لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38)
{ لكنا هو الله ربى } اصله لكن انا فحذفت الهمزة بنقل حركتها الى نون لكن او بدون نقل على خلاف القياس فتلاقت النونان فكان الادغام اثبت جميع القراء الفها فى الوقف وحذفوها فى الوصل غير ابن عامر فانه اثبتها فى الوصل ايضا لتويضها من الهمزة اولا جراء الوصل مجرى الوقف وهو ضمير الشأن مبتدأ خبره الله ربى وتلك الجملة خبرانا والعائد منها اليه ياء الضمير فى ربى والاستدراك من قوله أكفرت كأنه قال لاخيه انت كافر بالله لكنى مؤمن موحد فوقع لكن بين جملتين مختلفتين فى النفى والثابت { ولا اشرك بربى احدا } فيه ايذان بان كفره كان بطريق الاشراك .(7/364)
وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39)
{ ولولا اذ دخلت جنتك قلت } وهلا قلت عند دخول جنتك { ما شاء الله } ما موصولة خبر مبتدأ محذوف اى الامر ما شاء الله واللام فى الامر للاستغراق والمراد تحضيضه على الاعتراف بانها وما فيها بمشيئة الله تعالى ان شاء ابقاها على حالها عامرة وان شاء افناها وجعلها خربة { لا قوة الا بالله } اى هلا قلت ذلك اعترافا بعجزك وبان ما تيسر لك من عمارتها وتدبيرها انما هو بمعونته تعالى واقداره وفى الحديث « من رأى شيأ فاعجبه فقال ما شاء الله لا قوة الا بالله » لم تضره العين وفى الحديث « من رأى احدا اعطى خيرا من اهل او مال فقال عنده ما شاء الله لا قوة الا بالله لم ير فيه مكروها » وفسر النبى عليه السلام معنى لا حول ولا قوة الا بالله فقال « لا حول تحول عن معاصى الله الا بعصمه الله ولا قوة على طاعة الله الا بالله » وروى « انها دواء من تسعة وتسعين داء ايسرها الهمّ » { ان ترن انا اقل منك مالا وولدا } اصله ان ترنى والرؤية اما بصرية فاقل حال واما علمية فهو مفعول ثان والاول ياء المتكلم المحذوفة وانا على التقديرين تأكيد للياء .(7/365)
فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40)
{ فعسى } لعل { ربى ان يؤتين } اصله يؤتيننى { خيرا من جنتك } هذه فى الآخرة بسبب ايمانى لان الجنة الدنيوية فانية والاخروية باقية والجملة جواب الشرط { ويرسل عليها } على جنتك فى الدنيا { حسبانا من السماء } عذابا يرميها به من برد او صاعقة او نار .
قال فى القاموس الحسبان بالضم جمع حساب والعذاب والبلاء والشر والصاعقة .
يقول النقير انما توقعه فى حقه لعلمه بان الكفران مؤد الى الخسران وان الاعجاب سلب للخراب كما قال تعالى { ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم } فكلامه هذا جواب عن قول صاحبه المنكر ما اظن ان تبيد هذه ابدا { فتصبح } الاصباح هنا بمعنى الصيرورة اى تصير جنتك { صعيدا زلقا } مصدر اريد به المفعول مبالغة اى ارضا ملساه يزلق عليها بملاصقتها باستئصال نباتها واشجارها وجوز القرطبى ان تكون زلقا من زلق رأسه اى حلقه والمراد انه لا يبقى فيها نبات كالرأس المحلوق فزلقا بمعنى مزلوق ايضا .(7/366)
أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41)
{ او يصبح ماؤها غورا } اى غائرا فى الارض ذاهبا لا تناله الايدى ولا الدلاء فاطلق هذا المصدر مبالغة { فلن تستطيع } تقدر ابداله { له } اى للماء الغائر { طلبا } فضلا عن وجدانه ورده .
قال فى الجلالين لا يبقى له اثر تطلبه به .(7/367)
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42)
{ واحيط بثمره } عطف على مقدر كانه قيل فوقع بعض توقعه من المحذور واهلك امواله المعهودة التى هى جنتاه وما حوتاه مأخوذ من احاط به العدو لانه اذا احاط به فقد غلبه واستولى عليه فيهلكه { فاصبح } صار { يقلب كفيه } ظهر البطن تأسفا وتحسرا كما هو عادة النادمين فان النادم يضرب يديه واحدة على الاخرى .
قال فى بحر العلوم تقليب الكفين وعض الكف والانامل واليدين واكل البنان وحرق الاسنان ونحوها كنايات عن الندم والحسرة لانها من رواد فها تطلق الردافة على المردوف فيرتقى الكلام به الى الذروة العليا ويزيد الحسن بقبول السامع ولانه فى معنى الندم عدى تعديته بعلى كأنه قيل فاصبح يندم { على ما انفق } [ برآن جيزى خرج نموده بود اول ] { فيها } فى عمالتها من المال : وفى المثنوى
بر كذشته حسرت أوردن خطاست ... باز نايد رفته ياد آن هباست
ولعل تخصيص الندم به دون ما هلك الآن من الجنة لما انه انما يكون على الافعال الاختيارية .
يقول الفقير الظاهر ان الانفاق انما هو لتملكها فالتحسر على ماله مغن عن التحسر على الجنة لانها بدله وهذا شائع فى العرف كما يقول بعض النادمين قد صرفت لهذا كذا وكذا مالا وقد آل عمره الى الهلاك متحسرا على المال المصروف { وهى } اى الجنة من الاعناب المحفوفة بنخل { خاوية } خالية ساقطة يقال خوت الدار خويا تهدمت وخلت من اهلها { على عروشها } دعائمها المصنوعة للكروم سقطت عروشها على الارض وسقط فوقها الكروم وتخصيص حالها بالذكر دون النخل والزرع لكونها العمدة قيل ارسل الله عليها نارا فارحتقها وغار ماؤها { ويقول } عطف على يقلب { يا ليتنى } [ كاشكى من ] { لم اشرك بربى احدا } كأنه تذكر موعظة اخيه وعلم انه انما اتى من جهة الشرك فتمنى انه كان موحدا غير مشرك حين لم ينفعه التمنى ولما كان رغبته فى الايمان لطلب الدنيا لم يكن قوله هذا توبة وتوحيدا لخلوه عن الاخلاص .
قال ابن الشيخ فى سورة الانعام الرغبة فى الايمان والطاعة لا تنفع الا اذا كانت تلك الرغبة رغبة لكونه ايمانا وطاعة اما الرغبة فيه لطلب الثواب وللخوف من العقاب فغير مفيدة انتهى : وفى المثنوى
آن ندامت از نتيجه رنج بود ... نى زعقل روشن جون كنج بود
جونكه شدرنج آن ندامت شد عدم ... مى نيرزد خاك آن توبه ندم
ميكند او تو به وبرخرد ... بانك لو ردوا لعادوا ميزند(7/368)
وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43)
{ ولم تكن له فئة } جماعة { ينصرونه } يقدرون على نصره بدفع الهلاك او على رد الملهك والاتيان بمثله { من دون الله } فانه القادر وحده على نصره بذلك لا غير لكنه لا ينصره لاستحقاقه الخذلان بكفره معاصيه { وما كان منتصرا } ممتنعا بقوته عن انتقامه سبحانه .(7/369)
هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)
{ هنالك } اى فى ذلك المقام وتلك الحال [ دروقت زوال نعمت ] { الولاية لله الحق } اى النصرة له تعالى وحده لا يقدر عليها احد وهو تقرير لقوله تعالى { ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله } او ينصر فيها اولياءه المؤمنين على الكفرة وينتقم لهم كما نصر بما فعل بالكافر اخاه المؤمن وحقق ظنه وترك عدوه مخذولا مقهورا ويؤيده قوله تعالى { هو } اى الله تعالى رخير ثوابا وخير عقبا } بمعنى العاقبة اى لاوليائه .
قال سعدى المفتى وعقبى يشمل العاقبة الدنيوية ايضا كما لا يخفى .
قال فى الجلالين افضل ثوابا ممن يرجى ثوابه وعاقبة طاعته خير من عاقبة طاعة غيره .
واعلم ان هذه القصة مشتملة على فوائد كثيرة واعظمها ان التوحيد وترك الدنيا سبب للنجاة فى الدارين والشرك وحب الدنيا سبب للهلاك فيهما .
وعن وهب بن منبه انه قال جمع عالم من علماء بنى اسرائيل سبعين صندوقا من كتب العلم كل صندوق سبعون ذراعا فاوحى الله تعالى الى نبى ذلك الزمان ان قل لهذا العالم لا تنفك هذه العلوم وان جمعت اضعافا مضاعفة ما دام معك ثلاث خصال حب الدنيا ومرافقة الشيطان وايذاء مسلم وذلك ان فعرون علم نبوة موسى عليه السلام ولكن منعه حب الدنيا والرياسة عن المتابعة فلم ينفعه علمه المجرد وكذا علم ابليس حال آدم عليه السلام واليهود حال نبينا صلى الله عليه وسلم وما سعدوا بمجرد علمهم وما وجدوا خير عاقبة ولو عملوا بما وعظوا لنجوا وفى المثنوى
كرجه ناصح را بود صد داعيه ... بند را اذ نى ببايد واعيه
تو بصد تلطيف بندش مى دهى ... او ز بندت ميكند بهلوا تهى
بك كس ن مستمع زاستيز ورد ... صد كس كوينده را عاجز كند
انبيا ن صح تروخوش لهجة تر كى بود كه رفت دمشان درحجر آنجنان دلها كه بدشان وما ومن ... نعتشان شد بل اشد قسوة
ألا يرى لم ينجع فيه وعظ اخيه المسلم لزيادة قسوة قلبه فآلت عاقبته الى الندامة .(7/370)
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45)
{ واضرب لهم مثل الحياة الدنيا } اى اذكر لقوم وبين ما يشبهها فى زهرتها ونضارتها وسرعة زوالها لئلا يطمئنوا ولا يعكفوا عليها ولا يعرضوا عن الآخرة بالكلية كما استئناف لبيان المثل اى هى كماء { انزلناه من السماء } [ ازسحاب يازجانب سما ] ليس المراد تشبيه حال الدنيا بالماء وحده بل بمجموع ما فى حيز الاداة { فاختلط به نبات الارض } التف وتكاثف بسببه حتى خالط بعضه بعضا : يعنى [ قوت كرفت ونشو نماى خود بكمال رسانيد وزمين بدو تازه وخرم شد ] { فاصبح } فصار ذلك النبات الملتف اثر بهجته { هشيما } مهشوما مكسورا ليبسه من الهشم وهو كسر الشئ الرخو { تذروه الرياح } تحمله وتفرقه يقال ذرت الريح الشئ واذرته وذرته اطارته واذهبته وذرا هو بنفسه والحمنطة نقاها فى الريح كما فى القاموس .
وهذه الآية مختصرة من قوله { انما مثل الحياة الدنيا كماء } الآية .
قال الكاشفى [ همجنين آدمى بزندكى وتازكى كه دارد خوش برآيد همجنين كه نامه عمر ازعنفوان ببايان رسد مقتضى اجل درآمده نهال نهاداورا بصر صرفنا خشك سازد وخرمنهاى از وآرزورا بباد نيستى بردهد ]
بهار عمر بسى دلفريب ورنكينست ... ولى جه سود كه دارد خزان مرك از بى
{ وكان الله على كل شئ } من الانشاء والابقاء والافناء وغير ذلك { مقتدرا } قادرا على الكمال لا يعجزه شئ .
فعلى العاقل ان لا يغتر بالحاية الدنيا فانها فانية ولو طالت مدتها وزائلة ولو اعجبت زينتها : قال الشيخ سعدى قدس سره
جو شيبت درآمد روى شباب ... شبت روزشد ديده بركن زخواب
دريغاكه بكذشت عمر عزيز ... بخواهد كنشت اين دمى جند نيز
فرو رفت جم را يكى نازنين ... كفن كردجون كرمش ابريشمين
بدخنه درآمد بس از جند روز ... كه بروى بكريد بزارى وسوز جو بوشيده ديدش حرير كفن
بفكرت جنين كفت باخويشتن ... من از كرم بركنده بودم بزور
بكندند ازو باز كرمان كور ... در يغاكه بى ما بسى روز كار
برو يد كل وبشكفد نو بهار ... واعلم ان الذى ادركته العنايةالازلية بعد تعلق الروح بالجسد كتعلق الماء بالارض فيبعث الله اليه دهقانا من دهاقين الاولياء والانبياء ومعه بذر الايمان والتوحيد ليلقيه بيد الدعوة وتبليغ الرسالة فى ارض نفسه فيقع منها فى تربة طيبة وهى القلب كما ضرب الله تعالى مثلا { كلمة طيبة كشجرة طيبة } وكقوله { والبلد الطيبة يخرج نباته باذن ربه } فينبت عن بذر التوحيد وهى كلمة لا اله الا الله شجرة الايمان بماء الشريعة فيعلوا به الروح من اسفل سافلين الانسانية الى اعلى درجات الروحانية واقرب منازل قربات الربانية كقوله تعالى { اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } والله تعالى قادر على ان يخذله وينفيه فى اسفل سافلين الجسمانية الحيوانية ليصير الروح العلوى كالانعام بل هو اضل وعلى ان يجذبه بجذبات العنية على اعلى عليين مراتب القرب ليكون مسجودا للملائكة المقربين : قال المولى الجامى(7/371)
سالكان بى كشش دوست بجايى ترسند ... سالها كرجه درين راه تك وبوى كنند
نسأل الله تعالى ان يجذبنا بسلاسل محبته ويجعلنا من اهل طاعته وقربته .
قال وهب رأيت فى بعض الكتب الدنيا غنيمة الاكياس وغفلة الجهال فالانبياء والاولياء صلوات الله عليهم كانوا فى الدنيا ولم يلتفتوا اليها ولم يرغبوا فيها قالوا ليس كل من دخل المحبس يكون محبوسا فيه بل ربما دخله لاخراج المحبوس واستنقاذ المأسور فالنفوس النبوية ومن يتبعها انما وردت على عالم الكون والفساد لاستنقاذ انفوس المحبوسة المأسورة فكما ان المحبوس اذا اتبع ذلك الداخل خرج ونجا فكلك من اتبع الانبياء فى سننهم ومناهجهم خرج ونجا .(7/372)
الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)
{ المال والبنون زينة الحياة الدنيا } الزينة مصدر فى الاصل اطلق على المفعول مبالغة كأنهما نفس الزينة والمعنى ان ما يفتخر به الناس لا سيما رؤساء العرب من الماء والبنين شئ يتزينون به فى الحياة الدنيا ويفنى عنهم عن قريب . وبالفارسية [ مال وبسران آرايش زندكانئ دنيا آمدندتوشه راه معاد جه باندك زمانى تلف وهدف زوال خواهد شد ] وفى المثنوى
همجنين دنيا اكرجه خوش شكفت ... بانك هم زد بيوفايئ خويش كفت
كون مى كويد بيامن خوش بى ام ... وان فسادش كفت رو من لا شى ام
اى زخوبى بهاران لب كزان ... بنكر آن سردى وزردئ خزان
كودكى ازحسن شد مولاى خلق ... بعد فردا شد خرف رسواى خلق
{ والباقيات الصالحات } الباقيات اسم لاعمال الخير لا وصف ولذا لم يذكر الموصوف اى اعمال الخير التى تبقى ثمارتها ابدا لآباد من الصلاة والصوم واعمال الحج وسبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر ونحو ذلك من الكلم الطيب - روى - انه عليه السالم خرج على قومه فقال { خذوا جنتكم } قالوا يا رسول الله آمن عدو حضر قال « لا بل من النار » قالوا وما جنتنا من النار قال « سبحان الله » الى آخر الكلمات .
قال الكاشفى [ بعض علما برانندكه باقيات صالحات بنات است كه بحكم هن ستر من النار سبب خلاص والدين باشند ] وفى الحديث « من ابتلى » الابتلاء هو الامتحان لكن اكثر استعمال الابتلاء فى المحن والبنات مما تعد منها لان غالب هوى الخلق فى الذكور « من هذه البنات بشئ » من بيانية مع مجرورها حال من شئ « فاحسن اليهن » فسصر الشارح هنا لاحسان بالتزويج بالاكفاء لكن الاوجه ان يعمم الاحسان « كن له سترا من النار » لان احتياجهن اليه كان اكثر حال الصغر والكبر فمن يسترهن بالاحسان يجازى بالستر من النيران كما فى شرح المشارق لابن الملك { خير } من الفانيات الفاسدات من المال ولبنين { عند ربك } اى فى الآخرة { ثوابا } عائدة تعود الى صاحبها { وخير املا } رجاء حيث ينال بها صاحبها فى الآخرة كل ما كان يؤمله فى الدنيا واما ما مر من المال والبنين فليس لصاحبه امل يناله .
والآية تزهيد للمؤمنين فى زينة الحياة الدنيا الفانية وتوبيخ للمفتخرين بها .
قال بعضهم لا ينجو من زينة الحياة الدنيا الا من كان باطنه مزينا بانوا رالمعرفة وضياء المحبة ولمعان الشوق وظاهره مزينا بآداب الخدمة وشرف الهمة وعلو النفس وتغلب زينة باطنه زينة حب الدنيا شوقا منه الى ربه وتغلب زينة ظاهره زينة الدنيا لان زينتها ازين .(7/373)
وعن الضحاك عن النبى عليه السلام انه قيل يا رسول الله من ازهد الناس قال « من لم ينس القبر والبلى وترك فضول زينة الدنيا وآثر ما يبقى على ما يفنى ولم يعد من ايامه غدا وعد نفسه من الموتى » وفى الحديث « قال الله تعالى يفرح عبدى المؤمن اذا بسطت له شيأ من الدنيا وذلك ابعد له منى ويحزن اذا قترت عليه الدنيا وذلك اقرب له منى » ثم تلا عليه السلام هذه الآية { يحسبون انما نمدهم به من مال وبنين لسارع لهم فى الخيرات بل لا يشعرون } ان ذلك فتنة لهم : قال الشيخ سعدى
كى بارسا سيرت وحق برست ... فتادش يكى خشت زرين بدست
همه شب در انديشه كين كنج ومال ... درو تازيم ره نيابد زوال
دكر قامت عجزم ازبهر خواست ... نيايد بركس دوتا كرد وراست سرابى كنم باى بستش رخام
درختان سقفش همه عود خام ... بكى حجره خاص ازبى دوستان
درحجره اندر سرا بوستان ... بفرسودم ازرقعه بررقعه دوخت
تف ديكران جشم ومغزم بسوخت ... ديكر زير دستان برندم خورش
براخت دهم روح را برورش ... بسختى بكشت اين نمد بسترم
روم زين سبس عبقرى كسترم ... خيالش حزف كرد وكاليوه رنك
بمغزش فرو برده خرجنك جنك ... فراغ مناجات وزارش نماند
خور وخواب وذكر ونمازش نماند ... بصحرا در آمد سراز عشوه مست
كه جايى نبودش قرار نشست ... بكى بر سر كور كل ميسرشت
كه حاصل كند زان كل كور خشت ... بانديشه لختى فرو رفت بير
كه اى نفس كوته نظر بندكير ... جه بندى درين خشت زرين دلت
كه يك روز خشتى كنند از كلت ... توغافل در انديشه سود ومال
كه سرمايه عمر شد بايمال ... بكن سرمه غفلت از جشم باك
كه فردا شوى سهامه در جشنم خاك ...(7/374)
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)
{ ويوم نسير الجبال } اى اذكر حين نقلعها من اماكنها وتسير فى الجو على هيآتها او تسير اجزاؤها بعد ان نجعلها هباء منبثا والمراد بتذكيره تحذير المشركين مما فيه من الدواهى { وترى } يا محمد او يا كل من يصلح للرؤية { الارض } جميع جوانبها { بارزة } ظاهرة ليس عليها ما يسترها من بجل ولا شجر ولا نبات { وحشرناهم } جمعنا اهل الايمان والكفر الى الموقف من جانب { فلم نغادر } لم نترك { منهم احدا } تحت الارض يقال غادره واغدره اذا تركه ومنه الغدر الذى هو ترك الوفاء والغدير ما غاره السيل وتركه فى الارض الغائرة .(7/375)
وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48)
{ وعرضوا } اى الخلائق يوم القيامة يعنى المحشورين { على ربك } على حكمه وحسابه { صفا } مفرد منزل منزلة الجمع كقوله تعالى { ثم يخرجكم طفلا } اى اطفالا والمعنى صفوفا يقف بعضهم وراء بعض غير متفريقين ولا مختلطين شبهت حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان ليحكم فيهم بما اراد لا ليعرفهم { لقد جئتمونا } اى فيقال لهم ثمة لقد جئتمونا كائنين { كما خلقناكم اول مرة } حفاة عراة لا شئ من المال والولد .
وعن عائشة رضى الله عنها قلت يا رسول الله كيف يحشر الناس يوم القيامة قال « عراة حفاة » قلت والنساء قال « نعم » قلت يا رسول الله نستحيى قال « يا عائشة الامر اشد من ذلك لن يهمهم ان ينظر بعضهم الى بعض »
وفى التأويلات { وعرضوا على ربك صفا } اى صفا صفا من الانبياء والاولياء والمؤمنين والكافرين والمنافقين ويقال لهم { لقد جئتمونا كما خلقناكم اول مرة } فى خمسة صفوف صف من الانبياء وصف من الاولياء وصف من المؤمنين وصف من الكافرين وصف من المنافقين { بل زعمتم } ايها الكافرون المنكرون المنكرون للبعث والزعم الادعاء الكذب { ان } مخففة من الثقيلة { لن نجعل لكم موعدا } بل للخروج والانتقال من قصة الى اخرى كلاهما للتوبيخ والتقريع اى زعمتم فى الدنيا انه لن نجعل لكم ابدا وقتا ننجز فيه ما وعدناه على ألسنة الانبياء من البعث وما يتبعه .
والآية تشير الى عزته تعالى وعظمته واظهار شظية من صفة جلاله وقهره وآثار عد له لينتبه النائمون من نوم غفلتهم ويتأهب الغافلون باسباب النجاة لذلك اليوم ويصلحوا امر سريرتهم وعلانيتهم لخطاب الحق تعالى وجوابه اذ اليه المرجع والمآب والعرض على الله هو العرض الاكبر ليس كعرض على الملوك .
قال عتبة الخواص بات عندى عتبة الغلام فبكى حتى غشى عليه فقلت ما يبكيك دل ذكر العرض على الله قطع او صل المحبين - حكى - ان سليمان بن عبد الملك وهو سابع خلفاء المروانية قال لابى حازم ما لنا نكره الآخرة قال لانكم عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة فتكرهون الانتقال من العمران الى الخراب فقال صدقت يا ابا حازم فياليت شعرى مالنا عند الله تعالى غدا قال ان شئت تعلم ذلك ففى كتاب الله فقال اين اجده فقال فى قوله { ان الابرار لفى نعيم وان الفجار لفى جحيم } قال فكيف يكون العرض على الله تعالى فقال اما المحسن فكالغائب يقدم على اهله مسرورا واما المسيئ فكالآبق يقدم على مولاه محسورا فبكى سليمان بكاء شديدا : قال الشيخ سعدى قدس سره
تريزد خدا آب روى كسى ... كه ريزد كناه آب جشمش بسى
كر آيينه ازآه كردد سياه ... شود روشن آينيه دل زآه
بترس ازكناهان خويش اين نفس ... كه روز قيامت نترسى زكس
بليدى كند كربه در جاى باك ... جو زشتش نمايد بيوشد بخاك
تو آزادى ازنا بسنديدها ... نترسى كه بروى فتد ديدها
بر انديش ازبنده بر كناه ... كه ازخواجه غائب شود جندكاه
اكرباز كردد بصدق ونياز ... بزنجير وبندش نيار ندباز(7/376)
- روى - عن الفضيل بن عياض رحمه الله انه قال انى لا اغبط ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ولا عبدا صالحاأليس هؤلا ء يعاينون القيامة واهوالها وانما اغبط من لم يخلق لانه لا يرى احوال القيامة وشدائدها وذلك لان من عاين الامر على ما هو عليه اشتد خوفه ولم ير لنفسه حالا ولا مقاما مع ان المرأ لا يخلو عن اسباب منجية ومهلكة فأى الرجال المهذب - روى - ان عمر رضى الله عنه رؤى بعد موته بثنتى عشرة سنة وهو يمسح جبينه ويقول كنت فى الحساب الى الآن وقد نوقشت فى حدى سقط من جسر مكسور فانكسرت رجله على انى لم اجرم له ولم اصلح الجسر حتى سقط . الجدى ولكن غفر الله لى وعفا عنى بسبب عصفور اشترتيه من صبى فارسله .(7/377)
وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)
{ ووضع الكتاب } عطف على عرضوا داخل تحت الامور الهائلة التى اريد تذكيرها بتذكير وقتها وضع صحف الاعمال فى ايمان اصحابها وشمائلها او فى الميزان { فترى المجرمين } قاطبة { مشفقين } خائفين { مما فيه } من الذنوب ومن ظهورها لاهل الموقف
شد سيه جون نامهاى تعزيه ... بر معاصى متن نامة حاشيه
جمله فسق ومعصيت يد يكسرى ... همجو دار الحرب بر از كافرى
آنجنان نامه بليد وبر وبال ... در يمين نايد در آمد در شمال
خود همينجا نامه خودرا ببين ... دست جب را شايد آن در يمين
جون نباشى راست مى دان كه جبى ... هست بيدا نعره شير وكى
كرجى باحضرت اوراست باش ... تا ببينى دست برد لطفها ش
{ ويقولوان } عند وقوفهم على تضاعفيه نقيرا وقطميرا تعجبا من شأنه { يا ويلتنا } منادين لهلكتهم التى هلكوا بها من بين الهلكات مستدعين لها ليهلكوا ولا يروا هول مالاقوه فان الويل والويلة الهلكة اى يا هلكتنا احضرى وتعالى فهذا اوانك { مال هذا الكتاب } .
قال البقاعى رسم لام الجر وحده اشارة الى انهم صاروا من قوة الرعب وشدة الكرب يقفون على بعض الكلمة اى أيّ شئ له حال كونه { لا يغادر } لا يترك { صغيرة ولا كبيرة } من الزلل تصدر عن جانيها { الا احصيها } حواها وضبطها .
وعن ابن عباس رضى الله عنهما الصغيرة التبسم والكبيرة القهقهة .
وعن سعيد بن جبير الصغيرة المسيس والكبيرة الزنا .
وفى التأويلات النجمية الصغيرة كل تصرف فى شئ بالشهوة النفسانية وان كان من المناجاة والكبيرة التصرف فى الدنيا على حبها وان كان من حالالها لان حب الدنيا رأس كل خطيئة انتهى .
وفى الحديث « اياكم ومحقرات الذنوب فان محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى طبخوا اخبزتهم » وفى الحديث « اياكم ومحقرات الذنوب فانها تجيئ يوم القيامة كامثال الجبال وكفارتها الصدقة » { ووجدوا ما عملوا } فى الدنيا من السيآت او جزاء ما عملوا { حاضرا } مثبتا فى كتابهم .
وفى التأويلات لانهم كتبوا صالح اعمالهم بقلم افعالهم فى صحائف قلوبهم وسوء اعلمالهم فى صحائف نفوسهم وقد يوجد عكس ما فى هذه الصحائف على صفحان الارواح نورانيا او ظلمانيا { ولا يظلم ربك احدا } فيكتب ما لم يعمل من السيآت او يزيد فى عقابه الملائك لعمله فيكون اظهارا لمعدلة القلم الازلى .
وفى التأويلات فان كان النور غالبا على صفحة روحه فهو من اهل الجنة وان كانت الظلمة غالبا عليها فهو هالك من لا يشوب نوره بالظلمة فهو من اهل الدرجات والقربات ومن ادركته الجذبات وبدلت سيآته بالحسنات واخرج الى النور الحقيقى من الظلمات فهو فى مقعد صدق عند مليك مقتدر انتهى .(7/378)
فعليك بالحسنات والكف عن السيآت فان كل احد يجد ثمرة شجرة اعماله .
عن عائشة رضى الله عنها انها كانت جالسة ذات يوم اذا جاءت امرأة قد سترت يدها فى كمها فقالت عائشة مالك لا تخرجين يدك من كمك قالت لا تسألينى يا ام المؤمنين انه كان لى ابوان وكان ابى يحب الصدقة واما امى فكانت تبغض الصدقة فلم ارها تصدقت بشئ الا قطعة شحم وثوبا خلقا فلما ماتا رأيت فى المنام قد قامت القيامة ورأيت امى قائمة بين الخلق واضعة الخلقان على عورتها ورأيت الشحم بيدها وهى تلحسه وتنادى واعطشاه ورأيت ابى على شفير الحوض وهو يسقى الماء ولم يكن عند ابى صدقة احب اليه من سقى الماء فأخذت قدحا من ماء فسقيت امى فنوديت من فوق ألا من سقاها شلت يده فاستيقظت وقد شلت يدى : قال الحافظ قدس سره
دهقان سال خورده جه خوش كفت بايسر ... اى نور جشم من بجز از كشته ندروى
قال الشيخ سعدى قدس سره
كمنون وقت تخمست اكر برورى ... كراميدوارى كه خرمن برى
بشهر قيامت مرو تنكدست ... كه وجهى ندارد بغفلت نشست
مكن عمر ضايع بافسوس وحيف ... كه فرصت عزيزست والوقت سيف(7/379)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)
{ واذ قلنا للملائكة } اى اذ كر وقت قولنا لهم { اسجدوا لآدم } سجود تحية وتكريم لا سجود عبادة وكان ذلك مشروعا فى الامم السالفة ثم نسخ بالسلام { فسجدوا } جميعا غير الارواح العالية امتثالا للامر وانما لم يسجد الملائكة العالون لأنهم لم يؤمروا بالسجود وقد سبق فى سورة الحجر { الا ابليس } فانه لم يسجد بل ابى واستكبر وكأنه قيل ما باله لم يسجد فقيل { كان من الجن } اى كان اصله جنيا خلق من نار السموم ولم يكن من الملائكة وانما صح الاستثناء المتصل لانه امر بالسجود معهم فغلبوا عليه فى قوله { فسجدوا } ثم استثنى كما يستثنى الواحد منهم استثناء متصلا كقولك خرجوا الا فلانة لا مرأة بين الرجال .
قال فى كتاب التكملة قيل ان المراد بقوله { كان من الجن } اى كان اول الجن لان الجن منه كما ان آدم من الانس لانه اول الانس . وقيل انه كان بقايا قوم يقال لهم الجن كان الله تعالى قد خلقهم فى الارض قبل آدم فسفكوا الدماء وقاتلتهم الملائكة .
وقيل انه كان من قوم خلقهم الله وقال لهم اسجدوا لآدم فابوا فبعث الله عليهم نارا احرقتهم ثم خلق هؤلاء بعد ذلك فقال لهم اسجدوا لآدم ففعلوا وابى ابليس لانه كان من بقية اولئك الخلق .
قال البغوى كان اسمه عزازيل بالسريانية وابالعربية الحارث فلما عصى غير اسمه وصورته فقيل ابليس لانه ابلس من الرحمة اى يئس والعياذ بالله تعالى { ففسق عن امر ربه } اى خرج عن طاعته فالامر على حقيقته جعل عدم امتثاله للامر خروجا عنه ويجوز ان يكون المراد المأمور به وهو السجود والفاء للسببية لا للعطف اى كونه من الجن سبب فسقه ولو كان ملكا لم يفسق عن امر ربه لان الملك معصوم دون الجن والانس .
قال فى التأويلات النجمية { ففسق عن امر ربه } وخلع قلادة التقليد عن عنقه ليعلم ان الاصيل لا يخطئ وعند الامتحان يكرم الرجل او يهان كام ان البعرة تشابه المسك وتعارضه فى الصورة فلما امتحانا بالنار تبين المقبول من المردود والمبغوض من المودود : وقال الحافظ قدس سره
خوش بود اكرمحك تجر به آمد يميان ... تاسيه روى شود هركه دروغش باشد
{ أفتتخذونه } الهمزة للانكار والتعجب والفاء اى عقيب علمكم يا بنى آدم بصدور الفسق عن ابليس تتخذونه { وذريته } اى اولاده واتباعه جعلوا ذريته مجازا .
قال الكاشفى [ كويند بمعنى اتباع وتسميه ايشان بذريت ازقبيل مجاز بود واكثر برانتد كه او زذريت نيست ] قيل فى القاموس ذرأكم كجعل خلق ولاشئ كثره ومنه الذرية مثلثة لنسل الثقلين انتهى وسيأتى الكلام على هذا { اولياء من دونى } فتستبدلونهم بى فتطيعونهم بدل طاعتى اى ذلك الاتخاذ منكر غاية الانكار حقيق بان يتعجب منه ومعنى الاستبدال منهم من قوله من دونه فان معناه مجاوزين عنى اليهم وهو عين الاستبدال { وهم } اى والحال ان ابليس وذريته { لكم عدو } اى اعداء حقهم ان تعادوهم لا ان توالوهم شبه بالمصادر للموازنة كالقبول { بئس للظالمين بدلا } من الله ابليس وذريته تمييز .(7/380)
مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51)
{ ما اشهدتم } اشارة الى غناه تعالى عن خلقه ونفى مشاركتهم فى الالوهية اى ما احضرت ابليس وذريته { خلق السموات والارض } لاعتضد بهم فى خلقهما واشاورهم فى تدبير امرهما حيث خلقتهما قبل خلقهم .
وفيه رد لمن يدعى ان الجن يعلمون الغيب لانهم لم يحضروا خلق السموات والارض حتى يطلعوا على مغيباتهما { ولا خلق انفسهم ولا اشهدت بعضهم خلق بعضهم } كقوله تعالى { ولا تقتلوا انفسكم } { وما كنت متخذ المضلين } اى الشياطين الذين يضلون الناس عن الدين والاصل متخذهم فوضع المظهر موضع المضمر ذما لهم وتسجيلا عليهم بالاضلال { عضدا } اعوانا فى شأن الخلق وفى شأن من شؤونى حتى يتوهم شركتهم فى التولى بناء على الشركة فى بعض احكام الربوبية .
قال فى القاموس العضد الناصر والمعين وهم عضدى واعضادى انتهى .
اعلم ان الله تعالى منفرد فى الالوهية والكل مخلوق له وقد خلق الملائكة والجن والانس فباين بينهم فى الصورة والاشكال والاحوال .
قال سعيد بن المسيب الملائكة ليسوا بذكور ولا اناث ولا يتوالدون ولا يأكلون ولا يشربون والجن يتوالدون وفيهم ذكور واناث ويموتون والشياطين ذكور واناث يتوالدون ولا يموتون بل يخلدون فى الدنيا كما خلد فيها ابليس وابليس هو ابو الجن وقيل انه يدخل ذنبه فى دبره فيبيض بيضة فتفلق البيضة عن جماعة من الشياطين قال الامام السهيلى فى كتاب التعريف والاعلام سمى من ولد ابليس فى الحديث الاقبص دهامه بن الاقبص وسمى منهم بلزون وهو الموكل بالاسواق وامهم طرطية ويقال بل هى حاضنتهم ذكره النقاش باضت ثلاثين بيضة عشرا فى المشرق وعشرا فى المغرب وعشرا فى وسط الارض وانه خرج من كل بيضة جنس من الشياطين كالعفاريت والغيلان والقطاربة والجان واسماؤهم مختلفة وكلهم عدو لبنى آدم بنص هذه الآية الا من آمن منهم انتهى .
قال الكاشفى [ درتبيان آورده كه جون حق سبحانه وتعالى ابليس را برانداز بهلوى جب او زوجه اوراكه آودنم دارد بيافريد واورا بثمار ريكهاى ببايان فرزندانند وازولاد او بكى مرء است كنيث بدو يافته است وديكر لاقيس موسوس صلوات و « ولهان » بالترحيم الوضوء « وامام احمد غزالى رحمه الله دار اربعين آورده كه شيطان را جند فرزنداست وبانفاق زلنبور ازاولاد او صاحب اسواقست كه بدروغ وكم قروشى وخيانت وسوسه ميكند وابعوال صاحب ابواب زنانست يعنى » صاحب الزنى الذى يأمر به ويزينه « وثبر صاحب مصائب كه بثبور ونوحه وشق جيوب ولطم خدود ودعوى الجاهليةميفرمايد ومبسوط صاحب اراجيفست يعنى » صاحب الكذب الذى يسمع فيلقى الرجل فيخبر بالخبر فيذهب الرجل الى القوم فيقول لهم قد رأيت رجلا اعرف وجهه ما ادرى ما اسمه حدثنى بكذا وكذا « وداسم باخورنده طعام كه بسم الله نكفته باشد شركت ميكند ] .(7/381)
وفى آكام المرجان داسم هو الذي يدخل مع الرجل واهله يريه العيب فيهم ويغضبه عليهم [ ومدهيش موكل علما است كه ايشانرا براهواء مختلفه ميدارد ] .
ثم فى الآيتين اشارات . منها ما يتعلق بالله تعالى اراد ان يظهر صفة لطفه وصفة قهره وكمال قدرته وحكمته فاظهر صفة لطفه بآدم اذ خلقه من صلصال من حمأ مسنون وامر ملائكته الذين خلقوا من النور بسجوده من كمال لطفه وجوده واظهر صفة قهره بابليس اذ امره بسجوده لآدم بعد ان كان رئيس الملائكة ومقدمهم ومعلمهم واشدهم اجتهادا فى العبادة حتى لم يبق فى سبع السموات ولا فى سبع الارضين موضع شبر الا وقد سجد ببه تعالى عليه سجدة حتى امتلأ من العجب بنفسه حتى لم يرا احدا فابى ان يسجد لآدم استكبارا وقال انا خير منه فلعنه الله وطرده اظهارا للقهر كمال قدرته وحكمته بان بلغ من غاية القدرة والحكمة من خلق من قبضة تراب ظلمانى كثيف سفلى الى مرتبة يسجد له جميع الملائكة المقربين الذين خلقوا من نور علوى لطيف روحانى .
ومنها ما يتعلق بآدم عليه السلام وهو انه تعالى لما اراد ان يجعله خليفة فى الارض اودع فى طينته عند تخميرها بيده اربعين صباحا سر الخلافة وهو استعداد قبول الفيض الالهى بلا واسطة وقد اختصه الله وذريته بهذه الكرامة بقوله { ولقد كرمنا بنى آدم } من بين سائر المخلوفات كما اخبر عليه السلام عن كشف قناع هذا السر بقوله { ان الله خلق آدم فتجلى فيه } ولهذه الكرامة صار مسجودا للملائكة المقربين :
قال الحافظ قدس سره
فرشته عشق نداندكه جيست قصه مخوان ... بخواه جام وكلابى بخاك آدم ريز
ومنها ما يتعلق بالملائكة وهو انهم لما خلقوا من النور الروحانى العلوى كان من طبعهم الانقياد لاوامر الله تعالى والطاعة والعبودية فلما امروا بسجود آدم وامتحنوا به وذلك غاية الامتحان لان السجود اعلى مراتب العبودية والتواضع لله فاذا امتحن احد ان يسجد لغير الله وذلك غاية الامتحان للامتثال فلم يتعلثموا فى ذلك وسجدوا لآدم بالطوع والرغبة من غير كره واباء امتثالا وانقيادا لاوامر الله كما قال { لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون } ومنها ما يتعلق بابليس وهو انه لما خلق للضلالة والغواية والاضلال والغواء خلق من النار وطبعها الاستعلاء والاستكبار وان نظمه الله فى سلك الملائكة منذ خلقه وكساه كسوة الملائكة وهو قد تشبه بافعالهم تقليد لا تحقيقا حتى عد من جملتهم وذكر فى زمرتهم بل زاد عليهم فى الاجتهاد والاعتياد بالاعتقاد فاتخذوه رئيسا ومعلما لما رأوا منه اشتداده فى الاجتهاد بالاراءة دون الارادة فلما امتحن بسجود آدم فى جملة الملائكة هبت نكباء النكبة وانخلع عنه كسوة اهل الرغبة والرهبة لتمييز الله الخبيث من الطيب فطاشت عنه تلك المخادعات وتلاشت منه تلك المبادرات وعاد الميشوم الى طبعه وقد تبين الرشد من غيه فسجد الملائكة وابى ابليس واستكبر من غيه وظهر انه كان من الجن وانه طبع كافرا : قال الحافظ قدس سره(7/382)
زاهد ايمن مشو از بازئ غيرت زنهار ... كه ره ازصومه تادير مغان اين همه نيست
ومنها ان فى اولاد آدم من هو فى صورة آدم لكنه فى صفة ابليس وانهم شياطين الانس واماراتهم انهم يتخذون ابليس وذريته اولياء من دون الله فيطيعون الشيطان ولا يطيعون الرحمن ويتبعون ذرية الشيطان ولا يتبعون ذرية آدم من الانبياء والاولياء ولا يفرقون بين الاولياء والاعداد فبجهلهم يظلمون على انفسهم ويبدلون الله وهو وليهم بالشياطين وهم لهم عدو واولياء الله تعالى هم الذين لا يبدلون الله تعالى بما سواه ويتخذون ما سواه عدوا كما قال ابراهيم خليل الله { فانهم عدو لى الا رب العالمين } لانه رأى صحة الخلة مع الله فى صحة العداوة مع ما سواه .
ومنها ان اخباره تعالى بانه ما اشهد الشياطين خلق السموات والارض ولا خلق انفسهم دليل على انه يشهد بعض اوليائه على ما لم يشهد اعداءه فيبصر بنوره الازلى ابتداء تعلق قدرته ببعض الاشياء المعدومة وكيفية اخراجها من العدم الى الوجود واما قول اهل النظر لا يبحث عن كيفية وجود البارئ تعالى وكيفية تعلق القدرة بالمعدومات وكيفية العذاب بعد الموت ونحو ذلك فلا ينافيه اذا المستبعد عند العقل الجزئى مستقرب عند الكشف الكلى وكلامنا مع اهل الكشف لا مع غيره : قال الصائب
سخن عشق باخرد كفتن ... بررك مرده نيشتر زدنست
وفى المثنوى
اى كه برد عقلى هديه باله ... عقل اينجا كترست ازخاك راه(7/383)
وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52)
{ ويوم يقول } اى يوم يقول الله للكفار توبيخا وتعجيزا وهو يوم القيامة وقال بعضهم يقول على ألسنة الملائكة . يقول الفقير الاظهر هو الاول لانه قد ثبت ان الله تعالى يتجلى يوم القيامة للخلق مسلمهم وكافرهم بصور شتى حتى يرونه بحسب ما اعتقدوه فى هذه الدار فلا يبعد كلامه معهم ايضا لانه كلام بالعيب والتوبيخ لا بالرضى والتشريف كما كلم ابليس بعد اللعن والطرد على ما سبق فى سورة الحجر ونحوها { نادوا شركائى } اضافهم اليه على زعمهم تهكما بهم وتقريعا لهم { الذين زعمتم } ادعيتم انهم شفعاؤكم ليشفعوا لكم والمراد بهم كل من عبد من دونه تعالى { فدعوهم } اى نادوهم للاعانة ذكر كيفية دعوتهم فى آية اخرى { قالوا انا كنا لكم تبعا فهل انتم مغنون عنا } { فلم يسجيبوا لهم } فلم يغيثوهم اى لم يدفعوا عنهم ضرا ولا اوصلوا اليهم نفعا اذا لا امكان لذلك فهو لا ينافى اجابتهم صورة ولفظا كما قال حكاية عن الاصنام انها تقول { ما كانوا ابانا يعبدون } وفيه اشارة الى ان امتثال او امره ونواهيه ينفع العبد اذا كان فى الدنيا قبل موته وبثمره فى الآخرة فاما اذا كان فى الآخرة فلا ينفعه الايمان والاعمال فان قوله { نادروا شركائى } امر من الله تعالى وقد امتثلوا امره بقوله { فدعوهم } فلم ينفعهم الامتثال لان الشركاء { فلم يستجيبوا لهم } { وجعلنا بينهم } بين الداعين والمدعوين { موبقا } اسم مكان او مصدر من وبق وبوقا كوثب وثوبا او وبق وبقا كفرح فرحا اذا هلك مهلكا يشتركون فيه وهو النار او عداوة هى فى الشدة نفس الهلاك .
وقال الفرآء { وجعلنا } تواصلكم فى الدنيا هلاكا فى الآخرة فالبين على هذا القول التواصل كقوله تعالى { لقد تقطع بينكم } على قراءة من قرأ بالرفع ومفعول اول لجعلنا وعلى الوجه الاول مفعول ثان .
قال فى القاموس الموبق كمجلس المهلك وواد فى جهنم وكل شئ حال بين الشيئين انتهى فالمعنى على الثانى بالفارسية [ وادى ازوادهاى دوزخ بيدا كنم ميان ايشان كه مهلكه عظيم باشد وهمه ايشانرا دران معذب سازيم ] .
يقول الفقير الظاهر ان المعنى على الثالث اى جعلنا بينهم برزخا يفصل احدهما عن الآخر فلا يشفع مثل الملائكة وعيسى وعزير وتبرأ غيرهم وهو لا ينفى الاجتماع والاشتراك فى النار بمن قضى له الدخول كما لا يخفى .(7/384)
وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53)
{ ورأى المجرمون النار } حين امروا بالسوق اليها .
قال الكاشفى [ وبه بيند مشركان آتش دوزخ را ازجهل ساله را ] { فظنوا } فايقنوا { انهم مواقعوها } مخالطوها واقعون فيها فان المخالطة اذا قويت سميت مواقعة .
قال الامام والاقرب انهم يرون النار من بعيد فيظنون انهم مواقعوها مع الرؤية من غير مهلة لشدة ما يسمعون من تغيظها وزفيرها كقوله تعالى { واذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا } والمكان البعيد مسير خمسمائة سنة { ولم يجدوا عنها مصرفا } انصرافا او مكانا ينصرفون اليه .
قال الكاشفى [ مصرفا مكانى باز كردند بدآن يا كريز كاهى ] لانها احاطت بهم من كل جانب .(7/385)
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54)
{ ولقد صرفنا } اى اقسم قسما لقد كررنا وادرنا على وجوه كثيرة من النظم { فى هذا القرآن للناس } لمصلحتهم ومنفعتهم { من كل مثل } كمثل الرجلين المذكورين ومثل الحياة الدنيا ليتذكروا ويتعظوا او من كل معنى داع الى الايمان هو كالمثل فى غرابته وحسنه .
قال الكاشفى [ ازهر مثل بران محتاجند ازقصص كذشته كه سبب عبرت كردد ودلائل قدرت كامله كه موجب ازدياد بصيرت شود ]
حق تعالى بمحض فضل عميم دركتاب كريم وحكم قديم
آنجه مر جمله را بكار آيد ... كفته است آنجنانكه مى آيد
{ وكان الانسان } جنس الانسان بحسب جبلته { اكثر شئ جدلا } جدلا تزييز اى اكثر الاشياء التى يتأتى منها الجدل كالجن والملك اى جدله اكثر من جدل كل مجادل وهو ههنا شدة الخصومة بالباطل لاقتضاء خصوصية المقام والا فالجدل لا يلزم ان يكون بالباطل قال تعالى { وجادلهم بالتى هى احسن } وهو من الجدل الذى هو الفتل والمجادلة الملاواة لان كلا من المجادلين يلتوى على صاحبه وفى الحديث « ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه الا اولوا الجدل » رواه ابو امامة كما فى تفسير ابى الليث .
قال فى التأويلات النجمية من طبيعة الانسان المجادلة والمخاصمة وبها يقطعون الطريق على انفسهم . فتارلة مع الانبياء يجادلون لا يقبلون بالنبوة والرسالة حتى قاتلونهم وتارة يجادلون فى الكتب المنزلة ويقولون ما انزل الله على بشر من شئ . وتارة يجادلون فى محاكماتها وتارة يجادلون فى متشابهاتها . وتارة يجادلون فى ناسخها ومنسوخها . وتارة يجادلون فى تفسيرها وتأويلها . وتارة يجادلون فى اسباب نزولها . وتارة يجادلون فى قراءتها . وتارة يجادلون فى قدمها وحدوثها على هذا حتى لم يفرغوا من المجادلة الى المجاهدة ومن المخاصمة الى المعاملة ومن المنازعة الى المطاوعة ومن المناظرة الى المواصلة فلهذا قال تعالى { وكان الانسان اكثر شئ جدلا } ومن هذا عالجهم يقول { قل الله ثم ذرهم } الآية ومن كلمات مولانا قدس سره
ما راجه ازين قصه كه كاو آمد وخر رفت ... اين وقت عزيزست ازين عربده بازآمى
فعلى العاقل ان يشتغل بنفسه وبترك المراء والجدل فان مرجعه هو النقيض والتمزيق للغير وهو من مقتضى السبعية وفى الحديث « لا يستكمل عبد حقيقة الايمان حتى يدع المراء وان كان محقا » فاذا لزم ترك الجدال وهو محق فكيف وهو مبطل اعاذنا الله تعالى واياكم منه بفضله وجعلنا من المتكلمين بالخير والمعرضين عن لغو الغير قال تعالى { واذا مروا باللغو مروا كراما } الآية وقال { واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما . }(7/386)
وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55)
{ وما منع الناس } اى لم يمنع اهل مكة من { ان يؤمنوا } بالله تعالى ويترك الشرك الذى هم عليه { اذ جاءهم الهدى } وهو الرسول الكريم الداعى والقرآن العظيم الهادى { و } من ان { يستغفروا ربهم } من انواع الذنوب { الا } انتظار { ان يأتيهم سنة الاولين } اى سنة الله وعادته فى الامم الماضية وهو الاستئصال لما كان تعنتهم مفضيا اليه جعلوا كأنهم منتظرون له { او } انتظار ان { يأتيهم العذاب } عذاب الآخرة حال كونه { قبلا } انواعا جمع قبيل اوعيانا لهم اى معاينا . وبالفارسية [ روى باروى ] .
قال فى الجلالين يعنى القتل يوم بدر .
وقال فى الاسئلة المقحمة كيف وعدهم فى هذه الآية باحدى العقوبتين ان لم يؤمنوا ولم يفعل ذلك بمن لم يؤمنوا منهم الجواب انما وعدهم بذلك ان تركوا الايمان كلهم فقد آمن اكثرهم يوم فتح مكة .(7/387)
وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56)
{ وما نرسل المرسلين } الى الامم ملتبسين بحال من الاحوال { الا مبشرين } للمؤمنين والمطيعين بالثواب والدرجات { ومنذرين } للكافرين والعاصين بالعقاب والدركات فان طريق الوصول الى الاول والحذر عن الثانى مما لا يستقل به العقل فكان من لطف الله ورحمته ان ارسل الرسل لبيان ذلك .
يقول الفقير اشارة الى ان العلماء الذين هم بمنزلة الانبياء بنى اسرائيل رحمة الله من الله تعالى ايضا اذ بيناهم يضحمل ظلم الشبه وينحل عقد الشكوك وبارشادهم يحصل كمال الاهتداء ويتم امر السلوك { ويجادل الذين كفروا } اى يجادلون الرسل المبشرين والمنذرين { بالباطل } [ به بيهوده ] حيث يقولون ما انتم الا بشر مثلنا ولو شاء الله لانزل ملائكة ويقترحون آيات بعد ظهور المعجزات تعنتا { ليدحضوا } ليزيلوا { به } بالجدال { الحق } الذى مع الرسل من مقره ومركزه ويبطلوه من ادحاض القدم وهو ازلاقها عن موطنها والدحض الزلق .
ومن بلاغات الزمخشرى حجج الموحدين لا تدحض بشبه المشبه كيف يضع ما رفع ابراهم ابرهه : وفى المثنوى
هركه برشمع خدا آرد بفو ... شمع كى ميرد بسوزد بوزاو
{ واتخذوا آياتى } الدالة على الوحدة والقدرة ونحوها { وما انذروا } خوفوا به من العذاب { هزوا } سخرية يعنى موضع استهزاء فيكون من باب الوصف بالمصدر مبالغة .(7/388)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57)
{ ومن اظلم } استفهام على سبيل التوبيخ اى من اشد ظلما { ممن ذكر بآيات ربه } اى وعظ بالقرآن الكريم { فاعرض عنها } لم يتدبرها ولم يتفكرها { ونسى ما قدمت يداه } ولما كان الانسان يباشر اكثر اعماله بيديه غلب الاعمال باليدين على الاعمال التى تباشر بغيرهما حتى قيل فى عمل القلب هو مما عملت يداك وحتى قيل لمن لا يدين له يداك .
قال بعضهم احق الناس تسمية بالظلم من يرى الآيات فلا يعبر بها ويرى طريق الخير فيعرض عنها ويرى مواقع الشر فيتبعها ولا يجتنب عنها { انا جعلنا } اعمالهم كما فى تفسير الشيخ { على قلوبهم اكنة } اغطية جمع كنان وهو تعليل لاعراضهم ونسيانهم بانهم مطبوع على قلوبهم { ان يفقهوه } كراهة ان يقفوا على كنه الآيات وتوحيد الضمير باعتبار القرآن { و } جعلنا { فى آذانهم وقرا } ثقلا وصمما يمنعهم عن استماعه .
وفيه اشارة الى ان اهل اللغو والهذيان لا يصيخون الى القرآن : قال الكمال الخجندى قدس سره
دل ازشنيدن قرآن بكير درهمه وقت ... جوباطلان زكلام حقت ملولى جيست
{ وان تدعهم الى الهدى } اى الى طريق الفلاح وهو دين الاسلام { فلن يهتدوا اذا أبدا } اى فلن يكون منهم اهتداء البتة مدة التكليف كلها لانه محال منهم .
قال الكاشفى [ مراد جمع اند از كفار مكة كه علم حق بعدم ايمان ايشان متعلق بود ] وان جواب عن سئوال النبى صلى الله عليه وسلم وجزاء للشرط اما كونه جوابا فلان قوله { انا جعلنا على قلوبهم اكنة } فى معنى لا تدعهم الى الهدى ثم نزل حرصه عليه السلام على اسلامهم منزلة قوله مالى لا ادعوهم فاجيب بقوله { وان تدعهم } الآية واما كونه جزاء فلانه على انتفاء الاهتداء لدعوة السول على معنى انهم جعلوا ما هو سبب لوجود الاهتدآء سببا لانتفائه بالاعراض عن دعوته .(7/389)
وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58)
{ وربك } متبدأ خبره قوله { الغفور } البليغ فى المغفرة وهى صيانة العبد عما استحقه من العقاب للتجاوز عن ذنوبه من الغفر وهو الباس الشئ ما يصونه من الدنس { ذو الرحمة } الموصوف بالرحمة وهى الانعام على الخلق خبر بعد خبر وايراد المغفرة على صيغة المبالغة دون الرحمة للتنبيه على كثرة الذنوب وان المغفرة ترك المضار وهو سبحانه قادر على ترك ما لا يتناهى من العذاب واما الرحمة فهى فعل وايجاد ولا يدخل تحت الوجود الا ما يتناهى وتقديم الوصف الاول لان التخلية قبل التحلية { لو يؤاخذهم } لو يريد مؤاخذتهم { بما كسبوا } من الذنوب { لعجل لهم العذاب } فى الدنيا من غير امهال لاستيجاب اعمالهم لذلك ولكنه لم يعجل ولم يؤاخذ بغتة { بل لهم موعد } بالفارسية [ زمان وعد ] فهو اسم زمان والمراد يوم بدر او يوم القيامة فيعذبون فيه و { لن يجدوا } البتة حين مجيئ الموعد رمن دونه } من غيره تعالى { موئلا } منجى وملجأ يقال وأل اى نجا ووأل اليه اى لجأ اليه وقيل من دون العذاب .
قال سعدى المفتى هو اولى وفيه دلالة على ابلغ وجه على ان لا ملجأ لهم ولا منجى فان من يكون ملجأه العذاب كيف يرى وجه الخلاص والنجاة انتهى .
ويجوز ان يكون المعنى لن يجدوا عند حلول الموعد موئلا بالفارسية [ يناهى وكريز كاهى ] وهو اللائح والله اعلم .(7/390)
وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59)
{ وتلك القرى } اى قرى عاد وثمود واضرابهما وهى مبتدأ على تقدير المضاف اى واهل تلك القرى خبره قوله تعالى { اهلكناهم لما ظلموا } اى وقت ظلمهم مثل ظلم اهل مكة بالتكذيب والجدال وانواع المعاصى ولما اما حرف كما قال ابن عصفور واما ظرف اسعمل للتعليل وليس المراد به الوقت المعين الذى عملوا فيه الظلم بل زمان من ابتداء الظلم الى آخرء { وجعلنا لمهلكهم } اى عينا لهلاكهم لان المهلك بفتح اللام وكسرها الهلاك { موعدا } ممتدا لا يتأخرون عنه [ بس جرا قريش عبرت نكيرند وازشرك ونافر مانى دست باز نمى دارند ( السعيد من وعظ بغيره ) .
نيكبخت آن كسى بودكه دلش ... آنجه نيكو تراست ببذيرد
ديكرانرا جوبنده داده شود ... او ازان بند بهره بر كيرد
وفى الآيات اشارات . منها ان اسباب الهداية وان اجتمعت بالكلية لا يهتدى بها الناس ولا يؤمنون الا بجذبات العناية كما قال عليه السلام « لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا » قال المولى الجامى
سالكان بى كشش دوست بجايى نرسند ... سالها كرجه درين راه تك وبوى كنند
فالاهتداء بهداية الله تعالى وبالسيف كما قال عليه السلام « امر ان اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله » وكما قال « انا نبى السيف ونبى الملحمة »
ومنها ان اهل الباطل يرون الحق باطل والباطل حقا وذلك من عمى قلوبهم وسخافة عقولهم فيجادلون الانبياء والاولياء جهلا منهم وضلالة ويسعون فى ابطال الحق واما اهل الحق فينقادون للانبياء والاولياء ويستسلمون لهم من غير عناد وجدال وذلك لانهم ينظرون بنور الله فيرون الحق حقا ويتبعونه ويرون الباطل باطلا ويجتنبونه لا جرم انهم يتخذون آيات الله جدا لا هزؤا فيأتمرون بما امروا به وينتهون عما نهوا عنه .
ومنها ان رحمة الله تعالى ف الدنيا تعم المؤمن والكافر لانه لا يؤاخذم بما كسبوا فى الدنيا بقطع الرزق ونحوه وتخص يوم القيامة بالمؤمن والعذاب يخص الكافر فقوله تعالى { وتلك القرى اهلكناهم لما ظلموا } اى انما اهلكنا اهل تلك القرى بعد ان كان من سنتنا ان نعم رحمتنا المؤمن والكافر فى الدنيا لانهم ضموا مع كفرهم الظلم ومن سنتنا ان لا نمهل الظالم ولا نهمله كما قال عليه السلام « الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم » وقال تعالى { وكذلك نولى بعض الظالمين بعضا } وذلك لان همم المظلومين المظطرين مؤثرة ودعاؤهم مستجاب قال عليه السلام « اتقوا دعوة المظلوم فانه ليس بينها وبين الله حجاب » ومن هذا المقام يعرف سر قوله عليه السلام « ولدت فى زمن الملك العادل » فان اطلاق العادل على انوشروان بالنسبة الى انتفاء الظلم الآفاقى عنه وقد كان فى نفسه مجوسيا والشرك ظلم عظيم : قال الشيخ سعدى
مهازورمندى مكن بركهان ... كه بريك نمط مى نماند جهان
بريشانئ خاطر داد خواه ... بر اندازد ازمملكت يادشاه
خنك روز محشرتن داد كر ... كه در سايه عرش دارد مقر(7/391)
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)
{ واذ قال موسى } - روى - ان موسى عليه السلام لما ظهر على مصر مع بنى اسرائيل بعد هلاك القبط امره الله ان يذكر قومه انعام الله عليهم فخطب خطبة بليغة رقت بها القلوب وذرفت العيون فقال واحد من علماء بنى اسرائيل يا موسى من اعلم قال انا فعتب الله عليه اذ لم يرد العلم اليه تعالى فاوحى اليه بل اعلم منك عبد لى عند مجمع البحرين وهو الخضر وكان فى اليم افريدون الملك العادل العاقل قبل موسى وكان على مقدمة ذى القرنين الاكبر وبقى الى ايام موسى وهو قد بعث فى ايام كشتاسف بن لهراسب كما قاله ابن الاثير فى تاريخه فقال يا رب اين اطلبه وكيف يتيسر لى الظفر به والاجتماع معه قال اطلبه على ساحل البحر عند الصخرة وخذ حوتا مملوحا فى مكتل يكون زادا لك فحيث فقدته اى غاب عنك فهو هناك فاخذ حوتا فجعله فى مكتل فقال لفتاءه اذا فقدت الحوت فاخبرنى .
والمعنى اذكر وقت قول موسى بن عمران لما فيه من العبرة وزعم اهل التوراة ان موسى هذا هو موسى بن ميشا بن يوسف النبى عليه السلام وانه كان نبيا قبل موسى بن عمران لاستبعادهم ان يكون كليم الله المختص بالمعجزات الباهرة مبعوثا للتعلم والاستفادة ممن هو دونه فلهذا لا يبعد عن العامل الكامل ان يجهل بعض الاشياء فالفاضل قد يكون مفضولا من وجه بل المراد منه صاحب التوراة واطلاق هذا الاسم يدل عليه لانه لو اراد غيره لقيده كما يقال قال ابو حنيفة الدينورى تمييزا عن ابى حنيفة الامام { لفتاه } وهو يوشف بن نون بن افراييم بن يوسف وهو ابن اخت موسى وكان من اكبر اصحابه ولم يزل معه الى ان مات وخلفه فى شريعته وكان من اعظم بنى اسرائيل بعد موسى سمى فتاه اذ كان يخدمه ويتبعه ويتعلم منه ويسمى الخادم والتلميذ فتى وان كان شيخا واليه يشير القول المشهور ( تعلم يا فتى فالجهل عار ) وهو عبد الحكمى كما قال شعبة من كتبت عنه اربعة احاديث فانا عبده الى ان اموت وقيل لعبده وانما قال لفتاه تعليما للادب قال عليه السلام « ليقل احدكم فتاى وفتاتى ولا يقل عبدى وامتى » قال ابو يوسف من قال انا فتى فلان كان تقرارا منه بالرق .
يقول الفقير المشهور وهو الوجه الاول وتأبى جلالة هذا السفر الا ان يكون الصاحب من اولى الخطر ونظيره ان نبينا صلى الله عليه وسلم لما اراد الهجرة لم يرض برفاقته فى سفره الا الصديق رضى الله عنه لكونه اعز اصحابه وخليفته بعده كما ان يوضع صار خليفة موسى بعده { لا ابرح } من برح الناقص كزال يزال اى لا ازال اسير فحذف الخبر اعمادا على قرينة الحال .(7/392)
كان ذلك عند التوجه الى السفر ويدل عليه ايضا ذكر السفر فى قوله { لقد لقينا من سفرنا } فقول سعدى المفتى لا دلالة فى نظم القرآن على هذا ولعله علم من الاثر اومن اخبار المؤرخين ذهول عما بعد الآية { حتى ابلغ مجمع البحرين } هو ملتقى بحر فارس والروم مما يلى المشرق وهو المكان الذى وعد الله موسى بلقاء الخضر فيه .
قال سعدى المفتى بحرا فارس والروم انما يلتقيان فى المحيط على ما سيجئ فى سورة الرحمن اعنى المحيط الغربى فان الالتقاء هناك كما لا يخفى على من يعرف وضع البحار فالمراد بملتقاهما هنا موضع يقرب التقاؤهما فيه مما يلى المشرق ويعطى لما يقرب من الشئ حكم ذلك الشئ ويعبر به عنه انتهى .
وفيه اشارة الى ان موسى والخضر عليهما السلام بحران لكثرة علمهما احدهما وهو موسى بحر الظاهر والباطن والغالب عليه الظاهر اى الشريعة والآخر وهو الخصر بحرهما والغالب عليه الباطن اى الحقيقة اذ تتفاوت الانبياء عليهم السلام بحسب غلبة الجمال والجلال على نشأتهم وسيأتى التحقيق ان شاء الله تعالى فملتقاهما اذا المكان الذى يتفق اجتماعهما فيه لا موضع معين { او امضى } من مضى فى الامر بمعنى نفذ وامضاه انفذه { حقبا } هو بضم القاف وسكونه ثمانون سنة . والمعنى اسير زمانا طويلا اتيقن معه فوات المطلب يعنى حتى يقع اما بلوغ المجمع او مضى الحقب .
وفى بعض التفاسير اسير دهرا طويلا حتى اجد هذا العالم .
قال الكاشفى [ موسى فرمود كه مدام ميروم تابرسم بمنزل او ياميروم زمان درازكه هشتاد سال باشد يعنى بهيج وجهى روى ازسفر نمى تابم تا اورا بيابم
دست از طلب ندارم تاكام من بر آيد ... وفى المثنوى
كر كران وكر شتابنده بود ... آنكه جو ينده است يا بنده بود
درطلب زن دائما توهردو دست ... كه طلب در راه نيكو رهبرست
قال الامام فى تفسيره هذا اخبار من موسى بانه وطن نفسه على تحمل التعب الشديد والعناء العظيم فى السف لاجل طلب العلم وذلك تنبيه على ان المتعلم لو سار من المشرق الى المغرب لطلب مسألة واحدة لحق له ذلك انتهى .
قال فى روضة الخطيب رجل جاء من المدينة الى مصر لحديث واحد ولذا لم يعد احد كاملا الا بعد رحلته ولا وصل مقصده الا بعد هجرته .
وقالوا كل من لم يكن له استاذ يصله بسلسلة الاتباع ويكشف عن قلبه القناع فهو فى هذا الشأن لقيط لا اب له دعى لا نسب له انتهى .
ومن كلام ابى يزيد البسطامى قدس سره من لم يكن له شيخ فشيخه الشيطان : وفى المثنوى(7/393)
بير را بكزين كه بى بير اين سفر ... هست بس بر آفت وخوف وخطر
جون كرفتى ببرهين تسليم شو ... همجو موسى زير حكم خضر رو
قال فى التأويلات النجمية فى الآية اشارات .
منها ان شرط المسافر ان يطلب الرفيق ثم يأخذ الطريق . ومنها ان من شرط الرفيقين ان يكون احدهما اميرا والثانى مأمورا له ومتابعا . ومنها ان يعلم الرفيق عزيمته ومقصده ويخبر عن مدة مكثه فى سفره ليكون الرفيق واقفا على احواله فان كان موافقا له يرافقه فى ذلك . ومنها ان من شرط الطالب الصادق ان يكون نيته فى طلب شيخ يقتدى به ان لا يبرح حتى يبلغ مقصوده ويظفر به فان طلب الشيخ طلب الحق تعالى على الحقيقة انتهى كلامه قدس سره .(7/394)
فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)
{ فلما بلغا } قال الكاشفى [ موسى عليه السلام فرمودكه اى يوشع توبامن موافقت نماى درطلب اين بنده صالح يوشع فرمود آرى من بتو موافقم ورفاقت تومغتنم مى شمارم
خوشست آوراكى آنراكه همراهى جنين باشد ... بس يوشع عليه السلام تهى جندان وما هى برداشته باتفاق موسى روانه شد ] والفاء فصيحة اى فذهب موسى ويوشع يمشيان فلما بلغا { مجمع بينهما } بينهما ظرف اضيف له اتساعا فالمعنى مكانا يكاد يلتقى وسط ما امتد من البحرين طولا .
قال الكاشفى [ بمجمع كه ميان دو درياست آنجا بر صحره بركنار جشمه حيات بود نشستند موسى عليه السلام درخواب رفته بود ويوشع دران جشمه وضو ساخت وقطره برآن ماهى بريان جكيد فى الحال زنده شد روى بدريا نهاد ويوشع متحيرشد وموسى ازخواب در آمده تفقد حال يوشفع وما هى تنموده روى براه نهاد وازغايت تعجيل سفر ] { نسيا حوتهم } الذى جعل فقدانه امارة وجدان المطلوب اى نسى موسى تذكر الحوت لصاحبه وصاحبه نسى الاخبار بامره فلا يخالفه ما فى حديث الصحيحين من اسناد النسيان الى صاحبه وفى الاسئلة المقحمة كانا جميعا قد زوداه لسفرهما فجاز اضافة ذلك اليهما وان كان الناسى احدهما وهو يوشع يقال خرج القوم وحملوا معهم الزاد وانما جمله بعضهم { فاتخذ } الحوت .
ان قلت كيف اتى بالفاء وذهاب الحوت مقدم على النسيان .
قلت الفاء فصيحة ولا يلزم ان يكون المعطوف عليه الذى يفصح عنه الفاء معطوفا على نسيا بالفاء بل بالواو والتقدير وحيى الحوت فسقط فى البحر فاتخذ { سبيله } اى طريق الحوت { فى البحر سربا } مفعول ثان لاتخذ وفى البحر حال منه اى مسلكا كالسرب وهو بيت فى الارض وثقب تحتها وهو خلاف النفق لانه اذا لم يكن له منفذ يقال له سرب واذا كان له منفذ يقال له نفق وذلك ان الله تعالى امسك جرية الماء علىلحوت فصار كالطاق عليه وهو ما عقد من اعلى البناء وبقى ما تحته خاليا يعنى انه انجاب الماء عن مسلك الحوت فصار كوة لم تلتئم هكذا فسر النبى صلى الله عليه وسلم هذا المقام كما فى حديث الصحيحين . وبالفارسية [ سربا مثل سردابه كه درانتوان رفت هرجا كه ما هى بريان المفسرين كالقاضى ومن يتبعه سربا اى مسلكا يسلك فيه ويذهب من قوله { وسارب بالنهار } وهو الذاهب على وجهه فى الارض .(7/395)
فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62)
{ فلما جاوزا } اى مجمع البحرين الذى جعل موعدا للملاقاة اى انطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى اذا كان الغد القى على موسى الجوع ليتذكر الحوت ويرجع الى مطلبه فعند ذلك { قال لفتاه آتنا غدائنا } ما نتغدى به وهو الحوت كما ينبئ عنه الجوا بوالغداء بالفتح هو ما يعد للاكل اول النهار والعشاء ما يعد له آخره { لقد لقينا من سفرنا هذا } اى بالله لقد لقينا من هذا السفر الذى سرناه بعد مجاوزة مجمع البحرين { نصبا } تعبا واعياء .
قال النووى انما لحقه النصب والجوع ليطلب موسى الغداء فيتذكر به يوشع الحوت وفى الحديث « لم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذى امره به »
وفى الاسئلة المقحمة كيف جاع موسى ونصب فى سفرته هذه وحين خرج الى الميقات ثلاثين يوما لم يجع ولم ينصب قيل لان هذا السفر كان سفر تأديب وطلب علم واحتمال مشقة وذلك السفر كان الى الله تعالى انتهى والجملة فى محل التعليل للامر بايتاء الغداء اما باعتبار النصب انما يعترى بسبب الضعف الناشئ عن الجوع واما باعتبار ما فى الثناء التغدى من اتراحة ما كما قال الكاشفى [ بيار طعام جشت مارا تا بخوريم كه كرسنه شديم ودمى بر آساييم جون يوشفع سفره بيش آورد وقصه ما هى بيادش آمد ] .(7/396)
قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63)
{ قال } فتاه { أرأيت } [ خبردارى ] قال ابن ملك هو يجيئ بمعنى اخبرنى وهنا بمعنى العجب ومفعوله محذوف وذلك المحذوف عامل فى قوله { اذ اوينا الى الصخرة } يعنى عجبت ما اصابنى حين وصلنا الى الصخرة ونزلنا عندها { فانى نسيت الحوت } ان اذكر لك امره وما شاهدت منه من الامور العجيبة ثم اعتذر بانساء الشيطان اياه لانه لو ذكر ذلك لموسى ما جاوز ذلك المكان وما ناله النصب فقال { وما انسانيه الا الشيطان } بوسوسته الشاغلة عن ذلك { ان اذكره } بدل اشتمال من الضمير اى وما انسانى ان اذكره لك { واتخذ سبيله فى البحر } سبيلا { عجبا } وهو كون مسلكه كالطاق والسرب فعجبا ثانى مفعولى اتخذ والظرف حال من اولهما او ثانيهما وهو بيان لطرف من امر الحوت منبئ عن طرف آخر وما بينهما اعتراض قدم عليه للاعتناء بالاعتذار كأنه قيل حيى واضطرب ووقع فى البحر واتخذ سبيله فيه سبيلا عجبا يعنى ان قوله وما انسانيه اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه سببه ما يجرى مجرى العذر والعلة لوقوع ذلك النسيان .
قال الامام فان قيل انقلاب السمكة المالحة حية حالة عجيبة جعل الله تعالى حصول هذه الحالة العجيبة دليلا على الوصول الى المطلوب فكيف يعقل حصول النسيان فى هذا المعنى اجاب العلماء عنه بان يوشع كان قد شاهد المعجزات الباهرة من موسى كثيرة فلم يبق لهذه المعجزة عنده وقع عظيم فجاز حصول النسيان وعندى فيه جواب آخر وهو ان موسى لم استعظم علم نفسه ازال الله تعالى عن قلب صاحبه هذا العلم الضرورى تنبيها لموسى على ان العلم لا يحصل الا بتعليم الله تعالى وحفظه على القلب الخاطر انتهى .
وقال بعضهم لعله نسى ذلك لاستغراقه فى الاستبصار وانجذاب شراشره الى جناب القدس بما عراه من مشاهدة الآيات الباهرة وهى حياة السمكة المملوحة المأكول بعضها وقيام الماء وانتصابه مثل الطاق ونفوذها فى مثل السرب منه وانما نسبه الى الشيطان هضما لنفسه اى لمقتضى نفسه من الاغترار والافتخار بامثاله .
وفى الآيات اشرارات . منها ان الطالب الصادق اذا قصد خدمة شيخ كامل يسلكه طريق الحق يلزمه مرافقة رفيق التوفيق ومعه حوت قلبه الميت بالشهوات النفسانية المملح بملح حب الدنيا وزينتها ومجمع البحرين هو الولاية بين الطالب وبين الشيخ ولم يظفر المريد بصحبة لاشيخ ما لم يصل الى مجمع ولايته فانهم جدا وعند مجمع الولاية عين الحياة الحقيقية فباول قطرة من تلك العين تقع على حوت قلب المريد يجيى ويتخذ سبيله فى البحر عن الولاية سربا .
ومنها ان الله يحول بين المرء وقلبه فينسى المريد قلبه حين فقده وينسى القلب المريد اذا وجد الشيخ : وفى المثنوى(7/397)
اى خنك آن مرده كزخودرسته شد ... دروجود زنده بيوشته شد
واى آن زندهكه بامرده نشست ... مرده كشت وزنده كى ازوى برست
ومنها ان المريد لو تطرق اليه الملالة فى اثناء السلوك واصابت قلبه الكلالة وسولت له نفسه التجاوز عن خدمة الشيخ وترك صحبته حتى يظن ان لو سافر عن خدمته واشتغل بطاعة ربه وجاهد نفسه فى طلب الحق تعالى لعله يصل مقصده ويحصل مقصوده بلا واسطة الشيخ والاقتداء به هيهات فانه ظن فاسد ومتاع كاسد وانه يضيع عمره ويتعب نفس ويضل عن سبيل الرشاد ويبعد عن طريق السداد الا ان ادركته العناية الازلية التى هىلكفاية الابدية وردت اليه صدق الارادة : وفى المثنوى
آن رهى كه بارها تورفته ... بى فلاوز اندرآن آشفته
بس رهى راكه نرفتستى توهيج ... هين مروتنها زرهب سرميج
هين مبرالاكه بايرهاى شيخ ... تابينى عون ولشكرهاى شيخ
ومنها ان صحبة الشيخ المرشد غداء للمريد لاشتمالها على ما يجرى مجرى الغداء للروح من الاقوال الطيبة والافعال الحسنة ومتى جاوز صحبته اتعب نفسه بلا فائدة الوصول ونيل المقصود ولا يحمل على هذا الاشيطان الخذلان فيلزم الرجوع والعود الى ملازمة الخدمة فى مرافقة رفيق التوفيق كما رجع موسى ويوشع عليهما السلام قال الله تعالى { يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } اى فى صحبتهم ولا تكونوا مع الكاذبين : وفى المثنوى
هرطرف غولى همى خواند ترا ... كابى بردرراه خواهى هين بيا
رهنمايم هم رهت باشم رفيق ... من قولاوزم درين راه دقيق
نى قلاوزست ونى ره دانداو ... يوسفاكم روسوى آن كرك خو
نسال الله العصمة والتوفيق .(7/398)
قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65)
{ قال } موسى عليه السلام { ذلك } الذى ذكرت من امر الحوت { ما } اى الذى { كنا نبغ } اصله نبغى والضمير العائد الى الموصول محذوف اى نبغيه ونطلبه لكونه امارة للفوز بالمرام من لقاء الخضر عليه السلام { فارتدا } رجعا من ذلك الموضع وهو طرف نهر ينصب الى البحر { على آثارهما } طريقهما الذى جا آمنه والآثار الاعلام جمع اثر واثر وخرج فى اثره واثره اى بعده وعقبه . وبالفارسية [ برنشانهاى قدم خود ] { قصصا } مصدر فعل محذوف اى يقصان قصا اى يتبعان آثارهما اتباعها ويتفحصا تفحصا حتى اتيا الصخرة التى حيى الحوت عندها وسقط فى البحر واتخذ سبيله سربا { فوجدا عبدا } التنكير للتخفيم { من عبادنا } الاضافة للتشريف وكان مسجى بثوب فسلم عليه موسى وعرفه نفسه وافاد انه جاء لاجل التعلم والاستفادة . والجمهور على انه الخضر بفتح الخاء المعجمة وكسر الضاد وهو لقبه وسبب تلقيبه بذلك ما جاء فى الصحيح انه عليه السلام قال « انما سمى الخضر لانه جلس على فروة بيضاء فاذا هى نهتز من خلفه خضراء » الفروة وجه الارض اليابسة وقيل النبات اليابس المجتمع والبيضاء الارض الفارغة لا غرس فيها لانها تكون بيضاء واهتزاز النبات تحركه وكنيته ابو العباس واسمه بلياء بباء موحدة مفتوحة ثم لام ساكنة ثم مثناة تحت ابن ملكان بفتح الميم واسكان اللام ابن فالغ بن عابر بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح .
قال ابو الليث انه عليه السلام ذكر قصة الخضر فقال « كان ابن ملك من الملوك فاراد ابوه ان يستخلفه من بعده فلم يقبل وهرب منه ولحق بجزائر البحر فلم يقدر عليه » وتفصيله على ما فى كتاب التعريف والاعلام للامام السهيلى وهو ان اباه كان ملكا وان امه كانت بنت فارس واسمها الها وانها ولدته فى مغارة وانه ترك هنالك وشاة ترضعه فى كل يوم من غنم رجل من القرية فاخذه الرجل فرباه فلما شب وطلب الملك ابوه كاتبا وجمع اهل المعرفة والنبالة ليكتب الصحف التى نزلت على ابراهيم وشيث كان فيمن قدم عليه من الكتاب ابنه الخضر وهو لا يعرفه فلما استحسن خطه ومعرفته ونجابته سأله عن جلية امره فعرف انه ابنه فضمه لنفسه وولاه امر الناس ثمان الخضر فر من الملك وزهد فى الدنيا وسار الى ان وجد عين الحياة فشرب منها .
وعن ابن عباس رضى الله عنهما الخضر ابن آدم لصله ونسئ له فى اجله حتى يكذب الدجال وفيه اشارة الى ان لكل دجال فى كل عصر مكذبا ومبطلا لامره : قال الحافظ
كجاست صوفى دجال فعل ملحد شكل ... بكوبسوزكه مهدئ دين بناه رسيد
واخرج عن ابن عساكر ان آدم لما حضره الموت اوصى بنيه ان يكون جسده الشريف معهم فى غار فكان جسده فى المغارة معهم فلما بعث الله نوحا ضم ذلك الجسد فى السفينة بوصية آدم فلما خرج منها قال لبنيه ان آدم دعا بطول العمر لمن يدفنه من اولاده الى يوم القيامة فذهب اولاده الى الغار ليدفنوه وكان فيهم الخضر فكان هو الذى تولى دفن آدم فانجز الله ما وعده فهو يجيئ ما شاء الله له ان يحيى .(7/399)
قال فى فتح القريب ومن اغرب ما قيل انه ابن آدم لصلبه وقيل انه من الملائكة وهذا باطل ومن اعجب ما قيل انه ابن فرعون صاحب موسى كما فى تواريخ مصر وقيل انه ابن خالة ذى القرنين كان فى سفره معه وشرب من ماء الحياة مد الله عمره الى الوقت المعلوم ولا بعد فانه كان من بنى آدم من يعيش ثلاثة آلاف سنة او اكثر وقيل انه ابن عاميل بن شمالخين بن ارما بن علقما بن عيصو بن اسحاق النبى وكان عاميل ملكا .
والجمهور على انه نبى غير مرسل وعند الصوفية المحققين ولى غير نبى واختلفوا فى حياته والاكثر على انه موجود بين اظهرنا وهذا متفق عليه عند الصوفية لان حكاياتهم انهم رأوه فى المواضع الشريفة وكالموه اكثر من ان يحصى نقله الشيخ الاكبر فى الفتوحات الملكية وابو طالب المكى فى كتبه والحكيم الترمذى فى نوادره وغير ذلك من المحققين من سادات الامة الذين لا يتصور اجتماعهم على الكذب والافتراء بمجرد الاخبار النقلية حاشاهم عن ذلك وقد ثبت وجوده فلا يكون عدمه الا بدليل ولا دلي على موته ولا نص فيه من كتاب ولا سنة ولا اجماع ولا نقل انه مات بارض كذا فى وقت كذا فى زمن ملك من الملوك .
وفى تفسير البغوى اربعة من الانبياء احياء الى يوم ا لبعث اثنان من الارض وهما الخضر والياس اى والياس فى البر والخضر فى البحر يجتمعان كل ليلة على ردم ذى القرنين يحرسانه واكلهما الكرفس والكمأة واثنان فى السماء ادريس وعيسى عليهما السلام .
وفى كتاب التمهدي لابى عمر امام الحديث فى وقته ان رسول الله صلى الله علهي وسلم حين غسر وكفن سمعوا قائلا يقول السلام عليكم يا اهل البيت ان فى الله خلفا من كل هالك وعوضا من كل تالف وعزاء من كل مصيبته فعليكم بالصبر فاصبروا واحتسبوا ثم دعا لهم ولا يرون شخصه فكانوا اى الاصحاب واهل البيت يرونه انه الخضر .
وفى كتاب الهواتف ان على بن ابى طالب رضى الله عنه لقى الخضر وعلمه هذا الدعاء وذكر فيه ثوابا عظيما ومغفرة ورحمة لمن قاله فى اثر كل صلاة وهو « يا من لا يشغله سمع عن سمع ويا من لا تغلطه السمائل ويا من لا يتبرم من الحاح الملحين اذ قنى برد عفوك وحلاوة مغفرتك » .(7/400)
قال الهروى ان الحضر قد جاء النبى عليه السلام مرارا واما قوله عليه السلام « لوكان حيا لزارنى » فلا يمنع وقوع الزيارة بعده .
قال فى فصل الخطاب ان الخضر قد صحب النبى عليه السلام وروى عن احاديث
وفى الخصائص الصغرى ان فى غزوة تبوك اجتمع عليه السلام بالياس فعن انس رضى الله عنه فغزونا مع النبى عليه السلام حتى اذا كنا بفج الناقة عند الحجر سمعنا صوتا يقول اللهم اجعلنى من امة محمد المرحومة المغفور لها المستجاب لها فقال عليه السلام « يا انس انظر ماهذا الصوت » فدخلت الجبل فاذا رجل عليه ثياب بياض ابيض الرأس واللحية طوله اكثر من ثلاثمائة ذراع فلما رآنى قال انت رسول النبى عليه السلام قلت نعم قال ارجع اليه واقرئه السلام وقل له هذا اخوك الياس يريد ان يلقاك فرجعت الى النبى عليه السلام فاخبرته فجاء عليه السلام يمشى وانا معه حتى اذا كنا قريبا منه تقدم النبى وتأخرت انا فتحدثا طويلا فنزل عليهما من السماء شئ يشبه السفرة ودعوانى فاكلت معهما قليلا فاذا فيها كمأة ورمان وحوت وتمر وكرفس فلما اكلت قمت فتنحيت ثم جاءت سحابة فاحتملته فانا انظر الى بياض ثيابه فيها تهوى به قبل الشام فقلت للنبى عليه السلام بابى انت وامى هذا الطعام الذى اكلنا من السماء نزل عليه قال عليه السلام « سألته عنه فقال يأتينى به جبرائيل فى كل اربعين يوما اكلة وفى كل حول شربة من ماء زمزم وربما رأيته على الجب يملأ بالدلو فيشرب وربما سقانى » والاكثر من المحدثين على وفاة الخضر سئل البخارى عن الخضر والياس هل هما فى الاحياء قال كيف يكون ذلك وقد قال رسول الله عليه السلام « لا يبقى على رأس المائة ممن هو اليوم على وجه الارض احد » وقد قال الله تعالى { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد } والجواب ان هذا الحكم جار على الاكثر ولا حكم لتنادر الذى يعيش فوق المائة فقد عاش سلمان ومعدى كرب وابو طفيل فوق المائة وكانوا موجودين فى ذلك الزمان عند اخباره عليه السلام والمراد بالخلود هو التأبيد ولا شك ان حياة الخضرة وغيره منقطعة عند الصعقة قبل القيامة فيمتنع الخلود . واما من قال من العلماء لا يجوز ان يكون الخضر باقيا لانه لا نبى بعد نبينا فلا عبرة لكلامه لانه لم يتنبأ بعده بل قبله كعيسى ابقاه الله لمعنى وحكمة الى ان يرتفع القرآن من وجه الارض .
وذكر الشيخ الاكبر قدس سره فى بعض كتبه انه يظهر مع اصحاب الكهف فى آخر الزمان عند ظهور المهدى ويستشهد ويكون من افضل شهداء عساكر المهدى .(7/401)
وفى آخر صحيح مسلم فى احاديث الدجال انه يقتل رجلا ثم يحيى قال ابراهيم بن سفيان صاحب مسلم يقال ان هذا الرجل هو الخضر وعن ابن عباس رضى الله عنهما يلتقى الخضر والياس فى كل عام فى الموسم فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ويتفرقان على هذه الكلمات « بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير الا الله ما شاء الله لا يصرف السوء الا الله حين يصبح ويمسى آمنه الله من الحرق والغرق والسرق ومن الشيطان والحية والعقرب .
وزاد احمد فى الزهد انهما يصومان رمضان فى بيت المقدس .
وعن على رضى الله عنه مسكن الخضر بيت المقدس فيما بين باب الرحمة الى باب الاسباط .
قال الشاقانى الخضر كناية على البسط والياس عن القبض واما كون الخضر شخصا انسانا باقيا من زمان موسى الى هذا العهد او روحانيا يتمثل بصورته لمن يرشده فغير متحقق عندى بل قد يتمثل ويتخيل معناه له بالصفة الغالبة عليه ثم يضمحل وهو روح ذلك الشخص او روح القدس انتهى .
يقول الفقير تمثل الروح بالصفة الغالبة قد وقع لكثير من اهل السلوك ولكن ليس كل مرئى فى اليقظة تمثلا كما فى المنام فقد يظهر المثال وقد يظهر حقيقته ولله فى كل شئ حكمة بالغة { آتيناه رحمة من عندنا } هى الوحى والنبوة كما يشعر به تنكيرا الرحمة واختصاصه بجناب الكبرياء .
قال الامام مسلم ان النبوة رحمة كما قوله تعالى { أهم يقسمون رحمة ربك } ونحوه ولكن لا يلزم ان تكون الرحمة نبوة فالرحمة هنا هى طول العمر على قول من مذهب الى عدم نبوته { وعلمناه من لدنا علما } خاصا هو علم الغيوب والاخبار عنها باذنه تعالى على ما ذهب اليه ابن عباس رضى الله عنهما اوعلم الباطل .
قال فى بحر العلوم انما قال من لدنا مع ان العلوم كلها من لدنه لان بعضها بواسطة تعليم الخلق فلا يسمى ذلك علما لدنيا بل العلم اللدنى هو الذى ينزله فى القلب من غير واسطة احد ولا سبب مألوف من خارج كما كان لعمر وعلى ولكثير من اولياء الله تعالى المرتاضين الذين فاقوا بالشوق والزهد على كل من سواهم كما قال سيد الاولين والآخرين عليه السلام » نفس من انفاس المشتاقين خير من عبادة الثقلين « وقال عليه السلام » ركعتان من رجل زاهد قلبه خير واحب الى الله من عبادة المتعبدين الى آخر الدهر « وقد صدق لكنه قليل كما قال { وقليل من عبادى الشكور } وقال { ولكن اكثر الناس لا يعلمون } ومن هنا يتبين لك معرفة رفعة الصحابة رضى الله عنهم وعظمهم رتبة ومكانا من الله فانهم ائمة المشتاقين والزاهدين الشاكرين ونجوم لهم يهتدون بهم انتهى .(7/402)
وفى التأويلات النجمية { فوجدا عبدا من عبادنا } اى حرا من رق عبودية غيرنا من احرارانا اى ممن احررناهم من رق عبودية الاغيار واصطفيناهم من الاخيار { آتيناه رحمة من عندنا } يعنى جعلناه قابلا ليفيض نور من انوار صفاتنا بلا واسطة { وعلمناه من لدنا علما } وهو علم معرفة ذاته وصفاته الذى لا يعلمه احد الا بتعليمه اياه .
واعلم ان كل علم يعلمه الله تعالى عباده ويمكن للعباد ان يتعلموا ذلك العلم من غير الله تعالى فانه ليس من جملة العلم اللدنى لانه يمكن ان يتعلم من لدن غيره يدل عليه قوله { وعلمناه صنعة لبوس لكم } فان علم صنعة اللبوس مما علمه الله داود عليه السلام فلا يقال انه العلم اللدنى لانه يحتمل ان يتعلم من غير الله تعالى فيكون من لدن ذلك الغير وايضا ان العلم اللدنى ما يتعلق بلدن الله تعالى وهو علم معرفة ذاته وصفاته تعالى انتهى .
قال الجنيد قدس سره العلم اللدنى ما كان تحكما على الاسرار بغير ظن فيه ولا خلاف لكنه مكاشفات الانوار عن مكنونات المغيبات وذلك يقع للعبد اذا زم جوارحه عن جميع المخلوقات وافنى حركاته عن كل الارادات وكان شبحا بين يدى الحق بلا تمن ولا مراد .
قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الا طهر باب الملكوت والمعارف من المحال ان ينفتح وفى القلب شهوة هذا الملكوت واما باب العلم بالله تعالى من حيث المشاهدة فلا ينفتح فى القلب لمحة للعالم باسره الملك والملكوت [ درفتوحات ازسلطان العارفين قدسر سيره نقل ميكندكه باجمعى دانشمندان مى كفته ] اخذتم علمكم ميتا عن ميت واخذنا علمنا عن الحى الذى لا يموت
كلشنى كز نقل وريد يكدمست ... كلشنى كز عشق رويد خرمست
كلشنى كز كل دمد كردد تباه ... كلشنى كز دل دمد وافرحتاه
علم جون بر دل زند يارى شود ... علم جون بر كل زند بارى شود
واعلم ان الصوفية سموا العلوم الحاصلة بسبب المكاشفات العلوم اللدنية وتفصيل الكلام انا اذا ادركنا امرا من الامور وتصورنا حقيقة من الحقائق فاما ان نحكم عليه بحكم وهو التصديق اولا نحكم وهو التصور وكل واحد من هذين القسمين فاما ان يكون ضروريا حاصلا من غر كسب وطلب واما ان يكون كسبيا اما العلوم الضرورية فهى تحصل فى النفس والعقل من غير كسب وكلب مثل تصورنا الالم واللذة والوجود والعدم ومثل تصديقنا بان النفى والاثبات لا يجتمعان ولا يرتفعان وان الواحد نصف الاثنين واما العلوم الكسبية فهى التى لا تكون حاصلة فى جوهر النفس ابتداء بل لا بد من طريق يتوصل به الى الكتساب تلك التى لا تكون حاصلة فى جوهر النفس ابتداء بل لا بد من طريق يتوصل به الى اكتساب تلك العلوم فان كان التوصل الى استعلام المجهولات بتركيب العلوم البديهية فهو طريق النظر وان كان بتهيئة المحل وتصفيته عن الميل الى ما سوى الله تعالى فهو طريق الكشف والكشف انواع اعلاها اسرار ذاته تعالى وانوار صفاته وآثار افعاله وهو العلم الالهى الشرعى المسمى فى مشرب اهل الله علم الحقائق اى العلم بالحق سبحانه وتعالى من حيث الارتباط بينه وبين الخلق وانتشاء العالم منه بقدر الطاقة البشرية اذ منه ما ليس فى الطاقة البشرية وهو ما وقع فيه الكمل فى ورطة الحيرة واقروا بالعجز عن حق المعرفة وهذا العلم الجليل بالنسبة الى سائر العلوم كالشمس بالنسبة الى الذرات وكالبحر بالنسبة الى القطرات فعلوم اهل الله مبنية على الكشف والعيان وعلوم غيرهم من الخواطر الفكرية والاذهان وبداية طريقهم التقوى والعمل الصالح وبداية طريق غيرهم تحصيل الوظائف والمناصب وجمع الحطام الذى لا يدوم وقال المولى الجامى(7/403)
جان زاهد ساحل وهم وخيال ... جان عارف غرقه بحر شهود
قال حضرة شيخى وسندى روح الله روحه الطيب وقدس سره الزكى فى كتاب اللائكات البرقيات المراد بالرحمة علم العبادة والدراسة والظاهر والشريعة ولذلك عبر عنه بالرحمة بناء على عمومه مثلها حيث قال { وسعت رحمتى كل شئ } ولكون مقام هذا العلم الظاهرى مقام القرب الصفاتى عبر عن مقامه بما يعبر به عن مقام هذا القرب الصفاتى من قوله تعالى { من عندنا } اى من مقام واحدية صفاتنا ومرتبة قربها والمراد بالعلم علم الاشارة والواراثة والباطن والحقيقة ولذلك عبر عنه بلفظ العلم بناء على التعبير بالمطلق على الفرد الكامل اذ العلم الباطنى من العلم الظاهرى بمنزلة الروح واللب من الجسد والقشر وبمنزلة المعنى من الصورة فلا جرم ان العلم الباطنى بمنزلة الفرد الناقص من الفرد الكامل من الفرد الكامل والنقصان الموهوم المعتبر فى العلم الظاهرى بحسب الاضافة والنسبة الى العلم الباطنى باعتبار المقام الذى يوجب الامتياز بينهما من جهة الصورة لا يقدح فى كماله الذاتى الحقيقى فى عينه ونفسه كما ان الكمال المعتبر فى العلم جهة التعين لا يزيدفى كماله الذاتى الحقيقى فى نفسه وذاته بل كل منهما من حيث هو بالنظر الى ذاته مع قطع النظر الى الاضافة والنسبة المعتبرة بينهما بحسب المقامات والتعلقات وغير ذلك كمال محض لا يتصور فى واحد منهما نقصان اصلا فكما ان الجهل والغفلة فى انفسهما محض نقصان حقيقى فكذلك العلم والمعرفة فى انفسهما محض كمال حقيقى وانما الاعتبارات لئلا تبطل حقائق الاحكام ولذا قيل لولا الاعتبارات اى الاضافات والنسب المعتبرة بين الاشياء لبطلت الحقائق ولما كان مقام هذا الباطنى مقام القرب الذاتى عبر عن مقام ما يعبر به عن مقام القرب الذاتى من قوله { من لدنا } اى من مقام احدية ذاتنا ومرتبتها ولذا خص كبار الصوفية فى اصطلاحاتهم لفظ العلم اللدنى بهذا العلم الباطنى الحاصل بمحض تعليم الله تعالى من لدنه بغير واسطة عبارة ولذلك قال بعضهم(7/404)
تعلمنا بلا حرف وصوت ... قرآناه بلا سهوت وفوت
يعنى بطريق الفيض الالهى والالهام الربانى لا بطريق التعليم اللفظى والتدريس القولى ولكون مقام العلم الظاهرى من مقام العلم الباطنى بمنزلة الظاهر من الباطن حيث يتعلق العلم الظاهرى بظواهر الشريعة وصورها والعلم الباطنى بمنزلة الباب من البيت ومن اراد دخول البيت فليأت من باب وبيت العلم ومدينته هو النبى عليه السلام وباب هذا البيت والمدينة هو على رضى الله عنه كمال قال عليه السلام « انا مدينة العلم وعلىّ بابها »
كرتشنه فيض حق بصدقى حافظ ... سرجشمه آن زساقى كوثر برس
واعلم ان التحقيق الحقيق فى هذا العلم المأمور موسى عليه السلام بتعلمه من الخضر هو العلم الباطنى المتعلم بطريق الاشارة لا العلم الباطنى المتعلم بطريقة المكاشفة ولا العلم الظاهرى المتعلم بطريقة العبارة والدليل عليه ارسال الحق سبحانه موسى الى عبده الخضر وعدم تعليمه بواسطة امين الوحى جبرائيل وتعليم الخضر بطريق الاشارة بالامور الثلاثة لكن لما كان الظاهر بالنظر الى غلبة جانب علم الظاهر فى وجود موسى ان يطلب تعلمه بطريق العبارة لا بطريق الاشارة وطريقه طريق الاشارة لا طريق العبارة قال انك لن تستطيع معى صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا من طريق التعلم بالاشارة لا بالعبارة والغالب عليك انما هو طريق العبارة لا طريق الاشارة كما ان الغالب على طريق الاشارة لا طريق العبارة ولكل وجهة وهوموليها قل كل يعمل على شاكلته .
ثم ان الامام الاعظم من الحسن البصرى رحمهما الله تعالى بمنزلة موسى من الخضر علينما السلام كما ان العكس بالعكس من جهة ما هو الغالب فى نشأة كل منهما ولذلك افاد الامام الهمام العلم الظاهرى غالبا وتقيد بترتيب انوار الشريعة واحكامها عبارة وصراحة وافاد العلم الباطنى نادرا وتعرض لاسرار الحقيقة ودقائقها اشارة وكناية بخلاف الحسن البصرى فالامام شمسى المشرب والحسن قمرى المشرب ولذلك كان فلك الامام اعظم واوسع من فلك الحسن البصرى وكان الامام رحمة لاهل العموم عامة وكان الحسن البصرى رحمة لاهل الخصوص خاصة والامام مظهر اسم الرحمن والحسن مظهر اسم الرحيم ويدل على هذا كله انتشار مذهبه شرقا وغربا وهو من جميع المذاهب بمنزلة النبوة المحمدية والولاية العيسوية من جميع النبوات والولايات من جهة الخاتمية وحيث يختم به جميع المذاهب الحقة كما ختم بالنبوة المحمدية جميع النبوات ويختم بالولاية العيسوية جميع الولايات ولكون مشربه ومذهبه شمسيا سمى سراج الامة وكاشف الغمة ورافع الظلمة ودافع البدعة ومحيى الدين وحافظ الشريعة بالكتاب والسنة ولكون مشرب الحسن ومذهبه قمريا انار القلوب والنفوس والطبائع المظلمة بظلمة الغفلة والهوى بانوار المعرفة واسرار الحقيقة والهدى تبارك الذى جعل فى السماء بروحا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا وفى تقديم السراح على القمر المنير اشارة الى تقديم رتبة الامام على رتبة الحسن اذ هو مظهرا اسم الاول والظاهر والحسن مظهر اسم الآخر والباطن والاولان مقدمان على الثانيين بتقديم الهى فى قوله تعالى(7/405)
{ هو الاول والآخر والظاهر والباطن } وهذا التفاوت انما هو باعتبار ترتيب المراتب واما فى اصل الكمال وحقيقة الفضل فهم كالحلقة المفرغة لا يدرى اين طرفاها لسر يعرفه من يعرف ويغفل عنه من يغفل ورئيس اهل الذكر الصوفية الحنفية هو الامام الاعظم الا كمل ورئيس اهل الذكر الصوفية هو الامام الشافعى الافضل ورئيس اهل الذكرالصوفية وهؤلاء الائمة العظماء كالخلفاء الاربعة الفخام كالنجوم بل كالاقمار بل كالشموس بايهم اقتدى السالك اهتدى الحق المبين وهم لدين الحق كالاركان الاربعة للبيت وهم ايضا من سائر الاقطاب والاولياء كالعرش والشمس من الافلاك النجوم وليس لغيرهم ممن بعدهم الى يوم القيامة بدون الاقتداء بهم اهتداء الى طريق الجنة والرؤية ومن اقتدى بهم فى الشريعة والطريقة والحقيقة وعلم علومهم وعمل اعمالهم وتأدب بآدابهم على مذهب أيهم كان بحسب وسعة فلا شك انه اقتفى اثر رسول الله عليه السلام ومن لم يقتد بهم فى ذلك فلا شك انه ضل عن اثر الرسول وخرج عن دائرة القبول هذا كله كلام حضرة شيخى وسندى مع اختصار .
واما ما يلوح من كلمات بعض المشايخ من الن المجتهدين لم ينالوا العشق فله محامل ذكرنا بعضا منها فى كتابنا الموسوم بتمام الفيض والذى يظهر انها كلمات صدرت حالة السكر والغلبات فلا اعتبار بها والادب التام ان يمسك عنهم الا بخير الكلام .(7/406)
قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)
{ قال له موسى } استئناف مبنى على سؤال نشأ من السياق كأنه قيل فماذا جرى بينهما من الكلام فقيل قال له موسى اى للخضر عليهما السلام { هل اتبعك } اصحبك { على ان تعلمن } على شرط ان تعلمن وهو فى موضع الحال من الكاف وهو استئذان منه فى اتباعه له على وجه التعليم ويكفيك دليلا فى شرف الاتباع { مما علمت رشدا } اى علما ذا رشد ارشد به فى دينى والرشد اصابة الخير .
قال الكاشفى [ علمى كه مبنى بررشد باشد ] يعنى اصابة خير ولقد راعى فى سوق الكلام غاية التواضع معه فينبغى للمرء ان يتواضع لمن هو اعلم منه .
قال الامام والآية تدل على ان موسى راعى انواع الادب جعل نفسه تبعا له فقال { هل اتبعك } واستأذن فى اثبات هذه التبعية واقر على نفسه باجهل وعلى استاذه باعلم فى قوله { على ان تعلمن } من فى قوله { مما علمت } للتبعيض اى لا اطلب مساواتك فى العلوم وانما اريد بعضا من علومك كالفقير يطلب من الغنى جزأ من ماله وقوله { مما علمت } اعتراف بانه اخعذ من الله وقوله { رشدا } طلب للراشاد اى مالولاه لضل وهذا يدل على انه طلب ان يعامله بمثل ما عامله الله به اى ينعم بالتعليم كما انعم الله عليه فان البذل من لاشكر : قال الحافظ
اى صاحب كرامت شكرانه سلامت ... روزى تفقدى كن درويش بى نوارا
قال قتادة لو كان احد مكتفيا من العلم لا كتفى نجى الله موسى ولكنه قال { هل اتبعك } الآية
وقال الزجاج وفيما فعل موسى وهو من اجله الانبياء من طلب العلم والرحلة فى ذلك ما يدل على انه لا ينبغى لاحد ان يترك طلب العلم وان كان قد بلغ نهايته ولذا ورد ( اطلبوا العلم من المهد الى اللحد ) : وفى المثنوى
خام ملك سليمانست علم ... جمله عالم صورت وجانست علم
قال العلماء ولا ينافى نبوة موسى وكونه صاحب شريعة ان يتعلم من نبى آخر مالا يتعلق له باحكام شريعته من اسرار العلوم الخفية وقد امر الله باخذ العلم منه فلا دلالة له .
قال شيخى وسندى روح الله روحه تعليم موسى وتربيته بالخضر انما هو من قبيل تعليم الا كمل وتربيته بالكامل لانه تعالى قد يطلع الكامل على اسرار يخفيها عن الاكمل واذا اراد ان يطلع الا كمل عليه ايضا فقد يطلعه بالذات وقد يطلعه بواسطة الكامل ولا يلزم من توسط الكامل ان يكون اكمل من الا كمل او مثله والكامل كامل مطلقا والا كمل اكمل مطلقا والرجحان للاكمل جدا ولا تسمع الى غير ذلك مما يقول الضالون وقول الخضر لموسى عليه السلام يا موسى انت على علم علمك الله وانا على علم علمنى الله انما هو بناه على الامتياز المعتبر بينهما بحسب الغالب فى نشأة كل منهما والا فالعلم الظاهر والباطن حاصلان فى نشأة كل منهما انتهى وفهم منه جواب ما سبق من قوله ان لى عبدا بمجمع البحرين هو اعلم منك فان المراد اثبات اعلميته فى علم من العلوم الخاصة دون سائرها وقد انعقد الاجماع على ان نبينا عليه السلام اعلم الخلق وافضلهم على الاطلاق وقد قال(7/407)
« انتم اعلم بامور دنياكم »
وفى قصص الانبياء بينما هما على ساحل البحر اذا قبل طائر وغمس منقاره فى البحر ثم اخرجه ومسحه على جناحه ثم طار نحو المشرق ثم اطار نحو المغرب ثم رجع وصاح فقال الخضر يا موسى أتروى ما قال هذا الطائر قال لا قال انه يقول ما اوتى بنوا آدم من العلم الا بمقدار ما اخذت من هذا البحر بمنقارى
ازعلم توتنكته ايست عالم ... زان دائره نقطه ايست آدم
وفى التأويلات النجمية من آداب المريد الصادق بعد طلب الشيخ ووجدانه ان يستجيز منه فى اتباعه وملازمة صحبته تواضعا لنفسه وتعظيما لشيخه بعد مفارقة اهاليه واوطانه وترك مناصبه واتباعه واخوانه واخذدانه كما كان حال موسى اذ قال للخضر { هل اتبعك على ان تعلمن مما علمن رشدا } بارشاد الله لك اى تعلمنى طريق الاسترشاد من الله بلا واسطة جبريل والكتاب المنزل ومكالمة الحق تعالى فان جميع ذلك كان حاصلا له .
فان قيل فهل مرتبة فوق هذه المراتب وانزال الكتاب يدل على البعد والمكالمة تنبئ عن الاثنينية والرشد الحقيقى من الله للعبد هو ان يجعله قابلا لفيض نور الله بلا وساطة وذلك بتجلى جماله وجلاله الذى كان مطلوب موسى بقوله { ارنى انظر اليك } فان فيه رفع الاثنينية واثبات الوحدة التى لا يسع العبد فيها ملك مقرب ولا نبى مرسل .
ومنها ان اريد اذا استسعد بخدمة شيخ واصل ينبغى ان يخرج عما معه من الحسب والنسب والجاه والمنصب والفضائل والعلوم ويرى نفسه كأنه اعجمى لا يعرف الهر من البر اى ما يهره ما يبره او القط من الفار او العقوق من اللطف او الكراهية من الاكرام كما فى القاموس : قال الحافظ
خاطرت كى رقم فيض بذيرد هيهات ... مكر از نقش براكنده ورق ساده كنى
وينقاد لاوامره ونواهيه كما كان فان كليم الله لم يمنعه النبوة والرسالة ومجيئ جبريل والنزال التوراة ومكالمة الله واقتداء بنى اسرائيل به ان يتبع الخضر ويتواضع له وترك اهاليه واتباعه واشياعه وكل ما كان له من المناصب والمناقب وتمسك بذيل ارادته مقاد لاوامره ونواهيه .(7/408)
قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67)
{ قال } الخضر { انك لن تستطيع معى صبرا } نفى عنه استطاعة الصبر معه على وجه التأكيد كأنه مما لا يصح ولا يستقيم والمراد نفى الصبر على ما يدل عليه قوله وكيف تصبر ويلزم من نفيها نفيه .
وفيه دليل على ان الاستطاعة مع الفعل [ موسى كفت جرا صبر نتوانم كرد كفت بجهت آنكة تو بيغمبرى وحكم تو برظاهر است شايدكه ازمن عملى صادر شود درظاهر آن منكر وناشايسته نمايد وجه حكمت آنراندانى وبرآن صبركردن نتوانى ](7/409)
وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)
{ وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا } تمييز من خبر يخبر كنصر وعلم بمعنى عرف اى لم يحط به خبرك اى علمك وهو ايذان بانه يتولى امورا خفية منكرة الظواهر والرجل الصالح لا سيما صاحب الشريعة لا يصبر اذا رأى ذلك ويأخذ فى الانكار .
قال الامام المتعلم قسمان منه من مارس العلوم ومنه من لم يمارسها والاول اذا وصل الى من هوا كمل منه عسر عليه التعلم جدا لانه اذا رأى شيأ او سمع كلاما فربما انكره وكان صوابا فهو لا لفته بالقيل والقال يغتر بظاهره ولا يقف على سره وحقيقته فيقدم على النزاع ويثقل ذلك على الاستاذ واذا تكرر منه الجدل حصلت النفرة واليه اشار الخضر بقوله { انك لن تستطيع معى صبرا } لانك الفت الكلام والاثبات والابطال والاعتراض والاستدلال { وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا } اى لست تعلم حقائق الاشياء كما هى .
قال حضرة شيخى وسندى روح الله روحه فى كتاب اللائحات البرقيات كل واحد من العلمين اى الظاهر والباطن موجود فى وجود كل من موسى والخضر { هل اتبعك على ان تعلمن مماعلمت رشدا } لان المتعلم من المخلوق انما هو العلم الظاهرى المتعلم بالحرف والصوت لا العلم الباطنى المتعلم من الله بلا حرف وصوت بل بدوق وكشف الهى والقاء والهام سبحانى لان جميع علوم الباطن انما تحصل بالذوق والوجدان والشهود والعيان لا بالدليل والبرهان وهى ذوقيات لا نظريات فانها ليست بطريق التأمل السابق ولا بسبيل التعمل اللاحق بترتيب المبادى والمقدمات وعلى اعتبار حصولها بطريق الانتقال بالواسطة لا بطريق الذوق بغير الواسطة ولغالب فى نشأة الخضر هو العلم الباطنى كما يدل عليه ولايته ولو قيل بنبوته وقوله لموسى عليه السلام { انك لن تستطيع معى صبرى وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا } يعنى بحسب غلبة جانب علم الظاهر وعلم الرسالة على جانب علم الباطن وعلم الولاية اذا لحكم للاغلب القاهر انتهى . وفى التأويلات النجمية ومن الآداب ان يكون المريد ثابتا فى الارادة بحيث لو يرده الشيخ كرات بعد مرات ولا يقبله امتحانا له فى صدق الارادة يلازم عتبة بابه ويكون اقل من ذباب فانه كلما ذب آب كما كان حال كليم الله فانه كان الخضر يرده ويقول له { انك لن تستطيع معى صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا } اى كيف تصبر على فعل يخالف مذهبك ظاهرا ولم يطلعك الله على الحكمة فى اتيانه باطنا ومذهبك انك تحكم بالظاهر على ما انزل الله عليك من علم الكتاب ومذهبى ان احكم بالباطن على ما امرنى الله من العلم اللدنى وقد كوشفت بحقائق الاشياء ودقائق الامور فى حكمة اجرائها وذلك انه تعالى افنانى عنى بهويته وابقانى به بالوهيته فبه ابصر وبه اسمع وبه انطق وبه آخذ وبه اعطى وبه افعل وبه اعلم فانى لا اعلم ما لم ليعلم وانه يقول ستجدنى الآية .(7/410)
{ قال } موسى عليه السلام { ستجدنى } [ زود باشدكه يابى مرا ] { ان شاء الله صابرا } معك غير معترض عليك والصبر الحبس يقال صبرت نفسى على كذا اى حبستها وتعليق الوعد بالمشيئة اما كلبا لتوفيقه فى الصبر ومعونته واو تيمنا به او علما منه بشدة الامر وصعوبته فان الصبر من مثله عند مشاهدة الفساد شديد جدا لا يكون الا بتأييد الله تعالى .
وقيل انما استثنى لانه لم يكن على ثقة فيما التزم من الصبر وهذه عادة الصالحين .
ويقال ان امزجة جميع الانبياء البلغم الا موسى فان مزاجه كان المرة . فان قلت ما معنى قول موسى للخضر { ستجدنى } الآية ولم يصبر وقول اسماعيل عليه السلام { ستجدنى ان شاء الله من الصابرين } فصبر .
قال بعض العلماء لان موسى جاء صحبة الخضر بصورة التعلم والمتعلم لا يصر اذا رأى شيأ حتى يفهمه بل يعرتض على استاذه كما هو دأب المتعلمين واسماعيل لم يكن كذلك بل كان فى معرض التسليم والتفويض الى الله تعالى وكلاهما فى مقامهما واقفان .
وقيل كان فى مقام الغيرة والحدة والذبييح فى مقام الحكم والصبر .
قال بعض العارفين قال الذبيح من الصابرين ادخل نفسه فى عداد الصابرين فدخل وموسى عليه السلام تفرد بنفسه وقال صابرا فخرج والتفويض من التفرد اسلم واوفق لتحصيل المقام ووصول المرام { ولا اعصى لك امرا } عطف على صابرا اى ستجدنى صابرا وغير عاص اى لا اخالفك فى شئ ولا اترك امرك فيما امرتنى به وفى عدم هذا الوجدان من المبالغة ما ليس فى الوعد بنفس الصبر وترك العصيان .
وفى التأويلات النجمية معتقدا له فى جميع حالاته وان شاهد منه معاملة غير مرضية بنظر عقله وشرعه فلا ينكره بها ولا يسيئ الظن فيه بل يحسن فيه الظن ويعتقد انه مصيب فى معاملاته مجتهد فى آرائه وانما الخطأ من قصور نظرى وسخافة عقلى وقلة علمى .(7/411)
قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)
{ قال فان اتبعتنى } صحبتنى لاخذ العلم وهو اذن له فى الاتباع بعد اللتيا والتى والفاء لتفريع الشرطية على ما مر من التزامه للصبر والطاعة { فلا تسألنى عن شئ } تشاهده من افعالى وتنكره منى فى نفسك اى لا تفاتحنى بالسؤال عن حكمته فضلا عن المناقشة والاعتراض { حتى احدث لك منه ذكرا } حتى ابتدئ ببيانه .
وفي ايذان بان كل ما صدر عنه فله حكمة وغاية حميدة التبة وهذا من آداب المتعلم مع الالم والتابع مع المتبوع .
قال فى التاويلات النجمية ومن الآداب ان يسد على نفسه باب السؤال فلا يسأل الشيخ عن شئ حتى يحدث له منه ذكرا اما بالقال واما بالحال انتهى - روى - ان لقمان دخل على داود عليه السلام وهو يسرد دروعا ولم يكن رآها قل ذلك فتعجب منه فاراد ان يسأله ذلك فمنعته الحكمة فامسك نفسه ولم يسأله فلما فرغ قام داود ولبسها ثم قال نعم الدرع للحرب . وقيل كان يتردد اليه سنة وهو يريد ان يسأل ذلك فلم يسأل .
قالت الحكماء ان كان الكلام من فضة فالصمت من هذب . وعن بعض الكبار الصمت على قسمين صمت باللسان عن الحديث بغير الله مع غير الله جملة وصمت بالقلب عن خاطر كونى البتة فمن صمت لسانه ولم يصمت قلبه خف وزره ومن صمت قلبه ولم يصمت لسانه فهو ناطق بلسان الحكمة ومن صمت لسانه قلبه ظهر له سره وتجلى له ربه ومن لم يصمت لسانه وقلبه كان مسخرة للشيطان .
فعلى العاقل ان يجتهد حتى يسلم قلبه من الانقباض ولسانه من الاعتراض وينسى ما سوى الله تعالى ولا تلعب به الافكار ويصبر عن مظان الصبر ويستسلم لامر الله الملك الغفار فان الله تعالى فى كل شئ حكمة وفى كل تلف عوضا : وفى المثوى
لا نسلم واعتراض ازما برفت ... جون عوض مى آيداز مفقودزفت
جونكه بى آتش مر اكرمى رسد ... راضيم كر آتش مارا كشد
بى جراغى جون دهد اوروشنى ... كر جراغت شدجه افغان ميكنى
دانه بر مغز باخاك دزم ... خلوتى وصحبتى كرد ازكرم
خويشتن درخاك كلى محو كرد ... تانماندش رنك وبوى سرخ وزرد
از بس آن محو قبض اونماند ... بركشاد وبست شدمركرب براند
نسأل الله تعالى ان يجعلنا من اهل الخلوة به والصحبة بالاهل والتسلم للامر .(7/412)
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71)
{ فانطلقا } اى ذهب موسى والخضر عليهما السلام على الساحل يطلبان السفينة واما يوشع فقد صرفه موسى الى بنى اسرائيل .
وقال الكاشفى [ ويوشع برعقب ايشان ميرفت ] .
يقول الفقير وهو الظاهر فان تثنية الفعل انما هى لاجل الانتقال من قصة موسى مع يوشع الى قصته مع الخضر فكان يوشع تبعا لهما فلم يذكر ويدل على هذا قوله عليه السلام « مررت بهم سفينة فكلموهم ان يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوا بغير نول » على ما فى المشارق ولا مقتضى لرده الى بنى اسرائيل فان هارون عليه السلام كان معهم والله اعلم { حتى اذا ركبا } دخلا { فى السفينة } .
وقال فى الارشاد فى سورة هود معنى الركوب العلو على شئ له حركة اما ارادية كالحيوان او قسرية كالسفينة والعجلة ونحوهما فاذا استعمل فى الاول يوفر له حظ الاصل فيقال ركبت الفرس وان استعمل فى الثانى يلوح بمحلية المفعول بكلمة فى فيقال ركبت فى السفينة . وفى الجلالين { حتى اذا ركبا } البحر { فى السفينة } - روى- انهما مرا بالسفينة فاستحملا ملاحيها فعرفوا الخضر فحملوها بغير نول بفتح النون اى بغير اجرة { خرقها } ثقبها الخضر وشقها لما بلغوا اللج اى معظم الماء حيث اخذ فاسا فقلع بغتة اى على غفلة من القوم من الواحها لوحين مما يلى الماء فجعل موسى يسد الخرق بثيابه واخذ الخضر قدحا من زجاج ورقع به خرق السفينة اوسده بخرقة - روى - انه لما خرق السفينة لم يدخلها الماء .
وقال الامام فى تفسيره والظاهر انه خرق جدارها لتكون ظاهرة العيب ولا يتسارع الى اهلها الغرق فعند ذلك { قال } موسى منكرا عليه { أخرقتها } يا خضر { لتغرق اهلها } فان خرقها سبب لدخول الماء فيها المضى الى غرق اهلها وهم قد احسنوا بنا حيث حملونا بغير اجرة وليس هذا جزاءهم فاللام للعاقبة .
وقال سعدى المفتى ويجوز ان يحمل على التعليل بل هو الانسب لمقام الانكار { لقد جئت } اى اتيت وفعلت { شيأ امرا } [ جيزى شكفت وشنيع وبر دل كران ] .
قال فى القاموس امرا امر منكر عجب .
ومن بلاغات الزمخشرى كم احدث بك الزمان امرا امرا كما لم يزل يضرب زيد عمرا اى كما ثبت دوام هذه القصة .
قال فى الاسئلة المقحمة كان من حق العلم الواجب عليه الانكار بحكم الظاهر الا انه كان يلزم مع ذلك التوقف وقت قلب العادة : قال الحافظ
مزن زجون جرادم كه بنده مقبل ... قبول كردبجان هرسخن كه جانان كفت(7/413)
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72)
{ قال } الخضر لموسى { ألم أقل } اى قد قلت { انك لن تستطيع معى صبرا } ام تقدر ان تصبر معى البتة وهو تذكير لما قاله من قبل متضمن للانكار على عدم الوفاء بوعد .(7/414)
قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)
{ قال } [ كفت موسى كه آن سخن ازخاطرم رفته بود ] { لا تؤاخذنى بما نسيت } بنسيانى وصيتك بعدم السؤال عن حكمة الافعال قبل البيان فانه لا مؤاخذة على الناس كما ورد فى صحيح البخارى « من ان الاول كان من موسى نسيانا والثانى فرطا والثالث عمدا » { ولا ترهقنى } يقال رهقه كفرح غشيه وارهقه اياه والارهاق ان يحمل الانسان على ما لا يطيقه وارهقه عشرا كلفه كلفه اياه فى القاموس اى ولا تغشنى ولا تكلفنى ولا تحملنى .
قال الكاشفى [ ودر مرسان مرا ] { من امرى } وهو اتباع اياه { عسرا } [ دشوارى } مفعول ثانى للارهاق اى لا تعسر على متابعتك ويسرها علىّ فانى اريد صحبتك ولا سبيل لى اليها الا بالاغضاء والعفو وترك المناقشة
بيوش دامن عفوى بروى جرم مرا ... مريزآب رخ بنده بدين جون وجرا
وفى التأويلات النجمية وفى آدب الشيخ وشرائطه فى الشيخوخة ان لا يحرص على قبول المريد بل يمتحنه بان يخبره عن دقة صراط الطلب وعزة المطلوب وعسرته وفى ذلك يكون له مبشرا ولا يكون منفرا فان وجده صادقا فى دعواه وراغبا فيما يهواه معرضا عما سواء يتقلبه بقبول حسن ويكرم مثواه ويقبل عليه اقبال مولاه ويربيه تربية الاولاد ويؤدبه بآداب العباد .
ومنها ان تيغافل عن كثير من الزلات المريد رحمة عليه ولا يؤاخذه بكل سهو او خطأ او نسيان عهد لضعف حاله الا بما يؤدى الى مخالفة امر من اوامره او مواولة نهى من نواهيه او يؤدى الى انكار واعتراض على بعض افعاله واقواله فانه يؤاخذه به وينبهه عن ذلك فان رجع عن ذلك واستغفر منه واعترف بذنبه وندم شرط معه ان لا يعود الى امثاله ويعتذر عما جرى عليه كما كان حال الكليم حيث قال { لا تؤاخذنى بما نسيت ولا ترهقنى من امرى عسرا } اى لا تضيق على امرى فانى لا اطيق ذلك انتهى .
وفى الآية تصريح بان النسيان يعترى الانبياء عليهم السلام للاشعار بان غيره تعالى معيوب غير معصوم ولكن العصيان يعفى غالبا فكيف بنسيان قارنه الاعتذار وقد قيل
اقبل معاذير من يأتيك معتذرا ... ان برّ عندك فيما قال او فجرا
ثم ان امتحان الله وامتحان اوليائه شديد فلا بد من الصبر والتسليم والرضى
قف زفتست وكشاينده خدا ... دست در تسليم زن اندر رضا
قال الخجندى
بجفا دوشدن ازتو نباشد محمود ... هركجا باى ايازست سر محمود دست
وعن الشيخ ابى عبد الله بن خفيف قدس سره قال دخلت بغداد قاصدا الحج وفى رأسى نخوة الصوفية يعنى حدة الارادة وشدة المجاهدة واطراح ما سوى الله قال ولم آكل اربعين يوما ولم ادخل على الجنيد وخرجت ولم اشرب وكنت على طهارتى فرأيت ظبيا فى البرية على رأس بئر وهو يشرب وكنت عطشانا فلما دنوت من البئر ولى الظبى واذ الماء فى اسفل البئر فمشيت وقلت يا سديى امالى عندك محل هذا الظبى فسمعت من خلفى يقال جربناك فلم تصبر ارجع فخذ الماء ان الظبى جاء بلا ركوة ولا حبل وانت جئت ومعك الركوة والحبل فرجعت فاذا البئر ملآن فملأت ركوتى وكنت اشرب منها واتطهر الى المدينة ولم ينفذ الماء فملا رجعت من الحج دخلت الجامع فلما وقع بصر الجنيد قدس سره علىّ لو صبرت لنبع الماء من تحت قدمك لو صبرت صبر ساعة اللهم اجعلنا من اهل العناية .(7/415)
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)
{ فانطلقا } الفاء فصيحة والانطلاق الذهاب اى فقبل الخضر عذر موسى عليه السلام فخرجا من السفينة فانطلقا { حتى اذا } [ تاجون ] { لقيا } فى خارج قرية مرا بها { غلاما } [ بسرى را زيباروى وبلند قامت خضرا اورا دربس ديوارى ببرد ] { فقتله } عطف على الشرط بالفاء اى فقتله عقيب القاء واسمه جيسور بالجيم او حيسور بالحاء او حينون قاله السهيلى ومعنى قتله اشار باصابعه الثاث الابهام والسبابة والوسطى وقلع رأسه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ثم خرجا من الفسينة فبينما هما يمشيان على الساحل اذا ابصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فاخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده فقتله » كذا فى الصحيحين برواية ابى بن كعب رضى الله عنه { قال } موسى والجملة جزآء الشرط { أقتلت نفسا زكية } طاهرة من الذنوب لانها صغيرة لم تبلغ الحنث اى الاثم والذنب وهو قول الاكثرين . قرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو زاكية والباقون زكية فعيلة للمبالغة فى زكاتها وطهارتها وفرق بينهما ابو عمرو بان الزاكية هى التى لم تذنب قط والزكية التى اذنبت ثم تابت { بغير نفس } بغير قتل نفس محرمة يعنى لم تقتل نفسا فيقتص منها .
قيل الصغير لا يقاد فالظاهر من الآية كبر الغلام وفيه ان الشرائع مختلفة فلعل الصغير يقاد فى شريعته ويؤيد هذا الكلام ما نقل البيهقى فى كتاب المعرفة ان الاحكام انما صارت متعلقة بالبلوغ بعد الهجرة .
قوال الشيخ تقى الدين السبكى اننها انما صارت متعلقة بالبلوغ بعد احد .
وقال فى انسان العيون انما صح اسلام على رضى الله عنه مع انهم اجمعوا على انه لم يكن بلغ الحلم ومن ثم نقل عنه رضى الله عنه انه قال
سبقتكموا الى الاسلام طرا ... صغيرا ما بلغت اوان حلمى
اى كان عمره ثمانى سنين لان الصبيان كانوا اذ ذاك مكلفين لان القلم انما رفع عن الصبى عام خيبر .
قال فى الارشاد وتخصيص نفى هذا المبيح بالذكر من بين سائر المبيحات من الكفر بعد الايمان والزنى بعد الاحصان لانه اقرب الى الوقوع نظرا الى حال الغلام وفى الحديث « ان الغلام الذى قتله الخضر طبع كافرا » .
فان قلت ما معنى هذا وقد قال عليه السلام « كل مولود يولد على الفطرة »
قلت المراد بالفطرة استعداده لقبول الاسلام وذلك لا ينافى كونه شقيا فى جبليته او يراد بالفطرة قولهم بلى حين قال الله { ألست بربكم } قال النووى لما كان ابواه مؤمنين كان هو مؤمنا ايضا فيجب تأويله بان معناه والله اعلم ان ذلك الغلام لوبلغ لكان كافرا { لقد جئت } فعلت { شيأ نكرا } منكرا انكر من الاول لان ذلك كان خرقا يمكن تداركه بالسدو هذا لا سبيل الى تداركه . وقيل الامر اعظم من النكر لان قتل نفس واحدة اهون من اغراق اهل السفينة .
قال جماعة من القراء نصف القرآن عند قوله تعالى { لقد جئت شيأ نكرا } .(7/416)
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75)
{ قال } الخضر { ألم اقل لك انك لن تستطيع معى صبرا } توبيخ لموسى على ترك الوصية وزيادة لك هنا لزيادة العتاب على تركها لانه قد نقض العهد مرتين .(7/417)
قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76)
{ قال } موسى { ان سألتك عن شئ } [ اى جيزى كه صادر شود مثل ابن افعال منكره ] { بعدها } اى بعد هذه المرة { فلا تصاحبنى } اى لا تكن صاحبى ومقارنى بل ابعدنى عنك وان سألت صحبتك { قد بلغت من لدنى } [ بدرستى كه رسيدى ازنزديك من ] { عذرا } اى قد وجدت عذرا من قبلى لما خالفتك ثلاث مرات . وبالفارسية [ جون سه بار مخالفت كنم هرآينه درترك صحبت من معذور باشى ] العذر بضمتين والسكون فى الاصل تحرى الانسان ما يمحو به ذنوبه بان يقول لم افعل او فعلت لاجل كذا او فعلت فلا اعود وهذا الثالث التوبة فكل توبة عذر بلا عكس . والاعتذار عبارة عن محو اثر الذنب واصله القطع يقال اعتذرت اليه اى قطعت ما فى قلبه من الموجدة وفى الحديث « رحم الله اخى موسى استحى فقال ذلك لو لبث مع صاحبه لابصر اعجب الاعاجيب »
وفى الخصائص الصغرى ومن خصائص صلى الله عليه وسلم انه جمعت له الشريعة والحقيقة ولم يكن للانبياء الا احدهما بدليل قصة موسى مع الخضر عليهما السلام والمراد بالريعة الحكم بالظاهر وبالحقيقة الحكم بالباطن وقد نص العلماء على ان غالب الانبياء انما بعثوا ليحكموا بالظاهر دون ما اطلعوا عيله من بواطن الامور وحقائقها وبعث الخضر ليحكم عليه من بواطن الامور وحقائقها ومن ثمة انكر موسىعلى الخضر فى قتله للغلام بقوله { لقد جئت شيأ نكرا } فقال له الخضر وما فعلته عن امرى ومن ثمة قال الخضر لموسى انى على علم من عند الله لا ينبغى لك ان تعمل به لانك لست مأمورا بالعمل به وانت على علم من عند الله لا ينبغى لى ان اعمل به لانى لست مأمورا بالعمل به .
وفى تفسير ابن حبان والجمهور على ان الخضر نبى وكان علمه معرفة بواطن امور اوحيت اليه اى ليعمل بها وعلم موسى الحكم بالظاهر اى دون الحكم بالباطن ونبينا صلى الله عليه وسلم وللمصلى لما اطلع على باطن امرهما وعلم منهما ما يوجب القتل .
وقد ذكر بعض السلف ان الخضر الى الآن ينفذ الحكم بالحقيقة وان الذين يموتون فجأة هو الذين يقتلهم فان صح ذلك فهو فى هذه الامة بطريقة النيابة عن النبى صلى الله عليه وسلم فانه صار من اتباعه . وفيه ان عيسى اجتمع به صلى الله عليه وسلم اجتماعا متعارفا بيت المقدس فهو صحابى كذا فى انسان العيون .
يقول الفقير لا وجه لتخصيص عيسى فانه عليه السلام كما اجتمع متعارفا كما سبق فهما صاحبيان ايضا . وفيه بيان شرف نبينا صلى الله عليه وسلم حيث ان هؤلاء الانبياء الكرام استمهلوا من الله تعالى ليكونوا من امته
سر خيل انبيا وسهدار اتقيا ... سلطان باركاه دنى قائد امم(7/418)
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77)
{ فانطلقا } اى ذهبا بعد ما شرطا ذلك { حتى اذا اتيا اهل قرية } هى انطاكية بالفتح والكسر وسكون النون وكسر الكاف وفتح الياء المخففة قاعدة العواصم وهى ذات اعين وسور عظيم من صخر داخله خمسة اجبل دورها اثنا عشر ميلا كما فى القاموس .
قال الكاشفى [ واهل ديه جون شب شدى دروازه دربستندى وبراى هيجكس نكتسادندى نماز شام موسى وخضر بدان ديه رسيدند وخواستندكه بديه در آيند كسى دروازه نكشود واهل ديه را كفتند اينجا غريب رسيده ايم كرسنه نيز هستيم جون مارا درديه جاى نداديد بارى طعام جهت ما بفرستيد ] وذلك قوله تعالى { استطعما اهلها } اى طلبا منهم الطعام ضيافة .
قيل لم يسألاهم ولكن نزولهما عندهم كالسؤال منهم .
قال فى الاسئلة المقحمة استطعم موسى ههنا فلم يطعم وحين سقى لبنات شعيب ما استطعتم وقد اطعم حيث قال { ان ابى يدعوك ليجزيك اجر ما سقيت لنا } والجواب ههنا ان الحرمان كان بسبب المعارضة بحيث لم يكتنف بعلم الله بحاله بل جنح الى الاعتماد على مخلوق فاراد السكون بحادث مسبوق وهناك جرى على توكله ولم يدخل وساطه بين المخلوقين وبين ربه بل حط الرحل ببابه فقال { رب انى لما انزلت الى من خير فقير } قال الحافظ
فقير وخسته بدركاهت آمدم رحمى ... كه جزدعاى نوام نيست هيج دست آويز
وقال
ما آبروى فقر وقناعت نمى بريم ... با بادشه بكوى كه وزى مقدرست
قوله { استطعما اهلها } فى محل الجر على انه صفة لقرية وجه العدول عن استطعماهم على ان يكون صفة للاهل لزيادة تشنيعهم على سوء صنيعهم فان الاباء من الضيافة وهم اهلها قاطنون بها اقبح واشنع { فابوا } امتنعوا { ان يضيفوهما } اى من تضييفهما وهو بالفارسية [ مهمان كردن ] يقال ضافه اذا نزل به ضيفا واضافه وضيفه انزله وجعله ضيفا له هذا حقيقة الكلام ثم شاع كناية عن الاطعام وحقيقة ضاف مال اليه من ضاف السهم عن الغرض اذا مال وعن النبى عليه السلام « كانوا اهل قرية لئاما » قال الشيخ سعدى قدس سره
بزر كان ماسفر بجان برورند ... كه نام نكويى بعالم برند
غريب آشناباش وسياح دوست ... كه سياح جلاب نام نكوست
تبه كرددان مملكت عن قريب ... كزوخاطر آزرده كردد غريب
نكودار ضيف ومسافر عزيز ... وز آسيب شان برحذرباش نيز
وفى الحكاية ان اهلها لما سمعوا الآية جاؤوا الى النبى عليه السلام يحمل من الذهب وقالوا انشترى بهذا ان تجعل الباء تاي عينى فأتوا ان يضيفوهما اى لان يضيفوهما وقالوا غرضنا دفع اللؤم فيمتنع وقال تغييرها يوجب دخول الكذب فى كلام الله والقدح فى الالهة كذا فى التفسير الكبير { فوجدا فيها } قال الكاشفى [ ايشان كرسنه بيرون ديه بودند بامداد روى براه نهادند بس يافتند در نواحى ديه ] { جدارا } [ ديوارى مائل شده بيك طرف ] { يريد ان ينقض } الارادة نزوع النفس الى شئ من حكمه فيه بالفعل او عدمه والارادة من الله هى الحكم وهذا من مجاز كلام العرب لان الجدار لا ارادة له وانما معناه قرب ودنا من السقوط كما يقول العرب دارى تنظر الى دار فلان اذا كانت تقابلها .(7/419)
قال فى الارشاد اى يدانى ان يسقط فاستعيرت الارادة للمشاركة للدلالة على المبالغة فى ذلك . والانقضاض الاسراع فى السقوط وهو انفعال من القض يقال قضضته فانقض ومنه انقضاض الطير والكواكب لسقوطها بسرعة .
وقيل هو افعلال من النقض كاحمر من الحمرة { فاقامه } فسواه الخضر بالاشارة بيده كما هو المروى عن النبى عليه السلام وكان طول الجدار فى السماء مائة ذراع { قال } له موسى لضرورة الحاجاة الى الطعام .
قال الكاشفى [ كفت موسى اين اهل ديه مارا جاى ندادند وطعام نيز نفر ستادند بس جرا ديوار ابشانرا عمارت كردى ] والجملة جزاء الشرط { لو شئت لاتخذت } افتعل من اتخذ بمعنى اخذ كاتبع وليس من الاخذ عند البصريين { عليه } على عملك { اجرا } اجرة حتى نشترى بها طعاما .
قال بعضهم لما قال له { لتغرق اهلها } قال الخضر أليس كنت فى البحر ولم تغرق من غير سفينة ولما قال { أقتلت نفسا زكية بغير نفس } قال أليس قتلت القبطى بغير ذنب ولما قال { لو شئت لاتخذت عليه اجرا } قال أنسيت سقياك لبنات تعيب من غير اجرة وهذا من باب لطائف المحاورات .
قال القاسم لما قال موسى هذا القول وقف ظبى بينهما وهما جائعان من جانب موسى غير مشوى من جانب الخضر مشوى لان الخضر اقام الجدار بغير طمع وموسى رده الى الطمع .
قال ابن عباس رضى الله عنهما رؤية العمل وطلب الثواب به يبطل العمل ألا ترى الكليم لما قال للخضر { لو شئت } الآية كيف فارقه .
وقال الجنيد قدس سره اذا وردت ظلمة الاطماع على القلوب حجبت النفوس عن نظرها فى بواطن الحكم .
يقول الفقير ان قلت كيف جوز موسى طلب الاجرة بمقالة العمل الذى حصل بمجرد الاشارة وهو من طريق خرق العادة الى لا مؤونة فيه .
قلت لم ينظر الى جانب الاسباب وانما نظر الى النفع العائدة الى جانب اصحاب الجدار ألا ترى انه جور اخذ الاجر بمقالة الرقية بسورة الفاتحة ونحوها وهو ليس من قبيل طلب الاجرة على الدعوة فانه لا يجوز للنبى ان يطلب اجرا من قومه على عوته وارشاده كما اشير اليه فى مواضع كثيرة من القرآن .(7/420)
قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)
{ قال } الخضر { هذا فراق بينى وبينك } اى هذا الوقت وقت الفراق بيننا وهذا الاعتراض الثالث سبب الفراق الموعود بقوله فلا تصاحبنى واضافة الفراق الى البين اضافة المصدر الى لاظرف اتساعا { سانبئك } ساخبرك السين للتأكيد لعدم تراخى التنبئة { بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا } التأويل رجع الشئ الى مآله والمراد به ههنا الملآل والعاقبة اذ هو المنبأ به دون التأويل وهو خلاص السفينة من اليد العادية وخلاص ابوى الغلام من شره مع الفوز بالبدل الاحسن واستخراج اليتيمين للكنز قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « وددنا ان موسى كان صبر حتى يقص علينا من خبرهما » اى يبين الله لنا بالوحى .
وفى التأويلات النجمية ومن آداب الشيخ انه لو ابتلى المريد بنوع من الاعتراض او ما يوجب الفرقة يعفو عنه مرة او مرتين ويصفح ولا يفارقه فان عاد الى الثالثة فلا يصاحبه لانه قد بلغ من لدنه عذرا ويقول كما قال الخضر هذا فراق بينى وبينك . ومنها انه لو آل امر الصحبة الى المفارقة بالاختيار او بالاضطرار فلا يفارقه الا على النصحية فينبئه عن سر ما كان عليه الاعتراض ويخبره عن حكمته التى لم يحط بها خبرا ويبين له تأويل ما لم يستطع عليه صبرا لئلا يبقى معه انكار فلا يفلح اذا ابدا انتهى .
يقول الفقير وهو المراد بقول بعض الكبار من قال لاستاذه لم لم يفلح .
قال ابو يزيد البسطامى قدس سره فى حق تلميذه لما خالفه دعوا من سقط من عين الله فرؤى بعد ذلك من المحنثين وسرق فقطعت يده هذا لما نكث العهد فاين هو ممن وفى بيعته مثل تلميذ ابى سليمان الدارانى قدس سره قيل له الق نفسك فى التنور فالقى نفسه فيه فعاد عليه بردا وسلاما وهذه نتيجة الوفاء : وفى المثنوى
جرعه بر خاك وفا آنكس كه ريخنت ... كى تواند صيد دولت زو كربخت
جعلنا الله واياكم من المتحققين بحاقئق المواثيق والعهود .(7/421)
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)
{ اما السفينة } التى خرقتها { فكانت لمساكين } لضعفاء لا يقدرون على مدافعة الظلمة وكانوا عشرة اخوة خمسة منهم زمنى { يعملون فى البحر } بها مؤاجرة طلبا للكسب فاسناد العلم الى الكل بطريق التغليب او لان عمل الوكلاء بمنزلة عمل الموكلين .
اعلم ان الفقير فى الشرية من له مال لا يبلغ نصابا قدر مائتى درهم او قيمتها فاضلا عن حاجته الاصلية سواء كان ناميا او لا والمسكين من لا شئ له من المال هذا هو الصحيح عند الحنفية والشافعية يعكسون .
قال القاضى فى الآية دليل ان المسكين يطلق على من يملك شيأ لم يكفه وحمل اللام على التمليك .
وقال مولانا سعدى انما يكون دليلا اذا ثبت ان السفينة كانت ملكا لهم لكن للخصم ان يقول اللام للدلالة على اختصاصهم بهم لكونها فى يدهم عارية او كونهم اجراء كما ورد فى الاثر انتهى .
وقد نص على هذين الوجهين صاحب الكفاية فى شرح الهداية وسلمنا ان السفينةكانت ملكا لهم فانما سماهم الله مساكين دون فقراء لعجزهم عن دفع الملك الظالم ولزمانتهم والمسكين يقع على من اذله شئ وهو غير المسكين المشهور فى مصرف الصدقة هذا هو تحقيق المقام { فاردت } بحكم الله وارادته { ان اعيبها } اى اجعلها ذات عيب { وكان } [ وحال آنكه هست ] { وراءهم } امامهم كقوله ومن ورائهم برزخ هوراء من الاضداد مثل قوله فما فوقها اى دونها اريد به ههنا الامام دون الخلق على ما يأتى من القصص { ملك } كافر اسمه جلندى بن كركرد كان بجزيرة الاندلس ببلدة قرطبة واول فساد ظهر فى البحر كان ظلمة على ما ذكره ابو الليث واول فساد ظهر فى البر قتل قابيل هابيل على ما ذكره ايضا عند تفسير قوله تعالى { ظهر الفساد } الآية { يأخذ كل سفينة } صحيحة جيدة وهو من قبيل ايجاز الحذف { غصبا } من اصحابها وانتصابه على انه مصدر مبين لنوع الاخذ او على الحالية بمعنى غاصبا والغصب اخذ الشئ ظلما وقهرا ويسمى المغصوب غصبا وخوف الغصب سبب لارادته عيبها لكنه اخر عنها لقصد العناية بذكرها مقدما وجه العناية ان موسى لما انكر خرقها وقال اخرقتها لتغرق اهلها اقتضى المقام الاهتمام لدفع مبنى انكاره بان الخرق لقصد التعييب لا لقصد الاغراق - روى - ان الخضر اعتذر الى القوم وذكر لهم شأن الملك الغاصب ولم يكونوا يعلمون بخبره .
وفى قصص الانبياء فبينما هم كذلك استقلتهم سفينة فيها جنود الملك وقالوا ان الملك يريد ان يأخذ سفينتكم ان لم يكن فيها عيب ثم صعدوا اليها وكشفوها فوجدوا موضع اللوح مفتوحا فانصرفوا فلما بعدوا عنهم اخذ الخضر ذلك اللوح ورده الى مكانه : وفى المثنوى(7/422)
كر خضر در بحر كشتى را شكست ... صد درشتى درشكست خضر هست
فظاهر فعله تخريب وباطنه تعمير : وفى المثنوى
آن يكى آمد زمين را مى شكافت ... ابلهى فرياد كرد وبرنتافت
كين زمين را ازجه ويران ميكنى ... مى شكافىّ وبريشان ميكنى
كى شود كلزار وكندم زار اين ... تانكردد زشت وويران اين زمين
كى شود بستان وكشت وبرك بر ... تار نكردد نظم او زير وزبر
تا نشكافى بنشتر ريش جغز ... كى شود نيكو وكى كرديد نغز
تا نشوزد خلطهايت از دوا ... كى رود شورش كجا آيد شفا
باره باره كرد درزى جامه را ... كس زند آن درزى علامه را
كه جرا اين اطلس بكزيده را ... بر دريدى جه كنم بدر يده را
هر بناى كهنه كآبادان كنند ... نى كه اول كهنه را ويران كنند
همجنين نجار وحداد وقصاب ... هستشان بيش از عمارتها خراب
آن هليله وان بليله كوفتن ... زان تلف كردند معمورئ تن
تا نكوبى كندم اندر آسيا ... كى شود آراسته زان خوان ما
وفى افناء الوود المجازى تحصيل للوجود الحقيقى فما دامت البشرية واوصافها باقية على حالها لا يظهر آثار الاخلاق الالهية البتة .
وفى التأويلات النجمية فى الآية اشاراتن . منها ان خرق السفينة واعابتها لئلا تؤخذغصبا ليس من احكام الشرع ظاهرا ولكنه لما كان فيه مصلحة لصاحبها فى باطن الشرع جوز ذلك ليعلم انه يجوز للمجتهد ان يحكم فيما يرى ان صلاحه اكثر من فساده فى بطان الشرع بما لا يجوز فى ظاهر الشرع اذا كان موافقا للحقيقة كمل قال { وكان وراءهم } الآية .
ومنها ان يعلم عناية الله فى حق عباده المساكين الذين يعلمون فى البحر غافلين عما رواءهم من الآفات كيف ادركتهم العناية بنبى من انبيائه ويكف دفع عنه البلاء ودرأ عنهم الآفة .
ومنها ان يعلم ان الله تعالى فى بعض الاوقات يرجح مصلحة بعض السالكين على مصلحة نبى من انبيائه فى الظاهر وان كان لا يخلو فى باطن الامر من مصلحة النبى فى اهمال جانبه فى الظاهر كما ان الله تعالى رجح رعاية مصلحة المساكين فى خرق السفينة على رعاية مصلحة موسى لانه كان من اسباب مفارقته عن صحبة الخضر ومصلحته ظاهر كانت فى ملازمة صحبة الخضر وقد كان فراقه عن صحبته متضمنا لمصالح النبوة والرسالة ودعوة بنى اسرائيل وتربيتهم فى حق موسى باطنا انتهى .
يقول الفقير ومنها ان اهل السفينة لما لم يأخذوا النول من موسى والخضر عوضهم الله تعالى خيرا من ذلك حيث نجى سفينتهم من اليد العادية وفيه فضيلة الفضل .(7/423)
وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80)
{ واما الغلام } الذى قتلته وهو جيسور { فكان ابواه } اسم ابيه كازبرا واسم امه سهوى كما فى التعريف { مؤمنين } مقرين بتوحيد الله تعالى { فخشينا } خفنا من { أن يرهقهما } رهقه غشيه ولحقه وارهقه طغيانا اغشاه اياه وألحق ذلك به كما فى القاموس .
قال الشيخ ان يكلفهما { طغيانا } ضلالة { وكفرا } وتبعهان له لمحبتهما اياه فيكفران بعد الايمان ويضلان بعد الهداية وانما خشى الخضر من ذلك لان الله اعلمه بحال الولد انه طبع اى خلق كافرا .(7/424)
فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)
{ فاردنا } [ بس خواستيم ما ] { ان يبدلهما ربهما } يعوضهما ويرزقهما ولدا { خيرا منه زكاة } طهارة من الذنوب والاخلاق الرديئة { واقرب } منه { رحما } رحمة وبرا بوالديه .
قال ابن عباس رضى الله عنهما ابدلهما الله جارية تزوجها نبى من الانبياء فولدت سبعين نبيا .
قال مطرف فرح به ابواه حين ولد وحزنا عليه حين قتل ولو بقى لكان فيه هلاكهما فليرض المرء بقضاء الله فان قضاء الله للمؤمن خير له من قضائه فيما يحب
آن بسررا كش خضر ببريد حلق ... سر آنرا در نيابد عام خلق
آنكه جان بخشد اكربكشدرواست ... نائب است ودست او دست خداست
بس عداوتها كه آن يارى بود ... بس خرابيها كه معمارى بود
فرب عداوة هى فى الحقيقة محبة ورب عدو هو فى الباطن محب وكذا عكسه وانتفاع الانسان بعد ومشاجر يذكر عيوبة اكثر من انتفاعه بصديق مداهن يخفى عليه عيوبة : وفى المثنوى
در حقيقت دوستانت دشمنند ... كه زحضرت دور ومشغولت كنند
در حقيقت هر عدو داروى تست ... كيميا ونافع ودلجوى تست
كه ازو لدر كر يزى در خلا ... استعانت جو يى از لطف خدا
- وكان - واعظ كلما وعظ ودعا اشرك فى دعائه قطاع الطريق ودعا لهم فسئل عن ذلك فقال انهم كانوا سببا لسلوكى هذا الطريق اى طريق الفقراء واختيارى الفقر على الغنى فانى كنت تاجرا فاخذونى وآذونى وكلما خطر ببالى امر التجارة ذكرت اذا هم وجفاهم فتركت التجارة واقلبت على العبادة .
وفى الآية اشارة . منها ان قتل النفس الزكية بلا جرم منها محظور فى ظاهر الشرع وان ان فيه مصلحة لغيره ولكنه فى باطن الشرع جائز عند من يكاشف بخواتيم الامور ويتحقق له ان حياته سبب فساد دين غيره وسبب كمال شقاوة نفسه كما كان حال الخضر مع قتل الغلام لقوله تعالى { واما الغلام } الآية فلو عاش الغلام لكان حياته سبب فساد دين ابويه وسبب كمال شقاوته فانه وان طبع كافرا شقيا لم يكن يبلغ كمال شقاوته الا بطول الحياة ومباشرة اعمال الكفر .
ومنها تحقيق قوله تعالى { عسى ان تكرهوا شيأ وهو خير لكم } الآية فان ابوى الغلام كانا يكرهان قتل ابنهما بغير قتل نفس ولا جرم وكان قتله خيرا لهما وكانا يحبان حياة ابنهما وهو اجمل الناس وكان حياته شرا لهما وكان الغلام ايضا يكره قتل نفسه وهو خير له ويحب حياة نفسه وهو شر له لانه بطول حياته يبلغ الى كمال شقاوته .
ومنها ان من عواطف احسان الله تعالى انه اذا اخذ من العبد المؤمن شيأ من محبوباته وهو مضر له والعبد غافل عن مضرته فان صبر وشكر الله تعالى يبد له خيرا منه مما ينفعه ولا يضره كما قال تعالى { فاردنا ان يبدلهما ربهما } الآية كما فى التأويلات النجمية نسأل الله تعالى ان يجعلنا من الصابرين الشاكرين فى الشريعة والطريقة ويوصلنا الى ما هو خير وكمال فى الحقيقة .(7/425)
وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)
{ واما الجدار } المعهود { فكان لغلامين يتيمين } اسمهما اصرم وصريم ابنا كاشح وكان سياحا تقيا واسم امهما دنيا فيما ذكره النقاش { فى المدينة } فى القرية المذكورة فيما سبق وهى انطاكية { وكان تحته } اى تحت الجدار { كنز لهما } [ كنجى براى ايشان ] هو فى الاصل مال دفنه انسان فى ارض وكنزه يكنزه اى دفنه اى مال مدفون لهما من ذهب وفضة روى ذلك مرفوعا وهو الظاهر لاطلاق الذم على كنزهما فى قوله تعالى { والذين يكنزون الذهب والفضة } لا يؤدى زكاتهما وما تعلق بهما من الحقوق .
وقيل كان لوحا من ذهب او من رخام مكتوب فيه « بسم الله الرحمن الرحيم عجبت لمن يؤمن بالقدر » اى ان الامور كائنة بقضاء الله تعالى وتقديره « كيف يحزن » اى على فوات نعمة واتيان شدة « وعجبت لمن يؤمن بالرزق » اى ان الرزق مقسوم والله تعالى رازق كل احد « كيف ينصب » اى يتعب فى تحصيله « وعجبت لمن يؤمن بالموت » اى انه سيموت وهو حق « كيف يفرح » اى بحياته القليلة القصيرة « وعجبت لمن يؤمن بالحساب » اى ان الله تعالى يحاسب على كل قليل وكثير « كيف يغفل » اى عن ذلك ويشغل بتكثير متاع الدنيا « وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقبلها باهلها كيف يطمئن اليها لا اله الا الله محمد رسول الله وعجبت لمن يؤمن بالنار كيف يضحك » وفىلجانب الآخر مكتوب « انا الله لا اله الا انا وحدى لا شريك لى خلقت الخير والشر فطوبى لمن خلقته للخير واجريته على يديه والويل لمن خلقته للشر واجريته على يديه » وهو قول الجمهور كما فى بحر العلوم { وكان ابوهما صالحا } كان الناس يضعون الودائع عند ذلك الصالح فيردها اليهم سالمة فحفظنا بصلاح ابيهما فى مالهما وانفسهما .
قال جعفر بن محمد كان بينهما وبين الاب الصالح سبعة آباء فيكون الذى دفن ذلك الكنز جدهما السابع { فاراد ربك } بالامر بتسوية الجدار { ان يبلغا اشدهما } اى حلمهما وكمال رأيهما .
قال فى بحر العلوم الاشد فى معنى القوة جمع شدة كانعم فى نعمة على تقدير حذف الهاء وقيل لا واحد له وبلوغ الاشد بالادراك وقيل ان يونس منه الرشد مع ان يكون بالغاء وىخره ثلاث وثلاثون سنة او ثمانى عشرة وانما قال الخضر فى تأويل خرق السفينة { فاردت ان اعيبها } بالاسناد الى نفسه لظاهر القبح وفى تأويل قتل الغلام { خشينا } بلفظ الخشية والاسناد الى ن لان الكفر مما يجب ان يخشاه كل احد وقال فى تأويل الجدار { فاراد ربك ان يبلغا اشدهما } بالاسناد الى الله تعالى وحده لان بلوغ الاشد وتكامل السن ليس الا بمحض ارادة الله تعالى من غير مدخل واثر لارادة العبد فالاول فى نفسه شر قبيح والثالث خير محض والثانى ممتزج .(7/426)
وقال بعضهم لما قال الخضر { فاردت } اللهم من انت حتى يكون لك ارادة فجمع فى الثانية حيث قال { فاردنا } فالهم من انت وموسى حتى يكون لكما اراد فخض فى الثالثة الارادة بالله اى دون اضافة الارادة الى نفسه وادعاء الشركة فيهما ايضا { ويستخرجا كنزهما } من تحت الجدار ولوا انى اقمته لا نقض وخرج الكنز من تحته قبل اقتدارهما على حفظ المال وتنميته وضاع بالكلية . فان قيل انعرف واحد من اليتيمين والقيم عليهما الكنز امتنع ان يترك سقوط الجدار وان لم عرفوا فكيف يسهل عليهم استخراجه .
قلنا لعلهما لم يعلماه وعلم القيم الا انه كان غائبا كذا فى تفسر الامام .
يقول الفقير قوله وان لم يعرفوا الخ غير مسلم لان الله تعالى قادر على ان يعلقهما مكان ذلك الكنز بطريق من الطرق ويسهل عليهما استخراجه على ان واجد الكنز فى كل زمان من غير سبق معرفة بالمكان ليس بنادر واللام فى كنز لهما لاختصاص الوجدان بهما ومن البعيد ان يعيش الجد السابع الى ان يولد للبطن السادس من اولاده ويدفن له مالا او يعين له { رحمة من ربك } لهما مصدر فى موقع الحال اى مرحومين من قبله تعالى او علة لاراد فان ارادة الخير رحمة او مصر لمحذوف اى رحمهما الله بذلك رحمة { وما فعلته } اى ما فعلت ما رأيته يا موسى من خرق السفينة وقتل الغلام واقامة الجدار { عن امرى } عن رأيى واجتهادى وانما فعلته بامر الله ووحيه وهذا ايضاح لما اشكل على موسى وتمهيد عنه شفقة له { ذلك } المذكور منا لعواقب { تأويل ما لم تسطع عليه صبرا } اى لم تستطع فحذف التاء للتخفيف وهو انجاز للتنبئة الموعودة - روى - ان موسى لما اراد ان يفارقه قال ان الخضر لوصبرت لاتيت على الف عجب كل عجب اعجب مما رأيت فبكى موسى على فراقه وقال له اوصنى يا نبى الله . قال لا تطلب العلم لتحدث به الناس واطلبه لتعمل به وذلك لان من لم يعمل بعلمه فلا فائدة فى تحديثه بل نفعه يعود الى غيره : وفى المثنوى
@_جوع يوسف بود آن يعقوب را ... بوى نانش مى رسيد ازدورجا
آنكه بستد بيرهن رامى شتافت ... بوى بيراهان يوسف مى نيافت
وانكه صدفر سنك زآن سوبوى او ... جونكه بد يعقوب مى بوييد بو
اى بسا عالم زدانش بى نصيب ... حافظ علمست آنكست نى حبيب
زانكه ببراهان بدستش عاريه است ... جون بدست آر نخاسى جاريه است
جاريه بيش نخاسى سرسريست ... در كف او از براى مشتريست(7/427)
ومن وصايا الخضر .
كن نفاعا ولا تكن ضرارا . وكن بشاشا ولا تكن عبوسا غضابا . واياك واللجاجة . ولا تمش فى غير حاجة . ولا تضحك من غير عجب . ولا تعير المذنبين خطاياهم بعد الندم . وابك على خطيئتك ما دمت حيا . ولا تؤخر عمل اليوم الى الغد . واجعل همك فى معادك ولا تخض فيما لا يعنيك . ولا تأمن لخوف من امنك . ولا تيأس من الا من من خوفك . وتدبر الامور فى علانيتك . ولا تذر الاحسان فى قدرتك فقال له موسى قد ابلغت الوصية فاتم الله عليك نعمته وغمرك فى رحمته وكلأك من عدوه .
فقال له الخضر اوصنى انت يا موسى فقال له موسى اياك والغضب الا فى الله . ولا تحب الدنيا فانها تخرجك من الايمان وتدخلك فى الكفر فقال له الخضر قد ابلغت فى الوصية فاعانك الله على طاعته واراك السرور فى امرك وحببك الى خلقه واوسع عليك من فضله قال له آمين كما فى التعريف والاعلام للامام السهيلى رحمه الله .
وفى بعث موسى الى الخضر اشارة الى ان الكمال فى الانتقال من علوم الشريعة المبنية على الظواهر الى علوم الباطن المبنية على التطلع الى حقائق الامور كا فى تفسير الامام .
قال بعض العارفين من لم يكن له نصيب من هذا العلم اى العلم الوهبى الكشفى اخاف عليه سوء الخاتمة وادنى النصيب التصديق به وتسليمه لاهله واقل عقوبة من ينكره ان لا يرزق منه شيأ وهو علم الصديقين والمقربين كذا فى احياء العلوم .
وفى الآية اشارات منها انه تعالى من كمال حكمته وغاية رأفته ورحمته فى حق عباده يستعمل نبين مثل موسى والخضر عليهما السلام فى مصلحة الطفلين .
ومنها ان مثل الانبياء يجوز ان يسعى فى امر دنيوى اذا كان فيه صلاح امر اخروى لا سيما فائدة راجعة الى غيره فى الله . ومنها ان يعلم ان الله تعالى يحفظ بصالح قوما وقبيلة ويوصل بركاته الى البطن السابع منه كما قال { وكان ابوهما صالحا } .
قال محمد بن المنكدر ان الله يحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده وعشيرته والدويرات اى اهلها حوله فلا يزالون فى حفظ الله وستره .
قال سعيد بن المسيب انى اصلى واذكر ولدى فازيد فى صلاتى . وصح عن ابن عباس رضى الله عنهما فى قوله تعالى { وكان ابوهما صالحا } انه قال حفظا بصلاح ابيهما وما ذكر منهما صلاحا فاذا ارتفع الطاهرة الطيبة المطهرة .
قود قيل ان حمام الحرم انما اكرم لانه من ذرية حمامتين عششت على غار ثور الذى اختفى فيه النبى عليه السلام عند خروجه من مكة للهجرة كما فى الصواعق لابن حجر . وذكر ان بعض العلوية هم هارون الرشيد بقتله فلما دخل عليه اكرمه وخلى سبيله فقيل بم دعوت حتى انجاك الله منه فقال قلت يا من حفظ الكنز على الصبيين لصلاح ابيهما احفظنى لصلاح آبائى كما فى العرائس .(7/428)
ومنها ليتأدب المريد فيما استعمله الشيخ وينقاد له ولا يعمل الا لوجه الله ولا يشوب عمله بطمع دنيوى وغرض نفسانى ليحبط عمله ويقطع حبل الصحبة ويوجب الفرقة .
ومنها ان الله تعالى يحفظ المال الصالح للعبد الصالح اذا الصالح اذا كان فيه صلاح . ومنها ليتحقق ان كل ما يجرى على ارباب النبوة واصحاب الولاية انما يكون بامر من اوامر الله ظاهرا وباطنا . اما الظاهر فكحلال الخضر كما قال { وما فعلته عن امرى } اى فعلته بامر ربى . واما الباطن فحكال موسى واعتراضه على وفق شريعته .
ومنها ان الصبر على افاعيل المشايخ امر شديد فان زل قدم مريد صادق فى امر من اوامر الشيخ او تطرق اليه انكار على بعض افعال المشايخ او اعتراه اعتراض على بعض معاملاته او اعوزه الصبر على ذلك فليعذره ويعف عنه ويتجاوز الى ثلاث مرات فان قال بعد الثالثة هذا فراق بينى وبينك يكون معذورا ومشكورا ثم ينبئه عن افاعيله ويقول ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا . قال فى العوارف ويحذر المريد الاعتراض على الشيخ ويزيل اتهام الشيخ عن باطنه فى جميع تصاريفه فانه السم القاتل للمريدين وقل ان يكو مريد يعترض على الشيخ بباطنه فيفلح ويذكر المريد فى كل ما اشكل عليه من كل تصرف اشكل عليه صحته من الشيخ عند الشيه فيه بيان وبرهان للصحة انتهى : قال الحافظ
نصيحتى كنمت بشنو وبهانه مكير ... هر آنكه ناصح مشفق بكويدت ببذير
وينبغى ان يكون المرشد محققا ومشفقا لا مقلدا غير مشفق كيلا يضيع سعى من اقتدى به فانه قيل
اذا كان الغراب دليل قوم ... سيهديهم الى ارض الجياف
قال الحافظ
دردم نهفته به زطبيبان مدعى ... باشدكه ازخزانه غيبش دواكنند
قال الصائب
ربى درد ان علاج دردخود جستن بآن ماند ... كه خاراز بابرون آرد كسى بانيش عقربها
ومنها انه اذا تعارض ضرر ان يجب تحمل اهونهما لدفع اعظمهما وهو اصل ممهد غير ان الشرائع فى تفاصيله مختلفة مثاله . رجل عليه جرح لو سجد له سال جرحه وان لم يسجد لم سل فانه يصلى قاعدا يومى بالركوع والسجود لان ترك الركوع والسجود اهون من الصلاة مع الحدث . وشيخ لا يقدر على القراءة ان صلى قائما ويقدر عليها ان صلى قاعهدا يصلى قاعدا مع القراءة ولو صلى فى الفصلين قائما مع الحدث وترك القراءة لم يجز . ورجل لو خرج الى الجماعة لا يقدر على القيام ولو صلى فى بيته صلى قاعدا صححه فى الخلاصة وفى شرح المنية يصلى فى بيته قائما قال ابن نجيم وهو الاظهر ومن اضطر . وعنده ميتة ومال الغير اكلها دونه . ورجل قيل له لتلقين نفسك فى النار او من البجل او لاقتلنك وكان الالقاء بحيث لا ينجو يختار ما هو الاهون فى زعمه عند الامام يصبر حتى يقتل كذا فى الاشباه .(7/429)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83)
{ ويسألونك عن ذى القرنين } هم اليهود سألوه على وجه الامتحان عن رجل طواف بلغ شرق الارض وغربها او سأل قريش بتلقينهم وصيغة الاستقبال للدلالة على استمرارهم على ذلك الى ورود الجواب وهو ذو القرنين الاكبر واسمه اسكندر بن فيلقوس اليونانى ملك الدنيا باسرها كما قال مجاهد ملك الارض اربعة مؤمنان وكافران فالمؤمنان سليمان وذو القرنين والكافران نمرود وبخت نصر وفى مشكاة الانوار شداد بن عاد بدل بخت نصر وكان ذو القرنين بعد نمرود فى عهد ابراهيم عليه السلام على ما يأتى ولكنه عاش طويلا الفا وستمائة سنة على ما قالوا .
وفى تفسير الشيخ وكان بعد ثمود وكان الخضر على مقدمة جيشه بمنزلة المستشار الذى هو من الملك بمنزلة الوزير .
قال ابن كثير والصحيح انه ما كان نبيا ولا ملكا وانما كان ملكا صالحا عادلا ملك الاقاليم وقهر اهلها من الملوك وغيرهم وانقادت له البلاد مات بمدينة شهر زور بعدما خرج من الظلمة ودفن فيها وفى التبيان مدة دوران ذى القرنين فى الدنيا خمسمائة ولما فرغ من بناء السد رجع الى بيت المقدس ومات به وانما سمى بذى القرنين لانه بلغ قرنى الشمس اى دانبيها مشرقها ومغربها كما لقب اردشير واضع النرد بطويل اليدين لنفوذ امره حيث اراد .
وفى القاموس لما دعاهم الى الله ضربوه على قرنه الايمن فمات فاحياه الله ثم دعاهم فضربوه على قرنه الايسر فمات ثم احياه الله كما سمى على بن ابى طالب رضى الله عنه بذى القرنين لما كان شجتان فى قرنى رأسه احداهما من عمرو بن ود والثانية من ابن ملجم لعنه الله . وفى قصص الانبياء وكان قد رأى فى منامه انه دنا من الشمس حتى اخذ بقرنيها فى شرقها وغربها فلما قص رؤياه على قومه سموه به .
وقال السيوطى رحمه الله فى الاوائل اول من لبس العمامة ذو القرنين وذلك انه طلع له فى رأسه قرنان كالظلفين يتحركان فلبسهما من اجل ذلك ثم انه دخل الحمام ومعه كاتبه فوضع العمامة وقال لكاتبه هذا امر لم يطلع عليه غيرك فان سمعت به من احد قتلتك فخرج الكاتب من الحمام فاخذه كهيئة الموت فاتى الصحراء فوضع فمه بالارض ثم نادى ألا ان للملك قرنين فانبت الله من كلمته قصبتين فمر بهما راع فقطعهما واتخذهما مزمارا فكان اذا زمر خرج من القصبتين ألا ان للملك قرنين فانتشر ذلك فى المدنية فقال ذو القر نين هذا امرا اراد الله ان يبديه .
واما ذو القرنين الثانى وهو اسكندر الرومى الذى يؤرخ بايامه الروم فكان متأخرا عن الاول بدهر طويل اكثر من الفى سنة كان هذا قبل المسيح عليه السلام بنحو من ثلاثمائة سنة وكان وزيره ارسطاطا ليس الفيلسوف وهو الذى حارب دارا واذل الفرس ووطئ ارضهم وكان كافرا عاش ستا وثلاثين سنة فالمراد بذى القرنين فى القرآن هو الاول دون الثانى وقد غلط كثير من العلماء ف الفرق بينهما فظنوا ان المذكور فى الآية هو الرومى سامحهم الله تعالى { قل } لهم فى الجواب { ساتلو عليكم } ساذكر لكم ايها السائلون { منه } اى من خبر ذو القرنين وحاله فحذف المضاف { ذكرا } نبأ مذكورا وبيانا او ساتلوا فى شأنه من جهته تعالى ذكر اى قرآنا والسين للتأكيد والدلالة على التحقق اى لا اترك التلاوة البتة .(7/430)
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84)
{ انا مكنا له فى الارض } شروع فى تلاوة الذكر المعهود حسبما هو الموعود والتمكين ههنا الاقدار وتمهيد الاسباب فلا يحتاج الى المفعول يقال مكنه ومكن له ومعنى الاول جعله قادرا قويا ومعنى الثانى جعل له قدرة وقوة ولتلازمهما فى الوجود وتقاربهما فى المعنى يستعمل كل منهما فى محل الآخر كما فى قوله { مكناهم فى الارض ما لم نمكن لكم } اى جعلناهم قادرين من حيث القوى والاسباب والآلات على انواع التصرفات فيها ما لم نجعله لكم من القوة والسعة فى المال والاستظهار بالعدد والاسباب فكأنه قيل ما لم نمكن لكم فيها اى ما لم نجعلكم قادرين على ذلك فيها او مكنا لهم فى الارض ما لم نمكن لكم وهذا اذا كان التمكين مأخوذا من المكان بناء على توهم ان ميمه اصلية او المعنى انا جعلنا له مكنة وقدرة على التصرف من حيث التدبير والرأى والسباب حيث سخر له السحاب ومد له فى الاسباب وبسط له النور وكان الليل والنهار عليه سواء وسهل عليه السير فى الارض وذللت له طرقها .
وعن ابن عباس رضى الله عنهما كان ابراهيم عليه السلام بمكة فاقبل عليها ذو القرنين فلما كان بالابطح قيل له فى هذه البلدة ابراهيم خليل الرحمن فقال ذو القرنين ما ينبغى لى ان اركب فى بلدة فيها ابراهيم خليل الرحمن فنزل ذو القرنين ومشى الى ابراهيم فسلم عليه ابراهيم واعتنقه فكان هو اول من عانق عند السلام كما فى انسان العيون ودرر الغرر فعند ذلك سخر له السحاب لان من تواضع رفعه الله فكانت السحاب تحمله وعساكره وجميع آلاتهم اذا ارادوا غزوة قوم وسخر له النور والظلمة فاذا سرى يهديه النور من امامه وتحوطه الظلمة من ورائه
جون نهد در تو صفات جبرئيل ... همجو فرخى برهوا جويى سبيل
جون نهند در تو صفتهاى خرى ... صد برت كر مست در آخور برى
جونكه جشم دل شده محرم بنور ... ظلمت كون ومكان شد ازتو دور
هركه ن بينا شود اندر جهان ... روز او باشب برابر بى كمان
{ وآتيناه من كل شئ } اراد من مهمات ملكه ومقاصده المتعلقة بسلطانه { سببا } اى طريقا يوصل اليه وهو كل ما يتوصل به الى المقصود من علم او قدرة او آلة . وبالفارسية [ دست آويزى كه بدان سبب اوران آن جيز ميسر ميشد ] .(7/431)
فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85)
{ فاتبع } بالقطع اى فاراد بلوغ المغرب فاتبع { سببا } يوصله اليه اى لحقه وتبعه وسلكه وسار .
قال فى القاموس واتبعتهم تبعتهم وذلك اذا كانوا سبقوك فلحقتهم واتبعتهم ايضا غيرى وقوله تعالى { فأتبعهم فرعون } اى لحقهم ففى الاتباع معنى الادراك والاسراع . قال ابن الكمال يقال تبعه اتباعا اذا طلب الثانى اللحوق بالاول وتبعه تبعا اذا مر به ومضى معه . قال فى الارشاد ولعل قصد بلوغ المغرب ابتداء لمراعاة الحركة الشمسية انتهى .
وقال فى التبيان قصد الى ناحية المغرب يطلب عين الحياة عند بحر الظلمات لانه قيل له ثمة عين الحياة من شرب منها لم يمت ابدا الى يوم القيامة فمشى نحو الظلمات لعله يقع بالعين .
وفى التأويلات النجمية يشير بقوله { ويسألونك } الآية الى ان السائل لا يرد وان فى القصص للقلوب عبرة وتقوية وتثبتا وبقوله { انا مكنا له فى الارض } يشير الى تمكن الخلافة اى مكناه بخلافتنا فى الارض وآتيناه بالخلافة ما كان سبب وجود كل مقدور من مقدوراتنا بالاصالة حتى صار قادر على صار قادرا على قلب الاعيان وكانت الدنيا مسخرة له فلو اراد طويت له الارض واذا شاء مشى على الماء واذا احب طار فى الهواء ويدخل النار فاتبع سببا كل مقدور فصار مقدورا له بالخلافة فى الارض ما كان مقدور لنا بالاصالة فى السماء والارض انتهى .
يقول الفقير انما بدأ بالسير ال المغرب اشارة الى كون ترتيب السلوك عروجا فان المغرب اشارة الى الاجسام والمشرق الى الارواح فما دام لم يتم سير الاجسام من الاكوان لا يحصل الترقى الى عالم الارواح ثم الى عالم الحقيقة .(7/432)
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86)
{ حتى اذا بلغ } [ تاجون رسيد ] { مغرب الشمس } اى منتهى الارض من جهة المغرب بحيث لا يتمكن احد من مجاوزته ووقف على حافة البحر المحيط .
قال الشيخ اى بلغ قوما فى جهة ليس وراءهم احد لانه لا يمكنه ان يبلغ موضع غروب الشمس . قال فى التبيان ولما وصل ذو القرنين الى مغرب الشمس يطلب عين الحياة قال له شيخ هى خلف ارض الظلمة ولما اراد ان يسلك فى الظلمة سأل أى الدواب فى الليل ابصر قالوا الخيل فقال أى الخيل ابصر قالوا الاناث فقال أيى الاناث ابصر قالوا البكارة فجمع من عسكره ستة آلاف فرس كذلك فركبوا الرماك وترك بقية عسكره فدخلوا الظلمات فساروا يوما وليلة فاصاب الخضر العين لانه كان على مقدمة جيشه صاحب لوائه الاكبر فشرب منها واغتسل واخطأ ذو القرنين : قال الحافظ
فيض ازل بزور زر ار آمدى بدست ... آب خضر نصيبه اسكندر آمدى
فساروا على حصحاص من حجارة لا يدرون ما هى فسألوه عنها فقال الاسكندر خذوا من هذه الحجار ما استطعتم فانه من اقل منها ندم ومن اكثر منها ندم فاخذوا وملأ وامخالى دوابهم من تلك الحجارة فلما خرجوا نظروا الى ما فى مخاليهم فوجدوه زمردا اخضر فندموا كلهم لكونهم لم يكثروا من ذلك { وجدها } اى رأى الشمس { تغرب فى عين حمئة } اى ذات حمأة وهى الطين الاسود . بالفارسية [ آب مكدر لاى آميز ] من حمئت البئر اذا كثرت حمأتها ولعله لما بلغ ساحل البحر رآها كذلك اذ ليس فى مطمح نظره غير الماء كراكب البحر ولذلك قال { وجدها تغرب } ولم يقل كانت تغرب .
وقال بعض لما بلغ موضعا لم يبق عبده عمارة فى جانب المغرب وجد الشمس كأنها تغرب فى وهذه مظلمة كما ان راكب البحر يراها كأنها تغرب فى البحر اذا لم ير الشط وهى فى الحقيقة تغيب وراء البحر والا فقد علم ان الارض كرة والسماء محيطة به والشمس فى الفلك وجلوس قوم فى قرب الشمس غير موجود والشمس اكثر من الارض بمرات كثيرة فكيف يعقل دخولها فى عين من عيون الارض .
قال السمرقندى رحمه الله فى بحر العلوم فان قيل قد ورد فى الحديث ان الشمس تشرق من السماء الرابعة ظهرها الى الدنيا ووجهها يشرق لاهل السموات وعظمها مثل الدنيا ثلاثمائة مرة او ما شاء الله فكيف يمكن دخولها فى عين من عيون الارض قلنا ان قدرة الله تعالى باهرة وحكمته بالغة فالله تعالى قادران يدخل السموات السبع والارضين السبع فى اصغر شئ واحقر فما ظنك بما فيها من الشمس وغيرها انتهى .
وفى التأويلات فان قال قائل انا قد علمنا ان الشمس فى السماء الرابعة ولها فلك خاص يدور بها فى السماء فكيف يكون غروبها فى عين حمئة قلنا ان الله تعالى لم يخبر عن حقيقة غروبها فى عين حمئة وانماخبر عن وجدان ذى القرنين غروبها فيها فقال { وجدها تغرب فى عين حمئة } وذلك ان ذا القرنين ركب بحر الغرب واجرى مركب الى ان بلغ فى البحر موضعا لم يتمكن جريان المراكب فيه فنظر الى الشمس عند غروبها وجدها تغرب بنظره فى عين حمئة انتهى .(7/433)
قال بعضهم اذا كان ذو القرنين نبيا فنظر النبى ثاقب يرى الاشياء على ما هى عليها كما رأى النبى عليه السلام النجاشى من المدينة وصلى عليه وان لم يكن نبيا فذلك الوجدان بحسب حسبانه { ووجد عنها } عند تلك العين يعنى عند نهاية العمارة . وبالفارسية { يافت نزديك آن جشمه برساحل درياى محيط غربى ] { قوما } [ كروهى را در ناسك مذكوراست كه ايشان قومى بودند بت برست سبز جشم سرخ موى لباس ايشان بوست حيوانات وطعام ايشان كوشت حيوان آبى ] قال بعضهم قوما فى مدينة لها اثنا عشر الف باب لولا اصوات اهلها لسمع الناس وجوب الشمس حين تجب
وقال الامام السهيلى هم اهل جابلص بالفتح وهى مدينة يقال لها بالسريانية جرجيسا لها عشرة آلاف باب بين كل بابين فرسخ يسكنها قوم من نسل ثمود بقيتهم الذين آمنوا بصالح عليه السلام واهل جابلس آمنوا بالنبى عليه السلام لما مر بهم ليلة الاسراء .
وقال فى الاسئلة الحكم اما حديث جابلصا وجابلقا وايمان اهاليهما ليلة المعراج وانهما من الانسان الاول فمشهور { قلنا } بطريق الالهام ويدل على نبوته كونه مأمور بالقتال معهم كما قال عليه السلام « مرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله » كما فى التأويلات .
قال الحدادى لا يمكن اثبات نبوة الا بدليل قطعى { يا ذا القرنين اما ان تعذب واما ان تتخذ فيه حسنا } امرا ذاحسن فحذف المضاف اى انت مخير فى امرهم بعد الدعوة الى الاسلام اما تعذيبك بالقتل او ابوا واما احسانك بالعفو والاسر وسماهما احسانا فى مقابلة القتل ويجوز ان يكون اما وا ما للتوزيع والتقسيم دون التخيير اى ليكن شأنك معهم اما التعذيب واما الاحسان فالاول لمن بقى على حاله والثانى لمن تاب .(7/434)
قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87)
{ قال } ذو القرنين { اما من } [ اما كسى كه ] { ظلم } نفسه بالاصرار على الكفر ولم يقبل الايمان منى { فسوف نعذبه } انا ومن معى فى الدنيا بالقتل .
وعن قتادة كان يطبخ من كف فى القدور ومن آمن اعطاه وكساه { ثم يرد الى ربه } فى الآخرة { فيعذبه } فيها { عذابا نكرا } منكرا لم يعهد مثله وهو عذاب النار .(7/435)
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)
{ واما من آمن } بموجب دعوتى { وعمل } عملا { صالحا } حسبما يقتضيه الايما { فله } فى الدارين { جزاء الحسنى } اى فله المثوبة الحسنى حال كونه مجزيا بها فجزاء حال او فله فى الدار الآخرة الجنة { وسنقول له من امرنا } اى مما نأمر به { يسرا } اى سهلا متيسرا غير شاق . وبالفارسية [ كارى آسان فراخورطاقت او ] وتقديره ذا يسر واطلق عليه المصدر مبالغة يعنى لا نأمره بما يصعب عليه بل يما يسهل .
قال الكاشفى [ آورده اندكه لشكر ظلمت مرا برقوم ناسك كاشت تابكوش ودهن درآمد وزنها خواستند وبوى ايمان آوردند ] .
قال فى قصص الانبياء سار ذو القرنين نحو المغرب فلا يمر بأمة الا دعاها الى الله تعالى فان اجابوه قبل منهم وان لم يجيبوه غشيتهم الظلمة فالبست مدينتهم وقراهم وحصونهم وبيوتهم وابصارهم ودخلت افواههم وانوفهم وآذانهم واجوافهم فلا يزالون منها متحيرين حتى يستجيبوا له حتى اذا بلغ مغرب الشمس وجد عندها القوم الذين ذكرهم الله فى كتابه ففعل بهم كما فعل بغيرهم ثم مشى على ما فى الظلمة ثمانية ايام كملا وثمانى ليال واصحابه ينتظرون حتى انتهى الى الجبل الذى هو محيط بالارض كلها واذا يملك قابض على الجبل وهو يقول سبحانه ربى من الازل الى منتهى الدهر وسبحان ربى من اول الدنيا الى آخرها وسبحان ربى من موضع كفى الى عرش ربى وسبحان ربى من منتهى الظلمة الى النور بصوت رفيع شديد لا يفتر فلما رأى ذلك ذو القرنين خر ساجدا لله فلم يرفع رأسه حتى قواه الله واعانه على النظر الى ذلك الجبل والملك القابض عليه فقال له الملك كيف قويت على ان تبلغ هذا الموضع ولم يبلغه احد من ولد آدم قبلك قال قوانى الله الذى قواك على قبض هذا الجبل فاخبرنى عن قبضك على هذا الجبل فقال انى موكل به وهو جبل قاف المحيط بالارض ولولا هذا الجبل انكفأت الارض باهلها قال الملك يا ذا القرنين لا يهمنك رزق غدا ولا تؤخر عمل اليوم لغد ولا تحزن على ما فاتك وعليك بالرفق ولا تكن جبارا متكبرا
تكبر كند مرد حشمت برست ... نداندكه حشمت بحلم اندرست
وجود تو شهريست برنيك وبد ... تو سلطان ودستور دانا خرد
همانا كه دونان كردن فراز ... درين شهر كبرست وسود او آز
جو سلطان عنايت كند بابدان ... كجا ماند آسايش بخردان
تو خودراجو كودك ادب كن بجوب بكرز كران مغز مردم مكوب ...(7/436)
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89)
{ ثم اتبع سببا } اى تبع وسلك طريقا راجعا من مغرب الشمس موصلا الى مشرقها .
قال الكاشفى [ قوم تماسك را باخودبرده لشكر نوررا زبيش روان كرد وعسكر ظلمت را ازبس بداشت وبجانب جنوب متوجه شده قوم هاويل را كه قطر ايمن بود مسخر كرد بهمان طريق كه درناسك مذكور شد بس روى بمشرق نهاد ] .(7/437)
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90)
{ حتى اذا بلغ } [ تاجون رسيد ] { مطلع الشمس } يعنى الموضع الذى تطلع عليه الشمس اولا من معمورة الارض . وبالفارسية [ موضعى كه مبدأ عماراتست ازجانب شرق ] اذ لا يمكنه ان يبلغ موضع طلوع الشمس قيل بلغه فى اثنتى عشرة سنة وقيل فى اقل من ذلك بناء على ما ذكر من انه سخر له السحاب وطولى له الاسباب { وجدها تطلع على قوم } عراة { لم تجعل لهم من دونها } من امام الشمس { سترا } من اللباس والبناء يعنى ليس لهم لباس يتسترون به من حر الشمس ولا بناء يستظلون فيه لان ارضهم لا تمسك الابنية لغاية رخاوتها وبها اسراب فاذا طلعت الشمس دخلوا الاسراب او البحر من شدة الحر واذا ارتفعت عنهم خرجوا يعنى [ وقتى كه آفتاب ارتفاع بذيرفتى وازسمت رأس ايشان دوركشتى اززير زمين بيرون آمده ما هى كرفتندى وبا آفتاب بريان كرده خورددى ] .
قال الحدادى ليس فى رؤسهم ولا على اجسادهم شعر وليس لهم حواجب وكأنما سلخت وجوهم وذلك من شدة حر بلادهم - وحكى - عن بعضهم خرجت حتى جاوزت الصين فسألت عن هؤلاء فقالوا بينك وبينهم مسيرة يوم وليلة فبلغتهم فاذا احدهم يفرش اذنه ويلتحف بالاخرى ومعنى صاحب يعرف لسانهم فقالوا له جئنا ننظر كيف تطلع الشمس قال فبينما نحن كذلك اذ سمعنا كهيئة الصلصلة فغشى علىّ ثم افقت وهم يمسحوننى بالدهن فلما طلعت الشمس على الماء اذ هو فوق الماء كهيئة الزيت فادخلونا سربا لهم فلما ارتفع النهار خرجوا الى ا لبحر يصطادون السمك ويطرحونه فى الشمس فينضج لهم .
عن مجاهد من لا يلبس الثياب من السودان عند مطلع الشمس اكثر من جميع اهل الارض وهم الزنج .
وقال الكاشفى [ ايشان قوم منسل بودند ] .
قال السهيلى رحمه الله هم اهل جابلق بالفتح وهى مدينة لها عشرة آلاف باب بين كل بابين فرسخ يقال له بالسريانية مرقيشا وهم نسل مؤمنى قوم عاد الذين آمنوا بهود ليه السلام واهل جابلق آمنوا بالنبى عليه السلام ليلة اسرى به ووراء جابلق امم وهم من نسل وثاقيل وفارس وهم لم يؤمنوا بالنبى عليه السلام .
قال فى التأويلات النجمية فى الآية اشارة الى ان هذا العالم عالم الاسباب لم يبلغ احد الى شئ من الاشياء ولا الى مقصد من المقاصد الا ان مكنه الله تعالى وآتاه سبب بلاغ ذلك الشئ والمقصد ووفقه لاتباع ذلك السبب فباتباع السبب بلغ ذو القرنين مغرب الشمس ومطلعها .(7/438)
كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91)
{ كذلك } اى امر ذى القرنين كما وصفناه لك فى رفعة المحل وبسطة الملك اوامره فيهم كامره فى اهل الغرب من التخيير والاختيار . قال الكاشفى [ همجنان كرد اسكندر با ايشان كه با اهل مغرب كرد وبجانب قطر ايسر روان قد وبقومى رسيدكه ايشان راتأويل خوانند وبايشان همان سلوك نمود ] { وقد احطنا بما لديه } من الاسباب والعدد . وبالفارسية [ وبدرستى كه ما احاطه داشتيم بآنجه نزديك اوبود ] { خبرا } تمييز اى علما تعلق بظواهره وخفاياه . وبالفارسية [ ازروى آكاهى ] يعنى ان ذلك من الكثرة بحيث لا يحيط به الا علم اللطيف الخبير فانظر الى سعة لطف الله تعالى وامداده بمن شاء من عباده فانه ذكر وهب بن منبه ان ذالقرنين كان رجلا من الاسكندرية ابن امرأة عجوز ن عجائزهم ليس لها ولد غيره وكان خارجا عن قومه ولم يكن بافضلهم حسبا ولا نسبا ولكنه نشأ فى ذات حسن وجمال وحلم ومروءة وعفة من لدن كان غلاما الى ان بلع رجلا ولم يزل منذ نشأ يتخلق بمكارم الاخلاق ويسمو الى معالى الامور الى ان علا صيته وعز فى قومه والقى الله تعالى عليه الهيبة ثم انه زاد به الامر الى ان حدث نفسه بالاشياء فكان اول ما اجمع عليه رأيه الاسلام فاسلم ثم دعا قومه الى الاسلام فاسلموا عنوة منه عن آخرهم ثم كان من امره ما كان [ اسكندررا برسيدند مشرق ومغرب بجه كرفتى كه ملوك بيشين را خزائن ولشكر بيش ازتو بود جنين فتح ميسر نشد كفت بعون خدى عز وجل كه هر مملكت راكه كرفتم رعيتش را نيازردم ونام بادشاهانرا جزبنيكويى نبردم
بزركش نحوانند اهل خرد ... كه نام بزر كان بزشتى برد
وقال بعضهم
فلم ار مثل العدل للمرء رافعا ... ولم ار مثل الجور للمرء واضعا
كنت الصحيح وكنامنك فى سقم ... فان سقمت فانا السالمون غدا
دعت عليك اكفت طالما ظلمت ... ولن ترّد يد مظلومة أبدا
وفى تفسير التبيان كان اى ذو القرنين ملكا جبارا فلما هلك ابوه ولى مكانه فعظم تجبره وتكبره فقيض الله له قرينا صالحا فقال له ايها الملك دع عنك التجبر وتب الى الله تعالى قبل ان تموت فغضب عليه الاسكندر وحبسه فمكث فى المحبس ثلاثة ايام فبعث الله اليه ملكا كشف سقف المجبس واخرجه منه واتى به منزله فلما اصبح اخبر لاسكندر بذلك فجاء الى لاسجن فرأى سقف السجن قد ذهب فاقشعر جلد الاسكندر وعلم ان ملكه ضعيف عند قدرة الله تعالى فانصرف متعجبا وطلب الرجل المحبوس فوجده قائما يصلى على جبل طالس فاقل الرجل لذى القرنين تب الى الله فهمّ بأخذه وامر جنوده به فارسل الله عليهم نارا فاحرقتهم وخر الاسكندر مغشيا عليه فلما افاق تاب الى الله تعالى وتضرع الى الرجل الصالصح واطاع الله واصلح سيرته وقصد الملوك الجبابرة وقهرهم ودعا الناس الى طاعة الله وتوحيده وكان من اول امر ان بنى مسجدا واسعا طوله اربعمائة ذراع وعرض الحائط اثنان وعشرون ذراعا وارتفاعه فى الهواء مائة ذراع .(7/439)
وفيه اشارة الى انه ينبغى للغنى عند اول امره انيصرف شطرا من ماله الى وجه من وجوه الخير لا الى ما يشتهيه طبعه ويميل اليه نفسه كما ان المفتى اذا تصدر يبدأ فى فتواه بما يتعلق بالتوحيد ونحوه وكذا لابس جديد او مغسول يبأ بالمسجد والصلاة والذكر ونحوها لا بالخروج الى السوق وبيت الخلا ونحوهما . ثم ان الفتح الصورى انما يبتنى على الاسباب الصورية اذ لا يحصل التسخير غالبا الا بكثرة العدد والعدد واما الفتح المعنى فحصوله مبنى على النفاء وترك الاسباب والتوجه الى مسبب الاسباب كما قال الصائب
هركس كشيد سربكريبان نيستى ... تسخير كرد مملكت بى زوال را
فالاسكندر الحقيقى الذى لا يزول ملكه ولا يحيط بما لديه الا الله تعالى هو من ايد ظاهره باحكام الطاعات ومعاملات العبودية وباطنه بانوار المشاهدات وتجليات الربوبية فانه حينئذ تموت النفس الامارة وتزول يدها العادية القاهرة عن قلعة القلب ويظهر جنود الله التى لا يعلمها الا هو لكثرتها اللهم اجعلنا المؤيدين بالانوار الملكوتية والامداد اللاهوتية انك على ما تشاء قدير .(7/440)
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92)
{ ثم اتبع سببا } اى اخذ طريقا ثالثا معترضا بين المشرق والمغرب آخذ من الجنوب الى الشمال .(7/441)
حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)
{ حتى اذا بلغ } [ تاجون رسيد ] { بين السدين } بين الجبلين اللذين سد ما بينهما وهما جبلان عاليان فى منقطع ارض الترك مما يلى المشرق من ورائهما يأجوج ومأجوج والسد بالفتح والضم واحد بمعنى الجبل والحاجز او بالفتح ما كان من عمل الخلق وبالضم ما كان من خلق الله لان فعل بمعنى مفعول اى هو مما فعله الله وخلقه وانتصاب بين على المفعولية لانه مبلوغ وهو من الظروف التى تستعمل اسماء وظروفا كما ارتفع فى قوله تعالى { لقد تقطع بينكم } ونجرّ فى قوله { هذا فراق بينى وبينك } { وجد من دونهما } اما مالسدين ومن ورائهما مجاوزا عنهما .
وقال الكاشفى [ يافت دربيش آن دوكوه ] وفسره فى تفسير الجلالين ايضا بقوله عندهما { قوما } امة من الناس { لا يكادون يفقهون قولا } اى لا يفهمون كلام احد ولا يفهم الناس كلامهم لغرابة لغتهم .
وقال الزمخشرى { لا يكادون يفقهون } الا بجهد ومشقة من اشارة ونحوه كما يفهم البكم وهو الترك . التاريخ اولاد نوح ثلاثة سام وحام ويافث فسام او بالعرب والعجم والرم وحام ابو الحبش والزنج والنوبة ويافث ابو الترك والخزر والصقالبة ويأجوج ومأجوج .
وقال فى انوار المشارق اصل الترك بنوا قنطورا وقنطورا امة كانت لابراهيم عليه السلام فولدت له اولادا فانتشر منهم الترك .(7/442)
قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)
{ قالوا } على لسان ترجمانهم بطريق الشكاية والظاهر ان ذى القرنين كان قد اوتى اللغات ففهم كلامهم .
وفى التأويلات النجمية كيف اخبر عنهم انهم { لا يكادون يفقهون قولا } ثم قال { قالوا } الآية قلنا كلمة كاد ليست لوقوع الفعل كقوله تعالى رتكاد السموات يتفطرن } اى قاربت الانفطار فلن تنفطر واذا دخل فيها لا الجحود دوما النفى تكون لوقوع الفعل كقوله تعالى { فذبحوها وما كادوا يفعلون } اى قرب ان لا يذبحوها فذبحوها وكذلك قوله { لا يكادون يفقهون قولا } اى لا يفقهون قولا يلين به قلب ذى القرنين ليجعل لهم السد ففقهوا بالهام الحق تعالى حتى قالوا { يا ذا القرنين ان يأجوج ومأجوج } اسمان اعجميان بدليل منع الصرف او عربيان ومنع صرفهما للتعريف والتأنيث لانهما علمان لقلبيلتين من اولاد يافث بن نوح كما سبق او من احتلام آدم عليه السلام كما ذكر فى عين المعانى وغيره ان آدم احتلم ذات يوم وامتزجت نطفته بالتراب فهم منها يتصلون بنا من جهة الاب دون الام .
وقال فى انوار المشارق هذا منكر جدا لا اصل له وكذا قال فى بحر العلوم واعلم ان هذا مخالفة لقوله عليه السلام « ما احتلم نبى قط » انتهى .
يقول الفقير سمعت من فم حضرة شيخى وسندى روح الله روحه انه قال ان اول من ابتلى بالاحتلام ابونا آدم عليه السلام لحكمة خفية كما ابتلى نبينا عليه السلام ببعض السهو لحكمة عليه والحديث المذكور مخصوص بمن عداه والمنع عن الكلام فيه انما هو لرعاية الادب فافهم جدا { مفسدون فى الارض } اى فى ارضنا بالقتل والتخريب واتلاف الزروع وكانوا يخرجون ايام الربيع فلا يتركون اخضر الا اكلوه ولا يابسا الا احتملوه وربما اكلوا الناس اذا لم يجدوا شيأ من الانعام ونحوها وكان لا يموت احد منهم حتى ينظر الف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلام ولذا قال ابن عباس رضى الله عنهما بنوا آدم عشرهم
جو بوزينكان آمده در وجود ... مزه زرد ورخ سرخ وديده كبود
ندارند جزخواب وخور هيج كار ... نميرد يكى تا نزايد هزار
وهم اصناف صنف منهم طول الرجل منهم مائة وعشرون ذراعا وصنف منهم قد هم على شبر واحد طولهم وعرضهم سواء وصنف منهم كبار الآذان يفترش احدهم احد اذنيه ويلتحف بالاخرى ولهم من الشعر فى اجسادهم ما يواريهم وما يقيهم من الحر والبرد فلا يغزلون ولا ينسجون يعوون عوى الذئاب ويتسافدون كتسافد البهائم يقال سفد الذكر على انثى نزالهم مخالب فى ايديهم واضراس كاضراس السباع وانياب يسمع لها حركة كحركة الجرس فى حلوق الابل لا يمرون بفيل ولا جمل ولا وحش ولا خنزير الا اكلوه ومن مات منهم اكله ويأكلون الحشرات والحيات والعقارب .(7/443)
قال فى حياة الحيوان التنين ضرب من الحيات كما كبر ما يكون فيها وفى فمه انياب مثل اسنة الرماح وهو طويل كالنخلة السحوق احمر العينين مثل الدم واسع الفم والجوف براق العينين يبتلع كثيرا من الحيوان يخافه حيوان البر والبحر اذا تحرك يموج البحر لشدة قوته واول امره يكون حية متمردة تأكل من دواب البر ما ترى فاذا كثر فسادها احتملها ملك والقاها فى البحر فتفعل بدواب البحر ما كانت تفعل بدواب البر فيعظم بدنها حتى يكون رأسها كالتل العظيم فيبعث الله تعالى ملكا يحملها ويلقيها الى يأجوج ومأجوج .
قال فى قصص الانبياء اذا قذفوا بها خصبوا والا قحطوا { فهل } [ بس آيا ] { نجعل لك خرجا } جعلا من اموالنا اى اجرا نخرجه لك والخرج والخراج واحد كالنول والنوال او الخراج ما على الاراض والزمة والخرج المصدر او الخرج ما كان على كل رأس والخراج ما كان على البلد او الخراج ما تبرعت به والخراج ما لزمك اداؤه { على ان تجعل } [ بشرط آنكه بكنى ] { بيننا وبينهم سدا ] حاجزا يمنعهم من الخروج والوصول الينا .(7/444)
قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96)
{ قال } ذو القرنين { ما مكنى } بالادغام وقرئ بالفك اى الذى مكننى وبالفارسية [ آنجه دست رس داده مرات ] { فيه ربى } وجعلنى فيه مكينا قادرا من الملك والمال وسائر الاسباب { خير } مما تريدون ان تبذلوه الىّ من الخراج فلا حاجة لى الي ونحوه قول سليمان عليه السلام { فما آتانى الله خير مما آتاكم } { فاعينونى بقوة } بفعله وصناع يحسنون بالبناء والعمل وبآلات لا بد منها فى البناء { اجعل } جواب الامر { بينكم وبينهم ردما } حاجزا حصينا وحجابا عظيما . وبالفارسية [ حجابى سخت كه بعضى ازان بربعضى مركب باشد ] وهو اكبر من السد واوثق يقال ثوب مردم اى فيه رقاع فوق رقاع وهذا اسعاف بمرامهم فوق ما يرجونه .
وفى التأويلات النجمية قوله تعالى { آتونى زبر الحديد } تفسير للقوة فيكون المراد بها ترتيب الآلات . وزبر جمع زبرة كغرف جمع غرفة وهى القطعة الكبيرة وهذا لا ينافى رد خراجهم لان المأمور به الايتاء بالثمن والمناولة ولان ايتاء الآلة من قبيل الاعانة بالقوة دون الخراج على العمل .
قال فى القصص قالوا من اين لنا من الحديد ما يسع هذا العمل فدلهم على معدن الحديد والنحاس ولعل تخصيص الامر بالايتاء دون سائر الآلات من الصخور ونحوها لما ان الحاجة اليها امس اذ هى الركن فى السد . قال الكاشفى [ منقولست كه فرمود تاخشتها ازآهن بساختند بفارغ دلى جابجا تن زدند همه روزشب خشت آهن زدند وحكم كرد تاميان آن كوه را جهار هزار قدم بود درشصت وبنج كز عرض بكنند تا بآب رسيد ] .
وفى القصص قاس ما بين الصدفين فوجده ثلاثة اميال .
وقال بعضهم حفر ما بين السدين وهو مائة فرسخ حتى بلغ الماء وجعل الاساس من الصخر والنحاس المذاب بدل الطين لها والبنيان من زبر الحديد بين كل زبرتين الحطب والفحم { حتى اذا } [ تاجون ] { ساوى بين الصدفين } الصدف منقطع الجبل او ناحيته وبين مفعول كبين السدين اى آتوه اياها فجعل يبنى شيأ فشيأ حتى اذا جعل ما بين ناحيتى الجبلين مساويا لهما فى السمك يعنى ملأ ما بينهما الى اعلاهما وكان ارتفاعه مائتى ذراع وعرضه خمسين ذراعا ثم وضع المنافخ حوله { قال } للعملة { انفخوا } على زبر الحديد بالكير والنار { حتى اذا جعله } اى المنفوخ فيه وهو زبر الحديد { نارا } كالنار فى الحرارة والهيئة واسناد الجعل المذكور الى ذى القرنين مع انه فعل الفعلة للتنبيه على انه العمدة فى ذلك وهم بمنزلة الآلة { قال } للذين يتولون امر النحاس من الاذابة ونحوها { آتونى } قطرا اى نحاسا مذابا { افرغ عليه قطرا } الافراغ الصب اى اصبب على الحديد المحسن قطر افحذف الاول لدلالة الثانى عليه واسناد الافراغ الى نفسه للسر الذى وقفت عليه آنفا
بهر روى فرشى برانكيختند ... برو روى حل كرده مى ريختند(7/445)
فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)
{ فما اسطاعوا } بحذف تاء الافتعال تخفيفا وحذرا من تلاقى المتقاربين .
وقال فى برهان القرآن اختار التخفيف فى الاول لان مفعوله حرف وفعل وفاعل ومفعول فاختير فيه الحذف والثانى مفعوله اسم واحد وهو قوله نقبا انتهى . والفاء فصيحة اى فعلوا ما امروا به من ايتاء القطر فافرغ عليه فاختلط والتصق بعضه ببعض فصار جبلا صلدا اى صلبا املس فجاء يأجوج ومأجوج فقصدوا ان يعلوه وينقبوه فما قدروا { ان يظهروه } ان علوه بالصعود لرتفاعه وملاسته { وما استطاعوا له نقبا } اى وما قدروا ان ينقبوه ويخرقوه من اسفله لصلابته وثخانته وهذه معجزة عظيمة لان تلك الزبر الكثيرة اذا اثرت فيها حرارة النار لا يقدر الحيوان على ان يحوم حولها فضلا عن النفخ فيها الى ان تكون كالنار او عن افراغ القطر عليها فكأنه سبحانه صرف تأثير تلك الحرارة العظيمة عن ابدان اولئك المباشرين للاعمال فكان ما كان والله على كل شيء قدير كذا فى الارشاد اخذا عن تفسير الامام .
يقول الفقير ليس ببعيد ان يكون المباشر بالنفخ والصب من بعيد بطريق من طرق الحيل ألا ترى ان نار نمرود لما كانت بحيث لا يقرب منها احد عملوا المنجنيق فالقوا به ابراهيم عليه السلام فيها وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان رجلا اخبره به اى بالسد فقال « كيف رأيته » قال « قد رأيته » وذلك لان الطريقة الحمراء من النحاس والسوداء من الحديد .(7/446)
قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)
{ قال } ذو القرنين { هذا } السد { رحمة } عظيمة ونعمة جسيمة { من ربى } على كافةالعباد لا سيما على مجاهديه .
وفيه ايذان بانه ليس من قبيل الآثار الحاصلة بمباشرة الخلق عادة بل هو احسان الهى محض وان ظهر بمباشرتى { فاذا جاء } [ بس جون بيايد ] { وعد ربى } مصدر بمعنى المفعول وهو يوم القيامة والمراد بمجيئه ما ينتظم مجيئه ومجيئ مباديه من خروجهم وخروج الدجال ونزول عيسى ونحو ذلك { جعله } اى السد الشار اليه مع متانته { دكاء } ارضا مستوية وقرئ دكا اى مدكوكا مستويا بالارض وكل ما انبسط بعد ارتفاع فقد اندك وفيه بيان لعظم قدرته تعالى بعد بيان سعة رحمته { وكان وعد ربى } اى وعده العهود وكل ما وعد به { حقا } ثابتا لا محالة واقعا البتة .
وفى التأويلات المجمية وفى قوله { هذا } الى آخر الآية دلالة على نبوته فانه اخبر عن وعد الحق وتحقيق وعده وهذا من شان الانبياء واعجازهم انتهى .
وهذا آخر حكاية ذى القرنين . قيل ان يأجوج ومأجوج يحفرون السد كل يوم حتى اذا كادوا يرون الشعاع قال الذى عليهم ارجعوا فستحفرون غدا ولم يستثن فيعيده الله كما كان فيأتون غدا فيجدونه كالاول فاذا اراد الله خروجه خلق فيهم رجلا مؤمنا فيحفرون السد حتى يبقى منه اليسير فقول لهم ارجعوا فستحفرون غدا ان شاء الله تعالى فاذا عاداو من الغد الى الحفر قال لهم قولوا بسم الله فيحفرونه ويخرجون على الناس فكل من لحقوه قتلوه واكلوه ولا يمرون على شئ الا اكلوه ولا بماء الا شربوه فيشربون ماء دجلة والفرات ويأكلون ما فيه من السمك والسرطان والسلحفاة وسائر الدواب حتى يأتوا بحيرة طبرية بالشام وهى مملوءة ماء فيشربون فيأتى آخرهم فلا يجدون فيها قطرة ماء فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء وطافوا الارض الا انهم لا يستطيعون أن يأتوا المساجد الاربعة مسجد مكة ومسجد المدينة ومسجد بيت المقدس ومسجد طور سينا ثم يسيرون حتى ينتهوا الى جبل الخمر وهو بجل بيت المقدس وهو جبل بيت المقدس فيقولون لقد قلتنا من فى الارض هلم فنقتل من فى السماء فيرمون بنشابهم الى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما ويحصر نبى الله عيسى واصحابه فى جبل الطور حتى يكون رأس الثور لاحدهم خيرا من مائة دينار لاحدكم اليوم فيدعو عليهم عيسى عليه السلام فيرسل الله عليهم دودا تسمى النغف فتأخذهم فى رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة ثم يهبط عيسى واصحابه من الطور فلا يجدون فى الارض موضع شبر الا ملأه زهمهم ونتنهم فيدعو الله فيرسل الله طيرا كاعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله ويستوقد المسلمون من قسيهم ونشابهم وجعابهم سبع سنين منتخب من المصابيح وتفسير التبيان وغيرها .(7/447)
وعن زينت ام المؤمنين رضى الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعا يقول « لا اله الا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق باصبعيه الابهام والتى تليها » قالت زينت فقلت يا رسول الله فأنهلك وفينا الصالحون قال « عم اذا كثر الخبث » اى الزنى والمراد بهذا الحديث انه لم يكن فى ذلك الردم ثقية الى هذا اليوم وقد انفتحت فيه ثقبة وانفتاح الثقبة فيه من علامات قرب القيامة واذا توسعت خرجوا منها وخروجهم بعد خروج الدجال . قال فى فتح القريب المراد بالويل الحزن وقد وقع ما اخبر به عليه السلام بما استأثر به عليهم من الملك والدولة والاموال والامارة وصار ذلك فى غيرهم نم الترك والعجم وتشتتوا فى البوادى بعد ان كان العز والملك والدنيا لهم ببركته عليه السلام وما جاء من الاسلام والدين فلما لم يشكروا النعمة وكفروها بقتل بعضهم بعضا وسلب بعضهم اموال بعض سلبها الله منهم ونقلها الى غيرهم كما قال تعالى { وان تتولوا يستبدل قوما غيركم } فعلى العقال ان يحترز من فتنة يأجوج النفس والطبيعة والشيطان ويبنى عليها سد الشريعة الحصينة والطريقة المتينة ويكون اسكندر اقليم الباطن والملكوت واللاهوت .(7/448)
وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99)
{ وتركنا } فى القاموس الترك الجعل كأنه ضد اى وجعلنا { بعضهم } بعض الخلائق { يومئذ } يوم اذ جاء الوعد بمجيئ بعض مباديه { يموج فى بعض } آخر والموج الاضطراب اى يضطربون اضطراب امواج البحر ويختلط انسهم ونهم حيارى من شدة الهول . وبالفارسية [ روز قيامت انس وجن ازروى تحير واضطراب درهم آميزند ] .
قال فى الارشاد لعل ذلك قبل انفخة الاولى { ونفخ فى الصور } هى النفخة الثانية التى عندها يكون الحشر بمقتضى الفاء التى بعدها ولعل عدم التعرض لذكر النفخة الاولى لئلا يقع الفصل بين ما يقع فى النشأة الاولى من الاحوال والاهوال وبين ما يقع منها فى النشأة الآخرة .
والمعنى نفخ اسرافيل فى الصور ارواح الخلائق عند استعداد صور الاجساد لقبول الارواح كاستعداد الحشيش لقبول الاشتعال بارواحها فاذا هم قيام ينظرون وكل يتخيل ان ذلك الذى كان فيه منام كما يتخيله المستيقظ وقد كان حين مات وانتقل الى البرزخ كالمستيقظ هناك وان الحياة الدنيا كانت له كالمنام وفى الآخر يعتقد فى امر الدنيا والبرزخ انه منام فى منام وان اليقظة الصحيحة هى التى هو عليها فى الدار الآخرة حيث لا نوم فيها . وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصور فقال « هو قرن من نور القمه اسرافيل »
واعلم ان لا شئ من الاكوان اوسع منه واذا قبض الله الارواح من هذه الاجساد الطبيعية حيث كانت اودعها صورا جسدية فى مجموع هذا القرن النور فجمع ما يدركه الانسان بعد الموت فى البرزخ من الامور انما يدركه بعين الصورة التى هو فيها فى القرن وبنورها وهو ادراك حقيقى فمن الصور ما هى مقيدة عن التصرف . ومنها مطلقة كارواح الانبياء كلهم وارواح الشهداء . ومنها ما يكون لها مقيدة عن التصرف . ومنها مطلقة كارواح الانبياء كلهم وارواح الشهداء . ومنها ما يكون لها نظر الى عالم الدنيا فى هذه الدار . ومنها ما يتجلى للنائم فى حضرة الخيال التى هى فيه وهو الذى يصدق رؤياه ابدا وكل رؤيا صادقة ولا تخطى ولكن العابر الذى يعبرها هو المخطى حيث لم يعرف ما المراد بها وكذلك قوم فرعون يعرضون على النار غدوا وعشيا فى تلك الصور ولا يدخلونها فانهم محبوسون فى ذلك القرن ويوم القيامة يدخلون اشد العذاب وهو العذاب المحسوس لا المنخيل كما فى تفسير الفاتحة للفنارى { فجمعناهم } اى جمعنا الخلائق بعدما تمزقت اجسادهم فى صعيد واحد للحساب والجزاء { جمعا } عجيب لم نترك من الملك والانس والجن والحيوانات احدا وفى الحديث « السعيد فى ذلك اليوم فى ذلك الجمع من يجد مكان مكانا يضع عليه اصابع رجليه » كما فى ربيع الابرار .(7/449)
وقال فى التأويلات النجمية يشير الى ان الله تعالى من كمال قدرته يحيى الخلق بسبب يميتيهم به وهو النفخة وبالنفخة الاولى كما اماتهم كقوله تعالى { ونفخ فى الصور فصعف من فى السموات ومن فى الارض } كذلك بالنخفة الاخيرة احياهم كقوله { نفخ فى الصور فجمعناهم جمعا } وفيه اشارة الى ان الخلق محتاجون الى اتباع سبب كل شئ ليبلغوا اليه وهم لا يقدرون على ان يجعلوا سببا لشئ آخر على ضده والخالق سبحانه هو المسبب فهو قادر على ان يجعل الشئ الواحد سببا لوجود الشيئين المتضادين كما جعل النفخة فى الصور سببا للممات والحياة : وفى المثنوى
سازد اسرافيل روزى ناله را ... جان دهد بوسيده صد ساله را
انبيارا در درون هم نغمهاست ... طابلبانرا زان حيات بى بهاست
نشنود آن نغمهارا كوش حس ... كز ستمها كوش حس باشد نجس
نشنود نغمه برى را آدمى ... كوبرود زاسرار بريان اعجمى
كرجه هم نغمه برى زين ... عالمست نغمه دل بر تر از هر دودمست
كر برى وآدمى زندانيند ... هر دو در زندان اين نادانيند
نغمهاى اندرون او ليا ... اولا كويدكه اى اجزاى لا
هين زلاى نفى سرها بر زنميد ... اين خيال و وهم يكسو افكنيد
اى همه بوشيده دركون وفساد ... جان باقيتان نروييد ونزاد
هين كه اسرافيل وقتند اولياء ... مرده را زيشان حياتست ونما
جان هريك مرده ازكورتن ... بر جهد ز آواز شان اندر كفن
كويد اين آوازها جداست ... زنده كردن كار آواز خداست
ما بمرديم وبكلى كاستيم ... بانك حق آمد همه بر خاستيم
مطلق آن آواز خود ازشه بود ... كرجه از حلقوم عبدالله بود(7/450)
وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100)
{ وعرضا } يقال عرض الشئ له اظهره اى اظهرنا { جهنم } معرب والاصل [ جه نم ] كذا قال البعض { يومئذ } يوم اذ جمعنا الخلائق كافة { للكافرين } منهم حيث جعلناها بحيث يورنها ويسمعون لها تغيظا زفيرا { عرضا } هائلا لا يعرف كنهه وفى الحديث « يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون الف زمام مع كل زمام سبعون الف ملك يجرونها » اى يؤتى بها « يوم القيامة من المكان الذى خلقها الله فيه فتوضع بارض حتى لا يبقى طريق للجنة الا الصراط » وهذه الازّمة تمنعها عن الخروج على اهل المحشر الا من شاء الله كذا فى شرح المشارق لابن ملك وتخصيص العرض بالكافرين مع انها بمرأى من اهل الجمع قاطبة لان ذلك لاجلهم خاصة وهذا العرض يجرى مجرى العقاب لهم من اول الامر لما يتداخلهم من الغم العظيم .
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان جهنم لو كانت معروضة على ارواح الكافرين قبل يوم القيامة كما كانت معروضة على ارواح المؤمنين لآمنوا بها كما آمن المؤمنون بها اذ لم تكن اعينهم فى غطاء عن ذكر الله وكانوا يستطيعون سمعا لكلام الله تعالى لان آذان قلوبهم مفتوحة .(7/451)
الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101)
{ الذين } الموصول مع صلته نعت للكافرين او بدل ولذا لا وقف على عرضا كما فى الكواشى { كانت اعينهم } وهم فى الدنيا { فى غطاء } غلاف غليظ محاطة بلك من جميع الجوانب . والغطاء ما يغطى الشئ ويستره . بالفارسية [ برده وبوششي ] { عن ذكرى } عن ذكرى عن الآيات المؤدية لاولى الابصار المتدبرين فيها الى ذكرى بالتوحيد والتمجيد كما قيل
ففى كل شئ له آية ... تدل على انه واحد
برك درختان سبز درنظر هوشيار ... هرورقى دفتريست معرفت كرد كار
{ وكانوا } مع ذلك { لا يستطيعون } لفرط تصاممهم عن الحق وكمال عداوتهم للرسول صلى الله عليه وسلم { سمعا } استماعا لذكرى وكلامى يعنى ان حالهم اعظم من الصمم فان الاصم قد يستطيع السمع اذا صيح به وهؤلاء زالت عنهم تلك ا لاستطاعة
جون توقرآن خوانى اى صدر امم ... كوش شانرا برده سازم ازصمم
جشماشنرا نيز سازم جشم بند ... تابينند وكلامت نشنوند
قال فى الارشاد وهذا تمثيل لاعراضهم عن الادلة السمعية كما ان الاول تصوير لتعاميهم عن الآيت المشاهدة بالابصار .
قال بعض الكابر كانت اعين نفوسهم فى غطاء الغفلة عن نظر العبرة واعين قلوبهم فى غطاء حب الدنيا وشهواتها عن رؤية درجات الآخرة ودركاتها واعين اسرارهم فى غطاء الالتفات الى التكونين عن شواهد المكون واعين ارواحهم فى غطاء تذكار ما سوى الله تعالى عن ذكر الله تعالى فاذا فتحت العين الباطنة بالمشاهدة فتحت العين الظاهرة بنظر الاعتبار وكذا السمع بظاهر السمع تابع لسمع الباطن ويدخل فى سماع كلام الحق سماع سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم وسير الصالحين .(7/452)
أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102)
{ أفحسب الذين كفروا } الهمزة للانكار والتوبيخ على معنى انكار الواقع واستقباحه كما فى قولك أضربت اباك لانكار الوقوع كما فى أتضرب اباك والفاء للعطف على مقدر تفصح عنه الصلة على توجيه الانكار والتوبيخ الى المعطوفين جميعا اى أكفروا بى مع جلالة شأنى فحسبوا وظنوا { ان يتخذوا عبادى } من الملائكة وعيسى وعزير وهم تحت سلطانى وملكوتى { من دونى } مجاوزين اياى اى تاركين عبادتى { اولياء } معبودين ينصرونهم من بأسى على معنى ان ذلك ليس من الاتخاذ فى شئ لما انه انما يكون من الجانبين وهم عليهم السلام منزهون عن ولايتهم بالمرة لقولهم سبحانك أنت ولينا من دونهم وقيل مفعول له الثانى محذوف اى أفحسبوا اتخاذهم نافعا لهم والوجه هو الاول لان فى هذا تسليما لنفس الاتخاذ واعتدادا به فى الجملة كذا فى الارشاد { انا اعتدنا جهنم } هيأناها { للكافرين } المعهودين { نزلا } وهو ما يدل للنزيل والضيف اى احضرنا جهنم للكافرين كالنزل المعد للضيف وفيه تهكم بهم كقوله { فبشرهم بعذاب اليم } وايماء الى ان لهم وراء جهنم من العذاب ما هى انموذج له وهو كونهم محجوبين عن رؤية الله تعالى كما قال تعالى { كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم انهم لصالوا الجحيم } جعل الصلىّ اى الدخول تاليا فى المرتبة للمحجوبية فهو دونها فى الرتبة وفسره ابن عباس رضى الله عنهما بموضع النزول والمثوى . فالمعنى بالفارسية [ منزل ومأوايى كه براى مهمان آرند ودرين معنى تهكم است برآنكه ايشانرا عذابها خواهد بود كه دوزخ دربيش آن جيزى محقر باشد ] .
وفى الآية اشارة الى ان من ادعى محبة الله وولاءه لا يتخذ من دون الله اولياء اذ لا يجتمع ولاية الحق وولاية الخلق ومن كفر بنعمة الولاء واتخذ من دون الله اولياء فله جهنم البعد والقطيعة ابدا .
وقد قال بعض المحققين ابت المحبة تستعمل محبا لغير محبوبه وحب الله تعالى قطب تدور عليه الخيرات واصل جامع لانواع الكرامات وعلامته الجريان على موجب الامر والنهى كما قال بعضهم نزه ربك وعظمه من ان يراك حيث نهاك او فقدك حيث امرك فالذين كفروا اضاعوا ايامهم بالكفر والآثام وعبدوا المعدوم وهو ما سوى الله الملك العلام واكلوا وشربوا فى الدنيا كالانعام فلا جرم جعل الله لهم جهنم نزلا وشر مقام واما المؤمنين فقد جاهدوا فى الله بالطاعات واشتغلوا بالرياضيات والمجاهدات وما عبدوا غير الموجود الحقيقى فى وقت من الاوقات فلا جرم الحسن الله اليهم بالدرجات العاليات فالخلاص والنجاة فى التوجه الى الله رفيع الدرجات - حكى - انه كان ملك مشرك جبار فأخذه المسلمون فجعلوه فى قمقمة ووضعوها فى نار شديدة فاسلم وتضرع الى الله تعالى فامطرت السماء فخرجت ريح شديدة والقتها فى مملكة فرآها اهل تلك المملكة وسألوه فقال انا الملك الفلانى فلما اسلمت وتضرعت الى الله خلصنى من الشدة فاسلم اهل تلك المملكة لما رأوا عظم قدرة الله تعالى وشاهدوا شواهد توحيده والحمد لله تعالى .(7/453)
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103)
{ قل هل ننبئكم } نخبركم انا ومن تبعنى من المؤمنين ايها الكفرة { بالاخسرين اعمالا } نصب على التمييز والجمع للايذان بتنوعها اى بالقوم الذين هم اشد الخلق واعظمهم خسرانا فيما علموا . وبالفارسية [ برزيانكار ترين مردمان ازروى كردارها ] .
قال فى الارشاد هذا بيان حال الكفرة باعتبار ما صدر عنهم من الاعمال الحسنة فى انفسها من صلة الرحم واطعام الفقراء وعتق الرقاب ونحوها وفى حسبانهم ايضا حيث كانوا معجبين بها واثقين بنيل ثوابها ومشاهدة آثارها غب بيان حاله باعتبار اعمالهم السيئة فى انفسها مع كونها حسنة فى حسبانهم .(7/454)
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)
{ الذين } كأنه قيل منهم فقيل هم الذين { ضل سعيهم } فى اقامة الاعمال الحسنة فى انفسها اى ضاع وبطل بالكلية . وبالفارسية [ كم شد وضائع كشت شتافتن ايشان بعملهاى نيكونماى ] { فى الحياة الدنيا } متعلق بالسعى لا بالضلال لان بطلان سعيهم غير مختص بالدنيا { وهم } اى ضل والحال انهم { حسبون } يظنون { انهم يحسنون صنعا } يعنى علمون عملا ينفعهم فى الآخرة . وبالفارسية [ وايشان مى بندارند آنكه ايشان نيكويى ميكنند كاررا ] والاحسان الاتيان بالاعمال على الوجه اللائق وهو حسنها الوصفى المستلزم لحسنها لاذاتى اى يحسبون انهم يعملون ذلك على الوجه اللائق وذلك لا عجابهم باعمالهم التى سعوا فى اقامتها وكايدوا فى تحصيلها .
وفى الآية اشارة الى اهل الاهواء والبدع واهل الرياء والسمعة فان اليسير من الرياء شرك وان الشرك محبط الاعمال كقوله تعالى { لئن اشركت ليحبطن عملك } وان هؤلاء القوم يبتدعون فى العقائد ويراؤون بالاعمال فلا يعود وبال البدعة والرياء الا اليهم والحاصلة ان العمل المقارن بالكفر باطل وان كان طاعة وكذا العمل المقارن بالشرك الخفى واذا كان ما هو طاعة مردود لمجاورته المنافى فما ظنك بما هو معصية فى نفسه وهو يظنه طاعة فيأتى به فمثل اهل الرياء والسمعة والبدعة وطالب المنة والشكر من الخلق على معرفة وكذا الرهبان الذين حبسوا انفسهم فى الصوامع وحملوها على الرياضيات الشاقة ليسوا على شئ
كرت بيخ اخلاص در بوم نيست ... ازين دركسى جون تومحروم نيست
كرا جامه يا كست وسيرت بليد ... در دوخش را بنايد كليد
وعن على رضى الله عنه هم اهل حروراء قرية بالكوفة وهم الخوارج الذين قاتلهم على ابن ابى طالب رضى الله عنه كما فى التكملة . والخوارج قوم من زهاد الكوفة خرجوا عن طاقة على رضى الله عنه عند رضاه بالتحكيم بينه وبين معاوية قالوا كفر بالتحكيم ان الحكم الا لله وكانوا اثنى عشر الف رجل اجتمعوا نصبوا راية الخلافة وسفكوا الدماء وقطعوا السبيل فخرج اليهم على رضى الله عنه ورام رجوعهم فابوا الا القتال فقاتلهم بالنهر وان فقتلهم واستأصلهم ولم ينج منهم الا القليل وهم الذين قال فيهم صلى الله عليه وسلم « يخرج قوم فى امتى يحقر احدكم صلاته فى جنب صلاتهم وصومه فى جنب صومهم ولكن لا يجاوز ايمانهم تراقيهم » وقال عليه السلام « الخوارج كلاب النار » كذا فى ضرح الطريق .(7/455)
أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)
{ اولئك } المنعوتون بما ذكر من ضلال السعى مع الحسبان المزبور { الذين كفروا بآيات ربهم } بدلائله الداعية الى التوحيد عقلا ونقلا { ولقائه } بالبعث وما يتبعه من امور الآخرة على ما هى عليه { فحبطت } بطلت بذلك { اعمالهم } المعهودة حبوطا كليا فلا يثابون عليها { فلا نقيم لهم يوم القيامة } اى لاولئك الموصوفين بما مر من حبوط الاعمال { وزنا } اى فنزدرى بهم ولا نجعل لهم مقدارا واعتبارا [ بلكه خوار ومبتذل خواهند بود ] لان مداره الاعمال الصالحة وقد حبطت بالمرة وحيث كان هذا الازدراء من عواقب حبوط الاعمال عطف عليه بطريق التفريع واما ما هو من اجزية الكفر فسيجيئ بعد ذلك وفى الحديث « يؤتى بالرجل الطويل الاكول الشروب فلا يزن جناحه بعوضة » اى يوضع له قدر لخساسته وكفره وعجبه ( اقرأوا ان شئتم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ) اى لا نضع اجل الطاعات والمعاصى ليترتب عليه التفكير او عدمه لان ذلك فى الموحدين بطريق الكمية واما الكفر فاحباط للحسنات بحسب الكيفية دون الكمية فلا يوضع لهم الميزان قطعا .
وفى التأويلات النجمية لان وزن الاشخاص والاعمال فى ميزان القيامة انما يكون بحسب الصدق والاخلاص فمن زاد اخلاصه زاد ثقل وزنه ومن لم يكن فيه وفى اعماله اخلاص لم يكن له ولا لعمله وزن ومقدار كما قال تعالى { وقدمنا الى ما عملوا من عمل } اى بلا اخلاص { فجعلناه هباء منثورا } فلا يكون للهباء المنثور وزن ولا قيمة .(7/456)
ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106)
{ ذلك } اى الامر ذلك وقوله تعالى { جزاؤهم جهنم } جملة مبينة له { بما كفرا واتخذوا آياتى ورسلى هزوا } يعنى بسبب كفرهم وانكاهم لما يجب ايمانهم واقرارهم به واتخاذهم القرآن وغير من الكتب الالهية ورسل الله وانبياءه سخرية واستهزاء من قبيل الوصف بالمصدر للمبالغة يعنى انهم بالغوا فى الاستهزاء بآيات الله ورسوله فكأنهم جعلوها واياهم عين الاستهزاء او المعنى مهزوا بهما او مكان هزء .
واعلم ان العلماء ورثة الانبياء وعلومهم مستنبطة من علومهم فكما ان العلماء العاملين ورثة الانبياء والمرسلين فى علومهم واعمالهم كذلك المستهزؤون بهم ورثة ابى جهل وعقبة ونحوهما فى استهزاؤهم وضلالهم . ومن استهزاء ابى جهل بالنبى صلى الله عليه وسلم انه كان يخلج بانفه وفمه خلف رسول الله يسخر به فاطلع عليه عليه السلام يوما فقال « كن كذلك » فكان كذلك الى ان مات . ومن استهزاء عقبة به عليه السلام انه بصق يوما فى وجه النبى صلى الله عليه وسلم فعاد بصاقه على وجهه وصار برصا وفى حقه نزل { ويوم يعض الظالم على يديه } اى فى النار يأكل احدى يديه الى المرفق ثم يأكل الاخرى فتنبت الاولى فيأكلها وهكذا كذا فى انسان العيون وفى الحديث « ان المستهزئين بالناس يفتح لاحدهم باب من الجنة فيقال هلم هلم فيجيئ بكر به وغمه فاذا جاء اغلق دونه فما يزال كذلك حتى ان الرجل ليفتح له الباب فيقال هلم هلم فما يأتي » كما فى الطريقة اللهم اجعلنا من اهل الجد لا من اهل الهزل ووفقنا للعمل بما فى القرآن الجزل .(7/457)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107)
{ ان الذين آمنوا } فى الدنيا { وعملوا الصالحات } من الاعمال وهى ما كانت خالصة لوجه الله تعالى { كانت لهم } فى علم الله تعالى { جنات الفردوس } [ بهشتهاى فردوس يعنى بوستانهاى مشتمل براشجاركه اكثر آن تاك بود ] .
قال فى القاموس الفردوس البستان يجمع كل ما يكون فى البساتين يكون فيه الكروم وقد يؤنث عربية او رومية نقلت او سريانية انتهى { نزلا } خبر كانت والجار والمجرور متعلق بمحذوف على انه حال من نزلا والنزل المنزل وما هيئ للضيف النازل اى كانت جنات الفردوس منازل مهيأة لهم او ثمار جنات الفردوس نزلا او جعلت نفس الجنات نزلا مبالغة فى اكرام .
وفيه ايذان بانها عند ما اعدها الله لهم على ما جرى على السان النبوة من قوله « اعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر » بمنزلة النزل بالنسبة الى الضيافة .
قال الكاشفى هى دولة اللقاء : قال الحافظ
نعت فردوس زاهد روماراروى دوست ... قيمت هركس بقدر همت والاى اوست
وفى المثنوى
هشت جنت فت دوزخ بيش من ... هست بيدا همجوبت بيش شمن
ومن هنا قال ابو يزيد البشطامى قدس سره لو عذبنى الله يوم القيامة لشغلنى بالجنة ونعيمها فلا جنة اعلى من جنة اللقاء والوصال ولا نار اشد من نار الهجران والفراق
روزشب غصه وخون ميخورم وجون نخورم ... جون زديدار تو دورم بجه باشم دلشاد(7/458)
خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)
{ خالدين فيها } حال مقدرة اى مقدرين الخلود فى تلك الجنات { لا يبغون عنها حولا } مصدر كالصغر والجملة حال من صاحب خالدين اى لا يطلبون تحولا وانتقالا عنها الى غيرها كما ينتقل الرجل من دار اذا لم توافقه الى دار اذ لا مزيد عليها وفيها كل المطالب .
قال الامام وهذا الوصف يدل على غايه الكمال لان الانسان فى الدنيا اذا وصل الى أى درجة كانت فى السعادة فهو طامح الطرف الى ما هو اعلى منها ويجوز ان يراد نفى التحول وتأكيد الخلود كما فى تفسير الشيخ وهذا كناية عن التخليد وقال المراد بالفردوس ربوه خضراء فى الجنة اعلاها واحسنها يقال لها سرة الجنة وفى الحديث « الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والارض الفردوس اعلاها فيها تتفجر الانهار الاربعة وفوقها عرش الرحمن فاذا سألتم الله فاسألوا الفردوس » وفى الحديث « جنات الفردوس اربع جنات من فضة آنيتهما وما فيهما فضة وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ذهب » [ ودرتبيان آورده كه خدى تعالى فردوس را بيدقدرت خود آفريده وبمقدار هر روز از روزهاى دنيا بنجاه كرت بدو نظر كرده وميفر ما يدكه « ازدادى طيبا وحسنالاوليائى » فزون ساز حسن جمال وتازه كى وباكى خودرا براى دوستان من ] وفى بعض الروايات « يفتحها كل يوم خمس مرات »
يقول الفقير التوفيق بين الروايتين ان الاولى من مقام التفصيل والثانية من مقام الاجمال اذا المقصود ازدياد حسنها وطيبها كلما ادى الصلوات الخمس وهى فى الاصل خمسون صلاة كما سبق فى بحث المعراج وفى الحديث « ان الله غرس الفردوس بيده ثم قال وعزتى وجلالى لا يدخلها مدمن خمر ولا ديوث » قيل ما الديوث يا رسول الله قال « الذى يرضى الفواحش لاهله » كما فى تفسير الحدادى .
وقال فى بحر العلوم قال عليه السلام « ان الله كبس عرصة جنة الفردوس بيده ثم بناها لبنة من ذهب مصفى ولبنة من مسك مذرى وغرس فيها من طيب الفاكهة وطيب الريحان وفجر فيها انهارها ثم اوفى ربنا على العرش فنظر اليها فقال وعزتى لا يدخلك مدمن خمر ولا مصر على زنى »
يقول الفقير . ان قلت فعلى ما ذكر من اوصاف الفردوس يكون مقام المقربين فكيف يترتب جزاء الخاصة على العامة .
قلت يؤول العنوان بمن جمع بين الايمان والعمل على وجه لكمال وهو بان آمن ايمانا عيانيا بعدما آمن برهانيا وعمل باخلاص الباطن وشرائط الظاهر على وفق الشريعة وقانون الطريقة فيدخل فيه الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر على ما فسر كعب فان الدلالة على الخير والمنع من الشر من فواضل الاعمال وخواص الرجال .(7/459)
ويدل على ما ذكرنا ما قبل الآية من قوله تعالى فى حق الكفار { اولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه } فان المراد بيان المؤمنين المتصفين باضداد ما اتصفوا به والايمان باللقاء اى الرؤية والمشهود بعد الايمان بالآيات والشاهد وهو بالترقى من العلم والغيب والآثار الى العين والشهادة والانواع ويدل عليه ما بعد الآية ايضا من قوله تعالى { فمن كان يرجو } الى آخره فافهم وهكذا لاح بالبال والله بحقيقة الحال نسأل الله الفردوس بل وتجلى جماله والاحتظاظ بكاسات وصاله : قال الحافظ
كداى كوى تو ازهشت خلد مستغنيست ... اسير عشق تو ازهردو كون آزادست(7/460)
قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)
{ قل لوكان البحر } [ بكوا كرباشد درياى محيط كه شامل ارضست ] كذا فى تفسير الكاشفى . وقال غيره يريد الجنس يعنى لو كان ماء جنس البحر { مدادا } نقسا وحبرا والثلاثة بمعنى ما يكتب به نزلت حين قال حييى بن اخطب فى كتابكم { ومن يؤت الحكمة فقد اوتى خيرا كثيرا } ثم تقرأون { وما اوتيتم من العلم الا قليلا } كأنه يشير الى ان التوراة خير كثير فكيف يخاطب اهلها بهذا الخطاب يعنى ان ذلك خير كثير بالنسبة الينا ولكنه قطرة من بحر كلمات الله
علمها از بحر علمش قطره ... اين جوخورشيدست وآنها ذره
كر كسى درعلم صد لقمان بود ... بيش علم كاملش نادان بود
لانه لو كان ماء البحر مدادا { لكلمات ربى } لكلمات علمه وحكمته يعنى لمعلوماته وحكمه فتكتب من ماء البحر كما تكتب من المداد والحبر .
قال فى تفسير الجلالين { لكلمات ربى } اى لكتابتها وهى حكمه وعجائبه والكلمات هى العبارات عنها انتهى { لنفذ البحر } يعنى ماء جنس البحر باسره مع كثرته ولم يبق فيه شئ لان كل جسم متناه { قبل ان تنفد كلمات ربى } اى من غير ان تفنى معلوماته وحكمه فانها غير متناهية لا تنفد كعلمه فلا دلالة للكلام على نفادها بعد نفاد البحر وانما اختار جمع القلة على الكنزة وهى الكلم تنبيها على ان ذلك لا يقابل بالقليل فكيف بالكثر كما فى بحر العلوم .
وقال ابو القاسم الفزارى فى الاسئلة المقحمة ما معنى قوله كلمات ربى فذكر بلفظ الجمع وكلمته واحدة صفة له واجواب قيل معانى كلمات ربى فلا نهاية لها لان متعلقات الصفات القديمة غير متناهية والفلاسفة يحملون كل كلمة جاءت فى القرآن على الروح ويقولون بان الروح الانسانية قديمة منه بدت واليه تعود . ورأيت فى كلمات بعض المعاصرين الذين يدعون التحقيق فى الكلام ويحومون حول هذا الحمى اظهارا من نفوسهم التفطن فى الشطح ولكن تارة يعرض بها وتارة بصرح بذلك واياكم ثم اياكم والاغترار بها فانها من اوائل حكم الفلسفة واوائل . العلوم مسوقة ولكنها عند البحث فلما تعود بطائل يتروج وهو مطرى ويهجر وهو منشور انتهى { ولو جئنا بمثله } بمثل البحرالموجود يعنى بمائة . وقال الكاشفى [ واكرنيز بياريم مثل درياى محيط ] { مدادا } تمييزا اى زيادة ومعونة اى لنفد ايضا والكلمات غير نافدة لعدم تناهيها فحذف جزاء الثانى لدلالة الاول عليه ويجوز ان يكون التقدير ولو جئنا بمثله مددا والبحر يمده من بعده سبعة ابحر { ما نفدت كلمات الله } ولانه يدل به على تحقق نفاد البحر وعدم تحقق نفاد الكلمات صريحا فيكفى مؤنة كثيرة من الكلام كما فى بحر العلوم .
قال فى الارشاد قوله { ولو جئنا } كلام من جهته تعالى غير داخل فى الكلام الملقن يجئ به لتحقيق مضمونه وتصديق مدلوله والواو لعطف الجملة على نظيرتها اى لنفد البحر من غير نفاد كلماته تعالى لو لم يجئ بمثله مددا ولو جئنا بقدرتنا القاهرة بمثله عونا وزيادة لان مجموع المتناهين متناه بل مجموع ما يدخل تحت الوجود من الاجسام لا يكون الا متناهيا لقيام الادلة القاطعة على تناهى الابعاد .(7/461)
قال الامام قولنا الله تعالى قادرا على مقدورات غير متناهية مع قولنا ان حدوث ما لا نهاية له محال معناه ان قادرية الله تعالى لا تنتهى الى حد الا ويصح منه الايجاد بعد ذلك انتهى اى فلا يلزم منه عدم تناهى الممكنات .
قال شيخى وسندى قدس الله سره فى بعض تحريراته قوله كلما علمه وحكمته الظاهر ان المراد الكلمات التى يعبر بها عن معلومات الله تعالى وما يتعلق به حكمته فكلمة قبل على المجاز عن نفاد البحر دون ان يكون لها تحقق النفاد اى ينفد البحر ولا يتحقق لكلمات الرب نفاد . فان قلت انما يتم ما ذكرتم اذا كانت الكلمات هى المعلومات المحكومة والمقدورة كالممكنات والممتنعات فكيف يتم ما ذكرتم اذ كل منهما مما ينفد ويتناهى فههنا اشكال لانه ان قيل انهما ليسا من المعلومات فيلزم انهما من غير المعلومات فيلزم على البارى تعالى ما هو المحال والمفقود فى حقه الاعلى من الجهل والغفلة فهو غير متصور فى شأنه العلى .
قلنا ان البحر اذا كان مدادا وكانت كل قطرة منه قد عينت لان يكتب بها نفسها باعتبار كونها من الكلمات والملعومات ينفد بكتابة نفسه وقطراته ولا يبقى منه شئ يكتب به ما عداه من الكلمات ولو جيئ بمثله مددا لان جميع المتناهى مثناه فضلا عن نفاد الكلمات وتناهى المعلومات فانها غير متناهية لا تنفد او قلنا او المراد مطلق الملعومات العام الشامل لكل ما يتعلق به علمه سواء كان ذات البارى تعالى وصفاته العليا واسماءه الحسنى او غيره من الموجودات الممكنة والمعدومات الممتنعة فحينئذ يتم ما ذكرنا وان كان يرى فى صورة ما لا يتم ولا يصح باعتبار ان يكون من المعلومات ماله تناه ونفاد من الممكنات والممتنعات ثم ان فى اطلاق الكلمات على بعض ما يتعلق به علمه تعالى ما ليس فى اطلاق المعلومات عليه من الاشكال والخفاء كذات البارى تعالى وصفاته مع انهما من المعلومات المعبر عنها بالكلمات بالمحكومات او بالمقدورات اولى منه بالمعلومات اذ فى اضافة الكلمات الى الرب اشعار به واشارة اليه وتسمية الممكنات بالكلمات من تسمية المسبب باسم السبب لانها انما تكونت بكلمة كن كما قال تعالى { انما امره اذا اراد } الآية ومحصل الكلام ان نفاد البحر وقوعا او فرضا امر ذاتى غير معلل مطلقا كان مدادا ام لا فان كل جسم متناه ونافد قطعا وعدم نفاد كلمات الرب لا وقوعا ولا فرضا امر ذاتى غير معلل مطلقا كان مدادا ام لا فان كل جسم متناه ونافذد قطعا وعدم نفاد كلمات الرب لا وقوعا ولا فرضا امرا صلى غير معلل ازلا فانها غير متناهية ابدا ولا نافذة سرمدا انتهى كلام حضرة الشيخ روح الله روحه .(7/462)
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)
{ قل ن بشر مثلكم } قل يا محمد ما انا الا آدمى مثلكم فى الصورة ومساويكم فى بعض الصفات البشرية { يوحى الى } من ربى { انما الهكم اله واحد } ما هو الا متفرد فى الالوهية لا نظير له فى ذاته ولا شريك له فى صفاته يعنى انا معترف ببشرينى ولكن الله منّ علىّ من بينكم بالنبوة والرصالة .
وفى التأويلات النجمية يثير الى ان بنى آدم فى البشرية واستعداد الانسانية سواء النبى والولى والمؤمن والكافر والفرق بينهم بفضيلة الايمان والولاية والنبوة والوحى والمعرفة بان اله العالمين اله واحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد انتهى كما قال الشيخ سعدى
ره راست بايد نه بالاى راست ... كه كافرهم ازروى صورت جوماست
{ فمن كان يرجو } شرط جزاؤه فليعمل . والمعنى بالفارسية [ بس هركه اميد ميدارد ] { لقاء ربه } .
قال فى الارشاد كان للاستمرار ولرجاء توقع وصول الخبر فى المستقبل والمرد بلقائه كرامته اى فمن استمره على رجاء كرامته تعالى .
وقال المام اصحابنا حملوا لقاء الرب على رؤيته والمعتزلة على لقاء ثوابه يقال لقيه كرضيه رآء كما فى القاموس { فليعمل } لتحصل ذلك المطلوب العزيز { عملا صالحا } [ كارى شايسته يعنى بسنديده خدى ] .
قال الانطاكى من خلف المقام بين ايديى الله فليعمل عمل يصلح للعرض عليه والرجاء يكون بمعنى الخوف والامل كما فى البغوى .
وقال ذو النون العمل الصالح هو الخالص من الرياء . وقال ابو عبد الله القرشى العمل الصالح الذى ليس للنفس اليه التفات ولا به طلب ثواب وجزاء .
وقال فى التأويلات النجمية العمل الصالح متابعة النبى عليه السلام وانتأسى بسنته ظاهرا وباطنه فاما سنة باطنه فالتبتل الى الله وقطع النظر عما سواه [ يعنى ديده همت ازماسوى بربستن وجز بشهود حضرت مولى ناكشودن ] كما قال الله تعالى { ما زاع البصر وما طغى } روى ازهمه برتافتم وسوى توكردم جشم ازهمه بربستم وديدار توديدم
{ ولا يشرك بعبادة ربه احدا } [ شريط نيارد وانباز نسازد بيستش بروردكار خود يكى را ] .
قال ابو البقاء اى فى عباده ربه ويجوز ان يكون على بابه اى بسبب عبادة ربه انتهى .
وفى الارشاد اشراكا جليا كما فعله الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه ولا اشراكا خفيا كما يفعله اهل الرياء ومن يطلب به اجرا انتهى .
وعن ابن عباس رضى الله عنهما لم يقل ولا شرك به لانه اراد العمل الذى يعمله ويحب ان يحمد عليه .
وعن الحسن هذا فيمن اشرك بعمل ييد الله به والناس على ما روى ان جندب بن زهير رضى الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم انى لاعمل العمل لله فاذا اطلع عليه احد سترنى فقال « ان الله لا يقبل ما شورك فيه »(7/463)
فنزلت تصديقا له عليه السلام وروى انه قال له « لك اجرانه اجرا السر واجر العلانية » وهذا على حسب النية فاذا سره ظهوره ليقتدى به كما هو شأن الكاملين المخلصين المعرضين عما سوى الله او تنتفى عنه التهمة اذ كان ذلك من الواجبات فله اجران فاما اذا اراد به مجرد مدح الناس وانتشار الصيت ولاذكر فهو محض الرياء والشرك فيخفى المقتدى احترازا عن افساد العمل .
وعن عبد الله بن غالب انه كان اذا اصبح يقول رزقنى الله البارحة خيرا قرأت كذا وصليت كذا فاذا قيل له يا ابا فراس أمثلك يقول مثل هذا يقول قال الله تعالى { واما بنعمة ربك فحده } وانتم تقولون لا تحدث بنعمة الله وانما يجوز مثله اذا قصد به اللطف وان يقتدى به غيره وامن على نفسه الفتنة والستر اولى ولو لم يكن فيه الا التشبه باهل الرياء والسمعة لكفى كذا فى الكشاف فى سورة الضحى . والآية جامعة لخلاصتى العلم والعمل وهما لتوحيد والاخلاص فى العمل : قال الشيخ سعدى قدس سره
عبادت باخلاص نيت نكوست ... وكرنه جه آيد زبى مغز بوست
جه زنار مع درميانت جه دلق ... كه دربوشى ازبهر بندار خلق
بروى ريا خرقه سهلست دوخت ... كرش باخدا درتوانى فروخت
قال فى بحر العلوم ان قلت ما معنى الرياء قلت العمل لغير الله بدليل قوله عليه السلام « ان اخوف ما اخاف على امتى الاشراك بالله اما انى لا اقول يعبدون شمسا ولا قمرا ولا شجرا ولا وثنا ولكن اعمالا لغير الله تعالى »
قال فى الاشباه ولا يدخل الرياء فى الصوم انتهى هذا اذا لم يجوّع نفسه اظهارا لاثره فى وجه او لم يقل ولم يعرض به كما لا يخفى على ما روى عن عبادة بن الصامت رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « من صلى صلاة يرائى بها فقد اشرك ومن صام صوما يرائى به فقد اشرك » وقرأ { فمن كان يرجو لقاء ربه } الآية كما فى الحدادى وقس عليه التصدق والحج وسائر وجوه البر
مرايى هركس معبود سازد ... مرايى را ازان كفتند مشرك
وفى الحديث « انما حرم الله الجنة لى كل مرائى » ليس البر فى حسن اللباس والزى ولكن البر المسكنة والوقار
كراجامه باكست وسيرت بليد ... در دوزخش را نبايد كليد
بنزديك من شب رو راهزن ... به ازفاسق بارسا بيرهن
وفى الحديث « اذا جمع الله الاولين والآخرين ليوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان اشرك فى عمل عمله الله احدا فليطلب ثواب عمله من عند غير الله فان الله اغنى الشركاء عن الشرك »
زعمرو اى بسرجشم اجرت مدار ... جو درخانه زيد باشى بكار(7/464)
وفى الحديث « ان فى جهنم واديا تستعيذ جهنم من ذلك الوادى فى كل يوم مائة مرة اعد ذلك للمرائين » وفى الحديث « اتقوا الشرك الاصغر » قيل وما الشرك الاصغر قال « الريا » وفى الحديث « ان اخوف ما اخاف على امتى الشرك الخفى فاياكم وشرك السرائر فان الشرك اخفى من دبيب النمل على الصفا فى الليلة الظلماء » فشق على الناس فقال عليه السلام « أفلا ادلكم على ما يذهب صغير الشرك وكبير قولوا اللهم انى اعوذ بك من ان اشرك بك شيأ وانا اعلم واستغفرك لما لا اعلم » كذا فى عين المعنى - حكى - ان بعض الخلفاء اراد ان يتطهر فعدا غلمانه ليصبوا عليه الماء فصدهم عن ذلك وتلا هذه الآية واظنه المرتضى على ابن ابى طالب رضى الله عنه كذا فى الاسئلة المقحمة لابى القاسم الفزارى .
يقول الفقير كان المرتضى رضى الله عنه عمم الاشراك الى الرياء والاستعانة فى الوضوء ونحه نظرا الى ظاهر النظم وذلك زيادة فى التقوى ونظيره ان الشاعى اوجب الوضوء من لمس المرأة باليد ونحوها نظرا الى اطلاق قوله تعالى { او لامستم النساء } وهو عمل بالعزيمة كما لا يخفى .
وعن ابى الدرداء رضى الله عنه قال قال عليه السلام « من حفظ عشرا آيات من اول سورة الكهف عصم من الدجال » رواه مسلم قال ابن ملك اللام فيه للعهد ويجوز ان تكون للجنس لان الدجال من يكثر منه الكذب والتلبيس وقد جاء فى الحديث « يكون فى آخر الزمان دجالون » فاهل الاهواء والبدع دجاجلة زمانهم والسر فى العصمة منه ان هذه الآيات الشعر مشتملة على قصة اصحاب الكهف وهم لما التجأوا الى الله تعالى من شر دقيانوس الكافر انجاهم الله منه فالمرجو منه تعالى ان يحفظ قارئها من الدجال وثبته على الدين القويم . وفى رواية للنسائى « من قرأ العشر الاواخر من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال »
وعن ابى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال قال عليه السلام « من قرأ الكهف كما انزلت كانت له نورا يوم القيامة من مقامه الى مكة ومن قرأ عش آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يسلط عليه » رواه الحاكم .
وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال قال عليه السلام « من قرأ سورة الكهف فى يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدميه الى عنان السماء يضيئ له يوم القيامة وغفر له ما بين الجمعتين »
وعن ابى سعيد « قال من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة اضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق » رواه الدارمى فى مسند موقوفا على ابى سعيد كذا فى الترغيب والترهيب للامام المنذرى .(7/465)
وفى تفسير التبيان روى عبد الله بن فردة رضى الله عنه قال قال عليه السلام « ألا ادلكم على سورة شيعها سبعون الف ملك حين نزلت ملأ عظمها ما بين السماء والارض لتاليها مثل ذلك » قالوا بلى يا رسول الله قال « سورة الكهف من قرأها يوم الجمعة غفر له الى يوم الجمعة الاخرى وزيادة ثلاثة ايام واعطى نورا يبلغ السماء وفى فتنة الدجال »
وفى تفسير الحدادى عن ابى بن كعب رضى الله عنه قال قال عليه السلام « من قرأ سورة الكهف فهو معصوم على ثمانية ايام من كل فتنة تكون فيها من قرأ الآية التى فى آخرها حين يأخذ مضجعه كان له نورا يتلألأ الى مكة حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يقوم من مضجعه وان كان مضجعه بمكة » فتلاها كان له نورا يتلألأ من مضجعه الى البيت المعمور حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه ويستغفرون له حتى يستيقظ .
وفى تفسير البيضاوى عن النبى عليه السلام « من قرأ عند مضجعه قل انما انا بشر مثلكم كان له نور فى مضجعه يتلألأ الى مكة حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يستقيط » .
وفى فتح القريب من قرأ عند اراد النوم { ان الذين آمنوا وعلموا الصالحات } الخ ثم قال اللهم ايقظنى فى احب الاوقات اليك واستعملنى باحب الاعمال اليك فانه سبحانه يوقظه ويكتبه من قوام الليل .
وقال ابن عباس رضى الله عنهما اذا اردت ان تقوم ايه ساعة شئت من الليل فاقرأ اذا اخذت مضجعك { قل لو كان البحر مدادا } الآية فان الله يوقظك متى شئت من الليل . وتكلموا فى القراءة فى الفراش مضطجعا .
قال فى الفتاوى الحمدية لا بأس للمضطجع بقراءة القرآن انتهى . والاولى ان لا يقرأ وهو اقرب الى التعظيم كما فى شرح الشرعة ليحيى الفقيه .
وعن ظهير الدين المرغنانى لا بأس للمضطجع بالقراءة مضطجعا اذا اخرج رأسه من اللحاف لانه يكون كاللبس والا فلا نقله قاضى خان .
وفى المحيط لا بأس بالقراءة اذا وضع جنبيه على الارض لكن يضم رجليه الى نفسه انتهى .
نسأل الله تعالى ان يوقظنا من الغفلة قبل انقضاء الاعمار ويؤنسنا بالقرآن آناء الليل واطراف النهار تمت سورة الكهف والحمد لله تعالى يوم الاثنين الثالث والشعرين .
من شهر رمضان من نسة خمس ومائة والف .(7/466)
كهيعص (1)
{ كهيعص } اسم للسورة ومحله ارفع على انه خبر لمبتدأ محذوف والتقدير هذا كهيعص الى مسمى به وانما صحت الاشارة اليه مع عدم جريان ذكره لانه باعتبار كونه على جناح الذكر صار فى حكم الحاضر المشاهد كما يقال هذا ما اشترى فلان كما فى الارشاد .
وقال فى تفسر الشيخ قسم اقسم بالله تعالى او هى اسم من اسمائه الحسنى ويدل عليه ما قرأوا فى بعض الادعية من قولهم يا كهيعص يا حمعق اوانه مركب من حروف يشير كل منها الى صفة من صفاته العظمى . فالكاف من كريم وكبير . والهاء من هاد . والياء من رحيم . والعين من عليم وعظيم . والصاد من الصادق او معناه هو تعالى كاف لخلقه هاد لعباده يده فوق ايديهم عالم ببريته صادق فى وعده .
قال الكاشفى [ درمواهب صوفيان از مواهب الهى كه برحضرت شيخ ركن الدين علاء الدوله سمنانى قدس سره فرود آمده مذكوراست كه حضرت رسالت را صلى الله عليه وسلم سه صورتست يكى بشرى كقوله تعالى { انما انا بشر مثلكم } دوم ملكى نانكه فرموده است ( لست كاحد ابيت عند ربى ) سيوم حقى كما قال ( لى مع الله وقت لا يسعنى فيه ملك مقرب ولا نبى مرسل ) وازين روشنتر ( من رآنى فقد رأى الحق ) وحق سبحانه را يا او درهر صورتى سخن بعبارتى ديكر واقع شده است درصورت بشرى كلمات مركبه جون { قل هو الله احد } ودرصورت ملكى حروف مفرده مانند { كهيعص } واخواته ودرصورت حقى كلامى مبهم كه { فاوحى الى عبده ما اوحى } درتنكناى حرف نكنجد بيان ذوق زان سوى حرف ونقطعه حكايات ديكرست
وفى التأويلات النجمية فى سورة البقرة يحتمل ان يكون { الم } وسائر الحروف المقطعة من قبيل المواضعات والمعميات بالحروف بين المحبين لا يطلع عليها غيرهم وقد واضعها الله تعالى مع نبيه عليه السلام فى وقت لا يسعه فيه ملك مقرب ولا نبى مرسل ليتكلم بها معه على لسان جبريل باسرار وحقائق لا يطلع عليها جبريل ولا غيره . يدل على هذا ما روى فى الاخبار ان جبريل عليه السلام نزل بقوله تعالى { كهيعص } فلما قال كاف قال النبى عليه السلام « علمت » فقال ها فقال « علمت » فقال يا فقال « علمت فقال عين فقال » علمت « فقال صاد فقال » علمت « فقال جبريل كيف علمت ما لم اعلم .
وفى اسئلة الحكم علوم القرآن ثلاثة علم لم يطلع الله عله احدا من خلقه وهو ما استتأثر به من علوم اسرار كتابه من معرفة كنه ذاته ومعرفة حقائق اسمائه وصفاته وتفصاسيل علوم غيوبه التى لا يعلمها الا هو وهذا لا يجوز لاحد الكلام فيه بوجه من الوجوه اجماعا . العلم الثانى ما اطلع عليه نبيه من اسرار الكتاب واختصه به وهذا لا يجوز الكلام فيه الاله عليه السلام او لمن اذن له واوآئل السور من هذا القسم وقيل من القسم الاول . العلم الثالث علوم علمها الله نبيه مم اودع كتابه من المعانى الجليلة والخفية وامره بتعليمها .(7/467)
ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)
{ ذكر } اى هذا المتلو ذكر { رحمة ربك } ذكر مضاف الى مفعوله { عبده } مفعول رحمة { زكريا } بدل منه وهو زكريا يمد ويقصر ابن آزر .
قال الكاشفى [ واو ازاولاد رجعيم بن سليمان بن داود عليهم السلام بوده بيغمبر عاليشان ومهتر احبار بيت المقدس وصاحب قربان ] .
قال الامام زكريا من ولد هارون اخى موسى وهما من ولد لاوى بن يعقوب بن اسحاق .(7/468)
إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3)
{ اذ نادى ربه نداء خفيا } ظرف لرحمة ربك . والمعنى بالفارسية [ جون ندا كرد وبخواند بروردكار خودرا درمحراب بيت المقدس بعد ازتقريب قربان وخواندن بنهان ] ولقد راعى عليه السلام حسن الادب فى دعائه فانه مع كونه بالنسبة اليه تعالى كالجهر ادخل فى الاخلاص وابعد من الرياء واقرب الى الخلاص من غائلة مواليه الذين كان يخافهم فانه اذا اخفى لم يطلعوا عليه ومن لوم الناس على طلب الولد لتوقفه على مبادى لا يليق به تعاطيها وقت الكبر والشيخوخة وكان سنه وقتئذ تسعا وتسعين على ما اختاره الكاشفى .
فان قلت شرط النداء الجهر فيكف يكون خفيا . قلت دعا فى الصلاة فاخفاه .
يقول الفقير النداء وان كان بمعنى الصوت لكن الصوت قد يتصف بالضعف ويقال صوت خفى وهو الهمس فكذا النداء وقد صح عن الفقهاء ان بعض المخافتة يعد من ادنى مراتب الجهر وتفصيله فى تفسير الفاتحة للفنارى .
ولى فيه وجه خفى لاح عند المطالعة وهو ان النداء الخفى عند الخواص كالذكر الخفى هو ما خفى عن الحفظة فضلا عن الناس لا يخفض به الصوت الانبياء ومن له بهم اسوة حسنة من كمل الاولياء .(7/469)
قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)
{ قال } استئناف وقع بيانا للنداء { رب } [ اى بروردكار من ] { انى وهن العظم منى } الوهن الضعف وانما اسنده الى العظم وهو بالفارسية [ استخوان ] لانه عماد بيت البدن فاذا اصابه الضعف مع صلابته وقلة تأثره من العلل اصاب سائر الاجزاء .
قال قتادة اشتكى سقوط الاضراس كما فى البغوى وافراده للقصد الى جنس المنبئ عن شمول الوهن لكل فرد من افراده ولو جمع لخرج بعض العظام عن الوهن . و منى متعلق بمحذوف وهو حال من العظم وهو تفصيل بعد الاجمال لزيادة التقرير لان العظم من حيث انه يصدق على عظمه يفيد نسبته اليه اجمالا .
واشتغل الرأس } منى حذف اكتفاه بما سبق { شيبا } شبه الشيب فى بياضه وانارته بشواظ النار وانتشاره فى الشعر ومنبته مبالغة واشعارا لشمول الشيب جملة الرأس حتى لم يبق من السواد شئ وجعل الشيب تمييز ايضاحا للمقصود والاصل اشتعل شيب رأسى فوزانه بالنسبة الى الاصل وزان اشتعل بيته نارا بالنسبة الى اشتعل النار فى بيته : قال الشيخ سعدى
جوشيبت درآمد بروى شباب ... شبت روزشد ديده بركن زخواب
من آن روز ازخود بربدم اميد ... كه افتادم اندر سياهى سفيد
جودوران عمر از جهل دركذشت ... مزن دست وباكآب ازسر كذشت
دريغاكه بكذشت عمر عزيز ... بخواهد كذشت اين دمى جندنيز
{ ولم اكن بدعائك رب شقيا } ولم اكن بدعائى اياك خائبا فى وقت من اوقات هذا العمر الطويل بل كما دعوتك استجبت لى وهذا توسل منه بما سلف من الاستجابة عند كل دعوة انر تمهيد ما يستدعى الرحمة ويستجلب الرأفة من كبر السن وضعف الحال فانه تعالى بعدما عوّد عبده بالاجابة دهرا طويلا لا يخيبه ابدا لا سيما عند اضطرار وشدة افتقار - روى - ان محتاجا قال لبعضهم انا الذى احسنت الى وقت كذا قال مرحبا بمن توسل بنا الينا وقضى حاجته ووجهه ان الرد بعد القبول يحبط الانعام الاول والمنعم لا يسعى فيه وكأنه يقول مارددتنى حين ما كنت قوى القلب والبدن غير متعود بلطفك فلو رددتنى الآن بعدما عوتنى القبول مع نهاية ضعفى لتضاعف الم قلبى وهلكته يقال سعد يحاجته اذا ظفر بها وشقى بها اذا خاب كذا فى تفسير الامام ثم بين ان ما يريده منتفع به فى الدين فقال { وانى خفت الموالى من ورائى } اى بعد موتى فلا بدلى من الخلف وهو متعلق بمحذوف ينساق اليه الذهن اى جور الموالى لا بخفت لفساد المعنى والجملة عطف على قوله انى وهن مترتب مضمونه على مضمونها فان ضعف القوى وكبر السن من مبادى خوفه من يلى امره بعد موته ومواليه بنوا عمه وكانوا شرار بنى اسرائيل فحاف ان لا يحسنوا خلافته فى امته ويبدلوا عليهم دينهم .(7/470)
قال فى القاموس المولى المالك والعبد والمعتق والمعتق والصاحب والقريب كابن العم ونحوه والجار والحليف والابن والعم والنزيل والشريك وابن الاخت والولى والرب والناصر والمنعم والمنعم عليه والمحب والتابع والصهر انتهى { وكانت امرأتى } هى ايشاع بنت فاقوذ بن فيل وهى اخت حنة بنت فاقوذ .
قال الطبرى وحنة هى ام مريم . وقال القتيبى امرأة زكريا هى ايشاع بنت عمران فعلى هذا القول يكون يحيى ابن خالة عيسى على الحقيقة وعلى لاقول الآخر يكون ابن خالة امه وفى حديث الاسراء « فلقيت ابنى الخالة يحيى وعيسى » وهذا شاهد للقول الاول قاله المام السهيلى فى كتاب التعريف والاعلام { عاقرا } اى لا تلد من حين شبابها فان الاقر من الرجال والنساء من لا يولد له ولد وكان سنها حينئذ ثمانى وتسعين على ما اختاره الكاشفى { فهب } [ بس بيخش ] { لى من لدنك } كلا الجارين متعلق بهب لاختلاف معنييهما فاللام صلة له ومن لابتداء الغاية مجاز ولدن فى الاصل ظرف بمعنى اول غاية زمان او مكان او غيرهما من الذوات اى اعطنى من محض فضلك الواسع وقدرتك بطريق الاختراع لا بواسطة الاسباب العادية فانى وامرآتى لا نصلح للولادة { وليا } ولدا من صلبى يلى امر الدين بعدى كما قال { يرثنى } صفة لوليا اى يرثنى من حيث العلم والدين والنبوة فان الانبياء لا يورثون المال كما قال عليه السلام « نحن معاشر الانبياء لا نورث ما تركناه صدقة »
فان قلت وقد وصف اولى بالوراثة ولم يستجب له فى ذلك فان يحيى خرج من الدنيا قبل زكريا على ما هوالمشهور . قلت الانبياء وان كانوا مستجابى الدعوة لكنهم ليسوا كذلك فى جميع الدعوات حسبما تقتضيه المشيئة الالهية المبنية على الحكم البالغة ألا يرى الى دعوة ابراهيم عليه السلام فى حق ابيه والى دعوة النبى عليه السلام حيث قال « وسألته ان لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعتها » وقد كان من قضائه تعالى ان يهبه يحيى نبيا مرضا ولا يرثه فاستجيب دعاؤه فى الاول دون الثانى { ويرث من آل يعقوب } ابن اسحاق ابن ابراهيم الملك يقال ورثه وورث منه لغتان . وآل الرجل خاصة الذين يؤول اليه امرهم للقرابة او الصحبة او الموافقة فى الدين .
وقال الكلبى ومقاتل هو يعقوب بن ماثان اخو عمرن ابن ماثان من نسل سليمان عليه السلام ابو مريم وكان آل يعقوب اخوال يحيى بن زكريا .
قال الكلبى كان بوا ماثان رؤس بنى اسرائيل وملوكهم وكان زكريا رئيس الاحبار يومئذ فاراد ان يرث ولده حبورته ويرث من بنى ماثان ملكهم { وجعله } اى الولد الموهوب { رب رضيا } مرضيا عندك قولا وفعلا وتوسيط رب بين مفعولى الجعل كتوسيطه بين كان وخبرها فيما سبق لتحريك سلسلة الاجابة بالمبالغة فى التضرع ولذلك قيل اذا اراد العبد ان يستجاب له دعاؤه فليدع الله بما يناسبه من اسمائه وصفاته .(7/471)
واعلم ان الله تعالى لا يمكن العبد من الدعاء الا لاجابته كلا او بعضا كما وقع لزكريا .
هم زاول تو دهى ميل دعا ... تو دهى آخر دعاهارا جزا
ترس وعشق توكمند لطف ماست ... زير هر يا رب تو لبيكهاست
وفى الحديث « من فتح له باب الدعاء فتحت له ابواب الرحمة » وذلك لان فى الدعاء اظهار الذلة والافتقار وليس شئ احب الى الله من هذا الاظهار ولذا قال ابو يزيد البسطامى قدس سره كابدت العبادة ثلاثين سنة فرأيت قائلا يقول لى يا ابا يزيد خزائنه مملوءة من العبادات ان اردت الوصول اليه فعليك بالذلة والافتقار ولذا قال عند دخوله عالم الحقيقة
جارجيز آورده ام شاها كه در كنج تونيسث ... نيستى واجت وعجز ونياز آورده ام
وعن بعض اهل المعرفة نعم السلاح الدعاء ونعم المطية الوفاء ونعم الشفيع البكاء كما فى خالصة الحقائق .
ثم ان الدعاء اما للدين او للدنيا والاول مطمح نظر الكمل ألا ترى ان زكريا طلب من الله ان يكون من ذريته من يرث العلم الذى هو خير من ميراث المال لان نظام العالم فى العلم والعمل والصلاح والتقوى والعدل والانصاف وفيه اشارة الى انه لا بد للكامل من مرآة يظهر فيها كمالاته ألا ترى ان لله تعالى خلق اعوالم وبث فيها اسماء الحسنى وجعل الانسان الكامل فى كل عصر مجلى انواره ومظهر اسراره فمن اراد الوصول الى الله تعالى فليصل الى الانسان الكامل فعليك بطلب خير الاول ليحيى به ذكرك الى يوم التناد ومن الله رب العابد الفيض والامداد والتوفيق لا سباب الوصول الى المراد .(7/472)
يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7)
{ يا زكريا } على ارادة القول اى قال تعالى على لسان الملك يا زكريا كما قال فى سورة آل عمران { فنادته الملائكة وهو قائم يصلى فى المحراب ان الله بسرك بيحيى } { انا نبشرك } [ ما بشارت ميدهيم ترا ] والبشارة بكسر الباء الاخبار بما يظهر سرورا فى المخبر { بلغم اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا } [ همنام ] اى شريكا له فى الاسم حيث لم يسم احد قبله بيحيى وهو شاهد بانالتسمية بالاسامى الغريبة تنويه للمسمى واياها كانت العرب تعنى لكونها انبه وانوه وانزه عن النبز [ در زاد المسير فرموده كه وجه فضيلت نه ازان رويست كه بيش ازو كسى مسمى بدين اسم نبوده جه بسيار آدمى بدين وجه يافت شودكه بيش ازو مسمىنبوده باشد بس فضيلت آنستكه حق سبحانه وتعالى بخود تولى تسميه او نموده به يدر ومادر حواله نكرد ] كما ان زينت ام المؤمنين رضى الله عنهما زوجها الله بالذات حبيبه عليه السلام حيث قال { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها } ولذا كانت تفتخر بهذا على سائر الازواج المطهر [ وامام ثعلبى آورده كه ذكر قبل ازان فرمودكه بعد ازوا كسى ظهور خواهد كردكه اورا بجندبن اسم خاص اختصاص دهد واسم سامئ اورا ازنام همايون فرجام خود مشتق سازد ] كما قال حسان رضى الله عنه
وشق له مناسمه ليجله ... فذو الغرش محمود وهذا محمد
اى خواجه كه اقبت كارامتست ... محمود ازان شدست كه نامت محداست
والاظهر ان يحيى اسم اعجمى وان كان عربيا فهو منقول عن الفعل كيعمر ويعيش .
قيل سمى به لانه حييى به رحم امه اوحى دين الله بدعوته اوي بالعلم والحكمة التى اوتيها . وفيه اشارة الى ان من لم يحيه الله بنوره وعلمه فهو ميت اوحى به ذكر زكرياكما ان آدم حيى ذكره بشيث ونوحا حيى ذكره بسام وكذا الانبياء الباقون ولكن ما جمع الله لاحد من الانبياء فى ولده قبل ولادة يحيى بين الاسم العلم الواقع منه تعالى وبين الصفة الحاصلة فى ذلك النبى الا لزكريا عناية منه اليه وهذه العناية انما تعلقت به اذ قال { فهب لى من لدنك وليا } فقدم الحق تعالى حيث كنى عنه فكاف الخطاب على ذكر ولده حين عبر عنه بالولى فاكرمه الله بان وهبه ولياطلبه وسماه بما يدل على صفة زكريا وهو حياة ذكره كذا قال الشيخ الاكبر قدس سره .
قال الامام السهيلى فى كتاب التعريف والاعلام كان اسمه فى الكتاب الاول حيا وكان اسم سارة زوجة ابراهيم يسارة وتفسيرها بالعربية لا تلد فلما بشرت باسحاق قيل لها سارة سماها بذلك جبريل فقال يا ابراهيم لم نقص من اسمى حرف فقال ذلك ابراهيم لجبرائيل عليه السلام فقال ان ذلك الحرف قد زيد فى اسم ابن لها من الفضل الانبياء واسمه حيا وسمى يحيى ذكر النقش .(7/473)
قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8)
{ قال } استئناف مبنى على السؤال كأنه فماذا قال زكريا حينئذ فقيل قال { رب } ناداه تعالى بالذات مع وصول خطابه تعالى اليه بتوسط الملك للمبالغة فى لاتضرع والمناجاة والجد فى التبتل اليه تعالى والاحتراز عما عسى يوهم خطابه للملك من توهم ان علمه بما صدر عنه متوقف على توسطه كما ان علم البشر بما يصدر عنه سبحانه متوقف على ذلك فى عامة الاوقات { انى } [ جكونه ] { يكون لى غلام } اى كيف او من اين يحدث لى غلام { و } الحال انه قد { كانت امرأتى عاقرا } لم تلد فى شبابها وشبابى فكيف وهى عجوز الآن { وقد بلغت } انا { من الكبر } من اجل كبر السن { عتيا } يبوسة وجفافا كالعود اليابس من قولهم عتا العود اذا يبس وعتا الشيخ اذا كبر وهرم وولى ويقال لكل شئ انتهى قد عتا وانما استعجب الولد من شيخ فان وعجوز عاقر اعترافا بان المؤثر فيه كمال قدرته وان الوسائط عند التحقيق ملغاة فانى استعجاب واستبعاد من حيث العبادة لا من حيث القدره .
قال الامام فان قيل لم تعجب زكريا بقوله { انى يكون لى غلام } مع انه طلبه قلنا تعجب من ان يجعلهما شابين ثم يرزقها الولد او يتركهما شيخين ويلدان مع الشيخوخة يدل عليه قوله تعالى { رب لا تذرنى فردا وانت خيرا الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحيى واصلحنا له زوجه } اى اعدنا له قوة الولادة انتهى .
وفى الاسئلة المقحمة اراد من التى يكون منه هذا الولد أمن هذه المرة وهى عاقر ام من امرأة اخرى اتزوج بها او مملوكة .(7/474)
قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9)
{ قال } الملك المبلغ للبشارة { كذلك } اى الامر كما قلت . وبالفارسية [ همجنين است كه تو كفتى ازبيرى وضعف اما ] { ال ربك هو } [ اين كاركه آفريدن فرزنداست درين سن ازين دو شخص ] مع بعده فى نفسه { علىّ } [ برقدت من خاصة ] { هين } { [ آسانست ] ارد عليك قوتك حتى تقوى على الجماع وافتق رحم امرأتك بالولد كما فى تفسير الجلالين الكاشفى .
وقال فى الارشاد الكاف فى كذلك مقحمة كما فى مثلك لا يبخل فمحلها النصب على انه مصدر تشبيهى لقال الثانى وذلك اشارة الى مصدره الذى هو عبارة عن الوعد السابق لا الى قول آخر شبه هذا به وقوله { هو عليّ هين } جملة مقررة للوعد المذكور دالة على انجازه داخلة فى حيز قال الاول كأنه قيل قال الله مثل ذلك القول البديع قلت اى مثل ذلك الوعد الخارق للعادة وعدت هو علىّ خاصة هين وان كان فى العادة مستحيلا ويجوز ان يكون محل الكاف فى كذلك الفعل على انه خبر مبتدأ محذوف وذلك اشارة الى ما تقدم من وعده تعالى اى قال عز وعلا امركما وعدت وهو واقع لا محالة وقوله { قال ربك } استئناف مقرر لمضمونه { وقد خلقتك من قبل } من قبل يحيى فى تضاعيف خلق آدم { ولم تك } اذ ذاك { شيأ } اصلا بل عدما صرفا فخلق يحيى من البشرين اهون من خلقك مفردا والمراد خلق آدم لانه نموذج مشتمل على جميع الذرية .
قال الامام وجه الاستدلال بقوله تعالى { وقد خلقتك } الخ ان خلقه من العدم الصرف خلق للذات والصفات وخلق الولد من شيخين لا يحتاج الا الى تبديل الصفات والقادر على خلق الذات والصفات اولى ان يقدر على تبديل الصفقات انتهى .
قال فى بحر العلوم ولفظ الشئ عندنا يختص بالموجود وبالعكس ونفى كون الشئ تقرير لعدمه فالآية دليل على ان المعدوم ليس بشئ .(7/475)
قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10)
{ قال رب اجعل لى آية } الجعل ابداعى وقيل بمعنى التصيير اى علامة على وقوع الحبل لا تلقى تلك النعمة الجليلة بالشكر من حين حدوثها وهذا السؤال ينبغى ان يكون بعدما مضى بعد البشارة برهة من الزمان لما روى ان يحيى كان اكبر من عيسى بستة اشهر او بثلاث سنين ولا ريب فى ان دعا زكرياء كان فى صغر مريم لقوله تعالى { هنالك دعا زكريا ربه } وهى انما ولدت عيسى وهى بنت عشر سنين او ثلاث عشرة سنة كذا فى الارشاد والاسئلة المقحمة { قال } الله تعالى { آيتك ان لا تكلم الناس } اى ان لا تقدر على ان تكلمهم بكلام الناس مع القدرة على الذكر والتسبيح كما هو المفهوم من تخصيص الناس { ثلاث ليال } مع ايامهم للتصريح بها فى سورة آل عمران { سويا } حال من فاعل تكلم مفيد لكون انتفاء التكلم بطريق الاضطرار دون الاختيار اى تمنع الكلام فلا تطيع به حال كونك سوى الخلق سليم الجوارح ما بك شائبة بكم ولا خرس قالوا رجع تلك الليلة الى امرأته فقربها ووقع الولد فى رحمها فلما اصبح امتنع عليه الكلام الناس .(7/476)
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)
{ فخرج } صبيحة حمل امرأته { على قوم من المحراب } من المصلى او من الغرفة وكانوا من وراء المحراب ينتظرون ان يفتح لهم الباب فيدخلوه ويصلوا اذ خرج عليهم متغيرا لونه فانكروه صامتا وقالوا مالك يا زكريا { فاوحى اليهم } اى اومأ اليهم لقوله تعالى { الا رمزا } { ان سبحوا } ان اما مفسرة الوحى او مصدرية والمعنى اى صلوا او بان صلوا { بكرة } هى من طلوع الفجر الى وقت الضحى { وعشيا } هو من وقت زوال الشمس الى ان تغرب وهما ظرفا زمان للتسبيح .
عن ابى العالية ان المراد بهما صلاة الفجر وصلاة العجر او نزهوا ربكم طرفى النهار وقولوا سبحان الله ولعله كان مأمورا بان يسبح شكرا ويأمر قومه بذلك كما فى الارشاد .
يقول الفقير هو الظاهر لان معنى التسبيح فى هذه الموضع تنزيه الله تعالى عن العجز عن خلق ولد يستبعد وقوعه من الشيخين لان الله على كل شئ قدير وقد ورد فى الاذكار ( لكل اعجوبة سبحان الله ) .
وفى التأويلات النجمية فى قوله { يا زكريا } الى { بكرة وعشيا } اشارة الى بشارات .
منها انه تعالى ناداه باسمه زكريا وهذه كرامة منه . ومنها انه سماه يحيى ولم يعل له من قبل سميا بالصورة والمعنى اما بالصورة فظاهر واما بالمعنى فانه ما كان محتاج الى شهوة من غير علة ولم يهمّ الى معصية قط وما خطر بباله همهما كما اخبر عن حاله النبى عليه السلام وفى قوله { لم نجعل له من قبل سميا } اشارة الى انه تعالى يتولى تسمية كل انسان قبل خلقه وما سمى احد الا بالهام الله كما ان الله تعالى الهم عيسى عليه السلام حين قال { ومبشرا برسول يأتى من بعدى اسمه احمد } وفى قوله { قال رب أنى يكون لى غلام } الآية اشارة الى ان اساب حصول الولد منفية من الوالدين بالعقر والكبر وهى من السنة الالهية فان من السنة ان يخلق الله الشئ من الشئ كقوله { وما خلق الله من شئ } ومن القدرة انه تعالى يخلق الشئ من لا شئ فقال { أنى يكون لى غلاما } اى أمن السنة ام من القدرة فاجابه الله تعالى بقوله { قال كذلك } اى الامر لا يخلو من السنة او القدرة وفى قوله { قال ربك هو على هين } اشارة الى ان كلا الامرين على هين ان شئت ارد عليكما اسباب حصول الولد من القوة على الجماع وفتق الرحم بالولد كما جرت به السنة وان شئت اخلق لك ولدا من لا شئ بالقدرة كما خلقتك من قبل ولم تك شيأ اى خلقت روحك من قبل جسدك من لا شئ بامركن ولهذا قال تعالى { قل الروح من امر ربى } وهو اول مقدور تعلقت القدرة به : وفى المثنوى(7/477)
آب از جوشش همى كردد هوا ... وان هوا كردد ز سردى آبها
بلكه بى اسباب بيرون زين حكم ... آب رويانيد تكوين از عدم
تو زطفلى جون سببها ديده ... در سبب از جهل بر جفسيده
{ يا يحيى } على ارادة القول اى ووهبنا له يحيى وقلنا له يا يحيى .
قال الكاشفى [ القصة سه روز بدين منوال كذشت بس بحال خود آمد ويحيى عليه السلام بعد از مضى مدت حمل متولد شد ودر كودكى بلاس يوشيده باحبار در عبادت بطريق رياضت موافقت مى نمود تا وقتى كه وحى بدو فرود آمد وازحق سبحانه وتعالى خطاب رسيد كه يا يحيى ]
{ خذ الكتاب } اى التوراة { بقوة } بجد واستظهار التوفيق والتأييد .
قال فى الجلالين اى اعطيتكها وقويتك على حفظها والعمل بما فيها . قال المولى الجامى فى شرح الفصول لولا امداد الحق زكريا وزجته بقوة غيبية ربانية خارجة عن الاسباب المعتادة ما صلحت زوجته ولا تيسر لها الحمل ثم انه كما سرت تلك القوة من الحق فى زكريا وزوجته تعدت منهما الى يحيى ولذلك قال له الحق { يا يحيى خذ الكتاب بقوة } .
قال فى الاسئلة المقحمة أى دليل فيها على المعتزلة الجواب انه دليل على ان الاسم والمسمى واد لانه تعالى قال { اسمه يحيى } ثم نادى الشخص فقال { يا يحى } { وآتيناه الحكم } حال كونه { صبيا } . قال ابن عباس الحكم النبوة استنبأه الله تعالى وهو ابن ثلاث سنين او سبع وانما سميت النبوة حكما لان الله تعالى احكم عقله فى صباه واوحى اليه .
وقيل الحكم الحكمة وفهم التوراة والفقه فى الدين فهو بمعنى المنع ومنه الحاكم لانه يمنع الظالم من الظلم والحكمة ما يمنع الشخص من السفه - روى - انه دعاه الصبيان الى اللعب فقال ما للعب خلقنا .
قال الكاشفى { درين سخن بندى عظيم است بيخبران بازيجه كاه غفلت را كه عمر عزيز ببازى ميكندرانند وبدام فريب { انما الحياة الدنيا لعب ولهو } مقيد شد اند ]
عمر ببازيجه بسر ميبرى ... بابى باندازه بدر ميبرى
به كه زبازئ جهان باكشنى ... طفل نه جند ببازى خوشى
يقول الفقير مثل يحيى عليه السلام فى هذه الامة المرحومة الشيخ العارف المحقق سهل بن عبد الله التسترى قدس سره فانه تم له امر السلوك من ثلاث سنين الى سبع سنين كما سمعت من شيخى وسندى روح الله روحه يعنى وقع له الانكشاف والالهام وظهر له الحال التام وهو ابن ثلاث سنين فكان ما كان الى سبعة فسبحان اقادر وهذا من لطافة الحجاب واما من كان كشيف الحجاب فيحتاج فى ازالته الى مجاهدات شاقة فى مدة طويلة .
واعلم ان روح الكامل سريع التعلق ببدنه يعنى ان مادة النطفة تصل سريعا الى الابوين فيحصل العلوق والولادة على احسن وصف وفى اعدل زمان فيجيئ الولد غالبا عليه احكام الوجوب اللهم اعنا على ازالة الحجب الظلمانية والنورانية واجعلنا مكاشفين للانوار الربانية .(7/478)
وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13)
{ وحنانا من لدنا } عطف على الحكم وتنوينه للتفخيم وهو التحنن والاشتياق يقال حنّ اى ارتاح اواشتاق ثم استعمل فى العطف والرأفة اى وآتيناه رحمه عظيمة عليه كائنة من جنابنا او رحمة فى قلبه وشفقة على ابويه وغيرهما { وزكاة } اى طهار من الذنوب .
قال الامام لم تدعه شفقته الى الاخلال بواجب لان الرأفة بما اورثت ترك الواجب ألا ترى الى قوله تعالى { ولا تأخذكم بها رأفة فى دين الله } فالمعنى جمعنا له التعطف عليهم مع الطهار عن الاخلال بالواجبات انتهى . او صدقة اى تصدق الله به على ابويه او وفقناه للتصدق على الناس { وكان تقيا } مطيعا متجنبا عن المعاصى لم يعمل خطبته ولم يهم بها قط .(7/479)
وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14)
{ وبرّا بوالديه } عطف على تقيا اى بارّا بهما لطيفا بهما محسنا اليهما { ولم يكن جبارا عصيا } متكبرا عاقلهما او عاصيا لربه .
قال فى بحر العلوم الجبار المتكبر وقيل هو الذى يضرب ويقتل على الغضب لا ينظر فى العواقب وقيل هو المتعظم الذى لا يتواضع لامر الله .(7/480)
وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15)
{ وسلام } سلامة من الله تعالى وامان { عليه } على يحيى اصله وسلمنا عليه فى هذه الاحوال وهى اوحش المواطن لكن نقل الى الجملة الاسمية للدلالة على ثبات السلام واستقراره فان وحشتها لا تكاد تزول الا بثبات الاسلام فيها ودوامه { يوم ولد } من رحم امه من طعن الشيطان كما يطعن سائر بنى آدم { ويوم يموت } بالموت الطبيعى من هو الموت وما بعده من عذاب القبر { ويوم يبعث } حال كونه { حيا } من هول القيامة وعذاب النار .
وفيه اشارة الى الولادة من ام الطبيعة والموت بالفناء عن مقتضيات الطبيعة فى الله والبعث بالبقاء بعد الفناء .
وقال ابن ابى عيينة اوحش ما يكون الانسان فى هذه الاحوال يوم ولد فيخرج مما كان ويوم يموت فيرى قوما لم يكن عاينهم ويوم يبعث فيرى نفسه فى محشر لم ير مثله فخص يحيى بالسلام فى هذه المواطن .
واعلم ان زكريا اشارة الى الروح الانسانى وامرأته الى الجثة الجسدانية التى هى زوج الروح ويحيى الى القلب وقد استبعد الروح بسب طول زمان التعلق بالقالب ان يتولد له قلب قابل لفيض الالوهية بلا واسطة كما قال ( لا يسعنى ارضى ولا سمائى ولكن يسعنى قلب عبدى المؤمن ) وهو الفيض الازلى لم يؤت لواحد من الحيوانات والملائكة كام قال المولى الجامى
ملائكة را جه سود از حسن طاعت ... جو فيض عشق بر آدم فرو ريخت
ما بشر بولادة القلب المصوف بما ذكر طلب آية يهتدى بها الى كيفية حمل القالب العاقر بالقلب الحيى الذى حيى بنور الله تعالى قال { آيتك ان لا تكلم الناس } اى لا تخاطب غير الله ولا تلتفت الى ما سوى الله ثلث ليال وبها يشير الى مراتب ما سوى الله وهى ثلاث الجمادات والحيوانات والروحانيات فاذا تقرب الى الله تعالى بعدم الالتفات الى ما سواه يتقرب اليه بموهبة الغلام الذى هو القلب الحى بنوره فخرج زكريا الروح من محراب هواه وتبعه على قوم صفات نفسه وقلبه وانانيته فقال كونوا متوجهين الى الله معرضين عما سواه آناء الليل واطراف النهار بل بكرة الازل وعشىّ الابد فلام ولد له يحيى القلب قيل له يا يحيى خذ كتاب الفيض الالهى بقوّة ربانية لا بقوّة انسانية لانه خلق الانسان ضعيفا وهو عن القوة بمعزل وان الله هو الرزاق ذو القوّة المتين فجاء صاحب علم وحكمة ورحمة وطهاره من الميل الى ما سوى الله واتقاء { وبرّا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا } كالنفس الامارة بالسوء اما بره بوالد الورح فتنويره بنور الفيض الالهى اذ هو محل قبول الفيض لان الفيض الالهى وان كان نصيب الروح اولا ولكن لا يمسكه للطافة الروح بل يعبر عنه الفيض وقبله القلب وسكه لان فيه صفاء وكثافة فبالصفاء يقبل الفيض فتقبل فيضها بصفائها وتمسكه لكثافتها وهذا أحد اسرار حمل الامانة التى حملها الانسان ولم تحملها الملائكة واما برّه بوالدة القالب فباستعمالها على وفق اوامر الشرع ونواهيه لنجبيها من عذاب القبر ويدخلها الجنة كذا فى التأويلات النجمية باختصار .(7/481)
قال بعض الاولياء كنت فى تيه بنى اسرائيل فاذا رجل بماشينى فتعجبت منه والهمت انه الخضر فقلت له بحق الحق من انت قال انا اخوك الخضر فقلت له اريد ان اسألك قال سل قلت بأى وسيله رأيتك قال ببرك امك كما فى المقاصد الحسنة للامام السخاوى .
فعلى العاقل ان يكون بارا بوالديه مطلقا انفسيين او افاقيين فان البر يهدى الى الجنة ودار الكرامه ويبشر فى شدائد الاحوال بالامن والامان وانواع السلامة .(7/482)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16)
{ واذكر } يا محمد للناس { فى الكتاب } اى القرآن او السورة الكريمة فالها بعض من الكتاب فصح اطلاقه عليها { مريم } على حذف المضاف اى خبر بنت عمران وقصتها فان الذكر لا يتعلق بالاعيان ومريم بمعنى العابدة قال بعض العلماء فى حكمة ذكر مريم باسمها دون غيرها من النساء ان الملوك والاشراف لا يذكرون حرارهم فى ملأ ولا يبتذلون اسماءهن بل يكنون عن الزوجة بالعرس والعيال والاهل ونحو ذلك فاذا ذكروا الاماء لم يكنوا عنهن ولم يصونوا اسماءهن عن الذكر والتصريح بها فلما قالت النصارى فى حق مريم ما قالت وفى انبها صرح الله تعالى باسمها ولم يكنّ عنها تأكيد للاموّة والعبودية التى هى صفة لها واجراء للكلام على عادة العرب فى ذكر امائها ومع هذا فان عيسى عليه السلام لا اب له واعتقاد هذا واجب فاذا تكرر ذكره منسوبا الى الام استشعرت القلوب ما يجب عليها اعتقاده من نفى الاب عنه وتنزيه الام الطاهرة عن مقالة اليهود لعنهم الله تعالى كذا فى التعريف والاعلام للامام السهيلى .
وقال فى اسئلة الحكم سميت مريم فى القرآن باسمها لانها اقامت نفسها فى الطاعة كالرجل الكامل فذكرت باسمها كما يذكر الرجال من موسى وعيسى ونحوهما عليهم السلام وخوطبت كما خوطبا الانبياء كما قال تعالى { يا مريم اقنتى لربك واسجدى واركعى مع الراكعين } ولذا قيل بنبوتها { اذا انتبذت } ظرف لذلك المضاف من النبذ وهو الطرح والانتباذ افتعال منه { من اهلها } من قومها متعلق بانتبذت { مكانا شرقيا } مفعول له باعتبار ما فى ضمنه من معنى الاتيان .
قال الحسن ومن ثمة اتخذ النصارى المشرق قبلة كما اتخذ اليهود المغرب قبلة لان الميقات وايتاء التوراة واقعا فى جانب الجبل الغربى كما قال تعالى { وما كنت بجانب الغربى اذ قضينا الى موسى الامر } والمعنى حين اعتزلت وانفردت وتبادعت من قومها وأتت مكانا شرقيا من دار خالتها ايشاع زوجة زكريا فان موشعها كان المسجد فاذا حاضت تحولت الى بيت خالتها واذا طهرت عادت الى المسجد فاحتاجت يوما الى الاغتسال وكان الوقت وقت الشتاء فجاءت الى ناحية شرقية من الدار وموضع مقابل للشمس .(7/483)
فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)
{ فاتخذ من دونهم } اى ارخت من ادنى مكان اهلها .
قال الكاشفى [ از بيش ايشان يعنى ازسوى ايشان ] { حجابا } سترا تتستر به . قال الكاشفى [ برده كه مانع باشد ازديدن ] فبينما هى فى مغتسلها وقد تطهرت ولبست ثوبها اناها الملك فى صورة آدمى شاب امرد وضيئ الوجه جعد الشعر وذلك قوله تعالى { فارسلنا اليها روحنا } اى جبريل فانه كان روحانيا فاطلق عليه الروح للطافته مثله ولان الدين يحيى به .
وقال بعض الكبار جبرائيل هو الروح حقيقة باعتبار حقيقته المجردة مجازا باعتبار صورته المثالية من خصائص الارواح المجردة التى من صفاتها الذاتية الحياة ومن شأنها التمثل بالصور المثالية لانها لا تمس شيأ فى حال تمثلها الا حى ذلك الشئ وسرت منه الحياة فيه ولذا قبض السامرى قبضة تراب من اثر براق جبرائيل فنبذها فى صورة العجل المتخذة من حلى القوم فخار العجل بسراية الحياة فيه وقيل سماه روحا مجازا محبة له وتقريبا كقولك انت روحى لمن تحب { فتمثل لها } [ بس متمثل شد جبريل براى مريم ] يعنى فتشبه لاجلها فانتصاب قوله { بشرا } على انه مفعول به { سويا } تام الخلق كامل البينة لم يفقد من حسان نعوت الآدمية شيأ وذلك لتستأنس بكلامه وتتلقى اليها من كلماته تعالى اذ لو بدا لها على الصورة الملكية لنفرت منه ولم تستطع استماع كلامه ولانه جاء للنفخ المنتج للبشر فتمثل بشرا ولو جاء على صورة الملك لجاء عيسى على صورة الروحانيين كما لا يخفى .
وفيه اشارة الى ان القربان بعد الطهر التام اطهر والولد اذن انجب فافهم .
وفى التأويلات الروح هو نور كلمة الله التى يعبر عنها بقوله كن وانم سمى نور كلمته روحا لانه به يحيى القلوب الميتة كما قال { أومن كان ميتا فاحييناه } الآية فتارة يعبر عن الروح بالنور وتارة يعبر عن النور بالروح كقوله { وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا } الآية فارسل الله الى مريم نور كلمة كن فتمثل لها بشرا سويا كما تمثل نور التوحيد بحروف لا اله الا الله والذى يدل على ان عيسى من نور الكلمة قوله تعالى { وكلمته القاها الى مريم وروح منه } اى نور من لقائه فلما تمثلت الكلمة بالبشر انكرتها مريم ولم تعرفها فاستعاذت بالله منه .(7/484)
قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)
{ قالت انى اعوذ بالرحمن منك } يا شاب ذكره تعالى بعنوان الرحمانية للمبالغة فى العياذ به تعالى واستجلاب آثار الرحمة الخاصة التى هى العصمة مما دهمها .
قال فى الكشاف دل على عفافها وورعها انها تعوذت بالله من تلك الصورة الجميلة { ان كنت تقيا } تتقى الله وبتالى بالاستعاذة به وجواب الشرك محذوف ثقة بدلالة السياق عليه اى فانى عائدة به .
وقال الكاشفى [ يعنى تومتقى ومتورعى من ازتوبرهيز ميكنم وبناه بحق ميبرم فكيف كه جنين نباشى ] .
قال الشيخ قى تفسيره وانما قالت ذلك لان التقى يتعظ بالله ويخاف والفاسق يخوف بالسلطان والمنافق يخوف بالناس كما قال فى التأويلات النجمية يعنى انك ان كنت تقيا من اهل الدين تعرف الحرمن فلا تقربنى بعوذى به وان كنت شقيا لا تعرف الرحمن فاتعوذ منك بالخلق فاجابها { قال انما انا رسول ربك } يريد انى لست ممن يتوقع منه ما توهمت من الشر وانما انا رسول ربك الذى استعذت به { لاهب لك غلاما } اى لا كون سببا فى هبته بالنفخ فى الدرع { زكيا } طاهرا من الذنوب ولوث الظلمة النفسانية الانسانية .(7/485)
قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21)
{ قالت } استبعادا ظاهرا اى متعجبة من حيث العادة لا مستبعدة من حيث القدرة { أنى يكون لى } [ جكونه بودمرا ] { غلام } كما وصف { ولم يمسسنى بشر } اى والحال انه لم يباشرنى بالنكاح رجل فان المس كناية عن الوطئ الحلال اما الزنى فانما يقال خبث بها او فجر او زنى وانما قيل بشر مبالغة فى بيان تنزهها عن مبادى الولادة { و } الحال انه { لم أك بغيا } فعول بمعنى الفاعل اصله بغويا .
قال الشيخ فى تفسيره ولم يقل بغية لانه وصف غالب على المؤنث كحائض اى فاجرة تبغى الرجال . وبالفارسية [ زنا كار وجوينده فجور ] يريد نفى الوطئ مطلقا وان الولد اما من النكاح الحلال او الحرام اما الحلال فلانها لم يمسها بشر واما الحرام فلانها لم تك بغيا فاذا انتفى السببان جميعا انتفى الولد .
وفى التأويلات النجمية { ولم يمسسنى بشر } قبل هذا { ولم اك بغيا } ليمسسنى بشر بعد هذا بالزنى او بانكاح لانى محررة محرم على الزوج { قال كذلك } اى الامر كما قلت . وبالفارسية [ يعنى جين است كه توميكوبى هيج كس بنكاح وسفاح ترامس نكرده است ] فاما { قال ربك } الى ارسلنى اليك { هو } اى ما ذكرت من هبة الغلام من غير ان يمسك بشر اصلا { على } خاصة { هين } يسير وان كان مستحيلا عادة لما انى لا احتاج الى الاسباب والوسائط .
وفى التأويلات النجمية { قال كذلك } الذى تقولين ولكن { قال ربك هو على هين } ان اخلق ولدا من غير ماء منىّ والد فانى اخلقه من نور كلمة كن كما قال تعالى { ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون } { ولنجعله } اى ونفعل ذلك لنجعل وهب الغلام { آية للناس } وبرهانا يستدلون بها على كمال قدرتنا قالوا واعتراضية او لنبين به عظم قدرتنا ولنجعله الخ .
وفى التأويلات النجمية { آية } اى دلالة على قدرتى بانى قادر على ان اخلق ولدا من غير اب كما انى خلقت آدم من غير اب وام وخلقت حواء من غير ام { ورحمة } عظيمة كائنة { منا } عليهم يهتدون بهدايته ويسترشدون بارشاده وبين قوله { ورحمة منا } وقوله { يدخل من يشاء فى رحمته } فرق عظيم وهو انه تعالى اذا ادخل عبدا فى رحمته يرحمه ويدخله عليه السلام { وما ارسلناك الا رحمة للعالمين } ابدا اما فى الدنيا فبان لا ينسهخ دينه واما فى الآخرة فإن يكون الخلق محتاجين الى شفاعته حتى ابراهيم عليه السلام فافهم جدا كذا فى التأويلات النجمية { وكان } خلقه بلا فحل { امر مقضيا } قضيت به فى سابق علمى وحكمت بوقوعه لا محالة فيمتنع خلافه فلا فائدة فى الحزن وهو معنى قوله « من عرف سر الله فى القدر هانت عليه المصائب » يقول الفقير وذلك ان العلم تابع للمعلوم فكل ما يقتضيه من الاحوال فالله تعالى يظهره بحكمته وخلق عيسى عليه السلم على الصفة المذكورة كان فى الازل بمقضتى الحكمة القديمة مقدرا فجميع الاعيان وما يتبعها من الاحوال المختلقة داخلة تحت الحكمة فمن كوشف عن سر هذا المقام هانت عيله المصائب والآلام اذ كل ما نبت فى مزرعة الوجود الخارجى فهو من بذر الحكم الازلى على حسب تفاوت الاستعدادات كتفاوت المزارع فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه : قال الحافظ(7/486)
نمى كنم كله ليكن ابر رحمت دوست ... بكشت زار جكر تشنكان ندادنمى
اى لا اشتكتى من هذا المعنى فانه من مقتضى ذاتى : وقال
درين جمين مكنم سرزنش بخود رويى ... جنانكه برورشم ميدهند وميرويم
اى لا تثريب علىّ فى هذا المعنى فانه من قضاء الله تعالى .
قال الامام الو القاسم القشيرى قدس سره سمعت استاذ ابا على الدقاق يقول فى آخر عمره وقد اشتدت به العلة من امارات التأبيد حفظ التوحيد فى اوقات الحكم ثم قال كالمفسر لفعله مفسرا لما كان فيه من حاله هو ان يقرضك بمقاريض القدرة فى امضاء الاحكام قطعة قطعة وانت شاكر حامد انتهى .
فقصة مريم من جملة احكام الله تعالى ولذا عرفت الحال لانها كانت صديقة وصبرت على اذى القوم وشماتتهم وفى الحديث « اذا احب الله عبدا ابتلاه فان صبر اجتباه وان رضى اصطفاه » فالواجب على العبد الحمد على البلية لما تضمنته من النعمة فان فقد فالصبر وكلاهما من طريق العبودية واذا وقف مع الجزعة المستفادة من وجود الشفقة على نفسه فهو من غلبة الهوى .
قال احمد بن حضرويه قدس سره الطريق واضح والدليل لائح والداعى قد اسمع فما التحير بعد هذا الام من العمى وفى الحديث خطابا لابن عباس رضى الله عنهما ( ان استطعت ان تعمل لله بالرضى فى اليقين فافعل والا ففى الصبر على ما تكره خير كثير ) .
قال فى شرح الحكم العطائية ثم اذا تأملت ظهر لك ان التحقق بالمعرفة منطو فى وجود البلايا اذ ليست المعرفة الا بتحقيق اوصافه تعالى حتى يفنى فى اوصافه كل شئ من وجودك فلا يبقى لك عز زع عزه ولا غنى مع غناه ولا قدرة مع قدرته ولا قوة مع قوته وهذا يتحقق لك بوجود البلية اذ هى مشعرة بقهر الربوبية فافهم هذا وفقنا الله واياكم للتحقق بحقيقة الحال والتمكن فى مقام الصبر والحمد على جميع الاحوال : وفى المثنوى
صدهزاران كيما حق آفريد ... كميايى همجو صبر آدم نديد
وذلك لان بالبلاء تحترق الاوصاف الرديئة الخلقية وبالصبر يحصل الاخلاق الالهية والصفات الحقية .(7/487)
فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22)
{ فحملته } قال ابن عباس رضى الله عنهما فاطمأنت مريم الى قول جبريل فدنا منها فنفخ فى جيب درعها فوصلت النفخة الى بطنها فحملت عيسى عقيب النفخ .
يقول الفقير وصول النفخ الى الجوف لا يحتاج الى منفذ من المنافد كالفهم ونحوه ألا ترى ان الروح حين دخل جسد آدم دخل من اليافوخ وهو سط الرأس اذا اشتد وقبل اشتداده كما فى رأس الطفل يقال له الفادية بالفاء ثم نزل الى العينين ثم الى الفم ثم الى سائر الاعضاء .
واعلم ان لعيسى عليه السلام جهة جسمانية وجهة روحانية واحدية جمع للجهتين فاذا نظر الى جهة الجسمانية يظن انه تكون من ماء مريم واذا نظر الى جهة الروحانةية وآثرها من احيا ءالموتى وخلق الطير من الطين يحكم انه من نفخ جبريل واذا نظر الى احدية جمعها يقال انه تكون منها فالتحقيق ان الملك لما تمثل لها بشرا سيوا نزل الماء منها الى الرحم لشدة اللذة بالنظر اليه فتكون عيسى من ذلك الماء المتولد عن النفخ الموجب للذة منها فهو من ماء امه فقط خلافا للطبيعيين فانهم ينكرون وجود الولد من ماء احد الزوجين دون الآخر .
فان قلت قد ثبت ان ماء الرجل يكون من العظم والعصب وماء المرأة يكون من اللحم والدم فكيف جاء عيسى مركبا من هذه الاجزاء .
قلت خروجه على الصورة البشرية كامل الاجزاء انما هو من اجل امه لان ماءها محقق ومن اجل تمثل جبريل فى صورة البشر فانه انما مثل فى صورة البشر حتى لا يقع التكوين فى هذا النوع الانسانى الا على الحكم المعتاد الذى جرت به العادة غالبا وهو تولده من شخصين انسانين وقد توهمت فى النفخ الماء فحصل الماء الموهم ايضا وجود بعض الاشياء قد يترتب على توهمه كترتب السقوط عن الجذ على توهمه ولاجل تكونه من نفخ جبريل طالبت اقامته فى صورة البشر لان للارواح صفة البقاء - روى - ان مولد عيسى عليه السلام كان قبل مولد نبينا عليه السلام بخمسمائة وخمس وخمسين سنة وقد بقى بعد وسينزل ويدعو الناس الى دين نبينا عليه السلام .
قال بعض الكبال لو لم يتمثل جبريل عند النفخ بالصورة البشرية لظهر عيسى على صورة الروحانيين ولو نفخ فيها وقت الاستعاذة على الحالة التى كانت عليها من تحرجّ صدرها وضجرها لتخيلها انه بشر يريد مواقعتها على وجه لا يجوز فى الشرائع لخرج عيسى بحيث لا يطيقه احد لشكاسة خلقه اى رداءه لسراية حال امه فيه لان الولد انما يتكوّن بحسب ما غلب على الوالدين من المعانى النفسانية والصورة الجسمانية .
نقل فى الاخبار ان امرأة ولدت ولدا صورته صورة البشر وجسمه جسم الحية فلما سئلت عنها اخبرت انها رأت حية عند المواقعة .(7/488)
وان امرأة ولدت ولدا له اعين اربع ورجلاء كرجل الدب وكانت قبطية جامعها زوجها وهى ناظرة الى دبين كانا عند زوجها فلما قال لها جبريل { انما انا رسول ربك } جئت من عنده { لاهب لك غلاما زكيا } ابنسطت عن ذلك القبض لما عرفت انه مرسل اليها من عند ربها وانشرح صدرها لما تذكرت بشارة ربها اياها بعيسى { اذ قالت الملائكة يا مريم ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها فى الدنيا والآخرة ومن المقربين } فنفخ فيها فى حين الانبساط والانشراح فخرج عيسى منبسطا منشرح الصدر لسراية حال امه فيه . ولذا قالوا يتفكر عند الجماع الاقوياء ويمثل بين عينيه صورة رجل على احسن خلقة واقوم جثة وافضل خلق واكمل حال قالوا حملته وسنها وقتئذ ثلاث عشرة سنة وقد حاضت حيضتين قبل ان تحمل . واختلف فى مدة حملها كما اختلف فى مدة حمل آمنة والدة النبى عليه السلام . ففى رواية عن ابن عباس كانت مدة الحمل والولادة ساعة واحدة وجعله بعضهم اصلح لان عيسى كان مبدعا ولم يكن من نطفة يدور فى ادوار الخلقة ويؤيده عطف قوله { فانتبذت به } بالفاء التعقيبية .
يقول الفقير القول بان مثل هذه الفاء قد يدل على ترتيب الحكم وعدم تكونه من نطفة ظاهر الطبلان لانه من ماء محقق وماء متوهم كما سبق وكونه من المبدعات بلا سبب ظاهر لا يستلزم ان يكون جميع احواله بطريق خرق العادة .
وفى رواية اخرى عنه كانت تسعة اشهر كحمل اكثر النساء اذ لو كان اقل لذكرههنا فى جملة مدائحا وقيل ثمانية ولم يعش مولود وضع لثمانية الا عيسى وكان ذلك آية اخرى .
قال الحكماء فى بيان سبب ذلك ان الولد عند استكماله سبعة اشهر يتحرك للخروج حركة عنيفة اقوى من حركته فى الشهر السادس فان خرج عاش وان لم يخرج استراح فى البطن عقيب تلك الحركة المضعفة فلا يتحرك فى الشهر الثامن ولذلك تقل حركته فى البطن فى ذلك الشهر فاذا تحرك للخروج وخرج فقد ضعف غاية الضعف فلا يعيش لاستيلاء حركتين مضعفتين له مع ضعفه .
وفى كلام الشيخ محيى الدين بن العربى قدس سره لم ار للثمانية صورة فى نجوم المنازل ولهذا كان المولود اذا ولد فى الشهر الثامن يموت ولا يعيش وعلى فرض ان يعيش يكون معلولا لا ينتفع بنفسه وذلك لان الشهر الثامن يغلب فيه على الجنين البرد واليبس وهو طبع الموت { فانتبذت به } الباء للملابسة والجار والمجرور فى حيز النصل على الحالية اى فاعتزلت ملتبسة به اى وهو فى بطنها كقوله تنبت بالدهن اى تنبت ودهنها فيها { مكان قصيا } مفعول انتبذت على تضمين معنى الاتيان كما سبق اى اتت مكانا بعيدا من اهلها .(7/489)
قال الكاشفى { مكانى دورزشهرايليا كويند بكوهى رفت درجانب شرقى ازشهر يابوادى بيت لحم كه شش ميل دور بود از ايليا ] وعن انس رضى الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث الاسراء « فقال لى جبريل انزل فصلى فصليت فقال أتدرى اين صليت صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى ابن مريم » وهو حديث صحيح او حسن رواه النسأى والبيهقى فى دلائل النبوة او اقصى الدار وهو الانسب لقصر مدة الحمل كما فى الارشاد .
وقال فى قصص الانبياء لما دنت ولادة مريم خرجت فى جوف الليل من منزل زكريا الى خارج بيت المقدس واحبت ان لا يعلم بها زكريا ولا غيره .(7/490)
فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23)
{ فاجاءها } تعدية جاء بالهمزة اى جاء بها واضطرها { المخاض } وجع الولادة . وبالفارسية [ درد زادن ] يقال مخضت المرأة اذا تحرك الود فى بطنها للخروج { الى جذع النخلة } لتستتر به وتعتمد عليه عند الولادة اذ لم يتكن لها قابلة تعينها .
وقال فى القصص رأت نخلة يابسة فى جوف الليل فجلست عند اصلها .
وفى التأويلات النجمية { فاجاءها المخاض الى جذع النخلة } لاظهار المعجزة فى الجذع النتهى .
والجذع ما بين العرق والغصن اى اسفلها ما دون الرأس الذى عليه الثمر وكانت نخلة يابسة لا رأس لها ولا خضرة وكان الوقت شتاء ولعله تعالى الهمها ذلك ليريها من آياته ما يسكن روعتها فان النخلة باليابسة التى لا رأس لانه قد اثمرت فى الشتاء وهى اقل شئ صبرا على البرد وثمرها انما هو من جمارها بعد اللقاح والجمار رأس النخلة وهو شئ ابيض لين وليطعمها الرطب الذى هو خرست النفساء الموافقة لها والخرسة بالتاء طعام النفساء وبدونها طعام الولادة { قالت يا ليتنى مت } [ كفت كاشكى من مردمى ] وهو بكسر الميم من مات يمات كخفت وقرئ بصمها من مات يموت { قبل هذا } اليوم او هذا الامر كما فى الجلالين وانما قالته مع انها كانت تعلم ما جرى بينهما وبين جبريل من الوعد الكريم استحياء من الناس على حكم العادة البشرية لا كراهة لحكم الله وخوفا من ملامتهم وحذرا من وقوع الناس فى المعصية بما تكلموا فيها او جريا على سنن الصالحين عند اشتداد الامر عليهم كما روى عن عمر رضى الله عنه انه اخذ نبتة من الارض فقال يا ليتنى هذه النبتة ولم اكن شيأ وعن بلال انه قال ليست بلالا لم تلده امه
فقولى تارة يا رب زدنى ... واخرى ليت امى لم تلدنى
وفى التأويلات النجمية { قبل هذا } اى قبل هذا الحمل فانه بسبب حملى وولدى يدخل الله النار خلقا عظيما لان بعضهم يتهمنى بالزنى وبضعهم يتهم ولدى بابن الله { وكنت } [ وبودمى ] { نسيا } شيأ حقيرا شانه ان ينسى ولا يغتد به اصلا { منسيا } لا يخطر ببال احد من الناس وهو نعت للمبالغة .
وفى التأويلات { نسيا منسيا } فى العدم لا يذكرنى الله بالايجاد .
وقال الكاشفى [ يعنى هيجكس مراند انستى وازن حساب نداشتى وجال آنكه همه اخبار بيت المقدس مرا مى شناسندكه دختر امام ايشانم در كفالت زكريا بوده ام وهنوز بكارت من زائل نشده وشوهرى نكرده ام واكنون فرزند مى زايم وازخجالت آن حال نمى دانم جه كنم ]
هرجند بروى كار درمبتكرم ... محنت زده جوخود نمى بينم من(7/491)
فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24)
{ فناداها } اى جبرائيل حين مسع جزعها لان عيسى لم يتكلم حتى اتت به قومها { من تحتها } من مكان اسفل منها تحت الا كمة .
وقال فى القصص من تحت النخلة . وفى الاسئلة المقحمة قرئ بفتح الميم يعنى به عيسى لما خرج من البطن نادها { ان لا تحزنى } ان مفسرة بمعنى اى لا تحزنى بولادة عيسى وبمكان القحط [ وتمناى مرك مكن ] او مصدرية على حذف الباء تقديره بان لا تحزنى . والحزن غم يلحق لوقوعه من فوات نافع او حصول ضار { قد جعل ربك تحتك } اى فى مكان اسفل منك { سريا } نهرا صغيرا على ما فسره النبى عليه السلام .
قال ابن عباس رضى الله عنهما ان جبريل ضرب برجله الارض فظهرت عين ماء عذب فجرى جدولا .
وقال بعض ارباب الحقيقة انبأ عيسى عن نبوته فى المهد بقوله { آتانى الكتاب وجعلنى نبيا } وفى بطن امه بقوله { لا تحزنى قد جعل ربك تحتك سريا } اى سيدا على القوم بالنبوة انتهى .
فيكون من السرو وهو السؤدد .(7/492)
وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25)
{ وهزى } هز الشئ تحريكه الى الجهات المتقابلة تحريكا عنيفا متداركا والمراد ههنا ما كان منه بطريق الجذب والدفع لقوله { اليك } اى الى جهتك { بجذع النخلة } الباء صلة للتأكيد كما فى قوله تعالى { ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة } قال الفراء قتول العرب هزه وهز به { تساقط } اى تسقط النخلة { عليك } اسقاطا متواترا حسب تواتر الهز { رطبا } [ خرماى تازه ] { جنيا } وهو ما قطع قبل يبسه فعيل بمعنى مفعول اى رطبا مجنيا اى صالحا للاجتناء قد بلغ الغاية .
قال فى الاسئلة المقحمة كيف امرها بهز النخلة ههنا وقبل ذلك كان زكريا يجد رزقها فى المحراب فالجواب انها فى حالة الطفولية كانت بلا علاقة اوجبت العناء والمشقة .
وقال فى اسئلة الحكم ما الحكمة فى امرها بالهز قيل لانها تعجبت من ولد بغير اب فاراها الرطب من نخل يا بس آية منه تعالى كيلا تتعجب منه . واما سر كون الآية فى النخلة فلانها خلقت من طينة آدم وفيها نسبة معنوية لحقيقة الانسانية دجون غيرها لعدم حصولها بغير زوج ذكر يسمى بالتأبير وقال لم اجرى الله النهر بغير سعى مريم ولم يعطها الطرب الا بسعيها قيل لان الرطب غذاء وشهوة ولماء سبب للطهارة والهدمة وقيل ثمرة الرطب صورة العمل الكسبى والماء صورة سر الفيض الالهى فاجرى كل شئ فى منزله ومقامه لان كل كرامة صورة عمل السالك اذا تحقق وتخلق به وقيل جرت عادة الله تعالى فى الطرب باسباب التعمل كالغرس والسقى والتأبير والماء ليس له سبب ارضى بل هو وهبى سماوى ولذا اجرى النهر لمريم بغير سببز(7/493)
فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)
{ فكلى } من ذلك الرطب { واشربى } من ماء السرى وكان ذلك ارهاصا لعيسى او كرامة لامه وليس بمعجزة لفقد شرطها وهو التحدى كما فى بحر العلوم .
قال الامام فى تفسيره قدم الاكل لان حاجتها اليه اشد من حاجتها الى الماء لكثرة ما سال منها من الدماء . فان قيل مضرة الخوف اشد لانه الم الروح والجوع والعطش الم البدن ونقل انه اجيع شاة ثم قدم اليها العلف وربط عندها ذئب فلم تأكل ثم ابعد الذئب وكسر رجلها فتناولت فدل على ان الم الخوف اشد فلم اخر الله سبحانه دفع ضرره . قلنا كان الخوف قليلا لبشارة جبريل فلم يحتج الى التكذير مرة اخرى انتهى .
قالوا التمر للنفساء عادة من ذلك الوقت وكذلك التحنيك وهو بالفارسية [ كام كودك بماليدن ] يقال حنك الصبى مضغ تمرا او غيره فدلكه بحنكه وقالوا كان من العجوة وهى بالحجاز ام التمر كما فى القاموس وفى الحديث « اذا ولدت امرأة فليكن اول ما تأكل الرطب فان لم يكن رطب فتمر فانه لو كان شئ افضل منه لاطعمه الله تعالى مريم بنت عمران حين ولدت عيسى »
قال الربيع بن خيثم ما للنفساء عندى خير من الرطب ولا للمريض خير من العسل { وقرى عينا } وطيبى نفسا وارفضى عنها ما احزنك واهمك فان لله تعالى قد نزه ساحتك بالخوارق من جرى النهر واخضرار النخلة اليابسة واثمارها قبل وقتها لانهم اذا رأوا ذلك لم يستبعدوا ولادة ولد بلا فحل واشتقاقه من القرار فان العين اذا رأت ما يسر النفس سكنت اليه من النظر الى غيره يقال اقر الله عينيك اى صادف فؤادك ما يرضيك فيقر عينك من النظر الى غيره .
قال فى القاموس قرت عينه تقر بالكسر والفتح قرة ويضم وقرورا بردت وانقطع بكاؤها اورأت ما كانت متشوفة اليه انتهى .
او من القر بالضم وهو البرد فان دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة ولذلك يقال قرة العين وسخنة العين للمحبوب والمكروه .
وقال الكاشفى [ وقرى عينا وروشن ساز جشم را بفرزندياخود بسبز شدن درخت وبر دادن او كه مناسبت باحال تو دارد جه آنكه قادراست براظهار خرما از درخت يابس قدرت دارد برايجاد ولد ازمادر بى بدر وحق سبحانه ملائكة فرستاد تابكرد مريم در آمدند وجون عيسى عليه السلام متولد شد اورا فرا كرفته بشستند ودرحرير بهشت بيجيده دركنار مريم نهادند ] قالوا ما من مولود يستهل غيره [ وندا رسيدا ] { فاما ترين من البشر احدا } اى فان ترى آدميا كائنا من كان وما مزيدة لتأكيد معنى الشرط وهى بمنزلة لام القسم فى انها اذا دخلت على الفعل دخلت معها النون المؤكدة { فقولى } له ان استنطقك اى سألك على ولدك [ يعنى برسند اين فرزند از كجاست ] ولامك عليه { انى نذرت } اوجبت على نفسى { للرحمن صوما } اى صمتا او صياما وكان صيام المجتهدين من بنى اسرائيل بالامساك عن الطعام والكلام حتى يمسى وقد نسخ فى هذه الامة لانه عليه السلام نهى عن صوم الصمت .(7/494)
قال فى ابكار الاذكار السكوت فى وقته صفة الرجال كما ان النطق فى موضعه شرف الخصال
اكرجه بيش خرمند خامشى ادبست ... بوقت مصلحت آن به كه درسخن كوشى
دوجيز طيره عقلست دم فرو بستن ... بوقت كفتن وكفتن بوقت خاموشى
واما ايثار اصحاب المجاهدة السكوت فلعلمهم بما فى الكلام من حظ النفس واظهار صافت المدح والميل الى حسن النطق .
فاما صمت الجاهلية فمنهى عنه كما ورد لا يتم بعد الاحتلام ولا صمات يوم الى الليل فكان اهل الجاهلية من نسكهم اعتكاف يوم وليلة بالصمات فنهوا فى الاسلام عن ذلك وامروا بالحديث بالخير والذكر .
يقول الفقيران المنهى عنه هو السكوت مطلقا . واما السكوت عن كلام الناس مع ملازمة الذكر فمقبول بل مأمور به ولذا جعل دوام السكوت احد الشرائط الثمان فصحة الانقطاع وفائدة السلوك انما تحصل به وباخواته { فلن اكلم اليوم انسيا } [ بس سخن نخواهم كفت امروز باهيج آدمى بلكه باملائكه وباحق سخن يكويم ومناجات ميكنم ] امرت بان تخبر بنذرها بالاشارة فالمعنى قولى ذلك بالاشارة لا باللفظ .
قال الفراء العرب تسمى كل وصل الى الانسان كلاما بأى طريق وصل ما لم يؤكد بالمصدر فاذا اكد لم يكن الا حقيقة الكلام وانما امرت بذلك لكراهة مجادلة السفهاء ومناقلتهم والاكتفاء بكلام عيسى انه قاطع لطعن الطاعن والرائب فى براءة ساحتها وذلك ان الله تعالى اراد ان يظهر براءتها من جهة عيسى فتكلم ببراءة امه وهو فى المهد وفيه ان السكون عن السفيه واجب ومن اذل الناس سفيه لم يجد مسافها : قال الصائب
درجنك ميكند لب خاموش كار تيغ ... داد جواب مردم نادان جه لازمست
وقال باكران جانان مكوحرف كران تانشنوى ... كوه در رد صدا بى اختيار افتاده است
ومن بلاغات الزمخشرى ما قدع السفيه بمثل الاعراض وما اطلق عنانه بمثل العراض سورة السفيه تكسرها الحلماء والنار المضطرمة يطفئها الماء يعنى ان سورة السفيه كالنار المضطرمة ولا يطفأها الا الحلم كما لا يطفئ النار الا الماء والنار تأكل نفسها ان لم تجد ما تأكله .
وفى الآية اشارة الى الصوم عن الالتفات لغير الله تعالى كما قال بعض الكبار الدنيا يوم ولنا فيه صوم ولا يكون افطاره الا على مشاهدة الجمال .
فعلى السالك ان ينقطع عن عالم الناسوت ويقطع لسانه عن غير ذكر اللاهوت حتى يحصل قطع الطريق والوصول الى منزلة التحقيق وكما ان مريم هزت النخلة فاسقطت عليها رطبا جنيا فكذا مريم القلب اذا هزت بنخلة الذكر وهى كلمة « لا اله الا الله » تسقط عليها من المشاهدات الربانية والمكاشفات الآلهية ما به يحصل التمتعات التى هى مشارب الرجال البالغين كما كان حال النبى صلى الله عليه وسلم يقول { ابيت عند ربى يطعمنى ويسقينى } اللهم اجعلنا من الذين كوشفوا عن وجه حقيقة الحال ووصلوا الى تجليات الجمال والجلال .(7/495)
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27)
{ فأتت به قومها } والباء بمعنى مع اى جاءتهم مع ولدها راجعة اليهم عند ما طهرت من نفساها وجعلها الكاشفى للتعدية حيث قال [ بس أورد مريم عيسى را }
وعن ابن عباس رضى الله عنهما انها خرجت من عدهم حين شرقت الشمس وجاءتهم عند الظهر ومعها سبى { تحمله } فى موقع الحال اى حاملة له - روى - ان زكريا افتقد مريم فلم يجدها فى محرابها فاغتم غما شديدا وقال لابن خالها يوسف اخرج فى طلبها فخرج يقص اثرها حتى لقيها تحت النخلة فلما رجعت الى قومها وهم اهل بيت صالحون وزكريا جالس معهم بكوا وحزنوا ثم { قالوا } موبخين لها { يا مريم قد جئت شيأ } على ذحف الباء من شيأ ومآله فعلت شيأ { فريا } اى عظيما بديعا منكرا مقطوعا بكذبه من فرى الجلد اذا قطعه والفرية بالكسر الكذب والفرى الامر المختلق المصنوع او العظيم وهو يفرى القرى يأتى بالعجب فى عمله وفى الاخترى انه من الاضداد يجئ بمعنى الامر الصالح والسيئ .
قال الكاشفى [ جيزى شكفت يا زشت كه در ميان اهل بيت مثل اين واقع نبوده ] .(7/496)
يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)
{ يا اخت هارون } روى عن النبى عليه السلام انهم انما عنوا به هارون النبى السلام وكانت من اعقاب من كان معه فى مرتبة الاخوة وذلك بان تكون من اخت هارون او اخيه وكان بينها وبينه الف وثمانمائة سنة وقيل كان هارون اخاها من ابيها وكان رجلا صالحا وقبل هو اخو موسى نسبت اليه بالاخوة لانها من ولده كما يقال يا اخا العرب اى يا واحدا منهم { ما كان ابوك } عمران { امرأ سوء } المرء مع الف الوصل الانسان او الرجل ولا يجمع من لفظه كما فى القاموس . وسوء يفتح السين وباضافة امرأ اليه وهى اكثر اسعمالا من الصفة والمعنى ما كان عمران زانيا قاله ابن عباس رضى الله عنهما .
قال الكاشفى [ نبوديدتو عمران مردى بد بلكه مردى كه مسجد اقصارا اشرف احبار بود ] { وما كانت امك } حنة بنت فاقوذ { بغيا } زانية فمن اين لك هذا الولد من غير زوج وهو تقرير لكون ما جاءت به فريا منكرا وتنبيه على ان ارتكاب الفواحش من اولاد الصالحين افحش .
واعلم ان المعتاد من اهل الزمان اذا اظهر الله فى كل زمان نبيا او وليا يخصه بمعجزة او كرامة ان ينكر عليه اكثرهم وينسبوه الى الجنون والضلالة والافتراء اولكذب والسحر وامثالها واما الاقلون فيعرفون ان من سافر عن منزل الجمهور فانه يرجع عن سفره ومعه من العلوم الغريبة والاحوال العجيبة ما لم يألف بها العقول ولم يشاهدها الانظار فلا يرجعون بالرد عيله بل بالاعتقاد . وفى المثنوى
مغزرا خالى كن از انكار يار ... تاكه ريحان يابد ازكلزار يار
تابيابى بوى خلد ازيار من ... جون محمد بوى رحمان ازيمن(7/497)
فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29)
{ فاشارت اليه } ابى الى عيسى ان كلموه ليجيبكم ويكون كلامه حجة لى والظاهر انها حينئذ بينت نذرها وانها بمعزل عن محاورة الانس { قالوا } منكرين لجوابها { كيف نكلم } نحدث { من كان فى المهد } [ در كهواره يعنى درخور كهواره ] { صبيا } ولم نعهد فيما سلف صبيا رضيعا فى الحجر يكلمه عاقل لانه لا قدرة له على فهم الخطاب ورد الجواب وكان لا يقاع مضمون الجملة فى زمان ماض مبهم صالح لقريبه وبعيده وهو ههنا لقريبة خاصة بدليل انه مسوق للتعجب او زائدة والظرف صلة من وصبيا حال من المستكن فيه او تامة او دائمة كما فى قوله تعالى { كان الله عليما حكيما } يقول الفقير الظاهران كان لتحقيق صباوته فان الماضى دال على التحقيق .(7/498)
قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31)
{ قال } استئناف بيانى كأنه قيل فماذا كان بعد ذلك فقيل قال عيسى بلسان فصيح { أنى عبد الله } اقر على نفسه بالعبودية اول ما تكلم ردا على من يزعم ربوبيته من النصارى وازالة للتهمهة عن الله مع افادة ازالة تهمة الزنى عن امه لانه تعالى لا يخص الفاجر بولد مثله .
قال الجنيد ليست بعبد سوء ولا عبد طمع ولا عبد شهوة وفيه اشارة الى ان افضل اسماء البشرية العبودية .
يقول الفقير سمعت من فم حضرة شيخى وسندى روح الله روحه انه قال عبد الله فوق عبد الرحمن وهو فوق عبد الرحيم وهو فوق عبد الكريم ولذا جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله وكذا عبد الحى وعبد الحق اعلى الاسماء وامثلها لان بعض الاسماء الالهية يدل على الذات وبعضها على الصفات وبعضها على الافعال والاولى ارفع من الثانية وهى من الثالثة . قيل كان المستنطق لعيسى زكريا وقد اكرم الله تعالى اربعة من الصبيان باربعة اشياء يوسف بالوحى فى الجب وعيسى بالنطق فى المهد وسليمان بالفهم ويحيى بالحكمة فى الصباوة .
واما الفضيلة العظمى والآية الكبرى ان الله تعالى اكرم سيد المرسلين عليه وعليهم السلام فى الصباوة بالسجدة عند الولادة بانه رسول الله وشرح الصدر وختم النبوة وخدمة الملائكة والحور عند ولادته واكرم بالنبوة فى عالم الارواح قبل الولادة والباوة وكفى بذلك اختصاصا وتفضيلا
شمسه نه مسند وهفت اختران ختم رسل خواجه بيغمبران
{ آتانى الكتاب } الانجيل { وجعلنى نبيا وجعلنى } مع ذلك { مباركا } نفاعا معلما للخير اخبر عما يكون لا محالة بصيغة الماضى والجمهور على ان عيسى آتاه الله الانجيل والنبوة فى الطفولية وكان يعقل عقل الرجال كما فى بحر العلوم .
يقول الفقير المشهور انه اوحى الله اليه بعد الثلاثين فتكون رسالته متأخرة عن نبوته { اينما كنت } حيثما كنت فانه لا يتقيد باين دون اين { واوصانى بالصلاة } اى امرنى بها امرا مؤكدا { والزكاة } اى زكاة المال ملكية .
يقول الفقير الظاهر ان يصاءه بها لا يستلزم غناه بل هى بالنسبة الى اغنياء امته وعموم الخطابات الالهية منسوب الى الانبياء تهييجا للامة على الائتمار والانتهاء { ما دمت حيا } فى الدنيا .
قال فى بحر العلوم فيه دلالة بينة على ان العبد ما دام حيا لا يسقط عنه التكاليف والعبادات الظاهرة فالقول بسقوطها كما نقل عن بعض الاباحيين كفر وضلال .
وفى التأويلات النجمية فيه اشارة الى انه ما دام العبد حيا لا بد من مراقبة السر واقامة العبودية وتزكية النفس .
يقول الفقير اقامة التكاليف عبودية وهى اما للتزكية كالمبتدئين واما للشكر كالمنتهين وكلا الامرين لا يسقط ما دام العبد حيا بالغا فاذا تغير حاله بالجنون ونحوه فقد عذر .(7/499)
وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32)
{ وبرا } [ مهربان ] { بوالدتى } عطف على مباركا اى جعلنى بارا بها محسنا لطيفا وهو اشارة الى انه بلا فحل { ولم يجعلنى جبارا } متكبرا . وبالفارسية [ كردنكشى متعظم كه خلق راتكبر كنم وانسانرا برنجانم ] { شقيا } عاصيا لربه .(7/500)
وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)
{ والسلام علىّ } [ سلام خداى برمنست } { يوم ولدت } بلا والد طبيعى اى من طعن الشيطان { ويوم اموت } من شدائد الموت وما بعده { ويوم ابعث حيا } حال اى من هول القيامة وعذاب النار . كماهو على يحيى يعنى السلامة من الله وجهت الىّ كما وجهت الى يحيى فى هذه الاحوال الثلاثة العظام على ان التعريف للعهد والاظهر على انه للجنس والتعريض باللعن على اعدائه فان اثبات جنس السلام لنفسه تعريض لاثبات ضده لاضداده كما فى قوله تعالى { والسلام على من اتبع الهدى } فانه تعريض بان العذاب على من كذب وتولى فلما كلمهم عيسى بهذا الكلام ايقنوا ببراءة امه وانها من اهل العصمة والبعد من اللاريبة ولم يتكلم بعد حتى بلغ سن الكلام .
قال فى الاسئلة المقحمة قوله { يوم ابعث حيا } يدل على ان لا حياة فى القبر لانه ذكر حياة واحدة والجواب انه اراد بها الدائمة الباقية بخلاف حياة القبر انتهى .
يقول الفقير لا شك ان حياة البرزخ على النصف من حياة يوم البعث فان الاولى حياة الروح فقط والثانية حياة الروح والجسد معا وهى المراد ههنا ولا انقطاع لحياة الارواح مذ خلقت من الابديات فافهم .
ثم انه نكر فى سلام يحيى وعرف فى سلام عيسى لان الاول من الله والقليل منه كثير قال بعضهم قليلك لا يقال له قليل ولهذا قرأ الحسن اهدنا صراط مستقيما اى نحن راضون بالقيل كذا فى برهان القرآن .
قال شيخى وسندى فى كتاب البرقيات له قدس سره انما اتى بطريق الغيبة فى حق يحيى عليه السلام وطريق الحكاية فى حق عيسى عليه السلام لان كلام منهما اهل الحقيقة والفناء والكمال الجامع بين الجلال والجمال واهل الشريعة والبقاء والجلال والجمال مندرجون تحت حيطة الكمال الا ان الميل الاستعدادى الازلى الى جانب الحقيقة والفناء وكمال الجلال غالب فى جمعية يحيى عليه السلام بحسب الفطرة الالهية الازلية وهذه الغلبة ليست اختيارية بل اضطرارية ازلية حاصلة باستيلاء سلطنة الحقيقة والفناء وكمال الحلال على قلبه وهذا الميل الى جانب الشريعة والبقاء جمال غالب فى جمعية عيسى عليه السلام بحسب الفطرة الالهية الازلية وهذه الغلبة ايضا ليست اختيارية بل اضطرارية حاصلة باستيلاء جولة الشريعة والبقاء وجمال الكمال على قلبه ومقتضى الغلبة اليحياوية السكوت وترك النطق ولذا كان المتكلم فى بيان احواله هو الله تعالى واتى بطريق الغيبة لنفسه وهو من قبيل من عرف كل لسانه لغبة الفناء على البقاء وكل من كل لسانه فى معرفة الله فهو على مشرب يحيى ومقتضى الغلبة العيسوية النطق وترك السكوت ولذا كان المتكلم فى بيان احاول نفسه واتى بطريق الحكاية دون الله تعالى وهو من قبيل من عرف الله طال لسانه لغلبة البقاء على الفناء وكل من طال لسانه فى معرفة الله فهو على مشرب عيسى عليه السلام وحال كل منهما بقضاء الله ورضاه وهما مشتركان فى الجمعية الكبرى مجتمعان فى ميل الاهلية العظمى ومنفردان فى غلبة العليا بان تكون غلبة ميل يحيى عليه السلام الى الفناء وغلبة ميل عيسى عليه السلام الى البقاء ولو اجتمعا فى تلك الغلبة ايضا لما امتاز حال احدهما عن الآخرة بل يكون عبثا نوعا تعالى الله عن العبث ولذا لم يتجل لاحد بعين ما يتجلى به لغيره بل انما يتجلى لكل متجل له بوجه آخر ولهذه الحكمة كان الجلال غلابا فى قلب يحيى والجمال غالبا فى قلب عيسى عليه السلام حتى يكون التجلى لكلم منهما بوجه آخر من احدية اصله ويوجد بينهما فرق بعد الجمع وكل من ورث هذا المقام بعدهما الى يوم القيامة من اولياء الله الكرام يقول الله له لطريق الفيض والالهام السلام عليك يوم ولدت ويوم تموت ويوم تبعث حيا الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وهو من قبيل مبشراتهم الدنيوية التى اشير اليها بقوله تعالى(8/1)
{ لهم البشرى فى الحياة الدنيا } الا انهم يكتمون امثاله لكونهم مأمورين بالكتمان وعلمهم بسلامتهم يكفى لهم ولا حاجة لهم بعلم غيرهم واما الانبياء عليهم السلام حتى يؤمن ويقبل دعوتهم والله يقول الحق وهو يهدى السبيل انتهى .
قال فى اسئلة الحكم اخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مقامها حيث قال « ان عيسى ويحيى القتاي فقال يحيى لعيسى كأنك قد امنت مكرالله وقال عيسى ليحيى كأنك قد ايست من فضل الله ورحمته فاوحى الله تعالى اليهما ان احبكما الىّ احسنكما ظنا بى » وكان عاقبة امره فى مقام الجلال ان قتل فلم يزل فائرا دمه حتى قتل من اجله سبعون الفا قصاصا منه فسكن فورانه وكان عاقبة امر عيسى فى مقام البسط والجمال ان رفع الى السماء اى الى الملأ الاعلى من مظاهر الجمال فكلاهما فى مقامهما فائزان كاملان انتهى
وفى التأويلات النجمية قوله { ويوم اموت } فيه اشارة الى ان عيسى المعنى المتولد من نفخ الحق فى القلب قابل الموت بسم غلبات صفات النفس والمعاملات المنتجة منها لئلا يغتر الواصل بانه اذا حى بحياة لا يموت المعنى الذى فى قلبه .
يقول الفقير
اى بسازنده بمرده مغرور ... شده از دائره زندكى دور
كشت بروى متغير حالش ... زهر شد جمله فيض بالش
ماند دوعين قفا صورت او ... كرجه درصورت ظاهر شده رو
دربى نفس بدش هركه دويد ... تانبنداركه سر منزل ديد
قال فى التكملة ولد عيسى عليه السلام فى ايام ملوك الطوائف لمضى خمس وستين سنة من غلبة الاسكندر على ارض بابل وقيل لاكثر من ذلك وكان حمل مريم به وهى ابنة ثلاث عشرة سنة ونبئ عيسى وهو ابن ثلاثين سنة ورفع وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وعاشت مريم بعده ست سنين وخرجت به امه من الشام الى مصر وهو صغير خوفا عليه من هيردوس الملك وذلك ان ملك فارس علم بمولده لطلوع نجمه فوجه له هدايا من الذهب والمر واللبان فاتت رسله بالهدايا حتى دخلت على هيردوس فسألوه عنه فلم يعلم به فاخبروه بخبره وبانه يكون نبيا واخبروه بالهدايا فقال لهلم لم اهديتم الذهب قالوا لانه سيد المتاع وهو سيد اهل زمانه قال لهم ولم اهديتم المر قالوا لانه يجبر الجرح والكسر وهو يشفى السقام والعلل قال ولم اهديتم لهم اذا عرفتم مكانه فعرفونى به فانى راغب فيما رغبتم فيه فلما وجدوه دفعوا الهدايا لمريم وارادوا الرجوع الى هيردوس فبعث الله لهم ملكا وقال لهم انه يريد قتله فرجعوا ولم يلقوا هيردوس وامر الله مريم ان ينتقل به الى مصر ومعها يوسف بن يعقوب النجار فسكنت به فى مصر حتى كان ابن اثنتى عشرة سنة ومات هيردوس فرجعت الى الشام انتهى - روى - ان مريم سلمت عيسى الى معلمه فعلمه ابجد فقال عيسى أتدرى ما « ابجد » قال لا فقال اما الالف فآلاء الله والباء بهاء الله والجيم جلال الله والدال دلين الله فقال الملعلم احسنت فما « هوز » فقال الهاء هو الله الذى لا اله الا هو والواو ويل للمكذبين والزاي زبانية جهنم اعدت للكافرين فقال الملعم احسنت فما « حطى » قال الحاء حطة الخطايا عن المذنبين والطاء شجرة طوبى والياء يد الله على خلقه فقا لاحسنت فما « كلمن » قال الكاف كلام الله واللم لقاء اهل الجنة بعضهم بعضا والميم ملك الله والنون نور الله فقال احسنت فما « سعفص » قال السين سناء الله والعين علم الله والفاء فعله فى خلقه والصاد صدقه فى اقواله فقال احسنت فما « قرشت » قال القاف قدرة الله والراء ربوبيته والشين مشيئته والتاء تعالى الله عما يشركون فقال له المعلم احسنت ثم قال لمريم خذى ولدك وانصرفى فانه علمنى ما لم اكن اعرفه كذا فى قصص الانبياء قيل هذه الكلمات وهى ابجد وهوز وحطى وكلمن وسعفص وقرشت وثتخذ وضظغ اسماء ثمانية ملوك فيما تقدم .(8/2)
وقيل هى اسماء ثمانية من الفلاسفة . وقيل هذه الكلمات وضعها اليونانيون لضبظ الاعداد وتمييز مراتبها كذا فى شرح التقويم .
وقال محمد بن طلحة فى العقد الفريد اول من وضع الخط العربى واقامه وضنع حرفه واقسامه ستة اشخاص من طسم كانوا نزولا عند عدنان بن داود وكانت اسماؤهم ابجد وهز وحطى وكلمن وسعفص وقرشت ووضعوا الكتابة والخط على اسمائهم فلما وجدوا فى الالفاظ حروفا ليست فى اسمائهم الحقوها بها وسموها الورادف وهى الثاء والخاء والذال والضاد والظاء ولغين على حسب ما يلحق حروف الجمل هذا تلخيص ما قيل فى ذلك وقيل غيره انتهى .(8/3)
ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)
{ ذلك } الذى فصلت نعوته الجليلة { عيسى ابن مريم } لا ما يصفه النصارى وهو تكذيب لهم فيما يصفونه علىلوجه الا بلغ والطريق البرهانى حيث جعله موصوفا باضداد ما يصفونه ثم عكس على الحكم { قول الحق } قول الثابت والصدق وهو بالنصب على انه مصدر مؤكد لقال انى عبد الله الخ وقوله ذلك عيسى ابن مريم اعتراض { الذى فيه يمترون } اى يشكون فان المرية الشك فيقولون هو ابن الله .(8/4)
مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35)
{ ما كان لله } ما صح وما استقام له تعالى { ان يتخذ من ولد } اى ولدا وجاء بمن لتأكيد النفى العام .
وفى التاويلات النجمية اى جزأ فان الولد جزؤ الوالد كما قال عليه السلام « فاطمة بضعة منى » { سبحانه } اى تنزه وتعالى تنزيها عن بهتان النصارى لانه ليس للقديم جنس اذ لا جنس له ولذلك قالوا لا فضل له { اذا قضى امرا } اى اراد كونه { فانما يقول له كن فيكون } قال لعيسى كن فكان من غير اب والقول ههنا مجاز عن سرعة الايجاد . والمعنى انه تعالى اذا اراد تكوين الاشياء لم تمتنع عليه ووجدت كما ارادها على الفور من غير تأخير فى ذلك كالمأمور المطيع الذى اذا ورد عله امر الآمر المطاع كان المأمور به مفعولا لاحبس ولا ابطاء وهو المجاز الذى يسمى التمثيل .(8/5)
وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36)
{ وان الله ربى وربكم فاعبدوه } من تمام كلام عيسى عطف على قوله { انى عبد الله } داخل تحت القول { هذا } الذى ذكرته من التوحيد { صراط مستقيم } لا يضل سالكه .(8/6)
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37)
{ فاختلف الاحزاب } جمع حزب بمعنى الجماعة { من بينهم } اى من بين الناس لمخاطبين بقوله { ربكم فاعبدوه } وهم القوت المبعوث اليهم فقالت النسطورية هو ابن الله واليعقوبية هو الله هبط الى الارض ثم صعد الى السماء وقالت الملكانية هو عبد الله وبنيه .
وفى التأويلات النجمية اى تحزبا ثلاث فرق فرقة يعبدون الله بالسير على قدمى الشريعة والطريقة بالعبور على المقامات والوصولو الى القربات وهم الاولياء والصديقون وهم اهل الله خاصة وفرقة يعبدون الله على صورة الشريعة واعمالها وهم المؤمنون المسلمون وهم اهل الجنة وفرقة يعبدون الهوى على وفق الطبيعة ويزعمون انهم يعبدون الله كما ان الكفار يعبدون الاصنام ويقولون ما نعبدهم الا ليقربوننا الى الله زلفى فهؤلاء ينكرون على اهل الحق وهم اهل البدع والاهواء والسمعة والنفاق وهم اهل النار { فويل للذين كفروا } وهم المختلفون . والويل الهلاك وهو نكرة وقعت مبتدأ وخبره ما بعده ونظيره سلام عليك فان اصله منصوب نائب مناب فعله لكنه عدل به الى الرفع على الابتداء للدلالة على معنى ثبات الهلاك ودوامه للمدعو عليه { من مشهد يوم عظيم } اى من شهود يوم عظيم الهول والحساب والجزاء وهو يوم القيامة .(8/7)
أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38)
{ اسمع بهم وابصر } [ جه شنو باشد كافران وجه بينا ] وهو تعجب من حدة سمعهم وابصارهم يومئذ ومعناه ان استماعهم وابصارهم للهدى { يوم يأتوننا } للحساب والجزاء يوم القيامة جدير بان يتعجب منه بعد ان كانوا فى الدنيا صما وعميا والتعجب استعظام الشئ مع الجهل بسببه ثم استعمل لمجرد الاستعظام { لكن الظالمون اليوم } اى فى الدنيا { فى ضلال مبين } فى خطأ ظاهر لا يدرك غايته اغفلوا الاستماع والنظر بالكلية حين ينفهم
عمر مكن ضايع بافسوس وحيف ... كه فرصت عزيزست والوقت سيف
كه فردابشيمان برآرى خروش ... كه آوخ جرا حق نكردم بكوش(8/8)
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39)
{ وانذرهم } خوفهم يا محمد يعنى الظالمين { يوم الحسرة } اى من يوم يتحسر فيه ويتحزن الناس ويندمون قاطبة اما المسيئ فعلى اساءته واما المحسن فعلى قلة احسانه { اذ قضى الامر } بدل من يوم الحسرة اى فرغ من الحساب وتصادر الفريقان على الجنة والنار - روى - ان النبى عليه السلام سئل عن ذلك فقال « حين يجاء بالموت على الصورة الكبش الاملح فيذبح والفريقان ينظرون فينادى المنادى يا اهل الجنة خلود بلا موت ويا اهل النار خلود بلا موت فيزداد اهل الجنة فرحا الى فرح واهل النار غما الى غم » { وهم فى غفلة } اى عما يفعل بهم فى الآخرة { وهم لا يؤمنون } وهما جملتان حاليتان من الضمير المستتر فى قوله تعالى { فى ضلال مبين اى مستقرون فى ذلك وهم فى تينك الحالتين وما بينهما اعتراض .(8/9)
إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40)
{ انا نحن } تأكيد لانا { نرث } نملك { الارض ومن عليها } ذكر من تغليبا للعقلاء اى لا يبقى لاحد غيرنا عليهم ملك ولا ملك وقد سبق فى سورة الحجر ما يتعلق بهذه الآية { والينا يرجعون } اى يردون للجزاء الا الى غيرنا استقلالا او اشتراكا .
اعلم ان الرجوع على نوعين رجوع بالقهر وهو رجوع العوام لان نفوسهم باقية مطمئنة بالدنيا فلا يخرجون مما هم عليه بالا بالكراهة ورجوع باللطف وهو رجوع الخواص لان نفوسهم فانية غير مطمئنة بالدنيا والعقبى بل بالمولى الاعلى فيخرجون من الدنيا والموت ولقاء الله تعالى احب اليهم من كل شئ . فعلى السالك ان يجتهد فى تحصيل الفناء والبقاء وتكميل الشوق الى اللقاء ويرجع الى الله تعالى قبل ان يرجع فان سرذ لمن الملك اليوم دائر على هذا
صرصر فهروى از ممكن وحدت بوزيد ... حس وخاشاك تعين همهبرباد ببرد
هرجه در عرصه امكان بوجود آمده بود ... سيل عزت همه را تا عدم آباد ببرد
ولله عباد خوطبوا فصار كلهم اذنا وشهدوا فضار كلهم عينا وجدوا فى الرحيل حتى حكوا الرحل عند الملك الجليل
نظرت فى الراحة الكبرى فلم ارها ... تنال الاعلى جنس من التعب
والجد منها بعيد فى تطلبها ... فكيف تدرك بالتقصير واللعب
قال الشيخ ابو الحسن المزين رحمه الله دخلت البادية على اتلجريد حافيا حاسرا فخطر ببلالى انه ما دخل بهذه البادية فى هذه السنة احد اشد تجريدا منى فجذبنى انسان من ورائى وقال يا حجا كم تحدث نفسك بالاباطيل فظهر ان الترك والتجرد والرجوع فى الحق على مراتب ولكل سالك خطوة فلا يغتر احد بحاله ولا يخطر العجب بباله .
وعن ابراهيم الخواص قدس سره قال دخلت البادية فاصابتنى شدة فكابدتها وصابرتها فلما دخلت مكة داخلنى شئ من الاعجاب فنادتنى عجوز من الطواف يا ابراهيم كنت معك فى البادية فلم اكلمك لانى لم ارد ان اشتغل سرك عنه اخرج هذا الوسواس عنك فظهر انالتوفيق للرجوع الى الله انما هو من الله وكل كمال فبحوله وقوته ونصرته ومعونته(8/10)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41)
{ واذكر فى الكتاب ابراهيم } اى اتل يا محمد على قومك فى السورة او القرآن قصة ابراهيم وبلغها اياهم كقوله تعالى { واتل عليهم نبأ ابراهيم } وذلك ان اهل الملل كانوا يعترفون بفضله ومشركوا العرب يفتخرون بكونهم من ابنائه فامر الله تعالى حبيبه عليه السلام ان يخبرهم بتوحيده ليقلعوا عن الشرك { انه كان صديقا } ملازما للصدق فى كل ما يأتى وما يذر مبالغا فيه قائما فى جميع الاوقات { نبيا } خبر آخر لكان مقيد للاول مخصص له اى كان جامعا بيه الصديقية والنبوة وذلك الن الصديقية تلو النبوة ومن شرطها ان لا يكون نبيا الا وهو صديق وليس من شرط الصديق ان يكون نبيا . ولا رباب الصدق مراتب صادق وصدوق وصديق فالصادق من صدق فى قيامه مع الله بالله وفى الله وهو الفانى عن نفسه والباقى بربه . والفرق بين الرسول والنبى ان الرسول من بعث لتبليغ الاحكام ملكا كان او انسانا بخلاف النبى فانه مختص بالانسان .(8/11)
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42)
{ اذ قال } بدل من باراهيم بدل الاشتمال لان الاحيان مشتملة على ما فيها اى اذكر وقت قوله { لابيه } آزر متطلفا فى الدعوة مسهلاله { يا ابت } اى يا ابى فان التاء عوض عن ياء الاضفة ولذلك لا يجتمعان اى لا يقال يا ابتى ولا يقال يا باتا لكون الالف بدلا م الياء { لم تعبد ما لا يسمع } ثناءك وتضرعك له به عند عبادتك له وما عبارة عن الصورة والتماثيل ولام الاضافة التى جخلت على ما الاستفهامية كما دخل عليها غيرها من حروف الجر فى قولك بم وعلام وفيم والام ومم وعم حذفت الالف لان ما والحرف كشئ واحد وقل استعمال الاصل { ولا يبصر } خضوعك وخشوعك بين يديه { ولا يغنى عنك } اى لا يقدر على ان ينفعك { شيأ } لا فى الدنيا ولا فى الآخرة وهو مصدر اى شيأ من الاغناء وهو القليل منه او مفعول به اى ولا يدفع عنك شيأ من عذاب الله تعالى .(8/12)
يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43)
{ يا ابت انى قد جاءنى } بطريق الوحى { من العلم ما لم يأتك فاتبعنى } ولا تستنكف عن التعلم منى { اهدك } [ ما بنماييم ترا ] { صراطا سويا } اى مستقيما موصلا الى اعلى المراتب منجيا من الضلال لم يشافهه بالجهل المفرط وان كان فى اقصاه ولميصف نفسه بالعلم الفائق وان كان كذلك بل جعل نفسه فى صورة رفيق له فى مسير يكون اعرف وذلك من باب الرفق واللطف .(8/13)
يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44)
{ يا ابت لا تعبد الشيطان } فان عبادتك للاصنام عبادة له اذ هو الذى يزينها لك ويغريك عليها { ان الشيطان كان للرحمن عصيا } ومن جملة عصيانه اباؤه عن السجدة ومعلوم ان طاعة العاصى تورث النقم وزال النعم والتعرض لعنوان الرحمانية لاظهار كمال شناعة عصيانه .(8/14)
يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)
{ يا ابت انى اخاف } ان مت على ما انت عليه من متابعة الشطيان وعصيان الرحمن { ان } اى من ان { يمسك } يصيبك . وبالفارسية [ برسيدبتو ] { عذاب } كائن { من الرحمن } وذلك الخوف للمجاملة { فتكون } [ بس باشى ] { للشيطان وليا } اى قرينا له فى اللعن المخلد او قريبا تليه ويليك من الولى وهو القرب .(8/15)
قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)
{ قال } استنائف بيانى كأنه قيل فماذا قال ابوه عند ما سمع منه هذه النصائح الواجبة القبول فقيل قال مصرا على غاده { أراغب انت عن آلهتى يا ابرهيم } اى أمعرض ومنصرف انت عنها بتوجيه الانكار الى نفس الرغبة مع ضرب من التعجب كأنه الرغبة عنها مما لا يصدر عن العاقل فضلا عن ترغيب الغير عنها قدم الخبر على المبتدأ للاهتمام والاولى كونه مبتدأ وانت فاعله سد مسد الخبر لئلا يلزم الفصل بين الصفة وما يتلعق بها وهو عن كذا فى تفسر الشيخ { لئن لم تنته } والله لئن لم ترجع عما كنت عليه من النهى عن عبادتها { لارجمنك } بالحجارة حتى تموت او تبعد عنى وقيل باللسان يعنى اشتم والذم ومنه الرجيم المرمى باللعن واصل الرجم الرمى بالرجام بالكسر وهى الحجارة { واهجرنى } عطف على ما دل عليه لارجمنك اى فاحذرنى واتركنى { مليا } اى زمانا طويلا سالما منى ولا تكلمنى من الملاوة وهو الدهر .(8/16)
قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47)
{ قال } ابراهيم وهواسئناف بيانى { سلام عليك } [ سلام برتو يعنى ميروم ووداع ميكنم ] فهو سلام مفارقة لاسلام لطف واحسان لانه ليس بدعاء له كقوله { سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين } على طريقة مقابلة السيئة بالحسنة ودل على جواز متاركة المنصوح اذا اظهر اللجاج . والمعنى سلمت منى لا اصيبك بمكروه بعد ولا اشافهك بما يؤذيك ولكن { سأستغفر لك ربى } السين للاستقبال او لمجرد التأكيد اى استدعيه ان يغفر لك بان يوفقك والاستغفار بهذا المعنى للكافر قل تبيين انه يموتعلى الكفر مما لا ريب فى جوازه وانما المحظور استدعاؤه له مع بقائه على الكفر فانه مما لا مساغ له عقلا ولا نقلا واما الاستغفار له بعد موته على الكفر فلا يأباه قضية العقل وانما الذى يمنعه السمع ألا يرى الى انه عليه السلام قال لعمه ابى طالب « لا ازال استغفر لك ما لم أنه عنه » فنزل قوله تعالى { ما كان للنبى والذين آمنوا ان يستغفروا للمشركين } الآية ولا اشتباه فى ان هذا الوعد من ابراهيم وكذا قوله { لاستغفرن لك } وما ترتب عليهما من قوله { واغفر لابى } انما كان قبل انقطاع رجائه عن ايمانه لعدم تبين امره { فلما تبين انه عدو لله تبرأ منه } { انه كان بى حفيا } اى بليغا فى البر والالطاف يقال حفيت به بالغت وتحفيت فى اكرامه بالغت .(8/17)
وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48)
{ واعتزلكم } اى اتباعد عنك وعن قومك بالمهاجرة بدينى حيث لم يؤثر فيكم نصائحى { وما تدعون من دون الله } اى تعبدون { وادعو ربى } اى اعبده وحده { عسى أن لا اكون بدعاء ربى شقيا } اى بدعائى اياه خائبا ضائع السعى وفيه تعريض لشقائهم فى عبادتهم آلهتهم
حاجت زكى خواه كه محتاجانرا ... بى بهره نكرداند از انعام عميم
وفى تصدير الكلام بعسى اظهار التواضع ومراعاة حسن الادب .(8/18)
فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49)
{ فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله } بالمهاجرة الى الشام .
قال فى تفسير الشيخ فارتحل من كونى الى الارض المقدس { ووهبنا له اسحاق ويعقوب } ابن اسحاق بدل من فارقه من اقربائه الكفرة لا عقيب المجاوزة والمهاجرة فان المشهور ان الموهوب حينئذ اسماعيل لقوله { فبشرناه بغلام عليم } اثر دعائه بقوله { رب هب لى من الصالحين } ولعل تخصيصها بالذكر لانهما شجرة الانبياء او لانه اراد ان يذكر اسماعيل بفضل على انفراد { كلا جعلنا نبيا } اى كل واحد منهم جعلناه نبيا لا بعضهم دون بعض فكلا مفعول اول لجعلنا قدم عليه للتخصيص لكن لا بالنسة الى من عداهم بل بالنسبة الى بعضهم .(8/19)
وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50)
{ ووهبنا لهم من رحمتنا } كل خير دينى ودنيوى مما لا يوهب من العالمين { وجعلنا لهم لسان صدق عليا } ثناء حسنا رفيعا فان لسان لاصدق هو الثناء الحسن على ان يكون المراد باللسان ما يوجد به من الكلام ولسان العرب واضافته من اضافة الموصوف الى الصفة اى يفتخر بهم الناس ويثنون عليهم استجابة لدعوته بقوله { واجعل لى لسان صدق فى الآخرين } اعلم ان فى الآيات اشارات . منها الرفق وحسن الخلق فان الهادى الى الحق يجب ان يكون رفيقا فان العنف يوجب اعراض المستمع وفى الحديث « اوحى الله الى ابراهيم ان خليل حسن خلقك ولو مع الكفار تدخل مداخل الابرار فان كلمتى سبقت لمن حسن خلقه بان اظله تحت عرشى واسكنه حظيرة القدس وادينه من جوارى » قال الصائب
كذشت عمر ونكردى كلام خودرا نرم ... ترا جه حاصل ازين آسياى دندانس
ومنها المتابعة قال ابو القاسم الطريق الى الحق المتابعة من علت مرتبته ابتع الكتاب ومن نزل عنهم اتبع الرسول عليه السلام ومن نزل عنهم اتبع الصحابة رضى الله عنهم ومن نزل قال اشد ما على النفس الاقتداء فانه ليس للنفس فيه نفس ولا راحة .
ومنها العزلة قال ابو القاسم من اراد السلامة فى الدنيا والآخرة ظاهرا وباطنا فليعتزل قرناء السوء واخدان السوء ولا يمكنه ذلك الا بالالتجاء والتضرع الى ربه فى ذلك ليوفقه لمفارقتهم فان المرأ مع من احب .
قال بعض الكبار العزلة سبب لصمت اللسان فمن اعتزل عن الناس لم يجد من يحادثه فاداه ذلك الى صمت اللسان وهى على قسمين عزلة المريدين بالاجسام عن الاغيار وعزلة المحققين بالقلوب عن الاكوان فليست قلوبهم محالا لغير علم الله اذى هو شاهده الحصال فيها من المشاهدة ونية اهل العزلة اما اتقاء شر الناس واما اتقاء شره المتعدى اليهم وهو ارفع من الاول اذ سوء الظن بالنفس اولى من سوء الظن بالغير واما ايثار صحبة المولى على صحبة السوى فاعلى المعتزلين من اعتزل عن نفسه ايثار الصحبة ربه فمن آثر العزلة على المخالطة فقد آثر ربه على غيره ولم يعرف احد ما يعطيه الله من المواهب والاسرار والعزلة تعطى صمت اللسان لا صمت القلب اذ قد يتحدث المرؤ فى نفسه بغير الله ومع غير الله فلهذا جعل الصمت ركنا برأسه من اركان الطريق وحال اعزلة التنزيه عن الاوصاف سالكا كاد المعتزل يكون صاحب يقين مع الله تعالى حتى لا يكون له خاطر متعلق بخارج بيت عزلته والهجرة سبب للعزلة عن الاشرار من هاجر فى طلب رضى الله اكرمه الله فىلدنيا والآخرة . فعلى العاقل ان يجتهد فى تحصيل الرضى بالهجرة والخلوة والعزلة ونحوها : قال الصائب
درمشرب من خلوت اكر خلوت كوراست ... بسيار به از صحبت ابناى زمانست
ومنها ان من فارق محبوبه ابتغاء لمرضاة الله تعالى فان الله تعالى يجعل له بدلا خيرا من ذلك واحب فيأنس به ويتوحش عما الف به فيما مضى فيحصل الحل والعقد على مراد الله اللهم اجعلنا من المنقطعين اليك والمستوحشين عما سواك والسالكين الى سبيل الفناء والطالبين لرضاك .(8/20)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51)
{ واذكر فى الكتاب موسى } قدم ذكره على اسماعيل لئلا ينفصل عن ذكر يعقوب { انه كان مخلصا } اخلصه الله من الادناس والنقائص ومما سواه وهو معنى الفتح الموافق للصديق فان اهل الاشارة قالوا ان الصادق والمخلص بالكسر من باب واحد وهو التخلص من شوائب الصفات النفسانية مطلقا والصديق والمخلص بالفتح من باب واحد وهو التخلص ايضا من شوائب الغيرية .
قال فى التأويلات النجمية اعلم ان الاخلاص فى العبودية مقام الاولياء فلا يكون ولى الا وهو مخلص ولا يكون كل مخلص نبيا ولا يكون رسولا الا وهو نبى ولا يكون كل نبى رسولا والمخلص بكسر اللام من اخلص نفسه فى العبودية بالتزكية عن الاوصاف النفسانية الحيوانية والمخلص بكسر الام من اخلصه الله بعد التزكية بالتحلية بالصفات الروحانية الربانية كما قال النبى عليه السلام « من اخلص لله اربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه » وقال تعالى « الاخلاص سرّ بينى وبين عبدى لا يسعه فيه ملك مقرب ولا نبى مرسل انا الذى اتولى تحلية قلوب المخلصين بتجلى صفات جمالى وجلالى لهم » وفى الحقيقة لا تكون العبودية مقبولة الامن المخلصين لقوله تعالى { وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } ولا خلاص المخلصين مراتب ادناها ان تكون العبودية لله خالصة لا يكون لغير الله فيها شركة واوسطها ان يكون العبد مخلصا فى بذل الوجود لله الى الله واعلى درجة المخلصين ان يخلصهم من حبس وجودهم بان يفنيهم عنهم ويبقيهم بوجود { وكان رسولا نبيا } ارسله الله الى الخلق فانبأهم عنه ولذلك قدم رسولا مع كونه اخص واعلى .
يقول الفقير تأخير نبيا لاجل الفواصل .(8/21)
وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52)
{ وناديناه من جانب الطور الايمن } الطور جبل بين مصر ومدين والايمن فىلاصل خلاف الايسر اى جانب اليمن وهو صفة للجانب اى ناديناه من ناحيته اليمنى وهى التى تلى يمين موسى ازلا يمين للجبل ولا شمال او من جانبه الميمون من اليمن ومعنى ندائه منه انه تمثل له الكلام من تلك الجهة .
وقال فى الجلالين اقبل من مدين يريد مصر فنودى من الشجرة وكانت فى جانب الجبل على يمين موسى { وقريناه نجيا } تقريب تشريف مثل حاله بحال من قربه الملك لمناجاته وصطفاه لمصابته حيث كلمة بغير واسطة ملك ونجيا اى مناجيا حال من احد الضميرين فى ناديناه والمناجاة [ راز كفتن ] كما فى التهذيب يقال ناجاه مناجاة ساره كما فى القاموس .(8/22)
وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53)
{ ووهبنا له من رحمتنا } اى من اجل رحمتنا ورأفتنا به { اخاه هارون } اخاه مفعول وهنا وهارون عطف بيان لاخاه { نبيا } حال منه ليكون معه وزيرا معينا كما سأل ذلك ربه فقال { واجعل لى وزيرا من اهلى } فالهبة على ظاهرها كما فى قوله { ووهبنا له اسحق ويعقوب } فان هارون كان اسن من موسى فوجب الحمل على المعاضدة والموازرة [ صاحب كشف الاسرار كويد حضرت موسى عليه السلام را هم روش بود وهم كشش اشارت بروش او { ولما جاء موسى } عبارة از كشش او { وقر بناه نجا } سالك تار در روش است خطب دارد وجون كشش در رسد خطر را باوكار نيست يعنى درسلوك شوب تفرقه هست وجذبه محض جمعيت است
با خود روى بيحاصلى جون او كشيدت واصلى ... رفتن كجا بردن كجا اين سر ربانيست اين ... قال المولى الجامى
سالكان بى كشش دوست بجايى نرسند ... سالها كرجه درين راه تك وبوى كنند
وفى التأويلات النجمية قوله { ووهبنا له من حرمتنا اخاه هارون نبيا } يشير الى ان النبوة ليست بكسبية بل هى من مواهب الحق تعالى يهب لمن يشاء النبوة ويهب لمن يشاء الرسالة من رحمته وفضله لا من كسبهم وجتهادهم على ان توفيق الكسب والاجتهاد ايضا من مواهب الحق تعالى وفيه اشارة الى ان موسى عليه السلام اشد اختصاصا بالقربة والقبول عند الله تعالى حتى يهب اخاه هرون النبوة والرسالة بشفاعته والعجب ان الله تعالى يهب النبوة والرسالة بشفاعته موسى عليه السلام وانه يهب الانبياء والرسل محمد صلى الله عليه وسلم لقوله « الناس يحتاجون الى شفاعتى حتى ابراهيم عليه السلام » اللهم اجعلنا من المستسعدين بشفاعته واحشرنا تحت لوائه ورايته .(8/23)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54)
{ واذكر فى الكتاب اسماعيل } فصل ذكره عن ذكر ابيه واخيه لابراز كمال الاعتناء بامره بايراده مستقلا اى واتل على قومك يا محمد فى القرآن قصة جدك اسماعيل وبلغها اليهم { انه كان صادقا الوعد } فيما بينه وبين الله وكذا بين الناس . قال فى التأويلات النجمية فما وعد الله باداء العبودية انتهى .
والوعد عبارة عن الاخبار بايصال المنفعة قبل وقوعها وايراده بهذا الوصف لكمال شهرته به واتصاله باشياء فى هذا الباب لم تعهد من غيره .
عن ابن عباس رضى الله عنهما ان اسماعيل عليه السلام وعد صاحبا له ان ينتظره فى مكان فانتظره سنة
نيست بر مردم صاحب نظر ... صورتى از صدق ووفا خوبتر
وناهيك انه وعد الصبر على الذبح فوفى حيث قال { ستجدنى ان شاء الله من الصابرين } وفيه حيث على صدق الوعد والوفاء به والاصل فيه نيته لقوله عليه السلام « اذا وعد الرجل اخاه ومن نيته ان يفى لم يفى ولم يجيئ للميعاد فلا اثم عليه »
واعلم ان الله تعالى اثنى على اسماعيل بكونه صادق الوعد اشارة الى ان الثناء انما يتحقق بصدق الوعد واتيان الوعد بالموعود لا بصدق الوعيد واتيان المتوعد بما توعد به اذ لا يثنى عقلا وعرا على من يصدر منه الآفات والضمرات بل على من يصدر منه الخيرات والمبرات ومن هذا ذهب بعض العلماء الى ان الخلف فى الوعيد جائز على الله تعالى دون الوعد صرحه الامام الواحدى فى الوسيط فى قوله تعالى فى سورة النساء « ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم » الآية وفى الحديث « من وعد لاحد على عمله ثوابا فهو منجز له ومن اوعده على عمله عقابا فهو بالخيار » والعرب لا تعد عيبا ولا خلفا ان يعد احد شرائم لا يفعله بل ترى ذلك كرما وفضلا كما قيل
وانى اذا اوعدته او وعدته ... لمخلف ايعادى ومنجز موعدى
وقيل
اذا عد السرّاء نجر وعده ... وان اوعد الضرّاء فالعقل مانعه
واحسن يحيى بن معاذ فى هذا المعنى حيث قال لالوعد والوعيد حق فالوعد حق العاد على ما ضمن لهم اذا فعلوا ذلك ان يعطيهم كذا ومن اولى بالوفاء من الله والوعيد حقه على العباد قال لا تفعلوا كذا فاعذبكم ففعلوا فان شاء عفا وان شاء ىخل لانه حقه واولاهما العفو الكرم لانه غفور رحيم كذا فى شرح العضد للجلال الدوانى { وكان رسولا } ارسله الله تعالى الى جزهم والى العماليق والى قبائل اليمن فى زمن ابيه ابراهيم عليهما السلام .
قال فى القاموس جرهم كقنفذ حى من اليمن تزوج فيهم اسماعيل { نبيا } يخبر عن الله وكان على سريعة ابيه ابراهيم ولم يكن له كتاب انلز اليه باجماع العلماء وكذا لوط واسحاق ويعقوب .(8/24)
وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)
{ وكان يأمر اهله } الخاص وهو من اتصل به بجهة الزوجية والولاد والعام وهو من اتصل به بجهة الدعوة وهم قومه ويجوز ان يرجح الاول لان الاهم ان يقبل الرجل بالتكميل على نفسه ومن هو اقرب الناس اليه قال تعالى { وانذر عشيرتك الاقربين } { وأمر اهلك بالصلاة } { قو انفسكم واهليكم نارا } فانهم اذا صلحوا صلح الكل وتزيى بزيهم فى الخير والصلاة { بالصلاة } التى هى اشرف العبادات البدنية { والزكاة } التى هى افضل العبادات المالية .
وفيه اشارة الى ان من حق الصالح ان يصح للاقارب والاجانب ويحظيهم بالفوائد الدينية
اى صاحب كرامت شكرانه سلامت ... روزى تفقدى كن درويش بى نوارا
{ وكان عند ربه مرضيا } فى الاقوال والافعال والاحوال . وفى الجلالين مرضيا لانه قد قام بطاعته انتهى
اى مرد اكرت رضاء دلبر بايد ... آن بايد كرد هرجه اوفرمايد
كركويد خون كرى مكو ازجه سبب ... وركويد جان بده مكوكه نايد
وعن بعض الصالحين انه قال نزل عندى اضياف وعلمت انهم من ابدال فقلت لهم اوصونى بوصية بالغة حتى اخاف الله قالوا نوصيك بستة اشياء . اولها من كثر نومه فلا يطمع فى ورقة قلبه . ومن كثرا كله فلا يطمع فى قيام الليل . ومن اختار صحبة ظالم فلا يطمع فى استقامة دينه ومن كان الكذب والغيبة عادته فلا يطمع فى ان يخرج من الدنيا مع الايمان . ومن كنز اختلاطه بالناس فلا يطمع فى حلاوة العبادة . ومن طلب رضى الناس فلا طمع فى رضى الله تعالى .
واعلم ان المرضى المطلق هو الانسان الكامل الجامع لجميع الكمالات المحيط بحقائق جميع الاشياء والصفات واما من دونه فمرضى بوجه دون وجه وعلى خال دون حال نسأل الله سبحانه ان يجعلنا من اهل الرضى واليقين والسكون والتمكين آمين .(8/25)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56)
{ واذكر فى الكتاب ادريس } هو جد ابى نوح فان نوحا بن لمك بن متوشلخ بن اخنوخ وهو ادريس النبى عليه السلام ابن يرد بن مهلاييل بن قينان بن انوش بن شيث بن آدم ولد وآدم حى قبل ان يموت مبائة سنة كذا فى روضة الخطيب .
وقال الكاشفى [ درجامع الاصول آورده كه ادريس بصد سال بعد ازوفات آدم متولد شده ] هو اول من وضع الميزان والمكيال واول من اتخذ السلاح وجاهد فى سبيل الله وسى واسترق بنى قابيل واول من خط بالقلم ونظر فى علم الحساب والنجوم واول منى خاط الثياب وكانوا يلبسون الجلود واول من لبس ثوب القطن واشقاقه من الدرس يمنه صرفه نعم لا يبعهد ان يكون فى تلك اللغة قريبا من ذلك فلقب به لكثرة دراسته اذ روى انه تعالى انزل عليه ثلاثين صحيفة { انه كان صديقا } ملازما للصدق فى جميع احواله { نبيا } خبر آخر لكان مخصص للاول اذ ليس كل صديق نبيا .
قال عباس ان عطاء ادنى منازل المرسلين اعلى مراتب النبيين وادنى مراتب النبيين اعلى مرتب الصديقين وأدنى مراتب الصديقين اعلى مراتب المؤمنين .(8/26)
وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)
{ ورفعناه مكانا عليا } وهو السماء الرابعة فان النبى عليه السلام رأى آدم ليلة المعراج فى السماء الدنيا ويحيى وعيسى فى الثانية ويوسف فى الثالثة وادريس فى الرابعة وهارون فى الخامسة وموسى فى السادسة وابراهيم فى السابعة .
واختلف القائلون بانه فى السماء أهو حى فيها ام ميت فالجمهور على انه حى وهو الصحيح وقالوا اربعة من الانبياء فى الاحياء اثنان فى الارض وهم الخضر والياس واثنان فى السماء ادريس وعيسى كما فى بحر العلوم .
قال الكاشفى [ در رفع ادريس اخبار متنوعه هست ابن عباس فرمودكه روزى ادريس را حرارت آفتاب غلبه كرد مناجات كردكه آلهى باوجود اين مقدار بعد كه ميان من وآفتاب هست ازحرارت او باحتراق نزديك شدم آيا آن فرشته كه حامل اوست جه حال داشتنه باشد خدايا بار آفتاب وشدت بروسبك كردان واورا ازتاب حرارت آفتاب درسايه عنايت خود محفوظ دار
ازتاب آفتاب حوادث جه غم خورد ... آنراكه سائبان عنايت بناه اوست
حق سبحانه وتعالى دعاى او متسحاب فرمود روزديكر آن فرشته كه حامل آفتابست خودرا سبكبار يافت وتأثيرى ازحرارت او فهم نكرد سبب آنرا از حضرت عزت استعانمود خطاب رسيدكه بنده من ادريس درحق تو دعا كرده ومن اجابت كردم آن فرشته اجازت خواست كه بزيارت ادريس آيداجازت يافت وبرزمين آمد وبالتماس ادريس اورا به بر بافر خود نشانيده بآسمان برد ونزديك مطلع آفتاب رسانيده وباستعدعاى ادريس كميت عمر وكيفيت اجل وى ازملك الموت برسيد وعزرائيل درديوان اعمار نكاه كرده فرمود كه حكم آ لهى درباره اين كس كه توميكويى آنست كه حالى نزديك مطلع آفتاب متوفى شود وجود آن فرشته بازآمد ادريس را يافت نقدجان بخازن اجل سبرده طوطى روحش بشكرستان قدس برواز كرده . وروايتى ديكر آنست كه ملك الموت ازكثرت طاعت ادريس مشتاق ديدارش شد وباذن حق تعالى برزمين آمده ويرادريافت وبامر آلهى وبالتماس ادريس جانش برداشت وباز حق سبحانه جانش داد وعزرائيل اورا بآسمان برد ودوزخ بدو نمود واز آنجا ببهشت رفت وديكر بيرون نيامد ] فالآية دلت على رفعته وعلى علومكانه وهو ذلك الشمس اما رفعته فبتبعية مكانه واما علو مكانه فبوجهين احدهما باعتبار ما تحته من الكرات الفلكية والعنصرية وثانيهما باعتبار المرتبة بالنسبة الى جميع الافلاك وذلك ان فلك الشمس تحته سبعة افلاك فلك الزهرة وفلك عطارد وفلك القمر وكرة الاثير اى النار وكرة الهواء وكرة الماء وكرة التراب وفوقه سبعة افلاك ايضا فلك المريخ وفلك المشترى وفلك زحل وفلك الثوابت والفلك الاطلس وفلك الكرسى وفلك العرش فاعلى الامكنة بالمكانة والمرتبة فلك الشمس الى هو قطب الافلاك اذ الفيض انما يصل من روحانيته الى سائر الافلاك كما ان من كوكبه يتنور الافلاك جميعا وذلك كما يقال على القلب يدور البدن اى منه يصل الفيض الى سائر البدن وفى فلك الشمس مقام روحانية ادريس كما يشعر به حديث المعراج .(8/27)
وفى التأويلات النجمية المكان العلى فوق المكونات عند المكون فى مقعد صدق عند مليك مقتدر انتهى .
وقد اعطى الله تعالى للمحمديين علو المكانة لكن العبد لا يتصور ان يكون عليا مطلقا اذ لا ينال درجة الا ويكون فى الوجود ما هو فوقها وهى درجات الانبياء والملائكة نعم تتصور انينال درجة لا يكون فى جنس الانس من يفوقه وهى درجة نبينا عليه السلام ولكنه قاصر بالاضافة الى العلو المطلق لانه علو بالاضافة الى بعض الموجودات والآخر علو بالاضافة الى الوجود لا بطريق الوجوب بل يقارنه امكان وجود انسان فوقه فالعلى المطلق هو الذى له الفوقية لا بالاضافة وبحسب الوجوب لا بحسب الوجود الذى يقارنه امكان نقيضه : وفى المثنوى
دست بربالاى دست اين تاكجا ... تا بيزدان كه اليه المنتهى
كان يكى درياسات بى غور وكران ... جمله درياها جوسيلى بيش آن
حيلها وجارها كر ازدهاست ... بيش الا الله انها جمله لاست
فعلى العامة ان لا يلتفتوا الى العلو الاضافى الحاصل من بعض الرياسات كالقضاء والتدريس والامامة والامارة ونحوها وعلى الخاصة ان لا ينظروا الى العلو الاعتبارى الحاصل من بعض المقامات كالافعال والصفات فان الكمال الحقيقى هو الترقى من كل اضافة فانية وعلاقة زائلة والتجرد من ملابس كل كون حادث صورة ومعنى ألا ترى الى حال اصحاب الصفة رضى الله عنهم نسأل الله تعالى ان لا يجعلنا من المفتخرين بغيره .(8/28)
أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58)
{ اولئك } اشارة الى المذكورين فى هذه السورة من زكريا الى ادريس وهو مبتدأ خبره قوله { الذين انعم الله عليهم } بانواع النعم الدينية والدنيوية واصناف المواهب الصورية والمعنوية وقد اشير الى بعض ما يخص كلا منهم { من النبيين } بيان للموصول ونظيره فى سورة الفتح { وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة } { من ذرية آدم } بدل منه باعادة الجار يقال ذرأ الشئ كثر ومنه الذرية مثلثة لنسل الثقلين كما فى القاموس { وممن حملنا مع نوح } اى ومن ذرية من حملنا معه فى سفينته خصوصا وهم من عدا ادريس فان ابراهيم كان من ذرية سام بن نوح { ومن ذرية ابراهيم } وهم الباقون { واسرائيل } عطف على ابراهيم اى ومن ذرية اسرائيل اى يعقوب وكان منهم موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى .
وفيه دليل عى ان اولاد البنات من الذرية لان عيسى من مريم وهى من نسل يعقوب { وممن هدينا واجتبينا } اى ومن جملة من هديناهم الى الحق واصطفيناهم للنبوة والكرامة قالوا من فيه للتبيين ان عطف على من النبيين وللتبعيض ان عطف على ومن ذرية آدم { اذا تتلى } تقرأ { عليهم } على هؤلاء الانبياء { آيات الرحمن } اى آيات الترغيب والترهيب فى كتبهم المنزلة { خروا } سقطوا على الارض حال كونهم { سجدا } ساجدين جمع ساجد { وبكيا } باكين جمع باك واصله بكويا والمعنى ان الانبياء قبلكم مع مالهم من علو الرتبة فى شرف النسب وكمال النفس والزلفى من الله تعالى كانوا يسجدون ويبكون لسماع آيات الله فكونوا مثلهم وفى الحديث « اتلوا القرآن وابكوا فان لم تبكوا فتباكوا » يقالوا تباكى فلان اذا تكلف البكاء اى ان لم تبك اعينكم فلتبك قلوبكم يعنى تحزنوا عند سما القرآن فان القرآن نزل بحزن على المحزونين .
قال الكاشفى [ كلام دوست مهيج شوقست جون آتش شوق بركانون دل بر افزوخته كردد ازديده خون ريختن كيرد
اى دريغا اشك من دريايدى ... تانثار دلبر زيبا بدى
اشك كان ازبهر آن بارند خلق ... كوهرست واشك بندارندخلق
قال فى التأويلات النجمية { خروا } بقلوبهم على عتبة العبودية { سجدا } بالتسليم للاحكام الازلية { وبكيا } بكاء السمع بذوبان الوجود على نار الشوق والمحبة انتهى .
قالوا ينبغى ان يدعو الساجد فى سجدته بما يليق بآياتها فههنا يقول ( اللهم اجعلنى من عبادك المنعم عليهم المهديين الساجدين لك الباكين عند تلاوة آياتك ) وفى آية الاسراء ( اللهم اجعلنى من الباكين اليك الخاشعين لك ) وفى آية تنزيل السجدة يقول ( اللهم اجعلنى من الساجدين لوجهك المسبحين بحمدك واعوذ بك ان اكون من المستكبرين عن امرك ) .(8/29)
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)
{ فَخَلَفَ من بعدهم خَلْفٌ } يقال لعقب الخير خلق بفتح اللام ولعقب الشر خلق بالسكون اى فعقب الانبياء المذكورين وجاء بعدهم عقب سوء من اولادهم .
وفى الجلالين بقى من بعد هؤلاء قوم سوء يعنىليهود والنصارى والمجوس انتهى .
وفى الحديث « ما من نبى بعثه الله فى امه الا كان له من امته حواريون واصحابه يأخذون بسنته ويعتقدون بامره ثم انها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفلعون يوفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسنة فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليست وراء ذلك من الايمان حبة خردل » ذكره مسلم { اضاعوا الصلاة } تركوها او اخروها عن وقتها او ضيعوا ثوابها بعد الاداء بالنميمة والغيبة والكذب والنحوها او شرعوا فيها بلا نية وقاموا لها بلا خضوع وخشوع { واتبعوا الشهوات } من شرب الخمر واستحلال نكاح الاخت من الاب والانهماك فى فنون المعاصى .
وعن على رضى الله عنهم هم من بنى المشيد وركب المنظور ولبس الشمهور وفى الحديث « اوحى الله الى داود مثل الدنيا كمثل جيفة اجتمعت عليها الكلاب يجرونها أفتحب ان تكون كلبا مثلهم فتجر معهم يا داود طيب الطعام ولين اللباس والصبت فى الناس والجنة فى الآخرة لا يجتمعان ابدا »
واعلم ان تيسير اسباب الشهوات ليس من امارة الخير وعلامة النجاة فى الآخرة ومن ثمة امتنع عمر رضى الله عنه من شرب ماء بارد بعسل وقال اعزلوا عنى حسابها .
وقال وهب بن منبه التقى ملكان فى السماء الرابعة فقال احدهما للآخر من اين فقال امرت بسوق حوت من البحر اشتهاه فلان اليهودى وقال الآخر امرت باهراق زيت اشتهاه فلان العابد والشهوة فى الاصل التتمنى ومعناها بالفارسية [ آرزو خواستن ] والمراد بها فى الآية المشتهيات المذمومة . والفرق بين الهوى والشهوة ان الهوى هو المذموم من جملة الشهوات والشهوة قد تكون محمودة وهى من فعل الله تعالى وهو ما يدعو الانسان الى الصلاح وقد تكون مذمومة وهى من فعل النفس الامارة بالسوء وهى استجابتها لما فيه لذاتها البدنية ولا عبادة لله اعظم واشرف من مخالفة الهوى والشهوات وترك اللذات : قال الشيخ سعدى
مبر طاعت نفس شهوت يرست ... كه هر ساعتش قبله ديكرست
مر دترى هرجه دل خواهدت ... كه تمكين تن نورجان كاهدت
كند مردزا نفس اماره خوار ... اكر هو شمندى عزيزرش مدار
{ فسوف يلقون غيا } اى شرا فان كل شر عند العرب غى فكل خير رشاد .
وعن الضحاك جزاء غى كقوله تعالى { يلق اثاما } اى جزاء اثام .
وقيل غى واد من جهنم يستعيذ من حره اوديتها اعد للزانى وشارب الخمر وآكل الربا وشاهد الزور ولاهل العقوق وتارك الصلاة .(8/30)
إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60)
{ الا من تاب } رجع من الشرك والمعاصى { وآمن } اختيار الايمان مكان الكفر { وعمل صالحا } بعد التوبة والندم { فاولئك } المنعوتين بالتوبة والايمان والعمل الصالح { يدخلون الجنة } بموجب الوعد المحتوم { ولا يظلمون } لا ينقصون من جزاء اعمالهم { شيأ } ولا يمنعونه فالظلم بمعنى النقص والمنع وشيأ مفعوله ويجوز ان يكون شيأ فى موضع المصدر اى ولا يظلمون البتة شيأ من الظلم .(8/31)
جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61)
{ جنات عدن } بدل من الجنة بدل البعض لان الجنة تشتمل على جنات عدن وما بينهما اعتراض وجنات عدن علم الجنة مخصوصة كشهر رمضان وقد يحذف المضاف حيث يقال جاء رمضان وقيل جنات عدن علم لدار الثواب جميعها والعدن الاقامة وهو الانسب بمثل هذا المقام فان جنة عدن المخصوصة وجنة الفردوس لا يدخلهما العوام بالاصالة لانهما مقام المقربين { التى وعد الرحمن عباده } اى وعدها اياهم ملتبسة { بالغيب } اى وهى غائبة عنهم غير حاضرة او غائبين عنها لا يرونها وانما آمنوا بها بمجرد الاخبار والتعرض لعنوان الرحمة للايذان بان وعدها وانجازه لكمال سعة رحمة تعالى .
وفى الاضافة اشارة الى ان المراد من يعبده مخلصا له فى العبودية لا يعبد الدنيا والنفس والهوى اذ كمال التشريف بالاضافة انما يحصل بهذا المعنى فله جنة عدن المخصوصة { انه } اى الله تعالى { كان وعده } اى موعوده الذى هو الجنة { مأتيا } اى يأتيه من وعد له لا محالة بغير خلف فالمأتى بمعنى المفعول من الاتيان او بمعنى الفاعل اى جائيا البتة .(8/32)
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62)
{ لا يسمعون فيها } فى تلك الجنات { لغوا } اى فضول كلام لا طائل تحته وهو كناية عن عدم صدور اللغو عن اهلها .
وفيه تنبيه على ان اللغو مما ينبغى ان يجتنب عنه فى هذه الدار ما امكن { الا سلاما } استثناء منقطع اى لكن يسمعون تسليم الملائكة عليهم او تسليم بعضهم على بعض { ولهم رزقهم فيها بكرة } [ امداد ] { وعشيا } [ شبانكاه ] والمراد دوام الرزق كما يقال انا عند فلان صباحا ومساء يراد الدوام منه وقيل يؤتى طعامهم على مقدار البكرة والعشى اذ لا نهار ثمة ولا ليل بل هم فى نور ابدا وانما وصف الله الجنة بذلك لان العرب لا تعرف من العيش افضل من الرزق بالبكرة والعشى .
قال الامام فى تفسيره فان قيل المقصود من الآيات وصف الجنة بأمور مستعظمة وليس وصول الرزق بكرة وعشيا منها قلنا قال الحسن اراد ان يرغب كل قوت بما احبوه فى الدنيا فلذلك ذكر اساور الذهب والفضة ولبس الحرير الذى كان عادة العجم والارائك التى كانت عادة اشراف اليمن ولا شئ احب الى العرب من الغداء والعشاء .
قال فى التأويلات النجمية { ولهم رزقهم فيها } من رؤية الله تعالى { بكرة وعشيا } كما جاء فى الخبر « واكرمهم على الله من ينظر الى وجهه غداة وعشيا » انتهى .(8/33)
تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63)
{ تلك } اشارة الى الجنة المذكورة المتقدمة يريد تلك التى بلغك وصفها وسمعت بذكرها { الجنة } قال فى الارشاد مبتدأ وخبر جيى به لتعظيم شأن الجنة وتعيين اهلها ويجوز ان يكون الجنة صفة للمبتدأ الذى هو اسم الاشارة وخبره قوله { التى نورث } اى نورثها ونعطيها بغير اختيار الوارث { من عبادنا من كان تقيا } مجتنبا عن الشرك والمعاصى مطيعا لله اى نبقيها عليهم بتقواهم ونمتعهم بها كما نبقى على الوارث مال مورثه ونمتعه به .
قال فى الاسئلة المقحمة كيف قال نورث والميراث ما انتقل من شخص الى شخص والجواب ان هذا على وجه التشبيه اراد ان الاعمال سبب لها كالنسب ملك بلا كسب ولا تكلف وكذا الجنة عطاء من الله ورحمة منه خلافا للقدرية انتهى .
والوراثة اقوى ما يستعمل فى التملك والاستحقاق من حيث انها لا تعقب بفسخ ولا استرجاع ولا ابطال والا اسقاط . قال فى الاشباه لو قال الوارث تركت حقى بطل حقه انتهى .
وقيل يورث المتقون من الجنة المساكن التى كانت لاهل النار لو آمنوا واطاعوا زيادة فى كرامتهم .
قال المولى الفنارى فى تفسير الفاتحة اعلم ان الجنات ثلاث .
الاولى جنة اختصاص الهى وهى أتلى يدخلها الاطفال الذين لم يبلغوا حد العمل وحدهم من اول ما يولد الى ان يستهل صارخا الى انقضاء ستة اعوام ويعطى الله من شاء من عباده من جنات الاختصاص ما شاء ومن اهلها المجانين الذين ما عقلوا ومن اهلها اهل التوحيد العلمى من اهلها اهل الفترات ومن لم تصل اليهم دعوة رسول .
والجنة الثانية جنة ميراث ينالها كل من دخل الجنة ممن ذكرنا من المؤمنين وهى الاماكن التى كان معينة لاهل النار لو دخلوها . والجنة الثالثة جنة الاعمال وهى التى ينزل الناس فيها باعمالهم فمن كان افضل من غيره فى وجوه التفاضل كان له من الجنة اكثر سواء كان الفاضل بهذه الحال دون المفضول او لم يكن فما من عمل الا وله جنة يقع التفاضل فيها بين اصحابها ورد فى الحديث الصحيح عن النبى عليه السلام انه قال لبلال « يا بلال بما سبقتنى الى الجنة فما وطئت منها موضعا الا سمعت خشخشتك امامى » فقال يا رسول الله ما احدثت قط الا توضأت وما توضأت الا صليت ركعتين فقال رسول الله عليه السلام « بهما » فعلمنا انها كانت جنة مخصوصة بهذا العمل فما من فريضة ولا نافلة ولا فعل خير ولا ترك محرم ومكروه الا وله جنة مخصوصة ونعيم خاص يناله من دخلها ومن الناس من يجمع فى الزمن الواحد اعمالا كثيرة فيصرف سمعه وبصره ويده فيما ينبغى فى زمان صومه وصدقته بل فى زمان صلاته فى زمان ذكره فى زمان نيته من فضل وترك فيؤجر فى الزمن الواحد من وجوه كثيرة فيفضل غيره ممن ليس له ذلك نسأل الله تعالى ان يجعلنا من اهل الطاعة .(8/34)
وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)
{ وما نتنزل الا بامر ربك } قال مجاهد ابطأ الملك على رسول الله عليه السلام ثم اتاه فقال له عليه السلام « ما حبسك يا حبرائيل » قال وكيف آتيكم وانتم لا تقصون اظفاركم ولا تأخذون شواربكم ولا تنقون براجمكم ولا تستاكون ثم قرأ { وما نتنزل الا بامر ربك } كما فى اسباب النزول وسفية الابرار وفى الحديث « نقوا براجمكم » وهى مفاصل الاصابع والعقد التى على ظهرها يجتمع فيهالوسخ واحدها برجمة وما بين العقدتين يسمى راجبة والجمع رواجب وذلك مما يلى ظهرها وهو قصبة الاصبح فلكل اصبع برجمتاه وثلاث رواجب الا الابهام فان له برجمة وراجبتين فامر بتنقيته لئلا يدرن فيبقى فيه الجنابة ويحول الدرن بين الماء والبشرة ذكره القرطبى .
وقال بعض المفسرين وهو حكاية لقول جبريل حين استبطأه رسول الله لما سئل عن اصحاب الكهف وذى القرنين والروح فلم يدر كيف يجيب ورجا ان يوحىليه فى فابطأ عليه اربعين يوما او خمسة عشر فشق عليه ذلك مشقة شديدة وقال المشركون ودعه ربه وقلاه فلما نزل بيان ذلك قال له « بطأت علىّ حتى ساء ظنى واشتقت اليك » قال جبريل انى كنت اشوق ولكنى عبد مأمور اذا بعثت نزلت واذا حبست احتبست فانزل الله هذه الآية وسورة والضحى . والتنزل النزول على مهل لانه مطاوع للتنزيل والمعنى قال الله لجبريل قل لمحمد وما نتنزل وقتا غب وقت الا بامر الله على ما تقتضيه حكمته { له } اى لله بالاختصاص { ما بين ايدينا } من الامور الاخروية الآتية { وما خلفنا } من الامور الدنيوية الماضية { وما بين ذلك } ما بين ما كان وما سيكون اى من هذا الوقت الى قيام الساعة .
وفى التأويلات النجمية { له ما بين ايدينا } من التقدير الازلى { وما خلقنا } من التدبير الابدى { وما بين ذلك } من ازل الى الابد انتهى .
ونظيره قوله تعالى { يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم } { وما كان ربك نسيا } [ فراموشكار يعنى ازحال توآكاهست نهركاه كه خواهد مارا بتوفرستد ] .
قال اهل التفسير فعيل بمعنى فاعل من النسيان بمعنى الترك اى تاركا لك كما زعمت الكفرة وان تأخر عنك الوحى لمصلحة او بمعنى نقيض الذكر الذى هو الغفلة اى غافلا عنك .(8/35)
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)
{ رب السموات والارض } خبر مبتدأ محذوف اى هو مالكهما { وما بينهما } من الخلق فكيف يجوز النسيان على الرب { فاعبده } اى اذا كان هو الرب فاثبت على عبادته يا محمد والعبادة قيام العبد بما تعبد به وتكلف من امتثال الاوامر والنواهى .
وفى التأويلات النجمية { فاعبده } بجسدك ونفسك وقلبك وسرك وروحيك فعبادة جسدك اياه باركان الشريعة وهى الائتمار بما امرك الله به والانتهاء عما نهاك الله عنه وعبادة نفسك بآداب الطريقة وهى ترك موافقة هواها ولزوم مخالفة هواها وعبادة القلب الاعراض عن الدنيا وما فيها والاقبال على الآخرة ومكارمها وعبادة السر خلوه عن تعلقات الكونين اتصالا بالله تعالى ومحبة وعبادة الروح ببذل الوجود لنيل الشهود { واصطبر لعبادته } اى اصبر لمشاقها ولا تحزن بابطاء الوحى واستهزاء الكفرة وشماتتهم بك فانه يراقبك ويراعيك ويلطف بك فى الدنيا والآخرة . وتعدية الاصطبار باللام لا بحرف الاستعلاء كما فى قوله { واصطبر عليها } لتضمنه معنى الثبات للعبادة فيما تورد عليه من الشدائد والمشاق كقولك للمبارز اصطبر لقرنك اى اثبت له فيما يورد عليك من شدائده وحملاته { هل تعلم له سميا } السمى الشريك فى الاسم والثمل والشبيه اى مثلا ان يستحق ان يسمى الها وانما قيل للمثل سمى لان كل متشاكلين يسمى كل واحد منهما باسم المثل والشبيه والنظير وكل واحد منهما سمى لصاحبه او احدا يسمى الله غيره فان المشركين مع غلوهم فى المكابرة لم يسموا الصنم بالجلالة اصلا والمراد بانكار العلم ونفيه انكار المعلوم ونفيه اى لا يكون ولم يكن ذلك .
قال الكاشفى [ يكى از آثار سطوت آلهى آن بودكه هيج كس ازاهل شرك معبود خودرا الله نكفتنه اند عزت احديت وغيرت الوهيت اين اسم سامى را ازتصرف كفار وتسميه ايشان درحصن حصين امان محفوظ داشت وزبان اهل ايمانرا درنعمت ومحنت وسرا وضرا بتكرر آن نام نامى جارى ساخت ]
الله الله جه طرفه امست اين ... حرزدل وردجان تمامست اين
بس بود نزد صاحب معنى ... حسبى الله كواه اين دعوى
روى ان بعض الجبابرة سمى نفسه بلفظ الجلالة فصهر ما فى بطنه من دبره وهلك من ساعته وقال فرعون مصر للقبط انا ربكم الا على ولم يقدر ان يقول انا الله .
قال ابن عباس رضى الله عنهما لا يسمى احد الرحمن وغيره .
قال المولى الفنارى فى ترتيب اسماء البسملة ان لاسم الجلالة اختصاصا وضعيا واستعماليا وللرحمن اختصاصا استعماليا وقولهم رحمن اليمامة لمسيلمة نعنت فى كفرهم كما لو سموه الله مثلا ولا اختصاص للرحيم قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم بلغنا انك انما يعلمك رجل باليمامة يقال له الرحمن وانا والله لن نؤمن بالرحمن ابدا وقد عنوا بالرحمن مسيلمة الكذاب وقيل عنوا كاهنا كان لليهود باليمامة وقد رد الله عليهم بان الرحمن المعلم له هو الله تعالى بقوله(8/36)
{ قل هو ربى لا اله الا هو عليه توكلت واليه متاب } اى توبتى ورجوعى كما فى انسان العيون وتكره التسمية بالاسماء التى لا تليق الا بالله كالرحمن والرحيم والاله والخالق والقدوس ونحوها قال الله تعالى { وجعلوا لله شركاء قل سموهم } قال بعض المفسرين قل سموهم باسمائى ثم انظروا هل تليق بهم الاى لا تليق بهم وغير رسول الله صلى الله عليه السلام اسم العزيز لان العزة لله وشعار العبد الذلة والاستكانة كما فى ابكار الافكار .(8/37)
وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66)
{ ويقول الانسان } بطريق الانكار والاستبعاد للبعث وهو ابى بن خلف حين فت عظما بالياء فقال يزعم محمد انا نبعث بعد ما نموت ونصير الى هذه الحال { ائذا ما مت } وكنت رميما { لسوف اخرج } من القبر حال كونى { حيا } وبالفارسية [ آياجون بميرم من هرآينه زود بيرون شوم ازخاك زنده يعنى جكونه تواندبودكه مرده زنده شود وازخاك بيرون آيد ] تقديم الظرف وايلاؤه حرف الانكار لما ان المنكر كون ما بعد الموت وقت الحياة وانتصابه بفعل دل عليه اخرج وهو البعث لا به فان ما بعد اللام لا يعمل يما قبلها لصدارتها وهى فى الاصل للحال وههنا للتأكيد المجرد اى لتأكيد معنى همزة الانكار فى ائذا ولذا جاز اقترانها بسوف الذى هو حرف الاستقبال .
وفى التكملة اللام فى قوله تعالى { لسوف } ليست للتأكيد فانه منكر فكيف يحقق ما ينكر وانما كلامه حكاية لكلام النبى عليه السلام كأنه صلى الله عليه وسلم قال ان الانسان اذا مات لسوف يخرج حيا فانكر الكافر ذلك وحكى قوله فنزلت الآية على ذلك حكاه الجرجانى فى كتاب نظم القرآن .
قال فى بحر العلوم لما كانت هذه اللام لام الابتداء المؤكدة لمضمون الجملة ولام الابتداء لا تدخل الا على الجملة من المبتدأ والخبر وجب تقدير مبتدأ وخبر وان يكون اصله لانا سوف اخرج حيا وما فى أئذا ما للتوكيد ايضا وتكرير التوكيد انكار على انكار .(8/38)
أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67)
{ أولا يذكر الانسان } الهمزة للانكار التوبيخى والواو لعطف الجملة المنفية على مقدر يدل عليه يقول . والذكر فى الاصل هو العلم بما قد علم من قبل ثم تخلله سهو وهم ما كانوا عالمين فالمراد به هنا التذكر والتفكر والمعنى أيقول ذلك ولا يتكفر { انا خلقناه من قبل } اى من قبل الحالة التى هو فيها وهى حالة بقائه { ولم يك } اصله لم يكن حذفت النون تخفيفا لكثرة الاستعمال او تشبيها بحروف العلة فى امتداد الصوت .
وقال الرضى النون مشابه للواو فى الغنة { شيأ } بل كان عدما صرفا فيعلم ان من قدر على الابتداء من غير مادة قدر على الاعادة بجميع المواد بعد تفريقها وفى هذا دليل على صحة القياس حيث انكر عليه وجهلة فى ترك قياس النشأة الاخرى على الولى فيستدل به على البعث والاعادة قيل لو اجتمع الخلق على ايراد حجة فى البعث على هذا الاختصار ما قدروا .(8/39)
فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68)
{ فوربك } الواو للقسم . والمعنى بالفارسية [ بس بحق بروردكار توكه بوقت قيامت ] { لنحشرنهم } لنجمعن القائلين بالسوق الى المحشر بعد ما اخرجناهم من الارض احياء { والشياطين } معهم وهم الذين اغووهم اذ كل كافر سيحشر مع شيطانه فى سلسلة { ثم لنحضرنهم حول جهنم } حال كونهم { جثيا } جمع جاث من جثا يجثو ويجثى وجثيا فيهما جلس على ركبتيه كما فى القاموس اى جالسين على الركب لما يعرضهم من شدة الامر التى لا يطيقون معها القيام على ارجلهم .
وعن ابن عباس رضى الله عنها جثيا جماعات جمع جثوة وهى الجماعة واختاره فى تفسير الجلالين .(8/40)
ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70)
{ ثم لننزعن } لنخرجن قاله البغوى والنزع الجذب { من كل شيعة } امة وفرقة شاعت اى نبعث غاويا من الغواة { ايهم } موصول حذف صدر صلته منصوب بنزعن الذين هم او استفهام مبتدأ خبره اشد فرفعه على الحكاية اى لننزعن الذين يقال لهم ا يهم { اشد } [ سختتر وبسيارتر ] { على الرحمن } [ برخداى تعالى ] { عتيا } [ از جهت سركشى وجرأت يعنى اول ازهر امتى آنرا كه نافرمان تربوده جدا كنيم ] يقال عتا على فلان اذا تجاوز الحد فى الظلم والمقصود انه يميز من كل طائفة منهم الا عصى فالاعصى فاذا اجتمعوا يطرح فى النار على الترتيب .
قال فى الكبير يحضرهم او لاثم يخص اشدهم تمردا بعذاب اعظم اذ عذاب الضال المضل يجب ن يكون فوق عذاب من يضل تبعا وليس عذاب من يورد الشبهة كعذاب من يقتدى به غافلا قال الله تعالى { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون } انتهى .
يقول الفقير فى الآية تهديد عظيم لابى المذكور وانه اول منزوع من مشركى العرب لكونه اشد على الرحمن عتيا من جهة مقالته المذكورة .
واعلم ان اول الامر البعث ثم الحشر ثم الاحضار ثم النزع ثم الادخال فى النار وهو قوله تعالى { ثم لنحن اعلم بالذين هم اولى } [ سزاوار ترند ] { بها } [ بآتش دوزخ ] { صليا } دخولا يعنى [ ميدانيم كه كيست سزاى انكه اورا نخست در آتش افكنند ] وهم المنتزعون يقال صلى يصلى كلقى يلقى ومضى يمضى اذا دخل النار .(8/41)
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71)
{ وان منكم } اى وما منكم ايها لاناس { الا واردها } اى واصل جهنم وداخلها { كان } اى ورودهم اياها { على ربك حتما } مصدر حتم الامر اذا اوجبه فسمى به الموجب كقولهم خلق الله وضرب الامير اى امرا محتوما اوجبه الله على ذاته { مقضيا } حتى انه لا بد من وقوعه البتة .(8/42)
ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)
{ ثم ننجى الذين اتقوا } [ بس نجات دهيم آنانرا كه برهيز كردند ازشرك يعنى بيرون آريم ازدوزخ ] احال الورود الى الوارد واحال النجاة الى نفسه تعالى .
ففيه اشارة الى ان كل وارد يرد بقدم الطبيعة فى هاوية الهوى ان شاء وان ابى ولو خلى الى طبيعته لا ينجو منها ابدا ولكن ما نجا من نجا الا بانجاء الله تعالى اياه { ونذر } نترك { الظالمين } لانفسهم بالكفر والمعاصى { فيها } فى جهنم { جثيا } [ بزانو در آمد كان } وهو اشارة الى هوانهم وتقاعدهم عن الحركة الى الجنة مع الناجين .
وفى تفسير الجلالين جثيا اى جميعا انتهى .
اعلم ان الوعيدية وهم المعتزلة قالوا ان من دخلها لا يخرج منها وقالت المرجئة لا يدخلها مؤمن قط وقالوا ان الورود ههنا هو الحضور لا الدخول فاما اهل السنة فقالوا يجوز ان يعاقب الله العصاة من المؤمنين بالنار ثم يخرجهم منها .
وقالوا معنى الورود الدخول كقوله تعالى { فاوردهم النار } وقال تعالى { حصب جهنم انتم لهم واردون } وبدليل قوله تعالى { ثم ننجى الذين اتقوا } والنجاة انما تكون بعد الدخول فيها كقوله تعالى { فنجيناه من الغم وكذلك ننجى المؤمنين } فان قلت كيف يدخلونها والله تعالى يقول { اولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها } قلت المراد به الابعاد عن عذابها . قال فى الاسئلة المقحمة يجوز ان يدخلوها ولا يسمعوا حسيسها لان الله تعالى يجعلها عليهم بردا وسلاما كما جعلها على ابراهيم عليه السلام فالمؤمنون يمرون بجهنم وهى برد وسلام والكافرون وهى نار كما ان الكوز الواحد كان يشربه القبطى فيصير دما والاسرائيلى فيكون ماء عذبا
مؤمن فسون جه داند برآتشش بخواند ... سوزش درو نماند كردد جونور روشن
وفى الحديث « جز يا مؤمن فان نورك قد اطفأ لهبى » وفى المثنوى
كويدش بكذر سبك اى محتشم ... ورنه آتشهاى تومرد آتشم
فان قلت اذا لم يكن فى دخول المؤمنين عذاب فما الفائدة فيه . قلت وجوه . الاول ان يزيدهم سرور اذا علموا الخلاص منه . والثانى يزيد غم اهل النار لظهور فضيحتهم عند المؤمنين والاولياء الذين كانوا يخوفونهم بالنار .
والثالث يرون اعداءهم المؤمنين قد تخلصوا منها وهم يبقون فيها . والرابع ان المؤمنين اذا كانوا معهم فيها بكتوهم فيزداد غمهم . والخامس ان مشاهدة عذابهم توجب مزيد التذاذهم بنعيم الجنة . يقول الفقير لا شك عند اهل المعرفة ان جهنم صورة النفس الامارة ففى الدنيا يرد كل من الانبياء والاولياء والمؤمنين والكافرين هاوية الهوى بقدم الطبيعة لكن الانبياء لكون نفوسهم من المطمئنة يجدونها حامدة واما الاولياء فيردون عليها وهى ملتهبه ثم يجهدون الى ان يطفئوها بنور الهدى ويلتحق بهم بعض المؤمنين وهم المعفو عنهم ولا يمر هؤلاء الطوائف الجليلة بالنار فى الآخرة فلا يحترقون بها اصلا واما الكفار فلما كان كفرهم كبرت الهوى فى الدنيا فلا جرم يدخلون النار فى الآخرة وهى ملتهبة فيبقون هناك محترقين مخلدين ويلتحق بهم بعض العصاة وهم المعذبون لكنهم يخرجون منها بسبب نور تقواهم عن الشرك .(8/43)
وقال ابن مسعود والحسن وقتادة ورودها الجواز على الصراط الممدود عليها وذلك لانه لا طريق الى الجنة سوى الصراط فالمرور فى حكم الورود وفى الحديث « لا يموت لمسلم ثلاث من الولد فيلج النار الا تحلة القسم » وهى قوله تعالى { وان منكم الا واردها } والنحلة مصدر حللت اليميين اى ابررتها ونحلة القسم ما يفعله الحالف مما اقسم عليه مقدار ما يكون بارا فى قسمه فهو مثل فى القليل المفرط القلة . وقال مجاهد ورود المؤمن النار هو مس الحمى جسده فى الدنيا لقوله عليه السلام « الحمى من فيح جهنم فابردوها » بالماء وفى الحديث « الحمى حظ كل مؤمن من النار » وقد جاء « ان حمى ليلة كفارة سنة ومن حم يوما كان له براءة من النار وخرج من ذنوبه كيوم ولدته امه » وعن جابر رضى الله عنه استأذنت الحمى على رسول الله عليه السلام فقال « من هذه » قالت ام ملدم فامر بها عليه السلام الى اهل قبا فلقوا منها ما لا يعلمه الا الله فشكوا اليه عليه السلام فقال « ان شئتم دعوت الله ليكشفها عنكم وان شئتم تكون لكم طهورا » قالوا أو يفعل ذلك قال « نعم » قالوا فدعها قالت عائشة رضى الله عنها قدمنا المدينة وهى اوبى ارض الله ولما حصلت لها الحمى قال لها عليه السلام « مالى اراك هكذا » قالت بابى انت وامى يا رسول الله هذه الحمى وسبتها فقال « لا تسبيها فانها مأمورة ولكن ان شئت علمتك كلمات اذا قلتهن اذهب الله عنك » قال فعلمنى قال « قولى اللهم ارحمن جلدى الرقيق وعظمى الدقيق من شدة الحريق يا ام ملدم ان كنت آمنت بالله العظيم فلا تصدعى الرأس ولا تنتنى الفم ولا تأكلى اللحم ولا تشربى الدم وتحولى عنى الى من اتخذ مع الله الها آخر » فقالت فذهبت عنها كذا فى انسان العيون .(8/44)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74)
{ واذا تتلى } [ وجون خوانده شود ] { عليهم } الى على المشركين { آياتنا } القرآنية { بينات } واضحات الاعجاز والمعانى وهى حال مؤكدة فان آيات الله لا ينفك عنها الوضوح { قال } [ كويند ] { الذين كفروا } كنضر بن الحارث واصحابه { للذين آمنوا } اى لفقراء المؤمنين واللام للتبليغ كما فى مثل قوله تعالى { وقال لهم نبيه } او لام الاجل اى لاجلهم فى حقهم { أيّ الفريقين } اى المؤمنين والكافرين كأنهم قالوا اينا { خير } نحن او انتم { مقاما } مكانا ومسكنا يعنى [ مارا منازل نزه است وهمه اسباب معيشت ] { واحسن نديا } اى مجلسا ومجتمعا .
قال بعض المفسرين الندى المجلس الجامع لوجوه قومهم واعوانهم وانصارهم يعنى [ در مجمع ما همه صناديد قريش واشراف عرب اند ودر مجلس او همه موالى وضعفا ] - روى - انهم كانوا يرجلون شعورهم ويدهنونها ويتطيبون ويتزينون بالزين الفاخرة فاذا مسعوا الآيات الواضحات وعجزوا عن معارضتها والدخل عليها قالوا مفتخرين بالحظوظ الدنيوية على فقراء المؤمنين لو كنتم على الحق وكنا على الباطل لكان حالكم فى الدنيا احسن لان الحكيم لا يليق به ان يوقع اولياءه فى لاعذاب والذل واعداءه فى العز والراحة لكن الامر بالعكس وقصدهم بهذا الكلام صرفهم عن دينهم فرد الله عليهم بقوله { وكم اهلكنا قبلهم من قرن } كم مفعول اهلكنا ومن قرن بيان لابهامها واهل عصر قرن لمن بعدهم لانهم يتقدمونهم مأخوذ من قرن الدابة وهو مقدمها .
وقال الكاشفى [ من قرن : كروهى را مجتمع بودند در زمان واحد ] انتهى كأنه اخذه من الاقتران { هم احسن } فى محل النصب على انه صفة لكم { اثاثا } تمييز عن النسبة وهو متابع البيت يعنى [ نيكوتر ازجهت امتعه بيت كه آرايش منازل بدان باشد ] { ورئيا } هو المنظر والهيئة فعل من الرؤية لما يرى كالطحن لما يطحن والمعنى كثير من القرون التى كانوا افضل منهم فيما يفتخرون به من الحظوظ الدنيوية كعاد وثمود واضرابهم من الامم العاتية قبل هؤلاء اى كفار قريش اهلكناهم بفنون العذاب لو كان ما آتيناهم لكرامتهم علينا لما فعلنا بهم ما فعلنا .
وفيه من التهديد والوعيد ما لا يخفى كأنه قيل فلينظر هؤلاء ايضا مثل ذلك .
قال الكاشفى [ نه آن مال هلاك از ايشان دفع كرد ونه آن جمال عذاب از ايشان باز داشت ] .
برمال وجمال خوبشتن تكيه مكن ... كانرا بشى برند وآنرا بتبى
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان اهل الانكار واهل العزة بالله { واذا تتلى عليهم آيتنا بينات } من الحقائق والاسرار { قال الذين كفروا } ستروا الحق بالانكرا والاستهزاء { للذين آمنوا } من اهل التحقيق اذا رأوهم مرتاضين مجاهدين مع انفسهم متحملين متواضعين متذللين متخاشعين وهم متنعمون متمولون متكبرون متبعوا شهوات انفسهم ضاحكون مستبشرون { أى الفريقين } منا ومنكم { خير مقاما } منزلة ومرتبة فى الدنيا ووجاهة عند الناس وتوسعا فى المعيشة { واحسن نديا } مجلسا ومنصبا وحكما فقال تعالى فى جوابهم { وكم اهلكنا قبلهم من قرن } اى اهلكناهم بحب الدنيا ونعيمها اذا غرقناهم فى بحر شهواتها واستيفاء لذاتها والتعزز بمناصبها { هم احسن اثاثا ورئيا } استعدادا واستحقاقا فى الكمالات الدينية منكم كما قال عليه السلام « خياركم فى الاسلام خياركم فى الجاهلية اذا فقهوا »(8/45)
قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (75)
{ قل } للمفتخرين بالمال والمنال { من } شطرية والمعنى بالفارسية [ هركه ] { كان } مستقرا { فى الضلالة } [ دركمر اهى ودر دورى ازراه حق ] مغمورا بالجهل والغفلة عن عواقب الامور { فليمدد له الرحمن مدا } اى يمد له ويمهله بطول العمر واعطاه المال والتمكين من التصرفات واخراجه على صيغة الامر للايذان بان ذلك مما ينبغى ان يفعل بموجب الحكمة لقطع المعادير او للاستدراج واعتبار والاستقرار فى الضلالة لما ان المد لا يكون الا للمصرين عليها اذ رب ضال يهديه الله والتعرض لعنوان الرحمانية لما ان المد من احكام الرحمة الدنيوية .
قال شيخى وسندى قدس سره فى بعض تحريراته { فليمدد له الرحمن مدا } اى فليستدرجه الرحمن استدراجا بمد عمره وتوسيع ماله وتكثير ولده او فليمهله الرحمن امهالا بمد راحته على الطغيان وايصال نعمته على وجه الاحسان حتى يقع فى العقاب والعذاب على سبيل التدريج لا التعجيل فيكون عقابه وعذابه اكمل واشمل اثرا والما لان الاخذ على طريق التدريج والنعمة اشد منه على طريق التعجيل والنقمة مع ان مبدأ المبأ المد مطلقا هو الرحمن دون القهار او لجبار لان كلا منهما مبدأ الشدة ولذلك عبر به لا بغيره هذا هو الخاطر ببالى فى وجه التعبير بالرحمن وان كانت اشدية عقاب الرحمن وجها لكن وجه اشدية عقابه ما ذكرنا لانه اذا اراد العقاب يأتى به على وجه الرحمة والنعمة فيكون كدرا بعد الصفا والمار بعد الراحة وشدة بعد الرخاء فهذا اقوى اثرا والحاصل لا يتصور وقوع المد المذكور الا من الرحمن لانه اصله ومنشأه انتهى كلامه روح الله روحه { حتى اذا رأوا ما يوعدون } [ تاوقتى كه ببينند آنجه بيم كرده شده اند بدان ] غاية للمد الممتد وجمع الضمير فى الفعلين باعتبار معنى من كما ان الافراد الضميرين الاولين باعتبار لفظها { اما العذاب واما الساعة } تفصيل للموعود على سبيل البدل فانه اما العذاب الدنيوى بغلبة المسلمين واستيلائهم لعيهم وتعذيبهم اياهم قتلا واسرا واما يوم القيامة وما ينالهم فيه من الحزن والنكال على طريقة منع الخلو دون الجمع فان العذاب الاخروى لا ينفك عنهم بحال .
قال الامام اى لو فرض ان هذا الضال امتنعم قد مد له فى اجله أليس انه ينتهى الى عذاب فى الدنيا او فى الآخرة فسيعلم ان النعم لا تنفعه كما قال تعالى { فسيعلمون } جواب الشرط والجملة محكية بعد حتى فانها هى التى تحكى بعدها الجملة ولذا وقع بعد الجملة الشرطية اى حتى اذا عاينوا ما يوعدون من العذاب الدنيوى او الاخروى فقط فسيعلمون حينئذ { من هو شر مكانا } من الفريقين بان يشاهدوا الامر على عكس ما كانوا يقدرونه فيعلمون انهم شر مكانا لا خير ماقما .(8/46)
قال الكاشفى [ بس بدانند آنرا كه بدترست از هر دو كروه ازجهت مكان جه جاى مؤمنان درجات جنان باشد ومأوى اشان دركات نيران ] .
افتخار از رنك وبو واز مكان ... هست شادى وفريب كودكان
قال فى بحر العلوم جعلت الشرارة للمكان ليفيد اثباتها لاهله لانه اذا ثبت الامر فى مكان الرجل فقد ثبت له كما فى قولهم المجد بين ثوبيه والكرامة بين برديه { واضعف جندا } اى فئة وانصارا لا احسن نديا كما كانوا يدعونه .
قال فى تفسير الجلالين وذلك انهم ان قتلوا ونصر المؤمنون عليهم علموا انهم اضعف جند ضعفاء كلا ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا وانما ذكرا ذلك ردا لما كانوا يزعمون ان لهم اعوانا من الاعيان وانصارا من الاخيار ويفتخرون بذلك فى الاندية والمحافل .(8/47)
وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76)
{ ويزيد الله الذين اهتدوا هدى } كلام مستانف سيق لبيان حال المهتدين اثر بيان حال الضالين اى ويزيد الله المؤمنين ايمانا وعملا ويقينا ورشدا كما زاد الضالين ضلالا ومدهم فى استدراجهم { والباقيات الصالحات خير } كلام مستأنف وارد من جهته تعالى لبيان فضل اعمال المهتدين غير داخل فى حيز الكلام الملقن لقوله تعالى { عند ربك ثوابا } هو الجزاء لانه نفع يعود الى المجزى وهو اسم من الاثابة او التثويب اى الاعمال التى تبقى عائدتها ابدا خير عند ربك من مفاخرات الكفار وحظوظهم العاجلة { وخير مردا } مرجعا وعاقبة لان مآلها رضوان الل والنعيم الدائم ومآل هذه السخط والعذاب المقيم . وقال الكاشفى يعنى [ اكر كافرا انرا دردنيا جاه ومال است ودر آخرت وبال ونكال خواهدشد اما مؤمن دردنيا هم هدايت دارندوهم حمايت ودر آخرت هم ثواب خواهند داشت وهم حسن المآب ]
بدنيى سر فراز ونام دارند ... بعبى كامدار وكام كارند
ففى الآية اشارة الى ان الضرر القليل المتناهى الذى يعقبه نفع كثير غير مثناه كما هو حال المؤمنين خير من عكسه كما هو حال الكافرين فامهال الكافر وتمتيعه بالحياة الدنيا ليس لفضله كما ان قصور حظ المؤمن منها ليس لنقصه بل لان الله تعالى اراد به ما هو خير له وعوضه منه .
واعلم ان الباقيات الصالحات هى اعمال الآخرة كلها ومنها الكلمات الطيبة . قال ابو الدرداء رضى الله عنه جلس رسول الله عليه السلام ذات يوم واخذ عودا يابسا وازال الورق عنه ثم قال « ان قول لا اله الله والله اكبر وسبحانه الله والحمد لله ليحط الخطايا كما يحط ورق هذه الشجرة الريح حذهن يا ابا الدرداء قبل ان يحال بينك ويبنهن فهن الباقيات الصالحات وهى من كنوز الجنة »
وفى التأويلات النجيمة الباقيات الصالحات هى الاعمال الصالحات التى هى من نتائج الواردات الالهية التى ترد من عند الله الى قلوب اهل الغيوب يعنى كل عمل يصدر عن من عند نفس العبد من نتائج طبعه وعقله لا يكون من الباقيات الصالحات يدل عليه قوله { ما عنكم ينفد وما عند الله باق } انتهى .
فعلى العاقل ان يجتهد فى صلاح النفس وتزكيتها ليتولد منها الاعمال الباقية والاحوال الفاضلة ويحل له نسل بلا عقم ونكاح منتج قوانا الله واياكم فى ذلك آمين .(8/48)
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77)
{ أفرأيت الذى كفر بآياتنا } نزلت فيمن سخر بالبعث وهو العاص بن وائل كان لخباب بن الارت عليه مال فتقاضاه فقال له لا حتى تكفر بمحمد فقال لا والله لا اكفر بمحمد حيا ولا ميتا ولا حين نبعث قال واذا بعثت جئتنى فيكون لى مال وولد فاعطيك والهمزة للتعجب من حاله والايذان بانها من الغرابة والشناعة بحيث يجب ان يرى ويقضى منها العجب والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام اى أنظرت فرأيت الذى كفرا بآياتنا التى من جملتها آيات البعث { وقال } مستهزئا بها مصدرا كلامه باليميين الفاجر { لأوتين } فى الآخرة ان بعثت يعنى [ بمن دهند ] { مالا وولدا } اى انظر اليه يا محمد فتعجب من حالته البديعة وجراءته الشنيعة .(8/49)
أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78)
{ اطلع الغيب } همزته استفهام واصله أأطلع من قولهم اطلع الجبل اذا ارتقى الى علاه وطلع الثنية . والمعنى أقد بلغ من عظمة الشان الى ان ارتقى الى علم الغيب الذى توحد به العليم الخبير حتى ادعى ان يؤتى فى الآخرة مالا وولدا واقسم عليه { ام اتخذ عند الرحمن عهدا } او اتخذ من عالم الغيب عهدا بذلك فانه لا يتوصل الى العلم به الا باحد هذين الطريقين علم الغيب وعهد من عالمه وقيل العهد كلمة الشهادة والعمل الصالح فان وعد الله بالثواب عليهما كالعهد الموثق عليه .(8/50)
كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79)
{ كلا } ليس الامر على ما يقول { سنكتب ما يقول } سنحفظ عليه ما يقول من الذكب والكفر والاستهزاء فنجازيه به { ونمد له من العذاب مدا } مكان ما يدعيه لنفسه من الامداد بالمال والولد اى نطول له من العذاب ما يستحقه .(8/51)
وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80)
{ ونرثه } بموته { ما يقول } اى مسمى ما يقول ومصداقه وهو ما اوتيه فى الدنيا من المال والولد .
وفيه ايذان بانه ليس لما يقوله مصداق موجود سوى ما ذكر اى ننزع ما آتيناه كما فى الارشاد .
وقال فى العيون ما بدل من هاء نرثه بدل اشتمال اى نهلكه ونورث ماله وولده غيره . وقال الكاشفى [ وميراث ميكيريم آنجه ميكويدكه فردا بمن خواهند داد يعنى مال وفرزند ] { ويأتينا } يوم القيامة { فردا } وحيدا خاليا لا يصحبه مال ولا ولد كان له فى الدنيا فضلا عن ان يؤتى ثمة زائدا .
وفى الآية اشارة الى ان اهل الغرور يدعون الاحراز للفضيلتين المال والولد فى الدنيا والنجاة والدرجات فى الآخرة وينكرون على اهل التجرد لى الاعراض عن الكسب واعتزال النساء والاولاد ولا يدرون انهم يقعون بذلك فى عذاب البعد اذلا سند لهم اصلا : ق الكمال الخجندى
بشكن بت غروركه دردين عشاقان ... يك بت كه بشكنند به ازصد عبادتست(8/52)
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81)
{ واتخذوا } اى مشركوا قريش { من دون الله آلهة } اى اتخذوا الاصنام آلهة متجاوزين الله تعالى { ليكونوا لهم عزا } اى ليتعززوا بهم بان يكونوا لهم وصلة اليه تعالى وشفعاء عنده وانصارا ينجون بهم من عذاب الله .
قال بعضهم كيف تظفر بالعز وانت تطلبه فى محل الذل ومكانه اذا ذللت نفسك بسؤال الخلق ولو كنت موفقا لاعززت نفسك بسؤال الحق او بذكره او بالرضى لما يرده عليك منه فتكون عزيزا فى كل حال دنيا وآخرة .(8/53)
كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82)
{ كلا } ليس الامر على ما ظنوا { سيكفرون بعبادتهم } سينكر الكفرة حين شاهدا سوء عاقبة كفرهم عبادتهم لهم { ويكونون عليهم ضدا } اعداء للآلهة كافرين بها بعد ان كانوا يحبونها كحب الله ويعبدونها .
قال فى تفسير الجلالين { سيكفرون بعبادتهم } اى يجحدونها لانهم كانوا جمادا لم يعرفوا انهم يعبدون ويكونون عليهم ضدا اى اعوانا وذلك ان الله تعالى يحشر آلهتهم فينطقهم ويركب فيهم العقول فتقول يا رب عذب هؤلاء الذين عبدونا من دونك انتهى فالضمير فى يكفرون ويكونون للآلهة .(8/54)
أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83)
{ ألم تر انا ارسلنا الشياطين على الكفارين } اى سلطناهم عليهم بسبب سوء اختيارهم حال كون تلك الشياطين { تؤزهم ازا } اى تغربهم وتهيجهم على المعاصى تهييجا شديدا بانواع الوساوس والتسويلات فان الاز والهز والاستفزاز اخوات معناها شدة الازعاج .
وفى العيون الاز فى الاصل هو الحركة مع صوت متصل من ازيز القدر اى غليانه والمراد تعجيب رسول الله عليه السلام من اقاويل الكفرة وتماديهم فى الغى والانهماك فى الضلال والافراط فى العناد والاجماع على موافقة الحق بعد اتضاحه وتنبيه على ان جميع ذلك منهم باضلال الشياطين واغوائهم لا لان له مسوغا فى الجملة .(8/55)
فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84)
{ فلا تعجل عليهم } اى بان يهلكوا حسبما تقضيه جناياتهم حتى تستريح انت والمؤمنون من شرورهم وتطهر الارض من فسادهم يقال عجلت عليه بكذا اذا استعجلته منه { انما نعد لهم } ايام آجالهم { عدا } اى لا تعجل بهلاكهم فانه لم يبق لهم الا ايام محصورة وانفاس معدودة فيجازيهم بها .
وكان ابن عباس رضى الله عنهما اذا قرآها بكى وقال آخر العدد خروج نفسك آخر العدد فراق اهلك آخر العدد دخول قبرك .
وكان ابن السماك رحمه الله عند المأمون فقرأها فقا لاذا كانت الانفاس بالعدد ولم يكن لها مدد فما اسرع ما تنفذ قال اعرابى كيف نفرح بعمر تقطعه السات وسلامة بدن تعرض للآفات . قال العلامة الزمخشرى استغنم تنفس الاجل وامكان العمل واقطع ذكر المعاذير والعلل فانك فى اجل محدود وعمر ممدود .
قال المنصور لما حضرته الوفاة بعنا الآخرة بنومة قال . حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر من حافظ على الانفاس فالساعات فى حكمه الى ما فوق ذلك ومن كان وقته الساعات فاتته الانفاس ومن كان وقته الايام فاتته الساعات ومن كان وقته الجمة فاتته الايام ومن كان وقته الشهور فاتته الاسبابيع ومن كان وقته السنون فاتته الشهور ومن كان وقته العمر فاتته السنون ومن فاته عمره لم يكن له وقت ولم تعد همته بهمة
على نفسك فليبك من ضاع عمره ... ويطول الوقت ويقصر بحسب حضور صاحبه فمنهم من وقته ساعة ويوم وجمعة وشهر وسنة ومرة واحدة فى عمره ومن الناس من لا وقت له لغلبة بهيمته عليه واستغراقه فى لاشهوات : قال المولى الجامى
هردم ازعمر كرامى هست كنج بى بدل ... ميرود كنج جنين هر لحظه برباد آخ آخ
وقال
عمر توكنج وهرنفس ازوى يكى كهر ... كنجى جنين لطيف مكن رايكان تلف
وقال الحافظ .
كارى كشيم ورنه خجالت بر آورد ... روزيكه رخت جان بجهان دكر كشيم(8/56)
يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85)
{ يوم نحشر المتقين } اى اذكر يا محمد لقومك بطريق الترغيب والترهيب يوم نجمع اهل التقوى والطاعة { الى الرحمن } الى ربهم الذى يغمرهم برحمته الواسعة حال كونهم { وفدا } وافدين عليه كما يفد الوفود على الملوك منتظرين لكرامتهم وانعامهم والوفد من يأتى بالخير .
وفى التهذيب الوفد والوفادة [ بنزديك امير شدن بحاجت ] وفى القاموس وفد اليه وعليه قدم ورد وهم وفود ووفد .
وفى التأويلات النجمية انما خص حشر وفد المتقين الى حضرة الرحمانية لانها من صفات اللطف ومن شأنها الجود والانعام والفضل والكرم والتقريب والمواهب انتهى .
والرحمة ان كانت من صفات الذات يراد بها اراد ايصال الخير ودفع الشر وان كان من صفات الفعل يراد بها ايصال الخير ودفع الشر كما فى بحر العلوم .
وعن على رضى الله عنه ما يحشرون والله على الرجلهم ولكن على نوق رحالهم ذهب وعلى نجائب سروجها ياقوت وازمتها زبرجد ثم ينطق بهم حتى يقرعوا باب الجنة .
قال الكاشفى { وفدا } [ درحالتى كه سواران باشند بر ناقهاى بهشت يعنى ايشانرا سوار ببهشت برند جنانجه وافدانرا بدركاه ملوك ميبرند . امام قشيرى رحمة الله فرمودكه بعضى بر نجائب طاعات وعبادات باشند وقومى بر مراكب همم ونيات . آنانكه بر مرا كب طاعت باشند بهشت جويانند ايشانرا بروضه جنان برند . وآنانكه برنجائب همت باشند خدى طلبانند ايشانرا بقرب رحمت خوانند جنان جوى ديكرست ورحمان جوى ديكر . در كشف الاسرار آورده كه ممشاد دينورى رحمه الله درحال نزع بود درويشى بيش وى ايستاده ودعا مى كردكه خدايا برو رحمت كن وبهشت اورا كرامت كن ممشاد بانك بروزدكه اى غافل سى سالست كه بهشت را باشرف وعزت وحور وقصور برمن جلوه ميدهند ومن كوشه جشم هست برو نيفكنده ام اكنون بدركاه قرب ميروم زحمت خود آورده وبراى من بهشت ورحمت مى خواهى ] .
باغ فردوس از براى ديدنش بايد مرا ... بى جمالش روضه رضوان جه كرا يدمرا(8/57)
وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)
{ ونسوق المجرمين } العاصين كما تساق البهائم { الى جهنم وردا } مشاة عطاشا ان من يرد الماء لا يرده الا لعطش وحقيقة الورد المسير الى الماء .(8/58)
لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87)
{ لا يملكون الشفاعة الا من اتخذ عند الرحمن عهدا } ان كانت الشفاعة مصدرا من المبنى للفاعل والعهد بمعنى الاذن لانه يقال عهد الامير الى فلان بكذا اذا امره به فالمعنى لا يملك احد من العباد ايا من كان ان يشفع للعصاة الا من اتخذ من الله اذنا فيها كقوله تعالى { من ذا الذى يشفع عنده الا باذن } وان كانت مصدرا من المبنى للمفعول والعهد عهد الايمان فالمعنى لا يملك المجرمون ان يشفع لهم الا من كان منهم مسلما .
وعن ابن مسعود رضى الله عنه ان النبى عليه السلام قال لاصحابه ذات يوم « أيعجز احدكم ان يتخذ كل صباح ومساء عند الله عهدا » قالوا وكيف ذلك قال « يقول كل صباح ومساء اللهم فاطر السموات والارض عالم الغيب والشهادة انى اعهد اليك فانى اشهد ان لا الله الا انت وحدك لا شريك لك وان محمد عبدك ورسولك وانك ان تكلنى الى نفسى تقر بنى من الشر وتباعدنى من الخير وانى لا اثب الا برحمتك فاجعل لى عهدا توفينيه يوم القيامة انك لا تخلف المعياد فاذا قال ذلك طبع عليه بطابع » اى ختم عليه بخاتم « ووضع تحت العرش فاذا كان يوم القيامة نادى مناد اين الذين لهم عند الرحمن عهدا فيدخلون الجنة كما فى بحر العلوم الكبير »(8/59)
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89)
{ وقالوا اتخذ الرحمن ولدا } اى قال اليهود والنصارى ومن يزعم من العرب ان الملائكة بنات الله فقال الله تعالى { لقد جئتم شيأ ادّا } الاد والادة بكسرهما العجب والامر الفظيع والداهية والمنكر كالاد بالفتح كما فى القاموس اى فعلتم امرا منكرا شديدا لا يقادر قدره فان جاء واتى يستعملان فى معنى فعل فيعديان تعديته .
وقال الكاشفى [ بدرستى كه آوردى جيزى زشت يعنى ناخوش وبى ادبانه ] .(8/60)
تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90)
{ تكاد السموات } صفة الاد اى تقرب من ان { يتفطرن منه } يتشققن مرة بعد اخرى من عظم ذلك الامر فان التفطر التشقق وهو بالفارسية [ شكافته شدن ] واصل التفعل التكلف { وتنشق الارض } وتكاد تنشق الارض وتنصدع اجزاؤها - روى - عن بعض الصحابة انه قال كان بنو آدم لا يأتون شجرة الا اصابوا منها منفعة حتى قالت فجرة بنى آدم اتخذ الرحمن ولدا فاقشعرت الارض وشاك الشجر { وتخر الجبال } اى تسقط وتتهدم { هدّا } مصدر مؤكد لمحذوف هو حال من الجبال اى تهد هدا اى تكسر كسرا يعنى [ باره باره كردد ] .
قال فى القاموس الهد الهدم الشديد والكسر كالهدود . والمعنى ان هول تلك الكلمة الشنعاء وعظمها بحيث لو تصورت بصورة محسوسة لم تطق بها هاتيك الاجرام العظام وتفتتت من شدتها او ان فظاعتها فى استجلاب الغضب واستيجاب السخط بحيث لولا حلمه تعالى على اهل الارض وانه لا يعاجلهم بالعقاب لخرب العالم وبدد قوائمه غضبا على على من تفوه بها .(8/61)
أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91)
{ ان دعوا للرحمن ولدا } منصوب على حذف اللام المتعلقة بتكاد او مجرور باضمارها اى تكاد السموات تتفطرن والارض تنشق والجبال تخر لان دعوا له سبحانه ولدا ودعوا من دعا بمعنى سمى المتعدى الى المفعولين وقد اقتصر على ثانيهما ليتناول كل ما دع له من عيسى وعزير والملائكة ونحوهم اذ لو قيل دعوا عيسى ولدا لما علم الحكم على العموم او من دعا بمعنى نسب الذى مطاوعه ادعى الى فلان اى انتسب اليه .(8/62)
وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92)
{ وما ينبغى للرحمن ان يتخذ ولدا } حال من فاعل قالوا وينبغى مطاوع بغى اذا طلب اى قالوه والحال انه ما يليق به تعالى اتخاذ الولد ولا يتطلب له لو طلب مثلا لاستحالته فى نفسه وذلك لان الولد بضعة من الوالد فهو مركب ولا بد للمركب من مؤلف فالمحتاج الى المؤلف لا يصلح ان يكون آلها .(8/63)
إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)
{ ان كل من فى السموات والارض } اى ما منهم احد من الملائكة والثقلين فان بمعنى النفى كما وكل مبتدأ خبره آتى ومن موصوفة لانها وقعت بعد كل نكرة { الا آتى الرحمن } حال كونه { عبدا } اى الا وهو مملوك يأوى اليه بالعبودية والانقياد .
وفى العيون سيأتى جميع الخلائق يوم القيامة الى الرحمن خاضعا ذليلا مقرا بالعبودية كالملائكة وعيسى وعزير وغيرهم يعنى يلتجئون الى ربوبيته منقادين كما يفعل العبيد للملوك فلا يليق به اتخاذ الولد منهم انتهى .
قال ابو بكر الوراق رحمه الله ما تقرب احد الى ربه بشئ ازين عليه من ملازمة العبودية واظهار الافتقار لان ملازمة العبويدة تورث دوام الخدمة واظهار الافتقار اليه يورث جوام ا لالتجاء والتضرع : قال الحافظ
فقير وخسته بدركاهت آمدم رحمى ... كه جزدعاى توام نيست هيج دست آويز(8/64)
لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94)
{ لقد احصاهم } اى حصرهم واحاط بهم بحيث لا يكاد يخرج منهم احد من حيطة علمه وقبضة قدرته وملكوته مع افراط كثرتهم { وعدهم عدا } اى عد اشخاصهم وانفاسهم وآجالهم .(8/65)
وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)
{ وكلهم آتيه يوم القيامة فردا } اى كل واحد منهم آت اياه تعالى منفردا من الاتباع والانصار فلا يجانسه شئ من ذلك ليتخذه ولدا ولا يناسبه ليشرك به وفى الحديث القدسى « كذبنى ابن آدم » اى نسبنى الى الكذب لائقا به بل كان خطا « وشتمنى » الشتم وصف الغير بما فيه نقص وازراء « ولم يكن له ذلك فاما تكذيبه اياى فقوله لن يعيدنى كما بدأنى » يعنى لن يحيينى الله بعد موتى كما خلقنى وليس اول الخلق باهون علىّ اى باسهل والخلق بمعنى المخلوق من اعادته اى من اعادة المخلوق بل اعادته اسهل لوجود اصل البنية .
اعلم ان هذا مذكور على طريق التمثيل لان الاعادة بالنسبة الى قوانا ايسر من الانسان واما بالنسبة الى قدرة الله تعالى فلا سهولة فى شئ ولا صعوبة « واما شتمه اياى فقوله اتخذ الله ولدا » وانما صار هذا شتما لان التولد هو انفصال الجزء عن الكل بحيث ينمو وهذا انما يكون فى المركب وكل مركب محتاج الى مؤلف او لان الحكمة فى التولد استحفاظ النوع عند فناء الآباء تعالى الله عما لا يليق .
فان قلت قوله « اتخذ الله » تكذيب ايضا لانه تعالى اخبر ان لا ولد له وقوله « لن يعيذنى » شتم ايضا لانه نسبة له الى العجز فلم خص احدهما بالشتم والآخر بالتكذيب .
قلت نفى الاعادة نفى صفة كمال واتخاذ الولد اثبات صفة نقصان له والشتم افحش من التكذيب ولذلك نفاه الله عنه بابلغ الوجوه فقال « وانا الاحد » اى المتفرد بصفات الكمال من البقاء والتنزه وغيرهما الواو فيه للحال « الصمد » بمعنى الصمود يعنى المقصود اليه فى كل الحوايج « الذى لم يلد » هذا نفى للتشبيه والمجانسة « ولم يولد » هذا وصف بالقدم والاولية « ولم يكن له كفوا أحد » هذا تقرير لما قبله .
فان قلت لا يلزم من نفى الكفو فى الماضى نفيه فى الحال والاستقبال . قلت يلزم لانه اذا لم يكن فى الماضى فوجد يكون حادثا والحادث لا يكون كفوا للقجيم كذا فى شرح المشارق لابن ملك فاذا ثبت ان الالوهية والربوبية لله تعالى وانه لا يجانسة ولا يشاركه شئ من الملخوقات ثبتت العبودية والمربوبية للعبد وان من شأنه ان لا يعبد شيأ من الاجسام والارواح ولا يتقيد بشئ من العلويات والسفليات بل يخص عبادته بالله تعالى ويجرد توحيده عن هواه .
قال على رضى الله عنه قيل للنبى عليه السلام هل عدت وثنا قط قال لا قيل هل شرب خمرا قط قال لا وما زلت اعرف ان الذى هم الكفار عليه كفر وما كنت ادرى ما الكتاب ولا الايمان فهذا من آثار حسن الاستعداد حيث استغنى عن البرهان بقاطع العقل فليتبع العاقل اثر متبوعه المصطفى عليه السلام وقد لاح المنار واستبان النور من النار فالنور هو التوحيد والاقرار والنار هو الشرك والانكار والتوحيد اذا تجلى بحقائقه ظهر التجريد وهو اذا حصل بمعانيه ثبت التفريد فالفردانية صفة السر الاعلى وهى حاصلة للعارفين فى هذه الدار ولغيرهم يوم القيامة وما فى هذه الدار اختيارى مقبول وما فى الآخرت اضطرارى مردود فيا اربابالشرك اين التوحيد ويا اهل التوحيد اين التجريد ويا اصحاب التجريد اين التفريد .(8/66)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)
{ ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات } جمعوا بين عمل القلب وعمل الجوارح { سيجعل لهم الرحمن ودّا } اى سيحدث لهم فى القلوب مودة من غير تعرض منهم لاسبابها من قرابة او صداقة او اصطناع معروف او غير ذلك سوى مالهم من الايمان والعمل الصالح والسين اما لان السورة مكية وكان المؤمنين حينئذ ممقوتين بين الكفرة فوعدهم الله ذلك اذا قوى الاسلام واما ان يكون ذلك يوم القيامة يجيبهم الله الى خلقه بما يظهر من حسناته .
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان بذر الايمان اذا وقع فى ارض القلب وتربى بماء الاعمال الصالحات ينمو ويتربى الى ان يثمر فتكون ثمرته محبة الله ومبحة الانبياء والملائكة والمؤمنين جميعا كما قال تعالى { تؤتى اكلها كل حين باذن ربها } انتهى .
واعلم ان المحبة الموافقة ثم الميل ثم الود ثم الهوى ثم الوله فالموافقة للطبع والميل للنفس والود للقلب والمحبة للفؤاد وهو باطن القلب والهوى غلبة المحبة والوله زيادة الهوى يقال نور المحبة ثم نار العشق ثم حرارة الشهوة ثم البخار اللطيف ثم النفس الرقيق ثم الهواء الدقيق .
قال رجل لعبد الله ابن جعفر ان فلان يقول انا احبك فيم اعلم صدقه فقال استخبر قلبك فان توده فانه يودك قيل
وعلى القلوب من القلوب دلائل ... بالود قبل تشاهد الاشباح
وفى الحديث « اكثروا من الاخوان فان ربكم حى كريم يستحيى ان يعذب عبده بين اخوانه يوم القيامة » وعنه عليه السلام « من نظر الى اخيه نظر مودة ولم يكن فى قلبه احنة لم يطرف حتى يغفر الله له ما تقدم من ذنبه » يقال طرف بصره اذا اطبق احد جفنيه على الآخرة .
قال عمر رضى الله عنه ثلاث يثبتن الود فى صدر الخيك ان تبدأه بالسلام وان توسع له فى المجلس وان تدعوه باحب اسمائه اليه .
وقال سقراط اثن على ذى المودة خيرا عند من لقيت فان رأس المودة حسن الثناء كما ان رأس العداوة وسوء الذكر
ومن بلاغات الزمخشرى محك المودة الآخاء حال الشدة دون حال الرخاء .
وقال ابو على الدقاق قدس سره لما سعى غلام الخليل بالصوفية واما الشحام والرقام والنورى وجماعة فقبض عليهم فبسط النطح لضرب اعناقهم فتقدم النورى فقال السياق تدرى لماذا تبادر فقال نعم فقال وما يعجلك فقال اوثر اصحابى بحياة ساعة فتحير السياف فانتهى الخبر الى الخليفة فردهم الى القاضى ليتعرف حالهم فالقى القاضى على ابن ابى الحسن النورى مسائل فقيهة فاجاب عن الكل ثم اخذ يقول وبعد فان لله عبدا اذا قاموا قاموا بالله واذا نطقوا نطقوا بالله وسرد الفاظا ابكى القاضى فارسل القاضى الى الخليفة وق لان كان هؤلا زنادقة فما على وجه الارض مسلم فانظر واعتبر من معاملة النورى مع اخوانه فانه آثرهم حال الشدة علىنفسه بخلوس جنانه
حديث عشق ازان يطال منيوش ... كه درسختى كند يارى فراموش(8/67)
فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97)
{ فانما يسرناه } اى سهلنا القرآن . وبالفارسية [ بس جزاين نيست كه آسان كردانيده تمر آنرا ] { بلسانك } بان انزلناه على لغتك والباء بمعنى على والفاء لتعليل امر ينساق اليه النظم الكريم كأنه قيل بعد ايحاء السورة الكريمة بلغ هذا المنزل وبشر به وانذر فانما يسرناه بلسان العربى المبين { لتبشر به } [ تامزده دهى بدو ] { المتقين } اى الصائرين الى التقوى بامتثال ما فيه من الامر والنهى { وتنذر به } يقال انذره بالامر انذار اعلمه وحذره وخوفه فى ابلاغه كما فى القاموس { قوما لدّا } لا يمؤمنون به لحجاجا وعنادا . واللد جمع الالد وهو الشديد الخصومة اللجوج المعاند .
قال فى القاموس الالد الخصيم الشحيح الذى لا يزيغ الى الحق وفى الحديث « ابغض الرجال الى الله الالد الخصم »
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان حقيقة القرآن التى هى صفة الله تعالى القديمة القائمة بذاته لا تسعها ظروف الحروف المحدثة المعدودة المتشابهة لانها قديمة غير معدودة ولا متناهية وانما يسر الله درايته يقلب النبى عليه السلام وقراءته باللسان العربى المبين ليبشر به المتقين لانهم اهل البشارة وهم اصناف ثلاثة فصنف منهم يتقون الشرك بالتوحيد وصنف يتقون المعاصى بالطاعة وصنف يتقون عما سوى الله تعالى بالله وينذر به قوما لدا شدادا فى الخصومة لانهم اهل الانذار وهم ثلاث فرق ففرقة منهم الكفار الذين يقاتلون على الباطل وفرقة منهم اهل الكتابالذين يخاصمون على اديانهم المنسوخة وفرقة منهم اهل الاهواء والبدع والفلاسفة الذين يجادلون اهل الحق بالباطل .(8/68)
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)
{ وكم اهلكنا قبلهم من قرن } سبق معنى القرن اى قرونا كثيرة اهلكنا قبل هؤلاء المعاندين بعد ان أنذرهم انبياؤهم بآيات الله وحذروهم عذابه وتدميره { هل تحس منهم من احد ] .
قال فى تهذيب المصادر الاحساس [ دانستن وديدن ] قال الله تعالى { هل تحس منهم من احد } الخ اى هل تشعر باحد منهم وترى اى لا وبالفارسية [ هيج مى بايد ومى بينى ازان هلاك شد كان يكى را ] { او تسمع لهم } [ يا مى سنوى مرا ايشانرا ] { ركزا } اى صوتا خفيا واصل الركز هو الخفاء ومنه ركز الرمح اذا غيب طرفه فى الارض والركاز المال المدفوع المخفى والمعنى اهلكناهم بالكلية وأستأصلناهم بحيث لا يرى منهم احد ولا يسمع منهم صوت خفى . وبالفارسية يعنى [ جون عذاب ما بديشان فرود آمد مستأصل شدند نه از ايشان شخصى باقى ماندكه كسى بيند ونه آواز برجاى كه كسى بشنود بلكه مؤكل قهر الهى باهيكجس درناسخت وهمه را بدست فنا دردام خمول ونسيان انداخت ]
كان لم يخلقوا ولم يكونوا
كواثر از سروران تاج بخش ... كونشان از خسروان تاجدار
سوخت ديهيم شهان كامجوى ... خاك شد تحت ملوك مامكار
وفى الآية وعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى ضمن وعيد الكفرة بالاهلاك وحث له على الانذار قال الشيخ سعدى قدس سره
بكوى آنجه دانى سخن سومند ... وكر هيجكس را نيايد بسند
كه فردا بشيمان برآرد خروش ... كه آوخ جرا حق نكردم بكوش
بكمراء كفتن نكو ميروى ... كناه بزركست وجور قوى
مكو شهد شيرين شكر فايقست ... كسى راكه سقمونيا لا يقست
جه خوش كفت يكروز دار وفروش ... شفا بايدت داروى تلخ نوش
وفى المثنوى
هركسى كو ازصف دين سر كشست ... ميرود سوى صفى كان وابست
تو زكفتار تعالى كم مكن ... كيميائى بس شكر فست اين سخن
كرمسى كردد زكتارت نفير كيميارا هيج ازوى وامكير اين زمان كريست نفس ساحرش ... كفت تو سودش كند دد آخرش
قل تعالى قل تعالوا اى غلام ... هين كه ان الله يدعو بالسلام(8/69)
طه (1)
{ طه } اختلفوا فيه اكثر مما فى غيره من المقطعات . فقال بعضهم هواسم القرآن او اسم السورة او اسم الله او مفتاح الاسم الطاهروالهادى .
وقال بعضهم هو اسم من اسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل احمد ويس وغير ذلك كما قال عليه السلام « انا محمد وانا احمد والفاتح القاسم الحاشر والعاقب والماحى وطه ويس » ويؤيده الخطاب فى عليك فيكون حرف النداء محذوف ياطه والطاء والهاء اشارة الى انه عليه السلام طالب الشفاعة للناس وهادى البشرى اوانه طاهر من الذنوب وهاد الى علام الغيوب .
قال الكاشفى [ يا طا طهارت دل اوست ازغير حق تعالى وهاهدايت او بقرب حق ] .
قال الامام جعفر الصادق رضى الله عنه طه قسم بطهارة اهل البيت وهدايتهم كما قال تعالى { ويطهركم تطهيرا } او بطوبى والهاوية اى الجنة والنار .
وفى زاد المسير الطاء طيبة والهاء مكة والله تعالى اقسم بهذين الحرمين او الطاء طلب الغزاة والهاء هرب هرب الكفار او طلب اهل الجنان وهو ان ارباب النيران .
وفى التأويلات النجمية يا من طوبى به بساط النبوة وايضا يا من طوى به المكونات الى هويتنا انتهى .
وقال بعضهم انه ليس من الحروف المقطعة بل هو موضع بازاء يا رجل بلغة عك او بلسان الحبشة او النبطية او السريانية والمرد به حضرة الرسالة [ ود بعضى تفاسير آمده كه طا بحساب جمل نه است وهابنجومجموع جهارده باشد وغالب آنست كه ماه رامرتبه بدريت دردجهاردهم حاصل شود بس درضمن اين خطاب مندرجست كه اى ماء شب جهارده ومنادى حضرت رسالتست وبدريت اشارة بكمال مرتبه جامعيت آن حضرت ] كما لا يخفى على العرفاء
ماه جون كامل شود انور بود ... وانكه او مرآت نور خور بود
كاه ماه بدرى وكه شاه بدر ... صدرتو مشروح وكارت شرح صدر
درشب تاريكى وكفر وضلال ... ازمهت روشن شود نور جلال
جوز الحسن طه بوزن هب على انه امر للرسول عليه السلام بان يطأ الارض بقدميه معا فانه لما نزل عليه الوحى اجتهد فى العبادة وكان يصلى الليل كله ويقوم على احدى رجليه تخفيفا على الاخرى لطول القيام ويتعب نفسه كل الاتعاب فيكون اصله طأ من وطئ يطأ قلبت همزته هاء .
وفى الحديث « ان الله تعالى قرأ طه ويس قبل ان يخلق آدم بالفى عام فلما سمعت الملائكة القرآن قالت طوبى لاجواف تحمل هذا وطوبى لامة محمد ينزل هذا عليهم وطوبى لا لسن تتكلم بهذا » رواه الطبرانى وصاحب الفردوس . وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اعطيت السورة التى ذكرت فيها البقرة من الذكر الاول واعطيت طه وطواسين من الواح موسى واعطيت فواتح القرآن وخواتيم السورة التى ذكرت فيها البقرة من تحت العرش واعطيت المفصل نافلة » كذا فى بحر العلوم .(8/70)
مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2)
{ ما انزلنا عليك القرآن لتشقى } الشقاء شائع بمعنى التعب ومن اشقى من رائض المهر اى اتعب ممن يجعل المهر وهو ولد الفرس صالحا للركوب بان تزول عنه الصعوبة وينقاد لصاحبه وفى ذلك العمل مشقة وتعب للرائض ولذلك يضرب به المثل والمعنى لتتعب بفرط تأسفك على كفر قريش اذ ما عليك الا البلاغ وقد فعلت فلا عليك ان يؤمنوا به بعد ذلك او بكثرة الرياضة وكثرة التهجي والقيام على ساق اذا ما بعثت الا بالحنفية السمحة . وبالفارسية [ نفر ستاديم ما بر توقر آنرا تادررنج افتى وشب خواب نكنى وبواسطه قيام درنماز الم ورم بباى مباركت رسد ] .
وفى التأويلات النجمية { ما انزلنا عليك القرآن لتشقى } فى الدنيا او العقبى بل انزلناه على قلبك لتسعد بتخلقك بخلقه لتكون على خلق عظيم وليسعد بك اهل السموات واهل الارضين فتكون الشقاوة ضد السعادة ويجوز ان يكون ردا للمشركين وتكذيبا لهم فان ابا جهل والنضر بن الحارث قالا له انك شقى لانك تركت دين آبائك وان القرآن انزل عليك لتشقى به فاريد رد ذلك بان دين الاسلام وهذا القرآن هو السلم الى نيل كل فوز والسبب فى درك كل سعادة وما فيه الكفرة هو الشقاوة بعينها .(8/71)
إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3)
{ الا تذكرة لمن يخشى } نصب على انه مفعول له لانزلنا معطوف على تشقى بحسب المعنى بعد نفيه بطريق الاستدراك المستفاد من الاستثناء المنقطع فان الفعل الواحد لا يتعدى الى علتين الامن حيث البدلية او العطف كأنه قيل ما انزلنا عليك القرآن للتعب فى تبليغه ولكن تذكيرا وموعظة ولمن يعلم الله منه ان يخشى بالتذكرة والتخويف وقد جرد التذكرة عن اللام لكونها فعلا لفاعل الفعل المعلل وتخصيصها بهم مع عموم التذكرة والتبليغ لقوله تعالى { ليكون للعالمين نذيرا } لانهم المنتفعون بها .
قال فى الكبير ويدخل تحت قوله { لمن يخشى } الرسول لانه فى الخشية والتذكرة فوق الكل .(8/72)
تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4)
{ تنزيلا } اى نزل القرآن تنزيلا { ممن } متعلقة بتنزيلا { خلق } اخرج من العدم الى الوجود { الارض والسموات العلى } تخصيص خلقهما لانهما قوام العالم واصوله وتقديم الارض لكونها اقرب الى الحس واظهر عنده من السموات ووصف السموات بالعلى وهوجمع العليا تأنيث الاعلى للدلالة على عظم قدرة خالقها بعلوها وعطف السموات على الارض من عطف الجنس على الجنس لان التعريف مصروف الى الجنس لا من عطف الجمع على المفرد حتى يلزم ترك الاولى من رعاية التطابق بين المعطوف والمعطوف عليه .(8/73)
الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)
{ الرحمن } رفع على المدح اى هو الرحمن او مبتدأ واللام فيه للعهد مشارا به الى من خلق خبره ما بعده { على العرش } الذى يحمله الملائكة متعلقة بقوله { استوى } اعلم ان العرش سرير الملك والاستواء الاستقرار والمرد به ههنا الاستيلاء ومعنى الاستيلاء عليه كناية عن الملك لانه من توابع الملك فذكر اللازم واريد الملزوم يقال استوى فلان على سرير الملك على قصد الاخبار عنه بانه ملك وان لم يقعد على السرير المعهود اصلا فالمراد بيان تعلق ارادته الشريفة بايجاد الكائنات وتدبير امرها اذا البارى مقدس الانتقال والحلول وانما خلق العرش العظيم ليعلم المتعبدون الى اين يتوجهون بقلوبهم بالعبادة والدعاء فى السماء كما خلق الكعبة ليعلموا الى اين يتوجهون بابدانهم فى العبادة فى الارض [ وشيخ اكبر قدس سره در فتوحات فرموده كه استواء خداوند بر عرش در قرآنست ومراد بدين ايمانست تأويل نجوييم كه تأويل درين باب طغيانست بظاهر قبول كنيم وبباطن تسليم كه اين اعتقاد سفيانست اماميدانم كه نه محتاج مكانس ونه عرش برد دارنده اوست كه اوست بر دارنده مكان ونكه دارنده عرش ]
نى مكان ره يافت سويش نه زمان ... نى بيان دارد خبرزو نه عيان
اين همه مخلوق حكم داورست ... خالق عالم زعالم بر ترست
قال بعضهم ليس على الكون من اثر ولا على الاثر من كون .
قال بعضهم انا نقطع بان الله منزه عن المكان والالزم قدم المكان وقد دل الدليل على ان لا قديم سوى الله تعالى وانه تعالى لم يرد من الاستواء الاستقرار والجلوس بل مراده به شئ آخر الا انا لا نشتغل بتعيين ذلك المراد خوفا من الخطأ ونفوض تأويل المتشابهات الى الله تعالى كما هو رأى من يقف على ( لا الله ) وعليه اكثر السلف كما روى عن مالك واحمد الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والبحث عنها بدعة وما كان مقصود الامامين الاجلين بذلك الا المنع من الجدال وقد احسنا حيث حسما بذلك باب الجدال وكذلك فعل الجمهور لان فى فتح الاب الجدال ضررا عظيما على اكثر عباد الله .
وقد روى ان رجلا سأل عمر رضى اللهعنه عن آيتين متشابهتين فعلاه بالدرة .
وقال بعض كبار المحققين من اهل الله تعالى المراد بهذا الاستواء استواؤه سبحانه لكن لا باعتبار الايجادى وتجليه الحسى الاحدى وانما كان العرش محل هذا الاستواء لان التجليات الذاتية التى هى شروط التجليات المتعينة والاحكام الظاهرة والامور البارزة والشئون المتحققة فى السماء والارض وفيما بينهما من عالم الكون والفساد بالامر الالهى والايجاد الاولى انما تمت باستيفاء لوازمها واستكمال جوانبها واستجماع اركانها الاربعة المستوية فى ظهور العرش بروحة وصورته وحركته الدورية لانه لا بد فى استواء تجليات الحق سبحانه فى هذه العوالم بتجليه الحس وامره الايجاد من الامور الاربعة التى هى من هذه التجليات الحسية والايجادية بمنزلة الشكل المستوى المشتمل على الحد الاصغر والاكبر والاوسط المكرر الكائن به السورة ذات الاركان الاربعة من النتيجة وتلك الامور اربعة هى الحركة المعنوية الاسمائية والحركة النورية الروحانية والحركة الطبيعية المثالية والحركة الصورية الحسية وتلك الحركة الصورية الحسية هى حركة العرش وهى بمنزلة الحد الاكبر ولما استوى امر تمام حصور الاركان الاربعة الموقوف عليها بتوقيف الله تعالى التجليات الايجادية الامرية المتنزلة بين السموات السبع والارضين السبع بحسب مقتضيات استعدادات اهل العصر وموجب قابليات اصحاب الزمان فى كل يوم بل فى كل آن كما اشير اليه بقوله تعالى(8/74)
{ يتنزل الامر بينهن } وقوله تعالى { كل يوم هو فى شأن } فى العرش كان العرش مستوى الحق سبحانه بالاعتبار المذكور الثانى لا بالاعتبار المزبور الاول وفى الحقيقة بالنظر الى هذا الاعتبار هو مستوى امره الايجادى لا مستوى نفسه وذاته فلا اضطراب ولا خلجان فى الكلام والمقال والحال .
ثم ان استواء الامر الارادى الايجادى على العرش بمنزلة استواء الامر التكليفى الارشادى على الشرع فكما ان كل واحد من الامرين قلب الآخر وعكسه المستوى السوى فكذلك كل واحد من العرش والشرع قلب الآخر وعكسه السوى المتسوى .
يقول الفقير قواه الله القدير لا شك ان بين زيد والعالم فرقا من حيث ان الاول يدل على الذات المجردة والثانى على المتصفة بصفة العلم فاسناد الاستواء الى عنوان الاسم الرحمن الذى يراد به صفة الرحمة العامة وان كان مشتملا على الذات دون الاسم الله الذى يراد به الذات وان كان مستجمعا لجميع الصفات ينادى بتنزه ذاته تعالى عن الاستواء وان الذى استوى على العرش المحيط بجميع الاجسام هو الرحمة المحيطة بالكل ومن لم يفرق بين استواء الذات واستواء الصفة فقد اخطأ وذلك ان الله تعالى غنى بذاته عن العالمين جميعا متجل بصفاته واسمائه فى الارواح والاجسام بحيث لا يرى فى مرائى الاكوان الا صور التجليات الاسمائية والصفاتية ولا يلزم من هذا التجلى ان تحل ذاته فى كون من الاكوان اذ هو الآن على ما كان عليه قبل من التوحد والتجرد والتفرد والتقدس ولذا كان اعلى المراتب الوصول الى عالم الحقيقة المطلقة اطلاقا ذاتيا كما اشار اليه قوله تعالى { لا يمسه الا المطهرون } وفى الحديث « ان الله احتجب عن البصائر كما احتجب عن الابصار وان الملأ الاعلى يطلبونه كما تطلبونه انتم » ذكره فى الروضة فهذا يدل عل ان الله تعالى ليس فى السماء ولا فى الارض ولو كان لانقطع الطلب واما قوله عليه السلام « يا رب انت فى السماء ونحن فى الارض فما علامة غضبك من رضاك قال اذا استعملت عليكم خياركم فهو علامة رضاى عنكم واذا استعملت عليكم شراركم فهو علامة سخطى عليكم »(8/75)
على ما ذكره الشيخ الاكبر قدس سره الا طهر فى كتاب المسامرة .
وقوله عليه السلام لجارية معاوية بن الحكم السلمى « اين الله » فقالت فى السماء فقال « من انا » فقالت انت رسول الله فقال « اعتقها فانها مؤمنة » ونحو ذلك من الاخبار الدالة على ثبوت المكان له تعالى فمصروفة عن ظواهرها محمولة على محل ظهور آثار صفاته العيلا ولذا خص السماء بالذكر لانها مهبط الانوار ومحل النوازل والاحكام ومن هذا ظهر ان من قال ان الله فى السماء عالم اراد به المكان كفر وان اراد به الحكاية عما جاء فى ظاهر الاخبار لا يكفر لانها مؤولة والاذهان السليمة والعقول المستقيمة لا تفهم بحسب السليقة من مثل هذه التشبيهات الاعين التنزيه - روى - ان امام الحرمين رفع الله درجته فى الدارين نزل ببعض الاكابر ضيفا فاجتمع عنده العلماء والاكابر فقام واحد من اهل المجلس فقال ما الدليل على تنزيهه تعالى عن المكان وهو قال { الرحمن على العرش استوى } فقال الدليل عليه قول يونس عليه السلام فى بطن الحوت { لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين } فتعجب منه الناظرون فالتمس صاحب الضيافة بيانه فقال الامام ان ههنا فقيرا مديونا بالف درهم اد عنه دينه حتى ابينه فقبل صاحب الضيافة دينه فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذهب فى المعراج الى ما شاء الله من العلى قال هناك « لا احصى ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك » ولما ابتلى يونس عليه السلام بالظلمات فى قعر البحر ببطن الحوت قال { لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين } فكل منها خاطب بقوله انت وهو خطاب الحضور فلو كان هو فى مكان لما صح ذلك فدل ذلك على انه ليس فى مكان . فان قلت فليكن فى كل مكان . قلت قد اشرت الى انه فى كل مكان بآثار صفاته وانوار ذاته لا بذاته كما ان الشمس فى كل مكان بنورها وظهورها لا بوجودها وعينها ولو كان فى كل مكان بالمعنى الذى اراد جهلة المتصوفة فيقال فاين كان هو قبل خلق هذه العوالم ألم يكن له وجود متحقق فان قالوا لا فقد كفروا وان قالوا بالحلول والانتقال فكذلك لان الواجب لا يقارن الحادث الا بالتأثير والفيض وظهور كمالاته فيه لكن لا من حيث انه حادثا مطلقا بل من حيث ان وجوده مستفاض منه فافهم .
فان قلت فاذا كان تعالى منزها عن الجهة والمكان فما معنى رفع الايدى الى السماء وقت الدعاء . قلت معناه الاستعطاء من الحزانة لان خزائنه تعالى فى السماء كما قال { وفى السماء رزقكم وما توعدون } وقال { وان من شئ الا عندنا خزائنه وام ننزل الا بقدر معلوم } فثبت ان العرش مظهر استواء الصفة الرحمانية وان من يثبت له تعالى مكانا فهو من المجسمة ومنهم جهلة المتصوفة القائلون بانه تعالى فى كل مكان ومن يليهم من العلماء الزائغين عن الحق الخارجين عن طريق العقل والنقل والكشف فمثل مذهبهم وقذره كمثل مذهبهم وقذره فنعوذ بالله تعالى من التلوث يلوث الجهل والزيغ والضلال ونعتصم به عما يعصم من الوهم والخيال والحق حق والاشياء اشياء ولا ينظر الى الحق بعين الاشياء الا من ليس فى وجهه حياء .(8/76)
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6)
{ له ما فى السموات وما فى الارض } سواء كان ذلك بالجزئية منهما او بالحلول فيهما { وما بينهما } من الموجودات الكائنة فى الجو دائما كالهواء والسحاب او اكثريا كالطير اى له تعالى وحده دون غيره لا شركة ولا استقلالا كل ما ذكر ملكا وتصرفا واحياء واماتة وايجادا واعداما { وما تحت الثرى } الثرى التراب الندى اى الرطب والارض كما فى القاموس ويجوز الحمل على كليهما فى هذا المقام فان ظاهر الارض تراب جاف وما هو اسفل منه تراب مبتل .
فان قلت الثرى اذا كان محمولا على السطح الاخير من العالم فما الذى تحته حتى يكون الله تعالى مالكا له . قلت هو اما الثور او الحوت او الصخرة او البحر او الهواء على اختلاف الروايات وقال بعضهم اراد الثرى الذى تحت الصخرة التى عليها الثور الذى تحت الارض ولا يعلم ما تحت الثرى الا الله تعالى كما لا يعلم احد ما فوق السدرة الا هو اى الذى هو التراب الرطب مقدار خمسمائة عام تحت الارض ولولا ذلك لاخرقت النار الدنيا وما فيها كما فى انسان العيون .
قال كاشفى [ زمين بردوش فرشته ايست وقدمين فرشته برصخره ايست وصخره برشاخ كاوى وقوائم كاو بربشت ما هى ازحوض كوثر وما هى ثابت است بر بحر وبحر بر جهنم مبنى برريح وريح برحجابى ازظلمت وآن حجاب برثرى وعلم اهل آسمان ومين تاثرى بيش نرسد وما تحت الثرى جز حق سبحانه نداند ] وقال ابن عباس رضى الله عنهما ان الارضين على ظهر النون والنون على بحر ورأسه وذنبه يلتقيان تحت العرش والبحر على صخرة خضراء خضرة السماء منها وهى الصخرة المذكورة فى سورة لقمان فى قوله { فتكن فى صخرة } والصخرة على قرن ثور والثور على لاثرى وما تحت الثرى لا يعلمه الا الله تعالى وذلك الثور فاتح فاه فاذا جعل الله البحار بحرا واحدا سالت فى جوفه فاذا وقعت فى جوفه يبست ذكره البغوى .(8/77)
وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)
{ وان تجهر بالقول } اى ان تعلن بذكره تعالى ودعائه .
فاعلم انه تعالى غنى عن جهرك واعلانك { فانه } تعالى { يعلم السر واخفى } يقال فلان يحسن الى الفقراء لا يراد حال ولا وستقبال وانما يراد وجود الاحسان منه فى جميع الازمنة والاوقات ومه قوله { يعلم السر واخفى } علمهما منه مستمر دائم وذلك ان علمه تعالى منزه عن الزمان كما هو منزه عن المكان باسره فالتغيير على المعلوم لا على العلم عندنا والسر واحد الاسرار وهو ما يكتم ومنه اسرّ الحديث اذا اخفاه وتنكير اخفى للمبالغة فى الخفاء اى يعلم ما اسررته الى غيرك وشيأ اخفى من ذلك وهو ما اخطرته ببالك من غير ان تتقوّه به اصلا وما اسررته فى نفسك واخفى منه وهو ما ستسره فيما سيأتى اى ما يلقيه الله فى قلبك من بعد ولا تعلم انك ستحدث به نفسك وهذا اما نهى عن الجهر كقوله تعالى { واذكر ربك فى نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول } واما ارشاد للعباد الى ان الجهر ليس لاسماعه بل لغرض آخر من تصور النفس بالذكر ورسوخه فيها ومنعها من الاشتغال بغيره وقطع الوسوسة عنها وهضمها بالتضرع والجؤار وايقاظ الغير ونشر البركات الى مدى صوته وتكثير اشهاد ونحو ذلك وجاء انه عليه السلام لما توجه الى خيبر اشرف الناس على واد فرفعوا اصواتهم بالتكبير الله اكبر لا اله الا الله فقال عليه السلام « اربعوا على انفسكم » اى ارفعوا بأنفسكم لا تبالغوا فى رفع اصواتكم { انكم لا تدعون اصم ولا غائبا انكم تدعون سمعيا قريبا وهو معكم } ويحتاج الى الجمع بين هذا امره عليه السلام برفع الاصوات بالتلبية وقد يقال المنهى عنه هنا الرفع الخارج عن العادة الذى ربما آذى بدليل قوله عليه السلام « اربعون على انفسكم » اى ارفقوا بها كذا فى انسان العيون .
يقول الفقير انما نهى النبى عليه السلام اصحاب عن رفع الصوت اخفاء لامره عن العدو ولان اكثر اصحابه كانوا ارباب احوال فشأنهم الاعتدال بل الاخفاء الا لضرورة قوية كما فى ازاء العدو او اللصوص تهييبا لهم ولا شك ان اعدى العدو النفس واشد اللصوص الشيطان ولذا اعتاد الصوفية بجهر الذكر تهييبها لهما وطرد اللوسوسة وقد اختار الحمكماء للسلطان جهارة الصوت فى كلامه ليكون اهيب لسامعيه واوقع فى قلوبهم كما فى العقد الفريد .
وفى التأويلات النجمية السر باصطلاح اهل التحقيق لطيفة بين القلب والروح وهو معدن اسرار الروحانية والخفى لطيفة بين الروح والحضرة الالهية وهو مهبط انوار الربوبية واسرارها ولهذا قال عقيب قوله { يعلم السر واخفى الله لا اله الا هو } الآية اشارة ان مظهر الوهية صفاته العليا انما هو الخفى الذى هو اخفى من السر اى الطف واعز واعلى واشرف واقرب الى الحضرة الا وهو سر وعلم آدم الاسماء كلها وهو حقيقة قوله عليه السلام « ان الله خلق آدم فتجلى فيه »
ثم اعلم ان لطيفه السر التى بين القلب والروح تكون موجودة فى كل انسان عند نشأته الاولى واخفى ينتشئ عند نشأته الاخرى فلذا يمكن ان يكون كل انسان مؤمن او كافر معدن اسرار الروحانية وجملتها المعقولات ولا يمكن الا لمؤمن موحد ان يكون مهبط انوار الربانية واسرارها وجملتها المشاهدات والمكاشفات وحقائق العلوم اللدنية .(8/78)
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8)
{ الله } خبر مبتدأ محذوف اى ذلك المنعوت بما ذكر من النعوت الجليلة الله { لا اله الا هو } لا معبود فى الارض ولا فى السماء الا هو دل على الهوية بهذا القول فان هو كناية عن غائب موجود والغائب عن الحواس الموجود فى الازل هو الله تعالى وفيه معنى حسن وهو المتعالى عن درك الحواس حتى استحق اسم الكناية عن الغائب من غير غيبة كما فى بحر العلوم .
يقول الفقير على هذا المعنى بنى الصوفية ذكرهم بالاسم هو اخفاء وجهرا اجتماعا وانفرادا مع ان مرجعه هو الله فيكون فى حكم الاسم المظهر ولا ينازع فيه الا مكابر وفى الحديث « ان الله خلق ملكا من الملائكة قبل ان خلق السموات والارض وهو يقول اشهد ان لا اله الا الله ماذا بها صوته لا يقطعها ولا يتنفس فيها ولا يتمها فاذا اتمها امر اسرافيل بالنفخ فى الصور وقامت القيامة » كما فى التفسير الكبير فعلم منه ان الركن الاعظم للعالم ودوام وجوده انما هو الذكر فاذا انقطع الذكر انهدم العالم وكل فوت انما هو من اجل ترك الذكر - ذكر - ان صيادا كان يصيد السمكة وكانت ابنته تطرحها فى الماء وتقول انها ما وقعت فى الشبكة ال لغفلتها .
وفى الحديث « لا تقوم الساعة حتى لا يقال فى الارض الله الله » اكده بالتكرار ولا شك ان لا يذكر الله ذكرا حقيقيا وخصوصا بهذا الاسم الجامع الاعظم المنعوت بجمكيع الاسماء الا الذى يعرف الحق المعرفة التامة واتمم الخلق معرفة بالله فى كل عصر خليفة الله وهو كامل ذلك العصر فكأنه يقول عليه السلام لا تقوم الساعة وفى الارض انسان كامل وهو المشار اليه فانه العماد المعنوى الماسك فان شئت قلت الممسك لاجله فاذا انتقل انشقت السماء وكورت الشمس وانكدرت النجوم وانتثرت وسيرت الجبال وزلزلت الارض وجاءت القيامة كذا فى الفكوك لحضرة الشيخ صدر الدين قدس سره { له الاسماء الحسنى } بيان لكون ما ذكر من الخالقية والرحمانية والمالكية العالمية اسماءه وصفاته من غير تعدد فى ذاته تعالى فانه روى ان المشركين حين سمعوالنبى عليه السلام يقول يا الله يا رحمن قالوا ينهانا ان يعبد الهين وقد يدعو الها آخر . والحسنى تأنيث الاحسن يوسف به الواحدة المؤنثة والجمع من المذكر والمؤنث كمآرب اخرى وآياتنا الكبرى وفضل اسماء الله فى الحسن على سائر الاسماء لدلالتها على معانى التقديس والتمجيد والتعظيم والربوبية والافعال التى هى النهاية فى الفضل والحسن .
قال فى تفسير الكبير يقال ان الله اربعة آلاف اسم ثلاثة آلاف منها لا يعلمها الا الله والانبياء اما الالف الرابعة فان المؤمنين يعلمونها فثلاثمائة فى التوراة وثلاثمائة فى الانجيل وثلاثمائة فى الزبور ومائة فى القرآن تسعة وتسعون ظاهرة وواحد مكنون من احصاها دخل الجنة وليس حسن الاسماء لذواتها لانها الفاظ واصوات بل حسنها لحسن معانيها ثم ليس حين المسمى حسنا ينطلق بالصورة والخلقة فان ذلك محال على من ليس بجسم بل حسن يرجع الى معنى الاحسان مثلا اسم الستار والغفار والرحيم انما كانت حسنى لانها ذالة على معنى الاحسان - روى - ان حكيما ذهب اليه قبيح وحسن والتمسا الوصية فقال للحسن انت حسن ولا يليق بك الفعل القبيح وللقبيح انت قبيح اذا فعلت القبيح عظم قبحك الهنا اسماؤك حسنة وصفاتك حسنة فلا تظهر لنا من تلك الاسماء الحسنة والصفات الحسنة الا الاحسان ويكفينا قبح افعالنا وسيرتنا فلا نضم اليه قبح العقاب ووحشة العذاب .(8/79)
وفى الحديث « اطلبوا الحوايج عند حسان الوجوه » وذلك لانهم اذا قضوا الحاجات قضوا بوجه طلق وان ردوا ردوا بوجه طلق .
كشته ازلطف حق بعرصه خاك ... حسن صورت دليل سيرت باك
وقال بعضهم
يدل على معروفه حسن وجهه ... وما زال حسن الوجه احدى الشواهد
وفى الحديث « اذا بعثتم الىّ رجلا فابعثوه حسن الوجه حسن الاسم » الهنا حسن وجوهنا قبيح بعصياننا فمن هذا الوجه نستحيى طلب الحوائج وحسن الاسماء والصفات يدلنا عليك فلا تردنا على احسانك خائبين خاسرين .
قال موسى الهى أى خلق اكرم عليك قال الذى لا يزال لسانه رطبا من ذكر قال فأى خلقك اعلم قال الذى يلتمس انى اعلم علم غيره قال فأى خلقك اعدل قال الذى يقضى على نفسه كما يقضى على الناس قال فأى خلقك اعظم جرما قال الذى يتهمنى وهو الذى يسألنى ثم لا يرضى بما قضيته له الهنا لا نتهمك فانا نعلم ان كل ما احسنت فهو فضل وكل ما لا تفعله فهو عدل فلا تؤاخذنا بسوء اعمالنا : قال الحافظ
در دائره قسمت ما نقطه تسليميم ... لطف آنجه توانديشى حكم انجه توفرمايى(8/80)
وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9)
{ وهل اتيك حديث موسى } يحتمل ان يكون اول ما اخبر الله به من امر موسى فان السورة من اوائل ما نزل فيكون الاستفهام للانكار اى لم يأتك الى الآن خبر موسى وقصته وقد اتاك الآن بطريق الوحى فتنبه له واذكر لقومك ما فيه من امر التوحيد ونحوه يحتمل انه قد اناه ذلك سابقا فيكون استفهام تقرير فكأنه قال قد اتاك .(8/81)
إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10)
{ اذ رأى نارا } ظرف للحديث - روى - ان موسى عليه السلام تزوج صفوراء وقال السهيلى صفورياء بنت شعيب عليه السلام فاستأذن منه فى الخروج من مدين لزيارة امه واخيه هارون فى مصر فخرج باهله واخذ على غير الطريق خوفا من ملوك الشام فلما اتى وادى طوى وهو بالجانب الغربى من الطور ولد له ولد فى ليلة مظلمة ذات برد وشتاء وثلج وكانت ليلة الجمعة فقدح زنده فصلد اى صوّت ولم يخرج نارا وقيل كان موسى رجلا غيورا يصحب الناس بالليل ويفارقهم بالنهار غيرة منه لئلا يروا امرأته فلذا اخطأ الرفقة والطريق فبينما هو فى ذلك اذ رأى نارا من بعيد على يسار الطريق من جانب الطور فظن انها من نيران الرعاة { فقال لاهله } لامرأته وولده وخادمه فان لاهل يفسر بالازواج والاولاد والعبيد والاماء وبالاقارب وبالاصحاب وبالمجموع كما فى شرح المشارق لابن ملك { امكثوا } اقيموا مكانكم ولا تتبعونى { انى آنست نارا } الايناس الابصار البين الذى لا شبهة فيه ومنه انسان العين لانه يبين به الشئ والانس لظهورهم كما قيل الجن لاستنارهم اى ابصرتها ابصارا بينا لا شبهة فيه فأذهب اليها { لعلى آتيكم منها } راجيا ان اجيئكم من النار { بقبس } بشعلة من النار اى بشئ فيه لهب مقتبس من معظم النار وهى المراد بالجذوة فى سورة القصص وبالشهاب القبس فى سورة النمل يقال قبست منه نارا فى رأس عود او فتيلة او غيرهما لم يقطع بان يقول انى آتيكم لئلا يعد ما لم يتيقن الوفاء به انظر كيف احترز موسى عن شائبة الكذب قبل نبوته فانه حينئذ لم يكن مبعوثا .
قال اكثر المفسرين ان الذى رآه موسى لم يكن نارا بل كان نور الرب تعالى ذكر بلفظ النار لان موسى حسبه نارا .
وقال الامام الصحيح انه رأى نارا ليكون صادقا فى خبره اذا الكذب لا يجوز على الانبياء انتهى .
قال بعض الكبار لما كانت النار بغية موسى تجلى الله له فى صورة مطلوبه المجازى ليقبل عليه ولا يعرض عنه فانه لو تجلى له فى غير صورة مطلبوه اعرض عنه لاجتماع ما تجلى فيه .
كنار موسى يراها عين حاجته ... وهو الاله ولكن ليس يدريه
اى ليس يعرف الالهة المتجلى فى صورة النور والمتكلم فيها { او اجد على النار هدى } هاديا يدلنى على الطريق لان النار قلما تخلو من اهلها وناس عندها على انه مصدر سمى به { لعلى آتيكم منها بخبر او جذوة من النار } وكلمة او فى الموضعين للمنع الخلو دون منع الجمع ومعنى الاستعلاء فى على ان اهل النار يكتنفونها عند الاصطلاء قياما وقعودا فيشرفون عليها .(8/82)
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)
{ فلما اتاها } اى انتهى الى النار التى آنسها قال ابن عباس رضى الله عنه رأى شجرة خضراء احاطت بها من اسفلها الى اعلاها نار بيضاء تتقد كاضوء ما يكون ولم ير هناك احدا فوقف متعجبا من شدة ضوء تلك النار وشدة خضرة تلك الشجرة فلا النار تغير خضرتها ولا كثرة ماء الشجرة تغير ضوء النار فسمع تسبيح الملائكة ورأى نورا عظيما تكل الابصار عنه فوضع يديه على عينيه وخاف وبهت فالقيت عليه السكينة والطمأنينة ثم نودى وكانت الشجرة سمرة خضراء او عوسجة او عليقا او شجرة العناب وهى شجرة لا نار فيها بخلاف غيرها من الاشجار . قالوا النار اربعة اصناف . صنف يأكل ولا يشرب وهى نار الدنيا . وصنف يشرب ولا يأكل وهى نار الشجر الاخضر . وصنف يأكل ويشرب وهى نار جهنم . وصنف لا يأكل ولا يشرب وهى نار موسى .
وقالوا ايضا هى اربعة انواع نوع له احراق بلا نور وهى نار الجحيم . ونوع له نور بلا احراق وهى نار موسى . ونوع له احراق ونور وهى نار الدنيا . ونوع ليس له احراق ولا نور وهى نار الاشجار .
يقول الفقير النور للمحبة والنار للعشق وعند ما كمل وامتلأ نور محبة موسى وتم واشتغل نار عشقه وشوقه تجلى الله له بصورة ما فى بطنه وذلك لانه لما ولد له ولد القلب الذى هو طفل خليفة الله فى ارض الوجود فى ليلة شاتية هى ليلة الجلال ظهر له نور ذاتى فى صورة نار صفاتية لان الصورة انما هى للصفات واحترق جميع انانيته وحصل له التوجه الوحدانى فعند ذلك { نودى } فقيل { يا موسى انى انا } للتوكيد والتحقيق يعنى [ شك مكن زميقن شكوه من ] { ربك } [ بروردكار توام ] { فاخلع } [ بس بيرون كن وبيكفن ازباى خود ] { نعليك } امر بذلك لان الحفوة ادخل فى التواضع وحسن الادب ولذلك كان بشر الحافى ونحوه يسيرون حفاة وكان السلف الصالحون يطوفون بالكعبة حافين
كنجى كه زمين وآسمان طالب اوست ... جون درنكرى برهنه بايان دارند
او ليتشرف مشهد الوادى بقدوم قدميه وتتتصل بركة الارض اليه .
وقيل للحبيب تقدم على بساط العرش بنعليك ليتشرف العرش بغبار نعال قدميك ويصل نور العرش يا سيد الكونين اليك او لانه لا ينبغى لبس النعل بين يدى الملوك اذ دخلوا عليهم وهذا بالنسبة الى المرتبة الموسية دون الجاه المحمدى كما مر آنفا .
وذكر فى فضائل ابى حنيفة انه كان اذا قدم على الخليفة للزيارة استدعى منه الخليفة ان لا ينزل عن بغلته بل يطأبها بساطه . او لانهما كانا غير مدبوغين من جلد الحمار فالخطاب خطاب التأديب كما فى حل الرموز
قال الكاشفى [ اصح آنست كه نعلين ازجلد بقربود وطاهر ] او لان النعل فى النوم يعبر بالزوجة فاراد تعالى ان لا يلتفت بخاطره الى الزوجة والولد .(8/83)
قال فى الاسرار المحمدية جاء فى غرائب التفسير فى قوله سبحانه { فاخلع نعليك } يعنى همك بامرأتك وغنمك .
وقال حضرة الشيخ الشهير بافتاده قدس سره يعنى لاطبيعة والنفس .
يقول الفقير لا شك ان المرأة صورة الطبيعة والولد صورة النفس لان حبه من هواها غالبا وايضا ان المرأة فى حكم الرجل نفسه لانها جزؤ منه فى الاصل والغنم ونحوه انما هو من المعاش التابع للوجود فكأنه قيل فاخلع فكر النفس وما يتبعها ايا كان وتعال .
وقال بعضهم المراد بالنعلين الدنيا والآخرة كأنه امره بالاستغراق فى معرفة الله ومشاهدته والوادى المقدس قدس جلال الله وطهارة عزته .
وقال بعضهم ان اثبات الصانع يكون بمقدمتين فشبهتا بالنعليم اذ بهما يتوصل الى المقصود وينتقل الى معرفة الخالق فبعد الوصول يجب ان لا يلتفت اليهما ليبقى القلب مستغرقا فى نور القدس فكأنه قيل فاخلع فكر الدليل والبرهان فانه لا فائدة فيه بعد المشاهدة والعيان
ساكنان حرم از قبله نما آزادند ... وفى المثنوى
جون شدى بربامهاى آسمان ... سرد باشد جست وجوى ثردبان
آينه روشن كه شد صاف وجلى ... جهل باشد برنهادن صيقلى
بيش سلطان خوش نشسته در قبول ... زشت باشد حستن نامه رسول
ولهذا غسل حضرة الشيخ الشبلى قدس سره جميع كتبه بعد الوصول الى الله تعالى فتدبر { انك بالواد المقدس } المطهر والمتبعد من السوء { طوى } اسم الوادى عطف بيان له .
قال فى القاموس الوادى مفرج بين جبال او تلال او آكام وطوى واذ بالشام وهو بالنوين منصرف بتأويل المكان وبتركه غير منصرف بتأويل البقعة المعروفة - روى - ان موسى عليه السلام خلعهما والقاهما وراء الوادى .(8/84)
وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13)
{ وانا اخترتك } اى اصطفيتك للنبوة والرسالة وقرأ حمزة { وانا اخترناك } { فاستمع } [ بس كوش فرا دار ] { لما يوحى } للذى يوحى اليك منى من الامر والنهى اللام متعلقة بالسمع مزيدة فى المفعول كما فى ردف لكم .(8/85)
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)
{ اننى انا الله } [ بدرستى كه منم خداى تعالى ] وهو بدل من يوحى دال على تقدم علم الاصول على الفروع فان التوحيد من مسائل الاصول والعبادة الآتية من الفروع { لا اله الا انا } [ نيست خدى بغير من ] فاذا كان كذلك { فاعدبنى } فخصنى بالعبادة والتوحيد ولا تشرك بعبادتى احدا { واقم الصلاة } من عطف الخاص على العام لفضله { لذكرى } من اضافة المصدر الى مفعوله اى لتذكرنى وتكون ذاكرا الى فان ذكر الله كما ينبغى عبارة عن الاشتغال بعبادته باللسان والجنان والاركان والصلاة جامعة لها او من اضافته الى فاعله اى لاذكرك بالاثابة .
وفى التأويلات النجمية وأدم المناجات المحاضرة معنى ببدل الوجود لنيل ذكرك اياك بالتجلى على الداوم لافناء وجودك المتجدد .(8/86)
إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)
{ ان الساعة آتية } تعليل لوجوب العبادة واقامة الصلاة . والساعة اسم لوقت تقوم فيه القيامة سمى بها لانها ساعة حقيقة يحدث فيها امر عظيم اى القيامة كائنة لا محالة وانما عبر عن ذلك بالاتياءى تحقيقا لحصولها بابرازها فى معرض امر محقق متوجه نحو المخاطبين { أكاد أخفيها } .
قال فى تفسير الجلالين استرها للتهويل والتعظيم واكاد صلة انتهى .
وقال بعضهم كاد وان كان موضوعا للمقاربة الا انه من الله للتحقق والوجوب فالمعنى اريد اخفاء وقتها عن الخلق ليكونوا على الحذر منها كل وقت كما ان عسى فى قوله تعالى { قل عسى ان يكون قريبا } للقطع بقربه هو قريب . وفى الارشاد لا اظهرها ابان اقول هى آتيةولولا ما فى الاخبار بذلك من اللطف وقطع الاعذار واهوال النار وعذاب جحيمها لئلا تكون عبادتى مشوبة بطمع الجنة وخوف النار بل تكون خالصة لوجهى كما قال تعالى { وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } وفى ذلك تهديد عظيم للعباد واظهار عزة وعظمة لنفسه الا انه سبقت رحمتى غضبى فما اخفيت الساعة واتيانها { لتجزى كل نفس بما تسعى } متعلقة بآتية وما بينهما اعتراض وما مصدرية اى بسعيها وعملها خيرا كان او شرا لتمييز المطيع من العاصى وتخليص السعى بالذكر للايذان بان المراد بالذات من اتيانها هو الاثابة بالعبادة واما العقاب بتركها فمن مقتضيات سوء اختيار العصاة .(8/87)
فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16)
{ فلا يصدنّك عنها } اى لا يمنعنك عن ذكر الساعة ومراقبتها { من لا يؤمن بها } اى بالساعة هذا وان كان بحسب الظاهر نهيا للكافر عن صد موسى عن الساعة لكنه فى الحقيقة نهى له عن الانصداد عنها على ابلغ وجه وآكده فان النهى عن اسباب الشئ ومباديه المؤدية اليه نهى عنه بالطريق البرهانى وابطال للسببية من اصلها { واتبع هواه } مراده المبنى على ميل النفس لا يعضده برهان سماوى ولا دليل عقلى .
وفى الارشاد ما تهواه نفسه من اللذات الحسيبة الفانية { فتردى } من الردى وهو الموت والهلاك اى فتهلك فان الاغفال عنها وعن تحصيل ما ينجى من احوالها مستتبع للهلاك لا محالة والمراد بهذا النهى الامر بالاستقامة فى الدين وهو خطاب له والمراد غيره .
واعلم ان هذه الآيات والآتية بعدها دلت على ان الله تعالى كلم موسى عليه السلام وانه سمع كلام الله تعالى .
فان قيل بأى شئ علم موسى انه كلام الله . قيل لم ينقطع كلامه بالنفس مع الحق كما ينقطع به مع المخلوق بل كلمه تعالى بمدد وحدانى غير منقطع وبانه مسع الكلام من الجوانب الستة وبجميع الاجزاء فصار الوجود كله سمعا وكذا المؤمن فى الآخرة وجه محض وعين محض وسمع محض ينظر من كل جهة وبكل جهة وعلى كل جهة وكذا يسمع بكل عضو من كل جهة واذا شاهد الحق يشهده بكل وجه ليس فى جهة من الجهات لا يحتجب سمعه وبصره بالجهات ويجوز ان يخلق الله تعالى علما ضروريا بذلك كما خلق لنبينا عليه السلام عند ظهور جبريل بغار حراء .
ثم اعلم ان للكلام مراتب فكلام هو عين المتكلم وكلام هو معنى قائم به كالكلام النفسى وكلام مركب من الحروف ومتعين بها وهو فى عالمى المثال والحسن بحسبهما فموسى عليه السلام قد تنزل له الكلام فى مرتبة الامر الى مرتبة الروح ثم الى مرتبة احِس ومن مشى على المراتب لم يعثر ألا ترى ان نبينا عليه السلام اذا نزل عليه الوحى كان يسمع فى بعض الاحياء مثل صلصلة الجرس فان التجلى الباطنى لا يمنع مثل هذا .
فان قلت لماذا يكلم الله موسى حتى صار كليم الله دون سائر الانبياء .
قلت لان الجزاء انما هو من جنس العمل وكان قد احترق لسانه عليه السلام عند الامتحان الفرعونى فجازاه الله بمناجاته اسماع كلامه
هر محنتى مقدمه راحتى بود ... شد همزبان حق جوزبان كليم سوخت
رؤى بعضهم فى النوم فقيل ما فعل الله بك فقال رضى الله عنى ورحمنى وقال لى كل يا من لم يأكل واشرب يا من لم يشرب فجوزى من حيث عمل حيث لم يقل له كل يا من قطع الليل تلاوة واشرب يا من ثبت يوم الزحف .
وقيل لبعضهم وقد رؤى يمشى فى الهواء بم نلت هذه الكرامة فقال تركت هواى لهواه فسخر لى هواه فالعلم والحكمة انما هى فى معرفة المناسبات قضاء عقليا وقضاء الهيا حكميا ومن قال ان الله تعالى يفعل خلاف هذا فليس عنده معرفة بمواقع الحكم .(8/88)
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17)
{ وما تلك } السؤال بما تلك عن ماهية المسمى اى حقيقته الى هو بها هو كقولك ما زيد تعنى ما حقيقة مسمى هذا اللفظ فيجاب بانه انسان لا غير .
قال الكاشفى [ جون موسى نعلين بيرون كرد در وادى مقدس خطاب رسيدكه ] وما تلك . اى أى شئ هذه احال كونها مأخوذة { بيمينك يا موسى } فما استفهامية فى حيز الرفع بالخبرية لتلك المشار اليه اى العصا وهو اوفق بالجواب من عكسه والعامل فى الحال معنى الاشارة ولم يقل بيدك لاحتمال ان يكون فى يساره شئ مثل الخاتم ونحوه فلو اجمل اليه لتحير فى الجواب للاشتباه وسيأتى سر الاستفهام ان شاء الله تعالى .(8/89)
قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18)
{ قال } موسى { هى عصاى } نسبها الى نفسه تحقيقا لوجه كونها بيمينه وتمهديا لما يعقبه من الافاعيل المنسوبة اليه عليه السلام { اتوكؤا عليها } اى اعتمد عليها عند الاعياء فى الطريق وحال المشى وحين الوقوف على رأس القطيع فى المرعى { واهش بها على غنمى } الهش [ بيفشاندن برك ازدرخت ] يقال هش الورق يهشه ويهشه خبطه بعصا ليتحات اى ضربه ضربا شديدا ليسقط . والمعنى اخبط بها الورق واسقطه على رؤس غنمى لتأكله . وبالفارسية [ وفرميريزم برك ازدر ختها ] { ولى فيها مآرب } جمع مأربة بفتح الراء وضمها وهى الحاجة { اخرى } لم يقل آخر لرعاية الفاصلة اى حاجات اخر غير التوكى والهش وهى انه اذا سار القاها على عاتقه وعلق بها قومه وكنانته وحلابه ومطهرته وحمل عليها زاده وتحدثه . يعنى [ درراه باموسى سخنى كفتى ] وكان لها شعبتان ومحجن فاذا طال الغصن حناه بالمحجن واذا حاول كسره لواه بالشعبتين وفى اسفلها سنان ويركزها فيخرج الماء وتحمل أى ثمرة احب وريثما يدليها فى البئر وتصير شعبتاها كالدلو فيخرج الماء واذا قصر الرشاء وصله بها وتضيئ بالليل كاشمع وتحارب عنه . يعنى [ بادشمن وى حرب كردى ] واذا تعرضت لغنمه السباع قاتل بها وتطرد الهوام فى النوم واليقظة ويستظل بها اذا كان قعد يعنى اذا كان فى البرية ركزها والقى كساءه عليها فكان ظلا وكانت اثنى عشر ذراعا بذراعه عليه السلام من عود آس من شجر الجنة استودعها عند شعيب ملك من الملائكة فى صورة انسان .
وقال الكاشفى [ آن عصا ازجوب مرد بهشت بود طول اوده كز وراو دوشاخه ودر زيراو سنانى نشانده نامش عليق بود يانيعه از آدم ميراث بشعيب رسيده بود وازو بموسى رسيد ] وفى العصا اشارة الى ان الانبياء عليهم السلام رعاة الخلق والخلق مثل البهائم محتاجون الى الرعى والكلاءة من ذئاب الشياطين واسد النفس فلا بد من العمل بارشادهم الوقوف بالخدمة عند باب دراهم : قال الحافظ
شبان وادى ايمن كهى رسد بمراد ... كه جند سال بجان خدمت شعيب كند
قال بعض اهل المعرفة لما كانت العصا صورة النفس المطمئنة المفنية للموهومات والمتخيلات لان صورة الحية تستعد للايمان كما ظهر بعض الجن بالمدينة فى صورة الحية ونهوا عن قتلها كما ذكر فى الصحاح لذلك قال موسى عليه السلام { هى عصا اتوكأ عليها } اى استعين بها على مطالبى فى السر { وأهش بها على غنمى } اى على رعايا اعضائى وحواسى وعلى ما تحت يدى من اقوى الطبيعية والبدنية { ولى فيها مآرب اخرى } اى مقاصد لا تحصل الا بها من الكمالات المكتسبة بالمجاهدات البدنية والرياضات النفسية فاذا جاهدت وارتاضعت وانابت الى ربها انقلبت المعصية التى هى السيئة طاعة اى حسن كما قال تعافى فى صلة التائبين(8/90)
{ يبدل الله سيآتهم حسنات } فان قيل السؤال للاستعلام وهو محال على العلام فما لفائدة فيها قال ان فائدته ان من ارد ان يظهر من الحقير شيأ نفسيا يعرضه اولا على الحاضرين ويقول ما هذا فيقال فلان ثم انه يظهر صنعه الفائق فيه فيقول لهم خذوا منه كذا وكذا كما يريك الزراد زبرة من حديد ويقول لك ما هى فتقول زبرة حديد ثم يريك بعد ايام لبوسا مسردا فيقول لك هى تلك الزبرة صيرتها الى ما ترى من عجيب الصنعة وانيق السرد فالله تعالى لما اراد ان يظهر من العصا تلك الآيات الشيفة عرضها اولا عليه فقال هل حقيقة ما فى يدك الا خشبة لا تضر ولا تنفع ثم قلبها ثعبانا عظيما فنبه به على كمال قدرته ونهاية حكمته .
قال الكاشفى [ استفهام متضمن تنبيه است يعنى حاضر شو تاعجايب ببنى ] .
وقال فى التأويلات انما امتحن موسى بهذا السؤال تنبيها له يعلم ان للعصا عند الله اسما آخر وحقيقة اخرى غير ما علمه منها فيحيل علمها الى تعالى فيقول انت اعلم بها يا رب فلما اتكل على علم نفسه وقال هى عصاى فكأنه قيل له اخطأت فى هذا الجواب خطأين احدهما فى التسمية بالعصا والثانى فى اضافتها الى نفسك وهو ثعبانى لا عصاك .
فان قيل هذا سؤال من الله مع موسى ولم يحصل لمحمد عليه السلام .
قلنا خاطبه ايضا فى قوله { فاوحى الى عبده ما اوحى } الا انه ما افشاه وكان سرا لم يؤهل له احدا من الخلق وايضا فان دار الكلام بينه وبين موسى فامه محمد يخاطبونه فى كل يوم مرات للاستعلام لانه تعالى منزه عن ذلك بل للتذكر لاستحاضر حقيقتها وما يعلم من منافعها ولذا زاد فى الجواب .
وقال الكاشفى [ جواب داد وجهت تعداد نعم ربانى برآن افزود ] وقال بعضهم سأل الله عما فى يده للتقريرعلى انها عصا حتى لا يخاف اذا صارت ثعبانا ويعلم انها معجزة عظيمة ولا زالة الوحشة عن موسى وذكر يا موسى يعنى ليحصل زيادة الانبساط والاستئناس وازالة تلك الهيبة والدهشة الحاصرة من استماع ذلك الكلام الذى لم يشبه كلام الخلق مع مشاهدة تلك النار وتلك الشجرة وسمع تسبيح الملائكة ومن ثمة لما زالت بذلك اطنب فى الجواب قال نبينا عليه السلام قلت اى ليلة المعراج اللهم انه لما لحقنى استيحاش سمعت مناديا ينادى بلغة تشبه لغة ابى بكر رضى الله عنه فقال لى قف فان ربك يصلى لعجب من هاتين هل سبقنى ابو بكر الى هذا المقام وان برى لغنى عن ان يصلى فقال تعالى انا الغنى عن ان اصلى لاحد وانما اقول سبحانى سبحانى سبقت رحمتى على غضبى أقرا يا محمد هو الذى يصلى عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات الى النور وكان بالمؤمنين رحيما فصلاتى رحمة لك ولامتك واما امر صاحبك يا محمد فان اخاك موسى كان انسه بالعصا فلما اردنا كلامه قلنا وما تلك بيمنك يا موسى قال هى عصاى وشغل بذكر العصا عن عظيم الهيبة وكذلك انت يا محمد لما كان انسك بصاحبك ابى بكر خلقنا ملكا على صورته ينادى بلغته ليزول عنك الاستيحاش ولما ليحقك من عظيم الهيبة كذا فى انسان العيون .(8/91)
وذكر الراغب الاصفهانى فى المحاضرات انه قال الامام الشاذلى قدس سره صاحب الحزب البحر اضطجعت فى المسجد الاقصى فرأيت فى المنام قد نصب تحت خارج الاقصى فى وسط الحرم فدخل خلق كثير افواجا افواجا فقلت ما هذا الجمع فقالوا جمع الانبياء والرسل عليهم السلام قد حضروا ليشفعوا فى حسين الحلاج عند محمد عليه السلام فى اساءة ادب وقعت منه فنظرت الى التخت فاذا نبينا صلى الله عليه وسلم جالس عليه بانفراد وجميع الانبياء على الارض جالسون مثل ابراهيم وموسى وعيسى ونوح عليهم السلام فوقفت انظر واسمع كلامهم فخاطب موسى نبينا عليه السلام وقال له انك قد قلت ( علماء امتى كانبياء بنى اسرائيل فارنا منهم واحدا فقال هذا واشار الى الامام الغزالى قدس سره فسأله موسى سؤالا فاجابه بعشرة اجوبة فاعترض عليه موسى بان الجواب ينبغى ان يطابق السؤال والسؤال واحد والجواب عشرة فقال الامام هذا الاعتراض وارد عليك ايضاحين سئلت { وما تلك بيمينك } وكان الجواب عصاى فاوردت صفات كثيرة فقال فبينما انا متفكر فى جلالة قدر محمد عليه السلام وكونه جالسا على التخصت بافنراده والخليل والكليم والروح جالسون على الارض اذ رفسنى شخص برجله رفسة مزعجة اى ضربنى فانتبهت فاذا بقيم يشعل قناديل الاقصى قال لا تعجب فان الكل خلقوا من نوره فخررت مغشيا فلما اقاموا الصلاة افقت وطلبت القم فلم اجده الى يومى هذا ومن هذا قال فى قصيدة البردة
وانسب الى ذاته ما شئت من شرف ... وانسب الى قدره ما شئت من عظم
وقال آخر
سرخيل انبيا وسيهدار اتقيا ... سلطان باركاه دنا قائد امم(8/92)
قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19)
{ قال } الله تعالى استئناف بيانى { القها يا موسى } اطرحها لترى من شأنها ما لم يخطر ببالك والالقاء والنبذ والطرح بمعنى واحد(8/93)
فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20)
{ فالقاها } على الارض . قال الكاشفى [ موسى كمان بردكه اورانيزجون نعلين مى بايد افكند بس بيفكند آنرا ازقفاى خود فى الحال آوازى عظيم بكوش وى رسيد بازنكريست ] { فاذا هى } [ بس از آنجا آن عصا ] { حية } [ مارى بود ] { تسعى } [ مى شتافد بهر جانب } والسعى المشى بسرعة وخفة حركة والجملة صفة لحية - روى - انه حين القاها انقلبت حية صفراء فى غلظ العصا ثم انتفخت وعظمت فلذلك شهبت بالجان تارة وهو الخفيف كما قال تعالى { كأنها جان } اى باعتبار ابتداء حالها وسميت ثعبانا اخرى وهو اظمها كما قال تعالى { فاذا هى ثعبان مبين } اى باعتبار انتها حالها وعبر عنها ههنا بالاسم العام للحالين اى الصغير والكبير والظاهر انها انقلبت من اول الامر ثعبانا وهو الاليق بالمقام كما يفصح عنه قوله تعالى { فاذا هى ثعبان مبين } وانما شبهت بالجان فى الجلادة وسرعة الحركة .
قال بعض اهل المرعفة اما انقلاب العصا حيوانا فايما الى انقلاب المعصية طاعة وحسنة فان العصا من المعصية والمعصية اذا انقلبت صارت طاعة كما قال تعالى { الا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فاولئك يبدل الله سيآتهم حسنات } وهذا التبديل من مقام المغفرة واما المحو فى قوله عليه السلام « اتبع السيئة الحسنة تمحها » فعبارة عن حقيقة العفو .
قال المولى الجامى فى قوله { فاولئك يبدل الله سيآتهم حسنات } يعنى فى الحكم فان الاعيان انفسها لا تتبدل ولكن تنقلب احكامها انتهى .
يقول الفقير على هذا يدور انقلاب العصا حية حين الالقاء ويحول النحاس فضة عند طرح الاكسير وتمثل جبريل فى الصورة البشرية فاعرفه فانه باب عظيم من دخله بالعرفان التام امن من الاوهام : قال الحافظ
دست ازمس وجود جومرادان بشوى ... تاكيمياى عشق بيابى وزرشوى
وقال المولى الجامى
جوكسب علم كردى در عمل كوش ... كه علم بى عمل زهريست بى نوش
جه حاصل زآنكه دانى كيميارا ... مس خودرا نكرده زرسارا(8/94)
قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22)
{ قال } استئناف بيانى { خذها ولا تخف } روى انها انقلبت ثعبانا ذكرا يبتلع كل شئ يمر به من صخر وحجر وعيناه تتقدان كالنار ويسمع لانبيابه صريف شديد وكان بين لحييه اربعون ذراعا او ثمانون فلما رآه كذلك خاف ونفر لان الخوف والهرب من الحيات ونحوها من طباع البشر .
فان قيل لم خاف موسى من العصا ولم يخف ابراهيم من النار .
قلنا لان الخليل كان اشد تميكنا اذ فرق بين بداية الحال ونهايتها وقد ازال الله هذا الخوف من موسى بقوله ولا تخف ولذا تمكن من اخذ العصا كما يأتى فصار اهل تمكين كالخليل عليهما السلام ألا ترى ان نبينا عليه السلام او لما جاءه جبريل خافه فرجع من الجبل مرتعدا ثم كان من امره ما كان حتى استعد لرؤيته على صورته الاصلية ليلة المعراج كما قال تعالى { ولقد رآه نزلة اخرى عند سدرة المنتهى } وفى التأويلات النجمية { خذها ولا تخف } يعنى كنت تحسب ان لك فيها المنافع والمآرب فى البداية ثم رأيتها وانت خائف من مضارها فخذها ولا تخف لتعلم ان الله تعالى هو الضار والنافع فيكون خوفك ورجاؤك منه اليه لا من غيره : وفى المثنوى
هركه ترسيد از حق وتقوى كزيد ... ترسد ازوى جن وانس وهركه ديد
{ سنعيدها } [ زوباشدكه كردانيم ويرا ] { سيرتها الاولى } السيرة فعلة من السير اى نوع من تجوز بها للطريق والهئية العصوية فوضع يده فى فم الحية فصارت عصا كما كانت ويده فى شعبتيها فى الموضع الذى يعضها فيه اذا توكأ وأراه هذه الآية كيلا يخاف عند فرعون اذا انقلبت حية وفى الحديث « يجاء لصاحب المال الذى لم يؤد زكاته بذلك المال على صورة ثعبان » يقول الفقير لا شك عند اهل المعرفة ان لكل جسد روحا ولو كان معنويا ولكل عمل وخلق ووصف صورة معتدلة فى الدنيا تتحول صورة محسوسة فى الآخرة كما قال تعالى { فينبئهم بما كانوا يعملون } اى يظهر لهم صور اعمالهم كما مر فى سورة الانعام ولما كان حب المال من اشد صفات النفس الامارة الى هى فى صورة ثعبان ضار لا جرم يظهر يوم تبلى السرائر على هذا الصورة المزعجة ويصير طوقا لعنق صاحبه فاذا تزكى موسى القلب من حب المال واحب بذله فى سبيل الله جاء فى صورة حسنة يهواها مناسبة لما عمل به من الخيرات وقس حال البواقى عليه .
ثم اراه آية اخرى فقال { واضمم } [ ضمم كن وببر ] { يدك } اليمنى { الى جناحك } [ سوى بهلوى خود درزير بغل ] وجناح الطائر وقد سميا جناحين لانه يحبحهما اى يميلها عند الطيران . والمعنى واضمم يدك الى جنبك تحت العضد { تخرج } [ تابيرون آيد جواب ] { بيضا } [ درحالتى كه سفيد وروشن ] حال من الضمير فيه { من غير سوء } حال من الضمير فى بيضاء اى كائنة من غير عيب وقبح كنى به عن البرص كما كنى بالسوءة عن العورة لما ان الطباع تعافه وتنفر عنه - روى - ان موسى عله السلام كان اسمر اللون فاذا ادخل يده اليمنى تحت ابطه الايس واخرجها كان عليها شعاع كشعاع الشمس يغشى البصر ويسد الافق ثم اذا ردها الى جنبه صارت الى لونها الاول بلا نور ويريق { آية أخرى } اى معجزة اخى غير العصا وانتصابها على الحالية من الضمير فى بيضاء .(8/95)
لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (23)
{ لنريك } اى فعلنا ما فعلنا من قلب العصا حية وجعل اليد بيضاء لنريك بهاتين الآيتين { من آياتنا الكبرى } اى بعض آياتنا الكبرى فكل من العصا واليد من الآيات الكبرى وهى تسع كما قال تعالى { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات } وقد سبق بيانها ونظير الآية قوله تعالى فى حق نبينا عليه السلام { لقد رأى } اى محمد ليلة المعراج { من آيات ربه الكبرى } والفرق بين آيات موسى وآيات نبينا عليهما السلام ان آيات موسى عجائب الارض فقط وآيات نبينا عجائب السموات والارض كما لا يخفى هذا هو اللائح فى هذا المقام فاعرفه .
واعلم ان موسى عليه السلام ادخل يده فى جيبه فاخرجها بيضاء من غير سوء وهذا من كرامات اليد بعد التحقق بحقيقة الجود والكرم والسخاء والايثار فالجود عطاؤك ابتداء قبل السؤال والكرم عطاؤك ما انت محتاج اليه وبالعطاء صحت الخلة - روى - ان الله تعالى ارسل الى ابراهيم جبريل عليهما لاسلام على صورة شخص فقال له يا ابرهيم اراك تعطى الاوداء والاعداء قال تعلمت الكرم من ربى رأيته لا يضيعهم فانا لا اضيعهم فاوحى الله اليه ان يا ابرهيم انت خليلى حقا .
ومن كرامت اليد ما روى ان نبينا عليه السلام نبع الماء من بين اصابعه فى غزوة تبوك حتى شرب منه ورفعه خلق كثير ورمى التراب فى وجوه الاعداء فانهزموا وسبح الحصى فى يده : قال العطار قدس سره
داعى ذرات بود آن باك ذات ... در كفش تسبيح ازان كفتى حصات
وقبض من شاء من الاولياء فى الهواء فيفتح يده عن فضة او ذهب الى امثال هذا فاذا سمعت هذا عرفت ان كل كمال يظهر فى النوع الانسان فهو اثر عمل من الاعمال او حال من الاحوال فبين كل شيئين اما مناسبة ظاهرة او باطنة اذا طلبها الحكيم المراقب وجدها نسأل الله تعالى ان يوفقنا لصرف الاعضاء والقوى الى ما خلقت هى لاجله ويفيض علينا فضله بسجله(8/96)
اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24)
{ اذهب } يا موسى بطريق الدعوة والتحذير { الى فرعون } وملئه بهاتين الآيتين العصا واليد لقوله تعالى فى سورة القصص { فذالك برهانان من ربك الى فرعون وملئه } واما قوله تعالى { اذهب انت واخوك بآياتى } فسيأتى معنى الجمع فيه ان شاء الله تعالى { انه ضغى } اى جاوز حد العبودية بدعوى اربوبية استقلالا لا اشتراكا كما قال { انا ربكم الاعلى } وفيه اشارة الى معنيين . احدهما ان السالك الصادق اذا بلغ مرتبة كماله يقضيه الله لدلالة عباده وتربيتهم . والثانى ان كمال الباغلين فى ان يرجعوا الى الخلق ومخالطتهم . والصبر على اذاهم ليختبروا بذلك حلمهم وعفوهم .
فان قيل لم ارسله الله بالعصا . قلنا لان العصا من آلات الرعاة وموسى عليه السلام كان راعيا فارسله الله مع آلته وابصا كان فرعون بمنزلة الحمار فاحتاج الى العصا والضرب : وفى المثنوى
كرترا عقلست كردم لطفها ... ورزخرى آورد عام خررا عصا
آنجينان زين آخرت بيرون كنم ... كز عصا كوش وسرت برخون كنم
اندرين آخر خران ومردمان ... مى نيابند از جفاى تو امان
يك عصا آورده ام بهر ادب ... هرخرى را كونباشد مستحب
ازدهائى ميشود در قهر تو ... كازدهائى كشته در فعل وخو
ازدهائى كوهئ توبى امان ... ليك ينكر ازدهاى آسمان
اين عصا ازدوزخ آمد جاشنى ... كه هلا بكريز اندر روشنى
ورنه درمابى تو دردندان من ... مخلصت نبود زدربندان من
اين عصائى بوداين دم ازدهاست ... تانكوئى دوزخ يزدان كجاست
هر كجا خواهد خدادوزخ كند ... اوج را برمرغ دام وفخ كند
هم زدندانت برآيد دردها ... تابكوئى دوزخست وازدها
يا كند آب دهانت را عسل ... كه بكوئ كه بهشتست وحلل
ازبن دندان برو ياند شكر ... تابدانى قوت حكم قدر
يس بدندان بى كنهانرا مكز ... فكر كن ازضربت ن محترز(8/97)
قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25)
{ قال } موسى مستعينا بالله لما علم انه حمل ثقيل وتكليف عظيم : يعنى [ باخود انديشيدكه من ننها بافرعون ولشكر اوجكونه مقاومت توانم كرد بس ازخدا تقويت طلبيده آغاز ودعا كرد وازروى نياز كفت ] { رب } [ اى بروردكار من ] { اشرح لى صدرى } [ كشاده كردان براى من سينه مرا ] والمراد بالصدر هنا القلب لا العضو الذي فيه القلب اى وسع قلبى حتى لا يضيق بسفاهة المعاندين ولجاجهم ولا يخاف من شوكتهم وكثرتهم .
واعلم ان شرح الصدر من نعم الله تعالى على الانبياء وكمل الاولياء وقد اخذ منه نبينا عليه السلام الحظ الاوفى لانه حصل له بصورته ومعناه اذ شق صدره فى صباوته والقى عنه العلق التى هى حظ الشيطان زمغمزه وغسر فى طست من الذهب وايضا فى البلوغ الى الاربعين لينشرح لتحمل اثقال الرسالة وفى المعراج ليتسع لاسرار الحق تعالى فجاء حاملا للاوصاف الجليلة التى لا توصف من الحلم والعفو والصبر والكف واللطف والدعاء والنصيحة الى غير ذلك .(8/98)
وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26)
{ ويسر امرى } سهل على امر التبليغ باحداث الاسباب ورفع الموانع .(8/99)
وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27)
{ واحلل } وافتح . بالفارسية [ وبكشاى ] { عقدة } لكنة : وبالفارسية [ كرهى را ] { من لسانى } متعلق بالفعل وتنكير عقدة يدل على قلتها فى نفسها قالوا ما الانسان لولا اللسان الا بهيمة مرسلة او صورة ممثلة والمرؤ باصغيره قلبه ولسانه .(8/100)
يَفْقَهُوا قَوْلِي (28)
{ يفقهوا قولى } اى يفهم هو وقومه كلامى عند تبليغ الرسالة فانما يحسن التبليغ من البليغ وكان فى لسانه رثة : وبالفارسية [ بستكى زبان ] من جمرة ادخلها فاه وذلك ان فرعون حمله يوما فاخذ ليحته ونتفها لما كانت مرصعة بالجواهر فغضب وقال ان هذا عدوى المطلوب وامر يقتله فقالت آسية زوجته ايها الملك انه صبى لا يفرق بين الجمر والياقوت فاحضرا بين يدى موسى بان جعل الجمر فى طست واليقاوت فى آخر فقصد الى اخذ الجوهر فامال جبرائيل يده الى الجمر فرفعه الى فيه فاحرتق لسانه فكانت منه لكنه وعجمة والى هذه القصة اشار العطار قدس سيره بقوله
همجو موسى اين زمان رطشت آتش ما نده ايم ... طفل فرعونيم ما كام ودهان براخكرست
ولعل تبيض يده لما كانت آلة لاخذ الجمر واللحية والنتف .
فان قيل لم احترق لسان موسى ولم يحترق اصابعه حين قبض على الجمر عند امتحان فرعون .
قلنا ليكون معجزة بعد رجوعه الى فرعون بالدعوة لانه شاهد احرتاقه عنده فيكون دليلا على اعجازه كأنه يقول الكليم اخرجنى الله من عندك يا فرعون مغلولا ذا عقدة ثم ردنى اليك فصيحا متكلما واورثنى ذلك ابتلاء من ربى حال كونى صغيرا ان جعلنى كليما مع حضرته حال كونى كبيرا واورث تناول يدى الى النار آية نيرة بيضاء كشعلة النار فى اعينكم فكل بلاء حسن .
قال فى الاسئلة المقحمة لما دعا موسى بهذا الدعاء هل انحلت اى كما يدل عليه قوله قال قد اوتيت سؤلك فلما ذا قال واخى هارون هو افصح منى لسانا وقال فرعون فيه ولا يكد يبين الجواب يجوز ان يكون هارون هو افصح منه من زوالها وقول فرعون تكلم به على وجه المعاندة والاستصغار كما كما يقول المعاند لخصمه لا تقول شيأ ولا تدرى ما تقول وقالوا لشعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وقالوا الهود ما جئتنا ببينة ولنبينا عليه السلام قلوبنا فى اكنة انتهى والى هذا التأويل جنح المولى ابو السعود فى الارشاد .(8/101)
وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29)
{ واجعل لى وزيرا } الوزير حباء الملك اى جليسه وخاصته الذى يحمل ثقله وبعينه برأيه كما فى القاموس فاشتقاقه من الوزير بالكسر الذى هو النقل لا نه يحمل الثقل عن اميره او من الوزر محركة وهو الملجأ والمعتصم لان المير يعتصم برأيه ويلجأ اليه فى اموره والمعنى واجعل لى موازرا يعاوننى فى تحمل اعباء ما كلفته { من اهلى } من خواصى واقربائى فان الاهل خاصة الشئ ينسب اليه ومنه قوله تعالى { ان ابنى من اهلى } واهل الله خاصته كما فى الحديث « ان لله اهلين من الناس اهل القرآن وهم اهل الله » كما فى المقاصد الحسنة وهو صفة لوزير او صلة لاجعل .(8/102)
هَارُونَ أَخِي (30)
{ هارون } مفعول اول لاجعل قدم عليه الثانى وهو وزيرا للعناية به لان مقصوده الاهم طلب الوزير { اخى } بدل من هارون .(8/103)
اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31)
{ اشدد به ازرى } الازر القوة والظهر اى احكم به قوتى او قوّ به ظهرى .(8/104)
وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32)
{ واشركه فى امرى } واجعله شريكى فى امر الرسالة حتى نتعاون على ادائها كما ينبغى .
فان قيل كيف سأل لاخيه النبوة فانما هى باختيار الله تعالى كما قال { الله اعلم حيث يجعل رسالته } قلت ان فى اجابة الله دليلا على ان سؤاله كان بذان الله والهاما منه ولما كان التعاون فى الدين درجة عظيمة طلب ان لا يحصل الا لاخيه .
وفيه اشارة الى ان صحبة الاخيار وموازرتهم مرغوب للانبياء فضلا عن غيرهم ولا ينبغى ان يكون المرؤ مستبدا برأيه مغرورا بقوته وشكوته وينبغى ان لا يحب لاخيه ما يحب لنفسه ويجوز لنفسه الشريك فى امور المناصب ولا تحق وزارة هارون فى نبوته وقد كان اكثر انبياء بنى اسرائيل كذلك اى كان احدهم موازرا ومعينا للآخر فى تبليغ الرسالة(8/105)
كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33)
{ كى } غاية للادعية الثلاثة الاخيرة : والمعنى بالفارسية [ تا ] { نسبحك } تسبيحا { كثيرا } اى ننزهك عما لا يليق بك من الافعال والصفات التى من جملتها ما يدعيه فرعون .(8/106)
وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34)
{ ونذكرك } ذكرا { كثيرا } اى على كل حال ونصفك بما يليق بك من صفات الكمال ونعوت الجمال والجلال فان التعاون يهيج الرعبات ويؤدى الى تكاثر الخير وتزايره .
قال فى التاويلات النجمية يشير الى ان للجليس الصالح والصديق الصديق أثر عظيما فى المعاونة على كثرة الطاعات والموافقة والمرافقة فى اقتحام عقبات السلوك وقطع مفاوزه : قال الحافظ
دريغ ودردكه تاين زمان ندانستم ... كه كيمياى سعادت رفيق بود رفيق(8/107)
إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35)
{ انك كنت بنا بصيرا } الباء متعلقة ببصيرا قدمت عليه لرعاية الفواصل اى عالما باحوالنا وان التعاون يصلحنا وان هارون نعم الوزير والمعين لى فيما امرتنى به فانه اكبر منى سنا وافصح لسانا وكان اكبر من موسى باربع سنين او بسنة على اختلاف الروايات .(8/108)
قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36)
{ قال } الله تعالى { قد اوتيت سؤلك يا موسى } مسئولك ومطلوبك فعلى بمعنى مفعول كالخبز بمعنى المخبوز والايتاء عبارة عن تعلق ارادته تعالى بوقوع تلك المطالب وحصولها له .
قال داود القيصرى قد سره ومن جملة كمالات الاقطاب ومنن الله عليهم ان لا يبتليهم بصحبة الجهلاء بل يرزقهم صحبة العلماء الادباء الامناء يحملون عنهم اثقالهم وينفذون احكامهم واقوالهم انتهى وذلك كما كان آصف بن برخيا وزير السليمان عليه السلام الذى كانت قطب وقته ومتصرفا وخليفة على العالم فظهر عنه ما ظهر من اتيان عرش بلقيس كما حكاه الله تعالى فى القرآن .
وكان انوشروان يقول لا يستغنى اجود السيوف عن الصقيل ولا اكرم الدواب عن السوط : ولا اعلم الملوك عن الوزير وفى الحديث « اذا اراد الله بملك خيرا قيض له وزيرا صالحا ان نسى ذكره وان نوى خيا اعانه وان نوى شرا كفه » وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وزراء كما قال « ان لى وزيرين فى الارض ابا بكر وعمر ووزيرين فى السماء جبريل واسرافيل » فكان من فى السماء يمده عليه السلام من جهة الروحانية ومن فى الارض من جهة الجسمانية قال الله تعالى { هو الذى ايدك بنصره وبالمؤمنين } فنصر الله سماوى ونصر المؤمنين ارضى وبالكل يحصل الامداد مطلقا وفى الحديث « اذا تحيرتم فى الامور فاستيعنوا من اهل القبور » ذكره الكاشفى فى الرسالة العلية وابن الكمال فى شرح الاربعين حديثا والمراد من اهل القبور الرواحنيون سواء كانوا فى الاجساد الكثيفة او اللطيفة فافهم .
ثم ان العادل يرث من النبى عليه السلام هذه الوزارة واما الظالم فيجعل له وزير سوء وهو علامة غضب الله وانتقامه : قال الشيخ سعدى قدس سره
بقومى كه نيكى بسندد خداى ... دهد خسروا عادل نيك راى
جو خواهد كه ويران كند عالمى ... كند ملك در بنجه ظالمى
: وقال الحافظ زمانه كرنه سر قلب داشتى كارش ... بدست آصف صاحب عيار بايستى
ولما كان السلطان ظل الله فى الارض ظهر مظره الحقيقة الجامعة الالهية وهو القطب الذى هو مدار العالم فكما ان للقطب وزراء من العلماء الامناء كذلك لمن هو ظله وزراء من العادلين الادباء وهذه الوزراة ممتدة الى زمن المهدى ووزراؤه سبعة هم اصحاب الكهف يجيبهم الله فى آخر الزمان يختم بهم رتبة الوزراء المهدية ومنهم الوزراء السبعة للملوك العثمانية وهم الذين يسمون بزراء القبة .
واعلم ان موسى بطريق الاشارة سلطاننافى الآفاق وروحنا فى الانفس وهارون هو الوزير ايا من كان فى الآفاق والعقل فى الانفس وفرعون هو رئيس اهل الحرب من النصارى وغيرهم والنفوس الامارة بالسوء فاذا قارن الروح بالعقل الكامل المشير المدبر وهو عقل المعاند يغلب على النفس وقواها ويخلص حصن القلب من ايديها كما ان السلطان اذا اصطفى لوزارته رجلا صالحا عادلا يغلب ان شاء الله تعالى على الاعداء ويتصرف فى بلادهم وحصونهم : وفى المثنوى(8/109)
عقل تودستور مغلوب هواست ... در وجودت رهزن راه خداست
واى آن شه كه وزيرش اين بود ... جاى هردو دوزخ بركين بود
شاد آن شاهى كه اورا دستكير ... باشد اندركار جون آصف وزير
شاه عادل جون قرين اوشود ... نام او نور على نور اين بود
جون سليمان شاه وجون آصف وزير ... نور بر نورست وعنبر بر عبير
شاه فرعون وجو هامانش وزير ... هر دورا نبود زبد بختى كزير بسبود ظلمات بعضى فوق بعض
نى خرد يارو نه دولت روز عرض ... عقل جزؤى را وزير خودمكير
عقل كل را ساز اى سلطان وزير ... مر هوارا تو وزير خود مساز
كه بر آرد جان باكت از نماز ... كمين هوا برحرص وحالى بين بود
عقل را انديشه يوم الدين بود ... وفى الحديث « من قلد انسانا عملا وفى رعيته من هو اولى منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المؤمنين » قال الشيخ قدس سره
كسى را كه باخواجه تست جنك ... بدستش جرامى دهى جوب وسنك
سك آخركه باشدكه خوانش نهند ... بفرماى ن استخوانش نهند
مكافات موذى بمالش مكن ... كه بيخش بر آورد بايد زبن
سركرك بايد هم اول بريد ... نه جون كوشفندان مردم دريد(8/110)
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37)
{ ولقد مننا عليك } من قولهم من عليه منا بمعنى انعم عليه لا من قولهم عليه منة بمعنى امتن عليه لان المنةتهدم الصنيعة .
وفى الكبير فان قيل ذكر تلك النعم بلفظ المنة مؤذ والمقام مقاما التلطف قلنا عرفه انه لم يستحق شيأ منها بذاته وانما خصه بها بمحض التفضل والمعنى وابله لقد انعمنا عليك يا موسى اكرمنا بكرامات من غير ان تسألنا { مرة اخرى } فى وقت ذى مر وذهاب اى وقتا غير هذا الوقت فان اخرى تأنيث آخر بمعنى غير والمرة فى الاصل اسم للمر الواحد الذى هو مصدر قولك مريمر مرا ومرورا اى ذهب ثم اطلق على فعلة واحدة من الفعلات متعدية كانت او لازمة ثم شاع فى كل فرد واحد من افراد ماله افراد متحدة فصار علما فى ذلك حتى جعل معيارا لما فى معناه من شائر الاشياء فقيل هذا بناء المرةويقرب منها الكرة والتارة والدفعة والمراد به ههنا الممتد الذى وقع فيه ما سيأتى ذكره من المنن العظمية الكثيرة .(8/111)
إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38)
{ اذا اوحينا الى امك } ظرف لمننا والمراد من هذا الوحى ليس الوحى الواصل الى الانبياء لان ام موسى ما كانت من الانبياء فان المرأة لا تصلح للامارة والقضاء فكيف تصلح للنبوة بل الالهام كما فى قوله تعالى { واوحى ربك الى النحل } بان اوقع الله فى قلبها عزيمة جازمة على ما فعلته من اتخاذ التابوت والقذف .
قال فى الاسئلة المقحمة كيف يجوز لها ان تلقى ولدها فى البحر وتخاطر بروحه بمجرد الالهام والجواب كانت مضطرة الى ركوب احد الخطرين فاختارت له خير الشرين انتهى والظاهر ان الله تعالى قدر انها تكون صدف درة وجود موسى فكما ان الصدف يتنور بنور الدرة نور صدر امه ايضا بنور الوحى من تلألؤ انوار نبوته ورسالته فهذا الالهام من احوال الخواص من اهل الحال { ما يوحى } المراد به ما سيأتى من الامر بقذفه فى التابوت والبحر ابهم اولا تهويلا له وتفخيما لشأنه عليه السلام ثم فسر ليكون اقر عند النفس .(8/112)
أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)
{ ان اقذفيه فى التابوت } ان مفسرة بمعنى اى لان الوحى من باب القول اى قلنا لها اقذفيه ومعنى القذف هها الوضع وفى قوله { فاقذفيه فى اليم } الالقاء وليس المراد القذف بلا تابوت واليم نيل مصر فى قول جميع المفسرين فان اليم يقع على البحر والنه رالعظيم .
فان قيل ما الحكمة بالقاء موسى فى اليم دون غيره فيه . قلنا له جوابان بلسان الحكمة والمعرفة قيل بلسان الحكمة ان المنجمين اذا القى شئ فى الماء يخفى عليهم امره فاراد الله ان يخفى حال موسى على المنجمين حتى لا يخبروا به فرعون وقيل بلسان الحال القيه فى التلف لانجيه بالتلف من التلف قيل لها بلسان الحال سلميه الىذ صبيا اسلمه اليك نبيا وقيل انجاه من البحر فى الابتداء كذلك انجاه من البحر فى الانتهاء باغراق فرعون بالماء .
وقال بعض ارباب المعارف التابوت اشارة الى ناسوت موسى عليه السلام اى صورته الانسانية واليم اشارة الى ما حصل له من العلم بواسطة هذا الجسم العنصرى فلما حصلت النفس فى هذا الجسم وامرت بالتصرف فيه وتدبيره جعل الله لهم هذا القوى آلات يتوصل بها الى ما اراده الله منها فى تدبير هذا التاوبت فرمى فى اليم ليحصل له بهذا القوى من فنون العلم تكميل استعداده بذلك الامر من النفس الكلية التى هى امة المعنوية وابوه الروح الكلى فكل ولد منها يأخذ استعداده بحسب القابلية فكمل لموسى الاستعداد الاصلى بذلك الالقاء من توجه النفس الكلية له : وقال المولى الجامى قدس سره
ديدم رخت آفتاب عالم ايسنت ... در طور وجود نور اعظم ايسنت
افتاد دلم اسير ثابوت بدن ... دربحر مت القى فى اليم ايسنت
{ فليلقه اليم بالساحل } لما كان القاء البحر اياه بالساحل امرا واجب الوقوع لتعلق الارادة الربانية به جعل البحر كأنه ذو تمييز مطيع امر بذلك واخرج الجواب مخرج الامر فصورته امر ومعناه خبر والضمائر كلها لموسى والمقذوف فى البحر والملقى بالساحل وان كان التابوت اصالة لكن لما كان المقصود بالذات ما فيه جعل التابوت تبعا له فى ذلك . والساحل فاعل بمعنى مفعول من السحل لانه يسحل الماء اى يقشره ويسلخه وينزع عنه ما هو بمنزلة القشر على ظاهره يقال قشرت العود نزعت عنه قشره { يأخذه عدو لى وعدو له } بالجزم جواب للامر بالالقاء وتكرير عدو للمبالغة اى دعيه حتى يأخذه العدو فانى قادر على تربية الولى فى حجر العدو ووقايته من شره بالقاء محبة منه عليه .
فان قيل كيف يجوز ان يكون مثل فرعون له رتبة معاداته تعالى حتى سمى عدو الله . قلنا معناه يأخذه مخالف لا مرى كالعدو كذا فى الاسئلة المقحمة .(8/113)
قالوا ليس المراد بالساحل نفس الشاطئ بل ما يقابل الوسط وهو ما يلي الساحل من البحر بحيث يجرى ماؤه الى نهر فرعون لما روى انها جعلت فى التابوت قطعنا ووضعته فيه ثم احكمته القير وهو الزفت لئلا يدخل فيه الماء والقته فى اليم وكان يدخل منه الى بستان رعون نهر فدفعه الماء اليه فاتى به الى بركة فى البستان وكان فرعون جالسا ثمة مع آسية بنت مزاحم فامر به فاخرج ففتح فاذا هو سبى اصبح الناس وجها ولما وجده فى اليم عنده الشجر سماه موسى و « مو » هو الماء بالقبطية و « سا » هو الشجر واحبه حبا شديدا لا يكاد يتمالك الصبر عند وذلك قوله تعالى { وألقيت عليك محبة } عظيمة كائنة { منى } قد زرعتها فى القلوب بحيث لا يكاد يصبر عنك من رآك ولذا احبك عدو الله وآله - روى - انه كان على وجهه مسحة جمال وفى عينيه ملاحة لا يكاد يصبر عنه من رآه .
ماه زيباست ولى روى تو زيباتر ازوست ... جشم نركس جه كنم جشم تورعناتر ازوست
وفى التأويلات النجمية { والقيت عليك محبة } من محبتى ليحبك بمحبتى من احبنى بالتحقيق ويحبك عدوى وعدوك وعدوك بالقتليد كما ان آسية احبته بحب الله على التحقيق وفرعون احبه لما الفى الله عليه محبته بالتقليد ولما كانت محبة فرعون بالقليد فسدت وبطلت بادنى حركة رآها من موسى ولما كانت محبة آسية بالتحقيق ثبتت عليها ولم تتغير وهكذا يكون ارادة اهل التقليد تفسد بادنى حركة لا تكون على وفق طبع المريد المقلد ولا تفسد ارادة المريد المحقق بابكر حركة تخالف طبعه وهواه وهو مستسلم فى جميع الاحوال
نشان اهل خدا عاشقى وتسلمست ... كه درمريد شهر اين نشان نمى بينم
{ ولتصنع على عينى } عطف علىعلة مضمرة لا لقيت اى ليتعطف عليك ولتربى بالحنو والشفقة ويحسن اليك وانا راقبك ومراعيك وحافك كما يراعى الرجل الشئ بعينه اذا اعتنى به من قولهم صنع اليه معروفا اذا احسن اليه . وعينى حال من الضمير المستتر فى لتصنع لا صلة له جعل العين مجازا عن الرعاية والحراسة بطريق اطلاق اسم السبب على المسبب فان الناظر الى الشئ يحرسه مما لا يريد فى حقه ويراعيه حسبما يريد فيه .
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان من ادركته العناية الازلية يكون فى جميع حالاته منظور نظر العناية لا يجرى عليه امر من امور الدنيا والآخرة الا وقد يكون له فيه صلاح وتربية الى ان يبلغه درجة ومقاما قد قدر له .(8/114)
إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40)
{ اذ تمشى اختك } مريم ظرف لتصنع على ان المراد به وقت وقع فيه مشيها الى بيت فرعون وما ترتب عليه من القول والرجع الى امها وتربيتها له بالبر والحنو وهو المصداق لقوله { ولتصنع على عينى } اذ لا شفقة اعظم من شفقة الام .
قال ابن الشيخ تقييد التربية بزمان مشى اخته صحيح لان التربية انما وقعت زمان المشى ورده الى امه { فتقول } اى لفرعون وآسية حين رأتهما يطلبان له مرضيعة يقبل ثديها وكان لا يقبل ثديا وصيغة المضارغ فى الفعلين لحكاية الحال الماضية اى قالت { هل ادلكم } [ آيا دلالت كنم شمارا ] اى حاضران { على من يكفله } [ بركسى كه تكفل اين طفل كند واورا شير دهد ] اى يضمه الى نفسه ويربيه وذلك انما يكون بقبول ثديها - يروى - انه فشا الخبر بمصر ان آل فرعون اخذوا غلاما من النيل لا يرضع ثدى امرأة واضطروا الى تتبع النساء فخرجت مريم لتعرف خبره فجاءتهم منكرة فقالت ما قالت وقالوا من هى قالت امى قالوا ألها لبن قالت نعم لبن اخى هارون فجاءت بها فقبل ثديها { فرجعناك الى امك } الفاء فصيحة معبة عن محذوف قبلها يعطف عيها ما بعدها اى فقالوا دلينا عليها فجاءت بامك فرجعناك اليها اى رددناك : وبالفارسية [ بس بازكردانيديم ترابسوى ما درتو وبوعده وفاكرديم ] وهو قوله { انا رادوه اليك وجاعلوه من المرسلين } وذلك لان الهامها كان من الهام الخواص الذى بمنزلة الوحى فلا تستبعد عليها هذه المكالمة المعنوية ويجوز ان يكون ذلك من قبيل الاعلام بالمبشرة { كى تقر عينها } [ تاشايدكه روشن شود جشم مادر بلقاء تو ] .
وقال بعضهم تطيب نفسها بلقائك يقال قرت عينه اذا بردت نقيض سخنت هذه اصله ثم استعير للسرور وهو المراد ههنا كما فى بحر العلوم { ولا تحزن } على فقدك : وبالفارسية [ واندوهناك نكردد بفراق تو ] .
قال فى الكبير فان قيل { ولا تحزن } فضل لان السرور يزيل الغم لا محالة قلنا تقر عينها بوصولك اليها ولا تحزن بوصول لبن غيرها الى باطنك انتهى .
وفى الارشاد اى لا يطرأ عليها الحزن بفراقك بعد ذلك والا فزوال الحزن مقدم على السرور المعبر عنه بقرة العين فان التخلية مقتدمة على التحلبة انتهى .
يقول الفقير الواو لمطلق الجمع وايضا ان الثانى لتأكيد الاول فلا يرد ما قالوا { وقتلت نفسا } هى نفس القبطى الذى استغاثه الاسرائلى عليه كما يأتى فى سورة القصص { فنجيناك من الغم } اى غم قتله خوفا من عقاب الله بالمغفرة ومن اقتصاص فرعون بالانجاء منه بالمهاجرة الى مدين { وفتناك فتونا } الفتنة والفتون المحنة وكل ما شق على الانسان وكل ما يبتلى الله به عباده فتنة ولا يطلق الفتان على الله لانه صفة ذم عرفا واسماء الله توقيفية .(8/115)
فان قيل كيف يجوز ذكر الفتن عند ذكر النعم .
قلنا لافتنة تشديد المحنة ولما اوجب تشديد المحنة كثرة الثواب عده الله فى النعم ألا ترى الى قوله عليه السلام « ما او ذى نبى مثل ما اوذيت » وقد فسره البعض بقوله ما صفى نبى مثل ما صفيت والمعنى ابتليناك ابتلاء .
وقال بعضهم ضحناك بالبلاء طحنا : وبالفارسية [ وبيازموديم ترا آزمودنى يعنى ترادر بوثة بلاها افكنديم وخالص بيرون آمدى ] ومن ابتلائه قتله القبطى ومهاجرته من الوطن ومفارقة الاحباب والمشى راجلا وفقد الزاد ونحو ذلك مما وقع قبل وصوله الى مدين بقضية الفاء الآتية .
وفى التأويلات النجمية منها فتنة صحبتك مع فرعون وتربيتك مع قومه فحفظناك من التدين بدينهم .
ومنها فتنة قتل نفس بغير الحق وفرارك من فرعون بسبب قتل القبطى فنجوت منها .
ومنها ابتليناك بابنتى شعيب واحتياجهما اليك فى سقى غنمهما فلولا حفظاك لملت اليهما ميل البشر للنساء .
ومنها ابتليناك بخدمة شعيب وصحبته وستاجاره فوفقناك للخروج من عهدة حقوقه وعهوده .
قال بعض الكبار اختبره فى مواطن كثيرة ليتحقق فى نفسه صبره على ما ابتلاه به فاول ما ابتلاه الله به قتل القبطى بما الهمه الله فى سره وان يعلم بذلك الالهام ولكن كان فيه علامة ذلك وهو ان لم يجد فى نفسه مبالاة بقتله فعدم مبالاته بقتله مع عدم انتظاره الوحى علامة كونه ملهما به فى السر ولا ينبغى ان يعتريه وحشة عظيمة من ذلك الفعل . وانما قلنا انه عليه السلام كان ملهما فى قتل القبطى لان باطن النبى معصوم من ان يميل الى امر ولم يكن مأمورا به من عند ربه وان كان فى السر ولكون النبى معصوم الباطن من حيث لا يشعر حتى يخبر بان ذلك الامر مأمور به فى السر اراه الخضر حين قصد تنبيهه على ما ذهل عنه من كونه ملهما بقتل القبطى قتل الغلام فانكر عليه قتله ولم يتذكر قتله القبطى فقال له الخضر ما فعلته عن امرى ينبهه على مرتبته قبل ان ينبأ انه كان معصوم الحركة فى قتله فى نفس الامر وان لم يشعر بذلك واراه ايضا حرق السفينة الذى ظاهره هلك وباطنه نجاة من يد الغاصب جعل له ذلك فى مقابلة التابوت الذى كان فى اليم مطبقا عليه فان ظاهره هلاك وباطنه نجاة وانما فعلت به امه ذلك خوفا من يد الغاصب فرعون ان يذبحه مع الوحى الذى الهمها الله من حيث لا تشعر فوجدت فى نفسها انها ترضعه فاذا خافت عليه القته فى اليم وغلب على ظنها ان الله ربما رده اليها لحسن ظنها به وقالت حين الهمت ذلك لعل هذا هو الرسول الذى يهلك فرعون والقبط على يده فعاشت وسرت بهذا التوهم والظن بالنظر اليها اذ لم يكن عندها دليل يفيد العلم بذلك وهذا التوهم والظن علم باعتبار ان متعلقه حق مطابق للواقع متحقق فى نفس الامر { فلبثت سنين } عشر سنين { فى اهل مدين } اى عند شعيب لرعى الاغنام لان شعيبا انكحه بنته صفوراء على ثمانى مراحل من مصر وذكر اللبث دون الوصول اليهم اشارة الى مقاساة شدائد اخرى فى تلك السنين كايجار نفسه ونحوه مما كان من قبيل الفتون .(8/116)
وفى التأويلات النجمية { فلبثت سنين فى اهل مدين } لتستحق بتربية شعيب وملازمته النبوة والرسالة : قال الحافظ
شبان وادى ايمن كهى رسد بمراد ... كه جند سال بجان خدمت شعيب كند
يقول الفقير انظر كيف ان الله تعالى جعل فى الامر المكروه امرا محبوبا فان قتل القبطى ساق موسى الى خدمته شعيبا الى ان استعد للنبوة وقس على هذا ما عداه واذا كانت النبوة مما يقدم لها الخدمة مع كونها اختصاصا الهيا فما ظنك بالولاية { ثم جئت } اى الوادى المقدس بعد ضلال الطريق وتفرق الغنم فى الليلة المظلمة ونحوها { على قدر } تقدير قدرته لان اكلمك واستنبئك غير مستقدم وقته المعين ولا مستأخر او على مقدار من السن يوحى فيه الى الانبياء وهو رأس اربعين سنة وفى الحديث « ما بعث الله نبينا الا على رأس اربعين سنة » كما فى بحر العلوم واورده البعض فى الموضوعات لان عيسى عليه السلام نبئ ورفع الى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين ونبئ يوسف عيله السلام فى البئر وهو ابن ثمانى عشر وكذا يحيى عليه السلام اوتى الحكم وهو صبى فاشتراط الاربعين فى حق الانبياء ليس بشئ كما فى المقاصد الحسنة { يا موسى } كرره تشريفا له عليه السلام وتنبيها على انتهاء الحكاية التى هى تفصيل المرة الاخرى التى وقعت قبل المرة المحكية .(8/117)
وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)
{ واصطنعتك لنفسى } تذكير لقوله وانا اخترتك اى اصطفيتك على الناس برسالاتى وبكلامى فهو تمثيل لما اعطاه تعالى من الكرامة العظمة بتقريب الملك بعض خواصه واصطناعه لنفسه وترشيحه لبعض اموره الجليلة .
وقال الكاشفى [ وترا بركزيديم وخالص ساختيم براى محبت خوديعنى ترا دوست كرفتيم ] .
وفى حواشى ابن شيخ اى اخترك لتحبنى وتتصرف على ارادتى ومحبتى وتشتغل بما امرتك من اقامة حجتى وتبليغ رسالى وان تكون فى حركاتك وسكناتك لوجهى لنفسك ولا لغيرك . والاصطناع افتعال من الصنع بالضم وهو مصدر قولك صنع اليه معروفا واصطناع فلان اتخاذه صنيعا محسنا اليه بتقريبه وتخصيص بالتكريم والاجلال .
عن القفال قال اصطنعتك اصله من قولهم اصطنع فلان فلانا اذا احسن اليه حتى يضاف اليه فيقال هذا صنيع فلان كما يقال هذا جريح فلان .
وفى القاموس واصنعتك لنفسى اخترك لخاصة امر استكفيكه انتهى وحقيقته جعله عليه السلام مرآة قابلة لانوار صفات الجمال والجلال .
وفيه اشارة الى ان الخواص انما خلقوا لاجل هذا المعنى الخاص واما غيرهم فبعضهم للدنيا وبعضهم للآخرة فالخواص هم عباد الله حقا وقد تخلصوا من شوب الميل الى الباطل وهو ما سوى الله تعالى : قال لبيد
ألا كل شئ ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل
وفى الحديث « اذا احب الله عبدا ابتلاه فان صبر اجتباه وان رضى اصطفاه » فالصبر تجرع المرارات عند نزول المصيبات والرضى سرور القلب بمر القضايا فالعبد الذى أراد الله اصطفاءه يجعله فى بوتقة البلاء اولا فيخلص جوهره مما سواه فطريق هذا المنزل صعب جدا : قال المولى الجامى
مكوكة قطع بيابان عشق آسانست ... كه كوههاى بلا ريك آن بيابانست
اللهم اجعلنا من الصابرين الشاكرين الراضين الواصلين .(8/118)
اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42)
{ اذهب انت } يا موسى والذهاب المضى يقال ذهب بالشئ واذهبه ويستعمل ذلك فى الاعيان والمعانى قال تعالى { انى ذاهب الى ربى } وقال { فلما ذهب عن ابرهيم الروع } { واخوك } اى وليذهب اخوك هارون حسبما استدعيت عطف عليه لانه كان غائبا عن موسى وقتئذ . والاخوة المشاركة فى الولادة من الطرفين او من احدهما او من الرضاع ويستعار الاخ لكل مشارك لغيره فى القبلة او فى الدين او فى صنعة او فى معاملة او فى مودة او فى غير ذلك من المناسبات { بآياتى } بمعجزاتى والباء للمصاحبة لا للتعدية اذ المراد ذهابهما الى فرعون ملتبسين بالآيات متمسكين بها فى اجراء احكام الرسالة واكمال امر الدعوة لا مجرد اذهابهما وايصالهما اليه .
قال ابن عباس رضى الله عنهما يريد الآيات التسع التى انزلت عليه وان كان وقوع بعضها بالفعل مترقبا بعد . ويحتمل ان يكون الجمع للتعظيم والمراد العصا واليد . او لما ان اقل الجمع عند الخليل اثنان يعنى ان اطلاق الآيات على الآيتين وارد على الادنى { ولاتينا } لا تفترا : وبالفارسية [ وسستى ميكنيد ] من ونى ينى ونبا فهو وان مثل وعد يعد وعدا فهو واعد بمعنى فتريفتر فتورا { فى ذكرى } اى فى مداومته على كل حال لسانا وجنانا فانه آلة لتحصيل كل المقاصد فان امرا من الامور لا يتمشى لاحد الا بذكرى فالفتور فى الامور بسبب الفتور فى ذكر الله وهو تذكير لقوله { كى نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا } قال بعضهم الحكمة فى هذا التكليف فان من ذكر جلال الله تعالى وعظمته استخف غيره فلا يخاف احدا غيره فيتقوى روحه بذلك الذكر فلا يضعف فى مقصود .
قال مرجع طريقتنا الجلوتية بالجيم حضرة الهدايى قدس سره التوحيد قبل الوعظ باعث لاصغاء السامين وموجب للتأثير بعون الله الملك القدير .
وفى العرائس لا تغيبا عن مشاهدتى باشتغالكما بامرى حتى تكونا فاترين بى عنى .
وفى الارشاد فى ذكرى اى بما يليق بى من الصفات الجليلة والافعال الجميلة عند تبليغ رسالتى والدعاء الىّ انتهى .
يقول الفقير اهل الشهود ليسوا بغائبين عن المشهود .
ففى الآية اشارة الى ادامة الاوراد وتنبيه للطالبين فى الجد والاجتهاد ونعم ما قيل
يا خاطب الحوراء فى حسنها ... شمر فتقوى الله فى مهرها
وكن مجد ولا تكن وانيا ... وجاهد النفس على صبرها
قال الخجندى
بكوش تا بكف آرى كليد كنج وجود ... كه بى طلب نتوان يافت كوهر مقصود
وقال المولى الجامى
بى طلب نتوان وصالت يافت آرى كى دهد ... دولت حج دست جز راه بيابان برده را
وقال الحافظ
مقام عيش ميسر نميشود بى رنج ... بلى بحكم بلا بسته اند حكم ألست
- روى - انه تعالى لما نادى موسى بالواد المقدس وارسله الى فرعون واعطاه سؤله انطلق من ذلك الموشع الى فرعون وشيعته الملائكة يصافحون وخلف اهله فى الموضع الذى تركهم فيه [ درتيسير آورده كه كسان موسى شب انتظار بردند ونيامد وروز نيز ازوى خبرى نيافتند دران اصحرا متحير بماندند ] فلم يزالوا مقيمين فيه حتى مر بهم راع من اهل مدين فعرفهم فحملهم الى شعيب فمكثوا عند حتى بلغهم خبر موسى بعد ما جاوز ببنى اسرائيل البحر وغرق فرعون قومه وبعث بهم شعيب الى موصى بمصر .(8/119)
ففيه اشارة الى ان المؤمن اذا عرض له الامر ان امر الدنيا وامر الآخرة يختار امر الآخرة فانه امر الله تعالى ألا ترى ان موسى عليه السلام لم ينظر وراءه حين امر بالذهاب الى فرعون ولم يلتفت الى الاهل والعيال بل ولم يخطر بباله سوى الحكم الفعال اذ يكفيه ان الله خليفته فى كل امر من اموره وقت غيبته وحضوره ومثله ابراهيم عليه السلام حين ترك اسماعيل وامه هاجر بارض مكة وهى يومئذ ارض فقر ولا ماء بها ولا نبات امتثالا لامر الله تعالى من غير اعتراض وانقباض وهكذا تكون المسارعة فى هذا الباب .
وسمعت من شيخى وسندى قدس سرده انه نام نومة الضحى يوما فى مدينة فلبه من البلاد الرومية فامر بالهجرة الى مدينة قسطنطينية فلما استيقظ توضأ وصلى فلم يلبث لحظة حتى خرج راجلا وترك الاهل والعيال فى تلك المدينة حتى كان ما كان على ما استوفيناه فى كتابنا الموسوم بتمام الفيض : قال الحافظ
خرم آن روزكه زين مرحله بربندم رخت ... وزسر كوى توبرسند رفيقان خبرم(8/120)
اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43)
{ اذهبا الى فرعون } هذا الخطاب اما بطريق التغليب او بعد ملاقاة احدهما الآخر وتكرير الامر بالذهاب لترتيب ما بعده عليه . وفرعون اسم اعجمى لقب الوليد بن مصعب صاحب موسى وقد اعتبر غوايته فقيل تفرعن فلان اذا تعاطى فعل فرعون وتخلق بخلقه كما يقال ابلس وتبلس ومنه قيل للطغاة الفراعنة والابالسة { انه طغى } الطغيان مجاوزة الحد فى العصيان اى تجاوز حد العبودية بدعوى الربوبية .
قال فى العرائس امر الله موسى وهارون عليهما السلام بالذهاب الى فرعون لقطع حجته واظهار كذبه فى دعواه وهذا تهديد لكل مدع لا يكون معه نبيه من الله فى دعواه والحكمة فى ارسال الانبياء الى الاعداء ليعرفوا عجزهم عن هداية الخلق الى الله ومن يعجز عن هداية غيره فايضا يعجز عن هداية نفسه كالطبيب العاجز عن معالجة الغير فانه عاجز عن معالجة نفسه ايضا وليعلموا ان الاختصاص لا يكون بالاسباب ويشكروا الله بما انعم عليهم بلطفه وربما يصطادون من بين الكفرة من يكون له استعداد بنظرالغيب مثل حبيب النجار والرجل من آل فرعون وامرأة فرعون والسحرة .
قال ابن عطاء الاشارة الى فرعون وهو المبعوث بالحقيقة الى السحرة فان الله يرسل انبياءه الى اعدائه ولم يكن لاعدائه عنده من الخطر ما يرسل اليهم انبياءه ولكن يبعث الانبياء اليهم ليخرج اولياءه المؤمنين من اعدائه الكفرة
حافظ ازبهر تو آمد سوى اقليم وجود ... قدمى نه بوداعش كه روان خواهدشد
وفى التأويلات النجمية اعلم ان فائدة اتينهما ورسالتهما الى فرعون وتبليغ الرسالة كانت عائدة الى موسى وهارون لنفسها لا الى فرعون فى علم الله تعالى فالحكمة فى ارسالهما ان يكونا رسولين من ربهما مبلغين منذرين لتحقق رسالتهما وينكرها فرعون ويكفر بهما ليتحقق كفره كما قال { ليهلك من هلك من بينة ويحيى من حى عن بينة }(8/121)
فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)
{ فقولا له قولا لينا } اى كلماه باللين والرفق من غير خشونة ولا تعنيف ويسرا ولا تعسرا فانه ما دخل الرفق فى شئ الا وقد زانه وما دخل الخرق فى شئ الا وقد شانه وكان فى موسى حدة وصلابة وخشونته بحيث اذا غضب اشتعلت قلنسوته نارا فعالج حدته وخشونته باللين ليكون حليما وهو معنى قول من قال طبع الحبيب كان على اللين والرحمة فلذا امر بالغلظة كما قال تعالى { واغلظ عليهم } تحققا بكمال الجلال وطبع الكليم على الشدة والحدة والصلابة فلذا امر بالقول اللين تحققا بكمال الجمال وقد قال عليه السلام « تخلقوا باخلاق الله » فالخطاب خطاب الامر بالتخلق جمالا وجلالا فكل واحد منهما اوفق بمقامه وايضا ان فرعون كان من الملوك الجبابرة ومن عادتهم ان يزدادوا عتوا اذا خوشنوا فى الوعظ فاللين عندهم انفع واسلم كما ان الغلظة بل هاج غضبه فلعله يقصد موسى بضرب او قتل ففائدة اللين عائدة الى موسى .
وفى الاسئلة المقحمة انما امرهما بذلك لانه كان ابتداء حال الدعوة وفى ابتداء الحال يجب التمكين والامهال لينظر المدعو فيما يدعى اليه كما قال لنبينا عليه السلام « وجادلهم بالتى هى احسن » قيل امهلهم لينظروا ويستدلوا فبعد ان ظهر منهم التمرد والعناد فحينئذ يتوجه العنف والتشديد ويختلف ذلك باختلاف الاحوال انتهى فكل من اللين والخشونة يمدح به طورا ويذم به طورا بحسب اختلاف الواقع وعليه يحمل نحو قوله عليه السلام « لا تكن مرا فتعقى ولا حلوا فتسترط » يقال اعقيت الشئ اذا اذلته من فيك لمرارته وساتراطه ابتلاعه ومن امثال العرب لا تكن رطبا فتعصر ولا يابسا فتكسر وذلك لان خير الامور اوسطها ورعاية مقتضى الحال قاعدة الحكيم : قال الشيخ سعدى قدس سره
جو نرمى كنى خصم كردد دلير ... وكر خشم كيرى شوند ازتوسير
درشتى ونرمى بهم در بهست ... جورك زن كه جراح ومرهم نهست
وقيل امر الله موسى باللين مع الكافر مراعاة لحق التربية لانه كان رباه فنبه به على نهاية تعظيم حق الابوين .
وفى الاحياء سئل الحسن عن الولد كيف يحتسب على والده فقال يعظه ما ليغضب فاذا غضب سكت فعلم منه انه ليس للولد الحسبة على الوالد بالتعنيف والضرب وليس كذلك التمليذ مع الاستاذ الا حرمة لعالم غير عامل . وقيل امر موسى بالليل ليكون حجة على فرعون لئلا يقول اغلظ على القول فى دعوته .
وقرأ رجل عند يحيى بن معاذ رحمه الله هذه الآية فبكى وقال الهى هذا رفقك بما يقول انا الاله فكي فيمن يقول أنت الاله { لعله يتذكر } [ شايد او بندكير ] { او يخشى } [ يابترسد ازعذاب خدى ] كما قال فى الارشاد لعله يتذكر بما بلغتماه من ذكرى ويرغب فيما رغبتماه فيه او يخشى عقابى وكلمة او لمنع الخلو انتهى .(8/122)
وقال بعضهم الرجاء والطمع راجعان الى مال موسى وهارون والتذكر للمتحقق والخشية للمتوهم والخشية خوف يشوبه تعظيم واكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه ولذلك خص العلماء بها فى قوله { انما يخشى الله من عباده العلماء } اى قولا له ذلك راجيين ان يترك الاصرار على انكار الحق وتكذيبه اما بان يتذكر ويتعظ ويقبل الحق قلبا وقالبا او بان يتوهم انه حق فيخشى بذلك من ان يصر على الانكار ويبقى مترددا ومتوقفا بين الامرين وذلك خير بالسنبة الى الانكار والاصرار عليه لانه من اسباب القول ولقد تذكر فرعون وخشى حين لم ينفعاه وذلك حين الجمه الغرق { قال آمنت انه لا اله الا الذى آمتنت به بنوا اسرائيل وانا من المسلمين } - روى - ان موسى وعده على قبول الايمان شبابا لا يهرم وملكا لا ينزع منه الا بالموت ويبقى عليه لذة المطعم والمشرب والمنكح الى حين موته فاذا مات دخل الجنة فاعجبه ذلك وكان هامان غائبا وهو لا يقطع امرا بدونه فلما قدم اخبره بما قال له موسى وقال اردت ان اقبل منه يا هامان فقال له هامان كنت ارى ان لك عقلا ورأيا انت الآن رب تريد ان تكون مربوبا فابى عن الايمان . وفائدة ارسالهما اليه مع علمه تعالى بانه لا يؤمن الزام الحجة وقطع المعذرة لان عادة الله التبليغ ثم التعذيب .
قال بعض ارباب الحقيقة الامر تكليفى وارادى والارادة كثيرا ما تكون مخالفة للامر التكليفى فالرسل والورثة فى خدمة الحق من حيث امره التكليفى وليسوا فى خدمته من حيث الامر الارادى ولو كانوا خادمين للارادة مطلقا لما ردوا على احد فى فعله القيح بل يتركونه على ما هو عليه لانه هو المراد ولما كان لعين العاصى الثابت فى الحضرة العلمية استعداد التكليف توجه اليه الامر التكليف وليس لتلك العين استعداد الاتيان المأمور ربه فلا يتحقق منه المأمور به ولهذا تقع المخالفة والمعصية . فان قلت ما فائدة التكليف والامر بما يعلم عدم وقوعه . قلت فائدته تمييز من له استعداد القبول من ليس له استعداد ذلك لتظهر السعادة والشقاوة واهلهما انتهى : قال الحافظ
درين جمن مكنم سرزتش بخود رويى ... جنانكه برورشم ميدهند مى رويم
قال فى بحر العلوم ان الله قد علم كل شئ على ما هو عليه والعلم تبع للمعلوم وعلمه بان فرعون لا يؤمن باختياره لا يخرجه عن حيز الامكان ولذلك امرهما بدعوته والرفق فيها وفى قوله { لعله يتذكره او يخشى } دلالة ظاهرة على ان لقدرة العبد تأثير فى افعاله وفى افعال غيره وانه ليس بمجبور فيها كما زعم الاشعرى حيث قال لا تأثير لقدرة العبدة فى افعاله بل هو مجبور والالم يثبت له التذكير والخشية بقول موسى .(8/123)
قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45)
{ قال ربنا } قال فى الارشاد اسند القول اليهما مع ان القائل حقيقة وهو موسى بطريق التغليب ايذانا باصالته فى كل قول وفعل وتبعية هارون له فى كل ما يأتى وما يذر - وروى - ان موسى انطلق من الطور الى جانب مصر لا علم له بالطريق وليس له زاد ولا حمولة ولا صحبة ولا شئ الا العصا يظل صاديا ويبيت طاويا يصيب من ثمار الارض ومن الصيد شيأ قليلا حتى ورد ارض مصر .
قال الكاشفى [ جون بمصر توجه فرمود وحى آمد بهارون كه باستقبال برادر براه مدين دوان شود بس در اثناى طريق ملاقات فرمودند وموسى شرح احوال بتمامى باز كفت هارون كفت اى برادر شوكت وعظمت ازانجه ديده زيادة شد وبأدنى سبى حكم بقطع وقتل وصلب ميكند موسى انديشناك شد وهردو برادر باتفاق كفتند اى بروردكار ما ] { اننا نخاف } الخوف توقع مكروه عن امارة مظنونة او معلومة كما ان الرجاء والطمع توقع محبوب عن امارة مظنونة او معلومة ويضاد الخوف الا من ويستعمل ذلك فى الامور الدنيوية والاخروية قال تعالى { ويرجون رحمته ويخافون عذابه } والخوف من الله لا يراد به ما يخطر بالبال من الرعب كاستشعار الخوف من الاسد بل انما يراد به الكف عن المعاصى واختيار الطاعات { ان يفرط علينا } من فرط اذا تقدم تقدما بالقصد ومنه الفارط الى الماء اى المتقدم لاصلاح الدلواى يعجل علينا بالعقوبة ولا يصبر الى اتمام الدعوة واظهار المعجزة فيتعطل المطلوب من الارسال اليه . وقرئ يفرط من الافراط فى الاذية .
فان قلت كيف هذا الخوف وقد علما انهما رسولا رب العزة اليه .
قلت جريا على الخوف الذى هو مجبول فى طينه نبى آدم كما فى التأويلات النجمية يشير الى ان الخوف مركوز فى جبلة الانسان حتى انه لو بلغ مرتبة النبوة والرسالة فانه لا يخرج الخوف من جبلته كما قال { ربنا اننا نخاف ان يفرط علينا } يعنى ان يقتلنا ولكن الخوف ليس بجهة القتل وانما نخاف فوات عبوديتك بالقيام لاداء الرسالة والتبليغ كما امرتنا او يتمرد بجهله ولا ينقاد لاوامرك ويسبك انتهى { او ان يطغى } اى يزداد طغيانا الى ان يقول فى شأنك ما لا ينبغى لكمال جراءته وقساوته واطلاقه حيث لم يقل عليك من حسن الادب ولما كان طغيانه فى حق الله اعظم من افراطه فى حقهما ختم الكلام به فان المتمسك بالاعذار يؤخر الاقوى ونحوه ختم الهدهد بقوله { وجدتها وقومها يسجدون للشمس } يقول الفقير يجوز ان يكون المراد يطغى علينا اى يجاوز الحد فى الاساءة الينا الا انه حذف الجار والمجرور رعاية للفواصل كما حذف المفعول لذلك فى قوله { ما ودعك ربك وما قلى } واظهار ان مع سداد المعنى بدونه للاشعار بتحقق الخوف من كل منهما .(8/124)
قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)
{ قال } استنائف بيانى كأنه قيل فماذا قال لهما ربما عند تضرعهما اليه فقيل قال { لا تخافا } ما توهمتما من الامرين يشير الى ان الخوف انما يزول عن جبلة الانسان بامر التكوين كما قال { قلنا يا نار كونى بردا وسلاما على ابراهيم } فكانت بتكوين الله ايها بردا وسلاما : وفى المثنوى
لا تخافوا هست نزل خائفان ... هست درخور از برى خائفان
هركه ترسد مرورا ايمن كنند ... مردل ترسندرا ساكن كنند
آنكه خوفش نيست جون كوئى مترس ... درس جهدهى نيست او محتاج درس
قال ابن الشيخ فى حواشيه ليس المراد منه النهى عن الخوف لانه من حيث كونه ارما طبيعيا لا مدخلا للاختيار فيه لا يدخل تحت التكليف ثبوتا وانتفاء بل المراد به التسلى بوعد الحفظ والنصرة كما يدل عليه قوله { اننى معكما } بكمال الحفظ والنصرة فان الله تعالى منزه عن المعية المكانية { اسمع وارى } اى ما يجرى بينكما وبينه من قول وفعل فافعل فى كل حال ما يليق بها من دفع ضرر وشر وجلب نفع وخير فمن كان الله معه يحفظه من كل جبار عنيد - روى - ان شابا كان يأمر وينهى فحبسه الرشيد فى بيت وسد المنافذ لهلك فبعد ايام رؤى فى بستان يتفرج فاحضره الرشيد وقال من اخرجك ق لالذى ادخلنى البستان فقال من ادخلك قال الذى اخرجنى من البيت فتعجب الرشيد وبكى وامر له بالاحسان وبان يركب فرسا وينادى بين يديه هذا رجل اعزه الله واراد الرشيد اهانته فلم يقد رالله الا اكرامه واحترامه : قال الحافظ
هزار دشمن اكرميكنند قصد هلاك ... كرم تو دوستى از دشمنان ندارم باك
وقال الشيخ سعدى قدس سره
محالست جون دوست دارد ترا ... كه دردست دشمن كذارد ترا
واعلم ان الله تعالى حاضر مع عباده الحضور اللائق بشأنه ولا يعرف ذلك الا من اكتحلت عين بصيرته بنور الشهود ولكن شهود الوحدة الذاتية ثم اتم واعلى من شهود المعية ولذلك لا يرضى الكمل الوقوف فى مرتبة المعية بل يطلبون ان يصلوا بالفناء التام الى مقام الوحدة .
ثم اعلم ان موسى وهارون عليهما السلام التجئا الى حضرة الربوبية بكمال العبودية فتداركهما الله بالحفظ والعون .
قال الفقيه ابو الحسن وقع القحط ببغداد فاجتمع الناس فرفعوا قصتهم الى على بن عيسى الوزير فقرأها وكتب على ظهرها لست بسماء فاسقيكم ولا بارض فاكفيكم ارجعوا الى بارئكم .
قال ابو المعين سألت بعض النصارى عن احسن آية فى الانجيل فقال خمس كلمات « سلنى اجبك . واشكر لى ازدك . واقبل علىّ اقبل عليك واقرب منى اقرب منك . واطعنى فى الدنيا اطعك فى الآخرة » وفى المثنوى
كفت حق كر فاسق واهل صنم ... جون مراخوانى اجابتها كنم
تودعارا سخت كيرو مى شخول ... عاقبت برهاندت ازدست غول(8/125)
فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47)
{ فأتياه } امر اباتيانه الذى هو عبارة عن الوصول اليه بعدما امرا بالذهاب اليه فلا تكرار والاتيان مجئ بسهولة والمجيئ اعم والاتيان فقد يقال باعتبار القصد وان لم يكن منه الحصور والمجئ اعتبارا بالحصول { فقولا } من اول الامر { انا رسولا ربك } ليعرف الطاغى سؤالكما ويبنى جوابه عليه ورسولا تثنية رسول وهو فعول مبالغة مفعل بضم الميم وفتح العين بمعنى ذى رسالة اسم من الارسال وفعول هذا لم يأت الا نادرا وعرفا من بعث لتبليغ الاحكام ملكا كان او انسانا بخلاف النبى فانه مختص بالانسان { فارسل معنا بنى اسرائيل } [ بس فرست باما فرزندان يعقوبرا بارض مقدسه بازرويم كه مسكن آباه ما بوده ] كما قال فى بحر العلوم فاطلقهم وخلهم يذهبوا معنا الى فلسطين وكان مسكنهما وفلسطين بكسر الفاء وفتح اللام وسكون السين المهملة هى البلاد التى بين الشام وارض مصر منها الرملة وغزة وعسقلان وغيرها .
وقال فى الارشاد المراد بالارسال اطلاقهم من الاسر والقسر واخراجهم من تحت يد العادية لا تكليفه ان يذهبوا معهما الى الشام كما ينبئ عنه قوله تعالى { ولا تعذبهم } اى بابقائهم على ما كانوا عليه من العذاب فانهم كانوا تحت مملكة القبط يستخدمونهم فى الاعمال الصعبة الفادحة من الحفر ونقل الاحجار وغيرهما من الامور الشاقة ويقتلون ذكرو اولادهم عاما دون عام ويستخدمون نساءهم .
وتوسيط حكم الارسال بين بيان رسالتهما وبين ذكر المجئ بآية دالة على صحتها لاظهار الاعتناء به لان تخليص المؤمنين من ايدى الكفرة اهم من دعوتهم الى الايمان كما قيل . والعذاب هو الايجاد الشديد وقد عبذه تعذيبا اى اكثر حبسه فى العذاب وصاله من قولهم عذب الرجل اذا ترك المأكل والنوم فهو عاذب وعذوب فالتعذيب فى الاصل هو حمل الانسان على ان يعذب اى يجوع ويسهر وقيل اصله من العذب فعذبه ازلت عذب حياته على بناء مرّضته وفدّيته وقيل اصل التعذيب اكثار الضرب بعذبة السوط اى طرفه { قد جئناك بآية من ربك } [ بدرستى كه آورده ايم نشانى يعنى معجزه ازبروردكارتو ] وتوحيد الآية مع تعددها لان المراد اثبات الدعوى ببرهانها لا بيان تعدد الحجة فكأنه قال قد جئناك ببرهان على ما ادعيناه من الرسالة { والسلام } اللام لتعريف الماهية والسلامة التعرى من الآفات الظاهرة والباطنة والمراد هنا اما التحية فالمعنى والتحية المستتبعة بسلامة الدارين من الله والملائكة اى خزنة الجنة وغيرهم من المسلمين { على من اتبع الهدى } بتصديق آيات الله الهادية الى الحق فاللام على اصلها كما فى سلام عليكم يقال تبعه واتبعه قفا اثره وذلك تارة بالجسم وتارة بالارتسام والامتثال وعلى ذلك قوله { فمن تبع هدى فلا خوف عليهم } واما السلامة فعلى بمعنى اللام كعكسه فى قوله تعالى { ولهم اللعنة } اى عليهم اللعنة .
قال فى التأويلات سلم من استسلم واتبع هدى الله تعلى وهو ما جاء به انبياؤه عليهم السلام .(8/126)
إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48)
{ انا قد اوحى الينا } من جهة ربنا واصل الوحى الاشارة السريعة وذلك قد يكون بالكلام الخفى على لسان جبريل وقد يكون بالالهام وبالمنام والوحى الى موسى بوساطة جبريل والى هارون بوساطته ووساطة موسى { من العذاب } اى كل العذاب لانه فى مقابله السلام اى كل السلام وهو العذاب الدنيوى والاخروى الدائم لان العذاب المتناهى كلام عذاب فلا يرد انه يلزم قصر العذاب على المكذبين مع ان غيرهم قد يعذبوا { على من كذب } بآياته تعالىوكفر بما جاء به الانبياء عليهم السلام والكذب يقال فى المقال وفى الفعال { وتولى } اذا عدى بعن لفظا او تقديرا اقتضى معنى الاعراض وترك الولى اى القرب فالمعنى اعرض من قبولها بمتابعة الهوى وفيه من التلطيف فى الوعيد حيث لم يصرح بحلول العذاب به مالا مزيد عليه .
يقول الفقير ان كلا من تكذيب الرسول والحقائق سبب العذاب والهوان مطلقا فكفار الشريعة كفار الرسول والحقائق جميعا فلهم عذاب جسمانى وروحانى وكفار الحقيقة كفار الآيات الحقيقية فلهم هوان معنوى فالنعيم والعزة فى الاطاعة والاتباع والاستسلام كما ان الجحيم والذل فى خلافها - حكى - ان بعض السادات لما رأى عبد الله ابن المبارك فى عزة ورفعة مع جماعة قال انظروا الى حال آل محمد وعزة ابن المبارك فقال ابن المبارك ان سيدنا لما لم يراع سنة جده ذل وابن المبارك لما اطاع النبى عليه السلام وسار سيرته اعطاه الله عزا وشرفا .
واعلم ان عزة فرعون وشرفه انقلبا ذلا وهو انا بسبب تكذيب موسى واعراضه عن قبول دعوته وهامان وان كان سببا صوريا فى امتناعه عن القبول ونكوله عن الانقياد لكن لم يكن له فى اصل جبلته استعداد لقبول الحق فلا يغرنكم عزة الدنيا مع عدم الاطاعة لانه ينقلب يوما ذلا وخسرانا وكثيرا ما وقع فى الدنيا ورأيناه فاقبل النصيحة مع مداومة مجلس العلم والا فعند ظهور الحق ووجود الاستعداد والقابلة لا يبقى غير الاستسلام وان منعه العالم باسرهم عن ذلك ألا ترى ان النجاشى ملك الحبشة لما علم علما جازما ان الرسول حق اتبعه من غير خوف من احد من العالمين ومبالاة لكلام احد فى ذلك فنجا من العذاب نجاة ابدية ثم اعلم انه كما ان للانبياء معجزات فكذا للاولياء كرامات والعلمية منها هى التى حق اعتبارها فان الكونية مما يشترك فيه الملتان فالكرامات العلمية آيات الاولياء جاؤا بها من الله من طريق الكشف الصحيح فمن اتبع هداهم بقبول آياتهم الهادية الى عالم الحقيقة فقد سلم من الانكار مطلقا صوريا او معنويا ونجا من العذاب الداخلين والعجب ان الانبياء والاولياء مع كونهم رحمة من الله على عباده اذ لا نعمة فوق الارشاد وايصال المريدين الى المراد لم يدرجاههم اكثر الناس ولم يوفق لاتباعهم الاقل من القليل وبقى البقية كالنستاس ولذا لم يمض قرن من القرون الا والعذاب بالعصاة مقرون فانظر من انت وما بغيتك فان كنت تطلب النجاة فلا تجدها الا فى الاطاعة وخصوصا فى هذا الزمان المشوب بالجور والعدوان والفسق والعصيان والغالب على اهالية الابتلاء بانواع البلايا الموبقة وعلى تقدير الاطاعة والاتباع يلزم للمريد ان يخرج من البين ويجعل جل همه ان يصل الى عالم العين ولا يطمع فى شئ سوى الرضى الوافى والولاء الكافى .(8/127)
قال حمدون القصار القائمون بالاوامر على ثلاثة مقامات . واحد يقوم اليه على العادة وقيامه قيام كسل . وآخر يقوم اليه على طلب الثواب وقيامه قيام طمع . وآخر يقوم اليه على المشاهد فهو القائم بالله لا بنفسه لفنائه عن نفسه وغيره وهذا القسم من القيام بالامر هو المؤدى الى محبة الله الموصلة الى العزة الباقية وسعادة الدارين فلا بد للعاقل من الاجتهاد : وفى المثنوى
جهدكن تانورتو رخشان شود ... تاس سلوك وخدمتت آسان شود
كود كانرامى برى مكتب بزور ... زانكه هستندازفوائد جشم كور
جون شود واقف بمكتب مى رود ... جانش از رفتن شكفته مى شود
والله المعين فى كل حين .(8/128)
قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49)
{ قال } قال الكاشفى [ بس موسى وهارون بحكم حضرت الهى بدركاه فرعون آمدند وبعدازمدتى كه ملاقات او ميسر شد كفتند ما رسلولان برودكاريم وترا بعبادت او ميخوانيم وآن كلمات كه حق تعالى تلقين كرده بود ادا كردند فرعون كفت ] { فمن } استفهامية والمعنى بالفارسية [ بس كيست ] { ربكما } وقال غيره الفاء لترتيب السؤال على ما سبق من كونهما رسولى ربهما اى اذا كنتما رسولى ربكما فاخبرا من ربكما الذى ارسلكما الىّ ولم يقل فمن ربى مع قولهما { انا رسولا ربك } لغاية عتوه ونهاية طغيانه .
قال الامام اثبت نفسه ربا فى قوله { ألم نربك فينا وليدا } فذكر ذلك على سبيل التعجب كأنه قال انا ربك فلم تدعو ربا آخر { يا موسى } خاطبهما ثم افرد موسى اذ كان يعلم ان موسى هو الاصل فى الباب وهارون وزيره وتابع له(8/129)
قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)
{ قال } موسى مجيبا له { ربنا } مبتدأ خبره قوله { الذى } من محض رحمته { اعطى كل شئ } من انواع المخلوقات { خلقه } اى صورته وشكله اللائق به مشتملا على خواصه ومنافعه فالمراد بالخلق المخلوق ومنه يفهم ان ضمير الجمع فى ربنا عام لموسى وهارون وفرعون وغيرهم ولم يقل ربنا الله بل وصفه بافعاله ليستدل بالفعل على الفاعل { ثم هدى } وجه كل واحد منها الى ما يصدر عنه وينبغى له طبعا كما فى الجمادات واختيارا كما فى الحيوانات وهيأه لما خلق له ولما كان الخلق الذى هو عبارة عن تركيب الاجزاء وتسوية الاجسام متقدما على الهداية التى هى عبارة عن ايداع القوى المحركة والمدركة فى تلك الاجسام وسط بينهما كلمة التراخى .
قال بعض الكبار ان للمخلوقات كلها حياة وروحا اما صورية كما فى الانس والجن والملك ومن يتبعهم واما معنوية كما فى الجمادات والنباتات ولذا قال تعالى { وان من شئ الا يسبح بحمده } فما من مخلوق الا وقد هدى الى معرفته تعالى بقدر عقله وروحه وحياته .
وفى التويات النجمية { اعطى كل شئ خلقه } استعدادا لما خلق له { ثم هدى } اى يسر لما خلق له والذى يدل عليه قوله عليه السلام « اعملوا فكل ميسر لما خلو له » معناه ان الله تعالى خلق المؤمن مستعدا لقبول فيض الايمان ثم هداه الى قبول دعوة الانبياء ومتابعتهم وخلق الكافر مستعدا لقبول فيض القهر والخذلان والتمرد على الانبياء ومخالقتهم : قال المغربى قدس سره
يكى را بهر طاعت خلق كردند ... يكى را بهر عصيان آفريدند
يكى از بهر مالك كشت موجود ... يكى را بهر رضوان آفريدند(8/130)
قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53)
{ قال } فرعون { فما بال القرون الاولى } ما استفهام . والبال الحال التى يكترث بها ولذا يقال ما باليت بكذا اى ما اكترثت به ويعبر به عن الحال الذى ينطوى عليه الانسان فيقال ما خطر ببالى كذا . والقرن القوم المقترنون فى زمن واحد . والاولى تأنيث الاول وواحد الاولى كالكبرى والاكبر والكبر . والمعنى فما بال القرون الماضية وما خبر الامم الخالية مثل قوم نوح وعاد وثمود وماذا جرى عليهم من الحوادث المفصلة .
قال فى الاسئلة المقحمة فان قلت هذا لا يليق بما تقدم قلنا ان موسى كان قد قال له انى اخاف عليكم مثل يوم الاحزاب ان يلحقكم ما قد لحقهم ان لم تؤمنوا بى فلهذا سأله فرعون عن حالهم انتهى .
يقول الفقير هذا وان كان مطابقا لمقتضى الفاء الا ان الجواب لا يساعده مع ان القائل بالخوف ليس هو موسى بل الذى آن وبعيد ان يحمل الذى آمن على موسى لعدم مساعدة السباق والسياق فارجع الى سورة المؤمن .
وقال بعضهم لما سمع البرهان خاف ان يزيد فى ايضاحه فيتبين لقومه صدقه فيؤمنوا به فاراد ان يصرفه عنه ويشغله بالحكاية فلم يلتفت موسى اليه ولذا . { قال } اى موسى { علمها عند ربى } اى ان علم احوال تلك القرون من الغيوب التى لا يعلمها الا الله ولا ملابسة للعم باحوالهم بمنصب الرسالة فلا اعلم منها الا ما علمنيه من الامور المتعلقة بما ارسلت { فى كتاب } اى مثبت فى اللوح المحفوظ بتفاصيله { لا يضل ربى ولا ينسى } الضلال ان تخطئ الشئ فى مكانه فلم تهتد اليه والنسيان ان تغفل عنه بحيث لا يخطر ببالك وهما محالان على العالم بالذات . والمعنى لا يخطئ ابتداء بل يعلم كل المعلومات ولا يغفل عنه بقاء بل هو ثابت ابدا وهو لبيان ان اثباته فى اللوح المحفوظ ليس لحاجته تعالى اليه فى العلم به ابتداء وبقاء وانما كتب احكام والكائنات فى كتاب ليظهرها للملائكة فيزيد استدلالهم بها على تنزه علمه تعالى عن السو والغفلة .
برو علم يك ذرء بوشيده نيست ... كه بيدا وبنهان بنزدش يكيست
فبعد الجواب القاطع رجع الى بيان شؤونه تعالى وقال { الذى } اى هو الذى { جعل لكم الارض مهدا } قال الامام الراغب المهد ما يهيأ للصبى والمهد والمهاد المكان الممهد الموطأ قال تعالى { الذى جعل لكم الارض مهدا } انتهى .
قال الكاشفى [ خوش كسترانيدكه برآن مى نشينيد ومسكن ميسازيد ] { وسلك لكم فيها سبلا } السلوك النفاذ فى الطريق [ يعنى اندرراه شدن ورفتن ] وسلك لازم ومتعد يقال لكت الشئ فى الشئ ادخلته والسبل جمع سبيل وهو من الطرق ما هو معتاد السلوك . والمعنى جعل لكم اى لاجلكم لا لغيركم طرقا كثيرة ووسطها بين الجبال والاودية والبرارى تسلكونها من قطر الى قطر لتقضوا منها مآربكم وتنتفعوا بمنافعها { وانزل } النزول هو الانحطاط من علو يقال نزل عن دابته ونزل فى مكان كذا حط رحله فيه وانزل غيره { من السماء } اى من الفلك او من السحاب فان كل ما علا سحاب { ماء } هو جسم سيان قد احاط حول الارض والمراد هنا المطر وهو الاجزاء المائية اذا التأم بعضها مع بعض ونكره قصدا الى معنى البعضية اى انزل من السماء بعض الماء { فاخرجنا به } يقال خرج خروجا برز من مقره او حاله او اكثر ما يقال الاخراج فى الاعيان اى انبتنا بسببه ذكر الماء وعدل عن لفظة الغيبة الى صيغة التكلم على الحكاية لكلام الله تنبيها على زيادة اختصاص الفعل بذاته وان ذلك منه ولا يقدر عليه غيره تعالى { ازوجا } اصنافا سميت بذلك لازدواجها واقتران بعضها ببعض لانه يقال لكل ما يقترن بآخر مماثلا له او مضادا زوج ولكل قرينين من الذكر والانثى فى الحيوانات المتزاوجوة زوج ولكل قرنين فيها وفى غيرها زوج كالخف والنعل { من نبات } هو كل جسم يغتذى وينمو كما قال الراغب النبت والنبات ما يخرج من الارض من الناميأت سواء كان له ساق كالشجر او لم يكن له ساق كالنجم لكن اختص فى التعارف بما لا ساق له بل قد اختص عند العامة بما تأكله الحيوانات ومتى اعتبرت الحقائق فانه يستعمل فى كل نام نباتا كان او حيوانا او انسانا انتهى ومن بيانية فيكون قوله { شتى } صفة للنبات لما انه فى الاصل مصدر يتسوى فيه الواحد والجمع .(8/131)
وشتى جمع شتيت بمعنى المتفرق اى نباتات مختلفة الانواع والطعوم والروائح والاشكال والمنافع بعضها صالح للناس على اختلاف وجود الصلاح وبعضها للبهائم والاظهر ان من نبات وشتى صفتان لازواجا واخر شتى رعاة للفواصل .(8/132)
كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54)
{ كلوا } حال من ضمير فاخرجنا على ارادة القول اى اخرجنا منها اصناف النباتات قائلين كلوا منها اى من الصمار والحبوب ونحوهما { وارعوا } الرعى فى الاصل حفظ الحيوان اما بغذائه الحافظ لحياته او بذب العدو عنه اى اسيموا واسرحوا فيها : وبالفارسية [ وبجرانيد ] { انعامكم } وهى الابل والبقر والضأن والمعزاى اقصدوا بها الانتفاع بالذات وبالواسطة آذنين فى الانتفاع بها مبيحين بان تأكلوا بعضها وتعلفوا بعضها .
قال فى التأويلات النجمية يشير ال ان السماء والماء والنبات والانعام كلها مخلوقة لكم ولولا احتياجكم للتعيش بهذه الشايء بل جميع الملوقات ما خلقتها : قال المغربى قدس سره
غرض توبى زوجود همه جهان ورنه ... لام تكوّن فى الكون كائن لولاك
{ ان فى ذلك } المذكور من الشؤون والافعال الالهية من جعل الارض مهدا وسلك السبل فيها وانزال لماء واخراج اصناف النبات { لآيات } كثيرة جليلة واضحة الدلالة على الصانع ووحدته وعظيم قدرته وباهر حكمته { لاولى النهى } جمع نهية سمى بها العقل لنهيه عن اتباع الباطل وارتكاب القبيح كما سمى بالعقل والحجر لعقله وحجره عن ذلك لذوى العقول الناهية عن عن الاباطيل التى من جملتها ما تدعيه الطاغية وتقبله منهم الفئة الباغية وتخصيص اولى النهى مع انها آيات للعالمين باعتبار انهم المنتفعون بها .(8/133)
مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55)
{ منها } اى من الارض .
وفى التأويلات النجمية من قبضة التراب التى امر الله تعالى عزرائيل ان يأخذها من جميع الارض { خلقناكم } بوساطة اصلكم آدم والا فمن عدا آدم وحواء مخلوق من النطفة واصل الخلق التقدير المستقيم ويستعمل فى ابداع الشئ من غير اصل ولا احتذاء قال تعالى { خلق السموات والارض } ويستعمل فى ايجاد الشئ كما فى هذا المقام { وفيها نعيدكم } عند الموت بالدفن فى الموضع الذى اخذ ترابكم منه وايثار كلمته فى للدلالة على الاستقرار والعود الرجوع الى الشئ بعد الانصراف عنه اما انصراف بالذات او بالقول والعزيمة واعادة الشئ كالحديث وغيره تكريره { ومنها نخرجكم تارة اخرى } اى عند البعث بتأليف الاجزاء وتسوية الاجساد ورد الارواح للحساب والجزاء وكون هذا الاخراج تارة اخرى باعتبار ان خلقهم من الارض اخراج لهم منها وان لم يكن على نهج التارة المانية . والتارة فى الاصل اسم للتور الواحد وهو الجريان ثم اطلق على كل فعلة واحدة من الفعلات المتجددة كما مر فى المرة : قال الحكيم فردوسى
بخاكت در آرد خداوند باك ... دكرره برون آرد از زير خاك
بدان حال كايى بخاك اندرون ... بدان كونه از خاك آيى برون
اكر باك درخاك كيرى مقام ... برآيى از وباك وباكيزه نام
عن ابن عباس رضى الله عنه ان جبريل جاء الى النبى عليه السلام فقال يا محمد ان ربك يقرئك السلام وهو يقول مالى اراك مغموما حزينا قال عليه السلام « يا جبريل طال تفكرى فى امر امتى يوم القيامة » قال أفى امر اهل الكفر ام فى امر اهل الاسلام فقال « يا جبريل فى امر اهل لا اله الله محمد رسول الله » فاخذ بيده حتى اقامه الى مقبرة بنى سلمة ثم ضرب بجناحه الايمن على قبر ميت فقال قم باذن الله فقام رجل مبيض الوجه وهو يقول لا اله الله الله محمد رسول الله فقال جبريل عد الى مكانك فعاد كما كان ثم ضرب بجناحه الايسر فقال قم باذن الله فخرج رجل مسود الوجه ازرق العينين وهو يقول واحسرتاه واندامتاه فقال له جبريل عد الى مكانك فعاد كما كان ثم قال يا محمد على هذا يبعثون يوم القيامة وعند ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « تموتون كما تعيشون وتنبعثون كما تموتون »
قيل ليحيى بن معاذ رضى الله عنه ما بال الانسان يحب الدنيا قال حق له ان يحبها منها خلق وهى امه ومنها عيشه ورزقه فهى حياته وفيها يعاد فهى كفاته يأخذ بسالكه الى جوار ربه .
واعلم ان من صفة الارض الطمأنينة والسكون لفوزها بوجود مطلوبها فكانت اعلى مرتبة فى عين السفل وقامت بالرضى فمقامها رضى وحالها تسليم ودينها اسلام وهكذا الانسان الكامل فى الدنيا فان الله تعالى قد صاغه من قالب الارض وهووان كان ترابى الاصل لكن طرح عليه اكسير الروح الاعظم فاذا طار الروح بقيت سبيكة الجسد تفضيل الارض على السماء لان الانبياء خلقوا من الارض وعبدوا فيها ودفنوا فيها وان الارض دار الخلافة ومزرعة الآخرة واما الارض الاولى فقال بعضهم انها افضل لكونها مهبط الوحى ومشاهد الانبياء وللانتفاع بها ولاستقرار الخلفاء عليها وغيرها من الضائل هنا بعد الوفاة ويعرج الروح ولكن فضل الارض لان اسباب العروج انما حصلت بالآلت الجسدانية وهى من الارض ولذا جعل عليه السلام الصلاة من الدنيا فى قوله(8/134)
« حببت الىّ من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وقرة ينى فى الصلاة » وذلك لان صورة الصلاة التى هى الافعال والاذكار تحصل بالاعضاء والجوارح التى هى من الدنيا وعالم الملك وان كان القلب والتوجه من عالم الملكوت نسأل الله تعالى ان يجعلنا من المتحققين بحقائق الارض والمعرضين عن كل طول وعرض .(8/135)
وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56)
{ ولقد اريناه آياتنا كلها } اضافة الآيات عهدية وكلها تأكيد لشمول الانواع اى وبالله لقد بصرنا فرعون على يدى موسى آياتنا كلها من العضا واليد وغيره لا على مهل من الزمان او عرفناه صحتها واوضحنا وجه الدلالة فهيا { فكذب } بالآيات كلها من فرط عناده من غير تردد وتأخير وزعم انها سحر { وابى } عن قبولها لعتوه والاباء شدة الامتناع فكل اباء امتناع وليس كل امتناع اباء .(8/136)
قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58)
{ قال أجئتنا لتخرجنا من ارضنا بسحرك يا موسى } استئناف مبين لكيفية تكذيبه وابائه والهمزة لانكار الواقع واستقباحه وادعاء انه امر محال والمجئ اما على حقيقته او بمعنى الاقبال على الامر والتصدى والصحر خداع وتخييلات لا حقيقة لها نحو ما تفعله المشعبذة من صرف الابصارعما تفعله بخفه يد وما يفعله التمام بقول حرف عائق للاسماع . والمعنى أجئتنا من مكانك الذى كنت فيه بعدما غبت عنا او اقبلت علينا لتخرجنا من ارض مصر بالغلبة والاستيلاء بما اظهرته من السحر فان ذلك مما لا يصدر عن العاقل لكونه من باب محاولة المحال .
قال الكاشفى [ يعنى دانستيم كه تو ساحرى وميخواهى كه بسحر مارا ازمصر بيرون كنى وبنى اسرائيل را متمكن سازى وبادشاهى كنى برايشان ] وقال بعضهم هذا تعلل وتحير ودليل على انه علم كون موسى محقا حتى خاف منه على ملكه فان ساحرا لا يقدر ان يخرج ملكا مثله من ارضه .
وفى الارشاد انما قال لحمل قومه على غاية المقت بابراز ان مراده ليس مجرد انجاء بنى اسرائيل من ايديهم بل اخراج القبط من وطنهم وحيازة اموالهم واملاكهم بالكلية حتى لا يتوجه الى اتباعه احد ويبالغوا فى المدافعة والمخاصمة وسمى ما اظهره عليه من المعجزات الباهرة سحرا ليجسرهم على المقابلة .
وفى التأويلات النجمية انما قال هذا لانه كان من اهل البصر لا من اهل البصيرة ولو كان من اهل البصيرة لرأى مجيئه لاخراجه من ظلمات الكفر الى نور الايمان ومن ظلمات البشرية الى نور الروحانية ومن ظلمات الانسانية الى نور الربانية : وفى المثنوى
هركه از ديدار برخوردار شد ... اين جهان درجشم او مردار شد
ملك برهم زن توادهم وار زود ... تا بيابى همجو او ملك خلود
فلما رأى ببصر الحس المعجزة سحرا ادعى ان يعارضه بمثل ما اتى به فقال { فلنأتينك بسحر مثله } الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها واللام جواب قسم محذوف كأنه قيل اذا كان كذلك فوالله لنأتينك بسحر مثل سحرك فلا تغلب علينا : وبالفارسية [ هرآيينه بياريم براى تو جادويى ما نندجادوييئ تو بآن باتو معارضه كنيم تامردمان بدانندكه توبيغمبر نيستى جادو كرى ]
{ فاجعل } صير { بيننا وبينك } لاظهار السحر { موعدا } اى وعد لقوله { لا نخلفه } اى ذلك الوعد { نحن ولا انت } يقال اخلف وعده ولا يقال اخلف زمانه ولا مكانه .
وقال بعضهم اراد بالوعد ههنا موضعا يتواعدون فيه الاجتماع هناك انتهى .
والوعد عبارة عن الاخبار بايصار المنفعة قبل وقوعها . والخلف المخالفة فى الوعد يقال وعدتى فاخلفنى اى خالف فى المعياد { مكانا سوى } منصوب بفعل يدل عليه المصدر لا به فانه موصوف وسوى بالضم والكسر بمعنى العدل والمساواة اى عد مكانا عدلا بيننا وبينك وسطا يستوى طرفاه من حيث المسافة علينا وعليكم لا يكون فيه احد الطرفين ارجح من الآخر او مكانا مستويا لا يحجب العين ارتفاعه ولا انخفاضه : وبالفارسية [ جون وعد برسد حاضر شويم درجابى كه مساوى باشد مسافت قوم ما وتو بآن يا مكان مستوى وهموار كه دروبستى وبلندى نباشد تامردم نظاره توانند كرد } ففوض اللعين امر الوعد الى موسى للاحتراز عن نسبته الى ضعف القلب كأنه متمكن من تهئة اسباب المعارضة طال الامد ام قصر .(8/137)
وفى التأويلات النجمية انما طلب الموعد لان صاحب السحر يحتاج فى تدبير السحر الى طول الزمان وصاحب المعجزة لا يحتاج فى اظهار المعجزة الى الموعد .(8/138)
قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59)
{ قال } موسى { موعدكم } [ زمان وعدشما ] { يوم الزينه } [ روز آرايش قبطيانست ] يعنى يوم عيدهم الذى يجتمع فيه الناس من كل مكان ليكون بمشهد خلق عظيم لعلهم يستحيون منهم فلا ينكرون المعجزة بعد ابطال السحر سألوا عن المكان فاجابهم بالزمان فان يوم الزينة يدل على مكان مشتهر باجتماع الناس فيه فى ذلك اليوم .
اعلم ان الاعياد خمسة . احدها عيد قوم ابراهيم عليه السلام وفيه جعل ابراهيم الاصنام جذاذا . والثانى عيد قوم فرعون وهو يوم الزينة . والثالث عيد قوم عيسى كما مر فى اواخر المائدة . والربع . والخامس عيد اهل المدينة فى الجاهلية وذلك يومان فى السنة فابدلهما الله فى الاسلام يومى الفطر والاضحى وهذان اليومان مستمران الى يوم القيامة قال المولى الجامى
قربان شدن بتيغ جفاى توعدماست ... جان ميدهيم بهر جنين عيد عمر هاست
{ وان يحشر الناس ضحى } عطف على اليوم او الزينة والحشر اخراج الجماعة عن مقارهم وازعاجهم عنه الى الحرب ونحوها ولا يقال الا فى الجماعة . وضحى نصب على الظرف اى وان يجمع الناس فى وقت الضحى ليكون ابعد من الربانية .
قال فى ضرام السقط اول اليوم الفجر ثم الصباح ثم الغداة ثم البكرة ثم الضحى ثم الضحوة ثم الهجيرة ثم الظهيرة ثم الرواح ثم المساء ثم العصر ثم الاصيل ثم العشاء الاولى ثم العشاء الاخيرة عند مغيب الشفق .
وفى بحر العلوم الضحى صدر النهار حين ترتفع الشمس وتلقى شعاعها .
وقال الامام الراغب الضحى انبساط النهار وامتداده سمى الوقت به .
وقال الكاشفى [ ضحى درجاشتكاه كه روشنترست از بقاى روز ] .(8/139)
قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61)
{ قال لهم موسى } كأنه قيل فماذا صنع موسى عند اتيان فرعون مع السحرة فقيل قال لهم بطريق الصنيحة { ويلكم } اصله الدعاء بالهلاك بمعنى الزمكم الله ويلا يعنى عذابا وهلاكا والمراد هنا الزجر والردع والحث والتحريض على ترك الافتراك : وبالفارسية [ واى برشما ] { لا تفتروا على الله كذبا } بان تدعو ان الآيات التى ستظهر على يدى سحر او لا تشركوا مع الله احدا والافتراء التقول والكذب عن عمد
وفى التأويل قال موسى للحسرة { ويلكم لا تفتروا على الله كذبا } باتيان السحر فى معرض المعجزة ادعاء بان الله قد اعطانا مثل ما اعطى الانبياء من المعجزة { فيسحتكم } فيهلككم ويتسأصلكم بسببه : وبالفارسية [ ازبيخ بركند شمارا ] يقال اسحت الشئ اعدمه واستأصله { بعذاب } هائل لا بقادر قدره { وقد خاب } الخيبة فوت المطلب اى [ بى بهره ون اميدماند ] { من افترى } اى على الله تعالى كائنا من كان بى وجه كان .(8/140)
فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)
{ فتنازعوا } اى السحرة حين سمعوا كلامه كأنه ذلك غاظهم فتنازعوا { امرهم } الذى اريد منهم من مغالبتهم عليه السلام وتشاوروا وتناظروا { بينهم } فى كيفية المعارضة وتجاذبوا اهداب القول فى ذلك .
قال فى المفردات نزع الشئ جذبه من مقره كنزع القوس عن كبده والتنازع والمنازعة المجاذبة ويعبر بها عن المخاصمة والمجادلة { واسروا النجوى } وبالغوا فى اخفاء النجوى عن موسى لئلا يقف عليه فيدافعه : وبالفارسية [ وينهان داشتتد ازكفتن را ] والنجوى السر واصله المصدر وناجيته اى ساررته واصله ارتحلوا به فى نجوة من الارض اى مكان مرتفع منفصل بارتفاعه عما حوله وقيل اصله واصله من النجاة وهو ان تعاونه على ما فيه خلاصه او ان تنجوا بسرك ان يطلع عليه وكان نجواهم ما نطق به قوله تعالى { قالوا } اى بطريق التناجى والاسرار { ان هذا لساحران } اى مخففة واللام هى الفارقة بينها وبين النافية والمشار اليه موسى وهارون { يريدان ان يخرجاكم من ارضكم } اى من ارض مصر بالغلبة والاستيلاء عليها وهو خبر بعد خبر { بسحرها } الذى اظهراه من قبل { ويذهبا بطريقتكم المثلى } المثلى تأنيث الامثل وهو الاشرف اى بمذهبكم الذى هو افضل المذاهب وامثلها باظهار مذهبهما واعلاء دينهما يريدون ما كان عليه قوم فرعون لقوله { انى اخاف ان يبدل دينكم } لا طريقة السحر فانهم ما كانوا يعتقدون دينا .
قال فى بحر العلوم سموا مذهبهم بها لزيادة سرورهم وكمال فرحهم بذلك وانه الذى تطمئن به نفوسهم كما قال تعالى { كل حزب بما لديهم فرحون } قال الامام الراغب الطريق السبيل الذيل يطرق بالارجل ويضرب قال تعالى { فاجعل لهم طريقا فى البحر يبسا } ومنه استعير لكل مسلك يسلكه الانسان فى فعل محمود كان او مذموما قال تعالى { ويذهبا بطريقتكم المثلى } اى الاشبه بالفضيلة .(8/141)
فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)
{ فاجمعوا كيدكم } الفاء فصيحة واجمعوا من الاجماع يقال اجمع الامر اذا احكمه وعزم عليه وحقيقته جمع رأيه عليه واجمع المسلمون كذا اجتمعت آراؤهم عليه .
قال الراغب اكثر ما يقال فيما يكون جمعا يتوصل اليه بالتدبير والفكرة . والمعنى اذا كان الامر كما ذكر من كونهما ساحرين يريدان بكم ما ذكر من الاخراج والاذهاب فازمعوا عن قوس واحد . وقرئ هذا المزاحم واجعلوه مجمعا عليه بحيث لا يتخلف عنه واحد منكم وارموا عن قوس واحد . وقرئ فاجمعوا من الجميع ويعضده قوله تعالى { فجمع كيده } اى فاجمعوا ادوات سحركم ورتبوها كما ينبغى { ثم ائتوا صفا } اى مصطفين فى الموعد ومجتمعين ليكون اشد لهيبتكم وانظم لامركم فجاؤوا فى سبعين صفا كل صف الف والصف ان يجعل الشئ على خط مستو كالناس والاشجار ونحو ذلك وقد يجعل بمعنى الصاف .
قال فى الارشاد لعل الموعد كان مكانا متسعا خاطبهم موسى بما ذكر فى قطر من اقطاره وتنازعوا امرهم فى قطر آخر منه ثم امروا بان يأتوا وسطه على الوجه المذكور { وقد افلح اليوم من استعلى } الفلاح الظفر وادراك البغية والاستعلاء قد يكون طلب العلو المذموم وقد يكون طلب العلاء اى الرفعة .
والآية تحتمل الامرين جميعا اى وقد فاز بالمطلوب من غلب ونال علو المرتبة بين الناس .
قال فى الارشاد يريدون بالمطلوب ما وعدهم فرعون من الاجر والتقريب وبمن غلب انفسهم جميعا او من غلب منهم حثالهم على بذل المجهود فى المغالبة .
يقول الفقير فيه اشارة الى ان المنهى من العلوم والاسباب كالسحر ونحوه ما يتقرب به الى الدنيا وجمع حطامها لا الى الآخرة والفوز بنعيمها ولا الى الله تعالى ولذا قال { اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } فكل من اراد ان يتوصل بما يفعله مما نهاه الشرع الى درجة من الدرجات الاخروية او مرتبة من المراتب المعنوية فانه يضيع سعيه ولا يفلح ولا يبقى له سوى التعب .
ثم ان ارباب التقليد يقتفون آثار فرعون وسحرته ويقولون فى حق اهل التحقيق انهؤلاء يخرجونكم من مناصب شيخوختكم ومراتب قبولكم عند العوام ويصرفون وجوه الناس عنكم ويذهبون باشراف قومكم من الملوك والامراء وارباب المعارف واهل الدثور والاموال فيسلكون مسالك الحيل ويريدون ان يطفئوا نور الله بافواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون اى المشركون بالشرك الخفى : وفى المثنوى
هركه برشمع خدا آرد بفو ... شمع كى ميرد بسوزد بوزاو
فالذى خلق علويا كالشمس فانه لا يكون سفليا بوجه من وجوه الحيل وكيذا التراب خلق سفليا فانه لا يكون سماويا : قال المولى الجامى
بستست قدر سفله اكر خود كلاه جاه ... براوج سلطنت زند از كردش زمان
سفليست خاك اكرجه نه بر مقتضاى طبع ... همراه كرد باد كشد سر بر آسمان
نسأل الله ان يجعلنا من اهل السعادة والفلاح(8/142)
قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)
{ قالوا } اى السحرة بعد اجماعهم واتيانهم الموعد واصطفافهم .
قال الكاشفى [ سحره بقولى سيصد هزار خروار حبل وعصاهاميان تهى كرده وبر اززيبق ساخته بميدان آوردند بطريق ادب وكفتند ] { يا موسى اما ان تلقى } الالقاء طرح الشئ حيث تلقاه اى تراه ثم صار فى التعارف اسما لكل طرح اى تطرح عصاك من يدك على الارض { واما ان نكون اول من القى } ما نلقيه من العصى والحبال وان مع ما فى حيزها منصوب بفعل مضمر او مرفعو بخبرية مبتدأ محذوف اى اختر القاءك اولا او القاءنا او الامر اما القاؤك او القاؤنا .
وفيه اشارة الى ان السحرة لما اعزوا موسى عليه السلام بالتقديم والتخيير فى الالقاء اعزهم الله بالايمان الحقيقى حتى رأوا بنور الايمان معجزة موسى فآمنوا به تحقيقا لا تقليدا وهذا حقيقة قوله { من تقرب الى شبرا تقربت اليه ذراعا } فلما تقربوا الى الله باعزاز من اعزهالله اعزهم بالايمان تقربا اليه فكذلك اعزهم موسى بالتقديم فى الالقاء كما حكى الله عنه بقوله { قال } موسى { بل القوا } اولا ما انتم ملقون
يقول الفقير الظاهر ان الله تعالى الهم السحرة التخيير وعلم موسى اختيار القائهم اولا ليظهر الحق من الباطل لان الحق يدفع الباطل ويمحوه ولو كان موسى اول من ألقى لتفرق الناس من اول الامر خيفة الثعبان كما تفرقوا بعد ابتلاع العصا عصيهم وحبالهم وذا مخال بالمقصود .
قال الامام فان قيل كيف امرهم به وهو سحر وكفر . ثقلنا لما تعين طريقا الى كشف الشبهة صار جائزا .
وفى الاسئلة المقحمة هذا ليس بامر وانما هو للاستهانة بذلك وعدم الاكتراث به لما كان يعلم ان ذلك سبب لظهور الحق وزهوق الباطل { فاذا حبالهم وعصيهم يخيل اليه من سحرهم انها تسعى } الفاء فصيحة واذا لمفاجأة ظرفية والحبال جمع حبل وهو الرسن والعصى جمع عصا والتخيل تصوير خيال الشئ فى النفس والتخيل تصور ذلك والخيال اصله الصورة المجردة كالصورة المتصورة فى المنام وفى المرآة وفى القلب بعيد غيبوبة المرئى ثم تستعمل فى صورة كل امر متصور وفى كل شخص دقيق يجرى مجرى الخيال وانها تسعى نائب فاعل ليحيل والسعى حبالهم وعصيهم من سحرهم : وبالفارسية [ بس رسنها وعصاهاى ايشان نموده شد بموسى از جادويى وكيد ايشان كه كويى بدرستى كه آن ميرود ومى شتابد ] وذلك انهم كانوا لطخوها بالزئبق فلما ضربت عليها الشمس اضطرب واهتزت فخيل اليها انها تتحرك(8/143)
فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67)
{ فاوجس فى نفسه خيفة موسى } الوجس الصوت الخفى والتوجس التسمع والايجاس وجود ذلك فى النفس والخيفة الحالة التى عليها الانسان من الخوف وهى مفعول اوجس وموسى فاعله . والمعنى اضمر موسى فى نفسه بعض خوف من مفاجأته بمقتضى البشرية المجبولة عن النفرة من الحيات والاحتراز عن ضررها المعتاد من اللسع ونحوه كما دل عليه قوله فى نفسه لانه من خطرات النفس لا من القلب وفى الحقيقة ان الله تعالى البس السحر لباس القهر فخاف موسى من قهر الله لا من غيره لانه لا يأمن من مكر الله الا القوم الفاسقون .
يقول الفقير
جون خداخواهدشودهر برك خار ... رشته باريك درشجم عين مار
برك لرزان آب ريزان از الم ... جون نمى ترسم زقهر كردكار(8/144)
قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68)
{ قلنا لا تخف } ما توهمت { انك } اى لانك { انت الاعلى } اى الغالب القاهر لهم ونحن معك فى جميع احوالك فانك القائم بالمسبب وهم القائمون المعتمدون على الاسباب وايضا معك آياتنا الكبرى وهو لباس حفظنا .
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان خوف البشرية مركوز فى جبلة الانسان ولو كان نبيا الى ان ينزع الله الخوف منه انتزاعا رابانيا بقول صمدانى كما قال تعالى { قلنا لا تخف انك انت الاعلى } اى اعلى درجة من ان تخاف من المخلوقات دون الخالق وفيه معنى آخر ان خوف موسى ما كان من المكونات بل من المكون اذ رأى عصاه ثعبانا تلقف سحر السحرة وقد علم انها صارت مظهر صفة قهارية الحق فخاف من الحق وقهره لا من العصا وثعبانها فلهذا قال تعالى { لا تخف انك انت الاعلى } اى لانك اعلى درجة عندنا منها لانها عصاك مصنوعة لنفسك وانت رسول وكليمى واصطنعتك لنفسى فان كانت هى مظهر صفة قهرى فانت مظهر صفات لطفى وقهرى كلها .(8/145)
وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69)
{ والق ما فى يمينك } اى عصاك والابهام لتفخيم شأنها والايذان بانها ليست من جنس العصى المعهودة لانها مستتبعة لآثار غريبة { تلقف ما صنعوا } بالجزم جواب للامر من لقفه كسمعه لقفاة بسكون القاف وفتحها اذا ابتلعه والتقمه بسرعة .
قال فى المفردات لقفت الشئ القفه ويلقفته تناوله بالجذب سواء كان تناوله بالفم او باليد
انتهى والتأنيث لكون ما عبارة عن العصا والصنع اجادة الفعل فكل صنع فعل وليس كل فعل صنعا ولا تنسب الى الحيوانات والجمادات كام ينسب اليها الفعل . والمعنى تبتلع وتلقم ما صنعوه من الحبال والعصى التى خيل اليك سعيها وخفتها والتعبير عنها بما صنعوا للتحقير والايذان بالتموية والتزوير اى زوّروا وافتعلوه { ان ما صنعوا } ما موصولة او موصوفة اى ان الذى صنعوه او ان شيأ صنعوه { كيد ساحر } بالرفع على انه خبر لان اى كيد جنس الساحر ومكره وحيلته وتنكيره للتوسل به الى تنكير ما اضيف اليه للتحقير والكيد ضرب من الاحتيال يكون محمودا او مذموما وان كان يستعمل فى المذموم اكثر وكذلك الاستدراج والمكر { ولا يفلح الساحر } اى لا يدرك بغيته هذا الجنس { حيث اتى } من الارض وعمل السحر فيها وهو من تمام التعليل . وفى التأويلات النجمية يشير الى ان ما فى يمينك هو مصنوعى وكيدى وما صنعه السحرة انما هومصنوعهم وكيدهم ولا يفلح الساحر ومصنوعه وكيده حيث اتى مصنوعى وكيدى لان كيدى متين .
واعلم ان الفلاح دنيوى وهو الظفر بالسعادات التى تطيب بها حياة الدنيا وهو البقاء والغنى والعز والخروى وهو اربعة اشياء بقاء لا فناء وغنى بلا فقر وعز بلا ذل وعلم بلا جهل ففلاح اهل الدنيا كالفلاح لان عاقبته خيبة وخسران ألا ترى ان من قال لاستاذه لم اى اعترض عليه لن يفلح ابدا وقد رأينا بعض المعترضين قد اوتى مالا وجاها ورياسة فهو فى تقلبه خائب خاسر وقس عليه سائر المخالفين من اهل المنكرات .
قال فى نصاب الاحتساب الساحر اذا تاب قبل ان يؤخذ تقبل توبته وان اخذ ثم تاب لم تقبل توبته .
وفى شرح المشارق للشيخ اكمل روى محمد بن شجاع عن الحسن بن زياد عن ابى حنيفة رحمه الله انه قال فى الساحر يقتل اذا علم انه ساحر ولا يستتاب ولا يقبل بالسحر فوصفوا ذلك بصفة يعلم انها سحر قتل ولا يستتاب انتهى .
وفى شرح رمضان على شرح العقائد ان الساحر يقتل ذكرا او انثى اذا كان سعيه بالافساد والاهلاك فى الارض واذا كان سعيه بالكفر فيقتل الذكر دون الانثى انتهى .
وفى الفروع لا تقتل الساحرة المسلمة ولكن تضرب وتحبس لانها ارتكبت جريمة عظيمةوانما لا تقتل لان النبى عليه السلام نهى عن قتل النساء مطلقا .(8/146)
وفى الاشباه كل كافر تاب فتوبته مقبولة فى الدنيا والآخرة الاجماعة الكافر بسبب النبى وبسب الشيخين او احدهام وبالحسر ولو امرأة وبالزندقة اذا اخذ قبل توبته انتهى . وفى فتاوى قارئ الهداية الزنديق من يقول ببقاء الدهر اى لا يؤمن بالآخرة ولا الخالق ويعتقد ان الاموال والحرم مشتركة .
وقال فى موضع آخر هو الذى لا يعقتد الها ولا بعثا ولا حرمة شئ من الاشياء وفى قبول توبته روايتان والذى ترجح عدم قبول توبته انتهى . قال فى شرح الطريقة السحر فى اللغة كل ما لطف ودق منه السحر للصبح الكاذب وقوله عليه السلام « ان من البيان لسحرا » وبابه منع وفى العرف اراءة الباطل فى صورة الحق وهو عندنا امر ثابت لقوله عليه السلام « السحر حق والعين حق »
وفى شرح الامالى السحر من سحر يسحر سحر اذا خدع احدا وجعله مدهو شامتحيرا وهذا انما يكون بان يفعل الساحر شيأ يعجز عن فعله وادراكه المسحور عليه .
وفى كتاب اختلاف الائمة السحر رقى وعزائم وعقد تؤثر فى الابدان والقلوب فيمرض ويقتل ويرفق بين المرء وزوجه وله حيقية عند الائمة الثلاثة .
وقال الامام ابو حنيفة رحمه الله لا حقيقة له ولا تأثير له فى الجسم وبه قال ابو جعفر الاسترابادى من الشافعية .
وفى شرح المقاصد السحر اظهار امر خارق للعادة من نفس شريرة خبيثة بمباشرة اعمال مخصوصة يجرى فيها التعلم والتعليم .
وبهذين الاعتبارين يفاربق المعجزة والكرامة وبانه لا يكون بحسب اقتراح المقترحين وبانه يخص الازمنة او الامكنة او الشرائط وبانه قد يتصدى لمعارضته ويبذل الجهد فى الاتيان بمثله وبان صاحبه ربما يعلن بالفسق ويتصف بالجرس فى الظاهر والباطن والخزى فى الدنيا والآخرة وهو اى السحر عند اهل الحق جائز عقلا ثابت سمعا وكذا الاصابة بالعين .
وقال المعتزلة بل هو مجرد اراءة مالا حقيقة له بمنزلة الشعوذة التى سببها خفة حركات اليد او اخفاء وجه الحيلة وفيه لنا وجهان الاول يدل على الجواز والثانى يدل على الوقوع اما الاول فهو امكان الامر فى نفسه وشمول قدرة الله تعالى فانه هو الخالق وانما الساحر فاعل وكاسب وايضا فيه اجماع الفقهاء وانما اختلفوا فى الحكم واما الثانى فهو قوله تعالى { يعلمون الناس السحر وما انزل على الملكين ببابل هاروت ومارون } الى قوله { ويتعلمون منها ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من احد الا باذن الله } وفيه اشعار بانه ثابت حقيقة ليس مجرد اراءة وتمويه وبان المؤثر والخالق هو الله تعالى وحده .
فان قيل قوله تعالى فى قصة موسى { يخيل اليه من سحرهم انها تسعى } يدل على انه لا حقيقة للسحر وانما هو تمويه وتخييل . قلنا يجوز ان يكون سحرهم هو ايقاع ذلك التخييل وقد تحقق ولو سلم فكون اثره فى تلك الصورة هو التخييل لا يدل على انه لا حقيقة له اصلا .(8/147)
ثم ان السحر خمسة انواع فى المشهور . منها الطلسم قيل هو مقلوب المسلط وهو جمع الآثار السماوية مع عقاقير الارض ليظهر منها امر عجيب . ومنها النيرنج قيل هو معرب « نيرنك » هو التمويه والتخييل قالوا ذلك تمزيج قوى جواهر الارض ليحدث منها امر عجيب . ومنها الرقية وهو الافسود معرب « آب سون » هو النفك فى الماس وسمى به لانهم ينفثون فى الماء ثم يشربونه او يصبون عليه وانما سميت رقية لانها كلما رقيت من صدر الراقى فبعضها فهلوية وبعضها قبطية وبعضها بلا معنى يزعمون انها مسموعة من الجن او فى المنام . ومنها الخلقطيرات وهى خطواط عقدت عليها حروف واشكال اى حلق ودوائر يزعمون ان لها تأثيرات بالخاصية . ومنها الشعبذة ويقال لها الشعوذة معرب « شعباذة » اسم رجل ينسب اليه هذا العلم وهى خيالات مبنية على خفة اليد واخذ البصر فى تقليب الاشياء كالمشى على الارسال واللعب بالمهارق والحقات وغير ذلك والمذهب ان التأثير الحاصل عقيب الكل هو فعل الله تعالى على وفق اجراء عادته ووجه الحكمة فيه لا يعلمه الا هو سبحانه .
قال الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر فى الفتوحات المكية ان التأثير الحاصل من الحروف واسماء الله تعالى من جنس الكرامات اى اظهار الخواص بالكرامة فان كل احد لا يقدر على الاستخراج خواص الاشياء(8/148)
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)
{ فالقى السحره } الفاء فصيحة اى فالقاه فوقع ما وقع من اللقف فالقى السحرة حال كونهم { سجدا } ساجدين كأنما القاهم ملقى لشدة خرورهم وبالفارسية [ حضرت موسى عصا بيفكند فى الال ازدهايى شد ودهن خود كشادة تمام ادوات جادوانرا فروبرد ومردم ازترس روى بكريز آوردند وموسى اوراد بكرفت همان عصا شد جادوان دانستند كه آن سحر نيست زيرا كه سحر سحر ديكررا باطل نكند بلكه قدرت خدا ومعجزه موسىست بس درافكنده شدند يعنى تأمل اين معنى ايشانرا درروى افنكند درحالتى كه سجده كنندكان بودند مرخدايرا ازروى صدق ] وانما عبر عن الخرور بالالقاء ليشاكل تلك الالقاآت - روى - ان رئيسهم قال كنا نغلب الناس وكانت الآلات تبقى علينا فلو كان هذا سحرا فاين ما القيناه من الآلات فاستدل بتغير احوال الاجسام على الصانع العالم القادر وبظهور ذلك على يد موسى على صحة رسالته فتابوا واتوا بنهاية الخضوع وهو السجود قال جار الله ما اعجب امرهم القوا حبالهم للكفر والجحود ثم القوا رؤسهم للشكر والسجود فما اعظم الفرق بين الالقاءين { قالوا } فى سجودهم وهو التئناف ببانى { آمنا برب هارون وموسى } تأخر موسى عند حكاية كالمهم لرعاية الفواصل ولان فرعون ربى موسى فى صغره فلو اقتصر على موسى او قدم ذكره فربما توهم ان المراد فرعون وذكر هارون على الاستتباع ومعنى اضافة الرب اليهما انه هو الذى يدعوان اليه واجرى على يديهما ما اجرى .
قال بعض الكبار من كان له استعداد النظر الى عالم الغيب وباشر حظوظ النفس احتجب عنه فاذا انقطع الى الله نظر الله الى قلبه بنعت الاخلاص واليقين وكشف الله له انوار حضرته وجذبه الى قربه فالسحرة مجذوبون مهتدون بالله الى الله مؤمنون بالبرهان لا بالتقليد وان فرلعون ما رأى برهان الربوبية فلم يؤمن .(8/149)
قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71)
{ قال } فرعون للسحرة بطريق التوبيخ { آمنتم له } اى لموسى واللام لتضمين الفعل معنى الاتباع واللام مع الايمان فى كتاب الله لغيره .
وفى بحر العلوم له اى لربهما على الن اللام بمعنى الباء والدليل القاطع عليه قوله { قال } اى فرعون { آمنتم به قبل ان آذن لكم } فى سور الاعراف وآمننتم بالمد على الاخبار وامركم به كما فى قوله تعالى { لنفذ البحر قبل ان تنفذ كلمات ربى } لا ان الاذن لهم فى ذلك واقع بعده { لكبيركم } اى فى فنكم واعلمكم به واستاذكم { الذى علمكم السحر } فتواطأتم على ما فعلتم .
قال الكاشفى [ يعنى استادومعلم ومهترجادوانست شماباهم خواهيدكه ملك برابراندازند ] واراد التلبيس على قومه لئلا يتبعون السحرة فى الايمان لانه عالم ان موسى ما علمهم السحر يعنى ان هذه شبهة زورها اللعين والقاها على قومه واراهم ان امر الايمان منوط باذنه فلما كان ايمانهم بغير اذنه لم يكن معتدا به وانهم من تلامذته عليه السلام فلا عبرة بما اظهره كما لا عبرة بما اظهروه ذلك لما اعتراه من الخوف من اقتداء الناس بالحسرة فى الايمان بالله ثم اقبل عليهم بالوعيد المؤكد حيث قال { فلأقطعن } اى فوالله لاقطعن وصيغة التفيل للتكثير وكذا فى الفعل الآتى والقطع فصل شئ مدركا بالبصر كالاجسام او مدركا بالبصيرة كالاشياء المعقولة { ايديكم وارجلكم من خلاف } الخلاف اعم من الضد لان كل ضدين مختلفان دون العكس . والمعنى من كل شق طرفا وهو ان يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ومن فيه لابتداء الغاية اى ابتداء القطع من مخالفة العضة العضو لا من وفاقه وايه فان المبتدئ من المعروض مبتدئ من العارض ايضا وهى مع مجرورها فى حيز النصب على الحالية اى لاقطعنها مختلفا لانها اذا خالف بعضها بعضا بان هذا يد وذاك رجل وهذا يمين وذاك يسار فقد اتصفت بالاختلاف ونعين القطع وكيفيته لكونه افظع من غيره { ولأصلبنكم فى جذوع النخل } الصلب الذى هو تعليق الانسان للقتل قيل هو شد صلبه على خشب اى على اصول النخلة فى شاطئ النيل : وبالافرسية [ وهرآيينه بر آويزم شموارا درتن خرما بن كه دراز ترين درختانست تاهمه كس شمارا به بيند وعبرت كيرد ] وايثار كلمة فى للدلالة على ابقائهم عليها زمانا طويلا تشبيها لاستقرارهم عليها باستقرار المظروف فى الظرف المشتمل عليه .
قالوا فرعون موسى هو اول من استعمل الصلب . فان قيل مع قرب عهده بانقلاب العصا حية وقصدها ابتلاع قصره واستغاثته بموسى من شرها كيف يعقل ان يهدّد السحر الى هذه الحد ويستهزئ بموسى .
قلنا يجوز ان يكون فى اشد الخوف ويظهر الجلادة تمشية لناموسه وترويجا لامره والاستقراء يوقفك على امثاله { ولتعلمن أينا } اى انا وموسى { اشد عذابا وابقى } ادوم وموسى لم يكن فى شئ من التعذيب الا ان فرعون ظن السحرة خافوا من قبل موسى على انفسهم حين رأوا ابتلاع عصاه لحبالهم وعصيهم فقال ما قال وعلى ما سبق من بحر العلوم فى { آمنتم له } يكون المراد ب { أينا } نفسه ورب موسى .
وفى التأويلات النجمية وانما قال { اشد عذابا } لانه كان بصيرا بعذاب الدنيا وشدته وقد كان اعمى بعذاب الاخرة وشدته .(8/150)
قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)
{ قالوا } غير مكترثين بوعيده .
قال الكاشفى [ ساحران جون ازجام جذبه خقانى مست شده بودند واز انوار تواتر ملاطفات ربانى كه بردل ايشان تافته بود ازدست شده .
خورده يكجرعه از كف ساقى ... هرجه فانيست كرده درباقى
دامن از فكر غير افشانده ... ليس فى الدار غيره خوانده
لا جرم درجواب فرعون كفتند ] { لن نؤثرك } لن نختارك بالايمان والاتباع { على ما جاءنا } من الله على يد موسى { من البينات } من المعجزات الظاهرة التى لا شبه فى حقيتها وكان من استدلالهم انهم قالوا لو كان هذا سحرا فاين حبالنا وعصينا .
فيه اشارة الى ان القوم شاهدوا فى رؤية الآيات انوار الذات والصفات فهان عليهم عظائم البليات ومن آثر الله على الاشياء هان عليه ما يلقى فى ذات الله .
وقد قال بعض الكبار ليخفف ألم البلاء عنك علمك ان الله هو المبلى { والذى فطرنا } اى خلقنا وسائر المخلوقات عطف على ما جاءنا وتأخيره لان ما فى ضمنه آية عقلية نظرية وما شاهده آية حسية ظاهرة .
وقال بعضهم هو قسم محذوف الجواب لدلالة المذكورة عليه اى وحق الذى فطرنا لا نؤثرك فان القسم لايجاب بلن الاعلى شذوذ . وفى التفسير الفارسى [ وسوكنده ميخوريم بخدايى كه مارآفريد ] .
وفى التأويلات اى بالذى فطرنا على فطرة الاسلام والتعرض للفاطرية لايجابها عدم ايثارهم فرعون عليه تعالى { فاقض ما انت قاض } جواب عن تهديده بقوله لاقطعن اى فاصنع ما انت صانعه او احكم فينا ما انت فيه حاكم من القطع والصلب .
وفى التأويلات اى فاحكم واجر علينا ما قضى الله لنا فى الازل من الشهادة { انما تقضى هذه الحياة الدنيا } اى انما تصنع ما تهواه او تحكم بما تراه فى هذه الحياة الدنيا ومدة حياتنا فحسب فسيزول امرك وسلطانك عن قريب ومالنا من رغبة فى عذبها ولا رهبة من عذابها [ اروز بجور هرجه خواهى ميكن فردا بتونيز هرجه خواهند كنند ](8/151)
إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)
{ انا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا } من الكفر ومالمعاصى ولا يؤاخذ بها فى الدار الآخرة لا ليمتعنا بتلك الحياة الفانية حتى نتأثر بما اوعدتنا به من القطع والصلب والمغفرة صيانة العبد عما استحقه من العقاب للتجاوز عن ذنوبه من الغفر وهو الباس الشئ ما يصونه عن الدنس . والخطايا جمع الخطية والفرق بينهما وبين السيئة ان السيئة قد تقال فيما يقصد بالذات والخطيئة فما يقصد بالعرض لانها من الخطأ { وما اكرهتنا عليه من السحر } عطف على خطايانا اى ويغفر لنا السحر الذى عملناه فى معارضة موسى باكراهك وحشرك ايانا من المدائن القاصية خصوه بالذكر مع اندراجه فى خطاياهم اظهارا لغاية نفرتهم منه ورغبتهم فى مغفرته { والله خير } اى فى ذاته وهونا ظر الى قولهم والذى فطرنا { وابقى } اى جزاء ثوابا كان او عقابا او خير لنا منك ثوابا ان اطعناه وادوم عذابا بامنك ان عصيناه .
وفى التأويلات النجمية { والله خير } فى ايصا رالخير ودفع الشر منك { وابقى } خيره من خيرك وعذابه من عذابك .
قال الحسن سبحان الله لقوم كفراهم اشد الكافرين كفر ثبت فى قلوبهم الايمان طرفة عين فلم يتعاظم عندهم ان قالوا { اقض ما انت قاض } فى ذات الله والله ان احدهم اليوم ليصحب القرآن ستين عاما ثم انه ليبيع دينه بثمن حقير : قال الشيخ سعدى قدس سره
زيان ميكند مرد تفسيردان ... كه علم ادب ميفروشد بنان
كجا عقل باشرح فتوى دهد ... كه اهل خرددين بدنيى دهد
بدين اى فرومايه دنيى مخر ... جوخرها بانجيل عيسى مخر(8/152)
إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74)
{ انه } اى الشأن وهو تعليل من جهتهم لكونه تعالى خيرا وابقى { من } [ كس كه ] { يأت } [ آياد در روزقيامت ] { ربه } [ نزديك برور دكار او ] { مجرما } حال كونه متوغلا فى اجرامه منهمكا فيه بان يموت على الكفر والمعاصى ولانه مذكور فى مقابلة المؤمن { فان له جهنم لا يموت فيها } فينتهى عذابه ويستريح وهذا تحقيق لكون عذابه ابقى { ولا يحيى } حياة ينتفع بها .(8/153)
وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75)
{ ومن يأته مؤمنا } به تعالى وبما جاء من عنده من المعجزات التى من جملتها ما شاهدناه { قد } اى وقد { عمل الصالحات } الصالحة كالحسنة جارية مجرى الاسم ولذلك لا تذكر غالبا مع الموصوف وهى كل ما استقام من الاعمال بدليل النقل والنقل { فاولئك } اشارة الى من والجمع باعتبار معناها اى فاولئك المؤمنون العاملون للصالحات { لهم } بسبب ايمانهم واعمالهم الصالحة { الدرجات العلى } جمع العليا تأنيث الاعلى اى المنازل الرفيعة فى الجنة .
وفيه اشارة الى الفرق بين اهل الايمان المجرد وبين الجامع بين الايمان والعمل حيث ان الجردات العالية للثانى وغيرها لغيره .(8/154)
جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)
{ جنات عدن } بدل من الدرجات العلى { تجرى من تحتها الانهار } [ يبسوته ميرود از زير منازل آن يا اشجار آن جوبها ] حال من الجنات { خالدين فيها } حال من الضمير فى لهم والعامل معنى الاستقرار او الاشارة { وذلك } اى المذكور من الثواب { جزاء من تزكى } الجزاء ما فيه الكفاية من المقابلة ان خيرا فخير وان شرا فشر يقال جزيته كذا وبكذا والفرق بين الاجر والجزاء ان الاجر يقال فيما كان عن عقد وما يجرى مجرى العقد ولا يقال الا فى النفع دون الضر ولجزاء يقال فيما كان عن عقد وعن غير عقد ويقال فى النافع والضار والمعنى جواء من تطهر من دنس الكفر والمعاصى بما ذكر من الايمان والاعمال الصالحة وهذا تحقيق لكون ثواب الله تعالى ابقى وفى الحديث « ان اهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون الكوكب الدرىّ فى افق السماء وان ابا بكر وعمر منهم وانعما » اى هما اهل لهذا .
قالوا ليس فى القرآن ان فرعون فعل باولئك المؤمنين ما اوعدهم به ولم يثبت فى الاخبار كما فى الاخبار .
وقال فى التفسير الكبير نقلا عن ابن عباس رضى الله عنهما كانوا اول النهار سحرة وآخره شهداء وفى بحر العلوم اصبحوا كفرة وامسوا ابرارا شهداء : وفى المثنوى
ساحران درعهد فرعون لعين ... جون مرى كردند يا موسى بكين
ليك موسى را مقدم داشتند ... ساحران اورا مكرّم داشتند
زانكه كفتندش كه فرمان آن تست ... كرتومى خواهى عصا بفكن نخست
كفت نى اول شما اى ساحران ... فاكنيد آن مكرهارا درميان
اين قدر تعظيم ايشانرا خريد ... وازمرى آن دست وباهاشان بريد
ساحران جون قدر اونشناختند ... دست وبادر جرم آن در باختند
فدلت هذه الاخبار على كونهم شهداء وان فرعون استعمل الصلب فيهم والالم لم يكن اول من صلب .
فعلى القال ان يختار الله تعالى ويتزكى عن الاخلاق الذميمة النفسانية والاوصاف الشنيعة الشيطانية ويتحلى بالاخلاق الروحانية الربانية وببذلك المال والروح لينال اعلى الفتوح جعلنا الله واياكم من اهل الولاء وممن هان عليه البلاء .(8/155)
وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77)
{ ولقد اوحينا الى موسى } وبالله لقد اوحينا اليه بعد اجراء الآيات التسع فى نحوس من عشرين سنة كما فى الارشاد .
يقول الفقير يخالفها ما فى بعض الروايات المشهورة من ان موسى عليه السلام دعا ربه فى حق فرعون وقومه فاستجيب له ولكن اثره بعد اربعين سنة على ما قالوا عند قوله { قال قد اجيبت دعوتكما } { ان } مفسرة بمعنى اى او مصدرية اى بان { اسر بعبادى } السرى والاسرآء سير الليل اى قال سر ببنى اسرائيل من مصر ليلا : وبالفارسية [ بشب ببربندكان مرا ] امر بذلك لئلا يعوقهم اعوان فرعون { فضارب لهم } فاجعل من قولهم ضرب له فى ماله سهما او فاتخذوا عمل من قولهم ضرب اللبن اذا عمله .
وفى الجلالين فاضرب لهم بعصاك { طريقا } الطريق كل ما يطرقه طارق معتادا كان او غير معتاد .
قال الراغب الطريق السبيل الذى يطرق بالارجل ويضرب { فى البحر } البحر كل مكان واسع جامع للماء الكثير والمراد هنا بحر القلزم .
قال فى القاموس هو بلد بين مصر ومكة قرب جبل الطور واليه يضاف بحر القزم لانه على طرفه او لانه يبتلع من ركبه لان القلزمة الابتلاع { يبسا } صفة لطريقا واليبس المكان الذى كان فيه ماء فذهب .
قال فى الارشاد اى يابسا على انه مصدر وصف به الفاعل مبالغة : وبالفارسية [ خشك كه دروآب ولاى نبود ] { لا تخاف دركا } حال مقدرة من المأمور اى موسى والدرك محركة اسم من الادراك كالدرك بالسكون . والمعنى حال كونك آمنا من ان يدرككم العدو { ولا تخشى } الغرق .(8/156)
فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78)
{ فاتبعهم فرعون بجنوده } الفاء فصيحة اى ففعل ما امر به من الاسراء بهم وضرب الطريق وسلوكه فتبعهم فرعون ومعه جنوده حتى لحقوهم وقت اشراق الشمس وهو اضاءتها يقال اتبعهم اى تبعهم وذلك اذا كانوا سبقوك فلحقتهم فالفرق بين تبعه واتبعه ان يقال اتبعه اتباعا اذا طلب الثانى اللحوق بالاول وتبعه تبا اذا مر به ومضى معه - روى - ان موسى خرج بهم اول الليل وكانوا ستمائه وسبعين الفا فاخبر فرعون بذلك فاتبعهم بعساكره وكان مقدمته سبعمائة الف فقص اثرهم فلحقهم بحيث تراءى الجمعان فعند ذلك ضرب موسى عليه السلام بعصاه البحر فانفلق على اثنى عشر فرقا كل فرق كالطود العظيم وبقى الماء قائما بين الطرق فعبر موسى بمن معه من الاسباط سالمين وتبعهم فرعون بجنوده { فغشيهم } سترهم وعلاهم { من اليم } اى بحر القلزم { ما غشيهم } الى الموج الهائل الذى لا يعلم كنهه الا الله .(8/157)
وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79)
{ واضل فرعون قومه } اى سلك بهم مسلكا ادّاهم الى الخيبة والخسران فى الدين والدنيا معا حيث ما توا على الكفر بالعذب الهائل الدنيوى المتصل بالعذاب الخالد الاخروى { وما هدى } اى ما ارشدهم قط على طريق موصل الى مطلب من المطالبة الدينية والدنيوية وهو تقرير لاضلاله وتأكيد له اذ رب مضل قد يرشد من يضله الى بعض مطالبه . وفيه نوع تهكم فى قوله { وما اهديكم الا سبيل الرشاد } فان نفى الهداية من شخص مشعر بكونه ممن تتصور منه الهداية فى الجملة وذلك انما يتصور فى حقه بطريق التهكم .
يقول الفقير موسى مع قومه اشارة الى الروج القدس مع قواه وفرعون مع قومه اشارة الى النفس الامارة مع قواها والبحر هو بحر الدنيا فموسى الروح يعبره اما بسفينة الشريعة او بنور الكشف الالهى ويغرق فرعون النفس لانها تابعة لهواها لا شريعة لها ولا كشف فعلم منه ان اتباع اهل الضلال انفسا وآفاقا يؤدى الى الهلاك الصورى والمعنى واقتداء اهل الهدى يفضى الى النجاة الابدية .
زينهاراز قرين بدر زنهار ... وقنا ربنا عذاب النار
واحسن وجوه الاتباع الايمان والتوحيد لان جميع الانبياء متفقون على ذلك والمؤمن فى حصن حفظه الله تعالى ن الاعداء الظاهرة والباطنة فى الدنيا والآخرة - حكى - عن عبد الله بن الثفى ان الحجاج الحضر انس بن مالك وقال له اريد ان اقتلك شر قتله فقال انس لو علمت ان تلك بيدك لعبدتك من دون الله تعالى قال الحجاج ولم ذكل قال لان رسول الله عليه السلام علمنى دعاء وقال « من دعها به فى كل صباح لم يكن لاحد عليه سبيل » وقد دعوت به فى صباحى فقال الحجاج علمنيه قال معاذ الله ان اعلمه لاحد وانت حى فقال خلو سبيله فقيل له فى ذلك فقال رأيت على عاتقيه اسدين عظيمين فاتحين افواههما ولما حضرته الوفاة قال لخادمه ان لك على حقا اى حق الخدمة فعلمه الدعاء المذكور وقال له قل « بسم الله خير الاسماء بسم الله الذى لا يضر مع اسمه شئ فى الارض ولا فى السماء » ثم ان هذا فى الدنيا واما فى الآخرة لم ينجعه الوعظ فلم يدر قدرته ولم يقبل فوصل من طريق الرد والعناد الى الغرق والهلاك نعوذ بالله رب العبادة .
فعلى العاقل ان يستمع الى الناصح : قال الحافظ
امروز قدر بند عزيزان شناختم ... يا رب روان ناصح ما از تو شاد باد
قوله امروز يريد به وقت الشيخوخة واشارة الى ان وقت الشباب ليس كوقت الكهولة والذاترى اكثر الشباب منكبين على سماع الملاهى معرضين عن الناصح الالهى فمن هداه الله تعالى رجع الى نفسه ودعا لناصحه لانه ينصح حروفه بالفارسية [ ميدوزد دريدهاى او ] ولا بد للسالك من مرشد ومجاهدة ورياضة فان مجرد وجود المرشد لا ينفعه ما دام لم يسترشد ألا ترى ان فرعون عفرف حقية موسى وما جاء به لكنه ابى عن سلوك طريقه فلم ينتفع به فالاول الاعتقاد ثم الاقرار ثم الاجتهاد وقد قال بعضهم ( ان السفينة لا تجرى على اليبس ) والنفس تجر على الدعة والبطالة وقد قال تعالى(8/158)
{ انفروا خفافا وثقالا } فالعبادة لازمة لاى ان يأتى اليقين حال النشاط والكراهة والجهاد ماض الى يوم القيامة : قال المولى الجامى قدس سره
بى رنج كسى جون نبردره بسر كنج آن به كه بكوشم بتمنا ننشيمنم ... نسأل الله تعالى ان يوفقنا لطريق مرضاته ويوصلنا الى جناب حضرته .(8/159)
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80)
{ يا بنى اسرائيل } اى قلنا لهم بعد اغراق فرعون وقومه وانجائهم منهم { قد انجيناكم من عدوكم } فرعون وقومه حيث كانوا يذبحون ابناءكم ويستحيون نساءكم ويستخدمونكم فى الاعمال الشاقة والعدو يجيئ فى معنى الوحدة والجماعة { وواعدناكم جانب الطور الايمن } بالنصب على انه صفة للمضاف اى واعدناكم بوساطة نبيكم اتيان جانبه الايمن نظرا الى السالك من مصر الى الشام والا فليس للجبل ييمن ولا يسار اى اتيان موسى للمناجاة وانزال التوراة عليه ونسبة المواعدة اليهم مع كونهم لموسى نظرا الى ملابستها اياهم وسراية منفعتها اليهم { ونزلنا عليكم المن } هو شئ كالطل فيه حلاوة يسقط على لاشجر يقال له الترنجين معرب « كرنكبين » { والسلوى } طائر يقال له السمانى كان ينزل عليهم المن وهم فى التيه مثل الثلج من الفجر الى الطلوع لكل انسان صاع ويبعث عليهم الجنوب السمانى فيذبح الرجال ما يكفيه والتيه المفازة التى يتاه فيها وذلك حين امروا بان يدخلوا مدينة الجبارين فابوا ذلك فعاقبهم الله بان يتيهوا فى الارض اربعين سنة كما مر فى سورة المائدة ومثل ذلك كمثل الوالد المشفق يضرب ولده العاصى ليتأدب وهو لا يقطع عنه احسانه فقد ابتلوا بالتيه ورزقوا بما لا تعرب فيه .
اى كريمى ك از خزانه غيب ... كبر وترسا وظيفه خوردارى
دوستانرا كجا كنى محروم ... توكه بادشمنان نظر دارى(8/160)
كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81)
{ كلوا } اى وقلنالكم كلوا { من طيبات ما رزقناكم } اى من لذائذ او حلالته .
قال الراغب اصل الطيب ما تستلذه الحواس والنفس والطعام الطيب فى الشرع ما كان متناولا من حيث ما يجوز وبقدر ما يجوز ومن المكان الذى يجوز فانه متى كان كذلك كان طيبا عاجلا وآجلا لا يستوخم والا فانه وان كان طيبا عاجلا لم يطب آجلا { ولا تطغوا فيه } الطغيان تجاوز الحد فى العصيان اى ولا تتجاوزا الحد فيما رزقناكم بالاخلال بشكره والبلسرف والبطر والمنع من المستحق والادخار منه لاكثر من يوم وليلة { فيحل عليكم غضبى } جواب للنهى اى فيلزمكم عقوبتى وتجب لكم من حل الدين يحل بالكسر اذا وجب اداؤه واما يحل بالضم فهو بمعنى الحلول اى النزول والغضب ثوران دم القلب عند ارادة الانتقام واذا وصف الله تعالى به فالمراد دون غيره : وفى المثنوى
شكر منعم واب امد درخرد ... ورنه بكشايد درخشم ابدا
ومن يحلل عليه غضبى فقد هوى } اى تردى وهلك واصله ان يصقط من جبل فيهلك ومن بلاغات الزمخشرى من ارسل نفسه مع الهوى فقد هوى فى ابعد الهوى .
وفى التأويلات النجمية ونزلنا عليهم المن من صفاتنا والسلوى سلوى اخلاقنا كانوا من طيبات ما رزقناكم اى اتصفوا بطبيات صفاتنا وتخلقوا بكرائم اخلاقنا الى صرفناكم بها اى لو لم تكن العناية الربانية لما نجا الروح والقلب وصفاتهما من شر فرعون النفس وصفاتها ولولا التأييد الالهى لما اتصفوا بصفات الله ولا تخلقوا باخلاقه ثم قال ولا تطغوا فيه اى اذا استغنيتم بصفاتى واخلاقى عن صفاتكم واخلاقكم فلا تطغوا بان تدعوا العبودية وتدعوا وما اشبه هذه الاحوال مما يتولد من طبيعة الانسانية فان الانسان ليطغى ان رآه استغنى وان طغيان هذه الطائفة بمثل هذه المقالات وان كانت هى من احوالهم لان الحالات لا تصلح للمقامات وهى موجبة للغضب كما قال تعالى { فيحل عليكم غضبى ومن يحلل عليه غضبى فقد هوى } اى نجعل كل معاملاته فى العبودية هباء منثورا ولهذا الوعيد امر الله عباده فى الاستهداء بقوله { اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم } اى اهدنا هداية غير من انعمت عليهم بتوفيق الطاعة والعبودية ثم ابتليته بطغيان يحل عليه غضبك .(8/161)
وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)
{ وانى لغفار } لستور { لمن تاب } من الشرك والمعاصى التى من جملتها الطغيان فيما ذكر .
قال فى المفاتيح شرح المصابيح الفرق بين الغفور والغفار ان الغفور كثير المغفرة عن الدنس ولعل الغفار ابلغ منه لزيادة بنائه وقيل الفرق بينه وبين الغفار ان المبالغة فيه من جهة الكيفية وفى الغفار باعتبار الكمية { وآمن } بما يجب الايمان به { وعمل صالحا } مستقيما عند الشرع والنقل .
وفيه ترغيب لمن وقع منه الطغيان فيما ذكر وحث على التوبة والايمان { ثم اهتدى } اى استقام على الهدى ولزمه حتى يموت وهو اشارة الى ان من لم يستمر عليه بمعزل من الغفران وثم للتراخى الرتبى .
قال فى بحر العلوم ثم لتراخى الاستقامة على الخير عن الخير نفسه وفضلها عليه لانها اعلى منه واجل لان الشأن كله فيها وهى مزلة اقدام الجرال . قال ابن عطاء { وانى لغفار لمن تاب } اى رجع من طريق المخالفة الى طريق الموافقة وصدق موعود الله فيه واتبع السنة { ثم اهتدى } اقام على ذلك لا يطلب سواه مسلكا وطريقا
راه سنت رواكر خواهى طريق مستقيم ... كزسنن راهى بود سوى رضاى ذو المنن
هرمزده درجشم وى همجون سنانى بادتيز ... كرسنان زندكى خواهد زمانى بى سنن
وفى التأويلات النجمية اى رجع من الطغيان بعبادة الرحمن { وعمل صالحا } بالعبودية للربوبية { ثم اهتدى } اى تحقق له ان تلك الحضرة منزهة عن دنس الوهم والخيال وان الربوبية قائمون والعبودية دائمة . اعلم ان التوبة بمنزلة الصابون فكما ان الصابون يزيل الاوساخ الظاهرة فكذلك التوبة تزيل الاوساخ الباطنة اعنى الذنوب - روى - ان رجلا قال للدينورى ما اصنع فكلما وقفت على باب المولى صرفتنى البلوى فقال كن كالصبى مع امه كما ضربته بجزع بين يديها فلا يزال كذلك حتى تضمه اليها والتوبة الاكبار من رؤية الحسنات والالتفات الى الطاعات . وشرائط التوبة ثلاث . الندم بالقلب . والاعتذار باللسان بان يستغفر الله . والاقلاع بالجوارح وهو الكف عن الذنب وفى الحديث « المستغفر باللسان المصر على الذنوب كالمستهزئ بربه » وقال المول الجامى قدس سره
دارم جهان جهان كنه اى شرم روى من ... جون روى ازين جهان بجهان دركنهم
ياران دواسبه عازم ملك يقين شدند ... تاكى عنان عقل بدست كمان دهم
باخلق لاف توبه ودل بركنه مصر ... كس بى نمى بردكه بدين كونه كمرهم(8/162)
وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83)
{ وما اعجلك عن قومك يا موسى } مبتدأ وخبر اى وقلنا لموسى عند ابتداء موافاته الميقات بموجب المواعدة المذكورة أى شئ حملك على العجلة سبقتك منفردا عن قومك وهم النقباء السبعون المختارون للخروج معه الى الطور وذلك انه سبقهم شوقا الى ميعاد الله وامرهم ان يتبعوه كما فى الجلالين .
قال فى العرائس ضاق صدر موسى من معاشر الخلق وتذكر ايام وصال الحق فعلة العجلة الشوق الى لقاء الله تعالى .
قال الكاشفى [ آورده اندكه بنى اسرائيل بعد ازهلاك فرعون از موسى عليه السلام استدعا نمودندكه از براى ما قواعد شريعتى واحكام آن مبين ساز موسى درآن باب باحضرت رب الارباب مناجات كرد خطاب رسيدكه باجمعى از اشراف بنى اسرائيل بكوه طور آى تا كتابى كه جامع احكام شرع باشد بتودهم موسى هارون را بجاى خود بكذاشت وباجوجوه قوم كه هفتادتن بودند متوجه طور شدند قوم را وعده كردكه جهل روز ديكرمى آيم وكتاب مى آوردم وجون بنزديك طور رسيدند قوم را بكذاشت واز غايت اشتياق كه بكلام وبيام الهى داشت زود تربالاى كوه برآمد خطاب ربانى رسيدكه { وما اعجلك } الخ وجه جيز شتابان ساخت تراتا تعجيل كردى وبيش آمدى ازكروه خود اى موسى ] .
يقول الفقير هذا سؤال انبساط كقوله تعالى { وما تلك بيمينك } لا سؤال انكار كما ظن اكثر المفسرين من الاجلاء وغيرهم .(8/163)
قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84)
{ قال هم اولاء على اثرى } يجيئون بعدى : وبالفارسية [ كفت موسى كه ايشان كروه مردان اينك مى آيند بربى من وساعت بساعت برسند ] { وعجلت } بسبقى اياهم { اليك } [ بسوى تو } { رب } [ اى بروردكار من ] { لترضى } عنى بمسارعتى الى الامتثال بامرك واعنائى بالوفاء بعهدك .
وفى الآيتين اشارة الى معانى مهختلفة . منها ليعلم ان السائر لا ينبغى ان يتوانى فى السير ال الله ويرى ان رضى الله فى استعجاله فى السير والعجلة ممدوحة فى الدين قال تعالى { وسارعوا الى مغفرة من ربكم } والاصل الطلب : وفى المثنوى .
كركران وكرشتابنده بود ... آنكه دجوينده است يابنده بود
در طلب زن دائما توهردودست ... كه طلب درراه نيكورهبراست
وقد ورد ( ان الامور مرهونة باوقاتها ) ولذا قال .
جو صبح وصل او خواهد ديمدن عاقبت جامى ... مخور غم كرشب هجران بيايان ديرمى آيد
ومنها ينبعى ان السائر لا يتعوق بعائق فى السير وان كان فى الله ولله كما كان حال موسى فى السير الى الله فما تعوق بقومه واستعجل فى السير وبطلت الوائق وقد صح ان المجنون العامرى تلك الناقة فى طريق ليلى لكونها عائقة عن سرعة السير الى جنابها فمشى على الوجه كما قال فى المثوى
راه نزديك وبماندم سخت دير ... سير كشتم زين سوارى سير سير
سرنكون خود را زاشتر در فكند ... كفت سوزيدم زغم تاجند جند
تنك شد بروى بيابان فراخ ... خويشتن افكند اندر سنكلاخ
باى را بربست وفكتا كوشوم ... درخم جو كان غلطان مى روم
عشق مولى كى كم ازليلى بود ... كوى كشتن بهر او اولى بود
كوى شو مى كرد بربهلوى صدق ... غلط غلطان درحم جوكان عشق
ومنها ان قصد السائر الى الله تعالى ونيته ينبغى ان يكون خالصا لله وطلبه لا لغيره كما قال { وعجلت اليك رب } كان قصده الى الله : قال الكمال الخجندى
سالك باك رونخوا نندش ... آنكه ازماسوى منزه نيست
ومنها ان يكون مطلوب السائر من الله رضاه لا رضى نفسه منه كما قال { لترضى } كما فى التأويلات النجمية .(8/164)
قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85)
{ قال } الله وهو استئناف بيانى { فانا قد فتنا قومك من بعدك } القيناهم فى فتنة من يعد خروجك من بينهم وابتليناهم فى ايمانهم بخلق العجل وهم الذين خلفهم مع هارون على ساحل البحر وكانوا ستمائة الف ما نجا منهم من عبادة العجل الا اثنا عشر الفا قال الله تعالى لموسى أتردى من اين اتيت قال لا يا رب قال حين قلت لهارون اخلفنى فى قومىعن كنت انا حين اعتمدت على هارون . وفيه اشارة الى ان طريق الانبياء ومتبعيهم محفوف بالفتنة والبلاء كما قال عليه السلام « ان البلاء موكل بالانبياء الامثل فالامثل » وقد قيل ان البلاء للولاء كاللهب للذهب والى ان فتنة الامة والمريد بمفارقة الصحبة من النبى والشيخ كما قال تعالى { فانا قد فتنا قومك من بعدك } اى بعد مفارقتك اياهم فان المسافر اذا انقطع عن صحبة الرفقة افتتن بقطاع الطريق والغيلان : قال الحافظ
قطع اين مرحله بى همرهئ خضر مكن ... ظلماتست بترس از خطر كمراهى
روى - انهم اقاموا على ما وصى به موسى عشرين ليلة بعد ذهابه فحسبوها مع ايامها اربعين وقالوا قد اكملنا العدة وليس من موسى عين ولا اثر { واضلهم السامرى } حيث كان هو المدبر فى الفتنة والداعى الى عابدة العجل . قال فى الاسئلة المقحمة اضاف الاضلال الى السامرى لانه كان حصل بتقريره ودعوته واضاف الفتنة الى نفسه لحصولها بفعله وقدرته وارادته وخلقه وعلى هذا ابدا اضافة الاشياء الى اسبابها ومسبباتها انتهى .
- واخباره تعالى بوقوع هذه الفتنة عند قدومه عليه السلام اما باعتبار تحققها فى علمه ومشيئته تعالى واما بطريق التعبير عن المتوقع بالواقع اولان السامرى قد عزم على ايقاع الفتنة على ذهاب موسى وتصدى لترتيب مباديها فكانت الفتنة واقعة عند الاخبار والسامرى رجل من عظماء بنى اسرائيل منسوب الى قبيلة السامرة منهم او علج من اهل كرمان من قوم يعبدون البقر وحين دخل ديار بنى اسرائيل اسلم معهم وفى قلبه حب عبادة البقر فابتلى الله بنى اسرائيل فكشف له عن بصره فرأى اثر فرس الحياة لجبريل ويقال له حيزوم واخذ من ترابه والقاه بوحى الشيطان فى الحلى المذابة كما يجيئ .
- قال الكاشفى [ اصح آنست كه او ازاسرئليات نست ودر وقتى كه فرعون ابناى ايشانرا مى كشت او متولد شدة ومادر بعد ازتولد اورا كبنارنيل درجزيره بيفكند وحق سبحانه جبرائيل امر فرمود تا اورا برورش دهد ومأكول ومشروب وى مهيا كرداند محافظت نموده ازين وقت كه موسى بطور رفت سامرى نزدهارون آمده كفت قد رى بيرايه كه از قبطيان عاريت كرفته ايم باماست ومارا در آن تصرف كردن روانيست ومى بينم كه بنى اسرائيل آنرا مى خرند ومى فروشند حكم فرماى تاهمه جميع كنند وبسوزند هارون امرفرمودكه تمام بيرايه ها آوردند ودر حفره ريختند ودرآن آتش زنند وسامرى زركرى جالاك بود همين كه ان زر بكداخت وى قالبى ساخته بود زركداخته دران ريخته وشكل كوساله بيرون آورد وقدرى ازخاك زيرسم جبريل كه فرس الحياة مى كفتند در درون وى ريخت فى الحال زنده كشت وكوشت وبوست بروبيداشت وبآواز درآمد وكيوند زنده نشد ليك بآن وضع ريخته بود بانكى كردكه جهاردانك قوم بنى اسرائيل ويراسجده كردند حق تعالى موسى را خبرداد كه قوم توبعد از خروج توكوساله برست شدند ](8/165)
فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86)
{ فرجع موسى الى قومه } اى بعد ما استوفى الاربين ذا القعدة وعشر ذى الحجة واخذ الالواح المكتوب فيها التوراة وكانت الف سورة كل سورة الف آية يحمل اسفارها سبعون جملا { غضبان } [ خشمناك بريشان ] { اسفا } [ اندوهكين ازعمل ايشان ] اى شديد الحزن على ما فعلوا او شديد الغضب ومنه قوله عليه السلام فى موت افجأة « رحمة للمؤمنين واخذة اسيف للكافرين »
قال الامام الراغب الاسف الحزن والغضب معا وقد يقال لكل منهما على الانفراد .
قال الكاشفى [ جون بميان قوم رسيد بانك وخروش ايشان شنيدكه كرداكرد كوساله دف ميزدند ورقص ميكردند بعتاب آغاز كرد ازروى ملامت ] { قال يا قوم } [ اى كروه من ] { ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا } بان يعطيكم التوراة فيها ما فيها من النور والهدى اى وعدكم وعدا صادقا بحيث لا سبيل لكم الى انكاره .
قال فى بحر العلوم { وعدا حسنا } اى متناهيا فى الحسن فانه تعالى وعدهم ان يعطيهم التوراة التى فيها هدى ونور ولا وعد احسن من ذلك واجمل .
وفيه اشارة الى الن الله تعالى اذا وعد وقمالا بدله من الوفاء بالوعد فيحتمل ان يكون ذلك الوفاء فتنة للقوم وبلاء لهم كما كان لوقم موسى اذ وعدهم الله بايتاء التوراة ومكالمته موسى وقومه السبعين المختارين فلما وفى به تولدت لهم الفتنة والبلاء من وفائه وهى الضال وعبادة العجل ولكن الوعد لما كان موصوفا بالحسن كان البلاء الحاصل من الوعد الحسن بلاء حسنا وكان عاقبة امرهم التوبة والنجاة ورفعة الدرجات { أفطال عليكم العهد } الفاء للعطف على مقدرة والهمزة لانكار المعطوف ونفيه فقط اى اوعدكم ذلك فطال زمان الانجاز فاخطأتم بسببه .
وفى الجلالين مدة مفارقتى اياكم يقال طال عهدى بك اى طال زمانى بسبب مفارقتك { ام اردتم ان يحل } يجب كما سبق { عليكم غضب } عذاب عظيم وانتقام شديد كائن { من ربكم } من مالك امركم على الاطلاق بسبب عبادة ما هو مثل فى الغباوة والبلادة { فاخلفتم موعدى } والفاء لترتيب ما بعدها على كل واحد من شقى الترديد على سبيل البدل كأنه قيل أنسيتم الوعد بطول العهد فاخلفتموه خطأ ام اردتم حلول الغضب عليكم فاخلفتموه عمدا .(8/166)
قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87)
{ قالوا ما اخلفنا موعدك } اى وعدنا اياك الثبات على ما امرتنا به { بملكنا } اى بقدرتنا واختيارنا لكم مغلوبا والملك القدرة { ولكنا حملنا اوزارا من زينة القوم } جمع وزر بالكسر بمعنى الحمل الثقيل اى احمالا من حلى القبط الى استعرناها منهم حين هممنا بالخروج من مصر باسم العرس { فقذفناها } اى طرحنا الحلى فى النار رجاء للخلاص من ذنبها { فكذلك } اى مثل ذلك القذف { القى السامرى } اى ما معه من الحلى وقد كان اراهم انه ايضا يلقى ما كان وكان لا يخالط شيأ الا غيره وهو من الكرامة التى خصها الله بروح القدس .(8/167)
فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88)
{ فاخرج } اى السامرى بسبب دلك التراب { لهم } اى للقائلين { عجلا } من تلك الحلى المذابة وهو ولد البقرة { جسدا } بدل منه اوجثة ذا ذم ولحم او جسدا من ذهب لا روح له ولا امتناع فى ظهور الخارق على يد الضال { له خوار } نعت له يقال خار العجل خوار اذا صاح اى العجل { الهم واله موسى فنسى } اى غفل عنه وذهب يطلبه فى الطور وهذا حكاية نتيجة فتنة السامرى فعلا وقولا من جهته تعالى قصد الى زيادة تقريرها ثمخ ترتيب الانكار عليها لا من جهة القائلين والا لقيل فاخرج لنا ولا شك ان الله خلقه ابتلاء لعباده ليظهر الثابت من الزائغ واعجب من خلق الله العجل خلقه ابليس محنة لهم ولغيرهم .(8/168)
أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89)
{ أفلا يرون } الفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام اى ألا يتفكرون فلا يعلمون { ان } مخففة من الثقيلة اى انه { لا يرجع } [ بازنمى كرداند كوساله ] { اليهم } [ بسوى ايشان ] { قولا } كلاما ولا يرد عليهم جوابا : يعنى [ هر جند اورا مى خوانند جواب نمى دهد ] فكيف يتوهمون انه آله فقوله يرجع من الرجع المتعدى بمعنى الاعادة لا من الرجوع اللازم بمعنى العود { ولا يملك له مضرا ولا نفا } اى لا يقد رعلى ان يدفع عنهم ضررا او يجلب لهم نفقا .
قال فى التأويلات النجمية فيه اشارة الى ان الله تعالى اذا اراد ان يقضى قضاء سلب ذوى العقول عقولهم واعمى ابصارهم بعد ان رأوا الآيات وشاهدوا المعجزات كأنهم لم يروا شيأ فيها فلهذا قال { أفلا يرون } يعنى العجل وعجزه { ان لا يرجع اليهم قولا } اى شيأ من القول { ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا } انتهى . وفى الآيات اشارات . منها ان الغضب فى الله من لوازم نشأة الانسان الكامل لانه مرآة الحضرة الالهية وهى مشتملة على الغضب فى الله من لوزم نشأة الانسان الكامل لانه مرآة الحضرة الالهية وهى مشتملة على الغضب ورد عن النبى عليه السلام انه كان لا يغضب لنفسه واذا غضب لله لم يقم لغضبه شئ فمن العباد من يغضب الحق لغضبه ويرضى لرضاه بل من نفسى غضبه غضب الحق وعين رضاه هو رضى الحق فمطلق غضبهم فى الحقيقة عبارة عن تعين غضب الحق فيهم من كونهم مجاليه ومجالى اسمائه وصفاته لا كغضب الجمهور .
قال ابو عبد الله الرضى ان الله لا يأسف كاسفنا ولكن له اولياء يأسفون ويرضون فجعل رضاهم رضاه وغضبهم غضبه قال وعلى ذلك قال « من اهان لى وليا فقد بارزنى فى المحاربة » .
فعلى العاقل ان يتبع طريق الانبياء والاولياء ويغضب للحق اذا رأى منكرا
كرت نهى منكر برآيد زدست ... نشايد جوبى دست وبايان نشست
جو دست وزبانرا نماند مجال ... بهمت نمايند مردى رجال
ومنها اى من اسباب غضب الله تعالى اخلف بالوعد ونقض العهد فلا بد لطالب الرحمة من الاستقامة والثبات
ازدم صبح ازل تا آخر شام آبد ... دوستى ومهر بريك عهد ويك ميثاق بود
[ وفى وصايا الفتوحات حق تعالى بموسى عليه السلام وحى كرد هركه باميد توآيد اورا بى بهره مكذار وهركه زينهار خواست اورا زينهارده . موسى درسياحت بود ن كاه كبوترى بر كتف او نشست وبازى درعقب او مى آمد وقصد آن كبوتر داشت بركتف ديكر فرو آمد آن كبوتر درآستين موسى در آمد وزينهار مى خواسست وباز بزبان فصيح بموسى آواز دادكه اى بسر عمران مرا بى بهره مكذار وميان من ورزق من جداى ميفكن موسى كفت جه زود مبتلاشدم ودست كرد تا ازران خود باره قطع كند براى طعمه بازتا حفظ عهد كرده باشد وبكار هر دو وفانموده كفتند يا ابن عمران تعجيل مكن كه مارسولانيم وغرض آن بودكه صحت عهد تو آز مايش كنيم ](8/169)
أيا سامعا ليس السماع بنافع ... اذا انت لم تفعل فما انت سامع
اذا كنت فى الدنيا من الخبرة عاجزا ... فما انت فى يوم القيامة صانع
ومنها ان متاع الدنيا سبب الغرور والفساد والهلاك ألا ترى ان فرعون اغتر بدنياه فهلك وان السامرى صاغ من الحلى عجلا فافسد ولو لم يستصحبوها حين خرجوا من مصر لنجو من عبادته والابتلاء بتوبته نسأل الله تعالى ان يهدينا هداية كاملة الى جنابه ولا يردنا عن بابه ولا يبتلينا باسباب عذابه .(8/170)
وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90)
{ لقد قال لهم هارون من قبل } اى وبالله لقد نصح لهم هارون ونبههم على كنه الامر من قبل رجوع موسى اليهم وخطابه اياهم بما ذكر من المقالات { يا قوم } [ اى كروه من ] { انما فتنتم به } اى اوقعتم فى الفتنة بالعجل واضللتم به على توجيه القصر المستفاد من كلمة انما الى نفس الفعل بالقياس الى مقابله الذى يدعيه القوم لا الى قيده المذكور بالقياس الى قيد آخر على معنى انما فعل بكم الفتنة لا الارشاد الى الحق لا على معنى انما فتنتم بالعجل لا بغيره { وان ربكم } المستحق للعبادة هو { الرحمن } المنعم بجميع النعم لا العجل فى الثبات على الدين { واطيعوا امرى } هذا واتركوا عبادة ما عرفتم شأنه وما احسن هذا الوعظ فانه زجرهم عن الباطل بقوله { انما فتنتم به } وازال الشبهات اولا وهو كاماطة الاذى عن الطريق ثم دعاهم الى معرفة الله بقوله { وان ربكم الرحمن } فانها الاصل ثم الى معرفة النوبة بقوله { فاتبعونى } ثم الى الشرائع فقال { واطيعوا امرى } وفى هذا الوعظ بشفقة على نفسه وعلى الخلق اما على نفسه فانه كان مأمورا من عند الله بالامر بالمعروف والنهى عن المنكر ومن عند اخيه لخالف امر الله وامر موسى وانه لا يجوز .
اوحى الله الى يوشع انى مهلك من قومك ارعبين الفا من خيارهم وستين الفا من شرارهم فقال يا رب هؤلاء الاشرار فما بال الاخيار قال انهم لم يغضبوا لغضبى وفى الحديث « مثل الؤمنين فى تراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد اذا اتشكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى » قال الشيخ سعدى قدس سره
بنى آدم اعضاى يكديكرند ... كه در آفرينش ريك كوهرند
جو عضوى بدرد آوردروزكار ... دكر عضوهارا نماند قرار
توكز محنت ديكران بى غمى ... نشايد كه نامت نهند آيمى
ثم ان هارون رأى المتهافتين على النار فلم يبال بكثرتهم ولا نفرتم بل صرح بالحق
بكوى آنجه دانى سخن سودمند ... وكر هيج كس را نيايد بسند
كه فردا بشيمان برآرد خروش ... كه آوخ جرا حق نكردم بكوش
وههنا دقيقة وفى ان الرافضة تمسكوا بقوله عليه السلام « انت منى بمنزلة هارون من موسى » ثم ان هارون ما منعه التقية فى مثل هذا الجمع العظيم بل صعد المنبر وصرح بالحق ودعا الناس الى متابعة نفسه والمنع من متابة غيره فلو كانت امة مخحمد على الخطأ لكان يجب ان يفعل مثل ما فعل هارون وان يصعد المنبر من غير تقية وخوف ويقول فاتبعونى واطيعوا امرى فلما لم يقل كذلك علمنا ان الامة كانوا على الصواب وقد ثبت ان علينا احرق الزنادقة الذين قالوا بالآلهيته لما كانوا على الباطل .(8/171)
قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91)
{ قالوا } فى جواب هارون { لن نبرح عليه } لن نزال على العجل وعبادته { عاكفين } مقيمين .
قال الرغاب العكوف الاقبال على الشئ وملازمته على سبيل التعظيم .
قال فى الكبير رحمته تعالى خلصتهم من آفات فرعون ثم النهم لجهلهم قابلوه بالتقليد فقالوا { لن نبرح عليه عاكفين } { حتى يرجع الينا موسى } اى لا نقبل حجتك وانما نقبل قول موسى .
وقال فى الارشاد وجعلوا رجوعه عليه السلام اليهم غاية لعكوفهم على عبادة العجل لكن لا على طريق الوعد بتركها عند ردوعه بل بطريق التعلل والتسويف وقد دسوا تحت ذلك انه عليه السلام لا يرجع بشئ مبين تعويلا على مقابلة السامرى - روى - انهم لما قالوه اعتزلهم هارون فى اثنى عشر الفا وهم الذين لم يعبدوا العجل فلما رجع موسى وسمع الصياح وكانوا يرقصون حول العجل قال للسبعين الذين كانوا معه هذا صوت الفتنة لهم ما قال وسمع منهم ما قالوا .
وفى التأويلات النجمية لم يسمعوا قول هارون لانهم عن السمع الحقيقى لمعزولون فلهذا { قالوا لن نبرح } الخ وفيه اشار الى ان المريد اذا استسعد بخدمة شيخ كامل واصل وصحبه بصدق الارادة ممتثلا لاوامره ونواهيه قابلا لتصرفات الشيخ فى ارشاد يصير بنور ولايته سميعا بصيرا يسمع ويرى من الاسرار والمعنى بنور ولاية الشيخ ما لم يكن يسمع ويرى ثم ان ابتلى بمفارقة صحبة الشيخ قبل اوانه يزول عنه نور الولاية او يحتجب بحجاب ما ويبقى اصم واعمى كما كان حتى يرجع الى صحبة الشيخ ويتنور بنور ولايته .(8/172)
قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92)
{ قال } استئناف بيانى كأنه قيل فما قال لهارون حين سمع جوابه له وهل رضى بسكوته بعدما شاهد منهم ما شاهد فقيل قال له وهو مغتاظ وقد اخذ بلحيته ورأسه وكان هارون طويل الشعر { يا هارون ما منعك اذ رأيتهم ضلوا } اخطأوا طريق عبودية الله بعبادة العجل وبلغوا من المكابرة ال ان شافهوك بالمقالة الشنعاء .(8/173)
أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93)
{ ان لا تتبعن } لا مزيدة وهو مفعول ثان لمنع وهو عامل فى اذ اى أى شئ منعك حين رؤيتك لضلالهم من ان تتبعنى فى الغضب لله والمقاتلة مع من كفر به وان تأتى عقبى وتلحقنى وتخبرنى لأرجع اليهم لئلا يقعوا فى هلاك هذه الفتنة او غير مزيدة على ان منعك مجاز عن دعاك . والمعنى ما دعاك الى ترك اتباعى وعدمه فى شدة لاغضب لله ولدينه ونظير لا هذه قوله { ما منعك ان لا تسجد } فى الوجهين .
قال فى التأويلات النجمية فيه اشارة الى ان موسى لما كان بلميقات مستغرقا فى بحر شواهد الحق ما كان يرى غير الحق ولم يكن محتجبا بحجب الوسائط حتى ان الله تعالى ابتلاه بالوسائط بقوله { انا قد فتنا قومك من بعدك واضلهم السامرى } اضاف الفتنة الى نفسه واحال الاضلال الى السامرى اختبر ليعلم منه انه هل يرى غير الله مع الله فى افعاله الخير والشر فما التفت الى الوسائط وما رأى الفعل فى مقام الحقيقة على بساط القربة الا منه وقال فى جوابه { ان هى الا فتنتك } اضافة الفتنة والاضلال اليه تعالى مراعيا حق الحقيقة على قدم الشريعة الى نور الحقيقة قال يا هارون { أفعصيت امرى } اى بالصلابة فى الدين والمحاماة عليه كما عصى هؤلاء القوم امرى وامر الله فان قوله عليه السلام { اخلفنى } متضمن للامر بهما حتما فان الخلافة لا تتحقق الا بمباشرةالخليفة ماكان يباشره المستخلف لو كان حاضرا والهمزة للانكار التوبيخى والفاء عطف على مقدر يقتضيه المقام اى أخافتنى فعصيت امرى .(8/174)
قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)
{ قال يا ابن ام } الام بازاء الاب وهى الوالدة القريبة التى ولدته والبعيدة التى ولدت من ولدته ويقال لكل ما كان اصلا لوجود شئ او تربيته او اصلاحه او مبدئه ام واصله يا ابن امى ابدل الباء الفاء فقيل يا ابن اما ثم حذف الالف واكتفى بالفتحة لكثرة الاستعمال وطول اللفظ وثقل التضعيف وقرئ يا ابن ام بالكسر بحذف الياء والاكتفاء بالكسرة وخص الام بالاضفة استعظاما لحقها وترقيقا لقلبه واعتداد لنسبها الى انهما من بطن واحد والا فالجمهور على انهما لاب وام .
قال بعض الكبار كانت نوبة هارون من حضرة الرحمن كما قال تعالى { ووهبنا له من رحمتنا اخاه هارون نبيا } ولذا ناداه بامه اذ كانت الرحمة للام اوفر ولذا صيرت على مباشرة التربية .
وفى التأويلات النجمية لما رأى هارون موسى رجع من تلك الحضرة سكران الشوق ملآن الذوق وفيه نخزة القربة والاصطفاء والمكالمة ما وسعه الا التواضع والخشوع فقال يا ابن ام { لا تأخذ بلحيتى ولا برأسى } اى بشعر رأسى وخاطبه ببيان ام لمعنين احدهما ليأخذه رأفة صلة الرحم فيسكن غضبه والثانى ليذكره بذكر امه الحالة التى وقعت له فى الميقات حين سأل ربه الرؤية فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا وجاء الملائكة فى حال تلك الصعقة يجرون برأسة ويقولون يا ابن النساء الحيض ما للتراب ورب الارباب : قال الحافظ
برو اين دام برمرغ دكرنه ... كه عنقارا بلنداست آشيانه
وقال
عنقا شكاركس نبود دام بازجين ... كآنجا هميشه بادبدسثست دام را
- روى - انه اخذ شعر رأسه بيمنيه ولحيته بشماله من شدة غيظه وغضب لله وكان حديدا متصلبا فى كل شئ فلم يتمالك حين رآهم يعبد العجل ففعل ما فعل بمرأى من وقمه اى بمكان يراه قومه ويرون ما يفعل باخيه { انى خشيت } لو قاتلت بعضهم ببعض وتفرقوا { ان تقول فرقت بين بنى اسرائيل } برأيك واراد بالتفريق ما يستتبعه القتال من تفريق لا يرجى بعده الاجتماع .
وفى الجلالين خشيت ان فارقتهم واتبعتك ان يصيروا حزبين يقتل بعضهم بعضا فتقول اوقعت الفرق فيما بينهم { ولم يترقب قولى } لم تحفظ وصيتى فى حسن الخلافة عليهم يريد به قوله { اخلفنى فى قومى واصلح } فان الاصلاح ضم النشر وحفظ جماعات الناس والمداراة بهم الى ان ترجع اليهم وترى فيهم ما ترى فتكون انت المتدارك للامر بنفسك المتلافى برأيك لا سيما وقد كانوا فى غاية القوة ونحن على القلة والضعف كما يعرف عنه قوله { ان القوم استضعفونى وكادوا يقتلوننى } وفى العيون اى لم تنظر فى امرى او لم تنتظر قدومى .
وفى التأويلات النجمية يعنى منعنى ترقب قولك واطاعة امرك عن اتباعك لا عصيان ارمك انتهى وهذا الكلام من هارون اعتذار والعذر تحرك الانسان ما يمحو به ذنوبه وذلك ثلاثة اضرب ان يقول لم افعل او يقول فعلت لاجل كذا فيذكر ما يخرجه عن كونه مذنبا او يقول فعلت ولا اعود ونحو ذلك وهذا الثالث هو التوبة فكل توبة عذر دون العكس وكان هارون حليما رفيقا ولذا كان بنوا اسرائيل اشد حباله .(8/175)
وعن على رضى الله عنه احسن الكنوز محبة القلوب .
قال سقراط من احسن خلقه طابت عيشته ودامت سلامته وتأكدت فى النفوس محبته ومن ساء خلقه تنكدت عيشته ودامت بغضته ونفرت النفوس منه .
قال بزر جمهر ثمرة القناعة الراحة وثمرة التواضع المحبة
ارى الحلم فى بعض المواضع ذلة وفى بعضها عزا يسود فاعله
قال ارسطوا باصابة المنطق ويعظم القدر وبالتواضع تكثر المحبة وبالحلم تكثر الانصار وبالرفق تستخدم القلوب وبالوفاء يدوم الاخاء وكان النبى عليه السلام لم يخرج عن حد الين والرفق ولذا قال فى وصفه بالمؤمنين { رؤف رحيم } وفى المثنوى
بندكان حق رحيم وبردبار ... خوى حق دارند در اصلاح كار
مهربان بى رشوتان يارى كران ... در مقام سخت ودر روز كران
هين بجو اين قوم را اى مبتلا ... هين غنيمت دارشان بيش از بلا(8/176)
قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95)
{ قال } كأنه قيل فماذا صنع موسى بعد اعتذار القوم واعتذار هارون واستقرار اصل الفتنة على السامرى فقيل قال موبخا له هذا شأنهم { فما خطبك يا سامرى } الخطب لغة الامر العظيم الذى يكثر فيه التخطاب وهو من تقاليب الخبط .
ففيه اشارة الى عظيم خبطه والمعنى ما شأنك وما مطلوبك فيما فعلت وما الذى حملك عليه : وبالفارسية [ جيست اين كار عظيم ترا اى سامرى يعنى اين جيست كه كردى ] خاطبه بذلك ليظهر للناس بطلان كيده باعترافه ويفعل به وبما صنعه من العقاب ما يكون نكالا للمفتونين به ولمن خلفهم من اللامم .
قال بعض الكبار { فما خطبك يا سامرى } يعنى فيما صنعت من عدلك الى صورة العجل على الاختصاص وصنعك هذا الشبخ من حلى القوم حتى اخذت بقلوبهم من اجل اموالهم فان عيسى عليه السلام يقول لبنى اسرائيل يا بنى اسرائيل قلب كل انسان حيث ماله فاجعلوا اموالكم فى السماء تكن قلوبكم هناك اى تصدقوا وقدموا الى الآخرة التى هى ابقى واعلى وما سمى المال مالا الا لكونه بالذات تميل القلوب اليه فى نيل المقاصد وتحصيل الحوائج : وفى المثنوى
مال دنيا دام مرغان ضعيف ... ملك عقبى دام مرغان شريف
هين مشوكر عارفى مملوك ملك ... ملك الملك آنكه بجهيد اوزهلك(8/177)
قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)
{ وقال } السامرى مجيبا لموسى عليه السلام { بصرت بما لم يبصروا به } .
قال فى القاموس بصربه ككرم وفرح بصرا وبصارة ويكسر صار مبصرا .
وفى المفردات قلما يقال بصرت فى الحاسة اذا لم تضامه رؤية القلب . والمعنى رأيت مالم يره القوم وقد كان رأى ان جبريل جاء راكب فرس وكان كلما وضع الفرس يديه او رجليه على الطريق اليبس يخرج من تحته النبات فى الحال فعرف ان له شأنا فاخذ من موطئه حفنة .
وفى الكبير رآه يوم فلق البحرين تقدم خيل فرعون راكبا على رمكة ودخل البحر .
وفى غيره حين ذهب به الى الطور .
وفى الجلالين قال موسى وما ذلك قال رأيت جبرائيل على فرس الحياة فالقى فى نفسى ان اقبض من اثرها فما القيته على شئ الا صار له روح ولحكم ودم فحين رأيت قومك سألوك ان تجعل لهم الها زينت لى نفسى ذلك فذلك قوله تعالى { فقبضت قبضة من اثر الرسول } اى من تربة موطئ فرس الملك الذى ارسل اليك والمراد فرس الحياة لجبريل ولم يقل جبريل او روح القدس لانه لم يعرف انه جبريل والقبضة المرة من القبض وهو الاخذ بجميع الكف اطلقت علىلمقبوض مرة { فنبذتها } النبذ القاء الشئ وطرحه لقلة الاعتداد به اى طرحتها فى الحلى المذابة او فى فم العجل فكان ما كان .
وفى العرائس قبض السامرى من اثر فرسه قبضة لانه سمع من موسى تأثير القدسيين فى اشباح الاكوان فنثرها على العجل الذهبى فجعل الحق لها اكسيرا من نورفعله ولذا حيى .
وفى التأويلات النجمية { بصرت } يعنى خصص بكرامة فيما رأيت من اثر فرس جبريل والهمت بان له شانا ما خص به احد منكم { فقبضت قبضة من اثر الرسول فنبذتها } يشير بهذا المعنى الى ان الكرامة لاهل الكرامة كرامة ولاهل الغرامة فتنة واستدراج . والفرق بين الفريقين ان اهل الكرامة يصرفونها فى الحق والحقيقة واهل الغرامة يصرفونها فى الابطل والطبيعة كما ان الله تعالى انطق السامرى بنيته الفسادة الباطلة بقوله { وكذلك سولت فى نفسى } اى بشقاوتى ومحنتى والتسويل تزيين النفس لما تحرص عليه وتصير القبيح منها بصورته الحسن واصل التركيب سولت لى نفس تسويلا كائنا مثل المذكور بعد فقدّم على الفعل لافادة القصر واعتبرت الكاف مقحمة لافادة تأكيد ما فادة اسم الاشارة من الفخامة فصار مصدرا مؤكدا لا صفة اى ذلك التزيين البديع زينت لى نفسى ما فعلته من القبض والنبذ لا تزيينا ادنى ولذلك فعلته وحاصل جوابه ان ما فعله انما صدر عنه بمحض اتباع هوى النفس الامارة بالسوء وغوائها لا بشئ آخر من البرهان العقلى والالهام الالهى .
قال الكاشفى [ درلباب آورده كه موسى عليه السلام قصد قتل سامرى كرد ازحق سبحانه وتعالى ندا آمد اورا مكش كه صفت سخاوت برو غالبست وجون ازسخاى او خلق را منفعت بود نفع حيات ازوباز نتوان داشت سرّ واما ما ينفع الناس فيمكث فى الارض اينجا ظاهر ميشود(8/178)
هرنها لى كه برك دارد وبر ... باد زاب حيات تازة وتر
وانجه بى ميوه باشد وسايه ... به كه كردد تنوررا مايه
فعند ذلك { قال } موسى مكافئا له . قال الكاشفى [ كفت موسى مرسامرى راكه جون مرا ازقتل تومنع كردند ] { فاذهب } اى من بين الناس { فان لك فى الحياة } اى ثابت لك مدة حياتك عقوبة ما فعلت { ان تقول لامساس } قال فى المفردات المس كاللمس لكن اللمس قد يقال لطلب الشئ وان لم يوجد والمس يقال فيما يكون معه ادراك بحاسة اللمس .
وفى القاموس قوله تعالى { لا مساس } بالكسر اى لا امس ولا امسى وكذلك التماس ومنه من قبل ان يتماسا انتهى اى لا يمسنى احد ولا امس احد خوفا من ان تأخذ كما الحمى - روى - انه كان اذا ماس احدا ذكرا او انثى حم الماس والمسوس جميعا حمى شديد فتحامى الناس وتحاموه وكان يصيح باقصى صوته لا مساس وحرم عليهم ملاقاته ومواجهته ومكالمته ومبايعته وغيرها مما يعتاد جريانه فيما بين الناس من المعاملات فصار وحديا طريدا يهيم فى البرية مع الوحش والسباع [ ودربعضى تفاسير هست كه جمعى از اولاد سامرى درين زمان كوساله برست اند همان حال دارند ] يعنى ان قومه باقية فيهم تلك الحالة الى اليوم ] يقول الفقير التناسل موقوف على مخالطة الازواج والاولاد فكيف تقوم هذه الدعوى .
قال فى الارشاد لعل السر فى مقابلة جنايته بتلك العقوبة خاصة ما بينهما من مناسبة التضاد فانه لما انشأ الفتنة بما كانت ملابسته سببا لحياة الموات عوقب بما يضاده حيث جعلت ملابسته للحمى التى هى من اسباب موت الاحياء .
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان قصدك ونيتك فيما سولت نفسك ان تكون مطاعا متبوعا آلفا مألوفا فجزاؤك فى الدنيا ان تكون طريدا وحيدا مقتا ممقوتا متشردا متنفرا تقول لمن رآك لا تمسنى ولا امسك فنهلك
جون عاقبت زصحبت يا ران بريدنس بيوند باكسى نكند آنكه عاقلست
وذلك لان فى الانقطاع بعد الاتصال الما شديدا بخلاف الانقاطاع الاصلى ولذى قال من قال
الفت مكير همجو الف هيج باكسى ... تابسته الم نشوى وقت انقطاع
{ وان لك موعدا } اى وعدا فى الآخرة بالعقاب على الشرك والافساد { لن تخلفه } اى لن يخلفك الله ذلك الوعد بل ينجزه البتة بعدما عاقبك فى الدنيا والخلف والاخلاف المخالفة فى الوعد يقال وعدنى فاخلفنى اى خالف فى الميعاد { وانظر الى الهك } معبود بزعمك { الذى ظلت عليه عاكفا } اصله ظللت فحذفت اللام الاولى تخفيفا .(8/179)
قال فى المفردات ظلت بحذف احدى اللامين يعبر به عما يفعل بالنهار ويجرى مجرى صرت . والمعنى صرت مقيما على عبادته . واما بالفارسية [ بودى بيوسته بر برستش او ] { لنحرقنه } جواب قسم محذوف اى بالنار ويؤيده قراءة { لنحرقنه } من الاحراق وهو ايقاء نار ذات لهب فى الشئ بخلاف الحرق فانه ايقاع حرارة فى الشئ من غير لهب كحرق الثوب بالدق .
قال الكاشفى [ واين قول كسيست كه كويد آن كاورا كوشت وبوست بود ] او بالمبرد : بالفارسية [ سوهان ] على انه مبالغة فى حرق اذا برد بالمبرد ويعضده قراءة { لنحرقنه } اى لنبردنه يقال بردت الحديد بالمبرد والبرادة ما سقط منه .
قال الكاشفى [ واين بران قوليست كه او جسدى بودزرين بى حيات ] { ثم لننسفنه فى لايم نسفا } اى لنذرينه فى البحر رمادا او مبرودا بحيث لا يبقى منه عين ولا اثر من نسفت الريح التراب اذا اقلعته وازالته وذرته . والنسف بالفارسية [ بركندن ] للنبات من اصله { وبربودن ] كما فى التهذيب . والذر [ وبباد بر دادن وباد جيزى را بر داشتن ] .
قال الكاشفى [ بس براكنده سازيم خاكستر اورا در دريا تابدانندكه اورا كه توان سوخت صفت الوهيت بروعين جهل ومحض خلافست ](8/180)
إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98)
{ انما الهكم } اى معبودكم المستحق للعبادة { الله الذى لا اله } فى الوجود لشئ من الاشياء { الا هو } وحده من غير ان يشاركه شئ من الاشياء بوجه من الوجوه التى من جملتها احكام الالوهية .
قال فى بحر العلوم قوله { الذى لا اله الا هو } تقرير لاختصاص الالهية ونحوه قولك القبلة الكعبة التى لا قبلة الا هى { وسع كل شئ علما } اى وسع علمه بكل ما كان وما يكون اى علم كل شئ واحاط به بدل من الصلة كأنه قيل انما الهكم الذى وسع كل شئ علما لا غيره كائنا ما كان فيدخل فيه العجل دخولا اولياء .
قال الكاشفى [ نه قالب كوساله كه اكرجه زنده نيزباشد مثلست درغباوت ونادانى ] روى ان موسى اخذ العجل فذبحه ثم حرقه بالنار ثم ذراه فى البحر زيادة عقوبة حيث ابطل سعيه واظهر غباوة المفتتنين به
بادست موسوى جه زند سحر سامرى
قال الحافظ
سحر بامعجزه بهلو نزند ايمن باش ... سامرى كيست كه دست ازيد بيضا ببرد
قال فى التأويلات النجمية فى الآية اشارة الى عبده عجل النفس والهوى بانهم وما يعبدون حصب جهنم منسوفون فى بحر القهر نسفا لاخلاص لهم منه الى الابد وفى قوله { انما الهكم الله الذى لا اله الا هو } اشارة الى ان من يعبد الها دونه يحرقه بنار القطيعة وينسفه فى بحر القهر الى ابدالآباد و { وسع كل شئ علما } فعلم استحقاق كل عبد للطف او للقهر .
يقال لما وقع الازدواج بين آدم وحواء والازدواج بين ابليس والدنيا فتولد من الزدواج الاول نوع البشر ومنالثانى الهوى فجميع الاديان الباطلة والاخلاق المذومة من تأثير ذلك الهوى يقال ان ضرر البدعة والهوى اكثر من ضرر المعصية فان صاحب المعصية يعلم قبحها فيستغفر فيتوب بخلاف صاحب البدعة والهوى .
اعلم انهم قالوا لكل فرعون موسى اى لكل مبطل ومفسد محق ومصلح ألا ترى ان فرعون افسد الارض بالكفر والتكذيب والظلم والمعاصى فاصلحها موسى بالايمان والتصديق والعدل والطاعات ثم ان السامرى اراد ان يكدروجه مرآة الدين بما صنعه بيده العادية فجاء موسى فازاله وهكذا الحال الى يوم القيامة والاصل اصلاح القلب وتطهير عن لوث الاخلاق الرذيلة ومنعه عن العكوف على عبادة الهوى ثم تغيير المنكر عن وجه العالم ان قدر كما فعله الانبياء واولوا الامر ومن يليهم فان الغيرة من الايمان والله غيور وعبده فى غيرته وفى الحديث « ان سعدا لغيور وانا اغير من سعد والله اغير منى ومن غيرته حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن » وفى المثنوى
جمله عالم زان غيور آمدكه حق ... بردر غيرت برين عالم سبق
غيرت حق برمثل كندم بودم ... كاه خر من غيرت مردم بود
اصل غيرتها يدانيد ازاله ... آن خلقان فرع حق بى اشتباه(8/181)
كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99)
{ كذلك نقص عليك من انباء ما قد سبق } ذلك اشارة الى اقتصاص حديث موسى والقص تتبع الاثر والقصص الاخبار المتتبعة . ومن مفعول نقص باعتبار مضمونه . والنبأ خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم او غلبة ظن ولا يقال للخبر فى الاصل نبأ حتى يتضمن هذه الاشياء الثلاثة وحق الخبر الذى فيه نبأ ان يتعرى عن الكذب كالتواتر وخبر الله تعالى وخبر النبى عليه السلام والمعنى مثل ذلك القص البديع الذى سمعت نقص عليك يا محمد بعض الحوادث الماضية الجارية على الامم السالقة لاقصا ناقصا عنه تبصرة لك وتوفيرا لعلمك وتكثير لمعجزاتك وتذكير للمستبصرين من امتك .
وفيه وعد بتنزيل امثال ما مر من اخبار القرون الخالية : وبالفارسية [ همجنانجه اين قصه موسى برتو خوانديم مى خوانيم برتواى محمد ازخبرها آنجه بتحقيق كذشته است يعنى اموامور ماضيه وقرون سابقة ترا خبر ميدهيم تا معجزهُ نبوت توبود وتنبيه مستبصران امت تو ] { وقدآتيناك من لدنا } متعلق بآتينا اى من عندنا { ذكرا } اى كتابا شريفا مطويا على هذه الاقاصيص والاخبار حقيقا بالتفكر والاعتبار .
وفى الكبير فى تسميته به وجوه . الاول انه كتاب فيه ذكر ما يحتاج اليه فى امر دينهم ودنياهم .
والثانى ان يذكر انواع آلاء الله ونعمائه وفيه التذكير والموعظة . والثالث فيه الذكر والشرف لك ولقومك وقد سمى الله كل كتبه ذكرا فقال { فاسألوا اهل الذكر } .
قال بعض الكباراى موعظة تتعظ بها وتتأدب بملازمتها فلا يخفى عليك شئ من اسرارنا وما اودعناه اسرار الذين كانوا قبلك من الانبياء فتكون الانبياء مكشوفين لك وانت فى ستر الحق .(8/182)
مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100)
{ من اعرض عنه } عن ذلك الذكر العظيم الشأن الجامع لوجوه السعادة والنجاة فلم يعتبر ولم يعمل به لانكاره اياه ومن شرطية او موصولة واياما كانت فالجملة صفة لذكر { فانه } اى المعرض عنه { يحمل يوم القيامية وزرا } عقوبة ثقيلة على كفره وسائر ذنوبه وتسميتها وزرا تشبيها فى ثقلها على المعاقب وصعوبة احتمالها بالحمل الذى يفدح الحامل وينقض ظهره .(8/183)
خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101)
{ خالدين فيه } اى ماكثين فى الوزر حال من المستكن فى يحمل والجمع بالنظر الى معنى من لما ان الخلود فى النار مما يتحقق حال اجتماع اهلها { وساء لهم يوم القيامة حملا } اى بئس لهم حملا وزرهم واللام للبيان كأنه لما قيل ساء قيل لمن يقال هذا فاجيب لهم واعادة يوم القيامة لزيادة التقرير وتهويل الامر .
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان من اعرض عن الذكر الحقيقى الذى به قامت حقيقة الايمان والايقان والعرفان فانه يحمل يوم القيامة حملا ثقيلا من الكفر والنفاق والشرك والجهل والعمى وقساوة القلب والرين والختم والاخلاق الذميمة والبعد والحسرة والندامة وخسر حقيقة العبودية ودوام الذكر ومراقبة القلب وصدق التوجه لقبول الفيض الآلهى الذى هو حقيقة الذكر الذى اوله ايمان واوسطه ايفان وآخره عرفان فالذكر الايمانى يورث الاعراض عن الدنيا والاقبال على الآخرة بترك المعاصى والاشتغال بالطاعات والذكر الايقانى يورث ترك الدنيا وزخارفها حلالها وحرامها وطلب الآخرة ودرجاتها منقطعا اليها والذكر العرفانى يوجب قطع تعلقات الكونين والتبكير الى سعاد الدارين فى بذل الوجود على شواهد المشهود انتهى فاعلى المراتب فى الذكر فناء الذاكر فى المذكور فلا يبقى للنفس هناك اثر - روى - انه كثر الزنى فى بغداد وكثر الفسق فقيل للشبلى لولا ذكرك لاحرقنا البلدة قلما سمعه بعضه اهل النفس قالأليس لنا ذكر فقال الشبلى ذكركم بوجود النفس وذكرى بالله .
واعلم ان التوحيد افضل العبادات وكذر الله اقرب القربات وقد وقت الله العبادات كلها كالصلاة والصيام والحج ونحوها بالمواقيت الا الذكر فانه امر به على كل حال قيامنا وقعودونا واضطجاعا وحركة ويبكونا وفى كل زمان ليلا ونهارا صيفا وشتاء ولما سئل عليه السلام عن جلاء القلب قال { ذكر الله وتلاوة القرآن والصلاة علىّ } قال المغربى قدس سره
اكرجه آينه دارى از برى رخش ... ولى جه سود كه دارى هميشه آينه تار
بيا بصقيل توحيد زاينه بردارى ... غبار شرك كه تا باك كردد از زنكار
- حكى - ان موسى عليه السلام قال الهى علمنى شيأ اذكرك به فقال الله تعالى قل لا اله الا الله فقال موسى يا رب كل عبادك يقول ذلك فقال الله تعالى يا موسى لو ان السموات والارضين وضعت فى كفة ميزان ولا اله الا الله فى اخرى لمالت به تلك الكلمة : قال الفقير
كرتوخواهى شوى زحق آكاه ... دم لا اله الا الله
افضل ذكر باشد اين كلمه ... يكثر الذكر كل من يهواه(8/184)
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102)
{ يوم ينفخ فى الصور } بدل من يوم القيامة او منصوب باضمار اذكر اى اذكر لقومك يا محمد يوم ينفخ اسرافيل فى القرن الذى التقمه للنفخ { ونحشر المجرمين يومئذ } اى نخرج المتوغلين فى الاجرام والآثام المنهمكين فيها وهم الكفرة والمشركون من مقابرهم ونجمعهم يوم اذ ينفخ فى لاصور وذكره صريحا مع تعين ان الحشر لا يكون الا يومئذ للتهويل { زرقا } جمع الزرق والزرقة اسوء الوان العين وابغضها الى العرب فان الروم الذى كانوا اعدى عدوهم رزق .
قال الكاشفى [ در خبراست كه زرقه عين وسواد وجه علامت دوزخيانست ] .
وقال الامام فى المفردات قوله تعالى { يومئذ زرقا } اى عميا عيونهم لا نور لها لان حدقة الاعمى تزرق يعنى ان العين اذا زال نورها ازرقت .(8/185)
يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103)
{ يتخافتون بينهم } اسئناف لبيان ما يأتون وما يذرون حينئذ والتخافت اسرار المنطق واخفاؤه اى يقول بعضهم لبعض خفية من غير رفع صوت بسبب املاء صدورهم من الخوف والهوان او استيلاء الضعف { ان لبثتم } لبث بالمكان اقام به ملازما له اى قامتم ومكثتم فى الدنيا او فى القبر { الا عشرا } عشر ليال او عشر ساعات استقصارا لمدة لبثهم فيها لزوالها لان ايام الراحة قليلة والساعة تمر مر السحاب .
وفى الجلالين يتسارون فيما بينهم ما لبثتم فى قبوركم الا عشر ليال يريدون ما بين النفختين وهو اربعون سنة يرفع لاعذاب فى تلك المدة عن الكفار ويستقصرون تلك المدة اذا عاينوا اهوال القيامة انتهى وهو مروى عن ابن عباس رضى الله عنهما .
وفى بحر العلوم هو ضعيف جدا .(8/186)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104)
{ نحن } [ ما كه خداونديم ] { اعلم بما يقولون } [ دانا تريم بآنجه ايشان ميكويند ] وهو مدة لبثهم { اذ يقول } [ جون كويد ] { امثلهم طريقة } اوفرهم رأيا واوفاهم عقلا : وبالفارسية [ تمامترين ايشان ازروى عقل ] .
قال فى المفردات الامثل يعبر به عن الاشبه بالافاضل والاقرب الى الخير واماثل القوم كناية عن خيارهم وعلى هذا قولهم تعالى { اذ يقول امثلهم طريقة } انتهى { ان } بمعنى النفى اى ما { لبثتم الا يوما } ونسبة هذا القول الى امثلهم استرجاع منه تعالى له لكن لا لكونه اقرب الى الصدق بل لكونه ادل على شدة الهول .
وفى التأويلات النجمية يشير الى انه اذا نفخ فى الصور وحشر اهل البلاء واصحاب الجفاء يوم الفزع الاكبر فى النفخة الثانية { يوم يجعل الولدان شيبا . يوم تبدل الارض غير الارض } وقد غضب ربنا ذلك اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله يرون من شدة اهوال ذلك اليوم ما يقلل فى اعينهم شدة ما اصابهم من العذاب طول مكثرهم فى القبور فهم يحسبون انهم ما لبثوا فى القبور الا عشرة ايام ثم قال تعالى { نحن اعلم بما يقولون } من عظم البلاء وبما يقولون { اذ يقول امثلهم طريقة } اى اصوبهم رأيا فى نيل شدة البلاء { ان لبثتم الا يوما } وذلك لانه وجد شدة بلاء ذلك اليوم عشرة امثال ما وجده انتهى قيل
ألا انما الدنيا كظل سحابة ... اظلتك يوما ثم عنك اضمحلت
فلاتك فرحانا بها حين اقبلت ... ولا تك جزعانا اذا هى ولت
قال المنصور لما حضرته الوفاة بعنا الخرة بنومه : قال الشيخ سعدى
نكه دار فرصت كه عالم دميست ... دمى بيش دانا به از عالميست
مكن عمر ضايع بافسوس وحيف ... كه فرصت عزيزست والوقت سيف
قال السلطان ولد
بكذار جهانراكه جهان آن تونيست ... وين دم كه همى زنى بفرمان تو نيست
كر مال جهان جمع كنى شاد مشو ... ور تكيه بجان كنى جان آن تونيست
فعلى العقال ان لا يضيع وقته بالصرف الى الدناي وما فيها من الشهوات فان الوقت نقد نفيس وجوهر لطيف وبازى اشهب لا ينبغى ان يبذل لشئ حقير وان يصاد به طير لا يسمن ولا يغنى من جوع ومن المعلوم ان عيش الدنيا قصير وخطرها يسير وقدرها عند الله صغير اذا كانت لا تعدل عنده جناح بعوضة فمن عظم هذا الجناح كان اصغر منه
بر مرد هشيار دنيا خسست ... كه هرمدتى جاى ديكركسست
قال عيسى عليه السلام من ذا الذى يبنى على موج البحر دار اتلكم الدنيا فلا تتخذوها قرارا وقد ثبت ان الدنيا ساعة فاجعلها طاعة واهل الطاعة تكافئ ساعة من ساعاتهم فى الآخرة بالف سنة فى الراحة بخلاف اهل المعصية فان ساعاتهم ايضا تنبسط ولكن فى المحنة وافضل الطاعة واحسن الحسنات التوحيد وتقوية اليقين بالعبادات ومتابعة سيد المرسلين وفى الحديث(8/187)
« لتدخلن الجنة كلكم الا من ابى » قيل يا رسول الله من الذى ابى قال « من لم يقل لا اله الا الله فاكثروا من قول لا اله الا الله قبل ان يحال بينكم وبينها فانها كلمة التوحيد وهى العروة الوثقى وهى ثمن الجنة » اى جنة الصورة وجنة المعنى وهى جنة القلب والروح وفيها ازهار الانوار وثمرات الاسرار وهى اعلى من جنة الصورة اذ كل كمال انما هو من تأثير المعنى وتجلياته فمن اصلح باطنه صلح ظاهره البتة كالشجرة اذا كان لها عرق فانها تورق نسأل الله الاحتراق بنار العشق والمحبة والاستغراق فى بحر التوحيد والفوز باللقاء الدائم كما قال { ولهم عند الله مزيد للذين احسنوا الحسنى وزيادة }(8/188)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105)
{ ويسألونك عن الجبال } السؤال استدعاء معرفة او ما يؤدى الى المعرفة وجوابه على اللسان واليد خليفة له بالكتابة او الاشارة او استدعاء مال او ما يؤدى الى مال وجوابه على اليد واللسان خليفة لها اما بوعد او برد والسؤال للمعرفة قد يكون تارة للاستعلام وتارة للتبكيت وتارة لتعريف المسئول وتنبيهه لا ليخبر ويعلم فاذا كان للتعريف تعدى الى المفعول الثانى تار بنفسه وتارة بالجار تقول سألته كذا وسألته عن كذا وبكذا وبعن اكثر كما فى هذا المقام واذا كان لاستدعاء مال فانه يتعدى بنفسه او بمن نحو قوله تعالى { واذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب } والجبال جمع جبل وهو كل وتد للارض عظيم وطال فان افنرد فاكمة اوقتنة واعتبر معانيه فاستعير واشتق منه بحسابها فقبل فلان جبل لا يتزحزح تصورا لمعنى لاثبات فيه وجبله الله على كذا اشارة الى ما ركب فيه من الطبع الذى يأبى على الناقل نقله وتصور منه العظم فقيل للجماعة العظيمة جبل كما قال تعالى { ولقد اضل منكم جبلا كثيرا } اى جماعة تشبيها بالجبل فى العظم والجبال فى الدنيا ستة آلاف وستمائة وثلاثة وسبعون جبلا سوى التلول . والمعنى يسألونك عن ما آل امرها وقد سأل عنها رجل من ثقيف وقال يا رسول الله ما يصنع بالجبال يوم القيامة { فقل } الفاء للمسارعة الى الزام السائلين .
قال الكاشفى [ بس بكويى تأخير در جواب ايشان كه بقدرت ] { ينسفها ربى نفسا } يقال نسفت الريح الشئ اقلعته وازالته ونسف البنا ءقلعه من اصله والجبال دكها وذراها كما ف القاموس اى يقلعها من اصلها ويجعلها كالهباء المنثور .
وفى الارشاد يجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها وتذروها .
وفى الكبير لعل قوما قالوا انك تدعى ان الدنيا تفنى فوجب ان تبتدئ بالنقصان حتى تنتهى الى البطلان لكنا لا نرى فيها نقصانا ونرى الجبال كما هى وهذه شبهة ذكرها جالينوس فى ان السموات لا تفنى وجواب هذه الشبهة ان بطلان الشئ قد يكون ذبوليا يتقدمه النقصان وقد يكون دفعة فتبين انه تعالى يزيل تركيبا العالم الجسمانى دفعه بقدرته ومشيئته انتهى ومثاله ان الدنيا مع جبالها وشدادها كالشاب القوى البدن ومن الشبان من يموت فجأة من غير تقدم مرض وذبول
ديدى آن قهقهه كبك خرامان حافظ ... كه زسر بنجه شاهين قضا غافل بود
قال فى الاسئلة المقحمة قال هنا { ويسألونك عن الجبال فقل } بالفاء وفى موضع آخر { ويسألونك عن اليتامى قل اصلاح } من غير الفاء والجواب لانهم يسألونه ههنا بعد فتقريره ان سألوك عن الجبال فقل نظيره فان لم تفعلوا ولن تفعلوا فان كنت فى شك فان آمنوا بمثل ما امنتم به بخلاف قوله { ويسألنك عن اليتامى قل } لانه هناك كانوا قد سألوه فامر بالجواب كقوله تعالى { ويسألونك عن المحيض } وغيرها من المواضع انتهى
وفى التأويلات النجمية وان سألوك عن احوال الجبال فى ذلك اليوم فقل ينسفها ربى نفسا يقلعها بتجلى صفة القهارية كما جعل الطور دكا .(8/189)
فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106)
{ فيذرها } ومراكزها حال كونها { قاعا } مكانا خاليا واصله قوع .
قال فى القاموس القاع ارض سهلة مطمئنة قد انفرجت عنها الجبال والآكام انتهى . { صفصفا } مستويا كأن اجزاءها على صف واحد من كل جهة .(8/190)
لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)
{ لا ترى فيها } اى فى مقار الجبال لا بالبصر ولا بالبصيرة استئناف مبين لكيفية القاع الصفصف والخطاب لكل احد ممن يتأتى منه الرؤية { عوجا } بكسر العين اى عوجا ما كأنه لغاية خفائه من قبيل خافى المعانى وذلك لان العوج بالكسر يخص بالمعانى .
قال فى المفردات العوج العطف عن حال الانتصاب والعود يقال فيما يدرك بالبصر كالخشب المنتصب ونحوه والعوج يقال فيما يدرك بفكر وبصيرة كما يكون فى ارض بسيطة وكالذين والمعاض { ولا امتا } ارتفاعا يسيرا .
قال الزمخشرى الا مت النتوء اليسير .
وفى القاموس الا مت المكان المرتفع والتلال الصغار والانخفاض والارتفاع .
قال فى المناسبات { ولا امتا } اى تفاوتا بارتفاع وانخفاض .
وفى الجلالين { عوجا ولا امتا } انخفاضا وارتفاعا ومثله ما فى تفسير الفارسيى حيث قال [ عوجا بستى درمناره ولا امتا ونه بلندى وبشته ] .(8/191)
يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108)
{ يومئذ } اى يوم اذ نسفت الجبال على اضافة اليوم الى وقت النسف وهو ظرف لقوله { يتبعون } اى الناس { الداعى } الذين يدعوهم الى الموقف والمحشر وهو اسرافيل عليه السلام يدعو الناس عند النفخة الثانية قائما على صخرة بيت المقدس ويقول ايتها العظام البالية والاوصال المنفرقة واللحوم المتمزقة قوموا على عرض الرحمن فيقبلون من كل اوب الى صوبه اى من كل جانب الى جهته { لا عوج له } لا يعوج له مدعو ولا يعدل عنه بل يستوى اليه من غير انحراف متبعا لصوته لانه ليس فى الارض ما يحوجهم الى التعويج ولا يمنع لاصوت من النفوذ على السواء { وخشعت الاصوات للرحمن } خفضت من شدة الفزع وخفت لهيبته والخشوع الخضوع وهو التواضع والسكون او هو فى الصوت والبصر والخضوع فى البدن .
وفى المفردات الخضوع ضراعة واكثر ما يستعمل فيما يوجد على الجوارح والضراعة اكثر ام يستعمل فيما يوجد فى القلب ولذلك قيل فيما روى اذا ضرع القلب خشعت الجوارح والصوت هواء متموج بتصادم جسمين وهو عام والحرف مخصوص بالانسان وضعا { فلا تسمع الا همسا } صوتا خفيا ومنه الحروف المهموسة وهمس الاقدام اخفى ما يكون من صوتها .
وقال الكاشفى [ بس نشنوى تودران روزمكر آوازى نرم يعنى صوت اقدام ايشان در رفتن محشر ] .
قال الامام الغزالى فى الدرة الفاخرة ينفخ فى الصور اى نفخة اولى فتتطاير الجبال وتتفجر الانهار بعضها فى بعض فيمتلئ عالم الهواء ماء وتنثر الكواكب وتتغير الارض والسماء ويموت العالمون فتخلو الارض والسماء ثم يكشف سبحانه عن بيت سقر فيخرج لهب من النار فيشتغل فى البحور فتنشف اى تسرب ويدع الارض حمأة سوداء والسموات كأنها عكر الزيت والنحاس المذاب ثم يفتح تعالى خزانة من خزائن العرش فيها بحر الحياة فيمطر به الارض وهو كنىّ الرجال فتنبت الاجسام على هيتئها الصبى صبى والشيخ شيه وما بينهما ثم يهب من تحت العرش ريح لطيفة فبرز الارض ليس فى جبل ولا عود ولا امت ثم يحيى الله تعالى اسرافيل فينفخ من صخرة بيت المقدس فتخرج الارواح من ثقب فى الصور بعددها ويحل كل روح فى جسده حتى الوحش والطير فاذا هم بساهرة اى بوجه الارض بعد ان كان فى بطنها وقيل الساهرة صحراء على شفير جهنم .
وعن ابن عباس رضى الله عنهما ارض من فضة بيضاء لم يعص الله عليها منذ خلقها .
قال فى التأويلات النجمية { لا ترى فيها عوجا } من نقاياها { ولا امتا } من زواياها { يومئذ يتبعون الداعى } اى الذى دعاهم فى الدنيا فاجابوا داعيهم { لا عوج له } فى دعائهم يعنى كل داع من الدعاة يكون مجيبا فى جبلته الانسانية لانه تعالى هو الداعى والمجيب كقوله تعالى(8/192)
{ والله يدعو الى دار السلام ويهدى من يشاء الى صراط مستقيم } فالله تعالى هو الداعى وهو المجيب بالهداية يجيب بلسان المشيئة فافهم جدا ولهذا السر يوجد فى كل زمان من متبعى كل داع خلق عظيم ولا يوجد فى كل قرن من متبعى داعى الله الا لاشواذ من اهل الله ومن اهل داعى الهوى والدنيا والشيطان والملك والنبى والجنة والقرية يوجد فى كل زمان حلق على تفاوت طبقاتهم وقدر مراتبهم وبقوله { وخشعت الاصوات للرحمن } يشير الى ان داعى الله اذا دعا عبدا بالرحمانية خشعت وانقادت وذلت اصوات جميع الداعة وانقطعت { فلا تسمع الا همسا } اى الا وطأ اقدام المدعو ونقلها الى داعيه انتهى .
فعلى العاقل ان يتبع داعى الله الحق فان ما سواه باطل : وفى المثنوى
ديده روى جز تو شد غل كلو ... كل شئ ما سوى الله باطل
باطلند ومينمايندم رشد ... زانكه باطل باطلانرا مى كشد
اشتر كورى مهار تومتين ... توكشش مى بين مهارت را مبين
كرشدى محسوس جذاب ومهار ... بس نماندى اين جهان دار الفرار
كبر ديدى كوبى بيك مى رود ... سخره ديوستنبه مى شود
دربى اوكى شدى مانند حيز ... باى خودرا واكشيدى كبر تيز
كاو كر واقف زقصابان بدى ... كى بى ايشان بدان دكان شدى
باخوردى از كف ايشان سبوس ... يابدادى شير شان از جابلوس
وربخوردى از كى علف هضمن شدى ... كر زمقصود علف واقف بدى
توبجد كارى كه بكرفتى بدست ... عيش اين دم برتو بوشيده شدست
برتوكربيدا شدى زان عيب وشين ... زان رميدى جانت بعد المشرقين
حال كاخر زان بشيمان مى شوى ... كربودى اين حالت اول كى دوى(8/193)
يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109)
{ يومئذ } اى يوم اذ يقع ما ذكر من الامور الهائلة { لا تنفع الشفاعة } من الشفعاء احدا .
قال الامام الراغب الشفاعة الانضمام الى آخر ناصرا له وسائلا عنه واكثر ما يستعمل فى الضمام من هو اعلى مرتبة الى من هو ادنى ومنه الشفاعة فى القيامة { الا من اذن له الرحمن } فى ان يشفع له والاذن فى الشئ اعلام باجازته والرخصة فيه { ورضى له قولا } اى ورضى لاجله قول اشافع فى شأنه واما من عداه فلا تكاد تنفعه وان فرض صدورها عن الشفعاء المتصدين للشفاعة للناس كقوله تعالى { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } فالاستثناء من اعم المفاعيل .(8/194)
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)
{ يعلم } الله تعالى { ما بين ايديهم } اى ما تقدمهم من الاحوال { وما خلفهم } وما بعدهم مما يستقبلون والضمير عائد الى الذين يتبعون الداعى . وقال الكاشفى [ ميداند خدى تعالى آنجه بيش آمديانست ازامور آخرت وآنجه بس ايشانست ازكار دنيا ]
وفى التأويلات النجمية يعلم اختلاف احوالهم من بدء خلقهم واختلاف احوالهم الى الابد { ولا يحيطون به } تعالى { علما } [ يعنى احاط نمى توانند كرد جميع عالميان بذات خداى تعالى ازجهت دانش ] لانه تعالى قديم وعلم المخلوقين لا يحيط بالقديم .
وفيه اشارة الى العجز عن كنه معرفته
كجا دريابد اورا عقل جالاك ... كه بيرونست از سرحد ادراك
تماشا ميكن اسما وصفاتش ... كه آكه نيست كس ازكنه ذاتش
قال بعض الكبار ما علمه غيره ولا ذكره سواه فهو عالم والذاكر على الحقيقة وذلك ان الحادث فانى الوجود والقديم باقى الوجود والفانى لا يدرك الباقى الا بالباقى واذا ادركه به فلا يبلغ الى ذكره من كمال الازلية لان الاحاطة بوجوده مستحيلة من كل الوجوه صفاتا وذاتا وسرا وحقيقة .
قال الواسطى كيف يطلب ان يأخذ طريق الاحاطة وهو لا يحيط بنفسه علما ولا بالسماء وهو يرى جوهرها .
قال الراغب الاحاطة بالشئ هى ان تعلم وجود وجنسه وكيفيته وغرضه المقصود به ايجاده وما يكون به ومنه وذلك ليس الا لله تعالى .
قال فى انوار المشارق يجوز فى طريقة الصوفية ان يطلب ما يقصر العقل عنه ولا يطيقه اى ما لا يدرك بمجرد العقل ولا يجوز ان يطلب ما يحكم العقل باستحالته فلا يرد ما يقال انى يحصل للعقول البشرية ان يسلكوا فى الذات الالهية سبيل الطلب والتفتيش وانى تطيق نور الشمس ابصار الخفافيش .
قال الشيخ محمد بارسافى فصل الخطاب لا يجوز ان يظهر فى طور الولاية ما يحكم العقل باستحالته ويجوز ان يظهر فيه ما يقصر العقل عنه ومن لم يفرق بين ما يستحيله العقل وما لا يناله العقل فليس له عقل انتهى .
قال الشيخ عز الدين كنه ذات الحق تعالى وصفاته محجوب عن نظر العقول ونهاية معرفة العارفين هو ان ينكشف لهم استحال معرفة حقيقة ذات الله لغير الله ونما اتساع معرفتهم بالله انما يكون فى معرفة اسمائه وصفاته تعالى فبقدر ما تنكشف لهم معلوماته تعالى وعجائب مقدوراته وبديع آياته فى الدنيا والآخرة يكون تفاوتهم فى معرفته سبحانه وبقد رالتفاوت فى المعرفة يكون تفاوتهم فى الدرجات الاخروية العالية .(8/195)
وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111)
{ وعنت الوجوه للحى القيوم } يقال عنوت فيهم عنوا وعناه صرت اسيرا كعنيت وخضعت كما فى القاموس وانما قيل عنت دون تعنوا اشعار بتحقيق العنو وثبوته كما فى جسر العلوم . واللام فى الوجوه للجنس اشارة الى الوجوه كلها صالحة وعاصية او للعهد والمراد بها وجوه العصاة كقوله تعالى { سيئت وجوه الذين كفروا } وعبر عن المكلفين بالوجوه لان الخضوع فيها يتبين كما فى الكبير . والمعنى ذلت الوجوه يوم الحشر وخضعت للحى القيوم خضوع العناة اى الاسارى فى يد ملك لقهار .
وفى التأويلات النجمية خضعت وتذللت وجوه المكونات لمكونها الحى الذى به حياة كل حى القيوم الذى به قيام كل شئ احتياجا واضطرارا واستسلاما .
وفى العرائس افهم يا صاجحب العلم انه سبحانه ذكر الوجوه وفى العرف صاحب الوجوه من كان وجيها من كل ذلى وجاهة فالانبياء والمرسلون والاولياء والمقربون بالحقيقة هم اصحاب الوجوه وكيف انت بوجوه الحور العين ووجه كل ذى حسن فوجوه الجمهور مع حسنها وجلالها المستفاد من حسن الله وان كانوا جميعا مثل يوسف تلاشت وخرت وخضعت عند كشف نقاب وجهه الكريم وظهور جماله وجلاله القديم : قال المولى جامى
آهنك جمال جاودانى آرم ... حسنى كه نه دجاودان ازان بيزارم
وعن ابى امامة الباهلى رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم « اطلبوا اسم الله الاعظم فى هذه السورة الثلاث البقرة وآل عمران وطه » قال الزاوى والمشترك بينها { لالله لا اله اله هو الحيى القيوم } { وقد خاب من حمل } منهم { ظلما } خسر من اشرك بالله ولم يتب : يعنى [ بى بهره ماند ونوميد كشت ] قال الراغب الخيبة فوق المطلب .(8/196)
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112)
{ ومن يعمل من الصالحات } اى بعض الصالحات فمن مفعول يعمل باعتبار مضمونه { وهو مؤمن } فان الايمان شرط فى صحة الطاعات وقبول الحسنات { فلا يخاف ظلما } اى منع ثواب مستحق بموجب الوعد { ولا هضما } ولا كسرا منه بنقص ومنه هضم الطعام .
قال الراغب الهضم شدخ ما فيه رخاوة يقال هضمته فانهضم وهضم الدواء الطعام نكهة والهاضوم كل دواء هضم طعاما ونخل طلعها هضيم اى داخل بعضها فى بعض كانما شدخ .
وقال الكاشفى [ بس نترسد دران روزازستم وبيدادكه زيادتى سيآتس ونه ازكسر وشكست كه نقصان حسناتست يعنى نه از حسنات مؤمن جيزى كم كنند ونه سيآت وى افزايند ] فعليك بالحسنات والكف عن السيآت فان كل احد يجد نمرة شجرة اعماله ويصل باعماله الى كل آماله وافضل الاعمال اداء الفرائض مع اجتناب المحارم .
قال سليمان بن عبد الملك لابى حازم عظنى واوجز قال نعم يا امير المؤمنين نزه ربك وعظمه من ان يراك حيث نهاك او يفقدك حيث امرك .
قال بعض الكبار من علامة اتباع الهوى المسارعة الى نوافل الخيرات والتكاسل عن القيام بحقوق الواجبات وهذا حال غالب الخلق الا من عصمه الله ترى الواحد منهم يقوم بالاوراد الكثيرة والنواف العديدة الثقيلة ولا يقوم بفرض واحد على وجهه وانما حرموا الوصول بتضييعهم الاصول - حكى - عن ابى محمد المرتعش رحمه الله انه قال حججت حجات على قدم التجريد فسألتنى امى ليلة ان استقى لهاجرة فثقل ذلك عليىّ فعلمت ان مطاوعة نفسى فى الحجات كانت بحظ مشوب للنفس اذ لو كانت نفسى فانية لم يصعب عليها ما هو حق فى الشرع .
ثم ان المرء بمجرد العمل لا يكون الا عابدا واما المعارف الالهية والوصول الى الدرجات العاليات فيحتاج الى مرشد كامل ولذا هاجر الكار من دار الى دار لتحصيل صحبة المقربين والابرار : قال الحافظ
من بسر منزل عنقا نه بخود بردم راه ... قطع اين مرحله بامرغ سليمان كردم(8/197)
وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113)
{ وكذلك } اشارة الى انزال ما سبق من الآيات المتضمنة للوعيد المنبئة عما سيقع من احوال القيامة واهوالها اى مثل ذلك الانزال { انزلناه } اى القرآن كله واضماره لكونه حاضرا فى الاذهان فى بحر العلوم ويجوز ان يكون ذلك اشارة الى مصدر انزلنا اى مثل ذلك الانزال البين انزلناه حال كونه { قرآنا عربيا } يعنى بلغة العرب ليفهموه ويقفوا على اعجازه وخروجه عن حد كلام البشر .
وفى التأويلات النجمية اى كما انزلنا الصحائف والكتب الى آدم وغيره من الانبياء بألسنتهم ولغاتهم المختلفة كذلك انزلنا اليك قرآنا عربيا بلغة العرب وحقيقة كلامه الى هى الصفة القائمة بذاته منزهة عن الحروف والاصوات المختلفة المخلوقة وانما الاصوات والحروف تتعلق باللغات والالسنة المختلفة { وصرفنا فيه من الوعيد } الصرف رد الشئ من حالة الى حالة او ابداله بغيره ومثله التصريف الا فى التكثير واكثر ما يقال فى صرف الشئ من حالة الى حالة ومن امر الى امر وتصريف الرياح هو صرفها من حال الى حال . والوعيد التهديد بالفارسية [ بيم نمودن ] والمعنى بينا وكررنا فى القرآن بعض الوعيد .
قال الكاشفى [ جون ذكر طوفان ورجفه وصيحه وخسف ومسخ ] كما قال فى التأويلات النجمية اى اوعدنا فيه قومك باصناف العقوبات التى عاقبنا بها الامم الماضية وكررنا ذلك عليهم .
قال فى الكبير يدخل تحته بيان الفرائض والمحازم لان الوعيد بهما يتعلق { لعلهم يتقون } اى يتقون الكفر والمعاصى بالفعل { او يحدث لهم ذكرا } اى يجدد القرآن لهم ايقاظا واعتبارا بهلاك من قبلهم مؤديا بالآخرة الى الاتقاء واحداث الشئ ايجاده والحدوث كون الشئ بعد ان لم يكن عرضا كان او جوهرا .(8/198)
فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)
{ فتعالى الله } تفاعل من العلو وليست مرتبة شريفة الا والحق تعالى فى اعلى الدرجات منها وارفعها وذلك لانه مؤثر وواجب لذاته وكل ما سواه اثر وممكن ولا مناسبة بين الواجب والممكن . قال فى الارشاد وهو استعظام له تعالى ولشؤونه التى يصرف عليها عباده من الاوامر والنواهى والوعد والوعيد وغير ذلك اى ارتفع بذاته وتنزه عن مماثلة المخلوقين فى ذاته وصفاته وافعاله واحواله { الملك } السلطان النافذ امره ونهيه الحقيق بان يرجى وعده ويخشى وعيده { الحق } فى ملكوته والوهيته الحقيقى بالملك لذاته { ولا تعجل بالقرآن من قبل ان يقضى اليك } يؤدى ويتم ويفرغ قال تعالى { لقضى اليهم اجلهم } اى فرغ اجلهم ومدتهم المضروبة { وحيه } القاؤه وقراءته كان عليه السلم اذا القى اليه جبريل الوحى يتبعه عند تلفظ كل حرف وكل كلمة لكمال اعتنائه بالتلقى والحفظ فنهى عن ذلك اذ ربما يشغله التلفظ بكلمة عن سماع ما بعدها . والمعنى لا تعجل بقراءة القرآن خوف النسيان والانفلات قبل ان يستتم جبريل قراءته ويفرغ من الابلاغ والتلقين فاذا بلغ فاقرأه .
وفى التأويلات النجمية فيه اشارة الى سكوته عند قراءة القرآن واستماعه والتدبر فى معانيه واسراره للتنور بانواره وكشف حقائقه ولهذا قال { وقل } اى فى نفسك { رب } [ اى بروردكار من ] { زدنى } [ بيفزاى مرا ] { علما } اى فهما لادراك حقائقه فانها غير متناهية وبنورا بانواره وتخلقا بخلقه .
وقال بعضهم علما بالقرآن فكان كلما نزل عليه شئ من القرآن ازداد به علما .
وقال محمد بن الفضل علما بنفسى وما تضمره من الشرور والمكر والغدر لاقوم بمعونتك فى مداواة كل شئ منها بدوائه .
وكان ابن مسعود رضى الله عنه اذا قرآها قال اللهم دزنى ايمانا ويقينا بك وهو اجل التفاسير وادقها لانه علق الايمان واليقين به تعالى دون غيره وهو اصعب الامور كذا سمعت من شيخى وسندى قدس الله سره .
قيل ما امر الله رسوله بطلب الزيادة فى شئ الا فى العلم .
قال الكاشفى [ در لطائف قشيرى رحمه الله مذكوراست كه حضرت موسى عليه السلام زياده علم طلبيد اورا حواله بخضر كردند وبى طلب بيغمبرمارا صلى الله عليه وسلم دعاى زيادتى علم بياموخت وحواله بغير خود نكرد تامعلوم شودكه آنكه درمكتب ادب « ادبنى ربى » سبق { وقل رب زدنى علما } خوانده باشد هرآيينه دردرسكاه « علمك ما لم تكن تعلم » نكته « فعلمت علم الاولين والآخرين » بكوش هوش مستفيدان حقائق اشيا تواند رسانيد
علمهاى انبياء واوليا ... دردلش رخشنده جون شمس الضحى
عالمى كاموز كارش حق بود ... علم اوبس كامل مطلق بود
قال ابراهيم الهروى كنت بمجلس ابى يزيد البسطامى قدس سره فقال بعضهم ان فلانا اخذ العلم من فلان قال ابو يزيد المساكين اخذوا العلوم من الموتى ونحن اخذنا العلم من حى لا يموت .(8/199)
قال ابو بكر الكتانى قال فى الخضر عليه السلام كنت بمسجد صنعاء وكان الناس يسمعون الحديث من عبد الرزاق وفى زاوية المسجد شاب فى المراقبة فقلت له لم لا تسمع كلام عبد الرزاق قال انا اسمع كلام الرزاق وانت تدعونى الى عبد الرزاق فقلت له ان كنت صادقا فاخبرنى من انا فقال لى انت الخضر .
وفى الآية بيان لشرف العلم .
قال الشيخ الاكبر قدسر سره الاطهر العلم نور من انوار الله تعالى يقذفه فى قلب من اراده من عباده وهو معنى قائم بنفس العبد يطلعه على حقائق الاشياء وهو للبصيرة كنور الشمس للبصر مثلا بل اتم وفى الخبر قيل يا رسول الله أي الاعمال افضل فقال « العلم بالله » قيل الاعمال نريد قال « العلم بالله » فقيل نسأل عن العمل وتجيب عن العلم فقال عليه السلام « ان قليل العمل ينفع مع العلم وان كثير العمل لا ينفع مع الجهل » والمعتبر هو العلم النافع ولذلك قال عليه السلام « اللهم انى اعوذ بك من علم لا ينفع » والعلم بالله لا يتيسر الا بتصفيهة الباطن فتصفية القلب عما سوى الله تعالى من اعظم القربات وافضل الطاعات ولذلك كان مطمح نظر الاكابر فى اصلاح القلوب والسرائر : قال الحافظ
باك وصافى شو وازجاه طبيعت بدر آى ... كه صفايى ندهد آب تراب آلوده(8/200)
وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)
{ ولقد عهدنا الى آدم } يقال عهد فلان الى فلان بعد اى القى العهد اليه واوصاه بحفظه والعهد حفظ الشئ ومراعاته حالا بعد حال وسمى الموثق الذى يلزم مراعاته عهدا وعهد الله تارة يكون بما ركزه فى عقولنا وتارة يكون بما امرنا به بكتابه وبألسنة رسله وتارة بما نلزمه وليس بلازم فى اصل الشرع كالنذور وما يجرى مجراها وآدم ابو البشر عليه السلام قيل سمى بذلك لكون جسده من اديم الارض وقيل لسمرة فى قولنه يقال رجل آدم نحو اسمر وقيل سمى بذلك لكونه من عناصر مختلفة وقوى مفترقة يقال جعلت فلانا ادمة اهلى اى خلطته بهم وقيل سمى بذلك لما طيب به من الروح المنفوخ فيه وجعل له من العقل والفهم والرؤية التى فضل بها على غيره وذلك من قولهم الادام وهو ما يطيب به الطعام وقيل اعجمى وهو الاظهر والمعنى وبالله لقد امرناه ووصيناه بان لا يأكل من الشجرة وهى المعهودة ويأتى بيانه بعد هذه الآية { من قبل } من قبل هذا الزمان { فنسى } العهد ولم يهتم به حتى غفل عنه والنسيان بمعنى عدم الذكر او تركه ترك المنسى عنه .
قال الراغب النسيان ترك الانسان ضبط ما استودع اما الضعف قلبه واما عن غفلة او عن قصد حتى ينحذف عن القلب ذكره وكل نسيان من الانسان ذمه الله تعالى به فهو ما كان اصله عن تعمد وما عذر فيه نحو ما روى ( رفع عن امتى الخطأ والنسيان ) فهو ما لم يكن سببه منه { ولم نجد له عزما } ان كان من الوجود العلمى فله وعزما مفعولاه وقدم الثانى على الاول لكونه ظرفا وان كان من الوجود المقابل للعدم وهو الانسب لان مصب الفائدة هو المفعول وليس فى الاخبار بكون العزم المعدوم له مزيد مزية فله متعلق به والعزم فى اللغة توطين النفس على الفعل وعقد القلب على امضاء الامر . والمعنى لم نعلم او لم نصادف له تصميم رأى وثبات قدم فى الامور ومحافظة على ما امر به وعزيمة على القيام به اذ لو كان كذلك لما ازله الشيطان ولما استطاع تغريره وقد كان ذلك منه عليه السلام فى بدء امره من قبل ان يجرب الامور ويتولى حارها وقارها ويذوق شريها واريها لا من نقصان عقله فانه ارجح الناس عقلا كما قال عليه السلام « لو وزنت احلام بنى آدم بحلم آدم لرجح حلمه » وقد قال الله تعالى { ولم نجد له عزما } ومعنى هذا ان آدم مع ذلك اثر فيه وسوسته فكيف فى غيره : قال الحافظ
دام سختست مكر لطف خدا يا رشود ... آدم نبرد صرفه زشيطان رجيم(8/201)
قيل لم يكن النسيان فى ذلك الوقت مرفوعا عن الانسان فكان مؤاخذا به وانما رفع عنا .
وفى التأويلات النجمية { ولقد عهدنا الى آدم من قبل } اى من قبل ان يكون اولا وان لا يتعلق بغيرنا ولا ينقاد لسوانا فلما دخل الجنة ونظر الى نعيمها { فنسى } عهدنا وتعلق بالشجرة وانقاد للشيطان { ولم نجد له عزما } يشير الى ان الله تعالى لما خلق آدم وتجلى فيه بجميع صفاته صارت ظلمات صفات خلقيته مغلوبة مستورة بسطوات تجلى انوار صفات الربوبية ولم يبق فيه عزم التعلق بما سواه والانقياد لغيره فلما تحركت فيه دواعى البشرية الحيوانية وتداعت الشهوات النفسانية الانسانية واشتغل باسيفاء الحظوظ نسى اداء الحقوق ولهذا سمى الناس ناسا لانه ناس فنشأت له من تلك العاملات ظلمات بعضها فوق بعض وتراكمت حتى صارت غيوم شموس المعارف واستار اقمار العوارف فنسى عهود الله ومواثيقه وتعلق بالشجرة المنهى عنها .
قال العلامة يانيسان عادتك النسيان اذكر الناس ناس وارق القلوب قاس .
قال ابو الفتح البستى فى الاعتذار من النسيان الى بعض الرؤساء
يا اكثر الناس احسانا الى الناس ... يا احسن الخلق اعراضا عن الباس
نسيت وعدك والنسيان مغتفر ... فاغفر فاول ناس اول الناس
قال على رضى الله عنه عشرة يورثن النسيان .
كثرة الهم . والحجامة فى النقرة . والبول فى الماء الراكد . واكل التفاح الحامف . واكل الكزبرة . واكر سؤر الفار . وقراءة الواح القبور . والنظر الى المصلوب . والمشى بين الجملين المقطورين . والقاء القملة حية كما فى روضة الخطيب لكن فى قاضى خان لا بأس بطرح القملة حية والادب ان يقتلها .
وزاد فى المقاصد الحسنة مضغ العلك اى للرجال اذا لم يكن من علة كالبخر ولا يكره للمرأة ان لم تكن صائمة لقيامه مقام السواك فى حقهن لان سنها اضعف من سن الرجال كسائر اعضائها فيخاف من السواك سقوط سنها وهو ينقى الاسنان ونشد اللثة كالسواك .
واعلم ان من اشد اسباب النسيان العصيان فنسأل الله العصمة والحفظ .(8/202)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116)
{ واذ قلنا } اى واذكر يا محمد وقت قولنا { للملائكة } اى لمن فى الارض والسماء منهم عموما كما سبق تحقيقه { اسجدوا لآدم } سجود تحية وتكريم .
وقال البيضاوى اذكر حاله فى ذلك الوقت ليتبين لك انه نسى ولم يكن من اولى العزيمة والثبات انتهى .
وفيه اشارة الى استحاقه لسجودهم لمعان جمة . منها لانه خلق لامر عظيم هو الخلافة فاستحق لسجودهم . ومنها لان الله تعالى جعله مجمع مجرى عالمى الخلق والامر والملك والملكوت والدنيا والآخرة فما خلق شيأ فى عالم الخلق والدنيا الا وقد جعل ى قالبه انموذجا منه وما خلق شيأ فى عالم الامر والآخر الا وقد اودع فى روحه حقائقه واما الملائكة فقد خلقت من عالم الامر والملكوت دون عالم الخلق والملك فبهذه النسبة اختص آدم بالكمال وما دونه بالنقصان فاستحق السجود والكمال . ومنها لانه خلق روحه فى احسن تقيم من بين سائر الارواح من الارواح الملكية وغيرها وخلقت صورته فى احسن صورة على صورة الرحمن والملائكة وان خلقت فى حسن ملكى روحانى لم يخلقوا فى حسن صورته فله الافضلية فى كلا الحالين فاستحق لسجودهم بالافضلية . ومنها لانه شرف فى تسوية قالبه بتشريف خمر طينة آدم بيده اربعين صباحا وباختصاص لما خلقت بيدى واكرم فى تعلق روحه بالقالب بكرامة ونفخت فيه من روحى فالزمهم سجود الكرامة بقوله فقعوا له ساجدين واثبت له استحقاق سجودهم بقوله يا ابليس ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدى . ومنها لانه اختص بعلم الاسماء كلها وانهم قد احتاجوا فى انباء اسمائهم كما قال يا آدم انبئهم باسمائهم فوجب عليهم اداء حقوقه بالسجود . ومنها لانه لما خلقه الله تعالى تجلى فيه بجميع صفاته فاسجد الله تعالى ملائكته اياه تعظيما وتكريما واعزازا وجالالا فانه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فسجدوا الا ابليس ابى ان يسجد وذلك لان الله تعالى لما قال للملائكة انى جاعل فى الارض خليفة الى ونقدس لك كان هذا الكلام منهم نوع اعتراض على الله وجنس غيبة لآدم واظهار فضيلة لانفسهم عليه فاجابهم الله بقوله انى اعلم ما لا تعلمون اى انى اودعت فيه من علم الاسماء واستعداد الخلافة ما لا تعرفون به فله الفضيلة عليكم فاسجدوا له كفارة لا عتراضكم واستغفارا لغيبته وتواضعا لانفسكم فاقر الملائكة واعترفوا بما جرى عليهم من الخطأ وتابوا واستسلموا لاحكام الله تعالى فسجدوا لآدم واما ابليس فقد اصر على ذنب الاعتراض والغيبة والعجب بنفسه ولم يستسلم لاحكام الله وزاد فى الاعتراض والغيبة والعجب فقال انا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين وابى ان يسجد كذا فى التأويلات { فسجدوا } تعظيما لامر ربهم وامتثالا له { الا ابليس } فانه لم يسجد ولم يطرح اردية الكبر ولم يخفض جناحه : وفى المثنوى
آنكه آدم را بدن دي اورميد ... وانكه نور مؤتمن ديد او حميد
يقال ابلس يئس وتحير ومنه ابليس او هو اعجمى كما فى القاموس كأنه قيل ما باله لم يسجد فقيل { اى } السجود وامتنع منه .
قال فى المفردات الاباء شدة الامتناع فكل اباء امتناع وليس كل امتناع اباء .(8/203)
فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)
{ فقلنا } عقيب ذلك اعتناء بنصحه { يا آدم ان هذا } الحقير الذى رأيت ما فعل { عدو لك ولزوجك } حواء والزوج اسم للفرد بشرط ان يكون معه آخر من جنسه ذكرا كان او انثى .
ولعداوته وجوه . الاول انه كان حسودا فلما رأى نعم الله على آدم حسده فصار عدوا له .
وفيه اشارة الى ان كل من حسد احدا يكون عدوا له ويريد هلاكه ويسعى فى افساد حاله . والثانى انه كان شابا عالما وابليس شيخا جاهلا لانه اثبت فضيلته بفضيلة اصله وانه جهل الشيخ الجاهل يكون ابدا عدو الشاب العالم
زد شيخ شهر طعنه بر اسرار اهل دل ... المرء لا يزال عدوا لما جهل
والثالث انه مخلوق من النار وآدم من الماء والتراب وبين اصليهما عداوة فبقيت العداوة فيهما { فلا يخرجنكما من الجنة } اى لا يكونن سببا لاخراجكما منها فهو من قبيل اسناد الفعل الى السبب والا فالمخرج حقيقة هو الله تعالى وظاهره وان كان نهى ابليس عن الاخراج الا ان المراد نهيهما من ان يكونا بحيث يتسبب الشيطان فى اخراجهما منها بالطريق البرهانى { فتشقى } جواب للنهى واسناد الشقاء اليه لرعاية الفواصل ولا صالته .
قال فى المفردات الشقاوة خلاف السعادة وكما ان السعادة ضربان سعادة دنيوية وسعادة اخروية ثم الاضرب وفى الشقاوة الاخروية قال تعالى { فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى } وفى الدنيوية { فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى } انتهى وقد يوضع الشقاء موضع التعب نحو شقيت فى كذا كما قال فى القاموس الشقا الشدة والعسر ويمد انتهى . فالمعنى لا تباشر اسباب الخروج فيحصل الشقاء وهو الكد والتعب الدنيوى مثل الحرث والزرع والحصد والطحن والخبرز ونحو ذلك مما لا يخلو الناس عنه فى امر تعيشهم ويؤيده ما بعد الآية .
قال الكاشفى [ فتشقى كه تودررنج افتى يعنى جون ازبهشت بيرون روى بكديمين وعرق جبين اساب معاش مهيا بايدكرد ] .
عن سعيد بن جبير اهبط الى آدم ثور احمر فكان يحرث عليه ويمسح الغرق عن جبينه فذلك شقاؤه .
يقول الفقير الظاهر ان الشيطان بسبب عداوته لا يخلو عن تحريض فعل يكون سببا للخروج فالشقاوة فى الحقيقة متفرغة على مباشرة امر منهى عنه فافهم .
وفى التأويلات النجمية هى شقاوة البعد عن الحضرة ان لم يرجع الى مقام قربه من جوار الحق بالتوبة والاستغفار .
وفيه اشارة الى ان العصيان وامتثال الشيطان موجب للاخراج من جنة القلب والهبوط الى ارض البشرية بعد الصعود عنها والعبور عليها .(8/204)
إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118)
{ ان لك ان لا تجوع فيها } لك خبر انّ وان لا تجوع فى محل النصب على الاسمية اى قلنا ان حالك ما دمت فى الجنة عدم الجوع اذ النعم كلها حاضرة فيها { ولا تعرى } من الثياب لان الملبوسات كلها موجودة فى الجنة والعرى الجلد عما يستره .(8/205)
وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)
{ وانك لا تظمؤا فيها } اى لا تعطش لان العيون الانهار جارية على الدوام .
قال الرغب الظمئ ما بين الشربتين والظمأ العطش الذى يعرض من ذلك { ولا تضحى } اى لا يصيبك حر الشمس فى الجنة اذ لا شمس فيها واهلها فى ظل ممدود يقال ضحى الرجل للشمس بكسر الحاء اذا برز وتعرض لها وان بالفتح مع ما فى حيزها عطف على ان لا تجوع وفصل الظمأ دفعا لتوهم ان نفيهما نعمة واحدة وكذا الحال فى الجميع بين العرى والضحو .
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان الجنة وان كانت باقية وهى جوار الحق لكنها مرتعة من مراتع النفس البهيمية الحيوانية ولها فيها تمتع من المأكولات والمشروبا والملبوسات والمنكوحات كما كان لها فى المراتع الدنيوية الفانية انتهى .(8/206)
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120)
{ فوسوس اليه الشيطان } اى انهى الى آدم وسوسته وابلغ فتعديته بالى باعتبار تضمينه معنى الانهاء والابلاغ واذا قيل وسوس له فمعناه لاجله والسوسة الصوت الخفى ومنها وسواس الحلى لاصواتها وهو فعل لازم .
قال الكاشفى [ بس وسوسه كرد بسوى آدم شيطان بس آزانكه ببهشت در آمد وحوارا ديد وازمرك بترسانيد وحوا باآدم بازكفت وآدم ازمرك ترسان شده بابليس كه بصورت بيرى برايشان ظاهر شده بودبدو رجوع كرده بود بطريق تضرع ازوى علاج مرك طلبيد ] { قال } اما بدل من وسوس او استئناف كأنه قيل فماذا قال فى وسوته فقيل قال { يا آدم } [ علاج اين مرض خوردن ميؤه شجره خلداست ] { هل ادلك } [ آيادلالت كنم ترا ] { على شجرة الخلد } اى شجرة من اكل منها خلد ولم يمت اصلا سواء كان على حاله او بان يكون ملكا فاضافها الى الخلد وهو الخلود لانها سببه بزعمه كما قيل لحيزوم فرس الحياة لانها سببها .
قال الراغب الخلود تبرى الشئ من اعتراض الفساد وبقاؤه على الحالة التى هو عليها والخلود فى الجنة بقاء الاشياء على الحالة التى هى عليها من غير اعتراض الكون والفساد عليها { وملك لا يبلى } اى لا يزول ولا يختل بوجه من الوجوه : وبالفارسية [ كهنه نشود آدم كفت دلالت كن مر ابانآن بليس راهتمون شد آدم وحوارا بشجره منهيه ] .(8/207)
فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)
{ فاكلا منها فبدت لهما سوآتهما } يقال بدا الشئ بدوا وبدّوا ظهر ظهورا بينا وكنى عن الفرج بالسوءة لانه يسوء الانسان انكشافه اى يغمه ويحزنه .
قال الكاشفى [ يعنى لباس جنت ازايشان بريخت وبرهنه شدند ] .
قال ابن عباس انهما عريا عن النور الذى كان الله البسهما اياه حتى بدت فروجهما .
وقيل كان لباسهما الظفر فلما اصابا الخطيئة نزع عنهما وتركت هذه البقايا فى اطراف الاصابع .
وقيل كان لباسهما الخلة .
وعن ابى بن كعب رضى الله عنه قال قال عليه السلام « ان اباكم آدم كان رجلا طويلا كالنخلة السحوق كثير الشعر موارى العورة فلما واقع الخطيئة بدت سوءته فانطلق فى الجنة هاربا فمر بشجرة فاخذت بناصيته فاجلسته فناداه ربه أفارا منى يا آدم قال لا يا رب ولكن حياء منك »
قال الحصيرى بدت لهما ولم تبد لغيرهما لئلا يعلم الاغيار من مكافاة الجناية ما علما ولو بدت للغايار لقال بدت منها { وطفقا } شرعا يقال طفق يفعل كذا اى اخذ وشرع ويستعمل ف الايجاب دون النفى لا يقال ما طفق على بدنه الزقها واطبقها عليه ورقة ورقة اى يلزقان الورق على سواءتهما للتستر وهو ورق التين قيل كان مدورا فصار على هذا الشكل من تحت اصابعهما { وعصى آدم ربه } باكل الشجرة : يعنى [ خلاف كرد آدم امر بروردكار خودرا درخوردن درخت ] يقال عصى عصيانا اذا اخرج عن الطاعة واصله ان يتمنع بعصاه كما فى المفردات { فغوى } ضل عن مطلوبه الذى هو الخلود او عن المأمور به وهو التباعد عن الشجرة فى ضمن ولا تقربا هذه الشجرة او عن الرشد حيث اغتر بقول العدولان الغى خلاف الرشد .
واعلم ان المعصية فعل محرم وقع عن قصد اليه والزلة ليست بمعصية ممن صدرت عنه لانها اسم لفعل حرام غير مقصود فى نفسه للفاعل ولكن وقع عن فعل مباح قصده فاطلاق اسم المعصية على الزلة فى هذه الآية مجاز لان الانبياء عليهم السلام معصومون من الكبائر والصغائر لا من الزلات عندنا وعند بعض الاشعرية لم يعصموا من الصغائر وذكر فى عصمة الانبياء ليس معنى الزلة انهم زلوا عن الحق الى الباطل ولكن معناها انهم زلوا عن الافضل الى الفاضل وانهم يعاتبون به لجلال قدرهم ومكانتهم من الله تعالى .
قال ابن الشيخ فى حواشيه العصيان ترك الامر وارتكاب المنهى عنه وهو ان كان عمدا يسمى ذنبا وان كان خطأ يسمى زلة والآية دالة على انه عليه السلام صدرت عنه المعصية والمصنف سماها زلة حيث قال وفى النعى عليه بالعصيان والغواية مع صغر زلته تعظيم الزلة وزجر بليغ لأولاده عنها انتهى بناء على انه انما ترك الانتهاء عن اكل الشجرة اجتهادا لا بان تعمد المعصية ووجه الاجتهاد انه عليه السلام حمل النهى على التنزيه دون التحريم وحمل قوله تعالى(8/208)
{ هذه الشجرة } على شجرة بعينها دون جنسها ومع ذلك الظاهران هذه الواقعة انما كانت قبل نبوته .
وفى الاسئلة المقحمة فان قيل فاذا كان هذا خطأ فى الاجتهاد ومن اجتهد فاخطأ لا يؤخذ به فكيف آخد آدم بذلك قلنا لم يكن هذا موضع الاجتهاد اذا كان الوحى يتواتر عليه نزوله فكان تفريطه لو اجتهد فى غير الاجتهاد . فان قيل فهل اوحى اليه ليعلم ذلك . قلنا انقطع عنه الوحى ليقضى الله تعالى ما اراده كما انقطع عن الرسول عليه السلام ثمانية عشر يوما وقت افك عائشة رضى الله عنها ليقضى الله ما اراده .
وفى الكبير فان قيل دل هذا على الكبيرة لان العاصى اسم ذم فلا يليق الا بصاحب الكبيرة ولان الغواية ترادف الضلالة وتضاد الرشد ومثله لا يتناول الا المنهمك فى الفسق واجيب بان المعصية خلاف الامر والامر قد يكون بالمندوب ويقال امرته بشرب الدواء فعصانى فلم يبعد اطلاقه على آدم لا لانه ترك الواجب بل لانه ترك المندوب .
وفيه ايضا ليس لاحد ان يقول كان آدم عاصيا غاويا لوجوه . الاول قال العتبى يقال للرجل قطع ثوبا وخاطه قد قطعه وخاطه ولا يقال خائط وخياط الا اذا عاود الفعل فكان معروفا به والزلة لم تصدر من آدم الا مرة فلا تطلق عليه . والثانى ان الزلة ان وقعت قبل النبوة لم يجز بعد ان شرف الله تعالى بالرسالة اطلاقها عليه وان كانت بعد النبوة فكذلك بعد ان تاب كما لا يقال للمسلم التائب انه كافر او زان او شارب خمر اعتبارا بما قبل اسلامه وتوبته . والثالث ان قولنا عاص وغاو يوهم عصيانه فى الاكثر وغوايته عن معرفة الله والمراد فى القصة ليس ذلك فلا يطلق دفعا للوهم الفاسد . والرابع يجوز من الله ما لا يجوز من غيره كما يجوز للسيد فى ولده وعبده عند المعصية قول ما لا يجوز لغيره .
قال الحسن والله ما عصى الا بنسيان . قال جعفر طالع الجنان ونعيمها فنودى عليه الى يوم القيامة وعصى آدم ولو طالعها بقلبه لنودى عليه بالهجران الى ابد الآباد .
وفى التأويلات النجمية { وعصى آدم ربه } بصرف محبته فى طلب شهوات نفسه { فغوى } بصرف الفناء فى الله فى طلب الخلود وملك البقاء فى الجنة انتهى : وفى المثنوى
جيست توحيد خدا آموختن ... خويشتن را بيش واحد سوختن
كرهمى خواهى كه بفروزى جوروز ... هستئ همجون شب خودرا بسوز
هستيت درهست آن هستى نوز ... همجومس دركيميا اندر كداز
سئل ابن عطاء عن قصة آدم ان الله تعالى نادى عليه بمعصية واحد وسر على كثير من ذريته فقال ان معصية آدم كانت على بساط القربة فى جواره ومعصية ذريته فى دار المحنة فزلته اكبر واعظم من زلتهم .(8/209)
ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)
{ ثم اجتبيه ربه } اصطفاه وقربه بالحمل على التوبة والتوفيق لها من اجتبى الشئ بمعنى جباه لنفسه اى جمعه { فتاب عليه } اى قبل توبته حين تاب هو وزوجته قائلين { ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } { وهدى } اى الى الثبات على التوبة والتمسك باسباب العصمة .
وفيه اشارة الى انه لو وكل الى نفسه وغريزته التى جبل عليها ما كانت التوبة من شأنه ولا الرجوع الى الله من برهانه ولكن الله بفضله وكرمه اجتباه وبجذبة العناية رفاه والى حضرة الربوبية هداه وفى الحديث « لو جمع بكاء اهل الدنيا الى بكاء داود لكان بكاؤه اكثر ولو جمع ذلك الى بكاء نوح لكان اكثر » وانما سمى نوحا لنوحه على نفسه « ولو جمع ذلك كله الى بكاء آدم على خطيئته لكان اكثر »
: وفى المثنوى
خاك غم را سرمه سازم بهر جثم ... تاز كوهر برشود دوبحر جشم
اشك كان ازبهر او بارند خلق ... كوهرست واشك بندارند خلق
توكه يوسف نيستى يعقوب باش ... همجو اوبا كريه وآشوب باش
بيش يوسف نازش وخوبى مكن ... جزنياز وآه يعقوبى مكن
آخر هركريه آخر خنده ايست ... مردا آخر بين مبارك بنده ايست
قال وهب لما كثر بكاؤه امره الله بان يقول « لا اله الا انت سبحانك وبحمدك عملت سوأ وظلمت نفسى فاغفر لى انك خير الغافرين » فقالها ثم قال « قل سبحانك لا اله الا انت عملت سوأ وظلمت نفسى فارحمنى وانت خير الراحمين » ثم قال « قل سبحانك الا اله الا انت عملت سوأ وظلمت نفسى فتب علىّ انك انت التواب » .
قال ابن عباس رضى الله عنهما هن الكلمات الى تلقيها آدم من ربه .
وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لما اعترف آدم بالخطيئة قال يا رب اسألك بحق محمد ان تغفر لى فقال الله يا آدم كيف عرفت محمدا ولم اخلقه قال لانك لما خلقتنى بيدك ونفخت فىّ من روحك رفعت رأسى فرأيت على قوائم العرش فقال الله تعالى صدقت يا آدم انه لا حب الخلق الىّ فغفرت لك ولولا محمد ما خلقتك » رواه البيهقى فى دلائله .
قال بعض الكبار انه من لطفنه وكرمه عاقب آدم فى الدنيا بالمجاهدات الكثيرة بما جرى عليه من المعصية ويعاقب الجمهور فى الآخرة بما جرى عليهم من المصية فى الدنيا وفى هذا حاصية له لان عقوبة الدنيا اهون وقال مثل الشيطان مثل حية تمشى على وجه الارض الى رأس كنز وخلفها انسان ليقتلها فلما ضرباه وجد تحت ضربه كنزا فصار الكنز له وصارت الحية مقتولة وبلغ الى الامرين العظيمين البلوغ الى المأمول والفلاح من العدو فكذا شأن آدم مع الملعون دله على كنز من كنوز الربوبية غرضه العداوة والضلالة فوصل آدم الى الاجتبائية الابدية بعد الاصطفائية الازلية وبلغ الملعون الى اللعنة الازلية الابدية .(8/210)
قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)
{ قال } الله تعالى لآدم وحواء بعد صدور الزلة { اهبطا منها جميعا } اى انزلا من الجنة الى الارض هذا خطاب العتاب واللوم فى الصورة وخطاب التكميل والتشريف فى المعنى يقال هبط هبوطا اذا نزل .
قال الراغب الهبوط الانحدار على سبيل القهر كهبوط الحجر قال تعالى { وان منها لما يهبط من خشية الله } واذا استعمل فى الانسان الهبوط فعلى سبيل الاستخفاف بخلاف الانزال فان الانزال ذكره الله فى الاشياء التى نبه على شرفها كانزال القرآن والمرائكة والمطر وغير ذلك والهبوط ذكره حيث نبه على البغض نحو { وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو } وقال { فاهبط منها فما يكون لك ان تتكبر فيها } { بعضكم لبعض عدو } اى بعض اولادكم عدو لبعض فى امر المعاش كما عليه الناس من التجاذب والتحارب فيكون نظير قوله تعالى { فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء } اى جعل اولادهما وجمع الخطاب باعتبار انهما اصل الذرية ومآله بعضكم يا ذرية آدم عدو لبعض .
وفى التأويلات النجمية يشير الى انه جعل فيما بينهم العداوة لئلا يكون لهم حبيب الا هو كما قال تعالى عن ابراهيم عليه السلام { فانهم عدو لى الا رب العالمين } ولما ختص آدم منهم بالاجتباء والاصطفاء واهبطه الى الارض معهم للابتاء وعده بالاهتداء فقال { فاما يأتينكم } يا ذرية آدم وحواء { منى هدى } كتاب ورسول والاصل فان يأتينكم وما مزيدة لتأكيد معنى الشرط وما هذه مثل لام القسم فى دخول النون المؤكدة معها وانما جئ بكلمة الشك ايذانا بان اتيان الهدى بطريق الكتاب والرسول ليس بقطعى الوقوع وانه تعالى ان شاء هدى وان شاء ترك لا يجب عليه شئ ولك ان تقول اتيان الكتاب والرسول لما لم يكن لازم التحقق والوقوع ابرز فى معرض الشك واكد حرف الشرط والفعل بالنون دلالة على رجحان جهة الوقوع والتحقق { فمن اتبع هدى } اى فمن آمن بالكتاب وصدق بالرسول { فلا يضل } فى الدنيا عن طريق الدين القويم ما دام حيا { ولا يشقى } فى الآخرة بالعقاب : يعنى [ برنج نيفتد در آخرت وبعقوبت وعذاب مبتلا نشود ] .(8/211)
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)
{ ومن اعرض عن ذكرى } اى الكتاب الذاكر لى والرسول الداعى الىّ والذكر يقع على القرآن وغيره من كتب الله كما سبق { فان له } فى الدنيا { معيشة ضنكا } ضيقا مصدر وصف به مبالغة ولذلك يستوى فيه المذكر والمؤنث . والمعنى معيشة ذنك وذلك لان نظره مقصور على اغراض الدنيا وهو يتهالك على ازديادها وخائف من انتقاصها بخلاف المؤمن الطالب الآخرة مع انه قد يضيق الله عليه بشؤم الكفر ويوسع ببركة الايمان .
واعلم ان من عقوبة المعصية ضيق المعيشة والرد على النفس والاجناس والاكوان من ضيق المعيشة .
وفى التأويلات النجمية الهدى فى الحقيقة نور يقذفه الله فى قلوب انبيائه واوليائه ليهتدوا به اليه وفى الصورة العلماء السادة والمشايخ القادة بعد الانبياء والمرسلين { فمن اتبع هداى } بالتسليم والرضى والا سوة الحسنة { فلا يضل } عن طريق الحق { ولا يشقى } بالحرمان وحقيقة الهجران { ومن اعرض عن ذكرى } اى عن ملازمة ذكرى فى اتباع هداى اى اذا جاءه { فان له معيشة ضنكا } اى يعذب قلبه بذل الحجاب وسد الباب فان الذكر مفتاح القلوب والاعراض عنه سد بابها
ذكر حق مفتاح باشد اى سعيد ... تانبكشايى در جان بى كليد
جون ملك ذكر خدارا كن غذا ... اين بود دائم معاش اوليا
{ ونحشره } اى المعرض .
قال فى بحر العلوم الحشر يجئ بمعنى البعث والجمع والاول هو المراد هنا { يوم القيامة اعمى } فاقد البصر كما فى قوله تعالى { ونحشرهم يوم القيامة على وجوهم عميا وبكما وصما } وفى عرائس البقلى يعنى جاهلا بوجود الحق كما كان جاهلا فى الدنيا كما قال على رضى الله عنه من لم يعرف الله فى الدنيا لا يعرفه فى الآخرة .(8/212)
قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125)
{ قال } استئناف بيانى { رب } [ اى بروردكارمن ] { لم حشرتنى اعمى وقد كنت بصيرا } اى فى الدنيا .(8/213)
قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)
{ قال كذلك } اى مثل ذلك فعلت انت ثم فسر بقوله { اتتك آياتنا } اى آيات الكتاب او دلائل القدرة وعلامات الوحدة واضحة نيرة بحيث لا تخفى على احد { فنسيتها } اى عميت عنها وتركتها ترك المنسى الذى لا يذكر اصلا { وكذلك } اى ومثل ذلك النسيان الذى كنت فعلته فى الدنيا { اليوم تنسى } تترك فى العمى والعذاب جزاء وفاقا لكن لا ابدا كما قيل بل الى ما شاء الله ثم يزيله عنه ليرى اهوال القيامة ويشاهد مقعده من النار ويكون ذلك له عذابا فوق العذاب وكذلك البكم والصم يزيلهما الله عنهم اسمع بهم وابصر يوم يأتوننا .(8/214)
وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127)
{ وكذلك } اى ومثل ذلك الجزاء الموافق للجناية { نجزى من اسرف } فى عصيانه والاسراف مجاوزة الحد فى كل فعل يفعله الانسان وان كان ذلك فى الانفاق اشهر { ولم يؤمن بآيات ربه } اى بالقرآن وسائر المعجزات بل كذبها واعرض عنها { ولعذاب الآخرة } على الاطلاق او عذاب النار { اشد } مما نعذبهم به فى الدنيا من ضنك العيش ونحوه { وابقى } وادوم لعدم انقطاعه فمن اراد ان ينجو من عذاب الله وينال ثوابه فعليه ان يصبر على شدائد الدنيا فى طاعة الله ويجتنب المعاصى وشهوات الدنيا فان الجنة قد حفت بالمكاره وحفت النار بالشهوات كما ورد دعا الله جبريل فارسله الى الجنة فقال انظر اليها والى ما اعددت لاهلها فيها فرجع فقال وعزتك لا يسمع بها احد الا دخلها احد ثم ارسله الى النار فقال انظر اليها وما اعددت لاهلها فرجع اليه فقال وعزتك لا يدخلها احد يسمع بها فخفت بالشهوات فقال عد اليها فانظر فرجع فقال وعزتك لقد خشيت ان لا يبقى احد الا دخلها - روى - ان اهل النار اذا انتهوا الى ابوابها استقبلتهم الزبانية بالاغلال والسلاسل وتسلك السلسلة فى فيه وتخرج من دبره وتغل يده اليسرى الى عنقه وتدخل يده اليمنى فى فؤاده وتنزع من بين كتفيه ويشد بالسلاسل ويقرن كل آدمى مع شيطان فى سلسلة ويسحب على وجهه تضربه الملائكة بمقامع من حديد كلما ارادوا ان يخرجوا منها من غم اعيدوا فيها وفى الحديث « ان ادنى اهل النار عذابا الذى يجعل له نعلان يغلى منهما دماغه فى رأسه »
فعلى العاقل ان يجتنب اسباب العذاب والعمى ويجتهد ان لا يحشر اعمى واشد العذاب عذاب القطيعة من الله الوهاب
بعد حق باشد عذاب مستهين ... ازنعيم قرب عشرت سازهين
هركه ن بينا شود ازآى هو ... ما ند در تاريك مردمهاى او .(8/215)
أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128)
{ أفلم يهد لهم كم اهلكنا قبلهم من القرون } الهمزة للانكار التوبيخى والفاء للعطف على مقدره والهداية بمعنى التبيين والمفعول محذوف والفاعل هو الجملة بمضمونها ومعناها وضمير لهم للمشركين المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم . والقرون جمع قرن وهو القوم المقترنون فى زمن واحد . والمعنى اغفلوا فلم يبين لهم مآل امرهم كثرة اهلاكنا للقرون الاولى او الفاعل الضمير العائد الى الله . والمعنى أفلم يفعل الله لهم الهداية فقوله اهلكنا بيان لتلك الهداية بطريق الالتفات . ومن القرون فى محل النصب على انه وصف لممزكم اى كم قرنا كائنا من القرون { يمشون فى مساكنهم } حال من القرون اى وهم فى امن وتقلب فى ديارهم او من الضمير فى لهم مؤكدا للانكار اى أفلم يهد اهلاكنا للقرون السالفة من اصحاب الحجر وثمود وقريات قوم لوط حال كونهم ماشين فى مساكنهم مارين بها اذا سافروا الى الشام مشاهدين لآثار هلاكهم مع ان ذلك مما يوجب ان يهتدوا الى الحق فيعتبروا لئلا يحل بهم مثل ما حل باولئك .
قال الراغب المشى الانتقال من مكان الى مكان بارادة والسكون ثبوت الشئ بعد تحرك ويستعمل فى الاستيطان نحو سكن فلان مكان كذا اى استوطنه واسم المكان مسكن والجمع مساكن { ان فى ذلك } اى فى الاهلاك بالعذاب { لآيات } كثيرة واضحة الهداية ظاهرة الدلالة على الحق فاذن هو هاد وأى هاد { لاولى النهى } جمع نهية بمعنى العقل اى لذوى العقول الناهية عن القبائح وفيه دلالة على ان مضمون الجملة هو الفاعل لا المفعول : وفى المثنوى
بس سباس اوراكه ماراد درجهان ... كرد بيدا از بس بيشينيان
تاشنيديم آن سياستهالاى حق ... برقرون ماضيه اندر سبق
استخوان وبشم آن كركان عيان ... بنركيد وبند كيريد اى مهان
عاقل ازسر بنهد اين هستى وباد ... جون شنيد آنجام فرعونان وعاد
ورنه بنهد ديكران ازحال او ... عبرتى كيرند از اضلال او(8/216)
وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129)
{ ولولا كلمة سبقت من ربك } اى ولولا الكلمة المتقدمة وهى العدة بتأخير عذاب هذه الامة اى امة الدعوة الى الآخرة لحكمة تقتضيه يعنى ان الكلمة اخبار الله ملائكته وكتبه فى اللوح المحفوظ ان امة محمد وان كذبوا فسيؤخرون ولا يفعل بهم ما يفعل بغيرهم من الاستئصال لعلمه ان فيهم من يؤمن ولو نزل بهم العذاب لعمهم الهلاك { لكان } عقاب جناياتهم { لزاما } اى لزاما لهؤلاء الكفرة بحيث لا تتأخر جناياتهم ساعة لزوم ما نزل باولئك الغابرين عند التكذيب مصدر لازم وصف به للمبالغة { واجل مسمى } عطف على كلمة والفصل للاشعار باستقلال كل منهما بنفى لزوم العذاب ومراعاة فواصل الآى اى ولولا اجل مسمى لاعمارهم او لعذابهم وهو يوم القيامة او يوم بدر لما تأخر عذابهم اصلا .
واعلم ان الله تعالى حرضهم على الايمان من طريق العبرة والاستدلال رحمة منه تعالى ليعود نفعه اليهم لا له : كما قال فى المثنوى
دون خلقت الخلق كى يربح على ... لطف توفرمود اى قيوم وحى
لا لان اربح عليهم جودتست ... كه شود زوجمله ناقصها درست
وقع فى الكلمات القدسية « ا عبادى لو ان اولكم وآخركم وانسكم وجنكم كانوا على اتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك فى ملكى شيأ يا عبادى لو ان اولكم وآخركم وانسكم وجنكم كانوا على افجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكى شيأ » فعلى العاقل التمسك بكلمة التوحيد حذرا من وقوع الوعيد وفى الحديث « لتدخلن الجنة كلكم الا من ابى » قيل يا رسول الله من ذا الذى ابى قال « من لم يقل لا اله الا الله قبل ان يحل بينكم وبينها فانها كلمة التوحيد وهى العروة الوثقى وهى ثمن الجنة »
ثم ان تأخير العقوبة يتضمن لحكم منها رجوع التائب وانقطاع حجة المصر فينبغى للعاقل المكلف ان يتعظ بمواعظ القرآن الكريم ويتقى القادر الحكيم ويجتهد فى الطاعة والانقياد ولا يكون اسوء من الجماد مع ان الانسان اشرف المخلوقات وابدع المصنوعات .
عن جعفر طيار رضى الله عنه قال كنت مع النبى عليه السلام فى طريق فاشتد علىّ العطش فعلمه النبى عليه السلام وكان حذاءنا جبل فقال عليه السلام « بلغ منى السلام الى هذا الجبل وقل له يسقيك ان كان فيه ماء » قال فذهبت اليه وقلت السالم عليك ايها الجبل فقال بنطق فصيح لبيك يا رسول الله فعرضت القصة فقال بلغ سلام الى رسول الله وقل له منذ سمعت قوله تعالى { فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجار } بكيت لخوف ان اكون من الحجارة التى هى وقود النار بحيث لم يبق فىّ ماء يقال من لم ينزجر بزواجر القرآن ولم يرغب فى الطاعات فهذا اشد قسوة من الحجارة واسوء حالا من الجمادات نسأل الله تليين القلوب .(8/217)
فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130)
{ فاصبر على ما يقولون } اى اذا كان الامر على ما ذكر من ان تأخير عذابهم ليس باهمال بل امهال وانه لازم لهم البتة فاصبر على ما يقولون فيك من كلمات الكفر والنسبة الى لاسحر والجنون الى ان يحكم فيهم فان علمه عليه السلام بانهم معذبون لا محالة مما يسليه ويحمله على الصبر .
وفى التأويلات النجمية على ما يقول اهل الاعتراض والانكار لانك محتاج فى التربية الى ذلك لتبلغ الى مقام الصبر انتهى .
قال بعضهم هذا منسوخ بآية السيف .
وفى الكبير هذا غير لازم لجواز ان يقاتل ويصبر على ما يسمع منهم من الاذى .
قال الراغب الصبر حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع او عما يقتضيان حبسها عنه فالصبر لفظ عام وربما خولف بين اسمائه بحسب اختلاف مواقعه فان كان حبس النفس لمصيبة يسمى صبرا لا غير ويضاده الجزع وان كان فى محاربة سمى شجاعة ويضاده الجبن وان كان فى نائبة سمى رحب الصدر ويضاده الضجر وان كان فى امساك الكلام سمى كتمانا ويضاده البذل وقد سمى الله تعالى كل ذلك صبرا ونبه عليه بقوله { والصابرين فى البأساء والضراء } وقال تعالى { والصابرين على ما اصابهم والصابرين والصابرات } ويسمى الصوم صبرا لكونه كالنوع له { وسبح } ملتبسا { بحمد ربك } اى صل حامدا لربك على هدايته وتوفيقه بطريق اطلاق اسم الجزء على الكل لان التسبيح وذكر الله تعالى يفيد السلوة والراحة وينسى جميع ما اصاب من الغموم والاحزان { ألا بذكر الله تطمئن القلوب } { قبل طلوع الشمس } المراد صلاة الفجر وفى الخبر { ان الذكر والتسبيح الى طلوع الشمس افضل من اعتقا ثمانين رقبة من ولد اسماعيل خص اسماعيل غروبها بعد زوالها { ومن آناء الليل } اى بعض ساعاته جمع انى بالكسر والقصر كمعى وامعاء واناء بالفتح والمد { فسبح } فصل والمراد المغرب والعشاء وتقديم الوقت فيهما لاختصاصهما بمزيد الفضل فان القلب فيهما اجمع والنفس الى الاستراحة اميل فتكون العبادة فيها اشق { واطراف النهار } امر بالتطوع اجزاء النهار .
وفى العيون هو بالنصب عطف على ما قبله من الظروف اى سبح فيها وهى صلاة المغرب وصلاة الفجر على التكرار لارادة الاختصاص كما فى قوله تعالى { حافظوا على الصوات والصلاة الوسطى } صلاة العصر عند بعض المفسرين .
وفى الجلالين قبل غروبها صلاة العصر واطراف النهار صلاة الظهر فى طرف النصف الثانى ويسمى الواحد بسم الجمع .
وقال الطبرى قبل غروبها وهى العصر ومن آناء الليل هى العشاء الآخرة واطراف النهار الظهر والمغرب لان الظهر فى آخر الطرف الاولى من النهار وفى اول الطرف الثانى فكأنها بين طرفين والمغرب فى آخر الطرف الثانى فكانت اطرافا انتهى . وبهذا احتج الشيخ ابو القاسم الفزارى فى الاسئلة المقحمة وقد مضى ما يناسب هذه الآية فى اواخر سورة هود وسيأتى فى سوررة ق ايضا { لعلك ترضى } متعلق بسبح اى سبح فى هذه الاوقات رجاء ان تنال عنده تعالى ما ترضى به نفسك ويسر به قلبك .(8/218)
وقال الكاشفى [ خوشنودى در اصح اقوال بكرامتئ ما شدكه خداى تعالى اورا عطا دهد وآن شفاعت امتست ونكته { ولسوف يعطيك ربك فترضى } تقويت اين قول ميكند ]
امت همه جسمند وتويى جان همه ... ايشان همه آن تو وتوآن همه
خوشنودئ توجست خدادرمحشر ... خوشنود نه مكر بغفران همه
واعلم ان الاشتغال بالتسبيح استنصار من المسبح للنصر على المكذبين وان الصلاة اعظم ترياق لازالة الالم ولذا كان النبى عليه السلام اذا حزبه امر فزع الى الصلاة وكان آخر ما اوصى به الصلاة وما ملكت ايمانكم والآية جامعة لذكر الصلوات الخمس .
عن جرير بن عبد الله كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى القمر ليلة البدر فقال « انكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامّون فى رؤيته فان استطعتم ان لا تغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ وصبح بحمد ربك » الآية قوله لا تضامون بتشديد الميم من الضم اى لا يضم بعضكطم بعضا ولا يقول ارنيه بل كل ينفرد برؤيته فالتاء مفتوحة والاصل تتضامون حذفت منه احدى التاءين وروى بتخفيف الميم من الضيم وهو الظلم فالتاء مضمومة يعنى لا ينالكم ضيم بان يرى بعضكم دون بعض بل تستوون كلكم فى رؤيته تعالى وفى الحديث « ان اثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر ولو يعلمون ما فيهما لاتوهما ولو حبوا » يقال من دوام على الصلوات الخمس فى الجماعة يرفع الله عنه ضيق العيش وعذاب القبر ويعطى كتابه بيمينه ويمر على لاصراط كالبرق ويدخل الجنة بيغر حساب ومن تهون فى الصلاة فى الجماعة يرفع الله البركة من رزقه وكسبه وينزع سيما الصالحين من وجهه ولا يقبل منه سائر عمله ويكون بغضيا فى قلوب الناس ويقبض روحه عطشان جائعا يشق نزعه ويبتلى فى القبر بشدة مسألة منكر ونكير وظلمة القبر وضيقه وبشدة الحساب وغضب الرب وعقوبة الله فى النار وفى الحديث « امتى امة مرحومة وانما يدفع الله عنهم البلاء باخلاصهم وصلواتهم ودعائهم وضعفائهم » وعن قتادة ان دانيال النبى عليه السلام نعت امة محمد فقال يصلون صلاة لو صلاها قوم نوح ما اغرقوا ولو صلاها قوم عاد ما ارسلت عليه الريح ولو صلاها ثمود ما اخذتهم الصيحة فعلى المؤمن ان لا ينفك عن الصلاة والدعاء والالتجاء الى الله تعالى .(8/219)
وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)
{ ولا تمدن عينيك } اصل المد الجر ومنه المدة للوقت الممتد واكثر ما جاء الامداد فى المحبوب والمد فى المكروه نحو امددناهم بفاكهة ونمد له من العذاب مدا والعين الجارحة بخلاف البصر ولذا قال تعالى فى الحديث القدسى « كنت له سمعا وبصرا » دون اذنا وعينا والمعنى لا تطل نظرهما بطريق الرغبة والميل .
وقال بعضهم مد النظر تطويله وان لا يكاد يرده استحسانا للمنظور اليه واعجابا به وتمنيا ان له مثله .
وفيه دليل على ان النظر الغير الممدود معفو عنه لانه لا يمكن الاحتراز منه وذلك ان يباده الشئ بالنظر ثم يغض الطرف ولما كان النظر الى الزخارف كالمركوز فى الطباع وان من ابصر مناه شيأ احب ان يمد اليه نظره ويملأ عينيه قيل له عليه السلام { لا تمدن عينيك } اى لا تفعل ما عليه جبلة البشر .
قال الكاشفى ابو رافع رضى الله عنه نقل ميكندكه مهمانى نزد بيغمبر آمد ودرخانه جيزى نبودكه بدان اصلاح شان مهمان توانستى نمود ممر بنزديك يكى ازيهود فرستاد وكفت اورا بكوكه محمد رسول الله ميكويدكه مهمانى بمنزل ما نزول نموده ونمى يابيم نزديك خود جيزى كه بدان اصلاح شان مهمان توانستى نمود ونمى يابيم نزديك خود جيزى كه بدان شرائط ضيافت بتقديم رسد اين مقدار آرد بما بفروش ومعامله كن تاهلال رجب جون وقت برسدبها بفرستم من بيغام به يهودى رسانيدم واوكفت نمى فروشم ومعامله نميكنم مكر آنكه جيزى دركرو من نهيد من باحضرت مراجعت نمودم وصورت حال بازكفتم حضرت فرمود والله انى لامين فى السماء وامين فى الارض اكر بامن معامله كردى البتة حق اورا ادا كردمى بس زره خود بمن داد تانزديك او كرو كردم اين آيت جهت تسليت دل مبارك وى نازل شد { ولا تمدن عينيك } وباز مكش نظر جشمهاى خودرا يعنى منكر ] { الى ما متعنا به } نفعنا به من زخارف الدنيا ومنه متاع البيت لما ينتفع به واصل المتوع الامتداد والارتفاع يقال منع النهار ومتع النبات ارتفع والمتاع انتفاع ممتد الوقت : والمعنى بالفارسية [ بسوى آن جيزى كه برخوردار كردانيديم بدان جيزى ] .
وفى الكبير الذ ذنابه والامتاع الالذاذ بما يدرك من المناظر الحسنة ويسمع من الاصوات المطربة ويشم من الريح الطيبةوغير ذلك من الملابس والمناكح { ازواجا منهم } اى اصنافا من الكفرة كالوثنى يدل عليه متعنا اى اعطنا زينة الدنيا وبهجتها ونضارتها وحسنها .
قال الواسطى هذه تسلية للفقراء وتعزية لهم حيث منع خير الخلق عن النظر الى الدنيا على وجه الاستحسان { لنفتنهم فيه } اى لنعاملهم فيما اعطينا معاملة من نبتليهم حتى يستوجبوا العذاب نزيلد لهم النعمة فيزيدوا كفرا وطغيانا فمن هذه عاقبته لا بد من التنفر عنه فانه عند الامتحان يكرم الرجل او يهان .(8/220)
وقد شدد العلماء من اهل التقوى فى وجوب غض البصر عن الظلمة وعدد الفسقة فى ملابسهم ومراكبهم حتى قال الحسن لا تنظروا الى دقدقة همليج الفسقة ولكن انظروا كيف يلوح ذل المعصية من تلك الرفات وهذا لانهم اتخذوا هذه الاشياء لعيون النظارة فالناظر اليها محصل لغرضهم ومغر لهم على اتخاذها وفى الحديث « ان الدنيا » اى صورتها ومتاعها « حلوة » شيرين « خضرة حسنة فى المنظر تعجب الناظر » وانما وصفها بالخضرة لان العرب تسمى الشئ الناعم خضراء ولتشبيهها بالخضروات فى سرعة زوالها وفيه بيان كونها غرارة تفتن الناس بحسنها وطعمها : قال الخجندى
جهان وجمله لذاتش بزنبور عسل ماند ... كه شيرينيش بسيارست وزان افزون شر وشورش ... وفى المثنوى
هركه از ديدار بر خوردار شد ... اين جهان درجشم او مردار شد
وقال الحافظ
ازره مرو بعشوه دنيى كه اين عجوز ... مكاره مى نشيند ومحتاله مى رود
وقال خوش عروسيست جهان ازره سورت ليكن ... هركه بيوست بدو عمر خودش كابين داد
{ وان الله مستخلفكم فيها } اى جاعلكم خلفاء فى الدنيا يعنى ان اموالكم ليست هى فى الحقيقة لكم وانما هى لله تعالى جعلكم فى التصرف فيها بمنزلة الوكلاء { فاظر كيف تعلمون } اى يتصرفون .
وعن عيسى بن مريم عليه السلام لا تتخذوا الدنيا ربا فتتخذكم لها عبيدا .
وفى التأويلات النجمية يشير بقوله { ولا تمدن عينيك } الى عينى البصر والبصيرة وهما عين الرأس وعين القلب واختص النبى عليه السلام بهذا الخطاب واعتز بهذا العتبا لمعنيين احدهام لانه مخصوص من جميع الانبياء بالرؤية ورؤية الحق لا تقبل الشرك كما ان اللسان بالتوحيد لا يقبل الشرك والقلب بالذكر لا يقبل الشرك او قال اذكر ربك اذا نسيت اى بعد نسيان ما سواه فكذلك الرؤية لا تقبل الشرك وهو مد العينين { الى ما متعنا به ازواجا منهم زهرة الحياة الدنيا } وهو الدنيا والآخرة لكن اكتفى بذكر الواحد عن الثانى والازواج اهل الدنيا والآخر اى اعسل عينى ظاهرك وباطنك بماء العزة عن وصمة رؤية الدنيا والآخرة لاستحقاق اكتحالهما بنور جلالنا لرؤية جمالنا وانما متعنا اهل الدارين بهما عزة لحضرة جلالنا { لنفتنهم فيه } باشتغالهم بتمتعات الدارين عن الوصول الى كمال رؤية جمالنا .
قيل قرئ عند الشبلى قدس سره { اصحاب الجنة اليوم فى شغل فاكهون } فشهق شهقة وقال مساكين لا يدرون عمن شغلوا حين شغلوا رورزق ربك } اى ما ادخر لك فى الآخرة من الثواب او ما اوتيته من يسير الكفاية مع الطاعة والرزق يقال للعطاء دنيويا كان او اخرويا وللنصيب تارة لوما يوصل الى الجوف ويتغذى به تارة { خير } لك مما منحهم فى الدنيا لانه مع كونه فى نفسه اجل ما يتنافس فيه المتنافسون مأمون الغائلة بخلاف ما منحوه { وابقى } فانه لا يكاد ينقطع ابدا .(8/221)
قال الكاشفى [ در كشف الاسرار آورزده كه زهر درلغت شكوفه است حق سبحانه وتعالى دنيارا شكوفه خواند زبراكه تروتا زكئ اودوسه روزه بيش نباشد در اندك فرصتى بزمرده كردد ونيست شود
مال جهان بباغ تنعم شكوفه ايست ... كاول بجلوه دل بربايد زاهل حال
يكهفته نكذردكه فرو ريزد ازدرخت ... برخاك ره شود جوخس وخاك بايمال
اهل كمال در دل خود جا جرا دهند ... آنراكه دميدم زبى است آفت زوال
فعلى العاقل ان يختار الرزق الذى هو الباقى ولا يلتفت الى النعيم الذى هو الفانى وينع بما فى يده من القوت الى ان يموت : قال الشيخ سعدى قدس سره
كر آزاده برزمين خسب وبس ... مكن بهر فانى زمين بوس كس
نيرزد عسل جان من زخم نيش ... قناعت نكوتر بدوشاب خويش
خداوند زان بنده خرسند نيست ... كه راضى بقسم خداوندنيست
مبندار جون سركه خود خورم ... كه جور خداوند حلو برم
قناعت كن اى نفس براندكى ... كه سلطان ودرويش بينى يكى
كند مردرا نفس امارة خوار ... اكر هو شمندى عزيزش مدار
ثم ان الرزق المعتبر غاية الاعتبار ما صار غذاء للروح القدسى من العلم والحكمة والفيض الازلى والتجلى : وفى المثنوى
فهم نان كردى نه حكمت اى رهى ... زانكه حقت كفت كلوا من رزقه
رزق حق حكمت به بود درمرتبت ... كان كلو كيرت نباشت عاقبت
اين دهان بستى دهانى بازسد ... كه خورنده لقمهاى رازشد
كر زشير ديوتن را وابرى ... در فطام او بسى نعمت خورى(8/222)
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)
{ وأمر اهلك بالصلاة } يعنى كما امرناك بالصلاة فأمر انت اهل بيتك فان الفقير ينبغى ان يستعين بها على فقره ولا يهتم بامره المعيشة ولا يلتفت الى جانب اهل الغنى { واصطبر عليها } وداوم انت وهم عليها غير مشتغل بامر المعاش فكان النبى صلى الله عليه وسلم يذهب الى فاطمة وعلى كل صباح ويقول { الصلاة } كان يفعل ذلك اشهرا .
قال فى عرائس البقلى الاصطبار مقام المجاهدة والصبر مقام المشاهدة .
قال ابن عطاء اشد انواع الصبر الاصطبار وهو السكون تحت موارد البلاء بالسر والقلب والصبر بالنفس لا غير { لا نسئلك رزقا } اى لا نكلفك ان ترزق نفسك ولا هلك انما نسألك العبادة { نحن نرزقك } واياهم ففرغ بالك لامر الآخرة فان من كان فى عمل الله كان الله فى عمله { والعاقبة } الحميدة وهى الجنة فان اطلاقها يختص بالثواب : وبالفارسية [ وسر انجام بسديده ] { للتقوى } اى لاهل التقوى يعنى لك ولمن صدقك لا لاهل الدنيا هى مع الآخرة لا تجتمعان فهو على حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه تنبيها على ان ملاك الامر هو التقوى وهو ذم النفس والجوارح عن جميع ما يقبحه العلم - روى - انه عليه السلام كان اذا اصابه اهله ضر امرهم بالصلاة وتلا هذه الآية .
قال وهب بن منب ان الحوائج لم تطلب من الله تعالى بمثل الصلاة وكانت الكرب العظام تكشف عن الاولين بالصلاة وقلما نزلت باحد منهم كرب الا وكان مفزعه الى الصلاة وقال الله تعالى فى قصة يونس { فلولا انه كان من المسبحين } قال ابن عباس رضى الله عنهما يعنى من المصلين للبث فى بطنه الى يوم يبعثون يعنى لبقى فى بطن الحوت الى يوم القيامة .
وعن الشافعى رحمه الله اخذا من هذه الآية لم ار انفع للوباء من التسبيح .
قال يحيى بن معاذ رحمه الله للعابدين اردية يسكونها من عند الله سداها الصلاة ولحمتها الصوم وصلاة الجسد الفرائض والنوافل وصلاة النفس عروجها من حضيض البشرية الى ذروة الروحانية وخروجها عن اوصافها لدخولها الجنة المشرفة بالاضافة الى الحضرة بقوله { فادخلى فى عبادى وادخلى جنتى } وصلاة القلب دوام المراقب ولزوم المحاضرة كقوله { الذين هم فى صلواتهم خاشعون } وصلاة السر عدم الالتفات الى ما سوى الله تعالى مستغرقا فى بحر المشاهدة كما يقال كما قال عليه السلام « اعبد الله كأنك تراه » وصلاة الروح فناؤه فى الله وبقاؤه بالله كما قال تعالى { من يطع الرسول فقد اطاع الله } لانه الفانى عن نفسه الباقى بربه فمن صلى هذه الصلاة اغناه الله عما عند الناس ورزقه مما عنده كما قال تعالى { ووجدك عائلا فاغنى } ومن هنا كان يقول صلى الله عليه وسلم « ابيت عند ربى يطعمنى ويسقينى »
نيست غير نور آدم را خورش ... جانرا جزآن نباشد برورش
جون خورى يكبار ازان ماكول نور ... خاك ريزى بر سر نان تنور(8/223)
وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (133) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134)
{ وقالوا } يعنى كفار قريش { لولا } هلا { يأتينا } [ جرا نمى آرد محمد براى ما ] { بآية } مما اقترحنا نحن ومن نعتد به { من ربه } كموسى وعيسى ليكون علامة لنبوته بلغوا من العناد الى حيث لم يعدوا ما شاهدوا من المعجزات من قبيل الآيات حتى اجترأوا على التفوه بهذه الكلمة العظيمة { أو لم تأتهم بينة ما فى الصحف الاولى } الهمزة لانكار الوقوع والواو للعطف على مقدر والبينة الدلالة الواضحة عقلية كانت او حسية والمراد هنا القرآن الذى فيه بيان للناس وما عبارة عن العقائد الحقية واصول الاحكام التى اجتمعت عليها كافة الرسل . والصحف جمع صحيفة وهى التى يكتب فيها وحروف التهجى صحيفة على حدة مما انزل على آدم والمراد بها التوراة والانجيل والزبور وسائر الكتب السماوية . والمعنى ألم يأتهم سائر الآيات ولم تأتهم خاصة بينة ما فى الصحف الاولى اى قد اتاهم آية هى ام الآيات واعظمها فى باب الاعجاز وهو القرآن الذى فيه بيان ما فى الكتب الالهية وهو شاهد بحقية ما فيها وبصحة ما ينطق من انباء الامم من حيث انه غنى باعجازه عما يشهد بحقيته حقيق باثبات حقية غيره فاشتماله على زبدة ما فيها مع ان الآتى به امى لم يرها ولم يتعلم ممن علمها اعجاز بين .
ثم بين انه لا عذر لهم فى ترك الشرائع وسلوك طريق الضلالة بوجه ما فقال { ولو انا اهلكناهم } فى الدنيا { بعذاب } مستأصل { من قبله } متعلق باهلكنا اى من قبل اتيان البينة عن العبث لوجود المفسر ثم ابدل من الضمير المتصل وهو الفاعل ضمير منفصل وهو انا لنعتذر الاتصال لسقوط ما يتصل به فانا فاعل الفعل المحذوف لا مبتدأ ولا تأكيد اذ لم يعهد حذف المؤكد والعامل مع بقاء التأكيد { لقالوا } يوم القيامة احتجاجا { ربنا لولا ارسلت } [ جرا ففر ستادى ] { الينا } فى الدنيا { رسولا } مع كتاب { فنتبع آياتك } التى انزلت معه { من قبل ان نذل } بذل الضلاة وعذاب القتل والسبى فى الدنيا كما وقع يوم بدر والذل الهوان وضد الصعوبة .
وقال الراغب الذل ما كان من قهر والذل ما كان بعد تصعب وشماس من غير قهر وقوله تعالى { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } اى كن كالمقهور لهما { ونخزى } بعذاب الآخرة ودخول النار اليوم : وبالفارسية [ ورسوا كنيم درقيامت بدخول درآتش ] .
قال الراغب خزى الرجل لحقه انكسارا ما من نفسه واما من غيره فالذى يلحقه من نفسه هو الحياء المفرط ومصدره الخزاية والذى يلحقه من غيره يقال هو ضرب من الاستخفاف ومصدره الخزى . والمعنى ولكنا لم نهلكهم قبل اتيانها فانقطعت معذرتهم فعند ذلك اعترفوا وقالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شئ .
قال فى الاسئلة المقحمة هذا يدل على انه يجب على الله ان يفعل ما هو الاصلح لعباده المكلفين اذ لو لم يفعل لقامت لهم عليه الحجة بان قالوا هلا فعلت بنا ذلك حتى نؤمن والجواب لو كان يجب عليه ما هو الاصلح لهم لما خلقهم فليس فى خلقه اياهم وارسال الرسل اليهم رعاية الاصلح لهم مع علمه بانهم لا يؤمنون به ولكنه ارسل الرسل واكد الحجة وسلب التوفيق ولله تعالى ما يشاء بحق المالكية .(8/224)
قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى (135)
{ قل } لاولئك الكفرة المتمردين { كل } اى كل واحد منا ومنكم { متربص } انتظار الامر او زواله منتظرا لما يؤول اليه امرنا وامركم .
قال الكاشفى [ ييعنى شما نكبت ماراجثم ميداريد وما عقوبت شمارا ] .
قال فى الكبير كل منا ومنكم منتظر عاقبة امره اما قبل الموت بسبب الجهاد وظهور الدولة والقوة او بعد الموت بالثواب والعقاب وبما يظهر على المحق من انواع كرامة الله وعلى المبطل من انواع اهانته - روى - ان المشركين قالوا نتربص بمحمد حوادث الدهر فاذا مات تخلصنا فقال تعالى { فتربصوا } انتم { فستعلمون } عن قريب اذا جاء امر الله { من اصحاب الصراط السوى } المستقيم . والاصحاب جمع صاحب بمعنى الملازم . والصراط من السبيل ما لا التواء فيه اى لا اعوجاج بل يكون على سبيل القصد { ومن اهتدى } من الضلال اى أنحن ام انتم كما قال بعضهم
سوف ترى اذا انجلى الغبار ... أفرس تحتك ام حمار
وفيه تهديد شديد لهم .
قال الكاشفى [ مراد حضرت بيغمبرست كه هم راه يافته وهم راه نماينده است ]
دان وراه بين وراه بر ... در حقيقت نيست جزخير البشر
وفى الآية اشارة الى المهتدين بالوصول اليه بقطع المنازل والانفصال عما سواه والمنقطعين عنه باتصال غيره كما قال الخجندى
وصل ميسر نشود جز بقطع ... قطع نخست ازهمه ببريدنست
واعلم ان الله تعالى قطع المعذرة بالامهال والارشاد فلله الحجة البالغة .
وعن ابى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال قال عليه سلم « يحتج على الله ثلاثة الهالك فى الفترة يقول لم يأتنى رسول الله وتلا لولا ارسلت الينا رسولا والمغلوب على عقله يقول لم تجعل لى عقال انتفع به ويقول الصغير كنت صغيرا لا اعقل فترفع لهم نار ويقال ادخولها فيدخلها من كان فى علم الله انه سعيد وينكل عنها من كان فى علمه انه شقى فيقول الله اياى عصيتم فكيف برسلى لو أتوكم » كما فى التفسير الكبير وفى الحديث « لا يقرأ اهل الجنة من القرآن الا سورة طه ويس » كما فى الكشاف .(8/225)
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1)
{ اقترب للناس حسابهم } يقال قرب الشئ واقترب اذا دنا وقربت منه ولذا قال فى العيون اللام بمعنى من وهى متعلقة بالفعل وتقديمها على الفاعل للمسارعة الى ادخال الروعة فان نسبة الاقتراب اليهم من الول الامر مما يسوؤهم ويورثهم رهبة وانزعاجا من المقترب والمراد بالناس المشركون المنكرون للبعث من اهل مكة كما يفصح عنه ما بعده من الغفلة والاعراض ونحوهما . والحساب بمعنى المحاسبة وهو اظهار ما للبعد وما عليه ليجازى على ذلك والمراد باقتراب حسابهم اقترابه فى ضمن اقتراب الساعة وسمى يوم القيامة بيوم الحساب تسمية للزمان باعظم ما وقع فيه واشده وقعا فى القلوب فان الحساب وهو الكاشف عن حال المرء ومعنى اقترابه لهم تقاربه ودنوه منهم بعد بعده عنهم فانه فى كل ساعة من ساعات الزمان اقرب اليهم من الساعة السابقة مع ان ما مضى اكثر مما بقى وفى الحديث « اما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الامم كما بين صلاة العصر الى غروب الشمس » وانما لم يعين الوقت لان كتمانه اصلح كوقت الموت . والمعنى دنا من مشركيى قريش وقت محاسبة الله اياهم على اعمالهم السيئة الموجبة للعقاب يعنى القيامة .
وقال الكاشفى نقلا عن بعض [ نزديك شد وقت مؤاخذت وياد داشت ايشان كه قتل وكرفتارئ روز بدرست ] .
يقول الفقير هذا هو الاظهر عندى لان زمان الموت متصل بزمان القيامة فاقتراب وقت مؤاخذتهم بالقتل ونحوه فى حكم اقتراب وقت محاسبتهم بالقيامة ومثله من مات فقد قامت قيامته { وهم فى غفلة } الغفلة سهو يعترى من قلة التحفظ والتيفظ اى والحال انهم فى فغلة تامة من الحساب على النقير والقطمير والتأهب له ساهون عنه بالكلية لا انهم غير مبالين مع اعرتفاهم باتيانه بل منكرون له كافرون به مع اقتضاء عقولهم لان الاعمال لا بدلها من الجزاء والالزم التسوية بين المطيع والعاصى وهى بعيدة عن مقتضى الحكمة والعدالة { معرضون } عن الايمان والآيات والنذر المنبهة لهم من سنة الغفلة يقال اعرض اى ولى مبديا عرضه اى ناحيته وهما خبران للضمير وحيث كانت الفغلة امرا جبليا لهم جعل الخبر الاول ظرفا مبنا عن الاستقرار بخلاف الاعراض والجملة حال من الناس .
وفى التأويلات النجيمة واذا نصحهم ناصح واقف على احوالهم فهم معرضون عن استماع قوله ونصيحته كما قال { ولكن لا تحبون الناصحين } قال الشيخ سعدى
كسى راكه بندار در سر بود ... بمندار هركز كه حق بشنود
زعلمش ملال آيداز وعظ ننك ... شقائق بباران زويد زسنك
وفى العرائس للبقلى ان الله تعالى حذر الجمهور من مناقشته فى الحساب وزجرهم حتى ينتهوا عن رقاد الغفلات وقرب الحساب اقرب من كل شئ منهم لو يعلمون فانه تعالى يحاسب العباد فى كل لمحة ونفس وحسابه ادق من الشعر واخفى من دبيب النمل على الصفا ولا يعرف ذلك الا المراقبون الذين يحاسبون فى كل نفس وخطوة وهم فى غفلة وفى حجاب عن مشاهدة الله معرضون عن طاعته اذ لا حظ لهم فى الطاعات ولا شرب لهم فى المشاهدات . د(8/226)
مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2)
{ ما يأتيهم من ذكر } من طائفة نازلة من القرآن تذكرهم الحساب اكمل تذكير وتنبههم عن الغفلة اتم تنبيه كأنها نفس الذكر { من ربهم } من الابتداء الغاية مجازا متعلقة بيأتيهم وفيه دالة على فضله وشرفه وكمال شناعة ما فعلوا به { محدث } بالجر صفة لذكر اى محدث تنزيله بحسب اقتضاءه الحكمة لتكرره على اسماعهم للتنبيه كى يتعظون فالمحدث تنزيله فى كل وقت على حسب المصالح وقدر الحاجة لا الكلام الذى هو صفة قديمة ازلية وايضا الموصوف بالاتياء وبانه ذكر هو المركب من الحروف والاصوات وحدوثة مما لا نزاع فيه قالوا القرآن اسم مشترك يطلق على الكلام الازلى الذى هو صفة الله وهو الكلام النفسى القديم من قال بحدوثه كفر ويطلق ايضا على ما يدل عليه وهو النظم المتلو الحادث من قال بقدمه سجل على كمال جهله { الا استمعوه } استثناء مفرغ محله النصب على انه حال من مفعلو يأتيهم باضمار قد { وهم يلعبون } حال من فاعل استمعوه يقال لعب اذا كان فعل غير قاصد به مقصدا صحيحا .(8/227)
لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3)
{ لاهية قلوبهم } حال اخرى يقال لها عنه اذا ذهل وغفل .
قال الراغب اللهو ما يشغل الانسان عما يعنيه ويهمه يقال لهوت بكذا ولهيت بكذا اشتغلت عنه بلهو ألهاه عن كذا شغله عما هواهم . والمعنى ما يأتيهم ذكر من ربهم محدث فى حال من الاحوال الاحال استماعهم اياه لاعبين مستهزئين به لاهين عنه متشاغلين عن التأمل فيه لتناهى غفلتهم وفرط اعراضهم عن النظر فى الامور والتفكر فى العواقب قدم اللعب على اللهو تنبيها على انهم انما قدموا على اللعب لهذولهم عن الحق فاللعب الذى هو السخرية والاستهزآء نتيجة اللهو الذى هو الغفلة عن الحق والذهول عن التفكر .
قال بعضهم القلب اللاهى هو المشغول باحوال الدنيا والغافل عن احوال العقبى .
قال الواسطى لاهية عن المصادر والموارد والمبدأ والمنتهى
يا الهى بحود نامتناهى ... ازسوا دوركن دل لاهى
{ واسروا النجوى } النجوى فى الاصل : بالفارسية [ راز كفتن ] ثم جعل اسما من التناجى بمعنى القول الواقع بطريق المسارة اى السر بين اثنين فصاعدا يقال تناجى القوم اذا تارّوا وتكالموا سرا عن غيرهم .
قال الراغب ناجيته ساررته واصله ارتحلوا به فى نجوه من الارض اى المرتفع المنفصل برتفاعه عما حوله ومعنى اسرارها مع انها لا تكون الا سرا انهم بالغوا فى اخفائها { الذين ظلموا } على انفسهم بالشرك والمعصية بدل من واو اسروا منبئ عن كونهم موصوفين بالظلم الفاحش فيما اسروا به كأنه قيل فماذا قالوا فى نجواهم فقيل قالوا { هل هذا } هل بمعنى النفى اى ما محمد { الا بشر مثلكم } لحم ودم مساو لكم فى المأكل والمشرب وكل ما يحتاج اليه البشر والموت مقصور على البشرية ليس له وصف الرسالة التى يدعيها والبشر ظاهر الجلد والادمة باطنة عبر عن الانسان بالبشر اعتبارا بظهور جلده من الشعر بخلاف الحيوانات التى عليها الصوف والشعر والوبر واستوى فى لفظ البشر الواحد والجمع وخص فى القرآن كل موضع عبر عن الانسان جثته وظاهره يلفظ البشر { أفتأتون السحر } الهمزة للانكار والفاء للعطف على مقدر { وانتم تبصرون } حال من فاعل تأتون مقررن للانكار ومؤكدة للاستبعاد اى ما هذا الا من حسنكم وما اتى به يعنون القرآن سحر أتعلمون ذلك فتأتونه وتحضرونه على وجه الاذعان والقبول وانتم تعاينون انه سحر قالوه لاعتقادهم ان الرسول لا يكون الا ملكا وان كل ما يظهر على يد البشر من الخوارق من قبيل السحر اى الخداع والتخييلات التى لا حقيقة لها .
قال الامام طعنوا فى نبوته بانه بشر وما اتى به سحر وهو فاسد اذ صحة النبوة تعرف من المعجزة لا من الصورة ولو بعث الملك اليهم لم يعلموا نبوته بصورته بل بالمعجزة فاذا ظهر على يد بشر وجب قبوله
لوح صورت بشوى ومعنى جو ... كه صور برك شد معانى بو
وانما اسروا ذلك لما كان هذا الحديث منهم على طريق التشاور فيما بينهم والتحاور فى طلب الطريق الى هدم امر النبوة واطفاء الدين وعادة المتشاورين ان يجتهدوا فى كتمان سرهم عن اعدائهم ما امكن ومنه قول معاذ رفعه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم « استعينوا على نجاح الحوائج بالكتمان فان كل ذى نعمة محسود(8/228)
قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4)
{ قال } الرسول عليه السلام بعدما اوحى اليه اقوالهم واحوالهم بيانا لظهور امرهم وانكشاف سرهم { ربى يعلم القول } سرا كان او جهرا حال كون ذلك القول { فى السماء والارض } فضلا عما اسروا به واذا علم القول علم الفعل { وهو السميع العليم } اى المبالغ فى العلم بالمسموعات والمعلومات الى من جملتها ما اسروه من النجوى فيجازيهم باقوالهم وافعالهم .(8/229)
بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5)
{ بل قالوا اضغاث احلام } لاختلاطها كما فى القاموس . والحلم بضم الحاء وسكون اللام الرؤيا وضم اللام ايضا لغة فيه طريق اضافة الخاص الى العام اضافة بمعنى من وقد تخص الرؤيا بالمنام الحق والحلم بالمنام الباطل كما فى قوله عليه السلام « لرؤيا من الله والحلم من الشيطان » ثم ان هذا اضراب من جهته تعالى وانتقال من حكاية قول الى آخر اى لم يقتصروا على ان يقولا فى حقه عليه السلام { هل هذا الا بشر } وفى حق ما ظهر على يده من القرآن الكريم انه سحر بل قالوا تخاليط احلام اى اخلاط احلام كاذبة رآها فى المنام { بل افتراه } من تلقاء نفسه من غير ان يكون له اصل او شبه اصل ثم قالوا { بل هو شاعر } وما اتى به شعر يخيل الى السامع معانى لا حقيقة لها وهذا شأن المبطل المحجوج متحير لا يزال يتردد بين باطل وابطل فالاضراب الاول كما ترى من جهته تعالى والثانى والثالث من قبلهم .
قال الراغب شعرت اصبت الشعر ومنه استعير شعرت كذا اى علمت علما فى الدقة كاصابة الشعر قيل وسمى الشاعر لفظنته ودقة معرفته فالشعر فى الاصل اسم للعلم الدقيق فى قولهم ليت شعرى وصار فى التعارف اسما للموزون المقفى من الكلام والشاعر للمختص بصناعته وقوله تعالى حكاية عن الكفار { بل هو شاعر } كثير من المفسرين حملوه على انهم رموه بكونه آتيا بشعر منظوم مقفى حتى تأولوا عليه ما جاء فى القرآن من كل لفظة تشبه الموزون من نحو قوله { وجفان كالجواب وقدور راسيات } وقوله تعالى { تبت يدا ابى لهب } وقال بعض المحققين لم يقصدوا هذا المقصد فيما رموه به وذلك انه ظاهر من هذا الكلام انه ليس على اساليب الشعر ولا يخفى ذلك على الاغتام من العجم فضلا عن بلغاء العرب وانما رموه بالكذب فان الشعر يعبر به عن الكذب والشاعر الكاذب حتى سمعوا الادلة الكاذبة بالشعر ولكون الشعر مقر الكذب . قيل احسن الشعر أكذبه . وقال بعض الحكماء لم ير متدين صادق اللهجة مفلقا فى شعره
در قيامت نرسد شعر بفرياد كسى ... كرسراسر سخنش حكمت يونان كردد
واما قول صاحب المثنوى
از كرامات بلند اولياء ... اولا شعرست وآخر كيميا
فالمراد به القدرة على انساء الكلام الموزون وليس من مقتصاها التكلم { فليأتنا بآية } جواب شرط محذوف يفصح عنه السياق كأنه قيل وان لم يكن كما قلنا بل كان رسولا من الله فليأتنا بآية جليلة { كما ارسل الاولون } اى مثل الآية التى ارسل بها الاولون كاليد والعصا واحياء الموتى والناقة ونظائرها حتى نؤمن به فما موصولة وعائدها محذوفة ومحل الكافر الجر على انها صفة الآية(8/230)
مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6)
{ ما آمنت قبلهم } قبل مشركى مكة { من قرية } اسم للموضع الذى يجتمع فيه الناس اى من اهل قرية وهو فى محل الرفع على الفاعلية ومن مزيدة لتأكيد العموم { اهلكناها } اى باهلاك اهلها لعدم ايمانهم بعد مجيئ ما اقترحوه من الآيات صفة لقرية { أفهم يؤمنون } الهمزة لانكار الوقوع والفاء للعطف على مقدر . والمعنى انه لم تؤمن امة من الامم المهلكة عند اعطاء ما اقترحوه من الآيات اهم لم يؤمنوا فهؤلاء يؤمنون لو اجيبوا الى ما سئلوا واعطوا ما اقترحوا مع كونهم اعتى منهم واطغى كما قال تعالى { اكفاركم خير من اولائكم } يعنى ان كفاركم مثل اولئك الكفار المعدودين قوم نوح وهود وصالح ولوط وآل فرعون فهم فى اقتراح تلك الآيات كالباحث عن حتفه بظلفه : قال حسان بن ثابت رضى الله عنه
ولا تك كالشاة التى كان حتفها ... بحفر ذراعيها فلم ترض محفرا
واصله ان رجلا وجد شاة واراد ذبحها فلم يظفر بسكين وكنت مربوطة فلم تزل تبحث برجليها حتى ابرزت سكينا كانت مدفونه فذبحها بها يضرب فى مادة تؤدى صاحبها الى التلف وما يورط الرجل فيه نفسه كهذا المستعمق وفيه تنبيه على ان عدم الاتيان بالمقترح للتحرم بهم اذ لو اتى به لم يؤمنوا واستوجبوا عذاب الاستئصال كمن قبلهم وقد سبق وعده تعالى فى حق هذه الامة ان يؤخر عذابهم الى يوم القيامة .
قال فى التأويلات النجمية والآية وان نزلت فى منكرى البعث من الكفار فهى نعم اكثر مدعى الاسلام فى زماننا هذا فانه لا يحدث الله فى عالم ربانى من اهل الذكر وهم اهل القرآن الذين هم اهل الله وخاصته سرا من اسرار القرآن وحقيقة من حقائق العلوم اللدنية الا اسمعه اهل العزة بالله وهم يستهزئون به وينكرونه وينكرون عليه لاهية قلوبهم بمتابعة الهوى متعلقة بشهوات الدنيا ساهية عن ذكر الله غافلة عن طلبه وتناجوا فى السر الذين ظلموا انفسهم بالانكار على ان الاسرار يقولون فيه ما يأتيكم به من الكلام المموه وانتم تبصرون انه مموه كالسحر قل امرهم الى الله فانه يعلم قول اهل السماء سماء القلوب وقول اهل الارض النفوس وهو السميع لاقوال اهل القلوب واقوال اهل النفوس وانكارهم العليم بما فى ضمائرهم وبافعالهم واوصافهم واوصاف سرائرهم بل قالوا كلام المحققين خيالات فاسدة وقال بعض المنكرين بل اختلقه من نفسه وادى انه من مواهب الحق وقال بعضهم بل هو شاعر اى يقول ما يقول بحذاقة النفس وقوة الطبع والذكاء ثم قال بعضهم لبعض فليأتنا هذا المحق بكرامة ظاهرة كما اتى بها المشايخ المتقدمون ثم قال ما آمنت قبلهم من اهل قرية من المنكرين لما رأوا كرامات اولياء الله فاهلكناهم بالخذلان والابعاد أفهم يصدقون اربابا الحقائق ان رأوا كرامة منهم وهم طبعوا على الانكار مثل المنكرين الهالكين وفى المثنوى(8/231)
مغزرا خالى كن ازانكار يا ... تاكه ريحان يابد از كلزار يار
تا بيابى بوى خلد از يار من ... جون محمد بوى رحمان ازيمن
يك مناره درثناى منكران ... كو درين عالم كه تاباشد نشان
منبرى كوكه برآنجا مخبرى ... ياد آرد روزكار منكرى
روى دينار ودرم از نامشتان ... تا قيامت ميدهد ازحق نشان
سكه شاهان همى كردد دكر ... سكه احمد بين تا مستقر
بررخ نقره وياروى زرى ... وانما برسكه نام منكرى
هركه باشد همنشين دوستان ... هست در كلخن ميان بوستان
هركه بادشمن نشيند درزمن ... هست او در بوستان دركولخن
اللهم اجعلنا من المجالسين لاهل الودّ والولا واحشرنا معهم بحق الملأ الاعلى .(8/232)
وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7)
{ وما ارسلنا قبلك الا رجالا } جواب لقولهم هل هذا الا بشر مثلكم اى وما ارسنا الى الامم قبل ارسالك الى امتك الا رجالا مخصوصين من افراد الجنس مستأهلين ومثله فى الفارسية [ كلمه مرد ] { نوحى اليهم } بواسطة الملك ما نوحى من الشرائع والاحكام وغيرهما من القصص والاخبار كما نوحى اليك من غير فرق بينهما فى حقيقة الوحى وحقيقة مدلوله كمالا فرق بينك وبينهم فى البشرية فمالهم لا يفهمون انك لست بدعا من الرسل وان ما اوحى اليك ليس مخالفا لما اوحى اليهم فيقولون ما يقولون .
وفى التأويلات النجمية يشير الى انه تعالى يظهر فى كل قرن رجالا بالغين من متابعى الانبياء ويخصهم بوحى الالهام كما اظهر فى زمان عيسى عليه السلام الحواريين من متابعيه واوحى اليهم كما قال تعالى { واذا اوحيت الى الحواريين ان آمنوا بى وبرسولى } { فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون } قد سبق ان الذكر يطلق على الكتب الالهية اى ان كنتم لا تعلمون ما ذكر فاسألوا ايها الكفرة الجهلة اهل الكتاب الواقفين على احوال الرسل السالفة لتزول شبهتكم امروا بذلك لان اخبار الجم الغفير يوجب العلم لا سيما وهم كانوا يشايعون المشريكن فى عداوته عليه السلام ويشاورونهم فى امره وكانوا لا ينكرون كون الرسل بشرا وان انكروا نبوته عليه السلام - روى - انه قيل للامام الغزالى رحمه الله بماذا حصل لكم الاحاطة بالاصول والفروع فتلا هذه الآية واشارة الى ان السؤال من اسباب العلم وطرائفه .(8/233)
وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8)
{ وما جعلناهم } اى الرسل { جسدا } الجسد جسم الانسان والجن والملائكة .
قال الراغب الجسد كالجسم لكنه اخص فان الجسد ما له لون والجسم يقال لما لا يبين له لون كالماء والهواء ونصبه على انه مفعول ثان للجعل لا بمعنى جعله جسدا بعد ان لم يكن كذلك كما هو المشهور من معنى التصيير بل بمعنى جعله كذلك ابتداء على طريقة قولهم سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل { لا يأكلون الطعام } صفة له والطعام البر وما يؤكل والطعم تناول الغذاء اى وما جعلناهم جسدا مستغنيا عن الاكل والشر بل محتاجا الى ذلك لتحصيل بدل ما يتحلل منه { وما كانوا خالدين } لان مآل التحل هو الفناء لا محالة والخلود تبرئ الشئ من اعتراض الفساد وبقاؤه على الحالة التى هو عليه والمراد اما المكث المديد كما هو شأن الملائكة او الابدى وهم معقتدون انهم لا يموتون . والمعنى جعلناهم اجسادا متغذية صائرة الى الموت بالآخرة على حسب آجالهم لا ملائكة ولا اجساد مستغنية عن الاغذية مصونة عن التحلل كالملائكة فلم يكن لها خلود كخلودهم .
وقال فى التأويلات النجمية يشير الى ان الانبياء والاولياء خلقوا محتاجين الى الطعام بخلاف الملائكة وذلك لا يقدح فى النبوة والولاية بل هو من لوازم احوالهم وتوابع كمالهم فان لهم فيه فوائد جمة منها ان الطعام للروح الحيوانى الذى هو مركب الروح الانسانى كالدهن للسراج وهو منبع جميع الصفات النفسانية الشهوانية وهو مركب الشوق والمحبة التى بها يقطع السالك الصادق مسالك البعاد ويعبر العاشق مهالك الفراق للوصول الى كعبة الوصال .
ومنها ان كل الطعام من نتائج الهوى وهو يميل النفس الى مشتهياتها والسير الى الله بحسب نهى النفس عن الهوى كقوله تعالى { ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هى المأوى } ولذا قال المشايخ لولا الهوى ما سلطك احد طريقا الى لالله . ومنها ان كثيرا من علم الاسماء التى علم الله آدم منوط باكل الطعام مثل علم ذوق المذوقات وعلم التلذذ بالمشتهيات وعلم لذة الشهوة وعلم الجوع وعلم العطش وعلم الشبع والرى وعلم هضم الطعام وثقله وعلم الصحة والمرض وعلم الداء والدواء وامثاله والعلوم التى تتعلق به كعلوم الطب باجمعها والعلوم التى هى توابعها كمعرفة الادوية والحشائش وخواصها وطباعها وغيرها على هذا القدر من الفوائد الجمة فافهم جدا - حكى - ان واحدا من الصوفية المتحققين بحقائق تجلى الصمدية لم يأكل طعام ستة اشهر فالح عليه شيخه بالاكل لما ان الكمال المحمدى فى الافطار والامساك والسهر والمنام ونحو ذلك لافى الرهبانية المذمومة وفى المثنوى
هين مكن خودرا خصى رهبان مشو ... زانكه عفت هست شهوت را كرو
بى هوا نهى ازهوا ممكن نبود ... هم غزا بر مردكان نتوان نمود
بس كلوا ازبهر دام شهوتست ... بعد ازان لا تسرفوا آن عفتست
جونكه رنج صبر نبود مرترا ... شرط نبود بس فرونايد جزا
حبذا آن شر وشادا آن جزا ... آن جزاى دلنواز جانفزا
قال الشافعى رحمه الله اربعة لا يعبأ الله بهم يوم القيامة . زهد خصى . وتقوى جندى . وامانة امرأة . وعبادة صبى وهو محمول على الغالب كما فى المقاصد الحسنة للامام السخاوى .(8/234)
ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9)
{ ثم صدقناهم الوعد } عطف على مقدر وصدق يتعدى الى الثانى بحرف الجر وهو هنا محذوف كما فى قوله تعالى { واختار موسى قومه } كأنه قيل اوحينا اليهم ما اوحينا ثم صدقناهم فى الوعد الذى وعدناهم فى تضاعف الوحى باهلاك اعدائهم { فانجيناهم ومن نشاء } من المؤمنين وغيرهم ممن تستدعى الحكمة ابقاءه كمن سيؤمن منهم او بعض فروعه بالآخرة وهو السر فى حماية العرب من عذاب الاستئصال . هكذا قال اذ الظاهر تخصيص من نشاء بالمؤمنين الآية فى الرسل السالفة مع اممهم وعذابهم كان عذاب استئصال ولم ينج منهم غير المؤمنين فهى كقوله تعالى { ثم ننجى رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننجى المؤمنين } ولما كانت العرب مصونة من عذاب الاستئصال لم يبعد ان يبقى منهم من سيؤمن هو او بعض فروعه كما وقع يوم بدر فافهم { واهلكنا المسرفين } اى مجاورين للحد فى الكفر والمعاصى .
قال الراغب السرف تجاوز الحد فى كل فعل يفعله الانسان وان كان ذلك فى الانفاق اشهر .(8/235)
لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10)
{ لقد انزلنا اليكم } اى والله لقد انزلنا اليكم يا معرش قريش { كتابا } عظيم الشان نبر البرهان { فيه ذكركم } موعظتكم بالوعد لترغبوا وتحذروا وليس بسحر ولا شعر ولا اضغاث احلام ولا مفترى كما تدعون { أفلا تعقلون } الفاء للعطف على مقدر اى ألا .
قال الكاشفى [ اين آيت اهل قرآ نرا تشريفى تمام وتكريمى مالا كلامست وخبر « اشراف امتى حملة القرآن » مؤيد ومؤكد اين اجلال واكرام ] والمراد بجعله القرآن ملازموا قراءته كما فى تفسير الفاتحة للفنارى
اهل قرآنند اهل الله وبس ... اتدرى ايشان كى وصى هى بوالهوس
اهل باشد جنس وجنس اين كلام ... نيست جز مرغى كه بروازد زدام
وفى الحديث « ان لله اهلين من الناس اهل القرآن وهم اهل الله » اى خاصته .
قال ابن مسعود رضى الله عنه لما دنا فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعنا فى بيت امنا عائشة رضى الله عنها ثم نظر الينا فدمعت عيناه وقال « مرحبابكم حياكم الله رحمكم الله تعالى اوصيكم بتقوى الله وطاعته قد دنا الفراق وحان المنقلب الى الله والى سدرة المنتهى والى جنة المأوى يغلسنى رجال اهل بيتى ويكفنوننى فى ثيابى هذه ان شاؤوا او فى حلة يمانية فاذا غسلونى وكفنونى ضعونى على سريرى فى بيتى هذا على شفير لحد ثم اخرجوا عنى ساعة فاول من يصلى على فوجا فوجا وصلوا علىّ فلما سمعوا فراقه صاحبوا وبكوا » وقالوا يا رسول الله انت نور ربنا وشمع جمعنا وسلطان امرنا اذا ذهبت عنا الى من نرجع فى امرونا قال « تركتكم على المحجة البيضاء » اى الطريق الواسع الواضع ليلها كنهارها فى الوضوع « وتركت لكم واعظين ناطقا وصامتا » فالناطق القرآن والصامت الموت « فاذا اشكل عليكم امر فارجعوا الى القرآن والسنة واذا قست قلوبكم لينوها بالاعتبار فى احوال الاموات » وعن ابى هريرة رضى الله عنه مرفوعا « من تعلم القرآن فى صغره اختلط القرآن بلحمه ودمه ومن تعلمه فى كبره فهو يتفلت منه ولا يتزكه فله اجره مرتين » وجه الاول انه فى الصغر خال عن الشواغل وما صادف قلبا خاليا يتمكن فيه قال الشاعر
اتانى هواها قبل ان اعرف الهوى ... فصادف قلبا خاليا فتمكنا
ويدخل فى الثانى من له حصرا اوعىّ لان من قرأ القرآن وهو عليه شاق فله اجر ان اجر لقراءته واجر لمشقته كذا فى شرح المصابيح .(8/236)
وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11)
{ وكم قصمنا من قرية } كم خبرية للتكثير محلها النصب على انها مفعلو لقصمنا ومن قرية تمييز وفى لفظ القصم الذى هو عبارة عن الكسر بابانه اجراء المكسور وازالة تأليفها بالكلية من الدلالة على قوة الغضب وشدة السخط ما لا يخفى { كانت ظالمة } صفة لقزية بتقدير المضاف اى وكثر كسرنا واهلكنا من اهل قرية كانوا ظالمين بآيات الله كافرين بها كدأبكم يا معشر قريش { وانشأنا بعدها } اى بعد اهلاكها والانشاء والاختراع والتكوين والتحليق والايجاد اسماء مترادفة يراد بها معنى واحد وهو اخراج المعدوم من العدم الى الوجود كما فى بحر العلوم .
قال الراغب الانشاء ايجاد الشئ وتربيته واكثر ما يقال ذلك فى الحيوان كما فى هذه الآية { قوما آخرين } اى ليسوا منهم نسبا ولا دينا(8/237)
فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12)
{ فلما احسوا بأسنا } الضمير للاهل المحذوف والبأس الشدة والمكروه والنكاية اى ادركوا عذابنا الشديد ادراكا تاما كأنه ادراك المشاهد المحسوس { اذا هم منها } من القرية اذا للمفاجأة وهم مبتدأ خبره قوله { يركضون } الركض ضربة الدابة بالرجل للعدو فمتى نسب الى الراكب فهو اعداء مركوبه نحو ركضت الفرس ومتى نسب الى الماشى فوطئ الارض والمعنى يهربون مسرعين را كضين دوابهم او مشبهين بهم فى افراط الاسراع .(8/238)
لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13)
{ لا تركضوا } اى قيل لهم بلسان الحال او بلسان المقال من الملك لا تركضوا { وارجعوا الى ما اترفتم فيه } يقال اترفته النعمة اطغته واترف فلان اصر على البغى اى الى ما اعطيتموه من العيش الواسع والحال الطيبة حتى بطرتم به فكفرتم واعرضتم عن المعطى وشكره { ومساكنكم } التى تفتخرون بها وفى المثنوى
افتخاراز رنك وبو واز مكان ... هست شادى وفريب كودكان
{ لعلكم تسألون } تقصدون من جهة الناس للسؤال والتشاور والتدبير فى المهمات والنوازل كما هو عادة الناس مع عظمائهم فى كل قرية لا يزالون يقطعون امرا دونهم(8/239)
قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14)
{ قالوا } لما يئسوا من الخلاص بالهرب وايقنوا بنزول العذاب { يا ويلنا } يا ويل ويا هلاك تعالى فهذا وقتك .
وقال الكاشفى [ اى واى برما ] { انا كنا ظالمين } اى مستوجبين للعذاب وهو اعتراف منهم بالظلم وباسستباعه للعذاب وندمهم عليه حين لم ينفعهم ذلك .(8/240)
فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15)
{ فما زالت تلك } اى كلمة الويل وهى يا ويلنا انا كنا ظالمين وهى اسم ما زالت وخبره قوله { دعواهم } اى دعائهم ونداءهم اى ردوها مرة بعد اخرى { حتى جعلناهم حصيدا } اى مثل الحصيد وهو المحصود من الزرع والنبت ولذلك لم يجمع اى لان الفعيل بمعنى المفعول يستوى فيه المفرد والجمع والمذكر والمؤنث { خامدين } حال من المنصوب فى جعلناهم اى ميتين من خمدت النار اذا اطفئ لهبها ومنه استعير خمدت الحمى اى سكنت حرارتها وزالت شهوة الموت لخمود النار وانطفائها فاطلق لعيه الخمود ثم اشتق منه خامدين .
دلت الآية على ان فى الظلم خراب العمران : قال الشيخ سعدى قدس سره
بقومى كه نيكى بسندد خداى ... دهد خسروا عادل نيك راى
جوخواهدكه ويران كند عالمى ... كند ملك در بنجه ظالمى
وفى الحديث « الظلم ظلمات يوم القيامة » واذا اظلم القلب عن المعرفة والاخلاص خرب وعلامة خراب القلب عصيان الجوارح وتعدليها وميلها الى ما فيه الهلاك .
وقال بعض اهل التفسير والاخبار ان اهل حضور من قرئ اليمين وقيل كانت بارض الحجاز من ناحية الشام بعث اليهم نبى اسمه موسى بن ميشان كما فى الكشف .
وقال الامام السهيلى فى التعريف والاعلام اسمه شعيب بن ذى مهرم وقبر شعيب هذا فى اليمن بجبل يقال له ضين .
قال فى القاموس ضين بالكسر جبل عظيم بصنعاء اهل وليس شعيب صاحب مدين لان قصة حضور قبل مدّة معدذ جده عليه السلام وبعد مئين من السنين من مدة سليمان عليه السلام وانهم قتلوا نبيهم وقتل اصحاب بخت نصر واعلمه انى قد سلطته عليهم وعلى ارض العرب وانى منتقم به منهم واوحى الله الى ارمياء ان احمل معد بن عدنان على البراق الى ارض العراق كيلا يصيبه النقمة والبلاء معهم فأنى مستخرج من صلبه نبيا فى آخر الزمان اسمه محمد صلى الله عليه وسلم فحمل معدا وهو ابن اثنى عشر وكان مع نبى اسرائيل الى ان كبر وتزوج امرأة اسمها معانه . ثم ان بخت نصر نهض بالجيوش وكمن للعرب فى مكان وهو اول من اتخذ المكامن فى الحرب فيما زعموا ثم شن الغارات على حضور اى صبها على اهلها من كل وجه فقتل وسبى وخرب العامر ولم يترك بحضور اثرا قال الله { حتى جعلناهم حصيدا خامدين } ثم وطئ ارض العرب يمنها وحجازها فاكثر القتل والسبى وخرب وحرق ثم انصرف راجعا الى السواد واياهم عنى الله بقوله { وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة } وهذه الرواية منقولة عن ابن عباس رضى الله عنهما وظاهر الآية على الكثرة لان كم للتكثير ولعله رضى الله عنه ذكر حضور بانها احدى القرى التى ارادها الله بهذه الآية وفى الحديث « خمس فى خمس ما نقض العهد قوم الا سلط لالله عليهم عدوهم وما حكموا بغير ما انزل الله الا فشا فيهم الفقير وما ظهرت فيه الفاحشة الا فشا فيهم الموت ولا طففوا الكيل الا منعوا النبات واخذوا بالسنين ولا منعوا الزكاة الا منع عنهم القطر »
هرجه بر توآيد از ظلمات وغم ... آن زبى شرمى وكستاخبست هم(8/241)
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16)
{ وما خلقنا السماء } الخلق اصله التقدير المستقيم ويستعمل فى ابداع الشئ من غير اصل ولا احتذاء اى وما ابدعنا السماء الى هى كالقبة المضروبة والخيمة المطنبة { والارض } الى هى كالفراش والبساط { وما بينهما } من انواع الخلائق واصناف العجائب حال كونا { لاعبين } يقول لعب فلان اذا كان فعله غير قاصد به مقصدا صحيحا اى عابثين بل لحكم ومصالح وهى ان تكون مبدأ لوجود الانسان وسببا لمعاشه ودليلا يقوده الى تحصيل معرفتنا الى هى الغاية القصوى
برك درختان سبز در نظر هو شيار ... هر ورقى دفتريست معرفت كردكان
وكل شئ فهو اما مظهر لطفه تعالى ... اوقهره وفى كل ذرة سر عجيب
بنكر بجشم فكركه ازعرش تابفرش ... در هيج ذره نيست كه سرى عجيب نيست
فان قيل دلت الآية على ان اللعب ليس من فعله وانما هو من افعال اللاعبين لان اللاعب اسم لفاعل اللعب فنفى اسم الموضوع يقتضى نفى الفعل .
اجيب بان ذلك يبطل بمسألة خلق الداعى والقدرة .(8/242)
لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17)
{ لو اردنا ان نتخذ لهوا } اى ما يتلهى به ويلعب على انه مصدر بمعنى المفعول يقال لهوت بالشئ لهوا اذا لعبت به .
قال الكاشفى [ جيزى بآن بازى كنند وبرؤية آن مستأنس شوند جون زن وفرزند ] .
وقال الراغب اللهو ما يشغل الانسان عما يعنيه ويهمه ويعبر عن كل ما به استمتاع باللهو قال تعالى { لو أردنا ان نتخذ لهوا } وقول من قال اراد باللهو المرأة والولد فتخصيص ببعض ما هو من زينة الحياة الدنيا انتهى .
يقول الفقير فسره بالمرأة فى تفسير الجلالين المقصور على رؤية ابن عباس رضى الله عنهما وبهما فى التأويلات الشيخ نجم الدين قدس سره وهو من اكابر من جمع بين الطرفي ويدل على هذا المعنى قوله تعالى فيما بعد { ولكم الويل مما تصفون } قال الامام الواحدى يستروح بكل واحد منهما اى من المرأة والولد ولهذا يقال لامرأة الرجل وولده ريحانتاه { لا تخذناه من لدنا } اى من جهة قدرتنا عليه لتعلقها بكل شئ من المقدورات او مما نصطفيه ونختاره مما نشاء من خلقنا من الحور العين او من غيرها .
قال الواحدى معنى من لدنا من عندنا بحيث لا يظهر لكم ولا تطلعون عليه ولا يجرى لاحد فيه تصرف لان ولد الرجل وزوجته يكونان عنده لا عند غيره { ان كنا فاعلين } ذلك لكن تستحيل اراد تناله فمنافاته الحكمة لا لعدم القدرة على اتخاذه ولا لغيره فيستحيل اتخاذنا له قطعا .
قال فى التأويلات النجمية جل جلال قدس حضرتنا عن امثال هذه التدنسات وعز جناب كبريائنا عن انواع هذه الوصمات وقد تنزه عن امثالها الملائكة المقربون وهم عبادنا المكرمون المخلوقون فالحضر الخالقية اولى التنزه عن امثالها انتهى . وان للشرط على سبيل الفرض والتقدير وجواب ان محذوف لدلالة الجواب المقتدم عليه اى ان كنا فاعلين لاتخذناه .(8/243)
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)
{ بل نقذف بالحق على الباطل } اضراب عن اتخاذ الولد وارادته كائنه قيل لكنا لا نريده بل شأننا ان نغلب الحق الذى من جملته الجد والايمان والقرآن ونحوها على الباطل الذى من جملته اللهو والكفر والاباطيل الاخرة .
قال الراغب القذف الرمى البعيد ولاعتبار البعد فيه قيل منزل قذف وقذيق وبلدة قذوف طروح بعيدة والباطل نقيض الحق وهو الذى لاثبات له عند الفحص عنه { فيدمغه } فيهلكه ويعدمه .
قال اهل التفسير انما استعار لذلك اى للتغليب والتسليط وايراد الحق على الباطل القذف وهو الرمى الشديد المستلزم لصلاة المرمى ولمحوه واعدامه الباطل وهو كسر الشئ الرخو الاجوف وهو الدماغ بحيث يشق غشاء المؤدى الى زهوق الروح تصويرا لابطاله به فشبه الحق بجرم صلب كالماس او الياقوت مثلا قذف به على جرم رخوا جوا من قزاز او تراب فمحقه واعدامه .
قال صاحب المفتاح اصل استعمال القذف والدمغ فى الاجسام ثم استعير القذف لا يراد الحق على الباطل والدمغ لاذهاب الباطل ومحوه فالمستعار منه حسى والمستعار له عقلى اى ففيه تشبيه المعقول بالمحسوس عبر عن الصورة المعقولة بما يدل على الهيئة المحسوسة لتتمكن تلك الهيئة المعقولة فى ذهن السامع فضل تمكن { فاذا هو } [ بس آنجا او ] { زاهق } اى ذاهب بالكلية والزهوق ذهاب الروح ويقال زهقت نفسه خرجت من الاسف وفى اذا المفاجأة والجملة الاسمية من الدلالة على كمال المسارعة فى الذهاب والبطلان ما لا يخفى فكأنه زاهق من الاصل وذكره لترشيح المجاز فان ذهاب الروح انما يلائم المستعار منه اى المعنى الاصلى للدمغ فان الدماغ مجمع الحواس واذا بلغت الشجة اليه يموت الحيوان .
وفى التأويلات النجمية للحق ثلاث مراتب وكذا للباطل مرتبة افعال الحق ومرتبة صفات الحق ومرتبة ذات الحق تعالى فاما افعال الحق فهى ما امره اله به العباد فبها يدمغ باطل ما نهى الله عنه واما صفات الحق فبتجليها يدمع باطل صفات العبد واما ذات الحق فاذا تجلى الله بذاته يدمغ باطل جميع الذوات كما قال تعالى { كل شئ هالك الاوجهه } ويدل عليه { وقل جاء الحق وزهق الباطل } ولعل من قال انا الحق انما قال عند تجلى ذات الحق او صفه حقيته لذاته الباطل اذ زهق باطل ذاته عند مجيء الحق فاخبر الحق عن ذاته بلسان اتصف بصفة الحق فقال انا الحق : قال المغربى قدس سره
ناصر ومنصور ميكويد انا الحق المبين ... بشنواز ناصر كه آن كفتار ازمنصور نيست
وقال الخجندى قدس سره
هركه بدار فنا جبه هستى بسوخت ... رمز سوى الله بخواند سر انا الحق شنود
وقال
{ _@_اسرار انا الحق سخن نيك بلندست _@_ معنى جنين جز بسردار ثيابى_@_ } { ولكم الويل } قال الاصمعى ويل قبوح وقد يستعمل فى التحسر وويس استصغار وويح ترهم ومن قال ويل واد فى جهنم فانه لم يرد ان ويلا فى اللغة هو اموضوع لهذا وانما اراد ان من قال الله تعالى فيه ذلك فقد استحق مقرا من النار وثبت ذلك له . والمعنى استقر لكم الهلاك ايها المشركون { مما تصفون } من تعليلة متعلقة بالاسقرار اى من اجل وصفكم له سبحانه بما لا يليق بشأنه الجليل من المرأة والولد ووصف كلامه بانه سحر واضغاث احلام ونحو ذلك من الاباطيل(8/244)
وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19)
{ وله } خاصة { من فى السموات والارض } اى جميع المخلوقات ايجاد واستعبادا { ومن عنده } من عطف الخاص على العام والمراد الملائكة المكرمون المنزلون لكرامتهم عليه منزلة المقربين عند الملوك على طريقة التمثيل والبيان لشرفهم وفضلهم على اكثر خلقه لا على الجميع كما زعم ابو بكر الباقلانى وجميع المعتزلة فالمراد بالعندية عندية الشرف لا عندية المكان والجهة وعند وان كان من الظروف المكانية الا انه شبه قرب المكانة والمنزلة بقرب المكان والمسافة فعبر عن المشبه بلفظ المشبه به .
قال الكاشفى [ عنى فرشتكان كه مقربان دركاه الوهيت اند وشما ايشانرا مى برستيد ] { لا يستكبرون عن عبادته } اى لا يتعظمون عنها ولا بعدون انفسهم كبيرة بل يتفاخرون بعبوديته فالبشر مع نهاية ضعفهم اولى ان يطيعوه والجملة حال من قوله من عنده .
وجعل المولى ابو السعود رحمه الله من عنده مبتدأ ولا يستكبرون خبره { ولا يستحسرون } ولا يكلون ولا يعيون يقال حسروا واستحسر اذا تعب واعييى يعنى ان استفعل بمعنى فعل نحو قر واستقر .
قال فى المفردات الحسر كشف الملبس عما عليه يقال حسرت عن الذراع والحاسر من لادرع عليه ولا مغفر والناقة حسير حسر عنه اللحم والقوة والحاسر المعيى لانكشاف قواه ويقال للمعيى حسرومحسور اما الحاسر فتصور انه قد حسر بنفسه قواه واما المحسور فتصور ان التعب قد حسره والحسرة الغم على ما فاته والندم عليه كأنه انحسر عنه الجهل الذى حمله على ما ارتكبه او انحسر قواه من فرط غم ادركه واعياه عن تدارك ما فرط منه .(8/245)
يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)
{ ويسبحون الليل والنهار } كأنه قيل كيف يعبدون فقيل يسبحون الليل والنهار اى ينزهونه فى جميع الاوقات عن وصمه الحدوث وعن الانداد ويعظمونه ويمجدونه دائما { لا يفترون } لا يتخلل تسبيحهم فترة طرفة عين بفراغ منه او بشغل آخر لانهم يعيشون كما يعيش الانسان بالنفس والحوت بالماء . يعنى ان التسبيح بالنسبة الى الملائكة كالتنفس بالنسبة الينا فكما ان قيامنا وقعودنا وتكلمنا وغير ذلك من افعالنا لا يشغلنا عن التنفس فكذلك الملائكة لا يشغلهم عن التسبيح شئ من افعالهم كما قال عبد الله بن الحراث لكعب أليس انهم يؤدون الرسالة ويلعنون من لعنه الله كما قال { جاعل الملائكة رسلا } وقال { اولئك عليهم لعنة الله والملائكة } فقال التسبيح لهم كالتنفس لنا فلا يمنعهم عن عمل .
فان قلت التسبيح واللعن من جنس الكلام فكيف لا يمنع احدهما الآخر .
قلنا لا يبعدنا ان يخلق الله لهم ألسنة كثيرة ببعضها يسبحون وببعثها يلعنون . او المعنى لا يفترون عن العزم على ادائه فى اوقاته كما يقال فلان مواظب على الجماعة لا يفتر عنها فانه لا يراد به دوام الاشتغال بها وانما يراد العزم على ادائها فى اوقاتها كما فى الكبير .
وعن ارباب الحقائق زالت مشقة التكاليف الشرعية عن اهل الله تعالى لفرط محبتهم اياه سبحانه ولتبدل مجاهدتهم بالحب الآلهى لانه ظهر شرف تلك التكاليف وبهر كونها تجليات الهية .
يقول الفقير سمعت من حضرة شيخى وسندى قدس سره وهو يقول لا تتيسر حلاوة العبودية الا بعد المعرفة التامة بالله تعالى والشهود الكامل له وذلك لان لذة المناجاة مع السلطان لا يصل اليه السائس فعبادة اهل الحجاب لا تخلو عن فتور وكلفة بخلاف اهل الكشف الالهى فان العبادة صارت لهم كالعادة لغيرهم فى سهولة المأخذ والقيام بها نسأل الله تعالى ان يخفف عنا الاوزار انه الكريم الغفار .
قال الراغب الفتور سكون بعد حدة ولين بعد شجة وضعف بعد قوة قال تعالى { يا اهل الكتاب قد جاءكم رسولنا ببين لكم على فترة من الرسل } اى سكون خال عن مجئ رسول وقوله تعالى { لا يفترون } اى لا يسكنون عن نشاطهم فى العبادة وفى الحديث « لكل عامل شرة ولكل شرة فترة فمن فتر الى سنتى فقد نجى والا فقد هلك » فقوله ( لكل شرة فترة ) اشارة الى ما قيل للباطل صولة ثم تضمحل وللحق دولة لا تزل وقوله ( من فتر الى سنتى ) اى سكن اليها فالطرف الفاتر فيه ضعف مستحسن والفتر ما بين طرف الابهام وطرف السبابة يقال فترته بفترى وشبرته بشبرى انتهى كلام الراغب الاصفهانى فى كتاب المفردات .(8/246)
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21)
{ ام اتخذوا آلهة } ام منقطعة مقدرة ببل مع الهمزة ومعنى الهمزة انكار الوقوع لا انكار الواقع والضمير للمشركين والمراد بالآلهة الاصنام { من الارض } متعلق باتخذوا بمعنى ابتدأوا اتخاذها من الارذ بان صنعوها ونحتوها من بعض الحجارة او من بعض جواهرها كالشبه ولاصف ونحوهما والمراد به تحقير المتخذ لا التخصيص { هم ينشرون } يقال انشره الله احياه اى يبعثون الموتى والجملة صفة الآلهة وهو الذى يدور عليه الانكار والتجهيل والتشنيع لانفس الاتخاذ فانه واقع لا محالة بل اتخذوا آلهة من الارض هم خاصة مع حقارتهم بذلك صريحا فانهم لم يثبتوا الانشار الله تعالى كما قالوا من يحيى العظام وهى رميم فكيف يثبتونه للاصنام لكنهم حيث ادعوا لها الآلهية فكأنهم ادعوا لها الانشار ضرورة انه من الخصائص الآلهية حتما .(8/247)
لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)
{ لو كان فيهما آلهة الا الله } تنزيه لنفسه عن الشريك بالنظر العقلى ولا بمعنى غير على انها صفة آلهة اى لو كان فى السموات والارض آلهة غير الله كما هو اعتقادهم الباطل سواء كان الله معهم او لم يكن .
قال فى الاسئلة المقحمة كيف قال لو كان فبهما فجعل السموات ظرفا وهو تحديد والجواب لم يرد به معنى الظرف وانما هو كقوله { وهو الذى فى السماء اله وفى الارض اله } { لفسدتا } الفساد خروج الشئ عن الاعتدال قليلا كان الخروج عنه ام كثيرا ويضاده الصلاح ويستعمل ذلك فى النفس والبدن والاشياء الخارجة عن الاستقامة اى لخرجتا عن هذا النظام المشاهد لان كل امر بين الاثنين لا يجرى على نظام واحد والرعية تفسد بتدبير الملكين وحيث انتفى التالى تعين انتفاء المقدم .
قال فى التأويلات النجمية ان هذه الآلهة لا تخلو اما ان يكون كلهم متساويا فى الالوهية وكمال القدرة او بعضهم كامل وبعضهم ناقص واما ان يكون كلهم ناقصا يحتاج بعضهم الى بعض فى الآلهية واما كمالية بعضهم وناقصية بعضهم فهو يقتضى استغناء الكامل عن الناقص فالناقص لا يصلح للالهية . واما الناقصون الذين يحتاجون الى اعانة بعضهم لبعض فلا يصلحون للآلهية لانهم محتاجون اى مكمل واحد مستغن عما سواه وهو الله الواحد الاحد الصمد الغنى عما سواه وما سواه محتاج اليه ولو كان فيها آلهة غيره لفسدتا لعدم مدبر كامل فى الآلهية ولعجز آلهة اخرى فى المدبرية
دردوحبهان قادر ويكتا توبى ... جمله ضعيفند وتوانا تويى
جون قدمت بانك برابلق زند ... جزتوكه يارو كه انا الحق زند
{ فسبحان رب العرش عما يصفون } اى نزهوه تنزيها عما يصفونه به من اتخاذ الشيك والصحابة والولد لان ذلك من صفات الاجسام ولو كان الله جسما لم يقدر على خلق العالم وتدبير امره ولم يكن مبدأ له على ان الجسم مركب ومتحيز وذلك من امارات الحدوث وجواز الوجود وواجب الوجود متعال عن ذلك .
قال فى التأويلات النجمية نزه الله نفسه عن العجز والاحتياج لغيره فى الآلهية واثبت انه خالق العرش الذى هو مصدر فيض الرحمانية الى المكونات لنفى الآلهية عن غيره منزها عما يصفون باحتياجه الى العرض او بآلهة اخرى فى الآلهية : وفى المثنوى
واحد اندر ملك او را يارنى ... بندكانش را جزوا سالارنى
نيست خلقش را دكر كس مالكى ... شركتش دعوى كندجزهالكى
قال بعض الكبار افترى العادلون عن الله الى غيره كالطبائعين القائلين بان جميع التأثيرات الواقعة انما هى من مقتضيات الطبيعة كدمقراطيس واتباعه والسوفسطائيين المنكرين لجمع الموجودات حتى انفسهم وانكارهم واما الثنوية اعنى القائلين بالهين اثنين احدهما مصدر للخيرات والآخر مصدر للشرور فانهم قد لعنوا على لسان اهل الاشراف الكشفى والبرهانى ليس لجسد قلبان ولا لبدن نفسان ولا للسماء شمسان شهد الاخبار بواحد وهو منتهى الاعيان لو حصل شمسان لانطمست الاركان ابى النظام شمسا اخرى فكيف لا يأبى الها آخر ان كان للقيوم شريك فاين شمسه لانها اكمل النيرات فخالقها اكمل ممن لم يخلق مثلها ومن غير اكمل منه لا يكون واجبا لذاته لان الوجوب الذاتى من خصائص الكمال التام فحيث لم نجدهما اخرى عرفنا انه ليس فى الوجود اله آخر(8/248)
يشهد الله اينما يبدو ... انه لا اله الا هو
قال بعض ارباب الحقائق لو كان فى سماء الروحانية وارض البشرية مدبرات مثل اعقل فى سماء الروحانية وفى الهوى ارض البشرية غير هداية الله تعالى بواسطة الانبياء والشرائع لفسدتا كما فسدت بتدبير العقل والهوى سماء الروحانية الفلاسفة والطبائعية والدهرية والباحية والملاحدة وارض بشريتهم فاما فساد سماء ارواحهم فان زلت قدمهم عن جادة التوحيد وصراط الوحدانية حتى انبتوا لله الواحد القديم شريكا قديما وهو اعلالم فلم يقبلوا دعوة الانبياء ولم يهتدوا بهداية الحق : وفى المثنوى
اى ببرده عقل هديه تالله ... عقل آنجا كمترتس ازخاك راه
واما فساد ارض بشريتهم فبان زلت قدمهم عن جادة العبودية وصراط الشريعة والمتابعة حتى عبدو طاغوت الهوى والشيطان وآل امر فساد حالهم الى ان قال تعالى فيهم { صم بكم عمى فهم لا يعقلون } قال الشيخ ابو عثمان المغربى قدس سره من امرا لسنه على نفسه اخذا وتركا وحبا وبغضا نطق بالحكمة ومن امر الهوى على نفسه نطق بالبدعة فعلى السالك ان يأخذ بالطريق الوسط وهو طريق الكتاب والسنة الموصل الى الجنة والقربة والوصلة ويجتهد فى تحصيل كمال الصدق والاخلاص اذ هو الزاد لاهل الاختصاص نسأل الله الفياض الكريم ان يشرفنا بفيضه العميم وثبتنا على صراطه المستقيم .(8/249)
لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)
{ لا يسئل } الله تعالى { عما يفعل } ويحكم } وهم } اى العباد { يسئلون } عما يفعلون نقيرا وقطميرا والسؤال استدعاء معرفة او ما يؤدى الى المعرفة وجوابه على اللسان واليد خليفة له بالكتابة والاشارة .
فان قيل ما معنى السؤال بالنسبة الى الله تعالى . قلنا ترعيف للقوم وتبكيتهم لا تعريف لله تعالى فانه علام الغيوب فالسؤال كما يكون للاستعلام يكون للتبكيت وانما لا يسأل سؤال انكار وجوز السؤال عنه على سبيل الاستكشاف والبيان كقوله { قال رب أنى يكون لى غلام } وعلى سبيل التضرع والحاجة كقوله تعالى حكاية عن الكافر { رب لم حشرتنى اعمى وقد كنت بصييرا } قال فى بحر العلوم انما لا يسأل عما يفعل لانه رب مالك علام لا نهاية لعلمه وكل من سواه مربوب مملوك جاهل لا يعلم شيأ لا بتعليم فليس للمملوك الجاهل ان يتعرض على سيده العليم بكل شئ فيما يفعل ويقول لم فعلت وهلا فعلت مثلا وهم يسألون لانهم مملوكون مستعبدون خطأون فيقال لهم فى كل شئ فعلوه لم فعلتم .
واعلم ان الاعتراض شؤم يسخط الرب ويوجب عقابه وسخطه : قال الحافظ
مزن زجون وجرادكم كه بنده مقبل ... قبول كردبجان هرسخن كه جانان كفت
وبشم الاعتراض على الله فى فعله لعن ابليس وكان من مرة الكافرين فانه تعالى لما امره بالسجود قال { أاسجد لمن خلقت طينا } وبشؤم الاعتراض فكف بالاعتراض فى شأن الخالق وبالاعتراض ما اصابها فهذا بالاعتراض فى شأن المخلوق فكيف بالاعتراض فى شأن الخالق وبالاعتراض على الله والتعمق فى الخوض فى صفاته هلك الهالكون من اهل الاهوا وارباب الآراء تعمقوا فيما لم يتعمق فيه اصحاب رسول الله والتابعون من تبعهم من اهل الحق وتكلفوا الخوض فيه فى الشبهات فضلوا واضلوا ولم لم يتعمقوا لسلموا وقد اتفقت كلمة اهل الحق على ان الاعتراض على الله الملك الحق فى قعله فلا يحدث فى خلقه كفر فلا يجترئ عليه الا كافر وجاهل ضال .
وكذا الاعتراض على النبى عليه السلام فانه انما يقول عن الحق لا عن الهوى فالاعتراض عليه اعتراض على الحق وفيه الهلاك .
قال ابو هريرة رضى الله عنه سمعت رسول الله يقول « يا ايها الناس كتب عليكم الحج » فقام عكاشة بن محصر فقال أكل عام يا رسول الله فقال « لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ثم تركتموها لضللتم اسكتوا عنى كما سكت عنكم فانما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على انبيائهم » فانزل الله تعالى { يا ايها الذين آمنوا لا تسألوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم } الآية .
ومن اشد التشنيع واقبح الاعتراض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما روى عن بعض الكبار انه قال كنت فى مجلس بعض الغافلين فتكلم الى ان قال لا مخلص لاحد من الهوى ولو كان فلانا عنى به النبى عليه السلام من حيث قال ( حبب الى من دنياكم ثلاث الطيب والسناء وقرة عينى فى الصلاة ) فقلت أما تستحى من الله تعالى فانه ما قال احببت بل قال حبب فكيف يلام العبد من عند الله ثم حصل لى هم وغم فرأيت النبى عليه السلام فى المنام فقال لا تغتم فقد كفيناك امره ثم سمعت انه قتل .(8/250)
قال الفقهاء من عيره عليه السلام بالميل الى نسائه قاصدا به النقص يقتل قاتله الله تعالى .
يقول الفقير
شب بره ميطلبد بدر تمامت نقصان ... اونداندكه ابدنور توظاهر باشد
هركه ازروى جدل برتوسخن ميراند ... بمثل شد اكرش بو على كافر باشد
واما الاعتراض على الاولياء والمشايخ من العلماء فانه يحرم الخير ويقطع بركة الصحبة وزيادة العلم يدل على ذلك شأن موسى والخضر عليهما السلام نهاه عن الاعتراض عليه فما يفعل بقوله { فلا تسألنى عن شئ حتى احدث لك منه ذكرا } فاعترض عليه فناداه الخضر بالفراق فحرم بركة صحبته وانقطعت بركة الزيادة من علمه والخير الذى جعله الله معه . ومن شؤم الاعتراض وما كان من امر الخوارج اعترضوا على على رضى الله عنه وخرجوا عليه من الدين وصاروا كلام النار وشر قتلى تحت اديم السماء .
قال ابو يزيد البسطامى قدسر سره فى حق تلميذه لما خالفه دعوا من سقط من عين الله فرؤى بعد ذلك مع المخنثين وسرق فقطعت يده هذا حظ المعترض فى الدنيا واما حاله فى الآخرة فلا يكلمه الله ولا ينظر اليه وله عذاب اليم فى نار القطيعة والهجران : يقول الفقير
هين مكن بامر شد كامل جدل ... تانباشد كمرهى اورا بدل(8/251)
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24)
{ ام اتخذوا من دونه آلهة } الهمزة لانكار الاتخاذ المذكور واستقباحه واستعظامه ومن متعلقة باتخذوا والمعنى بل اتخذوا متجاوزين اياه تعالى آلهة مع ظهور خلوهم عن خواص الالوهية بالكلية { قل } لهم بطريق الالزام والقام الحجر { هاتوا } [ بياريد ] .
قال فى بحر العلوم هات من اسماء الافعلا يقال هات الشئ اى اعطنيه . والمعنى اعطونى { برهانكم } حجتكم على ما تدعون من جهة العقل والنقل فالنه لا صحة لقول لا دليل ليه فى الامور الدينية لا سيما فى مثل هذا الشأن الخطير .
قال الراغب البرهان فعلان مثل الرجحان والبنيان .
وقال بعضهم هو مصدر بره يبره اذا ابيض انتهى وقد اشار صاحب القاموس الى كليهما حيث قال فى باب النون البرهان بالضم الحجة وبرهن عليه اقام البرهان وفى باب الهاء ابره اتى بالبرهان .
قال فى المفردات البرهان اوكد الادلة وهو الذى يقتضى الصدق ابدا { هذا ذكر من معى وذكر من قبلى } هذا اشارة الى الموجود بينهم من الكتب الثلاثة القرآن والتوراة والانجيل فالقرآن ذكر وعظنة لمن اتبعه عليه السلام الى يوم القيامة والتوراة والانجيل ذكر وعظة للامم المتقدمة يعنى راجعون هذه الكتب الثلاثة هل تجدون فى واحد منها غير الامر بالتوحيد فهذا برهانى قد اقمته فاقيموا ايضا برهانكم .
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان اثبات الوحدانية بالتحقيق وكشف العيان من خصوصية العلماء المحققين من امتى الذين هم معى فى سير المقامات وقطع المنازل الى الخضرة كما هو من خصائص الانبياء من قبلى ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم « علماء امتى كانبياء بنى اسرائيل » اى فى صدق طلب الحق بالاعراض عن الكونين والتوجه الى الله تعالى { بل اكثرهم لا يعلمون الحق } اضراب من جهته تعالى غير داخل فى الكلام الملقن اى لا يفهمون الحق ولا يمزيون بينه وبين الباطل فلا تنجع فيه المحاجة باظهار حقية الحق وبطلان الباطل .
وفى بحر العلوم كأنه قيل بل عندهم ما هو اصل الفساد كله وهو الجهل وعدم التمييز بين الحق والباطل فمن ثمة جاء الاعراض ومن هناك ورد الانكار { فهم } لاجل ذلك { معرضون } مستمرون على الاعراض عن التوحيد واتباع الرسول واما اقلهم العالمون فلا يقبلونه عنادا .(8/252)
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)
{ وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحى اليه انه } اى الشأن { لا اله الا انا فاعبدون } اى وجدونى ولا تشركوا بى .
وفيها اشارة الى ان الحكمة فى بعثة جميع الانبياء والرسل مقصورة على هاتين المصلحتين وهما اثبات وحدانية الله تعالى وتعبده بالاخلاص لتكون فائدة تينك المصلحتين راجعة الى العباد لا الى الله تعالى كما قال ( خلقت الخلق ليربحوا علىّ لا لأربح عليهم ) : وفى المثنوى
جون خلقت الخلق كى يربح على ... لطف توفرمود اى قيوم وحى
لا لأن اربخ عليهم جودتست ... كه شود زوجمله ناقصها درست
عفوكن زين ناقصان تن برست ... عفو ازدرياى عفو او ليترست
واكبر فائدتهما معرفة الله تعالى كما قال تعالى { وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون } اى ليعرفون وهى مختصة بالانسان دون سائر المخلوقات فانها هى حقيقة الامانة التى قال تعالى { انا اعرضنا الامانة على السموات والارض } الآية .
يقول الفقير العبادة طريق المعرفة وهى طريق الرؤية فالرؤية اعلى من المعرفة لان العارفين مشتاقون الى منازل اهل الوصال والواصلون لا يشتاقون الى منازل اهل المعرفة والمعرفة يتولد منها التعب والعناء والرؤية يتولد منها السرور والرضى .
قال بعض العارفين المعرفة الطف والرؤية اشرف والمعرفة اشد والرؤية اكد فعلى السالك ان يجتهد فى تحقيق المعرفة والتوحيد ويصل الى رؤية احميد المجيد .
والتوحيد على ثلاث مراتب توحيد اهل البداية وهو لا ال الا هو وسير اهل هذا التوحيد فى عالم الاجسام . وتوحيد اهل التوسط وهو لا اله الا انت وسير اهل هذا التوحيد فى عالم الارواح . وتوحيد اهل النهاية وهو لا اله الا انا وسير اهل هذا التوحيد فى عالم الحقيقة والى هذه المرتبة اشار الشيخ المغربى قدس سره بقوله
نور هستى جمله ذرات عالم تا ابد ... ميكننداز مغربى جون ماه ازمهر اتقباس
ومن لطائف الكمال الخجندى قوله
طاس بازى بديدم از بغداد ... جون جنيد ازسلوكش آكاهى
رفت درجبه وقت بازى كفت ... ليس فى جبتى سوى اللهى
ثم ان فى الآية اشارة الى ان اكثر الخلق من ديعون الاسلام والتوحيد ولا يميزون الحق من الباطل فيتبعون اهل الشرك والرياء والبدع والهوى والدنيا ولذا قلت عبادتهم بالاخلاص بل انتفى رعاية الشريعة بينهم ولو كان لهم استعداد وجدان الحق لو جدوا اهله اولا ووصلوا بتسليكهم على قدمى الشريعة والطريقة الى المعرفة والحقيقة فانما حرموا الوصول بتضييعهم الاصول ومن الله الهداية والتوفيق ومنه الوصول الى مقام الصدق والتحقيق .(8/253)
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26)
{ وقالوا } اى حى من خزاعة { اتخذ الرحمن ولدا } من الملائكة وادعوا انهم بنات الله وانه تعالى صاهر سروات الجن فولدت له الملائكة .
قال الراغب الاخذ وضع الشئ وتحصيله وذلك تارة بالتناول نحو { معاذ الله ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده } وتارة بالقهر نحو قوله تعالى { لا تأخذه سنة ولا نوم } ويقال اخذنه الحمى ويعبر عن الاسير بالمأخوذ والاخيذ والاتخاذ افتعال منه فيتعدى الى مفعلوين ويجرى مجرى الجعل { سبحانه } اى تنزه بالذات تنزهه اللائق به على ان السبحان مصدر من سبح اى بعد او اسبحه تسبيحه على انه علم للتسبيح وهو مقعول على السنة العباد او سبحوه تسبيحه .
قال فى بحر العلوم ويجوزان ان نكون تعجبا من كلمتهم الحمقاء اى ما ابعد من ينعم بجلائل النعم ودقائقها وما اعلاه عما يضافاليه من اتخاذ الولد والصاحبة والشريك انتهى .
وقال فى الكشف التنزيه لا ينافى التعجب { بل } ليست الملائكة كما قالوا بل هم { عباد } مخلوقون له تعالى { مكرمون } مقربون عنده مفضلون على كثير من العباد لاعلى كلهم والملخوقية تنافى الولادة لانها تقتضى المناسبة فليسوا باولاد واكرامهم لا يقتضى كونهم اولادا كما زعموا .(8/254)
لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27)
{ لا يسبقونه بالقول } صفة اخرى لعباد واصل السبق التقدم فى السير ثم تجوز به فى غيره من التقدم اى لا يقولون شيأ حتى يقوله تعالى ويأمرهم به لكمال انقيادهم وطاعتهم كالعبيد المؤدبين .
قال الكاشفى [ يعنى بى دستورئ وى سخن نكويند مراد ازين سخن قطع طمع كافرانست ازشفاعت ملائكة يعنى ايشان بى اذن خداشفاعت نتوانند كرد ] { وهم بامره يعملون } اى كما انهم يقولون ابامره كذلك يعملون بامره لا بغير امره اصلا لافقصر المستفاد من تقديم الجار معتبر بالنسبة الى غير امره لا الى امر غيره والامر مصدر امرته اذا كلفته ان يفعل شيأ .
وفى الآية اشارة الى ان العباد المكرمين بالتقرب الى الله تعالى ولاوصول اليه لا يقولون شيأ من تلقاء نفوسهم ولا يفعلون شيأ بارادتهم بل اذا انطقوا نطقوا بالله واذا سكتوا سكتوا بالله : يقول الفقير
جون وزد باد صبا وقت سحر ... ميشود دريا زجنبش موجكر
موج وتحريك ازصبا باشد همين ... نى زدريا اين خروش آينده هين(8/255)
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)
{ يعلم } الله تعالى اى لا يخفى عليه { ما بين ايديهم } ما قدموا من الاقوال والاعمال { وما خلفهم } وما اخروا منهما وهو الذى ما قالوه وما عملوه بعد فيعلمهم باحاطته تعالى بذلك ولا يزالون يراقبون احوالهم فلا يقدمون على قول او عمل بغير امره تعالى فهو تعليل لما قبله وتمهيد لمابعده { ولا يشفعون } الشفع ضم الشئ الى مثله .
والشفاعة الانضمام الى آخر ناصرا له وسائلا عنه واكثر ما يستعمل فى انضمام من هو اعلى مرتبة الى من هو ادنى ومنه الشفاعة فى القيامة { الا لمن ارتضى } ان يشفع له من اهل الايمان مهابة منه تعالى وبالفارسية [ مكر كسى كه خدى بشفاعت به بسندد اورا ] قال ابن عباس رضى الله عنهما الا لمن قال لا اله الا الله .
فلا دليل فيه للمعتزلة فى نفى الشفاعة عن اصحاب الكبائر .
قال فى الاسئلة المقحمة هذا دليل على ان لا شفاعة لاهل الكبائر لانه لا يرضى لهم والجواب قد ارتضى العاصى لمعرفته وشهادته وان كان لا يرتضيه لفعله لانه اطاعه من وجوه وان عصاه من وجوه اخر فهو مرتضاه من جوه الطاعة له ولهذا قال ابن عباس رضى الله عنهما الذى ارتضاهم هم اهل شهادة ان لا اله الا الله : وفى المثنوى
كفت بيغمبركه روز رستخيز ... كى كذارم مجرما نرا اشك رز
من شفيع عاصيان باشم بجان ... تارهانم شان زاكشنجه كران
عاصيان واهل كبائررا بجهد ... وارهانم ازعتاب نقض عهد
صالحان امتم خود فارغند ... از شفاعتهى من روز كزند
بلكه ايشانرا شفاعتها بود ... كفتشان جون حكم نافذمى رود
{ وهم } مع ذلك { من خشيته } اى من خشيتهم منه تعالى فاضيف المصدر الى مفعوله { مشفقون } مرتعدون [ يا زمهابت وعظمت اوترسان ] والاشفاق عناية مختلقة بخوف لان المشفق يحب المشفق عليه ويخاف ما يلحقه كما فى المفردات .
قال ابن الشيخ الخشية والاشفاق متقاربان فى المعنى والفرق بينهما ان المنظور فى الخشية جانب المخشى منه وهو عظمته ومهابته وفى الاشفاق جانب المخشى عليه وهو الاعتناء بشأنه وعدم الامن من ان يصيبه مكروه ثم ان الاشفاق يتعدى بكل واحد من كلمتى من وعلى يقال اشفق عليه فهو مشفق واشفق منه اى حذر فان عدى بمن يكون معنى الخوف فيه اظهر من معنى الاعتناء وان عدى بعلى يكون معنى الاعتناء اظهر من معنى الخوف .
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه رأى جبريل ليلة المعراج ساقطا كالحلس من خشية الله تعالى .
وعنه ايضا ان اسرافيل له جناح بالمشرق وجناح بالمغرب والعرش على جناحه وانه ليتضاءل الاحيان حتى يعود مثل الوضع وهو بالسكون ويحرك طائر اصغر من العصفور كما فى القاموس(8/256)
خوف وخشيت حليه اهل دلست ... امن وبى بروايئ شان غافلست
حينئذ { ومن يقل } [ وهركه كويد ] { منهم } اى من الملائكة { انى اله من دونه } اى حال كونه متجاوزا اياه تعالى { فذلك } الذى فرض قوله فرض محال فهذا لا يدل على انهم قالوه .
وقال بعضهم هو ابليس حيث ادعى الشركة فى الالوهية ودعا الى عبادة نفسه وفيه انه يلزم ان يكون من الملائكة { نجزيه جهنم } كسائر المجرمين ولا يغنى عنهم ما ذكر من صفاتهم السنية وافاعالهم المرضية وهو تهديد للمشركين بتهديد مدّعى الربوبية ليمنعوا عن شركهم { كذلك نجزى الظالمين } مصدر تشبيهى مؤكد لمضمون ما قبله اى مثل ذلك الجزاء الفظيع نجزى الذين يضعون الاشياء فى غير مواضعها ويتعدون اطوارهم بالاشراك وادعاء الالهية . والقصر المستفاد من التقديم معتبر بالنسبة الى النقصان دون الزيادة اى لا جزاء انقص منه والجواء ما فيه الكفاية من المقابلة ان خيرا فخير وان شر فشر يقال جزيته كذا وبكذا .
وفى التأويلات النجمية يشير بقوله { لا يسبقونه بالقول } الى انهم خلقوا منزهين عن الاحتياج الى مأكول ومشروب وملبوس ومنكوح وما يدفع عنهم البرد والحر وما ابتلاهم الله بالامراض والعلل والآفات ليسبقوا الله بالقول ويستدعوا منه رفعها وازالتها واخلاص منها بالتضرع وكذلك ا ابتلاهم الله بطبيعة تخالف اوامر الله تعالى فيمكن منهم خلاف ما يؤمرون { هم بامره يعملون } نظيره { لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون } ولعمرى انهم وان كانوا مكرمين بهذه الخصال فان بنى آدم فى سر { ولقد كرمنا بنى آدم } آكد المكرمين منهم بكرامات اكبر منها درجة وارفع منها منزلة وذلك لانهم لما خلقوا محتاجين الى ما لا تحتاج اليه الملائكة اكرموا بالكرامتين اللتين لم تكرم بهما الملائكة فاحدهما الرجوع الى الله مضطرين فيما يحتاجون اليه فاكرموا بكرامة الدعاء ووعدهم عليه الاستجابة بقوله { ادعونى استجب لكم } فلهم الشركة مع الملائكة فى قوله { لا يسبقون بالقول } الآية لانهم بامره دعوه عند رفع الحاجات ولك اثنى عليهم بقوله { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا } وقد اعظم امر الدعاء بقوله { قل ما يعبأ بكم ربى لولا دعاؤكم } وهم ممتازون عن الملائكة بكرامة الدعاء والاستجابة وهذه مرتبة الخواص من بنى آدم فى الدعاء . فاما مرتبة اخص الخواص فهى انهم يدعون ربهم لا خوف ولا طمعا بل محبة منهم وشوقا الى وجهه الكريم كما قال { يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه } وهذه هى الكرامة الثانية التى من نتائج الاحتياج حتى لا يبقى شئ من المخلوقات الا محتاجا بخلاف مخلوق آخر فان لكل مخلوق استعداد فى الاحتياج يناسب حال جبلته التى جبل عليها فكل مخلوق يفتقر الى خالقه بنوع ما وتفتقر اليه بنوا آدم من جميع الوجوه وهذا هو سر قوله تعالى { والله الغنى وانتم الفقراء } كما ان ذاته وصفاته استوعبت الغنى كذلك ذواتهم وصفاتهم استوعبت الفقر فاكرمهم الله بعلم اسماء ما كانوا محتاجين اليه كله ووفقهم للسؤال عنه وانعم عليهم بالاجابة فقال(8/257)
{ وآتيكم من كل ما سألتموه } وعد ذلك من النعم التى لا نهاية لها وكرامة لا كرامة فوقها بقوله { وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها } وبقوله { يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم } يشير الى انه يعلم ما بين ايدى الملائكة من خجالة قولهم { أتجعل فيها من يفسد فيها } الآية فان فيه شائبة نوع من الاعتراض ونوع من الغيبة ونوع من العجب حتى عيرهم الله فيام قالوا وقال { انى اعلم ما لا تعلمون } يعنى اعلم منه استحقاق المسجودية واعلم منكم استحقاق الساجدية له وما خلفهم اى وما يأمرهم بالسجود له والاستغفار لمن فى الارض يعنى المغتابين من اولاده ليكون كفارة لما صدر منهم فى حقهم { ولا يشفعون } فى الاستغفار { الا لمن ارتضى } يعنى الله تبارك وتعالى من انه المغفرة وهم من خشيته مشفقون اى من خشية الله وسطوة جلاله خائفون ان لا يعفو عنهم ما قالوا او يأخذهم به ومن يقل منهم انى اله من دونه يعنى من الملائكة فذلك نجزيه جهنم يشير اى انه ليس للملك استعداد الاتصاف بصفات الاوهية ولو ادعى هذه المرتبة فجزاؤه جهنم البعد والطرد والتعذيب كما كان حال ابليس وبه يشير الى ان الاتصاف بصفات الالوهية مرتبة بنى آدم كما قال عليه السلام « تخلقوا باخلاق الله » وقال « عنوان كتاب الله الى اوليائه يوم القيامة من الملك الحى الذى لا يموت الى الملك الحى الذى لا يموت » فافهم جدا كذلك نجزى الظالمين يعنى الذين يضعون الاشياء فى غير موضعها كاهل الرياء والسمعة والشرك الخفى انتهى ما فى التأويلات النجمية .(8/258)
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)
{ أولم ير الذين كفروا } الهمزة لانكار نفى الريية وانكار النفى نفى له ونفى النفى اثبات والواو للعطف على مقدر والرؤية قلبية لا بصرية حتى لا يناقض قوله تعالى { ما اشهدتهم خلق السموات والارض } والمعنى ألم يتفكروا او ألم يستفسروا من العلماء او ألم يطالعوا الكتب او ألم يسمعوا الوحى ولم يعلموا { ان السموات والارض كانتا } ثنى الضمير الراجع الى الجمع باعتبار ان المرجع اليه جماعتان { رتقا } على حذف المضاف اى ذواتى رتق بمعنى ملتزقتين ومنضمتين لافضاء بينهما ولا فرج فان الرتق هو الضم والالتحام خلقه كان او ضنعه { ففتقناهما } الفتق الفضل بين المتصلين وهو ضد الرتق اى ففصلنا وفرقنا احداهما عن الاخرى بالريح وفى الحديث المشهور « اول ما خلق الله جوهرة فنظر اليها بنظر الهيبة فذابت وارتعدت من خوف ربها فصارت ماء ثم نظر اليها نظر الرحمة فجمد نصفها فخلق منه العرش وارتعد العرش فكتب عليه لا اله الا الله محمد رسول الله فسكن العرش فترى الماء يرتعد الى يوم القيامة » وذلك قوله تعالى { وكان عرشه على الماء } اى العذب ( ثم حصل من تلاطم الماء ادخنة متراكمة بعضها على بعض وزبد فخلق منها السموات والارض طباقا وكانا رتقا وخلق الريح فيها ففتق بين طبقات السموات وطباق الارض ) كما خبر بقوله { ثم استوى الى السماء وهى الدخان } وانما خلقها من دخان ولم يخلقها من بخار لان الدخان خلق متماسك الاجزاء يستقر عند منتهاه والبخار يتراجع وذلك من كمال علمه وحكمته ( ثم بعد ذلك مد الزبد على وجه الماء ودخانه فصارا ارضا بقدرته ) وذلك قوله تعالى { والارض بعد ذلك دحاها } [ وكفنته اند آسمان بسته بود ازوى باران نمى آمد وزمين بستة بود ازو كياه نمى رست ما آن را بباران واين را بكياه كشاديم ] يعنى فتق السماء وهى اشد الاشياء واصلبها بألين الاشياء وهو الماء وكذلك فتق الارق بألين الاشياء وهو النبات مع شدتها وصلابتها .
فان قيل المفتوقة بالمطرهى سماء الدنيا فما معنى الجمع .
قلنا جمع السموات لان لها مدخلا فى الامطار اذا لتأثير انما يحصل من جهة العلو .
واعلم ان الفتق صفة الله تعالى كالعلم والقدرة وغيرهما فهو ازلى والمفتوق حادث بحدوث التعلق كما فى العلم وغيره من الصفات التى لا يلزم من قدمها قدم متعلقاتها فتكون تعلقاتها حادثة . فقول البيضاوى ان الفتق عارضا خطأ كما فى بحر العلوم { وجعلنا } خلقنا { من الماء } الماء جسم سيال قد احاط حول الارض { كل شئ حى } اى كل حيوان عرف الماء باللام قصدا الى الجنس اى جعلنا مبدأ كل شئ حى من هذا الجنس اى جنس الماء وهو النطفة كام فى قوله تعالى(8/259)
{ والله خلق كل دابة من ماء } اى كل فرد من افراد الدواب من نطفة معينة هى نطفة ابيه المتخصة به او كل نوع من انواع الدواب من نوع من انواع المياه وهو نوع النطفة التى تختص بذلك النوع من الدواب .
يقول الفقير قدفرقوا بين الحى والحيوان بن كل حيوان حى وليس كل حى حيوانا كالملك فالظاهر ما جاء فى بعض الروايات من ( ان الله تعالى خلق الملائكة من ريح خلقها من الماء وآدم من تراب خلقه منه والجن من نار خلقها منه ) .
وقال بعضهم يدخل فى الآية النبات والشجر لنمائهما بالماء والحياة قد تطلق على القوة النامية الموجودة فى النبات والحيوان كما فى المفردات ويدل على حياتهما قوله تعالى { يحيى الارض بعد موتها } كما فى الكبير { أفلا يؤمنون } [ آيا نمى كردند مشركان باوجود اين آيات واضحه } .
وفى التأويلات النجمية يشير { بقوله أولم ير الى ففتقناهما } الى ان الرواح المؤمنين والكافرين خلقت قبل السموات والارض كما قال عليه السلم « ان الله خلق الارواح قبل الاجساد بالفى الف عام » وفى رواية « باربعة آلاف سنة وكان خلق السموات والارض بمشهد من الارواح وكانتا شيأ واحدا » كما جاء فى الحديث المشهور « اول ما خالق الله جوهرة » ويشير بقوله { وجعلنا من الماء كل شئ حى } الى انه تعالى خلق حياة كل ذى حياة من الحيوانات من الماء الذى عليه عرشه وذلك ان الجوهرة التى هى مبدأ الموجودات وهى الروح الاعظم خلقت ارواح الانسان والماك من اعلاها وخلقت ارواح الحيوانات والدواب من اسفلها وهى الماء كما قال ( والله خلق كل دابة من ماء ) وكان ذلك كله بمشهد الارواح فلذلك قال { أفلا يؤمنون } اى أفلا يؤمنون بما خلقنا بمشهد من ارواحهم انتهى .
واعلم ان المراد من رؤية الآيات النتقال منها الى رؤية صانعها رؤية قلبية هى حقيقة الايمان - روى - ان عليا رضى الله عنه صعد المنبر يوما وقال سلونى عما دون العرش فان ما بن الجوانح علم جم هذا لعاب رسول الله فى فمى هذا ما رزقنى رسول الله رزقا فوالذى نفسى بيده لو اذن للتوراة والانجيل ان يتكلما فاخبرت بما فيهما لصدّقانى على ذلك وكان فى المجلس رجل يمانى فقال ادعى هذا الرجل دعوى عريضة لأفضحنه فقام وقال اسأل قال سل تفقها ولا تسأل تعنتا فقال انت حملتنى على ذلك هل رأيت ربك يا علىّ قال ما كنت اعبد ربا لم اره فقال كيف رأيت قال لم تره العيون بمشاهدة العيان ولكن رأته القلوب بحقيقة الايمان ربى احد واحد لا شريك له احد لا ثانى له فرد لا مثل له لا يحويه مكان ولا يداوله زمان ولا يدرك بالحواس ولا يقاس بالقياس فسقط اليمانى مغشيا عليه فلما افاق قال عاهدت الله ان لا اسأل تعنتا : قال الشيخ المغربى قدس سره
نخست ديده طلب كن بس آنكهى ديدار ... ازانكه يار كند جلوه بر اولو الابصار
وقال الخجندى قدس سره
بدارشو آنكه طب آن روى كه هركز ... درخواب جنين دولت بيدار نيابى
ازال الله عنا الغين والغفلة والحجاب وفتح بصائرنا الى جناب جمال المهيمن الوهاب انه رب الارباب ومسبب الاسباب .(8/260)
وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31)
{ وجعلنا فى الارض } الارض جسم غليظ اغلظ ما يكون من الاجسام واقف على مركز العالم مبين لكيفية الجهات الست فالشرق حيث تطلع الشمس والقمر والغرب حيث تغيب والشمال حيث مدار الجدى والجنوب حيث مدار سهيل من رسا اذا ثبت ورسخ ران تميد بهم } الميد اضطراب الشئ العظيم كاضطراب الارض يقال ماد يميد ميدا اذا تحرك ومنه سميتالمائدة وهى الطعام والخوان عليه الطعام كما قال الراغب المائدةالطبق الى عليه الطعام ويقال لكل واحد منها مائدة . والمعنى كراهة ان تميل بهم الارض وتضطرب والظاهر ان الباء للتعدية كما يفهم من قول بعضهم بالفارسية [ تابجنباند زمين آدميانرا ] .
قال ابن عباس رضى الله عنهما ان الارض بسطت على وجه الماء فكانت تميد باهلها كما تميد السفينة على الماء فارسلها الله بالجبال الثوابت كما ترسى السفينة بالمرساة وسئل علىّ رضى الله عنه أى الخلق اشد قال اشد الخلق الجبال الرواسى والحديد اشد منها يبحث به الجبل والنار تغلب الحديد والماء يطفى النار والسحاب يحمل الماء والريح يحمل السحاب والانسان يغلب الريح بالثبات والنوم يغلب الانسان والهم يغلب النوم والموت يغلب كلها : يقول الفقير
نباشد درجهان جون مرك جزيى ... كه غالب شد ترا هرجند عزيزى
وفى التأويلات النجمية يشير الى الابدال الذين هم اوتاد الارض واطوادها فاهل الارض بهم يرزقون وبهم يمطرون والابدال قوم بهم يقيم الله الارض وهم سبعون اربعون بالشام وثلاثون بغيرها لا يموت احدهم الا يقام مكانه آخر من سائر الناس وفى الحديث « لن تخلو الارض من اربعين رجلا مثل خليل الرحمن فبهم تسقون وبهم تنصرون ما مات منهم احد الا ابدل الله مكانه آخر » { وجعلنا فيها } فى الارض او فى الرواسى وعله اقتصر فى الجلالين لانها المحتاجة الى الطرق { فجاجا سبلا } اى طرقا مسلوكة لان السبيل من الطرق ما هو معتاد السلوك والفج الشق بين الجبلين { لعلهم يهتدون } ارادة ان يهتدوا الى مصالحهم ومهماتهم التى جعلت لهم فى البلاد البعيدة .(8/261)
وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32)
{ وجعلنا السماء سقفا } سميت سقفا لانها للارض كالسقف { محفوظا } من الوقوع مع كونها بغير عمد او من الفساد والانحلال الى الوقت المعلوم او من استراق السمع بالشهب .
وفيه اشارة الى ان سماء قلب العارف محفوظة من وساوس شيطان الانس والجن وكان من دعاء النبى عليه السلام « للهم اعمر قلبى من وساوس ذكرك واطرد عنى وساوس الشيطان » كما فى آكام المرجان : وفى المثنوى
ذكر حق كن بانك غولانرا بسوز ... جشم تركسرا ازين كركس بدوز
{ وهم عن آياتها } اى ادلتها الواضحة التى خلقها الله تعالى فيها وجعلها علامات نيرة على وجوده ووحدته وكمال صنعه وعظيم قدرته وباهر حكمته مثل الشمس والقمر والنجوم وغيرها { معرضون } لا يتدبرون فيها فيقفون على ما هم عليه من الكفر والضلال .
يقال اخلاق الابدال عشرة اشياء . سلامة فىلصدر . وسخاوة فى المال . وصدق اللسان . وتواضع النفس والصبر فى الشدة . والبكاء فى الخلوة . والنصحية فى الخلق . والرحمة للمؤمنين . والتفكر فى الاشياء . والعبرة فى الاشياء فانظروا الى آثار رحمته وتفكروا فى عجائب صنعه وبدائع قدرته حتى تستخرجوا الدر من بحار معرفته - روى - ان داود عليه السلام دخل فى محرابه فرأى دودة صغيرة فتفكر فى خلقها وقال ما يعبأ الله بخلق هذه فانطقها الله تعالى فقالتيا داود أتعجبك نفسك وانا على ما انا والله اذكر الله واشكره اكثر مما آتاك الله فالمقصود برؤية الآيات بالحق ذكر الله تعالى عند كل شئ وهى من اوصاف المؤمنين الكاملين واما التعامى والاعراض فحال الكفرة الجاهلين : وفى المثنوى
بيش خر خرمهره وكوهر يكيست ... آن اشك را در درو دريا شكيست
منكر بحرست وكوهر هاى او ... كى بود حيوان درو بيرايه جو
در سر حيوان خدا ننهاده است ... كوبود در بند لعل ومر برست
مر خرانرا هيج ديدى كوشوار ... كوش هوش خربود در سبزه زار
وفى الآية اشارة الى آيات سماء قلب العارف وهى التجليات الحقية والكلمات الذوقية فاهل السلوك الحقيقى يؤمنون بالعماء بالله وباحوالهم ومقاماتهم وكلماتهم واما غيرهم فينكرون ويعرضون لانهم يمشون من طريق العقل وينظرون بنظر القنل .
وقد صح ان العقل ليس له قدم الا فى طريق المعقولات وفوقها المكاشفات فالاهتداء الى الله انما هو باهل الله اذ هم المرشدون الى الفجاج الصحيحة والسبل المستقيمة وعلومهم محفوظة من النسخ والتبديل دنيا وآخرة واما الرسوم فانما تتمشى الى الموت .
فعلى العقال ان يعقل نفسه عن هواها ويتفكر فى هداها ويختار للارشاد من هو اعرف بطريق العقل والنقل والكشف فانه قال فى المثنوى
رهوراه طريقت اين بود ... كو باحكام شريعت ميرود
ويعرض عمن لا يعرف قدر الشريعة والحكمة فيها فانه عقيم والمرتبط بالعقيم لا يكون الا عقيما نسأل الله تعالى ان يوفقنا للثبات فى اتباع طريقة اهل المكاشفات والمشاهدات فى جميع الحالات .(8/262)
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)
{ وهو } وحده رالذى خلق الليل } الذى هو ظل الارض { والنهار } الذى هو ضوء الشمس { والشمس } الذى هو كوكب مضيئ نهارى { والقمر } الذى هو كوكب مضئ ليلى اى الله تعالى اوجد هذه الاشياء واخردجها من العدم الى الوجود دون غيره فله القدرة الكاملة والحكمة الباهرة { كل } اى كل واحد من الشمس والقمر وهو مبتدأ خبره قوله { فى فلك } على حدة كما يشهده وقوله { يسبحون } حال اى يجرون فى سطح الفلك كالسبح فى الماء فان السبح المرّ السريع فى الماء او فى الهواء واستعير لمر النجوم فى الفلك كما فى المفردات ويفهم منه ان الكواكب مرتكزة فى الافلاك ارتكاز فص الخاتم .
فى الخاتم قال فى شرح التقويم كل واحد من الكواكب مركوز فى فلك مغرب فيه كالكرة المنغمسة فى الماء لا كالمسك فيه والافلك متحركة بالارادة والكواكب بالعرض .
وقال بعضهم اخذا بظاهر الآية ان الفلك موج مكفوف من السيلان دون السماء تجرى فيه الشمس والقمر كما تسبح السمكة فى الماء والفلك جسم شفاف محيط بالعالم .
قال الراغب الفلم مجرى الكاوكب وتسميته بذنب لكونه كالفلك .
وقال محيى السنة الفلك فى كلام العرب كل شئ مستدير جمعه افلاك ومنه فلكه المغزل .
قال ابن الشيخ اختلف الناس فى حركات الكواكب والوجوه الممكنة فيها ثلاثة فانه اما ان يكون الفلك ساكنا والكواكب تتحرك فيه كحركة السابح فى الماء الراكد واما ان يكون الفلك متحركا والكواكب تتحرك فيه ايضا مخالفة لجهة حركته او موافقة لها مساوية لحركته فى السرعة والبطيء اولا واما ان يكون الفلك متحركا ساكنة .
قال الفلاسفة الرأى الاول باطل لانه يوجب خرق الفلك وهو محال وكذا الرأى الثانى فانه ايضا باطل لانه يوجب خرق الفلك وهو محال وكذا الرأى الثانى فانه ايضا باطل لعين ما ذكر فلم يبق الا الاحتمال الثالث وهو ان تكون الكواكب مغروزة فى الفلك واقفة فيه والفلك يتحرك فتتحرك الكواكب نبعا لحركة الفلك .
قال الامام واعلم ان مدار هذا الكلام على المتناع الحرق على الافلاك وهو باطل بل الحق ان الاحتمالات الثلاثة كلها ممكنة والله تعالى قادر على كل الممكنات والذى يدل عليه لفظ القرآن ان تكون الافلاك واقفة والكواكب تكون جارية فيها كما تسبيح السمكة فى الماء .
واعلم انه لو خلق السماء ولم يخلق الشمس والقمر ليظهر بهما الليل والنهار وسائر المنفع بتعاقب الحر والبرد لم يتكامل نعمه على عباده وانما تتكامل بحركاتها فى افلاكها ولهذا { قال كل فى فلك يسبحون } .
واحتج ابو على بن سينا على كون الكواكب احياء ناطقة بقوله { يسبحون } وبقوله { انى رأيت احد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين }(8/263)
قال الجمع بالواو والنون لا يكون الا للاحياء العاقلين والجواب انه لم اسند اليهن ما هو من افعال العقلاء وهو السباحة والسجود نزلن منزلة العقلاء فعبر عنهن بضمير العقال ومثله { ادخلوا مساكنكم } قال بعض اهل الحقيقة الاجرام الفلكية هى الاجسام فوق العناصر من الافلاك والواكب ومحركاتها اى مبادى حركاتها بالحركة الارادية على الاستدارة جواهر مجردة عن مواد الافلاك فىذواتها وانفسها متعلقة بالافلاك فى حركاتها لتكون تلك الجواهر مبادى تحريكاتها ويقال تلك الجواهر المجردة النفوس الناطقة الفلكية .
فان قلت فعلى هذا لا يكون الناطق فصلا للانسان .
قلت المراد بالنطق ما يجرى على اللسان وفيه نظل لانه يرد النقض بالملك والجن والبغاء والجواب الحق هو ما يجرى على الجنان ما لا يجرى على اللسان وليس لهم جنان حتى يجرى عليه الشئ .
قال الكاشفى [ در كشف الاسرار آورده كه نزد اهل اشارة شب وروز نشان قبض وبسط عارفانست كاه يكى را بقبضه قبض كيرد تاسلطان جلال دمار ازنهاد اوبر آرد وكاه يكى را بر بساط بسط فشاند تامزبان جمال اورا ازخوان نوال نواله اقبلال دهد وآفتاب نشأنه صاحب توحداست بنعمة تمكين در حضرت شهود آراسته نه فزايد ونه كاهد لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا وقمر نشانه اهل تلوين است كاه دركاهش بود وكاه در افزايش زمانى بظهور نور برق وحدت در محاق نيستى افتد وساعتى ببروز رموز جامعيت بمرتبه بدريت رند كوبيا در كلام حقائق انجام حضرت قاسم الانوار قدس سره اشارتى بدين معنى هست
زبيم سوز هجرانت زموا باريكتر كردم ... جوروزوصل ياد آرم شوم در حال ازان فربه
وحضرت بيررومى قدس سره ميفرمايد
جون روى برتابى زمن كردم هلالى ممتهن ... ورروئ سوئ من كنى جون بدبى نقصان شوم
تو آفتابى من جومه كردتوكردم روز وشب ... كه در محاق افتم زتوكه شمع نور افشان شوم(8/264)
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)
{ كل نفس ذائقة الموت } برهان على ما من خلودهم والمراد النفسئ الناطقة الى هى الروجح الانسانية وموتها عبارة عن مفارقتها جسدها اى ذائقة مرارة المفارقة والذوق هذا لا يمكن اجراؤه على ظاهره لان الموت ليس من المطعوم حتى يذاق بل الذوق ادراك خاص فيجوز جعله مجازا عن اصل الادراك والموت صفة وجودية خلقت ضدا للحياة وباصطلاح اهل الحق قمع هوى النفس فمن مات عن هواه فقد حيى .
قال الراغب انواع الموت بحسب النواع الحياة الاول ما هو بازاء القوة النامية الموجودة فى الانسان والحيوانات والبنات نحو { اعلموا ان الله يحيى الارض بعد موتها } والثانى القوة العاقلة وهى الجهالة نحو { انك لا تسمع الموتى } والرابع الحزن المكدر للحاية نحو { ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت } والخامس المنام فقيل النومموت خفيف والموت نور نقيل وعلى هذا النحو سماه الله تعالى توفيا فقال { وهو الذى يتوفاكم بالليل } وقوله { كل نفس ذائقة الموت } عبارة عن زوال القوة الحيوانية وابانة الروح عن الجسد انتهى باجمال .
وفى التعريفات النفس هى الجوهر البخارى اللطيف الحامل لقوة الحياة والحسن والحركة الارادية وسماعه الحكيم الروح والحيوانى فهى جوهر مشرق للبدن فعند الموت ينقطع ضوؤه عن ظاهر البدن وباطنه فالنوم والموت من جن سواحد لان الموت هو الانقطاع الكلى والنوم هو الانقطاع الناقص .
والحاصل انه ان لم ينقطع ضوء جوهر النفس عن ظاهر البدن وباطنه فهو اليقظة وان انقطع عن ظاهره دون باطنه فهو النوم او بالكلية فهو الموت .
يقول الفقير يفهم منه ان الموت انقطاع ضوء الروح الحيوانى عن ظاهر البدن وباطنه وهذا الروح غير الروح الانسانى الذى يقال له النفس الناطقة اذ هو جوهر مجرد عن المادة فى ذاته مقارن لها فى فعلها ويؤيده ما فى انسان العيون من ان الروح عند كثر اهل السنة جسم لطيف مغاير للاجسام ماهية وهيئة متصرف فى البدن حال فيه حلول الدهن فى الزيتون يعبر عنه بانا وانت واذا فارق البدن مات .
وقول بعض الروحانيين ايضا ان الله تعالى جمع فى طينة الانسان الروح الملكى النورانى العلوى الباقى ليصير مسبحا ومقصدا كالملك باقيا بعد المفارقة والروح الحيوانى الظلالى السفلى الفانى ليقبل الفناء الذى يعبر عنه بالموت .
وقول بعضهم ايضا ذكر النفوس لا القلوب والارواح لانها تتجلى حياة الحق لها فاذا انسلخت الارواح من الاشباح انهدمت جنابذ الهياكل ورجعت الارواح الى معادن الغيب ومشاهدة الرب .
قال حضرة شيخى وسندى روح الله روحه فى بعض تحرير انه اعلم ان الروح من حيث جوهريته وتجرده وكونه من عالم الارواح المجردة مغاير للبدن متعلق به تعلق التدبير والتصرف قائم بذاته غير محتاج اليه فى بقائه ودوامه ومن حيث ان البدن صورته ومظهر كمالاته وقواه فى عالم الشهادة محتاج اليه غير منفك عنه بل سارى فيه لا كسريان الحلول المشهور عند اهل النظر بل كسريان الوجود المطلق الحق فى جميع الموجودات فليس بينهما مغايرة من كل الوجوه بهذا الاعتبار ومن علم كيفية ظهور الحق فى الاشياء وان الاشياء من أى وجه عينه ومن اى وجه غيره يعلم كيفية ظهور الروح فى البدن وانه من أى وجه عينه ومن أى وجه غيره لان الروح رب بدنه ويتحقق له ما ذكرنا وهو الهادى الى العلم والفهم انتهى كلام الشيخ قدس سره وهو العمدة فى الباب فظهر ان اطلاق النفس على الروح الانسانى انما هو لتعينه بتعين الروح الحيوانى فهو المفارق فى الحقيقة فافهم جدا .(8/265)
قال الجنيد قدس سره من كان بين طرفى فناء فهو فان ومن كانت حياته بنفسه يكون مماته بذهاب روحه ومن كانت حياته بربه فان ينقل من حياة الطبع الى حياة الاصل وهى الحياة فى الحقيقة .
قال بعضهم ظهور الكرامة من الاولياء انما هو بعد الموت الاختيارى اى بوجوده لا بفقده فالموت لا ينافى الكرامة فالاولياء يظهرونها بعد وفاقتهم الصورية ايضا كذا فى كشف النور : قال الصائب
مشوبمرك زامداد اهل دل نوميد ... كه خواب مردم آكاه عين بيداريست
وفى عمدة الاعتقاد للنسفى كل مؤمن بعد موته مؤمن حقيقة كما فى حال نومه وكذا الرسل والانبياء عليهم السلام بعد وفاتهم رسل والانبياء حقيقة لان المتصف بالنبوة والايمان الروح وهو لا يتغير بالموت انتهى . واذ قد عرفت ان المراد بالنفس هى الروح لا معنى الذات فلا يرد لله نفسا كما قال { تعلم ما فى نفسى ولا اعلم ما فى نفسك } مع ان الموت لا يجوز عليه وكذا الجمادات لها نفس وهى لا تمون وفى الحديث « آجال البهائم كلها والخشاش والدواب كلها فى التسبيح فاذا انقضى تسبيحها اخذ الله ارواحها وليس الى ملك الموت من ذلك شئ » وفى الحديث « لا تضربوا اماءكم على كسر انائكم فان لها آجالا كاجالكم - روى » - عن عائشة رضى الله عنها انها قالت استأذن ابو بكر رضى الله عنه على رسول الله وقدمات وسجى عليه الثوب فكشف عن وجهه ووضع فمه بين عينيه ووضع يديه بين صدغيه وقال وانبياء واخليلاه واصفياه صدق الله ورسوله { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفان مت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت } ثم خرج الى الناس فخطب وقال فى خطبته من كان يبد محمد فان محمدا قد مات ومن كان يبد ربه فان رب محمد حى لا يموت ثم قرأ { وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم }(8/266)
الآية .
قال الكاشفى [ هركه قدم از دروازه عدم بفضاى صحراى وجودنهاه بضرورت شربت فنا خواهد نوشيد ولباس ممات ووفات خواهد بوشيد ]
هركه آمد بجهان اهل فنا خواهد بود ... وانكه باينده وباقيست خدا خواهد بود
{ ونبلوكم } اى نعاملكم ايها الناس معاملة من يبلوكم ويختبركم كما قال الامام انما سمى ابتلاء وهو عالم بما سيكون لانه فى صورة الاختبار { بالشر والخير } بالبلايا والنعم كالفقر والالم والشدة والغنى واللذة والسرور هل تصبرون وتشكرون اولا .
وقال بعضهم بالقهر واللطف والفراق والوصال والاقبال والادبار والمحنة والعافية والجهل والعلم والنكرة والمعرفة .
قال سهيل نبلوكم بالشر وهو متابعة النفس والهوى بغير هدى والخير العصمة من المعصية والمعونة على الطاعة { فتنة } اى بلاء واختبارا فهو مصدر مؤكد لنبلوكم من غير لفظه واصل الفتن ادخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته .
وعن ابى امامة رضى الله عنه قال قال النبى عليه السلام « ان الله يجرب احدكم بالبلاء كما يجرب احدكم ذهبه بالنار فمنه ما يخرج كالذهب فذاك الى افتتن » قال الحافظ
خوش بود كرمحك تجربه آيد بميان ... تاسيه روى شود هركه دروغش باشد
قال الخجندى
نقد قلب وسره عالم را ... عشق ضراب ومحبت محكست
قال الراغب يقال بلى الثوب بلى اى خلق وبلوته اختبرته كأنى اخلقته من كثرة اختبارى له وسمى الغم بلاء من حيث انه يبلى الجسم .
ويسمى التكليف بلاء من اوجه . الاول ان التكاليف كلها مشاق على الابدان فصارت من هذا الوجه بلاء . والثانى انهى اختبارات والثالث ان اختبار الله تعالى تارة بالمسار ليشكروا وتارة بالمضار ليصبروا فصارت المحمنة والمحنة جميعا بلاء فالمحنة مقتضية للصبر والمنحة مقتضية للشكر والقيام بحقوق الصبر ايسر من القيام بحقوق الشكر فصارت المنحة اعظم البلاءين وبهذا النظر قال عمر رض ( من وسع عليه دنياه فلم يعلم انه قد مكر به فهو مخدوع عن عقله ) واذا قيل ابتلى فلانا بكذا وبلاه فذلك يتضمن امرين احدهما تعرف حاله والوقوف على ما يجهل من امره والثانى ظهور دودته ورداءته دون التعرف لحاله والوقوف على ما يجهل من امره اذ كان الله علام الغيوب { والينا ترجعون } لا الى غيرنا لا استقلالا ولا اشتراكا فنجازيكم على ما وجد منكم من الخير والشر فهو وعد ووعيد وفيه ايماء الى ان المقصود من هذه الحياة الدنيا الابتلاء والتعرض للثواب والعقاب .
واعلم ان المجازاة لا تسعها دارالتكليف فلا بد من دار اخرى لا يصار اليها الا بالموت والنشور فلا بد لكل نفس من ان تموت ثم تبعث .
قال بعضهم فائدة حالة المفارقة رفع الخبائث التى حصلت للروح بصحبة الاجسام وفائدة حالة الاعادة حصول التنعمات الاخروية التى اعدت لعباد الله الصالحين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .(8/267)
وفى التأويلات النجمية يشير بقوله { ونبلوكم بالشر والخير } الى انا نبلوكم بالمكروهات التى تسمونها شرا وهى الخوف والجوع والنقص من الاموال والانفس والثمرات وان فيها موت النفس وحياة القلب ونبولكم بالمحبوبات التى تسمونها الخير والانعام وهى الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث وفيها حياة النفس وموت القلب وكلتا الحالتين ابتلاء فمن صبر على موت النفس عن صفاتها بالمكروهات وعن الشهوات فله البشارة بحياة القلب واطمئنان النفس وله استحقاق الرجوع الى ربه بجذبة ارجعى الى ربك باللطف كما قال { والينا ترجعون } فبصير ما يحسبه شرا خيرا كما قال له تعالى { وعسى ان تكرهوا شيأ وهو خير لكم } ومن لم يصبر على المكروهات وعن الشهوات المحبوبات ولم يشكر عليها باداء حقوق الله فيها فله العذاب الشديد من كفران النعمة ويصير ما يحسبه خيرا شرا له كما قال تعالى { وعسى ان تحبوا شيأ وهو شر لكم } فيرجع الى الله بالقهر فى السلاسل والاغلال انتهى فعلى العاقل الصبر على الفقر ونحوه مما يعد مكروها عند النفس : قال الحافظ
درين بازار كرسوديست بادرويش خرسندست ... الهى منعمم كردان بدرويشى وخر سندى(8/268)
وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36)
{ واذا رأك الذين كفروا } اى المشركون نزلت حين مر النبى عليه السلام بابى جهل فضحك وقال لمن معه من صناديد العرب هذا نبى عبد مناف كالمستهزئ به { ان يتخذونك الا هزؤا } الهزؤ مزح فى خفية اى لا يفعلون بك الا اتخاذك مهزوا به : يعنى [ كسى كه با او استهزاء كنند مراد آنست كه ايشان ترا با استهزاء بيغمبر خوانند ] على معنى قصر معاملتهم معه على اتخاذهم اياه هزؤ لا على معنى قصر اتخاذهم على كونه هزؤا كما هو المتبادر { اهذا النبى } على ارادة القول : يعنى [ بايكديكر كفئند اين كس است كه بيوسته ] { يذكر آلهتكم } اصنامكم بسوء اى يبطل كونها معنودة ويقبح عبادتها يقال فلان يذكر الناس اى يغتابهم ويذكرهم بالعيوب كما قال فى بحر العلوم وانما اطلق الذكر لدلالة الحال فان ذكر العدو لا يكون الا بذم وسوء { وهم بذكر الرحمن هم كافرون } حال والضمير الاول خبره كافرون والثانى تأكيد لفظى له وبذكر متعلق بالخبر وهو من اضافة المصدر الى مفعوله اى يعيبون ان يذكر عليه السلام آلهتهم التى لا تضر ولا تنفع بالسوء والحال انهم كافرون بان يذكروا الرحمن المنعم عليهم بما يجب ان يذكر به من الوحدانية فهم احقاء بالعيب والانكار .
وفى الآية اشارة الى ان كل من كان محجوبا عن الله بالكفر لا ينظر الى خواص الحق الا بعين الانكار والاستهزاء لان خواص الحق من الانبياء والاولياء يقبحون فى اعينهم اذ ما اتخذوا لهم آلهة من شهوات الدنيا من جاهها وما لها وغير ذلك مما تخذوه آلهة كما قال تعالى { أفرأيت من اتخذ الهه هواه } وكل محب يغار على محبوبه ولذا يذكرونهم بعيب ونقصان والحال ان العيب والنقصان فيهم لا فى اضدادهم : وفى المثنوى
آن دهان كزكرد واز تسخر بخواند ... مر محمدرا دهانش كز بماند
باز آمد كاى محمد عفو كن ... اى ترا الطاف علم من لدن
من ترا افسوس ميكردم ز جهل ... من بدم افسوس را منسوب واهل
جون خدا خواهدكه برده كس درد ... ميلش اندر طعنه باكان برد
ورخدا خواهدكه بوشد عيب كس ... كم زند درعيب معيوبان نفس
فعلى العقال ان يصون لسانه عن ذكر العيوب ويشتغل فى جمع الاوقات بذكر علام الغيوب فانه الذى افاض سجال الرحمة والشكر لازم لولى النعمة وفى الحديث « ان ذكر الله مطيعا ذكره الله بالرحمة ومن ذكر الله عاصيا ذكره الله باللعنة وافضل الذكر لا اله الا الله » لانه اعراض عما سوى الله واقبال بالكلية على الله .
يقال النصف الاول اشارة الى قوله { ففروا الى الله } والثانى الى قوله { قل الله ثم ذرهم فى خوضهم يلعبون } ويقال ان سائر العبادات والاذكار تصل الى الله تعالى بواسطة الملك اما هذه الكلمة فتصل الى الله بلا واسطة الملك من قالها مرة خالصا غفرت ذنوبه وان كانت مثل زبد البحر وانه تعالى امر جميع الانبياء ان يدعو اممهم الى هذا الذكر فما نزلت كلمة اجل من لا اله الا الله بها قامت السموات والارضون وهى كلمة الاسلام وكلمة النجاة وكلمة النور اذ بها يستنير الباطن بأنوار الخلوص والصدق والصفاء واليقين .(8/269)
خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)
{ خلق الانسان } اى جنسه { من عجل } العجلة طلب الشئ وتحريه قبل اوانه وهو من مقتضى الشهوة فلذلك صارت مذمومة حتى قيل العجلة من الشيطان جعل الانسان لفرط استعجاله وقلة صبره كأنه مخلوق منه كما يقال خلق زيد من الكرم تنزيلا لما طبع عليه من الاخلاق منزلة ما طبع منه من الاركان ايذانا بغاية لزومه وعدم انفكاكه عنه ومن عجلته مبادرته الى الكفر واستعجاله بالوعيد قال النضر بن الحارث ( اللهم ان كان هذا هو الحق من عند فامطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم ) وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان المراد بالانسان آدم وانه حين بلغ الروح صدره اراد ان يقوم اى استعجل فى القيام قبل ان يبلغ الروح اسفله { سأريكم } ايها المستعجلون { آياتى } [ نشانهاى قدرت خود دردنيا بواسطه واقعه بدر ودر آخرت عذاب دوزخ ] { فلا تستعجلون } بالاتيان بها : وبالفارسية [ بس شتاب مكنيد مر جواستن آن ] والنهى عما جبلت عليه نفوسهم ليقمعوها عن مرادها فان لهم الارادة والاختيار فطبعهم على العجل لا ينافى النهى كما قال تعالى { واحضرت الانفس الشح } فخلق فى الانسان الشح وامر بالانفاق وخلق فيه الضعف وامر بالجهاد وخلق فيه الشهوة وامر بمخالفتها فهذا ليس من قبيل تكاليف ما لا يطاق .
وفى التأويلات النجمية فيه اشارة الى معان .
ومنها انتم تستعجلون فى طلب العذاب من جهلكم وضلالكم وهذلك لانكم تاذون حبيبى ونبيى بطريق الاستهزاء والعداوة من عادى لى وليا فقد بارزنى فى الحرب فقد استعجل فى طلب العذاب لانى اغضب لاوليائى كما يغضب الليث ذو الجرو لجروه فكيف بمن يعادى حبيبى ونبيى عليه السلام ويدل على صح ةهذا التأويل قوله { سأريكم آياتى } اى عذابى { فلا تستعجلون } فى طلبه بطريق ايذاء نبيى والاستهزاء به .
ومنها ان الروح الانسانى خلق من عجل لانه اول شئ تعلقت به القدرة .
ومنها ان الله تعالى خلق السموات والارض وما بينهما فى ستة ايام وخمر طينة آدم بيده اربعين صباحا وقد روى ان كل يوم من ايام التخمير كان مقداره الف سنة مما تعدون فتكون اربعين الف سنة فالمعنى ان الاسنان مع هذا خلق من عجل بالنسبة الى خلق السموات والارض فى ستة ايام لما خلق فيه عند تخمير طينته من نموذجات ما فى السموات والارض وما بينهما واستعداده لقبوله سر الخلافة المختصة به وقابليته تجلى ذواته وصفاته وللمرآتية التى تكون مظهره للكنز الخفى الى خلق الخلق لاظهاره ومعرفته لاستعداد حمل الامانة التى عرضت على السموات والارض والجبال واهاليها فا بين ان يحملتها واشفقن منها وحملها الانسان وتمام الآية يدل على هذا المعنى وهو قوله { سأريكم آياتى فلا تستعجلون } اى سأريكم صفات كمالى فى مظاهر الآفاق ومرآة انفسكم بالتربية فى كل قرن واسطة نبى او ولى فلا تستعجلون فى طلب هذا المقام من انفسكم فانه قيل حد طلبه من المهد الى اللحد بل اقول من الازل الى الابد وهذا منطق الطير لا يعلمه الا سليمان الوقت قال تعالى(8/270)
{ سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق } انتهى : قيل
لا تعجلن لامر انت طالبه ... فقلما يدرك المطلوب ذو العجل
فذو التأنى مصيب فى مقاصده ... وذو التعجل لا يخلو عن الزلل
قال اعرابى اياكم والعجلة فان العرب تكنيها ام الندامات قال آدم عليه السلام لاولاده « كل عمل نريد ان تعملوه فقفوا له ساعة فانى لو وقفت ساعة لم يكن اصابنى ما اصابنى » فلا بد من التأنى فى الامور الدنيوية والمقاصد المعنوية
جو صبح وصل او خواهد دميدن عاقبت جامى ... مخو كر شب هجران بيايان دير مى آيد(8/271)
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (39)
{ ويقولون } بطريق الاستعجال والاستهزاء { متى هذا الوعد } اى وعد العذاب والساعة فليأتنا بسرعة { ان كنتم صادقين } فى وعدكم بانه يأتينا والخطاب للنبى عليه السلام والمؤمنين الذين يتلون الآيات المنبثة عن مجيئ الوعد فقال تعالى { لو يعلم الذين كفرا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون } جواب لو محذوف وايثار صيغة المضارع فى الشرط وان كان المعنى لافادة استمرار عدم العلم وحين مفعول ليعلم والكف الدفع يقال كففته اصبته بالكف ودفعته بها وتعورف الكف بالدفع على أى وجه كان بالكف او غيرها والمعنى لو علموا الوقت الذى يستعجلونه بقولهم متى هذا الوعد وهو حين تحيط بهم النار من كل جانب بحيث لا يقدرون على دفعها ولا يجدون ناصرا يمنعها لما استعجلوا وتخيصص الوجوه والظهور يعنى القدام والخلف لكونهما اشرف الجوانب واستلزام الاحاطة بهما للاحاطة بالكل .(8/272)
بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (40)
{ بل تأتيهم } العدة { بغتة } البغتة مفاجأة الشئ من حيث لا يحتسب اى فجأة : وبالفارسية [ ناكهان ] وهو مصدر لان البغتة نوع من الاتيان او حال اى باغتة { فتبهتهم } [ بس مبهوت ومتحير كرداند ايشان ] والبهت الحيرة .
قال الامام وانما لم يعلم الله وقت الموت والساعة لان المرء مع الكتمان اشد حذرا واقرب الى التدارك .
قال بعض الكبار من بهته شئ من الكون فهو لمحله عنده وغفلته عن مكنونه ومن كان فى قبضة الحق وحضرته لا يبهته شئ لانه قد حصل فى محل الهيبة من منازل القدس { فلا يستطيعون ردها } اى العدة فان المراد بها العذاب او النار او الساعة { ولا هم ينظرون } من الانظار بمعنى الامهال والتأخير اى لا يمهلون ليستريحوا طرفة عين او يتولوا الانكار قبل ان يكافئهم الله على انكارهم نار القطيعة والحسرة والبعد والطرد لما اقاموا على انكارهم ولتابوا ورجعوا الى طلب الحق وعلم منه ان عظم المقاصد هو طلب الحق والوصول اليه فكما ان من ادب الظاهر ان يحفظ المرؤ بصره عن الالتفات الى يمينه وشماله فكذا من ادب الباطن ان يصون بصيرته عن النظر الى ما سوى الله تعالى ولا يحصل غالبا الا بالسلوك والاسترشاد من اهل الله تعالى فلا بد من افناء الوجود فانه طريق المقصود - حكى - ان ليلى لما كسرت اناء قيس المجنون رقص ثلاثة ايام من الشوق فقيل ايها المجنون كنت تظن ان ليلى تحبك وهى تعطى ما اعطته لغيرك فضلا عن المحبة فقال انما المجنون من لم يتفطن لهذا السر اشارة الى ان كسر الوعاء عبارة عن الافناء .
واعلم ان من المتفق عليه شرعا وعقلا وكشفا ان كل كمال لم يحصل للانسان فى هذه النشأة وهذه الدار فانه لا يحصل له بعد الموت فى الدار الآخرة كما فى الفكوك لحضرت الشيخ صدر الدين القنوى قدس سره فعلم منه ان زمان الفرصة غنيمة وان وقت المو ت اذا جاء بغتة لا يقدر المرؤ ان يستأخر ويتدارك حاله : قال الشيخ سعدى قدس سره
خبردارى اى استخوانى قفس ... كه جان تو مرغيست نامش نفس
جو مرغ ازففس رفت بكسست قيد ... دكرره نكردد بسعى توصيد
نكه دار فرصت كه عالم دميست ... دمى بيش دانا به از عالميست(8/273)
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (41)
{ ولقد استهزئ برسل من قبلك } تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن استهزائهم به اى بالله لقد استهزئ برسل اولى شأن خطير وذوى عدد كثير كائنين من زمان قبل زمانك كما استهزأ بك قومك فصبروا ففيه حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه { فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون } يقال حاق به يحيق حيقا احاط به وحاق بهم الامر لزمهم ووجب عليهم وحاق نزل ولا يكاد يستعمل الا فى الشر والحيق ما يشمل الانسان من مكروه فعل وبالذين متعلق بحاق وضمير منهم للرسل والموصول فاعل حاق . والمعنى فاحاط بهم عقيب ذلك العذاب الذى كانوا به ستعجلون ووضع يستهزئون موضع يستعجلون لان استعجالهم كان على جهة الاستهزاء وهو وعد له بان ما يفعلون به يحيق بهم كما خاق بالمستهزئين بالانبياء ما فعلوا يعنى جزاءه .(8/274)
قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42)
محمد للمستهزئين بطريق التقريع والتبكيت { من } استفهام { يكلؤكم } الكلأ حفظ الشئ وتبقيته والكالئ الذى يحفظ اى يحفظكم { بالليل والنهار } اى فيهما { من الرحمن } اى من بأسه الذى يستحقون نزوله ليلا او نهارا ان اراد بكم اى لا يمنعكم من عذابه الا هو وفى ذكر الرحمن تنبيه على انه لا كالئ غير رحمته العامة وان اندفاعه بمهلته وتقديم الليل لما ان الدواهى اكثر فيها وقوعا واشد وقعا { بل هم عن ذكر ربهم معرضون } لا يخطرون ذكره تعالى ببالهم فضلا عن ان يخافوا الله ويعدّوا ما كانوا عليه من الامن والدعة حفظا وكلاءة حتى يسألوا عن الكالئ اى دعهم عن هذا السؤال لانهم لا يصلحون له لاعراضهم عن ذكر الله تعالى .
وفى التأويلات النجمية المحجوبون بحجب البشرية ارجى صلاحا من المحجوبين بحجب الروحانية لانهم مقرون بجهالتهم وهؤلاء مغرورون بمقالتهم واهل الحجب البشرية معرضون عن ذكر ربهم وطلبه لاشتغالهم بلوازم البشرية واهل الحجب الروحانية معرضون عن ذكر ربهم ومعرفته بحسبانهم بمعارف المعقولات : قال الكمال الخجندى
غروركه دردين عاشقان ... ك بت كه يشكنندبه از صد عبادتست
ائب
ستى هركزنمى افتند مغروران ... كرجه صورت مقراض لا دارد كريبانها(8/275)
أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43)
{ ام لهم آلهة تمنعهم من دوننا } اى منقطعة اى بل لهم آلهة تمنعهم من العذاب متجاوزة منعنا فهم معتمدون عليها اى ليس لهم { لا يستطيعون نصر انفسهم ولا هم منا يصحبون } استئناف مقرر لما قبله من الانكار وموضح لبطلان اعتقادهم اى هم لا يقدرون ان ينصروا انفسهم : يعنى [ اكر كسى بايشان مكروهى خواهد ازكسر وقلع وتلويث وامتثال آن ازخود دفع تتوانندكرد ] ولا يصحبون بالنصر من جهتنا .
قال الراغب لا يكون لهم من جهتنا ما يصحبهم من سكينة وروح وترفق ونحو ذلك مما يصحب اولياءنا فكيف يتوهم ان ينصروا غيرهم وقال ابن عباس رضى الله عنه يصحبون يمنعون .(8/276)
بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44)
{ بل متعنا هؤلاء وآباءهم } المتاع انتفاع ممتد الوقت يقال متعه الله بكذا وامتعه وتمتع به : يعنى [ بلكه ما برخورداى رى داديم آن كروه را بجهت سع معيشت وايمنى وسلامتى وبدر ايشانرا ] { حتى طال عليهم العمر } بضم الميم وسكونها اسم لمدة عمارة البدن بالحياة اى طال عليهم الاجل فى التمتع فاغتروا وحسبوا انهم ما زالوا على ذلك لا يغلبون [ وندانستندكه دست اجل برهم زنداين بناكه افراشته ] { أفلا يرون } اى ألا ينظرون فلا يرون { انانأتى الارض } ارض الكفرة التى هى دار الحرب { ننقصها من اطرافها } بتسليط المؤمنين عليها فكيف بتوهمون انهم ناجون من بأسنا والجملة خبر بعد خبر او حال او بدل والاطراف جمع طرف بالتحريك وهوناحية من النواحى وطائفة من الشئ قالوا هذا تمثيل وتصوير لما يخربه الله من ديارهم على ايدى المسلمين ويضيفه الى دار الاسلام وذلك ان الله لا يأتى بل العساكر تغزوا ارض الكفرة وتأتى غلبة عليها ناقصة من نواحيها .
قال الكاشفى يعنى [ ميكشاييم آنرابر مسلمانان كه تاهرروزقلعه ميكيرند ومنزلى بحوزه تصرف درمى آرند ] وقد سبق فى آخر سورة الرعد { أفهم الغالبون } القاهرون على رسول الله والمؤمنين اى أبعد ظهور ما ذكر ورؤيتهم له يتوهم غلبتهم اى الغالب هو الله وهم المغلبون وفى الحديث « فضلت على الناس باربع بالمساحة والشجاعة وكثرة الجماع وشدة البطش » قيل للاسكندر فى عسكر دال الف الف مقاتل فقال ان القصان الحاذق لا يهوله كثرة الاغنام : وفى المثنوى
تيشه را زانبوهى شاخ درخت ... كى هراس آيد ببرد لخت لخت
شعله را زانبوهى هيزم جه غم ... كى رمد قصاب زانبوه غنم
خر نشايد كشت از بهر صلاح ... جون شودوحشى سود خونش مباح
لا جرم كفاررا شد خون مباح ... همجو وحشى بيش نشاب ورماح
جفت وفرزندان شان جمله سبيل ... زانكه بى عقلند ومردود وذليل
واعلم ان الغلبة والنصرة منصب شريف فهو بجند الله تعالى وهم الانبياء والاولياء وصالحوا المؤمنين كما قال تعالى { وان جندنا لهم الغالبون } اى وان رؤى انهم مغلوبون لان الغليبة له ألا ترى ان الله تعالى اظهر المؤمنين على العرب كلهم وافتتحوا بلاد الشرق والغرب ومزقوا ملك الا كاسرة وملك خزائنهم واستولوا على الدنيا وما وقع فى بعض الاوقات من صورة الانهزام فهو من باب تشديد المحنة والبلاء الحسن .
فعلى المؤمن ان يثق بوعد الله تعالى ولا يضعف عن الجهاد فان بالهمة تنقلع الجبال عن اماكنها .
وعن امير المؤمنين على رضى الله عنه انى ما قعلت خيبر بقوة جسمانية ولا بحركة غذائية لكنى ايدت بقوة ملكوتية ونفس بنور ربها مضيئة عن جابر رضى الله عنه ان عليا رضى الله عنه لما انتهى الى الحصن اخذ احد ابوابه بالقاه فى الارض فاجتمع عليه بعد سبعون رجلا فكان جهدهم ان اعادوا الباب قالوا « كل طائر يطير بجناحيه والعاقل بهمته »
فللمزيد رجال وللحروب رجال ...(8/277)
قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ (45)
{ قل انما انذركم بالوحى } اى انما شأنى ان اخوفكم مما تستعجلونه بما اوحى الى من القرآن واخبر بذلك لا الآتيان به فانه مزاحم للحكمة التكوينية والتشريعية اذ الايمان برهانى لا عيانى { ولا يسمع الصم الدعاء الى الايمان جمع الاصم والصمم فقدان حاسة السمع { اذا ما يندرون } شبهوا بالصم وهم صحاح الحواس لانهم اذا سمعوا ما ينذرون من آيات الله لا تعيه آذانهم وكان سماعهم كلا سماع فكانت حالهم لانتفاء جدوى السماع كحال الذين عدموا مصحح السماع وينعق بهم فلا يسمعون وتقييد نفى اسماع به مع ان الصم لا يسمعون الكلام انذارا كان او تبشير لبيان كمال شدة الصمم كما ان ايثار الدعاء الى هو عبارة عن الصوت والنداء على الكلام لذلك فان الانذار عادة يكون باصوات عالية مكررة مقارنة ليهئة دالة عليه فاذا لم يسمعوها يكون صممهم فى غاية وراءها وهذا من تتمة الكلام الملقن ويجوز ان يكون من جهته تعالى كأنه قيل قل لهم ذلك وانت بمعزل من اسماعهم .
وفيه اشارة الى انه ليس للانبياء والاولياء والنذار والنصح وليس لهم اسماع الصم وهم الذين لعنهم الله فى الازل بالطرد عن جوار الحضرة الى اسفل الدنيا واصمهم واعمى ابصارهم بحبها وطلب شهواتها فلا يسمعون ما ينذرون به وانما الاسماع لله لا للخق كما قال تعالى { ولو علم الله فيهم خيرا لا سمعهم }(8/278)
وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46)
{ ولئن مستهم } [ واكر برسد بكفره ] والمس اللمس ويقال فى كل ما ينال الانسان من اذى { نفحة من عذاب ربك } اى وبالله لئن اصابهم ادنى شئ من عذابه تعالى الذى ينذر به والنفحة من الريح الدفعة ومن العذاب القطعة كما فى القاموس وعلى الاولى حمل شارع الشهاب ما وقع فى قوله عليه السلام « ان لربكم فى ايام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها » قال فى بحر العلوم من نفحته الدابة اذا ضربته اى ضربة او من نفحت الريح اذا هبت اى هبة او من نفح الطيب اذا فاح اى فوحة كما يقال شمة .
وقال ابن جريج اى نصيب من نفحه فلان من ماله اذا اعطاه عظنا منه { ليقولن } من غياة الاضطراب والحيرة { يا ويلنا } [ واى برما ] وقد سبق تحقيقه { انا كنا ظالمين } اى لدعوا على انفسهم بالويل والهلاك واعترفوا عليها بالظلم حين تصاموا واعرضوا وهو بيان لسرعة تأثرهم من مجيئ نفس الوعد اثر بيان عدم تأثرهم من مجيئ خبره .
وفيه اشارة الى ان اهل الغفلة والشقاوة لا تنتبهون بتنبيه الانبياء ونصح الاولياء فى الدنيا حتى يمسهم اثر من آثار عذاب الله بعد الموت فان الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا فاعترفوا بذنوبهم ونادوا بالويل والثبور على انفسهم بما كانوا ظالمين فالظلم يجلب النقم ويسلب النعم سواء كان ظلم الغير او ظلم النفس فلتجنب المؤمن من اسباب العذاب والنقمة وليأت الى باب النجاة والرحمة وذلك بالمجاهدة وقمع الهوى واختيار طريق الطاعة والتقوى - روى - ان بعض الصالحين قال لعجوز متعبدة ارفقى بنفسك فقالت ان رفقى بنفسى بغيبتى عن باب المولى ومن غاب عن باب المولى مشتغلا بالدنيا فقد عرض للمحن والبلوى ثم بكت وقالت واسوأتاه من حسرة السباق وفجيعة الفراق اما حسرة السباق فاذا قاموا من قبورهم وركب الابرار نجائب الابرار وقدمت بين يديهم نجائب المقربين بقى المسبوق فى جملة المحرمين واما فجيعة الفراق فاذا جمع الخلق فى مقام واحد امر الله تعالى ينادى ايها الناس امتازوا فان المتقين قد فازوا كما قال تعالى { وامتازوا اليوم ايها المجرمون } فيمتاز الولد من والديه والزوج من زوجته والحبيب من حبيبه فهذا يحمل مبجلا الى رياض الجنة وهذا يساق مسلسلا على عذاب الجحيم فاين من يمسه العذاب ممن يصل اليه الثواب .
واعلم ان الانذار ابلغ فانه من باب التخلية فلا بد للعاصى من التخوف على المعاصي والاصغاء الى الموعظة والنصيحة الموقظة فانه سوف يقول المعرضون { لو كنا نسمع او نعقل ما كنا فى اصحاب السعير } وهم الصم فى الحقيقة : قال الشيخ سعدى
بكوى آنجه دانى سخن سودمند ... كرهيج كس را نيايد بسند
كه بردا بشيمان برآرد خروش ... كه آوهخ جرا حق نكردم بكوش(8/279)
وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)
{ ونضع الموازين القسط } الموازين جمع ميزان : بالفارسية [ ترازو ] والقسط العدل اى نقيم الموازين العادلة التى نوزن بها صحائف الاعمال ونحضرها او الاعمال باعتبار التجوهر والتجسم وجع الموازين باعتبار تعدد الاعمال او لان لكل شخص ميزانا .
قال الراغب الوزن معرفة قدر الشئ وذكر الميزان فى مواضع بلفظ الواحد اعبتارا بالمحاسبة وفى مواضع بلفظ الجمع اعتبارا بالمحاسبين انتهى .
وافراد القسط لانه مصدر وصف به مبالغة كرجل عدل .
قال الامام وصف الموازين بالقسط لانها قد لا تكون مستقيمة { ليوم القيامة } اى لاجل جزائه { فلا تظلم نفس } من النفوس { شيأ } حقا من حقوقها على ان يكون مفعلولا ثانيا لتظلم لانه بمعنى تنقص وتنقص يتعدى الى مفعولين يقال نقصه حقه من الظلم بل يوفى كل ذى حق حقه ان خيرا فخيرا وان شرا فشر على ان يكون مفعولا مطلقا { وان كان } اى العمل المدلول عليه بوضع الموازين { مثقال حبة من خردل } المثقال ما يوزن به من الثقل اى مقدار حبة كائنة من خردل : بالفارسية [ ازسبندان كه اصغر حباتست ] اى وان كان فى غاية القلة والحقارة فان حبة الخدرل مثل فى الصغر { اتينا بها } بقصر الهمزة من الاتيان والباء للتعدية اى احضرنا ذلك العمل المعبر عنه بمثقال حبة الخدرل للوزن والتأنيث لاضافته الى الحبة { وكفى بنا حاسبين } اذ لا مزيد على علمنا وعدلنا الباء زائدة ون فاعل كفى وحاسبين حال منه بمعنى عادّين من حسب المال اذا عده .
وقال ابن عباس رضى الله عنهما عالمين حافظين لان من حسب شيأ علمه وحفظه وفيه تحذير فان المحاسب العالم القادر الذى لا يفوته شئ يجب ان يخاف منه وروئ الشبلى قدس سره فى المنام فقيل ما فعل الله بك فقال
حاسبونا فدققوا ... ثم منوا فاعتقوا
قال الامام الغزالى رحمه الله الميزان حق ووجهه ان الله تعالى يحدث فى صحائف الاعمال وزنا بحسب درجات الاعمال عند الله فتصير مقادير اعمال العباد معلومة للعباد حتى يظهر لهم العدل فى العقاب او الفضل فى العفو وتضعيف الثواب .
يقول الفقير بهذا يندفع سؤال الامام فى تفسيره حيث قال اهل القيامة ان علموا كونه تعالى عادلا فلا حجة الى وضع الميزان بل يكفى مجرد حكمه بترجيح جانب وان لم يعلموا لم يقد وزن الصحائف لاحتمال انه جعل احدى الكفتين اثقل ظلما انتهى وذلك لانهم علموا ذلك ضروريا لان الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا لكن الله تعالى اراد ان يحصل لهم العلم بمقادر اعمالهم ليظهر العدل والفضل ظهورا لا غاية وراءه وفيه الزام الحجة لهم .
قيل للمزان لسان وكفتان وهو بيد جبريل يوزن فيه الحسنات والسيآت فى احسن صورة واقبحها والحكم للغالب فى الوزن وفى التساوى لفضل الله .(8/280)
يقول الفقير لعل وجه كونه بيد جبريل انه الواسطة فى تنزيل الامر والنهى فناسب ان يكون المزان بيده ليزن حقائق الاوامر والنواهى - روى - ان داود عليه السلام سأل ربه ان يريه الميزان فاراه كل كفة كما بين الشمرق والمغرب فغشى عليه ثم افاق فقال الهى من ذا الذى يقدر ان يملأ كفته حسنات فقال يا داود انى اذا رضيت عن عبدى ملأتها بتمرة وفى الحديث « كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان الى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم » انما صارتا احب لان فيهما المدح بالصفات السلبية التى يدل عليها التنزيه وبالصفات الثبوتية التى يدل عليه الحمد وفى الحديث « التسبيح نصف الميزان والحمد لله ملأه »
قال المولى الفنارى توضع الموازين لوزن الاعمال فيجعل فيها الكتب بما عملوا وىخر ما يوضع فى الميزان قول الانسان الحمد لله ولهذا قال عليه السلام « الحمد لله تملأ الميزان » فانه يلقى فى الميزان جميع اعمال العباد من الخير الا كلمة لا اله الا الله فيبقى على ملئه تحميدة فتجعل فيه فيمتلئ بها فان كفة ميزان كل احد بقدر عمله من غير زيادة ولا نقصان وكل ذكر وعمل يدخل الميزان الا لا اله الا الله كما قلنا وسبب ذلك ان كل عمل خير له مقابل من ضده فيجعل هذا الخير فى موازنته ولا يقابل لا اله الا الله الا الشرك ولا يجتمع توحيد شرك فى ميزان احد لانه ان قال لا اله الا الاله معتقدا لها فما اشرك وان اشرك فما اعتقد فلم يكن لها ما يعاد لها فى الكفة الاخرى ولا يرجحها شئ فلهذا لا تدخل فى الميزان واما الشمركون فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا اى لا يقدر لهم ولا يوزن لهم عمل ولا من هو من امثالهم من المعطل والمتكبر على الله فان اعمال خير خيرا قط الا انه تلفظ يوما بكلمة لا اله الا الله مخلصا فيوضعله فى مقابلة التسعة والتسعين سجلا من اعمال الشرك كل سجل منها كما بين المشرق والمغرب وذلك لانه ماله عمل خير غيرها فترجح كفتها بالجميع وتطيش السجلات .
والتحقيق ان لا اله الا الله كلمة التوحيد والتوحيد لا يماثله ولا يعادله شئ والا لما كان واحد بل كان اثنين فصاعدا فاذا اريد بهذها لكلمة التوحيد الحقيقى لم تدخل فى الميزان لانه ليس له معادل ومماثل فكيف يدخل فيه واليه اشار الخبر الصحيح عن الله تعالى قال الله تعالى « لو ان السموات السبع وعامرهن غيرى والارضين السبع وعامرهن غيرى فى كفة ولا اله الا الله فى كفة مالت بهن لا اله الا الله »(8/281)
فعلم من هذه الاشارة ان المانع من دخولها فى ميزان الحقيقة هو عدم المماثل والمعادل كما قال تعالى { ليس كمثله شئ } واذا اريد بها التوحيد الرسمى تدخل فى الميزان لانه يوجد لها ضد بل اضداد كما اشير اليه بحديث صاحب السجلات فما مالت الكفة الا بالبطاقة التى كتبها الملك فيها فهى الكلمة المكتوبة المنطوقة المخلوقة فعلم من هذه الاشارة ان السبب لدخولها فى ميزان الشريعة هو اهل الموقف فى صاحب السجلات فضلها لكن انما يكون ذلك بعد دخول من شاء الله من الموحدين النار ولم يبق فى الموقف الا من يدخل الجنة لانها لا توشع فى الميزان لمن قضى الله ان يدخل النار ثم يخرج بالشفاعة او بالعناية الالهية فانها لو وضعت لهم ايضا لما دخلوا النار ايضا ولزم الخلاف للقضاء وهو محال ووضعها فيها لصاحب السجلات اختصاص الهى يختص برحمته من يشاء هكذا حقق شيخى وسندى قدس سره هذا المقام ولا يدخل الموازين الا اعمال الجوارح شرها وخيرها وهى السمع والبصر واليد والبطن والفرج والرجل واما الاعمال الباطنة فلا تدخل الميزان المحسوس لكن يقام فيها العدل وهو الميزان الحكمى فمحسوس ومعنى لمعنى يقابل كل شئ بمثله فلهذا توزن الاعمال من حيث هى مكتوبة وقد اصاب من قال الذكر الخفى هو الذى لم يطلع عليه الحفظة وهو توحيد الحقيقى الباطنى الذى لا يدخل فى الميزان الصورى لانه ما كان مكتوبا فكيف يدخل فيه .
فان قيل اين الميزان .
قلنا على الصراط ومترتب على الحساب ولهذا لا ميزان لمن يدخل الجنة بغير حساب وانما الميزان للمخلطين من المؤمنين .
قال بعض الكبار ميزان العدل فى الدنيا ثلاثة ميزان النفس والروح وميزان القلب والقعل وميزان المعرفة والسر . فميزان النفس والروح الامر والنهى وكفتاه الوعد والوعيد . وميزان القلب والعقل الايمان والتوحيد وكفتاه الثواب والعقاب وميزان المعرفة والسر الرضى والسخط وكفتاه الهرب والطلب .
وقال بعضهم من يزن ههنا نفسه بميزان الرياضة والمجاهدات ويزن قلبه بميزان المقراقبات ويزن عقله بميزان الاعتبارات ويزن روحه بميزان المقامات ويزن سره بميزان المحاضرات ومطالعة الغيبات ويزن صورته بميزان المعاملات الذى كفتاه الحقيقة والطريقة ولسانه الشريعة وعموده العدل والانصاف توزن نفسه يوم القيامة بميزان الشرف ويوزن قلبه يمزان اللطف ويوزن عقله بميزان النور ويوزن روحه بميزان السرور ويوزن سره بميزان الوصول ويوزن صورته بميزان القبول فاذا ثقلت موازينه مما ذكرنا فجزاء نفسه الا من من الفراق فجزاء قلبه مشاهدة الشرف فى الاسرار وجزاء عقله مطالقة الصفات وجزاء روحه شف انوار الذات وجزاء سره ادراك الاسرار القدسيات وجزاء صورته الجلوس فى مجالس وصال الابديات وايضا توزن الاعمال بميزان الاخلاص
عبادت باخلاص نيت نكوست ... وكرنه جه آيد زبى مغزبوست
والاحوال بميزان الصدق
بصدق كوش كه خورشيد زآيد ازنفست ... كه از دروغ سيه روى كشت صبح نخست
فمن كانت اعماله بالرياء مصحوبة لم تقبل اعماله
حال خود از عجب دل تخليص كن ... از عمل توفيق را تخصيص كن
كر بخواهى تاكران معنى شوى ... وزن كن حالت بميزان شوى
جون ترازوى تو كج بود ودغا ... راست جون جويى ترازوى جزا(8/282)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48)
{ ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكر للمتقين } اى وبالله لقد آتيناهما كتابا جامعا بين كونه فرقانا بين الحق والباطل وضياء يسضاء به فى ظلمات الحيرة والجهالة وذكر يتعظ به الناس فالمراد بجميع هذه الصفات واحد هو التوراة وتخصيص المتقين بالذكر لانهم المستضيئون بانواره والمغتنمون بمغانم آثاره .(8/283)
الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49)
{ الذين يخشون ربهم } عذابه وهو مجرور المحل على انه صفة مادحة للمتقين { بالغيب } حال من المفعول اى يخشون عذابه تعالى وهو غائب عنهم غير مشاهد لهم ففيه تعريض بالكفرة حيث لا يتأثرون بالانذار ما لم يشاهدوا ما انذروه من العذاب { وهم من الساعة } اسم لوقت تقوم فيه القيامة سمى بها لانها ساعة خفيفة يحدث فيها امر عظيم وسميت الساعة ساعة لسعيها الى جانب الوقوع ومسافته الانفاس .
وقال الراغب الساعة جزؤ من اجزاء الزمان ويعبر بها عن القيامة سميت بذلك لسرعة حسابه كما قال تعالى { وهو اسرع الحاسبين } ولما نبه عليه بقوله { كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا الا ساعة من نهار } وقوله { يوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة } فالاولى هى القيامة والثانية الوقت القليل من الزمان { مشفقون } اى خائفون منها وقد سبق الاشفاق فى هذه السورة وتخصيص اشفاقهم منها بالذكر بعد وصفهم بالخشية على الاطلاق للايذان بكونها معظم المخلوقات .(8/284)
وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50)
{ وهذا } اى القرآن الكريم اشير اليه بهذا ايذانا بغاية وضوح امره { ذكر } يتذكر به من يتذكر { مبارك } كثير الخير ولنفع يتبرك به { انزلناه } على محمد صفة ثانية لذكر او خبر آخر { أفانتم له منكرون } انكار لانكارهم بعد ظهور كون انزاله كايتاء التوراة كأنه قيل أبعد ان علمتم ان شأنه كشأن التوراة فى الايتاء والايحاء انتم منكرون لكونه منزلا من عندنا فان ذلك بعد ملاحظة حال التوراة مما لا مساغ له اصلا .
قال بعض الكبار كلام الله سبحانه فى نفسه مبارك وان لم يسمع الجاهل ولكن مبارك على من يسمع باستماع المحبة والشوق الى لقاء المتكلم ويعمل بمضمونة ويعرف اشارته ويجد حلاوته فى قلبه فاذا كان كذلك تبلغه بركته الى مشاهدة معدنه وهو رؤية الذات القديم وفى الحيدث « ان الذى ليس لى جوفه شئ من القرآن كالبيت الخراب » وفى الحديث « لا تجعلوا بيوتكم مقابر » يعنى لا تتكروا بيوتكم خالية من تلاوة القرآن فان كل بيت لا يقرأ القرآن فيه يشبه المقابر فى عدم القراءة والذكر والطاعة وال الله المشتكى من اهمال اهلى هذا الزمان فان ميل اكثرهم الى الاشعار وكلام اهل الهوى لا الى القرآن والهدى : قال الخجندى
دل ازشنيدن قرآن بكيردت همه وقت ... دو باطلان زكالام حقت ملولى جيست
وفى التأويلات النجمية النور الذى هو يفرق بين الحق والباطل بل بين الخلق والخالق والحدوث والقدم نور يقذفه الله فى قلوب عباده المخلصين من الانبياء والمرسلين والاولياء الكاملين لا يحصل الا بتكرار العلوم الشرعية لا بالافكار العقلية وله ضياء وهو ذكر يتعظ به المتقون الذين يتقون عن الشرك بالتوحيد وعن الطمع بالشرع وعن الرياء بالاخلاص وعن الخلق بالخالق ون الاناينة بالهوية { وهذا ذكر مبارك } لمن لم يتعظ به ويعلم ان الاتعاظ به انما ه و من نور { انزلناه } فى قلبه لا من نتائج عقله وتفكره أتنكرون على انه نور من هدايتنا - حكى - ان عثمان الغازى جد السلاطين العثمانية انما وصل الى ما وصل برعاية كلام الله تعالى وذلك انه كان من اسخياء زمانه ببذل النعم للمتردين فثقل ذلك على اهل قريته وانكروا عله فذهب ليشتكى من اهل القرية الى الحاجى بكتاش او غيره من الرجا ل فنزل ببيت رجل قد علق فيه مصحف فسأل عنه فقالوا هو كلام الله تعالى فقال ليس من الادب ان نقعد عن كلام الله فقام وعقد يديه مستقبلا اليه فلم يزل الى الصبح فلما اصبح ذهب الى طريقة فاستقبله رجل فقال انا مطلبك ثم قال له ان الله تعالى عظمك واعطاك وذريتك السلطنة سبب تعظيمكم لكلامه ثم امر بقطع شجرة وربط رأسها بمنديل وقال ليكن ذلك لواء ثم اجتمع عنده جماعة فجعل اول غزوته الى بلجك وفتح بعناية الله تعالى ثم اذن له السلطان علاء الدين فى الظاهر ايضا فصار سلطانا .(8/285)
ففى هذه الحكاية فوائد منها ان السلطنة اختصاص الهى كالنبوة . ومنها ان السخاء مفتاح باب المراد . ومنها ان المرادعة عند الحيرة الى الله لها تأثير عظيم . ومنها ان رعاية كلام الله سبب السلطنة مطلقا صورية كانت او معنوية اذ هو ذكر مبارك . ومنها ان ترك الرعاية سبب لزوال قوتها بل لزوال نفسها كما وقع فى هذه الاعصار فان الترقى الواقع فى زمان السلاطين المتقدمين آل الى التنزل وقد عزل السلطان محمد الرابع فى زماننا بسبب الترك المذكور فهذا هو زوال السلطانة نسأل الله تعالى ان يجعل القرآن ربيع قلوبنا وجلاء احزاننا .(8/286)
وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51)
{ ولقد آتينا ابراهيم رشده } الشرد مقلاف الغى وهو الابتداء لمصالح الدين والدنيا وكماله يكون بالنبوة اى بالله لقد آتينا بجلالنا وعظم شأننا ابراهيم الخليل عليه السلام الرشد اللائق به وبامثاله من الرسل الكبار على ما افادته الاضافة { من قبل } من قبل ايتاء موسى وهارون التوراة وتقديم ذكر ايتاتها لما بينه وبين انزال القرآن من الشبه التام { وكنا به عالمين } اى وكنا عالمين بانه اهل لما آتيناه من الرشد والنبوة وتقديم الظرف لمجرد الاهتمام مع رعاية الفاصلة ونظير الآية قوله تعالى { الله اعلم حيث يجعل رسالته } واعلم ان الاهلية ايضا من الله تعالى
قابلى كر شرط فعل حق بدى ... همجو معدومى بهستى نامدى
وقد قالوا القابلية صفة حادث من صفات المخلوق والعطاء صفة قديمة من صفات الخالق والقديم لا يتوقف على الحادث .(8/287)
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52)
{ اذ قال لابيه وقومه } ظرف لآتينا على انه وقت متسع وقع فيه الايتاء وما ترتب عليه من افعاله واقواله .
يقول الفقير والظاهر من عدم التعرض لامه كونها مؤمنة كما يدل عليه تبرية وامتناعه من ابيه دونها والمراد من قومه اهل بابل بالعراق وهى بلاد معروفة من عبادان الى الموصل طولا ومن القادسية الى حلوان عرضا سميت بها لكونها على عراق دجلة والفرات اى شاطئهما { ما } [ جيست ] { هذه التماثيل التى انتم لها عاكفون } التمثيل جمع تمثال وهو الشئ المصور المصنوع مشبها بخلق من خلائق الله والممثل المصور على مثال غيره من مثلث الشئ بالشئ اذا شهته به والعكوف الاقبال على الشئ وملازمته على سبيل التعظيم لغرض من الاغراض ضمن معنى العبادة كما يدل عليه الجواب الآتى ولذا جيئ باللام دون على اى ما هذه الاصنام التى انتم عابدون لها مقيمون عليها وهذا السؤال تجاهل منه والا فهو يعرف ان حقيقتها حجر او شجر اتخذوها معبودا .
قال الكاشفى [ آن هفتاد دو صورت بود . ودرتيسير كويد نودبت بود وبزر كترهمه را اززر ساخته بودند ودوكهر شاهوار درجشمهاى او تركيب كرده . ودرتبيان آورده كه سورتها بودند بر هيأت سباع وطيور وبهائم وانسان . وبقول بعضى تماثيل بر مصور هياكل كواكب بود ] - روى - ان عليا رضى الله عنه مر بقوم يلعبون بالشطرنج . فقال ما هذا التماثيل كما فى تفسير ابى الليث وفيه تقبيح للعب الشطرنج حيث عبر عن شخوصه بما عبر به ابراهيم عن الاصنام فاشار الى ان العكوف على هذا اللعب . كالعكوف على عبادة الاصنام .
قال صاحب الهداية يكره اللعب بالنرد والشطرنج والاربعة عشر والكل لهو لانه ان قامر بها فالميسر حرام بالنصب وهو اسم لكل قمار وان لم يقامر فهو عبث ولهو وقال عليه السلام « لهو المؤمن باطلا الا لثلاث تأديبه لفرسه ومناضلته قوسه وملاعبته اهله » وحكى عن الشافعى رحمه الله اباحة اللعب بالشطرنج لما فيه من تسخية الخاطر .
قال زين العرب فى شرح المصابيح رجع الشافعى عن هذا القول قبل موته باربعين يوما وذكر الغزالى ايضا فى خلاصته انه مكروه عند الشافعى اى فى قوله الاخير وكيف لا يكون مكروها وهو احياء سنة المجوس وقد قال عليه السلام « من لعب بالشطرنج والنردشير فكأنما غمس يده فى دم الخنزير » واما قول ابن خيام
زمانى بحث ودرس قيل وقالى ... كه انسانرا بود كسب كمالى
زمانى شعر وشطرنج وحكايات ... كه خاطررا شود دفع ملالى
فمن قبيل القول الباطل الناشئ عن هوى النفس الامارة بالسوء اعاذنا الله واياكم من مكروها وتسويلها .
وفى الآية اشارة الى احوال اهل الدين فانهم يرون اهل الدنيا بنور الرشد عاكفين لاصنام الهوى والشهوات يقولون لهم ما هذه التماثيل الخ ولو لم يكن نور الرشد والهداية من الله لكانوا معهم عاكفين لها وما رأوها بنظر التماثيل(8/288)
قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53)
{ قالوا } كأنه قال ابراهيم عليه السلام أى شئ حملكم على عبادتها فقالوا { وجدنا آبائنا لها عابدين } لها فنحن نعبدها اقتداء بهم وهو جواب العاجز عن الاتيان بالدليل(8/289)
قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54)
{ قال لقد كنتم انتم وآباؤكم فى ضلال مبين } اى وبالله لقد كنتم انتم ايها المقلدون وآباؤكم الذين سنوا لكم هذه السنة الباطلة مستقرين فى ضلال عظيم وخطأ ظاهر لكل احد لعدم استناده الى دليل ما والتقليد انما يجوز فيما يحتمل الحقية فى الجملة والباطل لا يصير حقا بكثرة القائلين به وفيه اشارة الى ان التقليد غالب على الخلق كافة فى عبادة الهوى والدنيا الا من آتاه الله رشده .
واعلم ان التقليد قبول قول الغير بلا وهو جائز فى الفروع والعمليات صحيح عند الحنفية والظاهرية وهو الذى اعتقد جميع ما وجب عليه من حدوث العالم ووجود الصانع وصفاته وارسال الرسل وما جاؤوا به حقا من غير دليل لان النبى عليه السلم قبل ايمان الاعراب والصبيان والنسوان والعبيد والماء من غير تعليم الديل ولكنه يأثم بترك النظر والاستدلال لوجوبه عليه .
وفى فصل الخطاب من نشأ فى بلاد المسلمين وسبح الله عند رؤية صنائعه فهو خارج عن حد التقليد اى فان تسبيحه عند رؤية المصنوعات عين الاستدلال فكأنه يقول الله خالق هذا على هذا النمط البديع ولا يقدر احد غيره على خلق مثل هذا فهو استدلال بالاثر واثبات للقدرة والارادة الى غير ذلك فالمقصود من الاستدلال هو الانتقال من الاثر الى المؤثر ومن المصنوع الى الصانع بأى وجه كان لا ملاحظة الصغرى والكبرى وترتيب المقدمات للانتاج على قاعدة المعقول .
يقول الفقير ادى جهل هذا الزمان الى حيث ان من سبح عند كل اعجوبة لم يلزم ان يكون مستدلا مطلقا لانه سمع الناس يقولون سبحان الله عند رؤية سيل عظيم او شجر كبير او حريق هائل او نحوها مما خرج عن حد جنسه فيقلدهم فى ذلك من غير ان يخطر بباله انه صنع الله تعالى وقد رأيت ملاحا ذميا يحث خدام السفينة على بعض الاعمال ويقول لهم اجتهدوا وكونوا من اهل الغيرة فان الغيرة من الايمان وهو لا يعرف ما اليغرة وما الايمان وكذا الخد ام والالم يذكرهما فهو قول مجرد جار على طريق العرف فعلى المؤمن ترك التقليد والوصول الى مقام التحقيق ومن الله التوفيق :
قال المولى الجامى
خواهى بصوب كعبه تحقيق ره برى ... بى بر بى مقلد كم كرده ره مرو
وقال مقلدان جه شناسند داغ هجرانرا ... خبر زشعله آتش ندارد افسرده
ففيه فرق بين المقلد والمحقق فمن رام التحقيق طلبه ولا يتشبث فى هذا البحر بغريقه كما لا يخفى .(8/290)
قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55)
{ قالوا أجئتنا بالحق } اى بالجد وبالفارسية [ آيا آورى بما اين سخن براستى وجه ] { ام أنت من اللاعبين } بنا فتقول ما تقول على وجه المزاح واللعب حسبوا انهم انما انكر عليهم دينهم القديم مع كثرتهم وشكوتهم على وجه المزاح واللعب . وفيه اشارة لطيفة وهى كما ان هل الصدق والطلب يرون اهل الدنيا لاعبين والنيا لعبا ولوهوا كقوله تعالى { قل لله ثم ذرهم فى خوضهم يلعبون } كذلك اهل الدنيا يرون اهل الدين لاعبين والذين لعبا ولهوا(8/291)
قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56)
{ قال بل } [ نسيتمبازى كننده ] { ربكم رب السموات والارض الذى فطرهن } اى خلقن ابتداء من غير مثال سابق فهو الخالق كما انه المربى فالضمير للسموات والارض او للتماثيل اى فكيف تعبدون ما كان من جملة المخلوقات { وانا على ذلكم } الذى ذكرته من كون ربكم رب السموات والارض فقط دون ما عداه كائنا ما كان { من الشاهدين } اى العالمين به على الحقيقة المبرهنين وليس المراد حقيقة الشهادة لانه لا شهادة من المدعى بل استعيرت الشهادة لتحقيق الدعوى بالحجة والبرهان اى لست من اللاعبين فى الدعاوى بل من المتحتجبين عليها بالبراهيم القاطعة بمنزلة الشاهد الذى تقطع به الدعاوى .
قال الكاشفى [ آورده اندكه نمروديان روزى عيدداشتند كه در آن روز بصحرا رفنندى وتا آخرروزتماشا كردندى ودرباز كشتن به بتخانه در آمده بتانرا بياراسته بزبانها بنواختندى آنكه سربرزمين نهاده رسم برستش بجاى آوردندى وبخانها باز كشتندى جون ابراهيم علهي السلام باجمعى درباب تماثيل مناظره فرمود كفتند فردا عيدست بيرون آى تابينى كه دين وآيين ماجه زيباست ابراهيم نعم جواب ايشان بكفت روز ديكر كه مى رفتند ميخو استند كه اورا ببرند ببهانه بيمارى بيش آورد { لإقال انى سقيم } يعنى عن عبادة الاصنام كما فى القصص [ ايشان دتساز وبازداشته برفتند ابراهيم بنهان از ايشان بفرمود كه ](8/292)
وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57)
{ وتالله } [ بخدا سوكندكه من ] { لأكيدن اصنامكم } [ هر آييينه تدبيرى كنم وجهد نمايم تابشكنم بتان شمارا ] كما قال فى الارشاد لاجتهدن فى كسرها . وفيه ايذان بصعوبة الامر وتوقفه على الستعمال الحيل .
وقال ابن الشيخ اخذا من تفسير الامام فان قيل لم قل { لأكيدن اصنامكم } والكيد هو الاحتيار على الغير فى ضرر لا يشعر به والاصنام جمادات لا تتضرر بالكسر ونحو وايضا ليست هى مما يحتال فى ايقاع الكسر عليها لان الاحتيار انما يكون فى حق من له شعور اجيب بان ذلك من قبيل التوسع فى الكلام فان القوم كانوا يزعمون ان الاصنام لهن شعور ويجوز عليهن الضرر فقال ذلك بناء على زعمهم .
وقيل المراد لا كيدنكم فى اصنامكم لانه بذلك الفعل قد انزل بهم الغم . والاصنام جمع صنم وهى جثة متخذة من فضة او نحاس او خشب كانوا يعبدوناه متقربيت بها الى الله تعالى كما فى المفردات { بعد ان تولوا } ترجعوا مضارع ولى مشددا { مدبرين } ذاهبين من عبادتها الى عيدكم وهو حال مؤكد لان التولية والادبار بمعنى والادبار نقيض الاقبال وهو الذهاب الى خلق .
قال الكاشفى { بعد ان تولوا } [ بعد ازانكه روى بكردانيد ازايشان يعنى برويد بعبدكاه وباشيد مدبرين بشت برايشان كنندكان وقتى كه بتانرا بكذاريد وبتماشا كاه خودرويد ] .(8/293)
فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58)
{ فجعلهم } الفاء فصيحة اى فولوا فجعلهم { جذاذا } قطاعا فعال بمعنى المفعول من الجذ الذى هو القطع كالحطام من الحكم الذى هو الكسر .
قال فى القاموس الجذ القطع المستأصل والكسر والاسم الجذاذ مثلثة انتهى { الا كبيرا لهم } استثناء من مفعول قوله فجعلهم ولهم صفة لكبيرا والضمير للاصنام اى لم يكسر الكبير وتركه على حالة وعلق الفأس فى عنقه وكبره فى تعظيم او فى الجثة او فيهما { لعلهم اليه } الى الكبير وتقديم الظرف للاختصاص او لمجرد الاهتمام مع رعاية الناصلة { يرجعون } فيسألون عن كاسرها لان من شأن المعبود ان يرجع اليه فى حل المشكل فيستهلهم ويبكتهم بذلك كذا فى بحر العلوم او الى ابراهيم يرجعون لاشتهاره بانكار دينهم وسب آلهتهم وعداوتهم فحاججهم بقوله بل فعله كبيره فيحجهم ويبكتهم كما فى الارشاد وغيره - روى - ان آزر خرج به فى يوم عيد لهم فبدأوا ببيت الاصنام فدخلوه فسجدوا لها ووضعوا بينها طعاما وخبزا جاؤا به معهم وقالوا الآن ترجع بركة الآلهة على طعامنا فذهبوا وبقى ابراهيم فنظر الى الاصنام فقال مستهزئا بهم مالكم لا تنطقون ما لكم لا تأكلون ثم التفت فاذا بفأس معلق فتناوله فكسر الكل ولم يبق الا الكبير وعلق الفأس فى عنقه واراق تلك الاطعمة ورجع الى منزله .
قال الامام فان قيل ان كان القوم عقلاء فقد علموا بالضرورة انها لا تسمع ولا تضر ولا تنفع فما الحاجة الى كسرها غايته انهم كانوا يعظمونها كما نعظم نحن المصحف والمحراب والكسر لا يقدح فيه وان لم يكونوا عقلاء لم تحسن المناظرة معهم ولا بعث الرسل اليهم والجواب النهم كانوا عقلاء عالمين انها لا تضر ولا تنفع لكنهم ربما اعتقدوا انها تماثيل الكواكب وطلسمات من عبدها ينتفع بها ومن استخف بها ناله ضرر ثم ان ابراهيم كسرها ولم يله ضرر فدل على فساد مذهبهم .
وفى الآية اشارة الى ان الانسان اذا وكل الى نفسه وطبعه ينحت من هوى نفسه اصناما كما كان لابراهيم آزر ينحت الاصنام واذا ادركته العناية الازلية وايد بالتأييد الآلهية بكسر اصنام الهوى ويجعلها جذاذا فضلا عن نحتها كما كان حال ابراهيم كان يكسر من الاصنام ما ينحت ابوه واذا كان المرء من اهل الخذلان يرى الحق باطلا والباطل حقا كما كان قوم نمرود : وقال الخجندى
بشكن بت غروركه دردين عاشقان ... يك بت كه بشكنند به ازصد عبادتست(8/294)
قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59)
{ قالوا } حين رجعوا من عيدهم ورأوا { من فعل هذا بآلهتنا } [ كه كرده است اين عمل باخذايان ما وايشانرا درهم شكسته ] والاستفهام للانكار والتوبيخ ولم يقولوا بهؤلاء مع انها كانت بين ايديهم مبالغة فى التشنيع { انه لمن الظالمين } بالكسر حيث عرض نفسه للهلاك [ يعنى از ظالمانست بر نفس خودكه بدين عمل خودرا درورطه هلاك انداخته ] .(8/295)
قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60)
{ قالوا } اى بعض منهم مجيبين للسائلين فالآية تدل على ان القائلين جماعة { سمعنا } من الناس { فتى } وهو الطرى من الشبان { يذكرهم } بسوء اى يعيب الاصنام فلعله فعل ذلك بها واطلق الذكر ولم يقيد لدلالة الحال فان ذكر من يكره ابراهيم ويبغضه انما يكون بذم ونظيره قولك سمعت فلانا يذكرك فان الذاكر صديقا فهو ثناء وان كان عدوا فذم { يقال له ابراهيم } اى يطلق عليه هذا الاسم .(8/296)
قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61)
{ قالوا } اى السائلون .
قال ابن الشيخ بلغ ذلك النمرود الجبار واشراف قومه فقالوا فيما بينهم { فائتوا به } [ بس بياريد اورا ] { على اعين الناس } حال من ضمير به اى ظاهر مكشوفا بمرأى منهم ومنظر بحيث نتمكن صورته فى اعينهم تمكن الراكب على المركوب { لعلهم } اى بعضا منهم { يشهدون } بفعله او بقوله ذلك لئلا نأخذ بلا بينة .
وفيه اشارة الى ان فى بعض الكفار من لا يحكم على اهل الجنايات الا بمشهد من العدول فكل حاكم يحكم على متهم بالجناية من غير بينة فهو اسوء حالا منهم ومن قوم نمرود كما فى التأويلات النجمية .(8/297)
قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63)
{ قالوا } فى الكلام حذف اى فأتوا به فلما شهدوه قالوا منكرين عليه فعله موبخين له { أأنت فعلت هذا } الكسر { بآلهتنا يا ابرهيم قال بل فعله كبيرهم هذا } مشيرا الى الذى لم يكسره وهذا صفة لكبير اسند الفعل اليه بعتبار انه الحامل عليه لانه لما رأى الاصنام مصطفة مزينة يعظمها المشركون ورأى على الكبير ما يدل على زيادة تعظيمهم له وتخصيصهم اياه بمزيد التواضع والخضوع غاظة وكان غيظ كبيرها اكبر واشد .
وقال بعضهم فعله كبيرهم هذا غضب من ان تعبد معه هذه الصغار وهو اكبر منها : يعنى [ كفت من آن نكرده ام بلكه كرده است اين را بزرك ايشان ازروى خشم برايشان كه باوجود من جرا ايشانرا برستند ] { فاسألوهم } عن حالهم { ان كانوا ينطقون } اى ان كانوا ممن ينطقون حتى يخبروا من فعل ذلك بهم وفى الحديث « لم يكذب ابراهيم النبى قط الا ثلاث كذبات » سميت المعاريض كذبا لما شابهت صورتها صورته والا فالكذب الصريح كبيرة فالانبياء معصومون منها .
فان قلت اذا كانت هذه معاريض لم جعلها سببها فى تقاعده عن الشفاعة حين يأى الناس اليه يوم القيامة .
قالت الذى يليق بمرتبة النبوة والخلة ان يصدع بالحق ويصرح بالامر ولكنه قد تنزل الى الرخصة فان حسنات الابرار سيآت المقربين والتعريض تورية الكلام عن الشئ بالشئ وهو ان تشير بالكلام الى شئ والغرض منه شئ آخر فالغرض من قوله بل فعله كبيره الاعلام بان من لم يستطع دفع المضرة عن نفسه كيف يستطيع دفع المضرة عن غيره فكيف يصلح الها .
قال الشيه عز الدين بن عبد السلام الكلام وسيلة الى المقاصد فكل مقصود محمود يمكن التوصل اله بالصدق الكذب جميعا فالكذب فيه حرام فان امكن التوصل اليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح ان كان تحصيل ذلك المطلوب مباحا وواجب ان كان المقصود واجبا فهذا ضابطه ثنتين فى ذات الله اى فى طلب رضاه والثالثة كانت لدفع الفساد عن سارة وفيها رضى الله ايضا لكن لام كان له نفع طبيعى فيها خصص الثنتين بذات الله دونها قوله انى سقيم اى احدى تلك الكذبتين قوله انى سقيم وذلك انه لما قال له ابوه لو خرجت معنا الى عيدنا لأعجبك ديننا فخرج معهم فلما كان ببعض الطريق القى نفسه وقال انى سقيم تأويله ان قلبى سقيم بكفركم او مراده الاستقبار كما قال الكلبى كان ابراهيم من اهل بيت ينظرون فى النجوم وكانوا اذا خرجوا للعيد لم يتركوا الا مريضا فلماهم ابراهيم بكسر الاصنام نظر قبل العيد الى السماء وقال ارانى اشتكى غدا فاصبح معصوبا رأسه فخرج القوم ولم يخلف غيره وقوله بل فعله كبيرهم مرشرحه وواحدة فى شأن سارة وذلك انه قدم الاردن وبها ملك جبال يقال له صادوق ومعه سصارة وكانت احسن الناس فقال لها ان هذا الجبال ان يعلم انك امرأتى يغلبنى عليك فاخبريه انك اختى اى فى الاسلام فانى لاعلم فى الارض امرأة لا ينبغى ان تكون الا لك فارسل اليها فاتى بها وقام ابراهيم الى الصلاة والدعاء فلما دخلت عليه اعجبته فمد يده اليها فايبس الله تعالى يده فقال لها ادعى الله ان يطلق يدى ولا اضرك فدعت فعاد ثم وثم حتى دعا الذى جاء بها وقال اخرجها من ارضى واعطاها هاجر وكانت جارية فى غاية الحسن والجمال وهبتها سارة لابراهيم فولدت له اسماعيل عليهما السلام(8/298)
فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64)
{ فرجعوا الى انفسهم } اى راجعوا عقولهم وتذكروا ان مالا يقدر على دفع المضرة عن نفسه ولا على الاضرار بمن كسره بوجه من الوجوه يستحيل ان يقدر على دفع مضرة غيره او جلب منفعة له فكيف يستحق ان يكون معبودا { فقالوا } اى قال بعضهم لبعض فيما بينهم { انكم انتم الظالمون } بعبادتها لا من كسرها(8/299)
ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65)
{ ثم نكسوا على رؤسهم } اى انقلبوا الى المجادلة بعدما استقاموا بالمراجعة شبه عودهم الى الباطل بصيرورة اسفل الشئ اعلاه من قولهم نكس المريض اذا عاد الى مرضه الاول بعد العافية والنكس قلب الشئ ورد آخره على اوله .
وقال الكاشفى [ بس نكنسار كرده شدند برسرهاى خود يعنى سردربيش افنكندنداز حجالت وغيرت ] .
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان لكل انسان عقلا لو رجع الى عقله وتفكر فى حاله لعلم صلاحه وفساد حاله : وفى المثنوى
كشتئ بى لنكر آمدمردنر ... كه زبادكز ندارد او حذر
لنكر عقلست عاقل را امان ... لنكرى دريوزه كن ازعاقلان
وفيه اشارة اخرى وهى ان العقل وان كان يعرف الصلاح من الفساد ويميز بني الحق والباطل ما لم يكن له تأييد من نور الله وتوفيق منه لا يقدر على اختيار الصلاح واحتراز الفساد فيبقى مبهوتا كما كان حال قوم نمرود حيث نكسوا على رؤسهم اذ لم يكونوا موفقين فما نفعهم ما عرفوا من الحق : وفى المثنوى
جز عنايت كه كشايد جشم را ... جز محبت كه نشاند خشم را
جهدبى توفيق خود كس رامباد ... درجهان والله اعلم بالرشاد
{ لقد علمت ما هؤلاء ينطقون } على ارادة القول اى قائلين لقد علمت يا ابراهيم ان ليس من شأنهم النطق فكيف تأمرنا بسؤالهم فاقروا بهذا للحيرة التى لحقتهم(8/300)
قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66)
{ قال } مبكتالهم { أفتعبدون } اى أتعلمون ذلك فتعبدون { من دون الله } اى حال كونكم متجاوزين عبادته تعالى { ما لا ينفعكم شيأ } من النفع ان عبدتموهم { ولا يضركم } ان لم تعبدوهم فان العلم بالحالة المنافية للالوهية مما يوجب الاجتناب عن عبادته قطعا .(8/301)
أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)
{ اف لكم ولما تعبدون من دون الله } تضجر منه من اصرارهم على الباطل البيت واف صوت التضجر اذا صوت بها الانسان علم انه متضجر ومعناه قبحا ونتنا : وبالفارسية [ زشتى وناخوشى شمارا ومران جيزرا كه مى برستيد بجز خداى تعالى ] واللام لبيان المتأفف له اى لكم ولآلهتكم هذا التأفف لا لغيركم وفى كتب النحو من اسماء الافعال اف بمعنى اتضجر { أفلا تعقلون } اى أجنتم فلا تعقلون قبح صنيعكم .
قال ابن عطاء دعا الله تعالى عباده اليه وقطعهم عما دونه بقوله { أفتعبدون } الخ كيف تعتمده وهو عاجز مثلك ولا تعتمد من اليه المرجع وبيده الضر والنفع .
قال حمدون القصار استغاثة الخلق بالخلق كاستغاثة المسجون بالمسجون .
وقال بعض الكبار طلبك من غيره لوجود بعدك عنه اذ لو كنت حاضرا بقلبك معه ما صح منك توجه لغيره وكل ما دون الله خوض ولعب فالتعلق به زور وكذب فدع الكل جانبا وتعلق بمولاك حتما تجده فى كل مهم وغير مغنيا وعند كل شئ حقا يقينا جعلنا الله ممن تعلق به بلا علة وعافنا من الذلة والزلة والقلة - حكى - ان امرأة حبيب العجمى الحت عليه ان يعمل بالاجر طلبا للسعة فى الرزق فخرج من بيته وعبد الله الى الليل فعاد الى بيته وليس معه شئ فلما سألته ارمأته قال عملت لعظيم كريم واستحييت ان اطلب الاجرة فلما مضى عليه ثلاثة ايام قالت اطلب الاجرة او اعمل لغيره او طلقنى فخرج الى الليل فلما عاد الى منزله وجد رائحة الطعام وامرأته مستبشرة فقالت ان الذى عملت له ارسل الينا اشياء عظيمة وكيسا مملوا ذهبا فبكى حبيب وقال انه من عند الله الكريم فلما سمعت المرأة تابت وحلفت ان لا تعود الى مثله ابدا .
ففى هذه الحكاية فوائد منها ان العمل بالاجرة وان كان امرا مشروعا لكن الحبيب اختار طاعة الحبيب وعد ذلك العمل من قبيل الاستناد الى الغير مع انه تعالى قال « من شغله ذكرى عن مسألتى اعطيته فوق ما اعطى السائلين » ومنها ان الصبر مؤد الى الفتح ولو كان بعد حين فلا بد من الصبر وترك الجزع . ومنها ان تلك المرأة عرفت الحال فتابت الى الله المتعال واختارت القوة والقناعة ولازمت العبادة والطاعة فان من اعرض عن الحق بعد ظهور البرهان فقد خان نفسه واهان ألا ترى ان قوم ابراهيم بعدما استبان لهم الحق رجعوا الى الكفر والاصرار وعبادة الاصنام من الخشب والاحجار فاهلكهم الله تعالى بالبعوض الصغار : وفى المثنوى
هست دنيا قهر خانه كردكار ... قهر بين جون قهر كردى اختيار
استخوان وموى مقهوران نكر ... تيغ قهر افكنده اندر بحر وبر(8/302)
قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)
{ قالوا حرقوه } اى قال بعضهم لبعض لما عجزوا عن المحاجة وهكذا ديدن المبطل المحجوج اذا قرعت شبهته بالحجة القاطعة وافتضح لا يبقى له مفزع الا المناصبة واتفقت كلمتهم على احراقه لانه اشد العقوبات .
وقال ابن عمر رضى الله عنهما ان الذى اشار باحراقه رجل من اعراب العجم يعنى من الاكراد ولعمرى انهم لفى فسادهم وجفائهم وغلوهم فى تعذيب الناس بعد يقدمون ولا ينفكون عن ذلك ما ترى للاسلام الذى هو دين ابراهيم الخليل عليهم اثرا فى خلق ولا عمل خلقهم نهب اموال المسلمين وعلمهم ظلم وسرقة وقتل وقطع الطريق والله ما هؤلاء باهل الملة الغراء لاكثر الله فى الناس مثل هؤلاء اياك والمصاحبة باصلحهم والمرور ببلادهم { وانصروا آلهتكم } بالانتقام لها { ان كنتم فاعلين } امرا فى اهلاكه يعنى ان الاحراق هو المتعد به فى هذا الباب .
وقصته انه لما اجتمع نمرود وقومه لاحراقه عليه السلام حبسوه فى بيت بنوا له حائطا كالحظيرة ارتفاعه ستون ذراعا وذلك فى جنب جبل كونى وهى بالضم قرية بالعراق ثم جمعوا له الحطب الكثير حتى ان الرجل المريض كان يوصى بشرائ الحطب والقائه فيها وكانت المرأة لو مرضت قال ان عافانى الله لاجمعن حطبا لابراهيم وكانت تنذر فى بعض ما تطلب لئن اصابته لتحتطبن فى نار ابراهيم وتغزل وتشترى الحطب يغزلها فتلقيه فى ذلك البنيان احتسابا فى دينها .
وكانت امرأة عجوز نذرت ان تحمل الحطب الى نار ابراهيم فجعلت حزمة حطب وذهبت بها الى موضع النار فاعترضها ملك فى الطريق وقال اين تذهبين يا عجوز فقالت اريد نار ابراهيم فقال طول الله طريقك وقصر خطاك فاقامت تسير والحطب فوق رأسها وهى جيعانة عطشانة حتى ماتت لعنها الله تعالى قيل جمعوا له اصناف الحطب من انواع الخشب على ظهر الدواب اربعين يوما .
قال الكاشفى [ وروغن فراوان برهيمه ريختند ] يقال ان جميع الدواب امتنعت من حمل الحطب الا البغال فعاقبها الله ان اعقمها كما فى القصص .
وذكر فى فضائل القدس عن سعيد بن عبد العزيز انه قال فى زمن بنى اسرائيل فى بنت المقدس عند عين سلوان وعين سلوان فى القدس الشريف كزمزم فى مكة وكانت المرأة اذا قذفت اتوابها فسقوها من ماء هذه العين فان كانت بريئة لم يضرها وان كانت سقيمة ماتت فلما حملت مريم ام عيسى عليه السلام اتوابها وحملوها على بغلة فعثرت بها فدعت الله تعالى ان يعقم رحمها فعقمت من ذلك اليوم فلما اتتها شربت منها فلم تزد الاخير فدعت الله تعالى ان لا يفضح امرأة مؤمنة فغارت انتهى .
ثم اوقدوا الحطب سبعة ايام فلما اشتعلت النار صار الهواء بحيث لو مر الطير فى اقصى الجول لاحترق من شدة وهجها اى شدة حرها - روى - انهم لم يعلموا كيف يلقونه فيها لعدم تأنى القرب منها فجاء ابليس فى صورة شيخ وعلمهم عمل المنجنيق .(8/303)
قال فى انسان العيون اول من وضع المنجنيق ابليس فانه لما جعلوا فى الحطب النار ووصلت النار الى رأس الجدار المرتفع المبنى جنب الجبل لم يدروا كيف يلقون ابراهيم فتمثل لهم ابليس فى صورة نجار فصنع لهم المنجنيق ونصبوه على رأس الجبل ووضعوه فيه والقوه فى تلك النار واول من رمى به فى الجاهلية جذيمة الابرش وهو اول من اوقد الشمع انتهى .
وقيل صنعه لهم رجل من الاكراد وكان اول من صنع المنجنيق فخسف الله به الارض فهو يتجلجل فيها الى يوم القيامة ثم عمدوا الى ابراهيم فوضعوه فى كفة المنجنيق مقيدا مغلولا فصاحت السماء والارض ومن فيهما من الملائكة الا الثقلين صيحة واحدة اى ربنا ما فى ارشك احد يعبدك غير ابراهيم وانه يحرق فيك فائذن لنا فى نصرته فقال تعالى ان استغاث باحد منكم لينصره فقد اذنت له فى ذلك فان لم يدع غيرى فانا اعلم به وانا وليه فخلوا بينى وبينه فانه خليلى ليس لى خليل غيره وانا الهه ليس له اله غيرى فلما ارادوا القاءه فى النار اتاه خازن الرياح فقال ان شئت طيرت النار فى الهواء واتاه خازن المياه فقال ان اردت اخمدت النار فقال ابراهيم لا حاجة لى اليكم ثم رفع رأسه الى السماء فقال اللهم انت الواحد فى السماء وانا الواحد فى الارض ليس فى الارض من يعبدك غيرى حسبى الله ونعم الوكيل واقبلت الملائكة فلزموا كفة المنجنيق فرفعه اعوان النمرود فلم يرتفع فقال لهم ابليس أتحبون ان يرتفع قالوا نعم قال ائتونى بعشر نسوة فأتواه بهن فامرهن بكشف رؤوسهن ونشر شعورهن ففعلوا ذلك فمدت الاعوان المنجنيق وذهبت الملائكة فارتفع ابراهيم فى الهواء كما فى القصص وذلك ان المك لا يرى الرأس المكشوف من المرأة بخلاف الجنى ولذا لما رأى نبينا عليه السلام الملك فى بدء الوحى فزع منه فاجلسته خديجة رضى الله عنها فى حجرها والقت حمارها وهو ما يعطى به الرأس ثم قالت هل تراه قال لا قالت يا ابن عم اثبت وابشر فوالله انه لملك ما هذا بشيطان وحين القى فى النار قال لا اله الا انت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا رشيك لك .
قال فى التأويلات النجمية اذا اراد الله تعالى ان يكمل عبدا من عباده المخلصين يفديه بخلق عظيم كما انه تعالى اذا اراد استكمال حوت فى البحر يفديه بكثير من الحيتان الصغار فلما اراد تخليص ابريز الخلة من غش البشرية جعل النمرود وقومه فداء لابراهيم حتى اجمعوا على تحريقه بعد ان علموا انهم ظالمون فوضعوه فى المنجنيق ورموه الى النار فانقطع رجاؤه عن الخلق بالكلية متوجها الى الله تعالى مستسلما نفسه اليه حتى ان جبريل عليه السلام ادركه فى الهواء فامتحنه بقوله هل لك من حاجة وما كان فيه من الوجود ما تتعلق به الحاجة فقال اما اليك فلا قال له جبريل سل ربك امتحانا له فاخفى سره عن جبريل غيرة على حاله فقال حسبى من سؤالى علمه بحالى وما اظهر عليه حالة فادركته العناية الازلية بقوله { قلنا يا نار كونى بردا وسلاما على ابراهيم } البرد خلاف الحر والسلام التعرى من الآفات اى كونى ذات برد من حرك وسلامة من بردك فزال ما فيها من الحرارة والاحراق وبقى ما فيها من الاضاءة والاشراق واختاره المحققون لدلالة الظاهر عليه وهذا كما ترى من ابدع المعجزات فان انقلاب النار هواء طيبا وان لم يكن بدعا من قدرة الله لكن وقوع ذلك على هذه الهيئة مما يخرق العادات وقيل كانت النار بحالها الا انه تعالى خلق فى جسم ابراهيم كيفية ما انعمة من وصول اذى النار اليه كخزنة جهنم فى الآخرة وكما انه ركب بنية النعامة بحيث لا يضرها ابتلاع الحديد المحماة وبدن السمندل بحيث لا يضره المكث فى النار كما يشعر به ظاهر قوله على ابراهيم قيل فبردت نار الدنيا يومئذ ولم ينتفع بها احد من اهلها ولو لم يقل على ابراهيم لبقيت ذات برد ابدا على كافة الخلق بل على جميع الانبياء ولو لم يقل سلاما بعد قوله بردا لمات ابراهيم من بردها .(8/304)
قال فى الكبير اما كونها سلاما عليه فلان البرد المفرط مهلك كالحر بل لا بد من الاعتدال وهو اما بان يقدر الله بردها بمقدار لا يؤثر او بان يصير بعض النار بردا ويبقى بعضها على حرارته او بان يزيد فى حرارة جسمه حتى لا يتأثر ببردها . قيل جعل كل شئ يطفئ عنه النار الا الوزغة فانها كانت تنفخ النار ولذا امر النبى عليه السلام بقتلها . قيل لما القى فى النار كان فيها اربعين يوما او خمسين وقال ما كنت اصيب عيشا زمانا من الايام التى كنت فيها فى النار كما قال بعض العارفين فى جبل لبنان وكان يأكل اصول النبات واوراق الشجر ظننت ان حالى اطيب من حال اهل الجنة : قال الحافظ
عاشقانرا كردر آتش مينشاندمهر دوست ... تنك جشمم كرنظردجشمة كوثر كونم
قيل لما رزموه فى النار اخذت الملائكة بضبعى ابراهيم واقعدوه فى الارض فاذا عين ماء عذب وورد احمر وتنرجس .
قال الكاشفى [ جون ابراهيم بميدان آتش فرود آمد فى الحال غل وبند او بسوخت ] فبعث اللهتعالى ملك الظل فى صورة ابراهيم فجاء فقعد الى جنب ابراهيم يؤنسه واتاه جبريل بقميص من حرير الجنة وطنفسة فالبسه القميص واجلسه على الطنفسة وقعد معه يحدثه وقال يا ابراهيم ان ربك يقول أما علمت ان النار لا تضرا حبابى ثم نظر النمرود من صرح له واشرف على ابراهيم فرآه جالسا فى روضة مؤنقة ومعه جليس على احسن ما يكون من الهيئة والنار محيطة به فناداه يا ابراهيم هل تستطيع ان تخرج منها قال نعم قال قم فاخرج فقال يمشى حتى خرج فاستقبله النمرود وعظمه وقال من الرجل الى رأيته معك فى صورتك قال ذلك ملك الظل ارسله ربى ليؤنسنى فيها فقال له النمرود انى مقرب الى الهك قربانا لما رأيته من قدرته وعزته فيما صنع بك وانى ذابح له اربعة آلاف بقرة فقال ابراهيم لا يقبل الله منك ما كنت على دينك هذا قال النمرود لا استطيع ترك ملكى وملتى لكن سوف اذبحها له ثم ذبحها وكف عن ابراهيم .(8/305)
وفى القصص قال له النمرود اى بعد الخروج ما اعجب سحرك يا ابراهيم قال ليس هذا سحر ولكن الله جعل النار على بردا وسلاما والبسنى ثوب العز والبهاء فقال له النمرود فمن ذلك الرجل الذى كان جالسا عن يمينك والرجال الذين كانوا حولك فقال له ابراهيم فمن ملائكة ربى بعثهم الى يؤنسوننى ويبشروننى بان الله قد اتخذنى خليلا فتحير النمرود ولم يدر ما يصنع بابراهيم فحدثته نفسه بالجنون وقال لأصعدن الى السماء واقتل آلهك فامر ان يصنع له تابوت وثيق كما سبق فى اواخر سورة ابراهيم - روى - انهم لما رأوه سالما لم يحترق منه سوى وثاقه قال هاران ابو لوط عليه السلام ان النار لا تحرقه لانه سحر النار لكن اجعلوه على شئ واوقدوا تحته فان الدخان يقتله ففعلوافطارت شرارة الى لحية ابى لوط فاحرقتها - روى - ان ابراهيم القى فى النار وهو ابن ست عشرة سنة . فان قلت هل وجد القول من الله تعالى حيث قال { قلنا يا نار كونى بردا وسلاما } او هو تمثيل . قلت جعل الله النار باردة من غير ان يكون هناك قول وخطاب لقوله تعالى { ان يقول له كن فيكون } وذهب بعضهم الى ان ذلك القول قد وجد القائل هو الله او جبريل قال باوامر الله .
قال ابن عطاء سلام ابراهيم من النار بسلامة صدره لما حكى الله عنه { اذ جاء ربه بقلب سليم } اى خال من جميع الاسباب والعوارض وبردت عليه النار لصحة توكله ويقينه مع ان نار العشق غالبة على كل شئ : وفى المثنوى :
عشق آن شعله است كوجون برفروخت ... هرجه جز معشوق باقى جمله سوخت
در بناه لطف حق بايد كرخت ... كو هزاران لطف بر ارواح ريخت
تا بناهى يابى آنكه جون بناه ... آب وآتش مرترا كردد سباه
نوح وموسى را نه دريا يار شد ... نى براعدا شان بكين قهارشد
آتش ابراهيم را نى قلعه بود ... تا برآورد از دل نمرود دود
كوه يحيى را نه سوى خويش خواند ... قاصدانش را بزخم سنك راند
كفت اى يحيى ببا در من كريز ... تا بناهت باشم از شمشيرتيز(8/306)
فان قلت لم اتبلاه الله بالنار فى نفسه .
قلت كل رسول اتى بمعجزة تناسب اهل زمانه فكان اهل ذلك الزمان يعبدون النار والشمس والنجوم معتقدين انها من حيث ارواحها تربى الهياكل والاجسام بخاصية طبائع هن عليها فاراهم الله تعالى الحق ان العنصر الاعظم عندهم هو حقيقة الشمس وروح كرة الاثير والنجوم ولا تضر تلك الآلهة باذن الله بسريان القدرة القاهرة فى حقائق العناصر .
وقيل ابتلاه الله بالنار لان كل انسان يخاف بالطبع من صفة القهر كما قيل لموسى { لا تخف سنعيدها سيرتها الاولى } فاراه تعالى ان النار لا تضر شيأ الا باذن الله تعالى وان ظهرت بصفة القهر ولذلك اظهر الجمع بين التضاد يجعلها بردا وسلاما ومعجزة قاهرة لاعدائه المعتقدين بوصف الربوبية للعنصر الاعظم فكان ابتلاؤه بالنار معجزة ساطعة لعبدة النيران والنجوم كذا فى اسئلة الحكم(8/307)
وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)
{ وارادوا به كيدا } مكرا عظيما فى الاضرار به { جعلناهم الاخسرين } اى اخسر من كل خاسر حيث عاد سعيهم فى اطفاء نور الحق برهانا قاطعا على انه على الحق وهم على الباطل وموجبا لارتفاع درجته واستحقاقهم لاشد العذاب :
وفى المثنوى
وقيل { فجعلناهم الاخسرين } اى من الهالكين بتسليط البعوض عليهم وقتله اياهم وهو اضعف خلق الله تعالى وما برح النمرود حتى رأى اصحابه قد اكلت البعوض لحومهم وشربت دماءهم ووقعت واحدة فى منخره فلم تزل تأكل الى ان وصلت الى دماغه وكان اكرم الناس عليه الذى يضرب رأسه بمرزبة من حديد فاقام بهذا نحوا من اربعمائة سنة وقد سبق فى سورة النحل .(8/308)
وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)
{ ونجيناه } اى ابراهيم من الاحراق ومن شر النمرود { ولوطا } هو ابن اخى ابراهيم اسمه هاران مهاجرا { الى الارض التى باركنا فيها للعالمين } اى من العراق الى الشام . وقيل كانت واقعة ابراهيم مع النمرود بكوثى فى حدود بابل من ارض العراق فنجاه الله من تلك البقعة الى الارض المباركة الشامية .
وعن سفيان انه خرج الى الشام فقيل له الى اين فقال الى بلد يملأ فيه الجراب بدرهم وقد كان الله تعالى بارك فى الارض المقدسة ببعث اكثر الانبياء فيها ونشر شرائعهم هى البركات الحقيقية الموصلة للعالمين الى الكمالات والسعادة الدينية والدنيوية وبكثرة الماء والشجر والثمر والحطب وطيب عيش الغنى والفقير .
وقال ابى بن كعب سماها مباركة لان ما من ماء عذب الا وينبع اصله من تحت الصخرة التى بيت المقدس وقد كان لوطا النبى آمن بابراهيم ابن تارخ وهو لوط بن هاران بن تارخ ابن تاخور وازر لقب تارخ وكان هاران وابراهيم اخوين وآمنت به ايضا سارة بنت عم ابراهيم سارة بنت هاران الاكبر عم ابراهيم فخرج من كوثى مهاجرا الى ربه ومعه لوط وسارة يلتمس الفرار بدينه والامان على عبادة ربه حتى نزل حران فمكث بها ما شاء الله ثم ارتحل منها ونزل بفلسطين ثم خرج منها مهاجرا حتى قدم مصر ثم خرج من مصر وعاد الى ارض الشام ونزل لوط بالمؤتفكة وبعثه الله نبيا الى اهلها - روى - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال « ستكون هجرة بعد هجرة فخيار اهل الارض الزمهم الى مهاجرا ابراهيم » اراد علبيه السلام بالهجرة الثانية الهجرة الى الشام والمقصود ترغيب الناس فى المقام بها وفى الحديث « بيت المقدس ارض الحشر والنشر والشام صفوة الله من بلاده يجيئ اليها صفوته من خلقه » وفى المرفوع « عليكم بالشام »
سعد يا حب وطن كرجه حديث است صحيح ... نتوان مرد بسختى كه من اينجا زادم
وفى المثنوى
مسكن يا رست وشهر شاه من ... بيش عاشق اين بود حب الوطن(8/309)
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72)
{ ووهبنا له } اى لابراهيم بعد نزوله فى الارض المباركة وطلب الولد منها { اسحق } ولد لصلبه من سارة معناه بالعبرانية الضحاك كما ان معنى اسماعيل به مطيع الله { ويعقوب } اى ووهبنا له يعقوب ايضا حال كونه { نافلة } اى ولد ولد فهو حال من المعطوف عليه فقط لعدم اللبس وسمى يعقوب لانه خرج عقيب اخيثه عيص او متمسكا بعقبه . قال فى القاموس النافلة الغنيمة والعطية وما تفعله مما لم يجب كالنفل وولد الولد { وكلا } اى كل واحد من هؤلاء الاربعة بعضهم دون بعض { جعلنا صالحين } بان وفقناهم للصلاح فى الدين والدنيا فصاروا كاملين } .(8/310)
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)
{ وجعلناهم ائمة } يقتدى بهم فى امور الدين { يهدون } اى الامة الى الحق { بامرنا } لهم بذلك وارسلنا اياهم حتى صاروا مكملين { واوحينا اليهم فعل الخيرات } ليحثوهم عليه فيتم كما لهم بانضمام العمل الى العلم .
يقول الفقير جعلوا المصدر من المبنى للمفعول بمعنى ان يفعل الخيرات بناء على ان التكاليف يشترك فيها الانبياء والامم ولكن قوله تعالى فى اواخر هذه السورة { انهم كانوا يسارعون فى الخيرات } وقوله تعالى فى سورة مريم حكاية عن عيسى عليه السلام { واوصانى بالصلاة والزكاة ما دمت حيا } ينادى على انه من المبنى للفاعل ولا يضر ذلك فى الاشراك اذا لانبياء اصل فى الذى اوحى اليهم من الاوامر { واقام الصلاة وايتاء الزكاة } عطف الخاص على العام دلالة على فضّله وحذفت تاء الاقامة المعوضة من احدى الالفين لقيام المضاف اليه مقامه { وكانوا لنا } خاصة دون غيرنا { عابدين } لا يخطر ببالهم غير عبادتنا والعبادة غاية التذلل .
قال فى التأويلات النجمية قوله { وهبنا } يشير الى ان الاولاد من مواهب الحق لا من مكاسب العبد وقوله { وكلا جعلنا صالحين } يشير الى الصلاحية من المواهب ايضا وحقيقة الصلاحية حسن الاستعداد الفطرىّ لقبول الفيض الالهىّ وقوله { وجعلناهم ائمة يهدون بامرنا } يشير الى ان الامامة ايضا من المواهب وانه ينبغى ان الامام يكون هاديا بامر الله لا بالطبع والهوى وان كان له اصل البداية وقوله { واوحينا } الخ يشير الى ان هذه المعاملات لا تصدر من الانسان الا بالوحى للانبياء وبالالهام للاولياء وان طبيعة النفس الانسانية ان تكون امارة بالسوء انتهى .
واعلم ان آخر الآيات نبه على اهل الاخلاص بالعبارة وعلى غيره بالاشارة فالاول هو العبد المطلق والثانى هو عبد هواه ودنياه وفى الحديث « تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار » خصصهما بالذكر لانهما معظم ما يعبد من دون الله تعالى .
وعن يحيى بن معاذ انه قال الناس ثلاثة اصناف . رجل شغله معاده عن معاشه . ورجل شغله معاشه عن معاده . ورجل مشتغل بهما جميعا فالالو درجة العابدين والثانى درجة الهالكين والثالث درجة المخاطرين : وفى المثنوى
آدمى راهست دركار دست ... يك ازو مقصود اين خدمت بدست
تاجلا باشد مرين آيينه را ... كه صفا آيد ز طاعت سينه را
جهد كن تانور تورخشان شود ... تاسلوك وخدمتت آسان شود
بند بكسل باش آزاد اى بسر ... جند باشى بند سيم وبند زر
هركه از ديدار بر خوردار شد ... اين جهان درجشم اومردار شد
باز اكر باشد سبيد وبى نظير ... جونكه صيدش باشد شد حقير(8/311)
وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74)
منصوب بمضمر يفسره قوله { آتيناه } اى وآتينا لوطا آتيناه { حكما } .
قال فى التأويلات النجمية حكمة حقيقة .
وفى بحر العلوم هو ما يجب فعله .
وفى الجلالين فصلا بين الخصوم بالحق .
يقول الفقير الحكم وان كان اعم من الحكمة لكنه فى حق الانبياء بمعناها غالبا كما يدل عليه قوله تعالى فى حق يحيى عليه السلام { واتيناه الحكم صبيا } وهو الفهم عن الله تعالى وقوله تعالى فى حق داود عليه السلام { وآتاه الملك والحكمة وعلمه مما يشاء } فرق بين الملك والحكمة والعلم فيكون معنى قوله { وعلما } اى علما نافعا يتعلق بامور الدين وقواعد الشرع والملة { ونجيناه من القرية } قرية سدوم اعظم القرى المؤتفكة اى المنقلبة المجعول عاليها سافلها وهى سبع كما سبق { التى كانت تعمل الخبائث } جمع خبيثة والخبيثة ما يكره رداءه وخساسة يتناول الباطل فى الاعتقاد والكذب فى المقال والقبيح فى الفعال واعوذ بك من الخبث والخبائث اى من ذكور الشياطين واناثها والمراد ههنا اللواطة وصفت القرية بصفة اهلها واسندت اليها على حذف المضاف واقامتها مقامه كما يوزن به قوله { انهم كانوا قوم سوء } [ كروهى بد ] .
قال الراغب السوء كل ما يغم الانسان من الامور الدنيوية والاخروية ومن الاحوال النفسية والبدنية والخارجية من فوات مال وفقد حميم ويعبر به عن كل ما يقبح وهو مقابل الحسن { فاسقين } اى منهمكين فى الكفر والمعاصى متوغلين فى ذلك : وبالفارسية [ بيرون ر فتكان ازدائره فرمان ] .
وفى الآية اشارة الى ان النجاة من الجليس السوء من المواهب والاقتران معه من الخذلان
زينهار ازقرين بد زنهار ... وقنا ربنا عذاب النار
وفى المثنوى هر حويجى باشدش كردى دكر ... درميان باغ ازسير وكبر
هريكى باجنس خود دركرد خود ... از براى بختكى نم ميخورد
تظنه كرد زعفرانى زعفران ... باش آميزش مكن باضميران
آب ميخور زعفرانا تارسى ... زعفرانى اندران حلوا رسى
تومكن دركرد لغم بوزخويش ... تانكردد باتواو همطبع وكيش
توبكردى او بكردى مودعه ... زانكه ارض الله آمد واسعة .(8/312)
وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)
{ وادخلناه فى رحمتنا } فى اهل رحمتنا الخاصة { انه من الصالحين } الذين سبقت لهم منا الحصنى .
قال فى التأويلات النجمية يشير الى ان الرحمة على نوعين خاص وعام فالعام منها يصل الى كل بر وفاجر كقوله تعالى { ورحمتى وسعت كل شئ } والخاص لا يكون الا للخواص وهو الدخول فى الرحمة وذلك متعلق بالمشيئة وحسن الاستعداد ولهذا قال { انه من الصالحين } بالمستعدين لقبول فيض رحمتنا والدخول فيها وهو اشارة الى مقام الوصول فافهم جدا كقوله تعالى { يدخل من يشاء فى رحمته }(8/313)
وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)
{ ونوحا اذ ناجى } ظرف للمضاف المقدر اى اذكر نبأه الواقع حين دعائه على قومه بالهلاك { من قبل } اى من قبل هؤلاء المذكورين { فاستجبنا له } اى دعاءه الى هو قوله { انى مغلوب فانتصر } .
قال فى بحر العلوم الاستجابة الاجابة لكن الاستجابة تتعدى الى الدعاء بنفسها والى الداعى باللام ويحذف الدعاء اذا عدى الى الداعى فى الغالب فيقال استجاب الله دعاءه او استجاب له ولا يكاد يقال استجاب له دعاءه وهو الدليل عى ان النداء المذكور بمعنى الدعاء لان الاستجابة تقتضى دعاء { فنجيناه واهله من الكرب العظيم } من الغم العظيم الذى كانوا فيه من اذية قومه .
قال الراغب الكرب الغم الشديد من كرب الر ض قلبها بالحفر فالغم يثير النفس اثارة ذلك .(8/314)
وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77)
{ ونصرناه } نصرا مستتبعا للانتقام والانتصار ولذلك عدى بمن حيث قيل { من القوم الذين كذبوا بآياتنا } اولا وآخرا { انهم كانوا قوم سوء } [ كروهب بديعنى كافر بودند جه كفر سر جمله همه بديهاست ] { فاغرقناهم اجميعن } فانه لم يجتمع الاصرار على التكذيب والانهماك فى الشر والفساد فى قوم الا اهلكهم الله تعالى .
اعلم ان الدعاء اذا كان بذان الله تعالى وخلوص القلب كما للانبياء وكمل الاولياء يكون مقرونا بالاجابة - روى - ان زيد بن ثابت رضى الله عنه خرج مع رجل من مكة الى الطائف ولم يعلم انه منافق فدخلا خربة وناما فاوئق المنافق يد زبد واراد قتله فقال زيد يا رحمن اعنى فسمع المنافق قائلا يقول ويحك لا تقتله فخرج المنافق ولم ير احدا ثم وثم ففى الثالثة قتله فارس ثم حل وثاقه وقال انا جبريل كنت فى السماء السابعة حين دعوت الله فقال الله تعالى ادرك عبدى .
ففى الحكاية امور . منها لا بد لاهل الطريق من الرفيق لكن يلزم تفتيش حاله ليكون على امان من المخلوق وقد كثر العدو فى صورة الصديق فى هذا الزمان : وفى المثنوى
آدمى رادشمن بنهان بسيست ... آدمئ باحذر عاقل كسيست
وقد قيل فى حل شئ عبرة والعبرة فى الغراب شدة حذره . ومنها ان الدعاء من اسباب النجاة فرعها الله عليه حيث قال { فنجيناه } بعد قوله { فاستجنا له } قال الحافظ
مرا درين ظلمات آنكه رهنمائى كرد ... دعاى نيم شبى بود وكريه سحرى
وفى المثنوى
آن نياز مريمى بودست ودرد ... كه جنان طفلى سخن آغازكرد
هر كجا دردى دوا آنجا رود ... هركجا بستيست آب آنجا رود
ومنها ان الله تعالى يعين عبده المضطر من حيث لا يحتسب اذ كل شئ جند من جنوده كما حكى ان سفينة مولى رسول الله عليه السلام اخطأ الجيش بارض الروم فاسر فانطلق هاربا يلتمس فاذا هو بالاسد فقال يا ابا الحارث انا سفينة مولى رسول الله وكان من امرى كيت وكيت فاقبل الاسد يبصبص حتى قام الى جانبه كلما سمع صوتا اهوى اليه فلم يزل كذلك حتى بلغ الجيش ثم رجع الاسد : قال الشيخ سعدى قدس سره
يكى ديدم از عرصه رودبار ... كه بيش مدم بربلنكى سوار
جنان هول ازان حال برمن نشست ... كه ترسيدنم باى رفتن به بست
تبسم كنان دست برلب كرفت ... كه سعدى مدار آنجه آيدشكفت
توهم كردن ازحكم داور مبيج ... كه كردن تبيجد زحكم توهيج
محالست جون دةست دارد ترا ... كه دردوست دشمن كذارد ترا
ومنها ان الملك يتمثل لخوزاص البشر .
قال الغزالى رحمه الله فى المنقذ من الضلال ان الصوفية يشاهدون الملائكة فى يقظتهم اى لحصول طهارة نفوسهم وتزكية قلوبهم وقطعهم العلائق وحسمهم مواد اسباب الدنيا من الجاه والمال واقبالهم على الله بالكيلة علما دائما وعملا مستمرا
شد فرشته ديدن ازشان فرشته خصلتى ...(8/315)
وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78)
{ وداود وسليمان اذ يحكمان فى الحرث } اى اذكر خبرهما وقت حكمهما فى وقت الحرث وهو بالفارسية [ كشت ] { اذ نفشت } تفرقت وانتشرت ظرف للحكم { فيه غنم القوم } ليلا بلا راع فرعته وافسدته فان النفش ان ينتشر الغنم ليلا بلا راع والغنم محركة الشاة لا واحد لها من لظفها الواحدة شاة وهو اسم مؤنث للجنس يقع على الذكور والاناث وعليهما جميعا كما فى القاموس { وكنا لحكمهم } اى لحكم الحاكمين والمتحاكمين اليهما .
فان قيل كيف يجوز ان يجعل الضمير لمجموع الحاكمين والمتحاكمين وهو يستلزم اضافة المصدر الى فاعله ومفعوله دفعة واحد وهو انما يضاعف الى احدهما فقط لان اضافته الى الفاعل على سبيل القيام به واضافته الى المفعول على سبيل الوقوع عليه فهما معمولان مختلفان فلا يكون اللفظ الواحد ستعملا فيهما معا وايضا انه يستلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز لان اضافته الى الفاعل حقيقة والى المفعول مجاز فالجواب ان هذه الاضافة لمجرد الاختصاص مع كون القطع عن كون المضاف اليه فاعلا او مفعولا على طريق عموم المجاز كأنه قيلوكنا للحكم المتعلق بهم { شاهدين } حاضرين علما وهو مقيد لمزيد الاعتناء بشأن الاحكم .
وفى التأويلات النجمية يشير الى انا كنا حاضرين فى حكمهما معهما وانما حكما بارشادنا لهما ولم يخطئ احد منهما فى حكمه الا انا اردنا تشييد بناء الاجتهاد بحكمهما عزة وكرامة للمجتهدين ليقتدوا بهما مستظهرين بمساعيهم المشكورة فى الاجتهاد .(8/316)
فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)
{ ففهمناها } اى الحكومة { سليمان } وهو ابن احدى عشرة سنة .
وقال الكاشفى [ درسن سيزده سالكى ] .
قال فى التأويلات النجمية يشير الى رفعة درجة بعض المجتهدين على بعض وان الاعتبار فى الكبر والفضيلة بالعلم وفهم الاحكام والمعانى والاسرار لا بالسن فانه فهم بالاحق والصوب وهو ابن صغير وداود نبى مرسل كبير .
وحكما [ كفته اند توانكرى بهنرست نه بمال وبزركى بعقلست نه بسال ] .
فى القصص ان بنى اسرائيل حسدوا سليمان على ما اوتى من العلم فى صغر سنة فاوحى لله تعالى الى داود عليه السلام يا داود ان الحكمة تسعون جزأ سبعون منها فى سليمان وعشرون فى بقية الناس { وكلا } { هر يك را زبدر وبسر ] { آيتنا حكما وعلما } كثيرا لا سليمان وحده فحكم كليهما حكم شرعى .
قال فى التأويلات النجمية اى حكمة وعلما ليحكم كل واحد منهما موافقها للعلم والحكمة بتأييدنا وان كان مخالفا فى الحكم بحكمتنا ليتحقق صحة امر الاجتهاد وان لكل مجتهد نصيب كما قال فى الارشاد وهذا يدل على ان خطأ المجتهد لا يقدح فى كونه مجتهدا - روى - انه دخل على داود عليه السلام رجلان فقال احدهما ان غنم هذا دخلت فى حرثنى ليلا فافسدته فقضى له بالغنم اذ لم يكن بين قيمة الحرث وقيمة الغنم تفاوت فخرجا فمرا على سليمان عليه السلام فاخبراه بذلك فقال غير هذا ارفق بالفريقين فسمعه داود فدعاه فقال له بحق النبوة والابوة ألا اخبرتنى بذالى هو ارنق بالفريقين فقال ارى ان تدفع الغنم الى صاحب الارض لينتفع بدرها ونسلها وصوفها والحرث الى ارباب الغنم ليقوموا عليه اى بالحرث والزرع حتى يعود الى ما كان ويبلغ الحصاد ثم يترادّا فقال القضاء ما قضيت وامضى الحكم بذلك .
قال فى الارشاد الذى ان تدفع الخ صريح فى انه ليس بطريق الوحى والا لبت القول بذلك ولما ناشده داود لاظهار ما عنده بل وجب عليه ان يظهره ابتداء وحرم عليه كتمه ومن ضرورته ان يكون القضاء السابق ايضا كذلك ضرورة استحال نقض حكم النص بالاجتهاد انتهى والاجتهاد بذل الفقيه الوسع ليحصل له ظن بحكم شرعى وهو جائز للانبياء عند اهل السنة ليدركوا ثواب المجتهدين وليقتدى بهم غيرهم ولذا قال عليه السلام « العلماء ورثة الانبياء » فانه يستلزم ان تكون درجة الاجتهاد ثابتة للانبياء ليرث العلماء عنهم ذلك الا ان الانبياء لا يقرون على خطأ وفى الحديث « اذا حكم الحاكم فاجتهد فاصاب فله اجران واذا حكم واجتهد واخطأ فله اجر » وفى كل حادثة حكم معين عند الله وعليه دليل قطعى او ظنى فمن وجده اصاب ومن فقده اخطأ ولم يأثم .(8/317)
فان قيل لو تعين الحكم فالمخالف له لم يحكم بما انزل الله فيفسق او يكفر .
قلنا انه امر بالحكم بما ظنه ونان اخطأ فقد حكم بما اونزل الله . قال فى بحر العلوم واعلم ان فى هذه الآية دليلا على ان المجتهد يخطئ او يصيب وان الحق واحد فى المسائل الاجتهادية اذ لو كان كل من الاجتهادين صواب وحقا لكان كل منهما قد اصاب الحق وفهمه ولم يكن يتخصيص سليمان خلافه بالذكر جهة فانه فى هذا المقام يدل على نفى الحكم عما عداه وعلى ان للانبياء اجتهادا كما للعلماء على انه لو كان كل مجتهد مصيبا لزم اتصاف الفعل الواحد بالنقيضين من الصحة والفساد والوجوب والخطر والاباحة وهو ممتنع : وفى المثنوى
وهم افتد در خطا ودر غلط ... عقل باشد در اصابتها فقط
مجتهد هركه كه باشد نص شناس ... اندران صوت نينديش قياس
جون نيايد نص اندر صورتى ... از قياس آنجا نمايد عبرتى
{ وسخرنا } [ ورام ساختيم ] { مع داود الجبال } مع متعلقة بالتخسير وهو تذليل الشئ وجعله طائعا منقادا . وسفن سواخر اذا اطاعت وطابت لها الريح { يسبحن } حال من الجبال ان يقدسن الله تعالى بحيث يسمع الحاضرون تسبيحهن فانه هو الذى يليق بمقام الامتنان لا انعكاس الصدى فانه عام وكذا ما كان بلسان الحالف فاعرف { والطير } عطف على الجبال وقدمت الجبال على الطير لان تسخيرها وتسبيحها اعجب وادل على القدر واخل فى الاعجاز لانها جماد والطير حيوان { وكنا فاعلين } قادرين على ان نفعل هذا وان كان عجبا عندكم - روى - ان داود كان اذا مر يسمعه الله تسبيح الجبال والطير لينشط فى التسبيح ويشتاق اليه .
قال الكاشفى [ مؤمن موقن بايدكه اعتقاد كند برين وجه كه كوهها ومرغان بموافقت داود بروجهى تسبيح مى كفته اندكه همه سامعانرا تركيب حروف وكلمات آن مفهوم ميشده واين معنى ازقدرت الهى غريب نيست ]
هر كجا قدرتش علم افراخت ... ازغرائب هر آنجه خواست بساخت
قدرتى را كه نيست نقصانش ... كارها جمله هست آسانش
وفى التاأويلات النجمية يشير الى ان الذاكر لله اذا استولى عليه سلطان الذكر تتنور اجزاء وجوده بنور الذكر فيتجوهر قلبه وروحه بجوهر الذكر فربما ينعكس نور الذكر من مرآة القلب الى ما يحاذيها من المجادات والحيوانات فتنطقه بالذكر فتارة يذكر معه اجزاء وجوده وتارة يذكر معه بعض الجمادات والحيوانات كما كانت الحصاة تسبح فى يد رسول الله صلى الله عليه وسلم والضب يتكلم معه - روى - عن بعض الصحابة رضى الله عنهم انه قال كنا نأكل الطعام ونسمع تسبيحه انتهى .
وفى عرائس البقلى رحمه الله كان يطلب كل وقت مكانا خاليا لذكره وانسه فيدخل الجبال لانها ملتبسة بانوار قدرته حالية عن صنع اهل الحدثان باقية على ما اخرجت من العدم بكسوة نور اقدم فاذا كان مسبحا سبحت الجبال معه والطير بلسان نور الفعل الحق كأنه تعالى ينزه نفسه بتنزيه داود حيث غلب على داود سطوات عظمته ونور كبريائه .(8/318)
قال محمد ابن على رحمه الله جعل الله الجبال تسلية للمجذوبين وانسا للمكروبين والانس الذى فى الجبال هو انها خالية عن صنع الخلائق فيها بحلا باقية على صنع الخالق لا اثر فيها لمخلوق فتوحش والآثار التى فقيها آاثر الصنع الحقيقى عن غير تبديل ولا تحويل انتهى .
قال ابن عباس رضى الله عنهما ان بنى اسرائيل كانوا قد تفرقوا قبل مبعث داود واقبلوا على ملاهى الشيطان وهى العيدان والطنابير والمزامير والصنوج وما اشبهها فبعث الله داود اعطاه من حسن الصوت ونغمة الالحان حتى كان يتلو التوراة بترجيع وخفض ورفع فاذهل عقول بنى اسرائيل وشغلهم عن تلك الملاهى وصاروا يجتمعون الى داود يستمعون الحانة وكان اذا سبح تسبح معه الجبال والطير والوحش كما فى قصص الانبياء : قال الشيخ سعدى قد سره
به از روى زيباست آواز خوش ... كه اين حظ نفس است وآن قوت روح
وقال
اشتر بشعر عرب در حالتست وطرب ... كرذوق نيست تراكز طبع جانورى
وقال
وعند هبوب الناشرات على الحمى ... تميل غصون البان لا الحجر الصلد
وكما ان الاصوات الحسنة والنغمات الموزونة تؤثر فى النفوس فتجذبها من الشر الى الخير بالنسبة الى المستعد الكامل فكذا الاصوات القبيحة والنغمات الغير الموزونة تؤثر فى النفوس فتفعل خلاف ما يفعل خلافها : وفى المثنوى
يك مؤذن داشت بس آواز بد ... درميان كافرستان بانك زد
جند كفتندش مكو بانك نماز ... كه شود جنك وعداوتها دراز@_ خق خائف كرد وبس بى احتراز
كفت دركافرستان بانك نماز ... خلق خائف شد زفته عامه
خود بيامد كافرى باجامه ... شمع وحلوا باجنان جامع لطيف
هديه آورد وبيامد جون اليف ... برس برسان كين مؤذن كوكجاست
كه صلاى بانك اوراحت فزاست ... دخترى درام لطيف وبس سنى
آرزو مى بود اورا مؤمنى ... هيج اين سوادا نمى رفت از سرش
بندها ميداد جندى كافرش ... هيج جاره مى ندانستم دران
تافرو خواند اين مؤذن آن اذان ... كفت دختر جيست اين مكروه بانك
كه بكوشم آمد اين دوجار دانك ... من همه عمر اين جنين آواززشت
هيج نشنيدم درين ديرو كنشت ... خوةاهرش كفتا كه اين بانك اذان
هست اعلام وشعار مؤمنان ... باورش نامد بيرسيد از دكر
آن دكرهم كفت آرى اى قمر ... جون يقين كشتش رخ او زردشد
از مسلمانى دل اوسرد شد ... بازرستم من زتشويش وعذاب
دوش خوش خفتم داران بى خوف خواب ... راحتم اين بود از آواز او
هديه آوردم بشكران مردكو ... كفت اين هديه بذير
جون مراكشتى مجيرو دستكير ... كربمال وملك وثروت فردمى
من دهانت را براززر كردمى ...(8/319)
وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80)
{ وعلمناه صنعة لبوس } اى عمل الدروع : وبالفارسية [ ساختن زره ] والاصنع اجادة الفعل فكل صنع فعل وليس كل فعل صنعا والصناعة ككتابة حرفة الصانع وعمل الصنعة واللبوس فى الاصل اللباس درعا كان او غيرها ولبس الثوب استتر به وكان الدروع قبل داود صفائح اى قطع حديد عراضا فحلقها وسردها { لكم } اى لنفعكم متعلق بعلمنا او بمحذوف هو صفة لبوس .
والمعجزة فيه ان فعل ذلك من غير استعانة باداة وآلة من نحو الكير والنار والسندان والمطرقة .
وكان لقمان يجلس مع داود ويرى ما يصنع ويهمّ ان يسأل عنها لانه لم يرها قبل ذلك فيسكت فلما فرغ داود من الدرع قام وافرغه على نفسه وقال نعم الرداء هذا للحرب فقال لقمان عندها ان من الصمت لحكمة .
قال الحكماء وان كان الكلام فضة بالصمت من ذهب
اكر بسيار دانى اندكى كوى ... يكى راصد مكوصدار يكى كوى
{ لتحصنكم } لتحرزكم اى اللبوس بتأويل الدرع ودرع حصينة لكونها حصنا للبدن فتجوّز به فى كل تحرز وهو بدل اشتمال من لكم باعادة الجار لان لتحصنكم فى تأويل لاحصانكم وبين الاحصان وضمير لكم ملابسة الاشتمال مبين لكيفية الاختصاص والمنفعة المستفادة من لكم { من بأسكم } البأس هنا الحرب وان وقع على السوء كله اى من حرب عدوكم : وبالفارسية [ از كارزار شما يعنى ازقتل وجراحت دركار زار بماندند تيغ وتيرو نيزه ] .
وفى الآية دلالة على ان جميع الصنائع بخلق الله وتعليمه وفى الحديث « ان الله خلق كل صانع وصنعه » وفى المثنوى
قابل تعليم وفهمست اين خرد ... ليك صاحب وحى تعليمش دهد
جمله حرفتها يقين ازوحى بود ... اول اوليك عقل آنرا فزود
{ فهل انتم شاكرون } ذلك يعنى قد ثبت عليكم النعم الموجبة للشكر حيث سهل عليكم المخرج من الشدائد فاشكروا له .
قال الكاشفى : يعنى [ شكر كوييد خدايرا برجنين لباس ] فهو امر وارد على صورة الاستفهام والخطاب لهذه الامة من اهل مكة ومن بعدهم الى يوم القيامة اخبر الله تعالى ان اول من عمل الدرع داود ثم تعلم الناس فعمت النعمة بها كل محارب من الخلق الى آخر الدهر فلزمهم شكر الله على هذه النعمة .
وقال بعضهم الخطاب لداود واهل بيته بتقدير القول اى فقلنا لهم بعدما انعمنا علهيم بهذه النعم بل انتم شاكرون وما اعطى لكم من النعم التى ذكرت مت تسخيره الجبال له والطير والانة الحديد وعلم صنعة اللبوس . قيل ان داود خرج يوما متفكرا طالبا من يسأله عن سيرته فى مملكته فاستقبل جبريل على صورة آدمى ولم يعرفه داود فقال له كيف ترى سيرة داود فى مملكته فقال له جبريل نعم الرجل هو لولا ان فيه خصلة واحدة قال وما هى قال بلغنى ان هيأكل منبيت المال وليس شئ افضل من ان يأكل الرجل من كدّ يده فرجع داود وسأل الله ان يجعل رزقه من كدّ يده فلألان له الحديد وكان يتخذ الدرع من الحديد ويبيعها ويأكل من ذلك .(8/320)
يقول الفقير قد ثبت فى الفقه ان فى بيت المال حق العلماء وحق السادات ونحوهم فالاكل منه ليس بحرام عند اهل الشريعة والحقيقة لكن الترك افضل لاهل التقوى كما دل عليه قصة داود وقس عليه الاوقاف ونحوها من الجهات المعينة وذلك لانه لا يخلو عن شبهة فى هذا الزمان مع ان الاستناد الى الرزق المعلوم ينافى التوكل التام ولذا لم يأكل كثير من اهل الحق ربح المال الموقف بل اكلوا مما فتح الله عليهم من الصدقات الطيبة من غير حركة ذهينية منهم فضلا عن الحركة الحسية نعم اكل بعضهم من كسب يده قال الحافظ
فقيه مدرسه دى مست بود وفتوى داد ... كه مى حرام ولى به زمال اوقافست
غلط الشراح فى شح هذا البيت واقول تحقيقه ان قوله { ولى به } من كلام الحافظ لا من كلام المفتى . يعنى ان الفقيه كان سكران من شراب الغفلة وحب الدنيا والاعتمال على مال المدرسة ولذا انكر اهل حال العشق وجعل شرابهم الذى هو العشق حراما ولكن ليس الامر كما قال فانه اولى من مال الوقف . يعنى ان العشق والتوكل التام اللذين عليهما محققوا اصوفية افضل من الزهد والاكل من مال الوقف اللذين عيلهما فقهاء العصر وعلماؤه فالانكار يتعلق بالفقيه المعتمد لا بالعاشق المتوكل .
قال العلماء كان الانبياء عليهم السلام يحترفون بالحرف ويكتسبون بالمكاسب . فقاد كان ادريس خياطا . وقد كان اكثر عمل نبينا عليه السلام فى بيته الخياطة وفى الحديث « عمل الابرار من الرجال الخياطة وعمل الابرار من النساء الغزل » كما فى روضة الاخبار وفى الحديث « علموا بنيكم السباحة والرمى ولنعم لهو المؤمنة مغزلها واذا دعا ابوك وامك فاجب امك » كما فى المقاصد الحسنة للسخاوى وفى الحديث « صرير مغزل المرأة يعدل التكبير فى سبيل الله والتكبير فى سبيل الله اثقل فى الميزان من سبع سموات وسبع ارضين » وفى الحديث « المغزل فى يد المرأة الصالحة كالرمح فى يد الغازى المريد به وجه الله تعالى » كما فى مجمع الفضائل . وكان نوح نجارا . وابراهيم بزازا وفى الحديث « لو اتجر اهل الجنة لا تجروا فى البز ولو اتجر اهل النار لا تجروا فى الصرف » كذا فى الاحياء . وداود زرادا . وآدم زرعا وكان اول من حالك ونسج ابونا آدم .
قال كعب مرت مريم فى طلب عيسى بحاكة فسألت عن الطريق فارشدوها الى غير الطريق فقالت اللهم انزع البركة من كسبهم وامتهم فقراء وحقرهم فى اعين الناس فاستجيب دعاؤها ولذا قيل لا تستشيروا الحاكة فانه ثمنه ولا يأكل من بيت المال .(8/321)
وكان موسى وشعيب ومحمد رعاة فانه عليه السلام آجر نفسه قبل النبوة فى رعى الغنم قال « وما من نبى الا وقد رعاها » ومن حكمة الله فى ذلك ان الرجل اذا استرعى الغنم التى هى اضعف البهائم سكن قلبه الرأفة واللطف تعطفا فاذا انتقل من ذلك الى رعاية الخلق كان قد هرب اولا من الحدة الطبيعية والظلم الغريزى فيكونم فى اعدل الاحوال وحيئنذ لا ينبغى لاحد عير برعاية الغنم ان يقول كان النبى عليه السلام يرعى الغنم فان قال ذلك ادّب لان ذلك كما علمت كمال فى حق الانبياء دون غيرهم فلا ينبغى الاحتجاج به ويجرى ذلك فى كل ما يكون كمالا فى حقه فى النسان العيون .
يقول الفقير فقول السلطان سليم الاول من الخواقين العثمانية .
يك كدا بود سليمان بعصا وزنبيل ... يافت ازلطف توآن حشمت ملك آرايى
مصطفى بود يتيمى زعرب بست درت ... دادش انعام توتاج شرف بالايى
ترك ادب لانه يوهم التحقير فى شأنهما العظيم . وكان صالح ينسج الا كسية جمع كساء بالفارسية [ كليم ] وعيسى يخصف النعل ويرقعها . وافضل الكسب الجهاد وهو حرفة رسول الله عليه السلام بعد النبوة والهجرة . ثم التجارة بشرط الامانة بحيث لا يخون على مقدار حبة اصلا . ثم الحراثة . ثم الصناعة كما فى المختار والتحفة . ويجتنب المكاسب الخبيثة اى الحرام والرديئ ايضا نحو اجرة الزانية والكاهن وهو الذى يخبر عن الكوائن المستقبلة او عما مضى وعن نحوسة طالبع او سعد او دولة او محنة او نحو ذلك . ويجتنب عن صنعه الملاهى ونحوها . وكره للرجل ان يكون بائع الا كفان لانه يوجب انتظار موت الناس او حناطا يحتكر او جزارا وهو القصاب الذى يذبح الدواب لما فيه من قساوة القلب . او صائغا بالفارسية [ زركر ] لما فيه من تزيين الدنيا وقد كرهوا كل ما هو بمعناه كصناعة النقش وتشييد البنيان بالجص ونحو ذلك . او مخاسا وهو الذى يبيع الناس من الذكور والاناث .
يقال ثلاثة لا يفلحون بائع البشر وقاطع الشجر وذابح البقر . وكره ان يكون حجاما او كناسا او دباغا وما فى معناه لما فيه من مخالطة النجاسة . وكره ابن سيرين وقتادة اجرة الدلال لقلة اجتنابه عن الكذب وافراطه فى الثناء على السلعة لترويجها - روى - ان اول من دل ابليس حيث قال { هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى } كما فى روضة الاخبار .(8/322)
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82)
{ ولسليمان الريح } اى وسخرنا له الريح وتخصيص داود بلفظ مع وسليمان باللام للدلالة على ما بين التسخيرين من التفاوت فان تسخير ما سخر له عليه السلام من الريح وغيرها كان بطريق الانقياد الكلى له والامتثال بامره ونهيه والمقهورية تحت ملكوته فجيئ بلام التمليك واما تسخير الجبال والطير لداود عليه السلام فلم يكن بهذه المثابة بل بطريق التبعية له والاقتداء به فى عبادة الله تعالى { عاصفة } حال من الريح اى حال كونها شديدة الهبوب من حيث انها تبعد بكرسيه فى مدة يسيرة من الزمان وكانت لينة فى نفسها طيبة كالنسيم فكان جميعها بين الرخاوة فى نفسها وعصفها فى عملها مع طاعتها لسليمان وهبوبها سبما يريد ويحتكم معجزة مع معجزة { تجرى } [ ميرفت ] حال ثانية { بامره } بمشيئته { الى الارض التى باركنا فيه } وهى الشام كانت تذهب به غدوة من الشام الى ناحية من نواحى الارض وبينهام وبين الشام مسيرة شهر الى وقت الزوال ثم ترجع به منها بعد الزوال الى الشام عند الغروب كما قال تعالى { غدوها شهر ورواحها شهر } قال مقاتل عملت الشياطين لسليمان بساطان فرسخا فى فرسخ من ذهب فى ابريسم وكان يوضع له منبر من ذهب فى وسط البساط فيقعد عليه وحوله كراسى من ذهب وفضة يقعد الانبياء على كراسى الذهب والعلماء على كراسى الفضة وحولهم الناس وحول الناس الجن والشياطين وتظله الطير باجنحتها حتى لا تطلع عليه الشمس وترفع ريح الصبا البساط مسيرة شهر من الصباح الى الرواح ومن الرواح الى المغرب وكان عليه السلام امرأ قلما يقعد عن الغزو ولا يسمع فى ناحية من الارض ملكا الا اتاه ودعاه الى الحق .
قال الكاشفى [ در تخليص آورده كه درشام شهرى بود تدمر نام كه ديوان براى سليمان بنياد ساخته بودند صباح از آنجا بيرون آمدى وياز نماز شام دير آيد آنجا آوردى . ودر مختار القصص آورده كه بامداد از تدمر بيرون آمدى وقيلوله داراصطخر فارس كردى وشبنكاه بكابل رفتى وروزى ديكر از كابل بيرون آمدى وجاشت در اصطخر بودى شام بتدمر باز آمدى ] وكانت تجرى الى حيث شاء سليمان ثم يعود الى منزله بالشام - روى - ان سليمن سار من العراق غاديا فقابل نمرود وصلى العصر ببلخ ثم سار من بلخ متخللا بلاد الترك وارض الصين ثم عطف مها على مطلبع الشمس على ساحل البحر حتى اتى قندهار وخرج منها الى مكران وكرمان حتى اتى فارس فنزلها اياما وغدا منها بكسكر ثم راح الى الشام وكان مستقره بمدينة تدمر كما فى بحر العلوم : قال الشيخ سعدى قدس سره
نه برباد رفتى سحركاه وشام ... سرير سليمان عليه السلام
باخر نه ديدى كه برباد رفست ... خنك بادانش وداد رفت(8/323)
{ وكنا بكل شئ عالمين } فنجريه على ما يقتضى علمنا وحكمتنا { ومن الشياطين } اى وسخر لنا له من الشياطين { من يغوصون له } اى يدخلون تحت البحر ويستخرجون له من نفائسه .
قال الراغب الغوص الدخول تحت الماء واخراج شئ منه ويقال لكل من هجم على غامض فاخرجه غائص عينا كان او عالما والغواص الذى يكثر منه ذلك { ويعملون عملا دون ذلك } اى غير ما ذكر من بناء المدن والقصور واختراع الصنائع الغريبة وهؤلاء اما الفرقة الاولى او غيرها لعموم كلمة من كأنه قيل ومن يعملون - روى - ان المسخر له كفارهم لا مؤمنوهم لقوله تعالى { ومن الشياطين } { وكنا لهم حافظين } اى من ان يزيغوا عن امره ويعصوا ويتمردوا عليه او يفسدوا ما عملوا على ما هو مقتضى جبلتهم والشياطين وان كانوا اجساما لطيفة لكنهم يتشكلون باشكال مختلفة ويقدرون على اعمال الشاقة ألا ترى ان لطافة الريح لا تمع عصوفها لا سيما انهم تكثفوا فى زمن سليمان فكانوا بحيث يراهم الناس ويستعملونهم فى الاعمال .
قال فى الاسئلة المقحمة فلماذا لم تخرج الشياطين عن طاعة سليمان مع استعمالهم فى تلك الامور الشديدة فالجواب ان الله تعالى اوقع لسليمان فى قلوبهم من الخوف والهيبة حتى خافوا ان يخرجوا عن طاعته وهذا من معجزاته .
قال فى التأويلات النجمية من كمالية لانسان انه اذا بلغ مبلغ الرجال البالغين من الانبياء والاولياء سخر الله له بحسب مقامه السفليات والعلويات من الملك والملكوت فخسر لسليمان عليه السلاممن السفليات الريح والجن والشياطين والطير والحيوانا والمعادن والنبات ومن العلويات الشمس حين ردت لاجل صلاته كما سخر لداود عليه السلام الجبال والطير والحديد والاحجار التى قتل بها جالوت وهمز عسكره فسخر لكل نبى شيأ آخر من اجناس العلويات والسفليات وسخر لنبينا عليه الصلاة والسلام من جميع اجناسها فمن السفليات ما قال عليه السلام « زويت لى الارض فاريت مشرقاه ومغاربها وسيبلغ ملك امتى ما زى لى منها » وقال « جعلت لى الارض مسجدا وتربها طهورا » وقال « اتيت بمفاتح خزائن الارض » وكان الماء ينبع من بين اصابعه وقال نصرب بالصبا وكانت الاشجار تسلم عليه وستجد وتنقلع باشارته عن مكانها وترجع والحيوانات كانت تتكلم معه وتشهد بنبوته وقال « اسلم شيطانى على يدى » وغيره من السفليات واما العلويات فقد انشق له القمر باشارة اصبعه .
بس قمركه امر بشنيد وشتافت ... بس دونيمه كشت برجرح وشكافت
وسخر له البراق وجبريل والرفرق وعبر السموات السبع والجنة والنار والعرش والكرسى الى مقام قاب قوسيت او ادنى فما بقى شئ من الموجودات الا وقد سخر له
نه كسى دركرد توهركز رسيد ... نه كسى رانيز جندين عزرسيد
وبقوله { ومن الشياطين من يغوصون } الآية يشير الى انا كما سخرنا الشياطين له يعملون له الاعمال سخرنا للشايطين الاعمال والغوص والصنائع يصنعون بحفظ الله مالا يقدرون عليه الآن .(8/324)
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)
{ وايوب } اى واذكر خبر ايوب . واختلفوا فى اسماء نسبه بعد الاتفاق على الانتهاء الى روم بن عيص بنابراهيم عليه السلام - روى - ان الله تعالى استنبأ ايوب وارسله الى اهل حران وهى قرية بغوطة دمشق وكثر اهله وماله وكان له سبعة بنين وسبع بنات ومن اصناف البهائم مالا يحصى فحسده ابليس وقال [ الهى بنده بتودر عافيت وسعت عيس است مال بسيار وفرزندان بزركوادر دارد اكر اورا بانّزاع مال واولاد مبتلا سازى زود ازتو بكردد وطريق كفران نعمت بيش كيرد حق سبحانه وتعالى فرمودكه جنين نيست كه توميكويى او مارا بنده ايست بسنديده اكر هزار باردر بوته ابتلابكداختم بى غش وخالص العيار آيد
جنان در عشاق يكرويم كه كرتيغم زنى برسر ... برو زامتحان باشم جوشمع استاده بابرجا
بس حق سبحانه وتعالى اقسام محن بروى كما شت شترانش بصاعقه هلاك شدند وكوسفندان سببب سيل دركرداب فنا افنادند وزراعت بريح متلاشى شد واولاد در زير ديوار ماندند وقروح درجسد مباركش ظاهر شدوديدان بيدأ كشتند وخلق ازوى كريخت بجززن او ] فكان نظيرا ابراهيم عليه السلام فى الابتلاء بالمال والولد والبدن .
وقد قال بعض الكبار ان بلاء ايوب اختاره قبله سبعون نبيا فما اختاره الله الاله وبقى فى مرضه ثمانى شعرة سنة او سبع سنين وسبعة اشهر وسبعة ايام وسبع ساعات قال له يوم امرأته رحمة بنت افراييم بن يوسف لو دعوت الله فقال لها كم كانت مدة الرخام فقالت ثمانين ينة فقال انا استحيى من الله ان ادعوه وما بلغت مدة بلائى مدة رخائى [ وهرحسر اين خطاب مستطاب بايوب مكروب رسيدى كه اى ايوب جكونه وايوب بذوق وشوق اين برسش كوه بلا بجان مى كشيد وبآن بيمارى خوش بود ]
كربرسر بيمار خود آيى بعيادت ... صد صاله باميد توبيمار توان بود
وقد سلط الله على جسده اثنى عشر الف دودة لانها عدد الجند الكامل كما قال عليه السلام « اثنا عشر الفالن يغلب عن قلة ابدا » ولله عساكر كالدود والبعوض والابابيل لاصحاب الفيل والهدهد لعوج والعنكبوت والحمامة لرسول الله عليه السلام واكل الدود جميع جسده حتى بقى العظام والقلب واللسان والاذن والعينان ولما قصد قلبه الذى هو منبع المعرفة ومعدن النبوة والولالية ولسانه هو مصد رالذكر التوحيد غار عليه وخاف ان ينقطع عن طاعة الله وتسبيحه بالكلية فانه كان من ضعف الحال بحيث لا يستطيع القيام للصلاة فلما انتهى وقت الابتلاء وحصل الفناء التام فى مقام البلاء والهمه الله الدعاء ليوصله الى مرتبة البقاء ويتجلى له بالجمال واللقاء بعد الجلال والاذى كما اخبر عنه بقوله { اذا نادى ربه } اى دعاه { انى } اى بانى { مسنى } اصابنى { الضر } [ رنج وسختى ] قالوا الضر بالفتح شائع فى كل ضرر وبالضم خاص بما فى النفس من مرض وهزال ونحوهما روانت ارحم الراحمين } بين افتقاره اليه تعالى ولم يقل ارحمنى لطفا فى السؤال وحفظا للادب فى الخطاب فان اكثر اسئلة الانبياء فى كشف البلاء عنهم انما هى على سبيل التعريض(8/325)
وفى النفس حاجات وفيه فطانة ... سكوتى بيان عندها وخطاب
وقال الحافظ
ارباب حاجيتم وزبان سؤال نيست ... درحضرت كريم تمناجه حاجتست
فان قيل أليس صرح زكريا فى الدعاء قال { هب لى من لدنك وليا } قلنا هذا سؤال العطاء لا يجمل به العريق ودلك كشف البلاء فيجمل به التعريض لئلا يشتبه بالشكاية - ويحكى - ان عجوزا تعرض لسليمكان بن عبد الملك فقلت يا امير المؤمنين مشت جرذان بيتى على العصى فقال لها الطفت فى السؤال لا جرم لاردنها تثب وثب الفهود وملأ بيتها حبا . فهذا القول من ايوب دعاء وتضرع وافتقار لا جزع وشكاية كما هو حال الاضطرار ولذا جاء جوابه بلفظ الاستجابة وقال تعالى فى حقه { انا وجدناه صابرا نعم العبد } وعلى تقدير تضمنه الشكاية فقد اشتكى من البلوى اليه تعالى لا الى غيره وهو لا ينافى الصبر الجميل كما قال يعقوب انما اشكوا بنى وحزنى الى الله فصبر جميل والعارف الصادق اذا كان متحققا فى معرفته فشكواه حقيقة الانبساط ومناداته تحقيق المناجاة واساه فى بلاء حبيبه حقيقة المباهاة ولسان العشق لسان التضرع والحكاية لا لسان الجزع والشكاية كما اشارة العاشق
بشنوازنى جون حكايت ميكند ... از جداييها شكايت ميكند
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان كل ما كان لا يوب من الشكر والشكاية فى تلك الحالة كان مع الله لا مع غير والى ان بشرية ايوب كانت تتأمل بالضر وهو يخبر عنها ولكن روحانيته المؤيدة بالتأييد الالهى تنظر بنور الله وترى فى البلاء كمال عناية المبتلى وعين مرحمته فى تلك الصورة تربية لنفسه ليبلغها مقام الصبر ورتبة نعمة العبدية وهو يخبر عنها ويقول { مسنى الضر } من حيث البشرية بنور فضلك { انك ارحم الراحمين } علىّ بانك تترحم علىّ بهذا البلاء ومس الضر وقوة الصبر ع ليه لتفنى نفسى عن صفاتها وفى العجلة وتبقى بصفاتك ومنها الصبر والصبر من صفات الله لا من صفات العبد كقوله تعالى { واصبر وما صبرك الا بالله } والصبور هو الله تعالى .(8/326)
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)
{ فاستجبنا له } [ بس اجابت كرديم دعاى ويرا ] { فكشفنا } [ بس ببرديم ] { ما به من ضر } [ آنجه ويرابود ازرنج يعنى اوراشفاداديم ] - روى - انه قيل له يوم الجمعة عند السحر او وقت زوال الشمس ارفع رأسك فقد استجيب لك اركض برجلك اى اضرب بها الارض فركض فنبعت من تحتها عين ماء فاغتسل منها فلم يبق فى ظاهر بدنه دودة الا سقطت ولا جراحة الا برئت ثم ركض مرة اخرى فنبعث عين اخرى فشرب منها فلم يبق فى جوفه داء الاخرج وعاد صحيحا ورجع الى شبابه وجماله ثم كسى حلة . قال بعض الكبار السر فى ابتلائه تصفية وجوده بالرياضات الشاقة وانواع المجاهدات البدنية لتكميل المقامات العلية فامر بضرب ارض النفس ليظهر له ماء الحياة الحقيقية متجسدا فى عالم المثال فيغتسل به فتزول من بدنه الاسقام الجسمانية ومن قبله الامراض الروحانية فلما جاهد وصفا استعداده وصار قابلا للفيض الالهى ظهر له من الحضرة الروحانية ماء الحياة فاغتسل به فزال من ظاهره وباطنه ما كان سبب الحجاب والبعد عن ذلك الجناب الالهى انتهى .
واراد الله تعالى ان يجعل الدود عزيزا بسبب صحبة ايوب فان الدود اذل شئ وصحبة الشريف تعزه كما اعز حوت بيونس فلما تناثرت منه صعدت الى اشجرة وخرج من لعابها الابريسم ليصير لباسا ببركة ايوب : قال الشيخ سعدى قدس سره
كلى خوشبوى درحمام روزى ... رسيد ازدست محبوبى بدستم
بدو كفتم كه مشكى يا عبيرى ... كه ازبوى دلاويز تومستم
بكفتا من كل ناجيز بودم ... وليكن مدتى باكل نشستم
كمال همنشين برمن اثر كرد ... وكرنه من همان خاكم كه هستم
قالوا من كان مجاورا للعزيز والشريف صار عزيزا شريفا ومن كان مجاورا للذليل والوضيع كان ذليلا ووضيعا ألا ترى ان الصبا اذا مرت بالازهار والوراد تحمل الرائحة الطيبة واذا عبرت على المستقذرات تحمل الرائحة الخبيثة وقس على هذا من كان مصاحبا لاوصاف النفس ومن كان مجاورا لاخلاق الروح { وآتيناه اهله ومثلهم معهم } بان ولد له ضعف ما كان - روى - ان الله تعالى رد الى امرأته شبابها فولدت له ستة وعشرين ولدا كما هو المروى عن ابن عباس رضى الله عنهما ورد امواله وكان رحيما بالمساكين يكفل الايتام والرامل ويكرم الضيف ويبلغ ابن السبيل وفى الحديث « بينما ايوب يغتسل عريانا خر عليه رجل جراد من ذهب فجعل ايوب يحثو فى ثوبه فناداه ربه يا ايوب ألم اكن اغنيتك عما ترى قال بلى وعزتك ولكن لا غنى لى عن بركتك » وفيه دلالة على اباحة تكثير المال الحلال { رحمة من عندنا } اى آتيناه ما ذكر لرحمتنا اياه بالرحمة الخاصة { وذكرى للعابدين } وتذكرة وعبرة لغيره من العابدين ليعلموا بذلك كمال قدرتنا ويصبروا كما صبر ايوب فيثابوا كما اثيب
هر كه اودرراه حق صابر بود ... بر مراد خويشتن قادر بود
صبر بايد تاشنود يكسو حرج ... زانكه كفت الصبر مفتاح الفرج
واعلم ان بلاء ايوب من قبيل الامتحان ليبرز ما فى ضميره فيظهر لخلقه درجته اين هو من ربه وبلاء يوسف من قبيل تعجيل العقوبة اى على قوله راذكرنى عند ربك } . وبلاء يحيى حيث ذبح من قبيل الكرامة اذ لم يهم بخطيئة قط .(8/327)
وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86)
{ واسماعيل } بمعنى مطيع الله { وادريس } هو اخنوخ بن برد بن مهلاييل قال بعضهم سمى به لكثرة دراسته وقد سبق تحقيقه { وذا الكفل } بمعنى الكفالة والضمان لان نبيا من انبياء بنى اسرائيل اوحى الله اليه انى اريد قبضروحك فاعرض ملكك على بنى اسرائيل فمن تكفل لك انه يصلى بالليل لا يفتر ويصوم بالنهار لا يفطر ويقضى بين الناس ولا يغضب فسلم ملكك اليه ففعل ذلك فقال شاب انا اتكفل لك بهذا فتكفل ووفى به فكشره الله ونبأه فسمى ذا الكفل والمعنى واذكرهم { كل } اى كل بهذا فتكفل ووفى به فشكره الله ونبأة فسمى ذا الكفل والمعنى واذكرهم ركل } اى كل واحد من هؤلاء { من الصابرين } اى الكاملين فى الصبر على مشاق الطاعات واحتمال البليات فان اسماعيل قد صبر عند ذبحه وقال يا ابت افعل ما تؤمر الآية وصبر على المقام ببلد لا زرع فيه ولا ضرع ولا بناء فلا جرم اكرمه الله واخرج من صلبه خاتم النبيين عليه وعليهم السلام وادريس قد صبر على دراسته وذو الكفل قد صبر على صيام النهار وقيام الليل واذى الناس فى الحكومة بينهم ولا يغضب .
وفيه اشارة الى ان كل من صبر على طاعة الله وعن معصيته او على ما اصابه من مصيبة فى المال والاهل والنفس فانه بقدر صبره يستوجب نعمة رتبة نعم العبدية ويصلح لادخاله فى رحمته المخصوصة به كما قال { وادخلناهم فى رحمتنا } الخاصة من النبوة وغيرها { انهم من الصالحين } اى الكاملين فى الصلاح وهم الانبياء فان صلاحهم معصوم من الفساد [ وبعض كبار ميفر ما يدركه مؤمنا كناه كنند وباز توبه كنند وجون توبه بشرط باشد خداوند قبول كند واولياء كناه نكنند اما امكان داردكه بكنند ازجهت آنكه جائز الخطاند ] .
قيل لابى بيزيد قدس سره أيعصى العارف فقال وكان امرا لله قدرا مقدورا ثم يرد الى مقامه بعد ذلك ان كان من اهل العناية والوصول فتكون توبته من ذلك على قدر مقامه فيرجى ان يكون فى قوة تلك التوبة وعلو منصبها ان يجير وقت الغفلة حتى يكون كائنه ما خسر شيأ وما انتقل كتوبة ما عز الذين قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم « لو قسمت على اهل السموات والارض لوسعتهم » [ وانبيا كناه نكردند وامكان نداشت كه بكنندازجهت آنكه معصوم بودند ] .
واعلم ان للصلاح بداية وهى الاخذ بالشرائع والاحكام ورفض المنهى والحراء ونهاية وهى التوجه الى رب العباد وعدم الالتفات الى عالم الكون والفساد وهى فى الحقيقة مقام الصديقية واصلاح الله تعالى الانسان يكون تارة بخلقه اياه صالحا وتارة بازالة ما فيه من فساد بعد وجوده فان من العباد من اختار الله له فى الازل البلوغ بلا كسب ولا تعمل فوقع مفطورا على النظر اليه بلا اجتهاد بدفع غيره عن مقتضى قصده ومنهم من شغلته الاغيار عن الله زمانا فلم يزل فى علاج وجودها بتوفيق الله حتى افناها ولم يبق له سواه سبحانه .(8/328)
ثم الصبر من مراتب الصلاح . وعن يزيد الرقاشى رحمه الله قال اذا دخل الرجل القبر قامت الصلاة عن يمينه والزكاة عن يساره والبر يظله والصبر يحاجه يقول دونكم صاحبكم فان حججتم والا فانا من ورائه يعنى ان استطعتم ان تدفعوا عن العذاب والا فانا اكفيكم ذلك وادفع عنه العذاب فهذا الخبر دليل على الصبر افضل الاعمال والرضى اجل الصفات ولا يكون الصبر الاعلى بلاء ومشقة فالترقى انما هو بالصبر لا بنفس البلاء ولو كان البلاء بما هو بلاء يرفع درجات من قام به عند الله وينال به السعادة الابدية لنالها اهل البلاء من المشركين والكفار بل هو فى حقهم تعجيل لعذابهم وفى حق المؤمنين الصابرين تكميل لدرجاتهم وحط من خطيآتهم واكسير لنحاس وجودهم : وفى المثنوى
صد خزاران كيميا حق آفريد ... كيميايى همجو صبر آدم نديد
جون بمانى بسته دربند حرج ... صبر كن الصبر مفتاح الفرج
شكر كويم دوست را درخير وشر ... زانكه هست اندر قضا ازبدبتر
جونكه قسام اوست كفر آمد كله ... صبر بايد صبر مفتاح الصله
تادهد دوغم نخواهم انكبين ... زانكه هرنعمت غمى دارد قرين(8/329)
وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)
{ وذا النون } اى واذكر صاحب النون اى الحوت والمراد يونس ابن متى بفتح الميم وتشديد التاء المثناة فوق مفتوحة .
قيل هو اسم ام يونس كذا فى جامع الاصول .
قال عطاء سألت كعبا عن متى أهو اسم ابيه ام امه فقال اسم ابيه وامه بدورة وهى من ولد هارون وسمى يونس بذى النون لانه ابتلعه الحوت .
قال الامام السهيلى اضافه هنا الى النون وقد قال فى سورة القلم { ولا تكن كصحاب الحوت } وذلك انه حين ذكره فى موضع الثناء عليه قال ذو النون فان الاضافة بذو اشرف من الاضافة بصاحب لان قولك ذو يضاف الى التابع وصاحب الى المتبوع تقول ابو هريرة رضى الله عنه صاحب النبى عليه السلام ولا تقول النبى صاحب ابى هريرة الاعلى جهة واما ذو فانك تقول ذو المال وذو العرش فتجد الاسم للاسم متبوعا غير تابع ولفظ النون اشرف من الحوت لوجوده فى حروف التهجى وفى اوائل بعض السور نحو { ن والقلم } { اذ ذهب } اى اذكر خبره وقت ذهابه حال كونه { مغضبا } مراغما لقومه اهل نينوى وهى قرية بالموصل لما مر من طول دعوته اياهم وشدة شكيمتهم وتمادى اصرارهم مهاجرا عنهم قبل ان يؤمر وبناء المفاعلة للدلالة على كمال غضبه والمبالغة فيه وقيل وعدهم بنزول العذاب لاجل معلوم وفارقهم ثم بلغه بعد مضى الاجل انه تعالى لم يعذبهم ولم يعلم سببه وهوانهم حين رأوا امارات العذاب تابوا واخلصوا فى الدعاء فظن انه كذبهم وغضب من اندفاع العذاب عنهم وذهب غضبان وهذا القول انسب بتقرير الشيخ نجم الدين فى تأويلاته وهو من كبار المحققين فكلامه راجح عند اهل اليقين { فظن ان لن ينقدر عليه } اى لن نضيق عليه الامر يقال قدر على عياله قدرا ضيق وقدرت عليه الشئ ضيقته كأنما جعلته بقدر خلاف ما وصف بغير حساب نزل حاله منزلة من يظن ذلك .
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان الانسان اذا استولى عليه الغضب يلتبس عليه عقله ويحتجب عنه نور ايمانه حتى يظن بالله ما لا يطيق بجلاله وعظمته ولو كان نبيا وان من كمال قوة نبينا عليه السلام انه كان يغضب ولا يقول فى الرضى والغضب الا الحق .
وفيه اشارة اخرى وهى ان الله تعالى من كمال فضله وكرمه على عباده وان كانوا عصاة مستوجبين للعذاب ان يعاتب انبياءه لهم ولا يضرى عنهم اشتهاء نزلو عذاب الله بقومهم وكراهية دفع العذاب عنهم بل يرضى لهم ان يستغفروا لهم ويستعفوه لدفع العذاب عنهم كما قال لنبينا عليه السلام « فاعف عنهم واستغفر لهم » وقال فى حق الكفار وكان النبى عليه السلام يلعن بعضهم(8/330)
« ليس لك من الامر شئ او يتوب عليهم او يعذبهم فانهم ظالمون » انتهى - روى - انه حين خرج مغاضبا اتى بحر الروم فوجد قوما هيأوا السفينة فركب معهم فلما توسط السفينة البحر وقفت ولم تجر بحال فقال الملاحون هنا رجل عاص او عبد آبق لان السفينة لا تفعل هذا الا وفيها عاص او آبق ومن عادتنا اذا ابتلينا بهذا البلاء ان نقترع فمن وقعت عليه القرعة القيناه فى البحر فاقترعوا ثلاث مرات فوقعت القرعة فيها كلها على يونس فقال انا الرجل العاصى والعبد الآبق فالقى نفسه فى البحر فجاء حوت فابتلعه فاوحى الله تعالى الى الحوت ان لا تؤذى منه شعرة فانى جعلت بطنك سجنا له ولم اجعله طعاما { فنادى } الفاء فصيحة اى فكان ما كان من القرعة والتقام الحوت فنادى { فى الظلمات } اى فى الظلمة الشديدة المتكائفة او فى ظلمات بطن الحوت والبحر والليل .
وقال الشيخ السمرقندى فى تفسيره وعندى والله اعلم ان تلك الظلمات كانت من الجهات الست كما قال عليه السلام « ورأيت رجلا من امتى من بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن يساره ظلمة ومن فوقه ظلمة ومن تحته يديه ظلمة فهو متحير فى الظلمات » { ان } اى بانه { لا اله الا انت } .
قال فى التأويلات النجمية يشير الى ان الروح الشريف اذا القى فى بحر الدنيا والتقمه حوت النفس الامارة بالسوء وابتلع حوت النفس حوت القالب يكون من النوادر سلامة الروح من آفات النفس بحيث لا تتصرف فيه ولا تغيره عن صفاته بوحى الحق اليها بان لا تؤذيه فانى لم اجعله طعمه لك وانما جعلتك حرزا وسجنا له كما كان حال يونس وسلامته فى بطن الحوت من النوادر ومن سلامة الروح ان يناديه فى ظلمة النفس وظلمة القالب وظلمة الدنيا ان لا اله الا انت اى لا اله يحفظنى من هذه الظلمات ويسلمنى من آفاتها وفتنتها ويلهمنى ان اذكره فى هذا الموطن على هذه الحالة الا انت { سبحانك } انزهك تنزيها لائقا بك من ان يعجزك شئ وان يكون ابتلائى هذا بغير سبب من جهتى كما قال فى المثنوى
هرجه برتوآيد از ظلمات غم ... آن زبى باكى وكستاخيست هم
وفى التأويلات النجمية نزهه عن الظالم عليه وان كان فعله بخلق فيه كما قال تعالى { والله خلقكم وما تعملون } ونسب الظلم الى نفسه اعترافها واستحقاقا ورعاية للادب فقال { انى كنت من الظالمين } لانفسهم بتعريضها للهلاك حيث بادرت الى المهاجرة : وفى المثنوى
جون بكويى جاهلم تعليم ده ... اينجينين انصاف ان ناموس به
از بدر آموز اى روشن جبين ... ربنا كف وظلمنا ييش ازين
نى بهانه كردونى تزوير ساخت ... نى لواى مكروحيلت رفراخت
وفى عرائس البقلى قدس سره ان الله اراد ليونس معراجا ومشاهدة فى بطن الحوت فتعلل بالامر والنهى والمقصود منه القرابة والمشاهدة فاراه الحق فى طباق الترى فى ظلمات بطن الحوت ما رأى محمد عليه السلام فوق العرش فلما رأى الحق تحير فى حاله فقال(8/331)
{ لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين } نزهتك عما ظنننت فيك فانت بخلاف الظنون واوهام الحدثان { انى كنت من الظالمين } فى وصف جلالك اذ وصفى لا يليق بعزة وحدانيتك فوقع هذا القول منه موقع قول سيد المرسلين حيث قال « لا احصى ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك » ولذلك قال عليه السلام « لا تفضلونى على اخى يونس » فلما رأى ما رأى استطاب الموضع فظن ان لا يدرك ما ادرك فى الدنيا بعد فغاب الحق عنه فاهتم ودعا بالنجاة فنجاه الله من وحشة بطن الحوت بقوله { فاستجبنا له } اى دعاءه الذى فى ضمن الاعتراف بالذنب على الطف وجه وآكده .
وفيه اشارة الى انه تعالى كما اجاب يونس ونجاه من ظلمات عالم الاجسام كذلك ينجى روح المؤمن المؤيد منه من حجب ظلمات النفس والقالب والدنيا ليذكره بالوحدانية فى ظلمات عالم الاجساد كما كان يذكره فى انوار عالم الارواح ويكون متصرفا فى عالم الغيب والشهادة باذنه خلافة عنه كما فى التأويلات النجمية وفى الحديث « ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء الا استجيب له »
وعن الحسن ما نجاه والله الا اقراره على نفسه بالظلم .
وفى صحيح المستدرك قال عليه السلام « اسم الله الاعظم الذى اذا دعى به اجاب واذا سئل به اعطى لا اله الا انت » الخ { ونجيناه من الغم } من غم الالتقام والبحر بان قذفه الحوت الى الساحل بعد اربع ساعات او ثلاثة ايام او سبعة او اربعين والذهاب به الى البحار القاصية وتخوم الارض السابعة .
وقال بعضهم كان رأس الحوت فوق الماء وفمه مفتوحات .
وعن ابى هريرة رضى الله عنه يرفعه اوحى الله الى ا لحوت ان خذه ولا تخدش له لحما ولا تكسر له عظما فاخذه ثم هوى به الى مسكنه فى البحر فلما انتهى به الى اسفل البحر سمع يونس حسا فقال فى نفسه ما هذا فاوحى الله اليه ان هذا تسبيح دواب البحر فسبح هو فى بطنه فسمع الملائكة تسبيحه وقالوا يا ربنا نسمع صوتا ضعيفا بارض غريبة . وفى رواية صوتا معروفا من مكان مجهول فقال ذاك عبدى يونس عصانى فحبسته فى بطن الحوت فقالوا العبد الصالح الذى كان يصعد اليك منه فى كل يوم وليلة عمل صالح قال نعم فشفعوا عند ذلك فامر الحوت فقذفه فى الساحل { وكذلك } اى مثل ذلك الانجاء لا انجاء ادنى منه { ننجى المؤمنين } من غموم دعوا الله فيها بالاخلاص .(8/332)
وعن جعفر بن محمد قال عجبت ممن يبتلى باربع كيف يغفل عن اربع عجبت لمن يبتلى بالهم كيف لا يقول { لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين } لان الله تعالى يقول { فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجى المؤمنين } وعجبت لمن يخاف شيأ من السوء كيف لا يقول { حسبى الله ونعم الوكيل } لان الله تعالى يقول { فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء } وعجبت لمن يخاف مكر الناس كيف لا يقول { وافوض امرى الى الله ان الله بصير بالعباد } لان الله تعالى يقول { فوقاه الله سيآت ما مكروا } وعجبت لمن يرغب فى الجنة كيف لا يقول { ما شاء الله لا قوة الا بالله } لان الله تعالى يقول { فعسى ربى ان يؤتين خيرا من جنتك } قال قتادة ذكر لنا رجل على عهد رسول الله عليه السلام قال اللهم ما كنت تاقبنى به فى الآخرة فعجله لى فى الدنيا فمرض الرجل مرضا شديدا فأضنى حتى صار كأنه هامة فاخبر به رسول الله فاتاه فرفع رأسه وليس به حراك فقيل يا رسول الله انه كان يدعو بكذا وكذا فقال عليه السلام « يا ابن آدم ان لن تستطيع ان تقوم بعقوبة الله تعالى ولكن قل اللهم ربنا آتنا من الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقتنا عذاب النار » فدعا بها فبرئ .
وعن خالد بن الوليد رضى الله عنه انه قال يا رسول الله اروّع فى منامى قال قل { اعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين ان يحضرونى } : وفى المثنوى
تا فرود آيد بلا بى دافعى ... جون نباشد ازتضرع شافعى
جز خضوع وبندكى واضطرار ... اندرين حضرت ندارد اعتبار
رور را بكذار وزارى را بكير ... رحم سوى زارى آيد اى فقير
زارئ مضطركه تشنه معنويست ... زارئ سردى دروغ آن غويس
كريه اخوان يوسف جيلتست ... كه درونشان برزرشك وعلتست(8/333)
وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89)
{ وزكريا } واذكر خبر زكريا بن اذن بن مانان من انبياء بنى اسرائيل { اذ نادى ربه } وقال { رب } [ اى برورد كار من ] { لا تذرنى فردا } مثل هذه العبارة من العبد للسيد تضعر ودعاء لا نهى اى هب لى ولدا ولا تدعنى وحيدا بلا ولد يرثنى لما بلغ عمر زكريا عليه السلام مائة سنة وبلغ عمر زوجته تسعا وتسعين ولم يرزق لهما ولد احب ان يرزقه الله من يؤنسه ويقويه على امر دينه ودنياه ويكون قائما مقامه بعد موته فدعا ثم رد الامر الى مولاه مستسلما ومنقادا لمشيته فقال { وانت خير الوارثين } خير من يبقى بعد من يموت فحسبى انت ان لم ترزقنى وارثا فهو ثناء على الله تعالى بانه الباقى بعد فناء الخلق وله ميراث السموات والارض .(8/334)
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)
{ فاستجبنا له } اى دعهاءه فى حق الولد كما قال { ووهبنا له يحيى } فا فى حق الوارثة اذ المشهور ان يحيى قتل قبل موت ابيه وهذا لا يقدح فى شأن زكريا كما لا يقدح عدم استجابة دعاء ابراهيم فى حق ابيه فى شأنه فان الانبياء عليهم السلام وان كانوا مستجابى الدعوة لكن اثر بعض الدعوات لا يظهر فى هذا الموطن للحكمة الالهية { واصلحنا له زوجه } ايشاع بنت عمران او بنت فاقود اى جعلناها ولدا بعد ان كانت عقيما فانها فم تلد قط بعد ان بلغت تسعا وسعين سنة { انهم كانوا يسارعون فى الخيرات } الضمير عائد الى زكريا وزوجه ويحيى او الانبياء المذكورين فيكون تعليلا لام فصل من فنون احسانه تعالى المتعلقة بهم مثل ايتاء موسى وهارون الفرقان وتبريد النار واطفائها لابراهيم وانجاء لوط مما نزل بقومه وانجاء نوح ومن كان معه فى السفينة من اذى القوم وكرب الطوفان وغير ذلك مما تفضل به على الانبياء السابقين اى انهم كانوا يبادرون فى وجوه الشعرة بخلاف المقصود من كونهم خارجين عن اصل الخيرات متوجهين اليها كام فى قوله تعالى { وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة } الآية .
قال الراعب الخير ما يرغب فيه الكل بكل حال وهو الخير المطلق والشر ضده { ويدعوننا } حال كونهم { رغبا } راغبين فى اللطف والجمال { ورهبا } خائفين من القهر والجلال او راغبين فينا وراهبين مما سوانا والرغبة السمعة فى الارادة يقال رغب الشئ اتسع فاذا قيل رغب فيه واليه يقتضى الحرص عليه فاذا قبل رغب عنه اقتضى صرف الرغبة عنه والزهد فيه والرغبة العطاء الكثير لكونه مرغوبا فيه فيكون مشتقا من الاصل فان اصل الرغبة السعة فى الشئ ومنه ليلة الرغائب اى العطايا الجزيلة قال يعطى الرغائب من يشاء ويمنع والرهبة مخافة مع تحرك واضطراب { وكانوا لنا خاشعين } عابدين فى تواضع وضراعة واكثر ما يستعمل الخشوع فميا يوجد على الجوارح ولكن شأن الانبياء اعلى من يكون حالهم منحصرا فى الظاهر فلهم خشوع كامل فى القلب والقالب جميعا واكل العبد خشنا واللبس خشنا وطأطأة الرأس ونحوها من غير ان يكون فى قلبه الاخلاص والخوف من الله تعالى صفة المرائى والمتصنع
ورآوازه خواهى در اقليم فاش ... برون حله كن كردرون حشو باش
بنزديك من شب روراه زن ... به ازفاسق بارسا ببرهن
جه قدر آورد بندئه خورديش ... كه زير قبا دارد اندام بيش
والمعنى انهم نالوا من الله ما نالوا بسبب اتصافهم بهذه الخصال الحميدة فليفعل من اراد الاجابة الى مطلوبه مثل ما فعلوا ولتخلق بتلك الاخلاق .(8/335)
وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91)
{ والتى احصنت فرجها } المراد بها مريم بنت عمران . والحصن فى الاصل كل موضع حصين اى محكم لا يوصل الى جوفه واحصنه جعله فى حصن وحرز ثم تجوز فى كل تحرز وامرأة حصان كسحاب عفيفة او متزوجة والفرج والفرجة الشق بين الشيئين كفرجة الحائط والفرج ما بين الرجلين وكنى به عن السوءة وكثر حتى صار كالصريح فيه والفرج انكشاف الغم وفراريج الدجاج لانفراج البيض عنها اى اذكر خبر مريم التى حفظت سوأتها حفظا كليا من الحلال والحرام [ يعنى خودرا يا كيره داشت ودست هيجكس بدامن عقت او نرسيد ] .
وقال الامام السهيلى رحمه الله يريد فرج القميص اى لم يعلق بثوبها ريبة اى انها طاهرة الاثواب وفروج القميص اربعة الكمان والاعلى والاسفل فلا يذهب وهمك الى غير هذا فانه من لطيف الكناية انتهى { فنفخنا فيه } اى احيينا عيسى كائنا فى جوفها فقوله فيها حال من المفعول المحذوف { من روحنا } من الروح الذى هو من امرنا ففيه تشبيه لا يراد الروح فى البدن بنفخة النفافخ فى الشئ فيكون نفخنا استعارة تبعية .
وقال السهيلى النفخ من روح القدس بامر القدوس فاضف القدس الى القدوس ونزه المقدسة عن الظن الكاذب والحدس انتهى وقد سبقت قصة النفخ فى سورة مريم { وجعلناها وابنها } اى حالهما { آية } عظيمة { للعالمين } وعلامة دالة على القدرة الكاملة لاهل زمانهما ولمن بعدهما فان من تأمل فى ظهور ولد من بتول عذراء من غير فحل تحقق كمال قدرته تعالى ولم يقل آيتين لانها قصة واحدة وهى ولادتها له من غير ذكر ولكل واحد منهما آيات مستقلة متكاثرة كما اشير الى بعض منها فى القرآن والى بعض آخر فى التفاسير وكتب القصص : وفى المثنوى
صومعه عيسيست خوان اهل دل ... هان هان اى مبتلا اين درمهل
جمع كشتندى زهر اطراف خلق ... ازضرير وشل ولنك واهل دلق
بر درآن سومعه عيسى صباح ... تابدم اوشان رهاند ازجناح
اوجوكشتى فارغ از اوراد خويش ... جاشتكه بيرون شدى آن خوب كيش
جوق جوقى مبتلا ديدى نزار ... شسته بردر براميد وانتظار
كفتنى اى اصحاب آفت ازخدا ... حاجت ومقصود جمله شد روا
بى توقف جمله شادان درامان ... ازدعاى اوشدندى بادوان
ازدر دل واهل دل آب حيات ... جند نوشيدى وواشد جشمهات
آزمودى توبسى آفات خويش ... يا فتى صحت ازين شاهان كيش
بازاين دررا رها كردى زحرص ... كرد هردكان همى كردى زحرص
بردر آن منعمان جرب ديك ... ميدوى بهر ثريد مرده ريك
جربش اينجا دانكه جان فربه شود ... كار ن اميد اينجا به شود
ومن عجائب عيسى عليه السلام ان امه ذهبت به الى صباغ وقالت له خذ هذا الغلام وعلمه شيأ من صنعتك فاخذه منها وقال ما اسمك يا غلام فقال عيسى بن مرين فقال له يا عيسى خذ هذه الجرة واملأ هذه القنائر من هذا النهر ففعل فاعطاه الصباغ الثياب وقال له ضع كل لون مع ثيابه فى نقير ثم تركه وانصرف الى منزله فاخذ عيسى الثياب جميعا ووضعها فى نقير فرأى الثياب والاصباغ كلها فى نقير واحج فغضب وقال اتلفتنى واتلفت ثياب الناس فقال له عيسى ما دينك قال يهودى فقال له قل لا اله الا الله وانى عيسى روح الله ثم ادخل يدك فى هذا النقير واخرج كل ثوب على اللون الذى يريده صاحبه فهداه الله تعالى ففعل فكان الامر كما قال عيسى .(8/336)
إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)
{ ان هذه } اى ملة التوحيد والاسلام اشير اليها بهذه تنبيها على كمال ظهور امرها فى لاصحة والسداد { امتكم } ايها الناس اى ملتكم التى يجب ان تحافظوا على حدوداه وتراعوا حقوقها ولا تخلوا بشئ منها { امة واحدة } نصب على الحالية من امتكم اى غير مختلفة فيما بين الانبياء فانهم متفقون فى الاصول وان كانوا مختلفين فى الفروغ بحسب الامم والاعصار .
قال فى القاموس الامة جماعة ارسل اليهم رسول انتهى فاصلها القوم الذى يجتمعون على دين واحد ثم اتسع فيها فاطلقت على ما اجتمعوا عليه من الدين والملة واشتقاقها من ام بمعنى قصد فالقوم هم الجماعة القاصدة وما اجتمعوا عليه هو الملة المقصود { وانا ربكم } لا اله لكم غيرى { فاعبدون } خاصة لا غير .(8/337)
وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94)
{ وتقطعوا امرهم بينهم } التفات من الخطاب الى الغيبة . القطع فصل الشئ مدركا بالبصر كالاجسام او بالبصيرة كالاشياء المعقولة والتفعل هنا للتعدية نحو علمته الفقه فتعلم الفقه والمعنى جعل الناس امر الدين قطعا واختلفوا فيه فصاروا فرقا كأنه قيل ألا ترون الى عظيم ما ارتكب هؤلاء فى دين الله الذى اجمعت عليه كافة الانبياء حيث جعلوا امر دينهم فيما بينهم قطعا فاصاب كل جماعة قطعة من الدين فصاروا بتقطيع دينهم كأنهم قطع شتى يلعن بعضهم بعضا ويتبرأ بعضهم من بعض كما قال الكاشفى [ وببريدند امم ماضيه كاردين خودرا درميان خود يعنى فرقه فرقه شدند جون يهود ونصارى وهريك تكفير ديكرى كرند ] وقد ثبت ان امة ابراهيم عليه السلام صاروا بعده سبعين فرفة وامة موسى عليه السلم احدى وسبعين وامة عيسى عليه السلام ثنتين وسبين وامة محمد صلى الله عليه وسلم ثلاثا وسبعين كلهم فى النار الا واحدة وهى التى لا يشوبون ما عين الله ورسوله بشئ من الهوى { كل } اى كل واحدة من الفرق المتقطعة { الينا } لا الى غيرنا { راجعون } بالبعث فنجازيهم حينئذ بحسب اعمالهم .
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان الخلق تفرقوا فى امرهم فمنهم من طلب الدنيا ومنهم من طلب الآخر ومنهم من طلب الله تعالى ثم قال { كل الينا راجعون } فاما طالب الدنيا فراجع الى صورة قهرنا وهى جهنم واما طالب الآخر فراجع الى سورة لطفنا وهى الجنة واما طالبنا فراجع الى وحدانيتنا ثم فصل الجزاء بقوله { فمن } [ بس هركه } { يعمل من الصالحات } اى بعض الصالحات { وهو } اى والحال انه { مؤمن } الله ورسله { فلا كفران لسعيه } اى لا حرمان لثواب عمله استعير لمنع الثواب كما استيعر الشكر لاعطائه يعنى شبه رد العمل ومنع الثواب بالكفران الذى هو ستر النعمة وانكارها وشبه قبول العمل واعطاء الثواب بمقابلته بالكفران الذى هو ستر النعمة وانكارها وشبه قبول العمل واعطاء الثواب بمقابلته بشكر المنعم عليه للنعم فاطلق عليه الشكر كا قال ان { ربنا لغفور شكور } والسعى فى الاصل المشى السريع وهو دون العدو ويستعمل للجد فى الامر خيرا كان او شرا واكثر ما يستعمل فى الافعال المحمودة { وانا له } اى لسعيه { كاتبون } اى مثبتون فى صحائف اعمالهم لا نغادر من ذلك شيأ [ مزدكار نيكوان ضائع نباشد نزد حق } لا يضيع الله فى الدارين اجر المحسنين .(8/338)
وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95)
{ وحرام على قرية اهلكناها انهم لا يرجعون } حرام خبر لقوله انهم لا يرجعون والجملة لتقرير مضمون ما قبلها من قوله كل الينا راجعون والحرمان مستعار لممتنع الوجود بجامع ان كل واحد منهما غير مرجو الحصول . والقرية اسم للمصر الجامع كما فى القاموس واسم للموضع الذى يجتمع فيه الناس كما فى المفردات فعلى هذا تطلق على ما يعبر عنه بالفارسية [ سبهر وكى ] ومعنى التحقيق فى انّ معتبر فى النفى المستفاد من حرام على ان المعنى وممتنع البتة على اهل القرية المهلكة عدم رجوعهم الينا للجزاء لا فى المنفى على معنى ان عدم رجوعهم المحقق ممتنع وتخصيص امتناع عدم رجوعهم بالذكر مع شمول الامتناع لعدم رجوع الكل حسبما نطق به قوله كل الينا راجعون لانهم المنكرون للبعث والرجوع دون غيرهم .
وفى التأويلات النجمية يشير الى قلوب اهل الاهواء والبدع المهلكة باعتقاد السوء ومخافات الشرع انهم لا يتوبون الى الله ولا يرجعون الى الحق يدل على هذا التأويل قوله تعالى { أفرأيت من اتخذ الهه هواه واضله الله على علم }(8/339)
حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96)
{ حتى اذا فتحت يأجوج ومأجوج } حتى هنا ليس بحرف جز وا حرف عطف بل حرف يبتدأ بعدها الكلام غاية لما يدل عليه ما قبلها كأنه قيل يستمرون على ما هم عليه من الهلاك حتى اذا قامت القيامة يرجعون الينا ويقولون { يا ويلنا } الخ واذا شرطية ويأجوج ومأجوج قبيلتان من الانس يقال الناس عشرة اجزاء تسعة منها يأجوج ومأجوج والمراد بفتحها فتح سدها على حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه وقد سبق قصة يأجوج ومأجوج وبناء السد عليهم وفتحه فى آخر الزمان فى سورة الكهف { وهم } اى والحال ان يأجوج ومأجوج { من كل حدب } مرتفع من الارض وتل .
قال الراغب يجوز ان يكون الاصل فى الحدب حدب الظهر وهو خروجه ودخول الصدر والبطن ثم شبه به ما ارتفع من الارض فسمى حدبا ومنه محدب الفلك { ينسلون } ينزلون مسرعين واصله مقاربة الخطو معا الاسراع .
وفى بحر العلوم من نسل الذئب اذا اسرع فى مشيه - روى - انهم يسيرون فى الارض ويقبلون على الناس من كل موضع مرتفع .
قال الكاشفى [ همه عالم را فرا كيرند وآبهاى درياها تمامى بياشامند وازخشك وتر هرجه يابند بخورند ] .(8/340)
وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)
{ واقترب الوعد الحق } عطف على فتحت والمراد ما بعد النفخة الثانية من البعث والحساب والجزاء { فاذا هى شاخصة ابصار الذين كفروا } جواب الشرط واذا للمفاجأة والضمير للقصة وشاخصة خبر مقدم لابصار والجملة خبر ضمير القصة مفسرة له يقال شخص بصره فهو صاخص اذا فتح عينيه وجعل لا يطرف وبصره رفعه وشخص شخوصا ارتفع والمعنى بالفارسية [ بس آنجا قصه آنست كه خيره وبازمانده است ازهول رستخيز ديدهاى كفار ] وفى الآية دلالة على ان قيام الساعة لا يتأخر عن خروج يأجوج ومأجوج كما روى عن حذيفة رضى الله عنه انه قال لو ان رجلا اقتنى فلو ابعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم الساعة والفلو المهر اى ولد الفرس .
فان قيل فتح السد واقتراب الوعد الحق يحصل فى آخر ايام الدنيا والجزاء وشخوص الابصار انما يحصل يوم القيامة والشرط والجزاء لا بد وان يكونا متقاربين . فالجواب ان التفاوت القليل يجرى مجرى العدم { يا ويلنا } [ واى برما ] وهو على تقدير قول وقع حالا من الموصول اى يقولون يا ويلنا تعالى فهذا او ان حضورك { قد كنا فى غفلة } تامة فى الدنيا والغفلة سهو يعترى من قلة التحفظ والتيفظ { من هذا } اى من البعث والرجوع اليه للجزاء ولم نعلم انه حق { بل كنا ظالمين } اضراب عما قبله من وصف انفسهم بالغفلة اى لم نكن غافلين عنه حيث نبهنا عليه بالآيات والذنر بل كنا ظالمين بتلك الآيات والنذر مكذبين بها او ظالمين لانفسها بتعريضها للعذاب الخالد بالتكذيب فليتفكر العاقل فى هذا البيان والتذكار فقد نبه الله وقطع الاعذار وفى الحديث « يقول الله يا معشر الجن والانس انى قد نصحت لكم فانما هى اعمالكم فى صحفكم فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه »
وعن بعض الحكماء انه نظر الى اناس يترحمون على ميت خلف جنازته فقال لو تترحمون على انفسكم لكان خيرا لكم اما انه قد مات ونجا من ثلاثة اهوال اولها رؤية ملك الموت . والثانى مرارة الموت . والثالث خوف الخاتمة : قال الشيخ سعدى
خبردارى اى استخوانى قفس ... كه جان تو مرغيست نامش نفس جومرغ ازقفس رفت بكسست قيد
دكرره نكردد بسعى توصيد ... سر ازجيب غفلت بر آور كنون
كه فردا نماند بخجلت نكون ... اكر مرد مسكين زنان داشتى
بفرياد وزارى فغان داشتى ... كه اى زنده جون هست امكان كفت
لب ازذكر جون مرده برهم مخفت ... جو مارا بغفلت بشد روزكار
توبارى دمى جند فرصت شمار ...(8/341)
إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)
{ انكم } يا اهل مكة { وما تعبدون من دون الله } اى والاصنام التى تعبدونها متجاوزين عبادة الله تعالى وذلك بشهادة ما فانها لما لا يعقل فخرج عزير وعيسى والملائكة { حصب جهنم } بفتح المهملتين اسم لما يحصب اى يرمى فى النار فتهيج به من حصبه اذا رماه بالحصباء ولا يقال له حصب الا وهو فى النار واما قبل ذلك فيقال له حطب وشجر وخشب ونحو ذلك والمعنى تحصبون فى جهنم وترمون فتكونون وقودها . وهو بالفارسية [ آتش انكيز ] { انتم لها واردون } داخلون على طريق الخلود والخطاب لهم ولما يعبدون تلغيبا [ درتبيان كفته كه حكمت ايراد بتان بدوزخ زيادت تعذيب بت برستانت جه بداناه آتش افروخته كردد واحتراق ايشان ببفزايد ] .(8/342)
لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99)
{ لو كان هؤلاء } الاصنام { آلهة } على الحقيقة كما يزعمون { ما وردوها } ما دخلوها وحيث تبين ورودهم اياها تعين امتناع كونهم آلهة بالضرورة { وكل } من الابدين والمعبودين { فيها خالدون } لاخلاص لهم منا .(8/343)
لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)
{ لهم فيها زفير } الزفير ترديد النفس حتى تنتفخ الضلوع منه اى انين وتنفس شديد وهو مع كونه من افعال العبدة اضيف الى الكل للتغليب { وهم فيها لا يسمعون } الى لا يسمع بعضهم زفير بعض لشدة الهول وفظاعة لاعذاب .
وعن ابن مسعود رضى الله عنه يجعلون فى توابيت من نار ثم تجعل تلك التوابيت فى توابيت اخرى ثم تلك فى اخرى عليها مسامير من نار فلا يسمعون شيأ ولا يرى احد منهم ان فى النار احدا يعذب غيره ثم بين احوال اضداد هؤلاء فقال { ان الذين سبقت لهم منا الحسنى } الخصلة الحسنى التى هى احسن الخصال وهى العسادة وهم كافة المؤمنين الموصوفين بالايمان والاعمال الصالحة او سبقت لهم كلمتنا بالبشرى بالثواب على الطاعة { اولئك } المنعوتون بما ذكر من النعت الجميل { عنها } اى عن جهنم { مبعدون } [ دور كرده شد كانند ] لانهم فى الجنة وشتان بينها وبين النار لان الجنة فى اعلى عليين والنار فى اسفل السافلين [ صاحب بحر فرموده كه سبق عنايت ازليه دربدايت موجب ظهور ولايت است درنهايت هرتخم كه درازل بكشتند نهان در مزرعه ابد برويد بعيان ] .
قال بعض الكبال ظاهر حسن العناية السابقة لاهل الاصفطاء اربعة اشياء .
الانفراد من الكونين . والضرى بلقاء الله عن الدارين . وامضاء العيش مع الله بالحرمة والادب . وظهور انوار قدرة الله منهم بالفراسات الصادقة والكرامات الظاهرة .
وباطن حسن الناية السابقة من الله فى الازل لهم اربعة ايضا . المواجيد الساطعة . وانفتاح العلوم الغيبية . والمكاشفات القائمة والمعارف الكاملة وفى كل موضع ظهرت هذه الاشايء بالظاهر والباطن صار صاحبها مشهور فى الآفاق بسمات الصديقين وعلامات المقربين وخلافة سيد المرسلين .
وقال بعضهم الحسنى العناية والاختيار والهداية والعطاء والتوفيق فبالعناية وقعت الكفاية وبالاتيار وقعت الرعاية وبالهداية وقعت الولاية وبالعطاء وقعت الحكمة وبالتوفيق وقعت الاستقامة : قال الشيخ سعدى قدس سره
نحست او ارادت بدل بر نهاد ... بسين بنده بر آستان سر نهاد
جه انديشى ازخودكه فعلم نكوست ... ازان درنكه كن كه توفيق اوست
برد بوستان بان بايوان شاه ... بتحفه ثمر هم زبستان شاه(8/344)
لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102)
{ لا يسمعون حسيسها } الحسيس صوت يحس به اى لا يسمعون صوتها سمعا ضعيفا كما هو المعهود عند كون المصوت بعيدا وان كان صوته فى غاية الشدة لا انهم لا يسمعون صوتها الخفى فى نفسه فقط .
قال الصادق كيف يسمعون حسيسها والنار تخمد لمطالعتهم وتتلاشى برؤيتهم وفى الحديث « تقول النار للمؤمن يوم القيامة جزيا مؤمن فقد اطفأ نورك لهبى » وفى المثنوى
زآتش مؤمن ازين رواى صفى ... ميشود دوزخ ضعيف ومنطفى
كويدش بكذر سبك اى محتشم ... ورنه ز آتشهاى تومرد آتشم
وفى التأويلات النجمية من آثار سبق العناية الازلية ان لا يسمعون حسيس جهنم القهر وحسيسها مقالات اهل الاهواء والبدع وادلة الفلاسفة وبراهينهم بالعقول المشوبة بالوهم والخيال وظلمة الطبيعة { وهم فما اشتهت انفسهم خالدون } دائمون فى غاية التنعم والاشتهاء والشهوة طلب النفس اللذة وتقديم الظرف للقصر والاهتمام وهو بيان لفوزهم بالمطالب اثر بيان خلاصهم من المهالك .
قال ابن عطاء للقلوب شهوة وللارواح شهوة وللنفوس شهوة وقد يجمع الله لهم فى الجنة جميع ذلك فشهوة الارواح القرب وشهوة القلوب المشاهدة والرؤية وشهوة النفوس الالتذاذ بالراحة والاكل والشرب والزينة .(8/345)
لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103)
{ لا يحزنهم الفزع الاكبر } بيان لنجاتهم من الافزاع بالكية بعد بيان نجاتهم من النار لانهم اذا لم يحزنهم اكبر الافزاع لا يحزنهم ما عداه بالضرورة والفزع انقباض ونفار يعترى الانسان من الشئ المخيف وهو من جنس الجزع ولا يقال فزعت من الله كما يقال خفت منه .
قال الراغب الفزع الاكبر هو الفزع من دخول النار .
وقال بعضهم ذبح الموت بمرأى من الفريقين واطباق جهنم على اهلها اى وضع الطبق عليها بعدما اخرج منها من اخرج فيفزع اهلها حينئذ فزعا شديدا لم يفزعوا فزعا اشد منه .
وقال بعض ارباب الحقيقة هو قوله تعالى فى الازلل ( هؤلاء فى الجنة ولا ابالى ) وذلك لان نفوسهم المطمئنة فى الجنة المضافة الى الحضرة كما قال تعالى { وادخلى جنتى } فافهم جدا { وتتلقاهم الملائكة } اى تستقبلهم ملائكة الرحمة مهنيئن لهم { هذا يومك } على ارادة القول اى قائلين هذا اليوم يومكم { الذى كنتم توعدون } فى الدنيا وتبشرون بما فيه من فنون المثوبات على الايمان والطاعة .
قال الكاشفى [ عابدانرا كويند ابن روز جزاى شماست عارفانرا خطاب رسدكه اين روز تماشى شماست ]
نيك مردانرا نعيم اندر نعيم ... عشق بازانرا لقا اندر لقاء
حصه آنها وصال حور عين ... بهرة اينها جمال كبريا
فليجتهد العاقل فى الطاعات حتى يصل الى القربات وليبعد نفسه عن المخالفات ليأمن من العقوبات .
واعلم الدار الآخرة وثوابها انما ينال اليها بترك الدنيا وزخارفها كما ان وصلة امولى لا تحصل الا تبرك الكونين فمن يكان مشتهاه الجنة ونعيمها فليترك اللذة فى الدنيا ومن كان مشتهاه المشاهدات فليقطع نظره عن غير الله تعالى .
قال فى الفتوحات الملكية اجمع اهل كل ملة على ان الزهد فى الدنيا مطلوب قالوا ان الفراغ من الدنيا احب لكل عاقل خوفا على نفسه من الفتنة التى حذرنا الله منها بقوله { انما اموالكم واولادكم فتنة } انتهى كلامه .
قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوى رحمه الله ومن فوائد الرهبان انهم لا يدخرون قوتا لغد لا يكنزون فضة ولا ذهبا قال ورايت شخصا قال لراهب انظر لى هذا الدينار هو من ضرب أى الملوك فلم يرض وقال النظر الى الدنيا منهى عنه عندنا قال ورأيت الرهبان مرة وهم يسحبون شخصا ويخرجونه منالكنيسة ويقولون له اتلفت علينا الرهابن فسألت عن ذلك فقالوا رأوا على عمامته نصفا مربوطا فقلت لهم ربط الدرهم مذموم فقالوا نعم عندنا وعند نبيكم صلى الله عليه وسلم .
قال بعض الحكماء ان فى الجنة راحة لا يجدها الا من لم يكن له فى الدنيا راحة وفيها غنى لا يجده الا من ترك الفضول فى الدنيا واقتصر على اليسير منها وفيها امن لا يجده الا اهل الخوف والفزع فى الدنيا
لا تخافوا هست نزل خائفان ... هست درخورازبراى خائف آن
وفيها ما تشتهى الانفس لا يجده الا اهل الزهد .
وعن بعض الزهاد انه كان يأكل بقلا وملحا من غير خبز فقال له رجل اقتصرت على هذا قال نعم لانى انما جعلت الدنيا للجنة وانت جعلت الدنيا للمزبلة يعنى تأكل الطيبات فتصير الى المزبلة وانى آكل لاقامة الطاعات لعلى اصير الى الجنة نسأل الله الفيض والجود والتوفيق بطريق الشهود .(8/346)
يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)
{ يوم نطوى السماء } منصوب باذكر والطى ضد النشر { كطى السجل } وهى لاصحيفة اى طيا كطى الطومار { للكتب } متعلقة بمحذوف هو حال من السجل اى كائنا للكتب عبارة عن الحائف وما كنت فيها فسجلها بعض اجزائها وبه يتعلق الطى حقيقة .
وقال الامام السهيلى ذكر محمد بن حسن المقرى عن جماعة من المفسرين ان السجل ملك فى السماء الثالثة ترفع اليه اعمال العباد ترفعها اليه الحفظة الموكلون بالخلق فى كل خميس واثنين وكان من اعوانه فيما ذكروا هاروت وماروت .
وفى السنن لابى داود السجل كاتب كان للنبى عليه السلام وهذا لا يعرف فى كتاب النبى ولا فى اصحاب من اسمه السجل ولا وجد الا فى هذا الخبر النتهى كلام السهيلى رحمه الله .
قال فى انسان العيون لم يذكر فى القرآن من الصحابة رضى الله عنهم احد باسمه الا زيد بن حارثه رضى الله عنه الذى تبناه رسول الله صلى الله عليه وسلم كمالم يذكر امرأة باسمها الا مريم .
قال ابن الجوزى الا ما يروى فى بعض التفاسير ان السجل الذى فى قوله تعالى { يوم نطوى السماء } الى آخره اسم رجل كان يكتب لرسول الله عليه السلام انتهى .
وفى القاموس السجل اسم كاتب للنبى عليه السلام واسم ملك { كما بدأنا اول خلق نعيده } ما كافة تكف الكاف عن العمل واول مفعول لبدأنا اى نعيد ما خلقناه مبتدأ اعادة مثل بدئنا اياه فى كونها ايجادا بعد العدم وهو لاينا فى الاعادة من عجذب الذنب .
قال فى البحر اى نعيد اول الخلق كما بدأناه تشبيها للاعادة بالابداء فى تناول القدرة القديمة لهما على السواء { وعدا } اى وعدنا الاعادة وعدا { علينا } اى علينا انجازه وبالفارسية [ برماست وفا كردن بدان ] { انا كنا فاعلين } ذلك لا محالة .
وفى التأويلات النجمية يشير الى طى سماء الوجود الانسانى بتجلى صفته الجلا فى افناء مراتب الوجود فى الانتهاء الى الابتداء كما بدأنا اول حلف من ابتداء النطفة بالتدريج من خلق النطفة علقة ومن خلق العلقة مضغة ومن خلق المضغة عظاما الى انتهاء خلق الانسانية ومن وصف النباتية الى وصف المركبية ومن وصف المركبية الى وصف مفردات العنصرية ومن وصف المفردية الى وصف الملكوتية ومن وصف الملكوتية الى وصف الروحانية ومن وصف الروحانية الى وصف الربوبية بجذوة ارجعى الى ربك وعدا علينا فى الازل انا كنا فاعلين الى البد .(8/347)
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)
{ ولقد كتبنا فى الزبور } وهو كتاب داود عليه السلام كما قال { وآتينا داود زبورا } { من بعد الذكر } اى بعدما كتبنا فى التوراة لان كل كتاب سماوى ذكر كما سبق .
قال الراغب زبرت الكتاب كتبته كتاب غليظة وكل كتاب غليظ الكتابة يقال له الزبور وخص بالكتاب المنزل على داود .
قيل بل الزبور كل كتاب يصعب الوقوف عليه من الكتب الالهية .
وقال بعضهم اسم للكتاب المقصور على الحكمة العقلية دون الاحكام الشرعية والكتاب لما يتضمن الاحكام والحكم ويدل على ذلك ان زبور داود لا يتضمن شيأ من الاحكام .
قال فى القاموس الزبور الكتاب بمعنى المزبور والجمع زبر وكتاب داود عليه السلام انتهى { ان الارض يرثها عبادى الصالحون } بمعنى المزبور والجمع زبر وكتاب داود عليه السلام انتهى { ان الارض يرثها عبادى الصالحون } اى عامة المؤمنين بعد اجلاء الكفار كما قال { وعد الله الدين آمنوا منكم وعملوالصالحات ليستخلفنهم فى الارض كما استخلف الذين من قبلهم } وهذا وعد منه باظهار الدين واعزاز اهله .
وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان المراد ارض الجنة كما ينبئ عنه قوله تعالى { وقالوا الحمد لله الذى صدقنا وعده واورثنا الارض نتبوأ من الجنة حيث نشاء } قال فى عرائس البقلى كان فى علم الازلية ان ارض الجنان ميراث عباده الصالحين من الزهاد والعباد والابرار والاخيار لانهم اهل الاعواض والثواب والدرجات وان مشاهدة جلال ازليته ميراث اهل معرفته ومحبته وشوقه وعشقه لانهم فى مشاهدة الربوبية واهل الجنة فى مشاهدة العبودية .
قال سهل اضافهم الى نفسه وحلاهم بحلية الصلاح معنا لا يصلح لى الا ما كان لى خالصا لا يكون لغيرى فيه اثر وهم الذين اصلحوا سريرتهم مع الله وانقطعوا بالكلية عن جميع ما دونه .
وقال الشيخ المغربى قدس سره
مجوى دردل ما غير دوست زآنكه نيابى ... ازانكه دردل محمود جزاياز نباشد(8/348)
إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)
{ ان فى هذا } اى فيما ذكر فى السورة الكريمة من الاخبار والمواعظ البالغة والوعد والوعيد والبراهيم القاطعة على التوحيد وصحة النبوة { لبلاغا } اى كفاية { لقوم عابدين } اى لقوم همهم العبادة دون العادة { وما ارسلناك } يا محمد بما ذكر وامثاله من الشرائع والاحكام وغير ذلك من الامور التى هى مناط السعادة فى الدارين فى حال من الاحوال { الا } حال كونك { رحمة للعالمين } فان ما بعثت به سبب لسعادة الدارين ومنشأ لانتظام مصالحهم فى النشأتين ومن اعرض عنه واستكبر فانما وقع فى المحنة من قبل نفسه فلا يرحم وكيف كان رحمة للعالمين وقد جاء بالسيف استباحة الاموال .
قال بعضهم جاء رحمة للكفار ايضا من حيث ان عقوبتهم اخرت بسببه وامنوا به عذاب الاستئصال والخسف والمسخ ورد فى الخبر انه عليه السلام قال لجبريل « ان الله يقول وما ارسلنا الى آخره فهل اصابك من هذه الرحمة » قال نعم انى كنت اخشى عاقبة الامر فامنت به لثناء اثنى الله على بقوله { ذى قوة عند ذى العرش مكين مطاع ثم امين } قال الكاشفى [ دركشف الاسرار آورده كه ازرحمت وى بودكه امت را در هيج مقام فاراموش نكرد اكر درمكه معظمة بود واكر درمدينه زاهره اكر در مسجد مكرم بود واكر در حجره طاهره همجنين در ذروه عرش اعلى ومقام قاب قوسين او ادنى ياد فرمود كه « السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين » فردا درمقام محمود بساط شفاعت كسترده كويد امتى امتى ]
عصايان بركنه در دامن آخر زمان ... دست دردامان تودارندوجان درآستين
ن اميد از حضرت بالنصرتت نتوان شدن ... جون تويى درهر دوعالم رحمة للعالمين
قال بعض الكبار وما ارسلناك الا رحمة مطلقة تامة كاملة عامة شالمة جامعة محيطة بجميع المقيدات من الرحمة الغيبية والشهادة العلمية والعينية والوجودية والشهودية والسابقة واللاحقة وغير ذلك للعالمين جمع عوالم ذوى العقول وغيرهم من عالم الارواح والاجسام ومن كان رحمة للعالمين لزم ان يكون افضل من كل العالمين وعبارة ضمير الخطاب فى قوله { وما ارسلناك } خطب للنبى عليه السلام فقط واشارته خطاب لكل واحد من ورثته الذين هم على مشربه الى يوم القيامة بحسب كونه مظهرا لارثه .
وقال بعض الكبار انما كان رحمة للعالمين بسبب اتصافه بالخلق العظيم ورعايته المراتب كلها فى محالها كالملك والملكوت والطبيعة والنفس والروح والسر .
وفى التأويلات النجمية فى سورة مريم بين قوله { ورحمة منا } فى حق عيسى وبين قوله فى حق نبينا عليه السلام { وما ارسلناك الا رحمة للعالمين } فرق عظيم وهوانه فى حق عيسى ذكر الرحمة مقيدة بحرف من ومن للتبعيض فهلذا كان رحمة لمن آمن به واتبع ما جاء به الى ان بعث نبينا عليه السلام ثم انقطعت الرحمة من امته بنسخ دينه وفى حق نبينا عليه السلام ذكر الرحمة للعالمين مطلقا فلهذا لا تنقطع الرحمة على العالمين ابدا اما فى الدنيا فإن لا ينسخ دينه واما فى الآخرة فبان يكون الخلق محتاجين الى شفاعته حتى ابراهيم عليه السلام فافهم جدا .(8/349)
قال فى عرائس البقلى ايها الفهيم ان الله اخبرنا ان نور محمد عليه السلام اول ما خلقه ثم خلق جميع الخلائق من العرش الى الثرى من بعض نوره فارساله الى الوجود والشهود رحمة لكل موجود اذا لجميع صدر منه فكونه كون الخلق وكونه سبب وجود الخلق وسبب رحمة الله على جميع الخلائق فهو رحمة كافية وافهم ان جميع الخلائق صورة مخلوقة مطروحة فى فضاء القدرة بلا روح حقيقة منتظرة لقدوم محمد عليه السلام فاذا قدم الى العالم صار العالم حيا بوجوده لانه روح جمع الخلاق . ويا عاقل ان من العرش الى الثرى لم يخرج من العدم الا ناقصا من حيث الوقوف على اسرار قدمه بنعت كمال المعرفة والعلم فصاروا عاجزين عن البلوغ الى شط بحار الالوهية وسوحل قاموس الكبريائية فجاء محمد عليه السلام اكسير اجساد العالم وروح اشباحه بحقائق علوم الازلية واوضع سبيل الحق للخق بحيث جعل سفل الآزال والآباد للجميع خطوة واحدة فاذا قدم من الحضرة الى سفر القربة بلغهم جميعا بخطوة من خطوات { سبحان الذى اسره بعبده } حتى وصل الى مقام او ادنى فغفر الحق لجميع الخلائق بمقدمه المبارك .
قال بعذ العلماء ان كل نبى كان مقدمة للعقوبة لقوله تعالى { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } وبينا عيله السلام كان مقدمه للرحمة لقوله تعالى { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } ونبينا عليه السلام كان مقدمة للرحمة لقوله { وما ارسلناك } الى آخره واراد الله تعالى ان يكون خاتمة على الرحمة لا على العقوبة لقوله تعالى « سبقت رحمتى على غضبى » ولذا جعلنا آخر الامم فابتداء الوجود رحمة وآخره وخاتمته رحمة .
وعلم انه لما تعلقت ارادة الحق بايجاد الخلق ابرز الحقيقة الاحمدية من كمون الحضرة الاحدية فميزه بميم الامكان وجعله رحمة للعالمين وشرف به نوع الانسان ثم انبجست منه عيون الارواح ثم بدا ما بدا فى عالم الاجساد والاشباح كما قال عليه السلام « انا من الله والمؤمنون من فيض نورى » فهو الغاية الجليلة من ترتيب مبادى الكائنات كما قال تعالى « لولاك لما خلقت الافلاك »
علت غائيه هر عالم اوست ... سرور اولاد بنى آدم اوست
واسطه فيض وجودى همه ... رابطه بود ونبودى همه
قال العرفى الشيرازى فى قصيدته النعيتة
ازبس شرف كوهر تومنشئ تقدير ... آن روزكه بكذاشتى اقليم عدم را
تاحكم نزول تودرين دار نوشته است ... صدره بعبث باز تراشيده قلم را(8/350)
المراد من العبث مقلوبه وهو البعث يعنى يكفيك شرفا وفضلا ان الله سبحانه انما خلق الخلق وبعث الانبياء والرسل ليكونوا مقدمة لظهورك فى عالم الملك والشهادة فاروحاهم واجسادهم تابعة لروحك الشريف وجسمك اللطيف .
ثم اعلم ان حايته عليه السلام رحمة ومماته رحمة كما قال « حياتى خير لكم ومماتى خير لكم » قالوا هذا خيرنا فى حياتك فما خيرنا فى مماتك فقال « تعرض علىّ اعمالكم كل عشية الانين والخميس فما كان من خير حمدت الله تعالى وما كان من شر استغفر الله لكم » قال المولى الجامى
زمهجورى برآمد جان عالم ... ترحم يا نبى الله ترحم
نه آخر رحمة للعالمنى ... زمحرومان جرا فارغ نشينى
زخاك اى لا له سيراب برخيز ... جونركس جندخواب ازخواب برخيز
اكرجه غرق درياى كناهم ... فناده خشب لب برخاك راهم
تو ابر رحمتى آن به كه كاهى ... كنى درحال لب خشكان نكاهى(8/351)
قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108)
{ قل انما يوحى الىّ انما الهكم اله واحد } اى ما يوحى الىّ الا انه لا اله لكم الا اله واحد وحاصله ما يوحى الىّ شئ غير التوحيد ومعنى القصر مع انه قد اوحى اليه التوحيد وغيره من الاحكام كون التوحيد مقصودا اصليا من البعثة فان ماعداه متفرع عليه وانما الاولى لقصر الحكم على الشئ كقولك انما يقوم زيد أى ما يقوم الا زيد والثانية لقصر الشئ على الحكم نحو انما زيد قائم اى ليس له الا صفة القيام .
قال ابن الشيخ فان قلت هذا الحصر يستلزم ان لا يكون الله تعالى موصفوفا بيغر الوحدانية مع ان له تعالى من صفات الجلال والجمال مالا يحصى فالجواب ان القصر ليس حقيقيا اذ المقصود نفى ما يصفه المشركون { فهل انتم مسلمون } اى مخلصون العبادة لله تعالى مخصصونها به سبحانه وتعالى . وبالفارسية [ بس آيا هستيد شما كردن نهاد كان مقتضاى وحى را ] والفاء للدلالة على ان ما قبلها موجب لما بعدها يعنى ان العاقل اذا خلى ونفسه بعد ما قرئ عليه ما قبله ينبغى بل يجب ان لا يتوقف فى التوحيد واذعانه وقبوله .(8/352)
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109)
{ فان تولوا } اعرضوا عن الاسلام ولم يلتفتوا الى ما يوجبه من الوحى { فقل } لهم { آذنتكم } اعلمتكم ما امرت به من وجوب التوحيد والتنزيه وبالفارسية [ آكاه كردم شمارا { على سواء } كائنين على سواء فى الاعلام به لم اطوع عن احد منكم وما فرقت بينكم فى النصح وتبليغ الرسالة فهو حال من مفعول آذنتكم { وان أدرى } اى ما اعلم { أقريب ام بعيد ما توعدون } من غلبة المسلمين وظهور الدين او الحشر مع كونه آتيا لا محالة ولا جرم ان العذاب والذلة يلحفكم .
وفى الاسئلة المقحمة كيف قال هذا وقد قال { واقترب الوعد الحق } فذلك يوم القيامة وهو قريب كما قال تعالى { اقترب للناس حسابهم }(8/353)
إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110)
{ انه } تعالى { يعلم الجهر من القول } اى ما تجاهرون به من الطعن فى الاسلام وتكذيب الآيات { ويعلم ما تكتمون } من الحسد والعداوة للرسول وللمسلمين فيجازيكم عليه نقيرا وقطميرا وتكرير العلم فى معنى تكرير الوعيد .
قال بعض الكبار كيف يخفى على الحق من الخلق خافية وهو الذى اودع الهياكل اوصافها من الخير والشر والنفع والضر فما يكتمونه اظهر مما يبدونه مثل ما يكتمونه جل الحق ان يخفى عليه خافية وهو الذى قال
يرو علم يك ذره بوشيده نيست ... كه بيدا وبنهان بنزدش يكيست
قال فى التأويلات النجمية { يعلم ما تجهرون } من دعاوى الاسلام والايمان والزهد والصلاح والمعارف { ويعلم ما تكتمون } من الصدق والاخلاص او الرياء والسمعة والنفاق .(8/354)
وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111)
{ وان } ما { ادرى لعله } لعل تأخير جزائكم { فتنة لكم } استدراج لكم وزيادة فى افتتانكم لما كان الاستدراج سببا للفتنة والعذاب اطلق عليه لفظ الفتنة مجازا مرسلا او امتحان لكمكيف تعملون اى معاملة تشبيهية بالامتحان على طريق الاستعارة التمثيلية { ومتاع الى حين } وتمتيع لكم الى اجل مقدر يقتضيه مشيئته المبنية على الحكم البالغة ليكون ذلك حجة عليكم وليقع الجزاء فى وقت هو فيه حكمة .(8/355)
قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)
{ قال } الرسول فهو حكاية لدعائه عليه السلام . { رب } [ اى بروردكارمن ] { احكم بالحق } اى اقض بيننا وبين اهل مكة بالعدل المتقضى لتعجيل العذاب والتشديد عليهم { وربنا } مبتدأ خبره قوله { الرحمن } كثير الحرمة على عباده وهى ان كانت بمعنى الانعام فمن صفات الفعل وان اريد بها ارادة ايصال الخير فمن صفات الذات { المتسعان } خبر آخر اى المطلوب منه المعنة : يعنى [ بارى آور خواهنده ] { على ما تصفون } من الحال فانهم كانوا يقولون ان الشوكة تكون لهم [ ورايت السلام ودين دم بدم نكونسار خواهد شد ] وان المتوعد لو كان حقا لنزل بهم الى غير ذلك مما لا خير فيه : يعنى [ شما سخن ناسزا ميكوييد وما ازخداى بران بارى خواهيم واميدوارى ازدركاه حضرت او داريم ]
مراد خويش زدركاه بادشاهى خواه ... كه هيجكس نشود ن اميد ازان دركاه
فاستجاب الله تعالى دعاء رسوله فخيب آمالهم وغير احوالهم ونصر اولياءه عليهم فاصابهم يوم بدر ما اصابهم .
وفى الآية اشارة الى انه لا يطلب من الله تعالى ولا يطمع فى حق المطيع وزلعاصى لا ما هو مستحقه وقد جرى حكم الله فيها فى الازل وان رحمته غير متناهية وان كان انواعها مائة على ما قال عليه السلام « ان لله مائة رحمة » فعلى العاقل ان لا يغتر بطول العمر وكثرة الاموال والاولاد فان الاغترار بذلك من صفات الكفرة ومن كلمات امير المؤمنين على رضى الله عنه من وسع عليه دنياه فلم يعلم انه قد يمكر به فهو مخدوع عن عقله . قال ابراهيم بن ادهم رحمه الله لرجل أدرهم فى المنام احب اليك ام دينار فى اليقظة فقال دينار فى اليقظة فقال كذبت لان الذى تحبه فى الدنيا كأنك تحبه فى المنام والذى لا تحبه فى الآخرة كأنك لا تحبه فى اليقظة .(8/356)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم } أي احذروا من عقوبة مالك اموركم ومربيكم بطاعته { ان زلزلة الساعة شىء عظيم } الزلزلة التحريك الشديد بطريق التكرير كما يدل عليه تكرير الحروف لان زلزل مضاعف زل والساعة عبارة عن القيامة سيمت بذلك لسرعة حسابها كما في المفردات ، اختلف العلماء في وقت هذه الزلزلة ، فقال بعضهم تكون في الدنيا قبيل طلوع الشمس من مغربها فيكون الذهول والوضع الاتيان على حقيقتهما ، وقال بعض تكون يوم القيامة فيحملان على التمثيل والاظهر ما قال ابن عباس رضى الله عنهما ان زلزلة الساعة قيامها فيكون معناها ان الزلزلة الواقعمة عند قيام الساعة شىء عظيم لا يحيط به الوصف فلا بد من التقوى لتخليص النفس من العذاب .(8/357)
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)
{ يوم ترونها } منتصب بما بعده أي وقت رؤيتكم تلك الزلزة { تذهل كل مرضعة عما أرضعت } الذهول الذهاب عن الامر مع دهشة والمرضعة المرأة المباشرة للارضاع بالفعل وتبغير التاء هى التى من شأنها الارضاع لكن لم تلابس الفعل ومثلها حائض وحائضة والتبير عن الطفل بما دون من لتأكيد الذهول الذى ألقمته ثديها اشتغلا بنفسها وخوفاً : وبالفارسية [ غافل شود وفراموش كند أزهبيت آن هر شير دهنده ازان فرزندى كه ويرا شيرميدهدبا وجود مهربائى مرضعه بررضيع ] اى لو كان مثلها في الدنيا لذهلت المرضعة عما أرضعته لغير قطاع وكذا قوله تعالى { وتضع كل ذات حمل حملها } أي تلقى وتسقط جنينها لغير تمام من شدة غشيها والحمل بالفتح ما كان في البطن أو على رأس الشجر وبالكسر ما كان على الظهر .
وفي التأويلات النجمية يشير الى مواد الأشياء فان لكل شىء مادة هى ملكوته ترضع رضيعها من الملك وذهولها عنه بهلاك استعدادها للارضاع وذات حمل هى ما تسمى هيولى فاها حامل بالصور اى تسقط حمل الصور الشهادية املاك الهيولى { وترى الناس } اهل الموقف { سكارى } جمع سكران اى كأنهم سكارى وافراد الخطاب هنا بعد جمعه فى ترونها لان الزلزلة يراها الجميع لكونها امرا مغايرا للناس بخلاف الحالة القائمة بهم من أثر السكر فان كل احد لا يرى الا ماقام بغيره والسكر حالة تعرض بين المرء وعقله واكثر ما يستعمل ذلك في الشراب وقد يعترى من الغضب والعشق ولذا قال الشاعر
سكران سكر هوى وسكر مدامة ... ومنه سكرات الموت ، قال جعفر رضى الله عنه اسكرهم ما شاهدوا من بساط العز والجبروت وسرادق الكبرياء حتى الجأ النبيين الى ان قالوا نفسى نفسى
دران روز كزفعل برسند وقول ... اولوا العز را تن بلرزد زهول
بجابي كه دهشت خورد انبيا ... تو عذر كنه را جه دارى بيا
{ وما هم بسكارى } حقيقة ، قال الكاشفى [ زيرا زوال عقل ازخوف وحيرت سكر نباشد واكر رأى العين ما نند سكر نمايد ] وفي اشاره الى صور الاخروية وان كانت مثل الصور الدنيوية في ظاهر النظر لكن بين الحقيقتين تخالف ولذا قال ابن عباس رضى الله عنهما لا يشبه شىء مما فى الجنة شيأ مما فى الدنيا الا بالاسم ، واعلم ان السكر من انواع شتى . فمن شراب الغفلة والعصيان . ومن حب الدنيا وشهواتها . ومن التنعم . ومن لذة العلم . ومن الشوق . ومن المحبة . من الوصال . ومن المعرفة . من المحبية والمحبوبية . كما قال بعضهم
لى سركتان وللندمان واحدة ... شىء خصصت به من بينهم وحدى
{ ولكن عذاب الله شديد فغشيهم هوله وطير عقولهم وسلب تمميزهم وللعذاب نيران نار جهنم نار القطيعة والفراق ونار الاشتياق ونار الفناء في النار والبقاء بالنار كقوله تعالى(8/358)
{ ان بورك من فى النار ومن حولها } وكانت استغاثة النبى عليه السلام بقوله « كلمينى ياحميراء » من فروان هذه النار وهيجانها والله اعلم ، قال يحيى بن معاز الرازى رحمه الله لو أمرنى الله ان اقسم العذاب بين الخلق ما قسمت للعاشقين عذابا : قال الحافظ
هرجند غرق بحر كناهم زصد جهت ... كر آشناى عشق شوم زاهل رحمتم
قال بعضهم نزلت هاتان الآيتان في عزوة بنى المصطلق ليلا فقرأهما رسول الله على اصحابه فلم يراكثر باكيا من تلك الليلة فلما اصبحوا لم يحطوا السروج عن الدواب ولم يضربوا الخيام وقت النزول ولم يطبخوا قدرا وكانوا بين حزين وباك ومفكر فقال عليه السلام « أتدرون اى يوم ذلك » فقالوا الله ورسوله اعلم قال « ذلك يوم يقول الله لآدم يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك فيقول اخرج بعث النار فيقول من كل كم قال من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعين » قال عليه السلام « فذلك » أي التقاول « حين تيشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى » أي من الخوف « وما هم بسكارى » أي من الخمر « ولكن عذاب الله شديد » فكبر ذلك على المسلمين فبكوا وقالوا يا رسول الله اينا ذلك فقال « ابشروا فان من يأجوج مأجوج الفا ومنكم رجل » ثم قال « والذى نفسى بيده أنى لارجوا ان تكونوا ثلث أهل الجنة » ثم قال « والذى نفسى بيده انى لارجوا أن تكونوا نصف أهل الجنة » فكبروا وحمدوا الله ثم قال « والذي نفسي بيده انى لارجوا ان تكونوا ثلثى أهل الجنة وان اهل الجنة مائة وعشرون صفا ثمانون منها امتى وما المسلمون الا كالشامة في جنب البعير او كالرقمة فى ذراع الحمار بل كالشعرة السوداء في الثور الاربيض او كالشعرة البيضاء في الثور الاسود » ثم قال « ويدخل من امتى سبعون الفا الجنة بغير حساب » فقال عمر رضى الله عنه سبعون الفا قال « نعم ومع كل ألف سبعون ألفا » فقام عكاشة بن محصن رضى الله عنه فقال يا رسول الله ادع الله ان يجعلنى منهم فقال عليه السلام « انت منهم » فقام رجل من الانصار فقال ادع الله ان يجعلنى منهم فقال عليه السلام « سبقك بها عكاشة » ، قال بعض ارباب الحقائق وجه كون هذه الامة ثمانين صفا ان الله تعالى قال في حقهم { الئك هم الوارثون } ولما كانت الجنة دارابيهم آدم فالاقرب اليه من اولاده يحجب الا بعد واقر بنيه اليه وافضلهم على الاطلاق هو محمد عليه السلام وامته فكان ثلثا الجنة للاصل الاقرب وبقى الثلث للفرد الابعد وذلك ان الامة المحمدية اقرب الى الكمال من سائر الامم كالذكر اقرب الى الكمال من الانثى مثل حظ الانثيين ولهذا السر يكنى آدم في الجنة بابى محمد ولا شك انه عليه السلام ابو الارواح كما ان آدم ابو البشر فالاب الحقيقى يحجب اولاد اولاده فأمته هم الاولاد الاقربون وسائر الاولاد هم الابعدون .(8/359)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3)
{ ومن الناس } مبتدأ اى وبعض شالناس وهو النضر بن الحارث وكان جدلا يقول الملائكة بنات الله والقرآن اساطير الاولين ولابعث بعد الموت { من يجادل } الجدال المفاوضة على سبيل المنازعة والمقاتلة واصله من جدلت الحبل اى احكمت فتله كان المتجادلين يفتل كل واحد الآخر عن رأيه { فى الله } اى في شأنه ويقوله فيه مالا خير فيه من الاباطيل حال كون ذلك المجادل ملابسا { بغير علم } [ بى دانشى وبى معرفتى وبى برهانى وحجتى ] ، والآية عامة فى كل كافر يجادل فى ذات الله وصفاته بالجهل وعدم اتباع البرهان .
وفي التأويلات النجمية يشير الى ان من يجادل فى الله ماله علم بالله ولا معرفة به والا لم يجادل فيه ولم يستسئل وانما يجادل لاتباعه الشيطان كما قال { ويتبع } في جداله وعامة احواله { كل شيطان مريد } متجرد للفساد متعر من الخيرات وهم رؤساء الكفرة الذين يدعون من دونهم الى الكفر أو ابليس وجنوده يقال مردا لشىء اذا جوزه حد مثله واصله العرى يقال غلام امرد وغصن امرد اذا عرى من الشعر والورق ، وروى ( اهل الجنة مرد ) فقد حمل على ظاهره وقيل ان معناه معرّون عن المقابح والشوائب(8/360)
كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4)
{ كتب عليه } اى قضى على كل شيطان من الجن والانس كما في التأويلات النجمية ، قال الكاشفى [ نوشته شدة است بران ديو درلوح محلفوظ ] { انه } أي الشأن { من } [ هركس كه ] { تولاه } اتخذه وليا وتبعه { فانه يضله } بالفتح على انه خبر مبتدأ محذوف اى فشأن الشيطان ان يضل من تولاه عن طريق الحق { ويهديه } يدليه { الى عذاب السعير } بحمله على مباشرة ما يؤدى اليه من السيآت واضافة العذاب الى السعير وهى النار الشديدة الاشتعال بيانية كشجر الاراكن وعن الحسن انه اسم من اسماء جهنم .
قال في التأويلات النجمية اما الشيطان الجنى فيضله بالوساوس والتسويلات والقاء الشبه واما الشيطان الانسى فبايقاعه في مذاهب اهل الاهواء والبدع والفلاسفة والزنادقة المنكرين للبعث والمستدلين بالبراهين المعقولة بالعقول المشوبة بشوائب الوهم والخيال وظلمة الطبيعة فستدل بشبههم ويتمسك بعقائدهم حتى يصير من جملتهم ويعد في زمرتهم كما قال تعالى { ومن يتولهم منكم فانه منهم } ويهديه بهذه الاستدلالات والشبهات الى عذاب السعير سيعر القعطية والحرمان انتهى ، واعلم ان الكمال الآدمى في العلوم الحقيقية وهي اربعة . الول معرفة النفس وما يتعلق بها . والثاني معرفة الله تعالى وما يتعلق به . والثالث معرفة الدنيا وما يتعلق بها . والرابع معرفة الآخرة وما يتعلق بها واهل التقليد دون اهل الاستدلال وهم دون اهل الايقان وهم دون اهل العيان ولا بد للسالك ان يجتهد في الوصول الى مرتبة العيان وذلك بتسليك مرشد كامل فان الاتباع بغيره لا يوصل الى المنزلك قال المولى الجامى
خواهي بصوب كعبه تحقيق ره برى ... بى بر بى مقلدكم كرده ره مرو
وعند الوصول الى مرتبة العيان يلزم غسل الكتب فانه لا يحتاج الى دليل بعد الوصول الى المدلول : وفى المثنوى
جون شدى بربامهاى آسمان ... سردباشد جست وجوى نردبان
آينه روشن كه شد صاف وجلى ... جهل باشد برنهادن صيقلى
بيش سلطان خوش نشته درقبول ... زشت باشد جستن نامه ورسول
وعند هذا المقام ينقطع الجدل من الانام اذ لاجدال بعد العلم الحقيقى ولا اتباع للشيطان الاسود والابيض بعد حط الرحل في عالم الذات الذى لا يدخله الشيطان هو مقام آمن من شر الوسواس الخناس ، فعلى العاقل الاجتهاد في الليل والنهار لتزكية النفس وقمع الانكار فانه جهاد اكبر اذ النفس من الاعداء الباطنة التي يستصعب الاحتراز عنها
نفس ازدرون وديو زبيرون زندرهم ... ازمكراين دورهزن برحيله جون كنم
تسأل الله سبحانه ان يحفظنا من شر الاعداء ويجعلنا تابعين للحق الصيح الذي لا محيد عنه انه اعظم ما يرجى منه .(8/361)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)
{ يا أيها الناس } يا اهل مكة المنكرين للبعث { ان كنتم في رقيب من البعث } البعث الاخراج من الارض والتسير الى الموقف وجيء بان مع كثرة المرتابين لاشتمال المقالم على ما يقلع الريب من اصله وتصوير ان المقام لا تصلح الا لمجرد الفرض له كما يفرض المحال ان كنتم في شك من امكان الاعادة كونها مقدورة له تعالى او من وقوعها { فانا خلقناكم } ليس جزاء للشرط لان خلقهم مقدم على كونهم مرتابين بل هو علة للجزاء المحذوف اي فانظروا الى مبدأ خلقكم ليزول ريبكم اى خلقنا كل فرد منكم خلقا اجماليا { من تراب } فى ضمن خلق آدم منه وفى الحديث « ان الله جعل الارض ذلولا تمشون في مناكبها خلق بنى آدم من تراب ليذلهم بذلك فابوا الا نخوة و استكبارا ولن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر » { ثم } خلقناكم خلقا تفصيليا { من نطفة } هى الماء الصافى قل او كثر ويعبر بها عن ماء الرجل من نطف الماء اذا سال اومن النطف وهو الصب { ثم من علقة } قطعة من الدم جامدة مكونة من المنى { ثم من مضغة } اى قطعة من اللحم مكونة من العلق وهى فى الاصل مقدار ما يمضغ { مخلقة } بالجرصفة مضغة اى مستبينة الخلق مصورة { وغير مخلقة } اى لم يستبن خلقها وصورتها بعد والمراد تفصيل حال المضغة وكونها اولا قطعة لم يظهر فيها شىء من الاعضاء ثم ظهر بعد ذلك شىء لكنه آخر غير المخلقة لكونها عدم الملكة كذا في الارشاد .
ويؤيده قول حضرة النجم في التأويلات { مخلقة } اى منفوخة فيها الروح { وغير مخلقة } اى صورة لا روح فيها وفى الحديث « ان احدكم يجمع خلقه » اي يحر زويقر مادة خلقه « في بطن امه » اى في رحمها من قبيل ذكر الكل وارادة الجزء « اربعين يوما » روى عن ابن مسعود رضى الله عنه ان النطفة اذا وقعت في الرحم فاراد الله ان يخلق منها تنشر فى بشرة المرأة تحت كل ظفر وشعرة فتمكث اربعين ليلة ثم تنزل دما في الرحم فذاك جمعها « ثم تكون علقة مثل ذلك ثم تكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل الهل اليه الملك فينفخ فيه الروح » وهذا يدل لى ان التصوير يكون في الاربعني الثانى لكن المراد تقدير تصويرها لان التصوير قبل المصغة لا يتحقق عادة « ويؤمر باربع كلمات » يعنى يؤمر الملك بكتابه اربع من القضايا وكل قضية سمية كلمة « يكتب رزقه واجله » اي مدة حياته « وعمله وشقى »(8/362)
وهو من وجبت له النار « او سعيد » وهو من وجبت له الجنة قدم ذكر شقى لان اكثر الناس كذا { لنبين لكم } اى خلقناكم على هذا النمط البديع لنبين لكم بذلك امر البعث والنشور فان من قدر على خلق البشر اولا من تراب لم يشم رائحة الحياة قط فهو قادر على اعادته
بعث انسان كرنشد نزدت عيان ... اول خلشن نكر هذا بيان
هر كاه برايجاد او قادر بود ... قدرتش بربعث او ظاهر شود
اوست خلاقى كه ازبعد خزان ... ميكند بيدا بهار بوستان
{ ونقر في الارحام ما نشاء } استئناف مسوق لبيان حالهم بعد تمام خلقهم ونحن نقر في الارحام بعد ذلك ما نشاء ان نقره فيها { الى أجل مسمى } وقت معين هو وقت الوضع وادناه ستة اشهر عند الكل واقصاه سنتان عند ابى حنيفة رحمه الله واربع سنين عند الشافعى وخمس سنين عند مالك روى ان الضحاك بن مزاحم التابعى مكث في بطن امه سنتين ومالكا ثلاث سنين كما ذكره السيوطى واخبر الامام مالك رحمه الله ان جاره له ولدت ثلاثة اولاد فى اثنتى عشرة سنة تحمل اربع سنين وفيه اشارة الى ان بعض ما فى الارحام لا يشاء الله تعالى اقراره فيها بعد تكامل خلقه فيسقط { ثم نخرجكم } اى من بطون امهاتكم بعد اقراركم فيها عند تمام الاجل المسمى حال كونكم { طفلا } اطفالا بحيث لا تقومون لاموركم من غاية الضعف والافراد باعتبار كل واحد منهم اوبارادة الجنس المنتظم للواحد والمتعدد والطفل الولد ما دام ناعما كما في المفردات ، وقال المولى الفنارى في تفسير الفاتحة حد الطفل من اول ما يولد الى ان يستهل صارخا الى انقضاء ستة اعوام { ثم لتبلغوا اشدكم } على لنخرجكم معطوفة على علة اخرى مناسبة لها كأنه قيل ثم نخرجكم لتكبروا شيأ فشيأ ثم لتبلغوا كما لكم في القوة والعقل والتمييز وهو فيما بين الثلاثين والاربعين ، وفي القاموس ما بين ثمانى عشرة الى ثلاثين واحد جاء على بناء الجمع كآنك ولا نظير لهما انتهى { ومنكم من يتوفى } اى يقبض روحه ويموت بعد بلوغ الاشد او قبله والتوفى عبارة عن الموت وتوفاه الله قبض روحه { ومنكم من يرد الى ارذل العمر } وهو الهرم والخرف والرذل والرذل المرغوب عنه لرداءته والعمر مدة عمارة البدن بالحياة { ليكلا يعلم من بعد علم } كثير { شيئا } أي شيأ من الاشياء او شيأ من العلم وهو مبالغة فى انتقاض علمه وانتكاس حاله والا فهو يعلم بعض الاشياء كالطفل اى ليعود الى ما كان عليه او ان الطفولية من ضعف البنية وسخافة لعقل وقلة الفهم فينسى ما عمله وينكر ما عرفه ويعجز عما قدر عليه وقد سبق بعض ما يتعلق بهذه الآية في سورة النحل عن قوله تعالى(8/363)
{ والله خلقكم ثم يتوفاكم } الآية : قال الشيخ سعدى قدس سره
طرب نوجوان زبير مجوى ... كه دكر نايد آب رفته بجوى
زرع رادجون رسيدوقت درو ... نخرامد جنانكه سبزءه نو
وقال
جو دوران عمر از جهل دركذشت ... مزن دست وباكاب از سر كذشت
بسيزى كجا تاره كردد دلم ... كه سبزى نخواهد دميد از كلم
تفرج كنان در هوا وهوس ... كذشتيم بر خاك بسيار كس
كسانى كه ديكر بغيت اندرند ... بيايند وبر خاك ما بكذرند
دريغاكه فصل جوانى كذشت ... بلهو ولعب زندكانى كذشت
جه خوش كفت باكودك آموزكار ... كه كارى نكرديم وشه روزكار
قال النسفي في كشف الحقائق [ اى درويش جهل بيش ازعمل دوزخست وجهل بعد ازعلم بهشت است ازجهت آنكه جهل بيش از علم سبب حرص وطمعست وجهل بعد از علم سبب رضا وقناعت است ] ، وفى عرائس البقلى ارذل لعمر ايام المجاهدة بعد المشاهدة وأيا الفترة بعد المواصلة لكيلا يعلم بعد علم بما جرى عليه من الاحوال الشريفة والمقامات الرفيعة وهذا غيرة الحق على المحققين حين أفشوا اسراره بالدعاوى الكثيرة استعيذ بالله واستزيد منه فضله وكرمه ليخلصنا به من فتنة النفس وشرها .
وفى التأويلات النجمية في الآية اشارة الى ان اطفال المكونات كانوا في ارحام امهات العدم متقربين بتقرير الحق اياهم فيها ولكل خارج منها اجل مسمى بالارادة القديمة والحكمة الازلية فلا يخرج طفل مكون من رحم العدم الا بمشيئة الله تعالى واوان اجله وهذا رد على الفلاسفة يقولون يقدم العالم ويستدلون في ذلك بانه هل كان لله تعالى فى الازل اسباب الالهية في ايجاد العالم بالكمال اولا فان قلنا لم تكن اثبتناله نقصانا فالناقص لا يصلح للالهية وان قلنا قد كان له اسباب الالهية بالكمال بلا مانع يلزم ايجاد العالم في الازل بلا تقدم زمانى للصانع على المصنوع بل بتقدم رتبى فنقول في جوابهم ان الآية تدل على ان الله تعالى كان فى الازل ولم يكن معه شىء شاء وكان قادرا على ايجاد ما يشاء كيف يشاء ولكن الارادة الازلية اقتضت بالحكمة الازلية اجلا مسمى باخراج طفل العالم من رحم العدم اوان اجله وان لم يكن قبل وجود العالم او ان وانما كان مقدار الاوان في ايام الله التى لم يكن لها صباح ولا مساء كما قال الله تعالى { وذكرهم بايام الله } وبقوله { نخرجكم } الخ يشير الى ان كل طفل من اطفال المكونات يخرج من رحم العدم مستعدا للتربية وله كما يبلغه بالتدريج ومن المكونات ما ينعدم قبل بلوغ كماله ومنا ما يبلغ حد كماله ثم يتجاوز عن حد الكمال فيؤول الى ضد الكمال لكيلا يبقى فيه من اوصاف الكمال شىء وذلك معنى قوله { لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً }
دفتر دانش من جمله بشوييد بمى ... تاشودازنم فيض ازلى جانم حى
{ وترى الارض } يا من شأنه الرؤية وهو حجة اخرى على البعث { هامدة } ميتة يابسة همدت النار اذا صارت رمادا { فاذا } [ بس جون ] { انزلنا عليها الماء } اى المطر { اهتزت } تحركت بالنبات والاهتزاز الحركة الواقعة على البهجة والسرور فلا يكاد يقال اهتز فلان لكيت وكيت الا ذا كان الامر من المحاسن والمنافع { وربت } انفتحت وازدادت من ربا يربو ربا زاد ونما والفرس ربوا انفتخ من عدو وفزع كما فى القاموس { وانبتت من كل زوج } صنف { بهيج } البهجة حسن اللون وظهور السرور فيه وابتهج بكذا سرورا بان اثره في وجهه .(8/364)
والمعنى حسن رائق يسر ناظره : وبالفارسية [ تازه وتر ونيكو وبهجت افزاى بس قادرى كه زمين مرده را بابى زنده سازد تواناست برآنكه اجزاى موتىرا جمع ساخته بهمان حال كه بوده اندباز كرداند
آنكة بى دانة نهال افراخت ... دانة هم شجر تواند ساخت
كرد نابوده را يقدرت بود ... جه عجب كردهد ببوده وجود(8/365)
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)
{ ذلك بإن الله } ايى ذلك الصنع البديع وهو خلق الانسان على اطوار مختلفة وتصريفه في اطوار متابينة واحياء الارض بعد موتها حاصل بسبب انه تعالى { هو الحق وانه يحيي لمتى } أي شأنه وعادته احياؤها وحاصله انه تعالى قادر على احيائها بدأ واعادة والا لما احي النطفة والارض الميتة مرارا بعد مرار { وانه على كل شىء قدير } مبالغ في القدرة والا لما اوجد هلى الموجودات .(8/366)
وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)
{ وأن الساعة } اي القيامة { آتية } فيما سيأتى لمجازاة المحسن والمسيء { لاريب فيها } اذ قد وضح دليلها وظهر امرها وهو خبر ثان { وان الله يبعث } [ برمى انكيزد ] اى بمقتضى وعده الذى لا يقبل الخلف { من في القبور } جمع قبر وهو مقر الميت والبعث هو ان ينشر الله الموتى من القبور بان يجمع اجزاءهم الاصلية ويعيد الارواح اليها وانكره الفلاسفة بناء على امتناع عادة المعدوم قلنا ان الله يجمع الاجزاء الأصلية للانسان وهى الباقية من اول عمره الى آخره ويعيد روحه اليه سواء سمى ذلك اعادة المعدوم بعينه ام لا واما الاجزاء المأكولة فانما هى فضل فى الاكل فليست باصلية روى ان السماء تمطر مطرا يشبه المنى فمنه النشأة الآخرة كما ان النشأة الدنيا من نطفة تنزل من بحر الحياة الى اصلاب الآباء ومنها الى ارحام الامهات فيتكون من قطرة الحياة تلك النطفة جسدا في الرحم وقد علمنا ان النشأة الاولى اوجدها الله على غير مثال سبق وركبها فى أى صورة شاء وهكذا النشأة الآخرة يوجدها الحق على غير مثال سبق مع كونها محسوسة بلا شك فينشىء الله النشأة الاخرى على عجب الذنب الذى يبقى من هذا النشأة الدنيا وهو اصلها فعليه تركب النشأة الآخرة ثم ان الله تعالى كما يحي الارض والموتى بالماء الصورى كذلك القلوب القاسية بالماء المعنوى وهو الاذكار وانوار الهداية ، فالعاقل يجتهد في تنوير القلب واحيائه بانوار الطاعات والاذكار كى يتخلص من ظلمات الشكوك والشرك جليا كان او خفيا ولا شك ان الجسد من الروح كالقبر من الميت ينتفع في قبره بدعوات الاحياء كذلك الروح يترقى الى مقامه العلوى بما حصل من امداد القوى والاعضاء نسأل الله الحياة الابدية بفضله وكرمه
اكر ه شمندى بمعنى كراى ... كه معنى بما ندنه صورت بجاى(8/367)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8)
{ ومن الناس من } هو ابو جهل { يجادل في الله } حال كون ذلك المجادل { بغير علم } ضرورى او بديهى فطرى { ولا هدى } استدلال ونظر صحيح هاد الى المعرفة ، قال الكاشفى [ وبادليلى كه راه نمايد بمقصد ] { ولا كتاب منير } وحى مظهر للحق ، قال الكاشفى [ وبى كتابى روشن كه بدان صواب ازخطا ظاهر كردد ] اى يجادل فى شأنه تعالى من غير تمسك بمقدمة ضروية ولا بحجة نظرية ولا ببرهان سمعى بل بمحض التقليد والجدال بغير هذه الامور الثلاثة شهادة على المجادل بافراطه فى الجهل فى الله ويستحيل عليه بانهماكه فى الغى والضلال .(8/368)
ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9)
{ ثانى عطفه } حال ا خرى من فاعل يجادل من ثنى العود اذا حناه وعطفه لانه ضم احد طرفيه الى الآخر وعطف الانسان بكسر شالعين جانبه من رأسه الى وركه او قدمه ، قال ابن الشيخ العطف بكسر العين الجانب الذى يعطفه الاسنان ويلويه يمليه عند الاعراض عن الشىء وبفتح العين التعطف والبر وثنى العطف وكناية عن التكبر كلى الجيد والشدق ، ففى الجلالين لاوى عنقه تكبرا ، وفى التفسير الفارسى [ يجبده دامن خوداست واين كناية باشد از تكبرجه متكبر دامن ازهر جيزدرمى جيند ] ، وفي الارشاد عاطفا بجانبه وطاويا كشحه معرضا متكبراً { ليضل عن سبيل الله } متعلق بيجادل فان غرضه الاضلال عنه وان لم يعترف بانه اضلال اي ليخرج المؤمنين من الهدى الى الضلال او ليثبت الكفرة عليه { له في الدنيا خزى } الخزى الهوان والفضيحة اى ليثبت له في الدنيا بسبب ما فعله خزى وهو ما اصابه يوم بدر من القتل والصغار { ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق } الحريق بمعنى المحرق فيجوز ان يكون من اضافة المسبب الى سببه على ان يكون الحريق عبارة عن النار وان يكن من اضافة الموصوف الى صفته والاصل العذاب الحريق .(8/369)
ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10)
{ ذلك } اى يقال له يوم الكقيامة ذلك الخزى فى الدنيا وعذاب الآخرة كائن { بما قدمت يداك } بسبب ما اقترفته من الكفر والمعاصى واسناده الى يديه لما ان الا كتسات عادة بالأيدى ويجوز ان يكون الكلام من باب الالتفات لتأكيد الوعيد وتشديد التهديد { وان الله ليس بظلام للعبيد } محله الرفع على انه خبر مبتدأ محذوف اى والامر انه تعالى ليس بمعذب لعبيده بغير ذنب من قبله ، فان قلت الظاهر ان يقال ليس بظالم للعبيد ليفيد نفى اصل الظلم ونفى كونه مبالغا مفرطا في الظلم لا يفيد نفى اصله ، قلت المراد نفى اصل الظلم وذكر لفظ المبالغة مبنى على كثرة العبيد فالظالم لهم يكون كثير الظلم لا صابة كل منهم ظلما لانه العبيد دال على الاستغراق فيكون ليس بظالم لهذا ولا ذلك الى ما لا يحصى وايضا ان من عدله تعالى ان يعذب المسىء من العبيد ويحسن الى المحسن ولا يزيد في العقاب ولا ينقص من الاجر لكن بناء على وعده المحتوم فلو عذب من لا يستحق العذاب لكان قليل الظلم منه كثيرا لاستغنائه عن فعله وتنزيهه عن قبحه وهذا كما يقال زلة العالم كبيرة وفى المرفوع « يقول الله تعالى انى حرمت الظلم على نفسى وحرمته على عبادى فلا يظلمون » يقال من كثر ظلمه واعتداؤه قرب هلاكه وفناؤه وشر الناس من ينصر الظلوم ويخذل المظلوم ، وفى الآية اشارة الى ان العبيد ظلامون لانفسهم كما قال تعالى { وما ظلمناهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون } بان يضعوا العبادة والطب في غير موضعه : قال المولى الجامى
قصد مابروى تست ازسجده در محرابها ... كرنباشد نيت خالص جه حاصل ازعمل
واعلم ان جدال المنافق والمرائى واهل الاهواء والبدع مذموم وامامن يجادل فى معرفة الله ودفع الشبه وبيان الطريق الى الله تعالى بالعلم بالله وهدى نبيه عليه السلام وشاهد نص كتاب منير يظهر بنوره الحق من الباطل فجداله محمود ، قال بعضهم البحث والتفتيش عما جاءت به السنةن بعد ما وضح سنده يجر الباحث الى التعمق والتوغل فى الدين فانه مفتاح الضلال لكثير من الامة يعنى الذين لم يرزقوا باذهان وقادة وقرائح نقادة وما هلكت الامم الماضية الا بطول الجدال وكثرة القيل والقال فوالجب ان يعض باضراسه على ما ثبت من السنة ويعمل بها ويدعو اليها ويحكم بها ولا يصغى الى كلام اهل البدعة ولا يميل اليهم ولا الى سماع كلامهم فان كل ذلك منهى شرعا وقد ورد فيه وعيد شديد وقد قالوا الطبع حذاب والمقارنة مؤثرة والامراض سارية : قال المولى الجامى قد سره
بوش باش كه راه زد ... عروس دهر كه مكاره است ومحتاله
بلاف ناخلفان زمانه غره مشو ... ومروجوسامرى ازره ببانك كواسله(8/370)
في كلام اهل البدعة والاهواء كخوار العجل فكما ان السامرى ضل بذلك الخوار واضل كثير من بنى اسرائيل فكذا كل من كان في حكمه فانه يغتر باوهامه وخيالاته ظنا انها علوم صحيحة فيدعو اهل الاوهام اليهم فيضلهم بخلاف من له علم صحيح وكشف صريح فانه لا يلتفت الى كلمات الجهال ولا يميل الى خارق العادة ألا ترى ان من ثبت على دين موسى لم يصخ الى الخور وعرف انه ابتلاء من الله تعالى للعباد فويل للمجادل المبطل وويل للسامع الى كلامه وقد ذم الله تعالى هذا المجادل بالكبر وهو من الصفات العائقة عن قبول الحق ولا شىء فوقه من الذمائم ، وعن ارسطو من تكبر على الناس احب الناس ذلته ، وعنه باصابة المنطق يعظم القدر . وبالتواضع تكثر المحبة . وبالحلم تكثر الانصار . وبالرفق يستخدم القلوب . وبالوفاء يدوم الاخاء . وبالصدق يتم الفضل تسئأل الله التخلى عن الصفات القبيحة الرذيلة والتحلى بالملكات الحسنة الجميلة .(8/371)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)
حيث فسره بالجهة التى اقبل اليها وهى الاسلام { خسر الدنيا والآخرة } فقدهما وضيعهما بذهاب عصمته وحبوط عمله بالارتداد والاظهر ان خسران الدنيا ذهاب اهله حيث اصابته فتنة وخسران الآخرة الحرمان من الثواب حيث ذهب الدين ودخل النار مع الداخلين كما قال الكاشفى [ زيان كرد در دنياكه بمراد نرسد وزيان دراد درآخت كه عملهاى اونابو شد ] { ذلك } [ زيان هردو سراى ] { هو الخسران المبين } [ آنست زيان هويدا جه برهمه عقلا ظاهر است زيان ازان عظيم ترنيست ]
نه مال ونه اعمال نه دنيا ونه دين ... لامعه صدق ونه انوار يقين
درهر دوجهان منفعل وخوار وحزين ... البته زيانى نبود بدتر ازين
قال بعضهم الخسران في الدنيا ترك الطاعات ولزوم المخالفات والخسران فى الآخرة كثرة الخصوم والتبعات .(8/372)
يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12)
{ يدعو من دون الله } استئناف مبين لعظم الخسران فيكون الضمير راجعا الى المرتد المشرك اى يعبد متجاوزا عبادة الله تعالى { مالا يضره } اذا لم يعبده { ومالا ينفعه } ان عبده اى جمادا ليس من شأنه الضر النفع كما يلوح به تكرير كلمة ما { ذلك } الدعاء { هو الضلال البعيد } عن الحق والهدى مستعارا من ضلال من ابعد في التيه ضالا عن الطريق فطالت وبعدت مسافة ضلاله فان القرب والبعد من عوارض المسافة الحسية .(8/373)
يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)
{ يدعوا لمن ضره اقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير } الدعاء بمعنى القول واللام داخلة على الجملة الواقعة مقولا له ومن متبدأ وخيره مبتدأ ثان خبره اقرب والجملة صلة للمبتدأ الاول وقوله لبئس الخ جواب لقسم مقدر وهو وجوابه خبر للمبتدأ الاول وايثار من على ما مع كون معبوده حمادا وايراد صيغة التفضيل مع خلوه عن النفع بالكلية للمبالغة في تقبيح حاله والا معان في ذمه اى يقول ذلك الكافر يوم القيامة بدعاء وصراخ حين يرى تضرره بمعبوده ودخوله النار بسببه ولا يرى منه اثر النفع اصلا لمن ضره اقرب منه نفعه والله لبئس الناصر ولبئس الصاحب والمعاشر والخليط هو فكيف بما هو ضرر محض عار عن النفع بالكلية فالآية استئناف مسوق لبيان مآل دعائه المذكور وتقير كونه ضالا بعيدا والظاهر ان اللام زائدة ومن مفعول يدعو ويؤيده القراءة بغير اللام ايى يعبد من ضره بكونه معبودا لانه يوجب القتل في الدنيا والعذاب في الآخرة اقر من نفعه الذى يتوقع بعبادته فى زعمهم وهو الشفاعة والتوسل الى الله فايراد كلمة من وصيغة التفضيل تهكم به والجملة القسمية مستأنفة .(8/374)
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14)
{ ان الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الانهار } بيان لكمال حسن حال المؤمنين العابدين له تعالى اثر بيان سوء حال الكفرة . والجنة الارض المشتملة على الاشجار المتكاثفة الساترة لما تحتها والنهر مجرى الماء الفائض فاسناد الجرى الى الانهار من الاسناد الحكمى كقولهم سال الميزاب اذ الجريان من اوصاف الماء لا من اوصاف النهر ووصف الجنات به دلالة على انها من جنس ما هو ابهى الاماكن التى يعرفونهاك لتميل اليها طباعهم كما قال الكاشفى [ غايت نزهت باغ وبستان بآب روانست ] { ان الله يفعل ما يريد } اى يفعل البتة كل ما يريده من اثابة الموحد الصالح وعقاب المشرك لا دافع له ولا مانع .
وفى الآيات اشارات ، منها ان من يعبد الله على طبع وهو ورؤية عوض وطمع كرامات ومحمدة الخلق ونيل الدنيا فاذا اصابته امانيه سكن في العبادة واذا لم يجد شيأ منها ترك التحلى بتحلية الاولياء فخسرانه ف يالدنيا فقدان القبول والجاء عند الخالق وافتضاحه عندهم وسقوطه من طريق السنة والعبادة الى الضلالة والبدعة وخسرانه في الآخرة بقاؤه فى الحجاب عن مشاهدة الحق واحتراقه بنيران البعد وايضا ان بعض الطالبين ممن لا صدق له ولا ثبات فى الطلب يكون من اهل التمنى فيطلب الله فى شك فان اصابه شىء مما يلائم نفسه وهواه او فتوح من الغيب اقام على الطلب فى الصحبة وان اصابه بلاء او شدة وضيق فى المجاهدات والرياضات وترك الشهوات ومخالفة النفس وملازمة الخدمة ورعاية حق الصبحة والتأدب بآداب الصحبة والتحمل من الاخوان انقلب على وجه يتبدل الافرار بالانكار والاعتراض والتسليم بالاباء والاستكبار والارادة بالارتداد والصحبة بالهجران خسر ماكان عليه من الدنيا وبتركه وخمسر الآخرة بارتداده عن الطلب والصحبة ، ومن هنا قال المشايخ مرتد الطريقة شر من مرتد الشريعة ذلك هو الخسران المبين فان من رده صاحب قلب يكون مردود القلوب كلها كما ان من قبله يكون مقبول الكل : قال الحافظ
كليد كنج سعادت قبول اهل دلست ... مباد كس كه درين نكته شك وريب كند
شبان وادىء ايمن كهى رسد بمراد ... كه جندان سال بجان خدمت شعيب كند
يقول الفقير المسلمون صنفان صنف مشتغل بالجهاد الاصغر وصنف مشتغل بالجهاد الاكبر فضفعاء الصنف الاول يكونون على طرف الجيش والثانى على طرف الدين فان كان الامر على مرادهم اقبلوا والا ادبروا وفى ذلك خسارة لهم من جهة الدنيا والآخرة لانهم يغلبهم الكفار والنفس الامارة فى الدنيا ويفوت عنهم درجات السعداء فى الآخرة فلا يظفرون بغنيمة مطلقا فلا بد من الصبر على المشاق : وقال الشيخ سعدى فى وصف الاولياء
خوشا وقت شوريد كان غمش ... اكر زخم بينند اكر مرهمش
دما دم شراب الم در كشند ... وكر تلخ بينند دم در كشند
نه تلخست صبرى كه بريادد اوست ... كه تايخى شكرباشد دازدست دوست(8/375)
ومنها ان من يعبد الله يعبد الضار والنافع الذى يصدر مه كل نفع وضر اما بواسطة الملائكة والانس والجمادات اوب غير الواسطة واما من يعبد ماسواه تعالى فيعبد مالا يضر ومالا يفنع وذلك لان الملك او الانسان او الشيطان او شيأ من المخلوقات من فك او كوكب او غيرها لا يقدر على خير أو شربنفسه او نفع او ضر بل كل ذلك اسباب مسخرة لا يصدر منها الا ما سخرت له وجملة ذلك بالاضافة الى القدرة الازلية كالقلم بالاضافة الى الكاتب فلبئس المولى ما عبده وطلبه من دون الله تعالى ولبئس لعشير اى ما عاشره من الدنيا وشهواتها ، ومنها ان من يدخل الجنة من المؤمنين لا يدخل الجنة بمجرد الايمان التقليدى والاعمال الظاهرية بل يدخله الله بالايمان الحقيقى الذي كتبه بقلم العناية فى قلبه الذى من نتائجه الاعمال الصالحة الخالصة لوجه الله تعالى .(8/376)
مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)
{ من } شرطية : المعنى بالفارسية [ هركه ازظانين بالله ظن السوء ] { كان يظن } يتوهم { ان لن ينصره الله } أى محمد صلى الله عليه وسلم { فى الدنيا } باعلاء دينه وقهر اعدائه { والآخرة } باعلاء درجته والانتقام من مكذبيه يعنى انه تعالى ناصر رسوله في الدنيا والآخرة فمن كان يظن من اعاديه وحساده خلاف ذلك ويتوقعه من غيظه { فليمدد بسبب الى السماء } السبب الذى تصعد به النخل اى ليربط بحبل الى سقف بيته لان كل ما علاك فهو سماء { ثم ليقطع } ، قال في القاموس قطع فلان الحبل اختنق ومنه قوله تعالى { ثم ليقطع } اى ليختنق انتهى وسمى الاختناق قطعا لان المختنق يقطع نفسه بحبس مجاريه ، واقل الكاشفى [ بس ببرد آن رسن را تا بزمين افتد وبميرد ] { فلينظر } المراد تقدير النظر وتصوره لان الامر بالنظر بعد الاختناق غير معقول اى فليتصور فى نفسه وليقدر النظر ان فعل { هل يذهبن كيده } فعل ذلك بنفسه وسماه كيدا لانه وضعه موضع الكيد حيث لم يقدر على غيره او على وجه الاستهزاء لانه لم يكدبه محسودة انما كادبه نفسه { ما يغيظ } الغيظ اشد غضب وهو الحرارة التى يجدها الانسان من فوران دم قلبه اى ما يغيظه من النصرة كلا يعنى انه لا يقدر على دفع النصرة وان مات غيظا كما قال ، الحافظ
كرجان بدهد سنك سيه لعل نكردد ... باطنيت اصلى جه كندبد كهر افتاد
وفي الآية اشارة الى نفى العحز عن الله تعالى وانه فوق عباده وانه يصنر اولياءه روى عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال اقبل يهودى بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل المسجد قال اين وصى محمد فاشار القوم الى ابى بكر رضى الله عنه فقال اسألك عن اشياء لا يعلمها الا نبى او وصى نبي فقال ابو بكر سل عما بدالك فقال اليهودى اخبرنى عما لا يعلم الله وعما ليس لله وعما ليس عند الله فقال ابو بكر هذا كلام الزنادقة وهمّ هو المسلمون به فقال ابن عباس رضى الله عنهما ما انصفتم الرجل ان كان عندكم جوابه والا فاذهبوا به الى من يجيبه فانى سمعت رسول الله يقول لعلى رضى الله عنه « اللهم ايد قلبه وثبت لسانه » فقام ابو بكر ومن حضره حتى اتوا عليا فافادوا له ذلك فقال ما مالا يعمله الله فذلكم يا معشر اليهود قولكم ان عزيرا ابن الله والله لا يعلم ان له ولدا واما ما ليس لله فليس له شريط و اما ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم وعجز فقال اليهودى اشهد ان لا اله الا الله وانك وصى رسول الله ففرح المسلمون بذلك ، واعلم ان الكفار ارادوا ان يطفئوا نور الله فاطفاهم الله حيث نصر حبيبه وانجز وعده وهزم الاحزاب وحده واما تشديد المحننة فى بعض الاحيان وتأخير النصرة فلحكم ومصالح فعلى العبد الصالح الراضى بالله تعالى ربا ان يصبر على اذى الاعداء وحسدهم فان الحق يعلو ولا يعلى وسيرجع الامر من المحنة الى الراحة فيكون اهل الايمان والاخلاص مستريحين ومن الراحة الى المحنة فيكون اهل الشرك والنفاق مستراحا منهم والله تعالى يفعل ما يريد .(8/377)
وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16)
{ وكذلك } اى مثل ذلك الانزال البديع المنطوى على الحكم البالغة { انزلناه } اى القرآن الكريم كله حال كونه { آيات بينات } واضحات الدلالة على معانيها اللطيفة { وان الله يهدى من يريد } محل الجملة الرفع على انه خبر مبتدأ محذوف اى والامر ان الله تعالى يهدى بالقرآن ابتداء او يثبت على الهدى او يزيد فيه من يريد هدايته او تثبيته او زيادته وفى الحديث « ان الله يرفع بهذا الكتاب اقواما ويضع به آخرين » اى يرفع بالقرآن درجة أقوام وهم من آمن به وعمل بمقتضاه ويحط به اقواما آخرين وهم من اعرض عنه ولم يحفظ وصاياه وكان نظر الصاحبة رضى الله عنهم وشغلهم فى الاحوال والاعمال ولذا كانوا يتعلمون عشر آيات لا يجاوزونها الى غيرها حتى يعملوا بما فيها ، قال في الاحياء مات النبى عليه السلام عن عشين الفا من الصاحبة ولم يحفظ القرآن منهم الا ستة اختلف منهم فى اثنين فكان اكثرهم يحفظ السورة او السورتين وكان الذى يحفظ البقرة والانعام من علمائهم فالاشتغال بعلم القرآن والعمل بمقتضاه من علامات الهداية ولا بد من الاجتهاد آناء اللي واطراف النهار الى ان يحصل المقصود فان من راد ان يصل الى ماء الحياة يقطع الظلمات بلا فتور وجمود والنملال من العلم واستماعه سبب الانقطاع عن طريق التحقيق واثر الحرمان من العناية والتوفيق
دل ازشنيدن قرآن بكيردت همه وقت ... جو باطلان زكلام حقت ملوى جيست
وعن ابى سعيد الخدرى رضى الله عه انه قال جلست فى عصابة من ضعفاء المهاجرين وان بعضهم ليستتر ببعض من العى وقارىء يقرأ علينا اذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام علينا فلما قام رسول الله سكت القارىء فسلم ثم قال « ما كنتم تصنعون » قلنا كنا نستمع الى كتاب الله فقال « الحمد لله الذى جعل من امتى من امرت ان اصبر نفسى معهم » قال فجلس وسطنا ليعدل بنفسه فينا ثم قال بيده هكذا فتحلقوا وبرزت وجوههم له فقال « ابشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل اغنياء الناس بنصف يوم » وذلك خمسمائة سنة وذلك لان الاغنياء يوقفون فى العرصات ويسألون من اين جمعوا امال وفيم صرفوه ولم يكن للفقراء مال حتى يوقفوا ويسألوا عنه ويعنى رسول الله بالفقراء الفقراء الصابرين الصالحين وبالاغنياء الاغنياء الشاكرين المؤدين حقوق اموالهم هذا ثم ان كون القرآن مشتملا على متشبهات وغوامض لا ينافى كون آياته بينات لانه ليس فيه ما لايعلم معناه لكن العلماء يتفاتون في طبقات المعرفة هدانا الله واياكم الى ما هدى العلماء الراسخين اليه وشرفنا فى كل غامض بالاطلاع عليه .(8/378)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)
{ ان الذين آمنوا } بكل ما يجب ان يؤمن به { والذين هادوا } دخلوا في اليهوديةن قال الراغب الهود الرجوع برفق وصار فى التعارف التوبة قال تعالى { انا هدنا اليك } اى تبنا اليك ، قال بعضهم ليهوج فى الاصل هو من قولهم هدنا اليك وكان اسم مدح ثم ص ربعد نسخ شريعتهم لازمالهم وان لم يكن فيه معنى المدح كما ان النصارى ف الاصل من قوله { من انصارى الى الله } ثم صار لازما لهم بعد نسخ شريعتهم { الصابئين } اى الذين صبأوا عن الاديان كلها اى خرجوا واختاروا عبادة الملائكة والكواكب من صبأ الرجل عن دينه اذا خرج عنه الى دين آخر قال الراغب الصابئون قوم كانوا على دين نوح وقيل لكل خارج من الدين الى دين آخر صابىء من قولهم صبأ ناب البعير اذا طلع { والنصارى } جمع نصران ونصرانة مثل الندامى جمع ندمان وندمانة ويستعمل بغير الياء فيقال رجل نصران وامرأة نصرانة { والمجوس } ، قال في القاموس مجوس كصبور رجل صغير الاذنين وضع دينا ودعا اليه معرب « منج كوش » ورجل مجوسى جمعه مجوس كيهودى ويهودوهم عبدة النار وليسوا من اهل الكتاب ولذا لا تنكح نساؤهم ولاتؤ كل ذبائحهم وانما اخذت الجزية منهم لانهم من العجم لا لانهم من اهل الكتاب { والذين اشركوا } يعنى عبدة الاوثان { ان الله يفصل بينهم يوم القيامة } فى حيز الرفع على انه خبر لان السابقة اى يقضى بين المؤمنين وبين الفرق الخمس والمتفقة على ملة الكفر باظهار المحق من المبطل باثابة الاول وعقاب الثانى بحسب الاستحقاق بعنى ان الله تعالى يعامل كل صنف منهم يوم القيامة على حسب ا تسحاقه اما بالنعيم واما بالجحيم وبالوصال او بالفراق وعلم من الآية ان الاديان ستة واحد للرحمن وهو دين المؤمنين الى هو الاسلام كما قال تعىل { ان الدين عند الله الاسلام } وخمسة للشيطان وهى ما عدا الاسلام لانها مما دعى اليها الشيطان وزينها فى اعين الكفرة { ان الله على كل شىء شهيد } [ كواه وازهمه حال آكاه ] ، قال الامام الغزالي رحمه الله الشهيد يرجع معناه الى العلم مع خصوص اضافة فانه تعالى عالم الغيب والشهادة والغيب عبارة عما بطن والشهادة عما ظهر وهو الذى يشاهد فاذا اعتبر العلم المطلق فهو العليم مطلقا واذا اضيف الى الغيب والامور الباطنة فهو الخبير واذا اضيف الى الامور الظاهرة فهو الشهيد وقد يعتبر مع هذا ان يشهد على الخلق يوم القيامة بما علم وشاهد منهم ، وفى الآية وعيد وتهديد فعلى العاقل ان يذكر يوم الفصل والقضا ويجتهد فى الأعمال لتى يحصل بها الرضى : قال الشيخ سعدى قدس سره
قيامت كه نيكان باعلى رسند ... ز قعر ثرا با ثريا رسند
تراخود بما ند سرازننك بيش ... كه كردت بر آيد عملهاى خوبش
برادر زكار بدان شرم دار ... كه درروى نيكان شوى شرمسار
بناز وطرب نفس برورده كير ... با يام دشمن قوى كرده كير
بكى بجة كرك مى برويد ... جوبر ورده شدخواجه رابردريد
بهشت واستاند كه طاعت برد ... كرا نقد باشد بضاعت برد
بى نيك مردان ببايد شتافت ... كه هركوا سعادت طلب كرديافت
ولكن تودنبال ديوا خسى ... ندانم كه درصا لحان كى رسى
سميبر كسى را شفاعتكرست ... كه بر جاده شرع بيغمبرست
ره راست بايد نه بالاى راست ... كه كفارهم ازروى صورت جوماست(8/379)
وأعلم ان الايمان والكفر اوصاف القلب وللقلب بابان علوى وسفلى فالعلوى يتصل الى الروح والسفلى الى النفس فاذا انسد الباب السفلى بالمخالفة الى النفس ينفتح لباب العلوى من الحجب النفسانية واذا انسد لباب العلوى بسبب الاتباع الى النفس ينفتح الباب السفلى فتظهر فى القلب الوساوس الشيطانية وكل بدعة و هوى والدين الباطل انما يحصل من النفس والشيطان فمن اتبع هوى النفس ووساوس الشيطان ضل عن طريق الحق والدين المبين واتخذ الهه هواه فان الله تعالى يفصل بينه وبين المهتى فانه كما ان الايمان والكفر لا يجتمعان في قلب فكذا اهلهما لا يجتمعون فى دار والبرزخ الفاصل بينهم وان كان موجوداً الآن على ماعرفه اهل المعرفة لكنه معنوى فاذا كان يوم القيامة يصير صوريا حسيا .(8/380)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)
{ ألم تر } ألم تعلم يا من من شأنه العلم { ان الله يسجد له من فى السموات ومن فى الارض } ايى ينقاد لتدبيره ومشيئته الملائكة والجن والانس مطيعا او عاصيا وذلك لان السجود اما سجود باختيار وهو للانسان وبه يستحسق الثواب واما سجود تسخير وهو للانسان والحيوان والنبات شبه الانقياد باكمل افعال المكلف فى باب الطاعة وهو سجود ايذانا بكمال التسخير والتذلل وانما حمل على المعنى المجازى اذ ليس فى كفرة الانس ومردة الجن والشياطين وسائر الحيوانات والجمادات سجود طاعة وعبادة وهو وضع الجبهة على الارض خصوصا لله تعالى { والشمس والقمر والنجوم } بالسير والطلوع والغروب لمنافع العباد { والجبال } باجراء الينبيع وانبات المعان { والشجر } بالظل وحمل الثمار ونحوها { والدواب } [ جهار بايان ] اى بعجائب التركيب ونحوها فكل شىء ينقاد له سبحانه على ما خلقه وعلى ما رزقه وعلى ما اصحه وعلى اما اسقمه فالبر والفاجر والمؤمن والكافر فى هذا سواء { وكثير من الناس } اى ويسجد له كثير من الناس سجود طاعة وعبادة فهو مرتفع بمحذوف لا بالمذكور والا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز .
قال فى التأويلات اهل العرفان يسجدون سجود عبادة بالارادة والجماد ومالا يعقل ومن لا يدين يسجدون سجود خضوع للحاجة ، قال الكاشفى [ همه ذرات على مرخدايرا خاضع وخاشعئد بدلالت حال كه افصح است ازدلايت مقال ]
درنكر تابنى ازعين شهود ... جلمة ذرات جهانرا درسجود
{ وكثير } من الناس { حق } ثبت { عليه العذاب } بسبب كفره وابائه عن الطاعة ، قال الكاشفى [ اين سجده ششم است باتفاق علما ازسجدات قرآن ، درفتوحات اين را سجدة مشاهد واعتبار كفته اندكه ازهمه اشياغير آدميانرا تبعيض نكرد بس بنده بايدكه مبادرت نمايد بسجده تاز كثير اول باشد كه ازاهل سجده واقترا بندنه زكثير ثاني كه مستحق عذاب وعقابند ]
ذوق سجده وطاعتى بيش خدا ... خوشترا باشد زصد دولت ترا
يقول الفقير الكثير الاول كثير فى نفسه قليل بالنسبة الى الكثير الثانى اذ اهل الجمال اقل من اهل الجلال وهو الواحد من الالف وعن ابن مسعود رضى الله عنه ان الواحد على الحق هو السواد الاعظم وعن بعضهم قليل اذا عدوا كثير اذا شدوا اى اظهروا الشدة { ومن } [ وهر كرا ] { يهن الله } تهنه الله : بالفارسية [ خوار كرداند ] بان كتب عليه الشاقوة فى الازل حسبما علمه من صرف اختياره الى الشر { فما له من مكرم } يكرمه بالسعادة الى الابد { ان الله يفعل مايشاء } من الاكرام والاهانة من الازل الى الابد ، قال الامام النيسابورى رحمه الله فى كشف الاسرار جعل الله الكفار اكثر م المؤمنين ليريهم انه مستغن عن طاعتهم كما قال ( خلقت الخلق ليربحوا علىّ لا لأربح عليهم ) وقيل ليظهر عز المؤمنين فيما بين ذلك لان الاشياء تعرف باضدادها والشىء اذا قل وجوده عز ألا ترى ان المعدن لعزته صار مظهرا للاسم العزيز وقيل ليرى الحبيب قدرته بحفظه بين اعدائه الكثير كما حفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واحد واهل الارض اعداد كله ليتبين ان النصر من عند الله والقليل يغلب الكثير بعونه وعنايته ومن اكرمه بالغلبة لا يهان بالخذلان البتة ، فان قيل ان رحمته سبقت وغلبت غضبه فيقتضى الامر ان يكون اهل الرحمة اكثر من اهل الغضب واهل الغضب تسع وتسعون من كل الف واحد يؤخذ للجنة كما ورد فى الصحيح وورد(8/381)
« اهل الرحمة كشعرة بيضاء فى جلد الثور الاسود » ، قلنا هذه الكثرة بالنسبى الى بنى آدم واما أهل الرحمة بالنسبة ا ليهم والى الملائكة والحور والغلمان فاكثر م اهل الغضب والتحقيق ان المقصود من النشآت ظهرو الانسان الكامل وهو احد كالالف فالناس عشرة أجزاء فتسعة الاعشار كفار والواحد مؤمنون ثم المؤمنون عشرة فتسعة عصاة وواحد مطيعون ثم المطيعون عشرة فتسعة اهل الزهد وواحد اهل العشق ثم اهل العشق عشرة فعستة اهل البرزخ والفرقة وواحد اهل المنزل والوصلة فهو اعز من الكبريت الاحمر المسك الاذفر وهو الذى اكرمه الله بكرامة لم يكرم بها احدا من العالمين فلو ان اهل العالم اجتمعوا على اهانته ما قدرا اذله العز الحقيقى لانه اذل نفسه بالفناء في الله وهو مقام السجود الحقيقى فاعزه الله ورفعه ألا ترى الى قوله ( من عاد لى وليا فقد بارزنى بالمحاربة ) ايى من اغضب واذى واهان واحدا من اوليائى فقد ظهر وخرج بالمحاربة لى والله ينصر اولياءه فيكن المبارز مقهورا مهانا بحيث لا يوجد له ناصر ومكرم
اهل حق هر كز نمى باشد مهان ... اهل باطل خوار باشد درجهان(8/382)
هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)
{ هذان } اى فريق المؤمنين وفريق الكفرة المنقسم الى الفرق الخمس { خصمان } اى فريقان مختصمان { اختصموا } [ جنك كردند وجدل نمودند ] { في ربهم } في شأنه او فى دينه او فى ذاته وصفاته والكل من شؤنه فان اعتقاد كل من الفريقين بحقية ما هو عليه وبطلان ما عليه صاحبه وبناء اقواله وافعاله عليه خصوصة للفريق الآخر وان لم يجر بينهما التحاور والخصام
اهل دين حق ونواع ملل ... مختصم شد بى زبان اندر علل
{ فالذين كفروا } تفصيل لما اجمل فى قوله يفصل بينهم يوم القيامة { قطعت لهم } التقطيع [ باره باره كردن ] ولمراد هنا قدرت على مقادير جثتهم { ثاب من نار } اى نيران هائلة تحيط بهم احاطة الثياب بلابسها { يصب } [ ريخته ميشود ] صب الماء اراقته من اعلى { من فوق رءوسهم الحميم } ايى الماء الحار الذى انتهت حراته لو قطرت قطرة منه على جبال الدنيا لاذابتها ، قال الراغب الحميم الماء الشديد الحرارة وسمى العرق حميما على التشبيه واستحمّ الفرس عرق وسمى الحمام حماما اما لانه يعرق واما لما فيه من الماء الحار والحمى سميت بذلك اما لما فيها من الحرارة المفرطة واما لما يعرض فيها من الحميم اى العرق واما لكونها من امارات الحمام ايى الموت(8/383)
يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)
{ يصهر به } [ كداخته شود ] اى يذاب بذلك الحميم من فرط الحرارة يقال صهرت الشىء فانصهر اى اذبته فذاب فهو صهير والصهر اذابة الشيىء والصهارة ما ذاب مه { مافى بطونهم } من الامعاء والاحشاء { والجلود } تشوى جلودهم فتتساقط ععطب على ما وتأخيره عنه لمراعاة الفواصل اى اذا صب الحميم على رؤسهم يؤثر من فرط حرارته فى باطنهم نحو تأثيره فى ظاهرهم فيذاب به احشاؤهم كما يذاب به جلودهم ثم يعاد كما كان(8/384)
وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21)
{ ولهم } للكفرة ايى لتعذيبهم وجلودهم { مقامع من حديد } [ كرزها باشد دردست زبانية ازآهن ] جمع مقمعة وهى آلة القمع ، قال فى بحر العلوم سياط منه يجلدون بها وحقيقتها ما يقمع به اى يكف بعنف وفى الحديث « لو وضعت مقمعة منها فى الارض فاجتمع عليها الثقلان ما اقلوها منها » اى رفعوها(8/385)
كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)
{ كلما ارادوا ان يخرجوا منها } اى اشرفوا على الخروج من النار ودنوا منه حسبما يروى انه تضربهم بلهبها فترفعهم حتى اذا كانوا فى اعلاها ضربوا بالمقامع فهووا فيها سبعين خريفا وهو من ذكر البعث وارادة الكل اذ الخريف آخر الفصول الاربعة { من غم } اى غم شديد من غمومها يصيبهم وهو بدل اشتمال من الهاء { اعيدوا فيها } اى في قعرها بان ردوا من اعلاها الى اسفلها من غير ان يخرجوا منها ، قال الكاشفى [ باركزدانيده شوندبدان كرزها دردوزخ يعنى دون بكنارة دوزخ رسيده بخروج نزديك شوندزبانية كرزبرسر ايشان ميزند وبازمى كرداند بدركات ] { و } قيل لهم { ذوقوا } [ بجشيد ] { عذاب الحريق } [ عذاب آتش سوزنده ] او العذاب المحرق كما سبق والعدول الى صيغة الفعيل للمبالغة .
قال فى التأويلات النجمية { فالذين كفورا } من ارباب النفس بانقاطاعهم عن الله ودينه وباتباعهم الهوى وطلب الشهوات الدنيوية ومن اصحاب الروح باعراضهم عن الله ورد دعوة الانبياء { قطعت لهم ثياب من نار } بتقطيع خياط القضاء على قدّرهم وهى ثياب نسجت من سدى مخالفات الشرع ولحمة موافقات الطبع { يصب من قوق رؤسهم الحميم } حميم الشهوات النفسانية يذاب ويخرج ما فى قلوبهم من الاخلاق الحميدة { ولهم مقامع من حديد } اى الاخلاق الذميمة واستيلاء الحرص والامل وقيل لهم ذوقوا عذاب ما احرقت منكم نار الشهوات من الاستعدادات الحسنة انتهى ، ان قيل نار جهنم خير ام شر ، قلنا ليست هى بخير ولا بشر بل عذاب وحكمة ، وقيل خير من وجه كنار نمرود شر فى اعينهم وبرد وسلام على ابراهيم وكالسوط فى يد الحاكم خير للطاغى وشر للمطيع فالنار خير ورحمة على مالك وجنوده وشر شعلى من دخل فيها من الكفار ، وايضا خير لعصاة المؤمنين حيث تخلص جواهر نفوسهم من ألواث المعاصى وشر لغيرهم كالطاعون رحمة للمؤمنين ورجز للكافرين والوجود خير محض عند العارفين والعدم شر محض عند المحققين لان الوجود اثر صنع الحكيم كما قال { ما خلقت هذا باطلا سبحانك } فالشرور بالنسبة الى الاعيان الكونية لا بالنسبة الى افعال الله ولله فى ملكه ان يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فالنار مظهر الجلال فمن مظهريتها خير محض ومن جهة تعلقها ببعض الاعيان شر محض وقد خلق الله النار ليعلم الخلق قدر جلال الله وكبريائه ويكونوا على هيبة وخوف منه ويؤدب بها من لم يتأدب بتأديب الرسل ولهذا السر علق النبى عليه السلام السوط حيث يراه اهل البيت لئلا يتركوا الادب وروى ان الله تعالى قال لموسى عليه السلام ما خلقت النار بخلا منى ولكن اكره ان اجمع اعدائى واوليائى فى دار واحدة ، وقيل خلق النار لغلبة الشفقة كرجل يضيف الناس ويقول من جاء الى ضيافتى اكرمته ومن لم يجىء ليس عليه شىء ويقول مضيف آخر من جاء الىّ اكرمته ومن لم يجىء ضربته وحبسته ليتبين غاية كرمه وهو اكمل واتم من الكرم الاول والله تعالى دعا الخلق الى دعوته بقوله(8/386)
{ والله يدعو الى دار السلام } ثم دفع السيف الى رسوله فقال من لم يجب ضيافتى فاقتله فعلى العاقل ان يجيب الى دعوة الله ويمتثل لامره حتى يأمن من قهره : قال الشيخ سعدى قدر سره
هنوزت اجل دست هوشت نبست ... بر آور بدر كاه داور دودست
توبيش از عقوبت درغفو كوب ... كه سودى ندارد فغان زيرجوب
جنان شرم دار از خداوند خويش ... كه شرمت زهمسا يكانست وخوبش
بترس از كناهان خويش اين نفس ... كه روز قيامت نترسى زكس
بران خورد سعدى كه بيخى نشاند ... كسى برد خرمن كه تخمى فشاند(8/387)
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23)
{ ان الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات } [ وكردند عملهاى شايسته ] { جنات تجرى من تحتها الانهار } الاربعة { يحلون فيها } من حليت المرأة اذا ألبست الحلى وهو ما يتحلى به من ذهب او فضة اى تحليهم الملائكة بامره تعالى وتزينهم : بالفارسية [ آراسته كردانند وبيرايه بندند ايشانرا دربهشت ] { من اساور } اى بعض اساور وهى جمع اسورة جمع سوار : بالفارسية [ دستوانة ] { من ذهب } بيان للاساور { ولؤلؤا } عطف على محل من اساور وقرىء بالجر عطفا على ذهب على ان الاساور مرصعة بالذهب واللؤلؤ او على انهم يسورون بالجنسين اما على المعاقبة واما على الجمع كما تجمع نساء الدنيا بين انواع الحلى وما احسن المعصم اذا كان فيه سواران سوار من ذهب احمر قان وسوار من لؤلؤ ابيض يقق وقيل عطف على اساور لا على ذهب لأن السوار لا يكون من اللؤلؤ فى العادة وهو غلط لما فيه من قياس عالم الملك بعالم الملكوت وهو خطأ لقوه « اعددت لعبادى الصالحين مالا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر » وينصره قول سعيد بن جبير يحلى كل واحد منهم ثلاثة اساور واحد من ذهب وواحد من فضة وواحد من اللؤلؤ واليواقيت ، قال ابن الشيخ وظاهر ان السوار قد يتخذ من اللؤلؤ وحده بنظم بعضه الى بعض غاية ما فى الباب ان لايكون معهودا فى الزمان الاول اى فيكون تشويقا لهم بما لم يعرفوه فى الدنيا { ولباسهم فيها حرير } يعنى انهم يلبسون فى الجنة ثياب الابريسم وهو الذى حرم لبسه فى الدنيا على الرجال على ما روى ابو سعيد على النبي عليه اسلام انه قال « من لبس الحرير فى الدنيا لم يلبسه فى الآخرة » فان دخل الجنة لبس اهل الجنة ولم يلبس هو ولذلك قال ابو حنيفة رحمه الله لا يحل لرجل ان يلبس حريرا الا قدر اربع اصابع لما روى انه عليه السلام لبي جبة مكفوفة بالحرير ولم يفرق بين حالة الحرب وغيره وقال ابو يوسف ومحمد يحل فى الحرب ضرورة ، قلنا الضرورة تندفع بما لحمته ابريسم وسداه غيره وعكسه فى الحرب فقط كما فى بحر العلوم ، قال الامام الدميرى في حياة لا تختص بالسفر كما فى انوار المشارق .(8/388)
وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)
{ وهدوا الى الطيب من القول } [ راه نموده شده اند مؤمنان به با كيزه ازقول بسخنهاى باك راه نمايند ايشانرا درآخرت وآن جنان باشدكه جون نظر ايشان بربهشت افتدكويند « الحمد لله الذي هدانا لهذا » وجون ببهشت در آيندبرزبان رانندكه « الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن » وجون درمنارل خود قرار كيرند كويند « الحمد لله الذي صدقنا وعده واورثنا الارض » الآية واكثر مفسران برانندكه ايشان راه يافته اند بقول طيب دردنياكه كلمه طيبه « لا اله الا الله ومحمد رسول الله » است ] كما مقال فى التأويلات النجمية هو الاخلاص فى قول لا اله الا الله والعمل به ، وقال فى حقائق البقلى هو الذكر والامر بالمعروف او نصيحة المسلمين او دعاء المؤمنين وارشاد السالكين ، قال اكاشفى [ حضرت الهى در كشف الاسرار فردموده كه كلام باكيزه آنست كه ازدعوى باك باشد وازعجب دوروبنياز نزديك . سهل تسترى رحمه الله فرموده كه درين كلام نظر كردم هيج راه بحق نزديكنر ازنياز تديدم وهيج عجائب صعبتر ازدعوى نايفتم
ايمن آباديست اين راه نياز ... ترك نازش كيروبا اين ره بساز
روبترك دعوى دوعت بكو ... راه حق ازكبرو از نخوت مجو
{ وهدوا الى صراط الحميد } اى المحمود نفسه او عاقبته وهو الجنة اخر بيان الهداية لرعاية الفواصل ، وقال الكاشفى [ وراه يافته شده اند اهل ايمان براه خداوند ستودنكه دين اسلامست ] اى فيكون المعنى دين الله المحمود فى افعاله .
وفى التأويلات النجمية هو الطريق الى الله فان الحميد هو الله تعالى ، واعلم ان علامة الاهتداء الى الطريق القويم السلوك بقدم العمل الصالح وهو ما كان خالصا لله تعالى ومجرد الايمان وان كان يمنع المؤمن من الخلود فى النار ويدخله الجنة لكن العمل يزيد نور الايمان وبه يتنور قلب المؤمن ، قال موسى عليه السلام يارب اى عبادك اعجز قال الذى يطلب الجنة لا عمل والرزق بلا دعاء قال وأى عبادك ابخل قال الذى سأله سائل وهو يقدر على اطعامه ولم يطعمه وكان رجل بيثرب جمع قوما من ندمائه ودفع الى غلام له اربعة دراهم وامره ان يشترى شيأ من الفواكه للمجلس فمر الغلام بباب مسجد منصور بن عمار وهو يسأل الفقير شيأ ويقول من دفع اليه اربعة دراهم دعوت له اربع دعوات فدفع لغلام الدراهم فقال منصور ما الذى تريد ان ادعولك فقال لى سيد اريد ان اتخلص منه فدعاه منصور ثم قال والآخران يخلف الله على دارهمى فدعاه ثم قبل والآخر فقال ان يتوب الله على سدى فدعاه ثم قال والآخر فقال ان يغفر الله لى ولسيدى ولك وللقوم فدعاه منصور فرجع الغلام الى سيده فقال لم ابطأت فقص عليه القصة فقال وبم دعا فقال سألت لنفسى العتق فقال اذهب فانت حر ثم قال وأى شىء الثانى فقال ان يخلف الله علىّ الدراهم فقال لك اربعة آلاف درهم ثم قال وأى شىء الثالث فقال ان يتوب الله عليك فقال تبت الى الله ثم قال وأى شيء الرابع فقال ان يغفر الله لى ولك وللمذكور وللقوم فقال هذا الواحد ليس الىّ فقد غفرت لك في المنام كأن قائلا يقول له انت فعلت ما كان اليك أترى انى لا افعل ما الىّ فلما بات رأى فى المنام كأن قائلا يقول له انت فعلت ما كان اليك أترى أنى لا افعل ما الىّ فقد غفرت لك وللغلام ولمنصور وللقوم الحاضرين ففى الحكاية فوائد لا تخفى نسأل الله المغفرة والعاقبة المحمودة(8/389)
توجا كر در سلطان عشق شوجواياز ... كه هست عاقبت كار علشقان محمود(8/390)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)
{ ان الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله } اي يمنعون الناس عن طاعة الله والدخول فى دينه ولمراد بيصغة المضارع الاستمرار لا الحال والاستقبال كأنه قيل ان الذين كفروا ومن شأنهم الصد عن سبيل الله ومثله قوله تعالى { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله } { والمسجد الحرام } عطف على سبيل الله والمراد به مكة او يمنعون المؤمنين عن طواف ، قال الكاشفى [ بقول اشهر روز حديبيه است كه حضرت بيغمبر عليه السلام واصحاب اورا ازطواف خانة ومسجد بازداشتند ] { الذى جعلناه } صيرناه حال كونه معبدا { للناس } كائنا من كان من غير فرق بين مكى وآفاقى { سواء العاكف فيه والباد } مفعول ثان لجعلنا والعاكف مرتفع به على الفاعلية يقال للمقيم بالبادية باد والبادية كل مكان يبدو ما يعن فيه وبالعكس فى شىء من ساعاة الليل والنهار : وبالفارسية [ يكسانست مقيم درو وآينده يعنى غريب وشهرى درقضاى مناسك وادارى مراسم تعظيم خانه مساوى اند ] ، وفائدة وصف المسجد الحرام بذلك زيادة تشنيع الصادين عنه وخبران محذوف اى معذبون كما يدل عليه آخر الآية { ومن } [ وهركه ] { يرد } مراداما { فيه } [ درحرم ] { بالحلم بظلم } حالان مترادفان اى حال كونه مائلا عن القصد ظالما وحقيقته ملتبسا بظلم فالباء للملابسة والالحاد الميل ، قال الراغب الحد فلان مال عن الحق والالحاد ضربان الحاد غلى الشرك بالله والحاد الى الشرك بالاسباب فالاول ينافى الايمان ويبطله والثاني يوهن عراه ولا يبطله ومن هذا النحو الآية { نذقه من عذاب اليم } جواب من يعنى يجب على من كان فيه ان يعدل في جميع ما يريده والمراد بالالحاد والظلم صيد حمامه وقطع شجره ودخوله غير محرم وجميع المعاصي حتى قيل شتم الخادم لان السيآت تضاعف بمكة كما تضاعف الحسنات : يعنى [ جون مكة محترمه مخصوصيت بتضاعف حسنات جونمازى درو باجندين نماز در غير أو برابراست بس جزاى مساوى نيزدروكلى ترست ازسائر مواضع ] ، ولحرمة المسجد الحرام ومسجد الرسول والمسجد الاقصى قال الفقهاء لونذر ان يصلى فى احد هذه الثلاثة تعين بخلاف سائر المساجد فان من نذران يصلى فى احدها له ان يصلى فى آخر ، قال حضرة الشيخ الاكر قدس سره الاطهر اعلم ان الله تعالى قد عفا عن جميع الخواطر التى لا تستقر عندنا الا بمكة لان الشرع قد ورد ان الله يؤاخذ فيه من يريد فيه بالحاد وبظلم وهذا كان سبب سكنى عبد الله بن عباس رضى الله عنهما بالطائف احتياطا لنفسه لانه ليس فى قدرة الانسان ان يفدع عن قلبه الخواطر انتهى .
وفى الآية اشارات ، منها ان من ح ال النفوس المتمردة والارواح المرتدة مع انكارهم واعراضهم عن الحق يصدون الطالبين عن طريق الله بالانكار والاعتراضات الفاسدة على المشايخ ويقطعون الطريق على اهل الطلب ليردوهم عن طلب الحق وعن دخول مسجد حرم القلب فانه حرم الله تعالى : قال الحافظ(8/391)
در راه عشق وسوسة اهرمن بسيست ... هش دارو كوش دل به بيام سروش كن
وفي المثنوى
بس عدو جان صرافست قلب ... دشمن درويش كه بوذ غير كلب
مغزوا خالى كن از انكار يار ... تاكه ريحان يابد از كلزار يار
ومنها انه يستوى فى الوصول الى مقام القلب الذى سبق اليه بمدة طويلة والذى يصل اليه في الحال ليس لاحد فضل على الآخر الا بالسيف الى مقامات القلب ، قال فى الحقائق المقيم بقلبه هناك من اول عمره الى اخره والطارىء لحظة من المكاشفين والمشاهدين ينكشف له ما انكشف للمقيمين لانه وهاب كريم يعطى للتائب من المعاصى ما يعطى المطيع المقيم فى طاعته طول عمره : قال الحافظ
فيض روح القدس ار باز مدد فرمايد ... دكران هم بكنند آنجه مسيحا ميكرد
وقد قال بعضهم امسيت كرديا واصبحت عربيا ، ومنها ان من اراد في القلب ميلانالى غير الحق يذيقه الله عذاب اليم البعد والقطيعة عن الحضرة فالقلب معدن محبة الله ووضع محبة غيره فيه ظلم : قال الشيخ سعدى قدس سره
دلم خانه مهريارست وبس ... ازان مى نكنجد دروكين كس
وقال الخجندى
بادوست كزين كمال ياجان ... يك خانه دوميهمان نكنج
فلا يسع القلب غير محبة الله تعالة وعشقه وتوجهه(8/392)
وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)
{ واذ بوأنا لابراهيم مكان البيت } يقال برأه منزلا اى انزله فيه . والمعنى اذكر وقت جعلنا مكان البيت اى الكعبة مباءة له عليه السلام اى مرجعا يرجع اليه للعامرة والعبادة ، وفى الجلالين بينا له ان يبنى روى ان الكعبة الكريمة بنيت خمس مرات ، احداها بناء الملائكة اياها قبل آدم وكانت من ياقوتة حمراء ثم رفعت الى السماء ايام الطوفان ، والثانية بناء ابراهيم روى ان الله تعالى لما امر ابراهيم ببناء البيت لم يدر اين يبنى فاعلمه الله مكانه بريح ارسلها يقال لها الحجوج كنست ما حوله فبناه على القديم ، وقال الكلبي بعث الله سحابة على قدر البيت فقامت بحيال البيت وفيها رأس يتكلم يا ابراهيم ابن على قدرى فبنى عليه ، والمرة الثالثة بناء قريش فى الجاهلية وقد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا البناء وكان يومئذ رجلا شابا فلما ارادوا ان يرفعوا الحجر الاسود اختصموا فيه فاراد كل قبيلة ان تتولى رفعه ثم توافقوا على ان يحكم بينهم اول رجل يخرج من هذه السكة فكان عليه السلام او من خرج فقضى بينهم ان يجعلوه فى مرط ثم يرفعه جميع القبائل كلهم فرفعوه ثم ارتقى هو عليه السلام فرفعوه اليه فوضعه في مكانه وكانوا يدعونه الامين قيل كان بناء الكعبة قبل المبعث بخمس عشرة سنةن والمرة الرابعة بناء عبدالله بن الزبير رضى الله عنه ، والخامسة بناء الحجاج وهو البناء الموجود اليوم كان البيت فى الوضع القديم مثلث الشكل اشارة الى قلوب الانبياء عليهم السلام اذ ليس لنبى الا خاطر الهى وملكى ونفسى ثم كان فى الوضع الحادث على اربعة اركان اشارة الى قلوب المؤمنين بزيادة الخاطر الشيطانى ذكر المحدث الكازورنى فى مناسكه ان هذا البيت خامس خمسة عشر سبعة منها فى السماء الى العرش وسبعة منها الى تخوم الارض السفلى لكل بيت منها حرم كحرم هذا البيت لو سقط منها بيت لسقط بعضها على بعض الى تخوم الارض السابعة ولكل بيت من اهل السماء والارض من يعمره كما يعمر هذه البيت وافضل الكل الكعبة المكرمة
روبحرم نه كه دران خوش حريم ... هست سيه بوش نكارى مقيم
صحن حرم روضه خلد برين ... اوبجنان ضحن مربع تشين
قلبه خوبان عرب روى او ... سجده شوخان عجم سوى او
كعبه بودنو كل مثكين من ... تازه ازو باغ دل ودين من
{ ان لاتشرك بى شيئا } مفسرة لبوأنا من حيث انه متضمن لمعنى تعبدنا اذ التوبة لا تقصد الام من اجل العبادة فكأنه قيل واذ تعبدنا ابراهيم قلنا له لا تشرك بى شيأ [ آنكه شرك ميار وانباز مكير بمن جيزى راكه من ازشرك منزه ومقدسم ] { وطهر بيتى } من الاوثان والاقذار ان تطرح حوله اضافه الى نفسه لانه منور بانوار آياته { للطائفين } لمن يطوف به { والقائمن والركع السجود } جمع راكع وساجد اى ويصلى فيه ولعل التعبير عن الصلاة باركانها وهى القيام والركوع والسجود للدلالة على ان كل واحد منها مستقل باقتضاء ذلك فكيف وقد اجتمعت ، وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان المراد بالقائمين المقيمون بالبيت فيكون المراد بالطائفين من يطوف به وآفاقى غير مقيم هناك ، قال الكاشفى [ اين بزبان اهل علمست واما بلسان اشارت ميفروما يدكه دل خودراكه دار الملك كبرياى منست ازهمه جيزاباك كن وغيرى را بروراه مده كه او بيمانه اشراب محبت ماست « القلوب اوانى الله فى الارض فاحب اواني الى اصفاها » حى آمد بداود عليه السلام كه براى من خائه باك سازكه نظر عظمت من بوى فرود آيد داود عليه السلام كفت « واى بيت يسعك » كدام خانه است كه عظمت وجلال ترا شايد فرمودكه آن دل بنده مؤمن است داود عليه السلام فرمودكه اوراجه كونه باك دارم كفت آتش عشق دورى زن تاهرجه غير ماست همه رابسوزد(8/393)
خوش آن آتش كه دردل برفروند ... بجز حق هرجه بيش آيد بسوزد
قال سهل رحمه الله كما يطهر البيت من الاصنام والاوثان يطهر القلب من الشرك والريب والغل والغش والقسوة والحسد : قال الشيخ المغربى رحمه الله
كل توحيد نرويد ززمينى كه درو ... خرشرك وحسد وكبر وريا وكينست
مسكن دوست زجان ميطلبيدم كفتا ... مسكن دوست اكرهست دل مسكين است
وفى التأويلات النجمية كن حارسا للقلب لئلا يسكن فيه غيرى وفرغ القلب من الاشياء سواى ويقال { وطهر بيتى } اى باخراج كل نصيب لك فى الدنيا والآخرة من تطلع اكرام وتطلب انعام او رادة مقام ويقال طهر قلبك { للطائفين } فيه من واردات الحق وموارد الاحوال على ما يختاره الحق { والقائمين } وهى الاشياء المقيمة من مستوطنات العرفان والامور المغنية عن البرهان وتطلعه بما هى حقيقة البيان { والركع السجود } وهى اركان الاحوال المتوالية من الرغبة والرهبة والرجاء والمخافة والقبض والبسط والانس والهيبة وفى معناها انشدوا
لست من جملة المحبين ان لم ... اجعل القلب بيته والمقاما
وطوافى اجالة السر فيه ... وهو كنى اذا اردت استلام(8/394)
وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)
{ واذن فى الناس } التأذين النداء الى الصلاة كما فى القاموس والمؤذن كل من يعلم بشىء نداء كما فى المفردات والمعنى ناد فيهم يا ابراهيم { بالحج } بدعوة الحج والامر به : وبالفارسية [ وندا درده اى ابراهيم درميسان مردمان وبخوان ايشانرا بحج خانه خداى ] ، روى ان ابراهيم عليه السلام لما فرغ من بناء البيت قال الله تعالى له اذن فى الناس بالحج قال يا رب وما يبلغ صوتى قال تعالى عليك الاذان وعلى البلاغ فصعد ابراهيم الصفا وفى رواية اباقبيس وفى اخرى على المقام فارتفع المقام حتى صار كطول الجبال فادخل اصبعيه فى اذنيه واقبل بوجهه يمينا وشمالا وشرقا وغربا وقال ايها الناس ألا ان ربكم قد بنى بيتا وكتب عليكم الحج الى بيت العتيق فاجيبوا ربكم وحجوا بيته الحرام ليثيبكم به الجنة ويجيركم من النار فسمعه اهل مابين السماء والارض فما بقى شىء سمع صوته الا اقبل يقول لبيك اللهم لبيك فاول من اجاب اهل اليمن فهم اكثر الناس حجا ومن ثمة جاء فى الحديث « لايمان يمان » ويفكى شرفا لليمن ظهور اويس القرنى منه واليه الاشارة بقوله عليه السلام « انى لاجد نفس الرحمن من قبل اليمن » ، قال مجاهد من اجاب مرة حج مرة ومن اجاب مرتين او اكثر يحج مرتين او اكثر بذلك المقدار ، قال فى اسئلة الحكم فاجابوه من ظهور الآباء وبطون الامهات فى عالم الارواح
اذن فى الناس نداييست عام ... توكه بخواب آمده بين الانام
دعوى خاصى كنى وامتياز ... خاص نباشد همه كس جوز اياز
بهرهمين شد دل خاصان دونيم ... حالت لبيك زاميد وبيم
وفي الخصائص الصغرى وافترض على الانبياء والرسل وهو الوضوء والغسل من الجنابة والحج والجهاد وما وجب فى حق ن بى وجب فى حق امته الا ان يقوم الدليل الصحيح على الخصوصية { يأتوك } جواب للامر والخطاب لابراهيم فان من اتى الكعبة فكأنه قد اتى ابراهيم لانه مجيب نداءه { رجالا } حال اى مشاة على ارجلهم جمع راجل كقيام جمع قائم ، قال الراغب اشتق من الرجل رجل وراجل للماشى بالرجل { وعلى كال ضامر } عطف على رجالا اى وركبانا على كل بعير ضامر اى مهزول اتعبه بعد السفر فهزل ، قال الراغب الضامر من الفرس الخفيف اللحم من الاصل لا من الهزال { يأتين } صفة لضامر لان المعنى على ضوامر من جماعة الابل { من كل فج } طريق واسع ، قال الراغب الفج طريق يكتنفها جبلان { عميق } بعيد واصل العمق البعد سفلا يقال بئر عميق اذا كانت بعيدة القعر روى عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(8/395)
« للحاج الراكب بكل خطوة تخطوها راحلته سبعون حجة وللحاج الماشى بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة من حسنات الحرم » قال قيل وما حسنات الحرم قال « الحسنة بمائة الف » قال مجاهد حج ابراهيم واسماعيل عليهما السلام ماشيين وكانا اذا قربا من الحرم خلعا نعالهما هذا اذا لم يتغير خلقه بالمشى ولا فالركوب افضل ولما انفرد الرهبانيون فى الملل السالفة بالسياحة والسفر الى البلاد والبواد سئل رسول الله صلى الله عليه سلم عن ذلك فقال « ابدل الله بها الحج » فانعم بالحج على امته بان جعل الحج وسفره رهبانية لهم وسياحة وفى الخبر « ان الله ينظر الى الكعبة كل سنة فى نصف شعبان فعند ذلك تحن اليها القلوب » فلا يحن عند التجلى الا القلب المسارع لاجابة ابراهيم فما حن قلب لتلك الاجابة الا القلب المسارع لدعوة الحق فى قوله { ألست بربكم قالوا بلى } قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر اخبرنى بعض المسافرين عن رجل من اهل الثروة فى الدنيا لم يحدث نفسه بالحج قط فجرى له امر كان سببا لان قيد بالحديد وجي به الى الامير صاحب مكة ليقتله لامر بلغه عنه والذى وشى به عند الامير حاضر فاتفق ان كان وصوله يوم عرفة والامير بعرفة فاحضره بين يديه وهو مغلول العنق بالحديد فاستدعى الامير الواشى وقال له هذا صاحبنا فنظر الى الرجل فقال لا ايها الامير فاعتذر اليه الامير وازيل عنه الحديد واغتسل واهل بالحج ولى من عرفة ورجع معفوا مغفورا بالظاهر والباطن فانظر العناية الالهية ما تفعل بالعبد فمن الناس من يقاد الى الجنة بالسلاسل وهو من اسرار الاجابة والابراهيمية : وفى فتوح الحرمين
هركه رسيده بوجود ازعدم ... در ره اوساخته از سرقدم
هيج نبى هيج ولى هم نبود ... كونبرد در ره اميدسود
جملة خلائق زعرب تاعجم ... باديه بيما بهواى حرم(8/396)
لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)
{ ليشهدوا } متعلق بيأتوك اى ليحضروا { منافع } كامنه { لهم } من المنافع الدينية والدنيوية وهى العفو والمغفرة والتجارة فى ايام الحج فتكبرها لان المراد بها نوع من المنافع مخصوص بهذه العبادة لا يوجد فى غيرها من العباداتن وعن ابى حنيفة رحمه الله انه كان يفاضل بين العبادات قبل ان يحج فلما حج فضل الحج على العبادات كلها لما شاهد من تلك الخصائص { ويذكروا اسم الله } عند اعداد الهدايا والضحايا وذبحها ، قال الكاشفى [ مراد قربانيست كه بنام خداى كنند كفار بنام بت ميكردند ] وفى جعله غاية للاتيان ايذان باه الغاية القصوى دون غيره { فى ايام معلومات } هى ايام النحر كما ينبى عنه قوله تعالى { على مارزقهم من بهيمة الانعام } فان المراد بالذكر . ما وقع عند الذبح علق الفعل بالمرزوق وبينه بالبهيمة تحريضا على التقرب وتنبيها على مقتضى الذكر والبهيمة واسم لكل ذات اربع فى البحر والبرفبينت بالانعام وهى الابل والبقر والضأن والمعز لان الهدى والذبيحة لا يكونان من غيرها ، قال الراغب البهيمة ما لانطق له وذلك لما فى صوته من الابهام لكن خص فى التعارف بما عدا السباع والطير . والانعام جمع نعم وهو مختص بالابل وتسميته بذلك لكون الابل عندهم اعظم نعمة لكن الانعام يقال للابل والبقر والغنم ولا يقال لها انعام حتى يكون فى جملتها الابل { فكلوا منها } التفات الى الخطاب والفاء فيصحة عاطفة لمدخولها على مقدر اى فاذكر اسم الله على ضحاياكم فكلوا من لحومها والامر للاباحة كان اهل الجاهلية لا يأكلون من نسائكهم فاعلم الله ان ذلك جائز ان شاء اكل وان شاء لم يأكل { واطعموا البائس } هذا الامر للوجوب والبائس الذى اصابه بؤس وشدة وبالفارسية [ در مانده ومخت كشيده ] { الفقير } المحتاج ، قال الكاشفى [ محتاج تنكدست را ] فالبائس الشديد الفقر والفقير المحتاج الذى اضعفه الاعسار ليس له عنى او البائس الذى ظهر بؤسه فى ثبابه وفى وجهه والفقير الذى لا يكون كذلك بان تكون ثبابه نقية ووجهه وجه غنى ، وفى مختصر الكرخى اوصى بثلث ماله للبائس الفقير والمسكين قال فهو يقسم لاى ثلاثة اجزاء جزء للبائس وهو الذى به الزمانة اذا كان محتاجا والفقير المحتاج الذى لا يعرف بالابواب والمسكين الذى يسأل ويطوف عون ابى يوصف الى جزءين الفقير المسكين واحد واتفق العلماء على ان الهدى ان كان تطوعا كان للمهدى ان يأكل منه وكذا اضحية التطوع لما روى انه عليه السلام ساق فى حجة الوداع مائة بدنة فنحر منها ثلاثا وستين بدنة بنفسه اشارة الى مدة عمره ونحر على رضى الله عنه ما بقى ثم امر عليه السلام ان يؤخذ بضعة من لك بدنة فتجعل فى قدر ففعل ذلك فطبخ فاكلا من لحمها وحسيا مرقها وكان هدى تطوع ، واختلفوا فى الهدى الواجب هل يجوز للمهدى ان يأكل منه شيأ مثل دم التمتع والقران والنذور والكفارات والدماء الواقعة جبرا للنقصان والتى وجبت باصياد لحج وفواته وجزاء الصيد فذهب قوم الى انه لايجوز للمهدى ان يأكل شيأ منها ومنهم الشافعى رحمه الله وذهب الائمة الحنفية الى انه يأكل من دم التمتع والقران لكونهما دم الشكر لا دم الجناية ولا يأكل من واجب سواها وكذا لا يأكل اولاده واهله وعبيده واماؤه وكذا الاغنياء اذ الصدقة الواجبة حق للفقراء ، وفى الآية اشارة الى انه يلزم على الاغنياء ان يشاركوا الفقراء فى المآكل والمشارب فلا يطعموهم الا مما يأكلون ولا يجعلوا لله ما يكرهون ، قال ابن عطاء البائس الذى تأنف من مجالسته ومواكلته والفقير من تعلم حاجته الى طعامك ولم يسأل(8/397)
ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)
{ ثم ليقضوا تفثهم } عطف على يذكروا اى ليزبلوا وسخهم بخالق الرأس وقص الشارب والاظفار ونتف الابط ولاستحداد عند الاحلال اى الخروج من الاحرام فالتفث الوسخ يقال للرجل ما أتفثك وما ادرنك اى وما اوسخك وكل ما يستقذر من الشعث وطول الظفر ونحوهما تفث ، قال الراغب اصل التفث سخ الظفر وغير ذلك مما شأنه ان يزال عن البدن والقضاء فصل الامر قولا كان ذلك او فعلا وكل واحد منها على وجهين الهى وبشرى والآية من قبيل البشرى كما فى قوله تعالى { ثم اقضوا الىّ ولا تنظرون } اى افرغوا من امركم وقول الشاعر
قضيت امرا ثم غادرت بعدها ... يحتمل القضاء بالقول والفعل جميعا كما فى المفردات { وليوفوا نذورهم } يقال وفى بعهده واوفى اذا تمم العهد ولم ينقض حفظه كما دل عليه الغدر وهو الترك والنذر ان توجب على نفسك ما ليس بواجب والمراد بالنذور ما نذروه من اعمال البر فى ايام الحج فان الرجل اذا حج واعتمر فقد يوجب على نفسه من الهدى وغيره ما لولا ايجابه لم يكن الحج يقتضيه وان كان على الرجل نذور مطلقة فالافضل ان يتصدق بها على اهل مكة { وليطوفوا } طواف الركن الذى به يتم التحلل فاه قرينة قضاء التفث { بالبيت العتيق } اى القديم فاه اول بيت وضع للناس او المعتق من تسلط الجبابرة فكم من جبار سار اليه ليهدمه فعصمه الله واما الحجاج الثقفى فنام قصد اخراج ابن الزبير رضى الله عنه لا التسلط عليه ولما قصد التسلط عليه ابرهه فعل به ما فعل ، اعلم ان طواف الحجاج ثلاثة . الاول طواف القدوم وهو ان من قدم مكة يطوف بالبيت سبعا يرمل ثلاثا من الحجر الاسوج الى ان ينتهى اليه ويمشى اربعا وهذا الطواف سنة لاشىء بتركه . والثانى طواف الافاضة يوم النحر بعد الرمى والحلق ويسمى ايضا طوافق الزيارة وهو ركن لا يحصل التحلل من الاحرام ما لم لأت به والثالث طواف الوطاع لا رخصه لمن اراد مفارقة مكة الى مسافة القصر فى ان يفارقها حتى يطوف بالبيت سبعا فمن تركه فعليه دم الا المرأة الحائضة فانه يجوز لها ترك طواف الوداع ثم ان الرمل يختص بطواف القدوم ولا رمل فى طواف الافاضة والوداع
اى كه درين كوى قدم مى نهى ... روى توجه بحرم مى نهى
باى باندازه درين كوى نه ... باى كر سوده شود روى نه
جرخ زنان طوف كنان برحضور ... توشده بروانه واوشمع نور
عادت براوبة ندانى مكر ... جرخ زند اول وسوزد دكر
قال الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر فى الفتوحات المكية لما نسب الله العرش فى السماء الى نفسه وجعله حل استواء للرحمن فقال { الرحن على العرش استوى }(8/398)
وجعل الملائكة حافين به بنزلة الحراس الذين يدورون بدار الملك والملازمين له لتنفيذ امره كذلك جعل الله بيته فى الارض ونصبه للطائفين على ذلك الاسلوب وتميز البيت على العرش بامر جلى وسر الهى ما هو فى العرش وهي يمين الله فى الارض لتبايعه فى كل شوط مبايعة رضوان فالحجر يمين الله يبايع به عباده بلا شك ولكن على الوجه الذى يعلمه سبحانه من ذلك فصح السنب بالتقديس ومن هنا يعرف ان مافى الوجود الا الله سبحانه وتعالى وتقدس
كعبه كرو درهمه دلها ره است ... جزوى از اعضاى يمين الله است
قال بعض لكبار وضع الله بيته فى الارض قبل آدم وذريته وآجال الطائفين حوله ابتلاء وامتحانا ليحتجبوا بالبيت عن صاحب البيت يعنى حجبهم بالوسائط عن مشاهدة جماله غيرة على نفسه من ان يرى احد اليه سبيلا حكى ان عارفا من اولياء الله تعالى قصد الحج وكان له ابن فقال ابنه الى اين تقصد فقال الى بيت الله فظن الغلام ان من يرى البيت يرى رب البيت فقال يا بى لم لا تحملنى معك فقال انت لا تصلح لذلك فبكى الغلام فحمله معه فلما بلغا الى الميقات احرما ولبيا ودخلا الحرم فلما شوهد البيت تحير الغلام عند رؤيته فخر ميتا فدهش والده وقال اين ولدى وقطعة كبدى فنودى من زواية البيت انت طلبت البيت فوجدته وهو طلب رب البيت فوجد رب اليت فرفع الغلام من بينهم فهتف هاتف انه ليس فى القر ولا فى الارض ولافى الجنة بل هو فى مقعد صدق عند مليك مقتدر : وفى المثنوى
خوش بكش اين كاروانرا تابحج ... اى امير الصبر مفتاح الفرج
حج زيارت كردن خانه بود ... حج رب البيت مردانه بود
فمن اعرض عن الجهة وتوجه الى الوجه الاحدى صار الحف قبله له فيكون هو قبله الجميع كآدم عليه السلام كان قبلة الملائكة لانه وسيلة الحق بينه وبين ملائكته لما عليه نم كسوة جماله وجلاله كما قال عليه السلام « خلق الله آدم على صورته » يعنى القى عله حسن صفاته ونو مشاهدته ، قال بعض العارفين لما كانت البيت المحرم سر لباس شمس الذات الاحدية وحد الحق سبحانه القصد اليه فقال { ولله على الناس حج البيت } فجاء بلفظ البيت لما فيه من اشتقاق المبيت والمبيت لا يكون الا فى الليل والليل محل التجلى للعباد فانه فيه نزول الحق كما يليق وهو مظهر الغيب وهو محل التجلى ولباس الشمس كذلك البيت الحرام مظهر حضر الغيب الالهى وسر التجلى الوحدانى وسر منبع رحمة الرحمانية لأن الحق اذا تجلى لاهل الارض بصفة الرحمة ينزل الرحمة اولا على البيت ثم تقسم منه فالبيت سر وحدانية ا لحق فجعل الحق حجة واحدة لا يتكرر وجوبه كتكرر سائر العبادات لاجل مضاهاته بحضرة الاحدية وفضل البيت على سائر البويت كفضله سبحانه على خلقه والفضل كله لله تعالى فانوار جميع البيوت وفضائلها مقتبسة من نوره كما وردت الاشارة ان الارض مدت من البيت وهو حقيقة الحقائق الكونية الشهادية فلذلك سميت مكة بام القرى شرفها الله تعالى وتقدس .(8/399)
وفى التأويلات النجمية { واذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا } اى وناد فى الناسين من النفس وصفاتها والقالب وجوارحه بزيارة القلب للاتصاف بصفاته والدخول فى مقاماته يأتوك مشاة وهى النفس وصفاتها { وعلى كل ضامر } وهو القالب وجوارحه يعنى يقصدون القلب بالاعمال الشرعية البدنية فانهم كالركبان لأن الاعمال البدنية مركبة بحركات الجوارح ونيات الضمير كما ان اعمال النفس مفردة لانها نيات الضمير فحسب { يأتين من كل فج عميق } وهو سفل الدنيا لأن القالب من الدنيا واكثر استعماله فى مصالح الدنيا بالجوارح والاعضاء فردها الى استعمالها فى مصالح لقلب اتيانها من كل فج عميق { ليشهدوا منافع لهم } اى ليحضروا وينتفعوا بالمنافع التى هى مستكنة فى القلب فاما النفس وصفاتها فمنافعها بتبديل الاخلاق واما القالب وجوارحه فمنافعهم قبول طاعاتهم وظهو آثارها على سيماهم ويذكروا اسم الله اى القلب والنفس والقالب شكرا على ما رزقهم من بهيمة الانعام بان جعل الصفات البهيمية الحيوانية مبدلة بالصفات القلبية الروحانية الربانية وبقوله { فكلوا منها واطعموا البائس الفقير } يشير الى ان انتفعوا من هذه المقامات والكرامات واطعموا بمنافعها الطالب المحتاج والقاصد الى الله بالخدمة والهداية والارشاد ثم ليقضوا الطلاب تفثهم وهو ما يجب عليهم من شرائط الارادة وصدق الطلب { وليوفوا نذورهم } فما عاهدوا الله على التوجه ا ليه وصدق الطلب والارادة { وليطوفوا بالبيت العتيق } اى يطوفوا حول الله بقلبهم وسرهم ولا يطوفوا حول ما سواه واراد بالعتيق القديم هو من صفات الله تعالى .(8/400)
ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)
{ ذلك } اى الامر والشان ذلك الذي ذكر من قوله { واذ بوأنا } الى قوله { بالبيت العتيق } فان هذه الآية مشتملة على الاحكام المأور بها والمنهى عنها وهذا وامثاله يطلق للفصل بين الكلامين اوبين وجهى كلام واحد { ومن } [ وهركه ] { يعظم حرمات الله } جمع حرمة وهى ما لا يحل هتكه وهو خرق ا لستر عما وراءه اى احكامه وفرائضه وسننه وسائر مالا يحل هتكه كالكعبة الحرام والمسجد الحرام والبلد الحرام والشهر الحرام بالعلم بوجوب مراعاتها والعمل بموجبه { فهو خير له } اى فالتعظيم خير له ثوابا { عند ربه } اى فى الآخرة ، قال ابن الشيخ عند ربه يدل على الثواب المدخر لانه بطاعة ربه فيما حصل من الخيرات ، وفى الآية اشارة الى ان تعظيم حرمات الله هو تعظيم الله فى ترك ما حرمه عليه وتعظيم ترك ا أمره الله به يقال بالطاعة يصل العبد الى الجنة وبالحرممة يصل الى الله ولهذا قال { فهو خير له عند ربه } يعنى تعظيم الحرمة خير للعبد فى التقرب الى الله من تقربه بالطاعة ويقال ترك الخدمة يوجب العقوبة وترك الحرمة يوجب الفرقة ويقال كل شىء من المخالفات فللعفو فيه مساغ وللامل فيه طريق وترك الحرمة على خطر ان لا يغفر ذلك وذلك بان يؤدى شؤمه لصاحبه الى ان يختل دينه وتوحيده { واحلت } جعلت حلالا وهو من حل العقدة { لكم } لمنافعكم { الانعام } وهى الازواج الثمانية على الاطلاق من الضأن اثنين اى الذكر والانثى ومن المعز اثنين ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين فالخيل والبغال الحمير خارجة من الانعام { الا ما يتلى عليكم } آية تحريمه كما قال في سورة المائدة { حرمت عليكم الميتة والدم } الآية وهو استثناء متصل بناء على ان ما عبارة عما حرم منها العارض كالميتة وما اهل به لغير الله والجملة اعتراض جيء به تقريرا لما قبله من الامر بالاكل والاطعام ودفعا لما عسى يتوهم ان الاحرام يحرمها كما يحرم الصيد والمعنى ان الله تعالى قد احل لكم ان تأكلوا الانعام كلها الا ما استثناه كتابه فحافظوا على حدوده واياكم ان تحرموا مما احل الله شيأ كتحريم عبدة الاوثان البحيرة والسائبة ونحوهما وان تحلوا مما حرم حلالهم شيأ كاكل الموقوذة والميتة ونحوهما { فاجتنبوا الرجس من الاوثان } اى الرجس الذى هو الاوثان يعنى عبادتها كما يجتنب الانجاس والرجس الشىء القذر يقال رجل رجس ورجال ارجاس والرجس يكون على اربعة اوجه اما من حيث الطبع واما من جهة العقل واما من جهة الشريعة واما من كل ذلك كالميتة فانها تعاف طبعا وعقلا وشرعا والرجس من جهة الشرع الخمر والميسر والاوثان وهى جمع وثن وهو حجارة كانت تعبد كما فى المفردات ، وقال بعضهم الفرق بينه وبين الصنم ان الصنم هو الذي يؤلف من شجر او ذهب او فضة فى صورة الانسان والوثن هو الذى ليس كذلك ، قال فى الارشاد وقوله { فاجتنبوا } الخ مرتب على ما يفيده قوله تعالى { ومن يعظم حرمات الله } من وجوب مراعاتها والاجتناب عن هتكها ولما كان بيان حل انعام من دواعى التعاطى لامن مبادى الاجتناب عقبه بما يجب الاجتناب عنه من الحرمات ثم امر بالاجتناب عما هو اقصى الحرمات كأنه قيل ومن يعظم حرمات الله فهو خير له والانعام ليست من الحرمات فانها محللة لكم الا ما يتلى عليكم آية تحريمه فانه مما يجب الاجتناب عنه فاجتنبوا ما هو معظم الامور التى يجب الاجتناب عنها { واجتنبوا قول الزور } تعميم بعد تخصيص فان عبادة الاوثان التى هى رأس الزور والمشرك يزعم ان الوثن يحق له العبادة كأنه قيل فاجتنبوا عبادة الاوثان التى هي رأس الزور واجتنبوا قول الزول كله ولا تقربوا شيأ منه وكأنه لما حث على تعظيم الحرمات اتبع ذلك رد لما كانت الكفرة عليه من تحريم السوائب والبحائر ونحوهما والافتراء على الله تعالى بانه حكم بذلك : وبالفارسية [ واجتناب كنيد ازسخن دروغ مطلقا ] وقيل المراد به شهادة اتلزور لما روى انه عليه السلام قال(8/401)
« عدلت شهادة الزور الاشراك بالله تعالى ثلاثا » وتلا هذه الآية وكان عمر رضى الله عنه يجلد شاهد الزور اربعين جلدة ويسود وجهه بالفحم ويطوف به فى الاسواق والزور من الزور وهو الانحراف كلافك المأخوذ من الافك الذى هو القلب والصرف فان الكذب منخرف مصروف عن الواقع .
وفى التأويلات النجمية قول الزور كل قول باللسان مما لايساعده قول القب ومن عاهد الله بقلبه فى صدق الطلب ثم لا يفى بذلك فهو من جملة قول الزور
طريق صدق بياموز از آب صافى دل ... براستى طلب ازادكى جو سروجمن
وفا كنيم وملامت كشيم وخوش باشيم ... كه در طريقت ما كافريست وتجيدم(8/402)
حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)
{ حنفاء لله } حال من واو فاجتبنوا اى حال كونكم مائلين عن كل دين زائغ الى الدين الحق مخلصين له والحنف هو الميل عن الضلال الى الاستقامة والخيف هو المائل الى ذلك وتحنف فلان اى تحرى طريق الاستقامة { غير مشركين به } اى شيأ من الاشياء فيدخل فى ذلك الاوثان دخولا اوليا وهو حال اخرى من الواو { ومن } [ وهركه ] { يشرك بالله فاكأنما خر من السماء } ، قال الراغب معنى خر سقط سقوطا يسمع منه خرير وهو سوت الماء والريح وغير ذلك مما يسقط من علو { فتخطفه الطير } الخطف الاختلاس بالسرعة وصيغة المضارع لتصوير هذه الحالة الهائلة التى اجترأ عليها المشرك للسامعين ، قال الكاشفى [ وهركه شرك آرد بخداى تعالى بس همجنا نست كه كوييا درا فتاد ازآسمان برروى زمين وهلاك شد بس مىربايند اورا مرغان مردارخوار ازورى زمين واجزا واعضاى اورا متفرق ومتمزق ميسازند ] { أو تهوى به الريح } ايى تسقطه وتقذفه يقال هوى يهوى من باب ضرب هويا سقط من علو الى سفل واما هوى يهوى من باب علم هوى فمعناه احب { في مكان سحيق } اى بعيد فان السحق البعد وليس اسحاق العلم منه فانه عبرانى معناه الضحاك واو للتخيير كما فى قوله { أو كصيب من السماء } قال الكاشفى [ يابزير افكند اورا باد ازموضعى مرتفع درجانبى دوراز فريارد رس ودستكير اين كلمات ازتشبيهات مركبه است يعنى هركه ازواج ايمان بحضيض كفر افتد هواى نفس اورا بريشان سازد يابا وسوسة شيطان اورا در وادىء ضلالت افكند ونابود شود ملخص سخن آنكه هلاك مشر كانست ] فالهلاك فى الشرك كما ان النجاة فى الايمان ، وفى الصحيحين عن معاذ بن جبل رضى الله عنه انه عليه السلام قال له « هل تدرى ما حق الله » قال قلت الله ورسوله اعلم قال « فان حق الله على العباد ان يعبدوه ولا يشركوا به شيأ يا معاذ هل تدرى ما حق العباد على الله اذا فعلوا ذلك » قلت الله ورسوله اعلم قال « ان لا يعذبهم » فلا بد من تخصيص العبادة بالله والتخليص من شوب الشرك ليكون العبد على الملة الحنيفية وهى واحدة من لدن آدم الى يومنا هذا وهى ملازمة التوحيد واليقين ، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم اى الاعمال افضل قال « الايمان بالله ورسوله » قيل ثم ماذا قال « الجهاد فى سبيل الله » قيل ثم ماذا قال « حج مبرور » وفى الحديث « ان اخوف ما اخاف عليكم الشرك الاصغر » قالوا يا رسول الله وما الشرك الاصغر قال « الرياء »
مُرائي هر كسى معبود سازد ... مُرائي را زان كفتند مشرك
قال الحافظ
كوييا باورو ونمى دارند روز داورى ... كين همه قلب ودغل دركار دراورميكنند
فالشرك اقبح الزذائل كا ان التوحيد احسن الحسنات وفى الحديث « اذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة فانها بعشرة امثالها » فقال المخاطب يارسول الله قول لا اله الله من الحسنات قال « احسن الحسنات »(8/403)
ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)
وهو الاوفق لما بعده . والشعائر جمع شعيرة وهى العلامة من الاشعار وهو الاعلام والشعور العلم وسميت البدنة شعيرة من حيث انها تشعر بان تطعن فى سنامها من الجانب الايمن والايسر حتى يسيل الدم فيعلم انها هدى فلا يتعرض لها فهى من جملة معالم الحج بل من اظهرها واشهرها علامة وتعظيمها اعتقاد ان التقرب بها من اجل القربات وان يختارها حسانا سمانا غالية الاثمان روى انه عليه السلام اهدى مائة بدنة فيها جمل لابى جهل فى انفه برة من ذهب وان عمر اهدى نجيبة اى ناقة كريمة طلبت منه بثلاثمائة دينار
هركسى ازهمت اولاى خويش ... سود بردارد خور كالاى خويش
قال الجنيد من تعظيم شعائر الله التوكل والتفويض والتسليم فانها من شعائر الحق فى اسرار اوليائه فاذا عظمه وعظم حرمته زين الله ظاهره بفنون الآداب { فانها } أى فان تعظيمها ناشىء { من تقوى القلوب } وتخصيصها بالاضافة لانها مركز التقوى التى اذا ثبتت فيها وتمكنت ظهر اثرها فى سائر الاعضاء .(8/404)
لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)
{ لكم فيها } اى فى الهدايا المشعرة ليعرف انها هدى { منافع } هى درها ونسلها وصوفها وظهرها فان للمهدى ان ينتفع بهدية الى وقت النحر اذا احتاج اليه { الى اجل مسمى } هو وقت نحرها والتصدق بلحمها والاكل منه { ثم محلها الى البيت العتيق } المحل اسم زمان بتقدير المضاف من حل الدين اذا وجب اداؤه معطوف على قوله منافع والى البيت حال من ضمير فيها والعامل فى الحال الاستقرار الذى تعلق به كلمة فى . والمعنى ثم بعد تلك المنافع هذه المنفعة العظمى وهى وقت حلول نحرها ووجوبه حال كونها متهيئة الى البيت العتيق اى الى الحرام الذى هو في حكم البيت فاتن المراد به الحرم كله كا فى قوله تعالى { فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } اى الحرم كله فان البيت وما حوله نزهت عن اراقة دماء الهدايا وجعل منى منحرا ولا شك ان الفائدة التى هى اعظم المنافع الدينية فى الشعائر هى نحرها خالصة لله تعالى وجعل وقت وجوب نحرها فائدة عظيمة مبالغة فى ذلك فان وقت الفعل اذا كان فائدة جليلة فما ظنك بنفس الفعل والعتيق المتقدم فى الزمان والمكان والرتبة ، قال الكاشفى [ بس جان ذبح باجوب نحران منتهى شود بخانة كه آزادست ازغرق شدن بوقت طوفان ياخانة بزركوار ] روى ان ابراهيم عليه السلام وجد حجرا مكتوبا عليه اربعة اسطر . الاول « انى انا الله الا اله الا انا فاعبدنى » . والثاني « أنى انا الله لا اله الا انا محمد رسولى طوبى لمن آمن به واتبع » . والثالث « انى انا الله لا اله الا انا من اعتصم بى نجا » . والرابع « انى انا الله لا اله الا انا الحرم لى والكعبة بيتى من دخل بيتى امن من عذابى » وفى الحديث « ان الله تعالى ليدخل ثلاثة نفر بالحجة الواحدة الجنة الموصى بها والمنفذ لها والحاج عنه » ، وفى الاشباه ليس للمامور بالحج ولو لمرض الا اذا قال له الآمر اصنع ما شئت فله ذلك مطلقا والمأمور بالحج له ان يؤخره عن السنة الاولى ثم يحج ولا يضمن كا فى التاتارخانية ولو عين له هذه السنة لان ذكرها للاستعجال لا للتقييد واذا امر غيره بان يحج عنه ينبغى ان يفوض الامر الى المأمور فيقول حج عنى بهذا المال كيف شئت مفردا بالحج او العمرة او متمتعا او قارنا والباقى من المال لك وصية كيلا ضيق الامر على الحاج ولا يجب عليه ردما فضل الى الورثة ولو احج من لم يحج عن نفسه جاز والافضل ان يحج من قد حج عن نفسه كا فى الفتاوى المؤيدية ولا يسقط به الفرض عن المأمور وهو الحاج ك فى حواشى اخرى جلبى ولو احج امراة اوامة باذن السيد جاز لكنه اساء ولزوال عجز الآمر صار مادى المأمور تطوعا للآمر وعليه الحج كما فى الكاشفى ، وعن ابى يوسف ان زال العجز بعد فراغ المأمور عن الحج يقع عن الفرض وان زال قبله فعن النفل كا فى المحيط والحج النفل يصح بلا شرط ويكون ثواب النفقة للآمر بالاتفاق واما ثواب النفل فالمأمور يجعله للآمر وقد صح ذلك عند اهل السنة كالصلاة والصوم والصدقة كا فى الهداية وان مات الحاج المأمور فى طريق الحج يحج غيره وجوبا من منزل آمره الموصى او الوارث قياسا اذا اتحد مكانهما والمال واف فيه ان السفر هل يبطل بالموت اولا وهذا اذا لم يبين مكانا يحج منه بالاجماع كما فى المحيط .(8/405)
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)
{ ولكل امة } من الامم لا البعض منهم دون بعض فالتقديم للتخصيص { جعلنا منسكا } متعبدا وقربانا يتقربون به الى الهل تعالى والمراد به اراقة الدماء لوجه الله تعالى . والمعنى شرعنا لكل امة مؤمنة ان ينسكوا له تعالى يقال نسك ينسك نسكا ونسوكا ومنسكا بفتح السين اذا ذبح القربان { ليذكروا اسم الله } خاصة دون غيره ويجعلوا نسكهم لوجهه الكريم علل الجعل به تنبيها على ان المقصود الاصلى من المناسك تذكر المعبود { على ما رزقهم من بهيمة الانعام } عند ذبحها وفى تبيين البهيمة باضافتها الى الانعام تنبيه على ان القربان يجب ان يكون من الانعام واما البهائم التى ليست من الانعام كالخيل والبغال والحمير فلايجوز ذبحها فى القرابين .
وفى التأويلات النجمية ولكل سالك جعلنا طريقة ومقاما وقربة على اختلاف طبقاتهم فمنهم من يطلب الله من ط ريق المعاملات ومنهم من يطلبه من باب المجاهدات ومنهم من يطلبه به ليتمسك كل طائفة منهم فى الطلب بذكر الله على ما رزقهم من قهر النفس وكسر صفاتها البهيمية والانعامية فانهم لا يظفرون على اختلاف طبقاتهم بمنازلهم ومقاماتهم الا بقهر النفس وكسر صفاتها فيذكرون الله بالحمد والثناء على ما رزقهم من قهر النفس من العبور على المقامات والوصول الى الكمالات { فالهكم اله واحد } الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها من الجعل المذكور والخطاب للكل تغليبا اى فالهاكم اله منفرد يمتنع ان يشاركه شىء فى ذاته وصفاته والا لاختل النظام المشاهد فى العالم { فله اسلموا } اى فاذا كان الهكم اله واحد فجعلوا التقرب او الذكر سالما له اى خالصا لوجهه ولا تشوبوه بالاشراكك وبالفارسية [ بس مرورا كردن نهيد وقربانرا بشرك آميخته مسازيد ] .
وفى التأويلات النجمية والاسلام يكون بمعنى الاخلاص والاخلاص تصفية الاعمال من الآفات ثم تصفية الاخلاق من المكدورات ثم تصفية الاحوال من الالتفاتات ثم تصفية الانفاس من الاغيار { وبشر المخبتين } المتواضعين والمخلصين فان الخبثهو المطمئن من الارض وحقيقة المخبت من صار فى خبت الارض ولما كان الاخبات من لوازم التواضع والاخلاص صح ان يجعل كناية عنهما ، قال الكاشفى [ وبشارت ده اى محمد فروتنانرا بيزركى آن سرا ياترسكارانرا برحمت بى منتهى . سلمى قدس سره فرموده كه مثردة ده مشتاقانرا بسعادت لقاكه هيج مثرده ازين فرح آفزاى ترنيست بس درصفت مخبتين ميفراميد ](8/406)
الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35)
{ الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم } الوجل استشعار الخوف كما فى المفردات اى خافت مه تعالى لاشراق اشعة جلاله علهيا وطلوع انوار عظمته والوجل عند الذكر على حسب تجلى الحق للقلب
هركر انور تجلى شد فزون ... خشيت وخوفش بوداز حد برون
{ والصابرين على ما اصابهم } من المصائب والكلف ، قال فى بحر العلوم الذين صبروا على البلايا والمصائب من مفارقة اوطانهم وعشائرهم ومن تجرع الغصص والاحزان واحتمال المشاق والشدائد فى نصر الله وطاعته وازدياد الخير ومعنى الصبر الحبس يقال صبرت نفسى على كذا اى حبستها .
وفى التأويلات النجمية { والصابرين على ما اصابهم } اى خامدين تحت جريان الحكم من غير استكراه ولا تمنى خروجه ولا روم فرجه يستسلمون طوعا : قال الحافظ
اكر بلطف بخوانى مزيد الطافست ... وكر بقهر برانى درون ما صافست
وقال
بدرد وصاف ترا حكم نيست دم دركش ... كه هرجه ساقى ما كرد عين الطافست
وقال
عاشقاتراكر در آتش منيشاند قهر دوست ... تنك جشمم كرد نظر زجشمة كوثر كنم
وقال
آشنيان ره عشف أكرم خون بخورند ... ناكسم كر بشكايت سوى بيكانه روم
وقال
حافظ از جور توحاشا كه بنالد روزى ... كه ازان روز كه دربند تؤام دلشادم
وايضا الحافظين مع الله اسرارهم لا يطلبون السلوة باطلاع الخلق على احوالهم { والمقيمى الصلوة } فى اوقاتها اصله مقيمن والاضافة لفظية .
وفى التأويلات النجمية والمديمى النجوى مع الله كقوله { الذين هم على صلاتهم دائمون } قال شاعرهم
اذا ما تمنى الناس روحا وراحة ... تمنيت ان اشكو اليك وتسمع
{ ومما رزقناهم ينفقون } فى وجوه الخيرات قدم المفعول اشعارا بكونه اهم كأنه قيل ويخصون بعض المال الحلال بالتصدق به والمراد به اما الزكاة المفروضة لاقترانها بالصلاة المفروضة او مطلق ما ينفق فى سبيل الله لوروده مطلق اللفظ من غير قرينة الخصوص وفى الحديث « بدلاء امتى لا يدخلون الجنة بصيامهم وقيامهم ولكن دخلوها بسلامة الصدر وسخاء النفس والنصح للمسلمين » ، واعلم ان خدمة المولى بالمال وبالوجود سبب السعادة الدنيا والعقبى ، قال بعض الكبار ان الله لما اظهر الصنائع وعرضها على الخلق فى الازل اختار كل منهم صنيعة وقال طائفة ما اعجبنا شىء فاظهر الله لهم العبادة ومقامات الاولياء فقالوا قد اخترنا خدمتك فقال لاسخرنهم لكم ولاجعلنهم خداما لكم واشفعنكم فيمن خدمكم وعرفكم ، قال الشيخ ابو الحسن سمعت وصف ولى فى جبل فبت عند باب صومعته ليلة فسمعته يقول ا لهى ان بعض عبادك طلب منك تسخير الخلق فاعطيته مراده وانا اريد منك ان لا يحسنوا معاملتهم معى حتى لا التجىء الا الى حضرتك قال فلما اصبحت سألت عن ذلك فقال يا ولدى قال اللهم كن لى مكان قولك اللهم سخر لى فاذا كان الله لك فلا تحتاج الى شىء ابدا فلابد من الاجتهاد فى طريق الطلب والجد فى الدعاء الى حصول المطلب : قال المولى الجامى
بى طلب نتوان وصالت يافت آرى كى دهد ... دولت حج دست جزراه بيابان برده را(8/407)
وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)
{ والبدن } منصوب بمضمر يفسره ما بعده كقوله تعالى { والقمر قدرناه } جمع بدنة وهى الابل والبقر ممايجوز فى الهدى والاضاحى سميت بها لعظم بدنها ، قال فى بحر العلوم البدنة فى اللغة من الابل خاصة وتقع على الذكر والانثى واما فى الشريعة فللابل والبقر لاشتراكهما فى البدانة ولذا الحق عليه السلام البقر بالابل فى الاجزاء عن السبعة ، وفى القاموس البدنة محركة من الابل والبقر كالاضحية من الغنم تهدى الى مكة للذكر والاثنى ، قال الكاشفى [ وشتران و كاوان كه براى هدى رانده آيد ] { جعلناها لكم من شعائر الله } اى من اعلام دينه التى شرعها الله مفعول ثان للجعل ولكم ظرف لغو متعلق به واضيف الشعائر الى اسم الله تعظيما لها كبيت الله فان المضاف الى العظيم عظيم وقد سبق معنى الشعائر : وبالفارسية [ ساختيم آنها يعنى كشتن آنها شمارا از نشاهاى دين خدايرا تعالى ] { لكم فيها } فى البدن { خير } نفع كثير فى الدنيا واجر عظيم فى العقبى ، وفيه اشارة الى قربان بهيمة النفس عند كعبة القلب وانه من اعلام الدين وشعار اهل الصدق فى الطلب وان الخير فى قربانها وذبحها بسكين الصدق
ظاهرش مرك وبباطن زنده كى ... طاهرش ابترنهان بايندكى
{ فذكروا اسم الله عليها } بان تقولوا عند ذبحها « الله اكبر لا اله الا الله والله اكبر اللهم منك واليك » اى هى عطاء منك ونتقرب بها اليك { صواف } كناية عن كونها قائمات لان قيام الابل يستلزم ان تصف ايديها وارجلها جمع صافة . والمعنى حال كونها قائمات قد صففن ايديهن وارجلهن معقولة الايدى اليسرى ، والآية دلت على ان الابل تنحر قائمة كما قال الكاشفى [ صواف درحالتى كه برباى ايستاده باشند وشتررا ايستاده ذبح كردن سنت است ] { فاذا وجبت جنوبها } يقال وجب الحائط يجب وجبة اذا سقط ، قال فى التهذيب الوجب [ بيفتادن ديوار ] وغيره والمعنى سقطت على الارض هو كناية عن الموت ، قال الكاشفى [ بس جون بيفتد برزمين يهلوهاى مذبوحان وروح از ايشان بيرون رود ] { فكلوا منها } ايى من لحومها ان لم يكن دم الجناية والكفارة والنذر كما سبق والامر للاباحة { واطعموا } الامر للوجوب { القانع } اى الراضى بما عنده وبما يعطى من غير مسألة { والمعتر } الاعترار التعرض للسؤال من غير ان يسأل كما قال فى القاموس المعتر الفقير المعترض للمعروف من غير ان يسأل انتهى يقال اعتره وعررت بك حاجتى والعر الجرب الذى يعر البدن اى يعترضه ، قال الكاشفى [ درزاد المسير آورده كه قانع فقير مكة است ومعتر درويش آفاقى ] { كذلك } مثل ذلك التسخير البديع المفهوم من قوله صواف { سخرناها لكم } ذللناها لمنافعكم : وبالفارسية [ رام كردانيم ] مع كمال عظمها ونهاية قوتها فلا تستعصى عليكم حتى تأخذونها منقادة فتعقلونها وتحسبونها صافة قوائمها ثم تطعنون فى لباتها اى منحارها من الصدور ولولا تسخير الله لم تطق ولم تكن اعجز من بعض الوحوش التى هى اصغر منها جرما واقل قوة { لعلكم تشكرون } لتشكروا انعامنا عليكم بالتقرب والاخلاص ولما كان اهل الجاهلية ينضحون البيت اى الكعبة بدماء قرابينهم ويشرحون اللحم ويضعونه حوله زاعمين ان ذلك قربة قال تعالى نهيا للمسلمين .(8/408)
لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)
{ لن ينال الله } لن يصيب ويبلغ ويدرك رضاه ولا يكون مقبولا عنده { لحومها } المأكولة والمتصدق بها { ولا دماؤها } المهراقة بالنحر من حيث انها لحوم ودماء { ولكن يناله التقوى منكم } وهو قصد الا تمار وطلب الرضى والاحتراز عن الحرام والشبهة ، وفيه دليل على انه لا يفيد العمل بلا نية واخلاصك وبالفارسية [ وليكن ميردسد بمحل قبول وى برهيز كارى ازشما كه آن تعظيم امر خداوندست وتقرب بدو بقربان بسنديده ] { كذلك سخرها لكم } تكرير للتذكير والتعليل بقوله { لتكبروا الله } اى لتعرفوا عظمته باقتداره على ما لايقدر عليه غيره فتوحدوه بالكبرياء { على ماهديكم } على متعلقة بتكبروا لتضمنه معنى الشكر وما مصدرية اى على هدايته اياكم او موصولة اى على ما هداكم اليه وارشدكم وهو طريق تسخيرها وكيفية التقرب بها { وبشر المحسنين } اى المخلصين فى كل ما يأتون وما يذرون فى امور دينهم بالجنة او بقبول الطاعات ، قال ابن الشيخ هم الذين يعبدون الله كأنهم يرونه يبتغون فضله ورضوانه لايحلمهم على ما يأتونه ويذرون الا هذا الابتغاء وامارة ذلك ان لايستثقل ولايتبرم بشىء مما فعله او تركه والمقصود منه الحث والتحريض على استصحاب معنى الاحسان فى جميع افعال الحج ، واعلم ان كل ما لايصلح لخزانة الرب ولا كل قلب يصلح لخدمة الرب فجعل ايها العبد فى تدارك حالك وكن سخيا محسنا بمالك فان لم يكن فبالنفس والبدن وان كان لك قدرة على بذلهما فيهما معا ألا ترى ان ابراهيم عليه السلام كيف اعطى ماله الضيافة وبدنه النيران وولده للقربان وقلبه للرحمن حتى تعجب الملائكة من سخاوته فاكرمه الله بالخلة ، قالوا للحجاج يوم عيد القربان مناسك . الاول الذهاب من منى الى المسجد الحرام فلغيرهم الذهاب الى المصلى موافقة لهم . والثانى الطواف فلغيرهم صلاة العيد لقوله عليى السلام « الطواف بالبيت صلاة » والثالث اقامة السنن من الحلق وقص الاظفار ونحوهما فلغيرهم ازالة البدعة واقامة السنة والرابع القربان فلغيرهم ايضا ذلك الى غير ذلك من العبارات وافضل القربان بذل المجهود وتطهير كعبة القلب لتجليات الرب المعبود وذبح النفس بسكين المجاهدة والفناء عن الوجود ، قال مالك بن دينار رحمه الله خرجت الى مكة فرأيت فى الطريق شابا اذا جن عليه الليل رفع وجهه نحو السماء وقال يا من تسره الطاعات ولا تضره المعاصى هب لى ما يسرك واغفر لى مالا يضرك فلما احرم الناس ولبوا قلت له لم لا تلبى فقال يا شيخ وما تغنى التلبية عن الذنوب المتقدمة والجرائم المكتوبة اخشى ان اقول لبيك فيقال لى لا لبيك ولا سعديك لا اسمع كلامك ولا انظر اليك ثم مضى فما رأيته الا بمنى وهو يقول اللهم اغفر لى ان الناس قد ذبحوا وتقربوا اليك وليس لى شىء اتقرب به اليك سوى نفسى فتقلبها منى ثم شهق شهقة وخر ميتا
جان كه نه قربانىء جانان بود ... جيفهء تن بهتر از آن جان بود
هركه نشد كشته بشمشير دوست ... لا شهْ مر دار به ازجان اوست
وفى المثنوى
معنىء تكبير اينست اى اميم ... كاى خدا بيش تو ما قربان شديم
وقت ذبح الله اكبر ميكنى ... همجنان در ذبح نفس كشتنى
تن جو اسماعيل وجان شد دجون خليل ... كرد جان تكبير برجسم نبيل
كشتة كشتة تن ز شهوتها وآز ... شد ببسم الله بسمل در نماز(8/409)
إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)
{ ان الله يدافع ع الذين آمنوا } ، قال الراغب الدفع اذا عدى بالى اقتضى معنى الانالة نحو قوله تعالى { فادفعوا اليهم اموالهم } واذا عدى بعن اقتضى معنى الحماية نحو { ان الله يدافع عن الذين آمنوا } اى يبالغ فى دفع ضرر المشركين عن المؤمنين ويحميهم اشد الحماية من اذاهم { ان الله لا يحب كل خوان } بليغ الخيانة فى امانة الله امرا كانت او نهيا او غيرهما من الامانات { كفور } بليغ الكفران لنعمته فلا يرضى فعلهم ولا ينصرهم ، والكفران فى جحود النعمة اكثر استعمالا والكفر فى الدين اكثر والكفور فيهما جميعا وصيغة المبالغة فيهما لبيان انهم كانوا كذلك لا لتقييد البعض بغاية الخيانة والكفرفان نفى الحب كناية عن البغض والبغض نفار النفس من الشىء الذى ترغب عنه وهو ضد الحب فان الحب انجذاب النفس الى الشىء الذى ترغب فيه قال عليه السلام « ان الله يبغض المتفحش » فذكر بعضه له تنبيه على بعض فيضه وتوفيق احسانه منه ، وفى الآية تنبيه على انه بارتكاب الخيانة والكفران يصير بحيث لا يتوب لتماديه فى ذلك وهذا لم يتب لم يحبه الله المحبة التى وعد بها التائبين والمتطهرين وهى اصابتهم والانعام عليهم فان محبة الله للعبد انعامه عليه ومحبة العبد له طلب الزلفى لديه ، واعلم ان الخيانة والنفاق واحد لان الخيانة تقال اعتبارا بالعهد والامانة والنفاق يقال اعتبار بالدين ثم يتداخلان فالخيانة مخالفة الحق بنقض العهد فى السر ونقيض الخيانة الامانة ومن الخيانة الكفر فانه اهلاك للنفس التى هى امانة الله عند الانسان وتجرى فى الاعضاء كلها قال تعالى { ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا } ويجرى فى الصلاة والصوم ونحوهما اما بتركها او بترك شرط من شرائطها الظاهرة والباطنة فاكل السحور مع غلبة الظن بطلوع الفجر او الافطار مع الشك بالغروب خيانة للصوم ومن اكل السحور فنام عن صلاة الصبح حتى طلع الشمس فقد كفر بنعمة الله التى هى السحور وخانه بالصلاة ايضا فترك الفرض من اجل السنة تجارة خاسرة روى ان واحدا ضاع له تسعة دراهم فقال من وجدهم وبشرنى فله عشرة دراهم فقيل له فى ذلك فقال ان فى الوجدان لذة لا تعرفونها انتم فاهل الغفلة وجدوا فى المنام لذة هى افضل عندهم من الف صلاة نعوذ بالله تعالى ، ومن الخيانة النفس في المكيال والميزان حكى انه احتضر رجل فاذا هو يقول جبلين من نار جبلين من نار فسئل اهله عن عمله فقالوا كان له مكيالان يكيل باحدهما ويكتال بالآخر ، ومن الخيانة التسبب الى الخيانة ، وكتب رجل الى الصاحب بن عباد ان فلانا مات وترك عشرة آلاف دينار ولم يخلف الا بنتا واحدة فكتب على ظهر المتكوب النصف للبنت والباقى يرد عليها وعلى الساعى الف الف لعنة ، ثم ان المؤمن لكامل منصور على كل حال فلا يضره مكيد الخائنين فان الله لا يحب الخائنين فاذا لم يحبهم لم ينصرهم ويحب المؤمن فينصره ، وفى الآية اشارة الى ان الله تعالى يدافع خيانة النفس وهواها عن المؤمنين وان مدافعة النفس وهواها عن اهل الايمان انما كان لازالة الخيانة وكفران النعمة لانه لا يحب المتصفين بها وانه يحب المؤمنين المخلصين عنها فالآية تنبيه على اصلاح النفس الامارة وتخليصها عن الاوصاف الرذيلة(8/410)
وجود تو شهريست بر نيك وبد ... تو سلطان ودستور دانا خرد
هما ن كه دونان كردن فراز ... درين شهر كبرست وسود او آزر
جو سلطان عنايت كند بابدان ... كجا ماند آسايش بخردان(8/411)
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)
قال الله تعالى { اذن } الاذن فى الشىء اعلام باجازته والرخصة فيه والمأذون فيه محذوف اى رخص فى القتال { للذين } للمؤمنين الذين { يقاتلون } بفتح التاء على صيغة المجهول اى يقاتلهم المشركون { بانهم ظلموا } اى بسبب انهم ظلموا وهم اصحاب النبي عليه السلام كان المشركون يؤذونهم وكانوا يأتونه عليه السلام بين مضروب ومشجوج ويتظلمون اليه فيقول عليه السلام لهم « اصبروا فانى لم اومر بالقتال » حتى هاجروا فنزلت وهى اول آية نزلت في القتال بعدما نهى عه فى نيف وسبعين آية { وان الله على نصرهم لقدير } وعد للمؤمنين بالنصر والتغليب على المشركين بعدما وعد بدفع اذاهم وتخليصهم من ايديهم ، قال الراغب القدرة اذا وصف بها الانسان فاسم لهيئة له بها يتمكن من فعل شىء ما واذا وصف الله بها فنفى للعجز عنه ومحال ان يوصف غير الله بالقدرة المطلقة معنى وان اطلقت عليه لفظا بل حقه ان يقال قادر على كذا ومتى قيل هو قادر فعلى سبيل معنى التقييد ولهذا لا احد غير الله يوصف بالقدرة من وجه الا ويصح ان يوصف بالعجز من وجه والله تعالى هو الذى ينتفى عنه العجز من كل وجه والقدير هو الفاعل لما يشاء على قدر ما تقتضى الحكمة لازائدا عليه ولانا ناقصاعنه ولذلك لا يصح ان يوصف به غير الله تعالى
تعالى الله زهى قيوم ودانا ... توانابى ده هر ناتوانا
ة اشارة الى ان قتال الكفار بغير اذن الله لا يجوز ولهذا لما وكز موسى عليه السلام القبطى الكافر وقتله قال هذا من عمل الشيطان لانه ما كان مأذونا من الله فى ذلك وبهذا المعنى يشير الى ان الصلاح فى قتال كافر النفس وجهاده ان يكون باذن الله على وفق الشرع واوانه وهو بعد البلوغ فان قبل البلوغ تحلى المجاهدة باستكمال الشخص الانسانى الذي هو حامل اعياء الشريعة ولهذا لم يكن مكلفا قبل البلوغ وبنبغى ان تكون المجاهدة محفوظة عن طرفى التفريط والافراط بل يكون على حسب ظلم النفس على القلب باستيلائها عليه فيما يضره من اشتغالها بمخالفة الشريعة وموافقة الطبيعة فى استيفاء حظوظها وشهواتها من ملاذ الدنيا فان منها يتولد رين مرآة القلب وقسوته واسوداده وان ارتاضت النفس ونزلت عن ذميم صفاتها وانقادت للشريعة وتركت طبعها واطمأنت الى ذكر الله واستعدت لقبول جذبة ارجعى الى ربك راضية مرضية من فرط المجاهدة ولكن لايؤمن مكر الله المودع فى مكر النفس وآخر الىية يشير الى ان الانسان لا يقدر على النفس وتزكيتها بالجهاد المعتدل الا بنصر الله تعالى
خدمت نهى بر زمين ... ارا ثنا كوى وخودرا مبين
كراز حق نه توفيق خيرى رسد ... ازبنده خيرى بغيرى رسد(8/412)
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)
{ الذين اخرجوا من ديارهم } فى حيز الجر على انه صفة للموصول ، قال ابن الشيخ لما بين انهم انما اذنوا فى القتال لاجل انهم ظلموا فسر ذلك الظلم بقوله الذين الى آخره والمراد بديارهم مكة المعظمة وتسمى البلاد الديار لانه يدار فيها للتصرف يقال ديار بكر لبلادهم وتقول العرب الذين حوالى مكة نحن من غرب الدار يريدون من عرب البلدة ، قال الراغب الدار المنزل اعبارا بدور انها الذى لها بالحائط وقيل دارة وجمعها ديار ثم تسمى البلدة دارا { بغير حق } اى خرجوا بغير موجب استحقوا الخروج به فالحق مصدر قولك حق الشىء يحق بالكسر اى وجب { الا ان يقولوا ربنا الله } بدل من حق اى بغير موجب سوى التوحيد الذى ينبغى ان يكون موجبا للاقرار والتمكين دون الاخراج والتسبير لكن لاعلى الظاهر بل على طريقة قول النابغة
ولاعيب فيهم غير ان سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
{ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض } بتسليط المؤمنين على الكافرين فى كل عصر وزمان { لهدمت } الهدم اسقاط البناء والهديم للتكثير اى لخربت باستيلاء المشركين { صوامع } للرهبانية { وبيع } للنصارى وذلك فى زمان عيسى عليه السلام الصوامع جمع صومعة وهى موضع يتعبد فيه الرهبان وينفردون فيه لاجل العبادة ، قال الراغب الصومعة كل بناء منصمع الرأس متلاصقة والاصمع اللاصق اذنه برأسه والبيع جمع بيعة وهى كنائس النصارى التى يبنونها فى المواضع الخيالية كالجبال والصحارى ، قال الراغب البيعة مصلى النصارى فان يكن ذلك عربيا فى الاصل فتسميته بذلك لما قال { ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم } الآية { وصلوات } كنائس لليهود فى ايام شريعة موسى عليه اسلام ، قال الكاشفى [ صومعهاى راهبان وكليساهى ترسايان وكنشتهاى جهودان ] سميت بالصلوات لانها تصلى فيها ، قال الراغب يسمى موضع العبادة بالصلاة ولذلك سميت الكنائس صلوات ، وقال بعضهم هى كلمة معربة وهى بالعبرية « صلونا » بالثا المثلثة وهى فى لغتهم بمعنى المصلى { ومساجد } للمسلمين فى ايام شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وقدم ماسوى المساجد عليها فى الذكر لكونه اقدم فى الوجود بالنسبة اليها ، وفى الاسئلة المقحمة تقديم الشىء بالذكر لا يدل على شرفه كقوله تعالى { فمنكم كافر ومنكم مؤمن } { يذكر فيها اسم الله كثيرا } اى ذكرا كثيرا ووقتا كثيرا صفة مادحة للمساجد خصت بها دلالة على فضلها وفضل اهلها ويجوز ان يكون صفة للاربع لان الذكر فى الصوامع والبيع والصلوات كان معتبرا قبل انتساخ شرائع اهلها ، وفى الآية اشارة الى انه تعالى لو لم ينصر القلوب على النفوس ويدافع عن القلوب استيلاء النفوس لهدمت صوامع اركان الشريعة وبيع آداب الطريقة وصلوات مقامات الحقيقة ومساجد القلوب التى يذكر فيها اسم الله كثيرا فان الذكر الكثير لا يتسع الا فى القلوب الواسعة المنورة بنور الله { ولينصرن الله من ينصره } اى بالله لينصرن الله من ينصر اولياءه او من ينصر دينه ولقد انجز الله وعده حيث سلط المهاجرين والانصار على صناديد العرب واكاسرة العجم وقياصرة الروم وارثهم ارضهم وديارهم { ان الله لقوى } على كل مايريده { عزيز } لا يمانعه شىء ولا يدافعه ، وفى بحر العلوم يغنى بقدرته وعزته فى اهلاك اعداء دينه عنهم وانما كلفهم النصر باستعمال السيوف والرماح وسائر السلاح فى مجاهدة الاعداء وبذل الارواح والاموال لينتفعوا به ويصلوا بامتثال الامر فيها الى منافع دينية ودنيوية ، فان قلت فاذا كان الله قويا عزيزا غالبا غلبة لا يجد معها المغلوب نوع مدافعة وانفلات فما وجه انهزام المسلمين فى بعض وقد وعدهم النصرة ، قلت ان النصرة والغلبة منصب شريف فلا يليق بحال الكفار لكن الله تعالى تارة يشدد المحنة على الكفار واخرى على المؤمنين لانه لو شدد المحنة على الكفار فى جميع الاوقات وازالها عن المؤمنين فى جميع الاوقات لحصل العلم الاضطرارى بان الايمان حق وماسواه باطل ولو كان كذلك لبطل التكليف والثواب والعقاب فلهذا المعنى تارة يسلط الله المحنة على اهل الايمان واخرى على اهل الكفر لتكمون الشبهات باقية والمكلف يدفعها بواسطة النظر فى الدلائل الدالة على صحة الاسلام فيعظم ثوابه عند الله ولان المؤمن قد يقدم على بعض المعاصى فيكون تشديد المحنة عليه فى الدنيا كفارة له فى الدينا واما تشديد المحنة على الكافر فانه يكون غضبا من الله كالطاعون مثلا فانه رحمة للمؤمنين ورجز اى عذاب وغضب للكافرين ، مر عامر برجل قد صلبه الحجاج قال يارب ان حلمك على الظالمين اضر بالمظلومين فرأى فى منامه ان القيامة قد قامت وكأنه دخل الجنة فرأى المصلوب فيها فى اعلى عليين فاذا مناد ينادى حلمى على الظالمين احل المظلومين فى اعلى عليين ، وعلم ان الله تعالى يدفع فى كل عصر مدبرا بمقبل ومبطلا بمحق وفرعونا بموسى ودجالا بعيسى فلا تستبطىء ولا تنضجرك قال الحافظ(8/413)
اسم اعظم بكند كارخود اى دل خوش باش ... كه بتلبيس وحيل ديو سليمان نشود
قال بعض الكبار الامراء يقاتلون فى الظاهر واولياء الله فى الباطن والافلا ، وفى التوراة فى حق هذه الامة اناجيلهم فى صدروهم اى يحفظون كتابهم لا يحضرون قتالا الا وجبريل عليه السلام معهم وهو يدل على ان كل قتال حق يحضره جبريل ونحوه الى قيام الساعة بل القتال اذا كان حقا قالواحد يغلب الالفك قال الحافظ
تيغىكه آسمانش ازفيض خود دهد آب ... تنها جهان بكيرد بى منت ساهى(8/414)
الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)
{ الذين ان مكناهم فى الارض } وصف من الله للذين اخرجوا من ديارهم بما سيكون منهم من حسن السيرة عند تمكينه تعالى اياهم فى الارض واعطائه اياهم زمام الاحكام { اقاموا الصلوة } لتعظيمى ، قال الراغب كل موضع مدح الله بفعل الصلاة اوحث عليه ذكر بلفظ الاقامة ولم يقل المصلين الا فى المنافقين نحو { فويل للمصلين } وانما خص لفظ الاقامة تنبيها على ان المقصود من فعلها توفية حقوقها وشرائطها لا الاتيان بهيئتها فقط ولهذا روى ان المصلين كثير والمقيمين لها قليل { واتوا الزكوة } لمساعدة عبادى { وامروا بالمعروف } وكل ما عرف حسنه شرعا وعرفا { ونهوا عن المنكر } هو ما يستقبحه اهل العلم والعقل السليم ، قال الراغب المعروف اسم لكل فعل يعرف بالعقل والشرع حسنه والمنكر ما ينكر بهما ، وفى الآية اشارة الى ان وصف القلوب المنصورة انهم ان مكنهم الله فى ارض البشرية استداموا المواصلات وآتوا زكاة الاحوال وهى ان يكون من مائتى نفس من انفاسهم مائة وتسعة وتسعون ونصف جزء منها لهم والباقى ايثار على خلق الله فى الله مهما كان زكاة اموال الاغنياء من مائتى درهم خمسة للفقراء والباقى لهم وامروا بالمعروف حفظ الحواس عن مخالفة امره ومراعاة الانفاس معه اجلالا لقدره ونهوا عن المنكر ومن وجوه المنكرات الرياء والاعجاب والمساكنة والملاحظة { ولله } خاصة { عاقبة الامور } فان مرجعها الى حكمه وتقديره فقط : يعن [ انجام امور آن كه او ميخواهد ]
اين دولت فقر وها وهو ميخواهد ... وان كلشن وحوض وآب جوميخواهد
از حق همه كس حال نكو ميخواهد ... آنست سرانجام كه اوميخواهد
وعن ابن عباس رضى الله عنهما رفعه الى النبى عليه السلام « ان من اشراط الساعة اماتة الصلوات واتباع الشهوات والميل الى الهوى ويكون امراء خونة ووزراء فسقه » فوثب سلمان فقال بابى وامى ان هذا لكائن قال « نعم يا سلمان عندها يذوب قلب المؤمن ما يذوب الملح فى الماء ولا يستطيع ان يغير » قال أو يكون ذلك قال « نعم يا سلمان ان اذل الناس يومئذ المؤمن يمشى بين اظهرهم بالمخالفة ان تلكم اكلوه وان سكت مات بغيظه » قال عمر رضى الله عنه للنبى عليه السلام اخبرنى عن هذا السلطان الذى ذلت له الرقاب وخضعت له الاجساد ماهو فقال « ضل الله فى الارض فاذا احسن فله الاجر وعليكم الشكر واذا اساء فعليه الاصر وعليكم اصبر » وفى الحديث « عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة » قال الحافظ
شاه رابه بود ازطاعت صد ساله وزهد ... قدر يكساعت عمرى دروداد كند
قال الشيخ سعدى قدس سره
بقومى كه نيكى بسندد خداى ... دهد خسر وعادل نيك رأى
جوخوهدكه ويران كند عالمى ... كند مالك درنجهء ظالمى
تخواهى كه نفرين كنند ازبست ... نكو باش تابد تايد نكويد كست
نخفتست مظلوم از آهش بترس ... زدود دل صبحكا هش بترس
نترس كه باك اندرون شبى ... بر آرد ز سوز جكر ياربى
نمى ترى اى كرك ناقص خرد ... كه روزى بلنكيت برهم درد
ألا تابغفلت نخسبى كه نوم ... حرامست بر جشم سالار قوم
غم زير دستان بخور زينهار ... بتر از زبر دستىء روزكار
وعن ازدشير لا سلطان الا برجال ولا رجال الا بمال ولا مال الا بعمارة ولا عمارة الا بعدل وحسن سياسة قيل السياسة اساس الرياسة .(8/415)
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44)
{ وان يكذبوك } يا محمد وصيغة المضارع فى الشرط مع تحقق التكذيب لما ان المقصود تسليته عليه السلام عما يترتب على التكذيب من الحزن المتوقع اي وان تحزن على تكذيب قومك اياك فاعلم انك لست باوحدى فى ذلك { فقد كذبت قبلهم } قبل تكذيبهم { قوم نوح } اى نوحا { وعاد } اى هودا { وثمود } اى صالحا { وقوم ابراهيم } اى ابراهيم { وقوم لوط } أى لوطا { واصحاب مدين } اى شعيبا ومدين كان ابنا لابراهيم عليه السلام ثم صار علما لقرية شعيب { وكذب موسى } كذبه القبط واصروا الى وقت الهلاك واما بنو اسرائيل فانهم وان قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ونحوه فما استمروا على العناد بل كلما تجدد لهم المعجزة جددوا الايمان هكذا ينبغى ان يفهم هذا المقال وغير النظم بذكر المفعول وبناء الفعل له للايذان بان تكذيبهم لهم كان فى غاية الشناعة لكون آياته فى كمال الوضوح { فامليت للكافرين } امهلتهم الى اجلهم المسمى { ثم اخذتهم } اى اخذت كل فريق من فرق المكذبين بعد انقضاء مدة املائه وامهاله بعذاب الطوفان والريح الصرصر والصيحة وجند البعوض والخسف والحجارة وعذاب يوم الظلمة والغرق فى بحر القلزم ، قال الراغب الاخذ وضع الشىء وتحصيله وذلك تارة بالتناول نحو معاذ الله ان نأخذ الامن وجدنا متاعنا عنده وتارة بالقهر ومنه الآية { فكيف كان نكير } اى انكارى عليهم بتغيير النعمة محنة والحياة هلاكا والعمارة خرابا اى فكان ذلك فى غاية الهول والفظاعة فمعنى الاستفهام التقرير ومحصول الآية قد اعطيت هؤلاء الانبياء ما وعدتهم من النصرة فاستراحوا فاصبر انت الى هلاك من يعاديك فتستريح ففى هذا تسلية للنبى عليه السلام .(8/416)
فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)
{ فكأين من قرية } ، قال المولى الجامى فى شرح الكافية من الكناية كاين وانما نبى لان كاف التشبيه دخلت على أى وأى كان فى الاصل معربا لكنه انمحى عن الجزءين معناهما الافرادى فصار المجموع كاسم مفرد بمعنى كم الخبرية فصار كأنه اسم مبنى على السكون آخره نون ساكنة كما فى من لا تنوين تمكن ولهذا يكتب بعد الياء نون مع ان التنوين لا صورة له فى الخط انتهى . ولمعنى فكثير من القرى : وبالفارسية [ يس بسيارديه وشهر ] وهو مبتدأ وقوله { اهلكناها } خبره { وهى ظالمة } جملة حالية من قوله اهلكناها والمراد ظلم اهلها بالكفر والمعاصى وهو بيان لعدله وتقدسه عن الظلم حيث اخبر بانه لم يهلكهم الا اذا استحقوا الاهلاك بظلمهم { فهى خاوية } عطف على اهلكناها والمراد بضمير القرية حيطانها ولخواء بمعنى السقوط من خوى النجم اذا سقط اى ساقطة حيطان تلك القرية { على عروشها } اى سقوفها بان تعطل بنيانها فخرت سقوفها ثم تهدمت حيطانها فسقطت فوق السقوف فالعروش السقوف لان كل مرتفع اظلك فهو عرش سقفا كان او كرما او ظلة او نحونها .
وفى التأويلات النجمية يشر الى خراب قلوب اهل الظلم فان الظلم يوجب خراب اوطان الظالم فيخرب اولا اوطان راحة الظالم وهو قبله فالوحشة التى هي غالبة على الظلمة من ضيق صدروهم وسوء اخلاقهم وفرط غيظهم على من يظلممون عليهم كل ذلك من خراب اوطان راحاتهم وهى فى الحقيقة من جملة العقوبات التى تلجقهم على ظلمهم ويقال خراب منازل الظلمة ربما يستأخر وبما يستعجل وخراب نفوسهم فى تعطلها عن العبادات بشؤم ظلمها كما قال { فهى خاوية على عروشها } وخراب قلوبهم باستيلاء الغفلة عليهم خصوصا فى اوقات صلواتهم واوان خلواتهم غير مستأخر { وبئر معطلة } البئر فى الاصل حفيرة يستر رأسها لئلا يقطع فيها من مر عليها وعطلت المرأة وتعطلت اذا لم يكن عليها حلى فهى عاطل والتعطيل التفريغ يقال لمن جعل العالم بزعمه فارغا من صانع اتقنه وزينه معطل وهو عطف على قرية اى وكم بئر عامرة فى البوادى اى فيها الماء ومعها آلات الاستقاء الا انها تركت لا يستقى منها لهلاك اهلها { وقصر } يقال قصرت كذا ضممت بضعه الى بعض ومنه سمى القصر ، قال فى القاموس القصر خلاف الطول وخلاف المد والمنزل وكل بيت من حجر وعلم لسبعة وخمسين موضعا مابين مدينة وقرية وحصن ودار اعجبها قصر بهرام جور من حجر واحد قرب همذان { مشيد } مبنى بالشيد اخليناه عن ساكنيه واهل المدينة يسمون الجص شيدا وقيل مشيد اى مطول مرفوع البنيان وهو يرجع لى الاول كما في المفردات ويقال شيد قواعده احكمها كأنه بناها بالشيد ، وفى القاموس شاد الحائط يشيده طلاه بالشيد وهو ما طلى به حائظ من جص ونحوه والمشيد المعمول به وكمؤيد المطول روى ان هذه بئر نزل عليها صالح النبى عليه السلام مع اربعة آلاف نفر ممن آمن به ونجاهم الله من العذاب وهى بحضرموت وانما سمى بذلك لان صالحا حين حضرها مات وثمة بلدة عند البئر اسمها حاضوراء بناها قوم صالح وامروا عليهم جليس بن جلاس واقاموا بها زمانا ثم كفروا وعبدوا صنما فارسل الله عليهم حنظلة بن صفوان نبيا وكان حمالا فيهم فقتلوه فى السوق فاهلكهم الله وعطل بئرهم وخرب قصورهم ، قال الامام السهيلى قيل ان البئر الرس وكانت بعدن لامة من بقايا ثمود وكان لهم ملك عدل حسن السيرة يقال له العلس وكانت البئر تسقى المدينة كلها وباديتها وجميع ما فيها من الدواب والغنم والبقر وغير ذلك لانها كانت لها بكرات كثيرة منصوبة عليها ورجال كثيرون موكلون بها وابازن بالنون من رخام وهى تشبه الحياض كثيرة تملأ للناس واخر الدواب واخر الغنم والبقر والهوام يستقون عليها بالليل النهار يتداولون ولم يكن لهم ماء غيره فطال عمر الملك فلما جاءه الموت طلى بدهن لتبقى صورته ولا يتغير وكذلك يفعلون اذا مات منهم الميت وكان ممن يكرم عليهم فلما مات شق ذلك عليهم ورأوا ان امرهم قد فسد وضجوا جميعا بالبكاء واغتنمها الشيطان منهم فدخل فى جثة الملك بعد موته بايام كثيرة فكلمهم فقال انى لم امت ولكنى قد تغيبت عنكم حتى ارى صنيعكم بعدى ففرحوا اشد الفرح وامر خاصته ان يضربوا له حجابا بينه وبينهم يكلمهم من ورائه كيلا يعرف الموت فى صورته ووجهه فنصبوه صنما من وراء حجاب لا يأكل ولا يشرب واخبرهم انه لايموت ابدا وانه اله لهم وذلك كله يتكلم به الشيطان على لسانه فصدق كثير منهم وارتاب ببعضهم وكان المؤمن المذكب منهم اقل من المصدق فكلما تكلم ناصح منهم زجر وقهر فاتفقوا على عبادته فعبث الله تعالى لهم نبيا كان الوحى ينزل عليه فى النوم دون اليقظة وكان سمه حنظلة بن صفوان فاعلمهم ان الصورة صنم لا روح له وان الشيطان فيه وقد اضلهم ان الله تعالى لا يتماثل بالحلق وان الملك لايجوز ن يكون شريكا لله واوعدهم ونصحهم وحذرهم سطوة ربهم ونقمته فآذوه وعادوه حتى قتلوه وطرحوه فى بئر فعند ذلك حلت عليهم النقمة فباتوا شباعا رواء من الماء واصبحوا والبئر قد غار ماؤها وتعطل رشاؤها فصلحوا باجمعهم وصج النساء والولدان وضجت البهائم عطشا حتى عمهم الموت وشملهم الهلاك وخلفهم فى ارضهم السباع وفى منازلهم الثعالب والضباع وتبدلت بهم جناتهم واموالهم بالسدر والشوك شوك العضاة والقتاد فلا تسمع فيه الاعزيف الجن وزئير الاسد نعوذ بالله من سطواته ومن الاصرار على ما يوجب نقماته ، واما القصر المشيد فقصر بناه شداد بن عاد بن ارم ولم يبن فى الارض مثله فيما ذكر وحاله كحال هذه البئر المذكورة فى ايحاشه بعد الانس واقفاره بعد العمران وان احدا لا يستطيع ان يدنو منه على امال لما يسمع فيه من عزيف الجن والاصوات المنكرة بعد النعيم والعيش الرغيد وبها الملك وانتظام الاهل كالسلك فبادوا وما عادوا فذكرهم الله تعالى فى هذه الآية موعظة وذكرا وتحذيرا من سوء عاقبة المخالفة والمعصية ، قال الكاشفى [ در تيسير آورده كه بادشاهى كاف ربر وزير مسلمان غضب كرد وخواست اورا بكشد وزير بكريخت باجهار هزاركس ازاهل ايمان ودربايان كوه حضرموت كه هواى خوش داشت منزل ساخهت هرجند جادمى كندند آب تلخ بيرون آمديكى ازرجال الغيب بديشان رسيده موضعى جهت جاه نشان كرد جون بكندن آبى درغايت صاف لطافت ونهايت رقت وعذوبت بيرون آمد(8/417)
درمزه جون شيرهء شاخ نبات ... در حوشى همشيرهء آب حيات
ايشان آن جاه را كشاده ساختند وازبايان تابالابخشتهاى زر ونقره بر آوردند وبرستش بروردكلر خود مشغول كشتند بعد ازمدتى متمادى شيطان بصورت عجوز صالحة برآمد زنانرا دلالت كرد برآنكه بوقت غيبت شوهران سحاقى اشتغال كند وديكر باره بشكل مردى زاهد برايشان ظاهر شدمر دانرا بوقت دورىء ازواج ازايشان باتيان بهائم فرمود وجون اين عمل قبيح درميان ايشان بديد آمد حق سبحانه حنظلة يا قحافة بن صفوان رابه بيغمبرى بديشان فرستاد وبدو نكر ديدند آب ايشان غائب شد وبعد ازوعده ايمان بيغمبر دعا فرموده آب بازآمد وهم فرمان نبردند حق تعالى فرمودكه بعد ازهفت سال وهفت ماء وهفت روز عذاب بديشان ميفرستم ايشان قصر مشيدرا بنا كردند بخشتهاى زر ونقره ويواقيت وجواهر مرضع ساختند وبعد انقضاى زمانه مهلت رجوع بآن قصر كرده درها فروبستند وجبرئيل فرود آمد ويشانرا بكوشك برزمين فرو وجاه ايشان ما نده است ودود سياه منتن از انجا برمى آمد ودران نواحى ناله هلاك شدكان ميشنوند ]
نه هركز شنيدم درين عمر خويش ... كه بدمردرا نيكى آمد به بيش
رطب ناورد دوب خرزهره بار ... جه تخم افكنى برهمان جثم دار
غم وشاد مانى نماند وليك ... جزاى عمل ماند ونام نيك(8/418)
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)
{ أفلم يسيروا } اى كفار مكة اى اغفلوا فلم يسافروا { فى الارض } فى اليمن والشام ليروا مصارع المهلكين { فتكون لهم } بسبب ما يشاهدونه من مواد الاعتبار وهو منصوب على جواب الاستفهام وهو فى التحقيق منفى { قلوب يعقلون بها } مايجب ان يعقل من التوحيد { او آذان يسمعون بها } مايجب ان يسمع من اخبار الامم المهلكة ممن يجاورهم من النار فانهم اعرف منهم بحالهم وهم ان كانوا قد سافروا فيها ولكنهم حيث لم يسافروا للاعتبار جعلوا غير مسافرين فحثوا على ذلك الاستفهام للانكار { فانها } اى القصة وبالفارسية [ بس قصة اينست ] { لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور } اى ليس الخلل فى مشاعرهم وانما هو فى عقولهم باتباع الهوى والانهماك فى الغفلة وبالفارسية [ نابينا نشود ديدهاى حس يعنى در مشاعر ايشان خلل نيست همه جيز مى بينند ولكن نابينا شود ازمشاهده اعتبارآن دلها كه هست درسينها يعنى جثم دل ايشان بوشيده است ازمشاهده احوال كذشتكان لاجرم بدان عبرتى نمى كيرند ] اولا يعتد بعمى الابصار فكأنه ليس بمعى بالاضافة الى عمى القلوب والعمى يقال فى افتقاد البصر وافتقاد البصيرة وذكر الصدور للتأكد ونفى توهم التجوز قصدا للتنبيه على ان العمى الحقيقى ليس المتعارف الذى يتخص بالبصر وفى الحديث « مامن عبد ا لا وله اربع اعين عينان فى رأسه يبصر بهما امر ديناه وعينان فى قلبه يبصر بهما امر دينه » واكثر الناس عميان بصر القلب لا يبصرون به امر دينهم
جشم جل بكشابين بى انتظار ... هرطرف آيات قدرت آشكار
جشم سرجزبوست خود جيزى نديد ... جشم سردر مغز هرجيزى رسيد
قال في حقائق البقلى قدس سره الجهال يرون الاشياء الظاهر وقلوبهم محجوبة عن رؤية حقائق الاشياء التى هى تابعة انوار الذات والصفات اعماهم الله بغشاوة الغفلة وغطاء الشهوة ، قال سهل اليسير من نور بصر القلب يغلب الهوى والشهوة فاذا عمى بصر القلب عما فيه غلبت الشهوة وتواترت الغفلة فعند ذلك يصير البدن متخبطا فى المعاصى غير منقاد للحق بحال .
وفى التأويلات النجمية الآية اشارة الى ان العقل الحقيقى انما يكون من نتائج صفاء القلب بعد تصفية حواسه عن العمى والصمم فاذا صح وصف القلوب بالسمع والبصر صح وصفها بسائر صفات الحى من وجوه الادراكات فكما تبصر القلوب بنور اليقين تدرك نسيم الاقبال بمشام السر وفى الخبر « انى لاجد نفس الرحمن من قبل اليمن » وقال تعالى خبر عن يعقوب عليه السلام { انى لاجد ريح يوسف } وما كان ذلك الا بادراك السرائر دون اشتمام ريح فى الظاهر فعلى العاقل ان يجتهد فى تصفية الباطن وتجلية القلب وكشف الغطاء عنه بكثرة ذكر الله تعالى وعن مالك بن انس رضى الله عنه بلغنى ان عيسى بن مريم عليهما السلام قال لا تكثروا الكلام فى غير ذكر الله فتقسوا قلوبكم والقلب القاسى بعيد من الله ولكن لا تعلمون ، وقال مالك بن دينار من لم يأنس بحديث الله عن حديث المخلوقين فقد قل عمله وعمى قلبه وضاع عمره وفى الحديث « لكل شىء صقالة وصقالة القلب ذكر الله » وقال ابو عبدالله الانطاكى دواء القلب خمسة اشياء مجالسة الصالحين وقراءة القرآن واخلاء البطن وقيام الليل والتضرع عند الصبح كذا في تنبه الغافلين .(8/419)
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)
{ ويستعجلونك بالعذاب } كانوا يقولون له عليه السلام ائتنا بما وعدتنا ان كنت من الصادقين : والمعنى بالفارسية [ وبشتاب ميخواهند ازتوكافران مكه جون نضر ابن حارث واضراب او يعنى تعجيل مينمايند بطريق استهزاء وتعجيز بنزول عذاب موعود ] .
قال فى التأويلات النجمية يشير الى عدم تصديقهم كما قال تعالى { يستعجل بها الذين لايؤمنون بها } ولو آمنوا لصدقوا ولصدقوا لسكتوا عن الاستعجال وهو طلب الشىء وتحريه قبل اوانه { ولن يخلف الله وعده } ابدا وقد سبق الوعد فلابد من مجيئه حتما وقد انجز الله ذلك يوم بدر .
قال فى التأويلات النجمية فيه اشارة الى ان الخلف فى وعيد الكفار لايجوز كما ان الخلف فى الوعد للمؤمنين لايجوز ويجوز الخلف فى وعيد المؤمنين لانه سبقت رحمة الله غضبه فى حق المؤمنين ووعدهم بالمغفرة بقوله { ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } وبقوله { ان الله يغفر الذنوب جميعا } انتهى واحسن يحيى بن معاذ فى هذا المعنى حيث قال الوعد والوعيد حق فالوعد حق العباد على الله ضمن لهم اذا فعلوا ذلك ان يعطيهم كذا ومن اولى بالوفاء من الله والوعيد حقه على العباد قال لا تفعلوا كذا فاعذبكم ففعلوا فان شاء عفا وان شاء آخذ لانه حقه واولاهما العفو والكرم لانه غفور رحيم ، قال السرى الموصلى
اذا وعد السراء انجز وعده ... وان اوعد الضراء فالعفو مانعه
كذا فى شرح العضد للجلال الدوانى ثم ذكر ان لهم مع عذاب الدنيا فى الآخرة عذابا طويلا وهو قوله { وان يوما عند ربك } أيى من ايام العذاب { كالف سنة مما تعدون } وذلك ان لليوم مراتب فيوم كالآن وهو ادنى ما يطلق عليه الزمان فمنه يتمد الكل وهو مشار اليه بقوله تعالى { كل يوم هو فى شأن } فالشأ الالهى بمنزلة الروح يسرى فى ادوار الزمان ومراتبه سريان الروحفى الاعضاء ويوم كخمسين الف سنة وهو يوم القيامة ويوم كالف سنة وهو يوم الآخرة والخطاب للرسول ومن معه من المؤمنين كأنه قيل كيف يستعجلون بعذاب ويوم واجد من ايام عذابه فى طول الف سنة من سنيكم اما من حيث طول ايام عذابه حقيقة اومن حيث ان ايام الشدائد مستطالة كما يقال ليل الفراق طويل وايام الوصل قصار ويقال سنة الوصل سنة وسنة الهجر سنة
ويوم لا اراك كالف شهر ... وشهر لا اراك كالف عام
ق الحافظ
آندم كه باتو يكساله هست روزى ... واندم بى تو باشم يك لحظه هست سالى
ويجوز ان يكون قوله وان يوما الخ متعلقا بقوله ولن يخلف الخ والمعنى ما وعدوه تعالى ليصبنهم ولو بعد حين لكنه تعالى حليم صبور لا يعجل بالعذاب وان يوما عند ربك كالف سنة مما تعدون لكمال حلمه ووقاره وتأنيه حتى استقصر المدد الطوال شبه المدة القصيرة عنده بالمدة الطويلة عند المخاطبين اشارة الى ان الايام تتساوى عنده اذلا استعجال له فى الامور فسواء عنده يوم واحد والف سنة ومن لا يجرى عليه الزمان فسواء عليه وجود الزمان وعدم الزمان وقلة الزمان وكثرة الزمان اذ ليس عنده صباح ولا مساء : وبالفارسية [ نزيدك خداى تعالى يكروز برابر هزار سالست زيراكه حكم زمان برجارى نيست بس وجود وعدم وقلت وكثرت آن نزديك خداى يكسانست هركاه كه خواهد عذاب فرستد وبر استعجال زمان عقوبت هيج اثرى مترتب نشود(8/420)
تادر نرسد وعده هركاركه هست ... هزجند كنى جهد بجابى نرسد
فعلى العاقل ان يلاحظ ان كل آت قريب ولا يغتر بالامهال فان بطش الله شديد وعذابه لا يطاق ويسارع الى رضى الله تعالى بامتثال اوامره والاجتناب عن نواهيه وترك الاستهزاء بالدين واهله باحكام الله ووعده وعيده فان الله صادق فى قوله حكيم فى فعله وليس للعبد الا تعظيمه وتعظيم امره(8/421)
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48)
{ وكأين من قرية } وكثير من اهل قرية { امليت لها } امهلتها بتأخير العذاب كما امهلمت لهؤلاء { وهى ظالمة } اى والحال انها ظالمة مستوجبة لتعجيل العقوبة كدأب هؤلاء { ثم اخذتها } بالعذاب بعد طول الامهال : يعنى [ بس كرفتيم ايشانرا جون توبة نكردند بعذابى سخت دردنيا ] { والىّ المصير } اى الى حكمى مرجع الكل لا الى احد غيرى لا استقلالا ولا شكرة فافعل بهم مافعل مما يليق باعمالهم وفيه اشارة الى ان الامهال يكون من الله تعالى والاهمال لايكون فانه يمهل ولا يهمل ويدع الظالم فى ظلمه ويوسع له الحبل ويطيل به المهل فيتوهم انه يفلت من قبضة التقدير وذلك ظنه الذى اراد ويأخذه من حيث لا يرتقب فيعلوه ندامة ولات حينه وكيف يستبقى بالحلية ما حق فى التقدير عدمه والى الله مرجعه فالظلم من العبد سبب للاخذ من الله فلا يلومن الان نفسه : قال الحافظ
تو بتقصير خود افتادى ازين در محروم ... از كه مى نالى وفرياد جرا ميدارى(8/422)
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49)
{ قل يا ايها الناس انما انا لكم نذير مبين } انذركم انذارا بينا بما اوحى الىّ من اخبار الامم المهلكة من غير ان يكون لى دخل فى اتيان ما تو عدونه من العذاب حتى يستعجلونى به والاقتصار على الانذار مع بيان حال الفريقين بعده لان صدر الكلام ومساقه للمشركين وعقابهم وانما المؤمنون وثوابهم زيادة فى غيظهم .
قال فى التأويلات النجمية يشير الى انذار اهل النسيان اى قل لهم يا محمد انى اشابهكم من حيث الصورة لكن اباينكم من حيث السيرة فانا لمحسنكم بشير ولمسيئكم نذير وقد ايدت باقامة الراهين ما جئتكم به من وجوه الامر بالطاعة والاحسان والنهى عن الفجور والعصيان .(8/423)
فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50)
{ فالذين آمنوا وعلموا الصالحات لهم مغفرة } تجاوز لذنوبهم { ورزق كريم } نعيم الجنة : يعنى [ رزق بى رنج ومنت ] والكريم من كل نوع ما يجمع فضائله .(8/424)
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)
{ والذين سعوا } اسرعوا واجتهدوا { فى آياتنا } فى رد آياتنا وابطالها بالطعن فيها وتستبها الى السحر والشعر وغير ذلك من الافتراء { معاجزين } حال كونهم يعاجزون الانبياء واولياءهم اى يقابلونهم ويمانعونهم ليصيروهم الى العجز عن امر الله او ظانين انهم يعجزننا فلا نقدر عليهم او معاندين مسابقين من عاجز فلان فلانا سباقه فعجزه سبقه كما قال الكاشفى [ در حالتى كه بيشى كيرند كانند برما بكمال خود يعنى خواهندكه ازما دركذرند وعذاب مازيشان فوت ] { اولئك } الموصوفون بالسعى والمعاجزة { اصحاب الجحيم } اى ملازمون النار الموقدة وقيل هواسم دركة من دركاتها : وفى المثنوى
هركه برشمع خدا آرد تفو ... شمع كى ميرد بسوزد بوزاو
كى شود دريا زبوزسك نجس ... كى شود خورشيد ازبف منطمس
وفى التأيلات النجمية يشير الى ان من عاند اهل آياته من خواص اوليائه اولئك اصحاب جحيم الحقد والعداوة ورد الولاية والسقوط عن نظر الله وجحيم نار جهنم فى الاخرة واذا اراد الله تعالى بعبد خيرا يحوله عن الانكار ويوفقه للتوبة والاستغفار روى ان رجلا قال كنت ابغض الصوفية فرأيت بشرا الحافى يوما قد خرج من صلاة الجمعة فاشترى خبزا ولحما مشويا وفالوذجا وخرج من بغداد فقلت انه زاهد البلد فتبعته لانظر ماذا يصنع وظنتت انه يريد التنعم فى الصحراء فمشى الى العصر فدخل مسجدا فى قرية وفيه مريض فجعل يطعمه فذهبت الى القرية لانظر جئت فلم اجد بشرا فسألت المريض فقال ذهب الى بغداد فقلت كم بينى وبين بغداد قال اربعون فرسخا فقلت انا لله وانا اليه راجعون ولم يكن عندى ما اكترى به وانا عاجز عن المشى فبقيت الى جمعة اخرى فجاء بشء ومعه طعام للمريض فقال المريض يا ابا نصر رد هذا الرجل الى منزله فنظر الىّ مغضبا وقال لم صحبتنى فقلت اخطأت فاوصلنى الى محلتى فقال اذهب ولا تعد فتبت الى الله وانفقت الاموال وصحبتهم وفى الحكاية اشارات منها ان كرامات الاولياء حق ومنه ان انكار ماليس للعقل فيه مجال خطأ ومنها ان الرجوع الى باب وارث الرسول ينظم العبد فى سلك القبول : قال الحافظ
كليد كنج سعادت قبول اهل دلست ... مبادكس كه درين نكته شك وريب كند
قال بعض الكبار الاستمداد من اهل الرشاد وان كان صالحا غظيما فى نيل المراد الا ان حسن الاعتقاد مع مباشرة الاسباب يسهل الامور الصعاب ويوصل الى رب الارباب والله مفتح الابواب والهادى الى سبيل الصواب ، وقال بعضهم المنكر على العلماء بالله انما انكر لقصور فهمه وقلة معرفته فان علومهم مبنية على الكشف والعيان وعلوم غيرهم من الخواطر الفكرية والاذهان وبداية طريقهم التقوى والعمل الصالح وبداية طريق غيرهم مطالعة الكتب والاستمداد من المخلوقين فى حصول المصالح ونهاية علومهم الوصول الى شهود حضرة الحى القيوم ونهاية علوم غيرهم تحصيل الوظائف المناصب والخطام الذى لا يدوم فلا طريق الا طريق السادة الائمة الهداة القادة .(8/425)
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)
{ وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبى } هذا دليل بين تغير الرسول والنبى والرسول انسان ارسله الله الى الخلق لتبليغ رسالته وتبيين ما قصرت عنه عقولهم من مصالح الدارين وقد يشترط فيه لكتاب بخلاف النبى فانه اعم وبعضده ماروى انه عليه السلام سائل عن الانبياء فقالت « مائة الف واربعة وعشرون الفا » قيل فكم الرسم منهم قال « ثلاثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا » وفى رواية « مائتا الف واربعة وعشرون الفا » ، وقال القهستانى الرسول من بعث لتبليغ الاحكام ملكا كان او انسانا بخلاف النبى فانه مختص بالانسان ، قال الكاشفى فى تفسيره [ در بعض تفاسير قصة القاء الشيطان درامنيت بيغمبر وبروجهى آورده اندكه مرضى اهل تحقيق نيست وما ازتأويلات علم الهدى وتيسير وديكر كتب معتبره جون معتمد فى المعتقد وذروة الاحباب مدت انوار جمال مؤلفه الى يوم الحساب آنرا اينجايراد كرديم بطريقى كه موافق اهل سنت است آورده اندكه جون والنجم نازل شد سيد عالم عليه السلام آنرا در مسجد الحرام درمجمع قريش ميخواند ودرميان آيتها توقف مى نمود تامردم تلقى نموده ياكيرند بس طريق مذكور بعد ازتلاوت آيت { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى } متوقف شد وشيطان دران ميان مجال يافت بكوش مشركان رسانيدكه تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى حاصل معنى آنكه ايشان بزركان يامرغان بلند بروازند واميد بشفاعت ايشان ميتوان داشت كفار باستماع اين كلمات خوش دل شده بنداشتندكه حضرت بيغمبر خواند وبتان ايشانرا ستايش كرد لا جرم در آخر سوره كه آن حضرت بامؤمنان سجده كردند اهل شرك اتفاق كردند جبرائيل فرود آمد وصورت حال بعرض رسانيد ودل مبارك حضرت بسيار اندوهناك شد وحق تعالى جهت تسليت خاطر عاطرسيد عالم آيت فرستاد وفرمود وما ارسلنا الخ ] { الا اذا تمنى } اى قرأ ، قال فى القاموس تمنى الكتاب قرأه ، قال الراغب التمنى تقدير شيء فى النفس وتصويره فيها والامنية الصورة الحاصلة فى النفس من تمنى الشىء وقوله تعالى { ومنهم اميون لا يعلمون الكتاب الا امانى } معناه الا تلاوة مجردة عن المعرفة من حيث ان التلاوة بلا معرفة المعنى تجرى عند صاحبها مجرى امنية تمناها على التخمين { القى الشيطان فى امنيته } اى قراءته كما فسره الراغب وغيره ، قال الكاشفى [ بيفكند شيطان نزديك تلاوت آز آنجه خواست جنانكه بوقت تلاوت حضرت بيغمبر ماعليه السلام شيطانى كه اورا ابيض كويند بهنجار آواز حضرت آن كلمات برخواند وكمان بردند آن تلاوت بيغمبراست ] { فينسخ الله } يزيل ويبطل فالمراد بالنسخ هو النسخ اللغوى لا النسخ الشرعى المستعمل فى الاحكام { ما يلقى الشيطان } من كلمات الكفر { ثم يحكم الله } يثبت { آياته } التى تلاها الانبياء عليهم السلام حتى لايجد احد سبيلا الى ابطالها { والله عليم } بما اوحى وبما القى الشيطان { حكيم } ذو الحكمة فى تمكنه من ذلك يفعل ما يشاء ليميز به الثابت على الايمان من المتزلزل فيه وقوله لوجوز مثل هذا لأدى الى اشتباه احةوال الانبياء من حيث ان مايسمع عند تلاوتهم من قولهم او من القاء الشيطان فيتعذر الاقتداء مدفوع بان ما القى الشيطان امر ظاهر بطلانه عند المؤمنين المخلصين ألا ترى ان القرآن ورد بابطال الاصنام فكيف يجوز كون قوله تلك الغرانيق الخ من القرآ ولو سلم فالنسخ والاحكام والايقاف على حقيقة الامر ولو بعد حين يجلى كل مشتبه فيكون القاء الشيطان من باب الامتحان والتعليل الآتى يرفع النقاب ويهدى المتردد الى طريق الصواب .(8/426)
لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53)
قوله { ليجعل } اى مكنه الله من الالقاء فى قراءة النبى عليه السلام خاصة ليجعل ان تمكينه تعالى اياه من الالقاء فى حق سائر الانبياء لا يمكن تعليله بما سيأتى فأول الآية عام وآخرها خاص { وما يقلى الشيطان فتنة } [ ازمايشى وابتلايى ] { للذين فى قلوبهم مرض } اى شك ونفاق لانه مرض قلبى مؤد الى الهلاك الروحانى كما ان المرض القلبى مؤد الى الهلاك الجسمانى { والقاسية قلوبهم } أى المشركين والقسوة غلظ القلب واصله من حجر قاس والمقاساة معالجة ذلك ، قال الكاشفى [ مرد آنست كه منافق ومشرك از القاى شيطان درشك وخلاف افتند ] { وان الظالمين } اى المنافقين والمشركين وضع الظاهر موضع ضميرهم تسجيلا عليهم بالظلم { لفى شقاق } خلاف { بعيد } عن الحق اى لفى عداوة شديدة ومخالفة تمة ووصف الشقاق بالبعد مع ان الموصوف به حقيقة هو معروضه للمبالغة .(8/427)
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54)
{ وليعلم الذين اتوا العلم انه } اى القرآن ، وفى التفسير الجلالين ان الذى احكم الله من آيات القرآن { الحق من ربك } اى هو الخلق النازل من عنده ليس للشيطان مجال تصرف فيه من حق الامر اذا ثبت ووجب { فيؤمنوا به } القرآن اى يثبتوا على الايمان به او يزدادوا ايمانا برد ما يلقى الشيطان وهو عطف على قوله ليعلم { فتخبت له قلوبهم } تخشع وتتواضع وقد مر بيان الاخبات فى هذه السورة ، قال الكاشفى [ بس نرم شود براى قرآن دلها ايشاتن واحكام آنرا قبول كنند ] { وان الله لهادى الذين آمنوا } اى فى الامور الدينية خصوصا فى المداحض والمشكلات التى من جملتها ماذكر { الى صراط مستقيم } هو النظر الصحيح الموصل الى الحق الصريح .
وفى التأويلات النجمية ان الله ليبتلى المؤمن المخلص بقتنة وبلاء ويرزقه حسن بصيرة يميز بها بين الحق والباطل فلا يظله غمام الريب وينجلى عنه غطاء الغفلة فلا يؤثر فيه دخان الفتننة والبلاء كما لا تأثير للضباب الغداة فى شعاع الشمس عند متوع النهار اى ارتفاعه وان الهداية من الله ومن تأييده لامن الانسان وطبعه وان من وكله الله الى نفسه وخذله بطبعه لا يزول عنه الشك والكفر والضلالة الى الابد ولو عالجه الصالحونك قال المولى الجامى
آنراكه زمين كشد درون جون قارون ... نى موسيش آورد برون نى هارون
فاسد شده راز روزكار وارون ل ... ايمكن ان يصلحه العصارون
وقال الشيخ
توان باك كردن زرنك آينه ... وليكن نيايد زسند آينه
فعلى العاقل ان يستسلم لامر القرآن المبين ويجتهد فى اصلاح النفس الامارة الى ان يأتى اليقين فان النفس سحارة ومكارة ومحتالة وغدارةك قال الشيخ المغربى
ملك بودكه افتاد درجة بابل ... جه سحرها ست درين قعرجاه بابل ما(8/428)
وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55)
{ ولا يزال الذين كفروا فى مرية منه } اى فى شك وجدال من القرآن ، قال الراغب المرية التردد فى الامر وهى اخص من الشك { حتى تأتيهم الساعة } القيامة وقد سبق وجه تسميتها بها مرارا { بغتة } فجاءت على غفلة منهم : وبالفارسية [ ناكهان ] { او يأتيهم عذاب يوم عقيم } اصل العقم اليبس المانع من قبول الاثر والعقيم من النساء التى لا تقبل ماء الفحل ولمعنى عذاب يوم لا يوم بعده كان كل يوم يلد ما بعده من الايام فما لايوم بعده يكون عقيما والمراد به الساعة ايضا بشهادة ما بعد الآية من تخصيص الملك فيه بالله والحكم بين الفريقين كأنه قيل او يأتيهم عذابها فوضع ذلك موضع ضميرها لمزيد التهويل كذا فى الارشاد ، يقول الفقير ان الساعة شفعت فى القرآن بالعذاب الدنيوى فى مواضع كثيرة كما فى قوله تعالى { أفامنوا ان تأتيهم غاشية من عذاب الله او تأتيهم الساعة بغتة } وفى قوله تعالى { حى اذا رأوا ما يوعدون اما العذاب وما الساعة } ونحوها فالظاهر ان اليوم العقيم يوم لا يلد خيرا وليس لهم فيه فرج ولا فرح اصلا كيوم بدر ونحوه ولما كان زمان الموت آخر زمان من ازمنة الدينا واول زمان من ازمنة الآخرة اثبت فيه تخصيص التصرف بالله والحكم بين الفريقين فى الآية الآتية من حيث اتصال زمان الموت بزمان القيامة .(8/429)
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56)
{ الملك } اى السلطان القاهر والاستيلاء التام والتصرف على الاطلاق : وبالفارسية [ بادشاهى وفرمان وهى ] { يومئذ } يوم اذتأتيهم الساعة او العذاب { لله } وحده بلا شريك اصلا لامجازا ولا حقيقة : يعنى [ امروز ملوك وسلاطين دعوىء سلطنت ملك دارى ميكنند دران روز كمر تكبر ازميان متجبران بكسايند وتاج ازسر خسروان بربايند ودعويها منقطع وكلماتها مرتفع كردد ومالك ملك رخت تخيلات وتصورات ملوك را در قعر درياى عدم افكند ورسوم توهمات وتفكرات سلاطين بصدمت لمن الملك اليوم درهم شكندهمه را جزا ظهار عبوديت واقرار بعجز ويجاركى جاره نباشد
آن سركه صيت افسرش ازجرخ دركذشت ... روزى بر آستانه او خاك در شود
قال الشيخ سعدى قدس سره
همه تخت وملكى بذيرد زوال ... بجز مالك فرمان ده لايزال
قال ابن عطاء الملك على دوام الاوقات وجميع الاحوال له تعالى ولكن يكشف للعوام الملك يومئذ لابراز القهاية والجبارية فلا يقدر احد ان يجحد ما عاين { يحكم بينهم } كأنه قيل فماذا يصنع بهم حينئذ فقيل يحكم بين فريقى المؤمنين بالقرآن والمجادلين فيه بالمجازاة ثم فسر هذا الحكم وفصله بقوله { فالذين آمنوا } بالقرآن ولم يجادلوا فيهي { وعملوا الصالحات } امتثالا بما امر فى تضاعيفه { في جنات نعيم } مستقرون فيها ، قال الكاشفى [ در بوستانهاى ناز ونعمت اند بى رنج ومحنت ] ، قال الراغب النعيم النعمة الكثيرة .(8/430)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57)
{ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا } اى اصروا على ذلك استمروا { فاولئك } متبدأ خبره جملة قوله { لهم عذاب مهين } [ خوار كننده ورسوا سازنده ] ، قال السمرقندى مهين يذهب بعزهم وكبرهم رأسا وبالكلية ويلحقهم من الخزى والصغار مالا يحيط به الوصف ، قال فى الارشاد ومهين صفة لعذاب مؤكدة لما افاده التنوين من الفخامة وادخال الفاء فى خبر الثانى دون الاول تنبيه على ان اثابة المؤمنين بطريق التفضل لا لايجاب الاعمال الصالحة اياها وان عقاب الكفارين بسبب اعمالهم السيئة ، واعلم ان الفصل والحكومة العادلة كائن لامحالة وان كان الكفار فى شك من القرآن ومانطق به من البعث والمجازاة روى ان لقمان وعظ انبه وقال يا بنىّ ان كنت فى شك من الموت فادفع عن نفسك النوم ولن تستطيع ذلك وان كنت فى شك من البعث فاذا نمت فادفع عن نفسك الانتباه ولن تستطيع ذلك فانك اذ فكرت فى هذا علمت ان نفسك بيد غيرك فان النوم بمنزلة الموت واليقظة بعد النوم بمنزلة البعث بعد الموت فاذا عرف العبد مولاه قبل امره ونال به عزة لاتنقطع ابدا و هى عزة الآخرة التى تستصغر عندها عزة الدنيا روى ان عابدا رأى سليمان عليه السلام فى عزة الملك فقال يابن دود لقد آتاك الله ملكا عظيما فقال سليمان لتسبيحه واحدة خير مما فيه سليمان فانها تبقى وملك سليمان يفنى فاذ كانت التسبيحة الواحدجة افضل من ملك سليمان فما ظنك بتلاوة القرآن الذى هو افضل الكتب الالهية ، قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر فى الفتوحات المكية يستحب لقارىء القرآن فى المصحف ان يجهر بقراءته ويضع يده على الآية يتبعها فيأخذ اللسان حظه من الرفع ويأخذ البصر حظه من النظر وتأخذ اليد حظها من المس قال وهكذا كان يتلو ثلاثة من اشياخنا منهم عبدالله بن مجاهد فعلى العاقل ان يجتهد فى الوصول الى اعالى درجات الجنان بالاذكار وتلاوة القرآن .(8/431)
وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58)
{ والذين هاجروا } فارقوا اوطانهم { في سبيل الله } فى الجهاد الموصل الى جنته ورضاه حسبما يلوح به قوله تعالى { ثم قتلوا } [ بس كشته شدند درجهاد بادشمنان دين ] والقتل ازالة الورح عن الجسد لكن اذا اعتبر بفعل المتولى لذلك يقال قتل واذا اعتبر بفوت الحياة يقال موت { او ماتوا } ايى في تضاعيف المهاجرة . وبالفارسية [ يابمردن شربت شهادت ناجشيده ] { ليرزقهم الله رزقا حسنا } مرزوقا حسنا والمراد نعيم الجنة الغير المنقطع ابدا ، قال الكاشفى [ هر آينه روزى دهد خداى تعالى ايشانرا روزى نيكركه نعيم بهشت است نه تعبى رسد در تحصيل ىن ونه علتى بود درتناول آن ونه دغدغة انقطاع باشد دران روزى ] { وان الله خير الرزاقين } فانه يرزق بغير حساب مع ان ما يرزقه لايقدر عليه احد غيره والرزق العطاء الجارى دنيويا كان او اخرويا ثم بين مسكنهم .(8/432)
لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59)
بقوله { ليدخلنهم مدخلا } اسم مكان اريد به الجنة { يرضونه } لما انهم يرون فيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر { وان الله لعليم } باحوال كل { حليم } لا يعاجل بعقوبة الاعداء مع غاية الاقتدار روى ان ابراهيم عليه السلام رأى عاصيا فى معصيته فدعا عليه وقال اللهم اهلكه ثم رأى ثانيا وثالثا ورابعا فدعا عليه فقال الله تعالى يا ابراهيم لو اهكلنا كل عبد عصى ما بقى الا القليل ولكن اذا عصى امهلناه فان تاب قبلناه وان استغفر اخرنا العذاب عنه لعلمنا انه لايخرج عن ملكنا ، قال الكاشفى [ آورده اندكه بعضى ازصحابه كفتند يا رسول الله باجمع بردران دينى بجهاد ميرويم ايشان شهيد ميشوند وبعطيات الهى اختصاص ميكردند اكر ما بميريم وشهيد نميشويم حال ما جون باشد اين آيت فرود آمد ] يعنى سوى فى الآية بين المقتول والمتوفى على حاله فى الوعد لاستوائهما فى العقد وهو التقرب الى الله ونصرة الدين ونظيره ما قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر فى الفتوحات المكية انما قال المؤذن قد قامت الصلاة بلفظ الماضى مع ان الصلاة مستقبلة بشرى من الله لعباده لمن جاء الى المسجد ينتظر الصلاة او كان فى الطريق آتيا اليها او كان فى حال الوضوء بسببها او كان فى حال القصد الى الوضوء قبل الشروع فيه ليصلى بذلك الوضوء فيموت فى بعض هذه المواطن قبل وقوع الصلاة منه فبشره الله بان الصلاة قد قامت له فى هذه المواطن كلها فله اجر من صلاها وان كانت ماوقعت منه فلذلك جاء بلفظ الماضى لتحقق الحصول فاذا حصلت بالفعل ايضا فله اجر الحصول كذلك وقد ورد ان احدكم فى صلاة ما انتظر الصلاة انتهى روى ان جنازتين اصيب احدهما بمنجنيق والآخر توفى فجلس فضالة بن عبيد عند قبر المتوفى فقيل له تركت الشهيد فلم تجلس عنده فقال ما ابالى من أى حفرتيهما بعثت ان الله تعالى يقول { والذين هاجروا فى سبيل الله ثم قتلوا او ماتوا } الآية وفى الحديث « من خرج حاجا فمات كتبه له اجر الحاج الى يوم القيامة ومن خرج معتمرا فما كتب له اجر المعتمر الى يوم القيامة ومن خرج غازيا فمات كتب له اجر الغازى الى يوم القيامة » روى ان ابا طلحة رضى الله عنه لما غزا فى البحر فمان طلبوا جزيرة يدفنونه فيها فلم يقدروا عليها الا بعد سبعة ايام وما تغير جسده وهذا من صفة الشهداء ، وقال بعضهم مراتب حسن الارزاق متفاوتة تفاوت حسن حال المرزوقين فلا تقتضى الآية تساوى المقتول والمتوفى على كل حال فللمقتول فى سبيل الله مزية على الميت بما اصابه فى ذات الله تعالى فهو فضل منه ويدل عليه دلائل كثيرة منها قوله عليه السلام لما سئل أى الجهاد افضل « ان يعقر جوادك ويهراق دمك » وايضا المقتول فى سبيل الله يجيء وريح دمه ريح المسك والميت لم ينل ذلك وايضا المقتول يتمنى الرجعة الى الدنيا ليقتل في سبيل الله مرة ثانية لما يرى من فضل الشهادة وليس كذلك الميت وايضا القتل فى سبيل الله يكفر كل ذنب ولم يرد ذلك فى الموت وايضا الميت فى سبيل الله يغسل والمقتول لايغسل وايضا الشهيد المقتول يشفع ولم يرد ذلك فى الميت وايضا لشهيد يرى الحور العين قبل ان يجف دمه وليس كذلك الميت ، وفى الىية اشارة الى المهاجرة عن اوطان الطبيعة فى طلب الحقيقة وقتل النفس بسيف الصدق او الموت عن الاوصاف البشرية واجر هذا هو الرزق المعنوى فى الدينا فرزق القلوب حلاوة العرفان ورزق الاسرار مشاهدات الجمال ورزق الاوراح مكاشفات الجلال : وفى المثنوى(8/433)
اى بسا نفس شهيد معتمد ... مرده دردينا وزنده مى رود
اى بسا خامى كه ظاهر خويش ريخت ... ليك نفس زندة آن جانب كريخت
آلتش بشكست وره زن زنده ماند ... نفس زندة است ارجه مركب خون فاشند(8/434)
ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)
{ ذلك } خبر مبتدأ محذوف اى الامر ذلك الذى قصصنا علكيم وبينا لكم والجملة لتقرير ما قبله والتنبيه على ان ما بعده كلام مستأنف { ومن } [ وهركه ] { عاقب بمثل ما عوقب به } اى من جازى الظالم بمثل ماظلم ولم يزد فى الاقتصاص والعقوبة اسم لما يعقب الجرم من الجزاء وانما سمى الابتداء بالعقاب الذى هو جزاء الجناية اى مع انه ليس بجزاء يعقب الجريمة للمشالكة او على المجاز المرسل فانه ما وقع ابتداء سبب لما وقع جزاء وعقوبة فسمى السبب باسم المسبب { ثم بغى عليه } ظلم عاليه بالمعاودة الى العقوبة يقال بغى عليه بغيا علا وظلم ، قال الراغب البغى طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى تجاوزه اولم يتجاوزه فتارة يعتبر فى القدرة التى هى الكمية وتارة يعتبر فى الوصف الذى هو الكيفية يقال بغيت الشىء اذا طلبت اكثر ما يجب { لينصرنه الله } على من بغى عليه لا محالة وهو خبر من { ان الله لعفو غفور } مبالغ فى العفو والغفران فيعفو عن المنتصر ويغفر له ما صدر عنه من ترجيح الانتقام على العفو الصبر المندوب اليهما بقوله { ولمن صبر وغفر ان ذلك لمن عزم الامور } فالعفو وان اقتضى سابقية الجناية من المعفو عنه لكن الجناية لا تلزم ان تكون بارتكاب المحرم بل قد يعد ترك ما ندم اليه جناية على سبيل الزجر والتغليظ وفى بحر العلوم العفو محاء للذنوب بازالة آثرها من ديوان الحفظة والقلوب بالكلية كى لا يطالبهم بها يوم القيامة ولا يخجلوا عند تذكرها وبان يثبت مكان كل ذنب عملا صالحا كما قال { اولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } غفور اى مريد لازالة العقوبة عن مستحقها من الغفر وهو الستر اى ستور عليهم وقدم العفو لانه ابلغ لانه يشعر بالمحو الذى هو ابلغ من الستر وفيه اشارة الى ان الاليق بالمنتصر والاقرب بحاله ان يعفو ويغفر عن كل من ظلمه ويقابله بالاحسان
بدى را بدى سهل باشد جزا ... اكر مردى احسن الى من اساء
ولا يذكر ما صدر منه من النواع الجفاء والاذى فانه متى فعل ذلك فان الله اكرم الاكرمين اولى ان يفعل ذلك عى ان الانتصار لا يؤمن فيه تجاوز لتسوية والاعتداء خصوصا فى حال العضب والحرب والتهاب الحمية فربما كان المنتصر من الظالمين وهو لايشعر انتهى كلام البحر ، يقول الفقير سمعت من فى حضرة شيخى وسندى قدس سره وهو يقول الانسان لكامل كالبحر فمن آذاه واغتابه او قصد اليه بسوء فانه لا يتكدر به بل يعفو عنه ألا يرى ان الوبل اذا وقع فى البحر فالبحر يطهره وكذا من اجنب اذا دخل البحر واغتسل فانه يتطهر ولا يتغير البحر لا بالبول ولا بدخول الجنب وقال روح الله روحه من قال حقنا قولا فاحشا او فعل فعلا مكروها فهو فى حال فانه ارادة الانتقام له او وقوعه فى امر مكروه من باب الشرك فى طريقنا فنحن لانلتف اليه اصلا بل الى ما وتر الله لنا من الامور وكل فعله حسن وقد اخفى جماله فى جلاله واطال فى ذلك وهو مذكور فى كتابنا المسمى بتمام الفيض ، قال فى الخلاصة فى كتاب الحدود رجل قال لآخر يا خبيث هل يقول له بل انت الاحسن ان يكف عنه ولا يجيب ولو رفع الامر الى القاضى ليؤدب يجوز ومع هذا لو اجاب لا بأس به ، وفى مجمع الفتاوى فى كتاب الجنايات لو قال لغيره يا خبيت فجازاه بمثله جاز لانه انتصار بعد الظلم وذلك مأذون فيه قال الله تعالى(8/435)
{ ولمن انتصر بعد ظلمه فاولئك ما عليهم من سبيل } والعفو افضل قال الله تعالى { فمن عفا و اصلح فاجره على الله } وان كانت تلك الكلمة موجبة للحد لا ينبغى له ان يجيبه بمثلها تجرزا عن ايجاب لحد على نفسه انتهى كام قال فى التنوير لو قال لآخر يا زانى فقال الآخر لا بل انت الزانى حد بخلاف مالو قال له مثلا يا خبيث فقال انت تكافئا ، وفى التوير ايضا ضرب غيره بغير حق وضربه المضروب بعزران ويبدأ فى اقامة التعزير بالبادى .(8/436)
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61)
{ ذلك } النصر هو مبتدأ خبره قوله { بان الله يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل } اى بسبب ان القادر على ما يشاء من التغليب وغيره من آيات قدرته البالغة الدالة على التغليب انه يحصل ظلمة الليل فى مكان ضياء النهار بتعييب الشمس وضياء النهار فى مكان ظلمة الليل باطلاعها وجعلها طالعة او يزيد فى احد الملوين ما ينقص من الآخر من الساعات ، قال الراغب الولوج الدخول فى مضيق قال تعالى { حتى يلج الجمل فى سم الخياط } وقوله { يولج الليل } الخ تنبيه على ركب الله عليه العالم من زيادة الليل فى النهار وزيادة النهار فى الليل وذلك بحسب مطالع الشمس ومغاربها { وان الله سميع } يسمع قول المعاقب والمعاقب { بصير } يرى افعالهما فلا يهملهما .(8/437)
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)
{ ذلك } الوصف بكمال العلم والقدرة { بان الله هو الحق } فى الالوهية { وان ما يدعون } يعبدون { من دونه هو الباطل } الهية { وان الله هو العلى } على جميع الاشياء { الكبير } عن ان يكون له شريك لا شىء اعلى منه شأنا واكبر سلطانا .
وفى التأويلات النجمية اعلى من مايجده الطالبون بداية والعظيم الذى لا يدرك الواصلون نهايته ، وفى بحر العلوم هو العلى شأنه اى امره وجلاله فى ذاته وافعاله لا شىء اعلى منه شأنا لانه فوق الكل بالاضافة وبحسب الوجوب وهو فعيل من العلو فى مقابلة السفل وهما فى الامور المحسوسة كالعرش والكرسى مثلا وفى الامور المعقولة كام بين النبى وامته وبين الخليفة والسلطان والعالم والمتعلم من التفاوت فى الفضل والشرف والكمال والرفعة ولما تقدس الحق سبحانه عن الجسمية تقدس علوه عن ان يكون بالمعنى الاول وهو الامور المحسوسة فتعين واختص بالثاني ، قال الامام الغزالى رحمه الله العبد لا يتصور ان يكون عليا مطلقا اذلا ينال درجة الا ويكون فى الوجود ماهو فوقها وهى درجات الانبياء والملائكة نعم يتصور ان ينال درجة لايكون فى جنس الانس من يفوقه وهى درحة نبينا عليه الصلاة والسلام ولكنه قاصر بالاضافة الى العلو المطلق لانه علو بالاضافة الى بعض الموجودات والآخر انه علو بالاضافة الى الوجود لابطريق الوجوب بل يقارنه امكان وجود انسان فوقه فالعلى المطلق هو الذى له الفوقية لا بالاضافة وبحسب الوجوب لا بحسب الوجود الذى يقارنه امكان نقيضه والكبير هو ذو الكبرياء عبارة عن كمال الذات المعنى به كمال الوجود وكمال الوجود بشيئين احدهما ان يصدر عنه كل موجود والثانى ان يدوم اذ كل وجود مقطوع بعدم سابق او لاحق فهو ناقص ولذلك يقال للانسان اذا طالت مدة وجوده انه كبير اى كبير السن طويل مدة البقاء ولا يقال عظيم السن فالكبير يستعمل فيما لايستعمل فيه العظيم والكبير من العباد هو الكامل الذى لاتقتصر عليه صفات كماله بل تسرى الى غيره ولا يجالسه احد الا ويفيض عليه من كماله شىء وكمال العبد فى عقله وورعه وعلمه فالكبير هو العالم التقى المرشد للخلق الصالح لان يكون قدوة يقتبس من انواره وعلومه ولهذا قال عيسى عليه السلام من علم وعمل وعلم فذلك يدعى عظيما فى ملكوت السماء وقيل لعيسى عليه السلام يا روح الله من نجالس فقال من يزيد فى علمكم منطقه ويذكركم الله رؤيته ويرغبكم فى الآخرة عمله ، وفى الآية اشارة الى ان ماسوى الله باطل اى غير موجود بوجود ذاتى : وفى المثنوى
كل شىء ماخلا الله باطل ... ان فضل الله غيم هاطل
ملك ملك وست او خودمالكست ... غير ذاتش كل شىء هالكست
قال الشيخ ابو الحسن الكبرى استغفر الله مما سوى الله اى لان الباطل يستغفر من اثبات وجوده لذاته فعلى العاقل ان يجتهد فى تحصيل الشهود واليقين ويصل فى التوحيد الى مقام التمكين
تدام وحدت زدى حافظ شوريده حال ... خامه توحيد كش برورق اين وآن
نسأل الله التوفيق لدرك الحقيقة على التحقيق .(8/438)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63)
{ ألم تر ان الله ا نزل من السماء ماء فتصبح الارض مخضرة } [ سبز كشته يكبار بعد ازبزمردكى وخشكى ] ، قال الراغب الخضرة احد الالوان بين البياض والسواد وهو الى السواد اقرب ولهذا يسمى الاسود اخضر والاخضر اسةود وقيل سواد العراق للموضع الذى تكثر فيه الخضرة قوله ألم تر استفهام تقرير ولذلك رفع فتصبح عطفا على انزل اذلو نصب جوابا للاستفهام لدل على نفى الاخضرار والمقصود اثباته كما يدل النصب على نفى النظر فو قوله { افلم يسيروا فى اللاض فينظروا } واورد تصبح بصيغة المضارع ليدل على بقاء اثر المطر زمانا بعد زمان { ان الله لطيف } يصل لطفه الى الكل من حيث لا يعلم ولا يحتسب ، وقال الكاشفى [ لطف كننده است بربندكان باروييدن كياه تا ايشانرا ازان روزى دهد ] { خبير } بما يليق من التدابير الحسنة ظاهرا وباطنا ، وقال الكاشفى [ داناست بحال رزقا ومرزوقا ](8/439)
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)
{ له مافى السموات ومافى الارض } خلقا وملكا وتصرفا { وان الله لهو الغنى } فى ذاته عن كل شىء : وبالفارسية [ هر آينه اوست بى نياز درذات خود ازهمه اشياء ] .
وفى التأويلات النجمية لا ينقص غناه من مواهبه { الحميد } المستوجب للحمد بصفاته وافعاله .
وفى التأويلات النجمية فى ذاته مستعن عن الحامدين ، قال الامام العزالى رحمه الله الحميد هو المحمود المثنى عليه والله تعالى هو الحميد لحمده لنفسه ازلا ولحمد عباده له ابدا ويرجع هذا الى صفات الجلال والعلو والكمال منسوبا الى ذكر الذاكرين له فان الحمد هو ذكر اوصاف الكمال من حيث هو كمال .(8/440)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65)
{ الم تر ان الله سخر لكم مافى الارض } اى جعل ما فيها من الاشياء مذللة لكم معدة لمنافعكم تتصرفون فيها كيف شئتم فلا اصلب من الحجر ولا اشد من الحديد ولا اهيب من النار وهى مسخرة منقادة لكم { والفلك } عطف على ما او على اسم ان { تجرى فى البحر بامره } حال من الفلك والمراد بالامر التيسير والمشيئة { ويمسك السماء } من { ان تقع على الارض } بان خلقها على صورة متداعية الى الاستمساك يقال امسك الشىء اذا اخذه والوقوع السقوط { الا باذنه } اى بمشيئة ، قال الراغب الاذن فى الشىء الاعلام باجازته والرخصة فيه انتهى ، وذلك يوم القيامة وفيه رد لاستمساكها بذاتها فانها مساوية لسائر الاجسام فى الجسيمة فتكون قابلة للميل الهابط كقبول غيرها ، يقول الفقير من الغرائب ما رأيت فى بعض الكتب ان طائرا كان يتدلى من الشجرة برجله كل ليلة الى الصباح ويصبح خوفا من وقوع السماء عليه ونظيره ما ذكره الحافظ ان الكركى لا يطأ الارض بقدميه بل باحدهما فاذا وطئها لم يعتمد عليها خوفا ان تخسف الارض وفى هذين عبرة لاولى الابصار { ان الله بالناس لرؤوف رحيم } [ مهربان وبخشاينده است ] حيث هيألهم اسباب معاشهم وفتح لهم ابواب المنافع ودفع عنهم انواع المضار واوضح لهم مناهج الاستدلال بالآيات التكوينية والتنزيلية والرؤف بمعنى الرحيم او الرأفة اشد الرحمة او ارقها كما فى القاموس ، قال فى بحر العلوم لرؤف لمريد للتخفيف على عباده رحيم مريد للانعام عليهم .(8/441)
وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ (66)
{ وهو الذى احياكم } بعد ان كنتم جمادا عناصر ونطفا حسبما فصل فى مطلع السورة الكريمة { ثم يميتكم } عند مجيء آجالكم { ثم يحييكم } عند البعث { ان الانسان لكفور } اى لجحود للنعم مع ظهورهاه فلا يعبد المنعم الحقيقى وهذا وصف للجنس بوصف بعض افراده ، قال الجنيد قدس سره احياكم بمعرفته ثم يميتكم باوقات الغفلة والفترة ثم يحييكم بالجذب بعد الفترة ثم يقطعكم عن الجملة فيوصلكم اليه حقيقة ان الاسنان لكفور يذكر ماله وينسى ما عليه ، اعلم ان الله تعالى كرم الانسان وعظم شأنه فنقله من عالم الجماد الى عالم النبات ثم منه الى عالم الحيوان ثم جعله ناطقا وافاض عليه نعمة الصورية والمعنوية وجعل الموجودات خادمة له فلا بد من الشكر لالطافه والشكر اظهار النعمة والكشف عنها ونقيضه الكفران وهو سترها واخفاؤها وكل نعمة فهى سبيل الى معرفة المنعم لانها اثره فيلزم الاستدلال بالاثر على المؤثر وهو الايمان اليقينى وفى الحديث القدسى « كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق وتحببت اليهم بالنعم حتى عرفونى » فعلى العاقل ان لا يغتر بالنعم والغنى ويلاحظ التوفيق فى كل حال وفى الخبر ان الله تعالى قال للنبى صلى الله عليه وسلم « قل للقوى لا تعجبنك قوتك فان اعجبتك قوتك فادفع الموت عن نفسك وقل للعالم لا يعجبنك علمك فان اعجبك علمك فاخبرنى متى اجلك وقل للغنى لا يعجبنك مالك وغناؤك فان اعجبك فاطعم خلقى غداء واحدا » فالانسان عاجز والله على كل شىء قدير ومنه النعمة الى الصغير ولكبير قال الشيخ سعدى قدس سره
اديم زمين سفره عام اوست ... برين خوان يغماجه دشمن جه دوست
ولكن عضو من اعضاء الانسان طاعة تخصه فاذا لم يصرفه الى مصارفه لم يستخدمه فيما يناسب له فقد تعرض لسخط الله تعالى : وفى البستان
يكى كوش كودك بماليد سخت ... كه اىبوالعجب رأى وبركشته بخت
تراتيشه دادم كه هيزم شكن ... نكفتم كه ديوان مسجد بكن
زبان آمد از بهر شكر وسباس ... بغيبت نكر داندش حق شناس
كذركاه قرآن ويندست كوش ... به بهتان وباطل شنيدن مكوش
دوجشم از بى صنع بارى نوكست ... زعيب برادر فروكير ودوست
يقال علامة المنيب اى المقبل الى الله تعالى فى ثلاث خصال . اولاها ان يجعل قلبه للتفكر فى صفات الله والامور الاخروية . والثانية ان يجعل لسانه للذكر والشكر . والثالثة ان يجعل بدنه للخدمة فى سبيل الله تعالى بلا فتور الى ان يأتى الموت نسأل الله سبحانه ان يوفقنا لطاعته وخدمته ويشرفنا بجنته ووصلته .(8/442)
لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67)
{ لكل امة } معينة من الامم الماضية والباقية والامة جماعة ارسل اليم رسول { جعلنا } [ معني ساختيم ] { منسكا } مصدر مأخوذ من النسك وهو العبادة اى شريعة خاصة لا لامة اخرى منهم على معنى عينا مكل شريعة لامة معينة من الامم بحيث لا تتخطى امة منهم شريعتها المعينة لها الى شريعة اخرى لا استقلالا ولا اشتراكا { هم ناسكوه } صفة لمنسكا مؤكدة للقصر المستفاد من تقديم الجار والمجرور على الفعل والضمير لكل امة باعتبار خصوصها اى تلك الامة المعينة ناسكوه والعاملون به لامة اخرى فالامة التى كانت من مبعث موسى الى مبعث عيسى علهيما السلام منسكهم التوراة هم ناسكوها والعاملون بها لاغيرهم والامة التى من مبعث عيسى الى مبعث النبى عليه السلام منسكهم الانجيل هم ناسكوه والعاملون به لا غيرهم واما الامة الموجودة عند بعث النبى عليه السلام ومن بعدهم من الموجودين الى يوم القيامة فهم امة واحدة منسكهم الفرقان ليس الا { فلا ينازعنك } ايى من يعاصرك من اهل الملل يقال نزع الشىء جذبه من مقره كنزع القوس عن كبده والمنازعة المخاصمة { فى الامر } اى فى امر الدين زعما منهم ان شريعتهم ما عين لآبائهم الاولين من التوراة والانجيل فانهما شريعتان لمن مضى من الامم قبل انتساخهما وهؤلاء امة مسستقلة منسكهم القرآن المجيد فحسب : وبالفارسية [ بست بايدكه نزاع نكنند سائر ارباب اديان باتو دركار دين جه امردين توازان ظاهر تسرت كه تصور نزاع دران توان كرد درنور آفتاب جاى تأمل است ] { وادع } الناس كافة ولا تخص امة دون امة بالدعوة فان كل الناس امتك { الى ربك } الى توحيده وعبادته حسبما بين لهم فى منسكهم وشريعتهم { انك لعلى هدى مستقيم } اى طريق موصل الى الحق سوى وهو الدين .(8/443)
وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68)
{ وان جادلوك } وخاصموك بعد ظهور الحق ولزوم الحجة واصله من جدلت الحبل اى حكمت فتله فكأن المجادلين يفتل كل واحد . منهما الآخر عن رأيه { فقل } لهم على سبيل الوعيد { والله اعلم بما تعملون } من الاباطيل التى من جملتها المجادلة فيجازيكما عليها .(8/444)
اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69)
{ الله يحكم بينكم } يفصل بني المؤمنين منكم والكافرين { يوم القيامة } بالثواب والعقاب كما فصل فى الدينا بالحجج والآيات { فيما كنتم فيه تختلفون } من امر الدين .(8/445)
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70)
{ ألم تعلم } الاستفهام للتقرير اى قد علمت { ان الله يعلم مافى السماء والارض } فلا يخفى عليه شىء من الاشياء التى من جملتها ما يقول الكفرة وما يعملونه { ان ذلك } اى مافى السماء والارض { فى كتاب } هو اللوح قد كتب فيه قبل حدوثه فلا يهمنك امرهم مع علمنا به وحفظنا له { ان ذلك } اى ما ذكر من العلم والاحاطة به واثباته فى اللوح { على الله يسير } سهل : وبالفارسية [ آسانست ] فان علمه وقدرته مقتضى ذاته فلا يخفى عليه شىء ولا يعسر عليه مقدور .
وفى الآيات اشارات ، منها ان لكل فريق من الطلاب شرعة هم واردوها ولكل قوم طريقة هم سالكوها ومقاماهم سكانه ومحلاهم قطانه ربط كل جماعة بما اهلهم واوصل كل ذوى رتبة الى ما جعله محلهم فبساط التعبد موطوء باقدام العابدين ومشاهد الاجتهاد معمورة باصحاب الكلف من المجتهدين ومجالس اصحاب المعارف مأنوسة بلوازم العارفين ومنازل المحبين مأهولة بحضور الواجدين ولتفاوت مقامات السلوك والموصول تفاوتت الدعوة الى الله تعالى فمنهم من يدعو الخلق من باب الفناء فى حقيقة العبودية وهو قوله تعالى { وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا } ومنهم من يدعوهم من باب ملاحظة العبودية وهو الذلة والافتقار وما يقتضيه مقام العبودية ومنهم من يدعوهم من باب ملاحظة الاخلاق الرحمانية ومنهم من يدعوهم من باب ملاحظة الاخلاق بالقهرية ومنهم من يدعوهم من باب الاخلاق الالهية وهو ارفع باب واجله وقد قالوا الطرق الى الله بعدد الانفاس الالهية فان الشؤون المتجددة من الله تعالى فى كل مظهر انفاس الالهية ، ومنها ان اهل المجادلة هم اهل التابى والانكار والاعتراض والله اعمل باحوالهم ويحكم يوم القيامة بين كل فريق بما يناسب حاله اما الاجانب فيقول لهم { كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا } واما الاولياء فقوم منهم يحاسبهم حسابا يسيرا وصنف منهم يؤتون اجورهم بغير حساب واما الاحباب فيقعدون فى مقعد صدق عند مليك مقتدر ، ومنها ان السماء سماء القلب وقيه نور اليقين والصدق والاخلاص والمحبة والارض ارض البشرية والنفس الامارة وفيها ظلمة الشك والكذب والشرك وحرص الدنيا فيزيل الله عن ارباب القلوب البلوى ويجمل لهم النعمى وتنزل بارباب النفوس البلوى ولا يسمع منهم الشكوى ان ذلك فى كتاب مكتوب بقلم التقدير فى القدم كما قال الشيخ سعدى
كرت صورت خال بد يانكوست ... نكاريده دست تقدير اوست
ان ذلك على الله يسير مجازاتهم على وفق التقدير سهلة على الله تعالى ولكن ليعرف المؤمن ان كلا ميسر او مهيأ لما خلق له فمن وفق للعلم والعمل كان ذلك علامة للسعادة العظمى ومن ابتلى بالجهل فى طريق الحق بالشريعة والطريقة الى ان يحصل الوصول الى المعرفة والحقيقة واما قوله
قضا كشتى انجا كه خواهد برد ... وكر ناخدا جامه برتن درد
فانظر الى عالم القضاء والعبد اعمى منه وليس له التفحص عن ذلك والله تعالى يقول الحق وهو يهدى السبيل(8/446)
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71)
{ ويعبدون } اى اهل الشرك { من دون الله } اى متجاوزين عبادة الله تعالى { مالم ينزل به } اي بجواز عبادته وما عبارة عن الاصنام { سلطان } اى حجة وبرهانا { وما ليس لهم به } اى بجواز عبادته { علم } حصل لهم من ضرورة العقل او استدلاله فهم انما يعبدون الاصنام بمجرد الجهل ومحض التقليد { وما للظالمين } اى المشركين الذين ارتكبوا مثل هذا الظلم العظيم { من نصير } يدفع عنهم العذاب الذى يعتريهم بسبب ظلمهم .
وفى التأويلات النجمية يشير الى من كان من جملة خواصه افرده ببرهان وايده ببيان واعزه بسلطان ومالا هل الخذلان سلطان فميا عبدوه من اصناف الاوثان ولا برهان على ما طلبوه ومالهم نصرة من الله بل خذلان .(8/447)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72)
{ واذا تتلى عليهم } اى على المشركين { آياتنا } من القرآن حال كونها { بينات } واضحات الدلالة على العقائد الحقية والاحكام الالهية { تعرف فى وجوه الذين كفروا المنكر } اى الانكار بالعبوس والكراهة كالمكرم بمعنى الاكرام : وبالفارسية [ يعنى جون قرآن بركافران خوانى اثر كراهت ونفرت درروى ايشان به بينى ازفرط عناد ولجاج كه باحق دارند ] ، وعلم ان الوجوه كالمرائى فكل صورة من الاقرار والانكار تظهر فيها فهى اثر احوال الباطن وكل اناء يترشح بما فيه كتلون وجوه قوم صالح فما ظهر عليهم فى ظاهرهم الاحكام ماستقر فى باطنهم ، قال الفقير
هركرا صورت بياض الوجوه بود ... صورت حال درونش رونمود
كرسياه ويا كبودى بود رنك ... رنك او اهر شد ازدل بى دل نك
{ يكادون يسطون بالذين عليهم آياتنا } اى يثبون ويبطشون بهم من فرط الغيظ والغضب لا باطيل اخذوها تقليدا من السطوة وهى البطش برفع اليد يقال سطابه { قل } ردا عليهم واقناطا مما يقصدونه من الاضرار بالمسلمين { أفأنبئكم } اى أخاطبكم فأخبركم { بشر من ذلكم } الذى فيكم من غيضكم على التالين وسطوتكم بهم { النار } اى هو النار على انه جواب لسؤال مقدر كأنه قيل ماهو { وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير } ايى النار والمصير المرجع ، وفيه اشارة الى ان نار القطيعة والطرد والابعاد شر من الانكار الذى في قلوب المنكرين فعلى العاقل ان يجتنب عن كل ما يؤدى الى الشرك والانكار ويصحب اهل التوحيد والاقرار ويقبل الحقائق والاسرار ويحب ارباب الولاية ويبغض اصحاب الضلالة ، وفى بعض الاخبار يقول الله تعالى غدا يابن آدم اما زهدك من الدنيا فانما طلبت الراحة لنفسك واما انقطاعك الى فانما طلبت العزة لنفسك ولكن هل عاديت لى عدوا اوواليت لى وليا ، واعلم ان الكفر والانكار يؤديان الى النار كما ان التوحيد والاقرار يفضيان الى الجنة وهما من افضل النعم فان العبد يصل بسبب التوحيد الى السعادة الابدية ولذلك كل عمل يوزن الا شهادة ان لا اله الله واذا رسخ التوحيد فى قلب المؤمن لم يجد بدا من الاقرار والذكر كما وجد مجالا صالحا له حكى ان بعض الصالحين رأى زبيدة امرأة هارون الرشيد فى المنام بعد الموت وسأل عن حالها فقالت غفر لى ربى فقال ابالحياض التى حفرتها بين الحرمين الشريفين فقالت لا فانها كانت اموالا مغصوبة فجعل ثوابها لاربابها فقال فيم قالت كنت فى مجلس شرب الخمر فامسكت عن ذلك حين أذن المؤذن وشهدت ماشهد المؤذن فقال الله تعالى لملائكته امسكوا عن عذابها لو لم يكن التوحيد راسخا فى قلبها لما ذكرتنى عند السكر فغفر لى واحسن حالى واما اهل النار المؤاخذة فالادنى منهم عذابا يتنعل من نار يغلى منه دماغه ولذلك قال الله تعالى { وبئس المصير } فانه لا راحة فيها لاحد عصمنا الله واياكم من نار العبد وعذاب السعير انه خير عاصم ومجير .(8/448)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)
{ يايها الناس ضرب مثل } اى بين لكم حالة مستغربة به او قصة بديعة حقيقة بان تسمى مثلا وتسير فى الامصار والاعصار { فاستمعوا له } اى للمثل استماع تدبر وتفكر : وبالفارسية [ بس بشنويد آن مثل را بكوش هوش ودران تأمل كنيد ] .
وفى التأويلات النجمية يشير بقوله { يايها الناس } الى اهل النسيان عن حقيقة الامر بالعيان فلا بد لهم من ضرب مثل لعلهم ينبهون من نومن الغفلة فالخطاب لناسى عهد الميثاق عامة وللمسعين المستعدين لادراك الخطاب بقوله { فاستمعوا له } خاصة وهذا الامر امر التكموين بسمعهم الخطاب ويتعظون به ثم بين المعى فقال { ان الذين تدعون من دون الله } بعنى الاصنام التى تعبدونها متجاوزين عبادة الله تعالى وهو بيان للمثل وتفسير له ، قال الكاشفى [ وآن سيصد وشصت بت بودند برحوالى خانه نهاده حق سبحانه وتعالى فرمودكه اين همه بت كه مى برستيد بجز خداى تعالى ] .
وفى التأويلات من انواع الاصنام الظاهرة والباطنة { لن يخلقوا ذبابا } اى لن يقدروا على خلقه ابدا مع صغره وحقارته فان لن بما فيها من تأكيد النفى دالة على منافاة مابين المنفى والمنفى عنه والذباب من الذب اي يمنع ويدفع ، قال فى المفردات الذباب يقع على المعروف من الحشرات الطائرة وعلى النحل والزنابير وفى قوله { وان يسلبهم الذباب شيئاً } فهو المعروف ، وفى حياة الحيوان فى الحديث « الذباب فى النار لا النحل » وهو يتولد من العفونة لم يخلق لها اجفان لصغر احداقها ومن شأن الاجفان ان تصقل مرآة الحدقة من الغبار فجعل الله لها يدين تصقل بهما مرآة حقدتها فلهذا ترى الذباب ابدا يسمح بيديه عينيه واذا بخر البيت بورق القرع ذهب منه الذباب { ولو اجتمعوا له } اى الحلقة وهومع الجواب القدر فى موضع حال جيء بها للمبالغة اى لا يقدرون على خلقه مجتمعين له متعاونين عليه فكيف اذا كانوا منفردين { وان يسلبهم الذباب شيئا } اى ان يأخذ الذباب منهم شيأ ويخطفه { لايستنقذوه منه } اى لايستردوه من الذباب مع غاية ضعفه لعجزهم : وبالفارسية [ نميتوانند رهانيد يعنى باز نميتوانند ستانند آن جيزرا ] قيل كانوا يطيبون الاصنام بالطيب والعسل ويغلقون عليها الابواب فيدخل الذباب من الكى فيأكله ، قال الكاشفى [ رسم ايشان آن بودكه بتان را بعسل وخلوق مى اندودند ودرهاى بتخانه برايشان مى بستند مكسان ازروزن در آمده آنها ميخوردند وبعد ازجند روز اثر طيب وعسل برايشان نبود شادى مينمودندكه آنهارا خورده آند حق سبحانه وتعالى ازعجز وضعف بتان خبر ميد هدكه نه بر آفريدن مكس قادرند ونه بردفع ايشان ازخود ] { ضعف الطالب والمطلوب } اى عابد الصنم ومعبوده او الذباب الطالب لما يسلبه عن الصنم من الطيب والصنم المطلوب منه ذلك .(8/449)
مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)
{ ماقدروا الله حق قدره } اى ما عرفوه حق معرفته او ما عظموه حق تعظيمه حيث اشركوا به مالا يمتنع من الذباب ولا ينتصر منه وسموا باسم ماهو ابعد الاشياء منه مناسبة { ان الله لقوى } على خلق الممكنات باسرها وافناء الموجودات عن آخرها { عزيز } غالب على جميع الاشياء لايغلبه شىء وآلهتهم التى يدعونها عجزة عن اقلها مقهورة من اذلها ، قال ابن عطاء دلهم بقوله { وان يسلبهم } الخ على مقادر الخلقية فمن كان اشد هيبة واعظم ملكا لا يمكنه الاحتراز من اهون الخلق واضعفه ليعلم بذلك عجزه وضعفه وعبوديته وذلته ولئلا يفتخر على ابناء جنسه من بنى آدم بما يملكه من الدنيا
عاجز انكه عاجز نرا بنده اند ... جون فتد كارى زهم شرمنده اند
عجزو امكان لازم يكديكرند ... بس همه خلقى زهم عاجز ترند
قوت ازحق است وقوت حق اوست ... آن او مغزاست وآن خلق بوست
قال الواسطى فى الآية الاخيرة لا يعرف قدر الحق الا الحق وكيف يقدر قدره احد وقد عجز عن معرفة قدر الوسائط والرسل والاولياء الصديقين ومعرفة قدره ان لا يلتفت منه الى غيره ولا يغفل عن ذكره ولايفتره عن طاعته اذ ذاك عرفت ظاهر قدره واما حقيقة قدره فلا يقدر قدرها الا هو ، قال الكاشفى [ محققان برآنندكه جنانجه اهل شرك بحق المعرفه اورا نشناخته اند اهل علم نيز بحقيقت معرفت اوراه نبرده اندزيراكه دورباش { ولا يحيطون به علما } كسى را در حوالىء باركاه كبريا نميكذارد وبعيب هوبت خود هيج رهبر ورهنمارا راه نميدهد ميان اووماسوى بهيج نوع نستبى نيست تادر طريق معرفتش شروع تواند كرد ومعرفت بى مناسبت ازقبيل محالات است ماللطين ورب العالمين
جه نسبت خاك را باعالم ياك ... قال بعض الكبار وماعرفناك حق معرفتكم اى بحسب ولكن عرفناك حق معرفتك اى بحسبنا ، وفي شرح مفتاح الغيب لحضرة شيخى وسندى قدس الله سره العلم الالهى الشرعى المسمى فى مشرب اهل الله علم الحقائق هو العلم بالحق سبحانه من حيث الارتباط بينه وبين الخلق ونتشاء العالم منه بقدر الطاقة البشرية وهو ماوقع فيه الكمل فى ورطة الحيرة واقروا بالعجز عن حق المعرفة انتهى ، قال الشيخ ابو العباس رحمه الله معرفة الولى اصعب من معرفة الله فان الله معروف بكماله وجماله متى يعرف مخلوقا مثله يأكل كا يأكل ويشرب كما يشرب انتهى ، وهذا الكلام موافق لما فى شرح المفتاح ولما قبله كما لا يخفى على من له ادنى ذوق فى هذاب الباب .(8/450)
اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75)
{ الله يصطفى } [ بركزيند ] { من الملائكة رسلا } يتوسطون بينه وبين الانبياء بالوحى مثل جبرائيل وميكائيل واسرافيل ، قال فى المفردات اصل الصفاء خلوص الشىء من الشوب والاصطفاء تناول صفو الشىء كما ان الاختيار تناول خيره والاجتباء تناول جبايته واصطفاء الله بعض عباده قد يكون بايجاده تعالى اياه صافيا عن الثوب الموجود فى غيره وقد يكون باختياره وبحكمه وان لم يتعر ذلك من الاول .
وفى التأويلات يصطفى من الملائكة رسلا بينه وبين العباد ولتربيتهم باداء الرسالة اذ لم يكونوا بعد مستأهلين لاستماع الخطاب بلا واسطة فيربيهم بواسطة رسالة الملائكة { ومن الناس } [ ومى كزيند ازآدميان بيغمبران تاخلق را دعوت كند بوى ] وهم المختصون بالنفوس الزكية المؤيدون بالقوة القدسية المتعلقون بكلام العالمين الروحانى والجسمانى يتلقون من جانب ويلقون الى جانب ولا يعوقهم التعلق بمصالح الخلق عن التبتل الى جانب الحق فيدعونهم اليه تعالى بما انزل علهيم ويعلمونهم شرائعه واحكامه { ان الله سميع } بجميع المسموعات ، وقال الكاشفى [ شنواست مقاله بيغمبر را در وقت تبليغ ] { بصير } مدرك لجميع المبصرات فلا يخفى عليه شىء من الاقوال والافعال ، وقال الكاشفى [ بيتا بحال ىمت اوردر رد وقبول دعوت ] .
وفى التأويلات النجمية سميع يسمع ضراعتهم فى احتياج الوجود وهم فى العدم بصير من يستحق للرسالة وهومعدوم .(8/451)
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76)
{ يعلم مابين ايديهم وما خلفهم } عالم بواقع الاشياء ومترقبها ، وقال الكاشفى [ ميداند آنجه در بيش آدمانست يعنى عملها كه كرده وآنجه ازبس ايشانست يعنى كارهاكه خواهندكرد ] { والى الله } لا الى احد غيره لاشتراكا ولا استقلالا { ترجع } ترد من الرجع القهقرى { الامور } كلها لانه مالكها بالذات لا يسأل عما يفعل من الاصطفاء وغيره وهم يسألون روى انه تكلم رجل فى زين العابدين على بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم وافترى عليه فقال له زين العابدين ان كنت كما قلت فاستغفر الله وان لم اكن كما قلت فغفر الله لك فقام اليه الرجل وقبل رأسه وقال جعلت فداءك لست كا قلت فاغفر لى قال غفر الله لك فقال الرجل الله اعلم حيث يجعل رسالته ، وخرج يوما من المسجد فلقيه رجل فسبه فثارت اليه العبيد والموالى فقال لهم زين العابدين مهلا على الرجل ثم اقبل على الرجل وقال ما سترعنك من امرنا اكثر لك حاجة تعينك عليها فاستحي الرجل فالقى اليه حميصه كانت عليه وامر له بالف درهم فكان الرجل بعد ذلك يقول اشهد انك من اولاد الرسول ولا يتوهم انهم كانوا اهل دنيا ينفقون منها الاموال انما كانوا اهل سخاء وفتوة ومروءة وجود ومكارم كانت تأتيهم الدنيا فيخرجونها فى العاجل وفيهم يصدق قول القائل
تعد بسط الكف حتى لو انه ... ثناها لقبض لم تطعه انامله
فلو لم يكن فى كفه غير نفسه ... لجاد بها فليتق الله سائله(8/452)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)
{ يايها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا } اى فى صلاتكم امرهم بها لما انهم ما كانوا يفعلونها اول اسلام ، قال ابو الليث كانوا يسجدون بغير ركوع فامرهم الله بان يركعوا ويسجدوا وقال بعضهم كانوا يركعون بلا سجود ويسجدون بلا ركوع ، قال الكاشفى [ در اول اسلام همين قعد وقيام بوده بدين آيت ركوع وسجود ادخل شد ] او المعنى صلوا عبر عن الصلاة بهما لانهما اعظم اركانها { واعبدوا ربكم } بسائر ما تعبدكم به { وافعلوا الخير } وتحروا ماهو خير واصلح فى كل ما تأتون وما تذرون كنوافل الطاعات وصلة الارحام ومكارم الاخلاق وفى الحديث « حسنوا نوافلكم فبها تكمل فرائضكم » وفى المرفوع « النافلة هدية المؤمن الى ربه فليحسن احدكم هديته وليطيبها » ، قال فى المفردات لخير ما يرغب فيه الكل كالعقل مثلا والعدل والفضل والشىء النافع والشر ضده وقيل الخير ضربان خير مطلق وهو ان يكون مرغوبا فيه بكل حال وعند كل احد كما وصف عليه السلام الجنة فقال « لاخير بخير بعده النار ولا شر بشر بعده الجنة » وخير مقيد وهو ان يكون خير الواحد شر الآخر كالمال الذى ربما كان خيرا لزيد وشرا لعمرو { لعلكم تفلحون } اى افعلوا هذه كلها وانتم راجون بها الافلاح غير متيقنين له واثقين باعمالكم : قال الشيخ سعدى قدس سره
بضاعت نياوردم الا اميد ... خدايا زعفوم مكن ن اميد
والفلاج الظفر وادراك البغية وذلك ضربان دنيوى واخروى فالدنيوى الظفر بالسعادات التى يطيب بها حياة الدنيا هو البقاء والغنى والعز والعلم والاخروى اربعة اشياء بقاء بلا فناء وغنى بلا فقر وعز بلا ذل وعلم بلا جهل ولذلك قيل لا عيش الا عيش الآخرة
زنهار دل مبند بر اسباب دنيوى ... قالوا الآية آية سجدة عند الشافعى واحمد لظاهر مافيها من الامر بالسجود ، قال الكاشفى [ اين سجده مختلف فيه است وبمذهب امام شافعى سجده هفتم باشد از سجدات قرآن وحضرت شيخ اين را سجدة الفلاح كفته ] وقال الامام الاعظم والامام مالك دل مقارنة السجود بالركوع فى الآية على ان المراد سجود الصلاة .
قال فى التأويلات النجمية يشير بقوله { ياأيها الذين آمنوا } الآية الى الرجوع من تكبر قيام الانسانية الى تواضع خشوع الحيوانية فان الحيوانات على اربع فى الركوع لقوله { ومنهم من يمشى على اربع } والرجوع من الركوع الى الانكسار والذلة والنباتية فى السجود فان النبات فى السجود لقوله { والنجم والشجر يسجدان } لان الروح بهذه المنازل كان مجيئة من عالم الاوراح عبر على المنزل النباتى ثم على المنزل الحيوانى الى ان بلغ المنزل الانسانى فعند رجوعه الى الحضرة يكون عبورة على هذه المنازل وهذا سر قوله صلى الله عليه وسلم « الصلاة معراج المؤمنين » ثم قال { واعبدوا ربكم } يعنى بهذا الرجوع اليه خالصا لوجه تعالى { وافعلوا الخير } بالتوجه الى الله فى جميع احوالكم واعمال الخير كلها { لعلكم تفلحون } بالعبور على هذا المنازل من حجب الظلمات النفسانية والانوار الروحانية .(8/453)
وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)
{ وجاهدوا } الجهاد والمجاهدة استفراغ الوصع فى مدافعة العدو { فى الله } اى فى سبيل الله كما فى تفسير الجلالين ، وقال فى غيره اى لله ولاجله اعداء دينه الظاهرة كاهل الزيغ والباطنة كالهوى والنفس { حق جهاده } [ جنانكه سزاوار جهاد او باشد يعنى بدل صافى وينت خالص ] اى جهادا فيه حقا خالصا لوجهه فعكس واضيف الحق الى الجهاد مبالغة واضيف الجهاد الى الضمير الراجع الى الله اتساعا ، قال الامام الراغب الجهاد ثلاثة اضرب مجاهدة العدو الظاهر ومجاهدة الشيطان ومجاهدة النفس وتدخل ثلاثتها فى قوله تعالى { وجاهدوا فى الله حق جهاده } وفى الحديث « جاهدوا الكفار بايديكم والسنتكم » وفى الحديث « جاهدوا اهواءكم كما تجاهدون اعداءكم » وعنه صلى الله عليه وسلم انه رجع من غزوة تبروك فقال « رجعنا من الجهاد الاصغر الى الجهاد الاكبر » فجهاد النفس اشد من جهاد الاعداء والشياطين وهو حملها على اتباع الاوامر والاجتناب عن النواهى : وفى المثنوى
اى شهان كشتيم ماخصم برون ... ماند ازو خصمى بتر در اندرون
كشتن اين كارعقل وهوش نيست ... شير باطن سخره خركوش نيست
{ هو اجتباكم } اى هو اختاركم لدينه ونصرته لا غيره وفيه تنبيه على ما يقتضى الجهاد ويدعو اليه ، قال ابن عطاء الاجتبائية اورثت المجاهدة لا المجاهدة اورثت الاجتبائية ، وفى التأويلات النجمية { وجاهدوا فى الله حق جهاده } بان تجاهدوا النفوس فى تزكيتها باداء الحقوق وترك الحظوظ وتجاهدوا القلوب فى تصفيتها بقطع تعلقات الكونين ولزوم المراقبات عن الملاحظات وتجاهدوا الارواح فى تحليتها بافناء الوجود فى وجوده ليبقى بوجوده وجوده { هو اجتباكم } لهذه الكرامات من بين سائر البريات ولولا ان اجتباكم واستعداد هذا الجهاد اعطاكم واليه هداكم لما جهدتم فى الله كما قيل
فلولا كمو ماعرفناه الهوى ... ولولا الهوا ماعرفنا كمو
ومن مبادى الحق الجهاد وهو ان لايفتر مجاهدة النفس لحظة كما قال قائلهم
يارب ان جهادى غير منقطع ... فكل ارضك لى تثر وطرطوس
{ وما جعلا عليكم فى الدين من حرج } اصل الحرج والحراج مجتمع الشىء وتصور منه ضيق ما بنيهما فيل للضيق حرج اى ما جعل فيه من ضيق بتكليف ما يشق عليه اقامته ولذلك ازال الحرج فى الجهاد عن الاعمى والاعرج وعادم النفقة والراحلة والذى لا يأذن له ابواه ، قال الكاشفى [ يعنى برشماتنك فرانكرفت ودر احكام دين تكليف مالا يطاق نكرد بوقت ضرورت رخصتها دادجون قصر تميم وافطار در مرض وسفر ] .
وفى التأويلات النجمية اى ضيف في السير الى الله والوصول اليه لانك تسير الى الله بسيره لا يسيرك وتصل اليه بتقربه اليك لا بتقربك اليه وان كانت ترى ان تقربك اليه منك و لاترى تقربك اليه من نتائج تقربه اليك وتقربه اليك سابق على تقربك اليه كما قال(8/454)
« من تقرب الىّ شرا تقربت اليه ذراعا » فالذراع اشارة الى الشبرين شبر سابق على تقربك اليه وشبر لاحق يتقربك اليه حتى لو مشيت اليه فانه يسارعك من قبل مهر ولا انتهى { ملة ابيكم ابراهيم } تصب على المصدر بفعل دل عليه مضمون ما قبله بحذف المضاف اى وسع عليكم دينكم توصعة ملكة ابيكم ابراهيم واتبعوا ملة ابيكم كما فى الجلالين ، قال الراغب الملة كالدين وهو اسم لما شرع الله لعباده على لسان الانبياء ليتصلوا به الى جوار الله تعالى والفرق بينها وبين الدين ان الملة لاتضاف الا الى النبى الذى تسند اليه نحو اتبعوا ملة ابراهيم واتبعت ملة آبائى ولا يكاد يوجد مضافا الى الله تعالى ولا الى آحاد مة النبى ولا يستعمل الا فى جملة الشرائع دون آحادها ولايقال ملة الله ولا ملتى وملة زيد كما يقال دين الله واصل الملة من مللت الكتاب ويقال الملة اعتبارا بالنبى الذى شرعها والدين يقال اعتبارا بمن يقيمه اذا كان معناه الطاعة هذا كله في مفردات الراغب وانما جعله اباهم لانه ابو رسول الله وهو كالاب لامته من حيث انه سبب لحياتهم الابدية ووجودهم على الوجه المعتد به فى الآخرة او لان اكثر العرب كانوا من ذريته فغلبوا على غيرهم ، قال ابن عطاء ملة ابراهيم هو السخاء والبذل وحسن الاخلاق والخروج عن النفس والاهل والمال والولد .
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان السير والذهاب الى الله من سنة ابراهيم عليه السلام لقوله { اني ذاهب الى ربى سيهدين } وانما سماه بابيكم لانه كان اباكم فى طريقة السير الى الله كا قال النبى صلى الله عليه وسلم « انا لكم كالوالد لولده » { هو } اى الله تعالى { سماكم المسلمين من قبل } اى فى الكتب المقتدمة { وفى هذا } اى في القرآن { ليكون الرسول } يعنى حضرة محمد يوم القيامة متعلق بسماكم واللام لام العاقبة { شيهدا عليكم } بانه بلغكم فيدل على شهادته لنفسه اعتمادا على عصمته او بطاعة من اطاع وعصيان من عصى { وتكونوا شهداء على الناس } بتبليغ الرسل اليهم { فاقيموا الصلوة وآتوا الزكوة } اى فتقربوا الى الله بانواع الطاعات لما خصكم بهذا الفضل والشرف وتخصيصهما بالذكر لفضلها فان الاول دال على تعظيم امر الله والثانى على الشفقة على الخلق { واعتصموا بالله } اى ثقوا به فى مجامع اموركم ولا تطلبوا الاعانة والنصرة الا منه : وبالفارسية [ وجنك در زنيد بفضل خداى يعنى در مجامع امور خود اعتماد بدو كنيد يا بكتاب وسنت متمسك شويد سلمى فرموده كه اعتصام بحبل الله امر عوام است وبالله كار خواص اما اعتصام بحبل الله تمسك باوامر وتنفر ازنواهى واعتصام بالله خلوت دلست ازماسواى حضرت الهى ] { هو مولاكم } ناصرم ومتولى اموركم { فنعم المولى ونعم النصير } اذ لا مثل فى الولاية والنصرة بل لاولى ولا نصير فى الحقيقة سواه تعالى ، قال الكاشفى [ بس نيك ياريست او ونيكو مدد كارى بيارى عيبها ببوشد وبمدد كارى كناهان بجنشديارى ازوجوى كه ازبارى درنماند مدد كارى ازوى طلب كه از مددكارى عاجز نشود ](8/455)
ازيارى خلق بكذراى مرد خدا ... يارى طلب آنجنان كه از روى وفا
كارتوتواند كه بسازد همه وقت ... دست توتواند كه بكيرد همه جا
قال فيتاغورث متى التمست فعلا من الافعال فابدأ الى ربك بالابتهال فى النحج فيه ، وشكا رجل الى اخيه الحاجة والضيق فقال له ياخى أغير تدبير ربك تريد لا تسأل الناس وسل من انت له ، ودخل سليمان بن عبدالملك الكعبة فقال لسالم بن عبدالله ارفع حوائجك فقال الله لاسأل فى بيت الله غير الله فينبغى للعبد الطالب لعصمة الله تعالى ان يعتصم به فى كل الامور ويجتهد فى رضاه فى الخفاء والظهرو ولا يقول ان هذا الامر عسير فان ذلك على الله يسير فانه هو المولى فنعم المولى ونعم النصير قال تعالى ذلك اى النصر بان الله مولى الذين آمنوا الاية(8/456)
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)
{ قد افلح المؤمنون } سعد المصدقون ونالوا البقاء فى الجنة ويدل عليه ان الله تعالى لما خلق جنة عدن بيده قال تكلمى فقالت قد افلح المؤمنون فقال طوبى لك منزل الملوك اى ملوك الجنة وهم الفقراء الصابرون . فصيغة الماضى للدلالة على تحقيق الدخول فى الفلاح وكلمة قد لافادة ثبوت ما كان متوقع الثبوت من قبل لان المؤمنين كانوا متوقعين ذلك الفلاح من فضل الله والفلاح البقاء والفوز بالمراد والنجاة من المكروه والافلاح الدخول فى ذلك كالابشار الذى هو الدخول فى البشارة وقد يجيء متعديا بمعنى الادخال فيه وعليه قراءة من قرأ على النباء للمفعول ولما كان الفلاح الحقيقى لا يحصل بمطلق الايمان وهو التصديق بما علم ضرورة انه من دين نبينا عليه السلام من التوحيد والنبوة والبعث والجزاء ونظائرها بل يحصل بالايمان الحقيقى المقيد بجميع الشرائط قال بطريق الايضاح او المدح .(8/457)
الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)
{ الذين هم فى صلاتهم خاشعون } الخشوع الخوف والتذلل ، وفي المفردات الخشوع الضراعة واكثر ما يستعمل فيما يوجد على الجوارح والضراعة اكثر ما تستعمل فيما يوجد على القلب ولذلك قيل فيما ورد ( اذا ضرع القلب خشعت الجوارح ) اى خائفون من الله متذللون له ملزمون ابصارهم مساجدهم ، قال الكاشفى [ جشم برسجده كاه نهاده وبدل بردركاه مناجات حاضر شده ] روى انه عيه السلام كان اذا صلى رفع بصره الى السماء فلما نزلت رمى ببصره نحو مسجده وانه رأى مصليا يعبث بحليته فقال « لوخشع قلب هذا لخشعت جوارحه » ، وفى النتف يكره تقليب الوجه الى نحو السماء عند التكبيرة الاولى وجه النهى ان النظر الى السماء من قبيل الالتفات المنهى عنه فى الصلاة واما فى غيرها فلا يكره لان السماء قبلة الدعاء ومحل نزول البركات ، قال الكاشفى [ درلباب فرموده كه درحالت قيام ديده بر سجدة كاه بايد نهاد مكر بمكة معظمه كه درخانة مكرمه بايد نكريست ] وفى الحديث « ان العبد اذا قام الى الصلاة فانا هو بين يدى الرحمن فاذا التفت يقول الله تعالى الى من تلتفت الى خير من اقبل يابن آدم الىّ فانا خير ممن تلتفت اليه » .
وفى التأويلات النجمية خاشعون اى الظاهر والباطن ، اما الظاهر فخشوع الرأس بانتكاسه وخشوع العين بانغماضها عن الالتفات وخشوع الاذن بالتذلل للاسمّاع وخشوع اللسان القراءة والحضور والتأنى وخشوع اليدين وضع اليمين على الشمال بالتعظيم كالعبيد وخشوع الظهر انحناؤه فى الركوع مستويا وخشوع الفرج بنفى الخواطر الشهوانية وخشوع القدمين بثباتهما على الموضع وسكونهما عن الحركة ، واما الباطن فخشوع النفس سكونها عن الخواطر والهواجس وخشوع القلب بملازمة الذكر ودوام الحضور وخشوع السر بالمراقبة فى ترك اللحضات الى المكونات وخشوع الروح استغراقه فى بحر المحبة وذوبانه عند تجلى صفة الجمال والجلال [ محققى فرموده كه در نماز اول ازخود بيزار بايد شد بس طالب وصول بقرب يار بايد كذشت ]
يار بيزا راست ازتو تاتويى ... او ازخود خويش رابيزاركن
كر زتويكذره باقى مانده است ... خرقه وتسبيح با زنار كن
ترك خويش وهرد وعالم كيرورو ... ذره منديش وجون عطار كن(8/458)
وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)
{ والذين هم عن اللغو } اى عما لا يعنيهم من الاقوال والافعال ، وفى المفردات اللغو من الكلام مالا يعتد به وهو الذى يورد لاعن روية وفكر ويجرى مجرى اللغا وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور .
وفى التأويلات النجمية للغو كل فعل لا لله ولك قول لامن الله ورؤية غير الله وكل ما يشغلك عن الله فهو لغو ، قال الكاشفى [ امام قشيرى فرمودكه هرجه براى خدانيست حشواست وآنجه ازخدا بازدارد سهواست وآنجه بسنده را دران حظى باشد لهواست وآنجه ازخدا نبود لغوست وحقيقت آتست كه لغو جيزى راكويند از اقوال وافعال بهيج كار نيايد ] { معرضون } يقال اعرض اظهر عرضه اى ناحيته فاذا قيل عرض لى كذا اى بدا عرضه فامكن تناوله واذا قيل اعرض فمعناه ولى مبديا عرضه اى معرضون فى عامة اوقاتهم كما ينبىء عنه الاسم الدال على الاستمرار فيدخل فى ذلك اعراضهم عه حال اشتغالهم بالصلاة دخولا اوليا ومدار اعراضهم عنه ما فيه من الحالة الداعية الى الاعراض عنه لا مجرد الاشتغال بالجد فى امور الدين فان ذلك ربما يوهم ان لايكون فى اللغو نفسه مايزجرهم عن تعاطيه .(8/459)
وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)
{ والذين هم للزكوة فاعلون } للصدقة مؤدون والتعبير عن الاداء بالفعل مذكور فى كلام العرب قال امية بن ابى الصلت المطعمون الطعام فى السنة الازمة والفاعلون للزكوات وتوسيط حديث الاعراض بين الطاعة البدنية والمالية لكمال ملابسته بالخشوع فى الصلاة والزكاة مصدر لانه الامر الصادر عن الفاعل لا المحل الذى هو موقعه .
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان الزكاة انما وجبت لتزكية النفس عن الصفات الذميمة النجسة من حب الدنيا او غيره كقوله { خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } فان الفلاح فى تزكية النفس كقوله { قد افلح من تزكى } وقوله { قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها } ولم يكن المراد مجرد اعطاء المال وحبه فى القلب وانما كان لمصلحة ازالة حب الدنيا عن القلب ومثل حب الدنيا جميع الصفات الذميمة الى ان تتم ازالتها .(8/460)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5)
{ والذين هم لفروجهم } الفرج والفرجة الشق بين الشيئين كفرجة الحائط والفرج ما بين الرجلين وكنى به عن السوءة وكثر حتى صار كالصريح فيه { حافظون } ممسكون لها من الحرام ولا يرسلونها ولا يبذلونها .(8/461)
إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)
{ الا على ازواجهم } زوجاتهم فان الزوج يقع على الذكر والانثى { او ما ملكت ايمانهم } يعنى [ كنيز كان كه مليكه يمين اند ] فما ملكت ايمانهم وان كان عاما للرجل ايضا لكنه مختص بالنساء اجماعا وانما قال ما اجراء للمماليك مجرى غير العقلاء اذا الملك اصل شايع فيه ، قال فى الاسئلة المقحمة كيف يجوز ان يسمى الرقيق ملك يمين ولا يسمى به سائر الاملاك الجواب ملك الجارية ولعبد اخص لانه يختص بجواز التصرف فيه ولا يعم كسائر الاملاك فان مالك الدار مثلا يجوز له نقض الدار ولا يجوز لمالك العبد نقض بنيته انتهى وافراد ذلك بعد تعميم قوله والذين هم عن اللغو معرضون لان المباشرة اشهى الملاهى الى النفس واعظمها خطرا { فانهم } [ بس بدرستى كه نكاه دار ندكان فروج ] { غير ملومين } على عدم حفظها منهن [ بشرط آنكه در حيض ونفاس وروزه واحرام نباشد ] واللوم عذل انسان بنسبته الى ما فيه لوم ، وفى التهذيب : اللوم [ ملامت كردن ] ، قال فى الاسئلة المقحمة اى فرق بين الذم واللوم الجواب انه الذم يختص بالصفات يقال الكفر مذموم واللوم يختص بالاشخاص يقال فلان ملوم .
وفى التأويلات النجمية يعنى يحفظون عن التلذذ بالشهوات اى لايكون ازواجهم واماؤهم عدو لهم بان يشغلهم عن الله وطلبه فحنيئذ يلزم الحذر منه كقوله { عدو لكم فاحذروهم } وانما ذكر بلفظ على لاستيلائهم على ازواجهم لا لاستيلائهن عليهم وكانوا عليهن لا مملوكين لهن فانهم غير ملومين اذا كانت المناكحة لابتغاء النسل ورعاية السنة وفى اوانها .(8/462)
فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)
{ فمن ابتغى } طلب : وبالفارسية [ بس هركه جويد براى مباشرت ] { وراء ذلك } الذى ذكر من الحد المتسع وهو اربع من الحرائر وما شاء من الاماء : وبالفارسية [ غير زنان وكنيزان خود ] { فاولئك هم العادون } الكاملون فى العدوان المتناهون فيه او المتعدون من الحلال الى الحرام والعدوان الاخلال بالعدالة والاعتداء مجاوزة الحق : وبالفارسية [ كاملند درست مكارى بايشان ودركذرندكانند از حلال بحرام وانكه استمنا بيدكندهم ازين قبل است ] كما فى التفسير الفارسى ، قال فى انوار المشارق فى الحديث « ومن لم يستطع » اى التزويج « فعليه بالصوم » استدل به بعض المالكية على تحريم الاستمناء لانه ارشد عند العجز عن التزوج الى ان الصوم الذى يقطع الشهوة جائز وفى رواية الخلاصة الصائم اذا عالج ذكره حتى امنى يجب عليه القضاء ولا كفارة عليه ولا يحل هذا الفعل خارج رمضان ان قصد تسكين شهوته وارجو ان لايكون عليه ويل ، وفى بعض حواشى البخارى والاستمناء باليد حرام بالكتاب والسنة قال الله تعالى { والذين هم لفروجهم حافظون } الى قوله { فاولئك هم العادون } اى الظالمون المتجاوزون الحلال الى الحرام ، قال البغوى فى الآية دليل على ان الاستمناء باليد حرام ، قال ابن جريج سألت عطاء عنه فقال سمعت ان قوما يحشرون وايديهم حبالى واظنهم هؤلاء ، وعن سعيد بن جبير عذب لله امة كانوا يبعثون بمذاكرهم والواجب على فاعله التعزير كما قال ابن الملقن وغيره نعم يباح عند ابى حنيفة واحمد اذا خاف على نفسه الفتنة وكذلك يباح الاستمناء بيد زوجته او جاريته لكن قال القاضى حسين مع الكراهة لانه فى معنى العزل ، وفى التاتار خانية قال ابو حنيفة حسبه ان ينجو رأسا برأس .(8/463)
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8)
{ والذين هم لأماناتهم وعهدهم } لما يؤتمنون عليه ويعاهدون من جهة الحق او الخلق : وبالفارسية بعنى [ اشانرا بران امين ساخته باشند ازامانات وودايع خلق يانجه امانت حق است جون نماز وروزه وغسل جنابت وبرعهد باك باحق وخلق بندند ] والامانة اسم لما يؤتمن عليه الانسان والعهد حفظ الشىء ومراعاته حالا بعد حال ويسمى الموثق الذى يلزم مراعاته عهدا { راعون } اى قائمون عليها وحافظون لها على وجه الاصلاح .
وفى التأويلات النجمية الامانة التى حملها الانسان وهى الفيض الالهى بلا واسطة فى القبول وذلك الذى يختص الانسان بكرامة حمله وعهدهم اى الذى عاهدهم عليه يوم الميثاق على ان لا يعبدوا الا اياه كقوله { وان عبدونى هذا صراط مستقيم } راعون بان لا يخونوا فى الامانات الظاهرة والباطنة ولايبعدوا غير الله فان ابغض ما عبد غير الله الهوى لانه بالهوى عبد ماعبد من دون الله انتهى ، قال محمد بن الفضل جوارحك كلها أمانات عندك امرت فى كل واحدة منها بامر فامانة العين الغض عن المحارم والنظر بالاعتبار وامانة السمع صيانتها عن اللغو والرفث واحضارها مجالس الذكر وامانة اللسان اجتناب الغيبة والبهتان ومداومة الذكر وامانة الرجل المشى الى الطاعات والتباعد عن المعاصى وامانة الفم ان لايتناول به الا حلالا وامانة اليد ان لايمدها الى حرام ولايمسكها عن المعروف وامانة القلب مراعاة الحق على دوام الاوقات حتى لايطالع سواه ولايشهد غيره ولايسكن الا اليه .(8/464)
وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)
{ والذين هم على صلواتهم } المفروضة عليهم { يحافظون } يواظبون عليها بشرائطها وآدابها ويؤدونها فى اوقاتها .
قال وفى التأويلات النجمية يحافظون لئلا يقع خلل فى صورتها ومعناها ولا يضيع منهم الحضور فى الصف الاول صورة ومعنى ، وفى الحديث « يكتب للذى خلف الامام بحذائه في الصف الاول ثواب مائة صلاة وللذى فى الايمن خمس وسبعون وللذى فى الايسر خمسون وللذى فى سائر الصفوف خمس وعشرون » كما فى شرح المجمع والصف الاول اعلم بحال الامام فتكون متابعته اكثر وثوابه اتم واوفر كما فى الشرح المشارق لابن الملك وفى الحديث « اول زمرة تدخل المسجد هم اهل الصف وان صلوا فى نواحى المسجد » كما فى خالصة الحقائق ولفظ يحافظون لما فى الصلاة من التجدد والتكرر وهو السر فى جمعها وليس فيه تكرير الخشوع والمحافظة فضيلة واحدة ، قال الكاشفى [ ذكر صلاة در مبدأ ومنتهاى ابن اوصاف كه موجب فلاح مؤمنانست اشارتست بتعظيم شان نماز ](8/465)
أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10)
{ اولئك } المؤمنون المنعوتون بالنعوت الجليلة المذكورة : وبالفارسية [ آن كروه مؤمنان كه جامع اين شش صفت اند ] { هم الوارثون } اى الاحقاء بان يسموا وارثا دون من عداهم ممن ورث رغائب الاموال والذخائر وكرائمها . والوراثة نتقال مال اليك من غيرك من غير عقد ولا ما يجرى مجرى العقد وسمى بذلك المنتقل عن الميت فيقال للمال المورث ميراث .(8/466)
الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)
{ الذين يرثون الفردوس } بيان لما يرثونه وتقييد للموارثة بعد اطلاقها وتفسير لها بعد ابهامها تفخيما لشانها ورفعا لمحلها وهى استعارة لاستحقاقهم الفردوس باعمالهم حسبما يقتضيه الوعد الكريم للمبالغة فيه لان الوراثة اقوى سبب يقع فى ملك الشىء ولا يتعقبه رد ولا فسخ ولا اقالة ولا نقض فيه { هم فيها } اى الفردوس والتأنيث لانه اسم للجنة او لطبقتها العليا وهو البستان الجامع لاصناف الثمر روى انه تعالى بنى حننة الفردوس لبنة من ذهب ولبنة من فضة وجعل خلالها المسك الاذفر وغرس فيها من جيد الفاكهة وجيد الريحان { خالدون } لايخرجون منها ولا يموتون . والخلود تبرى الشىء من اعتراض الفساد وبقاؤه على الحالة التى هو عليها والخلود فى الجنة بقاء الاشياء على الحالة التى هى عليها من غير اعتراض الكون والفساد عليها .
وفى التأويلات النجمية الفردوس اعلى مراتب القرب قد بقى ميراثا عن الاموات قلوبهم فيرثه الذين كانوا احياء القلوب انتهى ، وفى تفسير الفاتحة للمولى الفنارى رحمه الله اعلم ان الجنان ثلاث ، الاولى جنة الاختصاص الالهى وهى التى يدخلها الاطفال الذين لم يبلغوا حد العمل وحدهم من اول ما يولد ماشاء ومن اهلها المجانين الذين ماعقلوا ومن اهلها اهل التوحيد العلمى ومن اهلها اهل الفترات ومن لم يصل اليهم دعوة رسول ، والجنة الثانية ميراث ينالها كل من دخل الجنة ممن ذكرنا ومن المؤمنين وهى الاماكن التى كانت معينه لاهل النار لو دخلوها ، والجنة الثالثة جنة الاعمال وهى التى ينزل الناس فيها باعمالهم فمن كان افضل من غيره فى وجوه التفاضل كان له من الجنة اكثر سواء كان الفاضل بهذه الحالة دون المفضول اولم يكن فما من عمل الا وله جنة يقع التفاضل فيها بين اصحابها ورد فى الحديث الصحيح عن النبى عليه السلام انه قال لبلال « يابلال بم سبقتنى الى الجنة فما وطئت فيها موضعا الا سمعت خشخشتك امامى » فقال يا رسول الله ما احدثت قط الا توضأت وما توضأت الا صليت ركعتين فقال عليه السلام « بهما » فعلمنا انها كانت مخصوصة بهذا العمل فما من فريضة ولا نافلة ولا فعل خير ولا ترك محرم ومكروه الا وله جنة مخصوصة وتعميم خاص بمن دخلها ثم فصل مراتب التفاضل فمن اراد ذلك فليطلب هناك فما ذكره موافق لما قيل فى الآية انهم يرثون من الكفار منازلهم فيها حيث فوتوها على انفسهم لانه تعالى خلق لكل انسان منزلا فى الجنة ومنزلا فى النار كا قال الكاشفى [ منزل مؤمنان ازدوزخ اضافه منازل كفار كنند ومنزلهاى ايشان ازبهشت برمنزل مؤمنان افزايند ودرزاد المسير آورده بهشت بنظر كفار درآرند ومقامهاى ايشانرا اكر ايمان آوردندى بريشان نمايند تاحسرت ايشان زيادة كردد
نظر ازدور درجانان بدان ماندكه كافررا ... بهشت ازدور بنمايند وآن سوز دكرباشد
اللهم اجعلنا من الذين يرثون الفردوس ويتنعمون بنعيمها ويصلون الى نسيمها واحفظنا عن الاسباب المؤدبة الى النار وجحيمها .(8/467)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12)
{ ولقد خلقنا الانسان } اللام جواب قسم اى وبالله لقد خلقنا جنس الانسان فى ضمن خلق آدم خلقا اجماليا { من سلالة } يقال سل الشىء من الشىء نزل كسل السيف من الغمد وسل الشىء من البيت على سبيل السرقة وسل الولد من الاب ومنه قيل للولد سليل . والسلالة اسم ماسل من الشىء واستخرج منه فان فعاله اسم لما يحصل من الفعل فتارة يكون مقصودا منه كالخلاصة واخرى غير مقصود منه كالقلامة والكناسة والسلالة من القبيل الاول فانها مقصودة مايسل ومن ابتدائية متعلقة بالخلق اى من خلاصة سلت من بين الكدر كما فى الجلالين { من طين } من بيانية متعلقة بمحذوف وقع صفة لسلالة اى خلقنا من سلالة كائنة من طين : وبالفارسية [ خلاصه وازنقاوه كه بيرون كشيده شده از كل ] والطين التراب والماء المختلطة .
وفى التأويلات النجمية يشير الى سلالة سلت من جميع الارض طيبها وسبخها وسهلها وجبلها باختلاف الوانها وطبائعها المتفاوتة ولهذا اختلفت الوانهم واخلاقهم لانه مودع فى طبيعتهم ماهو من خواص الطين الذى اختص بخاصية منها نوع من الحيوان من جنس البهائم والسباع والجوارح والحشرات المؤذيات الغالبة على كل واحد منها صفة من الصفات الذميمة والحميدة . فا الذميمة فكالحرص فى الفأرة والنملة وكالشهوة فى العصفور وكالغضب فى الفهد والاسد وكالكبر فى النمر وكالبخل فى الكلب وكالشره فى الخنزير والحقد فى الحية وغير ذلك من الصفات الذميمة واما الحميدة كالشجاعة فى الاسد والسخاوة فى الديك والقناعة فى البوم وكالحلم فى الجمل وكالتواضع فى الهرة وكالوفاء فى الكلب وكالبكور فى الغراب وكالهمة فى البازى والسلحفاة وغير ذلك من الصفات الحميدة فقد جمعها كلها مع خواصها وطبائعها ثم اودعها فى طينة الانسان وهو آدم عليه السلام .(8/468)
ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13)
{ ثم جعلناه } اى الجنس باعتبار افراده المغايرة لآدم وقال بعضهم ثم جعلناه اى نسله فحذف المضاف فيكون المراد بالانسان آدم خلق من صفوة سلت من الطين { نطفة } بان خلقناه منها والنطفة الماء الصافى ويعبر بها عن ماء الرجل { فى قرار } اى مستقر وهو الرحم عبر عنها بالقرار الذى هو مصدر مبالغة { مكين } اى حصين وهو وصف لها بصفة ماستقر فيها مثل طريق سائر : وبالفارسية [ در قرار كاهى كه استوار يعنى رحم وجهل روز اورا نكاه داشتيم سفيد ](8/469)
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)
{ ثم خلقنا النطفة علقة } بان احلنا النطفة البيضاء علقة حمراء ، قال الراغب العلق الدم الجامد ومنه العلقة التى يكون منها الولد { فخلقنا العلقة مضغة } المضغة قطعة لحم تمضع اى فصير ناها قطعة لحم لا استبانة ولا تمايز فيها : وبالفارسية [ بس ساختيم آن خون را آن مقدار كوشت كه بخايند يكبار كوشتى بى استخوان بسته جهل روز ديكر ] { فخلقنا المضغة } اى غالبها ومعظمها { عظاما } بان صلبناها بعد ثلاث واربعيون وجعلناها عمودا للبدن على هيآت واوضاع مخصوصة تقتضيها الحكمة { فكسونا } [ بس بيوشانيديم ] { العظام } المعهودة { لحما } من بقية المضغة اى كسونا كل عظم من تلك العظام ما يليق به من اللحم على مقدار لائق به وهيآت مناسبة له : وبالفارسية [ برو برويانيديم كوشت بعد از رستن عروق واعصاب واوتار وعضلات برو ] واختلاف العواطف للتنبيه على تفاوت الاستحالات وجمع العظام لاختلافها { ثم انشأناه } الانشاء ايجاد الشىء وتربيته واكثر ما يقال ذلك فى الحيوان وبالفارسية [ بس بيافريديم اورا ] { خلقا آخر } بنفخ الروح فيه : وبالفارسية [ روح درو دميده تازنده شد بعد از آنكه مرده بود يا بعد از خروج اورادند وموى داديم وراه بستان برو كشاديم وازمقام رضا بفطام رسانيديم وبغذاهاى كونا كون تريت فرموديم وجون قدم درحد بلوغ نهاد وقلم تكليف برو جارى كرديم وبر مراتب شباب وكهولت وشيخوخت بكذا رانيديم ] وثم لكمال التافوت بين الخلقين واحتج به ابو حنيفة رحمه الله على ان من غصب بيضة فافرخت عنده لزمه ضمان البيضة لا الفرخ فانه خلق آخر ، قال فى الاسئلة المقحمة خلق الله الآدمى اطوارا ولو خلقه دفعه واحدة كان اظهر فى كمال القدرة وابعد عن نسبة الاسباب فما معناه فالجواب لا بل الخلق بعد الخلق بتقليب الاعيان واختراق الاشخاص اظهر فى القدرة فانه تعالى خلق الآدامى من نطفة متماثلة الاجزاء ومن اشياء كثيرة مختلفة المراتب متفاوتة الدرجات من لحم وعظم ودم وجلد وشعر وغيرها ثم خص كل جز منها بتركيب عجيب وباختصاص غريب من السمع والبصر واللمس والمشى والذوق والشم وغيرها وهى ابلغ فى اظهار كمال الالهية والقدرة { قتبارك الله } فتعالى شأنه من علمه الشامل وقدرته الباهرة { احسن الخالقين } بدل من الحلالة اى احسن الخالقين خلقا اى المقدرين تقديرا حذف المميز لدلالة الخالقين عليه فالحسن للخلق ، وفى الاسئلة المقحمة هذا يدل على ان العبد خالق افعاله ويكون الرب احسن منه فى الخالقية فالجواب معناه ا حسن المصورين لان المصور يصور الصورة ويشكلها على صورة المخلوق اخبربه لانه لا يبلغ فى تصويره الى حد الخالق لانه لن يقدر على ان ينفخ فيهال الروح وقد ورد الخلق فى القرآن بمعنى التصوير قال الله تعالى(8/470)
{ واذ تخلق من الطين كهيئة الطير } اى واذ تصور كذلك ههنا انتهى .
وفى التأويلات النجمية { ثم انشأنا خلقا آخر } يعنى خلقا غير المخلوقات التى خلقها من قبل وهو احسنهم تقويما واكملهم استعدادا واجلهم كرامة واعلاهم رتبة واخصهم فضيلة فلهذا اثنى على نفسه عند خليقته بقوله { قتبارك الله احسن الخالقين } لانه خلق احسن المخلوقين حيث جعله معدن العرفان وموضع المحبة ومتعلق العناية [ اى عزيز حق سبحانه وتعالى عرش وكرسى ولوح وقلم وملائكة ونجوم وسموات وارضين بيافريد وذات مقدس را بدين نوع ثناءكه بعد از آفرينش انسان فرموده نفرموده واين دليل تفضيل وتكريم ايشانست
بر ورق روى لطف اله ... آينيه حسن كه تحرير كرد
وفى المثنوى
اى رخ جون زهره است شمس الضحى ... اى كداى رنك توكلكونها
تاج كرمناست بر فرق سرت ... طوق فضلناست آويزبرت
هيدج كرمنا شنيد اين آسمان ... كه شنيد آن آدمىء برغمان
احسن التقويم در والتين بخواند ... كه كرامى كوهرست اى دوست جان
كر بكويم قيمت آن ممتنع ... من بسوزم هم بسوزد مستمع
[ بعضى ازاهل وجدان كويندكه جون درين آيت احوال بنى آدمى وترقى ازمقامى بمقامى بيان فرموده وآنست كه اورا زبانى باداء مراسم حمد وثنابى كه مستحق باركاه قدم باشد نخواهد بود درستايش ذات مقدس از جناب اونيابت نموده كفت ] { قتبارك الله احسن الخالقين } روى ان عبدالله بن ابى سرح كان يكتب لرسول الله الوحى فلما انتهى عليه السلام الى قوله { خلقا آخر } سارع عبد الله ا لى النطق به قبل املائه عليه السلام فقال عليه السلام ا كتب هكذا انزلت فشك عبدالله فقال ان كان محمد يوحى اليه فانا كذلك فلحق بمكة كافار ثم اسلم يوم الفتح وقيل مات على كفره ولما نزلت هذه الآية قال عمر رضى الله عنه فتبارك الله احسن الخالقين فقال عليه السلام « هكذا نزلت ياعمر » وكان يفتخر بتلك الموافقه انظر كيف وقعت هذه الواقعة سببا لسعادة عمر رضى الله عنه وشقاوة ابن ابى سرح حسبما قال تعالى { يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا } لا يقال قد تكلم البشر ابتداء بمثل نظم القرآن وذلك قادح فى اعجازه لما ان الخارج عن قدرة البشر ما كان مقدار اقصر سورة .(8/471)
ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15)
{ ثم انكم بعد ذلك } اى بعدما ذكر من الامور العجيبة { لميتون } لصائرون الى الموت لامحالة كما تؤذن به صيغة النعت الدالة على الثبوت دون الحدوث الذى يفيده صيغة الفاعل : وبالفارسية [ يعنى مآل حال شما بمرك خواهد كشيد وساغر فنا از دست ساقى اجل خواهيد جشيد ] ، قال بعضهم من مات من الدنيا خرج الى حياة الآخرة ومن مات من الآخرة خرج منها الى الحياة الاصلية وهو البقاء مع الله تعالى .(8/472)
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)
{ ثم انكم يوم القيامة } اى عند النفخة الثانية { تبعثون } تخرجون من قبوركم للحساب والمجازاة بالثواب والعقاب .
وفى الآية اشارة الى ان الانسان بعد بلوغه الى رتبة الانسانية يكون قابلا للموت مثل موت القلب وموت النفس وقابلا لحشرهما وفى موت القلب حياة النفس وحشرها مودع وفى موت النفس حياة القلب وحشره مودع وحياة النفس بالهوى وظلمته وحياة القلب بالله ونوره كا قال تعالى { أومن كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا } الآية وهذا معنى حقيقة قوله { ثم انكم يوم القيامة تبعثون } كذ فى التأويلات النجمية ، قال فى الاسئلة المقحمة عند سائر اطوار الآدمى من خلقه الى ان يبعث ولم يذكر فيها شيئا من سؤال القبر فدل على انه ليس بشىء فالجواب لانه تعالى ذكر الحياة الاولى التى هى سبب العمل والحياة الثانية التى هى سبب الجزاء وهما المقصودان من الآية ولا يوجب ذلك نفى مايذكر انتهى ، اعلم ان الموت يتعلق بصعقة سطوات العزة وظهور انوار العظمة والحياة تتعلق بكشف الجمال الازلى هناك تعيش الارواح والاشباح بحياة وصالية لا يجرى بعدها موت الفراق والموت والحياة الصوريان من باب التربية الالهية لان فى الفناء تربية اخرى فى التراب وفى الحياة اظهار زيادة قدرة فينا بادخال حياة ثانية فى اشباحنا وتربية ثانية فى ارواحنا فافهم جدا .(8/473)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17)
{ ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق } جمع طريقة كما ان الطرق جم طريق والمراد والمراد طباق السموات السبع كا قال فى المفردات طرائق السماء طباقها : يعنى [ هفت آسمان طبقى بالاى طبقه ] سميت بها لانها طورق بعضها فوق بعض مطارقة النعل فان كل شىء فوق مثله فهو طريقه { ما كنا عن الخلق } عن ذلك المخلوق الذى هو السموات { غافلين } مهملين امرها بل نحفظها عن الزوال والاختلال وندبر امرها حتى تبلغ منتهى ما قدر لها من الكمال حسبما اقتضته الحكمة وتعلقت به المشيئة ، وقال الكاشفى [ ياز جميع آفريد كان غافل نيستيم برخير وشرونفع وضرر وكفر وشرك ايشان مطلعيم ] ، قال ابو يزيد قدس سره فى هذه الآية ان لم تعرفه فقد عرفك وان لم تصل اليه فقد وصل اليك وان غبت او غفلت عنه فليس عنك بغائب ولا غافل ، قال بعضهم فوقنا حجب ظاهرة وباطنة ففى ظاهر السموات حجب تحول بيننا وبين المنازل العالية من العرش والكرسى وعلى القلوب اغطية كالمنى والشهوات والارادات الشاغلة والغفلات المتراكمة والله تعالى ليس بغافل عن سكنات الغافلين وحركات المريدين ورغبات الزاهدين ولحظات العارفين .(8/474)
وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18)
{ وانزلنا من السماء } من ابتدائية متعلقة بانزلنا { ماء } هو المطر { بقدر } [ باندازه كه صلاح بندكان درآن دانستيم ] ، وفى بحر العلوم بتقدير يسلمون معه من الضرر ويصلون الى النفع { فاسكناه فى الارض } اى جعلنا ذلك الماء ثابتا قارا فيها { وانا على ذهاب به } اى ازالته بالافساد او التصعيد او التغوير بحيث يتعذر استنباطه حتى تهلكوا انتم ومواشيكم عطشا { لقادرون } كا كنا قادرين على انزاله وعن عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما عن النبى عليه السلام « ان الله تعالى انزل من الجنة خمسة انهار جيحون وسيحون دجلة والفرات والنيل فانزلها الله تعالى من عين واحدة ن عيون الجنة من اسفل درجة من درجاتها على جناحى جبريل استودعها الجبال واجراها فى الارض وجعل فيها منافع للناس » فذلك قوله { وانزلنا من السماء ماء بقدر فاسكناه فى الارض } واذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج ارسل الله جبريل فرفع من الارض القرآن والعلم كله والحجر الاسود من البيت ومقام ابراهيم وتابوت موسى بما فيه وهذه الانهار الخمسة الى السماء فذلك قولعه { وانا على ذهاب به لقادرون } فاذا رفعت هذه الاشياء من الارض فقد اهلها خيرى الدين والدينا هذا حديث حسن كما فى بحر العلوم .(8/475)
فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19)
{ فانشأنا لكم } [ بس بيافريديم براى شما ] { به } بسبب ذلك الماء { جنات } [ بستانها ] { من نخيل } [ زخرما بنان ] ، قال فى المفردات النخل معروف ويستعمل فى الواحد والجمع وجمعه نخيل { واعناب } [ وازتاك بنان ] ، قال فى المفردات العنب يقال الثمرة الكرم والكرم نفسه الواحدة عنبة انتهى ، قال الكاشفى [ تخصيص اين دو درخت جهت اختصاص اهل مدينة بخرما واهل طائق بانكوراست ونخل وعنب در زمين حجاز ازهمه ديارعرب بيشتر مى باشد ] { لكم فيها } اى فى تلك الجنات { فواكه كثيرة } تتفكهون بها ، فى المفردات الفاكهة قيل هى الثمار كلها وقيل بل هى الثمار ماعدا العنب والرمان وقائل هذا كأنه نظر الى اختصاصهما بالذكر وعطفهما على الفاكهة انتهى ، قال ابو حنيفة رحمه الله اذا حلف لا يأكل فاكهة فاكل رطبا او عنبا او رمانا لم يحنث لان كلا منها وان كان فاكهة لغة وعرفا الا ان فيه معنى زائدا على التفكه اى التلذذ والتنغم وهو العدائية وقوام البدن فيه فبهذه الزيادة يخص من مطلق الفاكهة وخالفه صاحباه { ومنها } اى من الجنات ثمارها وزروعها { تأكلون } تعذيا او ترزقون وتحصلون معايشكم من قولهم فلان يأكل من حرفته كما قال الكاشفى [ وماملابد معيشت ازان حاصل ميكنيد ] ، وفى الآية اشارة الى انه كما انزل من السماء ماء المطر الذى هو سبب حياة الارضين كذلك انزل من سماء العناية ماء الرحمة فيحيى القلوب ويزيل به دون العصاة وآثار زلتهم وينبت فى رياض قلوبهم فنون ازهار البسط وصنوف انوار الروح والى انه كما يحيى الغياض بماء السماء ويثمر الاشجار ويجرى به الانهار فكذلك ماسماء العناية ينشى شجرة العرفان ويؤتى اكلها من الكشف والعيان وما تتقاصر العبارات عن شرحه ولاتطمع الاشارات فى حصره ثم ان الله تعالى عد نعمه على العباد واحسن الارشاد فمن تجاوز من النعم الى النعم فقد فاز بالمطلوب الحقيقى ، فان قلت لم امر الله بالزهد فى الدنيا مع انه خلقها له ، قلت السكر اذا نثر على رأس الختن فانه لا يلتقطه لعلو همته ولو التقطه لكان عيبا والاولياء زهدوا فيها ومنعوا انفسهم عن طيباتها وقنعوا بالقليل رجاء رفع الدرجات وفى الحديث « جوعوا انفسكم لوليمة الفردوس » والضيف اذا كان حكيما لايشبع من الطعام رجاء الحلوى حكى ان واحدا من اهل الرياضة مر من تحت شجرة فاذا ثمرها قد ادرك فحملته عليه نفسه للاكل منه فقال لها ان صمت سنة والا فلا فصامت حتى اذا كان وقت الثمر من السنة الآتية ذهب ليأكل منه فتناول من الساقط تحتها فقالت النفس ان على الشجرة اعلى الثمر فكل منه فقال لها ان شرطى معك ان آكل منه مطلقا لا من جيده الذى على الشجرة : قال الشيخ سعدى قدس سره
مرو در بى هرجه دل خواهدت ... كه تمكين تن نور جان كاهدت
كند مردرا نفس اماره خوار ... اكر هو شمندى عزيزش مدار
اكر هرجه باشد مرادت خورى ... زدوران بسى نامرادى برى
قال بعضهم الجوز واللوز والفستق البندق والشاه بلوط والصنوبر والرمان والنارنج والموز والخشخاش والرطب الزيتون والمشمش والخوخ والاجاص والعناب والغبيراء والدراق والزعرور والنبق والتفاح والكمثرى السفرجل والتين والعنب والاترج والخرنوب والقثاء والخيار والبطيخ كلها من فواكه الجنة فالعشرة الاولى لها قشر والثانةي لا قشر لها والعشرة الثالثة ليس لها قشر ولا نوى كما لايخفى .(8/476)
وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (20)
{ وشجرة } بالنصب عطف على جنات وتخصيصها بالذكر من بين سائر الاشجار لاستقلالها بمنافع معروفة قيل هى اول شجرة نبتت بعد الطوفان وهى شجرة الزيتونن ، قال فى انسان العيون شجرة الزيتون تعمر ثلاثة آلاف سنة ، وفى المفردات الشجر من النبت ماله ساق يقال شجرة وشجر نحو ثمره وثمر { تخرج من طور سيناء } هو جبل بين مصر وايلة نودى منه موسى عليه السلام : وبالفارسية وديكر بيافريديم براى شما درخختى كه بيرون مى آيداز كوه زيبا كه جبل موسى است درميان مصر وايله ] ويقال له طور سينين ومعناه الحسن او المبارك ، قال اهل التفسير فاما ان يكون الطور اسم الجبل وسيناء اسم البقعة اضيف اليها او المركب منهما علم له كامرىء القيس وهو بالفتح فعلاء كصحراء فمنع صرفه للتأنيث وبالكسر فيعال كديماس من السناء بالمد وهو الرفعة او بالقصر وهو النور فمنع صرفه للتعريف والعجمة او التأنيث على تأويل البقعة لا للالف وتخصيصها بالخروج منه مع خروجها من سائر البقاع ايضا لتعظيمها ولانه المنشأ الاعلى لها ، قال فى الجلالين اول ما نبت الزيتون نبت هناك { تنبت بالدهن } [ مى رويد باروغن ] صفة اخرى لشجرة والباء متعلقة بمحذوف وقع حالا منها اى تنبت ملتبسة به ومستصبحة له كما قال الراغب معناه تنبت والدهن موجود فيها بالقوة ويجوز كونها صلة معدية لتنبت كما فى قولك ذهبت بزيد اى تنبته بمعنى تتضمنه وتحصله فان النبات حقيقة صفة للشجرة لا للدهن { وصبغ } [ نان خورش ] { للآكلين } اى ادام لهم وذلك من قولهم اصطبغت بالحل وهو معطوف على الدهن جار على اعرابه عطف احد وصفى الشىء على الآخرة اى تنبت بالشىء الجامع بين كونه دهنا يدهن به ويسرج به وكونه ادما يصبغ فيه الخبزاى يغمس للأبتدام ويلون به كالدبس والخل مثلا .
وفى التأويلات النجمية هى شجرة الخفى الذى يخرج من طور سيناء الروح بتأثير تجلى انوار الصفات تنبت بالدهن وهو حسن الاستعداد لقبول الفيض الالهى بلا واسطة ومقر هذا الدهن هو الخفى الذى فوق الروح وهو سر بين الله وبين الروح لا تطلع عليه الملائكة المقربون وهوادام لا آكلى الكونين بقوة الهمة .(8/477)
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (21)
{ وان لكم فى الانعام } [ درجهار بايان يعنى ابل وبقر وغنم ] { لعبرة } الآية تعتبرون بحالها وتستدلون على عظيم قدرة خالقها ولطيف حكمته : وبالفارسية [ جيزى كه بدان اعتبار كريد وبرقدرت الهى استدلال نمايند ] فكأنه قيل كيف العبرة فقيل { نسقيكم } [ مى اشمانيم شمارا ] { مما فى بطونها } ما عبارة اما عن الانسان فمن تبعيضية والمراد بالبطون الجوف او عن العلف الذى يتكون منه اللبن فمن اتبدائيه والبطون على حقيقتها .
وفى التأويلات النجمية يشير الى انه كما يخرج من بطون الانعام من بين الفرث والدم لبنا خالصا وفيه عبرة لاولى الابصار فكذلك يخرج من بين فرث الصفات النفسانية وبين دم الصفات الشيطانية لبنا خالصا من التوحيد والمحبة يسقى به ارواح الصديقين كما قال بعضهم
سقانى شربة احى فؤادى ... بكأس الحب من بحر الوداد
{ ولكم فيها منافع كثيرة } غير ما ذكر من اصوافها واوبارها واشعارها ، قال الكاشفى [ ومر شماراست درايشان سودهاى بسياركه بعضى را سوار ميشتويد وبرخى را بارميكنيد واز بعضى نتاج مسيتانيد وازبشم وموى ايشان بهره ميكيريد ] { ومنها تأكلون } فتنتفعون باعيانها كا تنتفعون بما يحصل منها وفى الحديث « عليكم بالبان البقر فانها تؤمم من كل الشجر » اى تجمع وفى الحديث « عليكم بالبان البقر وسمنانها واياكم ولحومها فان البانها وسمنانها دوآء وشفاء ولحومها داء » وقد صح ان النبى عليه السلام ضحى عن نسائه بالبقر ، قال الحليمى هذا ليبس الحجاز ويبوسة لحم البقر ورطوبة لبنها سمنها فكأنه يرى اختصاص ذلك به وهذا التأويلات مستحسن والا فالنبى عليه السلام لا يتقرب الى الله تعالى بالداء فهو انما قال ذلك فى البقر لتلك اليبوسة . وجواب آخر انه عليه السلام ضحى بالبقر لبيان الجواز ولعدم تيسر غيره كذا فى المقاصد الحسنة للامام السخاوى .(8/478)
وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (22)
{ وعليها } اى على الانعام فان الحمل عليها لايقتضى الحمل على جميع انواعها بل يتحقق بالحمل على البعض كالابل ونحوهها وقيل المراد هى الابل خاصة لانها المحمول عليها عندهم والمناسب للفلك فانها سفائن البر { وعلى الفلك } اى السفينة ، قال الراغب ويستعمل ذلك للواحد والجمع وتقديراهما مختلفان فان الفلك اذا كان واحدا كان كبناء قفل واذا كان جمعا كبناء حمر { تحملون } يعنى [ برشتران درخشك وبركشتيها برترى برداشته مى شويد يعنى شتر وكشتى شمارا برميدارند وازهر موضعى بموضعى ميبرند ] وانما لم يقل وفى الفلك كقوله { قلنا احمل فيها } لان معنى الايعاء ومعنى الاستعلاء كلاهما مستقيم لان الفلك وعاء لمن يكون فيها لحمولة له يستعليها فلما صح المعنيان صحت العبارتان وايضا هو يطابق قوله عليها ويزاوجه كذا فى بحر العلوم ، ودلت الآية على جواز ركوب البحر للرجال والنساء على ما قاله الجمهور وكره ركوبه للنساء لان التستر فيه لا يمكنهن غالبا ولا غض البصر من المصترفين فيه ولا يمكن عد انكشاف عوراتهن فى تصرفهن لاسيما فيما صغر من السفن مع ضرورتهن الى قضاء الحاجة بحضرة الرجال كا فى انوار المشارق ، قال فى الذخيرة اذا اراد ان يركب السفينة فى البحر للتجارة او لغيرها فان كان بحال لو غرقت السفينة امكنه دفع الغرق عن نفسه بكل سبب يدفع الغرق به حل له الركوب فى السفينة وان لا يمكنه دفع الغرق لا يحل له الركوب انتهى فالمفهوم من هذه المسألة حرمة الركوب فى السفينة لمن لا يقدر على دفع الغرق عن نفسه مطلقا سواء كان لطلب العلم او التجارة او الحج او زيارة الاقارب او صلة الرحم او نحو ذلك وسوآء كانت السلامة غالبة اولا لكن المفهوم من بعض المسائل جوازه عند غلبة السلامة والا فلا ، قال فى شرح حزب البحر قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه لعمرو بن العاص صف لى البحر فقال يا امير المؤمنين مخلوق عظيم يركبه خلق ضعيف دود على عود فقال عمر لا جرم لولا الحج والجهاد لضربت من يركبه بالدرة ثم منع ركوبه ورجع عن ذلك بعد مدة وكذلك وقع لعثمان رضى الله عنه ومعاوية ثم استقر الاجماع على جوازه بشرائطه انتهى . والسباحة فى الماء من سنن النبى ، قال فى انسان العيون كانت وفاة ابيه عليه السلام عبدالله بالمدينة ودفن فى دار المتابعة بالتاء المثناة فوق وبالباء الموحدة والعين المهملة وهو رجل من بنى عدى بن النجار اخوال ابيه عبدالمطلب والنجار هذا اسمه تميم وقيل له النجار لانه اختتن بقدوم وهو آلة النجار ولما هاجر عليه السلام الى المدينة ونظر الى تلك الدار عرفها وقال ههنا نزلت بى امى وفى هذه الدار قبر ابى عبدالله واحسنت القوم السباحة فى بئر بنى عدى بن النجار ومن هذا ووما جاء عن عكرمة عن ابن عباس انه عليه السلام كان هو واصحابه يسبحون فى غدير فى الجحفة فقال عليه السلام لاصحابه(8/479)
« ليسبح كل رجل منك الى صاحبه » وبقى النبى عليه السلام وأبو بكر فسبح النبى الى ابى بكر حتى اعتنقه وقال « انا وصاحبى انا وصاحبى » وفى رواية « انا الى صاحبى انا الى صاحبى » يعلم رد قول بعضهم وقد سئل هل عام عليه السلام الظاهر لا لانه لم يثبت انه عليه السلام سافر فى بحر ولا بالحرمين بحر .(8/480)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (23)
{ ولقد ارسلنا نوحا الى قومه } اللام جواب قسم وتصدير القصة به لاظهار كمال الاعتناء بمضمونها اى وبالله لقد ارسلنا نوحا الى قومه وجاء فى قصيدة جمال الدين
من كثير الذنب نوحوا ... نوح نوح فى الرسل
انه عمرا طويلا ... من قليل النطق ناح
وهو انه عليه السلام مر على كلب به جرب فقال بئس الكلب هذا ثم ندم فناح من اول عمره الى آخره { فقال } داعيا لهم الى التوحيد { ياقوم } [ اى كروه من ] واصله يا قومى { اعبدوا الله } وحده كما دل عليه التعليل وهو { مالكم من اله غيره } اى مالكم فى الوجود اوفى العالم غير الله فغير بالرفع صفة لآله باعتبار محله الذى هو الرفع على انه فاعل ومن زائدة او مبتدأ خبره لكم { أفلا تتقون } الهمزة لانكار الواقع واستقباحه والفاء للعطف على مقدر يستدعيه المقام اى ألا تعرفون ذلك اى مضمون قوله مالكم من اله غيره فلا تتقون عذابه بسبب اشاراككم به فى العبادة مالا يستحق الوجود لولا ايجاد الله فضلا عن استحقاق العبادة فالمنكر عدم الاتقاء مع تحقيق ما يوجبه ، قال الكاشفى يعنى [ ترسيدازعذاب وى وبعبادات غير او ميل مكنيد ] .
وفى التأويلات النجمية { ولقد أرسلنا نوحا } نوح الروح الى قومه من القلب والسر والنفس والقالب وجوارحه { فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره } من الهوى والشيطان فعبادة القلب بقطع التعلقات والمحبة وعبادة السر بالتفرد بالتوحيد وعبادة النفس بتبديل الاخلاق وعبادة القالب بالتجريد وعبادة الجوارح باقامة اركان الشريعة { أفلا تتقون } بهذه العبادات عن الحرمان والخذلان وعذاب النيران .(8/481)
فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (24)
{ فقال الملؤا } اى الاشراف والسادة { الذين كفروا من قومه } اى قالوا لعوامهم مبالغة فى وضع الرتبة العالية وحطها عن منصب النبوة ، قال الكاشفى [ جون اكابر قوم اصاغر را بدين ودعوت نوح مائل ديدند ايشانرا تنفير موده كفتند ] { ماهذا } [ نيست اين كس كه مى خواند بتوحيد ] { الا بشر مثلكم } اى فى الجنس والوصف من غير فرق بينكم وبينه ، قال الكاشفى [ مانند شما درخوردن وآشاميدن وغير آن ] { يريد ان يتفضل عليكم } اى يريد ان يطلب الفضل عليكم ويتقدمكم بادعاء الرسالة مع كونه مثلكم ، قال فى الجلالين يتشرف عليكم فيكون افضل منكم بان يكون متبوعاً وتكونوا له تبعا كقوله وتكون لكما الكبرياء فى الارض وصفوه بذلك اغضابا للمخاطبين عليه واغراء على معاداته { ولو شاء الله لانزل ملائكة } اى لو شاء الله ارسال الرسول لارسل رسلا من الملائكة [ تامرسل ازمرسل اليهم متميز بودى ] وانما قيل لانزل لان ارسال الملائكة لايكون الا بطريق الانزال فمفعول المشيئة مطلق الارسال المفهوم من الجواب لا نفس مضمومه كما فى قوله ولو شاء لهداكم ونظائره .
وفى التأويلات النجمية يشير بهذا الى مقالات بعض البطلة من الطلبة فان بعض يتكاسلون فى الطلب فيقولون لو شاء الله سيعنا فى الطلب لايدنا بالصفات الملكية والتوفيق الربانى { ما سمعنا بهذا } اى بمثل هذا الكلام الذى هو الامر بعبادةالله خاصة { فى آبائنا الاولين } اى الماضين قبل بعثته ، وفى بحر العلوم بهذا اى بارسال البشر وان جاء ذكر من الله على رجل منهم كما قال الكاشفى [ مانشنوده ايم يان راكه آدمى رسول خدا تواند بود يخلقان ] قالوه اما الفرط غلوهم فى التكذيب والعناد واما لكونهم وآبائهم فى فترة متطاولة يعنى [ ميان ادريس وميان ايشان مدتى كذشته بود وشنوده بودندكه از اولاد آدم بيغمبرى بوده ] .(8/482)
إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25)
{ ان هو } ما هو { الا رجل به جنة } أى جنون ولذلك يقول ما يقول [ اكر جنون نداشتى كه بشر قابليت رسالت ندارد ] والجنون اختلال حائل بين النفس والعقل .
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان احوال اهل الحقيقة عند ارباب الطبيعة جنون كما ان احوال ارباب الطبيعة عند اهل الحقيقة جنون انتهى والجنون المعتبر هو ترك العقل واختيار العشق : قال الحافظ
درره منزل ليلى كه خطرهاست درو ... شرط اول قدم آنست كه مجنون
باشى ... وقال الصائب
روزن عالم غيبست دل اهل جنون ... من وآن شهركه ديوانه فراوان باشد
{ فتربصوا به } اصبروا عليه وانتظروا : وبالفارسية [ بس انتظار بريد ويرا وجشم داريد ] ، قال الراغب التربص الانتظار بالشىء ساعة يقصد بها غلاء او رخصا او امرا ينتظر زواله او حصوله { حتى حين } الى وقت يفيق من الجنون ، قال الكاشفى [ تاهنكامى از زمان يعنى صبر كنيدكه اندك وقتى را بميرد وازوى بازرهيم يازجنون باهوش آيد وترك كفتن اين سخنان نموده بى كار خود كيرد ] .(8/483)
قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (26)
{ قال } نوح بعدما ايس من ايمانهم { رب } [ اى بروردكار من ] { انصرنى } باهلاكهم بالكلية { بما كذبون } اى بسبب تكذيبهم اياى او بدل تكذيبهم .(8/484)
فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27)
{ فأوحينا اليه } عند ذلك اى فاعلمناه فى خفاء فان الايحاء والوحى اعلام فى خفاء { ان اصنع الفلك } ان مفسرة لما فى الوحى من معنى القول والصنع اجادة الفعل { باعيننا } ملتبسا بحفظنا نحفظه من ان تخطىء فى صنعته او يفسده عليك مفسد يقال فلان بعينى اى احفظه واراعيه كقولك هو منى بمرأى ومسمع ، قال الجنيد قدس سره من عمل على مشاهدة اورثه الله عليها الرضى قال الله تعالى { واصنع الفلك باعيننا } { ووحينا } وامرنا وتعليمنا لكيفية صنعها روى انه اوحى اليه ان يصعنها على مثال الجؤجؤ .
وفى التأويلات النجمية الهمنا الى نوح الروح ان اصنع فلك الشريعة باستصواب نظرنا وامرنا لا بنظر العقل وامر الهوى كما يعمل الفلاسفة والبراهمة { فذا جاء امرنا } اى اذا اقترب امرنا بالعذاب { وفار التنور } [ وبجوشد تنور يعنى بوقتى كه زن تونان بزد ازميان آتش آب برآيد ] كما فى تفسير الفارسى . والفور شدة الغليان ويقال ذلك فى النار نفسها اذا هاجت وفى القدر وفى الغضب وفوارة الماء سميت تشبيها بغليان القدر ويقال الفور الساعة والتنور تنور الخبر ابتداء منه النبوع على خرق العادة وكان فى الكوفة موضع مسجدها كما روى انه قيل له عليه السلام اذا فار الماء من التنور اركب انت ومن معك وكان تنور آدم فصار الى نوح فلما نبع منه الماء اخبرته امرأته فركبوا { فاسلك فيها } اى ادخل فى الفلك يقال سلك فيه اى دخل وسلكه فيه اى ادخله ومنه قوله ماسلككم فى سقر { من كل } من كل امة ونوع { زوجين } فردين مزدوجين { اثنين } تأكيد والمراد الذكر والانثى [ ودر تيسير كويد در كشتى نياورد مكر آنهاراكه مى زايند بابيضه مى نهند ] { واهلك } منصوب بفعل معطوف على فاسلك اى واسلك اهلك والمراد به امرأته وبنوه وتأخير الاهل لما فيه من ضرب تفصيل بذكر الاستثناء وغيره { الا من سبق عليه القول منهم } اى القول باهلاك الكفرة ومنهم ابنه كنعان وامه واغلة وانما جيء بعلى لكون السابق ضارا كما جيء باللام فى قوله { ان الذين سبقت لهم منا الحسنى } لكونه نافعا { ولا تخاطبنى فى الذين ظلموا } بالدعاء وانجائهم { انهم مغرقون } مقضى عليهم بالاغراق لا محالة لظلمهم بالاشراك وسائر المعاصى ومن هذا شأنه لا يشفع له ولا يشفع فيه كيف لا وقد امر بالحمد على النجاة منهم باهلاكهم .(8/485)
فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28)
بقوله تعالى { فاذا استويت انت ومن معك } اى من اهلك واشياعك اى اعتدلت فى السفينة راكبا ، قال الراغب استوى يقال على وجهين احدهما ان يسند اليه فاعلان فصاعدا نحو استوى زيد وعمرو كذا اى تساويا وقال تعالى { ايستوون عندالله } والثانى ان يقال لاعتدال الشىء فى ذاته نحو فاذا استويت ومتى عدى بعلى اقتضى معنى الاستعلاء نحو { الرحمن على العرش استوى } { على الفلك فقال الحمد لله الذى نجانا من القوم الظالمين } افرد بالذكر مع شركة الكل فى الاستواء والنجاة لاظهار فضله والاشعار بان فى دعائه وثنائه مندوحة عما عداه .(8/486)
وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29)
{ وقل ربى انزلنى } اى فى السفينة او منها ، قال الكاشفى [ قولى آنست كه امر بدين دعا دروقت خروج از كشتى بوده واشهر آنست كه دروقت دخول وخروج اين دعا فرموده ] { منزلا مباركا } اى انزالا او مضع انزال يستتبع خيرا كثيرا وقرىء منزلا بفتح الميم اى موضع نزول والنزول فى الاصل هو الانحطاط من علو يقال نزل عن دابته نزل فى مكان كذا حطا رحله فيه وانزله غيره { وانت خير المنزلين } ، وفى الجلالين استجاب الله دعاءه حيث قال { اهبط بسلام منا وبركات عليك } فبارك فيهم يعد انزالهم من السفينة حتى كان جميع الخلق من نسل نوح ومن كان معه فى السفينة ، قال لكاشفى [ سلمى از ابن عطا نقل ميفر مايدكه منزل مبارك آن منزلست كه دراو ازهواجس نفسانى ووساوس شيطانى ايمن باشند وآثار قرب ازجمال قدس نازل باشد
هركجا برتو انوار جمال بيشتر ... بركت آن منزل ازهمه منازل افزونتر
در منزلى كه بارى روزى رسيده باشد ... باذره هاى خاكش داريم مرحبائى(8/487)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)
{ ان فى ذلك } الذى ذكر مما فعل به وبقومه { لآيات } جليلة يستدل بها اولوا الابصار ويعتبر بها ذووا الاعتبار { وان كنا لمبتلين } ان مخففة من ان واللام فارقة بينها وبين النافية وضمير الشأن محذوف اى وان الشأن كنا مصيبى قوم نوح ببلاء عظيم وعقاب شديد او مختبرين بهذه الآيات عبادنا لننظر من يعتبر ويتذكر ، قال الراغب اذا قيل ابتلى فلان بكذا وابلاه فذلك يتضمن امرين احدهما تعرف حاله الوقوف على ما يجهل من امره والثانى ظهور جودته ورداءته دون التعرف بحاله والوقوف على ما يجهل منامره من اولى العزم ببلايا ابتلاهم الله بها فصبروا ألا ترى الى حال نوح عليه السلام كيف ابتلى الف سنة الا خمسين عاما فصبر حتى قيل له { قل الحمد لله الذى نجانا من القوم الظالمين } قال الحافظ
كرت جونوح نبى صبرهست برغم طوفان ... بلا بكردد وكام هزار ساله برآيد
ثم ان نوحا عليه السلام دعا بهلاك قومه مأذونا من الله تعالى فجاء القهر الالهى اذ لم يؤثر فيهم اللطف الرحمانى والمقصود من الدعاء اظهار الضراعة وهو نافع عند الله تعالى ، يحيى ابن معاذ رحمه الله [ كفت عبادت قفلست كليدش دعا ودندانة كليد لقمه حلال وازجمله دعاء اواين بودى بار خدايا اكر آن نكنى كه خواهم صبربر آنجه توخواهى ] وفى الآية اشارة الى ان المؤمن ينبغى له ان يطلب منزلا مباركا يبارك له فيه حيث دينه ودنياه
سعد ياحب وطن كرجه حديثست صحيح ... نتوان مرد بسختى كه من ايجا زادم
ولو تفكرت فى احوال الانبياء و كمل الاولياء لوجدت اكثرهم مهاجرين اذ لايمن فى الاقامة بين قوم ظالمين ، يقول الفقير احمد الله تعالى على نعمه المتوافرة لاسيما على المهاجرة التى وقعت مرارا وعلى المنزل وهى بلدة بروسه حيث جاء الفال بلدة طيبة ورب غفور وعلى الانجاء من القوم الظالمين حيث ان كل من عادانى ورد موعظتى هلك مع الهالكين فجاءت عاقبة الابتلاء نجاة والقهر لطفا والجلال .(8/488)
ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (31)
{ ثم انشأنا من بعدهم } اى وجدنا واحدثنا من بعد اهلاك قوم نوح { قرنا آخرين } هم عاد لقوله تعالى حكاية عن هود { واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح } والقرن القوم المقترنون من زمن واحد اى اله زمان واحد .(8/489)
فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (32)
{ فارسلنا فيهم } [ بس فرستاديم درميان ايشان ] { رسولا منهم } اى من جملتهم نسبا وهو هود لا هود وصالح على ان يكون المراد بالقرن عادا وثمود لان الرسول بمعنى المرسل لابد وان يثنى ويجمع بحسب المقام كقوله { انا رسولا ربك } وجعل القرن موضعا للارسال كما فى قوله { كذلك ارسلناك فى امة } ونحوه لا غاية له كما فى مثل قوله تعالى { لقد ارسلنا نوحا الى قومه } للايذان من اول الامر بان من ارسل اليهم لم يأتم من غير مكانهم بل انما نشأ فيما بين اظهرهم { ان اعبدوا الله } ان مفسرة لارسلنا لما فى الارسال من معنى الوقل اى قلنا لهم على لسان الرسول ان اعبدوا الله تعالى وحده لانه { ما لكم من اله غيره } مرّ اعرابه { أفلا تتقون } ، قال فى بحر العلوم أتشركون بالله فلا تخافون عذابه على الاشراك انتهى فالشرك وعدم الاتقاء كلاهما منكران .(8/490)
وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33)
{ وقال الملأ من قومه الذين كفروا } ، قال الراغب الملأ الجماعة يجتمعون على رأى فيملأون العيون روعاءو النفوس دلالة وبهاء اى اشارف قومه الكافرين وصفوا بالكفر ذمالهم وذكره بالواو دون الفاء كمافى قصة نوح لان كلامهم لم يتصل بكلام الرسول ومعناه انه اجتمع فى الحصول ذلك القول الحق وهذا القول الباطل وشتان مابينهما ، قال فى برهان القرآن قدم من قومه فى هذه الآية واخر فما قبلها لان صلة الذين فيما قبل اقتصرت على فعل وضمير الفاعلين ثم ذكر بعده الجار والمجرور ثم الفاعل ثم المفعول وهو المقول وليس كذلك هذه فان صلة الموصول طالت بذكر الفاعل والمفعول والعطف عليه مرة اخرى فقدم الجار والمجرور لان تأخيره ملبس وتوسطه ركيك فخص بالتقديم { وكذبوا بلقاء الآخرة } اى بالمصير الى الآخرة بالبعث والحشر او بلقاء مافيها من الحساب والثواب والعقاب { واترفناهم } اى نعمناهم ووسعنا عليهم : وبالفارسية [ ونعمت داده بودم ايشانرا ] يقال ترف فلان اى توسع فى النعمة واترفته النعمة اطغته { فى الحياة الدنيا } بكثرة الاموال والاولاد اى قالوا لاعقابهم مضلين لهم { ما هذا } اى هود { الا بشر مثلكم } فى الصفات والاقوال البشرية { يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون } اى تشربون منه وهو تقير للمماثلة : يعنى [ بغداء محتاجست مانند شما اكر نبى بودى بايستى كه متصف بصفات ملائكة بودى نخوردى ونياشاميدى ] .(8/491)
وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (34)
{ ولئن اطعتم بشرا مثلكم } اى فيما ذكر من الاحوال والصفات اى وبالله ن امتثلتم اوامره { انكم اذا } اى على تقدير الاطاعة : وبالفارسية [ آنكاه ] { لخاسرون } عقولكم ومغبونون فى آرائكم حيث اذللتم انفسكم ، وقال الكاشفى [ زيان زد كانيدكه خودرا مأمور ومتبوع مثل خود سازيد ] انظر كيف جعلوا اتباع الرسول الحق الذى يوصلهم الى سعادة الدارين خسرانا دون عبادة الاصنام التى لا خسران وراءها قاتلهم الله واذن وقع بين اسم ان وخبرها لتأكيد مضمون الشرط والجملة جواب لقسم محذوف ، قال بعض الفضلاء اذن ظرف حذف منه ما اضيف اليه ونون عوضا ، وفى العيون اذن جواب شرط محذوف اى انكم ان اطعتموه اذن لخاسرون .(8/492)
أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35)
{ ايعدكم } [ ايا وعده ميدهد شمارا اين بيغمبر ] { انكم اذا متم } بكسر الميم من مات يمات وقرىء بضمها من مات يموت { وكنتم } وصرتم { ترابا وعظاما } نخرة مجردة عن اللحوم والاعصاب اى كان بعض اجزائكم من اللحم ونظائره ترابا وبعضها عظاما وتقديم التراب لعراقته فى الاستعباد وانقلابه من الاجزاء البادية او كان متقدموكم ترابا صرفا ومتأخروكم عظاما ، يقول الفقير الظاهر ان مرادهم بيان صيروتهم عظاما ثم ترابا لان الواو لمطلق الجمع { انكم } تأكيد للاول لطول الفصل بينه وبين خبره الذى هو قوله { مخرجون } اى من القبور احياء كما كنتم .(8/493)
هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36)
{ هيهات ههيات } اسم فعل وهو بعد وتكريره لتأكيد ا لبعد اى بعد الوقوع { لما توعدون } يعنى [ آنجه وعده داده ميشويد ازبعث وجزا هر كزنباشد ] او بعدما توعدون واللام لبيان المستبعد كأنهم لما صوتوا بكلمة الاستبعاد قيل لما هذا الاستبعاد فقيل لما توعدون .(8/494)
إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37)
{ ان هى } ان بمعنى ما أى مالحياة { الا حياتنا الدنيا } الدانية الفانية { نموت ونحيا } مفسرة للجملة المتقدمة اى يموت بعضنا ويولد بعض الى انقراض العصر او يصيبنا الامران الموت والحاية يعنون الحياة المقتدمة فى الدنيا والموت بعدها وليس وراء ذلك حياة { وما نحن بمعوثين } بمنشرين بعد الموت كما تزعم ياهود انظر كيف عميت قلوبهم حتى لم يروا ان الاعادة اهون من الابتداء وان الذى هو قادر على ايجاد شىء من العدم واعدامه من الوجود يكون قادرا على اعادته ثانيا .(8/495)
إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38)
{ ان هو } اى ما هو { الا رجل افترى على الله كذبا } اى اخترع الكذب على الله فيما يدعيه من الارسال والبعث ، قال الراغب الفرى قطع الجلد للخرز والاصلاح والافراء للافساد والافتراء فيهما وفى الافساد اكثر ولذلك استعمل فى القرآن فى الكذب والشرك والظلم { وما نحن له بمؤمنين } بمصدقين فيما يقول .(8/496)
قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (39)
{ قال } هود بعد مايئس من ايمانهم { رب انصرنى } عليهم وانتقم لى منهم : وبالفارسية [ اى بروردكار من يارى كن مرا بغالبيت وايشانرا مغلوب كردان ] { بما كذبون } اى بسبب تكذيبهم اياى واصرارهم عليه(8/497)
قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ (40)
{ قال } تعالى اجابة لدعائه وعدة بالقبول { عما قليل } اى عن زمان قليل وما مزيدة بين الجار والمجرور لتأكيد معنى القلة { ليصبحن } أى ليصيرن اى الكفار المكذبون { نادمين } على الكفر والتكذيب وذلك عند معاينتهم العذاب . والندامة بالفارسية [ بشيمانى ] .(8/498)
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41)
{ فاخذتهم الصيحة } صيحة جبريل صالح عليهم صيحة هائلة تصدعت منها قلوبهم فماتوا والصحية رفع الصوت ، فان قلت هذا يدل على ان المراد بالقرن المذكور فى صدر القصة ثمود قوم صالح فان عادا اهلكوا بالريح العقيم ، قلت لعلهم حين ا صابتهم الريح العقيم اصيبوا فى تضاعفها بصيحة هائلة ايضا كما كان عذاب قوم لوط بالقلب والصحية كمامر وقد روى ان شداد بن عاد حين اتم بناء ارم سار اليها باهله فلما دنا منها بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا وقل الصيحة نفس العذاب والموت ، وفى الجلالين فاخذتهم صيحة العذاب { بالحق } متعلق بالاخذ اى بالوجه الثابت الذى لا دافع له ، وفى الجلالين بالامر من الله { فجعلناهم } فصيرناهم { غثاء } اى كغثاء السيل لا ينتفع به وهو ما يحمله السيل على وجهه من الزبد والورق والعيدان كقولك سال به الوادى لمن هلك ، قال الكاشفى [ غثاء : جون خاشاك آب آورده يعنى هلاك كرديم ونابود ساختيم جون خس وخاشاك كه سيل آنرا باطراف افكند وسياه كهنه كردد ] { فبعدا للقوم الظالمين } يحتمل الاخبار والدعاء ، قال الكاشفى [ بس دورى باد از رحمت خداى مركروه ستماكارانرا ] وبعدا مصدر بعد اذا هلك وهو من المصادر التى لايكاد يستعمل ناصبها . والمعنى بعدوا بعدا اى هلكوا واللام لبيان من قيل له بعدا ، وفى الآية اشارة الى ان اهل الدنيا حين بغوا فى الارض وطغوا على الرسل
جومنعم كند سفله روزكار ... نهد بر دل تنك دوريش بار
جوا بام ندش بود خود برست ... كند بول وخاشاك بربام بست
وقالوا لرسلهم ماقالوا لا يعلمون ان الرسل واهل الله وان كانوا يأكلون مما يأكل اهل الدنيا ولكن لا يأكلون كا يأكل هؤلاء فانهم يأكلون بالاسراف اهل الله يأكلون ولايسرفون كما قال النبى عليه السلام « المؤمن يأكل فى معى واحد والكافر يأكل فى سبعة أمعاء »
لاجرم كافر خورد درهفت بطن ... دين ودل باريك ولاغرزفت بطن
بل اهل الله يأكلون ويشربون بافواه القلوب مما يطعمهم ربهم ويسقيهم حيث يبيتون عند ربهم ، قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره كان عليه السلام يبيت عند ربه فيطعمه ويسقيه من تجلياته المتنوعة وانما اكله فى الظاهر لاجل امته الضعيفة والا فلا احتياج له الى الاكل والشرب ماروى من انه كان يشد الحجر فهو ليس من الجوع بل من كمال لطافته لئلا يصعد الى الملكوت بل يستقر فى الملك للارشاد وقد وصف الله الكفار بشر الصفات وهى الكفر بالخالق وبيوم القيامة والانغماس فى حب الدنيا ثم سجل عليهم بالظلم واشار الى ان هلاكهم انما كان بسبب ظلمهم
نماند ستمكار بدروزكار ... بماند برولعنت بايدار
فالظلم من شيم اهل الشقاوة والبعد وانهم كالغثاء فى عدم المبالاة بهم كما قال ( هؤلاء فى النار ولا ابالى ) .(8/499)
ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ (42)
{ ثم أنشأنا } خلقنا من بعدهم اى بعد هلاك القرون المذكورة وهم عاد الاشهر { قرونا آخرين } هم قوم صالح ولوط وشعيب وغيرهم عليهم السلام اظهارا للقدرة وليعلم كل امة استغناءنا عنهم وانهم ان قلبوا دعوة الانبياء وتابعوا الرسل تعود فائدة استسلامهم وانقيادهم وقيامهم بالطاعات اليهم .(8/500)
مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (43)
{ ماتسبق من امة اجلها } من مزيدة للاستغراق اى ماتتقدم امة من الامم المهلكة الوقت الذى عين لهلاكهم { ومايستأخرون } ذلك الاجل بساعة وطرفة عين بل تموت وتهلك عندما حدلها من الزمان .(9/1)
ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (44)
{ ثم اسلنا رسلنا } عطف على انشأنا لكن لا على معنى ان ارسالهم متأخر ومتراخ عن انشاء القرون المذكورة جميعا بل على معنى ان اراسل كل رسول متأخر عن نشاء قرن مخصوص بذلك خاصا به { تترى } مصدر من المواترة وهى التعاقب فى موضع الحال اى متواترين واحدا بعد واحد : وبالفارسية [ بى دربى يعنى يكى درعقب ديكرى ] ، قال فى ا لارشاد وغيره من الوتر وهو الفرد والتاء بدل من الواو والالف للتأنيث لان الرسل جماعة { كم جاء امة رسولها } المخصوصو اى جاء بالبينات وللتبليغ { كذبوه } نسبوا اليه الكذب يعنى اكثرهم بدليل قوله { ولقد ضل قبلهم اكثر الاولين } كما فى بحر العلوم ، قال لكاشفى [ تكذب كردنداورا وآنجه كفت ازتوحيد ونبوت وبعث وحشر دروغ بنداشتند وبتقليد بدران ولزوم عادات نابسنديده از دولت تصديق محروم ماندند ] { فاتبعنا بعضهم } اى بعض القرون { بعضا } فى الاهلاك اى اهلكنا بعضهم فى اثر بعض حسبما تبع بعضهم بعضا فى مباشرة الاسباب التى هى الكفر والتكذيب وسائر المعاصى ، قال الكاشفى [ يعنى هيج كدام را مهلت نداديم وآخرين راجون اولين معاقب كردانيم ] { وجعلناهم } بعد اهلاكهم { احاديث } لمن بعدهم اى لم يبق عين ولا اثر الا حكايات يسمر بها ويتعجب منها ويعتبر بها المعتبرون من اهل السعادة وهو اسم جمع للحديث او جمع احدوثة وهى ما يتحدث به تلهيا وتعجبا وهو املراد ههنا كاعاجيب جمع اعجوبة وهى ما يتعجب منها ، قال الكاشفى [ وساختيم آنراسخنان يعنى عقوبت خلق كردانيديم كه دائم عذاب ايشانرا يادكنند وبدان مثل زنند خلاصه سخن آنكه از ايشان غير حكايتى باقى نماندكه مردم افسانه وار ميكويند واكر سخن نيكوى ايشان بماندى به بودى برزكى كفته است ]
تفنى وتبقى عنك احدوثة ... فاجهد بان تحسن احدوثتك
[ ودر ترجمه آن فرسوده اند
بس ازتو اين همه افسانها كه مى خوانند ... دران بكوكش كه نيكو بماند افاسنه
يقول الفقير فى البيت العربى دلالة على ان الاحدوثة تقا ل على الخير والشر وهو خلاف ما قال الاخفش من انه لا يقال فى الخير جعلتهم احاديث واحدوثة وانما يقال جعلت فلانا حديثا انتهى ، ويمكن ان يقال فى البيت ان الاحدوثة الثانية وقعت بطريق المشاكلة { فبعدا لقوم لايؤمنون } [ بست دورى باد از رحمت حق مركروهى راكه نمى كروند بابياء وتصديق ايشان نمى كنند ] وفى اكثر التفاسير بعدوا بعدا اى هلكوا واللام لبيان من قيل له بعدا وخصهم بالنكرة لان القرون المذكورة منكرة بخلاف ما تقدم من قوله فبعدا للقوم الظالمين حيث عرف بالالف واللام لانه فى حق قوم معينين كما سبق ، وفى الآية دلالى على ان عدم الايمان سبب للهلاك والعذاب فى النيران كما ان التصديق مدار للنجاة والتنعم فى الجنان .(9/2)
قال يعقوب عليه السلام للبشير على أى دين تركت يوسف قال على الاسلام قال الآن تمت النعمة على يعقوب وعلى آل يعقوب اذ لا نعمة فوق الاسلام وحيث لا يوجد فجميع النعم عدم وحيث يوجد فجميع النقم عدم ، وسأل رجل عليا رضى الله عنه هل رأيت ربك فقال أفاعبد مالا ارى فقال كيف تراه قال لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلب بحقائق الايمان ، وعنه من عرف ربه جل ومن عرف نفسه ذل يعنى عرفان الرب بعطى جلالة فى المعنى وعرفان النفس يعطى ذلة فى الصورة فالكفار وسائر اهل الظلم عدو انفسهم اعزة فذلا صورة ومعنى حيث بعدوا من الله تعالى فى الباطن وهلكوا مع الهالكين فى الظاهر والمؤمنون وسائر العدول عدو انفسهم فعزوا صورة ومعنى حيث تقربوا ال الله تعالى فى الباطن ونجوا من الهلاك فى الظاهر فجميع التنزل انما يأتى من جهة الجهل بالرب والنفس
رونق كار خسان كاسد شود ... همجو ميوه تازه زوفاسد شود
فعلى العاقل الانقياد لاهل الحق فان جمع الفيض انما يحصل من مشرب الانقياد وبالانقياد يحصل العرفان التام وشهود رب العباد
كى رسانند آن امانت را بتو ... تانباشى بيششان راكع دوتو
اللهم اعصمنا من العناد اثبتنا على الانقياد .(9/3)