بالاتفاق الا ان يدعى الفرق بين الاضافة بالواسطة وبغيرها
وقال فى الوسيط المفسرون كلهم قالوا ان هذه الآية نزلت فى قوم خافوا ان اسلموا ان لا يغفر لهم ما جنوا من الذنوب العظام كالشرك وقتل النفس والزنى ومعاداة النبى عليه السلام والقتال معه فانزل الله هذه الآية وفرح النبى عليه السلام بهذه الآية ورآها اصحابه من اوسع الآيات فى مغفرة الذنوب انتهى
وقال فى التكملة روى ان وحشيا قاتل حمزة رضى الله عنه كتب الى النبى عليه السلام يسأله هل له من توبة وكتب انه كان قد سمع فيما انزل الله بمكة من القرآن آيتين ايأستاه من كل خير وهما قوله تعالى { والذين لا يدعون مع الله الها آخر } الى قوله { مهانا } فنزلت { الا من تاب } الخ فكتب بها رسول الله عليه السلام فخاف وحشى وقال لعلى لا ابقى حتى اعمل عملا صالحا فانزل الله { ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك } الخ فقال وحشى انى اخاف ان لا اكون من مشيئة الله فانزل الله تعالى { قل يا عبادى الذين اسرفوا على انفسهم } الخ فاقبل وحشى واسلم انتهى وعلى كل تقدير فخصوص السبب لا ينافى عموم اللفظ فدخل فيه كل مسرف { لا تقنطوا من رحمة الله } القنوط اعظم اليأس
وفى المفردات اليأس من الخير : وبالفارسية [ نوميدشدن ازخير ] والرحمة من الله تعالى الانعام والاعطاء والتفضل : وبالفارسية [ بخشايش ] وهو لا يكون فى الترتيب الوجودى الا بعد المغفرة التى هى ان يصون الله عبده من ان يمسه العذاب دل عليه قوله { انه هو الغفور الرحيم } ولذا قالوا فى المعنى لا تيأسوا من مغفرته اولا وتفضله ثانيا
نوميد مشوكه ناميدى كفراست ... [ درمعالم التنزيل آورده كه ابن مسعود رضى الله عنه درمسجد در آمد ديد كه واعظمى ذكر آتش دوزخ وسلاسل واغلال ميكند فرمودكه اى مذكرجرا نوميد مى كردانى مردمانرا مكر نخواندى آنراكه ميفرمايد ] { قل يا عبادى الذين } الخ
واعلم ان القنوط من رحمة الله علامة زوال الاستعداد . والسقوط عن الفطرة بانقطاع الوصلة بين الحق والعبد اذ لو بقى شىء فى العبد من نوره الاصلى لادرك اثر رحمته الواسعة السابقة على غضبه فرجاء وصول ذلك الاثر اليه لاتصاله بعالم النور بتلك البقية وان اسرف وفرط فى جنب الله واما اليأس فدليل الاحتجاب الكلى واسوداد الوجه فالله تعالى يغفر الذنوب جميعا بشرط بقاء نور التوحيد فى القلب فاذا لم يبق دخل فى قوله(12/308)
{ ان الله لا يغفر ان يشرك به } فالقنوط من اعظم المصائب وقد امهل تعالى عباده تفضلا منه الى وقت الغرغرة فلو رجع العبد الى الله قبل آخر نفس يتنفسه قبل { ان الله يغفر الذنوب } حال كونها { جميعا } كأنه قيل ما سبب النهى عن القنوط من الرحمة فاجيب بان سبب النهى هو { ان الله يغفر الذنوب جميعا } عفوا لمن يشاء ولو بعد حين بتعذيب فى الجملة وبغيره حسبما يشاء فهو وعد بغفران الذنوب وان كثرت وكانت صغائر او كبائر بعدد الرمال والاوراق والنجوم ونحوها . والعموم بمعنى الخصوص لان الشرك ليس بداخل فى الآية اجماعا وهى ايضا فى العاصى مقيدة بالمشيئة لان المطلق محمول على المقيد وسيجىء بقية الكلام على الآية قال عليه السلام « ان الله يغفر الذنوب جميعا ولا يبالى انه هو الغفور الرحيم » وقال عليه السلام « ان تغفر اللهم فاغفر جما وأى عبد لك لا الما » يعنى [ جون آمرزى خداوندا همه بيامرز وآن كدام بنده است كه اوكناه نكرده است ]
والفرق بين العفو والمغفرة هو ان حقيقة العفو هو المحو كما اشير اليه بقوله تعالى { ان الحسنات يذهبن السيئات } والتبديل الذى اشير اليه بقوله { فاولئك يبدل الله سيآتهم حسنات } هو من مقام المغفرة قاله الشيخ الكبير رضى الله عنه فى شرح الاربعين حديثا ثم قال فى مقام التعليل { انه } تعالى { هو } وحده { الغفور الرحيم } الاول اشارة الى محو ما يوجب العقاب والثانى الى التفضل بالثواب وصيغة المبالغة راجعة الى كثرة الذنوب وكثرة المغفور والمرحوم
قال الاستاذ القشيرى قدس سره التسمية بيا عبادى مدح والوصف بانهم اسرفوا ذم فلما قال يا عبادى طمع المطيعون ان يكونوا هم المقصودين بالآية فرفعوا رؤسهم ونكس العاصى رأسه وقال من انا حتى يقول لى هذا فقال الله تعالى { الذين اسرفوا على انفسهم } فانقلب الحال فهؤلاء الذين نكسوا رؤسهم انتعشوا وزالت زلتهم والذين رفعوا رؤسهم اطرقوا وزالت صولتهم ثم قوى رجاؤهم بقوله على انفسهم يعنى ان اسرفت لا تقنط من رحمة الله بعدما قطعت اختلافك الى بابنا فلا ترفع قلبك عناء والالف واللام فى الذنوب للاستغراق والعموم وجميعا تأكيد له فكأنه قال اغفر ولا اترك واعفو ولا ابقى فان كانت لكم جناية كثيرة عميمة فلى بشأنكم عناية قديمة
وفى كشف الاسرار [ بدانكه از آفريد كان حق تعالى كمال كرامت دوكروه راست يكى فرشتكان وديكر آدميان « ولهذا جعل الانبياء والرسل منهم دون غيرهم » وغايت شرف انسانى دردوجيزاست درعبوديت ودرمحبت عبوديت محض صفت فرشتكانست وعبوديت ومحبت هر دوصفت آدميان است فرشتكانرا عبوديت محض دادكه صفت خلق است وآدميانرا بعد ازعبوديت خلعت محبت داد كه صفت حق است تا از بهر اين امت ميكويد(12/309)
{ يحبهم ويحبونه } ودرعبوديت نيز آدميانرا فضل داد برفرشتكانكه عبوديت فرشتكان بىضافت كفت { بل عباد مكرمون } وعبوديت آدميان باضافت كفت { يا عبادى } آنكه برمقضتاى محبت فضل خود برايشان تمام كرد وعيبها ومعصيتهاى ايشان بانوار محبت بيوشيد وبرده ايشان ندريدنه بينى كه زلت برايشان قضا كرد وبآن همه زلات نام عبوديت ازايشان نيفكند وباذ كرزلت ومعصيت تشريف اضافت ازايشان باز نستد كفت { قل يا عبادى الذين اسرفوا على انفسهم } وآنكه برده ايشان نكاه داشت كه عين كناهان اظهار نكرد بلكه مجمل ياد كرد سربسته وعين آن بوشيده كفت { اسرفوا } اسراف كردند كزاف كردند ازبهر آنكه درارادت وى مغفرت ايشان بود نه بربده دريد نه اسم عبوديت بيفكد « سبحانه ما ارافه بعباده » موسى عليه السلام كفت « الهى تريد المعصية من العباد وتبغضها » كفت « يا موسى ذاك تأسيس لعفوى » يعنى معصيت بندكان بارادت تست آنكه آنرا دشمن ميدارى وبنده را بمعصيت دشمن ميكيرى حق جل جلاله كفت آن بنياد عفو وكرم خويش است كه مى نهم خزينه رحمت ما براست اكر عاصيان نباشند ضايع ماند
قال الكاشفى بيمارستان جرم وعصيانرا شربت راحت جز درين دار الشفا حاصل نشود وسركردانان بيابان نفس وهوارا زاد طريق نجات جز بمدد آن آيت ميسر نكردد ]
ندارم هيج كونه توشه راه ... بجز لا تقنطوا من رحمة الله
توفرمودى كه نوميدى مياريد ... زمن لطف وعنايت جشم داريد
بدين معنى بسى اميد واريم ... ببخشا زانكه بس اميد داريم
اميد دردمندانرا دوا كن ... دل اميد وارنرا روا كن
وقال المولى الجامى قدس سره
بلى نبود درين ره ن اميدى ... سياهىرا بودرو در سفيدى
زصد دردى كراميدت نيابد ... بنوميدى جكر خوردن نشايد
درديكر ببايد زدكه ناكاه ... ازان درسوى مقصود آورى راه
قال عليه السلام « ما احب ان تكون لى الدنيا وما فيها بها » اى ما احب ان املك الدنيا وما فيها بدل هذه الآية فالباء فى بها للبدلية والمقابلة : وبالفارسية [ دوست نمى دارم كه دنيا ومافيها مراباشد بعضو اين آيت جه ازدنيا وهرجه دردنيا باشد بهتراست ] وذلك لان الله تعالى منّ على من اسرف من عباده ووعد لهم مغفرة ذنوبهم جميعا ونهاهم ان يقنطوا من رحمته الواسعة
واعلم ان الآية لا تدل على غفران جميع الذنوب لجميع الناس بل على غفران جميع ذنوب من شاء الله غفران ذنوبه فلا تنافى الامر بالتوبة وسبق تعذيب العصاة والامر بالاخلاص فى العمل والوعيد بالعذاب فالله تعالى لا يغفر الشرك الا بالتوبة والرجوع عنه ويغفر ما دون ذلك من الصغائر والكبائر بالتوبة وبدونها لمن يشاء لا لكل احد من اهل الذنوب روى ان ابن مسعود رضى الله عنه قرأ هذه الآية ان الله يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء فحمل المطلق على المقيد وذلك لانه لا يجرى فى ملكه الا ما يشاء(12/310)
يقول الفقير ان اهل السنة لم يشترطوا التوبة فى غفران الذنوب مطلقا اى سواء كانت صغائر او كبائر سوى الشرك ودل عليه آثار كثيرة
روى ان الله تعالى يقول يوم القيامة لبعض عصاة المؤمنين سترتها عليك فى الدنيا اى الذنوب وانا اغفرها لك اليوم فهذا وامثاله يدل على المغفرة بلا توبة
والفرق بين الشرك وسائر المعصية هو ان الكافر لا يطلب العفو والمغفرة لمعاصيه وقوله تعالى { انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب } انما هو بالنسبة الى حال الغرغرة فالشرك وسائر المعاصى لا يغفر فى تلك الحال وان وجدت التوبة وهذا لا ينافى المغفرة بدون التوبة بالنسبة الى المعاصى سوى الشرك فان مغفرته مخالفة للحكمة
وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « جعل الله الرحمة مائة جزء فامسك عنده تسعة وتسعين وانزل فى الارض جزأ واحدا فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها وهو يمص ان تصيبه » فهذا مما يدل على كمال الرجاء والبشارة للمسلمين لانه حصل فى هذه الدار من رحمة واحدة ما حصل من النعم الظاهرة والباطنة فما ظنك بمائة رحمة فى الدار الآخرة
قال يحيى بن معاذ رحمه الله فى كتاب الله كنوز موجبة للعفو عن جميع المؤمنين . منها قوله تعالى { قل يا عبادى } الخ ولذا قال العلماء ارجى آية فى القرآن لاهل التوحيد هذه الآية وقوله تعالى { ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } وقوله { ولسوف يعطيك ربك فترضى } وذلك ان كل نبى مرسل مظهر لبعض احكام الرحمة ولذا كانت رسالته مقيدة ومقصورة على طائفة مخصوصة ولما كان نبينا عليه السلام مظهر حقيقة الرحمة كانت بعثته عامة وقيل فيه { وما ارسلناك الا رحمة للعالمين } وتم ظهور حكم رحمانيته بالشفاعة التى بها تظهر سيادته على جميع الناس حتى ان من يكون له درجة الشفاعة من الملائكة والانبياء والمؤمنين لا يشفعون الا بعده فلا تقنطوا ايتها الامة المرحومة من رحمة الله المطلقة ان الله يغفر الذنوب جميعا بشفاعة من هو مظهر تلك الرحمة قال الجامى
زمهجورى برآمد جان عالم ... ترحم يا نبى الله ترحم
اكرجه غرق درياى كناهم ... فتاده خشك لب برخاك راهيم
توابر رحمتى آن به كه كناهى ... كنى درحال لب خشكان نكاهى(12/311)
وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)
{ وانيبوا } يا عبادى { الى ربكم } اى ارجعوا الى ربكم بالتوبة من المعاصى { واسلموا له } اى اخلصوا العمل لوجهه فان السالم بمعنى الخالص { من قبل ان يأتيكم العذاب } فى الدنيا والآخرة { ثم لا تنصرون } لا تمنعون من عذاب الله ان لم تتوبوا قبل نزوله
يعنى [ هيجكس دردفع عذاب شما نصرت ندهد ]
والظاهر من آخر الآية ان الخطاب للكفار فالمعنى فارجعوا ايها الناس من الشرك الى الايمان واخلصوا له تعالى التوحيد
قال سيد الطائفة الجنيد قدس سره انقطعوا عن الكل بالكلية فما يرجع الينا بالحقيقة احد وللغير عليه اثر وللاكوان على سره خطر ومن كان لنا حرا مما سوانا
وفى الاسئلة المقحمة الفرق بين التوبة والانابة ان التائب يرجع الى الله خوفا من العقوبة والمنيب يرجع حياء منه وشوقا اليه
قال ابراهيم بن ادهم قدس سره اذا صدق العبد فى توبته صار منيبا لان الانابة ثانى درجة التوبة
وفى التأويلات النجمية التوبة لاهل البداية وهى الرجوع من المعصية الى الطاعة ومن الاوبة للمتوسط وهى الرجوع من الدنيا الى الآخرة ومن الانابة لاهل النهاية وهى الرجوع مما سوى الله الى الله بالفناء فى الله
قال فى كشف الاسرار [ انابت برسه قسم است . يكى انابت بيغمبران كه نشانش سه جيزاست بيم داشتن با بشارت آزادى وخدمت كردن باشرف بيغمبرى وباز بلاكشيدن بادلهاى برشادى وجز ازبيغمبران كس را طاقت اين انابت نيست . دوام انابت عافانست كه نشانش سه جيزاست از معصيت بدر بودن واز طاعت خجل بودن ودرخلوت باحق انس داشتن رابعه عدوية درحالت انس بجايى رسيدكه ميكفت « حسبى من الدنيا ذكرك ومن الآخرة رؤيتك » عزيزى كفت از سرحالت آتش خويش وديكرانرا بند مى داد ]
اكر درقصر مشتاقان ترا يك روز بارستى تراباندهان عشق اين جاد وجه كارستى
وكر رنكى زكلزار حديث اوبديدى تو بجشم توهمه كلها كه درباغست خارستى
[ سوم انابت توحيداست كه دشمنانرا وبيكانكانرا با آن خواند كفت { وانيبوا الى ربكم واسلموا له } ونشان اين انابت آنست كه باقرار زبان واخلاص دل خدايرا يكىداند ودر ذات بى شبيه ودرقدر بى نظير ودرصفات بيهمتا . كفته اند توحيد دوبابست توحيد اقراركه عامه مؤمنانراست بظاهر آيد تازبان ازوخبر دهد واهل اين توحيدرا دنيا منزل وبهشت مطلوب ودوم توحيد معرفت كه عارفان وصديقا نراست بجان آيد تاوقت وحال ازوخبردهد واهل اين توحيدرا بهشت منزل ومولى مقصود ]
واسكر القوم دور كأس ... وكان سكرى من المدير
[ آن كس راكه كاربا كل افتد كل بويد وآنكس كه كارش باباغبان افتد بوسه برخار زند جنانكه جوانمرد كفت ]
آنكه كل شاكر درنك روى اوست ... زارت بوسه شد برشريك خارزن(12/312)
وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55)
احسن ما انزل اليكم من ربكم } اى القرآن كقوله تعالى { الله نزل أحسن الحديث } او العزائم دون الرخص
قال البيضاوى ومن تبعه ولعله ما هو انجى واسلم كالانابة والمواظبة على الطاعة
وقال الحسن الزموا طاعته واجتنبوا معصيته فان الذى انزل عليكم من ثلاثة اوجه ذكر القبيح لتجتنبوه وذكر الاحسن لتؤثروه وذكر الاوسط لئلا يكون عليكم جناح فى الاقبال عليه او الاعراض عنه وهو المباحات
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان ما انزل الله منه ما يكون حسنا وهو ما يدعو به الى الله قال الله تعالى { وداعيا الى الله باذنه } { من قبل ان يأتيكم العذاب } اى البلاء والعقوبة { بغتة } [ ناكهان ]
قال الراغب البغتة مفاجأة الشىء من حيث لا يحتسب ويجوز ان يكون المراد بالعذاب الآتى بغتة هو الموت لانه مفتاح العذاب الاخروى وطريقه ومتصل به { وانتم } لغفلتكم { لا تشعرون } لا تدركون بالحواس مجيئه لتتداركوا وتتأهبوا : وبالفارسية [ وشما نمىدانيد آمدن اوراتادرمقام تدارك وتأهب آييد ](12/313)
أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)
{ ان تقول نفس } مفعول له للافعال السابقة التى هى الانابة والاخلاص واتباع القرآن والتنكير لان القائل بعض الانفس او للتكثير والتعميم ليشيع فى كل النفوس والمعنى افعلوا ما ذكر من المأمورات يعنى امرتكم به كراهة ان تقول كل نفس : وبالفارسية [ ومباداكه هركس كويا فردا ازشما ] { يا حسرتا } بالالف بدلا من ياء الاضافة اذ اصله يا حسرتى تقول العرب يا حسرتى يا لهفى ويا حسرتا ويا لهفا ويا حسرتاى ويا لهفاى بالجمع بين العوضين تقول هذه الكلمة فى نداء الاستغاثة كما فى كشف الاسرار . والحسرة الغم على ما فاته والندم عليه كأنه انحسر الجهل عنه الذى حمله على ما ارتكبه
وقال بعضهم الحسرة ان تأسف النفس اسفا تبقى منه حسيرا اى منقطعة . والمعنى يا حسرتى وندامتى احضرى فهذا اوان حضورك : وبالفارسية [ اى بشيمانى من ] { على ما فرطت } اى على تفريطى وتقصيرى فما مصدرية
قال الراغب الافراط ان يسرف فى التقدم والتفريط ان يقصر فان الفرط المتقدم { فى جنب الله } فى جانبه وهو طاعته واقامة حقه وسلوك طريقه
قال فى كشف الاسرار العرب تسمى الجانب جنبا [ اين كلمه برزبان عرب بسيار بود وجنانست كه مردمان كويند درجنب فلان توانكر شدم از بهلوى فلان مال بدست آوردم ]
وقال الراغب اصل الجنب الجارحة جمعه جنوب ثم استعير فى الناحية التى تليها كاستعارة سائر الجوارح لذلك نحو اليمين والشمال وقيل جنب الحائط وجانبه وقوله فى جنب الله اى فى امره وحده الذى حده لنا انتهى { وان كنت لمن الساخرين } ان هى المخففة واللام هى الفارقة والسخر الاستهزاء ومحل الجملة النصب على الحال . والمعنى فرطت والحال انى كنت فى الدنيا من المستهزئين بدين الله واهله
قال قتادة لم يكفهم ما ضيعوا من طاعة الله حتى سخروا باهل طاعته : در سلسلة الذهب فرمود
روز آخركه مرك مردم خوار ... كند از خواب غفلتش بيدار
يادش آيدكه درجوار خداى ... سالها زد بجرم وعصيان واى
هرجه درشصت سال ياهفتاد ... كرده از خير وشربيش افتاد
يك بيك بيش جشم او آرند ... آشكارا بر وى اودارند
بكذراند ز كنبد والا ... بانك واحسرتا و واويلا
حسرت ازجان اوبر آرد دود ... وان زمان حسرتش ندارد سود
قال الفارسى يقول الله تعالى من هرب منى احرقته اى من هرب منى الى نفسه احرقته بالتأسف على فوتى اذا شهد غدا مقامات ارباب معارفى يدل عليه قوله يا حسرتا الخ اذ لا يقوله الا متحرق(12/314)
أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57)
{ او تقول لو ان الله هدانى } بالارشاد الى الحق { لكنت من المتقين } من الشرك والمعاصى وفى الخبر « ما من احد من اهل النار يدخل النار حتى يرى مقعده من الجنة فيقول لو ان الله هدانى لكنت من المتقين » فيكون عليه حسرة(12/315)
أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58)
{ او تقول حين ترى العذاب } عيانا ومشاهدة { لو ان لى } لو للتمنى [ اى كاشكى مرابودى ] { كرة } رجعة الى الدنيا يقال كر عليه عطف وعنه رجع والكرة المرة والحملة كما فى القاموس { فاكون } بالنصب جواب التمنى : يعنى [ تاباشم آنجا ] { من المحسنين } فى العقيدة والعمل واو للدلالة على انها لا تخلو عن هذه الاقوال تحيرا وتعللا بما لا طائل تحته وندما حيث لا ينفع وقيل ان قوما يقولون هذا وقوما يقولون ذاك(12/316)
بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59)
{ بلى } يعنى [ ترا ارشاد كردند ]
ان قلت كلمة بلى مختصة بايجاب النفى ولا نفى فى واحدة من تلك المقالات
قلت انها رد للثانية وكلمة لو تتضمن النفى لانها لامتناع الثانى لامتناع الاول اى لو ان الله هدانى لكنت من المتقين ولكن ما هدانى فقال تعالى بلى قد هديتك و { قد جاءتك آياتى } آيات القرآن وهى سبب الهداية وفصله عن قوله { لو ان الله هدانى } لما ان تقديمه على الثالث يفرق القرائن الثلاث التى دخلها او وتأخير لو ان الله هدانى الخ يخل بالترتيب الوجودى لانه يتحسر بالتفريط عند تطاير الكتب ثم يتعلل بفقد الهداية عند مشاهدة احوال المتقين واغتباطهم ثم يتمنى الرجعة عند الاطلاع على النار ورؤية العذاب وتذكير الخطاب باعتبار المعنى وهو الانسان
وروى ان النبى عليه السلام قرأ قد جاءتك بالتأنيث وكذا ما بعدها خطابا للنفس { فكذبت بها } قلت انها ليست من الله { واستكبرت } تعظمت عن الايمان بها { وكنت من الكافرين } بها
وفى التأويلات النجمية { بلى قد جاءتك آياتى } من الانبياء ومعجزاتهم والكتب وحكها ومواعظها واسرارها وحقائقها ودقائقها واشاراتها { فكذبت بها واستكبرت } عن اتباعها والقيام بشرائطها { وكنت من الكافرين } اى كافرى النعمة بما انعم الله به عليك من نعمة وجود الانبياء وانزال الكتب واظهار المعجزات
قالت المعتزلة هذه الآيات الثلاث تدل على ان العبد مستقل بفعله من وجوه . الاول ان المرأ لا يتحسر بما سبق منه الا اذا كان يقدر على ان يفعل . والثانى ان من لا يكون الايمان بفعله لا يكون مفرطا فيه . والثالث انه لا يستحق الذم بما ليس من فعله
والجواب ان هذه الآيات لا تمنع تأثير قدرة الله تعالى فى فعل العبد ولا ما فيه اسناد الفعل الى العبد حيث قال { بلى قد جاءتك } الخ ونحو قوله تعالى { يضل من يشاء ويهدى من يشاء } يدل على بطلان مذهبهم(12/317)
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60)
{ ويوم القيمة ترى الذين كذبوا على الله } بان وصفوه بما لا يليق بشانه كاتخاذ الولد والصاحبة والشريك { وجوههم مسودة } مبتدأ وخبر والجملة حال قد اكتفى فيها بالضمير عن الواو على ان الرؤية بصرية او مفعول ثان لها على انها عرفانية . والمعنى تراهم حال كونهم او تراهم مسودة الوجوه بما ينالهم من الشدة او بما يتخيل من ظلمة الجهل : وبالفارسية [ رويهاى ايشان سياه كرده شد بيش از دخول دوزخ وآن علامت دوزخيانست كه ] { يعرف المجرمون بسيماهم } سئل الحسن عن هذه الآية { ويوم القيامة } الخ فقال هم الذين يقولون الاشياء الينا ان شئنا فعلنا وان شئنا لم نفعل
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان يوم القيامة تكون الوجوه بلون القلب فالقلوب الكاذبة لما كانت مسودة بسواد الكذب وظلمته تلونت وجوههم بلون القلوب
قال يوسف ابن الحسين رحمه الله اشد الناس عذابا يوم القيامة من ادعى فى الله ما لم يكن له ذلك او اظهر من احواله ما هو خال عنها { أليس فى جهنم } [ آيانيست در دوزخ يعنى هست ] { مثوى } مقام { للمتكبرين } عن الايمان والطاعة
وفى التأويلات النجمية اى الذين تكبروا على اولياء الله وامتنعوا عن قبول النصح والموعظة(12/318)
وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61)
{ وينجى الله الذين اتقوا } الشرك والمعاصى اى من جهنم { بمفازتهم } مصدر ميمى بمعنى الفوز من فاز بالمطلوب اى ظفر به
قال الراغب الفوز الظفر مع حصول السلامة والباء متعلقة بمحذوف هو حال من الموصول مفيدة لمفازة تنجيتهم من العذاب لنيل الثواب اى ينجيهم الله من مثوى المتكبرين حال كونهم ملتبسين بفوزهم بمطلوبهم الذى هو الجنة { لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون } حال اخرى من الموصول مفيدة لكون نجاتهم وفوزهم بالجنة غير مسبوقة بمساس العذاب والحزن
قال فى كشف الاسرار لا يمس ابدانهم اذى وقلوبهم حزن ويجوز ان تكون المفازة من فاز منه اى نجا منه والباء للملابسة وقوله تعالى { لا يمسهم } الخ تفسير وبيان لمفازتهم اى ينجيهم بسبب مفازتهم التى هى تقواهم كما يشعر به ايراده فى حيز الصلة واما على اطلاق المفازة على سببها الذى هو التقوى فليس المراد نفى دوام المساس والحزن بل دوام نفيهما
وفى الآية اشارة الى ان الذين اتقوا بالله عما سوى الله لا يمسهم سوء القطيعة والهجران ولا هم يحزنون على ما فاتهم من نعيم الدنيا والآخرة اذ فازوا بقربة المولى وهو فوز فوق كل فوز فالمتقون فازوا بسعادة الدارين اليوم عصمة وغدا رؤية واليوم عناية وغدا كفاية وولاية نسأل الله سبحانه ان يعصمنا مما يؤدى الى الحجاب ويجعلنا فى حمايته فى كل باب
وفى الآية ترغيب للتقوى فانها سبب للنجاة وبها تقول جهنم جز يا مؤمن فان نورك اطفأ نارى وبها يخاف الخلائق من المتقى ألا ترى ان رسول الروم لما دخل على امير المؤمنين عمر رضى الله عنه اخذته الرعدة والخوف : قال فى المثنوى
هيبت حقست اين ازخلق نيست ... هيبت اين مرد صاحب دلق نيست
هركه ترسيد ازحق وتقوى كزيد ... ترسد ازوى جن وانس وهركه ديد
وفى البستان
توهم كردن از حكم داور مييج ... كه كردن نبيجد زحكم توهيج
محالست جون دوست داردترا ... كه دردست دشمن كذاردترا
وجاء الى ذى النون المصرى رحمه الله بعض الوزراء وطلب الهمة الخشية من السلطان فقال له لو خشيت انا من الله كما تخشى انت من السلطان لكنت من جملة الصديقين
كرنبودى اميد راحت ورنج ... باى درويش بر فلك بودى
ور وزير از خدا بترسيدى ... همجنان كز ملك ملك بودى
نسأل الله سبحانه ان يجعلنا مخلصين(12/319)
اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)
{ الله خالق كل شىء } من خير وشر وايمان وكفر لكن لا بالجبر بل بمباشرة الكاسب لاسبابها
قال فى التأويلات النجمية دخل افعال العباد واكسابهم فى هذه الجملة ولا يدخل هو وكلامه فيها لان المخاطب لا يدخل تحت الخطاب ولانه تعالى يخلق الاشياء بكلامه وهو كلمة كن { وهو على كل شىء وكيل } يتولى التصرف فيه كيفما يشاء . والوكيل القائم على الامر الزعيم باكماله والله تعالى هو المتكفل بمصالح عباده والكافى لهم فى كل امر ومن عرف انه الوكيل اكتفى به فى كل امره فلم يدبر معه ولم يعتمد الا عليه
وخاصية هذا الاسم نفى الحوائج والمصائب فمن خاف ريحا او صاعقة او نحوهما فليكثر منه فانه يصرف عنه ويفتح له ابواب الخير والرزق(12/320)
لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63)
{ له مقاليد السموات والارض } جمع مقليد او مقلاد وهو المفتاح او جمع اقليد على الشذوذ كالمذاكير جمع ذكر والا ينبغى ان يجمع على اقاليد . والاقليد بالكسر معرب كليد وهو فى الفارسى بمعنى المفتاح فى العربى وان كان شائعا بين الناس بمعنى الفعل . والمعنى له تعالى وحده مفاتيح خزائن العالم العلوى والسفلى لا يتمكن من التصرف فيها غيره : وبالفارسية [ مرور است كليدهاى خزائن آسمان وزمين يعنى مالك امور علوى وسفلى است وغيراورا تصر فى درآن ممكن نيست همجنانكه دخل در خزينها متصورنيست مكركسى راكه مفاتيح آن بدست اوست ]
وعن عثمان رضى الله عنه انه سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن المقاليد فقال « تفسيرها لا اله الا الله والله اكبر وسبحان الله وبحمده واستغفر الله ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم هو الاول والآخر والظاهر والباطن بيده الخير يحيى ويميت وهو على كل شىء قدير » والمعنى على هذا ان لله هذه الكلمات يوحد بها ويمجد بها وهى مفاتيح خير السموات والارض من تكلم بها اصابه : يعنى [ اين كلمات مفاتيح خيرات آسمان وزمينست هركه بدان تكلم كند بنقود فيوض آن خزائن برسد وكفته اند خزائن آسمان بارانست وخزائن زمين كياه وكليد اين خزينها بدست تصرف اوست هركاه خواهد باران فرستد وهرجه خواهد ازنباتات بروياند ]
وفى الخبر ان رسول الله عليه السلام قال « اتيت بمفاتيح خزائن الارض فعرضت علىّ فقلت لا بل اجوع يوما واشبع يوما » قال الصائب
افتد هماى دولت اكر دركمندما ... از همت بلند رها ميكنيم ما
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان له مفاتيح خزائن لطفه وهى مكنونة فى سموات القلوب وله مفاتيح خزائن قهره وهى مودعة فى ارض النفوس يعنى لا يملك احد مفاتيح خزان لطفه وقهره الا هو وهو الفتاح وبيده المفتاح يفتح على من يشاء خزائن لطفه فى قلبه فيخرج ينابيع الحكمة منه وجواهر الاخلاق الحسنة ويفتح على من يشاء ابواب خزائن قهره فى نفسه فيخرج عيون المكر والخدع والحيل منها وفنون الاوصاف الذميمة ولهذا السر قال صلى الله تعلى عليه وسلم « مفتاح القلوب لا اله الا الله » ولما سأله عثمان رضى الله عنه عن تفسير مقاليد السموات والارض قال « لا اله الا الله والله اكبر » الخ { والذين كفروا بآيات الله } التنزيلية والتكوينية المنصوبة فى الآفاق والانفس { اولئك هم الخاسرون } خسرانا لا خسار وراءه لانهم اختاروا العقوبة على الثواب وفتحوا ابواب نفوسهم بمفتاح الكفر والنفاق نسأل الله تعالى ان يجعلنا ممن ربحت تجارته لا ممن خسرت صفقته(12/321)
قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64)
{ قل أفغير الله تأمرونى اعبد ايها الجاهلون } اى أبعد مشاهدة هذه فغير الله اعبد تأمروننى بذلك ايها الجاهلون وتأمرونى اعتراض للدلالة على انهم امروه عقيب ذلك بان يعبد غير الله وقالوا استلم آلهتنا نؤمن بالهك لفرط غباوتهم واصله تأمروننى باظهار النونين ثم ادغمت اولاهما وهى علم الرفع فى الثانية وهى للوقاية وقد قرأ ابن عامر على الاصل اى باظهارها ونافع بحذف الثانية فانها تحذف كثيرا(12/322)
وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)
{ ولقد اوحى اليك والى الذين من قبلك } اى من الرسل عليهم السلام { لئن اشركت } فرضا : وبالفارسية [ اكر شرك آرى ] وافراد الخطاب باعتبار كل واحد { ليحبطن عملك } اى ليبطلن ثواب عملك وان كنت كريما على { ولتكونن من الخاسرين } فى صفقتك بسبب حبوط عملك واللام الاولى موطئة للقسم والاخريان للجواب وهو كلام وارد على طريقة الفرض لتهييج الرسل واقناط الكفرة والايذان بغاية شناعة الاشراك وقبحه وكونه بحيث ينهى عنه من لا يكاد يمكن ان يباشره فكيف بمن عداه
قال التفتازانى فالمخاطب هو النبى عليه السلام وعدم اشراكه مقطوع به لكن جيىء بلفظ الماضى ابرازا للاشراك فى معرض الحاصل على سبيل الفرض والتقدير تعريضا لمن صدر عنهم الاشراك بانه قد حبطت اعمالهم وكانوا من الخاسرين
وقال فى كشف الاسرار هذا خطاب مع الرسول عليه السلام والمراد به غيره
وقال ابن عباس رضى الله عنهما هذا ادب من الله لنبيه عليه السلام وتهديد لغيره لان الله تعالى قد عصمه من الشرك ومداهنة الكفار
وقال الكاشفى [ واصح آنست كه مخاطب بحسب ظاهر بيغمبرانند وازروى حقيقت افراد مسلمانان امت ايشان هريك را مىفرمايد كه اكر شرك آرى هر آينه تباه كردد كردار توكه دروقت ايمان واقع شده وهر آينه باشى از زيانكاران كه بعد ازوقت دولت دين بنكبت شرك مبتلى كردد ]
قال ابن عطاء هذا شرك الملاحظة والالتفات الى غيره واطلاق الاحباط من غير تقييد بالموت على الكفر يحتمل ان يكون من خصائصهم لان الاشراك منهم اشد واقبح وان يكون مقيدا بالموت كما صرح به فى قوله تعالى { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فاولئك حبطت اعمالهم } فيكون حملا للمطلق على المقيد فمذهب الشافعى ان نفس الكفر غير محبط عنده بل المحبط الموت على الكفر واما عند غيره فنفس الكفر محبط سواء مات عليه ام لم يمت
وفى المفردات حبط العمل على اضرب . احدها ان تكون الاعمال دنيوية فلا تغنى فى الآخرة غناء كما اشار اليه تعالى بقوله { وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا } والثانى ان تكون اعمالا اخروية لكن لم يقصد صاحبها بها وجه الله تعالى كما روى « يؤتى برجل يوم القيامة فيقال له بم كان اشتغالك فيقول بقراءة القرآن فيقال له كنت تقرأ ليقال فلان قارىء وقد قيل ذلك فيؤمر به الى النار » والثالث ان تكون اعمالا صالحة لكن بازائها سيآت تربى عليها وذلك هو المشار اليه بخفة الميزان انتهى . وعطف الخسران على الحبوط من عطف المسبب على السبب
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان الانسان ولو كان نبيا لئن وكل الى نفسه ليفتحن بمفتاح الشرك والرياء ابواب خزائن قهر الله على نفسه وليحبطن عمله بان يلاحظ غير الله بنظر المحبة ويثبت معه فى الابداع سواه(12/323)
بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)
{ بل الله فاعبد } رد لما امروه ولولا دلالة التقديم على القصر لم يكن كذلك والفاء جواب الشرط المحذوف تقديره لا تعبد ما امرك الكفار بعبادته بل ان عبدت فاعبد الله فحذف الشرط واقيم المفعول مقامه { وكن من الشاكرين } انعامه عليك ومن جملته التوحيد والعبادة وكذا النبوة والرسالة الحاصلتان بفضله وكرمه لا بسعيك وعملك
واعلم ان الشكر على ثلاث درجات . الاولى الشكر على المحاب وقد شاركت المسلمين فى هذا الشكر اليهود والنصارى والمجوس . والثانية الشكر على المكاره وهذا الشاكر اول من يدعى الى الجنة لان الجنة حفت بالمكاره والثالثة ان لا يشهد غير المنعم فلا يشهد النعمة والشدة وهذا الشهود والتلذذ به اعلى اللذات لانه فى مقام السر
فالعاقل يجتهد فى الاقبال على الله والتوجه اليه من غير التفات الى يمين وشمال روى ان ذا النون المصرى قدس سره اراد التوضىء من نهر فرأى جارية حسناه فقالت لذى النون ظننتك اولا عاقلا ثم عالما ثم عارفا ولم تكن كذلك اى لا عاقلا ولا عالما ولا عارفا قال ذو النون ولم قالت فان العاقل لا يكون بغير وضوء لعلمه بفضائله والعالم لا ينظر الى الحرام فان العالم لا بد وان يكون عاملا والعارف لا يميل الى غير الله فان مقتضى العرفان ان لا يختار على المحبوب الحقيقى سواه لكون حسنه من ذاته وحسن ما سواه مستفادا منه والغير وان كان مظهرا لتجليه ولكن النظر اليه قيد والحضور فى عالم الاطلاق هو التفريد الذي هو تقطيع الموحد عن الانفس والآفاق
خداست دردوجهان هست جاودان جامى ... وما سواه خيال مزخرف باطل
نسأل الله سبحانه هذا التوحيد الحقيقى روى عبد الله بن عباس رضى الله عنهما وعبد الله ابن مسعود رضى الله عنه ان حبرا من اليهود اتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال يا محمد أشعرت ان الله يضع يوم القيامة السموات على اصبع والارضين على اصبع والجبال على اصبع والماء والثرى والشجر على اصبع وجميع الخلائق على اصبع ثم يهزهنّ ويقول انا الملك اين الملوك فضحك رسول الله عليه السلام تعجبا منه وتصديقا له فانزل الله هذه الآية وهى قوله تعالى(12/324)
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)
{ وما قدروا الله حق قدره } القدر بمعنى التعظيم كما فى القاموس فالمعنى ما عظموا الله حق تعظيمه حيث جعلوا له شريكا بما لا يليق بشأنه العظيم ويقال قدر الشىء قدره من التقدير كما فى المختار . فالمعنى ما قدروا عظمته تعالى فى انفسهم حق عظمته
وقال الراغب فى المفردات ما عرفوا كنهه
يقول الفقير هذا ليس فى محلة فان الله تعالى وان كان لا يعرف حق المعرفة بحسب كنهه ولكن تتعلق به تلك المعرفة بحسبنا فالمعنى ههنا ما عرفوا الله حق معرفته بحسبهم لا بحسب الله اذ لو عرفوه بحسبهم ما اضافوا اليه الشريك ونحوه فافهم
وفى التأويلات النجمية ما عرفوا الله حق معرفته وما وصفوه حق وصفه وما عظموه حق تعظيمه فمن اتصف بتمثيل او جنح الى تعطيل حاد عن ألسنة المثلى وانحرف عن الطريقة الحسنى وصفوا الحق بالاعضاء وتوهموا فى نعته الاجزاء فما قدروا الله حق قدره انتهى { والارض جميعا } حال لفظا وتأكيد معنى ولذا قال اهل التفسير تأكيد الارض بالجميع لان المراد بها الارضون السبع او جميع ابعاضها البادية والغائرة اى الظاهرة وغير الظاهرة من باطنها وظاهرها ووسطها قوله والارض مبتدأ خبره قوله { قبضته يوم القيمة } القبضة المرة من القبض اطلقت بمعنى القبضة وهى المقدار المقبوض بالكف تسمية بالمصدر او بتقدير ذات قبضته
وفى المفردات القبض التناول بجمع الكف نحو قبض السيف وغيره ويستعار القبض لتحصيل الشىء وان لم يكن فيه مراعاة الكف كقولك قبضت الدار من فلان اى حزتها قال الله تعالى { والارض جميعا قبضته } اى فى حوزه حيث لا تمليك للعبد انتهى تقول للرجل هذا فى يدك وفى قبضتك اى فى ملكك وان لم يقبض عليه بيده . والمعنى والارض جميعا مقبوضة يوم القيامة اى فى ملكه وتصرفه من غير منازع يتصرف فيها تصرف الملاك فى ملكهم وانها اى جميع الارضين وان عظمن فما هن بالنسبة الى قدرته تعالى الا قبضة واحدة
ففيه تنبيه على غاية عظمته وكمال قدرته وحقارة الافعال العظام بالنسبة الى قدرته ودلالة على ان تخريب العالم اهون شىء عليه على طريقة التمثيل والتخييل من غير اعتبار القبضة حقيقة ولا مجازا على ما فى الارشاد ونحوه وعلى هذه الطريقة قوله تعالى { والسموات } مبتدأ { مطويات } خبره { بيمينه } متعلق بمطويات اى مجموعات ومدرجات من طويت الشىء طيا اى ادرجته ادراجا او مهلكات من الطى بمعنى مضى العمر يقال طوى الله عمره . وقوله بيمينه اى بقوته واقتداره فانه يعبر بها عن المبالغة فى الاقتدار لانها اقوى من الشمال فى عادة الناس كما فى الاسئلة المقحمة
قال ابن عباس رضى الله عنهما ما السموات السبع والارضون السبع فى يد الله الا كخردلة فى يد احدكم
قال بعضهم الآية من المتشابهات فلا مساغ لتأويلها وتفسيرها غير الايمان بها كما قال تعالى(12/325)
{ والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا } وقال اهل الحقيقة المراد بهذه القبضة هى قبضة الشمال المضاف اليها القهر والغضب ولوازمهما وعالم العناصر وما يتركب ويتولد منها ومن جملة ذلك صورة آدم العنصرية واما روحانيته فمضافة الى القبضة المسماة باليمين ودل على ما ذكر ذكر اليمين فى مقابل الارض وصح عن النبى عليه السلام اطلاق الشمال على احدى اليدين اللتين خلق الله بهما آدم عليه السلام كما فى شرح الاربعين حديثا للشيخ الكبير قدس سره الخطير وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم « يقبض الله السموات بيمينه والارضين بيده الاخرى ثم يهزهنّ ويقول انا الملك اين ملوك الارض » كما فى كشف الاسرار
وفيه اشعار باطلاق الشمال على اليد الاخرى فالشمال فى حديثه عليه السلام والقبضة فى هذه الآية واحدة
فان قلت كيف التوفيق بينه وبين قوله عليه السلام « كلتا يدى ربى يمين مباركة » وقول الشاعر
له يمينان عدلا لا شمال له ... وفى يمينيه آجال وارزاق
قلت كون كل من اليدين يمينا مباركة بالاضافة اليه تعالى ومن حيث الآثار فيمين وشمال اذ لا تخلو الدنيا والآخرة من اللطف والقهر والجمال والجلال والبسط والقبض والروح والجسم والطبيعة والعنصر ونحو ذلك وظهر مما ذكرنا كون السموات خارجة عن حد الدنيا لاضافتها الى اليمين وان كانت من عالم الكون والفساد اللهم الا ان يقال العناصر مطلقا مضافة الى الارض المقبوضة بالشمال واما ملكوتها وهو باطنها كباطن آدم وباطن السموات كالارواح العلوية فمضاف الى السموات المقبوضة باليمين فالسموات من حيث عناصرها داخلة فى حد الدنيا { سبحانه وتعالى عما يشركون } ما ابعد وما اعلى من هذه قدرته وعظمته عن اشراكهم ما يشركونه من الشركاء فما على الاول مصدرية وعلى الثانى موصولة
سئل الجنبد قدس سره عن قوله { والسموات مطويات } فقال متى كانت منشورة حتى صارت مطوية سبحانه نفى عن نفسه ما يقع فى العقول من طيها ونشرها اذ كل الكون عنده كالخردلة او كجناح بعوضة او اقل منها
قال الزورقى رحمه الله اذا اردت استعمال حزب البحر للسلامة من عطبه فتقدم عند ركوبه { بسم الله مجريها ومرساها ان ربى لغفور رحيم } { وما قدروا الله حق قدره } الى قوله { عما يشركون } اذ قد جاء فى الحديث انه امان من الغرق ومن الله الخلاص
يقول الفقير التخصيص هو ان من عرف الله حق معرفته قد لا يحتاج الى ركوب السفينة بل يمشى على الماء كما وقع لكثير من اهل التصرف ففيه تنبيه على العجز وتعريف للقصور .(12/326)
وايضا ان الارض اذا كانت فى قبضته فالبحر الذى فوقها متصلا بها يكون ايضا فى قبضته فينبغى ان يخاف من سطوته فى كل مكان ويشتغل بذكره فى كل آن بخلوص الجنان وصدق الايقان
يقال ان الشرك جلى وخفى فالجلى من العوام الكفر والخفى منهم التوحيد باللسان مع اشتغال القلب بغير الله تعالى وهو شرك جلى من الخواص والخفى منهم الالتفات الى الدنيا واسبابها وهو جلى من اخص الخواص والخفى منهم الالتفات الى الآخرة
يقال ان السبب لانشقاق زكريا عليه السلام فى الشجرة كان التفاته الى الشجرة حيث قال اكتمينى ايتها الشجرة كما ان يوسف عليه السلام قال لساقى الملك اذكرنى عند ربك فلبث فى السجن بضع سنين فاقطع نظرك عما سوى الله وانظر الى حال الخليل عليه السلام فانه لما القى فى النار اتاه جبرائيل وقال ألك حاجة يا ابراهيم فقال اما اليك فلا فجعل الله له النار بردا وسلاما وكان قطبا واماما
نكر تاقضا از كجا سير كرد ... كه كورى بود تكيه برغير كرد
قال عبد الواحد بن زيد لابى عاصم البصرى رحمه الله كيف صنعت حين طلبك الحجاج قال كنت فى غرفتى فدقوا على الباب ودخلوا فدفعت بى دفعة فاذا انا على ابى قبيس بمكة فقال عبد الواحد من اين كنت تأكل قال كانت تأتى الىّ عجوز وقت افطارى بالرغيفين الذين كنت آكلهما بالبصرة قال عبد الواحد تلك الدنيا امرها الله ان تخدم ابا عاصم هكذا حال من توكل على الله وانقطع اليه عما سواه فالله لا يخيب عبدا لا يرجو الا اياه(12/327)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)
{ ونفخ فى الصور } المراد النفخة الاولى التى هى للاماتة بقرينة النفخة الآتية التى هى للبعث والنفخ نفخ الريح فى الشىء : وبالفارسية [ دميدن ] يقال نفخ بفمه اخرج منه الريح
والنفخ فى القرآن على خمسة اوجه
الاول نفخ جبريل عليه السلام فى جيب مريم عليها السلام كما قال تعالى { فنفخنا في من روحنا } اى نفخ جبرائيل فى الجيب بامرنا فسبحان من احبل رحم امرأة واوجد فيها ولدا بنفخ جبرائيل
والثانى نفخ عيسى عليه السلام فى الطين كما قال تعالى { فتنفخ فيه فيكون طيرا باذن الله } وهو الخفاش فسبحان من حول الطين طيرا بنفخ عيسى
والثالث نفخ الله تعالى فى طين آدم عليه السلام كما قال تعالى { ونفخت فيه من روحى } اى مرت الروح بالدخول فيه والتعلق به فسبحان من انطق لحما وابصر شحما واسمع عظما واحيى جسدا بروح منه
والرابع نفخ ذى القرنين الحديد فى النار كما قال تعالى حكاية عنه { قال انفخوا } الآية فسبحان من حول قطعة حديد نارا بنفخ ذى القرنين
والخامس نفخ اسرافيل عليه السلام فى الصور كما قال تعالى { ونفخ فى الصور } فسبحان من اخرج الارواح من الابدان بنفخ واحد كما يطفأ السراج بنفخ واحد وتوقد النار بنفخ واحد وسبحان من رد الارواح الى الابدان نفخ واحد وهذا كله دليل على قدرته التامة العامة . والصور قرن من نور القمه الله اسرافيل وهو اقرب الخلق الى الله تعالى وله جناح بالمشرق وجناح بالمغرب والعرش على كاهله وان قدميه قد خرجتا من الارض السفلى حتى بعدتا عنها مسيرة مائة عام على ما رواه وهب وعظم دائرة القرن مثل ما بين السماء والارض
وفى الدرة الفاخرة للامام الغزالى رحمه الله الصور قرن من نور له اربع عشرة دائرة الدائرة الواحدة كاستدارة السماء والارض فيه ثقب بعدد ارواح البرية وباقى ما يتعلق بالنفخ والصور قد سبق فى سورة الكهف والنمل فارجع { فصعق من فى السموات ومن فى الارض } يقال صعق الرجل اذا اصابه فزع فاغمى عليه وربما مات منه ثم استعمل فى الموت كثيرا كما فى شرح المشارق لابن الملك
قال فى المختار صعق الرجل بالكسر صعقة غشى عليه وقوله تعالى { فصعق من } الخ اى مات انتهى فالمعنى خروا امواتا من الفزع وشدة الصوت { الا من شاء الله } جبرائيل واسرافيل وميكائيل وملك الموت عليهم السلام فانهم يموتون من بعد
قال السدى وضم بعضهم اليهم ثمانية من حملة العرش فيكون المجموع اثنى عشر ملكا وآخرهم موتا ملك الموت وروى النقاش انه جبرائيل كما جاء فى الخبر ان الله تعالى يقول حينئذ يا ملك الموت خذ نفس اسرافيل ثم يقل من بقى فيقول بقى جبرائيل وميكائيل وملك الموت فيقول خذ نفس ميكائيل حتى يبقى ملك الموت وجبرائيل فيقول تعالى مت يا ملك الموت فيموت ثم يقول يا جبرائيل من بقى فيقول تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والاكرام وجهك الدائم الباقى وجبرائيل الميت الفانى فيقول يا جبرائيل لا بد من موتك فيقع ساجدا يخفق بجناحيه فيموت فلا يبقى فى الملك حى من انس وجن وملك وغيرهم الا الله الواحد القهار
وقال بعض المفسرين المستثنى الحور والولدان وخزنة الجنة والنار وما فيهما لانهما وما فيهما خلقا للبقاء والموت لقهر المكلفين ونقهلم من دار الى دار ولا تكليف على اهل الجنة فتركوا على حالهم بلا موت .(12/328)
وهذا الخطاب بالصعق متعلق بعالم الدنيا والجنة والنار عالمان بانفرادهما خلقا للبقاء فهما بمعزل عما خلق للفناء فلم يدخل اهلهما فى الآية فتكون آية الاستثناء مفسرة لقوله تعالى { كل شىء هالك الا وجهه } و { كل نفس ذائقة الموت } وغيرهما من الآيات فلا تناقض
يقول الفقير يرد عليه انه كيف يكون هذا الخطاب بالصعق متعلقا بعالم الدنيا وقد قال الله تعالى { من فى السموات } وهى اى السماوات خارجة عن حد الدنيا ولئن سلم بناء على ان السموات السبع كالارض من عالم الكون والفساد فيبقى الفلك الثامن الذى هو الكرسى والتاسع الذى هو العرش خارجين عن حد الآية فيلزم ان لا يفنى اهلهما عموما وخصوصا من الملائكة الذين لا يحصى عددهم الا الله على انهم من اهل التكليف ايضا
قال الامام النسفى فى بحر الكلام قال اهل الحق اى اهل السنة والجماعة سبعة لا تفنى العرش والكرسى واللوح والقلم والجنة والنار واهلهما من ملائكة الرحمة والعذاب والارواح اى بدلالة هذه الآية
وقال شيخ العلماء الحسن البصرى قدس سره المراد بالمستثنى هو الله تعالى وحده ويؤيده ما قاله الغزالى رحمه الله حدثنى من لا اشك فى علمه ان الاستثناء واقع عليه سبحانه خاصة
يقول الفقير فيه بعد من حيث الظاهر لأنه يلزم ان يشاء الله نفسه فيكون شائيا ومشيئا وقد اخرجوه فى نحو قوله تعالى { والله على كل شىء قدير } و { الله خالق كل شىء } وغيرهما اذ الله ليس من اهل السموات والارض وان كان الها فهى كما قال { وهو الذى فى السماء اله وفى الارض اله } وقال بعض المحققين الصعق اعم من الموت فلمن لم يمت الموت ولمن مات الغشية فاذا نفخ الثانية فمن مات حى ومن غشى عليه افاق وهو القول المعوّل عليه عند ذوى التحقيق
يقول الفقير فيدخل ادريس عليه السلام فانه مات ثم احيى وادخل الجنة فتعمه الغشية دون الموت الا ان يكون ممن شاء الله واما موسى عليه السلام فقد جزى بصعقته وغشيته فى الطور فالموت عام لكل احد اذ لو بقى احد لاجاب الله تعالى حيث يقول لمن الملك اليوم فقال لله الواحد القهار(12/329)
قال فى اسئلة الحكم واما قوله تعالى { كل شىء هالك الا وجهه } فمعناه عند المحققين قابل للهلاك فكل محدث قابل لذلك بل هالك دائم وعدم محض بالنسبة الى وجه نفسه اذ لكل شىء وجهان وجه الى نفسه ووجه الى ربه فالوجه الاول هالك وعدم والثانى عين ثابت فى علمه قائم بربه وان كان له ظل ظاهر فكل محدث قابل للهلاك والعدم وان لم يهلك وينعدم بخلاف القديم الازلى ويؤيد ذلك المعنى ان العرش لم يرو فيه خبر بانه يهلك فلتكن الجنة مثله
يقول الفقير اما ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه سأل جبرائيل عن هذه الآية من الذين لم يشأ الله ان يصعقهم قال هم الشهداء المتقلدون اسيافهم حول العرش كما فى كشف الاسرار وكذا ما قال جعفر الصادق رضى الله عنه اهل الاستثناء محمد صلى الله تعالى عليه وسلم واهل بيته واهل المعرفة وما قال بعضهم هم اهل التمكين والاستقامة كل ذلك وما شاكله فمبنى على تفسير الصعق بالغشى اذ الشهداء ونحوهم من الصديقين وان كانوا احياء عند ربهم لكنهم لا يذوقون الموت مرة اخرى والا لتحققوا بالعدم الاصلى وهو مخالف لحكمة الله تعالى وانما شأنهم الفزع والغشيان فيحفظهم الله تعالى عن ذلك فالارواح والاحياء مشتركون فى ذلك الا من شاء الله حكى ان واحدا رؤى فى المنام ذا شيب وكان قد مات وهو شاب فقيل له فى ذلك فقال لما قبر المرسى القائل بخلق القرآن فى قبره فى هذه المقبرة هجمت عليه جهنم بغيظ وزفير فشاب شعرى من ذلك الفزع والهول وله نظائر كثيرة ودخل فى الارواح من يقال لهم الارواح العالية المهيمة فانهم لا يموتون لكونهم ارواحا ولا يغشى عليهم اذ ليس لهم خبر عما سوى الله تعالى بل هم المستغرقون فى بحر الشهود فعلى هذا يكون المراد بالنفخة فى الآية نفخة غير نفخة الاماتة وسيأتى البيان فى النفخات
فان قلت فما الفرق بين الصعق الذى فى هذه الآية وبين الفزع الذى فى آية النمل وهى قوله تعالى { ويوم ينفخ فى الصور ففزع من فى السموات ومن فى الارض } قلت لا شك ان الصعق بمعنى الموت غير الفزع وكذا بمعنى الغشى اذ ليس كل من له فزع مغشيا عليه هذا ما تيسر لى فى هذا المقام وحقيقة العلم عند الله الملك العلام { ثم نفخ فيه اخرى } نفخة اخرى هى النفخة الثانية على الوجه الاول واخرى . يحتمل النصب على ان يكون الظرف قائما مقام الفاعل واخرى صفة لمصدر منصوب على المفعول المطلق والرفع على ان يكون المصدر المقدر قائما مقام الفاعل { فاذا هم } اى جميع الخلائق { قيام } جمع قائم اى قائمون من قبورهم على ارجلهم او متوقفون فالقيام بمعنى الوقوف والجمود فى مكانهم لتحيرهم { ينظرون } يقلبون ابصارهم فى الجوانب كالمبهوتين او ينتظرون ماذا يفعل بهم ويقال ينظرون الى السماء كيف غيرت والى الارض كيف بدلت والى الداعى كيف يدعوهم الى الحساب والى الآباء والامهات كيف ذهبت شفقتهم عنهم واشتغلوا بانفسهم والى خصمائهم ماذا يفعلون بهم
وفى الحديث(12/330)
« انا اول من ينشق عنه القبر . واول من يحيى من الملائكة اسرافيل لينفخ فى الصور . واول من يحيى من الدواب براق النبى عليه السلام . واول من يستظل فى ظل العرش رجل انظر معسرا ومحا عنه . واول من يرد الحوض فقراء الامة والمتحابون فى الله . واول من يكسى يوم القيامة ابراهيم الخليل عليه السلام لانه القى فى النار عريانا . واول من يكسى حلة من النار ابليس . واول من يحاسب جبرائيل لانه كان امين الله الى رسله . واول ما يقضى بين الناس فى الدماء . واول ما يحاسب به الرجل صلاته . واول ما تسأل المرأة عن صلاتها ثم بعلها . واول ما يسأل العبد يوم القيامة عن النعيم بان يقال له ألم اصحح جسمك واروك من الماء البارد . واول ما يوضع فى الميزان الخلق الحسن . واول ما يوضح فى ميزان العبد نفقته على اهله . واول ما يتكلم من الآدمى فخذه وكفه . واول خصمين جاران . واول من يشفع يقوم القيامة الانبياء ثم العلماء ثم الشهداء . واول من يدخل الجنة من هذه الامة ابو بكر رضى الله عنه . واول من يسلم عليه الحق ويصافحه عمر رضى الله عنه . واول من يدخل من الاغنياء عبد الرحمن بن عوف من العشرة المبشرة »
قال فى المدارك دلت الآية على ان النفخة اثنتان الاولى للموت والثانية للبعث
والجمهور على انها ثلاث . الاولى للفزع كما قال { ونفخ فى الصور ففزع } والثانية للموت . والثالثة للاعادة انتهى فان كانت النفخة اثنتين يكون معنى صعق خروا امواتا وان كانت ثلاثا يكون معناه مغشيا عليهم فتكون هذه النفخة اى الثالثة بعد نفخة الاحياء يوم القيامة كما ذهب اليه البعض
وقال سعد المفتى دل ظاهر الاحاديث على ان النفخات اربع المذكورتان فى سورة يس للاماتة ثم الاحياء ونفخة للارعاب والارهاب فيغشى عليهم ثم للافاقة والايقاظ والذى يفهم من خريدة العجائب ان نفخة الفزع هى اولى النفخات فانه اذا وقعت اشراط الساعة ومضت امر الله صاحب الصور ان ينفخ نفخة الفزع ويديمها ويطولها فلا يبحر كذا عاما يزداد الصوت كل يوم شدة فيفزع الخلائق وينحازون الى امهات الامصار وتعطل الرعاة السوائم وتأتى الوحوش والسباع وهى مذعورة من هول الصيحة فتختلط بالناس ويؤول الامر الى تغير الارض والسماء عما هما عليه وبين نفخة الفزع والنفخة الثانية اربعون سنة ثم تقع نفخة الثانية والثالثة وبينهما اربعون سنة او شهرا او يوما او ساعة
قال الامام الغزالى رحمه الله اختلف الناس فى امد المدة الكائنة بين النفختين فاستقر جمهورهم على انها اربعون سنة وحدثنى من لا اشك فى علمه ان امد ذلك لا يعلمه الا الله تعالى لانه من اسرار الربوبية فاذا اراد الله احياء الخلق يفتح خزانة من خزائن العرش فيها بحر الحياة فتمطر به الارض فاذا هو كمنىّ الرجلا بعد ان كانت عطشى فتحيى وتهتز ولا يزال المطر عليها حتى يعمها ويكون الماء فوقها اربعين ذراعا فاذا الاجسام تنبت من عجب الذنب وهو اول ما يخلق من الانسان بدىء منه ومنه يعود وهو عظم على قدر الحمصة وليس له مخ فاذا نبت كما نبت البقل تشتبك بعضها فى بعض فاذا رأس هذا على منكب هذا ويد هذا على جنب هذا وفخذ هذا على حجر هذا لكثرة البشر والصبى صبى والكهل كهل والشيخ شيخ والشاب شاب ثم تهب ريح من تحت العرش فيها نار فتنسف ذلك عن الارض وتبقى الارض بارزة مستوية كأنها صحيفة واحدة ثم يحيى الله اسرافيل فينفخ فى الصور من صخرة بيت المقدس فتخرج الارواح لها دوىّ كدوىّ النحل فتملأ الخافقين ثم تذهب كل نفس الى جثتها باعلام الله تعالى حتى الوحش والطير وكل ذى روح فاذا الكل قيام ينظرون ثم يفعل الله بهم ما يشاء : قال الشيخ سعدى قدس سره(12/331)
جودرخا كدان لحد خفت مرد ... قيامت بيفشاند از موى كرد
سرازجيب غفلت برآور كنون ... كه فردا نماند بحسرت نكون
بران ازدوسر جشمه ديده جوى ... ور آلايشى دارى ازخودبشوى(12/332)
وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69)
{ واشرقت الارض } صارت عرصات القيامة مشرقة ومضيئة وذلك حين ينزل الله على كرسيه لفصل القضاء بين عباده { بنور ربها } النور الضوء المنتشر المعين على الابصار اى بما اقام فيها من العدل استعير له النور لانه يزين البقاع ويظهر الحقوق كما يسمى الظلم ظلمة وفى الحديث « الظلم ظلمات يوم القيامة » يعنى شدائده يعنى الظلم سبب لبقاء الظالم فى الظلمة حقيقة فلا يهتدى الى السبيل حين يسعى نور المؤمنين بين ايديهم ولكون المراد بالنور العدل اضيف الاسم الجليل الى ضمير الارض فان تلك الاضافة انما تحسن اذا اريد به تزين الارض بما ينشر فيها من الحكم والعدل او المعنى اشرقت بنور خلقه الله فى الارض يوم القيامة بلا توسط اجسام مضيئة كما فى الدنيا يعني يشرق بذلك النور وجه الارض المبدلة بلا شمس ولا قمر ولا غيرهما من الاجرام المنيرة ولذلك اى ولكون المعنى ذلك اضيف اى النور الى الاسم الجليل
وقال سهل قلوب المؤمنين يوم القيامة تشرق بتوحيد سيدهم والاقتداء بسنة نبيهم
وفى التأويلات النجمية { واشرقت الارض } ارض الوجود { بنور ربها } اذا تجلى لها
وقال بعضهم هذا من المكتوم الذى لا يفسر كما فى تفسير ابى الليث { ووضع الكتاب } اى الحساب والجزاء من وضع المحاسب كتاب المحاسبة بين يديه او صحائف الاعمال فى ايدى العمال فى الايمان والشمائل واكتفى باسم الجنس عن الجمع اذ لكل احد كتاب على حدة . والكتاب فى الاصل اسم للصحيفة مع المكتوب فيه . وقيل وضع الكتاب فى الارض بعدما كان فى السماء
يقول الفقير هذا على اطلاقه غير صحيح لان كتاب الابرار فى عليين وكتاب الفجار فى سجين فالذى فى السماء يوضع فى الارض حتى اللوح المحفوظ واما ما فى الارض فعلى حاله { وجيىء بالنبيين } الباء للتعدية { والشهداء } للامم وعليهم من الملائكة والمؤمنين
وفيه اشارة الى ان النبيين والشهداء اذا دعوا للقضاء والحكومة والمحاسبة فكيف يكون حال الامم واهل المعاصى والذنوب
دران روز كز فعل برسند وقول ... اولوا العزم را تن بلرزد زهول
بجايى كه دهشت خورد انبيا ... تو عذر كنه را جه دارى بيا
{ وقضى } [ حكم كرده شود ] { بينهم } اى بين العباد { بالحق } بالعدل { وهم لا يظلمون } بنقص ثواب وزيادة عقاب على ما جرى به الوعد وكما فتح الآية باثبات العدل ختمها بنفى الظلم(12/333)
وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)
{ ووفيت } [ وتمام داده شود ] { كل نفس } من النفوس المكلفة { ما عملت } اى جزاء ما عملت من الخير والشر والطاعة والمعصية { وهو } تعالى { اعلم } منهم ومن الشهداء { بما يفعلون } اذ هو خالق الافعال فلا يفوته شىء من افعالهم وانما يدعو الشهداء لتأكيد الحجة عليهم
قال ابن عباس رضى الله عنهما اذا كان يوم القيامة بدل الله الارض غير الارض وزاد فى عرضها وطولها كذا وكذا فاذا استقر عليها اقدام الخلائق برّهم وفاجرهم اسمعهم الله كلامه يقول ان كتابى كانوا يكتبون ما اظهرتم ولم يكن لهم علم بما اسررتم فانا عالم بما اظهرتم وبما اسررتم ومحاسبكم اليوم على ما اظهرتم وعلى ما اسررتم ثم اغفر لمن شاء منكم
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام الملك لا سبيل له الى معرفة باطن العبد فى قول اكثرهم
وقال فى ريحان القلوب الذكر الخفى ما خفى عن الحفظة لا ما يخفض به الصوت وهو خاص به صلى الله عليه وسلم ومن له به اسوة حسنة انتهى
يقول الفقير لا شك ان الحفظة تستملى من خزنة اللوح المحفوظ فيعرفون كل ما وقع من العبد من فعل ظاهر وعزم باطن ولكن يجوز ان يكون من الاسرار ما لا يطلع عليه غيره سبحانه وتعالى
واعلم انه اذا كان يوم القيامة يقول الله تعالى اين اللوح المحفوظ فيؤتى به وله صوت شديد فيقول الله اين ما سطرت فيك من توراة وزبور وانجيل وفرقان فيقول يا رب نقله منى الروح الامين فيؤتى به وهو يرعد وتصطك ركبتاه فيقول الله تعالى يا جبريل هذا اللوح يزعم انك نقلت منه كلامى ووحيى أصدق فيقول نعم يا رب فيقول فما فعلت فيه فيقول انهيت التوراة الى موسى والزبور الى داود والانجيل الى عيسى والقرآن الى محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وعليهم اجمعين وانهيت الى كل رسول رسالته والى اهل الصحف صحائفهم فاذا النداء يا نوح فيؤتى به ترعد فرائصه وتصطك ركبتاه فيقول يا نوح زعم جبرائيل انك من المرسلين قال صدق يا رب فقال فما فعلت مع قومك قال دعوتهم ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائى الا فرارا فاذا النداء يا قوم نوح فيؤتى بهم زمرة واحدة فيقول لهم هذا نوح زعم انه بلغكم الرسالة فيقولون يا رب كذب ما بلغنا شيأ ثم ينكرون الرسالة ثم يقول الله تعالى يا نوح ألك بينة عليهم فيقول نعم يا رب بينتى عليهم محمد صلى الله عليه وامته فيقولون كيف ذلك ونحن اول الامم وهم آخر الامم فيؤتى بالنبى عليه السلام فيقول الله تعالى يا محمد هذا نوح يستشهد بك فيشهد له بتبليغ الرسالة ويتلو(12/334)
{ انا ارسلنا نوحا الى قومه } الى آخر السورة فيقول الله تعالى قد وجب عليكم الحق وحقت كلمة العذاب على الكافرين فيؤمر بهم زمرة واحدة الى النار من غير وزن اعمال ووضع حساب وهكذا يفعل بسائر الامم اجمعين فان القرآن نطق بهم وباحوالهم
وقد جاء ان رجلا يقف بين يدى الله فيقول يا عبد السوء كنت مجرما عاصيا فيقول لا والله ما فعلت فيقال له عليك بينة فيؤمر بحفظته فيقول كذبوا علىّ فتشهد جوارحه عليه ويؤمر به الى النار فيجعل يلوم جوارحه فيقولون ليس من اختيارنا انطقنا الله الذى انطق كل شىء وهكذا يشهد الزمان والمكان ونحوهما فطريق الخلاص ان لا تشهد اليوم غير الله وتشتغل بذكره وطاعته عما سواه قال الشيخ سعدى
دريغست كه فرموده ديو زشت ... كه دست ملك برتو خواهد نوشت
روا دارى از جهل وناباكيت ... كه باكان نويسند ن باكيت
طريقى بدست آر وصلحى بجوى ... شفيعى برانكيز وعذرى بكوى
كه يك لحظه صورت نبندد امان ... جو بيمانه بر شد بدور زمان(12/335)
وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71)
{ وسيق الذين كفروا الى جهنم } مع امامهم حال كونهم { زمرا } جماعة وبالفارسية [ كروه كروه ] جمع زمرة وهى الجمع القليل ومنه قيل شاة زمرة قليلة الشعر واشتقاقها من الزمر وهو الصوت اذ الجماعة لا تخلو عنه . والسوق بالفارسية [ راندن ] اى سيقوا اليها بعد اقامة الحساب بامر يسير من قبلنا وذلك بالعنف والاهانة حال كونهم افواجا متفرقة بعضها فى اثر بعض مترتبة حسب ترتب طبقاتهم فى الضلالة والشرارة وتتلقاهم جهنم بالعبوسة كما تلقوا الاوامر والنواهى والآمرين والناهين بمثل ذلك { حتى اذا جاؤها } حتى هى التى تحكى بعد الجملة : يعنى [ تا جون بيايند بدوزخ بر صفت ذلت وخوارى ] وجواب اذا قوله { فتحت ابوابها } السبعة ليدخلوها كما قال تعالى { لها سبعة ابواب } وفائدة اغلاقها الى وقت مجيئهم تهويل شأنها وايقاد حرها
قال فى اسئلة الحكم اهل النار يجدونها مغلقة الابواب كما هى حال السجون فيقفون هنالك حتى يفتح لهم اهانة لهم وتوبيخا
يقول الفقير هذا من قبيل العذاب الروحانى وهو اشد من العذاب الجسمانى فليس وقوفهم عند الابواب اولى لهم من تعجيل العذاب يؤيده ان الكافر حين يطول قيامه فى شدة وزحمة وهول يقول يا رب ارحنى ولو كان بالنار
وفيه اشارة الى الاوصاف الذميمة النفسانية السبعة وهى الكبر والبخل والحرص والشهوة والحسد والغضب والحقد فانها ابواب جهنم وكل من يدخل فيها لا بد له من ان يدخل من باب من ابوابها فلا بد من تزكيتها وتخلية النفس عنها { وقال لهم خزنتها } تقريعا وتوبيخا وزيادة فى الايلام والتوجيع واحدها خازن وهو حافظ الخزانة وما فيها والمراد حفظة جهنم وزبانيتها وهم الملائكة الموكلون بتعذيب اهلها { ألم يأتكم رسل منكم } من جنسكم آدميون مثلكم ليسهل عليكم مراجعتهم وفهم كلامهم { يتلون عليكم آيات ربكم } وهو ما انزل الله على الانبياء { وينذرونكم } يخوفونكم { لقاء يومكم هذا } اى وقتكم هذا وهو وقت دخولهم النار لا يوم القيامة وذلك لان الاضافة اللامية تفيد الاختصاص ولا اختصاص ليوم القيامة بالكفار وقد جاء استعمال اليوم والايام مستفيضا فى اوقات الشدة فلذلك حمل على الوقت
وفيه دليل على انه لا تكليف قبل الشرع من حيث انهم عللوا توبيخهم باتيان الرسل وتبليغ الكتب { قالوا بلى } قد اتونا وتلوا علينا . وانذرونا فاقرّوا فى وقت لا ينفعهم الاقرار والاعتراف { ولكن حقت } وجبت { كلمة العذاب } وهى قوله تعالى لابليس { لاملأن جهنم منك وممن تبعك منهم اجمعين } { على الكافرين } وقد كنا ممن تبع ابليس فكذبنا الرسل وقلنا ما نزل الله من شىء ان انتم الا تكذبون
امروز قدر بند عزيزان شناختيم ...(12/336)
قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72)
{ قيل ادخلوا ابواب جهنم خالدين فيها } اى مقدرا خلودكم فيها وابهام القائل لتهويل المقول
وفيه اشارة الى ان الحكمة الالهية اقتضت اظهارا لصفة القهر ان يخلق النار ويخلق لها اهلا كما انه تعالى خلق الجنة وخلق لها اهلا اظهارا لصفة اللطف فلهذه الحكمة قيل فى الازل قهرا وقسرا ادخلوا ابواب جهنم وهى الصفات الذميمة السبع التى مر ذكرها خالدين فيها بحيث لا يمكن الخروج من هذه الصفات الذميمة بتبديلها كما يخرج المتقون منها { فبئس مثوى المتكبرين } اى بئس منزل المتكبرين عن الايمان والطاعة والحق جنهم : وبالفارسية [ بد آرامكاهست متكبرانرا دوزخ ] واللام للجنس ولا يقدح ما فيه من الاشعار بان كونهم مثواهم جهنم لتكبرهم عن الحق فى ان دخولهم النار بسبق كلمة العذاب عليهم فانها انما حقت عليهم بناء على تكبرهم وكفرهم فتكبرهم وسائر مقابحهم مسببة عن ذلك السبق
وفيه اشارة الى ان العصاة صنفان صنف منهم متكبرون وهم المصرون متابعوا ابليس فلهم الخلود فى النار وصنف منهم متواضعون وهم التائبون متابعوا آدم فلهم النجاة وبهذا الدليل ثبت ان ليس ذنب اكبر بعد الشرك من الكبر بل الشرك ايضا يتولد من الكبر كما قال تعالى { ابى واستكبر وكان من الكافرين } وهذا تحقيق قوله تعالى « الكبرياء ردائى والعظمة ازارى فمن نازعنى فيهما القيته فى النار » ولهذا المعنى قال صلى الله عليه وسلم « لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من الكبر » فقال رجل ان الرجل يحب ان يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا قال « ان الله جميل يحب الجمال » الكبر بطر الحق وغمط الناس اى تضييع الحق فى اوامر الله ونواهيه وعدم تقاته واستحقار الناس وتعييبهم
ذكر الخطابى فى تأويل الحديث وجهين احدهما ان المراد التكبر عن الايمان والثانى ان ينزع عنه الكبر بالتعذيب او بالعفو فلا يدخل الجنة مع ان يكون فى قلبه مثقال ذرة منه كما قال تعالى { ونزعنا ما فى صدورهم من غل } ويمكن ان يقال معناه ان الكبر مما لو جازى الله بادنى مقداره لكان جزاؤه عدم دخول الجنة ولكن تكرم بان لا يجازى به بل يدخل كل موحد الجنة كذا فى شرح المشارق لابن الملك
يقول الفقير ان الحديث واقع بطريق التغليظ والتشديد والوجه الثانى للخطابى بعيد لكون جميع الخطايا كذلك فلا معنى حينئذ للتخصيص : قال المولى الجامى
جمعست خيرها همه درخانه ونيست ... آن خانه راكليد بغير از فروتنى
شرها بدين قياس بيك خانه است جمع ... وانرا كليد نيست بجز مائى ومنى(12/337)
وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)
{ وسيق الذين اتقوا ربهم الى الجنة } حال كونهم { زمرا } جماعات متفاوتين حسب تفاوت مراتبهم فى الفضل وعلو الطبقة وذلك قبل الحساب او بعده يسيرا او شديدا وهو الموافق لما قبل الآية من قوله { ووضع الكتاب } والسائقون هم الملائكة بامر الله تعالى يسوقونهم مساق اعزاز وتشريف بلا تعب ولا نصب بل بروح وطرب للاسراع بهم الى دار الكرامة والمراد المتقون عن الشرك فهؤلاء عوام اهل الجنة وفوق هؤلاء من قال الله تعالى فيهم { وازلفت الجنة للمتقين } وفوقهم من قال فيهم { يوم نحشر المتقين الى الرحمن وفدا } وفرق بين من يساق الى الجنة وبين من قرب اليه الجنة وفى الحقيقة اهل السوق هم الظالمون واهل الزلفى المقتصدون واهل الوفاء السابقون
واعلم انه اذا نفخ فى الصور نفخة الاعادة واستوى كل واحد من الناس على قبره يأتى كل منهم عمله فيقول له قم وانهض الى المحشر فمن كان له عمل جيد يشخص له عمله بغلا . ومنهم من يشخص له عمله حمارا . ومنهم من يشخص له عمله كبشا تراة يحمله وتارة يلقيه وبين يدى كل واحد منهم نور شعشانى كالمصباح وكالنجم وكالقمر وكالشمس بقدر قوة ايمانهم وصلاح حالهم وعن يمينه مثل ذلك النور وليس عن شمائلهم نور بل ظلمة شديدة يقع فيها الكفار والمرتابون والمؤمن يحمد الله تعالى على ما اعطاه من النور ويهتدى به فى تلك الظلمة . ومن الناس من يسعى على قدميه وعلى طرف بنانه
قيل لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كيف يحشر الناس يا رسول الله قال « اثنان على بعير وخمسة على بعير وعشرة على بعير » وذلك انهم اذا اشتركوا فى عمل يخلق الله لهم من اعمالهم بعيرا يركبون عليه كما يبتاع جماعة مطية يتعاقبون عليها فى الطريق فاعمل هداك الله عملا يكون لك بعيرا خالصا من الشرك . ومنه يعلم حال التشريك فى ثواب العمل فالاولى ان يهدى من المولى لكل ثواب على حدة من غير تشريك الآخر فيه روى ان رجلا من بنى اسرائيل ورث من ابيه مالا كثيرا فابتاع بستانا فحبسه على المساكين وقال هذا بستانى عند الله وفرق دراهم عديدة فى الضعفاء وقال اشترى بها من الله جوارى وعبيدا واعتق رقابا كثيرة وقال هؤلاء خدمى عند الله والتفت يوما الى رجل اعمى يمشى تارة ويكب اخرى فابتاع له مطية يسير عليها وال هذه مطيتى عند الله اركبها قال عليه السلام فى حقه « والذى نفسى بيده لكأننى انظر اليها وقد جيىء بها اليه مسرجة ملجمة يركبها ويسير بها الى الموقف »
در خير بازست وطاعت وليك ... نه هركس تواناست برفعل نيك(12/338)
{ حتى اذا جاؤها } [ تاجون بيايند به بهشت ] { وفتحت ابوابها } اى والحال انه قد فتحت ابوابها الثمانية لئلا يصيبهم وصب الانتظار مع ان دار الفرح والسرور لا تغلق للاضياف والوافدين باب الكرم
فان قلت يرد على كون ابواب الجنان مفتحة لهم عند مجيئهم اليها قوله عليه السلام « انا اول من يستفتح باب الجنة » قلت قد حصل الفتح المقدم على الوصول بدعوته عليه السلام بالاستفتاح ولو لم يكن دعاؤه قد سبق لما فتحت ثم تبقى الابواب بدعائه مفتوحة الى ان يفرغ من الحساب فاذا جاء اهل الجنة بعد الحساب والصراط يجدونها مفتوحة ببركة دعائه المقدم على ذلك وفى الحديث « انا اول من يقرع باب الجنة والجنة محرمة على جميع الامم حتى ادخلها انا وامتى الاول فالاول »
يقول الفقير اولية الاستفتاح والقرع تمثيل لاولية الدخول فلا حاجة الى توجيه آخر
وعرف كون ابواب الجنة ثمانية بالاخبار كما قال عليه السلام « ان للجنة لثمانية ابواب ما منها بابان الا بينهما سير الراكب سبعين عاما وما بين كل مصراعين من مصارع الجنة مسيرة سبع سنين » وفى رواية « مسيرة اربعين سنة » وفى رواية « كما بين مكة وبصرى »
وقيل عرف بواو الثمانية وفيه ان واو الثمانية غير مطردة وقد سبق ما يتعلق بهذه الواو فى آخر سورة التوبة
قال بعضهم كون ابواب النار سبعة وابواب الجنة ثمانية لان الجنة منه تعالى فضل والنار عدل والفضل اكثر من العدل والجنة من الرحمة والنار من الغضب والرحمة سابقة وغالبة على الغضب
وقيل ليس فى النار الا الجزاء والزيادة فى العذاب جور وفى الثواب كرم وقيل لأن الاذان سبع كلمات والاقامة ثمان كذلك ابواب جهنم سبعة وابواب الجنة ثمانية فمن اذن واقام غلقت عنه ابواب النيران السبعة وفتحت له ابواب الجنة الثمانية وجواب اذا محذوف اى كان ما كان مما يقصر عنه البيان وقال بعضهم وفتحت جواب اذا والواو زائدة للايذان بأنها كانت مفتحة عند مجيئهم { وقال لهم } اى للمتقين عند دخولهم الجنة { خزنتها } حفظة الجنة رضوان وغيره من الملائكة { سلام عليكم } من جميع المكاره والآلام فهو خبر لا تحية ( وقال الكاشفى ) درود برشما باسلامتى وايمنى لازم حال شما وهذا لعوام اهل الجنة واما لخواصهم فيقول الله سلام قولا من رب رحيم فان السلام فى الجنة من وجوه فالسلام الاول وان كان سلام الله ولكن بالواسطة والثانى سلام خاص بلا واسطة بعد دخولهم فى الحضرة { طبتم } طهرتم من دنس المعاصى او طبتم نفسا بما ابيح لكم من النعيم واز حضرت مرتضى كرم الله وجهه منقولست كه جون بهشتيان بدير بهشت رسند آنجادرختى بينندكه ارزيران دوجشمه بيرون مى آيدبس دريك جشمه غسل كنند ظاهر ايشان باكيزه شود و از ديرى بياشامند باطن ايشان منور ومطهر كردد ودرين حال ملائكة كويند باك شديد بظاهر وباطن { فادخلوها } اى الجنة { خالدين } والفاء للدلالة على أن طيبهم سبب لدخولهم وخلودهم سوآء كان طيبا بعفوا وبتعذيب اذ كل منهما مطهر وانما طهر ظاهرهم لحسن اقرارهم واعمالهم البدنية وباطنهم لحسن نياتهم وعقائدهم وفى عرآئس البقلى ذكر الله وصف غبطة الملائكة على منازل الاولياء والصديقين وذلك قوله سلام عليكم طبتم اى انتم فى مشاهدة جماله ابدا طيبين بلذة وصاله سالمين عن الحجاب وذلك ان الله تعالى قد احسن الى النبيين والمرسلين وافاضل المؤمنين بالمعارف والاحوال والطاعات والاذعان ونعيم الجنان ورضى الرحمن والنظر الى الديان مع سماع تسليمه وكلامه وتبشيره بتأبيد الرضوان ولم يثبت للملائكة مثل ذلك(12/339)
ملائك راجه سوداز حسن طاعت ... جو فيض عشق بر آدم فروريخت
ومن آثار العشق كونه مأمورا بالجهاد والصبر على البلايا والمحن والرزايا اى المصائب وتحمل مشاق العبادات لاجل الله تعالى وليس للملائكة العشق ولا الابتلاء الذى هو من احكامه وان كانوا يسبحون الليل والنهار لا يفترون فرب عمل يسير أفضل من تسبيح كثير وكم من نائم افضل من قائم وكون اجسادهم من نور واجساد البشر من لحم وشحم ودم لا يفضلهم عليهم فى الحقيقة فان الله تعالى لا ينظر الى الصور فرب ماء حياة فى ظلمات ( قال الصائب )
فروغ كوهر من از نزاد خورشيدست ... بتيركى نتوان كرد بايمال مراد
( وقال )
بر بساط بوريا سير دوعالم ميكنيم ... با وجودنى سوارى برق جولانيم ما(12/340)
وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)
{ وقالوا } وكويند مؤمنان جون به بهشت درايند { الحمد لله } جميع المحامد مخصوص به تعالى { الذى صدقنا وعده } راست كرد باما وعده خود رابه بعث و ثواب قال جعفر الصادق رضى الله عنه هو حمد العارفين الذين استقروا فى دار القرار مع الله وقوله الحمد لله الذى اذهب عنا الحزن حمد الواصلين قال سهل رضى الله عنه منهم من حمد الله على تصديق وعده ومنهم من حمد الله لانه يستوجب الحمد فى كل الاحوال لما عرف من نعمه ومالا يعرفه وهو ابلغ لكون حال الخواص { واورثنا الارض } يريدون المكان الذى استقروا فيه من ارض الجنة على الاستعارة وايراثها عطاؤها وتمليكها مخلفة عليهم من اعمالهم او تمكينهم من التصرف فيما فيها تمكين الوارث فيما يرثه وفى التأويلات النجمية صدق وعده للعوام بقوله واورثنا الارض الى آخره وصدق وعده للخواص بقوله للذين احسنوا الحسنى وزيادة وصدق وعده لاخص الخواص بقوله ان المتقين فى جنات ونهر فى مقعد صدق عند مليك مقتدر فنعم اجر العاملين العاشقين { نتبوأ من الجنة حيث نشاء } قال فى تاج المصادر التبوؤكرفتن جاى . اخذ من المباءة وهى المحلة ويتعدى الى مفعول واحد وقال ابو على يتعدى الى مفعولين ايضا انتهى وبوأت له مكانا سويته وهيأته والمعنى بالفارسية جاى ميكريم از بهشت هركجامى خواهيم ونزول و قرار ميكنيم . اى يتبوأ كل واحد منا فى اى مكان اراده من جنة الواسعة لا من جنة غيره على أن فيها مقامات معنوية لا يتمانع واردوها كما قال فى التفسير الكبير قال حكماء الاسلام الجنة نوعان الجنات الجسمانية والجنات الروحانية فالجنات الجسمانية لا تحتمل المشاركة واما الروحانية فحصولها لواحد لا يمنع حصولها لآخرين وفى تفسير الفاتحة للفنارى رحمه الله اعلم أن الجنة جنتان جنة محسوسة وجنة معنويه والعقل يعقلهما معا كما أن العالم عالمان لطيف وكثيف وغيب وشهادة والنفس الناطقة المخاطبة المكلفة لها نعيم بما تحمله من العلوم والمعارف من طريق نظرها ونعيم بما تحمله من اللذات والشهوات مما تناله بالنفس الحيوانية من طريق قواها الحسية من اكل وشرب ونكاح ولباس وروائح ونغمات طيبة وجمال حسى فى نساء كاعبات ووجوه حسان والوان متنوعة واشجار وانهار كل ذلك تنقله الحواس الى النفس الناطقة فتلتذ به ولو لم يلتذ الا الروح الحساس الحيوانى لا النفس الناطقة لكان الحيوان يلتذ بالوجه الجميل من المرأة او الغلام بالالوان . واعلم أن الله خلق هذه الجنة المحسوسة بطالع الاسد الذى هو الاقليد وبرجه وهو الاسد وخلق الجنة المعنوية التى هى روح هذه الجنة المحسوسة كالجسم والمعقولة كالروح وقواه ولهذا سماها الحق الدار الحيوان لحياتها واهلها يتنعمون فيها حسا ومعنى والجنة ايضا اشد تنعما باهلها الداخلين فيها وكذا تطلب ملئها من الساكنين وقد ورد خبر عن النبى عليه السلام ان الجنة اشتاقت الى بلال وعلى وعمار وسليمان انتهى ما فى التفسير المذكور وفى الخبران الجنان تستقبل الى اربعة نفر صائمى رمضان وتالى القرءآن وحافظى اللسان ومطعمى الجيران يقول الفقير على هذالسر يدور قوله عليه السلام فى حق جبل احد بالمدينة احد يحبنا ونحبه وذلك لأنه ملحق بالجنان كسائر المواضع الشريفة فله الحياة والادراك وان كان خارجا عن دائرة العقل الجزئى وقال فى الاسئلة المقحمة كيف قال حيث نشاء ومعلوم أن بعضهم لا ينزل مكان غيره الا باذن صاحبه والجواب ان هذا وامثاله مبالغات يعبر بها عن احوال السعة والرفاهية ثم قد قيل لا يخلق الله فى قلوب اهل الجنة خاطرا يخالف احكامهم التى كانوا مكلفين بها فى دار الدنيا انتهى وفى الكواشى هذه اشارة الى السعة والزيادة على قدر الحاجة لا ان احدا ينزل فى غير منزله وفى فتح الرحمن روى أن امة محمد تدخل اولا الجنة فتنزل حيث تشاء منها ثم يدخل سائر الامم { فنعم اجر العاملين } الجنة يعنى بس نيكوست ثواب فرمان برندكان
قال بعض الكبار ما من فريضة ولا نافلة ولا فعل خير ولا ترك محرم ولا مكروه الا وله جنة مخصوصة ونعيم خاص يناله من دخلها وما من عمل الا وله جنة يقع التفاضل فيها بين اصحابها والتفاضل على مراتب فمنها بالسن ولكن فى الطاعة والاسلام فيفضل كبير السن على صغير السن اذا كانا على مرتبة واحدة من العمل ومنها بالزمان فان العمل فى رمضان وفى يوم الجمعة وفى ليلة القدر وفى عشر ذى الحجة وفى عاشورآء اعظم من سائر الزمان ومنها بالمكان فالصلاة فى المسجد الحرام افضل منها فى مسجد المدينة وهى من الصلاة فى المسجد الاقصى وهى منها فى سائر المساجد ومنها بالاحوال فان الصلاة بالجماعة افضل من صلاة الشخص وحده ومنها بنفس الاعمال فان الصلاة افضل من اماطة الاذى ومنها فى العمل الواحد فالمتصدق على رحمه صاحب صلة رحم وصدقة وكذا من اهدا هدية لشريف من اهل البيت افضل من أن يهدى لغيره او احسن اليه ومن الناس من يجمع فى الزمن الواحد اعمالا كثيرة فيصرف سمعه وبصره ويده فيما ينبغى فى زمان صومه وصدقته بل فى زمان صلاته فى زمان ذكره فى زمان نيته من فعل وترك فيؤجر فى الزمن الواحد من وجوه كثيرة فيفضل غيره ممن ليس له ذلك نسأل الله سبحانه ان يجعلنا من الجامعين بين صالحات الاعمال والمسارعين الى حسنات الافعال(12/341)
جو از جايكاه دويدن كرو ... نبردى هم افتان وحيران برو
كران باد بايان بر فتندتيز ... توبى دست وبا ازنشستن بخيز(12/342)
وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)
{ وترى الملائكة } يا محمد يوم القيامة بعد أن احياهم الله ( وقال الكاشفى ) يعنى وقتى كه در مقعد صدق ورتبه قرب باشى بينى ملائكه را { حافين } محدقين { من حول العرش } اى حوله ومن مزيدة او لابتدآء الحفوف يقال حفوا حوله حفوفا طافوا به واستداروا ومنه الآية اى محيطين بأحفة العرش اى جوانبه وبالفارسية حلقه كرفته كرد عرش وطواف كنند كان بجوانب آن { يسبحون بحمد ربهم } الجملة حال ثانية او مقيدة للاولى اى ينزهونه تعالى عما لا يليق به حال كونهم ملتبسين بحمده ذاكرين له بوصفى جلاله واكرامه تلذذا به يعنى يقولون سبحان الله وبحمده
به تسبيح نفى ناسراميكنند ازذات الهى وبحمد اثبات صفات سزا ميكنندويراوفيه اشعاربان اعلى الذآئذ هو الاستغراق فى شؤون الحق وصفاته
يقول الفقير كما أن العرش يطوفه الملائكة مسبحين حامدين كذلك الكعبة يطوفها المؤمنون ذاكرين شاكرين وسر الدوران أن عالم الوحدة لا قيد فيه ولا جهات كقلب العارف ولما كانت الكعبة صورة الذات الاحدية امر بطوافها ودورانها فالفرق بين الطواف وبين الصلاة ان الطواف اطلاق ظاهرا وباطنا والصلاة قيد ظاهرا واطلاق باطنا وانما قلنا بكونها قيدا فى الظاهر لأنه لا بد فيها من التقييد بجهة من جهات الكعبة { وقضى بينهم } اى بين الخلق { بالحق } بالعدل بادخال بعضهم النار وبعضهم الجنة او بين الملائكة باقامتهم فى منازلهم على حسب تفاضلهم وفى آكام المرجان الملائكة وان كانوا معصومين جميعا فبينهم تفاضل فى الثواب حسب تفاضل اعمالهم وكما أن رسل البشر يفضلون على افراد الامة فى المراتب كذلك رسل الملائكة على سائرهم { وقيل الحمد لله رب العالمين } اى على ما قضى بيننا بالحق وانزل كلامنا منزلته التى هى حقه والقائلون هم المؤمنون ممن قضى بينهم او الملائكة وطى ذكرهم لتعينهم وتعظيمهم وفى التأويلات النجمية وقضى بينهم بالحق يعنى بين الملائكة وبين الانبياء والاولياء بما اعطى كل فرقة منهم من المراتب والمنازل ما اعطى وقيل يعنى وقال كل فريق منهم الحمد لله رب العالمين على ما انعم علينا به ( وقال الكاشفى ) همجنانكه درابتدآى خلق آسمان زمين شتايش خودفرمودكه الحمد لله الذى خلق السموات والارض بوقت استقرار اهل آسمان وزمين درمنازل خويش همان ستايش كرد تادانندكه درفاتحه وخاتمه مستحق حمدوننا اوست يعنى ينبغى ان يحمد فى اول كل امر وخاتمته
درخور ستايش نبود غير توكس ... جاكه ثناييست ترازيبد وبس
فاذا كان كل شىء يسبح بحمده فالانسان اولى بذلك لأنه افضل قال بعض العارفين
ثنا كونا ثنايابى شكر كونا عطايابى ... رضاده تارضايابى وراجوتا ورايابى
وقال عليه السلام اذا انعم الله على عبده نعمة فيقول العبد الحمد لله فيقول الله انظروا الى عبدى اعطيته ما قدر له فاعطانى مالا قيمة له معناه أن الانعام احد الاشياء المعتادة كأطعام الجائع واروآء العطشان وكسوة العارى وقوله الحمد لله معناه أن كل حمد أتى به احد فهو لله فيدخل فيه محامد ملائكة العرش والكرسى واطباق السماء والانبياء والاولياء والعلماء وما سيذكرونه الى وقت قوله وآخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين وهى باسرها متناهية وما لا نهاية له مما سيأتونها ابدا الآباد ولذلك قال اعطيته نعمة واحدة لا قدر لها فاعطانى من الكشر مالا حد له قال كعب الاحبار عوالم الله تعالى لا تحصى لقوله تعالى وما يعلم جنود ربك الا هو فهو تعالى مربى الكل بما يناسب لحاله ظاهرا وباطنا نسأل الله سبحانه ان يوفقنا لحمده على نعمه الظاهرة والباطنة اولا وآخرا(12/343)
حم (1)
{ حم } اسم للسورة ومحله الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف اى هذه السورة مسماة بحم نزلت منزلة الحاضر المشارة اليه لكونها على شرف الذكر والحضور وقال صلى الله عليه وسلم « حم اسم من اسماء الله تعالى » وكل اسم من اسماء الله تعالى مفتاح من مفاتيح خزآئنه تعالى فمن اشتغل باسم من الاسماء الالهية يحصل بينه وبين هذا الاسم اى بين سره وروحه مناسبة بقدر الاشتغال ومتى قويت تلك المناسبة بحسب قوة الاشتغال يحصل بينه وبين مدلوله الحقيقى مناسبة اخرى فحينئذ يتجلى له الحق سبحانه من مرتبة ذلك الاسم ويفيض عليه ما شاء بقدر استعداده وكل اسمائه تعالى اعظم عند الحقيقة وقال ابن عباس رضى الله عنهما الر وحم ون حروف الرحمن مقطعة فى سور وفى التأويلات النجمية يشير الى القسم بسر بينه وبين حبيبه محمد عليه السلام لا يسعه فيه ملك مقرب ولا نبى مرسل وذلك ان الحاء والميم هما حرفان من وسط اسم الله وهو حمن وحرفان من وسط اسم نبيه وحبيبه محمد عليه السلام فكما أن الحرفين سر اسميهما فهما يشيران الى القسم بسر كان بينهما ان تنزيل الكتاب الخ وقال سهل بن عبد الله التسترى رحمه الله فى حم الحى الملك وزاد بعضهم بان قال حم فواتح اسمائه الحليم الحميد الحق الحى الحنان الحكيم الملك المنان المجيد ( وقال الكاشفى ) حا اشارت بحكم حق كه خط ومنع ورد بروكشيده نشودوميم امانيست بملك اوكه كرد زوال وفنا كرد سر اوقات آن راه نيابد
وقال البقلى الحاء حيا بحياته لا يعتريه الفناء بعد ذلك وينطق من حاء الحياة بعبارة الحكمة ومن ميم المحبة من اشارات العلوم المجهولة مالا يعرفها الا الواردون على مناهل القدم والبقاء وفى شرح حزب البحر حم اشارة الى الحماية ولذلك قال عليه السلام يوم احد « ليكن شعاركم حم لا ينصرون » اى بحماية الله لا ينصرون اى الاعدآء لأن الله تعالى مولى الذين آمنو ولا مولى للكافرين فتحصل العناية بالحماية والحماية من حضرة الافعال ويقال حم الامر بضم الحاء وتشديد الميم اى قضى وقدر وتم ما هو كان او حم امر الله اى قرب او يوم القيامة قال قدحم يومى فسر قوم قوم بهم غفلة ونوم
قال فى كشف الاسرار حاشارتست بمحبت وميم اشارتست بمنت ميكويد اى بحاى محبت من دوست كشته نه به هنر خود اى بميم منت من مرا يافته نه بطاعت خود اى من ترا دوست كرفته وتومرا نشاخته اى من ترا خواسته وتومرا نادانسته اى من ترابوده وتومرا بوده صدهزاركس بردركاه مايستاده مارا خواستندودعاها كردند بايشان التفات نكرديم وشمارا اى امت احمد بى خواست شما كفت اعطيتكم قبل ان تسألونى واجبتكم قبل ان تدعونى وغفرت لكم قبل ان تستغفرونى آن رغبت وشوق انبياء كذشته بتوتا خليل مى كفت(12/344)
واجعل لى لسان صدق فى الآخرين وكليم ميكفت اجعلنى من امة محمد نه ازان بودكه افعال توبا ايشان شرح داديم كه اكر افعال شما بايشان كفتيم همه دامن ازشما درجيدندى ليكن ازان بودكه افضال وانعام خود باشما ايشانرا شرح داديم بيش زشما وهركرا بر كزيديم يكان يكان بركزيديم جنانكه اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران جون نوبت شمارا رسيد على العموم والشمول كفتيم كنتم خير امة همه بركزيد كان ما آيد جاى ديكر كفت اصطفينا من عبادنا درتحت اين خطاب هم زاهد وهم عابداست هم ظالم وهم مظلوم ( روى ) موسى عليه السلام قال يا رب هل اكرمت احد مثل ما اكرمتنى اسمعتنى كلامك فقال تعالى ان لى عبادا اخرجهم فى آخر الزمان واكرمهم بشهر رمضان وانا اكون اقرب اليهم منك فانى كلمتك بينى وبينك سبعون الف حجاب فاذا صامت امة محمد وابيضت شفاههم واصفرت الوانهم ارفع تلك الحجب وقت افطارهم
روزى كه سرازبرده برون خواهى كرد ... دانم كه زمانه رازبون خواهى كرد
كرزيب وجمال ازين فزون خواهى كرد ... يارب جه جكر هاست كه خون خواهى كرد
يا موسى طوبى لمن عطش كبده وجاع بطنه فى رمضان فانى لا اجازيهم دون لقائى وخلوف فمهم عندى اطيب من ريح المسك ومن صام يوما استوجب مالا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قال موسى اكرمنى بشهر رمضان قال تعالى هذا لامة محمد عليه السلام فانظر لاكرامه تعالى وحمايته لهذه الامة المرحومة فانها بين الامم بهذه الكرامة موسومة بل كلها منها محرومة(12/345)
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2)
{ تنزيل الكتاب } خبر بعد خبر على أنه مصدر اطلق على المفعول اى المنزل مبالغة { من الله } صلة للتنزيل والاظهر ان تنزيل مبتدأ ومن الله خبره فيكون المصدر على معناه وقوله من الله اى لا كما يقوله الكفار من انه اخلتقه محمد { العزيز العليم } لعل تخصيص الوصفين لما فى القرءآن من الاعجاز وانواع العلم الدالين على القدرة الكاملة والعلم البالغ وفى فتح الرحمن العزيز الذى لا مثل له العليم بكل المعلومات ( وقال الكاشفى ) العزيز خداى تعالى غالب كه قادراست به تنزل آن العليم دانا بهرجه فرستاد بهركس درهر وقت(12/346)
غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)
{ غافر الذنب } صفة اخرى للجلالة والاضافة حقيقية لأنه لم يرد به زمان مخصوص لأن صفات الله ازلية منزهة عن التجدد والتقيد بزمان دون زمان وان كان تعلقها حادثا بحسب حدوث المتعلقات كالذنب فى هذا المقام واسم الفاعل يجوز ان يراد به الاستمرار بخلاف الصفة المشبهة والغافر الساتر والذنب الاثم يستعمل فى كل فعل يضر فى عقباه اعتبارا بذنب الشىء اى آخره ولم يقل غافر الذنوب بالجمع ارادة للجنس كما فى الحمد لله والمعنى ساتر جمع الذنوب صغائرها وكبائرها بتوبة وبدونها ولا يفضح صاحبها يوم القيامة كما يقتضيه مقام المدح العظيم { وقابل التوب } القبول بذيرفتن والقابل الذى يستقبل الدلو من البئر فياخذها والقابلة التى تقبل الولد عند الولادة وقبلت عذره وتوبة وغير ذلك والتوب مصدر كالتوبة وهو ترك الذنب على احد الوجوه وهو ابلغ وجوه الاعتذار فان الاعتذار على ثلاثة اوجه اما ان يقول المعتذر لم افعل او يقول فعلت لاجل كذا او فعلت واسأت وقد اقلعت ولا رابع لذلك وهذ الثالث هو التوبة والتوبة فى الشرع هو ترك الذنب لقبحه والندم على ما فرط منه والعزيمة على ترك المعادة وتدارك ما امكنه ان يتدارك من الاعمال بالاعادة فمتى اجتمعت هذه الاربعة فقد كملت شرآئط التوبة فالتوبة هى الرجوع عما كان مذموما فى الشرع الى ما هو محمود فى الدين والاستغفار عبارة عن طلب المغفرة بعد رؤية قبح المعصية والاعراض عنها فالتوبة مقدمة على الاستغفار والاستغفار لا يكون توبة بالاجماع ما لم يقل معه تبت واسأت ولا اعود اليه ابدا فاغفر لى يا رب وتوسيط الواو بين الغافر والقابل لافادة الجمع بين محو الذنوب وقبول التوبة فى موصوف واحد بالنسبة الى طائفة هى طائفة المذنبين التأئبين فالمغفرة بمحو الذنوب بالتوبة والقبول بجعل تلك التوبة طاعة مقبولة يثاب عليها فقبول التوبة كناية عن انه تعالى يكتب تلك التوبة للتائب طاعة من الطاعات والا لما قبلها لأنه لا يقبل الا ما كان طاعة او لتغاير الوصفين اذ ربما يتوهم الاتحاد بان يذكر الثانى لمجرد الايضاح والتفسير او لتغاير موقع الفعلين ومتعلقهما لأن الغفر هو الستر مع بقاء الذنب وذلك لمن لم يتب من اصحاب الكبائر فان التائب من الذنب كمن لا ذنب له والقبول بالنسبة الى التائبين عنها وفى الاسئلة المقحمة قدم المغفرة على التوبة ردا على المعتزلة ليعلم انه تعالى ربما يغفر من غير توبة ( وفى كشف الاسرار ) توبه مؤخر آمد وغفران مقدم بر مقتضاى فضل وكرم اكر من كفتى توبه بذيرم بس كناه آمرزم خلق بنداشتنديكه تاز بنده توبه نبود از الله مغفرت نيايد نخست بيامرزم وآنكه توبه بذيرم تا عالميان دانند جنانكه بتوبه آمرزم اكر توبه مقدم غفرن بودى توبه علت غفران بودى وغفران مارا علت نيست وفعل ما بحيله نيست نخست بيامرزم و بزلال افضال بنده راباك كردانم تا جون قدم بربساط مانهدبرياكىنهدجون كرماآيدبصفت باكى آيدهمانست كه جاى ديكر كفت ثم تاب عليهم ليتوبوا غافرم آن عاصى راكه توبه نكرد قابلم آنراكه توبه كرد مراد از غفران ذنب درين موضع غفران ذنب غير تائبست بدليل آنكه واو عطف درميان آورد ومعطوف ديكرباشد ومعطوف عليه ديكر ليكن هر دورا حكم يكسان باشد جنانكه كويى جاءنى زيد و عمرو زيد ديكرست وعمرو ديكر لكن هر دورا حكم يكيست درآمدن اكر حكم مخالف بودى عطف خطا بودى واكر هر دويكى بودى هردوغلط بودى { شديد العقاب } اسم فاعل كما قبله مشدد العقاب كأن ذين بمعنى مؤذن فصح جعله نعتا للمعرفة حيث يراد به الدوام والثبوت وليس بصفة مشبهة حتى تكون الاضافة لفظية بان يكون من اضافة الصفة الى فاعلها ولئن سلم فالمراد الشديد عقابه باللام فحذفت للازدواج مع غافر الذنب وقابل التوب فى الخلو عن الالف واللام ( قال فى كشف الاسرار ) اول صفت خود كرد وكفت غافر الذنب وقابل التوب وصفت او محل تصرف نيست بذيرنده تغيير وتبديل نيست بس جون حديث عقوبت كرد شديد العقاب كفت شديد صفت عقوبت نهاد وعقوبت محل تصرف هست وبذيرنده تبديل وتغيير هست كفت سخت عقوبتهم لكن اكر خواهم سست كنم وآنرا بكردانم كه دران تصرف كنجد تغيير وتبديل بذيرد { ذى الطول } الطول بالفتح الفضل يقال لفلان على فلان طول اى زيادة وفضل واصل هذه الكلمة من الطول الذى هو خلاف القصر لأنه اذا كان طويلا ففيه كمال وزيادة كما انه اذا كان قصيرا ففيه قصور ونقصان وسمى الغنى ايضا طولا لأنه ينال به من المرادات مالا ينال عند الفقر كما أنه بالطول ينال ما لا ينال بالقصر كذا فى تفسير الامام فى سورة النساء والمراد ههنا الفضل بترك العقاب المستحق وايراد صفة واحدة فى جانب الغضب بين صفات الرحمة دليل سبقها ورجحانها وفى عرآئس البقلى غافر الذنب يستر ذنوب المؤمنين بحيث ترفع عن ابصارهم حتى ينسوها ويقبل عذرهم حين افتقروا اليه بنعت الاعتذار بين يديه شديد العقاب لمن لا يرجع الا المآب بان عذبه بذل الحجاب ذى الطول لاهل الفناء بكشف الجمال وفى الوسيط نقلا عن ابن عباس رضى الله عنهما غافر الذنب لمن يقول لا اله الا الله وهم اولياؤه واهل طاعته وقابل التوب من الشرك شديد العقاب لمن لا يوحده ذى الطول ذى الغنى عمالا يوحده ولا يقول لا اله الا الله ( وفى كشف الاسرار ) سنت خداوندست بنده رابآ يت وعيد ترساند تابنده دران شكسته وكوفته كردد سوزى وكذارى دربندكى بنمايدزارى وخوارى برخودنهد آنكه رب العزة بنعت رأفت ورحمت بآيت وعد تدارك دل وى كند وبفضل و رحمت خود اورا بشارت دهد بنده درسماع شديد العقاب بسوزد و بكدازد و بزبان انكسار كويد .(12/347)
برزآب دوديده و بر آتش جكرم ... برباد دودستم و بر از خاك سرم
باز در سماع ذى الطول بنازد ودل بيفروزد بزبان افتخار كويد
جه كند عرش كه اوغاشية من نكشد ... جون بدل غاشية حكم قضاى توكشم
ابو بكر الشبلى قدس سره يكروز جون مبارزان دست اندازان همى رفت ومى كفت لوكان بينى وبينك بحار من نار لخضتها اكر درين راه صدر هزار درياى آتشست همه بديده كذاره كنم و باك ندارم ديكر روز اورا ديدندكه مى آمد سرفرو افكنده جون محرومى درمانده نرم ميكفت المستغاث منك بك فرياد از حكم توزنهار از قهر تونه باتوامر آرام نه بى توكارم بنظام نه روى آنكه بازآيم نه زهره آنكه بكريزم
وكرباز آيم همى نه بينم جاهى ... وربكريزم همى نه دانم راهى
كفتند اى شبلى آن دى جه بود امر وزجيست كفت آرى جغدكه طاوس رانه بيندلاف جمال زند لكن جغد جغدست وطاوس طاوس { لا اله الا هو } هيج خداى نيست كه مستحق برستش باشد مكروا
فيجب الاقبال الكلى على طاعته فى اوامره ونواهيه { اليه } تعالى فحسب لا الى غيره لا استقلالا ولا اشتراكا { المصير } اى رجوع الخلق فى الآخرة فيجازى كلا من الطيع والعاصى وفى التأويلات النجمية غافر الذنب لاوليائه بان يتوب عليهم وقابل التوب بان يوفقهم للاخلاص فى التوبة لأنهم مظاهر صفات لطفه شديد العقاب لمن لا يؤمن ولا يتوب لانهم مظاهر صفات قهره ذى الطول لعموم خلقه بالايجاد من العدم واعطاء الحياة والرزق وايضا غافر الذنب لظالمهم وقابل التوب لمقتصدهم شد العقاب لمشركهم ذى الطول لسابقهم ولما كان من سنة كرمه ان سبقت رحمته غضبه غلبت ههنا اسامى صفات لطفه على اسم صفة قهره بل من عواطف احسانه ومراحم طوله وانعامه عل اسم صفة قهره بين ثلاثة اسماء من صفات لطفه فصار مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان فاذا هبت رياح العناية من مهب الهداية وتموج البحران فيتلاشى البرزخ باصطكاك البحرين ويصير الكل بحرا واحدا وهو بحر لا اله الا هو اليه المصير فاذا كان اليه المصير فقد طاب المسير
عمر بن الخطاب رضى الله عنه دوستى داشت باوى برادر كفته دردين مردى عاقل بارسار ومتعبد رفتى آن دوست بشام بودوكسى از نزديك وى آمده بود عمر رضى الله عنه حال آن دوست ازوى بر سيد كفت جه ميكندان برادرما وحال وى جيست اين مرد كفت او برادر ابليس است نه برادر تو يعنى كه فترنى درراه وى آمده وسرنهاده درخمر و زمرو انواع فساد عمر كفت جون بازكردى مراخبركن تابوى نامه نويسم بس اين نامه نوشت بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر الى فلان ابن فلان سلام عليك انى احمد اليك الله الذى لا اله الا هو غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذالطول لا اله الا هو اليه المصير جون آن نامه بوى رسيد صدق الله ونصح عمر كلام خدارا ستست ونصيحت عمر نبكو بسيار بكريست وتوبه كرد وحال وى نيكوشد بعد ازان عمر ميكفت هكذا افعلوا باخيكم اذا زاغ سددوه ولا تكونوا عليه عونا للشيطان وفيه اشارة الى انه لا يهجر الاخ بذنب واحد بل ينصح(12/348)
مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4)
{ ما يجادل فى آيات الله } الجدال المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة ومعنى المفاوضة بالفارسية كارى راندن باكسى
واصله من جدلت الحبل احكمت فتله فكأن المتجادلين يفتل كل واحد الآخر عن رأيه قال ابو العالية نزلت فى الحارث ابن قيس احد المستهزئين
يعنى از جمله مستهزيان بود وسخت خصومت بباطل درانكار وتكذيب قرآن والمعنى ما يخاصم فى آيات الله بالطعن فيها بان يقول فى حقها سحرا وشعرا واساطير الاولين او نحو ذلك وباستعمال المقدمات الباطلة لادحاضه وازالته وابطاله لقوله تعالى وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فحمل المطلق على المقيد واريد الجدال بالباطل { الا الذين كفروا } بها واما الذين آمنوا فلا يخطر ببالهم شائبة شهة منها فضلا عن الطعن فيها واما الجدال فيها لحل مشكلاتها واستنباط حقائقها وابطال شبه اهل الزيغ والضلال فمن اعظم الطاعات كجهاد فى سبيل الله ولذلك قال عليه السلام ان جدالا فى القرءآن كفر بتنكير جدالا الدال على التنويع للفرق بين جدال وجدال ومما حرره حضرة شيخى وسندى فى مجموعة من مجموعات هذا الفقير فى ذيل هذه الآية قوله فكفار الشريعة يجادلون فى آيات القرءآن الرسمى فيكون جدالهم رسميا لكونه فى الآيات الرسمية فهم كفار الرسوم كما انهم كفار الحقائق وكفار الحقيقة يجادلون فى آيات القرءآن الحقيقى فيكون جدا لهم حقيقيا لكونه فى الآيات الحقيقية فهم كفار الحقائق فقط لا كفار الرسوم فعليك يا ولدى الحقى سمى الذبيح بترك الكفر والجدال مطلقا حتى تكون عند الله وعند الناس مؤمنا حقا ومسلما صدقا هذا سبيل الصواب والرشاد واليه الدعوة والارشاد وعلينا وعليكم القبول والاسترشاد وهو الفرض الواجب على جميع العباده انتهى { فلا يغررك تقلبهم فى البلاد } الفاء جواب شرط محذوف والغرة غفلة فى اليقظة والتقلب بالفارسية كرديدن قال فى المفردات التقلب التصرف والبلاد شهرها
قال الراغب البلد المكان المحدود المتأثر باجتماع قطانه واقامتهم فيه وجمعه بلاد وبلدان والمعنى فاذا علمت انهم محكوم عليهم بالكفر فلا يغررك امهالهم واقبالهم فى دنياهم وتقلبهم فى بلاد الشام واليمن للتجارات المربحة وهى رحلة الشتاء والصيف
يعنى بدل مبارك ايشانرا فرصتى ومهلتى هست
فانهم مأخوذون عما قريب بسبب كفرهم اخذ من قبلهم من الامم كما قال كذبت الخ قال فى عين المعانى فلا يغررك ايها المغرور والمراد غيره صلى الله تعالى عليه وسلم خطاب للمقلدين من المسلمين انتهى وفى الآية اشارة الى أن اهل الحرمان من كرامات اولياء الله وذوق مشاربهم ومقاماتهم يصرون على انكارهم تخصيص الله عباده بالآيات ويعترضون عليهم بقلوبهم فيجادلون فى جحد الكرامات وسيفتضحون كثيرا ولكنهم لا يميزون بين رجحانهم ونقصانهم فلا يغررك تقلبهم فى البلاد لتحصيل العلوم فان تحصيل العلوم اذا كان مبنيا على الهوى والميل الى الدنيا فلا يكون له نور يهتدى به الى ما خصص به عباده المخلصين ( قال المولى الجامى )
بيجاره مدعى كند اظهار علم وفضل ... نشاخته قبول ودرجي ازردى(12/349)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5)
{ كذبت قبلهم } اى قبل قريش { قوم نوح والاحزاب من بعدهم } اى الذين تحزبوا على الرسل وعادوهم وحاربوهم بعد قوم نوح مثل عاد وثمود واضرابهم وبدأ بقوم نوح اذ كان اول رسول فى الارض لان آدم انما ارسل الى اولاده { وهمت } قصدت عند الدعاء والهم عقد القلب على فعل شىء قبل ان يفعل من خير أو شر { كل امة } من تلك الامم المعاتبة { برسولهم } قال فى الاسئلة المقحمة لم يقل برسولها لأنه اراد بالامة ههنا الرجال دون النساء وبذلك فسروه وقال فى عين المعانى برسولهم تغليب للرجال { ليأخذوه } من الاخذ بمعنى الاسر والاخيذ الاسير اى ليأسروه ويحبسوه ليعذبوه او يقتلوه وبالفارسية تابكيرندا اورا وهرآزاركه خواهند بوى رسانند
وفيه اشارة الى ان كل عصر يكون فيه صاحب ولاية لا بد له من ارباب الجحود والانكار واهل الاعتراض كما كانوا فى عهد كل نبى ورسول { وجادلوا } وخصومت كردند با بيغمبران خود { بالباطل } الذى لا اصل ولا حقيقة له اصلا قال فى فتح الرحمن الباطل ما كان فائت المعنى من كل وجه مع وجود الصورة اما لانعدام الاهلية او لانعدام المحلية كبيع الخمر وبيع الصبى { ليدحضوا به الحق } اى ليزيلوا بذلك الباطل الحق الذى لا محيد عنه كما فعل هؤلاء { فاخذتهم } بالاهلاك جزآء لهمهم بالاخذ { فكيف كان عقاب } اى عقابى الذى عاقبتهم به فان آثار دمارهم كما ترونها حين تمرون على ديارهم عبرة للناظرين ولآخذن هؤلاء ايضا لاتحادهم فى الطريقة واشتراكهم فى الجريمة كما ينبىء عنه قوله(12/350)
وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6)
{ وكذلك حقت كلمة ربك } اى كما وجب وثبت حكمه تعالى وقضاؤه بالتعذيب على اولئك الامم المكذبة المتحزبة على رسلهم المجادلة بالباطل لادحاض الحق به وجب ايضا { على الذين كفروا } اى كفروا ربك وتحزبوا عليك وهموا بما لم ينالوا فالمصول عبارة عن كفار قومه عليه السلام وهم قريش لا عن الامم المهلكة { انهم اصحاب النار } فى حيز النصب بحذف لام التعليل وايصال الفعل اى لأنهم مستحقوا اشد العقوبات وافظعها التى هى عذاب النار وملازموها ابدا لكونهم كفارا معاندين متحزبين على الرسول عليه السلام كدأب من قبلهم من الامم المهلكة فهم لسائر فنون العقوبات اشد استحقاقا واحق استيجابا فعلة واحدة تجمعهم وهى انهم اصحاب النار وقيل هو فى محل الرفع على أنه بدل من كلمة ربك بدل الكل والمعنى مثل ذلك الوجوب وجب على الكفرة المهلكة كونهم من اصحاب النار اى كما وجب اهلاكهم فى الدنيا بعذاب الاستئصال كذلك وجب تعذيبهم بعذاب النار فى الآخرة فالتشبيه واقع حالتيهم والجامع للطرفين ايجاب العذاب ومحل الكاف على التقديرين النصب على انه نعت لمصدر محذوف فى الآية اشارة الى ان الاصرار مؤدى الى الاخذ والانتقام فى الدنيا والآخرة فعلى العاقل ان يرجع الى الله ويتوب ويتعظ بغيره قبل ان يتعظ الغير به
جوبر كشته بختى درافتد به بند ... ازونيك بختان بكيرند بند
توبيش از عقوبت درعفوت كوب ... كه سودى ندارد فغان زيرجوب
عصمنا الله واياكم من اسباب سخطه(12/351)
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)
{ الذين يحملون العرش } العرش هو الجسم المحيط بجميع الاجسام سمى به لارتفاعه او للتشبيه بسرير الملك فى ممكنه عليه عند الحكم لنزول احكام قضائه وقدره منه ولا صورة ولا جسم ثمة وهو الفلك التاسع خلقه الله من جوهرة حضرآء وبين القائمتين من قوآئمه خفقان الطير المسرع ثمانين الف عام والمراد أن حملة العرش افضل كما ان خادم اشرف الكائنات مطلقا وهو جبرآئيل الخادم للنبى عليه السلام اشرف وفى الحديث ان الله امر جميع الملائكة ان يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة العرش تفضيلا لهم على سائرهم وهم اربعة من الملائكة يسترزق احدهم لبنى آدم وهو فى صورة رجل والثانى للطيور وهو فى صورة نسر والثالث للبهائم وهو فى صورة ثور والرابع للسباع وهو فى صورة اسد وبينهم وبين العرش سبعون حجابا من نور واذا كان يوم القيامة يكون حملته ثمانية دل عليه قوله تعالى { ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية } وفى بعض الروايات كلهم فى صورة الاوعال والعرش على قرونهم او على ظهورهم لما اخرجه الترمذى وابو داود فى حديث طويل آخره « ثم فوق السابعة بحر بين اعلاه واسفله كما بين سماء الى سماء وفوق ذلك ثمانية اوعال بين اظلافهن وركبهن ما بين سماء الى سماء ثم فوق ظهورهن العرش بين اسفله واعلاه مثل ما بين سماء الى سماء » وفى الحديث « اذن لى ربى ان احدث عن ملك من حملة عرشه ما بين شحمة اذن الى عاتقه مسيرة سبعمائة عام » وروى ان حملة العرش ارجلهم فى الارض السفلى ورؤسهم قد خرقت العرش وهم خشوع لا يرفعون طرفهم وهم اشد خوفا من اهل السماء السابعة وكل اهل سماء اشد خوفا من اهل السماء التى دونها قال ابن عباس رضى الله عنهما لما خلق الله تعالى حملة العرش قال لهم احملوا عرشى فلم يطيقوا فخلق كل ملك من اعوانهم مثل جنود من فى السموات والارض من الملائكة والخلق فلم يطيقوا فخلق مثل ما خلق عدد الحصى والثرى فلم يطيقوا فقال جل جلاله قولوا لا حول ولا قوة الا بالله فلما قالوا استقلوا العرش فنفذت اقدامهم فى الارض السابعة على متن الثرى فقال ابن عباس رضى الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تتفكروا فى عظمة ربكم ولكن تفكروا فى خلقه فان خلقا من الملائكة يقال له اسرافيل زاوية من زوايا العرش على كاهله وقدماه فى الارض السفلى فانه ليتضاءل من عظمة الله حتى يصير كالوصع » وهو بالصاد المهملة الساكنة وتحرك طائر أصغر من العصفور كما فى القاموس وان الله خلق العرش من جوهرة خضرآء له ألف ألف رأس وستمائة ألف رأس فى كل رأس ألف ألف وستمائة ألف لسان يسبح بالف الف لغة ويخلق الله بكل لغة من لغات العرش خلقا فى ملكوته يسبحه ويقدسه بتلك اللغة والعرش يكسى كل يوم سبعين ألف لون من نور لا يستطيع ان ينظر اليه خلق من خلق الله والاشيا كلها فى العرش كحلقة ملقاة فى فلاة واحتجب الله بين العرش وحامليه سبعين حجابا من نار وسبعين حجابا من ماء وسبعين حجابا من ثلج وسبعين حجابا من در ابيض وسبعين حجابا من زبرجد أخضر وسبعين حجابا من ياقوت احمر وسبعين من نور وسبعين من ظلمة ولا ينظر احدهم الى العرش مخافة ان يصعق(12/352)
يقول الفقير دل ما ذكر من الرويات على ان حملهم اياه اى العرش محمول على حقيقته وليس بمجاز عن حفظهم وتدبيرهم كما ذهب اليه بعض المفسرين ولعمرى كونه مع سعة دآئرته وعظم محله على قرون الملائكة او على ظهورهم او على كواهلهم ادل على كمال عظمة الله وجلال شأنه فالملائكة الاربعة اليوم والثمانية يوم القيامة كالاسطوانات له فكما أن القصر محمول على الاسطوانات فكذا العرش محمول على الملائكة فلا ينافى ذلك ما صح من قوآئمه وكونه بحيث يحيط الاجسام لانه يجوز ان يكون معلقا فى الحقيقة وان الملائكة تحمله بالكلية { ومن حوله } فى محل الرفع بالعطف على قوله الذين وحول الشىء جانبه الذى يمكنه أن يحول اليه ومحل الموصول الرفع على الابتدآء خبره قوله { يسبحون بحمد ربهم } اى ينزهونه تعالى عن كل مالا يليق بشأنه الجليل ملتبسين بحمده على نعمائه التى لا تتناهى وفى فتح الرحمن يقولون سبحان ذى العزة والجبروت سبحان ذى الملك والمكوت سبحان الملك الحى الذى لا يموت سبوح قدوس رب الملائكة والروح وجعل التسبيح اصلا والحمد حالا لأن الحمد مقتضى حالهم دون التسبيح لأنه انما يحتاج اليه لعارض الرد على من يصفه بما لا يليق به قيل حول العرش سبعون الف صف من الملائكة يطوفون به مهللين مكبرين ومن ورآئهم سبعون ألف صف قياما قد وضعوا ايديهم على عواتقهم رافعين اصواتهم بالتهليل والتكبير ومن ورآئهم سبعون ألف صف قياما قد وضعوا ايديهم على عواتقهم رافعين اصواتهم بالتهليل والتكبير ومن ورائهم مائة ألف صف قد وضعوا أيمانهم على شمائلهم ما منهم احد الا وهو يسبح بما لا يسبح به الآخر وما ورآءهم من الملائكة لا يعلم حدهم الا الله ما بين جناحى احدهم مسيرة ثلاثمائة عام
درمعالم از شهر بن حوشب نقل ميكندكه حمله عرش هشت اند جهار ميكويند سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك وكوييا ايشان بنسبت كرم الهى باذنوب بنى آدم ابن كلمات ميكويند وفى بعض التفاسير كأنهم يرون ذنوب بنى آدم وفى هذه الكلمات فوآئد كثيرة بيرطريقت ابو القاسم بشر ياسين كه از جمله مشاهير علما ومشايخ دهر بود شيخ ابو السعيد الخير را كفت اين كلمات ازماياد كيرو ييوسته ميكوى ابو سعيد كفت اين كلمات يادكر فتم وييوسته ميكفتم وازان منتفع شدم { ويؤمنون به } اى بربهم ايمانا حقيقا بحالهم والتصريح به مع اغنياء ما قبله عن ذكره لاظهار فضيلة الايمان وابراز شرف اهله وقد قيل اوصاف الاشراف اشراف الاوصاف(12/353)
يقول الفقير اشار بالايمان الى انهم فى مرتبة الادراك بالبصائر محجوبون عن ادراكه تعالى بالابصار كحال البشر ما داموا فى موطن الدنيا واما فى الجنة فقيل لا يراه الملائكة وقيل يراه منهم جبريل خاصة مرة واحدة ويراه المؤمنون من البشر فى الدنيا بالبصائر وفى الآخرة بالابصار لأن قوله لا تدركه الابصار قد استثنى منه المؤمنون فبقى على عمومه فى الملائكة والجن وذلك لأن استعداد الرؤية انما هو لمؤمنى البشر لكمالهم الجامع { ويستغفرون للذين آمنوا } استغفارهم شفاعتهم وحملهم على التوبة والهامهم ما يوجب المغفرة وفيه اشعار بأنهم يطلعون على ذنوب بنى آدم وتنبيه على ان المشاركة فى الايمان توجب النصح والشفقة وان تخالفت الاجناس لانها اقوى المناسبات واتمها كما قال تعالى { انما المؤمنون اخوة } ولذلك قال الفقهاء قتل الاعوان والسعادة والظلمة فى الفترة مباح وقاتلهم مثاب وان كانوا مسلمين لأن من شرط الاسلام الشفقة على خلق الله والفرح بفرحهم والحزن بحزنهم وهم على عكس ذلك وقلما يندفع شرهم بالحبس ونحوه قال الامام قد ثبت أن كمال السعادة مربوط بامرين التعظيم لامر الله والشفقة على خلق الله ويجب ان يكون الاول مقدما على الثانى فقوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به مشعر بالتعظيم لامر الله ويستغفرون للذين آمنوا بالشفقة على خلق الله انتهى قال مجاهد يسألون ربهم مغفرة ذنوب المؤمنين من حين علموا امر هاروت وماروت او لقولهم اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء قال الراغب المغفرة من الله ان يصون العبد عن ان يمسه العذاب والاستغفار طلب ذلك بالمقال والفعال فان الاستغفار بالمقال فقط فعل الكاذبين ثم لا يلزم من الآية افضلية الملائكة على البشر حيث اشتغلوا بالاستغفار للمؤمنين من غير أن يتقدم الاستغفار لانفسهم لاستغنائهم وذلك لأن هذا بالنسبة الى عوام المؤمنين واما خواصهم وهم الرسل فهم افضل منهم على الاطلاق وانما يصلون عليهم بدل الاستغفار لهم تعظيما لشأنهم ونعم ما قال ابو الليث رحمه الله فى الآية بيان فضل المؤمنين لأن الملائكة مشتغلون بالدعاء لهم وفى التأويلات النجمية يشير الى أن الملائكة كما امروا بالتسبيح والتحميد والتمجيد لله تعالى فكذلك امروا بالاستغفار والدعاء لمذنبى المؤمنين لأن الاستغفار للمذنب ويجتهدون فى الدعاء لهم فيدعون لهم بالنجاة ثم برفع الدرجات كما قال { ربنا } على ارادة القول اى يقولون ربنا على انه بيان الاستغفارهم او حال اى قائلين { وسعت كل شىء رحمة وعلما } نصب على التمييز والاصل وسعت رحمتك وعلمك لا ذاتك لامتناع المكان فى حقه فازيل عن اصله للاغراق فى وصفه بالرحمة والعلم كأن ذاته رحمة وعلم واسعان كل شىء وتقديم الرحمة وان كان العلم اشمل واقدم تعلقا من الرحمة لأنها المقصودة بالذات ههنا وفى عين المعانى ملأت كل شىء نعمة وعلما به(12/354)
يقول الفقير دخل فى عموم الآية الشيطان ونحوه لأن كل موجود فله رحمة دنيوية ألبتة واقلها الوجود وللشيطان انظار الى يوم الدين ويكون من الرحمة الدنيوية الى غير ذلك { فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك } الفاء لترتيب الدعاء على ما قبلها من سعة الرحمة والعلم فما بعد الفاء مسبب عن كل واحد من الرحمة والعلم اذ المعنى فاغفر للذين علمت منهم التوبة من الكفر والمعاصى واتباع سبيل الايمان والطاعة وفيه اشارة الى أن الملائكة لا يستغفرون الا لمن تاب ورجع عن اتباع الهوى واتبع بصدق الطلب وصفاء النية سبيل الحق تعالى وفى الاسئلة المقحمة قوله فاغفر الخ صيغة دالة على أن الشفاعة للتائبين والجواب ان الشفاعة للجميع ولكن لما كانت حاجة التائب اليها اظهر قرنوه بالذكر ثم لا يجب على الله قبول توبة التائب عندنا انتهى والاظهر ان التخصيص للحث على التوبة والاتباع وهو اللائح بالبال ومن اعجب ما قيل فى هذا المقام قول البقلى فى تأويلاته عجبت من رحمة الملائكة كيف تركوا المصرين على الذنوب عن استغفارهم هذه قطعة زهد وقعت فى مسالكم اين هم من قول سيد البشر عليه السلام حين اذاه قومه اللهم اهد قومى فانهم لا يعلمون عمموا الاشياء بالرحمة ثم خصوا منها التائبين يا ليب لو بقوا على القول الاول وسألوا الغفران لمجموع التائبين والعاصين انتهى
يقول الفقير العاصى اما مؤمن او كافر والثانى لا تتعلق به المغفرة لانها خاصة بالمؤمنين مطلقا فلما علم الملائكة ان الله لا يغفر ان يشرك به خصوها بالتائبين ليخرج المشركون { وقهم عذاب الجحيم } امر من وقى يقى وقاية وهى حفظ الشىء مما يؤذيه ويضره اى واحفظهم من عذاب جهنم وهو تصريح بعد اشعار للتأكيد وذلك لأن معنى الغفران اسقاط العذاب وفيه اشارة الى أنه بمجرد التوبة لا تحصل النجاة فلا بد من الثبات عليها وتخليص العمل من شوب الرياء والسمعة وتصفية القلب عن الاهوآء والبدع(12/355)
رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8)
{ ربنا وادخلهم } عطف على قهم ووسيط الندآء بينهما للمبالغة فى الجؤار وهو رفع الصوت بالدعاء والتضرع والاستغاثة { جنات عدن } در بوستانهاى اقامت { التى وعدتهم } اى وعدتهم اياها وقد وعد الله بان يدخل من قال لا اله الا الله محمد رسول الله جنات عدن اما ابتدآء أو بعد ان يعذبهم بقدر عصيانهم وروى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال لكعب الاحبار ما جنات عدن قال قصور من ذهب فى الجنة يدخلها النبيون وائمة العدل فعلى هذا يكون جنات عدن موضع اهل الخصوص لا اهل العموم ومثلها الفردوس اذ لكل مقام عمل يخص به فاذا كان العمل اخص وارفع كان المقام ارقى واعلى { ومن صلح من آبائهم وازواجهم وذرياتهم } فى محل النصب عطف على الضمير فى و { ادخلهم } والمعنى وادخل معهم من صلح من هؤلاء صلاحا مصححا لدخول الجنة فى الجملة وان كان دون صلاح اصولهم وذلك ليتم سرورهم ويتضاعف ابتها جهم وفيه اشارة الى ان بركة الرجل التائب تصل الى آبائه وازواجه وذرياته لينالوا بها الجنة ونعيمها قال سعيد ابن جبير يدخل المؤمن الجنة فيقول اين ابى أين ولدى اين زوجى فيقال انهم لم يعملوا مثل عملك فيقول انى كنت اعمل لى ولهم فيقال ادخلوهم الجنة
اميد است از آنان كه طاعت كنند كه بى طاعتا نرا شفاعت كنند
وعن انس بن مالك رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اذا كان يوم القيامة نودى فى اطفال المسلمين ان اخرجوا من قبوركم فيخرجون من قبورهم فينادى فيهم ان امضوا الى الجنة زمرا فيقولون يا ربنا ووالدينا معنا فينادى فيهم الثانية ان امضوا الى الجنة زمرا ووالدينا معنا فيبتسم الرب تعالى فيقول ووالديكم معكم فيثب كل طفل الى ابويه فيأخذون بايديهم فيدخلونهم الجنة فهم اعرف بآبائهم وامهاتهم يومئذ من اولادكم الذين فى بيوتكم » وفى الواقعات المحمودية نقلا عن حضرة الشيخ الشهير بافتاده قدس سره من كان من اهل الجنة وزوجته لم تكن كذالك يخلق الله تعالى مثل زوجته فى الجنة فيتسلى بها فان قلت كيف يكون التسلى بمثلها قلت لا يعلم انها مثلها فلو ظن انها مثلها لاعبنها لا يتسلى بل يحزن والجنة دار السرور لا دار الحزن ولذلك ارسل آدم عليه السلام الى لدنيا لئلا يحزن فى الجنة { انك انت العزيز } الغالب الذى لا يمتنع عليه مقدور
يعنى ازهيج مقدور عاجزنشوى { الحكيم } الذى لا يفعل الا ما تقتضيه الحكمة الباهرة من الامور التى من جملتها انجاز الوعد والوفاء به وفى التأويلات النجمية انت العزيز تعز التائبين وتحبهم وان اذنبوا الحكيم فيما لم تعصم محبيك عن الذنوب ثم تتوب عليهم
زمن سر زحكمت بدرمى برم ... كه حكمت جنين ميرود بر سرم(12/356)
وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)
{ وقهم السيئات } اى احفظهم عما يسوؤهم يوم القيامة وادفع عنهم العقوبات لأن جزاء السيئة سيئة فتسميتها سيئة اما لأن السيئة اسم للملزوم وهو الاعمال السيئة فاطلق على اللازم وهو جزآؤها او المعنى قهم جزآء السيئات على حذف المضاف على أن السيئات بمعنى الاعمال السيئة وهو تعميم بعد تخصيص لقوله وقهم عذاب الجحيم وعذاب القبر وموقف القيامة والحساب والسؤال والصراط ونحوها او مخصوص بمن صلح من الاتباع والاول دعاء للاصول { ومن تق السيئات يومئذ } اى يوم القيامة { فقد رحمته } لأن المعافى من العذاب مرحوم ويجوز أن يكون المراد بالسيئات الاول المعاصى فى الدنيا فمعنى قوله ومن تق الخ ومن تقه المعاصى فى الدنيا فقد رحمته فى الآخرة كأنهم طلبوا لهم السبب بعدما سألوا المسبب وفى التأويلات النجمية وقهم السيئات يعنى بعد ان تابوا لئلا يرجوا الى المعاصى والذنوب ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته فى الآخرة كأنهم طلبوا لهم السبب بعدما سألوا المسبب وفى التأويلات النجمية وقهم السيئات يعنى بعد ان تابوا لئلا يرجوا الى المعاصى والذنوب ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته يحيلون الامر فيه على رحمته وبرحمته لم يسلط على المؤمن اراذل خلقه وهم الشياطين وقد قيض لشفاعته افاضل من خلقه وهم الملائكة المقربون قال مطرف انصح عباد الله للمؤمنين الملائكة واغش الخلق للمؤمنين الشياطين { وذلك } المذكور من الرحمة والوقاية { هو الفوز العظيم } الفوز الظفر مع حصول السلامة اى هو الظفر العظيم الذى لا مطمع ورآءه لطامع وبالفارسية آن بيروزى بزركست جه هر كه امروز دربناه عصمت الهيست فردا درسايه رحمت نامتناهى خواهد بود و درين باب كفته اند
امروز كسىرا درآرى به بناه ... فردا بمقام قرنتش بخشى راه
وانراكه رهش نداه بر دركاه ... فردا جه كندكه نكند ناله وآه
يقول الفقير ظهر من الآيات العظام ومن استغفار الملائكة الكرام ان بناء الانسان محتاج الى المعاونة لكونه تحت ثقل حمل الامانة العظمى وهو المنور بنور لطفه وجماله تعالى وهو المحترق بنار قهره وجلاله سبحانه فطريقه طريق صعب وليس مثله احد وما اشبه حاله مع الملائكة بحال الديك مع البازى قال للديك ما اعرف اقل وفاء منك لأن اهلك يربونك من البيضة ثم اذا كبرت لا يدنو منك احد الا طرت ههنا وههنا وانا اوخذ من الجبال فيحبسون عينى ويجيعوننى ويجعلوننى فى بيت مظلم واذا اطلقونى على الصيد فآخذه واعود اليهم فقال الديك لأنك ما رأيت بازيا فى سفود وهى الحديدة التى يشوى بها اللحم وكم قد رأيت ديوكا فى سفافيد ثم يجبب على من يطلب الفوز أن يناله من طريقه فكل سعادة فى الآخرة فبذرها مزروع فى الدنيا ولا بد للعاقل من التقديم لنفسه قال لقمان رحمه الله يا بنى لا تكون الذرة أيسر منك تجمع فى صيفها لشتائها قبل اشتداد الشتاء وطلب ضفدع من الذرة ذخيرة فقالت لم تر نمت فى الصيف فى اطراف الانهار وتركت الادخار للشتاء ( قال الشيخ سعدى )
كنون باخرد بايد انباز كشت ... كه فردا نماندره باز كشت
اى لا يبقى يوم القيامة طريق للرجوع الى الدنيا(12/357)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10)
{ ان الذين كفروا ينادون } المناداة والندآء الدعوة ورفع الصوت وذلك ان الكفار يمقتون فى جهنم انفسهم الامارة بالسوء التى وقعوا فيما وقعوا من العذاب المخلد باتباع هواها اى يغضبون عليها حتى يأكلون اناملهم ويبغضونها اشد البغض وينكرونها اشد الانكار ويظهرون ذلك على رؤوس الاشهاد فعند ذلك تناديهم الملائكة وهم خزنة جهنم من مكان بعيد تنبيها على بعدهم عن الحق وبالفارسية بوقتى كه كفار بدوزخ درايند وبانفسها دشمن آغاز كرده روبان عتاب وملامت بكشايندكه جرادر زمان اختيار ايمان نياوردند ملائكه آواز ميدهند ايشانرا وكويند { لمقت الله } جواب قسم محذوف والمقت البغض الشديد لمن يراه متعاطيا لقبيح والبغض نفار النفس من الشىء ترغب عنه وهو ضد الحب وهو انجذاب النفس الى الشىء الذى ترغب فيه ومقت الله غضبه وسخطه وهو مصدر مضاف الى فاعله وحذف مفعوله لدلالة المقت الثانى عليه والمعنى والله لمقت الله انفسكم الامارة بالسوء { اكبر } بزر كترست { من مقتكم انفسكم } اذكروا { اذ تدعون } فى الدنيا من جهة الانبياء { الى الايمان } فتأبون قبوله { فتكفرون } بالله تعالى وتوحيده اتباعا لانفسكم ومسارعة الى هواها ويجوز ان يتعلق اذ بالمقت الاول ولا يقدح فيه وجود الخبر فى البين لأن فى الظروف اتساعا فالمعنى غضب الله تعالى حين اغضبتموه فى الدنيا حين كفرتم اكبر مقتكم انفسكم اليوم
يقول الفقير دل قوله اذ تدعون الخ على أن سبب المقت هو الكفر كأنه قال اذكروا ذلك فهو سبب المقت فى الدنيا والآخرة والدخول فى النار المحرقة القاهرة كما قال فيما سيأتى ذلك بأنه اذا دعى الله الخ وحقيقته ان الله تعالى احب المحبين فى الحقيقة كما أن النفس اعدى الاعدآء فمن صرف محبة احب المحبين الى اعدى الاعدآء وجرى على حكمه صرف الله نظره عنه وابغضه ( كما قال الشيخ سعدى )
نظر دوست نادر كند سوىتو ... جودر روى دشمن بود روى تو
كرت دوست بايد كزو برخورى ... نبايدكه فرمان دشمن برى
ندانى كه كمتر نهد دوست باى ... جوبيندكه دشمن بود در سراى
ومقت الله على الكفر أزلى خفى لم يظهر اثره الا فى وقت وجود الكفر من الكافر وابدى لأنه لا ينقطع بانقطاع الدنيا فالكافر مغضوب فى الدنيا والآخرة وانما كان مقت الله اكبر من مقت العبد لأن مقت العبد مأخوذ من مقت الله اذ لو لم يأخذه الله بجريمته لما وقع فى مقت نفسه ولأن اشد العقوبات آثار سخط الله وغضبه على العباد كما أن اجل النعم آثار رضاه عنهم فاذا عرف الكافر فى الآخرة ان ربه عليه غضبان فلا شىء اصعب على قلبه منه على انه لا بكاء ينفعه ولا غناء يزيل عنه ما هو فيه ويدفعه ولا يسمع منه تضرع ولا يرجى له حيلة نسأل الله عفوه وعطاه وهو حسبنا مما سواه(12/358)
قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11)
{ قالوا } اى الكفرة حين خوطبوا بهذا الخطاب { ربنا } اى بروردكار مارا { امتنا } اماتتين { اثنتين واحييتنا } احياءتين { اثنتين } فهما صفتان لمصدر الفعلين المذكورين وفى الاماتتين والاحياءتين وجوه الاول ما قال الكاشفى نقلا من التبيان ذريت آدم راكه از ظهر او بيرون آورد وميثاق ازايشان فرا كرفت بميرانيد اماته نخستين آنست ودر رحم كه نطفه بودند زنده كرد بس دردنيا بميرانيد ودر آخرت زنده كردانيد { فاعترفنا } اقررنا بسبب ذلك { بذنوبنا } لا سيما انكار البعث يعنى الانبياء دعونا الى الايمان بالله وباليوم الآخر وكنا نعتقد كالدهرية ان لا حياة بعد الموت فلم نلتفت الى دعوتهم ودمنا على الاعتقاد الباطل حتى متنا وبعثنا فشاهدنا ما نحن ننكره فى الدنيا وهو الحياة بعد الموت فالآن نعترف بذنوبنا { فهل الى خروج } نوع خروج من النار سريع او بطيىء او نوع من الاعمال { من سبيل } من طريق فنسلكه ونتخلص من العذاب او هل الى خروج الى الدنيا من سبيل فنعمل غير الذى كنا نعمل كما قال هل الى مرد من سبيل فيقال فحذف الجواب كما فى عين المعانى او الجواب ما بعده من قوله ذلكم الخ كما فى غيره والثانى انهم ارادوا بالاماتة الاولى خلقهم امواتا وذلك فى الرحم قبل نفخ الروح كما قال تعالى { وكنتم امواتا فاحياكم } وبالثانية اماتتهم عند انقضاء آجالهم على ان الاماتة جعل الشىء عادم الحياة وارادوا بالاحياء اولال الاحياء قبل الخروج من البطن وبالثانى احياء البعث ولا يلزم منه ان لا عذاب فى القبر ولا حياة ولا موت فانهم انما لم يذكروها لان حياة القبر ليست كحياة الدنيا ولا كحياة الآخرة كما فى الاسئلة المقحمة وقد ثبت بالتواتر أن النبى عليه السلام استعاذ من عذاب القبر واجمع السلف على ذلك قبل ظهور اهل البدع حتى قال بعضهم فى قوله تعالى { ومن اعرض عن ذكرى فان له معيشة ضنكا } انه اراد فى القبر لانا نشاهد كثيرا منهم عيشهم ارغد فى الدنيا من عيش كثير من المؤمنين والثالث انهم ارادوا بالاماتة الاولى ما بعد حياة الدنيا وبالثانية ما بعد حياة القبر وبالاحياءتين ما فى القبر وما عند البعث قال فى الارشاد وهو الانسب بحالهم واما حديث لزوم الزيادة على النص ضرورة تحقق حياة الدنيا فمدفوع لكن لا بما قيل من عدم اعتدادهم بها لزوالها وانقضائها وانقطاع آثارها واحكامها بل بان مقصودهم احداث الاعتراف بما كانوا ينكرونه فى الدنيا والتزام العمل بموجب ذلك الاعتراف ليتوسلوا بذلك الى الرجوع الى الدنيا وهو الذى ارادوه بقولهم فهل الى خروج من سبيل مع نوع استبعاد له واستشعار يأس منه لا انهم قالوه بطريق القنوط المحض ولا ريب فى أن الذى كانوا ينكرونه ويفرعون عليه فنون الكفر والمعاصى ليس الا الاحياء بعد الموت واما الاحياء الاول فلم يكونوا لينظموه فى سلك ما اعترفوا به وزعموا ان الاعتراف يجديهم نفعا وانما ذكروا الموتة الاولى لترتبها عليهما ذكرا حسب ترتبها عليهما وجودا والرابع على ما فى التأويلات النجمية انهم ارادوا اماتة القلوب واحياء النفوس ثم اماتة الابدان واحياءها بالبعث(12/359)
ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12)
{ ذلكم } قال فى الارشاد جواب لهم باستحالة حصول ما يرجونه ببيان ما يوجبها من اعمالهم السيئة اى ذلكم الذى انتم فيه من العذاب وهو مبتدأ خبره قوله { بانه } اى بسبب ان الشان { اذا دعى الله } فى الدنيا اى عبد { وحده } اى حال كونه منفردا فو فى موضع الحال من الجلالة { كفرتم } اى بتوحيده { وان يشرك به } اى ان يجعل له شريك { تؤمنوا } اى بالاشراك به وتصدقوه وتسارعوا فيه ولفظ الاستقبال تنبيه على انهم لو ردوا لعادوا الى الشرك وفى الارشاد فى ايراد اذا وصيغة الماضى فى الشرطية الاولى وان وصيغة المضارع فى الثانية ما لا يخفى من الدلالة على كمال سوء حالهم وحيث كان حالكم كذلك { فالحكم لله } الذى لا يحكم الا بالحق { العلى الكبير } عن ان يشرك به اذ ليس كمثله شىء فى ذاته ولا فى صفاته ولا فى افعاله وقد حكم بانه لا مغفرة للمشرك ولا نهاية لعقوبته فلا سبيل لكم الى الخروج ابدا قيل كأن الحرورية اخذوا قولهم لا حكم الا لله من هذا وقيل للخوارج حرورية لتجليتهم بحرورآء واجتماعهم فيها وهى كحلولاء وقد تقصر قرية بالكوفة والخوارج قوم من زهاد الكوفة خرجوا عن طاعة على رضى الله عنه عند التحكيم بينه وبين معاوية وذلك انه لما طالت محاربة على ومعاوية اتفق الفريقان على التحكيم الى ابى موسى الاشعرى وعمرو بن العاص رضى الله عنهما فى امر الخلافة وعلى ارتضى بما يريانه فقال القوم المذكور ان الحكم الا لله فقال على رضى الله عنه كلمة حق اريد بها باطل وكانوا اثنى عشر ألف رجل انكروا الخلافة واجتمعوا ونصبوا راية الخلاف وسفكوا الدماء وقطعوا السبيل فخرج اليهم على رضى الله عنه وامرهم بالرجوع فأبوا الا القتال فقاتلهم بالنهر وان هى كزعفران بليدة قديمة بالقرب من بغداد فقتلهم واستأصلهم ولم ينج منهم الا قليل وهم الذين قال عليه السلام فى حقهم « يخرج قوم من امتى فى آخر الزمان يحقر احدكم صلاته فى جنب صلاتهم وصومه فى جنب صومهم ولكن لا يجاوز ايمانهم تراقيهم » وقال عليه السلام « الخوارج كلاب النار » والحاصل ان الخوارج من الفرق الضلالة لفسادهم فى الاعتقاد وبانكار الحق وفساد الاعتقاد ساء حال اكثر العباد فى اكثر البلاد خصوصا فى هذه الاعصار فعلى العاقل ان يجيب دعوة الله ودعوة رسوله قولا وعملا وحالا واعتقادا حتى يفوز بالمرام ويدخل دار السلام ولا يكون كالذين ارادوا ان يتداركوا الحال بعد مضى الفرصة
ملوث مكن دامن از كرد شوى ... كه ناكه زبالا بيندند جوى
مكو مرغ دولت زقيدم بجست ... هنوزش سر رشته دارى بدست
وكردير شد كزم روباش وجست ... زدير آمدن غم ندارد درست
المراد الترغيب فى التوبة ولو فى الشيب وقرب الموت(12/360)
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13)
{ هو } تعالى وحده { الذى يريكم آياته } دلائل قدرته وشواهد وحدته فى الانفس والآفاق رعاية لمصالح اديانكم وفيه اشارة الى ان ليس للانسان ان يرى ببصيرته حقائق الاشيا الا بارآءة الحق تعالى اياه { وينزل لكم من السماء رزقا } اى سبب رزق وهو المطر مراعاة لمصالح ابدانكم فان آيات الحق بالنسبة الى حياة الاديان بمنزلة الارزاق بالنسبة الى حياة الابدان { وما يتذكر } التذكر بند كرفتن اى ما يتعظ وما يعتبر بتلك الآيات الباهرة ولا يعمل بمقتضاها { الا من ينيب } يرجع الى الله تعالى عن الانكار ويتفكر فيما اودعه فى تضاعيف مصنوعاته من شواهد قدرته الكاملة ونعمته الشاملة الظاهرة والباطنة الموجبة لتخصيص العبادة به تعالى ومن ليس كذلك وهو المعاند فهو بمعزل من التذكر والاتعاظ فاذا كان الامر كذلك اى كما ذكر من اختصاص التذكر بمن ينيب(12/361)
فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14)
{ فادعوا الله } فاعبدوه ايها المؤمنون { مخلصين له الدين } اى حال كونكم مخلصين له دينكم وطاعتكم من الشرك والالتفات الى ما سواه بموجب انابتكم اليه وايمانكم به { ولو كره الكافرون } ذلك وغاظهم اخلاصكم ( قال الكاشفى ) واكرجه كار هند كافران واخلاص شمادر توحيد اوزيرا كه ايشان بنعمت ايمان كافرند وشما بران نعمت شاكر بس ميان شما منافرتست واعمال واقوال شما مرغوب ومحبوب ايشان نيست جنانجه كردار وكفتار ايشان نيز در نزدشما مكروه ومبغوض است
زاهدى در سماع رندان بود ... زان ميان كفت شاهد بلخى
كر ملولى زما ترش منشين ... كه توهم درميان ما تلخى
وفى الآية اشارة الى ان المدعو من الله تعالى ينبغى ان يكون لذاته تعالى مخلصا غير مشوب بشىء من مقاصد الدنيا والآخرة ولو كان على كراهة كافر النفس فانها تميل الى مشاربها
خلاف طريقت بود كاوليا ... تمنا كنند از خدا جز خدا
فلا بد من الاخلاص مطلقا فاعمل لربك خالصا طيبا فانه طيب لا يقبل الا الطيب وفى الحديث « يؤجر ابن آدم فى نفقته كلها الا شيأ وضعه فى الماء والطين » قال حضرت الشيخ صدر الدين القنوى قدس سره فى كشف سر هذا لحديث وايضاح معناه اعلم ان صور الاعمال اعراض جواهرها مقاصد العمال وعلومهم واعتقاداتهم ومتعلقات هممهم وهذا الحديث وان كان من حيث الصيغة مطلقا فالاحوال والقرآئن تخصصه وذلك ان بناء المساجد والرباطات ومواضع العبادات يؤجر البانى لها عليها بلا خلاف
جون بود قصدش از ريا منفك ... مزديابد بران عمل بيشك
فالمراد بالمذكور هنا انما هو البناء الذى لم يقصد صاحبه الا تنزه والانفساح والاستراحة والرياء والسمعة واذا كان كذلك فمطمح همة البانى ومقصده لا يتجاوز هذا العلم فلا يكون لبنائه ثمرة ونتيجة فى الآخرة لأنه لم يقصد امرا ورآء هذه الدار فافعاله اعراض زآئلة لا موجب لتعديها من هنا الى الآخرة فلا اثمار لها فلا اجر وبالفارسية
هركه ميخواهد از عمارت كل ... فسحت دار و نزهت منزل
يا تفاخر ميانه اقران ... كه بناكرد مسجدى ويران
جون باخلاص همت عامل ... متجاوز نشد زعالم كل
نفقاتش درآب وكل موضوع ... ماند واوزاجران بود مقطوع
بلكه درحج وعمره وصلوات ... جون بود بهر عاجلت نفقات
همه ماند درآب وكل مرهون ... ندهد اجر صانع بيجون
هركرا از عمارت كل وآب ... هست مصود كسب قرب وثواب
جون زكل در كذشت همت وى ... نفقاتش همه رود دربى
نفقاتش جو قطع كرد اين راه ... عندكم بود كشت عند الله
كل ما كان عندكم ينفد ... دام ما عنده الى السرمد
قال تعالى { ما عندكم ينفد وما عند الله باق } والمرجو من الله تعالى ان يجعلنا من اهل الاختصاص بفيض كمال الاخلاص(12/362)
رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15)
{ رفيع الدرجات } خبر آخر لقوله هو والرفيع صفة مشبهة اضيفت الى فاعلها بعد النقل الى فعل بالضم كما هو المشهور وتفسيره بالرافع ليكون من اضافة اسم الفاعل الى المفعول بعيد فى الاستعمال كما فى الارشاد والدرجة مثل المنزلة لكن يقال للمنزلة درجة اذا اعتبرت بالصعود دون الامتداد على نحو درجة السطح والسلم قاله الراغب وفى انوار المشارق الدرجة ان كانت بمعنى المرقاة فجمعها درج وان كانت بمعنى المرتبة والطبقة فجمعها درجات واختلف العلماء فى تفسير هذه الآية ففى الارشاد هو تعالى رفيع الدرجات ملائكته اى مرتفعة معارجهم ومقاعدهم الى العرش وفى تفسير ابى الليث خالق السموات ورافعها مطلقا بعضها فوق بعض من طبق الى طبق خمسمائة عام ( وفى كشف الاسرار ) بر دارنده درجهاى بندكانست وبر يكديكر جه در دنيا جه در عقبا در دنيا آنست كه كفت ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم يعنى بر داشت شمارا زير يكديكر درجهاى افزونى يكى را بدانش يكى رابنسب يكى را بمال يكىرا بشرف يكى را بصورت يكى را بقوت جاى ديكر كفت وفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا يعنى برداشتيم ايشانرا بريكديكر درعز ومال در رزق ومعيشت يكى مالك يكى مملوك يكى خادم يكى مخدوم يكى فرمانده يكى فرمانبر اما درجات آنست كفت وللآخرة اكبر درجات واكبر تفضيلا هركه دردنيا بمعرفت وطاعت افزونتردر عقبى بحق نزد يكتر وكرامت وى بيشتر فهو رافع الدرجات فى الدنيا بتفاوت الطبقات وفى العقبى بتباين المراتب والمقامات روى ان اسفل اهل الجنة درجة ليعطى مثل ملك الدنيا كلها عشر مرار وانه ليقول اى رب لو اذنت لى اطعمت اهل الجنة وسقيتهم لم ينقص ذلك مما عندى شيأ وان له من الحور العين ثنتين وسبعين زوجة سوى ازواجه من الدنيا وقال بعضهم رافع درجات انبباست عليهم السلام درجه آدم را بصفوت بر داشت ونوح را بدءوت وابراهيم رابخلت وموسى را بقربت وعيسى را بزهادت ومحمد را بشفاعت وقال بعضهم رافع درجات العصاة بالنجاة والمطيعين بالمثوبات وذى الحاجات بالكفايات والاولياء بالكرامات والعارفين بالارتقاء عن الكونين والمحبين بالفناء عن المحبية والبقاء بالمحبوبية عزيزى فرموده كه لا يوجد البقاء الا بالفناء تا شربت فنا ننوشى
بنوش درد فناكر بقاهمى خواهى ... كه زاد راه بقاى دردى خراباتست
زحال خويش فناشود درين ره اىعطار ... كه باقى ره عشاق فانى الذاتست
يقول الفقير حقيقة الآية عند السادت الصوفية قدس الله اسرارهم انه تعالى رفيع درجات اسمائه وصفاته وطبقات ظهوراته فى تنزلاته واسترسالاته فانه تعالى خلق العقل الاول وهو اول ما وجد من الكائنات وهو آدم الحقيقى الاول والروح الكلى المحمدى والعلم الاعلى وهو اول موجود تحقق بالنعم الالهية وآخر الموجودات تحققا بهذه النعم هو عيسى عليه السلام لأنه لا خليفة لله بعده الى يوم القيامة بل لا يبقى بعد انتقاله وانتقال من معه مؤمن على وجه الارض فضلا عن ولى كامل وفى الحديث(12/363)
« لا تقوم الساعة وفى الارض من يقول الله الله » اى الملازم الذكر لا الذاكر فى الجملة فلا بد للمصلى من أن يستحضر عند قوله صراط الذين انعمت عليهم جميع من انعم الله عليه من العلم الاعلى الى عيسى ثم خلق الله النفس الكلية التى فى الاجسام الجزئية وبواسطتها ظهر الفعل والانفعال فى الاشياء ثم الهباء ثم الشكل الكلى وهو الهيولى الجسمية ثم جسم الكلى ثم الفلك الاطلس الذى هو العرش الكريم ثم الكرسى على ما ذكره داود القيصرى واما حضرة الشيخ صدر الدين القنوى قدس سره فلم يجعل الفلك الاطلس هو العرش بعينه فالترتيب عنده العرش ثم الكرسى ثم فلك الاطلس سمى به لخلوه عن الكواكب كخلو الاطلس عن النقش ثم المنازل ثم سماء كيوان ثم سماء المشترى ثم سماء المريخ ثم سماء الشمس ثم سماء الزهرة ثم سماء عطارد ثم سماء القمر ثم عنصر النار ثم عنصر الهوآء ثم عنصر الماء ثم عنصر التراب ثم المعدن ثم النبات ثم الحيوان ثم الملك ثم الجن ثم الانسان الذى هو مظهر الاسم الجامع ثم ظهر فى مرتبته التى هى مظهر الاسم الرفيع فتم الملك والمكوت وهذه الحقائق كلها درجات الهية ومراتب رحمانية دل عليها قوله تعالى رفيع الدرجات { ذو العرش } خبر آخر لقوله هو اى هو تعالى مالك العرش العظيم المحيط باكناف العالم العلوى والسفلى وله اربعمائة ركن من الركن الى الركن اربعمائة الف سنة خلقه فوق السموات السبع وفوق الكرسى اظهارا لعظمته وقدرته لا مكانا لذاته فانه الآن على ما كان عليه وانما ذكره على حد العقول لأن العقول لا تصل الا الى مثله والا فهو اقل من خردلة فى جنب جلاله تعالى وعظمته ايضا خلقه ليكون مطافا لملائكته وليكون قبلة الدعاء ومحل نزول البركات لأنه مظهر لاستوآء الرحمة الكلية ولذا ترفع الايدى الى السماء وقت الدعاء لأنه بمنزلة ان يشير سائل الى الخزانة السلطانية ثم يطلب من السلطان ان يفيض عليه سجال العطاء من هذه الخزانة قال العلماء يكره النظر الى السماء فى الصلاة واما فى غيرها فكرهه بعض ولم يكرهه الاكثرون لأن السماء قبلة الدعاء وايضا خلقه ليكون موضع كتاب الابرار كما قال تعالى { ان كتاب الابرار لفى عليين } وليكون مرءآة للملائكة فانهم يرون الآدميين من تلك المرءآة ويطلعون على احوالهم كى يشهدوا عليهم يوم القيامة وليكون ظلة لاهل المحشر من الابرار والمقربين يوم تبدل السموات والارض وليكون محلا لاظهار شرف محمد صلى الله تعالى عليه وسلم كما قال تعالى(12/364)
{ عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا } وهو مقام تحت العرش فيه يظهر اثر الشفاعة العظمى للمؤمنين ويقال ان الله تعالى رفع من كل شىء شيأ المسك من الطيب والعرش من الاماكن والياقوت من الجواهر والشمس من الانوار والقرءآن من الكتب والعسل من الحلوى والجمعة من الايام وليلة القدر من الليالى والتوحيد من المقال والصلاة من الفعال ومحمدا عليه السلام من الرسل وامته من الامم هذا اذا كان العرش بمعنى الجسم المحيط ويقال العرش الملك والبسطة والعز يقال فلان ثل عرشه اى زالت قوته ومكنته وروى أن عمر رضى الله عنه رؤى فى المنام فقيل له ما فعل الله بك قال لولا ان تداركنى الله لثل عرشى فيكون معنى ذو العرش على ما فى التأويلات النجمية ذو الملك العظيم لأنه تعالى خلقه ارفع الموجودات واعظمها جثة اظهارا للعظمة وايضا ذو عرش القلوب فانها العرش الحقيقى لأن الله تعالى استوى على العرش بصفة الرحمانية ولا شعور للعرش به واستوى على قلوب اوليائه بجميع الصفات وهم العلماء بالله مستغرقين فى بحر معرفته فاذا كان العرش الصورى والمعنوى فى قبضة قدرته وهو مستولٍ عليه ومتصرف فيه لا مالك ولا متصرف له غيره لا يصح ان يشرك به مطلقا بل يجب ان يعبد ظاهرا وباطنا حقا وصدقا { يلقى الروح } بيان لانزال الرزق المعنوى الروحانى من الجانب العلوى بعد بيان انزال الرزق الجسمانى منه ولذا وصف نفسه بكونه رفيع الدرجات وذا العرش لأن آثار الرحمة مطلقا انما تظهر من جانب السماء خصوصا العرش مبدأ جميع الحركات والمعنى ينزل الوحى الجارى من القلوب منزلة الروح من الاجساد فكما ان الروح سبب لحياة الاجسام كذلك الوحى سبب لحياة القلوب فان حياة القلوب انما هى بالعارف الالهية الحاصلة بالوحى فاستعير الروح للوحى لأنه يحيى به القلب بخروجه من الجهل والحيرة الى المعرفة والطمأنينة وسمى جبرائيل روحا لأنه كان يأتى الانبياء بما فيه حياة القلوب وسمى عيسى روح الله لأنه كان من نفخ جبرائيل واضيف الى الله تعظيما
واعلم أن ما سوى الله تعالى اما جسمانى واما روحانى والقسمان مسخران تحت تسخيره تعالى اما الجسمانى فاعظمه العرش فقوله ذو العرش يدل على استيلائه على جميع عالم الاجسام كله وقوله يلقى الروح يدل على أن الروحانيات ايضا مسخرات لامره فان جبرائيل اذا كان مسخرا له فى تبليغ الوحى الى الانبياء وهو من افاضل الملائكة فما ظنك بغيره واما الوحى نفسه فهو من الامور المعنوية وانما يتصور بصورة اللفظ عند الالقاء { من امره } بيان للروح الذى اريد به الوحى فانه امر بالوحى وبعث للمكلف عليه فيما يأتيه ويذره فليس المراد بالامر هنا ما هو بمعنى الشان او حال منه اى حال كونه ناشئا ومبتدأ من امره تعالى { على من يشاء من عباده } وهو الذى اصطفاه لرسالته وتبليغ الاحكام اليهم وقال الضحاك الروح جبرائيل اى يرسله الى من يشاء من اجل امره يخاطب بهذا من كره نبوة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وفى التأويلات النجمية روح الدراية للمؤمنين وروح الولاية للعارفين وروح النبوة للنبيين وفى الآية دليل على ان النبوة عطائية لا كسبية وكذا الولاية فى الحقيقة اذ لا ينظر الى الاسباب الخارجة بل الى الاختصاص الالهى { لينذر } غاية للالقاء اى لينذر الله تعالى او الملقى عليه او الروح والانذار دعوة ابلاغ مع تخويف { يوم التلاق } اما ظرف للمفعول الثانى اى لينذر الناس العذاب يوم التلاق وهو يوم القيامة او هو المفعول الثانى اتساعا او اصالة فانه من شدة هوله وفظاعته حقيق بالانذار اصالة وسمى يوم القيامة يوم التلاق لانه تتلاقى فيه الارواح والاجساد واهل السموات والارض والعابدون والمعبودون والعاملون والاعمال والاولون والآخرون والظالمون والمظلومون واهل النار مع الزبانية(12/365)
يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)
{ يوم هم بارزون } بدل من يوم التلاق يقال برز بروزا خرج الى البراز اى الفضاء كتبرز وظهر بعد الخفاء كبرز بالكسر اى خارجون من قبورهم او ظاهرون لا يسترهم شىء من جبل او اكمة او بناء لكون الارض يومئذ مستوية ولا عليهم ثياب انما هم عراة مكشوفون كما فى الحديث « يحشرون حفاة عراة غرلا » جمع حاف وهو من لا نعل له وجمع عار وهو من لا لباس عليه وجمع اغرل وهو الاقلف الذى لم يختن اى غير مختونين الا قوما ماتوا فى الغربة مؤمنين لم يزنوا فانهم يحشرون وقد كسوا ثيابا من الجنة وقوما ايضا من امة محمد عليه السلام فانه عليه السلام قال يوما « بالغوا فى اكفان موتاكم فان امتى يحشر باكفنها وسائر الامم حفاة عراة » { لا يخفى على الله منهم شىء } ما من اعيانهم واعمالهم الجلية والخفية السابقة واللاحقة مع كثرتهم كما قال تعالى { يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية } وكانوا فى الدنيا يتوهمون انهم اذا استتروا بالحيطان والحجب فان الله لا يراهم ويخفى عليه اعمالهم فهم يومئذ لا يتوهمون ذلك اصلا { لمن الملك اليوم } اى يقال حين بروزهم وظهور احوالهم اى ينادى مناد لمن الملك اليوم فيجيب اى ذلك المنادى بعينه ويقول { لله الواحد القهار } او يجيبه اهل المحشر مؤمنهم وكافرهم لحصول العلم الضرورى بالوحدانية للكافر ايضا لكن الكافر يقوله صغارا وهوانا وعلى سبيل التحسر والندامة والمؤمن ابتهاجا وتلذذا اذ كان يقوله فى الدنيا ايضا وهذا يسمى سؤال التقرير وقيل ان المجيب ادريس عليه السلام فان قلت كيف خص ذلك بيوم مخصوص والملك لله فى جميع الايام والاوقات قلت هو وان كان لله فى جميع الايام الا انه سبحانه ملك عباده فى الدنيا ثم تكون دعاويهم منقطعة يوم القيامة لا يدعى مدع ملكا ولا ملكا يومئذ ولذا قال لمن الملك اليوم ( قال فى كشف الاسرار ) دران روز رازها آشكار شود بردهاى متواريان درند توانكران بى شكررا درمقام حساب بدارند ودرويشان بى صبررا جامه نفاق ازسر بر كشند آتش فضيحت درطيلسان عالمان بى عمل زنند خاك ندامت برفرق قراء مرائى ريزنديكى ازخاك وحشت بيرون مىآيد جنانكه خا كستر ازميان آتش يكى جنانكه درازميان صدف يكى ميكويد اين الفرار من الله يكى ميكويد اين الطريق الى الله يكى ميكويد ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها يكى ميكويد الحمد لله الذى اذهب عنا الحزن آن روز بادشاهان روى زمين رامى آرند ودست سلطنت ايشان برشته عزل بربسته ندا آيدكه بادشاهى كراسزدمكران واحد قهار راكه برهمه شاهان بادشاهست وبادشاهىء وى نه بحشم وسباهست سلطان جهان بملك ومال وبنعمت وسوار وبياده ودركاه فخر كنند وملك الهى برخلاف اينست كه اوجل جلاله رسوم كون را آتش بينيازى درزند وعالم راهباء منثور كرداند وتيغ قهر بر هياكل افلاك زند ندادهد كه لمن الملك اليوم كراز هره آن بودكه اين خطاب را جواب دهد جزاو اى مسكين قيامت كه سران وسرهنكان دين را دربناه كرم الهى جاى دهد ندانم كه ترابان سينه آلوده وعمل شوريده كجانسانند ورختت كجا نهند اى مسكين اكر بى مارى آخر ناله كو واكر درباطنت آتشيست دودى كو واكر مرد بازركانى سالها بر امد سودى كوطيلسان موسى ونعلين هارونت جه سود جون بزير رداء فرعون دارى صد هزار(12/366)
ويجوز ان يكون قوله لمن الملك اليوم الخ حكاية لما دل عليه ظاهر الحال فى ذلك اليوم من زوال الاسباب وارتفاع الوسائط اذ لولا الاسباب لما ارتاب المرتاب واما حقيقة الحال فناطقة بذلك دائما وقيل السائل والمجيب هو الله تعالى وحده وذلك بعد فناء الخلق فيكون ابتداء كلام من الله تعالى وههنا لطيفة وهى ان سورة الفاتحة نصفها ثناء لله ونصفها دعاء للعبد فاذا دعا واحد يجب على الآخر التأمين فاذا قلت ولا الضالين كأنه يقول ينبغى ان اقول آمين فكن انت يا عبدى نائبا عنى وقل آمين واذا كان يوم القيامة واقول انا لمن الملك اليوم يجب عليك ان تقول لله الواحد القهار وانت فى القبر فاكون انا نائبا عنك واقول لله الواحد القهار قال ابن عطاء لولا سوء طبائع الجهال وقلة معرفتهم لما ذكر الله قوله لمن الملك اليوم فان الملك لم يزل ولا يزال له وهو المالك على الحقيقة وذلك لما جهلوا حقه وحجبوا عن معرفته وشاهدوا الملك وحقيقته فى الآخرة الجأهم الاضطرار الى ان قالوا لله الواحد القهار فالواحد الذى بطل به الاعداد والقهار الذى قهر الكل على العجز بالاقرار له بالعبودية طوعا وكرها قال شيخى وسندى روح الله روحه فى قوله لله الواحد القهار ترتيب انيق فان الذات الاحدية تدفع بوحدتها الكثرة وبقهرها الآثار فيضمحل الكل فلا يبقى انيق فان الذات الاحدية تدفع بوحدتها الكثرة وبقهرها الآثار فيضمحل الكل فلا يبقى سوى الله تعالى وفى التأويلات النجمية يوم هم بارزون اى خارجون من وجودهم بالفناء لا يخفى على الله منهم شىء من وجودهم عند افنائه حتى لا يبقى له غير الله فيقول الله تعالى لمن الملك اليوم يعنى ملك الوجود وهذا المقام الذى اشار اليه الجنيد قدس سره بقوله مافى الوجود سوى الله فاذا لم يكن لغير الله ملك الوجود يكون هو الداعى والمجيب فيقول لله الواحد القهار لأنه تعالى تجلى بصفة القهارية فما بقى الداعى ولا المجيب غير الله
جامى معاد ومبدأ ما وحدتست وبس ... ما درميانه كثرت موهوم والسلام(12/367)
الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)
{ اليوم تجزى كل نفس بما كسبت } اما من تتمة الجواب او حكاية لما سيقوله تعالى يومئذ عقيب السؤال والجواب اى تجزى كل نفس من النفوس البرة والفاجرة من خير أو شر { لا ظلم اليوم } بنقص ثواب او زيادة عذاب يعنى نه از ثواب كسى كم كنند ونه بر عقاب كسى افزايند ونه كسى رابكناه كسى بكيرند ونه نيكى راباداش بدى دهند { ان الله سريع الحساب } اى سريع حسابه تماما اذ لا يشغله تعالى شأن عن شأن فيحاسب الخلائق مع كثرتهم فى اقرب زمان ويصل اليهم ما يستحقونه سريعا فيكون تعليلا لقوله تعالى اليوم تجزى الخ فان كون ذلك اليوم بعينه يوم التلاق ويوم البروز ربما يودهم استبعاد وقوع الكل فيه وعن ابن عباس رضى الله عنه اذا أخذ فى حسابهم لم يقل اهل الجنة الا فيها ولا اهل النار الا فيها قوله لم يقل من قال يقيل قيلولة وهى النوم فى نصف النهار ( قال فى كشف الاسرار ) هركه اعتقاد كردكه اورا روزى دربيش است كه دران روز باوى سؤالى وجوابى وحسابى وعتابى هست وشب وروز بيقرار بود دمبدم مشغول ومستغرق كار بود ميزان تصرف از دست فرونهد بعيب كس ننكرد همه عيب خودرا مطالعه كند همه حساب خود كند در خبراست حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا وتهيئوا للعرض الاكبر يكى از بزركان دين روى نامه نوشت و درخانه عاريتى بود كفتا خواستم كه آن راخاك بر كنم تاخشك شود بر خاطرم كذشت نبايد كه فردا از عهده اين مظلمه بيرون نتوانم آمدها نفى آواز داد سيعلم المستخف بترتيب الكتاب ما يلقى عند الله غدا من طول الحساب آرى فردا روز عرض وحساب بداندكه جه كرد آنكس كه نامه خويش بخاك خانه كسان خشك كرد وفى الحديث « يقول الله انا الملك انا الديان لا ينبغى لأحد من اهل الجنة ان يدخل الجنة ولا لأحد من اهل النار ان يدخل النار وعنده مظلمة حتى اقتص منه » وتلا عليه السلام هذه الآية وفى بعض الروايات لأقتص من القرناء للجماء اى قصاص مقابلة لا تكليف
در وعده اهل ظلم حالى عجبست ... ورزيدن ظلم را وبالى عجبست
از ظلم برهيزكه درروز جزا ... لا ظلم اليوم كوشمالى عجبست(12/368)
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18)
{ وانذرهم } خوفهم يا محمد يعنى اهل مكة { يوم الآزفة } منصوب على انه مفعول به لانذرهم لانه المنذر به والآزفة فاعلة من ازف الامر على حد علم اذا قرب والمراد القيامة ولذا انث ونظيره ازفت الآزفة اى قربت القيامة وسميت بالآزفة لازوفها وهو القرب لأن كل آت قريب وان استبعد اليائس امده وفى الحديث « بعثت انا والساعة كهاتين ان كادت لتسبقنى »
والاشارة بهاتين الى السبابة والوسطى يعنى ان ما بينى وبين الساعة بالنسبة الى ما مضى من الزمان مقدار فضل الوسطى على السبابة شبه القرب الزمانى بالقرب المساحى لتصوير غاية قرب الساعة ثم فى الازوف اشعار بضيق الوقت ولذا عبر عن القيامة بالساعة وقيل اتى امر الله فعبر عنها بلفظ الماضى تنبيها على قربها وضيق وقتها كما فى المفردات وقال بعضهم انذرهم يوم الخطة الآزمة اى وقتها وهى مشارقة اهل النار دخولها والخطة بالضم الامر والقصة واكثر ما يستعمل فى الامور العصبة التى تستحق ان تخط وتكتب لغرابتها كما فى حواشى سعدى المفتى { اذ القلوب لدى الحناجر } جمع حنجرة وهى الحلقوم وهى بالفارسية كلو . والجملة بدل من يوم الآزفة فان القلوب ترتفع عن اماكنها من شدة الفزع فتلتصق بحلوقهم فلا تعود فيستروحوا ويتنفسوا ولا تخرج فيستريحوا بالموت وقيل يلتفخ السحر خوفا اى الرئة فيرتفع القلب الى الحنجرة { كاظمين } حال من اصحاب القلوب على المعنى اذ الاصل اذ قلوبهم لدى حناجرهم بناء على أن التعريف اللامى بدل من التعريف الاضافى يقال كظم غيظه اى رد غضبه وحبسه فى نفسه بالصبر وعدم اظهار الاثر والمعنى كاظمين على الغم والكربة ساكتين حال امتلائهم بهما يعنى لا يمكنهم ان ينطقوا ويصرحوا بما عندهم من الحزن والخوف من شدة الكربة وغلبة الغم عليهم فقوله اذ القلوب لدى الحناجر تقرير للخوف الشديد وقوله كاظمين تقرير للعجز عن الكلام فان الملهوف اذا قدر على الكلام وبث الشكوى حصل له نوع خفة وسكون واذا لم يقدر عظم اضطرابه واشتد حاله { ما للظالمين } اى الكافرين { من حميم } اى قريب مشفق يعنى هيج خويشى مشفق ويار مهربان عذاب ايشان را دفع كند { ولا شفيع يطاع } وشفيع مشفع على معنى نفى الشفاعة والطاعة معا وعلى ان يطاع مجاز عن يجاب وتقبل شفاعته لأن المطيع فى الحقيقة يكون اسفل حالا من المطاع وليس فى الوجود من هو اعلى حالا من الله تعالى حتى يكون مطاعا له تعالى وفى الآية بيان أن لا شفاعة فى حق الكفار لأنها وردت فى ذمهم وانما قيل للظالمين موضع للكافرين وان كان اعم منهم ومن غيرهم من العصاة بحسب الظاهر تسجيلا لهم بالظلم ودلالة على اختصاص انتفاء كل واحد من الحميم والشفيع المشفع بهم فثبت أن لعصاة المسلمين حميما وشفيعا ومشفعا وهو النبى عليه السلام وسائر الانبياء والمرسلين والاولياء المقربين والملائكة اجمعين(12/369)
يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)
{ يعلم } ميداند خداى تعالى { خائنة الاعين } اى النظرة الخائنة للاعين واسناد الخيانة الى النظرة مجاز لأن الخائن هو الناظر او يعلم خائنة الاعين على انها مصدر كالعافية كقوله تعالى { ولا تزال تطلع على خائنة منهم } والخيانة مخالفة الحق بنقض العهد فى السر ونقيضها الامانة والمراد هنا استراق النظر الى غير المحرم كفعل اهل الريب والنظرة الثانية اليه وفى الخبر « يا ابن آدم لك النظرة الاولى » معفوة لوقوعها مفاجأة دون الثانية لكونها مقارنة للقصد وهى من قبيل زنى النظر ( وفى المثنوى )
كرزناى جشم حظى مى برى ... نى كباب از بهلوى خود ميخورى
وذلك لأن النظر سهم مسموم من سهام ابليس والنظرة تزرع فى القلب شهوة وكفى بها فتنة ( قال الكاشفى )
جشم نظر بانجه حرامست ياغمز كردن بمعايب مردم اى الرمز بالعين على وجه العيب
دوجشم از بى صنع بارى نكوست ... زعيب برادر فروكير و دوست
يا كذب در رؤيت وعدم رؤيت يعنى يدعى الرؤية كاذبا او ينكرها وفى التأويلات النجمية خائنة اعين المحبين استحسانهم شيأ غير المحبوب والنظر الى غير المحبوب وفى معناها قيل
فعينى اذا استحسنت غيركم ... امرت الدموع بتأديبها
حكى أن بعضهم مر بدكان وفيه نطاق معلق فتعلق به نظره فاستحسنه ثم لما تباعد عن الدكان فقد النطاق من محله فاتبعه صاحب الدكان ففتش عنه فوجده على وسطه وكان ذلك عقوبة من الله عليه لاستحسانه ذلك النطاق حتى اتهم بسرقته وعوقب عليه قال ابو عثمان خيانة العين هو ان لا يغضها عن المحارم ويرسلها الى الهوى والشهوات وقال ابو بكر الوارق يعلم من يمد عينيه الى الشىء معتبرا ومن يمد عينيه لارادة الشهوة وقال ابو جعفر النيسابورى زنى العارف نظره بالشهوة امام قشيرى فرمودكه خيانت جشمهاى محبان آنست كه درأوقات مناجات خواب را بيرا من آن كذا رند جنانكه در زبور آمده كه دروغ كويد هركه دعوى محبت من كند وجون شب درآيد جشم او بخواب رود ( ع ) ومن نام عينا نام عنه وصالنا
خواب رابا ديده عاشق جه كار جشم اوجون شمع باشد اشكبار ... جشمهاى عاشقا نرا خواب نيست
يك نفس ان جشمهابى آب نيست ... { وما تخفى الصدور } من الضمائر والاسرار مطلقا خيرا كانت او شرا ثبت بهذا ان افعال القلوب معلومة لله تعالى وكذا افعال الجوارح تكون لأن اخفاها وهى خائنة الاعين اذا كانت معلومة لله تعالى وكذا افعال الجوارح تكون لأن اخفاها وهى خائنة الاعين اذا كانت معلومة لله تعالى فعلمه تعالى سائر افعال الجوارح يكون اولى والحاكم اذا بلغ فى العلم الى هذا الحد وجب ان يكون خوف المجرم منه اشد واقوى فقوله تعالى يعلم الخ فى قوة التعليل للامر بالانذار وفى التأويلات النجمية وما تخفى الصدور من متمنيات النفوس ومستحسنات القلوب ومرغوبات الارواح فالحق به خبير ويكون السالك موقوفا بها حتى يخرج من تعلقها وقال بعضهم خيانته فى الصدور أن لا يصير فى مقام القبض ليجرى عليه احكام الحقيقة ثم ينكشف له عالم البسط فقد وصف الله خيانة العيون وخفايا الصدور وقال(12/370)
{ لا يخفى عليه شىء } من ذلك وذلك ان العين باب من ابواب القلب فاذا رأت شيأ يكون حظ القلب منه يعلم ذلك نفسه فيطلب الحظ منه ومن القلب الى العين باب يجرى عليها حركة هواجس النفس تحتها على النظر الى شىء فيه لها نصيب فاذا تحققت ذلك علمت ان خيانة الاعين متعلقة بما تخفى الصدور واذا كان العارف عارفا بنفسه وراضها برياضات طويلة وطهرها بمجاهدات كثيرة وزمها بزمام الخوف وآداب الشريعة صارت صافية من حظوظها ولكن بقيت فى سرها جبلتها على الشهوات ففى كل لحظة يجرى فى سرها طلب حظوظها ولكنها سترتها عن العقل واخفتها عن الروح من خوفها فاذا وجدت الفرصة خرجت الى رؤية العين فتنظر الى مرادها فتسرق حظها من النظر الى المحارم وذلك النظر خفى وتلك الشهوة خفية وصفهما الله سبحانه فى هذه الآية واستعاذ منهما النبى عليه السلام حيث قال « اعوذ بك من شهوة خفية » ثم ان الروح العاشق اذا احتجب عن مشاهدة جمال الازل ينقبض ويطلب حظه ولا يقدر ان ينظر الى الحق فيطلب ذلك من الصورة الانسانية التى فيها آثار الروحانية فينظر من منظره الى منظر العقل ومن منظر العقل الى منظر القلب ومن منظر القلب الى منظر النفس ومن منظر النفس الى منظر الصورة وينظر من العين الى جمال المستحسنات لينكشف له ما استتر عنه من شواهد الحق فتذهب النفس معه وتسرق بحثه حظها من النظر بالشهوة فذلك النظر منها غير مرضى فى الشرع والطريقة والحقيقة وكذا نظر الروح الى الحق بالوسائط خيانة فيلزم عليه أن يصبر على الانقباض الى أن يتجلى له جمال الحق بغير واسطة ( قال الشيخ سعدى )
جرا طفل يك روزه هوشش نبرد ... كه در صنع ديدن جه بالغ جه خرد
محقق همى بيند اندر ابل ... كه درخوبرويان جين وجكل
ومن الله التوفيق لنظر التحقيق(12/371)
وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20)
{ والله يقضى } يحكم { بالحق } اى بالصدق والعدل فى حق كل محسن ومسىء لانه المالك الحاكم على الاطلاق فلا يقضى بشىء الا وهو حق وعدل يستحقه المكلف ويليق به ففيه تشديد لخوف المكلف { والذين يدعون } اى يعبدونهم { من دونه } تعالى وهم الاصنام وبالفارسية وآنانهم راكه مى برستند مشركان بدون خدا { لا يقضون بشىء } حكمى نمى كنند ايشان بجيزى زيرا كه اكر جماداند ايشانرا قدرت بدان نيست واكر حيوانند مخلوق ومملوك اند ومخلوق راقوت حكم وفرمان نيست وفى الارشاد هذا تهكم بهم لأن جمادا لا يقال فى حقه يقضى ولا يقضى { ان الله هو السميع البصير } تقرير لعلمه تعالى بخائنة الاعين وقضائه بالحق فان من يسمع ما يقولون ويبصر ما يفعلون اذا قضى قضى بالحق ووعيد لهم على ما يفعلون ويقولون وتعريض بحال ما يدعون من دونه فانهم عريانون عن التلبيس بهاتين الصفتين فكيف يكونون معبودين وفى الآية اشارة الى ان الله تعالى يقضى للاجانب بالبعاد وبالوصال لاهل الوداد ويخرج السالكين من تعلقات اوصافهم على ما قضى به وقدر فى الازل وان كان بواسطة ايمانهم واعمالهم الصالحة ان الله قد سمع سؤال الحوائج فى الازل وهم بعد فى العدم وكذا سمع انين نفوس المذنبين وحنين قلوب المحبين وابصر بحاجاتهم ثم انه لما بالغ فى تخويف الكفار باحوال الآخرة اردفه بالتخويف باحوال الدنيا فقال(12/372)
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21)
{ اولم يسيروا فى الارض } آياسفر نميكنند مشركان مكه درزمين شام ويمن براى تجارت { فينظروا } يجوز ان يكن منصوبا بالعطف على يسيروا وان يكون منصوبا على أنه جواب الاستفهام { كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم } اى مآل حال من قبلهم من الامم المكذبة لرسلهم كعاد وثمود وأضرابهم وكانت ديارهم ممر تجار قريش { كانوا هم اشد منهم قوة } قدرة وتمكنا من التصرفات وانما جيىء بضمير الفصل مع أن حقه التوسط بين معرفتين كقوله اولئك هم المفلحون لمضاهاة افعل من للمعرفة فى امتناع دخول اللام عليه { وآثارا فى الارض } مثل القلاع الحصينة والمدن المتينة { فأخذهم الله بذنوبهم } عاقبهم واهلكهم بسبب كفرهم وتكذيبهم { وما كان لهم من الله } من عذاب الله { من واق } يقيهم ويحفظهم(12/373)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22)
{ ذلك } اى ما ذكر من الاخذ { بانهم } اى بسبب انهم { كانت تأتيهم رسلهم بالبينات } اى بالمعجزات او بالاحكام الظاهرة { فكفروا } بها وكذبو رسلهم { فأخذهم الله } اخذا عاجلا { انه قوى } متمكن مما يريد غاية التمكن { شديد العقاب } لاهل الشرك لا يعتبر عقاب دون عقابه فهؤلاء قد شاهدوا مصارعهم وآثار هلاكهم فبأى وجه امنوا أن يصيبهم مثل ما اصابهم من العذاب
واعلم أن اهل السعادة قد شكروا الله على نعمة الوجود فزادهم نعمة الايمان فشكروا نعمة الايمان فزادهم نعمة الولاية فشكروا نعمة الولاية فزادهم نعمة القرب والمعرفة فى الدنيا ونعمة الجوار فى الآخرة واهل الشقاوة قد كفروا نعمة الوجود فعذبهم الله بالكفر والبعاد والطرد واللعن فى الدنيا وعذبهم فى الآخرة بالنار وانواع التعذيبات وفى قوله ذلك بانهم الخ اشارة الى أن بعض السالكين والقاصدين الى الله تعالى ان لم يصل الى مقصوده يعلم أن موجب حجابه وحرمانه اعتراض خامر قلبه على شيخه او على غيره من المشايخ فى بعض اوقاته ولم يتداركه بالتوبة والانابة فان الشيوخ بمحل الانبياء للمريدين وفى الخبر الشيخ فى قومه كالنبى فى امته ( وفى المثنوى )
كفت بيغمبر كه شيخى رفته بيش ... جونبى باشد ميان قوم خويش
انه قوى على الانتقام من الاعدآء للاولياء شديد العقاب فى الانتقام من الاعدآء وفى شرح الاسماء للزروقى القوى هو الذى لا يلحقه ضعف فى ذاته ولا فى صفاته ولا فى افعاله فلا يمسه نصب ولا تعب ولا يدركه قصور ولا عجز فى نقض ولا ابرام ومن عرف أن الله تعالى هو القوى رجع اليه عن حوله وقوته وخاصيته ظهور القوة فى الوجود فما تلاه ذو همة ضعفة الا وجد القوة ولا ذو جسم ضعيف الا كان له ذلك ولو ذكره مظلوم بقصد اهلاك الظالم الف مرة كان له ذلك وكفى امره(12/374)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23)
{ ولقد ارسلنا موسى } ملتبسا { بآياتنا } وهى المعجزات التسع { وسلطان مبين } اى وحجة قاهرة ظاهرة كالعصا افردت بالذكر مع اندراجها تحت الآيات تفخيما لشأنها فهو من قبيل عطف الخاص على العام(12/375)
إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24)
{ الى فرعون } بسوى فرعون كه اعظم عمالقه مصر بود ودعواى ربوبيت ميكرد { وهامان } وهامان وزير اوبود وخصهما بالذكر لأن الارسال اليهما ارسال الى القوم كلهم لكونهم تحت تصرف الملك والوزير تابعين لهما والناس على دين ملوكهم { وقارون } خص بالذكر لكونه بمنزلة الملك من حيث كثرة امواله وكنوزه ولا شك أن الارسال الى قارون متاخر عن الارسال الى فرعون وهامان لأنه كان اسرائيليا ابن عم موسى مؤمنا فى الاوآئل اعلم بنى اسرائيل حافظا للتوراة ثم تغير حاله بسبب الغنى فنافق كالسامرى فصار ملحقا بفرعون وهامان فى لكفر والهلاك فاحفظ هذا ودع ما قاله اكثر اهل التفسير فى هذا المقام { فقالوا } فى حق ما اظهره من المعجزات خصوصا فى امر العصا انه { ساحر } او ساحرست كه خارق عادت مى نمايد ازروى سحر وقالوا فيما ادعاه فى رسالة رب العالمين انه { كذاب } دروغ كويست درانكه مى كويد خداى هست ومن رسول اويم والكذاب الذى عادته الكذب بان يكذب مرة بعد اخرى ولم يقولوا سحار لأنهم كانوا يزعمون أنه ساحر وأن سحرتهم اسحر منه كما قالوا يأتوك بكل سحار عليم وفيه تسلية لرسول الله عليه السلام وبيان عاقبة من هو اشد من قريش بطشا واقربهم زمانا وفى التأويلات النجمية يشير بقوله ولقد ارسلنا الخ الى انه تعالى من عواطف احسانه يرسل افضل خلقه فى وقته الى من هو ارذل خلقه ويبعث اخص عباده الى اخس عباده ليدعوه الى حضرة جلاله لاصلاح حاله بفضله ونواله والعبد من خسة طبعه وركاكة عقله يقابله بالتكذيب وينسبه الى السحر والله تعالى اظهارا لحكمه وكرمه لا يعجل عقوبته ويمهله الى اوان ظهور شقوته فيجعله مظهر صفة قهره ويبلغ موسى كمال سعادته فيجعله مظهر صفة لطفه
نردبان خلق اين ما ومنيست ... عاقبت زين نردبان افتاد نيست
هركه سركش بود او مقهور شد ... هركه خالى بود او منصور شد(12/376)
فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (25)
{ فلما جاءهم بالحق من عندنا } وهو ما ظهر على يده من المعجزات القاهرة { قالوا } لاستكمال شقاوتهم { اقتلوا ابناء الذين آمنوا معه } اى تابعوه فى الايمان والقائل فرعون وذووا الرأى من قومه او فرعون وحده لأنه بمنزلة الكل كما قال سنقتل ابناءهم ونستحيى نساءهم { واستحيوا نساءهم } اى ابقوا بناتهم احياء فلا تقتلوهن وبالفارسية وزنده بكذارد دختران ايشابرا تا خدمت زنان قبط كنند والمعنى اعيدوا عليهم القتل وذلك أنه قد امر بالقتل قبيل ولادة موسى عليه السلام باخبار المنجمين بقرب ولادته ففعله زمانا طويلا ثم كف عنه مخافة ان تفنى بنوا اسرآئيل وتقع الاعمال الشاقة على القبط فلما بعث موسى واحس فرعون بنبوته اعاد القتل غيظا وحنقا وتادلهاى بنى اسرآئيل بشكند وموسى را يارى ندهند ظنا منهم انه المولود الذى حكم المنجمون والكهنة بذهاب ملك فرعون على يده { وما كيد الكافرين } فرعون وقومه او غيرهم اى وما مكرهم وسوء صنيعهم وبالفارسية بنسبت انيبا ومؤمنان { الا فى ضلال } مكر دركم راهى وبيهودكى اى فى ضياع وبطلان لا يغنى عنهم شيأ وينفذ عليهم لا محالة القدر المقدور والقضاء المحتوم وفى التأويلات النجمية عزم على اهلاك موسى وقومه واستعان على ذلك بجنده وخيله ورجله اتماما لاستحقاقهم العذاب ولكن من حفظ الحق تعالى كان كما قال { وما كيد الكافرين الا فى ضلال } اى في ازدياد ضلالتهم بربهم يشير الى أن من حفر بئرا لولى من اوليائه ما يقع فيه الا حافره وبذلك اجرى الحق سنته انتهى ( حكى ) أن مفتى الشام افتى بقتل الشيخ محيى الدين بن العربى قدس سره فدخل الحوض للغسل فظهرت يد فخنقته فاخرج من الحوض وهو ميت وحكى أن شابا كان يأمر وينهى فحبسه الرشيد فى بيت وسد المنافذ ليهلك فيه فبعد ايام رؤى فى بستان يتفرج فاحضره الرشيد فقال من اخرجك قال الذى ادخلنى البستان فقال من ادخلك البستان قال الذى اخرجنى من البيت فتعجب الرشيد فبكى وامر له بالاحسان وبأن يركب فرسا وينادى بين يديه هذا رجل اعزه الله واراد الرشيد اهانته فلم يقدر الا على اكرامه واحترامه(12/377)
وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26)
{ وقال فرعون } لملئه { ذرونى } خلوا عنى واتركونى يقال ذره اى دعه يذره تركا ولا تقل وذرا واصله وذره يذره كوسعه يسعه لكن ما نطقوا بماضيه ولا بمصدره ولا باسم الفاعل كما فى القاموس { اقتل موسى } فانى اعلم أن صلاح ملكى فى قتله وكان اذا هم بقتل موسى عليه السلام كفه ملأه بقولهم ليس هذا بالذى تخافه فانه اقل من ذلك واضعف وما هو الا بعض السحرة وبقولهم اذا قتلته ادخلت على الناس شبهة واعتقدوا أنك عجزت عن معارضته بالحجة وعدلت الى المقارعة بالسيف واوهم اللعين انهم هم الكافون له عن قتله ولولاهم لقتله وما كان الذى يكفه الا ما فى نفسه من الفزع الهائل وذلك أنه تيقن نبوة موسى ولكن كان يخاف ان هم بقتله أن يعاجل بالهلاك { وليدع ربه } الذى يزعم أنه ارسله كى يمنعه منى يعنى تاقتل من ازوبازدارد
وهو يخاف منه ظاهرا ويخاف من دعاء ربه باطنا والا فما له يقيم له وزنا ويتكلم بذلك { انى اخاف } ان لم اقتله { ان يبدل دينكم } اى يغير ما انتم عليه من الدين الذى هو عبارة عن عبادته وعبادة الاصنام لتقربهم اليه { او ان يظهر فى الارض الفساد } ما يفسد دنياكم من التحارب والتهارج ان لم يقدر على تبديل دينكم بالكلية فمعنى او وقوع احد الشيئين وفى الآية اشارة الى أن فرعون من عمى قلبه ظن أن الله يذره ان يقتل موسى بحوله وقوته او يذره قومه ولم يعلم أن الله يهلكه ويهلك قومه وينجى موسى وقومه وقد خاف من تبديل الدين او الفساد فى الارض ولم يخف هلاك نفسه وهلاك قومه وفساد حالهم فى الدارين(12/378)
وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27)
{ وقال موسى } اى لقومه حين سمع بما يقوله اللعين من حديث قتله عليه السلام { انى عذت } من بناه كرفتم وفرياد وزنهار خواستم
والعوذ الالتجاء الى الغير والتعلق به { بربى وربكم } خص اسم الرب لأن المطلوب هو الحفظ والتربية واضافته اليه واليهم للحث على موافقته فى العياذ به تعالى والتوكل عليه فان فى تظاهر النفوس تأثيرا قويا فى استجلاب الاجابة وهو السبب الاصلى فى اجتماع الناس لادآء الصلوات الخمس والجمعة والاعياد والاستسقاء ونحوها { من كل متكبر } متعظم عن الايمان وبالفارسية از هر كردن كشى
ولم يسم فرعون بل ذكره بوصف يعمه وغيره من جبابرة اركانه وغيرهم لتعميم الاستعاذة والاشعار بعلة القساوة والجرآءة على الله وهى التكبر وما يليه من عدم الايمان بالبعث
يقول الفقير واما قول الرازى وتبعه القاضى لم يسم فرعون رعاية لحق التربية التى كانت من فرعون له عليه السلام فى صغره فمدخول بان موسى عليه السلام قد شافهه باسمه فى غير هذا الموضع كما قال وانى لأظنك يا فرعون مثبورا وهذا اشد من قوله من فرعون على تقدير التسمية من حيث صدوره مشافهة وصدوره من فرعون مغايبة { لا يؤمن بيوم الحساب } صفة لما قبله عقبه به لأن طبع المتكبر القاسى وشأنه ابطال الحق وتحقير الخلق لكنه قد ينزجر اذا كان مقرا بالجزاء وخائفا من الحساب واما اذا اجتمع التكبر والتكذيب بالبعث كان اظلم واطغى فلا عظيمة الا ارتكبها فيكون بالاستعاذة اولى واحرى وسئل الامام ابو حنيفة رضى الله عنه اى ذنب اخوف على سلب الايمان قال ترك الشكر على الايمان وترك خوف الخاتمة وظلم العباد فان من كان فيه هذه الخصال الثلاث فالاغلب ان يخرج من الدنيا كافرا لا من ادركته السعادة وفى الخبر « ان الله تعال سخر الريح لسليمان عليه السلام فحملته وقومه على السرير حتى سمعوا كلام اهل السماء فقال ملك لآخر الى جنبه لو علم فى قلب سليمان مثقال ذرة من كبر لاسفله فى الارض مقدار ما رفعه من الارض الى السماء » وفى الحديث « ما من احد الا وفى رأسه سلسلتان احداهما الى السماء السابعة والاخرى الى الارض السابعة فاذا تواضع رفعه الله بالسلسلة التى فى السماء السابعة واذا تكبر وضعه الله بالسلسلة التى فى الارض السابعة » فالمتكبر ايا كان مقهور لا محالة كما يقال اول ما خلق الله درة بيضاء فنظر اليها بالهيبة فذابت وصارت ماء وارتفع زبدها فخلق منه الارض فافتخرة الارض وقالت من مثلى فخلق الله الجبال فجعلها اوتادا فى الارض فقهر الارض بالجبال فتكبرت الجبال فخلق الحديد وقهر الجبال به فتكبر الحديد فقهر بالنار فتكبرت النار فخلق الماء فقهرها به فتكبر الماء فخلق السحاب ففرق الماء فى الدنيا فتكبر السحاب فخلق الرياح ففرقت السحاب فتكبرت الرياح فخلق الآدمى حتى جعل لنفسه بيتا وكنا من الحر والبرد والرياح فتكبر الآدمى فخلق النوم فقهر به فتكبر النوم فخلق المرض فقهره به فتكبر المرض فخلق الموت فتكبر فقهره بالذبح يوم القيامة حيث يذبح بين الجنة والنار كما قال تعالى(12/379)
{ وانذرهم يوم الحسرة اذ قضى الامر } يعنى اذ ذبح الموت فالقاهر فوق الكل هو الله تعالى كما قال { وانا فوقهم قاهرون } ثم ان الكبر من اشد صفات النفس الامارة فلا بد من اذالته ( قال المولى الجامى )
لاف بى كبرى مزن كان از نشان باى مور ... درشب تاريك بر سنك سيه بنهان ترسب
وزدرون كردن برون آسان مكيرانرا كزان ... كوه راكندن بسوزن از زمين آسان ترست(12/380)
وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28)
{ وقال رجل } جون خبر قتل موسى فاش شد و دستان اندوهكير و دشمنان شادمان كشتند
ولكن لما استعاذ موسى عليه السلام بالله واعتمد على فضله ورحمته فلا جرم صانه الله من كل بلية واوصله الى كل امنية وقيض له انسانا اجنبيا حتى ذب عنه باحسن الوجوه فى تسكين تلك الفتنة كما حكى الله عنه بقوله وقال رجل { مؤمن } كائن { من آل فرعون } فهو صفة ثانية لرجل وقوله يكتم ايمانه صفة ثالثة قدم الاول اعنى مؤمن لكون اشرف الاوصاف ثم الثانى لئلا يتوهم خلاف المقصود وذلك لأنه لو اخر عن يكتم ايمانه لتوهم أن من صلته فلم يفهم أن ذلك الرجل كان من آل فرعون وآل الرجل خاصته الذين يؤول اليه امرهم للقرابة او الصحبة او الموافقة فى الدين وكان ذلك الرجل المؤمن من اقارب فرعون اى ابن عمه وهو منذر موسى بقوله ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك كما سبق فى سورة القصص واسمه شمعان بالشين المعجمة وهو اصح ما قيل فيه قاله الامام السهيلى وفى تاريخ الطبرى اسمه جبر وقيل حبيب النجار وهو الذى عمل تابوت موسى حين ارادت امه ان تلقيه فى اليم وهو غير حبيب النجار صاحب يس وقيل خربيل بن نوحائيل او حزقيل ويدل عليه قوله عليه السلام « سباق الامم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين حزقيل مؤمن آل فرعون وحبيب النجار صاحب يس وعلى بن ابى طالب كرم الله وجهه وهو رضى الله عنه افضلهم » كما فى انسان العيون نقلا عن العرآئس وقال ابن الشيخ فى حواشيه روى عن النبى عليه السلام أنه قال « الصديقون ثلاثة حبيب النجار ومؤمن آل يس ومؤمن آل فرعون الذى قال اتقتلون رجلا ان يقول ربى الله والثالث ابو بكر الصديق وهو افضلهم » انتهى . يقول الفقير يمكن ان يقال لا مخالفة بين هاتين الروايتين لما أن المراد تفضيل ابى بكر فى الصديقية وتفضيل على فى السبق وعدم صدور الكفر عنه ولو لحظة فافضلية كل منهما من جهة اخرى ثم أن الروايتين دلتا على كون ذلك الرجل قبطيا وايضا أن فرعون اصغى الى كلامه واستمع منه ولو كان اسرآئيليا لكان عدوا له فلم يكن ليصغى اليه قال فى التكملة فان قلت الآل قد يكون فى غير القرابة بدليل قوله تعالى { ادخلوا آل فرعون اشد العذاب } ولم يرد الاكل من كان على دينه من ذوى قرابته وغيرهم فالجواب أن هذا الرجل لم يكن من اهل دين فرعون وانما كان مؤمنا فاذا لم يكن من اهل دينه فلم يبق لوصفه بأنه من آله الا ان يكون من عشيرته انتهى وقيل كان اسرآئيليا ابن عم قارون او أبوه من آل فرعون وامه من بنى اسرائيل فيكون من آل فرعون صلة يكتم وفيه انه لا مقتضى هنا لتقديم المتعلق وايضا أن فرعون كان يعلم ايمان بنى اسرائيل ألا ترى الى قوله ابناء الذين آمنوا معه فكيف يمكنهم ان يفعلوا كذلك مع فرعون وملئه لا خوفا بل ليكون كلامه بمحل من القبول وكان قد آمن بعد مجيىء موسى او قبله بمائة سنة وكتمه فلما بلغه خبر قصد فرعون بموسى قال { اتقتلون رجلا } اتقصدون قتله ظلما بلا دليل والاستفهام انكارى { ان يقول } اى لأن يقول او كراهة ان يقول { ربى الله } وحده لا شريك له والحصر مستفاد من تعريف طرفى الجملة مثل صديقى زيد لا غير { وقد جاءكم بالبينات } اى والحال أنه قد جاءكم بالمعجزات الظاهرة التى شاهدتموها { من ربكم } لم يقل من ربه لأنهم اذا سمعوا أنه جاءهم بالبينات من ربهم دعاهم ذلك الى التأمل فى امره والاعتراف به وترك المكابرة معه لأن ما كان من قبل رب الجميع يجب اتباعه وانصاف مبلغه وعن عروة بن الزبير قال قلت لعبد الله بن عمر رضى الله عنهما حدثنى باشد شىء صنعه المشركون برسول الله عليه السلام قال اقبل عقبة بن ابى معيط ورسول الله يصلى عند الكعبة او لقيه فى الطواف فأخذ بمجامع ردآئه عليه السلام فلوى ثوبه على عنقه وخنقه خنقا شديدا وقال له انت الذى تنهانا عما يعبد آباؤنا فقال عليه السلام(12/381)
« انا ذاك » فاقبل ابو بكر رضى الله عنه فأخذ بمنكبيه عليه السلام والتزمه من ورآئه ودفعه عن رسول الله وقال اتقتلون رجلا ان يقول ربى الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم رافعا صوته وعيناه تسفحان دمعا اى تجريان حتى ارسلوه وفيه بيان أن ما تولى ابو بكر من رسول الله كان اشد مما تولاه الرجل المؤمن من موسى لأنه كان يظهر ايمانه وكان بمجمع طغاة قريش وحكى ابن عطية فى تفسيره عن ابيه أنه سمع ابا الفضل ابن الجوهرى على المنبر يقول وقد سئل ان يتكلم فى شىء من فضائل الصحابة رضى الله عنهم فاطرق قليلا ثم رفع رأسه فقال
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن يقتدى
ماذا ترون من قوم قرنهم الله تعالى بنبيه وخصهم بمشاهدته وتلقى الروح وقد اثنى الله على رجل مؤمن من آل فرعون كتم ايمانه واسره فجعله فى كتابه واثبت ذكره فى المصاحف لكلام قاله فى مجلس من مجالس الكفر واين هو من عمر بن الخطاب رضى الله عنه اذ جرد سيفه بمكة وقال والله لا اعبد الله سرا بعد اليوم فكان ما كان من ظهور الدين بسيفه ثم اخذهم الرجل المؤمن بالاحتجاج من باب الاحتياط بايراده فى صورة الاحتمال من الظن بعد القطع بكون قتله منكرا فقال { وان يك كاذباً فعليه كذبه } لا يتخطاه وبال كذبه وضرره فيحتاج فى دفعه الى قتله يعنى أن الكاذب انما يقتل اذا تعدى ضرر كذبه الى غيره كالزنديق الذى يدعو الناس والمبتدع الذى يدعو الناس الى بدعته وهذا لا يقدر على ان يحمل الناس على قبول ما اظهره من الدين لكون طباع الناس آبية عن قبوله ولقدرتكم على منعه من اظهار مقالته ودينه { وان يك صادقا } فى قوله فكذبتموه وقصدتم له بسوء { يصبكم بعض الذى يعدكم } اى ان لم يصبكم كله فلا اقل من اصابة بعضه وفى بعض ذلك كفاية لهلاكهم فذكر البعض ليوجب الكل لا أن البعض هو الكل وهذا كلام صادر عن غاية الانصاف وعدم التعصب ولذلك قدم من شقى الترديد كونه كاذبا وصرح باصابة البعض دون الجميع مع أن الرسول صادق فى جميع ما يقوله وانما الذى يصيب بعض ما يعده دون بعض هم الكهان والمنجمون ويجوز ان يكون المعنى يصبكم ما يعدكم من عذاب الدنيا وهو بعض ما يعدهم لأنه كان يتوعدهم بعذاب الدنيا والآخرة كأنه خوفهم بما هو ظهر احتمالا عندهم وفى عين المعانى لأنه وعد النجاة بالايمان والهلاك بالكفر وقد يكون البعض بمعنى الكل كما فى قوله(12/382)
قد يدرك المتأنى بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل
وقوله تعالى { ولأبين لكم بعض الذى تختلفون فيه } اى جميعه وفى قوله تعالى { يريد الله ان يصيبكم ببعض ذنوبكم } اى بكلها كما فى كشف الاسرار وقال ابو الليث بعض هنا صلة يريد يصبكم الذى يعدكم { ان الله لا يهدى من هو مسرف } وهو الذى يتجاوز الحد فى المعصية او هو السفاك للدم بغير حق { كذاب } وهو الذى يكذب مرة بعد اخرى وقيل كذاب على الله لان الكذب عليه ليس كالكذب على غيره وهو احتجاج آخر ذو وجهين احدهما أنه لو كان مسرفا كذابا لما هداه الله تعالى الى البينات ولما ايده بتلك المعجزات وثانيهما انه ان كان كذلك خذله الله واهلكه فلا حاجة لكم الى قتله ولعله اراهم وهو عاكف على المعنى الاول لتلين شكيمتهم وقد عرض به لفرعون لأنه مسرف حيث قتل الابناء بلا جرم كذاب حيث ادعى الالوية لا يهديه الله سبيل الصواب ومنهاج النجاة بل يفضحه ويهدم امره(12/383)
يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)
{ يا قوم } اى كروه من { لكم الملك } والسلطنة { اليوم } حال كونكم { ظاهرين } غالبين عالين على بنى اسرائيل والعامل فى الحال وفى قوله اليوم ما تعلق به لكم { فى الارض } اى ارض مصر لا يقاومكم احد فى هذا الوقت { فمن } بس كيست كه { ينصرنا من بأس الله } من اخذه وعذابه { ان جاءنا } اى فلا تفسدوا امركم ولا تتعرضوا لبأس الله بقتله فانه ان جاءنا لم يمنعنا منه احد وانما نسب ما يسرهم من الملك والظهور فى الارض اليهم خاصة نظم نفسه فى سلكهم فيما يسوءهم من مجيىء بأس الله تطبيقا لقلوبهم وايذانا بأنه مناصح لهم ساع فى تحصيل ما يجديهم ودفع ما يرديهم سعيه فى حق نفسه ليتأثروا بنصحه { قال فرعون } بعدما سمع نصحه اضرابا عن المجادلة وبالفارسية كفت فرعون مرآن مومن راكه ازقتل موسى نهى كرد وجمعى ديكرراكه نزدوى حاضر بودند { ما اريكم } اى ما اشير عليكم { الا ما ارى } واستصبو به من قتله قطعا لمادة الفتنة { وما اهديكم } بهذا الرأى { الا سبيل الرشاد } اى الصواب فهو من الرأى يقال رأى فيه رأيا اعتقد فيه اعتقادا ورآءيته شاورته ولما يقل رأى من الرأى الى باب افعل عدى الى الضمير المنصوب ثم اسثنى استثناء مفرغا فقيل الا ما ارى ويجوز ان يكون من الرؤية بمعنى العلم يقال رآه بعينه اى ابصره ورآه بقلبه اى علمه فيتعدى الى مفعولين ثانيهما الا ما ارى والمعنى لا اعلمكم الا ما اعلم ولا اسر عنكم خلاف ما اظهره ولقد كذب حيث كان مستشعرا للخوف الشديد ولكنه كان يظهر الجلادة وعدم المبالاة ولولاه لما استشار احدا ابدا ( وفى المثنوى ) ان استشارة كانت من عادته حتى أنه كان يلين قلبه فى بعض الاوقات من تأثير كلام موسى عليه السلام فيميل الى الايمان ويستشير امرأته آسية فتشير عليه بالايمان ومتابعة موسى ويستشير وزيره هامان فيصده عن ذلك ( وفى المثنوى )
بس بكفتى تاكنون بودى خديو ... بند كردى زنده بوشى را بريو
همجوسنك منجنيقى آمدى ... آن سخن برشيشه خانه اوزدى
هرجه صدروز آن كليم خوش خصاب ... ساختى دريكدم او كردى خراب
عقل تودستور مغلوب هواست ... درو جودت رهزن راه خداست
واى آن شه كه وزير شن اين بود ... جاى هردو دوزخ بركين بود
مرهوا راتووزير خود مساز ... كه برارد جان باكت ازنمار
شاد آن شاهى كه اورادستكير ... باسداندركارجون آصف وزير
شاه عادل جون قرين اوشود ... نام او نور على نور بود
شاه جون فرعون وهامانش وزير ... هردورا نبود زبد بختى كزير
بس بود ظلمات بعضا فوق بعض ... نىخرد يارونى دولت روز عرض
نسأل الله زكاء الروح وصفاء القلب(12/384)
وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30)
{ وقال الذى آمن } من آل فرعون مخاطبا لقومه واعظا لهم وفى الحديث « افضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائز » وذلك من اجل علة الخوف والقهر ولأن الجهاد بالحجة والبرهان اكبر من الجهاد بالسيف والسنان { يا قوم } اى كروه من { انى اخاف عليكم } فى تكذيب موسى عليه السلام والتعرض له بسوء كالقتل والاذى { مثل يوم الاحزاب } مثل ايام الامم الماضية يعنى وقائعهم العظيمة وعقوباتهم الهائلة على طريق ذكر المحل وارادة الحال فان قلت الظاهر ان يقال مثل ايام الاحزاب اذ لكل حزب يوم على حدة قلت جمع الاحزاب مع تفسيره بالطوآئف المختلفة المتباينة الازمان والاماكن اغنى عن جمع اليوم اذ بذلك ارتفع الالتباس وتبين أن المراد الايام(12/385)
مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31)
{ مثل دأب قوم نوح } الدأب العادة المستمر عليها والشان ومثل بدل من الاول والمراد بالدأب واليوم واحد اذ المعنى مثل حال قوم نوح وشانهم فى العذاب وبالفارسية مانند حال كروه نوح كه بطوفان هلاك شدند { وعاد } وكروه عادكه بباد صرصر مستأصل كشتند { وثمود } وقوم ثمودكه بيك صيحه مردند { والذين من بعدهم } ومانند حال آنانكه ازبس ايشان بودند جون اهل مؤتفكه كه شهر ايشان زود بركشت وجون اصحاب ايكه كه بعذاب يوم الظلة كرفتار شدند { وما الله يريد ظلما للعباد } فلا يهلكم قبل ثبوت الحجة عليهم ولا يعاقبهم بغير ذنب ولا يخلى الظالم منهم بغير انتقام بس شماهم ظلم مكنيد تا معذب نكرديد(12/386)
وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32)
{ ويا قوم انى اخاف عليكم يوم التناد } اصله يوم التنادى بالياء على أنه مصدر تنادى القوم بعضهم بعضا تناديا بضم الدال ثم كسر لاجل الياء وحذف الياء حسن فى الفواصل وهو بالفارسية يكديكررا آوازدادن
ويوم نصب على الظرف اى من ذلك اليوم لما فيه من العذاب على المصرين والمؤذين او على المفعول به اى عذاب يوم التناد حذف المضاف واقيم المضاف اليه مقامه فاعرف فاعرابه والمراد بيوم التناد يوم القيامة لأنه ينادى فيه بعضهم بعضا للاستغاثة كقولهم فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا
وهيج كس بفرياد كس نمى رسد
او يتصايحون بالويل والثبور بنحو قولهم يا ويلنا من بعثنا وما لهذا الكتاب او يتنادى اصحاب الجنة واصحاب النار يعنى ينادى اصحاب الجنة اصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا من الجنة والنعيم المقيم حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم من عذاب النار حقا قالوا نعم ونادى اصحاب النار اصحاب الجنة ان افيضوا علينا من الماء او مما رزقكم الله ( قال الكاشفى ) يابعدازذبح موت نداكنندكه يا اهل الجنة خلود ولا موت ويا اهل النار خلود ولا موت يادر آنروز منادى ندا كنندكه فلان نيك بخت شدكه هر كزبد بخت نشود وفلان بدبختى كشت كه تابدنيك بختى نيابد(12/387)
يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)
{ يوم تولون } بدل من يوم التناد يعنى روزى كه بر كردانيده شويد ازموقف حساب وبرويد { مدبرين } حال كونكم منصرفين عنه الى النار يعنى باز كشتكان ازانجا بسوى دوزخ وحال كونكم { مالكم من الله من عاصم } اى مالكم من عاصم يعصمكم من عذابه تعالى ويحفظكم { ومن يضلل الله } وهركراخدا فرود كذارد درضلالت { فما له من هاد } يهديه الى طريق النجاة قاله لما ايس من قبولهم وفى الآيات اشارة الى أن الله تعالى اذا شاء بكمال قدرته اظهارا لفضله ومنته يخرج الحى من الميت كما اخرج من آل فرعون مؤمنا حيا قلبه بالايمان من بين كفار اموات قلوبهم بالكفر ليتحقق قوله تعالى { ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها } واذا شاء اظهارا لعزته وجبروته يعمى ويصم الملوك والعقلاء مثل فرعون وقومه لئلا يبصروا آيات الله الظاهرة ولا يسمعوا الحجج الباهرة مثل ما نصحهم بها مؤمن آلهم ليتحقق قوله تعالى ومن يضلل الله فما له من هاد وقوله { ولكن حق القول منى } الاية كما فى التأويلات النجمية واسند الاضلال الى الله تعالى لأنه خالق الضلالة وانما الشيطان ونحوه من الوسائط فالجاهل يرى القلم مسخرا للكاتب والعارف يعلم أنه مسخر فى يده لله تعالى لأنه خالق الكاتب والقلم وكذا فعل الكاتب وفى قوله تعالى فما له من هاد اشارة الى أن التوفيق والاختيار للواحد القهار فلو كان لآدم لاختار قابيل ولو كان لنوح لاختار كنعان ولو كان لابراهيم لاختار آزر ولو كان لموسى لاختار فرعون ولو كان لمحمد عليه وعليهم السلام لاختار عمه ابا طالب يقال سبعة عام وسبعة فى جنبها خاص الامر عام والتوفيق خاص والنهى عام والعصمة خاص والدعوة عام والهداية خاص والموت عام والبشارة خاص والحشر يوم القيامة عام والسعادة خاص وورود النار عام والنجاة منها خاص والتخليق عام والاختيار خاص يعنى ليس كل من خلقه الله اختاره بل خص منه قوما وكذا خلق امورا واشياء فخص منها البعض ببعض الخواص ثم العجب أن مثل موسى عليه السلام يكون وسط قومه لا يهتدون به وذلك لأن صاحب المرة لا يجد حلاوة العسل والضرير لا يرى الشمس وليس ذلك الا من سوء المزاج وفساد الحال وفقدان الاستعداد
عنكبوت از طبع عنقا داشتى ... ازلعابى خيمه كى افراشتى
ثم قال مؤمن آل فرعون بطريق التوبيخ(12/388)
وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34)
{ ولقد جاءكم } يا اهل مصر { يوسف } بن يعقوب بن اسحق بن ابراهيم الخليل عليهم السلام { من قبل } اى من قبل موسى { بالبينات } بالمعجزات الواضحة التى من جملتها تعبير الرؤيا وشهادت الطفل على برآءة ذمته وقد كان بعث الى القبط قبل موسى بعد موت الملك وكان فرعون هو فرعون موسى عاش الى زمانه وذلك لأن فرعون موسى عمر اكثر من اربعمائة سنة وكان بين ابراهيم وموسى تسعمائة سنة على ما رواه ابن قتيبة فى كتاب المعارف فيجوز ان يكون بين يوسف وموسى مدة عمر فرعون تقريبا فيكون الخطاب لفرعون وجمع لأن المجيىء اليه بمنزلة المجيىء الى قومه والا فأهل عصر موسى لم يروا يوسف بن يعقوب والاظهر على نسبة احوال الآباء الى الاولاد وتوبيخ المعاصرين بحال الماضين اى ولقد جاء ايها القبط آباءكم الاقدمين وهذا كما قال الله تعالى { فلم تقتلون انبياء الله من قبل } وانما اراد به آباءهم لأنهم هم القاتلون ثم لا يلزم من هذا ان يكون فرعون موسى من اولاد فرعون يوسف على ما ذهب اليه البعض وقيل المراد يوسف بن افرائيم بن يوسف الصديق اقام نبيا عشرين سنة { فما زلتم } من زال ضد ثبت اى دمتم { فى شك مما جاءكم به } من الدين الحق { حتى اذا هلك } بالموت يعنى تاآنكاه كه بمرد { قلتم } ضما الى تكذيب رسالته تكذيب رسالة من بعده { لم يبعث الله من بعده رسولا } وقال الكاشفى جون سخن اين رسول نشنيديم ديكرى نخواهد آمد ازترس آنكه در قول او تردد كنيم
وفى الآية اشارة الى أن فى الانسان ظلومية وجهولية لو خلى وطبعه لا يؤمن بنبى من انبياء ولا بمعجزاتهم انها آيات الحق تعالى وهذه طبيعة المتقدمين والمتأخرين منهم وانما المهتدى من يهديه الله بفضله وكرمه ومن انكارهم الطبيعى انهم ما آمنوا بنبوة يوسف فلما هلك انكروا ان يكون بعده رسول الله وذلك من زيادة شقاوة الكافرين كما ان من كمال سعادة المؤمنين أن يؤمنوا بالانبياء قبل نبيهم { كذلك } اى مثل ذلك الاضلال الفظيع { يضل الله } كمراه سازد خداى تعالىدر بوادىء طغيان { من هو مسرف } فى عصابة { مرتاب } فى دينه شاك فى معجزات انبيائه لغلبة الوهم والتقليد(12/389)
الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)
{ الذين يجادلون فى آيات الله } بدل من الموصول الاول لأنه بمعنى الجمع اذ لا يريد مسرفا واحدا بل كل مسرف والمراد بالمجادلة رد الآيات والطعن فيها { بغير سلطان } متعلق بيجادلون اى بغير حجة وبرهان صالحة للتمسك بها فى الجملة { أتاهم } صفة سلطان { كبر } عظم من هو مسرف مرتاب او الجدال { مقتا } اى من جهة البغض الشديد والنفور القوى { عند الله وعند الذين آمنوا } قال ابن عباس رضى الله عنه بمقتهم الذين آمنوا بذلك الجدال { كذلك } اى مثل ذلك الطبع الفظيع { يطبع الله } مهر مىنهد خداى تعالى وازهدى محجوب ميكند { على كل قلب متكبر جبار } برهردل شخص متكبركه سركش انداز فرمان بردارى خودكامه كه خودرا ازديكران برتردانند
فيصدر عنه امثال ما ذكر من الاسراف والارتياب والمجادلة بالباطل قال الراغب الجبار فى صفة الانسان يقال لمن جبر نقيصته اى اصلحها بادعاء منزلة من التعالى لا يستحقها وهذا لا يقال الا على طريقة الذم ويسمى السطان جبارا لقهره الناس على ما يريده او لاصلاح امورهم فالجبر تارة يقال فى الاصلاح المجرد وتارة فى القهر المجرد وقال ابو الليث على قلب كل متكبر جبار ومثله فى كشف الاسرار حيث قال بالفارسية بردل هر كردن كشى
فقوله قلب بغير تنوين باضافته الى متكبر لأن المتكبر هو الانسان وقرأ بعضهم بالتنوين بنسبة الكبر الى القلب على أن المراد صاحبه لأنه متى تكبر القلب تكبر صاحبه وبالعكس والخبر « زنى العينين النظر » يعنى زنى صاحبهما قال فى الكواشى وكل على القرآءتين لعموم الطبع جميع القلب لا لعموم جميع القلوب
يقول الفقير اعلم أن الطابع هو الله تعالى والمطبوع هو القلب وسبب الطبع هو التكبر والجبارية وحكمه ان لا يخرج من القلب ما فيه من الكفر والنفاق والزيغ والضلال فلا يدخل فيه ما فى الخارج من الايمان والاخلاص والسداد والهدى وهو اعظم عقوبة من الله عليه فعلى العاقل ان يتشبث بالاسباب المؤدية الى شرح الصدر لا الى طبع القلب قال ابراهيم الخواص قدس سره دوآء القلب خمسة قرآءة القرآن بالتدبر وخلاء البطن وقيام الليل والتضرع الى الله عند السحر ومجالسة الصالحين وقال الحسن البصرى حادثوا هذه القلوب بذكر الله فانها سريعة الدثور وهو بالفارسية زثنك افكندن كارد وشمشير والمحادثة بزدودن
وهذا بالنسبة الى القلب القابل للمحادثة اذ رب قلب لا يقبل ذلك
آهنى راكه موريانه بخورد ... نتوان برد ازوبصقل زنك
باسيه دل جه سود كفتن وعظ ... نرود ميخ آهنين درسنك
وفى الحديث « انى ليغان على قلبى وانى لاستغفر الله فى كل يوم مائة مرة » وقد تكلموا فى تأويله عن الجنيد البغدادى قدس سره ان العبد قد ينتقل من حال الى ارفع منها وقد يبقى من الاولى بقية يشرف عليها من الثانية فيصححها ويقال بين العبد والحق ألف مقام او مائة من نور وظلمة فعلى هذا كان عليه السلام كلما جاز عن مقام استغفر فهو يقطع جميع الحجب كل يوم وذلك يدل على نهاية بلوغه الى حد الكمال وجلالة قدره عند الملك المتعال(12/390)
يقول الفقير لعل الغين اشارة الى لباس البشرية والماهية الامكانية الساتر للقلب عن شهود حضرة الاحدية ولما كان عليه السلام بحيث يحصل له الانكشاف العظيم كل يوم من مائة مرتبة وهى مراتب الاسماء الحسنى باحديتها لم يكن على قلبه اللطيف غين اصلا واشار بالاستغفار الى مرتبة التبديل اى تبديل الغين بالمعجمة عينا بالمهملة والعلم شهودا فصار المقام بحيث كان له غين فازاله بالاستغفار ارشادا للامة والا فلا غين فى هذالمقام والاستغفار وان وهمه العامى قليل الاستبصار وفى الآية ذم للمتكبر والجبار وقال عليه السلام « يحشر الجبارون والمتكبرون يوم القيامة فى صورة الذر يطأهم الناس لهوانهم على الله » وذلك لان الصورة المناسبة لحال المتكبر الجبار صورة الذر كما لا يخفى على اهل القلب(12/391)
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36)
{ وقال فرعون } لوزيره قصدا الى صعود السموات لغاية تكبره وتجبره ( قال الكاشفى ) بس در اثناى مواعظ خربيل فرعون انديشه كردكه ناكاه سخن در مستمعان اثر نكند وزير خودراطلبيد وخودرا ومردم بجيز ديكر مشغول كردانيد { يا هامان } قال فى كشف الاسرار كان هامان وزير فرعون ولم يكن من القبط ولا من بنى اسرآئيل يقال انه لم يغرق مع فرعون وعاش بعده زمانا شقيا محزونا يتكفف الناس { ابن } امر من بنى يبنى يعنى بناكن { لى } براىمن { صرحا } اى بناء مكشوفا ظاهرا على الناظر عاليا مشيدا بالآجر كما قال فى القصص فاوقد لى يا هامان على الطين فاجعل لى صرحا ولهذا كره الآجر فى القبور كما فى عين المعانى اى لأن فرعون اول من اتخذه وهوه من صرح الشىء بالتشديد اذا ظهر فانه يكون لازما ايضا { لعلى } شايدكه من { ابلغ } برسم وصعود ميكنم { الاسباب } اى الطرق(12/392)
أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37)
{ اسباب السموات } بيان لها يعنى راها از آسمانى بآسمانى
وفى ابهامها ثم ايضاحها تفخيم لشأنها وتشويق للسامع الى معرفتها { فاطلع الى اله موسى } بقطع الهمزة ونصب العين على جواب الترجى اى انظر اليه ( قال فى تاج المصادر ) الاطلاع ديده ورشدن
وفى عين المعانى الاستعلاء على شىء لرؤيته { وانى لاظنه } اى موسى { كاذبا } فيما يدعيه من الرسالة
يقول الفقير لم يقل كذابا كما قال عند ارسالة اليه لأن القائل هنا هو فرعون وحده وحيث قال كذاب رجع المبالغة الى فرعون وهارون وقارون فافهم اعلم أن اكثر المفسرين حملوا هذا الكلام على ظاهره وذكروا فى كيفية بناء ذلك الصرح حكاية سبقت فى القصص وقال بعضهم ان هذا بعيد جدا من حيث أن فرعون ان كان مجنونا لم يجز حكاية كلامه ولا ارسال رسول يدعون وان كان عاقلا فكل عاقل يعلم بديهة انه ليس فى قوة البشر وضع بناء ارفع من الجبل وانه لا يتفاوت فى البصر حال السماء بين ان ينظر من اسفل الجبل ومن اعلاه فامتنع اسناده الى فرعون فذكروا لهذا الكلام توجهين يقربان من العقل الاول انه اراد ان يبنى له هامان رصدا فى موضع عال ليرصد منه احوال الكواكب التى هى اسباب سماوية تدل على الحوادث الارضية فيرى هل فيها ما يدل على ارسال الله اياه والثانى ان يرى فساد قول موسى عليه السلام بأن اخباره من اله السماء ويتوقف على اطلاعه عليه ووصوله اليه وذلك لى يتأتى الا بالصعود الى السماء وهو مما لا يقوى عليه الانسان وان كان اقدر اهل الارض كالملوك فاذا لم يكن طريق الى رؤيته واحساسه وجب نفيه وتكذيب من ادعى أنه رسول من قبله وهو موسى فعلى هذا التوجيه الثانى يكون فرعون من الدهرية الزنادقة وشبهته فاسدة لأنه لا يلزم من امتناع كون الحس طريقا الى معرفة الله امتناع معرفته مطلقا اذ يجوز ان يعرف بطريق النظر والاستدلال بالآثار كما قال ربكم آبائكم الاولين وقال رب المشرق والمغرب وما بينهما ولكمال جهل اللعين بالله وكيفية استنبائه اورد الوهم المزخرف فى صورة الدليل وقال الكلبى اشتغل فرعون بموسى ولم يتفرغ لبنائه وقال بعضهم قال فرعون ذلك تمويها وبعضهم قال لغلبة جهله والظاهر أن الله تعالى اذا شاء يعمى ويصم من شاء فخلى فرعون ونفسه ليتفرغ لبناء الصرح ليرى منه آية اخرى له وتتأكد العقوبة وذلك لأن الله تعالى هدمه بعد بنائه على ما سبق فى القصص وايضا هذا من مقتضى التكبر والتجبر الذى نقل عنه كما مثله عن بخت نصر فانه ايضا لغاية عتوه واستكباره بنى صرحا ببابل على ما سبقت قصته وايضا كيف يكون من الدهرية والمنقول المتواتر عنه أنه كان يتضرع الى الله تعالى فى خلوته لحصول مهامه ومن الله الفهم والعناية والدراية ويدل على ما ذكرنا ايضا قوله تعالى { وكذلك } اى ومثل ذلك التزيين البليغ المفرط { زين } آرايش داده شد { لفرعون سوء عمله } اى عمله السيىء فانهمك فيه انهماكا لا يرعوى عنه بحال { وصد } صرف ومنع { عن السبيل } اى سبيل الرشاد والفاعل فى الحقيقة هو الله تعالى وبالتوسط هو الشيطان ولذا قال زين لهم الشيطان اعمالهم وهذا عند اهل السنة واما عند المعتزلة فالمزين والصاد هو الشيطان { وما كيد فرعون } ونبود مكر فرعون درساختن قصر ودر ابطال آيات { الا فى تباب } اى خسار وهلاك وفى التأويلات النجمية يشير الى أن من ظن أن الله سبحانه وتعالى فى السماء كما ظن فرعون فانه فرعون وقته ولو لم يكن من المضاهاة بين من يعتقد أن الله سبحانه فى السماء وبين الكافر الا هذا لكفى به فى زيغ مذهبه وغلط اعتقاده فان فرعون غلط اذ توهم ان الله فى السماء ولو كان فى السماء لكان فرعون مصيبا فى طلبه من السماء وقوله وكذلك الخ يدل على أن اعتقاده بأن الله فى السماء خطأ وانه بذلك مصدود عن سبيل الله وما كيد فرعون فى طلب الله من السماء الا فى تباب اى خسران وضلال انتهى وعن النبى عليه السلام(12/393)
« ان الله تعالى احتجب عن البصائر كما احتجب عن الابصار وان الملأ الاعلى يطلبونه كما تطلبونه انتم » يعنى لو كان فى السماء لما طلبه اهل السماء ولو كان فى الارض لما طلبه اهل الارض فاذا هو الآن على ما كان عليه قبل من التنزه عن المكان وفى هدية المهديين اذا قال الله فى السماء واراد به المكان يكفر اتفاقا لأنه ظاهر فى التجسيم وان لم يكن نية يكفر عند اكثرهم وان اراد به الحكاية عن ظاهر الاخبار لا يكفر وعن معاوية بن الحكم السلمى رضى الله عنه أنه قال اتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقلت يا رسول الله ان جارية لى كانت ترعى غنما لى فجئتها وفقدت شاة من الغنم فسألتها عنها فقالت اكلها الذئب فاسفت عليها وكنت من بنى آدم فلطمتها اى على وجهها وعلى رقبتها أفاعتقها عنها فقال لها رسول الله « اين الله » فقالت فى السماء فقال « من انا » فقالت انت رسول الله فقال عليه السلام « اعتقها فانها مؤمنة »
اعلم انه قد دل الدليلى العقلى على استحالة حصر الحق فى اينية والشارع لما علم أن الجارية المذكورة ليس فى قوتها ان تتعقل موجدها الا على تصوير فى نفسها خاطبها بذلك ولو أنه خاطبها بغير ما تصورته فى نفسها لارتفعت الفائدة المطلوبة ولم يحصل القبول فكان من حكمته عليه السلام ان سأل مثل هذه الجارية بمثل هذا السؤال وبمثل هذه العبارة ولذلك لما اشارت الى السماء قال فيها انها مؤمنة يعنى مصدقة بوجود الله تعالى ولم يقل انها عالمة لانها صدقت قول الله(12/394)
{ وهو الله فى السموات } ولو كانت عالمة لم تقيده بالسماء فعلم أن للعالم ان يصحب الجاهل فى جهله تنزلا لعقله والجاهل لا يقدر على صحبته العالم بغير تنزل كذا فى الفتوحات المكية وفيه ايضا أنه لا يلزم من الايمان بالفوقية الجهة فقد ثبتت فانظر ماذا ترى وكن اهل السنة من الورى انتهى ( وفى المثنوى )
قرب نى بالانه بستى رفتن است ... قرب حق از حبس هستى رستن است
نيست راجه جاى بالا است وزير ... نيست را زود ونه جورست ونه دير
يقول الفقير يعرف من هذا الكلام أن وجود الاشياء وماهياتها الممكنة اعتبارى والاعتبارى لا وجود له حقيقة وانما يقوم بوجود الله تعالى متقيدا بالعدم بان يظهر فى اينية مخصوصة دون غيرها سبحانه فافهم(12/395)
وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38)
{ وقال الذى آمن } اى مؤمن آل فرعون { يا قوم اتبعون } فيما دللتكم عليه اصله يا قومى اتبعونى { اهدكم سبيل الرشاد } اى سبيلا يصل سالكه الى المقصود والرشد والرشاد الاهتدآء لمصالح الدين والدنيا وفيه تعريض بان ما يسلكه فرعون وقومه سبيل الغى والضلال وفيه اشارة الى ان لهداية مودعة فى اتباع الانبياء والاولياء وللولى ان يهدى سبيل الرشاد بتبعية النبى عليه السلام كما يهدى النبى اليه ومن الهداية قوله(12/396)
يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39)
{ يا قوم انما هذه الحياة الدنيا متاع } اسم بمعنى المتعة وهى التمتع والانتفاع لا بمعنى السلعة لأن وقوعه خبرا عن الحياة الدنيا يمنع منه اى تمتع يسير وانتفاع قليل لسرعة زوالها لأن الدنيا بأسرها ساعة فكيف عمر انسان واحد وبالفارسية بساط عيش اوباندك فرصتى در نور دند و نامه معاشرت اورا رقم ابطال درسر كشند
بباغ دهركه بس تازه رنك و خوش بويست ... مباش غره كه رنج خزان زبى دارد
زمان زمان بد مدريح نكبت و ادبار ... جه رنك و بوكه نشانى ازان نكذارد
قال محمد بن على الترمذى قدس سره لم تزل الدنيا مذمومة فى الامم السالفة عند العقلاء منهم وطالبوها مهانين عند الحكماء الماضية وما قام داع فى امة الا حذر متابعة الدنيا وجمعها والحب لها ألا ترى الى مؤمن آل فرعون كيف قال اتبعون اهدكم سبيل الرشاد كأنهم قالوا وما سبيل الرشاد قال انما هذه الخ يعنى لن تصل الى سبيل الرشاد وفى قلبك محبة للدنيا وطلب لها { وان الآخرة هى دار القرار } لخلودها ودوام ما فيها فالدآئم خير من المنقضى قال بعض العارفين لو كانت الدنيا ذهبا فانيا والآخرة خزفا باقيا لكانت الآخرة خيرا من الدنيا فكيف والدنيا خزف فان والآخرة ذهب باق وعن ابن مسعود رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نام على حصير فقام وقد اثر فى جسده فقال ابن مسعود رضى الله عنه يا رسول الله لو امرتنا ان نبسط لك لنفعل فقال « مالى وللدنيا وما أنا والدنيا الا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها » وعن انس بن مالك رضى الله عنه أن النبى عليه السلام قال « يا بنى اكثر ذكر الموت فانك اذا اكثرت ذكر الموت زهدت فى الدنيا ورغبت فى الآخرة وأن الآخرة دار قرار والدنيا غرارة والمغرور من اغتر بها »
توغافل در انديشه سود مال ... كه سرمايه عمر شد بايمال
جه خوش كفت باكودك آموزكار ... كه كارى نكرديم وشد روزكار(12/397)
مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40)
{ من } هركه { عمل } فى الدنيا { سيئة } كردارى بد { فلا يجزى } فى الآخرة { الا مثلها } عدلا من الله سبحانه فخلود الكافر فى النار مثل لكفره ولو ساعة لأبدية اعتقاده واما المؤمن الفاسق فعقابه منقطع اذ ليس على عزم ان يبقى مصرا على المعصية وفى الآية دليل على أن الجنايات سوآء كانت فى النفوس او الاعضاء او الاموال تغرم بامثالها والزآئد على الامثال غير مشروع { ومن عمل صالحا } وهو ما طلب به رضى الله تعالى اى عمل كان من الاعمال المشروعة { من ذكر او انثى } ذكرهما ترغيبا لهما فى الصالحات { وهو } اى والحال أنه { مؤمن } بالله واليوم الآخر جعل العمل عمدة والايمان حالا للايذان بانه لا عبرة بالعمل بدون الايمان اذ الاحوال مشروطة على ما تقرر فى علم الاصول { فاؤلئك } الذين عملوا ذلك { يدخلون الجنة يرزقون فيها } روزى داده شو نداز فوا كه با كيزه و مطاعم لذيذه { بغير حساب } اى بغير تقدير وموازنة بالعمل بل اضعافا مضاعفة فضلا من الله ورحمة وفى التأويلات النجمية بغير حساب اى مما لم يكن فى حساب العبد ان يرزق مثله وعن ابى هريرة رضى الله عنه أنه قال اخبرنى رسول الله عليه السلام أن اهل الجنة اذا دخلوها نزلوا فيها بفضل اعمالهم اى باعمالهم الفاضلة ثم يؤذن لهم فى مقدار يوم الجمعة من ايام الدنيا فيبرزون ويبرز لهم عرشه ويتبدى لهم فى روضة من رياض الجنة فتوضع لهم منابر من نور ومنابر من لؤلؤ ومنابر من ياقوت ومنابر من زبرجد ومنابر من ذهب ومنابر من فضة ويجلس ادناهم وما هو دنى على كثبان المسك والكافور ما يرون أن اصحاب الكراسى بافضل منهم مجلسا قال ابو هريرة رضى الله عنه قلت يا رسول الله وهل يرى ربنا قال « نعم هل تتمارون فى رؤية الشمس والقمر ليلة البدر » قلنا لا قال « كذلك لا تتمارون فى رؤية ربكم تبارك وتعالى » ولا يبقى فى ذلك المجلس رجل الا حاضره الله محاضرة حتى يقول للرجل منهم يا فلان ابن فلان أتذكر يوم قلت كذا وكذا فيذكره بعض عثراته فى الدنيا فيقول او لم تغفر لى فيقول بلى فبسعة مغفرتى بلغت منزلتك هذه فبينما هم على ذلك اذ غشيهم سحابة فامطرت عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه قط ويقول ربنا قوموا الى ما اعددت لكم من الكرامة فخذوا ما شتهيتم فنأتى سوقا قد حفت بالملائكة لم تنظر العيون الى مثلها ولم تسمع الاذان ولم يخطر على القلوب فيحمل لنا ما اشتهينا ليس يباع فيها ولا يشترى وفى ذلك السوق يلقى اهل الجنة بعضهم بعضا قال فيقبل الرجل ذو المنة المرتفعة فيلقى من هو دونه وما فيهم دنى فيروعه ما عليه من اللباس فما ينقضى آخر حديثه حتى يتخيل عليه ما هو احسن منه وذلك أنه لا ينبغى لأحد ان يحزن فيها ثم ننصرف الى منازلنا فيتلقانا ازواجنا فيقلن مرحبا واهلا لقد جئت وان ربك من الجمال ما هو افضل مما فارقتنا عليه فيقول انا جالسنا اليوم ربنا الجبار ويحق لنا ان ننقلب بمثل ما انقلبنا(12/398)
وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41)
{ ويا قوم } قال الكاشفى آل فرعون از سخنان خربيل فهم كردندكه ايما آورده است زبان ملامت بكشادندكه شرم ندارىكه از برستش فرعون روى بعبادت ديكرى مى آرى خربيل تكرار ندا كرداز روى تنبيه تا شايد از خواب غفلت بيدار شوند بس كفت اى كروه من { مالى } الاستفهام للتوبيخ { ادعوكم الى النجاة } من النار بالتوحيد { وتدعوننى الى النار } بالاشراك قوله ادعوكم فى موضع الحال من المنوى فى الخبر وتدعوننى عطف عليه ومدار التعجب دعوتهم اياه الى النار لا دعوته اياهم الى النجاة كأنه قيل اخبرونى كيف هذا الحال ادعوكم الى الخير وتدعوننى الى الشر وقد جعله بعضهم من قبيل مالى اراك حزينا اى مالك تكون حزينا فيكون المعنى مالكم ادعوكم الخ(12/399)
تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42)
{ تدعوننى لاكفر بالله } بدل والدعاء كالهداية بالى واللام { واشرك به ما ليس لى به } اى بشركته له تعالى فى المعبودية { علم } والمراد نفى المعلوم وهو ربوبية ما يزعمون اياه شريكا بطريق الكناية وهو من باب نفى الشىء بنفى لازمه وفيه اشعار بان الالوهية لا بد لها من برهان موجب للعلم بها { وانا ادعوكم الى العزيز } الذى لم يكن له كفوا احد واما المخلوقات فبعضها اكفاء بعض وايضا الى القادر على تعذيب المشركين { الغفار } لمن تاب ورجع اليه القادر على غفران المذنبين(12/400)
لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43)
{ لا جرم } هرآينه قاله الكاشفى وقال غيره كلمة لا رد لما دعوه اليه من الكفر والاشراك وجرم فعل ماض بمعنى حق وفاعله قوله تعالى { ان ما تدعوننى اليه } اى الى عبادته واشراكه { ليس له دعوة فى الدنيا ولا فى الآخرة } اى حق ووجب عدم دعوة آلهتكم الى عبادة نفسها اصلا ومن حق المعبود ان يدعو الناس الى عبادته بارسال الرسل وانزال الكتب وهذا الشأن منتف عن الاصنام بالكلية لأنها فى الدنيا جمادات لا تستطيع دعاء غيرها وفى الآخرة اذا انشأها الله حيوانا ناطقا تبرأ من عبدتها أو المعنى حق وثبت عدم استجابة دعوة لها اى ليس لها استجابة دعوة لا فى الدنيا بالبقاء والصحة والغنى ونحوها ولا فى الآخرة بالنجاة ورفعة الدرجات وغيرهما كما قال تعالى { ان تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم } فكيف تكون الاصنام ربا وليس لها قدرة على اجابة دعاء الداعين ومن شأن الرب استجابة الدعوات وقضاء الحاجات وقيل جرم بمعنى كسب وفاعله مستكن فيه اى كسب ذلك الدعاء الى الكفر والاشراك بطلان دعوته اى بطلان دعوة المدعو اليه بمعنى ما حصل من ذلك الا ظهور بطلان دعوته كأنه قيل انكم تزعمون أن دعاءكم الى الاشراك يبعثنى على الاقبال عليه وانه سبب الاعراض وظهور بطلانه وقيل جرم فعل من الجرم وهو القطع كما أن بد من لا بد فعل من التبديد والمعنى لا قطع لبطلان ألوهية الاصنام اى لا ينقطع فى وقت ما فينقلب حقا فيكون جرم اسم لا مبنيا على الفتح لا فعلا ماضيا كما هو على الوجهين الاولين وفى القاموس لا جرم اى لا بد أو حقا او لا محالة او هذا اصله ثم كثر حتى تحول الى معنى القسم فلذلك يجاب عنه باللام يقال لا جرم لآتينك { وان مردنا } مرجعنا { الى الله } اى بالموت ومفارقة الارواح الاجساد ومارا جزا خواهد داد وهو عطف على أن ما تدعوننى داخل فى حكمه وكذا قوله تعالى { وان المسرفين } اى فى الضلال والطغيان كالاشراك وسفك الدماء { هم اصحاب النار } اى ملازموها(12/401)
فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44)
{ فستذكرون } اى فسيذكر بعضكم بعضا عند معاينة العذاب { ما اقول لكم } من النصائح ولكن لا ينفعكم الذكر حينئذ { وافوض امرى الى الله } ارده اليه ليعصمنى من كل سوء قاله لما أنهم كانوا توعدوه بالقتل قال فى القاموس فوض اليه الامر رده اليه انتهى وحقيقة التفويض تعطيل الارادة فى تدبير الله تعالى كما فى عين المعانى وكمال التفويض ان لا يرى لنفسه ولا للخلق جميعا قدرة على النفع والضر كما فى عرآئس البقلى قال بعضهم التفويض قبل نزول القضاء والتسليم بعد نزوله { ان الله بصير بالعباد } يعلم المحق من المبطل فيحرس من يلوذ به من المكاره ويتوكل عليه وفى كشف الاسرار معنى تفويض كار باخداوندكار كذاشتن است درسه جيز دردين ودر قسم ودر حساب خلق اما تفويض دردين آنست كه بتكلف خود درهرجه الله ساخته نياميزى وجنانكه ساخته وى ميكردد با آن ميسازى وتفويض درقسم آنست كه بهانه دعا باحكم اومعارضه نكنى وبا ستقاصى طلب تعيين خودرا متهم نكنى وتفويض درحساب آنست كه اكر ايشانرا بدى بينى آنرا شقاوت نشمرى وبترسى واكر برنيكى بينى آنرا سعادت نشمرى واميد دارى وبر ظاهر هركس فرو آيى وبصدق ايشانرا مطالبت نكنى ويقرب من هذا حديث ابى هريرة رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « ان رجلين كانا فى بنى اسرائيل متحابين احدهما مجتهد فى العبادة والآخر كان يقول مذنب فجعل المجتهد يقول أقصر أقصر عن ما انت فيه قال فيقول خلنى وربى فانما على ذنب استعظمه فقال أقصر فقال خلنى وربى أبعثت على رقيبا فقال والله لا يغفر الله لك ابدا ولا يدخلك الجنة ابدا قال فبعث الله اليهما ملكا فقبض ارواحهما فاجتمعا عنده فقال للمذنب ادخل الجنة برحمتى وقال للآخر أتستطيع ان تحظر على عبدى رحمتى فقال لا يا رب قال اذهبوا به الى النار » قال ابو هريرة والذى نفسى بيده لتكلم بكلمة اوبقت بدنياه وآخرته ودلت الآية على أن الله تعالى مطلع على العباد واحوالهم فلا بد من تصحيح الحال ومراقبة الاحوال روى أن ابن مسعود رضى الله عنه خرج مع بعض الاصحاب رضى الله عنهم الى الصحرآء فطبخوا الطعام فلما تهيأوا للاكل رأوا هنالك راعيا يرعى اغناما فدعوه الى الطعام فقال الراعى كلو انتم فانى صائم فقالوا له بطريق التجربة كيف تصوم فى مثل هذا اليوم الشديد الحرارة فقال لهم ان نار جهنم اشد حرا منه فاعجبهم كلامه فقالوا له بع لنا غنما من هذه الاغنام نعطك ثمنه مع حصة من لحمه فقال لهم هذه الاغنام ليست لى وانما هى لسيدى ومالكى فكيف ابيع لكم مال الغير فقالوا له قل لسيدك انه اكله الذئب او ضاع فقال الراعى اين الله فاعجبهم كلامه زيادة الاعجاب ثم لما عادوا الى المدينة اشتراه ابن مسعود من مالكه مع الاغنام فاعتقه ووهب الاغنام له فكان ابن مسعود يقول له فى بعض الاحيان بطريق الملاطفة اين الله وروى أن نبيا من الانبياء كان يتعبد فى جبل وكان فى قربه عين جارية فجاز بها فارس وشرب منها ونسى عندها صرة فيها الف دينار فجاء آخر فاخذ الصرة ثم جاء رجل فقير على ظهره حزمة حطب فشرب واستلقى ليستريح فرجع الفارس لطلب الصرة فلم يرها فأخذ الفقير فطلبها منه فلم يجدها عنده فعذبه حتى قتله فقال ذلك النبى الهى ما هذا اخذ الصرة بل اخذها ظالم آخر وسلطت هذا الظالم عليه حتى قتله فاوحى الله تعالى اليه ان اشتغل بعبادتك فليس معرفة مثل هذا من شأنك ان هذا الفقير قد قتل ابا الفارس فمكنته من القصاص وان ابا الفارس كان اخذ ألف دينار من مال آخذ الصرة فرددته اليه من تركته ذكره الغزالى رحمه الله ( قال الحافظ )(12/402)
دركاه خانه كه ره عقل وفضل نيست ... فهم ضعيف وراى فضولىجرا كنند(12/403)
فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45)
{ فوقاه الله } آورده اندكه فرعون فرمود تاخربيل رابكشندوى كريخته روى بكوهى نهاد وبنماز مشغول شدحق سبحانه تعالى لشكر سباع را برانكيخت تابكردوىدر آمده آغازيا سبانى كردند نتيجه تفويض بزودىدروى رسيديعنى فوض أمره الى الله فكفاه الله در كشف الاسرار آمده كه فرعون ازخو اص خود جمعىرا ازعقب اوفرستادجون بوى رسيدند ونمازوى ونكهبانى سباع مشاهده كرده بترسيدند ونزد فرعون آمده صورت حال باز كفتند همه راسياست كرد تا آن سخن فاش نكردد وقال بعضهم منهم من اكلته السباع ومنهم من رجع الى فرعون فاتهمه وصلبه فاخبر الله عن الحال خربيل بقوله فوقاه الله اى حفظه من { سيئات ما مكروا } شدآئد مكرهم وما هموا به من الحاق انواع العذاب بمن خالفهم وبالفارسية بس نكاه داشت اوراخداى از بديهاى آنجه انديشيدند درراه او
وقيل نجا خربيل مع موسى عليه السلام { وحاق } نزل واصاب { بآل فرعون } اى بفرعون وقومه وعدم التصريح به للاستغناء بذكرهم عن ذكره ضرورة أنه اولى منهم بذلك من حيث كونه متبوعا لهم ورئيسا ضالا مضلا { سوء العذاب } اى الغرق وهذا فى الدنيا ثم بين عذابهم فى البرزخ بقوله(12/404)
النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)
{ النار يعرضون } اى فرعون وآله { عليها } اى على النار ومعنى عرضهم على النار احراق ارواحهم وتعذيبهم بها من قولهم عرض الاسارى على السيف اذا قتلوا به قال فى القاموس عرض القوم على السيف قتلهم وعلى السوط ضربهم { غدوا وعشيا } اى فى اول النهار وآخره وذكر الوقتين اما للتخصيص واما فيما بينهما فالله تعالى اعلم بحالهم اما أن يعذبوا بجنس آخر او ينفس عنهم واما للتأبيد كما فى قوله تعالى { ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا } اى على الدوام قال ابن مسعود رضى الله عنه أن ارواح آل فرعون فى اجواف طير سود يعرضون على النار مرتين فيقال يا آل فرعون هذه داركم قال ابن الشيخ فى حواشيه هذا يودن بان العرض ليس بمعنى التعذيب والاحراق بل بمعنى الاظهار والابراز وان الكلام على القلب كما فى قولهم عرضت الناقة على الحوض فان اصله عرضت الحوض على الناقة بسوقها اليه وايرادها عليه فكذا هنا اصل الكلام تعرض عليهم اى على ارواحهم بأن يساق الطير التى ارواحهم فيها اى فى اجوافها الى النار وفى الحديث « أن احدكم اذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشى ان كان من اهل الجنة فمن الجنة وان كان من اهل النار فمن النار يقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة »
يعنى اينست جاى توتا كه برانكيز دترا خداى بسوى وى درروز قيامت
يقول الفقير اما كون ارواحهم فى اجواف طير سود فليس المراد ظرفية الاجواف للارواح حتى لا يلزم التناسخ بل هو تصوير لصور أرواحهم البرزخية واما العرض بمعنى الاظهار فلا يقتضى عدم التعذيب فكل روح اما معذب او منعم وللتعذيب والتنعيم مراتب ولأمر ما ذكر الله تعالى عرض ارواح آل فرعون على النار فان عرضها ليس كعرض سائر الارواح الخبيثة قال فى عين المعانى قال رجل للاوزاعى رأيت طيرا لا يعلم عددها الا الله تخرج من البحر بيضاء ثم ترجع عشيا سودآء فما هى قال ارواح آل فرعون تعرض وتعود والسواد من الاحراق هذا ما دامت الدنيا { ويوم تقوم الساعة } وتعود الارواح الى الابدان يقال للملائكة { أدخلوا آل فرعون اشد العذاب } اى عذاب جهنم فانه اشد مما كانوا فيه فانه للروح والجسد جميعا وهو أشد مما كان للروح فقط كما فى البرزخ وذلك ان الارواح بعد الموت ليس لها نعيم ولا عذاب حسى جسمانى ولكن ذلك نعيم او عذاب معنوى روحانى حتى تبعث اجسادها فترد اليها فتعذب عند ذلك حسا ومعنى او تنعم ألا ترى الى بشر الحافى قدس سره لما رؤى فى المنام قيل له ما فعل الله بك قال غفر لى واباح لى نصف الجنة اى نعيم الروح واما النصف الآخر الذى هو نعيم الجسد فيحصل بعد الحشر ببدنه والاكل الذى يراه الميت بعد موته فى البرزخ هو كالاكل الذى يراه النائم فى النوم فكما أنه تتفاوت درجات الرؤيا حتى ان منهم من يستيقظ ويجد أثر الشبع او الرى فكذا تختلف احوال الموتو فالشهدآء احياء عند ربهم كحياة الدنيا ونعيمهم قريب من نعيم الحس فافهم جدا ويجوز ان يكون المعنى ادخلوا آل فرعون اشد عذاب جهنم فان عذابها ألوان بعضها شد من بعض وفى الحديث(12/405)
« اهون اهل النار عذابا رجل فى رجليه نعلان من نار يغلى منهما دماغه » وفى التأويلات النجمية ويوم تقوم الساعة يشير الى مفارقة الروح البدن بالموت فان من مات فقد قامت قيامته ادخلوا آل فرعون اشد العذاب وذلك فان اشد عذاب فرعون النفس ساعة المفارقة لأنه يفطم عن جميع مألوفات الطبع دفعة واحدة والفطام عن المألوف شديد وقد يكون الالم بقدر شدة التعلق به انتهى ( قال الحافظ )
غلام همت آنم كه زير جرخ كبود ... زهرجه رنك تعلق بذير آزا دست
( وقال غيره )
الفت مكير همجو الف هيج باكسى ... تابسته الم نشوى وقت انقطاع
ثم فى الآية دليل على بقاء النفس وعذاب القبر لأن المراد بالعرض التعذيب فى الجملة وليس المراد انهم يعرضون عليها يوم القيامة لقوله بعده ويوم تقوم الساعة الخ واذا ثبت فى حق آل فرعون ثبت فى حق غيرهم اذ لا قائل بالفصل وكان عليه السلام لا يصلى صلاة الا وتعوذ بعدها من عذاب القبر قال عليه السلام « من كف اذاه عن الناس كان حقا على الله ان يكف عنه أذى القبر » وروى عن سالم بن عبد الله أنه قال سمعت ابى يقول اقبلت من مكة على ناقة لى وخلفى شىء من الماء حتى اذا مررت بهذه المقبرة مشيرا الى مقبرة محصوسة بين مكة والمدينة خرج رجل من المقبرة يشتعل من قرنه الى قدمه نارا واذا فى عنقه سلسلة تشتعل نارا فوجهت الدابة نحوه انظر الى العجب فجعل يقول يا عبد الله صب على من الماء فخرج رجل من القبر اخذ بظرف السلسلة فقال لا تصب عليه الماء ولا كرامة فمد يده حتى انتهى به الى القبر فاذا معه سوط يشتعل نارا فضربه حتى دخل القبر قال وهب بن منبه من قرأ بسم الله وعلى ملة رسول الله رفع الله العذاب عن صاحب القبر اربعين سنة كذا فى زهرة الرياض قال العلماء عذاب القبر هو عذاب البرزخ اضيف الى القبر لأنه الغالب والا فكل ميت اراد الله تعذيبه ناله ما اراد به قبر أو لم يقبر بان صلب او غرق فى البحر او احراق حتى صار رمادا وذرى فى الجو قال امام الحرمين من تفرقت اجزآؤه يخلق الله الحياة فى بعضها او كلها ويوجه السؤال عليها ومحل العذاب والنعيم أى فى القبر هو الروح والبدن جميعا باتفاق اهل السنة قال اليافعى وتختص الارواح دون الاجساد بالنعيم والعذاب ما دامت فى عليين او سجين وفى القبر يشترك الروح والجسد قال الفقيه ابو الليث الصحيح عندى أن يقر الانسان بعذاب القبر ولا يشتغل بكيفيته وفى الاخبار الصحاح أن بعض الموتى لا ينالهم فتنة القبر كالانبياء والاولياء والشهدآء قال الحكيم الترمذى اذا كان الشهيد لا يسأل فالصديق اولى بان لا يفتن هو المنخلع عن صفات النفس والشهيد هو اهل الحضور والصحيح هو اهل الاستقامة فى الدين ورؤى بعضهم بعد موته على حال حسنة فسئل عن سببها فقال كنت اكثر قول لا اله الا الله فاكثر منها اى من هذه المقالة الحسنة والكلمة الطيبة اللهم اختم لنا بالخير والحسنى(12/406)
وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47)
{ واذ يتحاجون فى النار } التحاج بالتشديد التخاصم كالمحاجة اى واذكر يا محمد لقومك وقت تخاصم اهل النار فى النار سوآء كانوا آل فرعون او غيرهم ثم شرح خصومتهم بقوله { فيقول الضعفاء } منهم فى القدر والمنزلة والحال فى الدنيا يعنى بيجاركان وزبونان قوم { للذين استكبروا } اى اظهروا الكبر باطلا وهم رؤساؤهم ولذا لم يقل للكبرآء لأنه ليس الكبرياء صفتهم فى نفس الامر { انا كنا لكم } فى الدنيا { تبعا } جمع تابع كخدم فى جمع خادم قال فى القاموس التبع محركة التابع يكون واحد او جمعا اى اتباعا فى كل حال خصوصا فيما دعوتمونا اليه من الشرك والتكذيب يعنى سبب دخول مادر دوزخ ببدىء شما { فهل انتم } بس آياهستيد شما { مغنون عنا نصيبا من النار } بالدفع او بالحمل يقال ما يغنى عنك هذا اى ما يجزيك وما ينفعك ونصيبا وهو الحظ المنصوب اى المعين كما فى المفردات منصوب بمضمر يدل عليه مغنون فان اغنى اذا عدى بكلمة عن لا يتعدى الى مفعول آخر بنفسه اى رافعون عنا نصيبا اى بعضا وجزأ من النار باتباعنا اياكم فقد كنا ندفع المؤونة عنكم فى الدنيا(12/407)
قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48)
{ قال الذين استكبروا } جه جاى اين سخن است { انا كل } اى كلنا نحن وانتم وبهذا صح وقوعه مبتدأ { فيها } خبر اى فى النار فكيف نغنى عنكم ولو قدرنا لاغنينا عن انفسنا { ان الله قد حكم بين العباد } بماهية كل احد فادخل المؤمنين الجنة على تفاوتهم فى الدرجات والكافرين النار على طبقاتهم فى الدركات ولا معقب لحكمه(12/408)
وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49)
{ وقال الذين فى النار } من الضعفاء والمستكبرين جميعا لما ذاقوا شدة العذاب وضاقت حيلهم { لخزنة جهنم } اى القوام بتعذيب اهل النار جمع خازن والخزن حفظ الشىء فى الخزانة ثم يعبر به عن كل حفظ كحفظ السر ونحوه قاله الراغب ووضع جهنم موضع الضمير للتهويل والتفظيع وهم اسم لنار الله الموقدة { ادعوا ربكم } شافعين لنا { يخفف عنا يوما } اى فى مقدار يوم واحد من ايام الدنيا { من العذاب } اى شيأ منه فقوله يوما ظرف ليخفف ومفعوله محذوف ومن العذاب بيان لذلك المحذوف واقتصارهم فى الاستدعاء على تخفيف قدر يسير من العذاب فى مقدار قصير من الزمان دون رفعه رأسا او تخفيف قدر كثير منه فى زمان مديد لعلمهم بعدم كونه فى حيز الامكان(12/409)
قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50)
{ قالوا } اى الخزنة بعد مدة { او لم تك } الهمزة للاستفهام والواو للعطف على مقدارى الم تنبهوا على هذا ولم تك { تأتيكم رسلكم } فى الدنيا على الاستمرار { بالبينات } بالحجج الواضحة الدالة على سوء عاقبة ما كنتم عليه من الكفر والمعاصى ارادوا بذلك الزامهم وتوبيخهم على اضاعة اوقات الدعاء وتعطيل اسباب الاجابة { قالوا بلى } اى اتونا بها فكذبناهم كما فى سورة الملك { قالوا } اذا كان الامر كذلك يعنى جون كاربرين منوالست { فادعوا } انتم فان الدعاء لمن يفعل ذلك مما يستخيل صدوره عنا ولم يريدوا بامرهم بالدعاء اطماعهم فى الاجابة بل اقناطهم منها واظهار حقيقتهم حسبما صرحوا به فى قولهم { وما دعاء الكافرين } لأنفسهم فالمصدر مضاف الى فاعله او وما دعاء غيرهم لهم بتخفيف العذاب عنهم فالمصدر مضاف الى مفعوله { الا فى ضلال } اى فى ضياع وبطلان لا يجاب لأنهم دعوا فى غير وقته اختلف العلماء فى أنه هل يجوز ان يقال يستجاب دعاء الكافرين فمنعه الجمهور لقوله تعالى وما دعاء الكافرين الا فى ضلال ولأن الكافر لا يدعو الله لانه لا يعرفه لأنه وان اقر به لما وصفه بما لا يليق به نقض اقراره وما روى فى الحديث « ان دعوة المظلوم وان كان كافرا تستجاب » فمحمول على كفران النعمة وجوزه بعضهم لقوله تعالى حكاية عن ابليس { رب انظرنى } اى امهلنى ولا تمتنى سريعا فقال الله تعالى { انك من المنظرين } فهذه اجابة وبالجواز يفتى ( قال الشيخ سعدى )
مغى دربروى ازجهان بسته بود ... بتى را بخدمت ميان بسه بود
بس ازجند سال آن نكوهيده كيش ... قضا حالتى صعبش آورد بيش
بباى بت آمد باميد خبر ... بغلطيد بيجاره برخاك دير
كه درمانده ام دست كيراى صنم ... بجان آمدم رحم كن برتنم
بزاريد درخدمتش بارها ... كه هيجش بسامان نشد كارها
بتى جون برارد مهمات كس ... كه نتواند ازخود براند مكس
برآشفت كاى باى بند ضلال ... بباطل برستيدمت جند سال
مهمىكه دربيش دارم برآر ... وكرنه بخواهم زبرور دكار
هنوز ازبت آلوده رويش بخاك ... كه كامش بر آورد يزدان باك
حقائق شناسى درين خيره شد ... سروقت صافى بروتيره شد
كه سر كشته دون باطل برست ... هنوزش سراز خمر بتخانه مست
دل از كفر ودست ازخيانت نشست ... خدايش بر آورد كامىكه جشد
فرورفت خاطردرين مشكلش ... كه بيغامى آمد درون دلش
كه بيش صنم بيرناقص عقول ... بسى كفت وقولش نيامد قبول
كرازدركه ماشود نيرزد ... بس آنكه جه فرن ازصنم تاصمد
دل اندر صمد بايداى دوست بست ... كه عاجز ترنداز صنم هركه هست
محالست اكر سر برين درنهى ... كه باز آيدت دست حاجت تهى
فاذا ثبت أن الله تعالى يجيب الدعوات لا ما سواه من الاصنام ونحوها فلا بد من توحيده واخلاص الطاعة والعبادة له وعرض الافتقار اليه اذ لا ينفع الغير لا فى الدنيا ولا فى الآخرة جعلنا الله واياكم من التابعين للهدى والمحفوظين من الهوى(12/410)
إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)
{ انا } نون العظمة او باعتبار الصفات او المظاهر { لننصر رسلنا } النصر العون { والذين آمنوا } اى اتباعهم { فى الحياة الدنيا } بالحجة والظفر والانتقام لهم من الكفرة بالاستئصال والقتل والسبى وغير ذلك من العقوبات ولا يقدح فى ذلك ما قد يتفق لهم من صورة المغلوبية امتحانا اذ العبرة انما هى بالعواقب وغالب الامر وايضا ما يقع فى بعض الاحيان من الانهزام انما كان بعارض كمخالفة امر الحاكم كما فى غزوة احد وكمطلب الدنيا والعجب والغرور كما فى بعض وقائع المؤمنين وايضا أن الله تعالى ينتقم من الاعداء ولو بعد حين كما بعد الموت الا ترى أن الله تعالى انتقم ليحيى عليه السلام بعد استشهاده من بنى اسرآئيل بتسليط بخت نصر حتى قتل به سبعون الفا قال عبد الله بن سلام رضى الله عنه ما قتلت امة نبيا الا قتل به منهم سبعون الفا ولا قتلوا خليفة الا قتل به خمسة وثلاثون الفا واما قصة الحسنين رضى الله عنهما فكثرة القتلى لهما باعتبار جدهما عليه السلام وحاصله أن علماء هذه الامة كانبياء بنى اسرآئيل فاذا انضم الى شرفهم شرف الانتساب الى النبى عليه السلام بالسيادة الصورية قربا او بعدا تضاعف قدرهم فكان الاكرام اليهم بمنزلة الاكرام الى النبى عليه السلام وكذا الاهانة والظاهر فى دفع التعارض بين قوله تعالى انا لننصر رسلنا وبين قوله { ويقتلون النبيين بغير الحق } ما قال ابن عباس رضى الله عنهما والحسن رضى الله عنه من انه لم يقتل من الانبيا الا من لم يؤمر بقتال وكل من امر بقتال نصر كما فى تفسير القرطبى فى البقرة وكان زكريا ويحيى وشعيب ونحوهم عليهم السلام ممن لم يؤمر بالقتال
يقول الفقير حقيقة النصرة للخواص انما هى بالامداد الملكوتى وقد يجيىء الامداد من جهة البلاء الصورى فالقتل ونحوه كله من قبيل الامداد بالترقى والحمد لله الذى بيده الخير قال شيخ الشهير بافتاده أفندى قدس سره كان النبى عليه السلام قادرا على تخليص الحسنين رضى الله عنهما بالشفاعة من الله تعالى لكنه رأى كمالهما بالشهادة راجحا على الخلاص وفى التأويلات النجمية كمال النصرة فى الظفر على اعدى عدوك وهى نفسك التى بين جنبيك هو الجهاد الاكبر ولا يمكن الظفر على النفس الا بنصرة الحق تعالى للقلب اذا تحقق عند العبد أن الخلق اشباح يجرى عليهم احكام القدر فالولى لا عدو له ولا صديق الا الله ولهذا قال عليه السلام « اعوذ بك منك » { ويوم يقوم الاشهاد } جمع شاهد كصاحب واصحاب اى لننصرنهم فى الدنيا والآخرة وعبر عن يوم القيامة بذلك للاشعار بكيفية النصرة وانها تكون عند جمع الاولين والآخرين بشهادة الاشهاد للرسل بالتبليغ وعلى الكفرة بالتكذيب وهم الملائكة والمؤمنون من امة محمد عليه السلام قال تعالى { وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهدآء على الناس }(12/411)
يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52)
{ يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم } بدل من اليوم الاول والمعذرة بمعنى العذر وقد سبق معناه فى الاول السورة اى لا ينفعهم عذرهم عن كفرهم لو اعتذروا فى بعض الاوقات لأن معذرتهم باطلة فيقال لهم اخسأوا ولا تكلمون ويجوز أن يكون عدم نفع المعذرة لأنه لا يؤذن لهم فيعتذرون فيكون من نفى المقيد والقيد لا معذرة ولا نفع يومئذٍ وفيه اشارة الى ان المؤثر هو سوابق العنايات لا الاوقات { ولهم اللعنة } اى البعد عن الرحمة { ولهم سوء الدار } اى جهنم بخلاف المؤمنون العارفين فانها تنفعهم لتنصلهم
يعنى از كناه بيرازى نمودن
لكونه فى وقته ولهم من الله الرحمة ولهم حسن الدار وانما قال سوء الدار فان جهنم حرها شديد وقعرها بعيد وحليها حديد وشرابها صديد وكلامها هل من مزيد واسوأ الظالمين المشركون كما قال تعالى حكاية عن لقمان { ان الشرك لظلم عظيم } واسوأ المشركين المنافقون كما قال تعالى { ان المنافقين فى الدرك الاسفل من النار } لاستهزآئهم بالمؤمنين فليحذر العاقل عن الظلم سوآء كان لنفسه بالاشراك والمعصية او لغيره بكسر العرض واخذ المال ونحوهما وليتذكر الانسان يوما يقول فيه الظالمون ربنا اخرجنا منها نعمل صالحا غير الذى كنا نعمل فيجيبهم الله تعالى او لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير وروى أن اهل النار يبكون بكاء شديدا حتى الدم فيقول مالك ما احسن هذا البكاء لو كان فى الدنيا ( قال الشيخ سعدى )
كنونت كه جشمست اشكى بيار ... زبان دردهانست عذرى بيار
كنون بايدت عذر تقصير كفت ... نه جون نفس ناطق ز كفتن بخفت
كنون بايد اى خفته بيدار بود ... جومرك اندرآيدزخوابت جه سود
كنون وقت تخمست اكر بدروى ... كراميد دارى كه خر من برى
فعلم انه لا تنفع المعذرة والبكاء فى الآخرة فليتدارك العاقل تقصيره فى الدنيا بالندامة والصلاح والتقوى ليستريح فى الآخرة ويصل الى الدرجات العلى مع الانبياء والصديقين والشهدآء والصلحاء فمن اراد اللحوق بزمرتهم فليكن على حالهم وسيرتهم فان الله ينصرهم فى دنياهم وآخرتهم فان طاعة الله وطاعة الرسول توصل العبد الى المرام والى حيز القبول ( روى ) أن بعض الصحابة رضى الله عنهم قال للنبى عليه السلام كيف نراك بالجنة وانت فى الدرجات العلى فانزل الله تعالى { ومن يطع الله والرسول فاولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهدآء والصالحين وحسن اولئك رفيقا } فلا بد من الاطاعة وعلى تقدير المخالفة فباب التوبة مفتوح عن كعب الاحبار أن رجلا من بنى اسرآئيل اراد الاغتسال من فاحشة فى نهر فناداه النهر اما تستحيى من الله تعالى فتاب الرجل ثم عبد الله تعالى مع اثنى عشر رجلا فبعد زمان ارادوا العبور عن النهر المذكور فتخلف صاحب الاغتسال استحياء فقال النهر ان احدكم اذا غضب على ولده فتاب هو قبل توبته فاعبدوا الله على شاطىء فأقاموا هناك زمانا فمات صاحب الاغتسال فناداهم النهر ان ادفنوه على شاطىء فدفنوه واصبحوا وقد انبت الله على قبره اثنى عشر سروا على عدد العابدين وكان ذلك اول سرو أنبت الله فى الارض وكل من مات دفنوه هناك وكان بنوا اسرآئيل يزورون قبورهم(12/412)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (53)
{ ولقد آتينا } بمحض فضلنا { موسى } ابن عمران { الهدى } ما يهتدى به من المعجزات والصحف والشرائع { واورثنا بنى اسرآئيل الكتاب } الايراث ميراث دادن
والمراد بالكتاب التوراة ولما كان الايراث الحقيقى انما يتعلق بالمال تعذر حمله على معناه هنا فاريد التبرك مجازا اشعارا بأن ميراث الانبياء ليس الا العلم والكتاب الهادى فى باب الدين والمعنى وتركنا عليهم من بعد موسى التوراة اذ سائر ما اهتدى به فى امر الدين قد ارتفع بموت موسى عليه السلام وبالفارسية ميراث داديم بنى اسرآئيل را يعنى فرزندان يعقوب راتورات يعنى باقى كذاشتيم درميان ايشان تورات را
فهم و ورثوا التوراة بعضهم من بعض قرنا بعد قرن(12/413)
هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (54)
{ هدى } مفعوله اى هداية وبيانا من الضلالة او مصدر بمعنى اسم الفاعل على أنه حال اى هاديا
يعنى راه نماينده { وذكرى } تذكرة وعظة او حال كونه مذكرا
يعنى يند دهنده { لأولى الالباب } لذوى العقول السليمة العاملين بما فى تضاعيفه دون الذين لا يعقلون والفرق بين الهدى والذكرى ان الهدى ما يكون دليلا على شىء آخر وليس من شرطه ان يذكر شيأ آخر كان معلوما ثم صار منسيا واما الذكرى فليس من ذلك وكتب الانبياء مشتملة على هذين القسمين فان بعضها دلائل فى انفسها وبعضها مذكرات لما ورد فى الكتب الالهية المتقدمة(12/414)
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55)
{ فاصبر } مترتب على قوله انا لننصر رسلنا وقوله ولقد آتينا الخ فالجملة المعترضة للبيان والتأكيد لنصرة الرسل كأنه قيل اذا سمعت ما وعدت به من نصرة الرسل وما فعلناه بموسى فاصبر على ما اصابك من اذية المشركين فهو غير منسوخ بآية السيف اذ الصبر محمود فى كل المواطن { ان وعد الله } بالنصرة وظهور الاسلام على الاديان كلها وفتح مكة ونحوها { حق } لا يحتمل الاخلاف اصلا واستشهد بحال موسى وفرعون { واستغفر لذنبك } تداركا لما فرط منك من ترك الاولى فى بعض الاحيان فانه تعالى كافيك فى نصرة دينك واظهاره على الدين كله وفى عين المعانى واستغفر من ذنب ان كان منك وقيل هذا تعبد من الله لرسوله ليزيد به درجة وليصير ذلك سنة لمن بعده وفى عرآئس البقلى واستغفر لما جرى على قلبك من احكام البشرية وايضا استغفر لوجودك فى وجود الحق فان كون الحادث فى كون القديم ذنب وقيل واستغفر لذنب امتك وفيه أن هذا لا يجرى فى قوله تعالى { واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات } كما سيأتى فى سورة محمد وقال ابن الشيخ فى حواشيه والظاهر أنه تعالى يقول ما اراد أن يقوله وان لم يجر لنا أن نضيف اليه عليه السلام ذنبا انتهى
يقول الفقير كلام ابن الشيخ شيخ الكلمات وذلك لأن مرتبة النبوة ارفع من مرتبة الولاية فان احدا من الامة وان كان واصلا الى اقصى الغايات بحسب مرتبته فهو لا يدرى حال النبى فوقه اذ لا ذوق له من مرتبته فكيف يضيف اليه ذنبا لا يعرفه فلا يطمع على حقيقة الذنب المضاف اليه عليه السلام الا الله كالتصلية فى قوله تعالى { ان الله وملائكته يصلون على النبى } فانها سر غامض بينه تعالى وبين رسوله فليس لاحد سبيل الى معرفته ومن هذا القبيل سهوه عليه السلام فى بعض المواضع فانه ليس من قبيل السهوى الذى تعرفه الامة
ندانم كدامين سخن كويمت ... كه والاترى زانجه من كويمت
{ وسبح بحمد ربك بالعشى والابكار } اى ودم على التسبيح ملتبسا مقرونا وبحمده تعالى او على قوله سبحان الله وبحمده فالمقصود من ذكر العشى والابكار الدلالة على المداومة عليهما فى جميع الاوقات بناء على ان الابكار عبارة عن اول النهار الى نصفه والعشى عبارة عن نصف النهار الى اول النهار من اليوم الثانى فيدخل فيهما كل الاوقات وفى الآية اشارة الى قلب الطالب الصادق بالتصبر على اذى النفس والهوى والشيطان ان وعد الله حق فى نصرة القلب المجاهد مع كافر النفس وظفره عليها واستغفر لذنبك ايها القلب اى مما سرى اليك من صفات النفس وتخلقت باخلاقها فاستغفر لهذا الذنب فانه صدأ مرءآة القلب ودم على الطاعات وملازمة الاذكار فانه تصفو مرءآة القلب عن صدأ الاخلاق الذميمة قالوا ظاهر البدن من عالم الشهادة والقلب من عالم الملكوت وكما ينحدر من معارف القلب آثار الى الجوارح كذلك قد يرتفع من احوال الجوارح التى هى من عالم الشهادة آثار الى القلب فاذا لا بد من الاشتغال بظواهر الاعمال اصلاحا للحال وتنويرا وتصفية للبال فمن ليس له فى الدنيا شغل وقد ترك الدنيا على اهلها فماله لا يتنعم بخدمة الله تعالى فيلزم ان يديم العمل لله من غير فتور اما ظاهرا او باطنا قلبا وقالبا ولا فباطنا وترتيب ذلك أنه يصلى ما دام منشرحا والنفس مجيبة فان سئم تنزل من الصلاة الى التلاوة فان مجرد التلاوة اخف على النفس من الصلاة فان سئم التلاوة ايضا يذكر الله بالقلب واللسان فهو اخف من القرآءة فان سئم الذكر ايضا يدع ذكر اللسان ويلازم المراقبة والمراقبة علم القلب بنظر الله تعالى اليه فما دام هذا العلم ملازما للقلب فهو مراقب والمراقبة عين الذكر وافضله وان عجز عن ذلك ايضا وتملكته الوساوس وتزاحم فى باطنه حديث النفس فلينم وفى النوم السلامة والا فكثرة حديث النفس تقسى القلب ككثرة الكلام لأنه كلام من غير لسان فيحترز من ذلك فيقيد الباطن بالمراقبة والرعاية كما يقيد الظاهر بالعمل وانواع الذكر والتسبيح ويداوم الاقبال على الله ودوام الذكر بالقلب واللسان يرتقى القلب الى ذكر الذات ويصير حينئذ بمثابة العرش فالعرش قلب الكائنا فى عالم الخلق والحكمة والقلب عرش فى عالم الامر والقدرة فاذا اكتحل القلب بنور ذكر الذات وصار بحرا مواجا من نسيمات القرب جرى فى جد اول اخلاق النفس صفاء النعوت والصفات وتحقق التخلق باخلاق الله تعالى(12/415)
غير ذكر خدا جه سرجه جهر ... نيست دلرا نصيب وجانرا بهر
نور حق جون زدل ظهور كند ... ظلمت تن جه شر وشور كند
وفى الحديث « رأيت رجلا من امتى يتقى وهج النار وشررها عن وجهه بيده فجاءته صدقته فصارت سترا على وجهه ورأيت رجلا من امتى جاثيا على ركبتيه بينه وبين الله حجاب فجاء حسن خلقه واخذ بيده وادخله على الله ورأيت رجلا من امتى غلقت ابواب الجنة له فجاءت شهادة ان لا اله الا الله ففتحت له الابواب وادخلته الجنة » جعلنا الله واياكم من اهل الاخلاق والاحوال وصالحات الاعمال(12/416)
إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56)
{ ان الذين } آورده اندكه كفار مكه درباب قرآن وبعث مجادله مكر دندكه قرآن سخن خدانيست نعوذ بالله وبعث محالست حق سبحانه وتعالى آيت فرستادكه { ان الذين يجادلون فى آيات الله } ويجحدون بها { بغير سلطان } حجة قاهرة { اتاهم } فى ذلك من جهته تعالى وتقييد المجادلة بذلك مع استحالة اتيانه للايذان بأن التكلم فى امر الدين لا بد من استناده الى سلطان مبين البتة { ان } نافية { فى صدورهم الا كبر } خبر لأن عبر بالصدر عن القلب لكونه موضع القلب وفى الحصر اشعار بان قلوبهم قد خلت عن كل شىء سوى الكبر اى ما فى قلوبهم الا تكبر عن الحق وتعظم عن التفكر والتعلم او الا ارادة الرياسة والتقدم على النبى والمؤمنين او الا ارادة ان تكون النبوة لهم دونك يا محمد حسدا وبغيا ولذلك يجادلون فيها لأن فيها موقع جدال ما او أن لهم شيأ يتوهم ان يصلح مدارا لمجادلتهم فى الجملة واعتبرت الارادة فى هذين الوجهين لأن نفس الرياسة والنبوة ليستا فى قلوبهم { ما هم ببالغيه } صفة كبر فالضمير راجع الى الكبر بتقدير المضاف اى ما هم ببالغى مقتضى كبرهم وهو دفع الآيات فانى انشر أنوارها فى الآفاق واعلى قدرك او ما هم بمدركى مقتضى ذلك الكبر وهو ما ارادوه من الرياسة والنبوة { فاستعذ بالله } اى التجىء اليه فى السلامة من كيد من يحسد ويبغى عليك { انه هو السميع } لأقوالكم { البصير } لأفعالكم وقيل المجادلون هم اليهود وكانوا يقولون لرسول الله عليه السلام لست صاحبنا المذكور فى التوراة بل هو المسيح بن داود ( وفى تفسير الكاشفى ) بلكه اوابو يوسف بن مسيح بن داود است
يريدون ان الدجال يخرج فى آخر الزمان ويبلغ سلطانه البرو والبحر وتسير معه الانهار وهو آية من آيات الله فيرجع الينا الملك فسمى الله تمنيهم ذلك كبرا ونفى أن يبلغوا متمناهم فان الدجال وان كان يخرج فى آخر الزمان لكنه ومن تبعه من اليهود يقتلهم عيسى والمؤمنون بحيث لا ينجو منهم واحد فمعنى قوله فاستعذ بالله اى من فتنة الدجال فانه ليس فتنة اعظم من فتنته قال عليه السلام « تعوذوا بالله من عذاب النار » فقالوا نعوذ بالله من عذاب النار ثم قال « تعوذوا بالله من عذاب القبر » فقالوا نعوذ بالله من عذاب القبر ثم قال « تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن » فقالوا نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ثم قال « تعوذوا بالله من فتنة الدجال » فقالوا نعوذ بالله من فتنة الدجال ( وقال الكاشفى ) ببايد دانست كه دجال آدمى است زآدميان ديكر بقد بلندتر وبحث بزر كتر ويك جشم است وظهور او يكى از علامات قيامتست وبيغمبرامارات ظهور او بيان كردكه مردم بسه سال بيش از خروج وى بقحط وغلا مبتلا شوند سال اول آسمان از آنجه بايدى ثلثى باز كيرد يعنى امساك ميكند وزمين از آنجه ازو روييدى ثلثى نكاه دارد سال دوم دوثلث باز كيرند ودرسال سوم نه از آسمان باران آيد ونه از زمين كياه رويد وبكون غذآء المؤمنين يومئذ التسبيح والتقديس كأهل السماء بس دجال بيرون آيد وباوى سحر و تمويه بسيار بود وبيشتر خلق متابعت وى كنند الا من عصمه الله تعالى و ديوان دارد كه متمثل شوند بصورت آدميان بس يكى را كويد اكر بدر ومادر ترازنده كنم اقرار كنى بربو بيت من كويد آرى فى الحال ديوان بصورت ابوين او متشكل شوند واورا كويند اى فرزند متابعت وى كن كه آفريد كارتست(12/417)
القصه همه شهرهارا بكيرد الامكة ومدينة راكه ملائكه باسبانى كنند وجون كار برمؤمنان به تنك آيد حق سبحانه وتعالى عيسى عليه السلام را از آسمان فرو فرستد تاد جال را بكشد ولشكراوكه اغلب يهود باشند بتمامى مستأصل كرداند وشمه از نزول عيسى در سوره زخرف مذكور خواهدشد
وفى الحديث « لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم انه لرسول الله » وقال عليه السلام « ان بين يدى الساعة كذابين فاحذروهم » كما فى المصابيح وهم الائمة المضلون نعوذ بالله من فتنة الدجاجلة ومن كل فتنة مضلة قال المفسرون قوله ان الذين يجادلون الآية وان نزل فى مشركى مكة لكنه عام لكل مجادل مبطل فان العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب ففيه اشارة الى مدعى اهل الطلب ومجادلتهم مع ارباب الحقائق فيما آتاهم الله من فضله بغير حجة وبرهان بل حسدا من عند انفسهم وليس مانعهم فى قبول الحق وتصديق الصديقين وتسليمهم فيما يشيرون اليه من الحقايق والمعانى الا كبر مما كان فى وصف ابليس اذ أبى واستكبر وقال انا خير منه وهذه الصفة مركوزة فى النفوس كلها ولهذا المعنى بعض الجهلة المغترين بالعلوم ينكرون على بعض مقالات المشايخ الراسخين فى العلوم فهؤلاء المدعون المنكرون لا يصلون الى مرادهم ولا يدركون رتبة اهل الحقائق ولهذا قال بعضهم لا تنكر فان الانكار شؤم والمنكر من هذا الحديث محروم فيها ايها الطالب المحق استعذ بالله من شر نفسك والنفوس المتمردة وجميع آفات تعوقك عن الحق وتقطع عليك طريق الحق ( قال فى كشف الاسرار ) كفته اند اين مجادلان داعيان بدعت اند ومنكران صفات حق واين مجادلت اقتحام مكلفا نست وخوض معترضان وجدال مبتدعان وتأويل جهميان وساخته اشعريان وتزوير فلسفيان وقانون طبايعيان درهر عصرى قوم فراديد آمدند جون غيلان قدرى وبشر مرسى وشيطان الطاق وابن ابى داودوجهم صفوان وعمر وعبيد وامثال ايشان كه صفات حق رامنكر شدند ودين قديم بكذا شتند وكتاب وسنت سست ديدند وراى وقياس محكم داشتند مقصود ايشان آنست كه كتاب وسنت باز بس دارند و معقول فرا بيش اين آرزوى بزر كست كه دردل دارند وهركز نخوا هند رسيد بآن آرزوى خويش ( وفى المثنوى )(12/418)
شمع حق رايف كنى تواى عجوز ... هم تو سوزى هم سرت اى كنده بوز
كى شود در ياز بوسك نجس ... كى شود خورشيد از بف منطمس
هركه بر شمع خدا آرد تفو ... شمع كى ميرد بسوزد بوز او
جون تو خفا شان بسى بينند خواب ... كين جهان ماند يتيم از آفتاب
اى بريده آن لب وحلق ودهان ... كى كند تف سوى مع يا آسمان
تف بر وبش باز كردد بى شكى ... تف سوى كردون نيابد مسلكى
تاقيامت تف برو بارد زرب ... همجو تبت بر روان بو لهب(12/419)
لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57)
{ لخلق السموات والارض } تحقيق للحق وتبيين لاشهر ما يجادلون فيه وهو امر البعث { اكبر } اعظم فى القدرة { من خلق الناس } مرة ثانية وهى الاعادة فمن قدر على خلق الاعظم الاقوى بلا اصل ولا مادة وجب أن يقدر على خلق الاذل الاضعف من الاصل والمادة بطريق الاولى فكيف يقرون بأن الله خلق السموات والارض وينكرون الخلق الجديد يوم البعث { ولكن اكثر الناس } يعنى الكفار { لا يعلمون } أن الاعادة اهون من البداية لقصورهم فى النظر والتأمل لفرط غفلتهم واتباعهم لاهوآئهم(12/420)
وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ (58)
{ وما يستوى الاعمى والبصير } اى الغافل والمستبصر فالمراد بالاعمى من عمى قلبه عن رؤية الآيات والاستدلال بها والبصير من ابصرها قال الشاعر
ايها المنكح الثريا سهيلا ... عمرك الله كيف يلتقيان
هى شامية اذا ما استقلت ... وسهيل اذا استقل يمانى
اى فكما لا تساوى بينهما فكذلك بين المؤمن والكافر والعالم والجاهلى { والذين آمنوا وعملوا الصالحات } قدمه لمجاورة البصير وهو باب من ابواب البلاغة والمراد بهم المحسنون { ولا المسيىء } اسم جنس يعم المسيئين والمعنى وما يستوى المحسن والمسيىء اى الصالح والطالح فلا بد أن يكون لهم حالة اخرى يظهر فيها ما بين الفريقين من التفاوت وهى فيما بعد البعث وهو احتجاج آخر على حقيقة البعث والجزآء وزيادة ولا فى المسيىء لتأكيد النفى لطول الكلام بالصلة ولأن المقصود نفى مساواته للمحسن لأنه كما لا يساوى المحسن المسيىء فيما يستحقه المسيىء من الحقارة والهوان كذلك لا يساوى المسيىء المحسن فيما يستحقه المحسن من الفضل والكرامة والعاطف فى قوله والذين عطف الموصول بما عطف عليه على الاعمى والبصير مع أن المجموع اى مجموع الغافل والمستبصر هو مجموع المسيىء والمحسن لتغاير الوصفين يعنى أن المقصود فى الاولين الى العلم فان العمى والبصيرة فى القلب وفى الآخرين الى العمل لأن الايمان والاعمال فى الجوارح والا ففى الحقيقة المراد بالبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات واحد وبالاعمى والمسيىء واحد ويجوز ان يراد الدلالة بالصراحة والتمثيل على أن يتحد الوصفان فى المقصود بأن يكون المراد بالاولين ايضا المحسن والمسيىء فالصراحة بالنسبة الى الذين آمنوا وعملوا الصالحات والمسيىء والتمثيل بالنسبة الى ما قبله فان الاعمى والبصير من قبيل التمثيل { قليلا ما تتذكرون } قوله قليلا صفة مصدر محذوف وما تأكيد معنى القلة وتذكرون على الخطاب بطريق الالتفات على أن يكون الضمير للكفار وفائدة الالتفات فى مقام التوبيخ هو اظهار العنف الشديد والانكار البليغ والمعنى تذكرا قليلا تتذكرون ايها الكفار المجادلون يعنى وان كنتم تعلمون أن التبصر خير من الغفلة ولا يستويان وكذا العمل الصالح خير من العمل الفاسد لكنكم لا تتذكرون الا تذكرا قليلا او تتذكرون اصلا فانه قد يعبر بقلة الشىء عن عدمه مثل ان يقال فلان قليل الحياء اى لا حياء له ( قال فى تاج المصادر ) التذكرياد كردن ويا ياد آوردن وبندكرفتن(12/421)
إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (59)
{ ان الساعة } ان القيامة ومروجه التسمية بها مرارا { لآتية } اكد باللام لأن المخاطبين هم الكفار وجرد فى طه حيث قال ان الساعة آتية لكون المخبر ليس بشاك فى الخبر كذا فى برهال القرآءن { لا ريب فيها } اى فى مجيئها لوضوح شوآهدها ومنها ما ذكر بقوله لخلق السموات الخ { ولكن اكثر الناس } يعنى الكفار { لا يؤمنون } لا يصدقون بها لقصور أنظارهم وقوة الفهم بالمحسوسات وهذا الكفر والتكذيب طبيعة النفوس الا من عصمه الله تعالى ونظر الى قلبه بنظر العناية ( روى ) أن الصراط سبع قناطر فيسأل العبد عند القنطرة الاولى عن الايمان وهو أصعب القناطر وأهواها قرارا فان أتى بالايمان نجا وان لم يأت به تردى الى اسفل السافلين ويسأل فى الثانية عن الصلاة وفى الثالثة عن الزكاة وفى الرابعة عن صيام شهر رمضان وفى الخامسة عن الحج وفى السادسة عن الامر بالمعروف وفى السابعة عن النهى عن المنكر فان اجاب فى الكل نجا والا تردى فى النار
كرد بعث محمد عربى ... تابود خلق رارسول ونبى
هرجه ثابت شود بقول ثقات ... كه محمد عليه الف صلات
دادمارا خبر بموجت آن ... واجب آمد بان زما ايمان
فالاساس هو الايمان والتوحيد ثم يبنى عليه سائر الواجبات قال مالك بن دينار رحمه الله رأيت جماعة فى البصرة يحملون جنازة وليس معهم احد ممن يشيع الجنازة فسألتهم عنه فقالوا هذا من كبار المذنبين قال فصليت عليه وانزلته فى قبره ثم انصرفت الى الظل فنمت فرأيت ملكين نزلا من السماء فشقا قبره ونزل احدهما فى القبر وقال اكتبه من اهل النار لأنه لم تسلم جارحة منه عن الذنب فقال الآخر لا تعجل ثم نزل هو فقال لصاحبه قد اختبرت قلبه فوجدته مملوأ بالايمان فاكتبه مرحوما فاذا صلح القلب بالتوحيد والايمان بالله وباليوم الآخر يرجى أن يتجاوز الله عن سيئاته ثم أن الساعة ارتاب فيها المرتابون مع وضوح شواهدها واما اهل الايمان والعيان فرأوها كأنها حاضرة ( روى ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل حارثة « كيف اصبحت يا حارثة » قال اصبحت مؤمنا حقا قال « يا حارثة ان لكل حق حقيقة فما حقيقة ايمانك » قال عزفت نفسى عن الدنيا اى زهدت وانصرفت فاظمأت نهارها واسهرت ليلها واستوى عندى حجرها وذهبها وكأنى انظر الى اهل الجنة يتزاورون والى اهل النار يتضاغون اى يصوتون باكين وكأنى انظر الى عرش ربى بارزا فقال عليه السلام « اصبت فالزم »
ومن كلمات امير المؤمنين على رضى الله عنو لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا
حال خلد وجحيم دانستم ... بيقين آنجنانكه مىبايد
كرحجاب ازميانه بر كيرند ... آن يقين ذره نيفزايد
فظهر أن هذا حال اهل العيان فأين المحجوب عن هذا فلما كانا لا يستويان فى الدنيا علما ومعرفة وشهودا كذلك لا يستويان فى الآخرة درجة وقربة وجودا نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من الصالحين المحسنين الفائزين بمطالب الدنيا والدين والآخرة(12/422)
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)
{ وقال ربكم } ايها الناس { ادعونى } وحدونى واعبدونى { استجب لكم } اى اثبكم بقرينة قوله تعالى { ان الذين يستكبرون عن عبادتى } يتعظمون عن طاعتى { سيدخلون جهنم } حال كونهم { داخرين } اى صاغرين اذلاء فان الدخور بالفارسية خوارشدن من دخر كمنع وفرح صغر وذل وان فسر الدعاء بالسؤال كان الاستكبار الصارف عنه منزلا منزلة الاستكبار عن العبادة فاقيم الثانى مقام الاول للمبالغة او المراد بالعبادة الدعاء فانه من افضل ابوابها فاطلق العام على الخاص مجازا ( قال الكاشفى ) مراد ازدعا سؤالست يعنى بخواهيدكه خزانه من مالا مالست وكرم من بخشنده آمال كدام كداست نياز بيش آورده كه نقد مراد بر كف اميدش ننهادم وكدام محتاج زبان سؤال كشادكه رقعه حاجتش رابتوقيع اجابت موشح نساحتم
برآستان ارادت كه سرنهادشبى ... كه لطف دوست برويش دريخه نكشود
يقال ادعونى بلا غفلة استجب لكم بلا مهلة ادعونى بلا خفاء استجب لكم بالوفاء ادعونى بلا خطا استجب لكم بالعطا ادعونى بشرط الدعاء وهو الاكل من الحلال قيل الدعاء مفتاح الحاجة واسنانه لقمة الحلال قال الحكيم الترمذى قدس سره من دعا الله ولم يعمر قبل ذلك سبيل الدعاء بالتوبة والانابة واكل الحلال واتباع السنن ومراعاة السر كان دعاؤه مردودا واخشى ان يكون جوابه الطرد واللعن ويقال كل من دعاه استجاب له اما بما سأله او بشىء آخر هو خير له منه ويقال الكافر ليس يدعوه حقيقة لأنه انما يدعو من له شريك والله تعالى لا شريك له وكذا المعطلة لأنهم انما يعدبون الها لا صفات له من الحياة والسمع والبصر والكلام والقدرة والارادة بزعمهم فهم لا يعبدون الله تعالى وكذا المشبهة انما يدعون الها له جوارح واعضاء والله تعالى منزه عن ذلك فانه ليس كمثله شىء وهو السميع البصير قال الشافعى رحمه الله من انتهض لطلب مدبره فان اطمأن الى موجود ينتهى اليه فكره فهو مشبه وان اطمأن الى نفى محض فهو معطل وان اطمأن الى موجود واعتراف بالعجزان ادراكه فهو موحد فأهل السنة يثبتون لله تعالى صفات ثبوتية وينزهونه عمالا يليق به فهم انما يدعون الله تعالى فما من مؤمن يدعو الله ويسأله شيأ الا اعطاه اما فى الدنيا واما فى الآخرة ويقول له هذا ما طلبت فى الدنيا وقد ادخرته لك الى هذا اليوم حتى يتمنى العبد انه ليته لم يعط شيأ فى الدنيا ويقال لم يوفق العبد للدعاء الا لارادة الله اجابته لكن وقوع الاجابة حقيقة انما يكون فى الزمان المتعين للدعاء كالسلطان اذا كان فى وقت الفرح والاستبشار لا يرد السائل البتة قال الفضيل بن عياض والناس وقوف بعرفات ما تقولون لو قصد هؤلاء الوفد بعض الكرماء يطلبون منه دانقا اكان يردهم فقالوا لا فقال والله للمغفرة فى جنت كرم الله اهون على الله من الدانق فى جنت كرم ذلك الرجل فعرفات وزمان الوقوف من مظان الاجابة وكذا جميع امكنة العبادات واوقات الطاعات لأن الله تعالى اذا رأى عبده حيث امر رضى عنه واستجاب دعاءه ونعم ما قال سفيان حيث قال بعضهم ادع الله فقال ترك الذنوب هو الدعاء قال بعض العارفين بالله الصلاة افضل الحركات والصوم افضل السكنات والتضرع فى هياكل العبادات يحل ما عقدته الافلاك الدآئرات ولا بد من حسن الظن بالله ( حكى ) عن بعض البله وهو فى طواف الوداع أنه قال له رجل وهو يمازحه هل اخذت من الله برآءتك من النار فقال الابله له وهل اخذ الناس ذلك فقال نعم فبكى ذلك الابله ودخل الحجر وتعلق بأستار الكعبة وجعل يبكى ويطلب من الله أن يعطيه كتابه يعتقه من النار فجعل اصحابه والناس يطوفون يعرفونه ان فلانا مزح معك وهو لا يصدقهم بل بقى مستمرا على حاله فبينما هو كذلك سقطت عليه ورقة من طرف الميزاب فيها برآءته وعتقه من النار فسر بها واوقت الناس عليها وكان من آية ذلك الكتاب انه يقرأ من كل ناحية على السوآء لا يتغير كلما قلبت الورقة انقلبت الكتابة لانقلابها فعلم الناس أنه من عند الله وكفته اند دعا لفظى جامع است بيست خصلت از خصال حسنات درضمن آن مجتمع همجون معجونى ساخته ازاخلاط متفرق وآن عبادتست واخلاص وحمد وشكر وثنا وتهليل وتوحيد وسؤال ورغبت ورهبت وندا وطلب مناجات وافتقار وخضوع وتذلل ومسكنت واستعانت واستكانت والتجاء رب العالمين باين كلمات مختصرجه كفت ادعونى استجب لكم ترابا اين بيست خصلت تراميد هد تابدانى كه اين قرآن جوامع الكلم است(12/423)
قال فى ترويح القلوب الادب فى ابتدآء كل توجه او دعاء او اسم التوبة وذكر محامد الله والثناء عليه والتشفع بالنبى صلى الله تعالى عليه وسلم والصلاة عليه وهو مفتاح باب السعادة واكل الحلال وهو الترياق المجرب والتبرى من الحول والقوة وترك الالتجاء لغير الله وحسن الظن بالله وجمع الهمة وحضور القلب وغاية الدعاء اظهار الفاقة والا فالله يفعل ما يريد
جز خضوع وبندكى واضطرار ... اندرين حضرت ندارد اعتبار
فى الحديث اذا سألتم الله فاسألوه ببطون اكفكم ولا تسألوه بظهورها واذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم وما سئل الله شيأ احب اليه من أن يسأل العافية كما فى كشف الاسرار ومنه عرف أن مسح اليدين على الوجه عقيب الدعاء سنة وهو الاصح كما فى القنية قال فى الاسرار المحمدية كان عليه السلام يأمر اصحابه بمسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء ويحرض عليه وسر ذلك أن الانسان حال دعائه متوجه الى الله تعالى بظاهره وباطنه ولذا يشترط حضور القلب فيه وصحة الاستحضار فسر الرفع والمسح أن اليد الواحدة تترجم عن توجهه بظاهره واليد الاخرى عن توجهه بباطنه واللسان مترجم عن جملته ومسح الوجه هو التبرك والتنبيه على الرجوع الى الحقيقة الجامعة بين الروح والبدن لأن وجه الشىء حقيقة والوجه الظاهر مظهرها والمستحب ان يرفع يديه عند الدعاء الى حذآء صدره كذا فعله النبى عليه السلام كما رواه ابن عباس رضى الله عنهما والافضل أن يبسط كفيه ويكون بينهما فرجة وان قلت ولا يضع احدى يديه على الاخرى فان كان وقت عر او برد فأشار بالمسبحة قام مقام بسط كفيه والسنة ان يخرج يديه حين الدعاء من كميه قال سلطان العارفين ابو يزيد البسطامى قدس سره دعوت الله ليلة فاخرجت احدى يدى والاخرى ما قدرت على اخراجها من شدة البرد فنعست فرأيت فى منامى ان يدى الظاهر مملوءة نورا والاخرى فارغة فقلت ولم ذلك يا رب فنوديت ان اليد التى خرجت للطلب ملأناها والتى توارت حرمت ثم ان قوله(12/424)
{ ادعونى استجب لكم } يشير الى أن معنى ادعونى اطلبوا منى اى لا تطلبوا من غيرى فان من كنت له يكون له ما كان لى وان من يطلبنى يجدنى كما قال الا من طلبنى وجدنى ( قال الشيخ سعدى )
خلاف طريقت بودكاوليا ... تمنا كنند ازخدا جز خدا
نسأ الله تعالى أن يجعلنا من الداعين العابدين له بالاخلاص(12/425)
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61)
{ الله الذى جعل } بيافريد { لكم } براى منفعت شما { الليل } شب تيراه را { لتسكنوا فيه } ولتستريحوا فان الليل لكونه باردا رطبا تضعف فيه القوى المحركة ولكونه مظلما يؤدى الى سكون الحواس فتستريح النفس والقوى والحواس بقلة اشغالها واعمالها كما قال ابن هيصم جعل الليل مناسبا للسكون من الحركة لان الحركة على وجهين حركة طبع من الحرارة وحركة اختيار من الخطرات المتتابعة بسبب الحواس فخلق الليل مظلما لتنسد الحواس وباردا لتسكن الحركة ولذا قيل للبرد القر لاجل أن البرد يقتضى السكون والحر الحركة { والنهار مبصرا } اى مبصرا فيه او به يعنى يبصر به المبصرون الاشياء ولكونه حارا يقوى الحركات فى اكتساب المعاش فاسناد الابصار الى النهار مجاز فيه مبالغة ولقصد المبالغة عدل به عن التعليل الى الحال بان قال مبصرا دون لتبصروا فيه او به يعنى أن نفس النهار لما جعل مبصرا فهم أن النهار لكمال سببيته للابصار وكثرة آثار القوة الباصرة فيه جعل كأنه هو المبصر فان قيل فلم لم يسلك هناك سبيل المبالغة قلنا لأن نعمة النهار لشبهها بالحياة أتم واولى من نعمة الليل التى تشبه الموت فكانت احق بالمبالغة اذا المقام مقام الامتنان ولأن الليل يوصف بالسكون لسكون هوآئه وصفا مجازيا متعارفا فسلوك سبيل المبالغة فيه يوقع الاشتباه كما اشير اليه فى الكشاف ثم اذا حملت الآية على الاحتباك وقيل المراد جعل لكم الليل مظلما لتسكنوا فيه والنهار مبصرا لتنتشروا فيه ولتبتغوا من فضل الله فحذف من الاول بقرينة الثانى ومن الثانى بقرينة الاول لم يحتج الى ما ذكر كذا افاده سعدى المفتى قال بعضهم جعل الليل لتسكنوا فيه الى روح المناجاة والنهار مبصرا لتبصروا فيه بوادى القدرة وفيه اشارة الى ليل البشرية ليسكن اهل الرياضات والمجاهدات فيه الى استرواح القلوب ساعة فساعة لئلا يمل من مداومة لذكر والتعبد وحمل اعباء الامانة والى نهار الروحانية لجعله مظهرا للجد والاجتهاد فى الطلب والتصبر على التعب وسكون الناس فى الليل على اقسام
اهل الغفلة يسكنون الى استراحة النفوس والابدان
واهل الشهوة يسكنون الى مثالهم من الرجال والنسوان
واهل الطاعة يسكنون الى حلاوة اعمالهم وبسطهم واستقلالهم واهل المحبة يسكنون الى انين النفوس وحنين القلوب وضراعة الاسرار واشتعال الارواح بنار الشوق وهم يعدمون القرار فى ليلهم ونهارهم اولئك اصحاب الاشتياق ابدا فى الاحتراق
هركه از درد خدا آكاه شد ... ذكر وفكرش دائما الله شد
{ ان الله لذو فضل } عظيم { على الناس } بخلق الليل والنهار لا يوازيه فضل ولا يدانيه { ولكن أكثر الناس لا يشكرون } تكرير الناس لتنصيص تخصيص الكفران بهم بايقاعه على صريح اسمهم الظاهر الموضوع موضع الضمير الدال على أن ذلك كان شأن الانسان وخاصته فى الغالب اى لا يشكرون فضل الله واحسانه لجهلهم بالمنعم واغفالهم مواضع النعم اى رفعة شأنها وعلو قدرها واذا فقدوا شيأ منها يعرفون قدرها مثل ان يتفق لبعض والعياذ بالله أن يحبسه بعض الظلمة فى بئر عميق مظلم مدة مديدة فانه حينئذ يعرف قدر نعمة الهوآء الصافى وقدر نعمة الضوء(12/426)