« ما اجلسكم » فقالوا جلسنا نذكره الله ونحمده على ما هدانا للاسلام قال « آلله ما اجلسكم الا ذلك » قوله آلله بالجر والمد على القسم اى بالله ما اجلسكم قالوا بالله ما اجلسنا الا ذاك . قال « اما انى لم استحلفكم تهمة ولكن اتانى جبرائيل فاخبرنى ان الله يباهى بكم الملائكة »
فان قلت ما تقول فيما روى عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه انه سمع قوما اجتمعوافى المسجد يهلكون ويصلون على النبى عليه السلام برفع الصوت جهرا فراح اليهم وقال لهم ما عهدنا هذا على عهد رسول الله وما اراكم الا مبتعدين فما زال يكرر ذلك حتى اخرجهم من المسجد
قلت اجاب عنه صاحبه الرسالة التحقيقية فى طريق الصوفية الشيخ سنبل الخلوتى قدس سره بانه كذب وافتراء على ابن مسعود لمخالفته النصوص القرآنية واتلاحاديث النبوية وافعال الملائكة قال الله تعالى { ومن اظلم ممن منع مساجد الله ان يذكر فيها اسمه وسعى فى خرابها اولئك ما كان هم ان يدخلوها الا خائفين } ولو سلمنا صحة وقوعه فهو لا يعارض الادلة المذكورة لانه اثر والاثر لا يعارض الحديث كما لا يخفى وبطلان الادلة يدل على بطلان المدلولات وفى الحديث « علامة حب الله حب ذكر الله وعلامة بغض الله بغض ذكرالله »
واعلم ان نور الذكر قدره على قدر حال الذاكر وذلك بالفناء فى الله والذاكرون على اربعة اصناف
الصنف الاول اهل الخلوة ووظيفتهم فى اليوم والليلة من الذكر الخفى القوى بالنفى والاثبات والحركة الشديدة سبعون الف لا اله الا الله وهؤلاء مشتغلون تارة بالحق وتارة بانفسهم
الصنف الثالث اصحاب الاوقات وهؤلاء وظيفتهم من الذكر جهرا وخفية اثنا عشر الفا وهؤلاء مشغولون بالحق مرة وبمصالح انفسهم مرة وبالخلق اخرى
الصنف الرابع اصحاب الخدمة وهؤلاء وظيفتهم ذكر الجهر على كل حال من الاحوال ليلا ونهار بعد المداومة على الوضوء
قال بعض الاكابر من قال فى الثلث الاخير منليلة الثلاثاء لا اله الا الله الف مرة لا اله الا الله وهو على طهارة فى كل صبيحة يسر الله عليه اسباب الرزق من نسبته وكذلك من قالها عند منامه العدد المذكور باتت روحه تحت العرش تتغذى العالم حسب قواها : قال المولى الجانى قدس سره
دنت آيينة خداى نماست ... روى آيينه توتيره جراست
صيقلى وار صيقلى ميزن ... باشد آيينه ات شود روشن
صقل آن اكرنه آكاه ... بيست جز لا اله الا الله
ومن شرط الذكر ان يأخذه الذاكر بالتلقين من اهل الذكر كما اخذه الصحابة بالتلقين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقن الصحابة التابعين والتابعون المشايخ شيخا بعد شيخ الى عصرنا هذا والى ان نقوم القيامة كذا فى ترويح القلوب بلطائف الغيوب للشيخ عبد الرحمن البسطامى قدس سره الخطير(6/266)
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29)
{ الذين آمنوا وعملوا الصالحات } الذين جمعوا بين الايمان بالقلب والعمل الصالح بالجوارح وهو مبتدأ خبره { طوبى لهم } [ زندكانى خوش است ايشانرا ] واللام للبيان كما فى سلام لك وهو مصدر من طاب كزلفى وبشرى اصله طيبى انقلبت الياء واوا لضم ما قبلها كما هو موقن
وفىلتبيان غبطة وسرور لهم وفرح وقيل نعم حالهم { وحسن مآب } اى مرجع يعنى ولهم حسن منقلب ومرجع ينقلبون ويرجعون اليه فى الآخرة وهو الجنة
وقال بعضهم طوبى علم لشيء بعينه كما قال كعب الاحبار سألت رسول الله عن اشجار الجنة فقال « ان اكبر اشجارها شجرة طوبى وخيمتى تحتها اصلها من در واغصانها من زبرجد واوراقها من سندس عليها سبعون الف غصن اقصى اغصانها يلحق بساق العرش وادنى اغصانها فى سماء الدنيا ليس فى الجنة دار ولا بحبوحة ولا قصر ولا قبة ولا غرفة ولا حجرة ولا سرير الا وفيها غصن منها فتظل عليها وفيها من الثمار ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين »
قال فى الفتح القريب اصلها فى دار محمد صلى الله عليه وسلم ثم تنقسم فروعها على جميع منازل اهل الجنة كما انتشر منه العلم والايمان على جميع اهل الدنيا وقد غرسها الله بيده وينبع من اصلها عينان الكافور والسلسبيل وفيها من جميع الثمار والازهار والالوان الا السواد وكل ورقة تظل امة وعلى كل ورقة منها ملك يسبح الله بانواع التسبيح عظمة الجسد لا يدرك آخرها يسير الراكب الجادّ تحت ظلها مائة عام وقيل الف عام ما يقطعها
قال بعض الكبار المراد بالعمل الصالح التزكية وطوبى لهم بالوصول الى الفطرة الاصلية وكمال الصفات وحسن مآب بالدخول فى جنة القلب اعنى جنة الصفات
قال الحريرى طوبى لمن طاب قلبه مع الله لحظة فى عمره ورجع الى ربه بقلبه فى وقت من الاوقات
قال الجنيد طاب اوقات العارفين بمعرفتهم والعمل الصالح ما اريد به وجه الله تعالى وهو المثمر والمفيد لا غيره
شاخ بى ميوه كرهمه طوبيست ... ببريدش بميوه بيونديد
فالعمل الذى للجنة ليس لوجه الله تعالى فانه تعالى لو لم يخلق جنة ولا نارا لم يكن مستحقا لان يعبد
هزاد خشكى جه سزاوار بهشت است ... شايسته آتش شمر آنهاكه جنانند
وفى التأويلات النجمية { الذين آمنوا وعملوا الصالحات } يشير الى الذين غرسوا غرس الايمان وهى كلمة لا اله الا الله فى ارض القلب وربوه بماء الشريع ودهقنة الطريقة وهو الاعمال الصالحة حتى صار شجرة طيبة كما ضرب الله لهذا مثلا فقال ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة } فلما كلمت الشجرة واثمرت الحقيقة كانت { طوبى لهم وحسن مآب } وهى الرجوع والاياب الى الله نفسه لا الى ما سواه وهذا هو الثمرة الحقيقية يدل عليه قوله { فمن شاء اتخذ الى ربه مآبا } فعلى هذا يشير بطوبى الى حقيقة شجرة لا اله الا الله فى قلب النبى عليه السلام وفى قلب كل مؤمن منها غصن فافهم جيدا : قال الشيخ العطار قدس سره
هو دو عالم بسته فتراك او ... عرش وكسى كرده قبله خاك او
بيشواى اين جهان وآن جهان ... مقتداى اشكارا و نهارا(6/267)
كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)
{ وكذلك } اى مثل ما ارسلنا الرسل الى اممهم قبلك يا محمد { ارسلناك فى امة } بمعنى الى كما فى قوله تعالى { فردّ ايديهم فى افواههم } وفى بحر العلوم وانما عدى الارسال بفى وحقه ان يعدى بالى لان الامة موضع الارسال { قد خلت } مضت وتقدمت { من قبلها } عائد الى امة على لفظها { امم } ارسلوا اليهم فليس ببدع ارسالك الى امتك ثم علل الارسال فقال { لتتلو عليهم الذى اوحينا اليك } ضمير عليهم راجع الى امى على معناها اى لتقرأ عليهم الكتاب العظيم الذى اوحينا اليك وهو القرآن وما فيه من شرائع الاسلام وتزينهم بحلية الايمان فان المقصود من نزول القرآن هو العمل بما فيه وتحصيل السيرة الحسنة لا التلاوة المحضة والاستماع المجرد فالعامى المتعبد راجل سالك والعالم المتهاون راكب نائم : قال السعدى [ تلميذ بى ارادت عاشق بى زرست ورونده بى معرفت مرغ بى برو عالم بى عمل درخت بى بى بر وزاهد بى علم خانه بى در ] { وهم يكفرون بالرحمن } حال من فاعل ارسلناك اى وحالهم انهم يكفرون بالله الواسع الرحمة ولا يعرفون قدر رحمته وانعامه اليهم بارسالك وانزال القرآن العظسم عليهم -وروى- ان ابا جهل سمع النبى عليه السلام وهو فى الحجر يدعو يا الله يا رحمن فرجع الى المشركين وقال ان محمدا يدهو الهين يدعو الله ويدعو آخر يسمى الرحمن ولا نعرف الرحمن الا رحمن اليمامة يعنى به مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة يعنى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة وهى بلدة فى البادية فنزلت هذه الآية { قل } لهم يا محمد { هو } اى الرحمن الذى مفرتم به وانكرتم معرفته { ربى } خالقى ومتولى امرى { لا اله الا هو } خبر بعد خبر اى هو مجامع لهذين الوصفين من الربوبية والالوهية فلا مستحق للعبادة سواء ومعناه لا اله الا هو الواحد المختص بالالهية { عليه توكلت } اليه اسندت امرى فى العصمة من شركم والنصرة عليكم { واليه } لا الى غيره { متاب } مصدر تاب يتوب واصله متابى اى مرجعى ومرجعكم فيرحمنى وينتقم لى منكم والانتقام من الرحمن اشد ولدا قيل نعوذ بالله من غضب الحليم : قال الحافظ
بمهلتى كه سبهرت دهد زراه مرو ... ترا كه كفت كه اين زال ترك دستان كفت
والاشارة الى ان الامم لما كفروا بالله كفروا بالرحمن لان الرحمانية قد اقتضت ايجاد المخلوقات فان القهارية كانت مقتضية الواحدية بان لا يكون معه احد فسبقت الرحمانية القهارية فى ايجاد المخلوقات ولهذا السر قال تعالى { ان كل من فى السموات والارض الا آتى الرحمن عبدا } فارسل الله الرسل وانزل معهم الكتب ليقرأوا عليهم ويذكروهم بايام الله التى كان الله ولمك يكن معه شيء ثم اوجدهم واخرجهم من العدم الى الوجود وهو الذى رب كل شيء وخالقه ولا اله الا هو واليه المرجع والمآب كما فى التأويلات النجمية(6/268)
يقول الفقير عبادة الخطاب فى ارسلناك للنبى صلى الله عليه وسلم فهو المرسل لغة واصطلاحا وصاحب الوحى والدعوة واشارته لكل واحد من ورثته الذين هم على مشربه الى يوم القيامة بحسب كونه مظهرا لارثه فهو المرسل لغة لا اصطلاحا وصاحب الالهام والارشاد وكما ان لكل زمان صاحب دولة وظهور فكذا له صاحب رحمة وتصرف معنوى ولذا قال عليه السلام « علماء امتى كانبياء فى اسرائيل » فاثبت لهم النبوة بمعنى الاخبار عن الله بالالهام وفى قوله { وهم يكفرون بالرحمن } اشارة الى ان المنعم عليه يجب ان لا يكفر بل يشكره بالايمان والاعتقاد كما دل عليه ما قبله الكفر والانكار من اقبح القبائح كما ان الايمان والاقرار من احسن المحاسن ولحسن الظن والاعتقاد الحسن تأثير بليغ -روى- ان جماعة من السراق نزلوا على اهل رباط فسأل عنهم صاحب الرباط فاستحيوا منه وقالوا نحن الغزاة فهيأ لهم طعاما وجاءت امرأة بسطت ليغسلوا ايديهم قبل الطعام وقالت ان لى بنتا عمياء اغسلها تبركا بغسالة الغزاة فغسلوا فغسلت المرأة وجه ابنتها بها فاصبحت سالمة من العمى(6/269)
وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31)
{ ولو أن قرآنا } -روى- ان نفرا من مشركى مكة معهم ابو جهل ابن هشام وعبد الله بن امية قالوا يا محمد ان يسرك ان نتبعك فسير لنا بقرءانك الجبال عن حوالى مكة فانها ضيقة حتى تتسع لنا الارض فنتخذ البساتين والمحارث وشقق الارض وفجر لنا الانهار والعيون كما فى ارض الشام واحى رجلين او ثلاثة ممن مات من ابناءئنا مهم قصى بن كلاب ليكلمونا ونسألهم عن امرك أحق ما تقول ام باطل فلما اقترحوا عليه صلى الله عليه وسلم هذه الآيات نزل قوله { ولو ان } الخ وجواب الشرط محذوف كما سيأتى . والمعنى بالفارسية [ برفتن آوردن ] اى نقلت من اماكنها واذهب عن ةجه الارض بالفارسية { رانده شدى بوة كوها يعنى در وقت خواندن وى از مواضع خود برفتى ] { او قطعت به الارض } شققت فجعلت انهارا وعيونا . وبالفارسية [ ياشكافته شدى بدو زمين جون برو خواندندى ] { او كلم } احيى { به الموت } [ يا بسخن در آوردندى از بركت خواندن او مرد كانرا ] اى لكان هذا القرآن لكونه غاية فى الاعجاز ونهاية فى التذكير والمراد منه تعظيم القرآن والرد على المشركين الذين كابروا فى كون القرآن آية واقترحوا آية غيرها والتنبيه على ان ما ينفعهم فى دنياهم كالزراعة ونحوها مع ان فى القرآن تأثيرات ةخاصيات انفسية عجيبة فلو كان لهم استعداد لظهور تلك التأثيرات لسيرت به جبال نفوسهم وقطعت به ارض بشريتهم واحيى به قلوبهم الموتى { بل } [ نه جنانست كه كافران ميكويند بقرآن تويا بفرمان توبايد اينها واقع شود ] { لله الامر } اى امر خلقه { جميعا } فله التصرف فى كل شيء وله القدرة على ما اراد وهو قادر على الاتيان بما اقترحوه من الآيات الا ان ارادته لم تتعلق بذلك لعلمه بانه لا تنفعهم الآيات -روى- انه لما نزلت هذه الآية قال عليه السلام « والذى نفسى بيده لقد اعطانى ما سألتم ولو شئت لكان ولكن خيرنى بين ان تدخلوا فى باب الرحمة فيؤمن مؤمنكم وبين ان يكلكم الى ما اخترتم لانفسكم فتضلوا عن باب الرحمة فاخترت باب الرحمة واخبرنى انه ان اعطاكم ذلك كفرتم ان يعذبكم عذابا لم يعذبه احدا من العالمين » كما فى اسباب النزول للامام الواحدى
واعلم ان الكفار ما ابصروا نور القرآن فعموا عن رؤية البرهان وكذا اهل الانكار غفلوا عن سره القرآن فحرموا من المشاهدة والعيان : وفى المثنوى
تو ز قرآن اى بسر ظاهر مبين ... ديو آدم را ند بيند جز كه طين
ظاهر قرآن جو شخص آدميست ... كه نقوشش ظاهر وجانش خفيست
ولا شك ان من تخلق بالقرآن الذى هو صفة الله تعالى قدر على ما لم يقدر عليه غيره وفى الحديث(6/270)
« لو كان القرآن فى اهاب ما مسته النار » اى لو صور القرآن وجعل فى اهاب والقى فى النار ما مسته ولا احرقته ببركة القرآن فكيف بالمؤمن الحامل له المواظب على تلاوته
ومن الحكايات اللطيفة ان عليا رضى الله عنه مرض فقال ابو بكر رضى الله عنه لعمر وعثمان رضى الله عنهما ان علينا قد مرض فعلينا العبادة فاتوا بابه وهو يجد خفة من المرض ففرح فرحا فتموج بحر سخائه فدخل بيته فلم يجد شيأ سوى عسل يكفى لواحد فى طست وهو ابيض وانور وفيه شعر اسود فقال ابو بكر الصديق رضى الله عنه لا يليق الا كل قبل المقالة فقالوا انت اعزنا واكرمنا وسيدنا فقل اولا فقال الدين انور من الطست ونعيمها احلى من العسل والصراط ادق من الشعر فقال عثمان رضى الله عنه القرآن انور من الطست وقراءة القرآن احلى من العسل وتفسيره ادق من الشعر فقال على رضى الله عنه الضيف انور من الطست وكلام الضيف احلى من العسل وقلبه ادق من الشعر نور الله تعالى قلوبنا بنور العرفان واوصلنا واياكم الى سر القرآن آمين يا الله يا رحمن { أفلم ييأس الذين آمنوا } اليأس قطع الطمع عن الشيء والقنوط منه والاستفهام بمعنى الامر -روى- ان طائفة من المؤمنين قالوا يا رسول الله اجب هؤلاء الكفار يعنون كفار مكة الى ما اقترحوا من الآيات فعسى ان يؤمنوا فقال تعالى أفلم يقنط المؤمنون من ايمان هؤلاء الكفرة بعد ما رأوا كثرة عنادهم بعد ما شاهدوا الآيات { ان } اى علما منهم انه { لو يشاء الله لهدى الناس جميعا } فآمنوا وقد يستعمل اليأس بمعنى العلم مجازا لانه مسبب عن العلم بان ذلك الشيء لا يكون فان المخففة مع ما فى حيزها فى محل النصب علىلا انهار مفعول اليأس بمعنى العلم . والمعنى أفلم يعلم الذين آمنوا ان الله تعالى لا يهدى الناس جميعا لعدم تعلق مشيئة باهتداء الجميع فيهدى من يشاء ويضل من يشاء بمقتضى قبضتيه الجمالية والجلالية : قال الحافظ
در كار خانه عشق از كفرنا كزيرست ... آتش كرا بسوزد كربو لهب نباشد
{ ولا يوال الذين كفر } بالرحمن وهم كفار مكة { تصيبهم بما صنعوا } اى بسبب ما فعلوا من كفرهم واعمالهم الخبيثة { قارعة } داهية تقرعهم وتفجأهم من القتل والاسر والحرب والجدب واصلالقرع الضرب والصدع تلخيصه لا يزال كفار مكة معذبين بقارعة { او تحل } القارعة اى تنزل { قريبا } [ بموضعى نزديك ] { من دارهم } اى مكة فيفزعون فيها ويقلعون ويتطاير عليهم شرارها ويتعدى اليهم شرورها ويجوز ان يكون تحل خطابا للنبى عليه السلام فنه حل بجيشه قريبا من دارهم عام الحديبية فاغار على اموالهم ومواشيهم
وفى التاويلات النجمية { قارعة } من الاحكام الازلية تقرعهم فى انواع المعاملات التى تصدر منهم موجبة للشقاوة وبقوله { او تحل قريبا من دارهم } يشير الى ان الاحكام الازلية تارة تصدر منهم وتارة من مصاحبهم فتوافقوا فى اسباب الشقاوة وترافقوا الى ما اوعدهم الله من درك الشقاء كما قال { حتى } يعنى [ بلابديشان خواهد رسد تاوقتى كه ] { ياتى وعد الله } وهو موتهم او يوم القيامة او فتح مكة { ان الله لا يخلف الميعاد } لامتناع الخلف لكونه نقصا منافيا للالوهية وكمال الشيء والميعاد بمعنى الوعيد كالميلاد والميثاق بمعنى الولادة والتوثقة والوعد عبارة عن الاخبار بايصال المنفعة قبل وقوعها(6/271)
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32)
{ ولقد استهزئ برسل من قبلك } كاستهزاء قومك بك والتنكير للتكثير اى بجميع الرسل من قبلك ويدل عليه قوله تعالى { واما يأتيهم من رسول الا كانوا به يستهزئون } ومعنى الاستهزاء الاستحقار والاستهانة والاذى والتكذيب { فامليت الذين كفروا } اى للمستهزئين الذين كفروا . والاملاء الامهال وان يترك ملاوة من الزمان اى مدة طويلة منه فى دعة وامن كالبهيمة فى المرعى اى اطلت لهم المدة فى امن وسعة بتأخير العقوبة ليتمادوا فى المعصية { ثم اخذتهم } بالعقوبة بعد الاملاء والاستدراج { فكيف كان } [ بس جه كونه بود ] { عقاب } عقابى اياهم كيف رأيت ما صنعت بمن استهزأ برسلى ولم ير النبى عليه السلام عقوبتهم الا انه علم بالتحقيق فكأنه رأى عيانا
وفى بحر العلوم فانكم تمرون على بلادهم ومساكنهم فتشاهدون اثر ذلك وهذا تعجيب من شجة اخذه لهم سلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استهزائهم به واذا هم وتكذيبهم واقتراحهم الآيات بان له فى الانبياء اسوة وان جزاء ما يفعلون به ينزل بهم كما نزل بالمستهزئين بالانبياء جزاء ما فعلوا
وفيه اشارة الى ان من امارات الشقاء الاستهزاء بالانبياء والاولياء وفى الحديث « من اهان لى » ويروى « من عادى لى وليا فقد بارزنى بالمحاربة » اى من اغضب وآذى واحدا من اوليائى فقد حاربنى والله اسرع شيء الى نصرة اوليائه لان الولى ينصر الله فيكون الله ناصره -وروى- ان الله تعالى قال لبعض اوليائه اما وهدك فى الدنيا فقد تعجلت راحة نفسك واما ذكرك اياى فقد تشرفت بى فهل واليت فىّ وليا وهل عاديت فىّ عدوا فمحبة اولياء الله تعالى وموالاتهم من انفع الاعمال عند الله وبغضهم عداوتهم واستحقارهم والطعن فيهم من اضر الاعمال عنده تعالى واكبر الكبائر [ آورده انده كه سبهسالارى بود ظالم وباتباع خود بخانه يكى از مشايخ كبار فرود آمد خجواند خانه كفت من منشورى درام بخانه من فرود مياكفت منشور بنما شيخ درخانه رفت ومصحفى عزيز داشت ودر بيش آمد وباز كرد اين آيت بر آمدكه ] { يا ايها الذين آمنوا لا تدخوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على اهلها } [ سبهسالار كفت من بنداشم كه منشور امير دارى بدان التفات نكرد ودرخانه شيخ فرود آمد آن شب قولنجش بكرفت وهلاك شد ] قال الصائب
نتيجه نفس كرم عند ليبانست ... كه عمر شبنم كستاخ يكزمان باشد
ولا شك ان مثل هذه المعاملات القبيحة من غلبة اوصاف النفس
فعلى العاقل ان يزكى نفسه عن سفساف الاخلاق حتى يتخلص من قهر القهار الخلاق ألا ترى أن المؤمنين نظروا الى النبى عليه السلام بعين التعظيم وبدلوا الكبر بالتواضع والفناء ودخلوا فى الاستسلام فاستعسدوا سعادة الدارين واما الكفرةة فعتوا عتوا كبيرا فاستأصلهم الله من حيث لا يحتسبون فشقوا شقاوة ابدية وهكذا حال سائر المؤمنين والمنكرين الى يوم القيامة فان الولياء ورثة الرسول عليه السلام والمعاملة معهم كالمعاملة معه : قال الكمال الخنجدى
مقربان خداند وراثان رسول ... توازخدى جنين دوروازرسولى جيست(6/272)
أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)
{ أفمن } [ ايا كسى كه ] فمن موصولة مرفوعة المحل على الابتداء والخبر محذوف والاستفهام بمعنى النفى اى أفالله الذى { هو قائم } رقيب { على كل نفس } صالحة او طالحة { بما كسبت } من خير وشر يحفظه عليها فيجازيها به يعنى ان اراد المجازاة ولم يغفر كمنت ليس بهذه الصفة من الاصنام التى لا تضر ولا تنفع وهذا كقوله { أفمن يخلق كمن لا يخلق } اى لا يكون من هو قائم على كل نفس يعلم خيرها وشرها ويجازيها على حسب ذلك كمن ليس بقائم على شئ متناه فى العجز والضعف والجهل ومعنى القيام التولى لامور خلقه والتدبير للارزاق والآجال واحصاء الاعمال للجزاء يقال قام فلان اذا كفاه وتولاه { وجعلوا لله شركاء } اى الاصنام وهو استئناف يعنى ان الكفار سووا بين الله وبين الاصنام واتخذوها شركاء له فى العبادة وانما تكون سواء وشركاء فيها لو كانت سواء وشركاء فى القيام على كل نفس فما اعجب كفرهم واشراكهم وتسويتهم مع علمهم التفات بينهما اى تعجبوا من ذلك { قل سموهم } بينوا شركاءكم باسمائهم وصفوفهم بصفاتهم فانظروا هل لهم ما يستحقون به العبادة والشركة يشير الى ان الاسماء مأخذها من الصفات فان لم تروا منهم شيئا من صفات الله فكيف تسمونهم كما قال الكاشف [ مراد آنست كه حق را حى وقادر وخالق ورزاق وسميع وبصير وعليم وحكيم ميكويند واطلاق هيج بك ازين اسما براصنام نمى تواندكرد ] قال فى بحر العلوم قوله { قل سموهم } من فن الكناية وذلك لان معنى سموهم عينوا اساميهم ولما كان تعيين الشئ بالاسم من لوازم وجوده جعل عدم التعيين كناية عن عدم وجود الشئ يعنى ليس عندنا اسام يستحقون لها العبادة وان كانت عندكم فسموهم بها وانظروا هل يستحقون بها ولما لم تكن لهم عندهم ايضا اسم تقتضى استحقاق العبادة لم يستحقوها ولم يتحقق لهم العبادة والشركة { ام تنبئونه } ام منقطعة مقدرة ببل والهمزة الانكارية اى بل أتخبرون الله تعالى { بما لم يعلم فى الارض } اى بما لا وجود له ولا علم الله متعلق بوجوده وهو الشركاء المستحقون للعبادة وهو نفى للملزوم ينفى اللازم بطريق الناية اى لا شريك له ولا علم اذ لو كان الشريك موجودا لكان معلوما الله تعالى لان علم الله لازم لوجود الشئ والا يلزم جهله تعالى الله عن ذلك فاذا لم يكن وجوده معلوما له وجب ان لا يكون موجودا لاستلزام انتفاء اللازم انتفاء ملزومه
قال فى بحر العلوم { ام تنبئونه } اضراب عن ذكر تسميتهم وتعيين اساميهم الى ذكر تنبئتهم ومعنى الهمزة فى ام الانكار بمعنى ما كان ينبغى اولا ينبغى ان يكون ذلك
وفى التبيان تأويل الآية فان سموهم بصفات الله فقل أتنبئونه بما لا يعلم فى الارض { ام بظاهر من القول } بل تسمونهم شركاء بكلام لا حقيقة له كتسمية الزنجى كافورا
وفى بحر العلوم هو اضراب عن ذكر تنبئتهم واخبارهم الى ذكر تسميتهم الاصنام بشركاء بظاهر من القول من غير حقيقته واعتبار معنى ومعنى الهمزة فى ام الانكار والتعجب كأنه قال دع ذلك المذكور واسمع قولهم المستنكر النقضى منه العجب وذلك ان قولهم بالشركاء قولا لا يعذده برهان فما هو الا لفظ يتفوهون به فارغ عن معنى تحته كالالفاظ المهملة التى هى اجراس لا تدل على معان ولا يتكلم بها عاقل تنفرا منها واستقباحا { بل زين للين كفروا مكرهم } انفسهم بتخيلهم اباطيل ثم ظنهم اياها حقا وهو اتخاذهم الله شركاء خذلانا من الله .(6/273)
والمكر صرف الغير عما يقصده بحيلة والمزين اما الشيطان بوسوسته كقوله تعالى { وزين لهم الشيطان اعمالهم } والله تعالى كقوله { زينا اعمالهم } وفى الحديث « بعثت داعيا ومبلغا وليس لى من الهدى شئ وخلق ابليس مزينا وليس اله من الضلالة من شئ »
حق فاعل وهرجه جزحق آلات بود ... تأثير زآلت ازمحالات بود
{ وصدوا } من الصد وهو المنع { عن السبيل } سبيل الحق { ومن ] [ هركه ] { يضلل السبيل } يخذله عن سبيله قال سعدى المفتى ولا منع عند اهل السنة ان يفسر الاضلال بخلق الضلال وكذا الهداية يجوز ان تفسر بخلق الاهتداء { فماله من هاد } فما له من احد يقدر على هدايته ويوفقه لها(6/274)
لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34)
{ لهم عذاب فى الحيواة الدنيا } بالقتل والاسلا وسائر ما ينالهم من المصائب والمحن ولا يلحقهم الا عقوبة لهم على الكفر ولذلك سمكاه عذابا وأصل العذاب فى كلام العرب من العذب وهو المنع يقال عذبته اذا منعته وسمى الماء عذبا لانه يمنع العطش وسمى العذاب عذابا لانه يمنع المعاقب من معاودة مثل جرمه ويمنع غيره من مثل فعله
وفى التأويلات النجمية وهو عذاب البعد والحجاب والغفلة والجهل وعذاب عبودية النفس والهوى والدنيا وشياطين الجن والانس { ولعذاب الآخرة اشق } اشد واصعب لدوامه وهو عذاب النار وعذاب نار القطيعة والم البعد وحسرة التفريط فى طاعة الله تعالى وندامة الافراط فى الذنوب والمعاصى والحصول على الخسارات والهبوط من الدرجات ونزول الدركات { وما لهم من الله } اى من عذابه { من واق } حافظ ومانع حتى لا يعذبوا . من الثانية زائدة والاولى متعلقة بواق
وفى التأويلات { وما لهم من الله } من خذلان الله فى الدنيا وعذاب الله فى الآخرة { من واق } يقيهم من الخذلان والعذاب وفى حديث المعراج « ثم اتى على واد فسمع صوتا منكرا فقال يا جبريل ما هذا الصوت قال صوت جهنم تقول يارب ائتنى باهلى وعدتنى فقد كثرت سلاسلى واغلالى وسعيرى وحميمى وغساقى وغسلينى وقد بعد قعرى واشتد حرى ائتنى بما وعدتنى قال لك كل مشرك ومشركة وخبيث وخبيثة وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب قاليت رضيت » كما فى الترغيب والترهيب
وكان ابن مرثد لا تنقطع دموع عينيه ولا يزال باكيا فسئل عن ذلك فقال لو أن الله اوعدنى بانى لو اذنبت لحبسنى فى الحمام ابدا لكان حقيقا على انها لا تنقطع دموعى فكيف وقد اوعدنى بان يحبسنى فى نار قد اوقد عليها ثلاثة آلاف سنة اوقد عليها الف سنة حتى احمرت ثم اخرى حتى ابيضت ثم اخرى حتى اسودت فهى شوداء مظلمة كالليل المظلم فهذه حال المعذب بالنار الصغرى واما المعذب بالنار الكبرى وهى تار القطيعة والهجر فحاله اشد واعظم
بررخ جامى بودبى رويت ازدوزخ درى ... كرزروضه خازن اندرقبراو روزن كند
نسأل الله العصمة والتوفيق لطريق الحق والتحقيق(6/275)
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)
{ مثل الجنة التى وعد المتقون } من الشرك والمعاصى وهو مبتدأ خبره محذوف اى فيما قصصنا عليك مثل الجنة اى صفتها التى هى كالمثل السائر فى الغرابة { تجرى من تحتها الانهار } حال من العائد المحذوف من الصلة والتقدير وعد بها المتقون مقدرا جريان انهارها اربعة من تحت اشجارها بمقابلة المراتب الاربع التى هى الشريعة والطريقة والمعرفة والحقيقة وتعطى هذه الانهار على الكمال لمن جمع بين هذه المراتب الاربع وهم المقربون واما غيرهم من الابرار وارباب البرازخ فانهم وان كانوا يشربون منها لكنهم لا يجدون فيها ما يجده اولئك المقربون من زيادة اللذة لتفاوت معرفتهم بالله
هركسى از همت والاى خويش ... سود برد در خور كالاى خويش
{ اكلها } [ ميؤه آن بستان ]
قال فى الكواشى ما يؤكل فيها { دائم } لا ينقطع ولا يمنع منه بخلاف ثمر الدنيا { وظلها } اى وظلها دائم لا ينسخ فى الدنيا بالشمس لانه لا شمس فى الجنة ولا حر ولا برد فالمراد بدوام الظل دوام الاستراحة وانما عبر عنه به لندرة الظل عند العرب وفيه معظم استراحاتهم فى ارضهم والمراد بدوام الاكل الدوام بالنوع لا الدوام بالجزء والشخص فانه اذا فنى منه شيء جيئ ببدله وهاذ لا ينافى الهلاك لحظة كما قال تعالى { كل شيء هالك الا وجهه } على ان دوامه مضاف الى ما بعد دخول الجنة كما يقتضيه سوق الكلام فهلاكه لحظة عند هلاك كل شيء قبل الدخول لا ينافى وجوده وبقاءه بعده
وفى الآية رد على الجهمية حيث قالوا ان نعيم الجنة يفنى ومن مقالات لبيد قبل اسلامه
ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل
ولما انشده فى مجلس من قريش وقال ألا كل شيء ما خلا الله باطل قال عثمان ابن مظعون رضى الله عنه صدقت ولما قال وكل نعيم لا محالة زائل قال كذبت لما فهم انه اراد بالنعيم ما هو شامل لنعيم الآخرة [ امام قشيرى فرموده كه اهل ايمان امروز در ظل رعايتند وفردا در ظل حمايت وعارفان بدنيا وعقبى در ظل عنايت كه بيوسته است ]
سايه دولت او در دو جهان جاويدست ... اى خوش آن بنده كه اين سايه فتدبر سراو
{ تلك } الجنة التى بلغك وصفها وسمعت بذكرها { عقبى الذين اتقوا } مآلهم وعاقبة امرهم { وعقبى الكافرين النار } لا غيره فالتقوى طريق الى الجنة والكفر طريق الى النار
والاشارة ان الله تعالى يشير الى حقيقة امر الجنة التى وعدها للمتقين ووصفها بانها تجرى من تحتها الانهار وهى انهار الفضل والكرم ومياه العناية والتوفيق { اكلها دائم } وهى مشاهدات الجمال ومكاشفات الجلال { وظلها } اى وهم فى ظل هذه المقامات والاحوال الى هى من وجوده لا من شمس وجودهم على الدوام بحيث لا تزول ابدا وتلك الاحوال والمقامات عاقبة من اتقى بالله عما سواه وعاقبة من اعرض عن هذه المقامات والاحوال نار القطيعة والحسرة كما فى التأويلات النجمية : وفى المثنوى(6/276)
جور دوران وهر آن رنجى كه هست ... سهلتر از بعد حق وغفلتست
زانكه اينها بكذرد آن نكذرد ... دولت آن داردر كه جان آكه برد
[ شبلى ديد زنى را كه ميكريد وميكويد يا ويلاه من فراق ولدى . شبلى كريست وكفت يا ويلاه من فراق الاحد . آن زن كفت جرا جنين ميكويى . شبلى كفت تو كريه ميكنى برفراق مخلوقى كه هر آينه فانى خواهد شد من جرا كريه نميكنم برفراق خالقى كه باقة باشد ]
فرزند ويار جونكه بميرند عاقبت ... اى دوست دل مبند بجز حى لا يموت
عصمنا الله واياكم من نار البعد والعذاب الاليم وشرفنا بالذوق الدائم والنعيم المقيم(6/277)
وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ (36)
{ والذين آتيناهم الكتاب } يريد المسلمين من اليهود كعبد الله بن سلام واصحابه ومن النصارى وهم ثمانون رجلا اربعون بنجران وثمانية باليمن واثنان وثلاثون بالحبشة فالمراج بالكتاب التوراة والانجيل { يفرحون بما انزل اليك } بجميعه وهو القرآن كله لانه من فضل الله ورحمته على العباد ولا شك ان المؤمن الموقن يسره ما جاء اليه من باب الفضل والاحسان { ومن الاحزاب } ومن احزابهم وهم كفرتهم الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعداوة نحو كعب بن الاشرف واتباعه والسيد والعاقب اسقفى نجران واشياعهما وبالفارسية [ واز لشكرهاى كفر وضلالت ] { من ينكر بعضه } وهو ما يخالف شرائعهم
وفى الكواشى لانهم وافقوا فى القصص وانكروا غيرها وعن ابن عباس رضى الله عنهما آمن اليهود بسورة يوسف وكفر المشركون بجميعه
واعلم ان القرآن يشتمل على التكاليف والاحكام وعلى الاسرار والحقائق فالروح والقلب والسر يفرحون بالكل . واما النفس والهوى والقوى فينكر بعضه لثقل تكاليفه وجهل فوائده اللهم ارفع عنا تعب التكاليف واجعلنا بالقرآن خير اليف واحفظنا من المخالفة والانكار واحشرنا مع اهل القبول والاقرار
مزن زجون زجرا دم كه بنده مقبل ... قبول كردبجان هر سخن كه جانان كفت
{ قل } يا محمد فى جواب المنكرين { انما امرت ان اعبد الله ولا اشرك به } اى انما امرت فيما انزل الىّ بان اعبد الله واوحده وهو العمدة فى الدين ولا سبيل لكم الى انكاره . واما ما تنكرونه لما يخالف شرائعكم فليس ببدع مخالفة الشرائع والكتب الالهية فى جزئيات الاحكام لان الله الحكيم ينزل بحسب ما يقتضيه صلاح اهل العالم كالطبيب يعامل المريض بما يناسب مزاجه من التدبير والعلاج { اليه } اى الى الله وتوحيده لا الى غيره { ادعوا } العباد او اخصه بالدعاء اليه فى جميع مهامى { واليه مآب } اى مرجعى ومرجعكم للجزاء لا الى غيره وهذا هو القدر المتفق عليه بين الانبياء . فاما ما عدا ذلك من التفاريغ فمما يختلف بالاعصار والامم فلا معنى لانكار المخالف فيه(6/278)
وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37)
{ وكذلك } اى وكما انزلنا الكتاب على الانبياء بلغة اممهم كما قال { كذلك ارسلناك فى امة } او مثل هذا الانزال المشتمل على اصول الديانات المجمع عليها كما هو المشهور فى مثله { انزلناه } يعنى القرآن { حكما } يحكم فى كل شيء يحتاج اليه العباد على مقتضى الحكمة والصواب . فالحكم مصدر بمعنى الحاكم لما كان جميع التكاليف الشرعيه مستنبطا من القرآن كان سببا للحكم فاسند اليه الحكم اسنادا مجازيا ثم جعل نفس الحكم على سبيل المبالغة ويقال حكما اى محكما لا يقبل النسخ والتغيير { عربيا } مترجما بلسان العرب ليسهل لهم فهمه وحفظه وانتصاب حكما على انه حال موطئة وعربيا صفته والحال الموطئة اسم جامد موصوف بصفة هى الحال فكأن الاسم الجامد وطأ الطريق لما هو حال فى الحقيقة لمجيئه قبلها موصوفا بها -روى- ان المشركين كانوا يدعونه عليه السلام الى اتباع ملة آبائهم المشركين وكان اليهود يدعونه الى الصلاة الى قبلتهم اى بيت المقدس بعد ما حول عنها فقال تعالى { ولئن اتبعت اهواءهم } التى يدعونك اليها لتقرير دينهم جعل ما يدعونه اليه من الدين الباطل والطريق الزائغ هوى وهو ما يميل اليه بالطبع وتهواه النفس بمجرد الاشتهاء من غير سند مقبول ودليل معقول لكونه هوى محضا { بعد ما جاءك من العلم } من الدين المعلوم صحته بالبراهين { مالك من الله } من عذابه { من ولى } ينصرك { ولا واق } يحفظك ويمنع عنك العذاب وهذا خطاب له عليه السلام والمراد تحريض امته على التمسك بالدين وتحذيره من التزلزل فانه اذا حذر من كان ارفع منزلة من الكل هذا التحذير كان غيره اولى بذلك اعانك الله واياى فى كل مقام
فعلى العاقل ان يسلك طريق العبودية الى عالم الربوبية ولا يشرك شيأ من الجنيا والآخرة بل يكون مخلصا فى طلبه ومن اتبع الشرك بعد ما جاءه من العلم وهو طلب الوحدانية ولا واق يقيه من عذاب البعد وحجاب الشركة فى الوجود بالوجود فطريق الخلاص انما هى العبودية
قال الامام الفخر الرازى فى الكبير وقد بلغ شرف العبودية مبلغا بحيث اختلف العلماء فى العبودية والرسالة المستجمعتين فى المرسلين ايهما افضل فقالوا ان العبودية افضل واستدلوا عليه بانه بالعبودية ينصرف من الخلق الى الحق وبالرسالة ينصرف من الحق الى الخلق والعبودية ان يكل اموره الى سيده فيكون هو المتكفل تعالى باصلاح مهامه والرسالة التكفل بمهام الامة وشتان ما بينهما هذا آخر كلامه
والعبودية هى مقام الجمع والرسالة مقام التفرقة انظر الى النبى صلى الله عليه وسلم كان فى تمحض عبوديته مع ربه كما اخبر عنه « ابيت عند ربى وهو يطعمنى ويسقينى » وفى حال رسالته يقول(6/279)
« كلمينى يا حميراء » لينقطع من الحق الى الخلق وكفى شرفا تقديم العبد على الرسول فى اشهد ان محمدا عبده ورسوله
وفى العبودية معنى الكرامة والتشريف كما قال { ان عبادى ليس لك عليهم سلطان } قال الحافظ
كدايئ درجانان بسلطنت مفروش ... كسى ز سايه اين در بآفتاب رود
وعن على رضى الله عنه كفانى شرفا ان تكون لى ربا وكفانى عزا ان اكون لك عبدا وكما ان الله تعالى هو خالق العبد فكذا لا جاعل للعبد عبدا وذلك برفع هواه الا هو ألا ترى الى قوله تعالى { بل الله يزكى من يشاء ولو لا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من احد } ابدا { لا يمسه الا المطهرون } فان المطهر بالكسر فى الحقيقة هو الله تعالى وما سواه اسباب ووسائط(6/280)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38)
{ ولقد ارسلنا رسلا من قبلك } بشرا مثلك يا محمد وهو جواب لقول قريش ان الرسول لا بد وان يكون من جنس الملائكة { وجعلنا لهم ازواجا وذرية } اى نساء واولادا كما هى لك فلما جاز ذلك فى حقهم فلم لا يجوز مثله ايضا فى حقك وهو جواب لقول اليهود ما نرى لهذا الرجل همة الا فى النساء والنكاح ولو كان نبيا لاشتغل بالزهد والعبادة -روى- انه كان لداود عليه السلام ائة امرأة منكوحة وثلاثمائة سرية ولابنه سليمان عليه السلام ثلاثمائة امرأة مهرية وسبعمائة سرية فكيف يضر كثرة الازواج لنبينا عليه السلام
فى التأويلات النجمية ان الرسل لما جذبتهم العناية فى البداية رقتهم من دركات البشرية الحيوانية الى درجات الولاية الروحانية ثم رقتهم منها الى معارج النبوة والرسالة الربانية فى النهار فلم يبق فيهم من دواعى البشرية واحكام النفسانية ما يزعجم الى طلب الازواج بالطبيعة والركون الى الاولاد بخصائص الحيوانية بل جعل لهم رغبة فى الازواج والاولاد على وفق الشريعة بخصوصية الخلافة فى اظهار صفة الخالقية كما قال تعالى { أأنتم تخلقونه ام نحن الخالقون } انتهى
وقال الحكيم الترمذى فى نوادر الاصول الانبياء زيدوا فى القوة بفضل تبوتهم وذلك ان النور اذا امتلأت منه الصدور ففاض فى العروق التذت النفس والعروق فاثار الشهوة وقواها انتهى
وفى الحديث « فضلت على الناس باربع بالسخاء والشجاعة وقوة البطش وكثرة الجماع » وطاف عليه السلام على نسائه التسع ليلة وتطهر من كل واحدة قبل ان يأتى الاخرى وقال هذا اطيب واطهر واوتى عليه السلام وة اربعين رجلا من اهل الجنة فى الجماع وقوة الرجل من اهل الجنة كمائة من اهل الدنيا فيكون تعطى عليه السلام قوة اربعة آلاف رجل وسليمان عليه السلام قوة مائة رجل وقيل الف رجل من رجال الدنيا
قال فى انسان العيون لا يخفى ان ازواجه عليه السلام المدخول بهن اثنتا عشرة امرأة وكان له اربع سرارى
وفى بستان العارفين ما تزوج من النساء اربع عشرة نسوة
وفى الواقعات المحمودية ان فخر الانبياء عليه وعليهم السلام قد تزوج احدى وعشرين امرأة ومات عن تسع نسوة قال سفيان بن عيينة كثرة النساء ليست من الدنيا لان عليا رضى الله عنه كان ازهد اصحاب النبى عليه السلام وكان له اربع نسوة وسبع عشرة سرية وتزوج المغيرة بن شعبة ثمانين امرأة
وكان الحسن بن على رضى الله عنهما منكاحا حتى نكح زيادة على مائتى امرأة وقد قال عليه السلام « اشبعت خلقى وخلقى »
يقول الفقير قد تزوج شيخى وسندى روح الله روحه قدر عشرين وجمع بين اربع مهرية وخمس عشرة سرية وكان يقول للعامى حين يسأل عن كثرة نكاحه ان لكل احد ابتلاء فى هذه الدار وقد ابتليت بكثرة النكاح ويقول لهذا الفقير فى خلوته انها من اسرار النبوة وخصائص خواص هذه الامة واشار به الى الحديث المشهور(6/281)
« حبب الىّ من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وقرة عينى فى الصلاة » فهذا العشق والمحبة انما يكون لاصحاب النفوس القدسية وهم يطالعون فى كل شيء ما لا يطالعه غيرهم : ونعم ما قيل
منعم كنى زعشق وى اى مفتئ زمان ... معذور دارمت كه تو اورا نديده
{ وما كان لرسول } وما صح لواحد منهم ولم يكن فى وسعه { ان يأتى بآية } تقترح عليه { الا باذن الله } اى بامره لا باختيار نفسه ورأيه فانهم عبيد مربوبون منقادون وهو جواب لقول المشركين لو كان رسولا من عند الله لكان عليه ان يأتى بأى شيء طلبنا منه من المعجزات ولا يتوقف فيه وفيه اشارة الى ان حركات عامة الخلق وسكناتهم بمشيئة الله تعالى وارادته وان حركات الرسل وسكناتهم باذن الله ورضاه { لكل اجل } وقت { كتاب } حكم مكتوب مفروض يليق بصلاح حال اهله فان الحكمة تقتضى اختلاف الاحكام على حسب اختلاف الاحكام على حسب اختلاف الاعصار والامم وهو جواب لقولهم لو كان نبيا ما نسخ اكثر احكام التوراة والانجيل
وقال الشيخ فى تفسيره اى لكل شيء قضاه الله وقت مكتوب معلوم لا يزاد عليه ولا ينقص منه اولا يتقدم ولا يتأخر عنه [ ياهر اجلى را از آجال خلائق كتابيست نزديك خداى تعالى كه جزوى كسى را بر آجال خلق اطلاع نباشد ](6/282)
يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)
{ يمحو الله ما يشاء } محوه { ويثبت } ما يشاء اثباته فينسخ ما يستصوب نسخه ويثبت بدله ما هو خير منه او مثله ويترك ما يقتضيه حكمته غير منسوخ . او يمحو سيآت التائب ويثبت الحسنات مكانها . او يمحو من ديوان الحفظة ما ليس بحسنة ولا سيئة وذلك لانهم مأمورون بكتب جحميع ما يقول الانسان ويفعل فاذا كان يوم الاثنين والخميس يعارض ما كتبه الحفظة لما فى اللوح المحفزظ فينفى من كتاب الحفظة مالا جزاء له من ثواب وعقاب ويثبت ماله جزاء من احدهما ويترك مكتوبا كما هو فان كان فى اول الديوان وآخره خير يمحو الله ما بينهما من السيآت وان لم يكن فى اوله وآخره حسنات اثبت ما فيه من السيآت
واختلف هل يكتب الملك ذكر القلب فسئل سفيان بن عيينة هل يعلم الملكان الغيب فقال لا فقيل له فكيف يكتبتن ما لا يقع من عمل القلب فقال لكل عمل سيما يعرف بها كالمجرم يعرف بسيماه اذا هم العبد بحسنة فاح من فيه رائحة المسك فيعلمون ذلك فيثبتونها واذا هم بسيئة واستقر عليها قلبه فاح منه ريح منتنة . وجعل النووى هذا اى كونهم يكتبون عمل القب اصح
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام الملك لا سبيل له الى معرفة باطن البد فو قول اكثرهم انتهى . ويؤيده ما فى ريحان القلوب ان الذكر الخفى هو ما خفى عن الحفظة لا ما يخص به الصوت وهو خاص به صلى الله عليه وسلم ومن له اسوة حسنة انتهى
يقول الفقير يحتمل ان الانسان الكامل لكونه حامل امانة الله ومظهر اسراره وخير البرية لا يطلع عليه الملك ويطلع على حاله غيره لعلامات خفية عن البشر الزاما واحصاء لعمله كما قال تعالى { لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها } او يمحو ويثبت فى السعادة والشقاوة والرزق والاجل -روى- عن عمر رضى الله عنه انه كان يطوف بالبيت وهو يبكى ويقول اللهم ان كنت كتبتنى فى اهل السعادة فاثبتنى فيها وان كنت كتبتنى فى اهل الشقاوة فامحنى واثبتنى فى اهل السعادة والمغفرة لانك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك ام الكتاب
وفى الاثر ان الرجل يكون قد بقى من عمره ثلاثون سنة فيقطع رحمه فيرد الى ثلاثة ايام ويكون قد بقى من عمره ثلاثة ايام فيصل الى رحمه فيرد الى ثلاثين سنة
قال فى التأويلات النجمية لاجل اهل المشيئة والارادة فى حركاتهم وقت معين لوقوع الفعل فيه وكذا لاهل الاذن والرضى ثم يمحو الله ما يشاء لاهل السعادة من افاعيل اهل الشقاوة ويثبت لهم من افاعيل اهل السعادة ويمحو ما يشاء لاهل الشقاوة من افاعيل اهل السعادة ويثبت لهم من افاعيل اهل الشقاوة وعنده ام الكتاب الذى مقدر فيه حاصل امر كل واحد من الفريقين وخاتمتهم فلا يزيد ولا ينقص انتهى(6/283)
يقول الفقير ان التغير والتبدل والمحو والاثبات انما هو بالنسبة الى السعادة والشقاوة العارضتين فانهما تقبلان ذلك بخلاف الاصليتين كما روى انه عليه السلام قال « اذا مضت على المطفة خمس واربعون ليلة يدخل الملك على تلك النطفة فيقول يا رب أشقى ام سعيد فيقضى الله ويكتب الملك فيقول يا رب أذكر ام انثى فيقضى الله ويكتب الملك فيقول عمله ورزقه فيقضى الله ويكتب الملك ثم تطوى الصحيفة فلا يزاد فيها ولا ينقص منها » فعلم ان بطن الام ناظر الى لوح الازل فلا يتغير ابدا واما عالم الحس فناظر الى اللوح وعلى هذا يحمل قول بعضهم { ان الله يمحو ما يشاء ويثبت } الا الشقاوة والسعادة والموت والحياة والرزق والعمر والاجل والخلق والخلق : كما قال السعدى قدس سره
خوى بد در طبيعتى كه نشست ... نرهد جز بوقت مرك ازدست
فمعنى زيادة العمر بصلة الرحم ان يكتب ثواب عمله بعد موته فكأنه زيد فى عمره او هو من باب التعليق او الفرض والتقدير ويمحو الاحوال ويثبت اضدادها من نحو تحويل النطفة علقة ثم مضغة الى آخرها ويمحو الاعمال اذا كان كافرا ثم اسلم فى آخر عمره محيت الاعمال التى كانت فى حال كفره فابدلت حسنات كما قال تعالى { الا من تاب وعمل صالحا فاولئك يبدل الله سيآتهم حسنات } واذا كان مسلما ثم كفر فى آخر عمره محيت اعماله الصالحة فلم ينتفع بها كما قال تعالى { وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون } فالله تعالى يمحو الكفر ويثبت الايمان ويمحو الجهل ويثبت العلم والمعرفة ويمحو الغفلة والنسيان ويثبت الحضور والذكر ويمحو البغض ويثبت المحبة ويمحو الضعف ويثبت القوة ويمحو الشك ويثبت اليقين ويمحو الهوى ويثبت العقل ويمحو الرياء ويثبت الاخلاص ويمحو البخل ويثبت الجود ويمحو الحسد ويثبت الشفقة ويمحو التفرقة ويثبت الجمع على هذا النسق ودليله { كل يوم هو فى شأن } محوا واثبا
قال الكاشفى [ ابو درداء رضى الله عنه از حضرت نقل ميكندكه جون سه ساعت ازشب باقى ماند حق سبحانه وتعالى نظر ميكند در كتابى كه غير ازو هيجكس دران اطلاع نمى كند هرجه خواهد ازومحو كند وهرجه خواهد ثبت كند در فصول آورده كه محو كند رقوم انكارازقلوب ابرار ةاثبات كند بجاى آن رموز واسرار ]
وقال الشبلى رحمه الله يمحو ما يشاء من شهود العبودية واوصافها ويثبت ما يشاء من شهود الربوبية ودلائلها
وقال ابن عطاء يمحو الله اوصافهم ويثبت اسرارهم لانها موضع المشاهدة
وفى التأويلات النجمية { يمحو الله ما يشاء } من الاخلاق الذميمة النفسانية { ويثبت } ما يشاء من الاخلاق الحميدة الروحانية للعوام ويمحو من الاخلاق الروحانية ويثبت من الاخلاق الربانية للخواص ويمحو آثار الوجود ويثبت آثار الجود لاخص الخواص كل شيء هالك الا وجهه [ امام قشيرى ميفرمايد كه محو حظوظ نفسانى ميكند واثبات حقوق ربانى يا شهود خلق ميبرد وشهود حق مى آرد يا آثار بشريت محو ميكند وانوار احديت ثابت ميسازد ازان بنده مى كاهد وازان خود مى افزايد تاجنانجه باول خود بود بآخرهم خود باشد .(6/284)
شيخ الاسلام فرموده كه الهى جلال وعزت توجاى اشارت نكذاشت محو واثبات توراه اضافت برداشت ازان من كاست وازان تو مى فزود بآخر همان شدكه باول بود ]
محنت همه درنهاد آب وكل ماست ... بيش ازدل وكل جه بود آن حاصل ماست
در عالم نيست خانه داشته ايم ... رفتيم بدان خانه كه سر منزل ماست
{ وعنده } تعالى { ام الكتاب } العرب تسمى كل ما يجرى مجرى الاصل اما ومنه ام الرأس للدماغ وام القرى لمكة اى اصله الذى لا يتغير منه شيء وهو ما كتبه فى الازل وهو العلم الازلى الابدى السرمدى القائم بذاته وقد احاط بكل شيء علما بلا زيادة ولا نقصان وكل شيء عنده بمقدار وهو لوح من القضاء السابق فان الالواح اربعة لوح القضاء السابق الخالى عن المحور والاثبات وهو لوح العقل الاول ولوح القدر اى لوح النفوس الناطقة الكلية التى يفصل فيها كليات اللوح الاول ويتعلق باسبابها وهو المسمى باللوح المحفوظ ولوح النفوس الجزئية السماوية التى ينتقش فيها كل ما فى هذا العالم بشكله وهيآته ومقداره وهو المسمى بالسماء الدنيا وهو بمثابة خيال العالم كما ان الاول بمثابة قلبه ثم لوح الهيولى القابل للصور فى عالم الشهادة
وفى الواقعات المحمودية اعلم ان اللوح معنوى وصورى . فالصورى ثمانية عشر الفا اصغرها فى هذا التعين وهو قابل للتغير والتبدل وقوله تعالى { يمحو الله ما يشاء ويثبت } ناظر اليه . واما المعنوى فلا يقبل التغير والتبدل وليس له زمان ولا حجم وما ذكروا من ان اللوح ياقوتة حمراء اطرافه من زبرجد فهو اللوح الصودى . واما المعنوى ففى علم الله تعالى الازلى وهو لا يتغير ابدا وقد وقع الكل بارادة واحدة
وفى الوجود الانسانى ايضا لوحان جزئيان معنوى وصورى فالمعنوى الجزئى باب اللوح المعنوى الكلى والصورى للصورى فالصورى ينكشف لا اكثر الاولياء واما المعنوى فلا يحصل الا لواحد بعد واحد . وفى موضع آخر منها جميع ما سوى الله تعالى مما كان وما سيكون من ارادة واحدة ازلية لا تكثر فيها ولا تغير ولا تبدل وهى المراد من قوله { ما يبدل القول لدى } واما قوله { يمحو الله ما يشاء ويثبت } فناظر الى تعلقات تلك الارادة الازلية التى هى من الصفات الحقيقية بالمحدثات على ما تقتضيه حكمته ومن جملتها افعال العبودية فتصدر منهم بارادتهم الحادثة واختبارهم الجزئى بمعنى انهم يصرفون اختيارهم الى جانب افعالهم فيخلقها الله سبحانه فالكسب منهم والخلق من الله فلا يلزم الجبر والاعمال اعلام فمن قدر له السعادة ختم بالسعادة ومن قدر له الشقاوة ختم بالشقاوة وفى الحديث(6/285)
« ان احدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل النار فيدخلها وان احدكم ليعمل بعمل اهل النار حتى لا يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل الجنة فيدخلها » تنبيه على سببية العمل فى الجانبين حيث لم يقل فيسبق عليه الكتاب فيدخل النار او الجنة بل ذكر العمل ايضا كما لا يخفى على المتفطن
واعلم ان الله تعالى علق كثيرا من العطايا على الاعمال الصالحة وامر العباد بها وفى الحديث « الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل »
وفى الاحياء ان قيل ما فائدة الدعاء والقضاء لا مرد له قلنا ان من جملة القضاء كون الدعاء سببا لرد البلاء واستجلاب الرحمة وصار كالترس فانه لما كان لرد السهم لم يكن حمله مناقضا للاعتراف بالقضاء فكذا الدعاء فقدر الله الامر وقدر سببه
قال الحسن البصرى طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب
وقال علامة الحقيقة ترك ملاحظة العمل لا ترك العمل فعلى العاقل ان يجتهد فى اعمال البر ويكف النفس عن الهوى الى ان يجيئ الاجل : قال الكمال الخجندى قدس سره
بكوش تابكف آرى كليد كنج وجود ... كه بى طلب نتوان يافت كوهر مقصود(6/286)
وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40)
{ واما نرينك } فى حياتك يا افضل الرسل واصله وان نرك وما مزيدة لتأكيد معنى الشرط ومن ثمة الحقت النون بالفعل { بعض الذى نعدهم } اى مشركى مكة من العذاب والزلازل والمصائب والجواب محذوف اى فذاك شافيك من اعدائك
بس از مرك آنكس نبايد كريست ... كه روزى بس ازمرك دشمن بزيست
{ او نتوفينك } اى نبض روحك الطاهرة قبل اراءة ذلك فلا تحزن { فانما عليك البلاغ } اسم اقيم مقام التبليغ كالاداء مقام التأدية اى تبليغ الرسالة واداء الامانة لا غير { وعلينا الحساب } اى مجازاتهم يوم القيامة لا عليك فننتقم منهم اشد الانتقام فلا يهمنك اعراضهم ولا تستعجل بعذابهم ونظيره قوله تعالى { فاما نذهبن بك فانا منهم منتقمون } يعنى لا يتخلصون من عذاب الله مت او بقيت حيا
وفى التأويلات النجمية { واما نرينك } بالكشف والمشاهدة { بعض الذى نعدهم } وعندنا من العذاب والثواب قبل وفاتك كما كان صلى الله عليه وسلم يخبر عن العشرة المبشرة وغيرهم بدخولهم الجنة وقد اخبر السائل عن ابيه حين قال اين ابوك قال « ابى وابوك فى النار » وقال صلى الله عليه وسلم « رأيت الجنة وفيها فلان ورأيت النار وفيها فلان » { او نتوفينك } قبل ان نريك من احوالهم { فانما عليك البلاغ } فيما امرناك بتبليغه ولا عليك القبول فيما تقول { وعلينا الحساب } فى الرد والقبول انتهى وكأن الكفرة قالوا اين ما وعد ربك ان يريك فقال تعالى(6/287)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41)
{ أو لم يروا انا نأتى الارض } اى يأتى امرنا ارض الكفرة { ننقصها من اطرافها } حال من فاعل نأتى او من مفعوله اى نفتح ديار الشرك بمحمد والمؤمنين به فما زاد فى بلاد الاسلام باستيلائهم عليها جبرا وقهرا نقص من ديار الكفرة والله تعالى اذا قدر على جعل بعض ديار الكفرة للمسلمين فهو قادر على ان يجعل الكل لهم أفلا يعتبرون { والله يحكم لا معقب لحكمه } محل لا مع المنفى النصب على الحال اى يحكم نافذا حكمه خاليا عن المعارض والمناقض وحقيقته الذى يعقب الشيء بالرد والابطال . والمعنى انه حكم للاسلام بالغلبة والاقبال وعلى الكفر بالادبار والانتكاس وذلك كائن لا يمكن تغييره { وهو سريع الحساب } فيحاسبهم عما قليل فى الآخرة بعد عذاب الدنيا من القتل والاجلاء
يقول الفقير نقص الارض انما يكون بالفتح المبنى على الامر بالجهاد وانما فرض بالمدينة فالاظهر ان الآية مدنية لا مكية كما لا يخفى وكون السورة مكية لا ينافيه وقد تعرض من ذهب الى كونها مكية لاستثناء آيتين كما اشير اليهما فى عنوان السورة ولم يتعرض لهذه الآية والحق ما قلنا
وقال بعضهم نقص الارض ذهاب البركة او خراب النواحى او موت الناس او موت العلماء والفقهاء والخيار وفى الحديث « ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى اذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فافتوا بغير علم فضلوا واضلوا » وفى ذكر اذا دون ان اشارة الى انه كائن لا محالة بالتدريج
وقال سلمان رضى الله عنه لا يزال الناس بخير ما بقى الاول حتى يتعلم الآخر فاذا هلك الاول ولم يتعلم الآخر هلك الناس
وقال ابن المبارك ما جاء فساد هذه الامة الا من قبل الخواص وهم خمسة العلماء والغزاة والزهاد والتجار والولاة اما العلماء فهم ورثة الانبياء واما الزهاد فعماد الارض واما الغزاة فجند الله فى الارض واما التجار فامناء الله فى الامة واما الولاة فهم الرعاة فاذا كان العالم للدين واضعا وللمال رافعا فبمن يقتدى الجاهل واذا كان الزاهد فى الدنيا راغبا فبمن يقتدى التائب واذا كان الغازى طامعا فكيف يظفر بالعدو واذا كان التاجر خائنا فكيف تحصل الامانة واذا كان الراعى ذئبا فكيف تحصل الرعاية
نكند جور يبشه سلطانى ... كه نيايد ذكرك جوبانى
والاشارة { أو لم يروا انا نأتى الارض } البشرية { ننقصها من ارطافها } من اوصافها بالازدياد فى اوصاف الروحانية وارض الروحانية ننقصها من اخلاقها بالتبديل بالاخلاق الربانية وارض العبودية ننقصها من آثار الخليقة باظهار انوار الربوبية { والله يحكم } من الازل الى الابد { لا معقب } لا مقدم ولا مؤخر ولا مبدل { لحكمه وهو سريع الحساب } فيما قدر ودبر وحكم فلا يسوغ لاحد تغيير حكم من احكامه(6/288)
وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42)
{ وقد مكر الذين من قبلهم } تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم اى مكر الذين قبل مشركى مكة بانبيائهم والمؤمنين بهم كما مكر اهل مكة بمحمد عليه السلام ومكرهم ما اخفوه من تدبير القتل والايذاء بهم مكر نمرود بابراهيم عليه السلام وبنى الصرح وقصد السماء ليقتل رب ابراهيم ومكر فرعون بموسى عليه السلام واليهود بعيسى عليه السلام وثمود بصالح عليه السلام كما قالوا لنبيتنه واهله اى لنقلهم ليلا ومكر كفار مكة فى دار الندوة حين ارادوا قتل النبى صلى الله عليه وسلم { فلله المكر جميعا } مكر الله اهلا كهم من حيث لا يشعرون شبه بمكر الماكر على سبيل الاستعارة
وفى الكواشى اسباب المكر وجزاؤه بيد الله لا يغلبه احد على مراده فيجازيهم جزاء مكرهم وينصر انبياءه ويبطل مكر الكافرين اذا هو من خلقه فالمكر جميعا مخلوق له ليس يضر منه شئ الا باذنه ثم بين قوة مكره وكماله بقوله { يعلم ما تكسب كل نفس } من خير وشر فيعد جزاءها
وفى التأويلات النجمية فى اهل كل زمان وقرن مكروهم يمكرون به فلله المكر جميعا فانه مكر بهم ليمكروا بمكره مكرا مع اهل الحق ليبتليهم الله بمكرهم ويصبروا على مكرهم ثقة بالله انه هو خير الماكرين : وفى المثتوى
مرضعيفا نرا توبى خصمى مدان ... از نبة اذ جاء الله بخوان
كردخود جون كرم بيله برمتن ... بهر خودجه ميكنى اندازه كن
كرتوبيلى خصم تواز تورميد ... نك جزا طيرا ابابيلت رسيد
كرضعيفى درزمين خواهدامان ... غلغل افتد درسياه آسمان
كربدندانش كزى برخون كنى ... درددندانت بكيرد جون كنى
{ وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار } من الفريقين حيثما يأتيهمك العذاب المعد لهم وهم فى غفلة منه واللام تدل على ان المراد بالعقبى العاقبة المحمودة والمراد بالدار الدنيا وعاقبتها ان يختم للعبد بالرحمة والرضوان وتلقى الملائكة بالبشرى عند الموت ودخول الجنة
قال سعدى المفتى ثم لا يبعد ان يكون المراد والله اعلم وسيعلم الكفار من يملك الدنيا آخرا فاللام للمك انتهى
فينبغى للمؤمن ان يتوكل على المولى ويعتمد على وعده ويوافقه باستعجال ما هجله واستئجال ما اجله وكما انه تعالى نصر رسوله فكان ما كان كذلك ينصر من نصر رسوله فى كل عصر وزمان فيجعله غالبا على اعدائه الظاهرة والباطنة- روى - انه عليه السلام امر فى غزوة بدر ان يطرح جيف الكفار فى القليب وكان اذا ظهر على قوم اقام بالعرصة ثلاث ليال فلما كان اليوم الثالث امر عليه السلام براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى واتبعه اصحابه حتى وقف على شفة القليب وجعل يقول « يا فلان بن فلان هل وجدتم ما وعد الله ورسوله حقا فانى وجدت ما وعدنى الله حقا »(6/289)
فقال عمر رضى الله عنه يا رسول الله كيف تكلم اجسادا لا روح فيها فقال عليه السلام « ما انتم باسمع لما اقول منهم » وفى رواية « لقد سمعوا ما قلت غير انهم لا يستطيعون ان يردوا شيئا »
وعن قتادة رضى الله عنه احياهم الله حتى سمعوا كلام رسول الله توبيخا لهم وتصغيرا ونقمة وحسرة وكان ابو لهب قد تأخر فى مكة وعاش بعد ان جاء الخبر عن مصاب قريش ببدر اياما قليلة ورمى بالعدسة وهى بثرة تشبه العدسة من جنس الطاعون فقتله فلم يحفروا له حفيرة ولكن اسندوه الى حائط وقذفوا عليه الحجارة خلف الحائط حتى واروه لان العدسة قرحة كانت العرب تتشاءم بها ويرون انها تعدى اشد العدوى فلما اصابت ابا لهب تباعد عنه بنوه وبقى بعد موته ثلاثا لا يقرب جنازته ولا يحاول دفنه حتى انتن فلما خافوا السبة اى سب الناس لهم فعلوا به ما ذكر وفى رواية حفروا له ثم دفعوه بعود فى حفرته وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه فوجد جزاء مكره برسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت عائشة رضى الله عنها اذا مرت بموضعه ذلك غطت وجهها ال فى النور وهذا القبر الذي يرجم خارج باب شبيكة الآن ليس بقبر ابى لهب وانما هو قبر رجلين لطخا الكعبة بالعذرة وذلك فى دولة بنى العباس فان الناس اصبحوا ووجدوا الكعبة ملطخة بالعذرة فرصدوا للفاعل فامسكوهما بعد ايام فصلبا فى ذلك الموضع فصارا يرجمان الى الآن فهذا جزاؤهما فى الدنيا وقد مكر الله بهما بذلك فقس على هذا جزاء من استهزأ بدين الله واهل دينه من العلماء الاخيار والاتقياء الابرار وقد مكر بعض الوزراء بحضرة شيخى وسندى فى اواخر عمره فاماته الله قبله بايام فرؤى فى المنام وهو منكوس الرأس لا يرفعها حياء مما صنع بحضرة الشيخ اللهم احفظنا واعصمنا من سوء الحال وسيآت الاعمال(6/290)
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)
{ ويقول الذين كفروا } يعنى مشركى مكة او رؤساء اليهود فتكون الآية مدنية { لست } يا محمد { مرسلا } فيه اشراة الى ان من يقول للرسول صلى الله عليه وسلم انه ليس مرسلا من الله كما قالت الفلاسفة انه حكيم وليس برسول فقد كفر
قال فى هدية المهديين اما الايمان بسيدنا محمد عليه السلام فيجب بانه رسولنا فى الحال وخاتم الانبياء والرسل فاذا آمن بانه رسول ولم يؤمن بانه خاتم الرسل لا نسخ لدينه الى يوم القيامة لا يكون مؤمنا
شمسه نه مسند وهفت اختران ... ختم رسل وخواجه بيغمبران
{ قل كفى بالله } الباء دخلت على الفاعل { شهيدا } تمييز { بينى وبينكم } [ بآنكه من بيغمبر بشما ] والمراد بشهادة الله تعالى اظهارا المعجزات الدالة على صدقة فى دعوى الرسالة { من عنده ام الكتاب } وهو الذى علمه الله القرآن وعلمه البيان واراه آيات القرآن ومعجواته فبذلك علم حقية رسالته وشهد بها وهم المؤمنون فالمراد بالكتاب القرآن
وعن عبد الله بن سلام ان هذه الآية نزلت فى فالمراد به التوراة فان عبد الله بن سلام واصحابه وجدوا نعته عليه السلام في كتابهم فشهدوا بحقيه رسالته وكانت شهادتهم ايضا قاطعة لقول الخصوم واعلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ارسل الى الخلق كافة الانس والجن والملك والحيوان والنبات والحجر : قال العطار قدس سره
داعى ذرات بود آن باك ذات ... در كفش تسبيح ازان كفتى حصات
وفى المثنوى
سنكها اندر كف بوجهل بود ... كفت اى احمد بكواين جيست زود
كررسولى جيشت درمشتم نهان ... جون خبر دارى زراز آسمان
كفت جون خواهى بكويم آن جهاست ... يابكويند آنكه ما حقيم وراست
كفت بوجهل اين دوم نادرترست ... كفت آرى حق ازان قادر ترست
اوميان مشت اوهر باره سنك ... درشهادت كفتن آمد بى درنك
لا اله كفت والا الله كفت ... كوهر احمد رسول الله سفت
جون شنيد از سنكها بوجهل اين ... زد زخشم آن سنكهارا برزمين
وقد اخذ الله تعالى بابصار الانس والجن عن ادراك حياة الجماد الا من شاء الله من خواص عباده ولو لم يكن سر الحياة اريا فى جميع العالم لما سبح الحصى ونحوه وقد ورد « ان كل شئ سمع صوت المؤذن من رطب ويابس يشهد له » ولا يشهد الا من كان حيا عالما وكذا لا يحب الا من كان كذلك وقد ورد فى حق جبل احد قوله عليه السلام « احد يحبنا ونحبه »
ثم ان الاكوان مملوءة من اعلام الرسالة وشواهد النبوة ولقد خلق الله العرش الذى هو اول الاجسام واعظمها فكتب عليه قبل كل شئ الكلمة الطيبة كما روى ان آدم عليه السلام لما اقترف الخطيئة قال يا رب اسألك بحق محمد الا غفرت قال وكيف عرفت محمدا قال لانك لما خلقتنى بيدك ونفخت فى من روحك رفعت رأسى فرأيت على قوائم العرش لا اله الا الله محمد رسول الله فعلمت انك لم تضف الى اسمك الا احب الخلق اليك قال صدقت يا آدم انه لآخر النبيين من ذريتك ولولاه ما خلقتك ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه لا اله الا الله محمد رسول الله فسكن(6/291)
وعن بعضهم رأيت فى جزيرة شجرة عظيمة لها ورق كبير طيب الرائحة مكتوب عليه بالحمرة والبياض فى الخضرة كتابة واضحة خلقة ابدعها الله بقدرته فى الورقة ثلاثة اسطر الاول لا اله الا الله والثانى محمد رسول الله والثالث ان الدين عند الله الاسلام
وفى الواقعات المحودية كل قول يقبل الاختلاف بين المسلمين الا كلمة لا اله الا الله فانه غير قابل فمعناه متحقق وان لم يتكلم به احد(6/292)
الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)
{ الر } يشير بالالف الى القسم بآلائه ونعمائه وباللام الى لطفه وكرمه وبالراء الى القرآن يعنى قسما بآلائى ونعمائى ان صفة لطفى وكرمى اقتضت انزال القرآن وهو كتاب الخ كما فى التأويلات النجمية وقال حضرة الشيخ الشهير بافتاده قدس سره اهل السلوك يعرفون المتشابهات على قدر مرتبتهم فمثل قوله تعالى { ق } و { ن } اشارة الى مرتبة واحدة فى ملك وجوده ومثل { حم } اشارة الى مرتبتين ومثل { الم . الر } اشارة الى ثلاث مراتب ومثل { كهيعص . وحمعسق } اشارة الى خمس مراتب . وفى البعض اشارة الى سبع مراتب فقوله عليه السلام « ان للقرآن ظهرا وبطنا » لا يعرفه غير اهل السللوك وما ذكره العلماء تأويله لا تحقيقه فمثل القاضى وصاحب الكشاف سلوكهم من جهة اللفظ لا المعنى وكان فى تفسير القاضى روحانية لكنه بدعاء عمر النسفى صاحب تفسير التيسير والمنظومة فى الفقه وكان هو مدرس الثقلين - روى - ان شخصا رأى الامام عمر النسفى بعد موته فى المنام فقال كيف كان سؤال منكر ونكير فقال رد الله الى روحى فسألانى لهما اخبركما فى رد الجواب نظما او نثرا فقالا قل نظما فقلت
ربى الله لا اله سواه ... ونبيى محمد مصطفاه
دينى الاسلام وفعلى ذميم ... اسأل الله عفوه وعطاه
فانتبه ذلك الشخص من المنام وقد حفظ البيتين
يقول الفقير علم الحروف المقطعة من نهايات علوم الصوفية المحققين فانهم انما يصلون الى هذا العلم الجليل بعد اربعين سنة من اول السلوك بل اول الفتح فهو من الاسرار المكتوبة وى بد لطالبه من الاجتهاد الكثير على يدى انسان كامل : قال الكمال الحنجدى قدس سره
كرت دانستن علم حروفست آرزو صوفى ... نخست افعال نيكوكن جه سوداز خواندن اسما
بنا اهل ارنشان دادى كمال ازخاك دركاهش ... كشيدى كحل بنيانى ولى درجسم نابينا
قال الكاشفى [ درشرح تأويلات ازامام ما تريدى مذكوراست كه حروف مقطعه ابتلاست مرتصديق مؤمن وتكذيب كافررا وخداى تعالى بندكانرا بهرجه ميخواهد امتحان كند ] { كتاب } اى القرآن المشتمل على هذه السورة وغيرها فهو خبر مبتدأ محذوف
وفى تفسير الكاشفى [ جمعى برآنندمه اين حروف اسامى قرآنندوبدين وجه توان كفت كه الريعنى قرآن كتاب ] { انزلناه اليك } يا محمد بواسطة جبرائيل حال كونه حجة على رسالتك باعجازه يناسب قوله تعالى فيما بعد { ولقد ارسلنا موسى بآياتنا } ثم بين المصلحة فى انزال الكتاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله { لتخرج الناس } كافة بدعائك وارشادك اياهم الى ما تضمنه الكتاب من العقائد الحقة والاحكام النافعة { من الظلمات الى النور } اى من انواع الضلالة الى الهدى ومن ظلمة الكفر والنفاق والشك والبدعة الى نور الايمان والاخلاص واليقين ومن ظلمة الكثرة الى نور الوحدة ومن ظلمة حجب الافعال واستار الصفات لى نور وحدة الذات ومن ظلمة الخلفية الى نور تجلى صفة الربوبية وذلك ان الله تعالى خلق عالم الآخرة وهو عالم الارواح من النور وجعل زبدته روح الانسان وخلق عالم الدنيا وهو عالم الاجسام وجعل زبدته جسم الانسان وكما انه تعالى جعا عالم الاجسام حجابا لعالم الارواح جعل ظلمات صفات جسم الانسان حجابا لنور صفات روح الانسان وجعل العالمين بظلماتهما وانوارهما حجابا صفة الوعيته كما قال صلى الله عليه وسلم(6/293)
« ان لله سبعين حجابا من نور وظلمة لو كشفت لاحترقت سبحات وجه ما انتهى اليها بصره » وما جعل الله لنوع من انواع الموجودات استعدادا للخروج من هذه الحجب الا للانسان لا يخرج منها احد الا بتخريجه اياه منها واختص المؤمن بهذه الكرامة كما قال اله تعالى { والله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور } فجعل النبى صلى الله عليه وسلم والقرآن من اسباب تخريج المؤمنين من حجب الظلمات الى النور { باذن ربهم } اى بخوله وقوته اى لا سبيل له الى ذلك الا له وانما قال ربهم لانه تعالى مربيهم وما قال باذن ربك ليعلم ان هذه التربية من الله لا من النبى عليه السلام كذا فى التأويلات النجمية
وقال اهل التفسير الباء متعلق بتخرج اى تخرج منها اليه لكن لا كيف ما كان فانك لا تهدى من احببت بل باذن ربهم فانه لا يهتدى مهتد الا باذن ربه اى بتيسيره وتسهيله ولما كان الاذن من اسباب التيسير اطلق عليه فان التصرف فى ملك الغير متعذر فاذا اذن تسهل وتيسر
واعلم ان الدعوة عامة والهداية خاصة كما قال تعالى { والله يدعو الى دار السلام ويهدى من يشاء الى صراط مستقيم } واذن الله شامل لجميع الناس فى الظلمات اذ المقصود من ايجاد العوالم وانشاء النشآت كلها ظهور الانسان الكامل وقد حصل وهو الواحد الذى كالالف وهو السواد الاعظم فى تقتضى الحكمة اتفاق الكل على الحق لان الله تعالى جمالا وجلالا لا بد لكليهما من اثر
دركارخانه عشق ز كفرنا كزيرست ... آتش كرا بسوزد كر بولهب نباشد
{ الى صراط العزيز الحميد } بدل من قوله الى النور بتكرير العامل واضافة الصراط الى العزيز وهو الله على سبيل التعظيم له والمراد دين الاسلام فانه طريق موصل الى الجنة والقربة ووالوصلة والعزيز الغالب الذى ينتقم لاهل جينه من اعدائهم والحميد المحمود الذى يستوجب بذلك الحمد من عباده
وفيه اشراة الى ان العبور على الظلمات الجسمانية والنوار الروحانية هو الطريق الى الله تعالى وهو العزيز الذى لا يصل العبد اليه الا بالخروج من هذه الحجب وهو الحميد الذى يستحق من كمالية جماله وجلاله ان يحتجب العزة والكبرياء والعظمة(6/294)
اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2)
{ الله } بالجر عطف بيان للعزيز الحميد لنه علم اللذات الواجب الوجود الخالق للعالم { الذى له ما فى السموات وما فى الارض } من الموجودات من العقلاء وغيرهم
وفيه اشارة الى ان سير السائرين الى الله لا ينتهى بالسير فى الصفات وهى العزيز الحميد وانما ينتهى بالسير فى الذات وهو الله فالمكونات افعاله فمن بقى فى افعاله لا يصل الى صفاته ومن بقى فى صفاته لا يصل الى ذاته ومن وصل الى ذاته وصولا للا اتصال ولا انفصال بل وصولا بالخروج من انانيته الى هويته تعالى ينتفع فى صفاته وافعاله : قال الكمال الحنجدى قدس سره
وصل ميسر نشود جز بقطع ... قطع نخست ازهمه ببر يدنست
وقال المولى الجامى قدس سره
سبحاتك لا علم لنا الا ما ... علمت والهمت لنا الهاما
مارا برهان زما وآكاهى ده ... از سر معينى كه دارى با ما
{ وويل } الويل الهلاك
وقال الكاشفى [ رنج ومشقت ] وهو مبتدأ خبره قوله { للكافرين } بالكتاب واصله النصب كسائر المصادر الا انه لم يشتق منه فعل لكنه عدل به الى الرفع للدلالة على معنى ثبات الهلاك ودوامه للمدعو عليه فيقال ويل لهم كسلام عليكم { من عذاب شديد } من لتبيين الجنس صفة لويل او حال من ضميره فى الخبر او ابتدائية متعلقة بالويل على معنى انهم يولون من عذاب شديد ويضجون منه ويقولن يا ويلاه كقوله تعالى { دعوا هنالك ثبورا }(6/295)
الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3)
{ الذين يستحبون الحيوة الدنيا على الآخرة } محل الموصول الجر على انه بدل من الكافرين او صفة له . والاستحباب استفعال من المحبة . والمعنى يختارون الحياة الدينا ويؤثرونها على الحياة الآخرة الابدية فان المؤثر لشئ على غيره كأنه يطلب من نفسه ان يكون احل اليها وافضل عندها من غيره
قال ابن عباس رضى الله عنهما يأخذون ما تعجل فيها تهاونا بامر الآخرة وهذا من اوصاف الكافر الحقيقى فانه يجد ويجتهد فى طلب الدنيا وشهواتنا ويترك الآخرة باهمال السعى فى طلبها واحتمال الكلفة والمشقة فى مخالفة هوى النفس وموافقة الشرع فينبغى للمؤمن الحيقيى ان لا يرضى باسم الاسلام ولا يقنع بالايمان التقليدى فانه لا يخلو عن الظلمات بخلاف الايمان الحقيقى ان لا يرضى فانه نور محض وليس فيه تغيير اصلا
كى سه كردد زآتش روى خوب ... كونهد كلكونه از تقوى القلوب
{ ويصدون عن سبيل الله } اى ويمنعون الناس عن قبول دين الله
وفيه اشارة الى ان اهل الهوى يصرفون وجوه الطالبين عن طلب الله ويقطعون عليهم طريق الحق فى صورة النصيحة ويلومون الطلاب على ترك الدنيا والعزلة والعزوبة والانقطاع عن الخلق للتوجه الى الحق { ويبغونها } اى ويبغون لها فحذف الجار واوصل الفعل الى الضمير اى يطلبون لها { عوجا } زيغا واعوجاجا اى يقولون لمن يريدون صده واضلاله انها سبيل ناكبة وزائغة غير مستقيمة [ يعنى اين راه كج است وبمنزل مقصود نميرسد ] والزيغ الميل عن الصواب والنكوب والاعراض { اولئك } الموصوفون بالقبائح المذكورة { فى ضلال بعيد } اى ضلوا عن طريق الحق ووقعوا عنه بمراحل والبعد فى الحقيقة من احوال الضال لانه هو الذى يتباعد عن الطريق فوصف به فعله مجازا للمبالغة وفى جعل الضلال محيطا بهم احاطة الظرف بما فيه ما لا يخفى من المبالغة وليس فى طريق الشيطان فوق من هو ضال ومضل كما انه ليس فى طريق الرحمن فوق من هو مهتد وهاد وقد اشير الى كليهما فى الآيات فان انزال الكتاب على رسول الله اشارة الى اهتدائه به كما قال تعالى فى مقام الامتنان { ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الايمان } وقوله لتخرج صريح فى هدايته وارشاده ولكل وارث من ورثته الاكملين حظ او فى من هذين المقامين وهم المظاهر للاسم الهادى وقوله تعالى يستحبون ويصدون اشارة الى الضلال والاضلال وهم ورثة الشيطان فى ذلك اى المظاهر للاسم المضل
فعلى العاقل ان يحقق ايمانه بالذكر الكثير وينقطع من الدنيا وما فيها الى العليم الخبير
وسئل سلطان العارفين ابو يزيد البسطامى قدس سره عن السنة والفريضة فقال السنة ترك الدنيا والفريضة الصحبة مع المولى لان السنة كلها تدل على ترك الدنيا والكتاب كله يدل على صحبة المولى فمن عمل بالسنة والفريضة فقد كملت النعمة فى حقه ووجب عليه الشكر الكثير شرفنا الله واياكم بالسلوك الى طريق الاخيار والابرار(6/296)
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)
{ وما ارسلنا من رسول } [ درزاد المسير آورده كه قريش ميكفتند جه حالتست كه همه كتب منزل بلغة عجمى فرود آمده وكتابى كه بمحمد مى آيد عربيست آيت آمدكه ] { وما ارسلنا من رسول } { الا } ملتبسا { بلسان قومه } لفظ اللسان يستعمل فيما هو بمعنى العضو وبمعنى اللغة والمراد هنا هو الثانى اى بلغة قومه الذين هو منهم وبعث فيهم [ يعنى كروهى كه اواز ايشان زاده ومبعوث شده بديشان جه هربيغمبرى را اول دعوت نزديكان خود بايد كرد ] ويدل على قوله تعالى { والى عاد اخاهم هودا والى ثمود اخاهم صالحا } ونحو ذلك ولا ينتقض بلوط عليه السلام فانه تزوج منهم وسكن فيما بينهم فحصل المقصود الذى هو معرفة قومه بلسانه وديانته . وعمم المولى ابو السعود حيث قال الا ملتبسا بلسان قومه متكلما بلغة من ارسل اليهم من الامم المتفقة على لغة سواء بعث فيهم ام لا انتهى { ليبين } كل رسول { لهم } اى لقومه ما دعوا اليه وامروا بقبوله فيفقهوه عنه بسهولة وسرعة ثم ينقلوه يوترجموه لغيرهم فانهم اولى الناس بان يدعوهم واحق بان ينذرهم ولذلك امر النبى عليه السلام بانذار عشيره اولا ولقد كثرتها استقل ذلك بنوع من الاعجاز لكن ادى الى التنازع واختلاف الكلمة وتطرق ايدى التحريف واضاعة فضل الاجتهاد فى تعلم الالفاظ ومعانيها والعلوم المتشبعة منها وما فى اتعاب النفوس وكذا القرائح فيه من القرب والطاعات المقتضية لجزيل الثواي وايضا لما جعله الله تعالى سيد الانبياء وخيرهم واشرفهم وشريعته خير الشرائع واشرفها وامته خير الامم وافصلهم اراد ان يجمع امته على كتاب واحد منزل بلسان هو سيد الالسنة واشرفها وافضلها اعطاء للاشرف الاشرف وذلك هو اللسان العربى الذى هو لسان قومه ولسان اهل الجنة فكان سائر الالسنة تابعا له كما ان الناس تابع للعرب مع ما فيه من الغنى عن النزول بجميع الالسنة لان الترجمة تنوب عن ذلك وتكفى التطويل اى بعث الرسل الى الاطراف يدعونهم الى الله ويترجمون الى الله ويترجمون لهم بألسنتهم يقال ترجم لسانه اذا فسره بلسان آخر ومنه الترجمان كما فى الصحاح
قال فى انسان العيون اما قول اليهود او بعضهم وهم العيسوية طائفة من اليهود اتباع عيسى الاصفهانى انه عليه السلام انما بعث للعرب خاصة دون بنى اسرائيل وانه صادق ففاسد لانهم اذا اسلموا انه رسول الله وانه صادق لا يكذب لزمهم التناقض لانه ثبت بالتواتر عنه انه رسول الله لكل الناس ثم قال ولا ينافيه قوله تعالى { وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه } لانه لا يدل على اقتصار رسالته عليهم بل على كونه متكلما بلغتهم ليفهموا عنه اولا ثم يبلغ الشاهد الغائب ويحصل الافهام لغير اهل تلك اللغة من الاعاجم بالتراجم الذين ارسلوا اليهم فهو صلى الله عليه وسلم مبعوث الى الكافة وان كان هو وكتابه عربيين كما ان موسى وعيسى عليهما السلام مبعوثين الى بنى اسرائيل بكتابيهما العبرانى وهو التوراة والسريانى وهو الانجيل مع ان من جملتهم جماعة لا يفهمون بالعبرانية ولا بالسريانية كالاورام فان لغتهم اليونانية انتهى
ةاحاصل ان الارشاد لا يحصل الا بمعرفة اللسان -جكى- ان اربعة رجال عحمى وعربى وتركى ورومى وجدزا فى الطريق درهما فاختلفوا فيه فلم يفهم واحد منهم مراد الآخر فسالهم رجل آخر يعرف الالسنة فقال للعربى اى شيء تريد وللعجمى [ جه ميخواهى ] وللتركى « نه استرسين » وعلمان مراد الكل ان يأخذوا بذلك الدرهم عنبا ويأكلوه فاخذ هذا العارف الدرهم منهم واشترى لهم عنبا فارتفع الخلاف من بينهم بسبب معرفة ذلك الرجل لسانهم -وحكى- ان بعض اهل الانكار الحوا على بعض من المشايخ الاميين ان يعظ لهم باللسان العربى تعجيزا له وتفضيحا فحزن لذلك فراى فى المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره لما التمسوا منه من الوعظ فاصبح متكلما بذلك اللسان وحقق القرآن بحقائق عجزوا عنها وقال امسيت كرديا واصبحت عربيا : وفى المثنوى(6/297)
خويش را صافى كن ازا اوصاف خويش ... تاببينى ذات باك صاف خويش
بينى اندر دل علوم انبيا ... بى كتب وبى معيد واوستا
سر امسينا لكرديا بدان ... راز اصبحنا عرابيا بخوان
{ فيضل الله من يشاء } اضلاله اى يهلق فيه الكفر والضلال لمباشرة الاسباب المؤدية اليه
قال الكاشفى [ بس كمراه كرداند خداى تعالى هركه راخواهد يعنى فرو كذاردتا كه كمراه شود ] والفاء فضيحة مثلها فى قوله تعالى { فقلنا اضرب بعصاك البحر فانفلق } كأنه قيل فبينوه لهم فاضل الله منهم من شاء اضلاله لما لا يليق الا به { ويهدى من يشاء } هدايته اى يخلق فيه الايمان والاهتداء لاستحقاقه لما فيه من الانابة والاقبال الى الحق
قال الكاشفى [ وراه نمايد هركه را خواهد يعنى توفيق درهدتاراه يابد ] { وهو العزيز } الغالب على كل شيء فلا يغالب فى مشيئته { الحكيم } الذى لا يفعل شيأ من الاضلال والهداية الا لحكمة بالغة وفيه ان ما فوض الى الرسل انما هو تبليغ الرسالة وتبيين طريق الحق واما الهداية والارشاد فذلك بيد الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد
وفى التأويلات النجمية { وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه } اى ليتكلم معهمبلسان عقولهم { ليبين لهم } الطريق الى الله وطريق الخروج من ظلمات انانيتهم الى نور هويته { فيضل الله من يشاء } فى انانيته { ويهدى من يشا بالخروج } الى هويته { وهو العزيز } اى هو اعز من ان يهدى كل واحد الى هويته { الحكيم } بان يهدى من هو المستحق للهداية اليه فمن هذا تحقق انه تعالى هو الذى يخرجهم من الظلمات الى النور لا غيره انتهى(6/298)
فعلى العاقل ان يصرف اختياره فى طريق الحق ويجتهد فى الخروج من بواد الانانية فقد بين الله الطريق وارشد الى الاسباب فلم يبق الا الدخول والانتساب
قال بعض الكبار النظر الصحيح يؤدى الى معرفة الحق وذلك بالانتقال من معلوم الى معلوم الى ان ينتهى الى الحق لكن طريق التصور والفكر واهله لا يتخلص من الانانية والاثينية واما المطاشفة فليس فيها الانتقال المذكور وطريقها الذكر الا ترى الى قوله تعالى { الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم وينفكرون فى خلق السموات والارض } كيف قدم الذكر على الفكر فالطريقة الاولى طريقة الاشراقيين والثانية طريقة الصوفية المحققين
قال الاملم الغزالى كرم الله وجهه من عرف الله بالجسم فهو كافر ومن عرف الله بالطبيعة فهو ملحد ومن عرف الله بالنفس فهو زنديق ومن عرف الله بالعقل فهو حكيم ومن عرف الله بالقلب فهو صديق ومن عرف الله بالسر فهو موقن ومن عرف الله بالروح فهو عارف ومن عرف الله بالخفى فهو مفرد ومن عرف الله بالله فهو موحد اى بالتوحيد الحقيقى
طالب توحيدرا بايد قدم بر « لا » زدن ... بعد زان در عالم وحدث دم « الا » زدن
رنك وبويى ازحقيقت كربدست آورده ... جون كل صد برك بايد خيمه بر صحر ازدن
وانما منع الاغيار من شهود الآثار غيرة من الله العزيز القهار
معشوق عيان ميكذرد برتو وليكن ... اغيار همى بيند ازان بسته نقابست
ومعنى الوجدة الحاصلة بالتوحيد زوال الوجود المجازى الموهم لللاثنينية وظهور الوجود الحقيقى على ما كان عليه
هرموج ازين محيط انا البحر ميزند ... كرصد هزاردست بر آيد دعا يكيست
حققنا الله واياكم بحقائق التوحيد ووصلنا واياكم الى سر التجريد وجعلنا من المهديين الهادين والى طريق الحق داعين(6/299)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)
{ ولقد ارسلنا موسى } ملتبسا { بآياتنا } يعنى اليد والعصا وسائر معجزاته الدالة على صحة نبوته { ان } مفسرة لمفعول مقدر للفظ دال على معنى القول مؤد معناه اى ارسلناه بامر هو { اخرج قومك من الظلمات } من انواع الضلال التى كلها ظلمات محض كالكفر والجهالة والشبهة ونحوها { الى النور } الى الهدى كالايمان والعلم واليقين وغيرها
وقال المولى ابو السعود رحمه الله الآيات معجزاته التى اظهرها لبنى اسرائيل والمراد اخراجهم بهد مهلك فرعون من الكفر والجهالات التى ادتهم الى ان يقولوا يا موسى اجعل لنا الها كمالهم آلهة الى الايمان بالله وتوحيده وسائر ما امروا به انتهى
يقول الفقير قد تقرر ان القرآن يفسر بعضه بعضا فقوله تعالى { ولقد ارسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين الى فرعون وملئه } ينادى باعلى صوته على ان المراد بالآيات غير التوراة وبالقوم القبط وهو فرعون واتباعه وان الآية محمولة على اول الدعوة ولما كان رسولنا صلى الله عليه وسلم مبعوثا الى الكافة قال الله تعالى فى حقه { لتخرج الناس } ولم يقل لتخرج قومك كما خصص وقال هنالك { باذن ربهم } وطواه هنا لان الاخلاج بالفعل قد تحقق فى دعوته عليه السلام فكان امته امة دعوة واجابة ولم يتحقق فى دعوة موسى اذا لم يجبه القبط الى ان هلكوا او ان اجابه بنو اسرائيل والعمدة فى رسالته كان القبط ومن شأن الرسول تقديم الانذار حين الدعوة كما قال نوح عليه السلام فى اول الامر { انى لكم نذير مبين } ولذا وجب حمل قوله تعالى { وذكرهم بايام الله } على التذكير بالوقائع التى وقعت على الامم الماضية قبل قوم نوح وعاد وثمود . والمعنى وعظمهم وانذرهم ما كان فى ايام الله من الوقائع ليحذروا فيؤمنوا كما يقال رهبوت خير من رحموت اى لان ترهب خير من ان ترحم وايام العرب ملاحمها وحروبها كيوم حنين ويوم بدر وغيرهما
وقال بعضهم ذكرهم نعمائى ليؤمنوا بى كما روى ان الله تعالى اوحى الى موسى ان حببنى الى عبادى فقال يا رب كيف احببك الى عبادك والقلوب بيدك فاوحى الله تعالى ان ذكرهم نعمائى ومن هنا وجب الكلام عند الكلام بما يرجح رجاءه فيقال لا تحزن فقد وشك الله للحج او للغزو او لطلب العلم او نحو ذلك من وجوه الخير ولو لم يرد بك خيرا لما فعله فى حقك فهذا تذكير أى تذكير وايام الله فى الحقيقة هى التى كان الله ولم يكن معه شيء من ايام الدنيا ولا من ايام الآخرة
فعلى السالك ان يتفكر ثم يتذكر كونه فى مكنون علم الله تعالى ويخرج من الوجود المجازى المقيد باليوم والليل ويصل الى الوجود الحقيقى الذى لا يوم عنده ولا دليل { ان فى ذلك } اشارة الى ايام الله { لآيات } عظسمة او كثيرة دالة على وحدانية الله وقدرته وعلمه وحكمته { لكل صبار } مبالغ فى الصبر على طاعة الله وعلى البلايا { شكور } مبالغ فى الشكر على النعم والعطايا كأنه قال لكل مؤمن كامل اذ الايمان تصفيان نصفه صبر ونصفه شكر وتخصيص الآيات بهم لانهم المنتفعون بها لا لانها خافية عن غيرهم فان التبيين حاصل بالنسبة الى الكل وتقديم الصبر لكون الشكر عاقبته آخر هركريه آخر خنده ايست فالمنذرون المذكرون بالكسر صبروا على الاذى والبلاء فظفروا والعاقبة للمتقين والمنذرون المذكرون بالفتح تمادوا فى الغى والضلال فهلكوا ألا بعدا للقوم الظالمين : وفى المثنوى(6/300)
عاقل ازسر بنهد ان هستى وباد ... جون شنيد انجام فرعونان وعاد
ورنه بنهد ديكران از حال او ... عبرتى كيرند از اضلال او(6/301)
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6)
{ واذ قال موسى لقومه } اى اذكر للناس يا افضل المخلوق وقت قول موسى لقومه وهم بنوا اسرائيل والمراد بتذكير الاوقات تذكير ما وقع فيها من الحوادث المفصلة اذ هى محيطة بذلك فاذا ذكرت ذكر ما فيها كانه مشاهد معاين { اذكروا نعمة الله عليكم اذ انجيكم من آل فرعون } اى انعامه عليكم وقت انجائه اياكم من فرعون واتباعه واهل دينه وهم القبط { يسومونكم سوء العذاب } استئناف لبيان انجائهم او حال من آل فرعون
قال فى تهذيب المصادر [ السوم : جشانيدن عذاب وخوارى ] قال الله تعالى { يسومونكم سوء العذاب } انتهى
وفى بحر العلوم من سام السلعة اذا طلبها والمعنى . يذيقونكم او يبغونكم شدة العذاب ويريدونكم عليه والسوء مصدر ساء يسوء وهو اسم جامع للآفات كما فى التبيان والمراد جنس العذاب السيئ او استعبادهم واستعمالهم فى الاعمال الشاقة والاستهانة بهم وغير ذلك مما لا يحصر { ويذبحون ابناءكم } المولودين من عطف الخاص على العام كان التذبيح لشدته وفظاعته وخروجه عن مرتبة العذاب المعتاد جنس آخر ولو جاء بحذف الواو كما فى البقرة والاعراف لكان تفسيرا للعذاب وبيانا له وانما فعلوا لان فرعون رأى فى المنام ان نارا اقبلت من نحو بيت المقدس فاحرقت بيوت القبط دون بيوت بنى اسرائيل فخوفه الكهنة وقالوا له انه سيولد منهم ولد يكون على يده هلاكك وزوال ملكك فشمر عن ساق الاجتهاد وحسر عن ذراع العناد واراد ان يدفع القضاء وظهوره ويأبى الله الا ان يتم نوره
صعوه كه باعقاب سازد جنك ... دهد از خون خود برش را رنك
{ ويستحيون نساءكم } اى يبقون نساءكم وبناتكم فى الحياة للاسترقاق والاستخدام وكانوا يفردون النساء عن الازواج وذلك من اعظم المضار والابتلاء اذ الهلاك اسهل من هذا { وفى ذلكم } اى فيما ذكر من افعالهم الفظيعة { بلاء من ربكم عظيم } اى محنة عظيمة لا تطاق
فان قلت كيف كان فعل آل فرعون بلاء من ربهم
قلت اقدار الله اياهم وامهالهم حتى فعلوا ما فعلوا ابتلاء من الله ويجوز ان يكون المشار اليه الانجاء من ذلك والابتلاء بالنعمة كما قال تعالى { ولنبلونكم بالشر والخير فتنة } والله تعالى يبلو عباده بالشر ليصبروا فيكون محنة بالخير ليشكروا فيكون نعمة(6/302)
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)
{ واذ تأذن ربكم } من جملة مقال موسى لقومه معطوف على نعمة اى اذكروا نعمة الله عليكم واذكروا حين تأذن وتأذن بمعنى آذان اى اعلم اعلاما بليغا لا يبقى معه شائبة شبهة اصلا لما فى صيغة التفعل من معنى التكلف المحمول فى حقه تعالى على غايته التى هى الكمال
وقال الخليل تأذن لكذا اوجب الفعل على نفسه . والمعنى اوجب ربكم على نفسه { لئن شكرتم } اللام لام التوطئة وهى التى تدخل على الشرط تقدم القسم لفظا او تقديرا لتؤذن ان الجواب له لا الشرط وهو مفعول تأذن على انه اجرى مجرى قال لانه ضرب من القول او مقول قول محذوف . والمعنى واذ تأذن ربكم فقال لئن شكرتم يا بنى اسرائيل نعمة الانجاء واهلاك العدو وغير ذلك وقابلتموها بالثبات على الايمان والعمل الصالح { لازيدنكم } نعمة الى نعمة ولاضاعفن لكم ما آتيتكم واللام ساد مسد جواب القسم والشرط جميعا
قال الكاشفى [ شيخ عبد الرحمن سلمى قدس سره از بو على جرجانى قدس سره اكر شكر كنيد برنعمت اسلام زياده كنم آنرا بايمان واكر سباس دارى كنيد برايمان افزون كردانم باحسان واكر بران شكر كوييد زياده سازم آنرا بمعرفت واكربرآن شاكر باشيد برسانم بمقام وصلت واكر آنرا شكر كوييد بالا برم بدرجة قربت وبشكران نعمت در آرم بخلوتكاه انس ومشاهده وازين كلام حقائق اعلام ميشود كه شكر مرقات ترقى ومعراج تصاعد بر درجاتست ] : وفى المثنوى
شكر نعمت نعمتت افزون كند ... كس زيان برشكر كفتى جون كند
شكر باشد دفع علتهاى دل ... سود دارد شاكر از سوداى دل
وقال فى التأويلات النجمية { لئن شكرتم } التوفيق { لازيدنكم } فى التقرب الى { ولئن شكرتم } التقرب الى { لازيدنكم } فى تقربى اليكم { ولئن شكرتم } تقربى اليكم رلازيدنكم } فى الجذبة الى { ولئن شكرتم } الجذبة { لازيدنكم } فى البقاء { ولئن شكرتم } البقاء { لازيدنكم } فى الوحدة { ولئن شكرتم } الوحدة { لازيدنكم } فى الصبر على الشكر والشكر على الصبر والصبر على الصبر والشكر على الشكر لتكونوا صبارا شكورا { ولئن كفرتم } اى لم تشكروا نعمتى قابلتموها بالنسيان والكفران اى لاعذبنكم فيكون قوله { ان عذابى لشديد } تعليلا للجواب المحذوف او فعسى يصيبكم منه ما يصيبكم ومن عادة الكرام التصريح بالوعد والتعريض بالوعيد فما ظنك باكرم الاكرمين حيث لم يقل ان عذابى لكم ونظيره قوله تعالى { نبئ عبادى انى انا الغفور الرحيم وان عذابى هو العذاب الاليم } قال سعدى المفتى ثم المعهود فى القرآن اذا انه ذكر الخير اسنده الى ذاته تعالى وتقدس واذا ذكر العذاب بعده عدل عن نسبته اليه وقد جاء التركيب هنا على ذلك ايضا فقال وتقدس واذا ذكر العذاب بعده عدل عن نسبته اليه وقد جاء التركيب هنا على لذك فقال فى الاول لازيدنكم وفى الثانى ان عذابى لشديد ولم يأت التركيب لاعذبنكم انتهى(6/303)
ثمان شدة العذاب فى الدنيا بسبل النعم وفى العقبى بعذاب جهنم
وفى الأويلات النجمية ان عذاب مفارقتى بترك مواصلتى لشديد فان فوات نعيم الدنيا والآخرة شديد على النفوس وفوات المواصلات أشد على القلوب والارواح
قال فى بحر العلوم لقد كفروا نعمه حيث اتخذوا العجل وبدلوا القول فعذبهم بالقتل والطاعون
وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال من رزق ستا لم يحرم ستا من رزق الشكر لم يحرم الزيادة لقوله تعالى { لئن شكرتم لأزيدنكم } ومن رزق الصبر لم يحرم الثواب لقوله تعالى { انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب } قال المولى الجامى
اكر زسهم حوادث مصيبتى رسدت ... درين نشمين حرمان كه موطن خطرست
مكن بدست جزع خرقه صبورى جاك ... كه فوت اجر مصيبت مصيبت دكرست
ومن رزق التوبة لم يحرم القبول لقوله تعالى { وهو الذى يقبل التوبة عن عباده } ومن رزق الاستغفار لم يحرم المغفرة لقوله تعالى { استغفروا ربكم انه كان غفارا } ومن رزق الدعاء لك يحرم الاجابة لقوله تعالى { ادعونى استجب لكم } وذلك لان الله تعالى لا يمكن العبد من الدعاء الا لاجابته ومن روق النفقة لم يحرم الخلف لقوله تعالى { وما انفقتم من شيء فهو يخلفه } وفى المثنوى
كفت بيغمبر كه دائم بهر بند ... دو فرشته خوش منادى مى كنند
كاى خدايا منفقانرا سير دار ... هر درمشانرا عوض ده صد هزار
اى خدايا ممسكانرا در جهان ... تومده الا زيان اندر زيان
فعلى العاقل ان يشكر النعممة ويرجو من الله الملك القادر الخلق الرزاق ان لا يفتر القلب واللسان واليد من الفكر والذكر والانفاق
ولقد ترك بلعم بن باعورا شكر نعمة الاسلام والايمان فعوقب بالحرمان ونعوذ بالله من الخذلان اللهم اجعلنا من الذاكرين الشاكرين والمطيعين الصابرين القانعين انك انت المعين فى كل حين آمين(6/304)
وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8)
{ وقال موسى ان تكفروا } نعمة الله ولم تشكروها { انتم } يا بنى اسرائيل { ومن فى الارض } من الثقلين { جميعا } حال من المعطوف والمعطوف عليه { فان الله } تعليل للجواب المحذوف اى ان تكفروا لم يرجع وباله الا عليكم فان الله { لغنى } على شكركم وشكر غيركم { حميد } محمود فى ذاته وصفاته وافعاله لا تفاوت له بايمان واحد ولا كفره
قال الكاشفى [ ذرات مخلوقات بنعمت او ناطق والسنة جميع اشيا بتسبيح وحمداو جارى ]
بذكرش جمله ذرات كويا ... همه اورا زروى شوق جويا
قال السعدى قدس سره
بذكرش هرجه بينى درخروشست ... دلى داند درين معنى كه كوشست
نه بلبل بركلش تسبيح خوانيست ... كه هر خارى بتوحيدش زبانيست(6/305)
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9)
{ ألم يأتكم } من كلام موسى استفهم عن انتفاء الاتيان على سبيل الانكار فافاد اثبات الاتيان وايجابه فكانه قبل أتاكم { نبؤا الذين من قبلكم } اى اخباركم { قوم نوح } اغرقوا بالطوفان حيث كفروا ولم يشكروا نعم الله وقوم نوح بدل من الموصول { وعاد } اهلكوا بالريح معطوف على قوم نوح { وثمود } اهلكوا بالصيحة { والذين من بعدهم } من بعد هؤلاء المذكورين من قوم ابراهيم واصحاب مدين والمؤتفكات وغير ذلك وهو عطف على قوم نوح وما عطف عليه { لا يعلمهم الا الله } اعتراض اى لا يعلم عدد تلك الامم لكثرتهم ولا يحيط بذواتهم وصفاتهم واسمائهم وسائر ما يتعلق بهم الا الله تعالى فانه انقطعت اخبارهم وعفت آثارهم وكان مالك بن أنس يكره ان ينسب الانسان نفسه أبا أبا الى آدم وكذا فى حق النبى عليه السلام لا اولئك الآباء لا يعلم احد الا الله وكان ابن مسعود رضى الله عنه اذا قرأ هذه الآية قال كذب النسابون يعنى انهم يدعون علم الانساب وقد نفى الله علمها عن العباد
وقال فى التبيان لنسابون وان نسبوا الى آدم فلا يدعون احصاء جميع الامم انتهى
وعن ابن عباس رضى الله عنهما ما بين عدنان واسماعيل ثلاثون ابا اى قرنا لا يعرفون وقيل اربعون وقيل سبعة وثلاثون لنبينا عليه السلام
قال فى انسان العيون كان عدنان فى زمن موسى عليه السلام وهو النسب المجمع علينا لنبينا عليه السلام وفيما قبله الى آدم اختلاف سبب لاختلاف فيما بين عدنان وآدم ان قدماء العرب لم يكونوا اصحاب كتب يرجعون اليها وانما كانوا يرجعون الى حفظ بعضهم من بعض
والجمهور علىن العرب قسمان قحطانية وعدنانية والقحطانية شعبان سبأ وحضرموت والعدنية شعبان ربيعة ومضر واما قضاعة فمختلف فيها فبعضهم ينسبونها الى قحطان وبعضهم الى عدنان . ثم ان الشيخ عليا السمرقندى رحمه الله قال فى تفسير الموسوم ببحر العلوم لقائل ان يقول يشكل بالآية قول النبى صلى الله عليه وسلم « ان الله تعال قد رفع الى الدنيا فانا انظر اليها والى ما هو كائن فيها الى يوم القيامة كما انظر الى كفى هذه » جليا جلاها الله لنبيه كما جلاها للنبيين لدلالته صريحا على ان جميع الكوائن الى يوم القيامة مجلى ومكشوف كشفا تاما للانبياء عليهم السلام والحديث مسطور فى معجم الطبرانى والفردوس
يقول الفقير ان الله تعالى اعلم حبيبه عليه السلام ليلة المعراج جميع ما كان وما سيكون وهو لا ينافى الحصر فى الآية لقول تعالى فى آية اخرى { فلا يظهر على غيبه احد الا من ارتضى من رسول } يعنى به جنابه عليه السلام ولئن سلم فالذى علمه انما هو كليات الامور لا جزئياتها وكلياتها جميعا من هذا المقام وما ادرى ما يفعل بى ولا بكم فصح الحصر والله اعلم فاعرف هذه الجملة { جاءتهم رسلهم } ملتبسين { بالبينات } وقال الكاشفى [ آوردند ] فالباء للتعدية اى بالمعدزات الواضحة التى لا شبهة فى حقيقتها قبين كل رسول لامته طريق الحق وهو استيناف لبيان نبأهم رفردوا ايديهم فى افواههم } اى اشاروا بها الى السنتهم وما نطقت به من قولهم انا كفرنا بما ارسلتم به اى هذا جوابنا لكم ليس عندنا غيره اقناطا لهم من التصديق اوردوا ايديهم فى افواه انفسهم اشارة بذلك الى الرسل ان انكفوا عن مثل هذا الكلام فانكم كذبة ففى بمعنى على كما فى الكواشى(6/306)
وقال قتادة كذبوا الرسل وردوا ما جاؤا به يقال رددت قول فلان فى فيه اى كذبته { وقالوا انا كفرنا بما ارسلتم به } على زعمكم من الكتب والرسالة
قال المولى ابو السعود رحمه الله هى البينات التى اظهروها حجة على رسالاتهم ومرادهم بالكفر بها الكفر بدلالتها على صحة رسالتهم { وانا لفى شك } عظيم { مما تدعوننا اليه } من الايمان بالله والتوحيد
قال سعدى المفتى المراد اما المؤمن به او صحة الايمان اذلا معنى لشكهم فى نفس الايمان
فان قلت الشك ينافى الجزم بالكفر بقولهم انا كفرنا
قلت متعلق الكفر هو الكتب والشرائع التى ارسلوا بها ومتعلق الشك وهو ما يدعونهم اليه من التوحيد مثلا والشك فى الثانى لا ينافى القطع فى الاول { مريب } موقع فى الريبة وهى قلق النفس وعدم اطمئنانها بالشيء وهو علامة الشر والسعادة [ يعنى كمانى نفس را مضطرب ميسازد ودلرارا آم نمى دهد وعقل را شوريده كرداند ] وهو صفة توكيدية لشك(6/307)
قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10)
{ قالت رسلهم } استئناف بيانى اى قالوا منكرين عليهم ومتعجبين من مقالتهم الحمقاء { أفى الله شك } أى أفى شأنه سبحانه من وجوده ووحدته ووجوب الايمان به وحده شك ما وهو اظهر من كل ظاهر حتى تكونوا من قبله فى شك مريب اى لا شك فى الله ادخلت همزة الانكار على الظرف لان الكلام فى المشكوك فيه لا فى الشك انما ندعوكم الى الله وهو لا يحتمل الشك لكثرة الادلة وظهور دلالتها عليه واشاروا الى ذلك بقوله { فاطر السموات والارض } صفة للاسم الجليل اى مبدعهما وما فيهما من المصنوعات فهما تدلان على كون اطر فطرهما فان كينونتهما بلا كون مكون واج الكون محال لانه يؤدى الى التسلسل محال وذلك المكون هو الله تعلا [ روزى امام اعظم رحمه الله در مسجد نشسه بود جماعتى اززنادقه در آمدند وقصد هلاك او كردند امام كفت يك سؤال راجوب دهيد بعد ازان تيغ ظلم را آب دهيد كفتند مسئله جيست كفت من سفينة ديدم بربار كران برروى دريا روان جنانكه هج ملاحى محافظت نميكرد كفتند اين محالست زيرا كه كشتى بى ملاح بريك نسق رفتن محال باشد كفت سبحان الله سير جمله افلاك وكواكب ونظام عالم علوى وسفلى از سيريك سفينة عجب تراست همه ساكت كشتند واكثر مسلمان شدند ] { يدعوكم } الى طاعته بالرسل والكتب { ليغفر لكم من ذنوبكم } اى بعضها وهو ما عدا المظالم وحقوق العباد مما بينهم وبينه تعالى فان الاسلام يجبه اى يقطعه ومنع سيبويه زيادة من فى الايجاب واجازة ابو عبيدة
وفىلتأويلات النجمية { يدعوكم } من المكونات الى الكون لا لحاجته اليكم بل لحاجتكم اليه { ليغفر لكم } بصفة الغفارية { من ذنوبكم } التى اصابتكم من حجب ظلمات خلقية السماوات والارض فاحتجبتم بها عنه { ويؤخركم الى اجل مسمى } الى وقت سماه الله وجعله آخر اعماركم يبلغكموه ان آمنتم والا عاجلكم بالهلاك قبل ذلك الوقت فهو مثل قوله عليه السلام « الصدقة تزيد فى العمر » فلا يدل على تعدد الاجل كما هو مذهب اهل الاعتزال { قالوا } للرسل وهو استئناف بيانى { ان انتم } اى ما انتم فى الصورة والهيآت { الا بشر } آدميون { مثلنا } من غير فضل يؤهلكم ما تدعون من النبوة فلم تخصون بالنبوة دوننا ولو شاء الله ان يرسل الى البشر رسلا لارسل من جنس افضل منهم وهم الملائكة على زعمهم من حيث عدم التدنس بالشهوات وما يتبعها { تريدون } بدعوى النبوة { ان تصدقونا } تصرفونا بتخصيص العبادة بالله رعما كان يعبد آباؤنا } اى عن عبادة ما استمر آباؤنا على عبادته وهو الاصنام من غير شيء يوجبه وان لم يكن الامر كما قلنا بل كنتم رسلا من جهة الله كما تدعونه { فائتونا } [ بس بياريد ] { بسلطان مبين } ببرهان ظاهر على صدقكم وفضلكم واستحقاقكم لتلك الرتبة حتى تترك ما لم نزل نعبده ابا عن جد كأنهم لم يعتبروا ما جاءت به رسلهم من الحجج والبينات واقترحوا عليهم آية اخرى تعنتا ولجاجا(6/308)
قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)
{ قالت لهم رسلهم } زاد لفظ لهم لاختصاص الكلام بهم حيث اريد الزامهم بخلاف ما سلف من انكار وقوع الشك فى الله فان ذلك عام وان اختص بهم ما يعقبه اى قالوا لهم معترفين بالبشرية ومشيرين الى منة الله عليهم { ان } ما { نحن الا بشر مثلكم } كما تقولون لا ننكره { ولكن الله يمن } ينعم بالنبوة والوحى { على من يشاء من عباده } وفيه دلالة على ان النبوة عطائية كالسلطنة لا كسبية كالولاية والوزارة { وما كان } وما صح وما استقام { لنا ان نأتيكم بسلطان } اى بحجة من الحجج فضلا عن السلطان المبين بشيء من الاشياء وسبب من الاسباب { الا باذن الله } فانه امر متعلق بمشيئة الله ان شاء كان والا فلا تلخيصه انما نحن عبيد مربوبون
ناتوانى وعجز لازم ماست ... قدرت وآختار ازان خداست
كارهارا بحكم راست كند ... اوتواناست هرجه خواست كند
{ وعلى الله } دون ما عداه مطلقا { فليتوكل المؤمنون } وحقالمؤمنين ان لا يتوكلوا على غير الله فى الصبر على معاندتكم ومعاداتكم(6/309)
وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)
{ وما لنا } اى أى عذر ثبت لنا { ان لا نتوكل على الله } اى فى ان لا نتوكل عليه { ود هدينا سبلنا } اى والحال انه ارشد كلامنا سبيله ومنهاجه الذى شرع له واوجب عليه سلوكه فى الدين وهو موجب للتوكل ومستدع له
قال فى التأويلات وهى الايمان والمعرفة والمحبة فانها سبل الوصول ومقاماته انتهى
وحيث كانت اذية الكفار بما يوجب الاضطراب القلح فى التوكل قالوا على سبيل التوكيد القسمى مظهرين لكمال العزيمة { ولنصبرن على ما آذيتمونا } فى ابداننا واعراضنا او بالتكذيب ورد الدعوة والاعراض عن الله والعناد واقتراح الآيات وغير ذلك مما لا خير فيه وهو جواب قسم محذوف { وعلى الله } خاصة { فليتوكل المتوكلون } فى فليثبت عليه فلا تكرار
والتوكل تفويض الامر الى من يملك الامور كلها وقالوا المتوكل من ان دهمه امر ولم يحاول دفعه عن نفسه بما هو معصية الله فعلى هذا اذا وقع الانسان فى شدة ثم سأل غيره خلاصه لم يخرج من حد التوكل لانه لم يحاول دع ما نزل به عن نفسه بمعصية الله
وفى التأويلات النجمية للتوكل مقامات المبتدئ قطع النظر عن الاسباب فى طلب المرام ثقة بالمسبب وتوكل المتوسط قطع تعلق الاسباب بالمسبب وتوكل المنتهى قطع التعلق بما سوى الله للاعتصام بالله انتهى
قال القشيرى رحمه الله { وما لنا ان لا نتوكل على الله } وقد حقق لنا ما سبق به الضمان من وجوه الاحسان وكفاية ما اظلنا من الامتحان { ولنصبرن على ما آذيتمونا } والصبر على البلاء يهون على رؤية المبلى وانشدوا فى معناه
مر ما مربى لاجلك حلو ... وعذابى لأجل حبك عذاب
قال الحافظ
اكر بلطف بخوانى مزيد الطافست ... وكر بقهر برانى درون ما صافست
قيل لما قدم لحلاج لتقطع يده فقطعت يده اليمنى اولا ضحك ثم قطعت يده اليسرى فضحك ضحكا بليغا فخاف ان يصفر وجهه من نزف الدم فاكب بوجهه على الدم السائل ولطخ وجهه وبدنه وانشأ يقول
الله يعلم ان الروح قد تلفت ... شوقا اليك ولكنى امنيها
ونظرة منك يا سؤلى ويا املى ... اشهى الى من الدنيا وما فيها
يا قوم انى غريب فى دياركمو ... سلمت روحى اليكم فاحكموا فيها
لم اسلم النفس للاسقام تتلفها ... الا لعلمى بان الوصل يحييها
نفس المحب على الآلام صابرة ... لعل مسقمها يوما يداويها
ثم رفع رأسه الى السماء وقال يا مولاى انى غريب فى عبادك وذكرك اغرب منى والغريب يألف الغريب ثم ناداه رجل قال يا شيخ ما العشق قال ظاهره ما ترى وباطنه دق عن الورى
ومن لطائف هذه الاية الكريمة ما روى المستغفرى عن ابى ذر رفعه اذا آذاك البرغوث فخذ قدحا من ماء واقرأ عليه سبع مرات { وما لنا الا نتوكل على الله } الاية ثم قل ان كنتم مؤمنين فكفوا شركم واذا كمعنا ثم رشه حول فراشك فانك تبيت آمنا من شرهم(6/310)
ولابن ابى الدنيا فى التوكل له ان عامل افريقية كتب الى عمر بن عبد العزيز يشكو اليه الهوام والعقارب فكتب اليه وما على احدكم اذا امسى واصبح ان يقول وما لنا ان لا نتوكل على الله الآية
قال زرعة ابن عبد الله احد رواته وينفع من البراغيث كذا فى المقاصد الحسنة
قال بع العارفين ان ما اخذ الله على الكلب اذا قرئ عليه { وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد } لم يؤذ ومما اخذ الله على العقرب انه اذا قرئ عليها { سلام على نوح فى العالمين } لم تؤذ ومما اخذ الله على البراغيث { وما لنا ان لا نتوكل على الله } الآية ومن اراد الامن من شرها فليأخذ ماء ويقرأ عليه هذه الآية سبع مرات ثم ليقل سبع مرات ان كنتم آمنتم بالله فكفوا شركم عنا ايتها البراغيث ويرشه حول مرقده
غنيمت شمارند مردان دعا ... كه جوشن بود بيش تيربلا(6/311)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13)
{ وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من ارضنا } من مدينتنا وديارنا { او لتعودن فى ملتنا } عاد بمعنى صار والظرف خبر اى لتصيرن فى اهل ملتنا فان الرسل لم يكونوا فى ملتهم قط الا انهم لما يظهروا المخالفة لهم وقبل الاصطفاء اعتقدوا انهم على ملتهم فقالوا ما قالوا على سبيل التوهم او او بمعنى رجع والظرف صلة الخطاب لكل رسول ومن آمن به فغلبوا فى الخطاب الجماعة على الواحد اى لتدخلن فى ديننا وترجعن الى ملتنا وهذا كله تعزية للنبى عليه السلام ليصبر على اذى المشركين كما صبر من قبله من الرسل { فاوحى اليهم } اى الى الرسل { ربهم } مالك المشركين فان الشرك لظلم عظيم(6/312)
وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14)
{ ولنسكننهم الارض } اى ارض الظالمين وديارهم { من بعدهم } اى من بعد اهلاكهم عقوبة لهم على قولهم لنخرجنكم من ارضنا وفى الحديث « من آذى جاره ورثه الله فى داره » وحدثهم وسجدنا شكرا لله تعالى : قال السعدى قدس سره
تحمل كن اى ناتوان از قوى ... كه روزى تواناتر ازوى شوى
لب خشك مظلوم راكو بخند ... كه دندان ظالم بخواهند كند
{ ذلك } اشارة الى الموحى به وهو اهلاك الظالمين واسكان المؤمنين ديارهم اى ذلك الامر والوعد محقق ثابت { لمن خاف } الخوف غم يلحق لتوقع المكروه { مقامى } موقفى وهوموقف الحساب لانه موقف الله الذى يقف فيه عباده يوم القيامة يقومون ثلاثمائة عام لا يؤذن لهم فيقعدون اما المؤمنون فيهوّن عليهم كما يهون عليهم الصلاة المكتوبة ولهم كراسى يجلسون عليها ويظلل عليهم الغمام ويكون يوم القيامة عليهم سعة من نهار
قال فى التأويلات النجمية العوام يخافون دخول النار والمقام فيها والخواص يخافون فوات المقام فى الجنة لانها دار المقامة واخص الخواص يخافون فوات مقام الوصول { وخاف وعيد } بحذف الياء اكتفاء بالكسرة اى وعيدى بالعذاب وعقابى . والمعنى ان ذلك حق لمن جمع بين الخوفين اى للمتقين كقوله { والعاقبة للمتقين }(6/313)
وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15)
{ واستفتحوا } معطوف على فاوحى والضمير للرسل اى استنصروا الله وسألوه الفتح والنصرة على اعدائهم او للكفار { وخاب كل جبار عنيد } اى فنصروا عند استفتاحهم وظفروا بما سألوا وافلحوا وخسر عند نزول العذاب قومهم المعاندون فالخيبة بمعنى كطلق الحرمان دون الحرمان من المطلوب وان كان الاستفتاح من الكفرة فهى بمعنى الحرمان من المطلوب غير الطلب وهو واقع حيث لم يحصل ما توقعوه لانفسهم الا لاعدائهم وهذا كمال الخيبة التى عدم نيل المطلوب وانما قيل { وخاب كل جبار عنيد } ذما لهم وتسجيلا عليهم بالتجبر والعناد لا ان بعضهم ليسوا كذلك وانه لم تصبهم الخيبة والجبار الذى يجبر الخلق على مراده والمتكبر عن طاعة الله او المجانب للحق المعاجى لاهله
وقال الكاشفى [ نوميد ماند وبى بهره كشت از خلاص هركردنكشى كه ستيزنده شود باحق يا معرض از طاعت او ]
قال الامام الدميرى فى حياة الحيوان حكى الماوردى فى كتاب ادب الدنيا والدين ان الوليد بن يزيد بن عبد الملك تفاءل يوما فى المصحف فخرج قوله تعالى رواستفتحوا وخاب كل جبار عنيد } فمزق المصحف وانشأ يقول
أتوعد كل جبار عنيد ... فها انا ذاك جبار عنيد
اذا ما جئت الى ربك يوم حشر ... فقل يا رب مزقنى الوليد
فلم يلبث اياما حتى قتل شر قتلة وصلب رأسه على قصره ثم على سور بلده انتهى
قال فى انسان العيون مروان كان سببا لقتل عثمان رضى الله عنه وعبد الملك ابنه كان سببا لقتل عبد الله بن الزبير رضى الله عنه ووقع من الوليد بن يزيد بن عبد الملك الفظيعة انتهى
يقول الفقير رأسى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى امية فى صورة القردة فلعنهم فقال « ويل لبنى امية » ثلاث مرات ولم يجيئ منهم الخير والصلاحالا من اقل القليل وانتقلت دولتهم بمعاونة ابى مسلم الخراسانى الى آل العباس وقد رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعاورون منبره فسره ذلك وتفصيله فى كتاب السير والتواريخ(6/314)
مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16)
{ من ورائه جهنم } هذا وصف حال كل جبار عنيد وهو فى الدنيا اى بين يديه وقدامه فانه معد لجهنم واقف على شفيرها فى الدنيا مبعوث اليها فى الآخرة او من وراء حياته وهو ما يعد الموت فيكون ورأء بمعنى خلف كما قال الكاشفى [ از بس اودورخست يعنى در روز حشر رجوع او بدان خواهد بود ] وحقيقته ما توارى عنك واحتجب واستتر فليس من الاضداد بل هو موضع لامر عام يصدق على كل من الضدين
وقال المطرزى فى الورآء فعال ولامه همزة عند سيبويه وابى على الفارسى وياء عند العامة وهو من ظروف المكان بمعنى خلف وقدام وقد يستعار للزمان { ويسقى } عطف على مقدر جوابا عن سؤال سائل كأنه قيل فماذا يكون اذن فقيل يلقى فيها ويسقى { من ماء } مخصوص لا كالمياه المعهودة { صديد } هو القبيح المختلط بالدم او ما يسيل من اجساد اهل النار وفروج الزناة وهو عطف بيان لماء ابهم اولا ثم بين الصديد تعظيما وتهويلا لامره وتخصيصه بالذكر من بين عذابها يدل على انه من اشد انواعه او صفة عند من لا يجيز عطف البيان فى النكرات وهم البصريون فاطلاق الماء عليه لكونه بدل فى جهنم ويجوز ان يكون الكلام من قبيل زيد أسد فالماء على حقيقته كما قال ابو الليث ويقال ماء كهيئة الصديد وفى الحديث « من فارق الدنيا وهو سكران دخل القبر سكرانوبعث من قبره سكران وامر به الى النار سكران » فيها عين يجرى منها القبيح والدم هو طعامهم وشرابهم ما دامت السماوات والارض(6/315)
يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)
{ يتجرعه } استئناف بيانى كأنه قيل فماذا يفعل به فقيل يتجرعه وفى التفعيل تكلف ومعنى التكلف ان الفاعل يتعانى ذلك الفعل ليحصل بمعاناته كتشجيع اذ معناه استعمل الشجاعة وكلف نفسه اياها لتحصل فالمعنى . لغلبته العطش واستيلاء الحرارة عليه يتكلف جرعة مرة بعد اخرى لا بمرة واحدة لمرارته وحرارته ورائحته المنتنة { ولا يكاد يسيغه } اى لا يقارب ان يسيغه ويبتلعه فضلا عن الاساغة بل يغص به فيشير باللتيا والتى جرعة فيطول عذابه تارة بالحرارة والعطش واخرى بشربه على تلك الحال فان السوغ انحدار الشراب فى الحلق بسهولة وقبول نفس ونفيه لا يوجب نفى ما ذكر جميعا وفى الحديث « انه يقرب اليه فتكرهه فاذا ادنى منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه فاذا شرب قطع امعاءه حتى تخرج من دبره » { ويأتيه الموت } اى اسبابه من الشدائد والآلام { من كل مكان } ويحيط به من الجهات الست فالمراد بالمكان الجهة او من كل مكان من جسده حتى من اصول شعره وابهام رجله وهذا تفظيع لما يصيبه من الالم لو كان ثمة موت لكان واحد منها مهلكا { وهو ما يميت } اى والحال انه ليس بميت حقيقة فيستريح { من ورائه } من بين يديه اى بعد الصديد
وقال الكاشفى [ ودربس اوست باجود جنين محنتى كه ] { عذاب غليظ } لا يعرف كنهه اى يستقبل كل وقت عذابا اشق واشق مما كان قبله ففيه رفع ما يتوهم من الخفة بحسب الاعتبار كما فى عذاب الدنيا
وعن الفضيل هو قطع الانفاس وحبسها فى الاجساد ولذا جاء الصلب اشد انواع العذاب نعوذ بالله
واستثنى من شدة العذاب عما النبى عليه السلام بعد ارضاع امه له فبشرته بولادته عليه السلام وقالت له أشعرت آن آمنة ولدت ولدا وفى لفظ غلاما لاخيك عبدالله فاعتقها ابو لهب وقال انت حرة فجوزى بتخفيف العذاب عنه يوم الاثنين بان يسقى ماء فى جهنم فى تلك الليلة اى ليلة الاثنين فى مثل النقرة التى بين السبابة والابهام
وفى المواهب رؤى ابو لهب بعد موته فى المنام فقيل له ما حالك قال فى النار الا انه يخفف عنى كل ليلة اثنين وامص من بين اصبعى هاتين ماء واشار برأس اصبعيه وان ذلك باعتاقى لثويبة عند ما بشرتنى بولادة النبى صلى الله عليه وسلم بارضاعها له كذا فى عيون الانسان
واما ابو طالب فقال العباس رضى الله عنه قلت يا رسول الله هل نفعت ابا طالب بشيء فانه كان يحوطك قال « نعم هو فى ضحضاح من النار ولولا انا لكان فى الدرك الاسفل من النار » وفى الحديث « ان الكافر يخفف عنه العذاب بالشفاعة »(6/316)
لعل هذا يكون مخصوصا بابى طالب كما فى شرح المشارق لابن الملك
قال فى انسان العيون قبول شفاعته عليه السلام فى عمه ابى طالب عدّ من خصائصه عليه السلام فلا يشكل بقوله تعالى { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } وفى الحديث « اذا كان يوم القيامة شفعت لابى وامى وعمى ابى طالب واخ لى كان فى الجاهلية » يعنى اخاه من الرضاعة من حليمة ويجوز ان يكون ذكر شفاعته لأبويه كان قبل احيائهما وايمانهما به وكذا لاخيه فانه كان قبل ان يسلم وقد صح ان حليمة واولادها اسلموا انتهى الكل فى الانسان وفى الحديث « يقال لاهون اهل النار عذابا يوم القيامة لو ان لك ما فى الارض من شيء أكنت تفدى به فيقول نعم فيقال اردت منك اهون من هذا وانت فى صلب آدم ان لا تشرك بى شيأ فما اردت للا ان تشرك بى شيأ » كما فى المصابيح(6/317)
مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18)
{ مثل الذين كفروا بربهم } اى صفتهم وحالهم العجيبة الشأن التى هى كالمثل فى الغرابة وهو مبتدأ خبره قوله تعالى { اعمالهم كرماد } كقولك صفة زيد عرضه مهتوك وماله منهوب او خبره محذوف اى فيما يتلى عليكم مثلهم وقوله اعمالهم جمل مستانفة مبنية على سؤال من يقول كيف مثلهم فقيل اعمالهم كرماد { اشتدت به الريح } الاشتداد هنا بمعنى العدو والباء للتعدية اى حملته واسرعت فى الذهاب به
وقال الكاشفى [ همجوحا كستريست كه سخت بكذردبروباد ] { فى يوم عاصف } ريحه اى شديد قوى فحذفت الريح ووصف اليوم بالعصزف مجازا كقولك يوم ماطر وليلة ساكنة وانما السكون لريحها { لا يقدرون } يوم القيامة { مما كسبوا } فى الدنيا اعمال الخير { على شيء } ما اى لا يرون له اثرا من ثواب وتخفيف عذاب كما لا يرون اثرا من الرماد المطير فى الريح { ذلك } اى ما دل عليه التمثيل دلالة واضحة من ضلالهم . يعنى كفرهم واعمالهم المبينة عليه وعلى التفاخر والرياء مع حسبانهم محسنين وهو جهل مركب وداء عضال حيث زين لهم سوء اعمالهم فلا يستغفرون منها ولا يتوبون بخلاف عصاة المؤمنين ولذا قال { هو الضلال البعيد } صاحبه عن طريق احق والصواب بمراحل او عن نيل الثواب فاسند البعد الذى هو من احوال الضال الى الضلال الذى هو فعله مجازا مبالغة شبه الله صنائع الكفار من الصدقة وصلة الرحم وعتق الرقاب وفك الاسير واغاثة الملهوفين وعقر الابل للاضياف ونحو ذلك مما هو من باب المكارم فى حبوطها وذهابها هباء منثورا لبنائها على غير اساس من معرفة الله والايمان به وكونها لوجهه برماد طيرته الريح العاصف [ يعنى مانند توده خاكسترست كه بادسخت بران وزد بهوا برده در اطراف براكنده سازد وهيج كس برجمع آن قادر نبود وازان نفع نكيرد فكما لا ينتفع بذلك الرماد المطير كذلك لا ينتفع بالاعمال المقرونة بالكفر والشرك
ففيه رد اعمال الكفار واعمال اهل البدع والاهواء لاعتقادهم السوء فدل على ان الاعمال مبنية على الايمان وهو على الاخلاص كرنباشد نيت خالص جه حاصل از عمل روى الطبرانى عن ام سلمة رضى الله عنها ان الحارث ابن هشام رضى الله عنه اى اخا ابى جهل بن هشام اتى النبى صلى الله عليه وسلم يوم حجة الوداع فقال يا رسول الله انك تحث على صلة الرحم والاحسان الى الجار وايواء اليتيم واطعام الضيف واطعام المسكين وكل هذا ما يفعله هشام يعنى والده فما ظنك به يا رسول الله فقال عليه السلام « كل قبر لا يشهد صاحبه ان لا اله الا الله فهو جذوة من النار وقد وجدت عمى ابا طالب فى طمطام من النار فاخرجه الله لمكانه منى واحسانه الىّ فجعله فى ضحضاح من النار »(6/318)
اى مقدار ما يغطى قدميه وهذا مخصوص بابى طالب كما سبق -حكى- ان عبدا بن جدعان وهو ابن عم عائشة رضى الله عنها كان فى ابتداء امره صعلوكا وكان مع ذلك شريرا فاتكا يجنى الجنايات فيعقل عنه ابوه وقومه حتى ابغضته عشيرته فخرج هائما فى شعاب مكة يتمنى الموت فرأى شقا فى جبل فلما قرب منه مل عليه ثعبان عظيم له عينان تتقدان كالسراجين فلم تأخر انساب اى رجع عنه فلا زال كذلك حتى غلب على ظنه ان هذا مصنوع فقرب منه وامسك بيده فاذا هو من ذهب وعيناه ياقوتتان فكسره ثم دخل المحل الذى كان الثعبان على بابه فوجد فيه رجالا من الملوك ووجد فى ذلك المحل اموالا كثيرة من الذهب والفضة جواهر كثيرة من الياقوت والؤلؤ والزبرجد فاخذ منه ما اخذ ثم اعلم ذلك الشق بعلامة وصار ينقل منه شيأ فشيأ ووجد فى ذلك الكنز لوحا من رخام فيه انا نفيلة بن جرهم بن قحطان بن هود نبى الله عشت خمسمائة عام وقطعت غور الارض ظاهرها وباطنها فى طلب الثروة والمجد والملك فلم يكن ذلك منجيا من الموت
جهان اى بسر ملك جاويد نيست ... زدنيا وفارادى اميد نيست
نه بر باد رفتى سحر كاه وشام ... سرير سليمان عليه السلام
بىخر نديدى كه برباد رفت ... خنك آنكه بادانش وداد رفت
ثم بعث عبدالله بن جدعان الى ابيه بالمال الذى دفعه فى جناياته ووصل عشيرته كلهم فسادهم وجعل ينفق من ذلك الكنز ويطعم الناس ويفعل المعروف وكانت جفنته يأكل منها الراكب على البعير وسقط فيها صبى فغرق اى مات قالت عائشة رضى الله عنها يا رسول الله ابن جدعان كان فى الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ينفعه ذلك يوم القيامة فقال « لا لانه لم يقل يوما يا رب اغفر لى خطيئتى يوم الدين » اى لم يكن مسلما لانه ممن ادرك البعثة ولم يؤمن كما فى انسان العيون -وروى- لما اتى عليه السلام بسبايا طىّ وقعت جارية فى السبى فقالت يا محمد ان رأيت ان تخلى ولا تشمت بى احياء العرب فانى بنت سيد قومى وان ابى كان يحمى الذمار ويفك العانى ويشبع الجائع ويطعم الطعام ويفشى السلام ولم يرد طالب حاجة قط انى بنت حاتم طى فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم « يا جارية هذه صفة المؤمنين حقا لو كان ابوك مسلما لترحمنا عليه وقال خلوا عنها فان اباها كان يحب مكارم الاخلاق »
قال فى انيس الوحدة وجليس الخلوة قيل لما عرج النبى عليه اسللام اطلع على النار فرأى حظيرة فيها رجل لا تمسه النار فقال عليه السلام ما بال هذا الرجل فى هذه الحظيرة لا تمسه النار فقال جبريل عليه السلام هذا حاتم طى طرف الله عنه عذاب جهنم بسخاته وجوده : قال السعدى
كنون بر كف دست نه هرجه هست ... كه فردا بدندان كزى بشت دست
مكردان غريب ازدرت بى نصيب ... مبادا كه كردى بدرها غريب
نه خواهنده بر در ديكران ... بشكران خواهنده از در مران
بريشان كن امروز كنجينه جست ... كه فردا كليدش نه دردست تست(6/319)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19)
{ الم تر } خطاب لرسول الله صلى الله علسه وسلم والمراد امته يذهبكم والامة امة الدعوة والرؤية رؤية القلبوفى التأويلات النجمية يخاطب روح النبى صلى الله عليه وسلم فان اول ما خلق الله روحه ثم خلق السماوات والارض وروحه ناظر مشاهد خلقتها اى ألم تعلم ولم تنظر والاستفهام للتقرير اى قدر رأيت { ان الله خلق السموات والارض } قال فى بحر العلوم آثار فعل الله بالسماوات والارض وسعة الاخبار به متواترة فقامت لك فقامت لك مقام المشاهدة { بالحق } ملتبسة بالحكمة البالغة والوجه الصحيح الذى ينبغى ان يخلق عليه الا باطلا ولا عبثا { ان يشأ يذهبكم } يعدمكم بالكلية ايها الناس { ويأت بخلق جديد } اى يخلق بدلكم خلقا آخر من جمسكم آدميين او من غيره خيرا منكم واطوع لله
وفى التأويلات النجمية { ان يشأ يذهبكم } ايها الناس المستعد لقبول فيض اللطف والقهر { ويأت بخلق جديد } مستعد لقبول فيض لطفه وقهره من غير الانسان انتهى
رتب قدرته على ذلك على خلق السماوات والارض على هذا النمط البديع ارشادا الى طريق الاستدلال فان من قدر على خلق مثل هاتيك الاجرام العظيمة على كل تبديل خلق آخر بهم اقدر ولذلك قال(6/320)
وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20)
{ وما ذلك } اى اذهابكم والاتيان بخلق جديد مكانكم { على الله بعزيز } بمعتذر او متعسر بل هو هين عليه يسير فانه قادر لذاته على جميع الممكنات لا اختصاص له بمقدور دون مقدور انما امره اذا اراد شيأ ان يقول له كن فيكون
كار اكر مشكل اكر آسانست ... همه قدرت او يكسانست
ومن هذا شأنه حقيق بان يؤمن ويعبد ويرجى ثوابه ويخشى عقابه
والآية تدل على كمال قدرته تعالى وصوريته حيث لا يؤاخذ العصاة على العجلة
وفى صحيح البخارى ومسلم عن ابى موسى « لا احد اصبر على اذى سمعه من الله انه يشرك به ويجعل له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم » ثم ان تأخير العقوبة يتصمن لحكم منها رجوع التائب وانقطاع حجة المصر
فعلى العاقل ان يخشى الله تعالى على كل حال فانه ذو القهر والكبرياء والجلال
وعن جعفر الطيار رضى الله عنه قال كنت مع النبى صلى الله عليه وسلم فى طريق فاشتد على العطش فعلمه النبى عليه السلام وكان حذاءنا جبل فقال عليه السلام « بلغ منى السلام الى هذا الجبل وقل له يسقيك ان كان فيه ماء » قال فذهبت اليه وقلت السلام عليك ايها الجبل بنطق لبيك يا رسول رسول الله فعرضت القصة فقال بلغ سلامى الى رسول الله وقل له منذ سمعت قوله تعالى { فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجارة } بكيت بخون ان اكون من الحجارة التى وقود النار بحيث لم يبق فى ماء ثم ان هذا التهديد فى الاية انما نشأ من الكفر والمعصية ولو كان مكانهما الايمان والطاعة لحصل التبشير وكل منهما جار الى يوم القيامة
وعن اسماعيل المحاملى قال رأيت فى المنام كانى على فضاء من الارض انظر شرق الارض وغربها وكأن شخصا نزل من السماء فبسط يمينه وشماله الى اطراف الارض فجمع بكلتا يديه شيأ من وجه الارض ثم ضمهما الى صدره وارتفع الى السماء ثم نزل كذلك وفعل كالاول ثم نزل فى المرة الثالثة وبسط يديه وهم بان يجمع شيأ ثم ترك وارسل يديه ولم يأخذوهم بالصعود فقال ألا تسالنى فقلت بلى من انت قال انا ملك ارسلنى الله فى المرة الاولى ان اخذ الخير والبركة عن وجه الارض فاخذت وفى الثانية ان اخذ الشفقة والرحمة فاخذت وفى الثالثة ان آخذ الايمان فنوديت ان محمدا يشفع الىّ وانى قد سفعته فلا اسلب الايمان من امته فاترك فصعد الى السماء ويداه مرسلتان كذا فى زهرة الرياض وعند قرب القيامة يسلب الله الايمان والقرآن فيبقى الناس فى صورة الآدميين دون سيرتهم ثم يذهبهم الله جميعا ويظهر ان العزة والملك لله تعالى : قال الجامى
با غير او اضافت شاهى بود جنانك ... بريك دوجوب باره زشطرنج نام شاه(6/321)
وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21)
{ وبرزوا } اى برز الموتى من قبورهم يوم القيامة الى ارض المحشر اى يظهرون ويخرجون عند النفخة الثانية حين تنتهى مدة لبثهم فى بطن الارض قال الله تعالى { ثم نفخ فيه اخرى فاذا هم قيام ينظرون } وايثار صيغة الماضى للدلالة على تحقق وقوعه { لله } اى لامر الله ومحاسبته فاللام تعليلية وصلة برزوا محذوفة اى برزوا من القبور الموتى { جميعا } اى جميعهم من المؤمنين والكافرين كما فى تفسير الكاشفى او القادة والاتباع اجتمعوا للحشر والحساب وهذا كقوله { وحشرناهم فلم نغادر منهم احدا } كما فى تفسير ابى الليث { فقال الضعفاء } الاتباع والعوام جمع ضعيف والضعف خلاف القوة وقد يكون فى النفس وفى البدن وفى الحال وفى الرأى والمناسب للمقام هو الاخير فانه لو كان فى رأيهم قوة لما اتبعوهم فى تكذيب الرسل والاعراض عن نصائحهم
يقول الفقير فى هذه الحال خائفا من سطوة النتغلبة مناهل الكفر والضلال فالاولى ان يكون الضعيف بمعنى المستذل المقهور كما فى قوله تعالى { والمستضعفين } { الذين استكبروا } اى لرؤسائهم المستكبرين الخارجين عن طاعة الله { انا كنا } فى الدنيا { لكم تبعا } جمع تابع كخدم جمع خادم وهو المستنّ بآثار من يتبعه اى تابعين اى تكذيب الرسل والاعراض عن نصائحهم مطيعين لكم فيما امرتمونا به { فهل انتم } [ بس هيج هستيد شما ] { مغنون } دافعون { عنا من عذاب الله من شيء } من الاولى للبيان واقعة موقع الحال قدمت على صاحبها لكونه نكرة والثانية للتبعيض واقعة موقع المفعول اى بعض الشيء الذى هو عذاب الله والفاء للدلالة على السببية الاتباع للاغناء . والمراد التوبيخ والعتاب لانهم كانوا يعلمون انهم لا يغنون عنهم شيأ مما هم فيه { قالوا } اىلمستكبرون جوابا عن معاتبة الاتباع واعتذارا عما فعلوا بهم يا قوم { لو هدينا الله } الى الايمان ووفقنا له { لهديناكم } ضللنا فاضللناكم اىخترنالكم ما اخترناه لانفسنا
وقال الكاشفى [ اكر خداى تعالى نمودى طريق نجات را عذاب هر آيينه مانيز شمارا راه مينموديم بدان اما طرق خلاصى مسدود است وشفاعت ما درين دركاه مرود ]
وفى التأويلات النجمية { قالوا } يعنى اهل البدع للمتقلدة { لو هدينا الله } الى طريق اهل السنة والجماعة وهو الطريق الى الله وقربته { لهديناكم } اليه وفه اشارة الى ان الهداية والضلالة من نتائج لطف الله وقهره ليس الى احد من شيء فمن شاء جعله مظهر الصفات لطفه ومن شاء جعله مظهر الصفات قهره : قال الحافظ
درين جمن نكنم سرزنش بخودرويى ... جنانكه برورشم ميدهند ميرويم
{ سواء علينا أجزعنا } فى طلب النجاة من ورطة الهلاك والعذاب والجزع عدم الصبر على البلاء { ام صبرنا } على ما لقينا انتظارا للرحمة اى مستو علينا الجزع والصبر فى عدم الانجاء ففيه اقناط الضعفاء والهمزة وام لتأكيد التسوية ونحوه اصبروا اولا تصبروا سواء عليكم ولما كان عتاب الاتباع من باب الجزع ديلوا جوابهم بيسان ان لا جدوى فى لك فقالوا { ما لنا من محيص } من منجى ومهرب من العذاب .(6/322)
وبالفارسية [ كريز كاهى وبناهى ] من المحيص وهو العدول على جهة الفرار يقال حاص الحمار اذا عدل بالفرار
وفى التأويلات { ما لنا من محيص } من مخلص للنجاة لانه ضاع منا آلة النجاة واوانها ويجوز ان يكون قوله سواء علينا كلام الضعفاء والمستكبرين جميعا ويؤيده انهم يقولون تعالوا نجزع فيجزعون خمسمائة عام فلا ينفعهم فيقولون تعالوا نصبر اى رجاء ان يرحمهم الله بصبرهم على العذاب كما رحم المؤمنين بصبرهم على الطاعات فيصبرون كذلك فلا ينفعهم [ يعنى ازهيج يك فائده نمى رسد ] فعند ذلك يقولون ذلك : قال السعدى قدس سره
فراشو جو بينى در صلح باز ... كه ناكه درتوبه كردد فراز
توبيش ازعقوبت در عفو كوب ... كه سودى نداردفغان برجوب
كنون كردبايد عمل را حساب ... نه روزى كه منشور كردد كتاب(6/323)
وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)
{ وقال الشيطان } الذى اضل الضعفاء والمستكبرين } لما قضى الامر } اى احكم وفرغ منه وهو الحساب ودخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار اوامر اهل السعادة بالسعادة وامر اهل الشقاوة بالشقاوة
قال الكاشفى { تمامت دوزخيان مجتمع شده زبان ملامت بر ابليس دراز كنند ابليس برمنبر آتشين برآيد وكويد باشقياء انس كه اى ملامت كنندكان ] { ان الله وعدكم الحق } [ وعده راست ودرست كه حشر وجزا خواهد بود ] فوفى لكم بما وعدكم { ووعدتكم } اى وعد الباطل وهو ان لا بعث ولا حساب ولكن كان فالاصنام شفعاؤكم ولم يصرح ببطلانه لما دل عليه قوله { فاخلفتكم } اى موعدى على حذف المفعول الثانى اى نقضته والاخلاف حقيقة هو عدم انجاز من يقدر على انجاز وعده وليس الشيطان كذلك فقوله اخلفتكم يكون مجازا جعل تبين خلف وعده كالاخلاف منه كأنه كان قادرا على انجازه وانى له ذلك [ يعنى امروز ظاهر شدكه من دروغ كفته بودم ] { وما كان لى عليكم من سلطان } اى تسلط وقهر فالجئكم الى الكفر والمعاصى
قال فى بحر العلوم لقائل ان يقول قول الشيطان هذا مخالف لقوله الله انما سلطانه على الذين يتولونه فما حكم قول الشيطان احق هوام باطل على انه لا طائل تحته فى النطق بالباطل فى ذلك المقام انتهى
يقول الفقير جوابه ان نفى السلطان بمعنى القهر والغلبة لا ينافى اثباته بمعنى الدعوة والتزيين فالشيطان ليس له سلطان بالمعنى الاول على المؤمنين والكافرين جميعا وله ذلك بالمعنى الثلنى على الكفار فقط كما دل عليه قوله تعالى { انما سلطانه على الذين يتولونه } واما المؤمنون وهم اولياء الله فيتولون الله بالطاعة فهم خارجون عن جائرة الاتباع بوسوسته اذ هو يجرى فى عالم الصفات وهو عالم الافعال واما عالم الذات فيخلص للمؤمن فأنى للشيطان سبيل اليه ولو كان لآمن فافهم هداك الله { الا ان دعوتكم } الادعائى اياكم الى طاعتى بوسوسة وتزيين وهو ليس من جنس السلطان والولاية فى الحقيقة { فاستجبتم لى } اجبتم لى طوعا } واختيارا { فلا تلومونى } فيما وعدتكم بالباطل لانى خلقت لهذا ولانى عدو مبين لكم وقد خدركم الله عداوتى كما قال { لا تعبدوا الشيطان } لا يفتننكم الشيطان ومن تجرد للعداوة لا يلام اذا دعا الى امر قبيح { ولوموا انفسكم } يعنى باختياركم المعصية وحبكم لها صدقتمونى فيما كذبتكم وكذبتم الله فيما صدقكم وذلك لان مقالى كان ملائما لهوى انفسكم وكلام الحق مخالف لهواها ومر على مزاق النفوس اى فانتم احق باللوم منى { ما انا بمصرخكم } بمغيثكم مما انتم فيه من العذاب { وما انتم بمصرخى } مما انا فيه يعنى لا ينجى بعضنا بعضا من عذاب الله والا صراخ الاغاثة والمصرخ بالفارسية [ فرياد رس ] وانما تعرض لذلك مع انه لم يكن فى حيز الاحتمال مبالغة فى بيان عدم اصراخه اياهم وايذانا بانه ايضا مبتلى بمثل ما ابتلوا به ومحتاج الى الاصراخ فكيف من اصراخ الغير { انى كفرت } اليوم { بما اشركتمون } باشراككم اياى الله فى الطاعة .(6/324)
وبالفارسية [ بانجه شريك مى كرديد مرا باخداى تعالى درفرمان بردارى ] { من قبل } اى قبل هذا اليوم اى فى الدنيا بمعنى تبرأت منه واستنكرته [ يعنى بيزاز شدم از شرك شما ]
قال فى الارشاد يعنى ان اشراككم لى بالله هو الذى يطعمكم فى نصرتى لكم بان كان لكم على حق حث جعلتمونى معبودا وكنت اودّ ذلك وارغب فيه فاليوم كفرت بذلك ولم احمده ولم اقبله منكم بل تبرأت منه ومنكم فلم يبق بينى وبينكم علاقة { ان الظالمين لهم عذاب اليم } تمتة كلامه اوابتداء كلام من الله تعالى . والظالمون هم الشيطان ومتبعوه من الانس لان الشيطان وضع الدعوة الى الباطل فى غر موضعها وانهم وضعوا الاتباع فى غير موضعه وفى حكاية امثاله لطف للسامعين وايقاظ لهم حتى يحاسبوا انفسهم ويتدبروا عواقبهم
هركه نقص خويش راديد وشناخت ... اندرا استكمال خودده اسب تاخت
هركه آخر بين تر او مسعود تر ... هركه آخور بين تر او مبعود تر
ثم اخبر عن حال المؤمنين ومآلهم(6/325)
وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (23)
بقوله { وادخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات } جمعوا بين الايمان والعمل الصالح والمدخلون هم الملائكة { جنات } [ در بهشتهاى كونا كون كه ] { تجرى من تحتها الانهار } [ ميرود اززير درختان جويها ] { خالدين فيها } [ در حالتى كه جاويدان باشنددران ] { باذن ربهم } متعلق بادخل اى بامره او بتوفيقه وهدايته وفيه اشارة الى ان الانسان اذا خلى وطبعه لا يؤمن ولا يعمل الصالحات والجنات ان لم تكن العناية لا يبقى احد فى جنة القلب ساعة كما لم يبق آدم فى الجنة خالدا كما فىلتأويلات النجمية { تحيتهم فيها سلام } التحية دعاء بالتعمير واضافتها الى الضمير من اضفة المصدر الى المفعول اى تحيتهم الملائكة فى الجنات بالسلام من الآفات او يحيى المؤمنون بعذهم بعضا بالسلام والسلام تحية المؤمنين فى الدنيا ايضا
واصله صدر من ابينا آدم عليه السلام على ما روى وهب بن منبه ان آدم لما رأى ضياء نور نبينا صلى الله عليه وسلم سأل الله عنه فقال هو نور النبى العربى محمد من اولادك فالانبياء كلهم تحت لواء فاشتاق آدم الى رؤيته فظهر نور النبى عليه السلام فى انملة مسبحة آدم فسلم عليه فردّ الله سلامه من قبل النبى عليه السلام فمن هنا بقى السلام سنة لصدوره عن آدم وبقى رده فريضة لكونه عن الله تعالى . ونظيره ركعات الوتر فانه عليه السلام لما ام الانبياء فى بيت المقدس اوصاه موسى عليه السلام ان يصلى له ركعة عند سدرة المنتهى قال الله تعالى { فلا تك فى مرية من لقائه } اى لقاء موسى ليلة المعراج فلما صلى ركعة ضم اليها ركعة اخرى لنفسه فلما صلاهما اوحى الله تعالى اليه ان صل ركعة فلذلك صار وترا مالكغرب فلما قلم اليها ليصليها غشاه الله بالرحمة والنور فانحل يداه بلا اختيار منه فلذلك كان رفع اليد سنة واليه اشار النبى عليه السلام بقومه « ان الله زادكم صلاة ألا وهى الوتر » وقيل لما صلى الركعة الثانية وقام الى الثالثة رأى والديه فى النار ففزع وانحل يداه ثم جمع قلبه فكبر وقال « اللهم انا نستعينك » الخ كما فى التقدمة شرح المقدمة فما صلاه عليه السلام لنفسه صار سنة وما صلاه لموسى صار واجبا وما صلاه لله تعالى صار فريضة ولما كان اصل هذه الصلاة وصية موسى اطلق عليها الواجب
وقال الفقهاء يقول فى الوتر نويت صلاة الوتر للاختلاف فى وجوبه(6/326)
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24)
{ ألم تر } ألم تشاهد بنور النبوة يا محمد كما فىلتأويلات النجمية
وقال الكاشقى [ آيا نديدى وندانستى اى بنده بينا ودانا كه براى تفهيم شما ] { كيف ضرب الله مثلا } بين شبها ووضعه فى موضعه اللائق به وكيف فى محل النصب بضرب لا بألم لما فى كيف من معنى الاستفهام فلا يتقدم عليه عامله { كلمة طيبة } منصوب بمضمر والجملة تفسير لقوله { ضرب الله مثلا } كقولك شرف الامير زيدا كساه حلة وحمله على فرس اى جعل كلمة طيبة وهى كلمة التوحيد اى شهادة ان لا اله الا الله ويدخل فيها كل كلمة حسنة كالقرآن والتسبيحة والتحميدة والاستغفار والتوبة والدعوة الى الاسلام ونحوها مما اعرب عن حق او دعا الى صلاح { كشجرة طيبة } اى حكم بانها مثلها لا انه تعالى صيرها مثلها قال عليه السلام « مثل المؤمنين الذى يقرأ القرآن مثل الا ترجة ريحها طيب وطعمها طيب ومثل المؤمن الذى لا يقرأ القرآن مثل التمر لا ريح لها وطعمها حلو ومثل المنافق الذى يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذى لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة لس لها ريح وطعما مر » والحنظل بالفارسية [ هندوانه ابو جهل ] ثم ان النخلة اكرم الاشجار على الله فانها خلقت من فضلة طينة آدم وولدت تحتها مريم كما ورد فى احاديث المقاصد الحسنة ولذا جاء ثمرتها احلى واطيب من سائر الثمار { اصلها ثابت } اى اسفلها ذاهب بعروقه فى الارض متمكن فيها { وفرعها } اى اعلاها ورأسها { فى السماء } فى جهة العلو(6/327)
تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)
{ تؤتى اكلها } تعطى ثمرها { كل حين } وقته الله لا ثمارها وهى السنة الكاملة لان النخلة تثمر فى كل سنة مؤة ومدة اطلاعها الى وقت سرانها ستى اشهر
وقال بعضهم كل حين اى ينتفع بها على الاحيان كلها لان ثمر النخل يؤكل ابدا ليلا ونهارا صيفا وشتاء وفى كل ساعة اما تمرا او رطبا او بسرا كذلك عمل المؤمن يصعد اول النهار وآخره لا ينقطع ابدا كصعود هذه الشجرة ولا يكون فى كلمة الاخلاص زيادة ولا نقصان لكن يكون لها مدد وهو التوفيق بالطاعات فى الاوقات كما يحصل النماء لهذه الشجرة بالتربية { باذن ربها } بارادة خالقها وتيسيره وتكوينه { ويضرب الله الامثال للناس } [ وميراند خداى تعالى مثلها را يعنى بيان ميكند براى مردمان ] { لعلهم يتذكرون } يتفطنون بضرب الامثال لان فى ضربها زيادة افهام وتذكير فانه تصوير للمعانى بصور المحسوسات . وفى الانجيل سورة تسمى سورة الامثال وهى فى كلام الانبياء والعلماء والحكماء كثيرة لا تحصى(6/328)
وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)
{ ومثل كلمة خبيثة } هى كلمة الكفر ويدخل فيها كلمة قبيحة من الدعاء الى الكفر وتكذيب الحق ونحوهما { كشجرة خبيثة } كمثل شجرة خبيثة اى صفتها كصفتها وهى الحنظل ويدخل فيها كل ما لا يطيب ثمرها من الكسوب وهو نبت يتعلق باغصان الشجر من غير ان يضرب بعرق فى الارض ويقال له اللبلاب والعشقة والنوم قد يقال انها من النجم لا الشجر والظاهر انه من باب المشاكلة
قال فى التبيان وخبثها غاية مرارتها ومضرتها وكل ما خرج عن اعتداله فهو خبيث
وقال الشيخ الغزالى رحمه الله شبه العقل بشجرة طيبة والهوى بشجرة خبيثة فقال { ألم تر كيف } الخ انتهى
فالنفس الخبيثة الامارة كالشجرة الخبيثة تتولد منها الكلمة الخبيثة وهى كلمة تتولد من خباثة النفس الخبيثة الظالمة لنفسها بسوء اعتقادها فى ذات الله وصفاته او باكتساب المعاصى والظالمة لغيرها بالتعرض لعرضه او ماله { اجتثت } الجث القطع باستئصال اى اقتلعت جثتها واخذت بالكلية { من فوق الارض } لكون عروقها قريبة منها { مالها من قرار } استقرار عليها . يقال قر الشئ قرارا نحو ثبت ثباتا : قال الكاشفى [ نيست اورا ثبات واستحكام يعنى نه بيخ دارد برزمين ونه شاخ درهوا ]
نه بيخى كه آن باشد اورا مدار ... نه شاخى كه كردد بدان سايه دار
كيا هيست افتاده بر رؤى خاك ... بريشان وبى حاصل وخورناك
[ حق سبحانه وتعالى تشبيه كرد درخت ايمانرا كه اصل آن در دل مؤمن ثابتست واعمال او بجانب اعلاى عليين مرتفع وثواب او در هر زمان بدو واصل بدرخت خرما كه بيخ او مستقراست درمنبت او وفرع متوجه بجانب علو ونفع او در هروقت دهنده بخلق وتمثيل نمود كلمه كفر وعبادت اصنام راكه دردل كافر مقلد بجعت عدم حجت وبرهان بران ثباتى ندارد وعملى كه نيز بمقصد قبول رسد ازو صادر نميشود بشجرة حنظل كه نه اصل اورا قراريست ونه فرع اورا اعتبارى ]
نهال سايه ورى شرع ميوه دارد ... جنان لطيف كه برهيج شاخسارى نيست
درخت زندقه شاخيست خشك وبى سايه ... كه بيش هيجكسش هيج اعتبارى نيست
وفى الكواشى قالوا شبه الايمان بالشجرة لان الشجرة لا بد لها من اصل ثابت وفرع قائم ورأس عال فكذا الايمان لا بد له من تصديق بالقلب وقول باللسان وعمل بالابدان
وقال ابو الليث المعرفة فى قلب المؤمن العارف ثابتة بل هى اثبت من الشجرة فى الارض لان الشجرة تقطع ومعرفة العارف لا يقدر احد ان يخرجها من قلبه الا المعرف الذى عرفه(6/329)
يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)
{ يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت } هو كلمة التوحيد لانها رساخة فى قلب المؤمن كما قال الكاشفى { قول ثابت كلمة لا اله الا الله محمد رسول الله است كه خداى تعالى بران ثابت ميدارد مؤمنانرا ] { فى الحيوة الدنيا } اى قبل الموت فاذا ابتلوا ثبتوا ولم يرجعوا عن دينهم ولو عذبوا انواع العذاب كمن تقدمنا من الانبياء والصالحين مثل زكريا ويحيى وجوجيس وشمعون والذين قتلهم اصحاب الاخدود والذين مشطت لحومهم بامشاط الحديد
قال سعدى المفتى روى ان جرجس كان من الحواريين علمه الله الاسم الذى يحيى به الموتى وكان رياض الموصل جبار يعبد الصنم فدعاه جرجيس الى عبادة الله وحده فامر به فشدر رجلاه ويداه بامشاط من الحديد فنشرح بها صدره ويديه ثم صب عليه ماء الملح فصبره الله تعالى ثم دعا بمسامير من حديد فمر بها عينيه واذنيه فصبره الله تعالى عليه ثم دعا بحوض من نحاس فأوقد تحته حتى ابيض ثم القى فيه فجعله الله بردا وسلاما ثم قطع اعضاءه اربا اربا فاحياه الله تعالى ودعاهم الى الله تعالى ولم يؤمن الملك فاهلكه الله مع قومه بان قلب المدينة عليهم وجعل عاليها سافلها
وشمعون كان من زهاد النصارى وكان شجاعا يحارب عبدة الاصنام من الروم ويدعوهم الى الدين الحق وكان يكسر بنفسه جنودا مجندة واحتال عليه ملك الروم بانواع من الحيل ولم يقدر عليه الى ان خدع امرأته بمواعيد فسألته فى وقت خلوة كيف يغلب عليه فقال ان اشد بشعرى فى غير حال الطهارة فانى حينئذ لم اقدر على الحل فاحاطوا به فى منامه وشدوه كذلك والقوه من قصر الملك فهلك
وفى نفائس المجالس عمدوا الى قتله بالاذية فدعا الله تعالى ان ينجيه من الاعداء فانجاه الله تعالى فاخذ عمود البيت وخر عليهم السقف فهلكوا { وفى الآخرة } اى يثبتهم فى القبر عند سؤال منكر ونكير وفى سائر المواطن والقبر من الآخرة فانه اول منزل من منازل الآخرة { ويضل الله الظالمين } اى يخلق الله فى الكفرة والمشركين الضلال فلا يهديهم الى الجواب بالصواب كما صلوا فى الدنيا { ويفعل الله ما يشاء } من تثبيت اى خلق ثبات فى بعض واضلال اى خلق ضلال فى آخرين من غير اعتراض عليه
وفى التأويلات النجمية يمكنهم فى مقام الايمان بملازمة كلمة لا اله الا الله والسير فى حقائقها فى مدة بقائهم فى الدنيا وبعد مفارقة البدن يعنى ان سير اصحاب الاعمال ينقطع عند مفارقة الروح عن البدن وسير ارباب الاحوال يثبت بتثبيت الله ارواحهم بانوار الذكر وسيرهم فى ملكوت السموات والارض بل طيرهم فى عالم الجبروت باجنحة انوار الذكر وهى جناحا النفى والاثبات فان نفيهم بالله عما سواه واثباتهم بالله فى الله لا ينقطع ابجا الآباد(6/330)
والآية دليل على حقيه سؤال القبر وعلى تنعيم المؤمنين فى القبر فان تثبيت الله عبده فى القبر بالقول الثابت هو النعمة كل النعمة
قال الفقيه ابو الليث قد تكلم العلماء فى عذاب القبر
فان بعضهم يجعل الروح فى جسده كما كان فى الدنيا ويجلس اى ياتيه ملكا اسودان ازرقان فظان غليظان اعينهما كالبرق الخاطف واصاواتها كالرعد القاصف معهما مرزبة فيقعدان الميت ويسألانه فيقولان له من ربكة وما دينك ومن نبيك فيقول المؤمن الله ربى والاسلام دينى ومحمد صلى الله عليه وسلم نبى فذلك هو الثبات واما الكافر والمنافق فيقول لا ادرى فيضرب بتلك المرزبة فيصيح صيحة يسمعها ما بين الخافقين الا الجن والانس
وقال بعضهم يكون الروح بين جسده وكفنه
وقال بعضهم يدخل الروح فى جسده الى صدره وفى كل قد جاءت الآثار والصحيح ان يقر الانسان بعذاب القبر ولا يشتغل بكيفيته
وفى اسئلة الحكم الارواح بعد الموت ليس لها نعيم ولا عذاب حسى جسمانى لكل ذلك نعيم او عذاب معنوى حتى تبعث اجسادها فترد اليها فتنعم عند ذلك حبسا ومعنى
ألا ترى الى بشر الحافى رحمه الله لما رؤى فى النوم قيل ما فعل الله بك قال غفر لى واباح لى نصف الجنة يعنى روحه منعمة بالجنة فاذا حشر ودخل الجنة ببدنه يكمل النعيم بالنصف الآخر وهل عذاب القبر دائم او ينقطع فالجواب نوع دائم بدليل قوله تعالى { النار يعرضون عليها غدوا وعشيا } ونوع منقطع وهو بعض العصاة الذين خفت جرائمهم فيعذب بحسب جرمه ثم يخفف عنه كما يعذب فى النار مدة ثم يزول عنه العذاب وقد ينقطع عنه العذاب بدعاء او صدقة او استغفار او ثواب بحج او فراءة تصل اليه من بعض اقاربه او غيرهم كما فى الفتح القريب وفى الحديث « اللهم انى اعوذ بك من البخل واعوذ بك من الجبن واعوذ بك ان ارد الى ارذل العمر واعوذ بك من فتنة الدجال واعوذ بك من عذاب القبر » وكان صلى الله عليه وسلم اذا فرغ من دفن الرجل وقف عليه وقال « استغفروا لاخيكم وسلوا له التثبت فانه الآن يسال » - روى - ان النبى صلى الله عليه وسلم لما دفن ولده ابراهيم وقف على قبره فقال « يا بنى القلب يحزن والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب انا لله وانا اليه راجعون يا بنى قل الله ربى والاسلام دينى ورسول الله ابى » فبكت الصحابة منهم عمر رضى الله عنه حتى ارتفع صوته فالتفت اليه رسول الله فقال « ما يبكيك يا عمر » فقال يا رسول الله هذا ولدك وما بلغ الحلم ولا جرى عليه القلم ويحتاج الى تلقين مثلك يلقنه التوحيد فى مثل هذا الوقت فما حال عمر وقد بلغ الحلم وجرى عليه القلم وليس له ملقن مثلك فبكى النبى عليع السلام وبكت الصحابة معه فنزل جبريل بقوله تعالى { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحيوة الدنيا وفى الآخرة } قتلا النبى عليه السلام الآية فطابت الانفس وسكنت القلوب وشكروا الله
وقال بعضهم الانبياء والصبيان والملائكة لا يسألون وقد اختص نبينا صلى الله عليه وسلم بسؤال امته عنه بخلاف بقية الانبياء وما ذاك الا ان الانبياء قبل نبينا كان الواحد منهم اذا اتى امته وابوا عليه اعتزلهم وعوجلوا بالعذاب واما نبينا عليه السلام فبعث رحمة بتأخير العذاب ولما اعطاه الله السيف دخل فى دينه مخافة من السيف فقبض الله فتانى القبر ليستخرجا بالسؤال ما كان فى نفس الميت فيثبت المسلم ويزل المنافق
وفى بعض الآثار يتكرر السؤال فى المجلس الواحد ثلاث مرات وفى بعضها ان المؤمن يسأل سبعة ايام والمنافق اربعين يوما .(6/331)
ولا يسأل من مات يوم الجمعة ليلته من المؤمنين . وكذا فى رجب وشعبان ورمضان وهو بعد العيد فى مشيئته اللع تعالى لكن الله تعالى هو اكرم الاكرمين فالظن على انه لا يؤمر بالسؤال كما فى الواقعات المحمودية
وفى كلام الحافظ السوطى لم يثبت فى التلقين حديث صحيح اوحسن بل حديثه ضعيف باتفاق جمهور المحدثين والحديث الضعيف يعمل به فى فضائل الاعمال
فعلى العاقل ان يموت قبل ان يموت ويحيى بالحياة الطيبة وذلك بظهور سر الحياة له بتربية مرشد كامل كما قال فى المثنوى
هين كه اسرافيل وقتند اوليا ... مرده را زيشان حياتست ونما
جانهاى مرده اندر كورتن ... برجهد زآوازشان اندر كفن
كويداين أوزا زآواهاجداست ... زنده كردن كار آواز خداست
ما بمرديم وبكلى كاستيم ... بانك حق آمد همه بر خاستيم
مطلق ان أواز خودازشه بود ... كرجه از حلقوم عبد الله بود
كفت اورامن زبان وحشم تو ... من حواس ومن رضا وخشيم تو
روكه بى يسمع وبى يبصر توئى ... سر توئى جه جاى صاحب سر توئى
جون شدى من كان لله ازوله ... حق ارلباشد كه كان الله له
كه توئى كويم تراكاهى منم ... خرجه كوئى آفناب روشنم
هركجا تابم زمشكات دمى ... حل شد آنجا مشكلات عالمى
ظلمتى راكافتا بش برنداشت ... ازدم كردد آن ظلمت جوجاشت
وكما ان لانفاس الاولياء بركة ويمنا للاحياء فكذا للاموات حيثن التلقين فانه فرق بين تلقين الغافل الجاهل وبين تلقين المتنقط العالم بالله نسأل الله تعالى ان يثبتنا واياكم على الحق المبين الى ان يأتى اليقين ويجعلنا من الصديقين الذين يتمكنون فى مقام الامن عند خوف اهل التلوين(6/332)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28)
{ ألم تر الى الذين } من رؤية البصر وهو تعجب لرسول الله صلى الله عليه وسلم اى هل رأيت عجبا مثل هؤلاء { بدلوا } غيروا { نعمة الله } على حذف المضاف اى شكر نعمته { كفرا } بان وضعوه مكانه او بدلوا نفس النعمة كفرا فانهم لما كفروها سلبت منهم فصاروا تاركين لها محصلين الكفر بدلها كأهل مكة خلقهم الله تعالى واسكنهم حرمه وجعلهم قوام بيته ووسع عليهم ابواب رزقه وشرفهم بمحمد صلى الله عليه وسلم فكفروا ذلك فحفظا سبع سنين واسروا وقتلوا يوم بدر فصاروا اذلاء مسلوبى النعمة
وعن عمر وعلى رضى الله عنهما هم الافجران من قريش بنوا امية اما بنوا المغيرة فكيفتموهم يوم بدر واما ينوا امية فمتعوا الى حين كأنهما يتأولان ما سيتلى من قوله تعالى { قل تمتعوا } الآية { واحلوا } انزلوا { قومهم } بارشاطهم اياهم الى طريقة الشرك والضلال وعدم التعرض لحلولهم لدلالة الاحلال عليه اذ هو فرعه كقوله تعالى { يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار } واسند الاحلال وهو فعل الله الى اكابرهم لان سببه كفرهم وسبب كفرهم امر اكابرهم اياهم بالكفر(6/333)
جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29)
{ دار البوار } اى الهلاك { جهنم } عطف بيان لها { يصلونها } حال منها اى داخلين فيها مقاسين لحرها يقال صلى النار صليا قاسى حرها كتصلاها { وبئس القرار } اى بئس جهنم(6/334)
وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30)
{ وجعلوا } عطف على احلوا داخل معه فى حكم التعجب اى جعلوا فى اعتقادهم الباطل وزعمهم الفاسد { لله } الفرد الاحد الذى لا شريك له فى الارض ولا فى السماء { اندادا } اشابها فى التسمية حيث سموا الاصنام آلهة او فى العبادة { ليضلوا } قومهم الذين يشايعونهم حسبما ضلوا { عن سبيله } القويم الذى هو التوحيد ويوقعونهم فى ورطة الكفر والضلال وليس الاضلال غرضا حقيقيا لهم من اتخاذ الانداد ولكن لما كان نتيجة له كما كان الاكرام قى قولك جئتك لتكرمنى نتيجة المجئ شبه بالغرض وادخل اللام عليه بطريق الاستعارة التبعية ونسب الاصلال الذى هو فعل الله اليهم لانهم سبب الضلالة حيث يأمرون بها ويدعون اليها { قل } تهديدا لاولئك الضالين المضلين { تمتعوا } انتفعوا بما انتم عليه من الشهوات التى من جملتها كفران النعم العظام واستتباع الناس فى عبادة الاصنام . وبالفارسية [ بكدرانيد عمر هاى خود بارزوها وعبادت بتان ] { فان مصيركم } يوم القيامة { الى النار } ليس الا فلا بد لكم من تعاطى ما يوجب ذلك او يقتضيه من احوالكم والمصير مصدر صار التامة بمعنى رجع وخبر ان هو قوله الى النار
دلت الآيتان على امور
الول ان الكفران سبب لزوال النعمة بالكلية كما ان الشكر سبب لزيادتها
شكر نعمت تعمتت افزون كند ... كفر نعمت از كفت بيرون كند
وفى حديث المعراج « ان الله شكا من امتى شكايات . الاولى انى لم اكلفهم عمل الغد وهم يطلبون منى رزق الغد . والثانية انى لا ادفع ارزاقهم الى غيرهم وهم يدفعون عملهم الى غيرى . والثالثة انهم يأكلون رزقى ويشكرون غيرى ويخونون معى ويصالحون خلقى . والرابعة ان العزة لى وانا لمعزوهم يطلبون العزة من سواى . والخامسة انى خلقت النار لكل كافروهم يجتهدون ان يوقعوا انفسهم فيها »
والثانى ان القرين السوء يجر المرء الى النار ويحله دار البوار فينبغى للمؤمن المخلص السنى ان يجتنب عن صحبة اهل الكفر والنفاق والبدعة حتى لا يسرق طبعه من اعتقادهم السوء وعملهم السئ ولهم كثرة فى هذا الزمات واكثرهم فى زى المتصوفة
اى فغان ازيارنا جنس اى فغان ... همنشين نيك جوييد اى مهان
والثالث ان جهنم دار القرار للاشرار وشدة حرها مما لا يوصف . وعن النعمان بن بشير رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال « ان اهون اهل النار عذابا رجل فى اخمص قدميه جمرتان يغلى منهما دماغه كما يغلى المرجل بالقمقمة » والاخمص بفتح الهمزة هو المتجافى من الرجل اى من بطنها عن الارض والغليان شدة اضطراب الماء نحوه على النار لشدة ايقادها . والمرجل بكسر الميم وفتح الجيم قدر معروف سواء كان من حديد او نحاس او حجارة او خزف هذا هو الاصح .(6/335)
وقيل هو القدر من النحاس خاصة
وفى الآية اشارة الى نعمة الوهية وخالقية ورازقية عليهم بدلوها بالكفر والانكار والجحود واحلوا ارواحهم وقلوبهم ونفوسهم وابدانهم جار الهلاك وانزلوا ابادانهم جهنم يصلونها وبئس القرار وهى غاية البعد عن الحضرة والحرمان عن الجنان وانزاللوا نفوسهم الدركات وقلوبهم العمى والصمم والجهل وارواحهم العلوية اسفل سافلين الطبيعة بتبديل نعم الاخلاق الملكية الحميدة بالاخلاق الشيطانية السبعية الذميمة وجعلوا لله اندادا من الهوى والدنيا وشهواتها ليضلوا الناس بالاستنباع عن طلب الحق تعالى والسير اليه على اقدام الشريعة والطريقة الموصل الى الحقيقة قل تمتعوا بالشهوات الدنيا ونعيمها فان مصيركم نار جهنم للابدان ونار الحرمان للنفوس ونار الحسرة للقلوب ونار القطيعة للارواح كما فى التأويلات النجمية(6/336)
قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31)
{ قل لعبادى الذى آمنوا } قال بعض الحكماء شرف الله عباده بهذه الياء وهى خير لهم من الدنيا وما فيها لان فيها اضافة الى نفسه والاضافة تدل على العتق لان رجلا لو قال لعبده يا ابن او ولد لا يعتق ولو قال يا ابنى او ولدى يعتق بالاضافة الى نفسه كذلك اذا اضاف العباد الى نفسه فيه دليل ان يعتقهم من النار ولا شرف فوق العبودية : قال الجامى
كسوت خواجكى وخلعت شاهى جه كند ... هركرا غاشية بند كيت بردوشست
وكان سلطان العارفين ابو يزيد البسطامى قدس سره يقول الخلق يفرون من الحساب وانا اطلبه فان الله تعالى لو قال لى اثناء الحساب عبدى لكفانى شرفا والمقول هنا محذوف دل عليه الجواب اى قل لهم اقيموا وانفقوا { يقيموا الصلوة وينفقوا مما رزقناهم } اى يداوموا على ذلك . وبالفارسية [ بكو اى محمد صلى الله عليه وسلم يعنى امركن مربند كان مراكه ايمان آورده اندبرين وجه كه نماز كزاريد ونفقه كنيد تايشان بامر تونماز كزارند ونفقه دهند از آنجه عطاداده يابشان ازامول ] ويجوز ان يكون المقول يقيموا وينفقوا على ان يكونا بمعنى الامر وانما اخرجا عن صورة الخبر للدلالة على التحقيق بمضمونها والمسارعة الى العمل بهما
فان قيل لو كان كذلك لبقى اعرابه بالنون
قلنا يجوز ان يبنى على حذف النون لما كان بمعنى الامر { سرا وعلانية } منتصبان على المصدر من الامر المقدور اى نفقوا انفاق سر وعلانية او على الحال اى ذوى سر وعلانية بمعنى مسرين ومعلنين او على الظرف اى وقتى سر وعلانية
والاحب فى الانفاق اخفاء المتطوع واعلان الواجب وكذا الصلوات والمراد حث المؤمنين على الشكر لنعم الله تعالى بالعبادة البدنية والمالية وترك التمتع بمتاع الدنيا والركون اليها كما هو صنيع الكفرة { من قبل ان يأتى } قال فى الارشاد الظاهر ان من متعلقة لانفقوا { يوم } وهو يوم القيامة { لا بيع فيه } فيبتاع المقصر ما تيلافى تقصيره به وتخصيص البيع بالذكر لاستلزام نفيه نفى الشراء { ولا خلال } ولا مخالة فيشفع له خليل والمراد لمخالة بسبب ميل الطبع ورغبة النفس فلا يخالف قوله تعالى { الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين } لان الواقع فيما بينهم المخالة لله ام من قبل ان يأتى يوم القيامة الذى لا انتفاع فيه بمبايعة ولا مخالة وانما ينتفع فيه بالطاعة التى من جملتها اقامة الصلاة والانفاق لوجه الله تعالى وادخار المال وترك انفاقه انما يقع غالبا للتجارات والمهاداة فحيث لا يمكن ذلك فى الآخرة فلا وجه لادخاره الى وقت الموت
وفى الآية اشارة الى الاعمال الباطنة القلبية كالايمان والى الاعمال الظاهرة القابية كاقامة الصلاة والانفاق
قال ابو سعيد الخراسانى قدس سره خزائن الله فى السماء وخزائنه فى الارض القلوب لنه تعالى خلق قلب المؤمن بيت خزائنه ثم ارسل ريحا فهبت فيه فكنسته من الكفر والشرك والنفاق والغش ثم انشأ سحابة فامطرت فيه ثم انبت شجرة فانمرت الرضى والمحبة والشكر والصفوة والاخلاص والطاعة ثم كاب الظاهر بحسب طيب الباطن(6/337)
وعن مكحول الشامى رحمه الله اذا تصدق المؤمن بصدقة ورضى عنه ربه تقول جهنم يا رب ائذن لى بالسجود شكرا لك فقد اعتقت احدا من امة محمد من عذابى ببركة صدقته لانى استحيى من محمد ان اعذب امته مع ان طاعتك واجبة على : قال المولى الجامى
هرجه دارى جون شكوفه برفشان زيرا كه سنك ... بهر ميوه ميخور دهردم زدست صفله شاخ
والاشارة { قل لعبادى } لا عباد الهوى { الذين آمنوا } بنور العناية وعرفوا قدر نعمة الوهيتى ولم يبدلوها كفرا { يقيموا الصلوة } ليلازموا عتبة العبودية ويديموا العكوف على بساط القربة ويثبتوا فى المناجاة والمكالمة { وينفقوا } على الطالبين المريدين { مما رزقناهم سرا } من اسرار الالوهية { وعلانية } من احكام العبودية فى طريق الربوبية { من قبل ان يأتى يوم } وهو يوم مفارقة الارواح عن الابدان { لا بيع فيه } اى لا يقدر على الانفاق بطريق طلب المعاوضة { ولا خلال } اى ولا بطريق المخالة من غير طلب العوض لان آلة الانفاق خرجت من يده وبطل استعداد دعوة الخلق الى الحق وتربيتهم بالتسليك والتزكية والتهذيب والتأديب كما فى التأويلات النجمية(6/338)
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)
{ الله } مبتدأ خبره { الذى خلق السموات } وما فيها من الاجرام العلوية { والارض } وما فيها من انواع المخلوقات وقدم السماوات لانها بمنزلة الذكر من الانثى { وانزل من السماء } اى من السحاب فان كل ما علاك سماء او من الفلك فان المطر منه يبتدئ الى السحاب ومنه الى الارض على ما دلت عليه ظواهر النصوص
يقول الفقير هو الارجح عندى لان الله تعالى زاد بيانه نعمه على عباده فبين اولا خلق السماوات والارض ثم اشار الى ما فيها من كليات المنافع لكنه قدم واخركتأخير تسخير الشمس والقمر ليدل على ان كلا من هذه النعم نعمة على حدة ولو اريد السحاب لم يوجد التقابل التام واياما كان فمن ابتدائية { ماء } اى نوعا منه وهو المطر { فاخرج به } اى بسبب ذلك الماء الذى اودع فيه القوة الفاعلية كما انه اودع فى الارض القوة القابلية { من الثمرات } من انواع الثمرات { رزقا لكم } تعيشون به وهو بمعنى المرزوق شامل للمطعوم والملبوس مفعو لاخرج ومن للتبيين حال منه ولكم صفة كقولك انفقت من الدراهم الفا او للتبعيض بدليل قوله تعالى { فاخرجنا به ثمرات } كانه قيل انزل من السماء كل الماء ولاخرج بالمطر كل الثمار ولاجل كل الرزق ثمر او كان احب الفواكه الى نبينا عليه السلام الرطب والبطيخ وكان يأكل البطيخ بالرطب ويقول « يكسر حر هذا ببرد هذا وبرد هذا بحر هذا » فان الرطب حار رطب والبطيخ بارد رطب كما فى شرح المصابيح وفى الحديث « من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر » قوله تصبح اى اكل وقت الصباح قبل ان يأكل شيأ آخر وعجوة عطف بيان لسبع تمرات وهى ضرب من اجود التمر فى المدينة يضرب الى السواد يحتمل ان يكون هذا الخاصية فى ذلك النوع من التمر ويحتمل ان يكون بدعائه له حين قالوا احرق بطوننا تمر المدينة وفى الحديث « كلوا التمر على الريق فانه يقتل الديدان فى البطن » وكان عليه السلام ياخذ عنقود العنب بيده اليسرى ويتناول حبة حبة بيده اليمنى كذا فى الطب النبوى وفى البطيخ والرمان قطرة من ماء الجنة
وروى عن على كلوا من الرمان فليس منه حبة تقع فى المعدة الا انارت القلب واخرست الشيطان اربعين يوما
وقال جعفر بن محمد ريح الملائكة ريح الورد وريح الانبياء ريح السفر جل وريح الحور ريح الآس { وسخر لكم الفلك } بان اقدركم على صنعتها واستعمالها بما الهمكم كيفية ذلك { لتجرى } اى الفلك لانه جمع فلك { فى البحر } [ دردريا ] { بامره } بارادته الى حيث توجهتم وانطوى فى تسخير الفلك تسخير البخار وتسخير الرياح
قال فى شرح حزب البحر قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه لعمرو بن العاص صف لى البحر فقال يا امير المؤمنين مخلوق عظيم يركبه خلق ضعيف دود على عود
وفى انوار المشارق يجوز ركوب البحر للرجال والنساء عند غبلة السلامة كذا قال الجمهور .(6/339)
وكره ركوبه للنساء لان الستر فيه لا يمكنهن غالبا ولا غض البصر عن المتصرفين فيه ولا يؤمن انكشاف عوراتهن فى تصرفهن لا سيما فيما صغر من السفن مع ضرورتهن الى قضاء الحاجة بحضرة الرجال { وسخر لكم الانهار } اى المياه العظيمة الجارية فى الانهار العظام وتسخيرها جعلها معدة لانتفاع الناس حيث يتخذون منها جداول يسقون بها زروعهم وجنانهم وما اشبه ذلك
قال فى بحر العلوم اللام فيها للجنس او للعهد اشير بها الى خمسة انهار سيحون نهر الهند وجيحون نهر بلخ ودجلة والفرات نهر العراق والنيل نهر مصلا انزلها الله من عين واحدة من عيون الجنة فاستودعها الجبال واجراها فى الارض وسخرها للناس وجعل فيها منافع لهم فى اصناف معاشهم وسائر الانهار تبع لها وكأنها اصولها { وسخر لكم الشمس والقمر } حال كونهما { دائيين } قال فى تهذيب المصادر الدأب [ دانم شدن ] فالمعنى دائمين متصلين فى سيرهما لا ينقطعان الى يوم القيامة
وقال فى القاموس دأب فى عمله كمنع دابا ويحرك فى ودؤوبا بالضم جدذ وتعب . فالمعنى مجدين فى سيرهما وانارتهما ودرئهما الظلمات واصلاحهما يصلحان الارض والابدان والنبات لا يفتران اصلا ويفضل الشمس على القمر لان الشمس معدن الانوار الفلكية من البدور والنجوم واصلها فى النورانية وان انوارهم مقتبسة من نورالشمس على قدر تقابلهم وصفوة اجرامهم { وسخر لكم الليل والنهار } يتعاقبان بالزيادة والنقصان والاضاءة والاظلام والحركة والسكون فيهما اى لمعاشكم ومنامكم ولعقد الثمار وانضاجها
واختلفوا فى الليل والنهار ايهما افضل
قال بعضهم قدم الليل على النهار لان الليل لخدمة المولى والنهار لخدمة الخلق ومعارج الانبياء عليهم السلام كانت بالليل ولذا قال الاملم النيسابورى الليل افضل من النهار
يقولىلفقير الليل محل السكون ففيه سر الذات وله المرتبة العليا والنهار محل الحركة ففيه سر الصفات وله الفضيلة العظمى واول المراتب وآخرها السكون كما اشار اليه قوله تعالى فى الحديث القدسى « كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق » فالخلق يقتضى الحركة المعنوية وما كان قبل الحركة والخلق الا سكون محض وذات بحت فافهم . وسيد الايام يوم الجمعة واذا وافق يوم عرفة يومالجمعة تضاعف الحج لسبعين حجة على غيره وبهذا ظهر فضل يوم الجمعة على يوم عرفة . وافضل الليالى ليلة المولد المحمدى لولاه ما نزل القرىن ولا نعتت ليلة القدر وهو الاصح
{ وآتيكم من كل ما سألتموه } اى اعطاكم مصلحة لكم فى بعض جميع ما سألتموه فان الموجود من كل صنف بعض ما قدره الله وهذ كقوله تعالى(6/340)
{ من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء } فمن للتبعيض او كل ما سألمتوه على ان من للبيان وكلمة كل للتكثير كقولك فلان يعلم كل شيء واتاه كل الناس وعليه قوله تعالى { فتحنا عليهم ابواب كل شيء } قال الكاشفى [ وبداد شمارا ازهر جه خواستيد يعنى آنجه محتاج اليه شما بود خواسته وناخواسته بشما ارزانى داشت ] { وان تعدوا نعمة الله } التى انعم بها عليكم بسؤال وبغيره { لا تحصوها } لا تطيقوا حصرها وعدها ولو اجمالا لكثرتها وعدم نهايتها
وفيه دليل على ان المفرد يفيد الاستغراق بالاضافة واصل الاحصاء ان الحساب كان اذا بلغ عقدا معينا من عقود الاعداد وضعت له حصاة ليحفظ بها ثم استؤنف العدد . والمعنى لا توجد له غاية فتوضع له حصاة والنعم على قسمين نعمة المنافع لصحة البدن والامن والعافية والتلذذ بالمطاعم والمشارب والملابس والمناكح والاموال والاولاد ونعمة دفع المضار من الامراض والشدائد والفقر والبلاء واجل النعم استواء الخلقة والهام المعرفة [ سلمى قدس سره فرمودكه مراد ازين نعمت حضرت بيعمبر ماست صلى الله عليه وسلم كه سفر بزر كتر وواسطة نزديكترمايان حق وخلق اوست وفى نفس الامر حصر صفات كمال وشرح انوار جمال اواز دائرة تصور وتخيل بيرن وازاندازه تأمل وتفكر افزونست ]
بر ذروه معارج قدر رفيع تو ... نى عقل راه يابد ونى فهم فى برد
{ ان الانسان لظلوم } لبليغ فى الظلم يظلم النعمة باغفال شكرها او بوضعها فى غير موضعها او يظلم نفسه بتعريضها للحرمان { كفار } شديد الكفران لها او ظلوم فى الشدة يشكو ويجزع كفار فى النعمة يجمع ويمنع . واللام فى الانسان للجنس ومصداق الحكم بالظلم والكفران بعض من وجد فيه من افراده كما فى الارشاد -روى- انه شكا بعض الفقراء الى واحد من السلف فقره واظهر شدة اهتمامه به فقال ايسرّك انك اعمى ولك عشرة آلاف درهم فقال لا فقال اقطع اليدين والرجلين ولك عشرون الف درهم فقال لا فقال ايسرّك الله انك مجنون ولك عشرة آلاف قال لا فقال اما تستحيى انك تكشو مولاك وعندك عروض باربعين الف
ودخل ابن السماك على بعض الخلفاء وفى يده كوز ماء وهو يشربه فقال عظنى فقال لو لم تعط هذه الشربة الا ببذل جميع اموالك والا بقيت عطشان فهل كنت تعطيه قال نعم قال ولو لم تعط الا بملكك كله فهل كنت تتركه قال نعم فقال لا تفرح بملك لا يساوى شربة ماء وان نعمة على العبد فى شربة ماء عند العطش اعظم من ملك الارض كلها بل كل نفس لا يستوى بملك الارض كلها فلو اخذ لحظة حتى انقطع الهواء عنه مات ولو حبس فى بيت حمام فيه هواء حار او بئر فيه هواء ثقيل برطوبة الماء مات غما ففى كل ذرة من بدنه نعم لا تحصى(6/341)
نعمت حق شمار وشكر كذار ... نعتش را اكرجه نيست شمار
شكر باشد كليد كنج مزيد ... كنج خواهى منه زدست كليد
والاشارة { الله الذى خلق السموات } سموات القلوب { والارض } ارض النفوس { وانزل من السماء } من سماء القلوب { ماء } ماء الحكمة { فاخرج به من الثمرات } من ثمرات الطاعات { رزقا } لارواحكم فان الطاعات غذاء الارزاح كما ان الطعام غذاء الابدان { وسخر لكم الفلك } فلك الشريعة { لتجرى فى البحر } فى بحر الطريقة { بامره } بامر الحق لا بامر الهوى والطبع لان استعمال فلك الشريعة اذا كان بامر الهوى والطبع سريعا ينكسر ويغرق ولا يبلغ ساحل الحقيقة الا بامر اولى الامر وملاحيه وهو الشيخ الواصل الكامل المكمل كما قال تعالى { اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولى الامر منكم } وقال النبى عليه السلام « من اطاع اميرى فقد اطاعنى ومن اطاعنى فقد اطاع الله » وكم من سفن لارباب الطلب لما شرعت فى هذا البحر بالطبع انكسرت بنكباء الاهواء وتلاطم امواج الغرة وانقطعت دون ساحلها روسخر لكم الانهار } انها العلوم اللدنية { وسخر لكم الشمس } شمس الكشوف { والقمر } قم المشاهدات { داءبين } بلكشف والمشاهدة { وسخر لكم الليل } ليل البشرية { والنهار } نهار الروحانية وتسخير هذه الاشياء عبارة عن جعلها يببا لاستكمال استعداد الانسان فى قبول الفيض الالهى المختص به من بين سائر المخلوقات وفى قوله { وآتيكم من كل ما سألتموه } اشارة الى انه تعالى اعطى الانسان فى الازل حسن استعداد استدعى منه لقبول الفيض الالهى وهو قوله تعالى { لقد خلقنا الانسان فى احسن تقويم } ثم للابتلاء رده الى اسفل سافلين ثم آتاه من كل ما سأله من الاسباب التى تخرجه من اسفل سافلين وتصعده الى اعلى عليين فاذا امعنت النظر فى هذه الآيات رأيت ان العالم بما فيه خلق تبعا لوجود الانسان وسببا لكماليته كما ان الشجرة خلقت تبعا لوجود الثمرة وسببا لكماليتها فالانسان البالغ الكامل الواصل ثمرة شجرة المكونات فافهم جدا { وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها } لان نعمته على الانسان قسمان قسم يتعلق بالمخلوقات كلها وقد بينا انها خلقت لاستكمال الانسان وهذه النعمة لا يحصى عدها لان فوائدها عائدة الى الانسان الى الابد وهى غير متناهية فلا يحصى عدها وقسم يتعلق بعواطف الوهيته وعوارف ربوبيته فهى ايضا غير متناهية فلا يحصى عدها وقسم يتعق بعواطف الوهيته وعوارف ربوبيته فهى ايضا غير متناهية { ان الانسان لظلوم } لنفسه بان يفسد هذا الاستعداد الكامل بالاعراض عن لحق والاقبال على الباطل { كفار } لا نعم الله اذا لم يعرف قدرها ولم يشكر لها وجعلها نقمة لنفسه بعد ما كانت نعمة من ربه كما فى التأويلات النجمية(6/342)
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35)
{ واذ قال ابراهيم } واذكر وقت قول ابراهيم فى مناجاته اى بعد الفراغ من بناء البيت { رب اجعل هذا البلد } [ اين شهر مكه را ] { آمنا } اهله بحيث لا يخاف فيه من المخاوف والمكاره كالقتل والغارة والامراض المنفرة من البرص والجذام ونحوهما فاسناد الامن الى البلد مجاز لوقوع الامن الا من فيه وانما الآمن فى الحقيقة اهل البلد { واجنبنى وبنى } يقال جنبته كنصرته واجنبته اى ابعدته . والمعنى بعدنى واياهم { ان نعبدالاصنام } واجعلنا منه فى جانب بعيد اى ثبتنا على ما كنا عليه من التوحيد وملة الاسلام والبعد عن عبادة الاصنام
قال بعضهم رأى القوم يعبدون الاصنام فخاف على بنيه فدعا
يقول الفقير الجمهور على ان العرب من عهد ابراهيم استمرت على دينه من رفض عبادة الاصنام الى زمن عمرو بن لحى كبير خزاعة فهو اول من غير دين ابراهيم وشرع للعرب الضلالات وهو اول من نصب الاوثان فى الكعبة وعبدها وامر الناس بعبادتها وقد كان اكثر الناس فى الارض المقدسة عبدة الاصنام وكان ابراهيم يعرفه فخاف سرايته الى كل بلد فيه واحد من اولاده فدعا فعصم اولاده الصلبية من ذك وهى المرادة من قوله { وبنى } فانه لم يعبد احد منهم الصنم لا هى واحفاده وجميع ذريته وذلك لان قريشا مع كونهم من اولاد اسماعيل عبادتهم الاصنام مشهورة واما قوله تعالى فى حم الزخرف { وجعلها كلمة باقية فى عقبه } فالصحيح ان هذا لا يستلزم تياعد جميع الاحفاد عن عبادة الاصنام بل يكفى فى بقاء كلمة التوحيد فى عقبه ان لا ينقرض قرن ةلا ينقضى زمان الا وفى ذريته من هو من اهل التوحيد قلوا او كثروا الى زمان نبينا صلى الله عليه وسلم وقد اشتهر فى كتب السير ان بعض آحاد العرب لم يعبد الصنم قط ويدل عليه قوله عليه السلام « لا تسبوا مضر فانه كان على ملة ابراهيم » هذا ما لاح لى من التحقيق ومن الله التوفيق . وانما جمع الاصنام ليشتمل على كل صنم عبد من دون الله لان الجمع المعرف باللام يشمل كل واحد من الافراد كالمفرد باتفاق جمهور ائمة التفسير والاصول والنحو اى واجبنا ان نعبد احدا مما سمى بالصنم كما فى بحر العلوم وخصصها الامام الغزالى بالحجرين اى الذهب والفضة اذ رتبة النبوة اجل من ان يخشى فيها ان تعتقد الالهية فى شيء من الحجارة فاستعاذ ابراهيم من الاغترار بمتاع الدنيا
يقول الفقير الظاهر ان الامام الغزالى خصص الحجرين بالذكر بناء على انهما اعظم ن يضل الناس وقد شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم طلاب الدراهم والدنانير بعبدة الحجارة فقال « تعس عبد الدراهم تعس عبد الدنانير » والا فكل ما هو من قبيل الهوى فهو صنم الا ترى الى قوله تعالى(6/343)
{ أفرأيت من اتخذ آلهه هواه } ولذا قال فى التاويلات النجمية . صنم النفس الدنيا . وصنم القلب العقبى . وصنم الروح الدرجات العلى . وصنم السر عرفان القربات . وصنم الخفى الركون الى المكاشفات والمشاهدات وانواع الكرامات فلا بد من الفناء عن الكل
سالك باك رو نخوانندش ... آنكه از ما سوى منزعه نيست
قال شيخى وسندى روّح الله روحه فى بعض المجالس معى اهل الدنيا كثير واهل العقبى قليل واهل المولى اقل من القليل وذلك كالسلاطين والملوكفانهم بالنسبة الى الوزراء اقل وهم بالنسبة الى سائر ارباب الجاه كذلك وهم بالنسبة الى الرعية كذلك فارعايا كثيرون واقل منهم ارباب الجاه واقل منهم الوزراء واقل منهم السلاطين فلا بد من ترك الاصنام مطلقا واعظم الحجب والاصنام الوجود المعبر عنه بالفارسية
هستى بودوجود مغربى لات ومنات او بود ... نيست بتى جو بود او درهمه سومنات تو
وفى الاية دليل على ان عصمة الانبياء بتوفيق الله تعالى وحقيقة العصمة ان لا يخلق الله تعالى فى العبد ذنبا مع بقاء قدرته واختياره ولهذا قال الشيخ ابو منصور العصمة لا تزيل المحنة اى التكليف فينبغى للمؤمن ان لا يامن على ايمانه وينبغى ان يكون متضرعا الى الله ليثبته على الايمان كما سأل ابراهيم لنفسه ولبنيه الثبات على الايمان -وروى- عن يحيى بن معاذ انه كان يقول اللهم ان جميع سرورى بهذا الايمان واخاف ان تنزعه منى فما دام هذا الخوف معى رجوت ان لا تنزعه منى(6/344)
رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36)
{ رب } باى بروردكار من ] { انهن } اى الاصنام { اضللن كثيرا من الناس } ولذلك سألت منك ان تعصمنى وبنى من اضلالهت واستعذت بك منه يقول بهن ضل كثير من الناس فكان الاصنام سببا لضلالتهم فنسب الاضلال اليهن وان لم يكن منهن عمل فى الحقيقة كقوله تعالى { وغرتهم الحيوة الدنيا } اى اغتروا بسببها وقال بعضهم كات الاضلال منهن لان الشياطين كانت تدخل اجواف الاصنام وتتكلم -كما حكى- ان واجحد من الشياطين دخل جوف صنم الى جهل فاخذ يتحرك ويتكلم فى حق النبى عليه السلام كلمات قبيحة فامر الله واحدا من الجن فقتل ذلك الشيطان ثم لما كان الغد واجتمع الناس حول ذلك الصنم اخذ يتحرك ويقول لا اله الا الله محمد رسول الله وانا صنم لا ينفع ولا يضر ويل لمن عبدنى من دون الله فلما سمعوا ذلك قام ابو جهل وكسر صنمه وقال ان محمدا سحر الاصنام : قال الكمال الخجندى قدس سره
بشكن بت غرور كه دردين عاشقان ... يك بت كه بشكنند ازصد عبادتست
{ فمن } [ هركس كه ] { تبعنى } منهم فيما دعوا اليه من التوحيد وملة الاسلام { فانه منى } من تبعضية فالكلام على التشبيه اى كبعضى فى عدم الانفكاك عنى وكذلك قوله « من غشنا فليس منا » اى ليس بعض المؤمنين على ان الغش ليس من افعالهم واوصافهم { ومن عصانى } اى لم يتبعنى فانه فى مقابلة تبعنى كتفسير الكفر فى مقابلة الشكر بترك الشكر { فانك غفور رحيم } قادر على ان تغفر له وترحمه ابتداء وبعد توبته
وفيه دليل على ان كل ذنب فلله تعالى ان يغفره حتى الشرك الا ان الوعيد فرق بينه وبين غيره فالشرك لا يغفر بدليل السمع وهو قوله تعالى { ان الله لا يغفر ان يشرك به } ان جاز غفرانه عقلا فان العقاب حقه تعالى فيحسن اسقاطه مع ان فيه نفعا للعبد من غير ضرر لاحد هو مذهب الاشعري
وفى التاويلات النجمية قد حفظ الادب فيما قال ومن عصانى وما قال ومن عصاك لانه بعصيان الله لا يستحق المغفرة والرحمة والاشارة فيه ان من عصانى لعلى لا اغفر ولا ارحم عليه فان المكافأة فى الطبيعة واجبة ولكن من عذانى فتغفر له وترحم عليه فيكون من غاية كرمك وعواطف احسانك فانك غفور رحيم وفى الحديث « ينادى مناد من تحت العرش يوم القيامة يا امة محمد أمّا كان لى من قبلكم فقد وهبت لكم » [ يعنى كناهى كه درميان من وشماست بخشيدم ] « وبقيت التبعات فتواهبوها وادخلوا الجنة برحمتى » والتبعات جمع تبعة بكسر الباء ما اتبع به من الحق
وذكر ان يحيى بن معاذ الرازى رحمه الله قال الهى ان كان ثوابك للمطيعين فرحمتك للمذنبين انى وان كنت لست بمطيع فارجو ثوابك وانا من المذنبين فارجو رحمتك
نصيب ماست بهشت اى خداشناش برو ... كه مستحق كرامت كناهكارانند(6/345)
رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)
{ ربنا } [ اى بروردكارما ] والجمع لان الآية متعلقة بذريته فالتعرض لوصف ربوبيته تعالى لهم ادخل فى القبول { انى اسكنت من ذريتى } اى بعض ذريتى وهم اسماعيل ومن ولد منه فان اسكانه متضمن لاسكانهم { بواد غير ذى زرع } هو وادى مكة فانها حجرية لا تنبت اى لا يكون فيها شيء من زرع قط كقوله تعالى { قرآنا عربيا غير ذى عوج } بمعنى لا يوجد فيه اعوجاج وما فيه الا الاستقامة لا غير
وفى تفسير الشيخ لانهاواد بين جبلين لم يكن بها بها ماء ولا حرث
وفى بحر العلوم واما فى زماننا فقد رزق الله اهله ماء جاريا { عند بيتك المحرم } ظرف لاسكنت كقولك صليت بمكة عند الركن وهو الكعبة والاضافة للتشريف وسمى محرما لانه عظيم الحرمة حرم الله التعرض له بسوء يوم خلق السموات والارض وحرم فه القتال والاصطياد وان يدخل فيه احد بغير احرام ومنع عنه الطوفان فلم يستول عليه ولذلك سمى عتيقا لانه اعتق منه
وفى التأويلات النجمية عند بيتك المحرم وهو القلب المحرم ان يكونب يتا لغير الله كما قال « لا يسعنى ارضى ولا سمائى وانما يسعنى قلب عبدى المؤمن »
آنكه ترا كوهر كنجينه ساخت ... كعبه جان حرم سينه ساخت
{ ربنا } كرر النداء لاظهار كمال العناية بما بعده { ليقيموا الصلوة } اللام لام كى متعلقة باسكنت اى ما اسكنتكم بهذا الوادى البلقع الخالى من كل مرتفق ومرتزق الا لاقاكة الصلاة عند بيتك المحرم لدلالة قوله { بواد غير ذى زرع } على انه لا غرض له دنيوى فى اسكانهم عند البيت المحرم وتخصيص الصلاة بالذكر من بين سائر شعائر الدين لفضلها ولان بيت الله لا يسعه الا الصلاة وما فى معناها وهى الاصل فى اصلاح النفس وكان قريش يمتنعون عن ذلك لزيادة كبرهم { فاجعل افئدة من الناس } جمع فؤاد وهى القلوب ومن للتبعيض { تهوى اليهم } تسرع اليهم شوقا وتطير نحوهم محبة يقال هوى يهوى من باب ضرب هويا وهويا سقط من علو الى سفل سرعة . وايضا صعد وارتفع كما فى كتب اللغة واما ما يكون من باب علم فهو بمعنى احب يقال هويه فهو احبه وتعديته بالى لتضمنه معنى الشوق والنزوع . والمعنى بالفارسية [ بس نكردان دلهاى بعضى از مردان راكه بكشش محبت بشتابند بسوى ايشان ] اى اسماعيل وذريته وهم المؤمنون ولو قال افئدة الناس بدون من التبعضية لازدحمت عليهم فارس والروم والترك والهند
آنراكه جنان جمال باشد ... كردل ببرد حلال باشد
وآنكس كه برانجان جمالى ... عاشق نشود وبال باشد
قال المولى الجامى قدس سره
روبحرم نه كه بران خوش حريم ... هست سيه بوش نكارى مقيم
قبله خوبان عرب روى او ... سجدة شوخان عجم سوى او(6/346)
{ وارزقهم } اى ذريتى الذين اسكنتهم هناك او مع من ينحاز اليهم من الناس وانما لم يخص الدعاء بالمؤمنين كما فى قوله { وارزق اهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر } اكتفاء بذكر اقامة الصلاة { من الثمرات } من انواعها بان يجعل بقرب منه قرى يحصل فيها ذلك او يحبى اليه من الاقطار البعيدة وقد حصل كلاهما حتى انه يجتمع فيه الفواكه الربيعية والصيفية والخريفية فى يوم واحد -روى- عن ابن عباس ان الطائف وهى على ثلاث مراحل من مكة كانت من ارض فلسطين فلما دعا ابراهيم بهذه الدعوة رفعها الله ووضعها رزقا للحرم { لعلهم شكرون } تلك النعمة باقامة الصلاة واداء سائر مراسم العبودية
يقول الفقير اختلف العلماء فى ان هذا الدعاء بعد بناء البيت او قبله اول ما قدم مكة ويؤيد الاول قوله { رب اجعل هذا البلد } فان الظاهر ان الاشارة حسية وقوله { عند بيتك المحرم } وقوله { الحمد لله الذى وهب لى على الكبر اسماعيل واسحق } فان اسحاق لم يكن موجودا قبل البناء
وقال بعضهم الاشارة فى هذا البلد الى الموجود فى الذهن قبل تحقق البلدية فان الله لما ابان موضعه صحت اشارته اليه والمسئول توجه القلوب الى الذرية للمساكنة معهم لا توجيها الى البيت للحج فقط والا لقيل تهوى اليه وهو عين الدعاء بالبلدية
يقول الفقير فيه نظر لانه لم لا يجوز ان يكون المعنى على حذف المضاف اى تهوى الى موضعهم الشريف للحج وقد اشار اليه فى التيسير حيث قال عند قوله { تهوى اليهم } حبب هذا البيت لى عبادك ليأتوه فيحجوه
قال فى الارشاد تسميته اذ ذاك وذات الشمال باعتبار ما كان من قبل فان تعدد بناء الكعبة المعظمة مما لا ريب فيه وانما الاختلاف فى كمية عدده كما قال الكاشفى عند قوله { بيتك المحرم } [ مراد موضع خانه ضراح است كه درزمان آدم بوده واكر نه بوقت دعاء ابراهيم خانه نبوده ] والضراح كغراب البيت المعمور فى السماء الرابعة كما فى القاموس
ويؤيد هذا ما روى ان ابراهيم عليه السلام كان يسكن فى ارض الشام وكانت لزوجته سارة جارية اسمها هاجر فوهبتها من ابراهيم فلما ولدت له اسماعيل غارت سارة وحلفته ان يخرجهما من ارض الشام الى موضع ليس فيه ماء ولا عمارة فتأمل ابراهيم فى ذلك كما قال الكاشفى [ خليل متأمل شد وجبرائيل وحى آورده هرجه ساره ميكويد جنان كن بس ابراهيم ببراقى نشسته وهاجر واسماعيل را سوار كرده باندك زمانى ازشام حرم آمد ] فلما اخرجهما الى ارض مكة جاء بها وبابنها وهى ترضعه حتى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم فى اعلى المسجد ولم يكن بمكة يومئذ احد وليس فيها ماء ووضعه عندها جرابا فيه تم وسقاء فيه ماء ثم عاد متوجها الى الشام فتبعته ام اسماعيل وجعلت تقول له الى من تكلنا وهو لا يرد عليها جوابا حتى قالت آلله امرك بهذا بان تسكننى وولدى فى هذا البلقع فقال ابراهيم نعم قالت اذا لا يضيعنا فرضيت ورجعت الى ابنها ومضى ابراهيم حتى اذا استوى على ثنية كداء وهو كسماء جبل باعلى مكة اقبل على الوادى اى استقبل بوجهه نحو البيت ورفع يديه فقال { ربنا انى اسكنت } الآية وجعلت ام اسماعيل ترضعه وتأكل التمر وتشرب الماء فنفد التمر والماء فعطشت هى وابنها فجعل يتلبط فذهبت عنه لئلا تراه على تلك الحالة فصعدت الصفا تنظر لترى احدا فلم تر ثم نزلت اسفل الوادى ورفع طرف درعها ثم سعت سعى الانسان المجهود حتى اتت المروة وقامت عليها ونظرت لترى احد فلم تر فعلت ذلك شبع مرات فلذلك سعى الناس بينهما بعد الطواف سبع مرات فلما اشرفت على المروة سمعت صوتا فاذا هى بالملك عند موضع زمزم فبحث اى حفر بجناحه حتى ظهر الماء(6/347)
قال الكاشفى [ جشمه زمزم بركف جبريل يا باثر قدم اسماعيل بديد آمد ] فجعلت تحوضه بيدها وتغرف من الماء لسقائها وهو يفور بعد ما تغرف قال صلى الله عليه وسلم « رحم الله ام اسماعيل لو تركت زمزم » او قال « لو لم تغرف من الماء لكانت عينا معينا » اى جارية ظاهرة على وجه الارض فشربت وارضعت ولدها فقال الملك لا تخافوا الضيعة فان ههنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وابوه وان الله لا يضيع اهله كما فى تفسير الشيخ
قال فى الارشاد واول آثار هذه الدعوة ما روى انه مرت رفقة من جرهم تريد الشام وهم قبيلة من اليمن فرأوا الطير تحوم على الجبل فقالوا لا طير الا على الماء فقصدوا اسماعيل وهاجر فرأوهما وعندهما عين ماء فقالوا اشركينا فى مائك نشركك فى الباننا ففعلت وكانوا معها الى ان شب اسماعيل وماتت هاجر فتزوج اسماعيل منهم كما هو المشهور
قال الكاشفى [ قبيله جرهم آنجا داعيه اقامت نمودند وروز بروز شوق مردم بران جانب درتزايدست
وفى التأويلات النجمية قوله { انى اسكنت } الآية تسير الى محمد صلى الله عليه وسلم فانه كان من ذريته وكان فى صلب اسماعيل فتوسل بمحمد صلى الله عليه وسلم الى الله تعالى فى اعانة هاجر واسماعيل يعنى ان ضيعت اسماعيل ليهلك فقد ضيعت محمدا واهلكته(6/348)
رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38)
{ ربنا } [ اى بروردكارما ] { انك تعلم ما نخفى وما نعلن } من الحاجات وغيرها ومقصده ان اظهار هذه الحاجات ليس لكونها غير معلومة لك بل انما هو لاظهار العبودية والافتقار الى رحمتك والاستعجال لنيل اياديك
جز خضوع وبندكى واضطرار ... اندرين حضرت ندارد اعتبار
{ وما يخفى } دائما اذ ماضى ولا مستقبل ولا حال بالنسبة الى الله تعالى { على الله } علام الغيوب { من } للاستغراق { شيء } ما { فى الارض ولا فى السماء } لانه العالم بعلم ذاتى تستوى نسبته الى كل معلوم
آنجه بيدا وآنجه بنهانست ... همه بادانش تويكسانست
لا عارضى ولا كسبى ليختص بمعلوم دون معلوم كعلم البشر والملك تلخيصه لا يخفى عليك شيء ما فى مكان فافعل بنا ما هو مصلحتنا فالظرف متعلق يخفى او شيء ما كائن فيهما على انه صفة لشيء(6/349)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39)
{ الحمد لله الذى وهب لى على الكبر } على ههنا بمعنى مع وهو فى الحال اى وهب لى وانا كبير آيس من الولد قيد الهبة بحال الكبر استعظاما للنعمة واظهارا لشكرها لان زمان الكبر زمان العقم { اسمعيل } سمى اسماعيل لان ابراهيم كان يدعو الله ان يرزقه ولدا ويقول اسمع يا ايل وايل هو الله فلما رزق به سماه به كما فى معالم التنزيل
وقال فى انسان العيون معناه بالعبرانية مطيع الله روى انه ولد له اسماعيل وهو ابن تسع وتسعين سنة { واسحق } اسمه بالعبرانية الضحاك كما فى انسان العيون روى انه ولد له اسحاق وهو ابن مائة وثنتى عشرة سنة واسماعيل يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة { ان ربى } ومالك امرى { لسميع الدعاء } لى لمجيبه من قولهم سمع الملك كلامه اذا اعتد به وفيه اشعار بانه دعا ربه وسأل منه الولد كما قال { رب هب لى من الصالحين } فاجابه ووهب له سؤله حين ما وقع اليأس منه ليكون من اجل النعم واجلاها(6/350)
رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40)
{ رب اجعلنى مقيم الصلوة } معدّ لا لها من اقمت العود اذا قومته او مواظبا عليها من قامت السوق اذا نفقت اى راجت او مؤديا لها والاستمرار يستفاد من العدول من الفعل الى الاسم حيث لم يقل اجعلنى اقيم الصلاة { ومن ذريتى } اى وبعض ذريتى عطف على المنصوب فى اجعلنى وانما بعض لعلمه بعلام الله تعالى واستقرار عادته فى الامم الماضية ان يكون فى ذريته كفار وهو يخالف قوله { وجعلها كلمة باقية فى عقبه } والاشارة فى اقامة الصلاة الى ادامة العروج فان الصلاة معراج المؤمن به ويشير الى دوام السير فى الله بالله { ربنا وتقبل دعاء } واستجب دعائى هذا المتعلق باجعلنى وجعل بعض ذريتى مقيمى الصلاة ثابتين على ذلك مجتنبين عن عبادة الاصنام ولذلك جيئ بضمير الجماعة(6/351)
رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)
{ ربنا اغفر لى } اى ما فرط منى ترك الاولى فى باب الدين وغير ذلك مما لا يسلم منه البشر { ولوالدى } وهاذ الاستغفار منه انما كان قبل تبين الامر له عليه السلام . يعنى [ قبل ازنهى بوده وهنوز يأس ازايمان ايشان نداشت ]
قال فى الكواشى استغفر لابويه وهما حيان طمعا فى هدايتهما وان امه اسلمت فاراد اسلام ابيه وذلك انهم صرحوا بان امه كانت مؤمنة ولذا قرأ بعضهم { ولوالدتى } وقال الحافظ السيوطى يستنبط من قول ابراهيم { رب اغفر لى ولوالدى } وكان وكان ذلك بعد موت عمه بمدة طويلة ان المذكور فى القرآن بالكفر والتبرى من الاستغفار له اى فى قوله { وما كان استغفار ابراهيم لابيه الا عن موعدة وعدها اياه فلما تيبن له انه عدو لله تبرأ منه } هو عمه لا ابوه الحقيقى والعرب تسمى العم ابا كما تسمى الحالة اما
قال فى حياة الحيوان فى الحديث « يلقى ابراهيم اباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر فترة وغبرة فيقول له ابراهيم الم اقل لك لا تعص فيقول ابوه فاليوم لا اعصيك فيقول ابراهيم يا رب انك وعدتنى ان لا تخزينى يوم يبعثون فأى خزى اخزى من ابى ان يكون فى النار فيقول الله تعالى انى حرمت الجنة على الكافرين ثم يقال يا ابراهيم ما تحت رجليك فينظر فاذا هو بذيخ متلطخ واليح بكسر الذال ذكر الضباع الكثيرة الشعر فيؤخذ بقوائمه ويلقى فى النار والحكمة فى كونه مسخ ضبعا دون غيره من الحيوان ان الضبع لما كان يفعل عما يجب التيقظ له وصف بالحمق لان الصياد اذا اراد ان يصيدها رمى فى حجرها بحجر فتحسبه شيأ تصيده فتخرج لتاخذه فتصاد عند ذلك ولان أزر لو مسخ كلبا او خنزيرا كان فيه تشويه لخلقه فاراد الله اكرام ابراهيم بجعل ابيه على هيئة متوسطة
قال فى المحكم يقال ذيخته اى ذللته فلما خفض ابراهيم له جناح الذل من الرحمة لم يحشر بصفة الذل يوم القيامة
انتهى كلام الامام الدميرى فى حياة الحيوان { وللمؤمنين } كافة من ذريته وغيرهم واكتفى بذكر مغفرة المؤمنين دون مغفرة المؤمنات لآنهن تبع لهم فى الاحكام وللايذان باشتراك الكل فى الدعاء بالمغفرة جيئ بضمير الجماعة وفى الحديث » من عمم بدعائه المؤمنين والمؤمنات استجيب له « فمن السنة ان لا يختص نفسه بالدعاء
قال فى الاسرار المحمدية اعلم انه يكرم للامام تخصيص نفسه بالدعاء بان يذكر ما يذكر على صيغة الافراد لا على صيغة الجمع
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » لا يؤم عبد قوما فيخص نفسه بالدعاء دونهم فان فعل فقد خانهم « رواه ثوبان بل الاولى ايضا ان كان منفردا ان يأتى بصيغة الجمع فينوى نفسه وآباءه وامهاته واولاده واخوانه واصدقاء المؤمنين الصالحين فيعممهم بالدعاء وينالهم بركة دعائه وينال الداعى بركات هممهم وتوجيههم بارواحهم اليه -روى- عن السلف بل عن النبى صلى الله عليه وسلم ان يصيبه بعدد كل مؤمن ومؤمنة ذكره حسنة يعنى ان نواه بقلبه حين دعائه فهكذا افهم واعمل فى جميع دعواتك انتهى كلام الاسرار { يوم يقوم الحساب } اى يثبت ويتحقق محاسبة اعمال المكلفين على وجه العدل استعير له من ثبوت القائم على الرجل بالاستقامة ومنه قامت الحرب على ساق
وفى التأويلات { ربنا اغفر لى } اى استرنى وامحنى بصفة مغفرتك لئلا ارى وجودى فانه حجاب بينى وبينك
خمير مايه هر نيك وبد تويى جامىخلاص از همه مى بايدت زخودبكريز
{ ولوالدى } اى لومن كان سبب وجودى من آبائى العلوى وامهاتى اسفلى لكلا يحجبونى وعن رؤيتك { للمؤمنين يوم يقوم الحساب } وهو يوم كان فى حساب الله فى الازل يقوم لكمالية كل نفس او نقصانيته انتهى
يقول الفقير دعا ابراهيم عليه السلام بالمغفرة وقيدها بيوم القيامة لان يوم القيامة آخر الايام والخلاص فيه من المحاسبة والمناقشة يؤدّى الى نجاة الابد والفوز بالدرجات لانه ليس بعد النخلية بالمعجمة الا التحلية بالمهملة فقدّم الاهم والاصل ولشدة هذا اليوم
قال الفضيل بن عياض رحمه الله انى لا اغبط ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ولا عبدا صالحا أليس هؤلاء يعاينون القيامة واهوالها وانما اغبط من لم يخلق لانه لا يرى اهوال القيامة وشدائدها
قال ابو بكر الواسطى رمه الله الدول ثلاث دول فى الحياة ودولة عند الموت ودولة يوم القيامة .(6/352)
فاما دولة الحياة فبان يعيش فى طاعة الله . ودولة الموت بان تخرج روحه مع شهادة ان لا اله الا الله . واما دولة النشر فحين يخرج من قبره فيأتيه البشير بالجنة جعلنا الله واياكم من اهل هذه الدول الثلاث التى لا دولة فوقها فى نظر اهل السعادة والعناية(6/353)
وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)
{ ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل به الظالمون } الحسبان بالكسر بمعنى الظن والغفلة معنى يمنع الانسان من الوقوف على حقيقة الامور والظالمون اهل مكة وغيرهم من كل اهل شرك وظلم وهو خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم المراد تثبيته على ما كان عليه من عدم حسبانه تعالى كذلك نحو قوله تعالى { ولا تكونن من المشركين } مع ما فيه من الايذان لكونه واجب الاحتراز عنه فى الغاية حتى نهى من لا يمكن تعاطيه . والمعنى دم على ما كنت عليه من عدم حسبانه تعالى غافلا عن اعمالهم ولا تخزن بتأخير ما يستوجبونه من العذاب الاليم { انما يؤخرهم ليوم } تعليل للنهى اى لا يؤخر عذابهم الا لاجل يوم هائل { تشخيص فيه الابصار } ترتفع فيه ابصار اهل الموقف اى تبقى اعينهم مفتوحة لا تتحرك اجفانهم من هول ما يرونه يعنى ان تأخيره للتشديد والتغليظ لا للغفلة عن اعمالهم ولا لاهمالهم يقال شخص بصر فلان كمنع واشخصه صاحبه اذا فتح عينيه ولم يطرف بجفنيه(6/354)
مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)
{ مهطعين } حال مقدرة من مفعول يؤخرهم اى مسرعين الى الداعى مقبلين عليه بالخوف والذل والخشوع كاسراع الاسير والخائف . وبالفارسية [ بشتابند بسوى اسرافيل كه ايشانرا بعرصه محشر خواند ] يقال اهطع البعير فى السير اذا اسرع { مقنعى رؤوسهم } اى رافعيها مع ادامة النظر من غير التفات الى شيء
قال فى تهذيب المصادر الاقناع ان يرفع رأسه ويقبل بطرفه الى ما بين يديه
وعن الحسن وجوه الناس يوم القيامة الى السماء لا ينظر الى احد { لا يرتد اليهم طرفهم } لا يرجع اليهم تحريك اجفانهم حسب ما يرجع اليهم كل لحظة بل تبقى اعينهم مفتوحة لا تطرف اى لا تضم
وفى الكواشى اصل الطرف تحريك الجفون فى النظر ثم سميت العين طرفا مجازا والمعنى انهم لا يلتفتون ولا ينظرون مواقع اقدامهم لما بهم انتهى { وافئدتهم } قلوبهم { هواء } خالية من العقل والفهم لفرط الحيرة والدهش كأنها نفس الهواء الخالى عن كل شاغل
وفى الكواشى لخيصه الابصار شاخصة والرؤوس مقنعة والقلوب فارغة زائلة لهول ذلك اليوم ثبتك الله وايانا فيه
وفىلآية تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعزية للمظلوم وتهديد للظالم
قال احمد بن حضرويه لو اذن لى فى الشفاعة ما بدأت بظالمى قيل له وكيف قال لانى نلت به ما لم انله بوالدى قيل وما ذاك قال تعزية الله فى قوله { ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون } وفى المثنوى
آن يكى واعظ جوبر تخت آمدى ... قاطعان راه را داعى شدى
دست برمى داشت يا رب رحم ران ... بربدان ومفسدان وطاغيان
برهمه تسخر كنان اهل خير ... برهمه كافر دلان واهل دير
او نكردى ىن دعا براصفيا ... مى نكردى جز خبيثانرا دعا
مرورا كفتند كين معهود نيست ... دعوت اهل ضلالت جود نيست
كفت نيكويى ازينها ديده ... ام من دعاشان زين سبب بكزيده ام
خبث وظلم وجور جندان ساختند ... كه مرا ازشر بخير انداختند
هركهى كه رو بدنيا كرد مى ... من ازيشان زخم وضربت خودرمى
كردمى از زخم آن جانب بناه ... باز آوردندمى كركان براه
جون سبب ساز صلاح من شدند ... بس دعاشان برمنست اى هوشمند
وفى الكواشى واستدل بعضهم على قيام الساعة بموت المظلوم مظلوما قالوا وجد على جدار الصخرة
نامت عيونك والمظلوم منتبه ... يدعو عليك وعين الله لم تنم
قال السعدى فى سره
نخفتست مظلوم ازآهش بترس ... زدود دل صبحكاهش بترس
نترسى كه باك اندرونى شبى ... برآرد سوز جكر يا ربى
نمى ترسى از كرك ناقص خرد ... كه روزى بلنكيت برهم درد
والاشارة { ولا تحسبن الله غافلا } اى فى الازل { عما يعمل الظالمون } اليوم يعنى كل عمل يعمله الظالمون لم يكن الله غافلا عنه فى الازل بل كان ذلك بقضائه وقدره وارادته مبنيا على حكمته البالغة جعل سعادة اهل السعادة وشقاوة اهل الشقاوة مودعة فى اعمالهم والاعمال مودعة فى اعمارهم ليبلغ كل واحد من الفرقتين على قدمى اعمالهم الشرعية والطبيعية الى منزل من منازل السعداء ومنزل الاشقياء يوم القيامة فلذا آخر الظالمين ليزدادوا اثما يبلغهم منازل الاشقياء(6/355)
وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44)
{ وانذر الناس } اى خوفهم جميعا يا محمد { يوم يأتيهم العذاب } اى من يوم القيامة او من يوم موتهم فانه اول ايام عذابهم حيث يعذبون بالسكرات وهذا الانذار للكفرة اصالة وللمؤمنين تبعية وان لم يكونوا معذبين { فيقول الذين ظلموا } منهم بالشرك والتكذيب { ربنا اخرنا } ردنا الى الدنيا وامهلنا { الى اجل قريب } الى امد وحدّ من الزمان قريب قال سعدى المفتى لعل فى النظم تضمينا والتقدير درنا الى ذى اجل قريب اى قليل وهو الدنيا مؤخرا عذابنا
وقال الكاشفى [ عذاب مارا تاخير كن ومارا بدنيا فرست ومهلت ده تامدتى نزديك او ] اخر آجالنا وابقنا مقدار ما نؤمن بك ونجيب دعوتك { نجب دعوتك } جواب للامر اى الدعوة اليك والى توحيدك { ونتبع الرسل } فيبما جاؤنا به اى نتدارك ما فرطنا فيه من اجابة الدعوة واتباع اغلرسل { أولم تكونوا اقسمتم من قبل } على اضمار القول عطفا اى فيقال لهم توبيخا وتبكيتا ألم تؤخروا فى الدنيا ولم تكونوا اقسمتم اى حلفتم بألسنتكم تكبرا وغرورا { ما لكم من زوال } ما انتم عليه من التمتع جواب للقسم او بألسنة الحال حيث بنيتم شديدا واملتم بعيدا ولم تحدثوا انفسكم بالانتقال عن هذه الحال
وفيه اشعار بامتداد زمان التأخير وما لكم من زوال من هذه الدار الى دار اخرى للجزاء فالاول مبنى على انكار الموت والثانى على انكار البعث
وفى التأويلات النجمية يشير به الى التناسخية فانهم يزعمون ان لا زوال لهم ولا للدنيا بان واحدا منهم اذا مات انتقل روحه الى قالب آخر فاراد بهذا الجواب ان لو رجعناكم الى الدنيا لتحقق عندكم مذهب التناسخ وما اقسمتم من قبل على انه مالكم من زوال
قال فى التعريفات التناسخ عبارة عن تعلق الروح بالبدن بعد المفارقة من بدن آخر من غير تخلل زمان بين التعلقين للتعشق الذاتى بين الروح والجسد(6/356)
وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45)
فينبغى للمؤمن ان يكثر ذلك الموت فانه لا غنية للمؤمن عن ست خصال . اولاها علم يدله على الآخرة . والثانية رفيق يعينه على طاعة الله ويمنعه عن معصية الله . والثالثة معرفة عدوه والحذر منه . والرابعة عبرة يعتبر بها . والخامسة انصاف الخق لكيلا تكون له يوم القيامة خصماء . والسادسة الاستعداد للموت قبل نزوله لكيلا تكون مفتضحا يوم القيامة(6/357)
وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)
{ وقد مكروا مكرهم } اى فعلنا بالذين ظلموا ما فعلنا والحال انهم قد مكروا فى ابطال الحق وتقرير الباطل مكرهم العظيم الذى استفرغوا فى عمله المجهود وجاوزنا فى كل حد معهود بحيث لا يقدر عليه غيرهم والمكر خديعة { وعند الله مكرهم } اى جزاء مكرهم الذى فعلوه { وان } وصلية { كان مكرهم } فى العظم والشدة { لنزول منه الجبال } مسوى لازالة الجبال عن مقارّها معدا لذلك
قال فى الارشاد اى وان كان فى غاية المتانة والشدة وعبر عن ذلك بكونه مسوى ومعدا لذلك مثلا فى ذلك(6/358)
فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47)
{ فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله } بتعذيب الظالمين ونصر الظالمين ونصر المؤمنين واصله مخلف رسله وعده وقدم المفعول الثانى لعلاما بان لا يخلف وعده احدا فكيف يخلف رسله الذين هم خيرته وصفوته والوعد عبارة عن الاخبار بايصال المنفعة قبل وقوعها . والمعنى دم على ما كنت عليه من اليقين بعد اخلافنا رسلنا وعدنا { ان الله عزيز } غالب لا يماكر قادر لا يدافع { ذو انتقام } لاوليائه من اعدائه
قال فى القاموس انتقم منه عاقبة
[ ودر معالم از مرتضى على رضى الله عنه نقل ميكند كه اين آيت درقصه نمرود جباراست كه جون سلامت ابراهيم از آتش مشاهده كرد كفت بزرك خدايى دارد ابراهيم كه اورا از آتش رهانيد من خواهم كه برآسمان روم واورا به بينم اشراف مملكت كفتند كه آسمان بغايت مرتفع است وبدو رفتن با آسانى ميسر نشود نمرود نشنيد وفرمود تاصرحى شازند درسه سال بغايت بلندكه ارتفاع آن بنجهزار كزبود ودو فرسخ عرض آن بود وجون برانجا رفت آسمانرا همجنان ديدكه در زمين ميديد روز ديكر آن بنا بنهاد وبادى مهيب بوزيد وآن بنارا از بيخ وبنياد بكند وجون آن صرح از باى در آمد وخلق بسيار هلاك شد نمرود خشم كرفت وكفت برآسمان روم وباخداى ابراهيم كه مناره مرا بيفكند جنك كنم بس جهار كركس برورش داد تاقوت تمام كرفتند وصندوقى جهار كوشة ساخت ودو دريكى فوقانى وديكرى تحتانى در راست كرد برجهار طرف او جها نيزه كه زير وبالا توانستى شد تعبيه نمود بس كركسانرا كرسنه داشتند وجهار مردار برسر نيزها كرده اطراف صندوق را برتن كركسان بستند ايشان ازغايت جوع ميل ببالا كرده جانب مردار برواز نمودند وصندوق راكه نمرود بايك تن در آنجا بود بهوا بعد ازشبانروزى نمرود در فوقانى كشاده آسمانرا برهمان حال ديد كه برزمين ميديد رفيق را كفت تادر تحتانى بكشاد كفت بنكر تاجه مى بينى آنكس نكاه كرد وجواب دادكه روز ستبق مشاهده نمود ورفيق كه باب تحتانى بكشود بجزدود وتاريكى جيزى مشهود نبود نمرود بترسيدى ] فنودى ايها الطاغى اين تريد
قال عكرمة كان معه فى التابوت غلام قد حمل القوس والنشاب فرمى بسهم فعاد اليه السهم متلطخا بدم سمكة قذفت نفسها من بحر فىلهواء وقيل طائر اصابه السهم فقال كفيت شغل اله السماء ثم امر نمرود صاحبه ان يصوب الخشبات وينكس اللحم ففعل فهبطت النسور بالتابوت فسمعت الجبال هفيف التابوت والنسور ففزعت فظنت انه قد حدث حادث فى السماء وان الساعة قد قامت فكادت تزول عن اماكنها وهو المراد من مكرهم
يقال ان نمرود اول من تجبر وقهر وسن سنن السوء واول من لبس التاج فاهلكه الله ببعوضة دخلت فى خياشيمه فعذب بها اربعين يوما ثم مات سوى اوخصمى كه تير انداخته بشه كارش كفايت ساخته
وفى المثنوى(6/359)
اى خنك انراكه ذلت نفسه ... واى آن كزسركشى شد جون كه او
بندكى اوبه از سلطانى است ... كه انا خيردم شيطانى است
فرق بين وبركزين تواى جليس ... بندكى آدم از كبر بليس
ايها المؤمنون اين الانبياء والمرسلون واين الاولياء المقربون واين الملوك الماضية والجبارون المتكبرون ما لكم لا تنظرون اليهم ولا تعتبرون فاجتهدوا فى الطاعات وان كنتم تعقلون واتقوا يوم ترجعون فيه الى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون(6/360)
يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)
{ يوم تبدل الارض غير الارض والسموات } اى اذكر يوم تبدل هذه الارض المعروفة ارضا اخرى غير معرفة وتبدل السموات غير السموات ويكون الحشر وقت التبديل عند الظلمة دون الجسر او يكون الناس على صراط كما روى عن عائشة رضى الله عنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله هل تذكرون اهاليكم يوم القيامة قال « اما عند مواطن ثلاثة فلا عند الصراط والكتاب والميزان » قالت قلت يا رسول الله يوم تبدل الارض غير الارض اين الناس يومئذ قال « سألتنى عن شيء ما سألنى احد قبلك الناس يومئذ على الصراط » والتبديل قد يكون فى الذات كما بدلت الدراهم دنانير وقد يكون فى الصفات كما فى قولك بدلت الحلقة خاتما اذا اذبتها وغيرت شكلها والاية تحتملهما
نقل القرطبى عن صاحب الافصاح ان الارض والسماء لا تبدلان مرتين المرة الاولى تبدل صفتهما فقط وذلك قبل نفخة الصعق فتتناثر كواكبها وتخسف الشمس والقمر اى يذهب نورهما ويكون مرى كالدهان ومة كالمهل وتكشف الارض وتسير جبالها فى الجو كالسحاب وتسوى اوديتها وتقطع اشجارها وتجعل قاعا صفصفا اى بقعة مستوية والمرة الثانية تبدل ذاتهما وذلك ان وقفوا فى المحشر فتبدل الارض بارض من فضة لم يقع عليها معصية وهى الساهرة والسماء تكون من ذهب كما جاء عن على رضى الله عنه
والاشارة تبدل ارض البشرية بارض القلوب فتضمحل ظلماتها بانوار القلوب وتبدل سموات الاسرار بسموات الارواح فان شموسها بل تبدل ارض الوجود المجازى عن اشراق تجلى انوار الربوبية بحقائق انوار الوجود الحقيقى كما قال { واشرقت الارض بنور ربها } { وبرزوا } اى خرج الخلائق من قبورهم { لله الواحد القهار } اى لمحاسبته ومجازاته وتوصيفه بالوصفين للدلالة على ان الامر فى غاية الصعوبة كقوله { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار } فان الامر اذا كان لواحد غلاب لا يغالب فلا مستغاث لاحد الى غيره ولا مستجار
يقول الفقير سمعت شيخى وسندى قدس سره وهو يقول فى هذه الآية هذا ترتيب انيق فان الذات الاحدية تدفع بوحدتها الكثرة وبقهرها الآثار فيضمحل الكل فلا يبقى سواه تعالى
وقال فى المفاتيح القهار هو الذى اذل الجبابرة وقصم ظهورهم بالاهلاك(6/361)
وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49)
{ وترى المجرمين يومئذ } اى يوم هم بارزون { مقرنين } حال من المجرمين قرن بعضهم مع بعض بحسب مشاركتهم فى العقائد الفاسدة او قرنوا مع الشياطين الذين اغووهم او قرنت ايديهم وارجلهم الى رقابهم بالاغلال { فى الاصفاد } متعلق بمقرنين اى يقرنون فى الاصفاد وهى القيود كما فى القاموس جمع صفد محركة واصله الشد صفدته اذا شددنه شاد وثيقا(6/362)
سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50)
{ سرابيلهم } اى قمصانهم جمع سربال { من قطران } وهو عصارة الابهل والارز ونحوهما
قال فى التفاسير هو ما يتحلب من الابهل فيطبخ فتهنأ به الابل الجربى فيرحق الجرب بحدته وقد تصل حرارته الى الجوف وهو اسود منتن يسرع عليهم الالوان الاربعة من العذاب لذع القطران وحرقته واسراع النار فى جلودهم واللون الموحش ونتن الري على ان التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين فانه ورد « وان ناركم هذه جزء من سبعين جزأ من نار جهنم » وقس عليها القطران ونعوذ بالله من عذابه كله فى الدنيا والآخرة وما بينهما
وقال فى التبيان القطران فى الآخرة ما يسيل من ابدان اهل النار
وعن يعقوب { من قطران } والقطر النحاس او الصفر المذاب التى تمس جلدهم المسربل بالقطران لانهم لم يتوجهوا بها الى الحق ولم يستعملوا فى تدبره مشاعرهم وحواسهم التى خلقت فيها لاجله كما تطلع على افئدتهم لانها فارغة عن المعرفة مملوءة بالجهالات
وفى بحر العلوم الوجه يعبر به عن الجملة والذات مجازا وهو ابلغ من الحقيقة اى وتشملهم النار وتلبسهم لان خطاياهم شملتهم من كل جانب فجوزوا على قدرها حتى الاصرار والاستمرار(6/363)
لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51)
{ ليجزى الله } متعلق بمضمر اى يفعل بهم وذلك ليجزى { كل نفس } مجرمة { ما كسبت } من انواع الكفر والمعاصى جزاء موافقا لعملعا { ان الله سريع الحساب } اذ لا يشغله حساب عن حساب فيتمه فى اعجل ما يكون من الزمان فيوفى الجزاء بحسبه او سريع المجيئ يأتى عن قريب
وفى التأويلات وترى المجرمين وهم اوراح اجرموا اذا تبعوا النفوس ووافقوها فى طلب الشهوات والاعراض عن الحق يومئذ اى يوم التجلى مقيدين فى النفوس بقيود صفاتها الذميمة الحيوانية ولا يستطيعون للبروز والخروج لله سرابيلهم من قطران المعاصى وظلمات النفوس وهم محجوبون بها عن الله وتغشى وجوههم نار الحسرة والقطيعة والحرمان ليجزى الله كل نفس اى كل روح بما كسبت من صحبة النفس وموافقتها ان الله سريع الحساب اى يحاسبب الارواح بالسرعة فى الدنيا ويجزيهم بما كسبوا فى متابعة النفوس من العمى والصمم والجهل والغفلة والبعد وغير ذلك من الآفات قبل يوم القيامة(6/364)
هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)
{ هذا } القرآن بما فيه من فنون العظات والقوارع { بلاغ للناس } كفاية لهم فى الموعظة والتذكير
قال فى القاموس البلاغ كسحاب الكفاية { ولينذورا به } عطف على مقدر واللام متعلقة بالبلاغ اى كفاية لهم فى ان ينصحوا وينذروا به
وفى التأويلات اى لينتبهوا بهذا البلاغ اى كفاية لهم فى ان ينصحوا وينذروا به
وفى التأويلات اى لينتبهوا بهذا البلاغ قبل المفارقة عن الابدان فينتفعوا به فان الانتباه بالموت لا ينفع { وليعلموا } بالتأمل فيما فيه من الآيات { انما هو اله واحد } [ آنكه اوست خداى يكتا } اى لا شريك له فيعبدوه ولا يعبدوا الها غيره من الدنيا والهوى والشيطان وما يعبدون من دون الله { وليذكر اولوا الالباب } اى لتذكروا ما كانوا يعملون من قبل من التوحيد وغيره من شؤون الله ومعاملته مع عباده فيرتدعوا عما يرديهم من الصفات التى يتصف بها الكفار ويتدرعوا بما يحصنهم من العقائد الحقة والاعمال الصالحة
قال البيضاوى اعلم انه سبحانه ذكر لهذا البلاغ ثلاث فوائد هى الغاية والحكمة فى انزال الكتب تكميل الرسل للناس واستكمال القوة النظرية التى منتعهى كمالها التوحيد واستصلاح القوة العملية التى هو التدرع بلباس التقوى
قال فى بحر العلوم وليذكروا اولوا الالباب اى وليتعظ ذووا الالباب من الاولين والآخرين قال الله تعالى { ولقد وصينا الذين اوتوا الكتاب من قبلكم واياكم ان اتقوا الله } ويكفيهم ذلك عظة ان اتعظوا والعقول فى ذلك متفاوتة فيجزى كل احد منهم على قدر عقله قال النبى صلى الله عليه وسلم « ان الجنة مدينة من نور لم ينظر اليها ملك مقرب ولا نبى مرسل جميع ما فيها من القصور والغرف والازواج والخدام من النور اعدها الله للعاقلين فاذا ميز الله اهل الجنة من اهل النار ميز اهل العقل فجعلهم فى تلك المدينة فيجزى كل قوم على قدر عقولهم فيتفلوتون فى الدرجات كما بين مشارق الارض ومغاربها بالف ضعف » يقول الفقير اشير بالعقلاء ههنا من اختاروا الله على غيره وان كانا متفاوتين فى مراتبهم بحسب تفاوت عقولهم وعلومهم بالله وهم المرادون فيما ورد « اكثر اهل الجنة البله » والعقلاء فى عليين فالابله وهو من اختار الجنة ونعيمها دون من اختار الله وقربه فى المرتبة فانه العابد بالمعاملات الشرعية وهذا العارف بالاسرار الالهية والعارف فوق العابد ألا ترى ان مقامه من نور ومقام العابد من الجوهر والنور فوق الجوهر فى اللطافة : قال الكمال الخجندى
نيست مارا غم طوبى وتمناى بهشت ... شيوه مردم ن اهل بود همست بست
وقال الملوى الجامى
يا من ملكوت كل شيء بيده ... طوبى لمن ارتضاك ذخره الغده
اين بس كه دلم جز توندارد كامى ... توخواه بده كام دلم خواه مده(6/365)
الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1)
{ الر } اسم للسورة وعليه الجمهور اى هذه السورة مسماة بالر
وقال الكاشفى ( علما را در حروف مقطعه اقاويل بسيارست جمعة بر آنندكه مطلقا درباب آن سخن كفتن سلوك سبيل جرأتست . ودرينابيع آودكه كه فاروق را از معنى اين حروف برسيدند فرمودند اكردروى سخن كويم متكلف باشم وحق تعالى بيغمبر خودرا فرمودكه كه بكو وما ابا من المتكلفين ] يقول الفقير انما عد حضرة الفاروق رضى الله عنه المقال فيه من باب التكلف لا من قبيل ما يعرف بالذوق الصحيح والمشرب الشافى واللسان قاصر عن افادة ما هو كذلك على حقيقته لانه ظرف الحروف والالفاظ لا ظرف المعانى والحقائق ولا مجال له لكونه منتهيا مقيدا ان يسع فيه ما لا نهاية له
وفيه اسعار بان الكلام فيه ممكن فى الجملة . واما قول من قال ان هذه الحروف من اسرار استأثر الله بعلمها فى حق القاصرين عن فهم حقائق القرآن والخالين عن ذوق هذا الشأن وعلم عالم المشاهدة والعيان والا فالذى استأثر بعلمه انما هى الممتنعات وهى ما لم يشم رائحة الوجود بل بقى فى غيب العلم المكنون بخلاف هذه الحروف فانها ظهرت فى عالم العين وما هو كذلك لا بد وان يتعلق به علم الاكملين لكونه من مقدوراتهم فالفرق بين عالم الخالق والمخلوق ان علم الخالق عام شامل بخلاف علم المخلوق فافهم هداك الله [ وبعضى كويند هرحرفى اشارت باسميت جنانجه در الر الف اشارت باسم الله است ولام باسم جبريل ورا باسم حضرت رسول صلى الله عليه وسلم اين كلام ازخداى تعالى بواسطة جبريل برسول رسيده ] { تلك } السورة العظيمة الشأن { آيات الكتاب } الكامل الحقيق باختصاص اسم الكتاب على الاطلاق على ما يدل عليه اللام اى بعض من جميع القرآن او من جميع المنزل او من جميع المنزل اذ ذاك او آيات اللوح المحفوظ { وقرآن } عظيمى الشأن { مبين } مظهر لما فى تضاعيفه من الحكم والمصالح او لسبيل الرشد والغى او فارق بين الحق والباطل والحلال والحرام فهو من ابان المتعدى ويمكن ان يجعل من اللازم الظاهر امره فى الاعجاز او الواضحة معلنيه للمتدبرين او البين للذين انزل عليهم لانه بلغتهم واساليبهم وعطف القرآن على الكتاب من عطف احدى الصفتين على الاخرى اى الكلام الجامع بين الكتابية والقرآنية
وفى التأويلات النجمية يشير بكلمة { تلك } الى قوله { الر } اى كل حرف من هذه الحروف حرف من آية من { آيات الكتاب و } هى { قرآن مبين }
فالالف اشارة الى آية { الله لا اله الا هو الحى القيوم } واللام اشارة الى آية { ولله ملك السموات والارض يغفر لمن يشاء } والراء اشارة الى آية { ربنا ظلمنا } فالله تعالى اقسم بهذه الآيات الثلاث باشارة هذه الحروف الثلاثة ثم اقسم بجميع القرآن بقوله { وقرآن مبين }(6/366)
رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2)
{ ربما } رب ههنا للتكثير كما فى مغنى اللبيب . والمعنى بالفارسية ( اى بساوقت كه } { يود } يتمنى في الآخرة { الذين كفروا } بالقرآن وبكونه من عند الله { لو كانوا مسلمين } يعنى فى الدنيا مستسلمين لاحكام الله تعالى واوامره ونواهيه ومفعول يود محذوف لدلالة لو كانوا مسلمين عليه أى يودون الاسلام على أن لو للتمنى حكاية لوداداتهم فر تقتضى جوابا وانما جيء بها على لفظ الغيبة نظرا الى انهم مخبر عنهم واو نظر الى الحكاية لقيل لو كنا مسلمين واما من جعل لو الواقعة بعد فعل يفهم منه معنى التمنى حرفا مصدرية فمفعول يود عنده لو كانوا مسلمين على ان يكون الجملة فى تأويل المفرد وفى الحديث « اذا كان يوم القيامة واجتمع اهل النار ومعهم من شاء الله من اهل القبلة قال الكفار لمن فى النار من اهل القبلة ألستم مسلمين فقالوا بلى قالوا ففما اغنى عنكم اسلامكم وانتم معنا فى النار من اهل القبلة ألستم مسلمين فقالوا بلى قالوا فما اغنى عنكم اسلامكم وانتم معنا فى النار قالوا كانت لنا ذنوب فاخذنا بها فيغضب الله لهم بفضل رحمته فيأمر بكل من كان من اهل القبلة فى النار فيخرجون منها فحينئذ يود الذين كفروا لو كطانوا مسلمين » وفى الحديث « لا يزال الرب يرحم ويشفع اليه حتى يقول من كان من المسلمين فليدخل الجنة فعند ذلك يتمنون الاسلام » اى يتمنونه اشد التمنى ويودونه اشد الودادة والا فنفس الودادة ليست بمختصة بوقت دون وقت بل هى مستمرة فى كل آن يمر عليهم قبل دخول النار وبعده كما يدل عليه رب التكثيرية
وقال بعضهم ربما يود الذين فسقوا لو كانوا مطيعين وربما يود الذين كسلوا لو كانوا مجتهدين وربما يود الذين غفلوا لو كانوا ذاكرين
اكر مرده مسكين زبان داشتى ... بفرياد وزارى فغان داشتى
كه اى زنده جون هست امكان كفت ... لب ازذكر جون مرده برهم مخفت
جومارا بغفلت بشد روزكار ... توبارى دمى جند فرصت شمار
وقال عبد الله بن المبارك ما خرج من الدنيا من مرمن وكافر الا على ندامة وملامة لنفسه فالكافر لما يرى من سوء ما يجازى به والمؤمن لرؤية تقصيره فى القيام بموجب الخدمة وترك الحرمة وشكر النعمة
وقال ابن العرجى الكفران هنا كفران النعمة ومعناه ربما يود الذين جهلوا نعم الله عندهم وعليهم ان لو كانوا شاكرين عارفين برؤية الفضل والمنة
يقول الفقير عبادة الكفر وان كانت شاملة لكفر الوحدة وكفر النعمة لكن الآية نص فى الاول ولا مزاحمة فى باب المعانى الثوانى التى هى من قبيل الاشارات القرآنية والمدلولات المحتملة فعليك العمل بالكل فانه سلوك لخير السبل(6/367)
ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3)
{ ذرهم } اى دع الكفار يا محمد عن النهى عماهم عليه بالتذكرة والنصيحة لا سبيل الى ارعوائهم عن ذلك
والآية منسوخة بآية القتال كما فى بحر العلوم
قال الكاشفى [ امر تهوين وتحقير است يعنى كافران درجه حسابند دست ازيشان بدار تا در دنيا ] { يأكلوا } كالانعام { ويتمتعوا } بدنياهم وشهواتها والمراد دوامهم على ذلك لاحداثهم كانوا كذلك وهما امران بتقدير اللام لدلالة ذرهم عليه او جواب امر على التجوز لان الامر بالترك يتضمن الامر بهما اى دعهم وبالغ فى تخليتهم وشانهم بل مردهم بتعاطى ما يتعاطون { ويلههم } اى يشغلهم عن اتباعك او عن الاستعداد للمعاد { الامل } التوقع لطول الاعمار وبلوغ الاوطار واستقامة الاحوال وان لا يلقوا فى العاقبة والمآل الاخيرا : قال الصائب
درسر اين غافلان طول امل دانى كه جيست ... اشيان كردست مارى دركبوتر خانه
قال فى بحر العلوم ان الامل رحمة لههذ الامة لولاه لتعطل كثير من الامور وانقطع اغلب اسباب العيش والحياة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « انما الامل رحمة الله لامتى لولا الامل ما ارضعت ام ولدا ولا غرس غارس شجرا » رواه انس والحكمة لا تتضى اتفاق الكل على الاخلاص والاقبال الكلى على الله فان ذلك مما يخل بامر المعاش وولذلك قيل لولا الحمقى لخربت الدنيا
قال بعضهم لو كان الناس كلهم عقلاء لما اكلنا رطبا ولا شربنا ماء باردا يعنى ان العقلاء لا يقدمون على صعود النخيل لاجتناء الرطب ولا على حفر الآبار لاستنباط الماء البارد كما فى اليواقيت
قال فى شرح الطريقة الامل ارادة الحياة للوقت للتراخى بالحكم والجزم اعنى بلا استثناء ولا شرط صلاح وهو مذموم فى الشرع جدا وغوائله اربع الكسل فى الطاعة وتأخيرها وتسويف التوبة وتركها قسوة القلب بعد ذكر الموت والحرص على جميع الدنيا والاشتغال بها عن الآخرة { فسوف يعلمون } سوء صنيعهم اذا عاينوا جزاءه وهو وعيد لهم
قال فى التأويلات النجمية قوله { ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الامل } تهديد لنفس ذاقت حلاوة الاسلام ثم عادت الى طبعها الميشوم واستحلت مشاربها من نعيم الدنيا والتمتع بنعيمها ثم قال { فسوف يعلمون } ما خسروا من انواع السعادات والكرامات والدرجات والقربات وما فات منهم من الاحوال السينية والمقامات العلية وما اورثتهم الدنيا الدنية من البعد من الله والمقت وعذاب نار القطيعة والحرمان(6/368)
وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4)
{ وما أهلكنا } شروع فى بيان سر تأخير عابهم الى يوم القيامة وعدم نظمهم فى سلك الامم الدارجة فى تعجيل العذاب اى وما اهلكنا { من قرية } من القرى بالخسف بها وباهلها كما فعل ببعضها او باخلائها عن اهلها غب اهلاكهم كما فعل بآخرين { الا ولها } فى ذلك الشأن { كتاب } اى جعل مقدر مكتوب فى اللوح المحفوظ واجب المراعاة بحيث لا يمكن تبديله لوقوعه حسب الحكمة المقتضية له { معلوم } لا ينسى ولا يغفل حتى يتصور التخلف عنه التقدم والتأخر . فكتاب مبتدأ خبره الظرف والجملة حال من قرية فانها لعمومها لا سيما بعد تأكده بكلمة من فى حكم الموصوفة كما اشير اليه . والمعنى وما اهلكنا قرية من القرى فى حال من الاحوال الا حال ان يكون لها كتاب اى اجل مؤقت لهلكها قد كتبناه لانهلكها قبل بلوغ معلوم لا يغفل عنه حتى تمكن مخالفته بالتقدم والتأخر او صفة للقرية المقدرة التى هى بدل من المذكورة على المختار فيكون بمنزلة كونه صفة للمذكورة اى وما اهلكنا قرية من القرى الا قرية لها كتاب معلوم وتوسيط بينهما وان كان القياس عدمه للايذان بكمال الالتصاق بينهما من حيث ان الواو شأنها الجمع والربط(6/369)
مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5)
{ ما تسبق } ما نافية { من } زائدة { امة } من الامم الهالكة وغيرهم { اجلها } المكتوب فى كتابها اى لا يجيئ هلاكها قبل مجيئ كتابها { وما يستأخرون } اى وما يتأخرون عنه وانما حذف لانه معلوم ولرعاية الفواصل وصيغه الاستفعال للاشعار بعجزهم عن ذلك مع طلبهم له واما تأنيث ضمير امة فى اجلها وتذكيره فى يستأخرون فللحمل على اللفظ تارة وعلى المعنى اخرى
وفى التأويلات النجمية { ما تسبق من امة اجلها } حتى يظهر منها ما هو سبب هلاكها وتستوفى نفسها من الحظوظ ما يبطل الحقوق { وما يستأخرون } لحظة بعد استيفاء اسباب الهلاك والعذاب : قال السعدى
طريقى بدست وصلحى بجوى ... شفيعى برانكيز وعذرى بكوى
كه يك لحظة صورت نه بنددامان ... جو بيمانه برشد بدور زمان
فعلى العاقل ان يجتهد فى تزكية النفس الامارة وازالة صفاتها المتمردة ومن المعلوم ان الدنيا كالقرية الصغيرة والآخرة كالبدة الكبيرة ولم يسلم من الآفات الا من توجه الى السواد الاعظم فانه ما من لكل نفس فلو مات عند الطريق فقد وقع اجره على الله ولو تأخر واجتهد فى عمارة قرية من الجسد واشتغل بالدنيا واسبابها هلك مع الهالكين واذا كان لكل نفس اجل لا تموت الا عند حلوله وهو مجهول فلا بد من التهيئ فى كل زمان وذكر الموت كل حين وآن وقصر الامل واصلاح العمل ودفع الكسل
وعن ابى سعيد الخدرى رضى الله عنه انه اشترى اسامة ابن زبد من زيد بن ثابت وليدة بمائة دينار الى شهر فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « ألا تعجبون من اساموة المشترى الى شهر ان اسامة لطويل الامل والذى نفسى بيده ما طرفت عيناى الا ظننت ان شفرى لا يلتقيان حتى يقبض الله روحى ولا رفعت طرفى فظننت انى واضعه حتى اقبض ولا لقمت لقمة الا ظننت انى لا اسيغها حتى اغص بها من الموت ثم قال يا بنى آدم ان كنتم تعقلون فصدوا انفسكم من الموتى والذى نفسى بيده انما توعدون لآت وما انتم بمعجزين » اى لا تقدرون على اعجاز الله عن اتيان ما توعدون به من الموت والحشر والحساب وغيرها من احوال القيامة واهوالها(6/370)
وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6)
{ وقالوا } اى مشركوا مكة وكفار العرب لغاية تماديهم فى العتو والغى
وفى بعض التفاسير نزلت فى عبد الله بن امية { يا ايها الذى نزل عليه الذكر } نادوا به النبى عليه السلام على وجه التهكم ولذا جننوه بقولهم { انك لمجنون } اذ لا يجتمع اعتقاد نزول الذكر عليه ونسبه الجنون الهي . والمعنى انك لتقول قول المجانين حين تدعى ان الله نزل عليك الذكر اى القرآن
وقال الكاشفى [ بدرستى توديوانه كه مارا از نقد بنسيه مى خوانى ] وجواب هذه الآية قوله تعالى فى سورة القلم { ما ان بنعمة ربك بمجنون } اى ما انت بمجنون حال كونك منعما عليك بالنبوة وكمال العقل
يقول الفقير الجنون من اوصاف النقصان يجب تبرئة ساحة الانبياء وكمل اولالياء منه وعد نسبته اليهم من الجنون اذ لاسفه اشد من نسبة النقصان وسخافة العقل والاذعان الى المراجيح الرزان ولا عقل من العقول الا وهو مستفيض من العقل الاول الذى هو الروح المحمدى والعاقل بالعقل المعادى مجنون عند العاقل بالعقل المعاشى وبالعكس ولا يكون مجنونا بالجنون المقبول الا بعد دخول ائرة العشق
قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر
جننا مثل مجنون بليلى ... شغفنا حب جيران بسلمى
يعنى جننا من الازل الى الابد بجنون عشق المعشوق الوجه الحق وحب المحبوب الجمال المطلق كما جن مجنون بجنون عشق المعشوق ليلى الخلق وحب المحبوب الجمال المقيد : قال الصائب
روزن عالم غيبست دل اهل جنون ... من وآن شهركه ديوانه فراوان باشد(6/371)
لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7)
{ لوما } حرف تحضيض بمعنى هلا وبالفارسية [ جرا ] { تأتينا } [ نمى آرى ] فالباء للتعدية فى قوله { بالملائكة } يشهدون بصحة نبوتك ويعضدونك فى الانذار كقوله تعالى { لولا انزل عليك ملك فيكون معه نذيرا } يعنى [ اكر راست مى كويى كه بيغميرى فرشتكانرا حاضركن تابحضور ما كواهى دهند برسالت تو ] او يعاقبوننا على التكذيب كما اتت الامم المكذبة لرسلهم { ان كنت من الصادقين } فى دعواك فان قدرة الله على ذلك مما لا ريب فيه وكذا احتياجك اله فى تمشية امرك(6/372)
مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (8)
فقال الله تعالى فى جوابهم { ما ننزل الملائكة الا بالحق } اى ملتبسا بالوجه الذى يحق ملابسة التنزيل مما تقتضيه الحكمة وتجرى به السنة الالهية والذى اقترحوه من التنزيل لاجل الشهادة لديهم وهم هم ومنزلتهم فى الحقارة والهوان منزلتهم مما لا يكاد يدخل تحت الصحة والحكمة اصلا فان ذلك من باب التنزيل بالوحى الذى لا يكاد يفتح على غير الانبياء العظام من افراد كمل المؤمنين فكيف على امثال اولئك الكفرة اللئام وانما الذى يدخل فى حقهم تحت الحكمة فى الجملة هو التنزيل للتعذيب والاستئصال كما فعل باضرابهم من الامم السالفة ولو فعل ذلك لاستؤصلوا بالمرة { وما كانوا اذن منظرين } اذن جواب وجزاء لشرط مقدر وهر مركبة من اذ وهو اسم بمعنى الحين ثم ضم اليه ان فصار اذان ثم استثقلوا الهمزة فخذوها فمجيئ لفظة ان دليل على اضمار فعل بعدها والتقدير وما كانوا اذا كان ما طلبوه منظرين والانظار التأخير . والمعنى ولو نزلنا الملائكة ما كانوا مؤخرين بعد نزولهم طرفة عين كدأب سائر الامم المكذبة المستهزئة ومع استحقاقهم لذلك قد جرى علم القضاء بتأخير عذابهم الى يوم القيامة لتعلق العلم والارادة بازديادهم عذابا وبايمان بعد ذراريهم
وفى تفسير الكاشفى { ما ننزل الملائكة الا بالحق } مكر بوحى نازل بعذاب : يعنى ملك رابصورت اصل وقتى توانندديدكه بجهت عذاب نازل شوند جنانجه قوم ثمود جبريل رادرزمان صيحه ديدند يا بوقت مرك جنانجه همه كس مى بينند { وما كانوا اذن } ونباشند آن هنكام كه ملائكه را بدين صزرت فرستيم { منظرين } از مهلت داد كان يعنى فى الحال معذب شوند ](6/373)
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)
{ انا نحن } لعظم شأننا وعلو جنابنا ونحن ليست بفصل لانها بين اسمين وانما هى مبتدأ كما فى الكواشى { نزلنا الذكر } ذلك الذكر الى انكروه وانكروا نزوله عليك ونسبوك بذلك الى الجنون وعموا منزله حيث بنوا الفعل للمفعول ايماء الى انه امر لا مصدر له وفعل لا فاعل له
قال الكاشفى [ وذكر بمعنى شرف نيزمى آيد يعنى اين كتاب موجب شرف خوانند كانست ] يعنى فى الدنيا والآخرة كما قال تعالى { بل اتيناهم بذكرهم } اى بما فيه شرفهم وعزهم وهو الكتاب { وانا له لحافظون } فى كل وقت من كل ما لا يليق به كالطعن فيه والمجادلة فى حقيته والتكذيب له والاستهزاء به والتحريف والتبديل والزيادة والنقصان ونحوها واما الكتل المتقدمة فلما لم يتول حفظها واستحفظها الناس تطرق اليها الخلل
وفى التبيان او حافظوا له من الشياطين من وساوسهم وتخاليطهم : يعنى [ شيطان نتواندكه دروجيزى ازباطل بيفزايد يا جيزى از حق كم كند ]
قال فى بحر العلوم حفظه الله بالصرفة على معنى ان الناس كانوا قادرين على تحريفه ونقصانه كما حرفوا التوراة والانجيل لكن الله صرفهم عن ذلك او بحفظ العلماء وتصنيفهم الكتب التى صنفوها فى شرح الفاظه ومعانيه ككتب التفسير والقراآت وغير ذلك : وفى المثنوى
مصطفى را وعده كرد الطاف حق ... كر بميرى تونميرد اين سبق
من كتاب معجزت را رافعم ... بيش وكم كن را زقرآن مانعم
من ترا اندر دو عالم حافظهم ... طتعنانرا از حديثت دافعم
كس نتاند بيش وكم كردن درو ... تو به ازمن حافظى ديكر مجو
رونقت را روز افزون كنم ... نام توبر زر و بر نقره زنم
منبر ومحراب سازم بهرتو ... در محبت قهر من شد قهرتو
جاكرانت شهرها كيرند وجاه ... دين توكيرد زماهى تابماه
تا قيامت باقيش داريم ما ... تومترس از نسخ دين اى مصطفى
وعن ابى هريرة ال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ان الله يبعث لهذه الامة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها » ذكره ابن داود فى سننه
وفيما ذكر اشارة الى ان القرآن العظيم ما دام بين الناس لا يخلو وجه الارض عن المهرة من العلماء والقراء والحفاظ -روى- « انه يرفع القرآن فى آخر الزمان من المصاحف فيصبح الناس فاذا الورق ابيض يلوح ليس فيه حرف ثم ينسخ القرآن من القلوب فلا يذكر منه كلمة ثم يرجع الناس الى الاشعار والا عانى واخبار الجاهلية » كما فى فصل الخطاب
فعلى العاقل التمسك بالقرآن وحفظه نظما ومعنى فان النجاة فيه وفى الحديث « من استظهر القرآن حفف عن والديه العذاب وان كانا مشركين » وفى حديث آخر « اقرأوا القرآن واستظهروه فان الله لا يعذب قلبا وعى القرآن »(6/374)
وفى حديث آخر « لو جعل القرآن فى اهاب ثم القى فى النار ما احترق » اى من جعله الله حافظا للقرآن لا يحترق
وسئل الفرزدق لم يهجوك جرير بالقيد فقال قال لى ابى يوما تعالى فذهبت اثره حتى جئنا الى بادية رأينا من بعيد شخصا يجلس تحت شجرة مشغولا بالعبادة فغير ابى اوضاعه فمشى على مسكنة وذلة فلما قرب منه خلع نعليه وسلم بالخضوع والخشوع عليه وهو لم يلتفت اليه ثم تضرع ثانيا فرفع رأسه ورد سلامه ثم خاطبه ابى بالتواضع اليه وقال هذا ابنى وله قصائد من نفسه فقال مرة قل لابنك تعلم القرآن واحفظه
در قيامت نرسد شعر بفرياد كسى ... كه سراسر سخنش حكمت يونان كردد
كما قال مولانا سيف الذين المنارى وكان من كبار العلماء رأيت لبعضهم كلمات فى الدنيا عالية ثم رأيته حال الرحلة عن الدنيا فى غاية الضعف والتشويش وقد ذهب عنه التحقيقات والمعارف فى ذلك الوقت فان الامر الحاصل بالتعمل والتكلف كيف يستقر حال الهرم والامراض وضعف الطبيعة سيما حال مفارقة الروح قال ثم رجعنا من عنده فبكيت فقال ابى لم تبكى يا بنى ونو عينى قلت لم لا ابكى وقد التفت الى شخص وانت من فضلاء الدهر وفصحائه وهو لم يلتفت اليك اصلا قال اسكت هو امير المؤمنين على بن ابى طالب رضى الله عنه فقلت الآن هو امرنى بحفظ القرآن فقال نعم فعهدت ان احفظه وقيت قدمىّ بالادهم حتى حفظته ثم اطلقت فانظر الى اهتمامه وحفظه
قيل اشتغل الامام زفر رحمه الله فى آخر عمره بتعليم القرآن وتلاوته سنتين ثم مات ورآه بعض شيوخ عصره فى منامه فقال لولا سنتان لهلك زفر
قال الكاشفى [ وكويند ضمير عائد بحضرت رسالت است يعنى نكهبان وييم از مضرت اعدا ] كما قال تعالى { والله يعصمك من الناس }
كر جمله جهانم خصم كردند ... نترسم جون نكهدارم توباشى
زشادى در همه حالم نكنجم ... اكريك لحظه غموخوارم توباشى
والاشارة { انا نحن نزلنا الذكر } فى قلوب المؤمنين وهو قول لا اله الا الله نظيره قوله تعالى { اولئك كتب فى قلوبهم الايمان } وقوله { هو الذى انزل السكينة فى قلوب المؤمنين } فالمنافق يقول لا اله الا الله ولكن لم ينزل الله فى قلبه ولم يحصل فيه الايمان { وانا له لحافظون } اى فى قلوب المؤمنين ولو لم يحفظ الله الذكر والايمان فى قلوب المؤمن لما قدر المؤمن على حفظه لانه ناس(6/375)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10)
{ ولقد ارسلنا } اى رسلا وانما لم يذكر لدلالة ما بعده عليه { من قبلك } متعلق بارسالنا { فى شيع الاولين } اى فرقهم واحزابهم جمع شيعة وهى الفرقة المتفقة على طريقة ومذهب سموا بذلك لان بعضهم يشايع بعضا ويتابعه من شايعه اذا تبعه ومنه الشيعة وهم الذين شايعوا عليه وقالوا انه الامام بعد رسول الله واعتقدوا ان الامامة لا تخرج عنه وعن اولاده واضافته الى الاولين من اضافة الموصوف الى صفة عند الفراء والاصل فى الشيع الاولين ومن حذف الموصوف عند البصريين اى فى شيع الامم الاولين ومعنى ارسالهم فيهم جعل كل منهم رسولا فيما بين طائفة منهم ليتابعوه فى كل ما يأتى وما يذر من امور الدين(6/376)
وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (11)
وما يأتيهم من رسول } اى ما اتى شيعة من تلك الشيع رسول خاص بها { الا كانوا به يستهزئون } كما يفعله هؤلاء الكفرة وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بان هذه عادة الجهال مع الانبياء والجملة فى محل النصب على انها حال مقدرة من ضمير مفعول وفى يأتيهم اذا كان المراد بالاتيان حدوثه او فى محل الرفع على انها صفة لرسول فان محله الرفع على الفاعلية اى الا رسول كانوا به يستهزئون(6/377)
كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12)
{ كذلك } اى كادخالنا الاستهزاء فى قلوب الاولين { نسلكه } اى ندخل الاستهزاء . والسلك ادخال الشيء فى الشيء كادخال الخيط فى المخيط اى الابرة والرمح فى المطعون { فى قلوب المجرمين } على معنى انه يخلقه ويزينه فى قلوبهم والمراد بالمجرمين مشركوا مكة ومن شايعهم فى الاستهزاء والتكذيب(6/378)
لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (13)
{ لا يؤمنون به } اى بالذكر وهو بيان للجملة السابقة واختار المولى ابو السعود رحمه الله ان يكون ذلك اشارة الى ما دل عليه الكلام السابق من القاء الوحى مقرونا بالاستهزاء وان يعود ضمير نسلكه به والى الذكر على ان يكون لا يؤمنون به حالا من ضمير نسلكه . والمعنى اى مثل ذلك المسلك الذى سلكناه فى قلوب اولئك المستهزئين برسلهم وبما جاءوا به من الكتب نسلك الذكر فى قلوب المجرمين جال جونها مكذبا غير مؤمن به لانهم كانوا يسمعون القرآن بقراءة النبى صلى الله عليه وسلم فيدخل فى قلوبهم ومع ذلك لا يؤمنون لعدم استعدادهم لقبول الحق لكونهم من اهل الخذلان : قال السعدى قدس سره
كسى را كه بندار در سر بود ... مبندار هر كزكه بشنود
زعلمش ملال آيد ازوعظ ننك ... شقائق بباران نرويد ز سنك
قال سعدى المفتى مكذبا اى حال الالقاء من فير توقف كقوله تعالى { فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به } اى فى ذلك الزمان من غير توقف وزتفكر فلا حاجة الى جعلها حالا مقدرة اى كما فعله الطيبى
وفى التأويلات النجمية { كذلك نسلكه } اى الكفر { فى قلوب المجرمين لا يؤمنون به } بواسطة جرمهم فان الجرم يسلك الكفر فى القلوب كما يسلك الايمان بالعمل الصالح فى القلوب نظيره { بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون الا قليلا } { وقد خلت سنن الاولين } اى قد مضت طريقتهم التى سنها الله فى اهلاكهم حين فعلوا ما فعلوا من التكذيب والاستهزاء : يعنى [ هركه ازايشان هلاك شده بترك قبول حق وتكذيب رسل بوده ] وفيه وعيد لاهل مكة على استهزائهم وتكذيبهم
نه هر كز شنيدم درين عمر خويش ... كه برمردرا نيكى آمد به بيش(6/379)
وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14)
{ ولو فتحنا عليهم } اى على هؤلاء المقترحين المعاندين الين يقولون لوما تأتينا بالملائكة { بابا من السماء } اى بابا ما لا بابا من ابوابها المعهودة كما قيل ويسرنا لهم الرقى والصعود اليه { فظلوا }
قال فى بحر العلوم الظلول بمعنى الصيرورة كما يستعمل اكثر الافعال الناقصة بمعناها اى فصاروا { فيه } اى فى ذلك الباب { يعرجونؤ يصعدون بآلة او بغيرها ويرون ما فيها من العجائب عيانا او فضل الملائكة يصعدون وهم يشاهدونهم . ويقال ظل يعمل كذا اذا عمله بالنهار دون الليل . فالمعنى فظل الملائكة الذين اقترحوا اتيانهم يعرجون فى ذلك الباب وهم يرونه عيانا مستوضحين طول نهارهم كما قال الكاشفى [ بس باشند همه روزفرشتكان در نزر ايشان دران بالا ميروند وازان در زير مى آيند ](6/380)
لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15)
{ لقالوا } لغاية عنادهم وتشكيكهم فى الحق { انما سكرت ابصارنا } اى سدت من باب الاحساس : يعنى [ اين صورت در خارج وجود ندارد ]
قال فى القاموس قوله تعالى { سكرت ابصارنا } اى حبست عن النظر وحيرت او غطيت وغشيت
وفى تهذيب المصادر السكر [ بند بستن ] كما قال الكاشفى [ جزين نيست كه برسته اند جشمهاى مارا و خيره ساخته ] { بل نحن قوم مسحورون } قد سحرنا محمد كما قالوا عند ظهور سائر الآيات الباهرة كما قال تعالى حكاية عنهم { ويقولوا سحر مستمر } تلخيصه لو اتوا بما طلبوا لكذبوا لتماديهم فى الجحود والعناد وتناهيهم فى ذلك كما فى الكواشى . وفى كلمتى الحصر والاضراب دلالة على انهم يبتون القول بذلك وان ما يرونه لا حقيقة له وانما هو امر خيل اليهم بنوع من السحر قالوا انما تفيد الحصر فى المذكور آخرا فيكون الحصر فى الابصار لا فى التسكير فكأنهم قالوا سكرت ابصارنا لا عقولنا فنحن وان نتخايل بابصارنا هذه الاشياء لكنا نعلم بقولنا ان الحال بخلافه ثم قالوا بل نجن كأنهم اضربوا عن الحصر فى الابصار وقالوا بل جاوز ذلك الى عقولنا بسحر سحره لنا
اى رسول ماتو جادو نيستى ... آنجنانكه هيج مجنون نيستى
واعلم ان السحر من خرق العادة قد يصدر من الاولياء فيسمى كرامة وقد يصدر من اصحاب النفوس القوية من اصل الفطرة وان لم يكونوا اولياء وهم على قمسين اما خير بالطبع او شرير والاول ان وصل الى مقام الولاية فهو ولىّ وان لم يصل فهو من الصلحاء المؤمنين والمصلحين والثانى خبيث ساحر ولكل منهما التصرّف فى العالم الشهادى بحسب مساعدة الاسباب المهيأة لهم فان ساعدتهم الاسباب الخارجية استولوا على اهل العالم كالفراعنة من السحرة وان لم تساعدهم ليس لهم ذلك الا بقدر قوّة اشتغالهم باسبابهم الخاصة والسحر لا بقاء له بخلاف المعجزة كالقرآن فانه باق على وجه كل زمان والسحر يمكن معارضته بخلافها ولا يظهر السحر الا على يد فاسق وكذا الكهانة والضرب بالرمل والحصى ونحو ذلك والضرب بالحصى هو الذى يفعله النساء ويقال له الطرق وقيل الخط فى الرمل واخذ العوض عليه حرام كما فى فتح القريب
قال الشيخ صلاح الدين الصفدى فى كتاب اختلاف الائمة السحر رقى وعزائم وعقد تؤثر فى الابدان والقلوب فيمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه وله حقيقة عند الائمة الثلاثة
وقال الامام ابو حنيفة لا حقيق له ولا تأثير له فى الجسم وبه قال جعفر الاسترابادى من الشافعية وتعلمه حرام بالاجماع وكذا تعلم الكهانة والشعبذة والتنجيم والضرب بالشعير واما المعزم الذى يعزم على المصروع ويزعم انه يجمع الجن وانها تطيعه فذكره اصحابنا فى اسلحرة -روى- عن الامام احمد انه توقف فيه وسئل سعيد بن المسيب عن الرجل الذى يؤخذ عن امرأته ويلتمس من يداويه فقال انما نهى الله عما يضر ولم ينه عما ينفع فان استطعت ان تنفع اخاك فافعل انتهى ما فى اختلاف الائمة باختصار وكون السحر اشراكا مبنى على اعتقاد التأثير منه دون الله والتطير والتكهن والسحر على اعتقاد التأثير كفر فعلى الاول معنى قوله عليه السلام(6/381)
« ليس منا من تطير او تطير له او تكهن او تكهن له او سحر او سحر له » انهى كافر وعلى الثانى ليس من اهل سنتنا وعامل طريقتنا ومستحق شفاعتنا واما تعليق التعويذ وهو الدعاء المجرب او الآية المجربة او بعض اسماء الله تعالى لدفع البلاء فلا بأس ولكن ينزعه عند الخلاء والقربان الى النساء كذا فى التاتارخانية وعند البعض يجوز عدم النزع اذا كان مستورا بشيء والاولى النزع كذا فى شرح الكردى على الطريقة(6/382)
وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16)
{ ولقد جعلنا } الجعل هنا بمعنى الخق والابداع . والمعنى بالفارسية [ وبدرستى كه ما آفرديم وبيدا كرديم ] { فى السماء } متعلق بجعلنا { بروجا } قصورا ينزلها السيارات السبع فى السموات السبع كما اشار فى نصاب الصبيان على الترتيب بقوله
هفت كوكب هست كيتى را ... كاه ازيشان مدار وكاه خلل
قمرست وعطارد وزهره ... شمس ومريخ ومشترى وزحل
وهى البروج الاثنا عشر المشهورة المختلفة الهيأت والخواص واسماؤها الحمل والثور والجوزاء والسرطان والاسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدى والدلو والحوت وقد بسطنا القول فى البروج والمنازل فى اوائل سورة يونس فليراجع ثمة وانما سميت البروج التى هى القصور المرفوعة لانها لهذه الكواكب كالمنازل لسكانها واشتقاق البرج من التبرج لظهورها
وفى شرح التقويم البرج فى اللغة الحصن وغاية الحصن المنع عن الدخول والوصول الى ما فيه ويقسم دور الفلك ويسمى كل قسم منها برجا طول كل واحد ثلاثون درجة وعرضه مائة وثمانون من القطب الى القطب وكل ما يقع فى كل قسم يكون فى ذلك البرج ولما كانت هذه الاقسام المتوهمة فى الفلك كالموانع عن تصرفات اشخاص العالم السفلى فيما فيها من الانجم وغيرها كما اشير اليه فى الكتاب الهى بقوله { وجعلنا السماء سقفا محفوظا } اعتبر المناسبة وسميت بالبروج { وزيناها } اى السماء بتلك البروج المختلفة الاشكال والكواكب سيارات كانت او ثوابت وسميت السيارة لسرعة حركاتها وسميت الثابتة بالثوابت اما لثبات اوضاعها ابدا واما لقلة حركاتها الثابتة وغاية بطئها فان السماويات ليست بساكنة وحركات الثوابت على رأى اكثر المتأخرين درجة واحدة فى ست وستين سنة شمسية وثمان وستين سنة قمرية فيتم برجا فى الفى سنة ودورة فى اربعة وعشرين الف سنة وتسمى الثوابت بالكواكب البيابانية اذ يهتدى بها فى الفلاة وهى البيابان بالعجمية والكواكب الثابتة باجمعها على الفلك الثامن وهو الكرسى وفوقه الفلك الاطلس اى فلك الافلاك وهو العرش سمى بالاطلس لخلوه عن الكواكب بالعرض اذ كل منها مركوز فى الفلك كالكرة المنغمسة فى الماء والكواكب التى ادركها الحكماء بارصادهم الف وتسعة وعشرون فمنها سيارة ومنها ثوابت والكل مما ادركوا وما لم يدركوا زينة السماء كما ان فى الارض زينة لها { للناظرين } لكل من ينظر اليها فمعنى التزيين ظاهر او للمتفكرين المعتبرين المستدلين بذلك على قدرة مقدرها وحكمة مدبرها فتزيينها ترتيبها على نظام بديع مستتبع للآثار الحسنة وتخصيصهم لانهم هم المنتفعون بها واما غيرهم فنظرهم كلا نظر قال السعدى قدس سره
دوجشم از بى صنع بارى نكوست ... زعيب برادر فرو كير ودوست
غبار هوا جسم عقلت بدوخت ... سموم هواكشت عمرت بسوخت
بكن سرمه غفلت از جشم باك ... كه فردا شوى سرمه در جشم خاك(6/383)
وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17)
{ وحفظناها } اى السماء { من كل شيطان رجيم } مرمى بالنجوم فلا يقدر ان يصعد اليها ويوسوس فى اهلها ويتصرف فى اهلها ويقف على احوالها فيلاحظ فى الكلام معنى الاضافة اذ الحفظ لا يكون من ذات الشيطان وفى كلمة ههنا دلالة على ان اللام فى الشيطان الرجيم فى الاستعاذة لاستغراق الجنس كما فى بحر العلوم
وقال بعضهم هل المراد فى الاستعاذة كل شيطان او القرين فقط الظاهر انه فى حقنا القرين قال الله تعالى { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين } وفى حق رسول الله صلى الله عليه وسلم ابليس اما نحن فلان الانسان لا يؤذيه من الشياطين الا ما قرن به وما بعد فلا يضر شيأ
والعاقل لا يستعيذ مما لا يؤذيه واما الرسول عليه السلام فلانه لما قيل له ولا انت يا رسول الله قال « ولا انا ولكن الله تعالى اعاننى عليه حتى اسلم فلا يأمرنى الا بخير » فاذا كان قرينه عليه السلام قد اسلم فلا يستعيذ منه فالاستعاذة حينئذ من غيره وغيره يتعين ام يكون ابليس او اكابر جنوده لانه قد ورد فى الحديث « ان عرش ابليس على البحر الاخضر وجنوده حوله واقربهم اليه اشدهم بأسا ويسأل كلا منهم عن عمله واغوائه ولا يمشى هو الا فى الامور العظام » والظاهر ان امر رسول الله صلى الله عليه وسلم من اهم المهمات عنده فلا يؤثر به غيره من ذريته
يقول الفقير انما يستعيذ عليه السلام من الشيطان امتثالا للامر الالهى لا غير اذ لا تسلط على افراد امته المخلصين بالفتح فضلا عن التسلط عليه وهو آيس من وسوسته صلى الله عليه وسلم لانه يحترق من نوره عليه السلام فلا يقرب منه واما قوله تعالى { واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله } ففرض وتقدير وتشريع وكذا قوله تعالى { ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان نزغ فاستعذ بالله } ففرض وتقدير وتشريع وكذا قوله تعالى { ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون } لا يدل على وقوع المس فى حق كل متق بل يكفى وجوده فى حق بعض افراد الامة فى الجملة ولئن سلم كما يدل عليه قوله تعالى { وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبى الا اذا تمنى القى الشيطان فى امنيته } اى اذا قرأ وناجى القى الوسوسة فى قراءته ومناجاته فهو يعلم انه عليه السلام لا يعمل بمقتضى وسوسته لانه نفسه اخرج المخلصين بالفتح من ان يتعرض لهم اغواء او يؤثر فيهم وسوسة ولا مانع من الاستعاذة من كل شيطان سواء كان مؤذيا ام لا اذ عداوته القديمة لبنى آدم مصححة لها ومن نصب نفسه للعداوة فاولاده تابعة له فى ذلك وقد ذكروا ان لوسوسته اليوم فى قلوب جميع اهل الدنيا حالة واحدة وهو كقبض عزرائيل عليه السلام والارواح من بنى آدم وهى فى مواضع مختلفة فى كل مكان واحد(6/384)
إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18)
{ الا من استرق السمع } محله النصب على انه استثناء متصل لان المسترق من جنس الشيطان الرجيم اى ان فسر الحفظ بمنع الشياطين عن التعرض لها على الاطلاق والوقوف على ما فيها فى الجملة او منقطع اى ولكن من استرق السمع ان فسر ذلك بالمنع عن دخولها او التصرف فيها والاستراق افتعال وبالفارسية [ بدزديدن ] والمسترق المستمع مختفيا كما فى القاموس والسمع بمعنى المسموع كما قال الكاشفى [ بدزدد سخنى مسموع ] واستراق السمع اختلاسه سرا شبه به خطفتهم اليسيرة من قطاع السموات لما بينهم من المناسبة فى الجوهر { فاتبعه } اى تبعه ولحقه وبالفارسية [ بس از بى در آيدش وبدو رسد وبسوزدش ] قال ابن الكمال الفرق قائم بين تبعه واتبعه يقال اتبعه اتباعا اذا طلب الثانى اللحوق بالاول وتبعه تبعا اذا مر به ومضى معه { شهاب } لهب محترق وهى شعلة نار ساطعة { مبين } ظاهر امره للمبصرين ومما يجب التنبه له ان هذا حكاية فعل قبل النبى صلى الله عليه وسلم وان الشياطين كانت تسترق فى بعض الاحوال قبل ان يبعثه الله فلما بعض رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر الرجم وزاد زيادة ظاهرة حتى تنبه لها الانس والجن ومنع الاستراق رأسا وبالكلية
مهى برآمد وبازار تيركى بشكست ... كلى شكفت وهياهوى خار آخر شد
ويعضده ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما ان الشياطين كانوا لا يحجبون عن السموات فلما ولد عيسى منعوا من ثلاث سموات ولما ولد محمد عليه السلام منعوا من السموات كلها بالشهب وما يوجد اليوم من اخبار الجن على ألسنة المخلوقين انما هو خبر منهم عما يرونه فى الارض مما لا نراه نحن كسرقة سارق او خيبة فى مكان خفى ونحو ذلك وان اخبروا بما سيكون مكان كذبا كما فى آكام المرجان
وفى الحديث « ان الملائكة تنزل الى العنان فتذكر الامر الذى قضى فى السماء فيسترق الشيطان السمع فيوحيه الى الكهان فيكذبون مائة كذبة من عند انفسهم » وفى بعض التفاسير ان الشياطين كانوا يركب بعضهم بعضا الى السماء الدنيا او كان الشيطان المارد يصعد ويكون الآخر اسفل منه فاذا سمع قال للذى هو اسفل منه قد كان من الامر كذا وكذا فيهرب الاسفل لاخبار الكهنة ويرمى المستمع بالشهاب فهم لا يرمون بالكواكب نفسها لانها قارة بالفلك على حالها وما ذاك الا كقبس يؤخذ من نار والنار ثابتة كاملة لا تنقص فمنهم من يحرق وجهه وجبينه ويده وحيث يشاء الله ومنهم من يحرق وجهه وجبينه ويده وحيث يشاء الله ومنهم من يبخل اى يفسد عقله حتى لا يعود الى الاستماع من السماء فيصير غولا فيضل الناس فى البوادى ويغتالهم اى يهلكهم ويأخذهم من حيث لم يدروا(6/385)
قال ابن الاثير فى النهاية الغول احد الغيلان وهى جنس من الجن والشيطان وكانت العرب تزعم ان الغول فى الفلاة تترا اى الناس فتتلون تلونا فى صور شتى تضلهم عن الطريق وتهلكهم انتهى
وفيه اشارة الى ان وجود الغول لا ينكر بل المنكر تشكلهم باشكال مختلفة واهلاكهم بنى آدم وهو مخالف لما سبق آنفا من التفاسير اللهم الا ان يراد ان ذلك قبل بعثة للنبى عليه السلام وقد ابطله عليه السلام بقوله « لأغول ولكن السعالى » اى لا يستطيع الغول ان يضل احدا فلا معنىى للزعم المذكور . والسعالى بالسين المفتوحة والعين المهملة سحرة الجن جمع سعلاة بالكسر ولكن فى الجن سحرة تتلبس وتتخيل لهم
قال فى انوار المشارق والذى ذهب اليه المحققون ان الغول شيء يخوف به ولا وجود له كما قال الشاعر
الجود والغول والعنقاء ثالثة ... اسماء اشياء لم توجد ولم تكن
وتزعم العرب انه اذا انفرد فى الصحراء ظهرت له فى خلقة انسان ورجلاها رجلا حمار انتهى
واما قول صاحب المثنوى قدس سره
ذكر حق كن بانك غولانرا بسوز ... جشم نركس را ازين كركس بدوز
فيشير الى الشياطين الخبيثة المفسدة بل الى كل مضل عن طريق الحق على سبيل التشبيه وفائدة الذكر كونه دافعا لوساوسه لانه اذا ذكر الله خنس الشيطان اى تأخر ولعل المراد والله اعلم ان الجن ليس بهم دماغ كادمغة بنى آدم فلا تحمل لهم على استماع الصوت الجهورى الشديد فالذاكر اذا رفع صوته بالذكر طرد عن نفسه الشيطان واحرقه بنور ذكره وافسد عقله بشدة صوته وشهاب نفسه المؤثر
ذكر ابو بكر الرازى ان التكبير جهرا فى غير ايام التشريق لا يسن الا بازاء العدو واللصوص تهيبا لهم انتهى
يقول الفقير لما كان اعدى العدو هى النفس واشد اللصوص والسراق هو الشيطان اعتاد الصوفية بجهر الذكر فى كل زمان ومكان تهيبا لهما وطردا لوسوستهما والقاآتهما
والعاقل لا يستريب فيه اصلا ولا يصيخ الى قول المنكر رأسا
وقال محمد بن طلحة فى العقد الفريد قد اختار الحكماء للسلطان جهارة الصوت فى كلامه ليكون اهيب لسامعيه واوقع فى قلوبهم انتهى
وفيه اشارة الى ان الروح مع القوى والاعضاء كالسلطان مع الاتباع والرعايا فما هو ملتزم فى الآفاق ملتزم فى الانفس الا ان ترتفع الحاجة والضرورة بانه اوقع المكالمة مع الندماء ليكون المقام مقام الانبساط وقس عليه حال اهل الشهود والوصول الى الله والحصول عنده بحيث ما غابوا لحظة(6/386)
وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19)
{ والارض } نصب على الحذف على شريطة التفسير { مددناها } بسطناها ومهدناها للسكنى . وبالفارسية [ وزمين را باز كشيدم برروى آب ازز يرخانه كعبه ] عن ابى هريرة رضى الله عنه خلقت الكعبة اى موضعها قبل الارض بالفى سنة كانت خشفة على الماء عليها ملكان يسبحان الله فلما اراد الله ان يخلق الارض دحاها منها اى بسطها فجعلها فى وسط الارض
وفى بعض الآثار الله سبحانه وتعالى قبل ان يخلق السموات والارض كان عرشه على الماء اى العذب فلما اضطرب العرش كتب عليه لا اله الا الله محمد رسول الله فسكن فلما اراد ان يخلق السموات والارض ارسل الريح على لذك الماء فتموج فعلاه دخان فخلق من ذلك الدخان السموات ثم ازال ذلك الماء عن موضع الكعبة فيبس . وفى لفظ ارسل على الماء ريحا هفافة فصفقت الريح الماء اى ضرب بعضه بعضا فابرز عنه خشفة بالخاء المعجمة وهى حجارة يبست بالارض فى موضع البيت كأنها قبة وببسط الحق سبحانه من ذلك الموضع جميع الارض طولها وعرضها وهى اصل الارض وسرتها اى وسط الارض المعمورة المسكونة واما وسط الارض عامرها وخرابها فقبة الارض وهو مكان معتدل فيه الازمان فى الحر والبرد ومستوفية الليل والنهار ابدا
واعلم ان من الامكنة الارضية ما يلحق بعالم الجنان كمكة والمدينة وبيت المقدس والمساجد والبقاع للعبودية خصوصا ما بين قبر النبى عليه السلام ومنبره روضة من رياض الجنة ومن دخله وزاره بالاعتقاد الخالص والنية الصادقة كان آمنا من المكاره والمخاوف فى الدنيا والآخرة
اين جه زمين است كه عرش برين ... رشك برد باهمه رفعت بدين
جونكه نيم محرم ديوار تو ... مى نكرم بردر وديوار تو
آنكه شرف يافت بديدار تو ... جان جه بودتا كند ايثار تو
{ والقينا فيها رواسى } اى جبالا ثوابت لولا هى لمارت فلم يستقر له احد على ظهرها يقال رسا رسوا ورسّوا ثبت كأرسى شبه الجبال الرواسى استحقارا لها واستقلالا لعددها وان كانت خلقا عظيما بحصيات قبضهن قابض بيده فنبذهن وما هو الا تصوير لعظمته وتمثيل لقدرته وان كل فعل عظيم يتحير فيه الاذهان فهو هين عليه . والمعنى وجعلنا فى الارض رواسى بقدرتنا الباهرة وحكمتنا البالغة وذلك بان قال لها كونى فكانت فاصبحت الارض وقد ارسيت بالجبال بعد ان كانت تمور مورا فلم يدر احد مم خلقت وعدد الجبال سوى التلول ستى آلاف وستمائة وثلاثة وسبعون على ما فى زهرة واول جبل نصب على وجه الارض ابو قبيس وهو جبل بمكة وافضل الجبال على ما قاله السيوطى احد بضمتين وهو جبل بالمدينة لقوله عليه السلام « احد يحبنا ونحبه » وكان مهبط عليه السلام بارض الهند بجبل عال يراه البحريون من مسافة ايام وفيه اثر قدم آدم مغموسة فى الحجر ويرى على هذا الجبل كل ليلة كهيئة البرق من غير سحاب ولا بد له فى كل يوم مم مطر يغسل قدمى ادم وذروة هذا الجبل اقرب ذرى جبال الارض الى السماء كما فى انسان العيون ويضاف هذا الجبل الى سرنديب وهو بلد بالهند والجبال خزائن الله فى ارضه لمنافع عياده وانها بمنزلة الرجال فى الاكوان يقال للرحال الكامل جبل -حكى- ان بعض الاولياء رأى مناما فى الليلة التى هلك فيها رجال بغداد على يد هولا كوخان ان جبال العراقين ذهبت من وجه الأرض بهبوب الرياح المظلمة على بغداد فوصل الخبر ان هولا كوخان قد دخل مدينة بغداد فى تلك الليلة وقتل من الاولياء والعلماء والصلحاء والامراء وسائر الناس ما لا يحصى عددا(6/387)
سر كشته بودخواه ولى خواه نبى ... دروادى ما أدرى ما يفعل بى
وفى التأويلات النجمية والارض مددناها اى ان ارض البشرية تميد كنفس الحيوانات الى ان ارساها الله بجبال العقل وصفات القلب
كشتى بى لنكر آمد مردشر ... كه زباد كرنمى يابد حذر
لنكر عقلست عاقل رامان ... لنكرى دربوزه كن ازعاقلان
{ وانبتنا فيها } اى فى الارض لان الفواكه الجبلية غير منتفع بها فى الاكثر اولان الارض تغمها قالها لما القيت فيها صارت منها { من كل شئ موزون } بميزان الحكمة ذاتا وصفة ومقدارا اى مستحسن مناسب من قولهم كلام موزون . يعنى [ برويانيديم اززمين جيزهاى نيكو مشتمل بر منافع كلية ازاشجار ومزروعات باآنكه وزن كنند وبه بيمانند ](6/388)
وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20)
{ وجعلنا لكم فيها معايش } بالياء التصريحية لنه من العيش فالياء اصلية فوجب تصريحا وهو جمع معيشة اى ما تعيشون به من المطاعم والملابس وغيرها مما يتعلق به البقاء { ومن لستم له برازقين } [ روزى دهند كان ] وهو عطف على معايش كأنه قيل جعلنا لكم معايش وجعلنا لكم من لستم له برازقيه من العيال والمماليك والخدم والدواب وما اشبهها على طريقة التغليب وذكرهم بهذا العنوان لرد حسبانهم انهم يكفون مؤوناتهم ولتحقيق ان الله تعالى هو الذى يرزقهم واياكم او عطف على محل لكم وهو النصب كأنه قيل وجعلناكم معايش ولمن بستم له برازقين فيكون من عطف الجار والمجرور على الجار والمجرور(6/389)
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)
{ وان من شئ } اى ما من شئ من الاشياء الممكنة { الا عندنا } يعنى [ در تحت فرماننا ] { خزائنه } جمع خزانة بمعنى المخزن وهى ما يحفظ فيه نفائس الاموال لا غير غلب فى العرف على ما للملوك والسلاطين من خزائن ارزاق الناس شبهت مقدوراته تعالى فى كونها مستورة عن علوم العالمين ومصونة من وصول ايديهم مع كمال افتقارهم اليها ورغبتهم فيها وكونها مهيأة منأتية لايجاده وتكوينه بحيث متى تعلقت الارادة بوجودها وجت بلا تأخير بنفائس الاموال المخزونة فى الخزائن السلطانية فذكر الخزائن على طريقة الاستعارة التخييلية
يقول الفقير سمعت من حضرة شيخى وسندى قدس سره ان الاشارة بالخزائن الى الاعيان الثابتة فلا يفيض شئ الا من الاعيان الثابتة وعلم الله تابع المعلوم وما يقتضيه من الاحوال فما ظلمهم الله ولكن كانوا انفسهم يظلمون { وما ننزله } اى ما نوجد وما نكون شيأ من تلك الاشياء ملتبسا بشئ من الاشياء { الا بقدر معلوم } اى لا ملتبسا بمقدار معين يقتضيه الحكمة ويستدعيه المشيئة التابعة لها
وفى الكواشى وما نوجده مع كثرته وتمكننا منه الا بحد محسوب على قدر المصلحة . وبالفارسية [ مكر باندازه دانسته شده كه كم از ان شايدونه زياده بران بايد ] وحيث كان انشاء ذلك بطريق التفضل من العالم العلوى الى العالم السفلى كما فى قوله تعالى { وانزل لكم من الانعام ثمانية ازواج } وكان ذلك بطريق التدريج عبر عنه بالتنزيل
وفى تفسير ابى الليث { وان من شئ الا عندنا خزائنه } اى مفاتيح رزقه ويقال خزائن المطر { وما ننزله } اى المطر { الا بقدر معلوم } يعنى بكيل ووزن معروف
قال ابن عباس رضى الله عنها يعنى يعلمه الخزان الا يوم الطوفان الذى اغرق الله فيه قوم نوح فانه طغى على خزانه وكثر فلم يحفظوا ما خرج منه يومئذ اربعين يوما
وفى بحر العلوم وما من شئ ينتفع به العباد الا ونحن قادرون على ايجاده وتكوينه والانعام باضعاف ما وجد وما نعطيه الا بمقدار فعلم ان ذلك خير لهم واقرب الى جمع شملهم او بتقدير علمنا انهم يسلمون معه من المضرة ويصلون الى المنفعة ولو بسط اللع الرزق لعباده لبغوا فى الارض ولكن ينزل بقدر ما يشاء انه بعباده خبير بصير
وفى التاويلات النجمية ان لكل شئ خزائن مختلفة مناسبة له كما لو قدرنا شيأ من الاجسام فله خزانة لصورته وخزانة لاسمه وخزانة لمعناه وخزانة للونه وخزانة لرائحته وخزانة لطعمه وخزانة لطبعه وخزانة لخواصه وخزانة لاحواله المختلفة الدائرة عليه بمرور الايام وخزانة لتفعه وضره وخزانة لظلمته ونور وخزانة لملكوته وغير ذلك وهو خزانة لطف الله وقهره وما من شئ الا وفيه لطف الله وقهره مخزون وقلوب العباد خزائن صفات الله تعالى باجمعها وما ننزل شيأ مما فى خزائنه الا بقدر ما هو فى الازل لحكمتنا البالغة المقتضية لايجاده وانزاله(6/390)
وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)
{ وارسلنا الرياح لواقح } حال مقدور جمع ريح لاقح اذا اتت بسحاب ماطر من لقحت الناقة تلقح حبلت والقحها الفحل اذا احبلها وحماهل الماء فكان الريح حملت الماء وحملته السحاب فشبهت الريح التى تجيء بالخير من انشاء سحاب ماطر بالحامل كما شبه بالعقيم ما لا يكون كذلك
وقال ابو عبيدة لواقح بمعنى ملاقح جمع ملقحة لانها تلقح السحاب والاشجار بان تقويها وتنميها الى ان يخرج ثمرها وقيل بان تجرى الماء فيها حتى تهتز وتخرج الزهر
قالوا الرياح للخير والريح للشر لقوله عليه السلام « اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا » واما قوله تعالى { وجرين بهم بريح طيبة } فقد جاء فيه الريح المفردة بمعنى الخير ولانفع باعتبار قيدها لاعتبار اطلاقها
وقال محمد بن على رضى الله عنه ما هبت ريح ليلا ونهارا الا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقعد وقال « اللهم ام كان بك اليوم سخط على احد من خلقك بعثتها تعذيبا له فلا تهلكنا فى الهالكين وان كنت بعثتها رحمة فبارك لنا فيها » فاذا قطرت قطرة قال « رب لك الحمد ذهب السخط ونزلت الرحمة »
قال مطرف رحمه الله لو حبست الريح عن الناس لانتن ما بين السماء والارض { فانزلنا } بعدما انشأنا بتلك الرياح سحابا ماطرا { من السماء } من جانب العلو فان كل ما علاك وهو ظاهر هناك لا الفلك { ماء } اى بعض الماء كما يفيده التنكير فانه معلوم عند الناس علما يقينيا انه لم ينزل من السماء الماء كله بل قدر ما يصلون به الى المنفعة ويسلمون معه من المضرة { فاسقيا كموه } اى جعلنا المطر لكم سقيا تشربونه وتسقونه المواشى والضياع . وبالفارسية [ بس بخوارانيديم شمارا آن آب وتصرف داديم دران ] وسقى واسقى واحد
قال فى الارشاد هو ابلغ من سقيناكموه لما فيه من الدلالة على جعل الماء معدا لهم يرتفقون به متى شاؤا وهى اطول كلمة فى القرآن وحروفها احد عشر وحروف انلزمكموها عشرة { وما انتم له } اى للمطر المنزل { بخازنين } اى نحت القادرون على ايجاده وخزنه فى السحاب وانزاله وما انتم على ذلك بقادرين . وقيل ما انتم بخازنين له بعدما انزلناه فى الغدران والآبار والعيون بل نحن نخزن فى هذه المخازن ونحفظ فيها لنجعلها سقيا لكم مع ان طبيعة الماء تقتضى الغور وهو بالفارسية [ فروشدن آب درزمين امام ما تريدى در تأويلات فرموده كه نبستند شمامر خدايرا خزينه داران يعنى خزاين او دردست شمانيست زآنجه شما خزينه نهيد همه ازان اوست ](6/391)
وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23)
{ وانا لنحن نحيى } بايجاد الحياة فى بعض الاجسام القابلة لها وتقديم الضمير للحصر وهو اما تأكيد للاول او مبتدأ خبره الفعل والجملة خبر لانا ولا يجوز كونه ضمير الفصل لانه يقع بين الاسمين { ونميت } باعدامها وازالتها عنها وقد يعم الاحياء والاماتة لما يشمل الحيوان والنبات والله تعالى يحيى الارض بالمطر ايام الربيع ويميتها ايام الخريف ويحيى بالايمان ويميت بالكفر [ در لطائف قشيرى مذكوراست كه زندكى ميدهيم دلهارا بانوار مشاهده ومى ميانيم نفوس را درنار مجاهده يازنده نى سازيم بمواقت كاعات ومرده مى كردانيم بمتابعت شهوات ]
ومن مقالات حضرة الشيخ الاكبر لولده صدر الدين القنوى قدس الله سرهما وكم قتلت واحييت من الاولاد والاصحاب ومات من مات وقتل من قتل ولم يحصل له ما حصل وهو شهود تجلى الذات الدائم الابدى الذى لا حجاب بعده ولا مستقر للكمل دونه فقال صدر الدين يا سيدى الحمد لله على اختصاصى بهذه الفضيلة اعلم انك تحيى وتميت وتفصيله فى شرح الفصوص
قال الامام الغزالى رحمه الله معنى المحيى والمميت الموجد ولكن الوجود اذا كان هو الحياة سمى فعله احياء واذا كان هو الموت سمى فعله اماتة ولا خالق للموت والحياة الا الله فمرجع هذين الاسمين الى صفات الفعل { ونحن الوارثون } قيل للباقى وارث الميت لانه يبقى بعد فنائه . فالمعنى ونحن الباقون بعد فناء الخلق جميعا المالكون للملك عند انقضاء زمان الملك الجازى الحاكمون فى الكل اولا وآخرا وليس لهم الا التصرف الصورى والملك المجازى وفيه تنبيه على ان المتأخر ليس بوارث للمتقدم كما يترا أى من طاهر الحال والمكاشفون المشاهدون المعاينون يرون الامر الآن على ما هو عليه من العدم فان قيامة العارفين دائمة فهم سامعون الآن من الله تعالى من غير حرف ولا صوت نداء لمن الملك اليوم موقنون بان الملك لله الواحد القهار فى كل يوم وفى كل يوم وفى كل ساعة وفى كل لحظة
وفى التأويلات النجمية { وانا لنحن نحيى } قلوب اوليائنا بانوار جمالنا { ونميت } نفوسهم بسطوة نظرات جلالنا { ونحن الوارثون } بعد افناء وجودهم ليبقوا ببقائنا : وفى المثنوى
بشه آمد از حديقه وزكياه ... وز سليمان كشته بشه داد خواه
كاى سليمان معدلت مى كسترى ... بر شياطين وآدمى زادة وبرى مشكلات هر ضعيفى از توحل
بشه باشد در ضعيفى خود مثل داد در مارا ارين غم كن جدا ... دست كيراى دست تو دست خدا بس سليمان كفت اى انصاف وجو
داد وانصاف ازكه ميخواهى بكو كيست آن ظالم كه ازباد بروت ... ظلم كرست وخرا شيده است روت كفت بشه داد من ازدست باد
كو دودست ظلم مارا بركشاد بانك زد آن شه كه اى باد صبا ... بشه افغان كرد از ظلمت بيا هين مقابل شو نوبا خصم وبكو
باسخ خصم وبكن دفع عدو باد جون بشنيد آمد تيز تيز ... بشه بكرفت آن زمان راه كريز بس سليمان كفت اى بشه كجا
باش تابرهر دورانم من قضا كفت اى شه مرك من ازيود اوست ... خودسياه اين روز من ازدوداوست او جون آمد من كجا يابم قرار
كو برآرد ازنهار من دمار همجنين جوياى دركاه خدا ... جون حدا آمد شود جوينده لا
كرجه آن وصلت بقا اندر بقاست ... ليك زاول ان بقا اندر فناست
سايهايى كه بود جوياى نور ... نيست كردد جون كند نورش ظهور
عقل كى ماند جو باشد سرده او ... كل شيء هالك الا وجهه
هالك آمد بيش وجهش هست ونيست ... هست اندر نيستى خود طرفه ايست(6/392)
وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24)
{ ولقد علمنا المستقدمين منكم } استقدم بمعنى تقدم اى من تقدم منكم ولادة وموتا يعنى الاولين من زمان آدم الى هذا الوقت { ولقد علمنا المستأخرين } استأخر بمعنى تأخر اى من تأخر منكم ولادة وموتا يعنى الآخرين الى يوم القيامة ام من تقدم فى الاسلام والجهاد وسبق الى الطاعة ومن تأخر فى ذلك لا يخفى علينا من احوالكم(6/393)
وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25)
{ وان ربك هو } لا غير { يحشرهم } اى يجمع المتقدمين والمتأخرين يوم القيامة للجزاء وهو القادر على ذلك والمتولى له لا غير فهو رد لمنكرى اغلبعث { انه حكيم } بالغ الحكمة متقن فى افعاله فانها عبارة عن العلم بحقائق الاشياء على ما هى عليه والاتيان بالافعال على ما ينبغى وهى صفة من صفاته تعالى لا من صفات المخلوقين وما يسمونه الفلاسفة الحكمة مهى من نتائج العقل والعقل من صفات المخلوقين فكما لا يجوز ان يقال الله العاقل لا يجوز للمخروق الحكيم الا بالمجاز لمن آتاه الله الحكمة كما فى التأويلات النجمية { عليم } وسع علمه كل شئ ولعل تقديم صفى الحكمة للايذان باقتضائها للحشر والجزاء
وقال الامام الواحدى فى اسباب النزول عن ابن عباس رضى الله عنهما قال كانت تصلى خلف النبى عليه السلام امرأة حسناء فى آخر النساء فكان بعضهم يتقدم فى الصف الول ليراها وكان بعضهم فى الصف المؤخر فاذا ركع نظر من تحت ابطه فنزلت
وقيل كانت النساء يخرجن الى الجماعة فيقفن خلف الرجال فربما كان من الرجال من فى قلبه ريبة يتأخر الى آخر صف الرجال ومن النساء من فى قلبها ريبة تتقدم الى وصف النساء لتقرب من الرجال فنزلت وفى الحديث « خير صفوف الرجال اولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها اولها » قال فى فتح القريب هذا ليس على عمومه بل محمول على ما اذا اختلطن بالرجال فاذا صلين متميزات لامع الرجال فهن كالرجال ومن صلى منهن فى جانب بعيد عن الرجال فاول صفوفهن خير لزوال العلة والمراد بشر الصفوف فى الرجال والنساء كونها اقل ثوابا وفضلا وابعدها عن مطلوب الشرع وخيرها بعكسه . وانما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن عن مخالطة الرجال ورؤيتهن وتعلق القلب بهن عند رؤية حركاتهن وسماع كلامهن ونحو ذلك . وذم اول صفوفهن لعكس ذلك والصف الاول الممدوح الذى وردت الاحاديث بفضله والحث عليه هو الذى بلى الامام سواء كان صاحبه على بعد من الامام واقرب وسواء تخلله مقصورة او منبرا واعمدة ونحوها ام لا هذا هو الصحح وقيل الصف الاول هو المتصل من طرف المسجد الى طرفه ر تتخلله مقصورة ونحوها فان تخلل الذى بلى الامام شئ فليس باول الاول ما لم يتخلله شئ وان تأخر
وقيل الصف الاول عبارة عن مجيئ الانسان الى المسجد اولا وان صلى فى صف متأخر وعن انس رضى الله عنه حض رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصف الاول فى الصلاة فازدحم الناس عليه وكان بنو عذرة ورهم قاصيه عن المسجد فقالوا نبيع دورنا ونشترى دورا قريبة من المسجد فانزل الله تعالى هذه الآية يعنى انما يؤجرون بالنية وفى الحديث(6/394)
« الا ادلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات » قالوا بلى يا رسول الله « اسباغ الوضوء غلى المكاره وكثرة الخطى الى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة »
قال فى فتح القريب الدار البعيدة لمن يقدر على المشى افضل وهذا فى حق من هو متفرغ لذلك ولا يفوته بكثرة خطاه او مشيه الى المسجد مهم من مهمات الديسن فان كان يفوته ذلك كالاشتغال بالعلم والتعلم والتعليم ونحو ذلك من فروض الكفاية فالدار القريبة فى حقه افضل وكذا الضعيف عن المشى ونحوه
فان قيل روى الامام احمد فى مسنده ان النبيى صلى الله عليه وسلم قال « فضل البيت القريب من المسجد على البعيد منه كفضل المجاهد على القاعد عن الجهاد »
فالجواب ان هذا فى نفس البقعة وذاك فى الفعل فالبعيد دارا مشيه اكثر وثوابه اعظم والبيت القريب افضل من البيت البعيد ولهذا قيل فى قوله صلى الله عليه وسلم « الشؤم فى ثلاث المرأة والدار والفرس » ان شؤم الدار ان تكون بعيدة عن المسجد لا يسمع ساكنها الاذان
قال العلماء ينبغى ان يستثنى من افضلية الا بعد الامام فان النبى عليه السلام والائمة بعده لم تتباعد عن المسجد لطلب الاجر
واختلف فيمن قربت داره من المسجد هل الافضل له لن يصلى فيه او يذهب الى الا بعد فقالت طائفة الصلاة فى الابعد افضل عملا بظاهر الاحاديث وقيل الصلاة فى الاقرب افضل لما روى الدارقطنى ان النبى صلى الله عليه وسلم قال « لا صلاة لجار المسجد الا فى المسجد » ولا حياء حق المسجد ولماله من الجوار فان كان فى جواره مسجد ليس فيه جماعة وبصلاته فيه تحصل الجماعة كان فعلها فى مسجد الجوار افضل على المذهب لما فى ذلك من عمارة المسجد واحيائه بالجماعة اما لو كان اذا صلى فى المسجد الجوار صلى وحده فالبعيد افضل ولو كان اذا صلى فى بيته جماعة واذا صلى فى المسجد صلى وحده ففى بيته افضل
قال بعضهم جار المسجد اربعون دارا من كل جانب وقيل جار المسجد من سمع النداء ويقال اراد بالآية المصلين فى اول الوقت والمؤخرين الى آخره وفى الحديث « اول الوقت رضوان الله ووسط الوقت رحمة الله وآخر الوقت عفو الله تعالى » قال فى شرح كتاب الشهاب للقضاعى عند قوله عليه السلام « نوروا بالفجر فانه اعظم للاجر » [ كفت نمازبامداد بروشنايى كنيد كه مزدبزر كتر باشد يعنى بآخر وقت واين مذهب ابو حنيفة رحمه الله باشد كه نماز بآخر وقت فاضلتر باشد يعنى كه وجوب متأكد تر باشد كه بفوات نزديكتر باشد ومذهب امام شافعى رحمه الله كفت اول الوقت رضوان الله وآخر الوقت عفو الله وعفو نباشد الا از كناه بس معلوم كشت كه اول وقت فاضلتر باشد ] قال ابو محمد النيسابورى المراد بآخر الوقت بعد خروجه لان العفو يقتضى ذلك لانه لا يكون الا عن ذنب فالمراد باول الوقت عنده جميع الوقت كما قال فى اسئلة الحكم الوقت وقتان وقت الاداء ووقت القضاء فوقت الاداء هو اول الوقت المرضى عند الله ووقت القضاء هو الوقت المرخص فيه وآخر الوقت هو القضاء وهو عفو الله عمن قضى الصلاة خارج وقتها
فان قيل ما معنى اول الوقت رضوان الله
والجواب ان اول الوقت بمنزلة المفتاح فاذا حصل وعرف قدره فقد استعد لرضى الله تعالى لان العبرة للفاتح والخاتم فاذا حصل المفتاح حصل الختم وينبغى ان يشتغل باسباب الصلاة عند دخول الوقت او يقدم ما يمكن من الاسباب قبل دخول الوقت ويشرع فى الصلاة اذا دخل الوقت لتنطبق الصلاة على اول الوقت ويستحب التأخير فى مسائل .(6/395)
منها الابراد بالظهر . ومنها فقد الماء واول الوقت وكان ذائقة من وجوده آخر الوقت . ومنها اذا كان بحضرة طعام تتوق اليه نفسه . ومنها اذا كان يتحقق الجماعة آخر الوقت . ومنها اذا كان بمواضع منهى عنها كمواضع المكس والاسواق والربا ومن اعظم مواضع الربا الصاغة فانه يحرم دخولها بغير حاجة لغلبة الربا فيها
قال فى شرح المهذب فاذا تيقنت بهذا المذكور فعليك بالاقدام على الطاعات والمسارعة الى العبادات حتى لا يظفر بك النفس والشيطان فى جميع الحالات واحذر من التسويف ولعلك لا تنال ما املت من عمر وزمان : وفى المثنوى
صوفى ابن الوقت باشداى رفيق ... نيست فردا كفتن از شرط طريق(6/396)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26)
{ ولقد خلقنا الانسان } اى هذا النوع بان خلقنا اصله واول فرد من افراده خلقا بديعا منطويا على خلق سائر افراده انطواء اجماليا { من صلصال } من طين يابس غير مطبوخ يصلصل اي يصوت عند نقره واذا طبخ اى مسته النار فهو فخار { من حمأ } اى كان ذلك الصلصال من طين تغيروا واسود بطول مجاورة الماء { مسنون } صفة حمأ اى منتن . وبالفارسية [ بوى كرفته بواسطه بسيار بودن درآب جون لايى كه درنك حوض وجوى باشد ] او مصور من سنة الوجه وهى صورته او مصبوب من سن الماء صبه اى مفرغ على هيئة الانسان الحمأ فصور من ذلك تمثال انسان اجوف فيبس حتى اذا نقر صوت ثم غيره الى جوهر آخر فتبارك احسن الخالقين
قال الكاشفى [ صاحب تبيان كفته كه حق سبحانه وتعالى آدم را ازخاك آفريد بران وجه كه ىب برخاك بارانيد تاكل شد ومدتى بكذشت تاحمأ كشت بس انرا تصوير كرد مسنون بمعنى مصوراست آنكه بكذاشت تاخشك شد وبمرتيه صلصال رسيد ] وكان بين خلقه ونفخ روحه اربع جمع من الآخرة وخلق بعد العصر يوم الجمعة والظاهر انه خلق فى جنة من جنات الدنيا بتغريبها وعليه اكابر اهل الله تعالى(6/397)
وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27)
{ والجان } ابا الجن
قال فى الروضة ابليس هو ابو الجن والجان اسم جمع للجن كما فى القاموس وسمى بذلك لانه يجن اى يستتر ويجوز ان يراد به الجنس كما هو الظاهر من الانسان لان تشعب الجنس لما كان من فرد واحد مخلوق من مادة واحدة كان الجنس باسره مخلوقا منها { خلقنا من قبل } من قبل خلق الانسان { من نار السموم } من نار الشديد الحر فان السموم فى اللغة الريح الحارة والريح الحارة بالليل وقد تكون بالنهار كما فى القاموس . وقيل سميت سموما لانها بلطفها تنفذ فى مسام البدن وهى ثقبه كالفم والمنخر والاذن . وقيل نار السموم نار لا دخان لها والصواعق تكون منها وهى نار بين السماء والحجاب فان احدث الله امرا خرقت الحجاب فهوت الى ما امره فالهدة التى تسمعون خرق ذلك وقدم خلق الانسان على الجان مع انه خلق قبله تعظيما لشأنه واظهارا لفضله وكان بين خلق آدم والجن ستون الف سنة
واتفق اهل العلم من اهل التحقيق ان عالم الملك مقدم خلقة الى عالم الجان وعالم الجان مقدم على عالم الانسان وانتقل ملك الدنيا الى آدم ليحصل له الاعتبار بالسابقين ويظهر له الفضل على الكل بتأخيره عن جميع المخلوقات لانه كالخاتم على الباب وهو خاتم المخلوقات ونسخة الكليات من المحسوسات والمعقولات وبه تم كمال الوجود لتحققه بوصفى الجمال والجلال واللطف والقهر بخلاف الملك فانه مخلوق على جناح واحد وهو اللطف : قال المولى الجامى
ملاتك را جه سود از حسن طاعت ... حو فيض عشق بر آدم فروريخت
ولم يكن قبل آدم خلق من التراب فخلق آدم منه ليكون عبدا خضوعا وضوعا ذلولا مائلا الى السجود لانه مقام العبودية الكاملة فكل جنس يميل الى جنسه ولهذا تواضع آدم لله واستكبر ابليس عن التواضع فابى وعلا وتكبر فمال الى جنسه لانه خلق من نار
قال اهل الحكمة لا شك ان الله تعالى قادر خلق آدم ابتداء على هيئة خاصة من مادة خاصة وانما خلقه من تراب ثم من طين ثم من حمأ مسنون ثم من صلصال كالفخار اما لمحض المشيئة الالهية التى هى محض الحكمة الجامعة او لما فيه من دلالة الملائكة ومصلحتهم ومصلحة الخلق لان خلق الانسان منهذه الامور اعجب من خلق الشيء من شكله وجنسه(6/398)
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28)
{ واذ قال ربك } اى اذكر يا محمد وقت قوله تعالى { للملائكة } [ بهجت خلافت زمين ]
يقول الفقير ان فى هؤلاء الملائكة اختلافا شديدا والحق ما ذهب اليه اكابر اهل الله تعالى من ان المقول لهم القول الآتى والساجدين لآدم عليه السلام هم الذين تنزلوا من مرتبة الارواح الى مرتبة الاجسام فدخل فيهم جبريل ونحوه من اكابر الملائكة واصاغرهم سماوية كانت او ارضية لان كلهم ملتبسون بملابس الجسمانية اللطيفة فاللام لاستغراق الجنس واما المراد بالعالين فى قوله تعالى { أستكبرت ام كنت من العالين } الملائكة المهيمون الذين بقوا فى عالم الارواح واستغرقوا فى نور شهود الحق وليس لهم شعور بنفوسهم فضلا عن آدم وغيره وهم خير من هذا النوع الانسانى فى شرف الحال لان فى الجمعية والكمال والانسان فوق الملائكة الارضية والسماوية فى رتبة الفضيلة والكمال بل فى شرف الحال ايضا لانهم ملهم عنصريون مخلوقون بيج واحد فليس لهم شرف حاله ولا رتبة كماله : قال الحافظ
فرشته عشق نداندكه جيست قصه مخوان ... بخوان جام وكلابى بخاك آدم ريز
{ انى خالق } فيما سيأتى البتة كما يدل عليه التعبير باسم الفاعل الدال على التحقق { بشرا } قال فى القاموس البشر محركة الانسان ذكرا او انثى واحدا او جمعا وقد يثنى ويجمع ابشارا وظاهر جلد الانسان { من صلصال } متعلق بخالق او صفة لبشرا اى بشرا كائنا من صلصال كائن { من حمأ مسنون } تقدم تفسيره شاورهم الله تعالى بصورة الامتحان يكرم الرجل او يهان
وقيل اخبرهم سبحانه بتكوين آدم قبل ان يخلقه ليوطنوا انفسهم على فناء الدنيا وزوال ملكوتها كما قال تعالى لآدم { اسكن انت وزوجك الجنة } والسكنى لا يكون الا على وجه العارية ليوطن نفسه على الخروج من الجنة : قال الصائب
مهياى فنارا از علائق نيست بروايى ... نيند يشد زخاك آنكس كه دامن دركمر دارد
وانما خلق الله آدم بعد جميع المخلوقات ليكون خاتم الملك على باب الكنز الخاص(6/399)
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29)
{ فاذا سويته } اى صورته بالصورة الانسانية والخلقة البشرية { ونفخت فيه من روحى } النفخ اجراء الريح الى تجويف جسم صالح لامساكها والامتلاء بها وهو كناية عن ايجاد الحياة ولا نفخ ثمة ولا منفوخ بل ليس عند الحقيقة الالقاء الموجد اسم فاعل بالموجد اسم مفعول وسريان هويته اليه وظهور صفته وفعله فيه
قال الشيخ عز الدين النفخ عبارة عما اشعل نور الروح فى المحل القابل فالنفخ سبب الاشتعال وصورة النفخ فى حق الله تعالى محال والمسبب غير محال فعبر عن نتيجة النفخ بالنفخ وهو الاشعال واما السبب الذى اشتعل به نور الروح فهو صفة فى الفاعل وصفة فى المحل القابل اما صفة الفاعل فالجود الذى هو ينبوع الوجود وهو فياض بذاته على كل موجود حقيقة وجوده ويعبر عن تلك الصفة بالقدرة ومثالها فيضان نور الشمس عن كل قابل الاستنارة عند ارتفاع الحجاب فيما بينهما والقابل هو الملونات دون الهواء الذى لا تلون له واما صفة المحل القابل فالاستواء والاعتدال الحاصل فى التسوية كما قال تعالى { فاذا سويته } ومثال صفة القابل صقالة المرآة فان المرآة قبل صقالتها لا تقبل الصورة وان كانت محاذية لها فاذا صقلت حدثت صورة من ذى الصورة المحاذية لها فكذلك اذا حصل الاستواء فى النطفة حدث فيها الروح
آن صفاى آينه وصف دلست ... صورت بى منتهارا قابلست
اهل صيقل رسته انذاز بوورنك ... هر دمى خوبى بى درنك
وانما اضاف النفخ الى ذاته لانه تعالى باشر تسويته وتعديله فخلقه وعدله بيديه المقدستين ثم نفخ بذاته دون واسطة فيه من روحه الاضافى وهو نفسه الرحمانى الذى يقال له الوجود الظلى المشار اليه بقوله { ألم تر الى ربك كيف مد الظل } نفخا استلزم لكونه نفخا بالذات فيما بوشرت تسويته باليدين معرفة الاسماء كلها جمالية لطيفة كانت او جلالية قهرية
قال الشيخ عز الدين لروح منزه عن الجهة والمكان وفى قوتها العلم بجميع الاشياء والاطلاع عليها وهذه مناسبة ومضاهاة ليست لغيره من الجسمانيات فلذلك اختصت بالاضافة الى الله تعالى
قال الامام الجلدكى فى كتاب الانسان من كتاب البرهان جوهر الانسان بالاضافة الى الله تعالى
قال الامام الجلدكى فى كتاب الانسان من كتاب البرهان جوهر الانسان حقيقة واحدة فى الفطرة الاولى ذات قوى كثيرة وهو المسمى عند الصوفية روحا وقلبا وعند الحكيم نفسا ناطقة فاذا تعلق بالبدن انتشرت قواه واختفى نوره وحصل له مراتب كثيرة وعند احتجاجه بغواشى النشأة واستحالته بالامور الطبيعية يسمى نفسا وعند تجرده وظهور نوره يسمى عقلا وعند اقباله على الحق ورجوعه الى العالم القدسى ومشاهدته يسمى روحا وباعتبار اطلاعه ومعرفته للحق وصفاته واسمائه جمعا وتفصيلا يسمى قلبا وباعتبار ادراكه للجزئيات فقط واتصافه بالملكات والهيآت التى هى مصادر الافعال سمى نفسا انتهى كلامه
يقول الفقير ذهب جمع من اهل السنة والجماعة منهم الغزالى والامام الرازى وفاقا للحكماء والصوفية الى ان الروح اثر مجرد غير حال بالبدن يتعلق به تعلق العاشق بالمعشوق يدبر امره على وجه لا يعلمه الا الله تعالى .(6/400)
وتحقيق المقام ان الروح سلطانى وحيوانى فالاول من عالم الامر ويقال له المفارق ايضا لمفارقته عن البدن وتعلقه به تعلق التدبير والتصرف وهو لا يفنى بخراب هذا البدن وانما يفنى تصرفه فى الاعضاء ومحل تعينه هو القلب الصنوبرى والقلب من عالم الملكوت
قال فى التعريفات الروح الاعظم هو الروح الانسانى مظهرالذات الالهية من حيث ربوبيتها والثانى من عالم الخلق ويقال له القلب والعقل والنفس ايضا وهو سائر فى جميع اعضاء البدن كما قال فى التعريفات الروح الحيوانى جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسمانى وينتشر بواسطة العروق الضوارب الى سائر اجزاء البدن واقوى مظاهره الدم ومحل تعينه هو الدماغ وهو اثر الروح السلطانى ومبدأ الافعال والحركات وهو بمنزلة الصفة من الذات فكما ان الافعال الالهية تبتنى على اجتماع الذات بالصفة كذلك الافعال تتفرع على اجتماع الروح السلطانى بالروح الحيوانى وكما ان الصفات الالهية الكمالية كانت فى بطن غيب الذات الاحدية قبل وجود هذه الافعال والآثار كذلك هذا الروح الحيوانى كان بالقوة فى باطن الروح السلطانى قبل تعلقه بهذا البدن
قال حضرة شيخى قدس سره فى بعض تحريراته غيب السر وهو السر الاخفى اى سر السر مظهر الوجود المطلق عن جميع التعينات السلبية والايجابية بالاطلاق الذاتى الاصلى الحقيقى الوجودى لا بالاطلاق الاضافى النسبى الوهمى الاعتبارى والسر مظهر التعين الاول الذاتى الاحدى الجمعى والروح السلطانى مظهر التعين الثانى الصفاتى الواحد الفرقى والروح الحيوانى مظهر التعين الثالث الفعلى ولا حجاب الا جهالة النفس بنفسها وغفلتها فلو ارتفعت جهالتها وغفلتها لشاهدت الامر وعاينته كما تشاهد الشمس فى وسط السماء وتعاينها اللهم ارفع الحجب عن القلوب حتى تنفتح ابواب الغيوب انتهى بعبارته
قال الله تعالى فى بعض كتبه المنزلة اعرف نفسك يا انسان تعرف ربك وقال عليه الصلاة والسلام « اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه » ومن فضل الله تعالى على الانسان ان علمه طريق معرفته بان جمع فى شخصه مع صغر حجمه من العجائب ما يكاد يوازى عجائب كل العالم حتى كأنه نسخة مختصرة من هيئة العالم
آدمى جيست برزخى جامع ... صورت خلق وحق درو واقع
متصل با دقائق جبروت ... مشتمل بر حقائق ملكوت
ليتوسل الانسان بالتفكر فيها الى العلم بالله الذى هو اجل المعلوم واشراف المعارف . ومعنى الآية فاذا كملت استعداده وجعلت فيه الروح حتى جرى آثاره فى تجاويف اعضائه فحيى وصار حساسا متنفسا { فقعوا له } امر من وقع يقع وفيه دليل على انه ليس المأمور به مجرد الانحناء قيل اى لسقطوا له { ساجدين } امتثالا لامر الله تعالى وتحية لآدم وتعظيما وتكريما له واسجدوا لله على انه عليه السلام بمنزلة القبلة حيث ظهر فيها تعاجيب آثار قدرته وحكمته
يقول الفقير لى رؤيا صادقة فى هذا المقام وهى انى رأيت حضرة شيخى وسندى روح الله روحه فى المنام فى غاية من الانبساط فسألته عن بعض ما يتعلق بالموت فقال كنت على الطهارة الكاملة الى آخر النفس فلما قبض روحى دخلت فجا يجرى فيه عين ماء فتوضأت منه لانه وقع الحدث بالنزع ثم عرج بى الى السماء ثم رجعت الى جنازتى فصليت مع الحاضرين فقلت له هل يبقى العقل والادراك الذى هو فى النشأة الدنيوية على حاله قال نعم ثم اخذ بيدى وهو مبتسم فقال لى مرتين كن معتقدا لى كأنه اظهر السرور من حسن اعتقادى له فاستيقظت ففى هذه الرؤيا امور .(6/401)
منها ان الوضوء ينتقض عند النزع وعليه بنى مشروعية الغسل فى الاصح والمؤمن الكامل طاهر فى حياته ومماته فلا يتنجس والحدث غير التنجس ولو سلم فهو بالنسبة الى الناقص
والحاصل انه يغسل الكامل غسل الناقص لانه على غير وضوء بحسب الظاهر ولانه فى هذه النشأة الدنيوية تابع للناقص فيما يتعلق بالامور الظاهرة . ومنها بيان بقاء العقل والادراك على حاله لان العقل والايمان والولاية ونحوها من صفات الروح وهو لا يتغير بالموت . ومنها ان الروح الكامل يشهد جنازته فيكون اسوة للناس فى الصلاة فصلاته على نفسه اشارة الى ان الكامل هو الساجد والمسجود له فى مرتبة الحقيقة فعبادته له لا غير فافهم جدا وصلاة الناس عليه اشارة الى سجود الملائكة لآدم ولهذا شرعت صلاة الجنازة مطلقا تحقيقا لهذا السر العظيم ولا ينافيه كونها دعاء وثناء فى مرتبة الشريعة اذ لكل مرتبة حد بحسب الوقوف عنده
قال فى التأويلات النجمية { فاذا سويته } تسوية تجعله قابلا لنفختى وللروح المضاف الىّ { ونفخت فيه من روحى } يشير بتشريف هذه الاضافة الى اختصاص الروح باعلى المراتب من الملكوت الاعلى وكمال قربه الى الله كما قال { ونحن اقرب اليه من حبل الوريد } والى اختصاصه بقبول النفخة فانه تشرف بهذا التشريف وخص به من سائر المخلوقات { فقعوا له ساجدين } وذلك لان الروح لما ارسل من اعلى مراتب القرب بنفخة الحق تعالى الى اسفل سافلين القالب كان عبوره على الروحانيات والملائكة المقربين وهم خلقوا من نور فاندرجت انوار صفاتهم فى نور صفاته كما تندرج انوار الكواكب فى نور الشمس ثم عبر عن الجن والشياطين فاتخذ زيدة خواص صفاتهم ثم عبر على الحيوانات فاستفاد منهم الحواس والقوى ثم تعلق بالقالب المخلوق بيد الله المخمر فيه لطف الله وقهره المستعد لقبول التجلى فلما خلق الله آدم وتجلى فيه قال لاهل الخطاب وهم الملائكة فقعوا له ساجدين لاستحقاق كماله فى الخلقة وشرفه بالعلم وقابليته للتجلى(6/402)
فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30)
{ فسجد الملائكة } اى فخلقه فسواه فنفخ فيه الروح فسجد له الملائكة { كلهم } بحيث لم يشذ منهم احد ارضيا كان او سماويا { اجمعون } بحيث لم يتأخر فى ذلك احد منهم عن احد بل سجدوا مجتمعين
يقول الفقير ها فى الحقيقة تعظيم للنور المنطبع فى مرآة آدم عليه السلام وهو النور المحمدى والحقيقة الاحمدية ولله در الحافظ فى قوله
ملك در سجده آدم زمين بوس تونيت كرد ... كه در حسن تو لطفى يافت بيش از طور انسانى
قوله اجمعون تأكيد بعد لكنه لوحظ فيه معنى الجمع والمعية بحسب الوضع كما تلاحظ المعانى الاصلية فى الكنى اذ لا ينافى اقامته مقام كل فى افادة معنى الاحاطة افادة معنى زائد يقصد ضمنا وتبعا فاذا فهمت الاحاطة من لفظ آخر لم يكن بدّ من مراعاة الاصل صونا للكلام عن الالغاء ولا ريب فى ان السجود معا اكمل اصناف السجود فيحمل عليه
قال فى بحر العلوم قالوا هو نظير المفسر فان قوله فسجد الملائكة ظاهر فى سجود جميع الملائكة لان الحرف المعرف باللام ظاهر فى العموم يتناول كل واحد من الافراد كالمفرد لكنه يحتمل التخصيص وارادة البعض كما فى قوله { واذ قالت الملائكة يا مريم } اى جبريل فبقوله كلهم انقطع ذلك الاحتمال وصار نصا لازدياد وضوحه على الاول ولكنه يحتمل التأويل والحمل على التفرق فبقوله اجمعون انسد ذلك الاحتمال وصار مفسرا لانقطاع الاحتمال عن اللفظ بالكلية
فان قلت قد استثنى ابليس فيكون محتملا للتخصيص
قلت الاستثناء ليس بتخصيص(6/403)
إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33)
{ الا ابليس } ابلس يئس وتحير منه ابليس او هو اعجمى انتهى
وعلى الثانى ليس فيه اشتقاق وهو الاصح عند الجمهور والاستثناء متصل لانه الاصل لانه كان جنيا مفردا مستورا فيما بين الملائكة فارم بالسجود معهم فغلبوا عليه فى قوله فسجد الملائكة تغليب الذكر على الانثى ثم استثنى كما يستثنى الواحد منهم استثناء متصلا ونظيره قولك رأيتهم الا هندا وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال الله لجماعة من الملائكة اسجدوا لآدم فلم يفعلوا فارسل عليهم نارا فاحرقتهم ثم قال لجماعة اخرى اسجدوا لآدم فسجدوا الا ابليس
يقول الفقير فيه اشكالان الاول ان عبادة الملائكة طبيعية فلا يتصور منهم التردد فضلا عن الامتناع عن الامتثال للامر الالهى لا سيما ان ابليس لو شاهد تلك الحال لبادر الى الامتثال خوفا من سطوة الجلال اللهم الا ان لا يكون بحضوره والثانى ان التأكيدين افادا المعية والاجتماع وذلك بالنظر الى جميع الملائكة وفيه ذكره تفريق لطائفة عن اخرى { أبى ان يكون مع الساجدين } ابى الشيء يأباه ويأبيه اباه واباءة كرهه وابيته اياه كما فى القاموس وهو جواب قائل قال لم لم يسجد اى عدم سجوده لم يكن من تردده بل من ابائه واستكباره ويجوز ان يكون الاستثناء منقطعا فيتصل به ما بعده اى لكن ابليس أبى ان يكون معهم فى السجود لآدم
وفيه دلالة على كمال ركاكة رأيه حيث ادمج فى معصية واحدة ثلاث معاص مخالفة الامر والاستكبار مع تحقير آدم ومفارقة الجماعة والاباء عن الانتظام فى سلك اولئك المقربين الكرام
قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره فى روح القدس اعلم انه لا شيء انكى على ابليس من آدم فى جميع احواله فى صلاته من سجوده لانها خطيئته يتذكر الشيطان معصيته فيحزن فيشتغل بنفسه عنه ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكى ويثول يا ويلتى امر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وارمت بالسجود فابيت فعلى النار » فالعبد فى سجوده معصوم من الشيطان غير معصوم من النفس فخواطر السجود اما ربانية او ملكية او نفسية وليس للشيطان عليه من سبيل فاذا اقام من سجوده غابت تلك الصفة عن ابليس فزال حزنه فاشتغل به : وفى المثنوى
آدمى را دشمن بنهان بسيست ... آدمى باحذر عاقل كسيست
خل بنهان زشتشان وخوبشان ... مى زند بردل بهر دم كوبشان
بهر غسل اردر روى در جويبار ... بر تو آسيبى زند در آب خار
كرجه بنهان خار در آبست بست ... جونكه دو تومى خلد دانى كه هست
خار خارو حيلها ووسوسه ... از هزاران كس بوديك كسه
باش تاخسهاى تو مبدل شود ... تا بينى شان ومشكل حل شود(6/404)
{ قال } استئناف مبنى على سؤال من قال فماذا قال تعالى عند ذلك فقيل قال الله { يا ابليس ما لك } اى أى سبب لك { ان لا تكون } فى ان لا تكون { مع الساجدين } لآدم مع انهم ومنزلتهم فى الشرف منزلتهم وما كان التوبيخ عند وقوعه لمجرد تخلفه عنهم بل لكل من المعاصى الثلاث المذكورة
{ قال } ابليس وهو ايضا استئناف بيانى { لم اكن لاسجد } اللام لتأكيد النفى اى ينافى حال ولا يستقيم منى ان اسجد { لبشر } اى جسم كثيف وانا جوهر روحانى { خلقته من صلصال } [ از كل خشك ] { من حمأ مسنون } [ ازلاى سياه بوى ناك ] وقد تقدم تفسيره : يعنى [ اورا ازا خس عناصر آفريدى كه خاست ومرا از اشرف آن كه آتش است بس روحانى لطيف جرا فرمان جسمانى كثيف برد واورا سجده كند ابليس نظر بظاهر آدم داشت واز باطن او غافل بود صورتش را ويرانه ديد ندانست كه كنج اسرار دران خرابه مدفونست
كجست درين خانه كه در كون نكنجد ... اين كنج خراب از بى آن كنج نهانست
فى الجمله هرآنكس كه درين خانه رهى يافت ... سلطان زمين است وسليمان زمانست
وفى التأويلات النجمية { فسجد الملائكة كلهم اجمعون } لما فيهم من خصوصية انقياد النورية واختصاص العلم بقبول النصح { الا ابليس ابى ان يكون مع الساجدين } لاختصاصه بالتمرد وتمرد النارية والجهل الذى هو مركوز فيه ولحسبانه انه عالم اذ { قال } له ربه { يا ابليس مالك ان لا تكون مع الساجدين } اى ما حجتك فى الامتناع عن السجود { قال لم اكن لاسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون } اى حجتى انك خلقتنى من نار وهى جوهر لطيف نورانى علوى وخلقته من طين وهو كثيف ظلمانى سفلى فانا خير منه لهذا الدليل فاشار بهذا الاستدلال الى ان آدم ر ينبغى ان يسجد له لفضله عليه ومن غاية جهالته وسخافة عقله يشم من نتن كلامه ان الله اخطأ فيما أمره وامر الملائكة من السجود لآدم وحسب ان الله جعل استحقاق آدم لسجود الملائكة فى بشرية آدم وخلقته من الطين وهو بمعزل عما جعل الله استحقاقه للسجود فى سر الخلافة المودعة فى روحه المشرف بشرف الاضافة الى حضرته المختص باختصاص نفخته المتعلم للاسماء كلها المستعد لتجلى جماله وجلاله فيه ومن ههنا قيل لابليس انه اعور لانه كان بصيرا باحدى عينيه التى يشاهد بها بشرية آدم وما اودع فيها من الصفات الذميمة الحيوانية السبعية المذمومة المتولد منها الفساد وسفك الدماء وانه كان اعمى باحدى عينيه التى يشاهد بها سر الخلافة المودع فى روحانيته وما كرم به من علم الاسماء والنفخة الخاصة وشرف الاضافة الى نفسه وغير ذلك من الاصطفاء والاجتباء
قال حضرة شيخى وسندى فى بعض تحريراته الارض وحقائق الارض فى الطمأنينة والاحسان بالوجود لذلك لا يزال ساكنا وسكونا وساكتا وسكوتا لفوزه بوجود مطلوبه فكان اعلى مرتبة العلو فى عين السفل وقام بالرضى المتعين من قلب الارض فمقامه رضى وحاله تسليم ودينه اسلام انتهى
ويشير الى سر كلام حضرة الشيخ قول من قال
ارس را در بيابان جوش باشد ... بدريا جون رسد خاموش باشد
وقول الصائب ايضا
عاشقانرا تافنا از شادى وغم جاره نيست ... سيل را بست وبلندى هست تادريا شدن(6/405)
قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35)
{ قال } الله تعالى { فاخرج منها } امر اهانة وابعاد كما فى قوله تعالى { قال فاذهب } والضمير للجنة وخروجه منها لا ينافى دخولها بطريق الوسوسة وكذا يستلزم خروجه من السموات ايضا ومن زمرة الملائكة المقربين ومن الخلقة التى كان عليها وهى الصورة الملكية وصفاتها كما هو شأن المطرودين النغضوبين وقد كان يفتخر بخلقته فغير الله خلقته فاسود بعد ما كان لبيض وقبح بعد ما كان حسنا واظلم بعد ما كان نورانيا
قال ابو القاسم الانصارى ان الله باين بين الملائكة والجن والانس فى الصور والاشكال فان قلب الله تعالى الملك الى بنية الانسان ظاهرا وباطنا خرج عن كونه ملكا وقس عليه غيره { فانك رجيم } من الرجم بالحجر اى الرمى به وهو كناية عن الطرد لان من يطرد يرجم بالحجارة على اثره اى مطرود من رحمة الله ومن كل خير وكرامة او من الرجم بالشهب وهو كناية عن كونه شيطانا اى من الشياطين الذين يرجمون بالشهب وهو وعيد يتضمن الجواب عن شبهته قال من عارض النص بالقياس فهو رجيم ملعون
{ وان عليك اللعنة } الابعاد عن الرحمة وحيث كان من جهة الله تعالى وان كان جارياعلى السنة العباد وقيل فى سورة ص { وان عليك لعنتى } { الى يوم الدين } الى يوم الجزاء والعقوبة وفيه اشعار بتأخير عقابه وجزائه اليه وان اللعنة مع كمال فظاعتها ليست جزاء لفعله وانما يتحقق ذلك يومئذ وحد اللعن بيوم الدين لانه عليه اللعنة فى الدنيا فاذا كان يوم الدين اقترن له باللعنة عذاب ينسى عنده اللعنة
وفى التبيان هذا بيان للتأبيد لا للتوقيت كقوله { ما دامت السموات } فى التأبيد ويؤيده وقع اللعن فى ذلك اليوم كما قال تعالى { فاذن مؤذن بينهم ان لعنة الله على الظالمين } وهو لعن مقارن بالعذاب الاليم نسأل الله الفوز والعاقبة وانما حكم عليه باللعنة لاستحقاقه لذلك بحسب الفطرة وفى الازل فكانت غذاءه الى ابد الآباد : وفى المثنوى
كر جهان باغى براز نعمت شود ... قسم مور ومار هم خاكى بود
كرم سركين درميان آن حدث ... در جهان نقلى نداند جز خبث
وفيه اشارة الى ان ابليس النفس مأمور بسجود آدم الروح ومن دأبه وطبعه الاباء عن طاعة الله تعالى والاستكبار عن خليفة الله والامتناع عن سجوده وذلك فى بدء خلقتهما على فطرة الله التى فطر الناس عليها فلما امر ابليس بسجوده وابى قال { فاخرج منها } اى من فطرة الله المستعدة لقبول الكفر والايمان { فانك رجيم } مطرود عن جوارنا لانك قبلت الكفر دون الايمان { وان عليك اللعنة } وهى من نتائج صفات القهر اى مقهورا مبعدا عن مقام عبادنا المقبولين { الى يوم الدين } اى الى ان نولج ليل الدين فى نهار الدين وتطلع شمس شواهدنا من مشرق الروح وتصير ارض النفوس مشرقة بانوار الشواهد فتكون مطمئنة بها متبدلة صفاتها الذميمة الحيوانية المظلمة باخلاق الروحانية الحميدة النورانية الحميدة لخطاب ارجعى كما فى التأويلات النجمية(6/406)
قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36)
{ قال } ابليس عليه ما يستحق { رب } [ اى بروردكار ] { فانظرنى } الفاء متعلقة بمحذوف دل عليه فاخرج منها فانك رجيم اى اذا جعلتنى رجيما فامهلنى واخرجنى { الى يوم يبعثون } اى آدم وذريته للجزاء بعد فنائهم والبعث احياء الميت كالنشر واراد بذلك ان يجد لاغوائهم ويأخذ منهم ثاره وينجو من الموت اذ لا موت بعد يوم البعث فاجابه الى الاول دون الثانى كما قال تعالى { قال } الله تعالى(6/407)
قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37)
{ فانك من المنظرين } اى من جملة الذين اخرت آجالهم ازلا ودل على ان ثمة منظرين غير ابليس وهم الملائكة فانهم ليسوا بذكور ولا اناث ولا يتوالدون ولا يأكلون ولا يشربون ولا يموتون الى آخر الزمان واما الشياطين فذكور واناث يتوالدون ولا يموتون بل يخلدون كما خلد ابليس واما الجن فيتوالدون وفيهم ذكور واناث ويموتون
بلغ الحجاج بن يوسف ان بارض الصين مكانا اذا اخطأوا فيه الطريق سمعوا صوتا يقول هلموا الى الطريق ولا يرون احدا فبعث اناسا وامرهم ان يتخاطأوا الطريق عمدا فاذا قالوا لكم هلموا الى الطريق فحملوا عليهم فقالوا انكم لن ترونا فقلت منذ كم انتم ههنا قالوا ما نحصى السنين غير ان الصين خربت ثمانى مرات وعمرت ثمانى مرات ونحن ههنا والصين موضع بالكوفة ومملكة بالمشرق منها الاوانى الصينية وبلدة باقصى الهند
وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان ابليس اذا مرت عليه الدهور وحثل له الهرم عاد ابن ثلاثين سنة
ويقال ان الخضر عليه السلام يجدده الله تعالى فى بدنه فى كل مائة وعشرين سنة فيعود شابا وهو من المنظرين كما فى الاخبار الصحيحة وهذه المخاطبة وان لم تكن بواسطة لكن لا تدل على علو منصب ابليس لان خطاب الله تعالى له على سبيل الاهانة والاذلال كما فى التفاسير
وقال بعضهم الصحيح انه لا يجوز ان يكون كلمه كفاحا اى شفاها ومواجهة وانما كلمه على لسان ملك لان كلام البارى لمن كلمه رحمة ورضى وتكرّم واجلال الا ترى ان موسى عليه السلام فضل بذلك على سائر الانبياء ما عدا الخليل ومحمدا عليهما السلام وجميع الآى الواردة محمولة على انه رسل اليه بملك يقول له
فان قلت أليس رسالته اليه ايضا تشريفا
قيل مجرد الارسال ليس بتشريف وانما يكون لاقامة الحجة بدلالة ان موسى عيله السلام ارسل الى فرعون وهامان ولم يقصد اكرامهما وتشريفهما كذا فى آكام المرجان(6/408)
إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38)
{ الى يوم الوقت المعلوم } اى المعين عند الله تعالى لا يتقدم ولا يتأخر وهو وقت موت الخلق عند النفخة الاولى ثم لا يبقى بعد ذلك حى الا الله تعالى اربعين سنة الى النفخة الثانية
همه تخت وملكى يذيرد زوال ... بجز ملك فرمان ده لا يزال
قال الكاشفى : يعنى [ زمان فناء خلق بنفخه اول كه نفخه صعقه كويند جه قول جمهور آنست كه نفخه اول نفخه موت ياشد ونفخهه ثانى نفخه احياء وميان دو نفخه بقول اشهر جهل سال خواهد بود بس ابليس جهل سال مرده باشد بس انكيخته شود ]
قال فى السيرة الحلبية هذه النفخة التى هى نفخة الصعق مسبوقة بنفخة الفزع التى يفزع بها اهل السموات والارض فتكون الارض كالسفينة فى البحر تضربها الامواج وتسير الجبال كسير السحاب وتنشق السماء وتكسف الشمس ويخسف القمر
وعن وهب ان اليوم المعلوم الذى انظر اليه ابليس هو يوم بدر قتلته الملائكة فى ذلك اليوم
وقيل وقت طلوع الشمس من مغربها بدليل قول النبى عليه السلام « اذا طلعت الشمس من مغربها خر ابليس ساجدا ينادى ويجهر الهى مرنى ان اسجد لمن شئت فيجتمع ذريته فيقولون يا سيدنا ما هذا التضرع فيقول انما سألت ربى ان ينظرنى الى الوقت المعلوم وهذا الوقت المعلوم ثم تخرج دابة الارض من صدع فى الصفا فاول خطوة تضعها بانطاكية فيأتى ابليس فتلطمه وتقتله بوطئها » والقول الاول اشهر
قال احنف بن قيس قدمت المدينة اريد امير المؤمنين عمر رضى الله عنه فاذا انا بحلقة وكعب الاحبار فيها يحدث الناس ويقول لما حضر آدم عليه السلام الوفاة قال يا رب سيشمت بى عدوى ابليس اذا رآنى ميتا وهو منظر الى يوم القيامة فاجيب ان يا آدم انك سترد الى الجنة ويؤخر اللعين الى النظرة ليذوق الم الموت بعدد الاولين والآخرين ثم قال لملك الموت صف كيف تذيقه الموت فلما وصفه قال يا رب حسبى فضج الناس وقالوا يا ابا اسحاق كيف ذلك فابى فالحوا فقال يقول الله تعالى لملك الموت عقيب النفخة الاولى قد جعلت فيك قوة اهل السموات السبع واهل الارضين السبع وانى البستك اليوم اثواب السخط والغضب كلها فانزل بغضبى وسطوتى على رجيمى ابليس فاذقه الموت واحمل عليه مرارة الاولين والآخرين من الثقلين اضعافا مضاعفة وليكن معك من الزبانية سبعون الفا وقد امتلأوا غيظا وغضبا وليكن مع كل منهم سلسلة من سلاسل جهنم وغل من اغلالها وانزع روحه المنتن بسبعين الف كلاب من كلاليبها وناد مالكا ليفتح ابواب النيران فينزل ملك الموت بصورة لو نظر اليها اهل السموات والارضين لماتوا بغتة من هولها فينتهى الى ابليس فيقول قف لى يا خبيث لاذيقنك الموت كم من عمر ادركت وقرون اضللت وهذا هو الوقت المعلوم قال فيهرب اللعين الى المشرق فاذا هو بملك الموت بين عينيه فيهرب الى المغرب فاذا هو بين عينيه فيغوص البحار فنتنزه عنه البحار فلا تقبله فلا يزال يهرب فى الارض ولا محيص له ولا ملاذ ثم يقوم فى وسط الدنيا عند قبر آدم عليه السلام ويتمرغ فى التراب من المشرق الى المغرب ومن المغرب الى المشرق حتى اذا كان فى الموضع الذى اهبط فيه آدم عليه السلام وقد نصبت له الزبانية الكلاليب وصارت الارض كالجمرة احتوشته الزبانية وطعنوه بالكلاليب ويبقى فى النزع والعذاب الى حيث شاء الله تعالى(6/409)
هركسى آن درود عاقبت كاركه كشت ... ويقال لآدم وحواء عليهما السلام اطلعا اليوم الى عدوكما كيف يذوق الموت فيطلعان فينظران الى ما هو فيه من شدة العذاب فيقولان ربنا اتممت علينا نعمتك
شكر خداكه هرجه طلب كردم ازخدا ... بر منتهاى همت خود كامران شدم
قال فى اسئلة الحكم انما استجاب الله دعاءه بانظاره الى يوم الدين مكافاة له بعبادته التى مضت فى السماء وعلى وجه الارض ليعلم انه لا يضيع اجر العاملين فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره اما فى الدنيا معجلا مثوبته واما فى الآخرة فى حق المؤمن وقال فى موضع آخر اهلك الله تعالى اعداء سائر الانبياء كفرعون ونمرود وشداد وابقى عدو آدم الصفى وهو ابليس وذريته لان ابليس لم يكن عدو آدم فحسب انما كان عدو الله فامهله وابقاه الى آخرؤ الدهر استدراجا من حيث لا يعلم ليتحمل من الوزار ما لا يتحمله غيره من الاشرار والكفار فانظره الى يوم القرار ليحصل به الاعتبار لذوى الابصار بان اطول الاعمار فى هذه الدار لرئيس الكفار وقائد زمرة الفجار واساء الادب ودعا لنفسه بالبقاء والكبرياء والفراعنة لم يدعوا بالبقاء لانفسهم وما اصروا على الاستكبار فى جميع اعمارهم(6/410)
قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39)
{ قال } ابليس { رب } [ اى برورد كار من ] { يما اغويتنى } الباء للقسم وما مصدرية والجواب { لازينن لهم } اى اقسم باغوائك اياى لازينن لهم اى لذرية آدم المعاصى والشهوات واللذات فالمفعول محذوف . والاغواء [ بى راه كردن ] يقال غوى غواية ضل . والتزيين [ بياراستن ] { فى الارض } اى فى الدنيا التى هى دار الغرور كما فى قوله تعالى { اخلدا لى الارض } لان الارض محل متاعها ودارها
وفى التبيان ازين لهم المقام فى الارض كى يطمئنوا اليها واقسامه بعزة الله المفسرة بسلطانه وقهره كما فى قوله { فبعزتك } لا ينافى اقسامه بهذا فانه فرع من فروعها واثر من آثارها فلعله اقسم بهما جميعا فحكى تارة قسمه بصفة فعله وهو الاغواء واخرى بصفة ذاته وهى العزة
قال الكاشفى [ برخى برانندكه دربما اغويتنى باسبى است يعنى سبب آنكه مرا كمراه كردى من بيارايم معاصى رايجشم مردمان ] وجعله سعدى المفتى اولى لان جعل الاغواء مقسما به غير متعارف اذ الايمان مبنية على العرف [ هرجه بعرف مردمان أنرا سوكند توان كفت يمين است والالا ] يقول الفقير حفظه الله القدير سمعت من حضرة شيخى وسندى روح الله روحه ان آدم عليه السلام كاشف عن شأنه الذاتى فسلك طريق الادب حيث { قال ربنا ظلمان انفسنا } واما ابليس فلم يكن له ذلك ولذلك قال { بما اغويتنى } حيث اسند الاغواء الى الله تعالى اذ تلك الغواية كانت ثابتة فى عينه العلمية وشأنه الغيبى فاقتضت الظهور فى هذا العالم فاظهرها الله تعالى ومن المحال ان يظهر الله تعالى ما ليس بثابت ولا مقدور وقولهم السعادة الازلية والعناية الرحمانية من طريق الادب والا فاحوال كل شئ تظهر لا محالة فاسمع واحفظ وصن : قال الحافظ
بير ما كفت خطا برقلم صنع نرفت ... آفرين بر نظر باك خطا بوشش بود
{ ولاغوينهم اجمعين } ولاحملنهم اجمعين على الغواية والضلالة(6/411)
إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)
{ الا عبادك منهم المخلصين } الذين اخلصتهم لطاعتك وطهرتهم من شوائب الشرك الجلى والخفى فلا يعمل فيهم كيدى فانهم اهل التوحيد الحقيقى على بصيرة من امرهم ويقظة
وفى التاويلات النجمية اخصلتهم من حبس الوجود بجذبات الالطاف وافنيتهم عنهم بهويتك
ومما كتب لى من باب واحد وهو التخلص من شوائب الصفات النفسانية مطلقا والصديق والمخلص بالفتح من باب واحد وهو التخلص ايضا من شوائب الغيرية والثانى اوسع فلكا واكثر احاطة فاجتهد فى اللحوق باصحاب الثانى حتى تامن من جميع الاغيار والاكدار وكفاك فى شرف الصدق ان اللعين ما رضى لنفسه الكذب حتى استثنى المخلصين : قال الحافظ
طريق صدق بياموز از آب صافى دل ... براستى طلب ازاد كى كوسرو جمن
وعن ابى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « قال ابليس لربه عز وجل بعزتك وجلالك لا ابرح اغوى بنى آدم ما دامت الارواح فيهم فقال الله تعالى وعزتى وجلالى لا ازال اغفر لهم ما استغفرونى » وفى الحديث « لما لعن ابليس قال فبعزتك لا افارق قلب ابن آدم حتى يموت قال قيل له وعزتى لا احظر عنه التوبة حتى يغرغر بالموت » وانما خلق الله ابليس ليميز به العدو من الحبيب والشقى من السعيد فخلق الله الانبياء ليقتدى به الاشقياء ويظهر الفرق بينهما فابليس دلال وسمسار على النار والخلاف وبضاعته الدنيا ولما عرضها على الكافرين قيل ما ثمنها قال ترك الدين فاشتروها بالدين وتركها الزاهدون واعرضوا عنها والراغبون فيها لم يجدوا فى قلوبهم ترك الدين ولا الدنيا فقالوا له اعطنا مذاقة منها حتى ننظر ما هى فقال ابليس اعطونى رهنا فاعطوه سمعهم وابصارهم ولذا يحب ارباب الدنيا استماع اخبارها ومسارها ومشاهدة زينتها لان سمعهم وبصرهم رهن عند ابليس فاعطاهم المذاقة بعد قبض الرهن فلم يسمعوا من الزهاد عيب الدنيا ولم يبصروا قبائحها بل استحسنوا زخرفها ومتاعها فلذلك قيل حبك الشئ يعمى ويصم
ودخل قوم على ابى مدين فشكوا وسوسة الشيطان فقال قد خرج من عندى الساعة وشكا منكم وقال قل لاصحابك يتركوا دنياى حتى اترك لهم دينهم ومتى تعرضوا لمتاعى الدنيا اتشبث بمتاعهم الآخرة
قال احمد بن حنبل رحمه الله اعداؤك اربعة الدنيا وسلاحها لقاء الخلق وسجنها العزلة
جامى بملك ومال جوهر سفله دل مبند ... كنج فراع وكنج قناعت ترابس است
والشيطان وسلاحه الشبع وسجنه الجوع
جوع باشد غذاى اهل صفا ... محنت وابتلاى اهل هوا
والنفس سلاحها النوم وسجنها السهر
تركس اندرخواب غفلت يافت بلبل صد وصال ... خفته تابينا بود دولت به بيداران رسد
والهوى وسلاحه الكلام وسجنه الصمت
اكربسيار دانى اندكى كوى ... يكى راصد مكوصدرا يكى كوى(6/412)
قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41)
{ قال } الله تعالى لابليس { هذا } اى تخلص المخلصين من اغوائك { صراط } [ راهيست حق است ] { على } [ برمن رعايت آن ] اى كالحق الذى يجب مراعاته فى تأكيد ثبوته وتحقق وقوعه اذ لا يجب على الله شئ عند اهل السنة { مستقيم } لا عوج فيه ولا انحراف عنه . ويجوز ان يكون هذا اشارة الى الاخلاص على معنى انه طريق يؤدى الى الوصول الى من غير اعوجاج وضلال فايثار حرف الاستعلاء على حرف الانتهاء لتأكيد الاستقامة والشهادة باستعلاء من ثبت عليه فهو ادل على التمكين من الوصول وهو تمثيل اذلا استعلاء لشئ على الله تعالى(6/413)
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)
{ ان عبادى } وهم المشار اليهم بالمخلصين الجديرون بالاضافة الى جنابه تعالى لخلوصهم فى الايمان وسلامتهم من اضافة الوجوج الى انفسهم وحريتهم عما سوى الله تعالى { ليس لك عليهم } على قلوبهم { سلطان } تسلط وتصرف بالاغواء
قال فى الاسئلة قيل للشيطان ما حالك مع ابى مدين قال كمثل رجل يبول فى البحر المحيط يريد ان يلوثه هل اسفه منه او كمثل رجل يريد ان يطفئ انوار الشمس بنفسه هل ترى اجهل منه
وقيل لبعضهم كيف مجاهدتك للشيطان قال ما الشيطان نحن قوم صرفنا هممنا الى الله تعالى فكفانا من دونه وفى معناه انشد
تسترت عن دهرى بظل جنابه ... فعينى ترى دهرى وليس يرانا
فلو تسأل الايام ما اسمى ما درت ... واين مكانى ما عرفن مكانيا
{ الا من اتبعك من الغاوين } [ مكر آنكس كه متابعت تو كند از كمراهان كه توبدو مسلط توانى شد ]
وفيه اشراة الى ان اغواءه للغاوين ليس بطريق السلطان بمعنى القهر والجبر بل بطريق اتباعهم له بسوء اختيارهم فيتسلط عليهم بالوسوسة والتزيين
فان قلت ان الله تعالى لم يمنع ابليس عن النبى صلى الله عليه وسلم
قلت سلطه عليه ثم عصمه منه ولذا اسلم شيطانه على يديه واخذه مرة وجعل رداءه فى عنقه حتى استعاذ منه فهو كمثل الفلاش يريد ان يطفئ نور السراج فيحرق نفسه
قال على رضى الله عنه الفرق بين صلاتنا وصلاة اهل الكتاب وسوسة الشيطان لنه فرغ من عمل الكفار لانهخم وافقوه يقول اذا كفر احد انى بريئ منك والمؤمن يخالفه والمحاربة تكون مع المخالفة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ان الشيطان يوسوس لكم ما تكلمتم به لكفرتم فعليكم بقراءة قل هو الله احد »
قال حضرة شيخى وسندى روح الله روحه { وعباد الرحمن } العلماء الصلحاء { الذين يمشون على الارض هونا واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلام } وهم الذين قال الله تعالى فى حقهم { ان عبادى ليس لك عليهم سلطان } والعلماء الفسقاء الجهلاء الذين يمشون على الارض كبرا وتعظما واذا خاطبهم العالمون قالوا كلاما شنيعا وملاما قبيحا وهم الذين قال الله فى حقهم { الا من اتبعك من الغاوين } فاتقوا الله يا اولى الالباب من العلم الخبيث الذى مال اليه الخبيثون اذ الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات واطلبوا يا ذوى القلوب العلم الطيب الذى قصد اليه الطيبون اذ الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات اولئك هم الراشدون المهديون لعلكم تفلحون فى الدنيا والآخرة بالعلم النافع والعمل الصالح وانفع جميع العلوم النافعة هو العلم الالهى الحاصل بالتجلى الالهى والفيض الرحمانى والالهام الربانى المؤيد بالكتاب اللاهى والحديث النبوى ولا يحصل ذلك العلم بهذا التجلى والفيض والالهام الا عند اصلاح الطبيعة بالشريعة تزكية النفس بالطريقة وتخلية القلب وتحلية الفؤاد بالمعرفة وتجلية الروح وتصفية السر بالحقيقة باكمل التوحيد واشمل التجريد وافضل التفريد من جميع ما سوى الله حتى لا يبقى فى الطلب والقصد والتوجه والمحبة شئ مما سواله من السفات الفانية ففروا الى الله من جميع ما سوى الله سبق المفردون السابقون اولئك المقربون انتهى كلام الشيخ فى اللائحات البرقيات : قال الجامى
از عالم صورت كه همه نقش خيالست ... ره سوى حقيقت نبرى درجه خيالى(6/414)
وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44)
{ وان جهنم } معرب فارسى الاصل
يقال ركيه اى بعيدة الغور وكأنه فى الفرس [ جه نم ] وفى تفسير الفاتحة للفنارى سميت جهنم لبعد قعرها يقال بئر جهنام اذا كانت بعيدة القعر وقعرها خمس وسبعون مائة من السنين وهى اعظم المخلوقات وهى سجن الله فى الآخرة { لموعدهم } مكان الوعد للمتبعين اى مصيرهم { اجمعين } تأكيد للضمير والعامل الاضافة يعنى الاختصاص لا اسم مكان فانه لا يعمل { لها سبعة ابواب } يدخلون منها كا باب فوق باب على قدر الطبقات لكل طبقة باب { لكل باب } من تلك الابواب المنفتح على طبقة من الطبقات وقوله { منهم } اى من الاتباع حال من قوله { جزء مقسوم } ضرب معين مفرز من غيره حسبما استعداده فللطبقة الاولى وهى العليا العصاة من المسلمين
وعن الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر انه قال تبقى جهنم خالية ومراده الطبقة العالية فانها مقر عصاة المؤمنين ولا ريب ان من كان فى قلبه مثقال ذرة من ايمان اى من معرفة الله تعالى فانه لا يبقى مخلدا فتبقى جهنم خالية . واما الطبقات السافلة فاهلها مخلدة
يقول الفقير لكلامه محمل آخر عندى معلوم عند القوم لا يصح كشفه وللطبقة الثانية اليهود وللثالثة الناصرى وللرابعة الصابئون وللخامسة المجوس وللسادسة المشركون وللسابعة المنافقون
واختلف الروايات فى ترتيب طبقات النار وفى الاكثر جهنم اولها وفيما بعدها اختلاف ايضا كما فى حواشى سعدى جلبى المفتى . وسميت جهنم لما سبق . ولظى لشدة ايقادها . والحطمة لانها تحطم . والسعير لتوقدها . وسقر لشدة الالتهاب . والجحيم لعمقها . والهاوية لهويها وتسفلها . وفى بحر العلوم اعلم انه لا يتعين لتلك الابواب السبعة الا من عصى الله تعالى بالاعضاء السبعة العين والاذن واللسان والبطن والفرج والرجل والاولى فى الترتيب ما فى الفتوحات ان كونها سبعة ابواب بحسب اعضاء التكليف وهى السمع والبصر واللسان واليدان والقدمان والفرج والبطن والاعضاء السبعة مراتب ابواب النار فاحفظها كلها من كل ما نهاه الله وحرمه والا يصير ما كان لك عليك وتنقلب التعمة عقوبة
هفت در دوزخند درتن تو ... ساخته نقششان درو در بند
هين كه درست تست قفل امروز ... درهرفت محكم اندر بند
وفى التأويلات النجمية { وان جهنم } البعد والاحتراق من الفراق { لموعدهم اجمعين لها سبعة ابواب } من الحرص والشره والحقد والحسد والغضب والشهوة والكبر { لكل باب } من الرواح المتبعين لابليس النفس المتصفين بصفاتها { جزؤ مقسوم } بحسب الاتصاف بصفاتها
وقيل خلق تعالى للنار سبعة ابواب دركات بعضها تحت بعض . وللجنة ثمانية ابواب درجات بعضها فوق بعض لن الجنة فضل والزيادة فى الفضل والثواب كرم وفى العذاب جور . وقيل الاذان سبع كلمات والاقامة ثمان فمن اذن واقان غلقت عنه ابواب النيران وفتحت له ابواب الجنة الثمانية
واعلم ان اشد الخلق عذابا فى النار ابليس الذى سن الشرك وكل مخالفة وعامة عذابه بما يناقض ما هو الغالب عليه فى اصل خلقته وهى النار فيعذب غالبا بما فى جهنم من الزمهرير(6/415)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45)
{ ان المتقين } الاتقاء على ثلاثة اوجه اتقاء عن محارم الله باوامر الله واتقاء عن الدنيا وشهواتها بالآخرة وردجاتها واتقاء عما سوى الله تعالى بالله وصفاته والاول تقوى العوام والثانى تقوى الخواص والثالث تقوى الاخص { فى جنات وعيون } مستقرون فيها لكل واحد منهم جنة وعين على ما تقتضى قاعدة مقابلة الجمع بالجمع والاستغراق هو المجموعى لو لكل منهم عدة منهما على ان يكون الالف واللام للاستغراق الافرادى
قال الكاشفى يعنى [ باغها كه دران جشمها روان بود از شير وخمر وانكبين وآب ]
يقول الفقير جعل ما يستقرون فيه فى الآخرة كأنهم مستقرون فيه فى الدنيا لشدة اخذهم بالاسباب المؤدية اليه ونظيره فى حق اهل النار { ان الذين يأكاون اموال اليتامى ظلما انما ياكلون فى بطونهم نارا }(6/416)
ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46)
{ ادخلوها } اى يقال لهم من ألسنة الملائكة عند وصولهم الى الباب وعند توجههم من جنة الى جنة ادخلوا ايها المتقون تلك الجنات ملتبسين { بسلام } اى حال كونكم سالمين من كل مخوف او مسلما عليكم يسلم الله تعالى عليكم والسلام من الله هو الجذبة الالهية كما فى التأويلات النجمية { آمنين } من الآفات حال اخرى
وفى التاويلات { آمنين } من الموانع للدخول والخروج بعد الوصول وفيه اشارة الى ان السير فى الله لا يمكن الا بالله وجذباته كما كان حال النبى صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج حين تأخر عنه جبريل فى سدرة المنتهى
جنان كرم درتيه قربت براند ... كه درسدره جبريل ازو باز ماند
ونفى عنه الرفرف فى مقام قاب قوسين وما وصل الى مقام او ادنى وهو كمال القرب الابجذية ادن منى بفبسلام الله سلم من موانع الدخول والخروج بعد الوصول(6/417)
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47)
{ ونزعنا } [ وبيرون كشيم ] { ما فى صدورهم } [ آنجه درسينهاى بهشتيان باشد ] { من غل } اى حقد كامن فى القلب بسبب عداوة كانت منهم فى الدنيا
عن على رضى الله عنه ارجو ان اكون انا وعثمان وطلحة والزبير منهم
وفيه اشارة الى ان غل اوصاف البشرية من امارية النفس وصفاتها الذميمة لا ينتزع من النفوس الا بنزع الله تعالى اياه ومن لم ينزع عنه الغل لم يأمن من الخروج بعد الدخول كما كان حال آدم عليه السلام لما ادخل الجنة قيل تزكية النفس ونزع صفاتها عنها اخرج منها بالغل الذى كان من نتائجه وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه ونزع الغل بالتوبة وهداه الى الجنة
يقول الفقير انتزاع الغل اما ان يكون فى الدنيا وذلك بتزكية النفس عن الاوصاف القبيحة وتخلية القلب عن سفساف الاخلاق وهو للكاملين واما ان يكون فى الآخرة وهو للناقصين جعلنا الله واياكم من المتصافين { اخوانا } حال من الضمير فى جنات
قال الكاشفى [ در آيند ببهشت در حالى كه برادران باشند يكديكريرا يعنى درمهر بانى ودوستارى ] وزاد فى هذه السورة اخوانا لنها نزلت فى اصحاب رسول الله عليه السلام وما سواها عام فى المؤمنين
يقول الفقير فهم اذا كانوا اخوانا يعنى على المصافاة لم يبق بينهم التحاسد لا فى الدنيا على العلوم والمعارف ولا فى الآخرة على درجات الجنة ومراتب القرب { على سرر } [ برادران نشسته بر تحتها از زر مكلل بجواهر { متقابلين } رويها بيكديكر أورده اند بهشتيان قفاى يكديكر نمى بينند ] قال مجاهد تدور بهم الاسرة حيث ما ارادوا فهم متقابلون فى جميع احوالهم يرى بعضهم بعضا وذلك من نتائج مصافاتهم فى الدنيا(6/418)
لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48)
{ لا يمسهم } [ نميرسد ايشانرا ] { فيها } [ دربهشت ] { نصب } [ رنحى ومشقتى كه آن سراى تنعم وراحتست ] اى شئ منه اذ التنكير للتقليل لا غير
قال فى الارشاد اى تعب بان لا يكون لهم فيها ما يوجبه من الكد فى تحصيل ما لا بد منه لحصول كل ما يريدونه من غير مزاولة عمل اصلا او بان لا يعتريهم ذلك وان باشروا الحركات العنيفة لكمال قوتهم { وما هم منها بمخرجين } ابد الآباد لان تمام النعمة بالخلود
وفى التأويلات النجمية { لا يمسهم فيها نصب } من الحسد لبعضهم على درجات بعض واهل كل درجة مقيمون فى تلك الدرجة لا خروج لهم منها الى درجة تحتها ولا فوقها وهم راضون بذلك لان غل الحسد منزوع منهم
باك وصافى شو واز جاه طبيعت بدر آى ... كه صفايى ندهد آب تراب آلوده
وفى الحديث « اول زمرة تلج الجنة صورهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها ولا يتمخطون ولا يتغوطون آنيتهم فيها الذهب وامشاطهم من الذهب والفضة ومجامر هم الالوة ورشحهم المسك لكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقها من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض فى قلوبهم على قلب واحد يسبحون الله بكرة وعشيا » رواه البخارى
قال فى فتح القريب اى يصبحون الله بقدر البكرة والعشى فاوقات الجنة من الايام والساعات تقديرات فان ذلك انما يجيئ من اختلاق الليل والنهار وسير الشمس والقمر وليس فى الجنة من ذلك
قال القرطبى هذا التسبيح ليس عن تكليف والرزام لان الجنة ليست بمحل التكليف وانما هى محل جزاء وانما هو عن تيسير والهام كما قال فى الرواية الاخرى « يلهمون التسبيح والتحميد والتكبير كما يلهمون النفس » ووجه التشبيه ان نفس الانسان لا بد له منه ولا كلفة عليه ولا مشقة فى فعله وسر ذلك ان قلوبهم قد تنورت بمعرفته وابصارهم قد تمتعت برؤيته وقد غمرتهم سوابغ نعمه وامتلآت افئدتهم بمحبته ومخالته فألسنتهم ملازمة ذكره ورهينة شكره فمن احب شيأ اكثر ذكره(6/419)
نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49)
{ نبئ عبادى } [ آورده اندكه روزى حضرت بيغمبر صلى الله عليه وسلم درباب بنى شيبه بمسجد الحرام در آمد جمعى از اصحابه را ديدكه مى خندند فرمودكه « مالى اراكم تضحكون » جيست كه شمارا حندان مى بينم صحابه رايحه عتابى ازين سخن استشمام نمودند وآن حضرت در كنشت وهنوز بحجره نار سيده باز كشت وكفت جبرائيل آمد وبيغام أوردكه جرابتد كان مرا ن اميد سازى ] { نبئ عبادى } اى اعلم عبادى واخبرهم { انى } اى بانى { انا } وحدى فهو لقصر المسند على المسند اليه { الغفور } [ من لآمر زنده ام كسى راكه آمرزش طلبد ] { الرحيم } [ وبخشنده ام بركسى كه توبه كند ] اى لا يستر عليهم ولا يمحو ما كان منهم ولا ينعم عليهم بالجنة الا انا وحدى ولا يقدر على ذلك غيرى(6/420)
وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)
{ وان عذابى } [ وبآنكه عذاب من برعاصى كه از توبه واستغفار منحرفست ] { هو العذاب الاليم } هو مثل انا المذكور اى واخبرهم بان ليس عذابى الا العذاب الاليم وفى توصيف ذاته بالغفران والرحمة دون التعذيب حيث لم يقل على وجه المقابلة وانى المعذب المؤلم ايذان بانهما مما يقتضيهما الذات وان العذاب انما يتحقق بما يوجبه من خارج وترجيح وعد الطف وتأكيد صفة العفو
كرجه جرم من از عدد بيش است ... سقت رحمتى از ان بيش است
جه عجب كر عذاب ننمايد ... بركنه بيشكان ببخشايد
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان المختصين بعبوديته هم الاحرار عن رق عبودية ما سواه من الهوى والدنيا والعقبى وهم مظاهر صفات لطفه ورحمته والعذاب لمن يكون عبد الهوى والدنيا وما سوى الله وانه مظهر صفات قهره وعزته
وفيه اشارة اخرى الى ان سير السائرين وطيران الطائرين فى هواء العبودية وفضاء الربوبية انما يكون على قدمى الخوف والرجاء ولجناحى الانس والهيبة معتدلا فيهما من غير زيادة احداهما على الاخرى وفى الروضة لقى يحيى عليهما السلام فتبسم عيسى على وجه يحيى فقال مالى اراك لاهيا كأنك آمن فقال ما لى اراك عابسا كأنك آيس فقالا لا نبرح حتى ينزل علينا الوحى فاوحى الله تعاللى احبكما الى احسنكما ظنا بى وروى احبكما الى الطلق البسام ولم يزل زكريا عليه السلام يرى ولده يحيى مغموما باكيا مشغولا بنفسه فقال يا رب طلبت ولدا فانتفع به قال طلبته وليا والولى لا يكون الا هكذا
قال مسروق ان المخافة قبل الرجاء فان الله تعالى خلق جنة ونارا فلن تخلصوا الى الجنة حتى تمروا بالنار
يقول الفقير الذى ينبغى ان يقدمه العبد هو الخوف لانه الاصل وفيه تخلية القلب من الامانى الفاسد ولا ينافيه كون متعلق الرجاء هو السابق وهو رحمة الله الواسعة فانها الاصل وهو بالنسبة الى صفات الله ولذا جاء فى الحديث « لو يعلم العبد قدر رحمة الله ما تورع عن حرام ولو يعلم العبد قدر عقوبة الله لبخع نفسه » اى اهلكها فى عبادة الله تعالى « ولما اقدم على ذنب »
واعلم ان اسباب المغفرة كثيرة اعظمها العشق والمحبة فان الله تعالى انما خلق الانس والجن للعبادة الموصلة الى المعرفة الالهية والجذبة الربانية : قال الحافظ
هرجند غرق بحر كناهم زشش جهت ... كر آشناى عشق شوم غرق رحمتم
واسباب العذاب ايضا كثيرة اعظمها الجهل بالله تعالى وصفاته
فعلى العاقل ان يجتهد فى طريق العشق والمحبة والمعرفة الى ان يصل الى المراد ويستريح من تعب الطلب والاجتهاد فان الواصل الى المنزل مستريح
وقد قيل الصوفى من لا مذهب له واما من بقى فى الطريق فهو فى اصبعى الرحمن لا يزال يتقلب من حال الى حال ومن امن الى خوف وبالعكس الى ان تنقطع الاضافات وعند ذلك يعتدل حاله ويستقيم ميزان علمه وعمله فيعبد الله تعالى الى ان يأتيه اليقين وهو الموت(6/421)
وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51)
{ ونبئهم } واخبر امتك يا محمد { عن ضيف ابراهيم } يستوى فيه القليل والكثير اى اضيافه وهو جبؤيل مع احد عشر ملكا على صورة الغلمان الوضاء وجوههم جعلهم ضيفا لانهم كانوا فى صورة الضيف او لكونهم ضيفا في حسبان ابراهيم عليه السلام(6/422)
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52)
{ اذ دخلوا عليه } ظرف لضيف فانه مصدر فى الاصل { فقالوا } عند دخولهم عليه { سلاما } اى نسلم سلاما قال سلام فما لبث ان جاء يعجل حنيذ فلما رأى ايديهم لا تصل اليه نكرهم واوجس منهم خيفة { قال } ابراهيم { انا منكم وجلون } خائفون فان الوجل اضطراب النفس لتوقع مكروه وانما قاله عليه السلام حين امتنعوا من اكل ما قربه اليهم من العجل الحنيذ لما ان المعتاد عندهم انه اذا نزل بهم ضيف فلم يأكل من طعامهم ظنوا انه لم يجئ بخير لا عند ابتداء دخولهم(6/423)
قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53)
{ قالوا } اى الملائكة { لا توجل } لا تخف يا ابراهيم { انما نبشرك } استئناف فى معنى التعليل للنهى عن الوجل فان المبشر به لا يكاد يحوم حول ساحته خوف ولا حزن كيف لا وهو بشارة ببقائه وبقاء اهله فى عافية وسلامة زمانا طويلا . والبشارة هو الاخبار بما يظهر سرور المخبر به . والمعنى بالفارسية [ بدرستى ترامرده ميدهم ] { بغلام } [ به بشرى اسحاق نام ] { عليم } اي اذا بلغ . يعنى [ وقتى كه بلوغ رسد علم نبوت بوى خواهد رسيد ](6/424)
قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54)
{ قال أبشرتمونى } [ آيا بشارت ميدهدمرا ] { على ان مسنى الكبر } واثر فى الاستفهام للتعجب والاستبعاد وعلى بمعنى مع اى مع مس الكبر بان يولد لى اى ان الولادة امر مستنكر عادة مع الكبر عجيب من بين هرمين وهو حال اى أبشرتمونى كبيرا او بمعنى بعد اى بعدما اصابنى الكبر والهرم { فبم تبشرون } هى ما الاستفهامية دخلها معنى التعجب كأنه قيل فبأى اعجوبة تبشرون
وفى التفسير الفارسى [ بس بجه نوع مرده ميدهيدمرا ] وهو بفتح النون مع التخفيف لانها نون الجماعة وقرئ بكسر النون مع التخفيف لان اصله تبشرونى حذفت الياء واقيم الكسر مقامها(6/425)
قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55)
{ قالوا بشرناك بالحق } اى بما يكون لا محالة { فلا تكن من القانطين } من الآيسين من ذلك فان الله تعالى قادر على ان يخلق بسرا بغير ابوين فكيف من شيخ وعجوز عاقر وكان مقصده عليه السلام استعظام نعمته تعالى عليه فى ضمن التعجب العادى المبنى على سنة الله المسلوكة فيما بين عباده لا استبعاد ذلك بالنسبة الى قدرته تعالى كما ينبئ قوله تعالى بطريق الحكاية { من القانطين } دون من الممترين ونحوه(6/426)
قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56)
{ قال ومن يقنط } استفهام انكارى اى لا يقنط { من رحمة ربه } [ ازبخشش آفريده كارحود ] { الا الضالون } اى المخطئون طريق المعرفة والصواب فلا يعرفون سعة رحمته وكمال علمه وقدرته كما قال يعقوب عليه السلام { لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون } ومراده نفى القنوط عن نفسه على ابلغ وجه اى ليس بى قنوط من رحمته تعالى وانما الذى اقول البيان منافاة حالى لفيضان تلك النعمة الحليلة على
وفيه اشارة الى ان بشارته بغلام عليم مع كبره وكبر امرأته بشارة لطالب الصادق وانه وان كان مسنا قد ضعف جسمه وقواه وعجز عن جهاد النفس ومكاب\تها واستعمالها فى مباشرة الطاعات والاعمال البدنية ويؤسسه الشيطان من نيل درجات القرب لان اسباب تحصيل الكمال قد تناهت ومعظمها العمر والشباب ولهذا قال المشايخ الصوفى بعد الاربعين بارد فلا يقنط من رحمة ربع ويتقرب اليه باعمال القلبية ليتقرب اليه ربه باصناف الطاف الربوبية وجذبات اعطافه فيخرج من صلب روحه ورحم قلبه غلاما عليما بالعلوم اللدنية والرسوم الدينية وهو واعظ الله الذى فى قلب كل مؤمن وقد اشتغل افراد كالقفال والقدورى بعد كبرهم ففاقوا على علمهم وراقوا بمنظرهم ولطف الله تعالى واصل على كل حال
قال فى شرح الحكم من استغرب ان ينقذه الله مة شهوته التى اعتقلته عن الخيرات وان يخرجه من وجود غفلته التي شملته فى جميع الحالات فقد استعجز القدرة الالهية والله تعالى يقول { وكان الله على كل شئ مقتدرا } فابان سبحانه ان قدرته شاملة صالحة لكل شئ وهذا من الاشياء وان اردت الاستعانة على تقوية رجائك فى ذلك فانظر لحال من كان مثلك ثم انقذه الله مخصه بعنايته كابراهيم بن ادهم والفضيل ابن عياض وابن المبارك وذى النون ومالك بن دينار وغيرهم من مجرمى البداية
تا سقا هم ربهم آيد جواب ... تشنه باش والله اعلم بالصواب
قال فى تاج العروس من قصر عمره فليدكر بالاذكار الجامعة مثل سبحان الله عدد خلقه ونحو ذلك والمراد بقصر العمر ان يكون رجوعه الى الله فى معترك المنايا ونحوها من الامراض المخوفة والاعارض المهولة
دع التكاسل تغنم قد جرى مثل ... كه زاد راهروان جستيست وجالاكى ...(6/427)
قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58)
{ قال } ابراهيم { فما خطبكم ايها المرسلون } اى امركم وشأنكم الخطر لعل ابراهيم عليه السلام علم بالقرائن ان مجيئ الملائكة ليس لمجرد البشارة بل لهم شأن آخر لاجله ارسلوا فكأنه قال ان لم يكن شأنكم مجرد البشارة فماذا هو { قالوا } اى الملائكة { انا ارسلنا الى قوم مجرمين } مصرين على اجرامهم متناهين فى آثامهم وهم قوم لوط(6/428)
إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59)
{ الا آل لوط } استثناء متصل من الضمير فى مجرمين اى الى قوم اجرموا جميعا الا آل لوط يريد اهله المؤمنين فالقوم والارسال شاملان للمجرمين وغيرهم . والمعنى انا ارسلنا الى قوم اجرم كلهم الا آل لوط لنهلك الاولين وننجى الآخرين واكتفى بنجاة الآل لانهم اذا نجوا وعم تابعون فالمتبوع وهو لوط اولى بذلك ولوط بت هاران بن تارخ وهو ابن اخى ابراهيم الخليل كان قد آمن به وهاجر معه الى الشام بعد نجاته من النار واختتن لوط مع ابراهيم وهو ابن ثلاث وخمسين وابراهيم ابن ثمانين او مائة وعشرين فنزل ابراهيم فلسطين وهى البلاد التى بين الشام ومصر منها الرملة وغزة وعسقلان وغيرها ونزل لوط الاردن وهى كورة بالشام فارسل الله لوطا الى اهل سدوم بالدال وكانت تعمل الخبائث فارسل الله اليهم ملائكة للاهلاك { انا لمنجوهم اجمعين } اى مما يصيب القوم من العذاب وهو قلب مدائنهم(6/429)
إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)
{ الا امرأته } استثناء من الضمير واسمها واهله { قدرنا } حكمنا وقضينا { انها لمن الغابرين } الباقين مع الكفرة لتهلك معهم واسند الملائكة فعل التقدير الى انفسهم وهو فعل الله تعالى لما لهم من القرب والاختصاص كما يقول خاصة الملك امرنا بكذا والآمر هو الملك .(6/430)
فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61)
{ فلما جاء آل لوط المرسلون } اى الملائكة .(6/431)
قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62)
{ قال } لوط { انكم قوم منكرون } غرباء لا يعرفون او ليس عليكم زى السفر ولا انتم من اهل الحضر فاخاف ان تطرقونى بشر(6/432)
قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63)
{ قالوا } ما جئناك بما تنكرنا لاجله { بل جئناك } [ بلكه آمده ايم بتو ] { بما كانوا فيه يمترون } اى بما فيه سرورك وتشفيك من عدوك وهو العذاب الذى كنت تتوعدهم بنزوله فيمتورن فى وقوعه اى يشكون ويكذبوك جهلا وعنادا(6/433)
وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (64)
{ واتيناك } [ آورده اين بتو ] { بالحق } بالمتقين الذى لا مجال فيه للامتراء والشك وهو عذابهم { وانا لصادقون } فى الاخبار بنزوله بهم(6/434)
فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65)
{ فاسر باهلك } فاذهب بهم من السرى وهو السير فى الليل
قال الكاشفى [ بس برون بر از شهر اهل خودرا بشب ] { بقطع من الليل } فى طائفة من الليل اى بعض منه . وبالفارسية [ در باره ازشب بكذرد ] { واتبع ادبارهم } جمع دبر وهو من كل شئ عقبه ومؤخره اى وكن على اثرهم لتسوقهم وتسرع بهم وتطلع على احوالهم فلا تفرط منهم التفاتة استحياء منك ولا غيرها من الهفوات
قال فى برهان القرآن لانه اذا ساقهم وكان من ورائهم علم بنجاتهم ولا يخفى عليه حالهم { ولا يلتفت منكم } اى منك ومنهم { احد } فيرى ما وراءه من الهول فلا يطيقه او جعل الالتفات كناية عن مواصلة السير وترك التوانى والتوقف لان من يلتفت لا بد له من ادنى وقفة ولم يقل ولا يلتفت منكم احد الا امرأتك كما فى هود اكتفاء بما قبله وهو قوله الا امرأته { وامضوا } [ وبرويد ] { حيث تؤمرون } حيث امركم الله بالمضى اليه وهو الشام او مصر او زغر وهى قرية بالشام
قال الكاشفى [ شهرستان بنجم لست اهل آن هلاك نخوا هندشد ](6/435)
وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66)
{ وقضينا اليه } واوحينا الى لوط مقتضيا مبتوتا { ذلك الامر } مبهم يفسره { ان دابر هؤلاء } المجرمين اى آخرهم { مقطوع } [ بريده وبركنده است ] اى مهلك يستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم احد { مصبحين } خال من هؤلاء اى وقت دخولهم فى الصبح وهو تعين وقت هلاكهم كما قال الله تعالى { ان موعدهم الصبح } وتلخيصه اوحينا اليه انهم يهلكون جميعا وقت الصبح فكان كذلك
وفى الآيات اشارات
الاولى ان لا عبرة بالنسب والقرابة والصحبة بل بالعلم النافع والعمل الصالح ألا ترى ان الله استثى امرأة لوط فجعلها فى الهالكين ولم تنفعها الزوجية بينها وبين لوط كما لم تنفع البوة والنبوة بين نوح وابنه كنعان ولله در من قال
بابدان يار كشت همسر لوط ... خاندان نبوتش كم شد
وذلك انها اصبحت لوطا صورة لا سيرة وصحبت الكفرة صورة وسيرة فلم تنفعها الصورة
بيش اند ناس صورت ونسناس سيرتان ... خلقى كه آدم اند بخلق وكرم كم اند
والنسناس حيوان بحرى صورته كصورة الانسان وقيل غير ذلك
والثانية ان الشك من صفات الكفرة كما ان اليقين من صفات المؤمنين : وفى المثنوى
افت وخيزان ميرود مرغ كمان ... با يكى بر بر اميد آشيان
جون زطن وارست علمش رونمود ... شد دوبر آن مرغ برها را كشود
والثالثة ان سالك طريق الحق ينبغى اة لا يلتفت الى شئ سوى الله تعالى لانه المقصد الاقصى والمطلب الاعلى بل يمضى الى حيث امر وهو عالم الحقيقة ألا ترى ان النبى صلى الله عليه وسلم لم يلتفت الى يمينه ويساره ليلة المعراج بل توجه الى مقام قاب قوسين وهو عالم الصفات ثم الى مقام اوادنى وهو عالم الذات ولم يعقه عائق اصلا وهكذا شأن من له علو همة من المهاجرين من بلد الى بلد ومن مقام الى مقام : قال المولى الجامى قدس سره
نشان عشق جه برسى زهر نشان بكسل ... كه تا اسير نشاتى به بى نشان نرسى
نسأل الله العصمة من الوقوف فى موطن النفس والوصول الى حظيرة القدس والانس(6/436)
وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67)
{ وجاء اهل المدينة } [ جون زن لوط مهمانان نيكورورا ديد خبر بقوم فرستاد ] وجاء اهل سدوم التى ضرب بقاضيها المثل فى الجور منزل لوط ومدائن قوم لوط كانت اربعا وقيل سبعا واعظمها سدوم
وفى درياق الذنوب لابن الجوزى كانت خمسين قرية { يستبشرون } الاستبشار [ شاد شدن ] اى مظهرين السرور بانه نزل بلوط عدة من المرد فى غاية الحسن والجمال قصدا الى ارتكاب الفاحشة(6/437)
قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68)
{ قال } لوط لهم لما قصدوا اضيافه { ان هؤلاء ضيفى } اطلاق الضيف على الملائكة بحسب اعتقاده عليه السلام لكونهم فى زى الضيف { فلا تفضحون } [ بس مرا رسواى مكنيد درنزد ايشان ] بان تتعرضوا لهم بسوء فيعلموا انه ليس لى قدر وحرمة او لا تفضحون بفضيحة فان من اهين ضيفه او جاره فقد اهين كما ان الاكراك كذلك . يقال فضحه كمعه كشف مساويه واظهر من امره ما يلزمه العار(6/438)
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69)
{ واتقوا الله } فى مباشرتكم لما يسوءنى او فى ركوب الفاحشة واحفظوا ما امركم له ونهاكم عنه { ولا تخزون } ولا تذلونى ولا تهينونى بالتعرض لمن اجرتهم بمثل تلك الفعلة القبيحة . وبالفارسية [ ومرا خار وحنجل مسازيد بيش مهمانان ] من الخزى وهو الهوان(6/439)
قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70)
{ قالوا أو لم ننهك عن العالمين } [ از حمايت عالميان يعنى غريبان كه فاحشه ايشان مخصوص بغربا بوده ]
قال فى الارشاد الهمزة للانكار والواو للعطف على مقدر اى ألم نقدم اليك وننهك عن التعرض لهم بمنعهم عنا وكانوا يتعرضون لكل واحد من الغرباء بالسوء وكان عليه السلام يمنعهم عن ذلك بقدر وسعه وهم بنهونه عن ان يجير احد او يوعدونه بقولهم لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين ولما رآهم لا يقلعون عما هم عليه(6/440)
قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71)
{ قال هؤلاء بناتى } اى بنات قومى فازوجهن اياكم او تزوجوهن ففى الكلام حذف وانما جعل بنات قومه كبناته فان كل نبى ابو امته من حيث اشفقة والتربية رجالهم بنوه ونساؤهم بناته او اراد بناته الصلبية اى فتزوجوهن ولا تتعرضوا للاضياف وقد كانوا من قبل يطلبوهن ولا يجيبهم لخبثهم وعدم كفاءتهم لا لعدم مشروعية النكاح بين المسلمات والكفار فان نكاح المؤمنات من الكفار كان جائزا فاراد ان يقى اضيافه ببناته كرما وحمية
وقيل كان لهم سيدان مطاعان فاراد ان يزوجهما ابنتيه ايثا وزعورا { ان كنتم فاعلين } قضاء الشهوة فيما احل الله دون ما حرم فان الله تعالى خلق النساء للرجال لا الرجال للرجال
وفى الآيات فوائد
الاولى ان اكرام الضيف ورعاية الغرباء من اخلاق الانبياء والاولياء وهو من اسباب الذكر الجميل : قال الحافظ
تيمار غريبان سبب ذكر جميلست ... جانا مكراين قاعده درشهر شمانيست
وقال السعدى قدس سره
غريب آشنا باش وسياح دوست ... كه سياح جلاب نام نكوست
وفى الحديث « من اقام الصلاة وآتى الزكاة وصام رمضان وقى الضيف دخل الجنة » كما فى الترغيب
والثانية انه لا بد لكل مؤمن متق ان يسد باب الشر بكل ما امكن له من الوجوه ألا ترى ان لوطا عليه السلام لما لم يجد مجالا لدفع الخبيثين عرض عليهم بناته بطريق النكاح وان كانوا غير اكفاء دفعا للفساد
والثالثة ان محل التمتع هى النساء لا الرجال كما قالوا ضرر النظر فى الامرد اشد لامتناع الوصول فى الشرع لانه لا يحل الاستمتاع بالامرد ابدا : قال السعدى قدس سره
خرابت كند شاهد خانه كن ... برو خانه آباد كردان بزن
نشايد هوس باختن باكلى ... كه هر بامدادش بود بلبلى
مكن بد بفرزند مردم نكاه ... كه فرزند خويشت برآيد تباه
جرا طفل يكروزه هوشش نبرد ... كه در صنع ديدن جه بالغ جه خرد
محقق همى بيند از آب وكل ... كه در خو برويان جين وجكل(6/441)
لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)
{ لعمرك } قسم من الله تعالى بحياة النبى صلى الله عليه وسلم وهو المشهور وعليه الجمهور والعمر بالفتح والضم واحد وهو البقاء الا انهم خصوا القسم بالمفتوح لايثار الاخف لان الحلف كثير الدور على ألسنتهم ولذلك حذفوا الخبر وتقديره لعمرك قسمى كما حذفوا الفعل فى قولهم تالله { انهم } اى قوم لوط { لفى سكرتهم } غوايتهم او شدة غلمتهم التى ازالت عقولهم وتمييزهم بين الخطأ الذى هم عليه والصواب الذى يشار به اليهم من ترك البنين الى البنات { يعمهون } يتحيرون ويمتازون فكيف يسمعون النصح
قال فى القاموس العمه التردد فى الضلال والتحير فى منازعة او طريق او ان لا يعرف الحجة عمه كجعل وفرح عمها وعموها وعموهة وعمهانا فهو عمه وعامه انتهى . ويعمهون حال من الضمير فى الجار والمجرور كما فى بحر العلوم وعن ابن عباس رضى الله عنهما ما خلق الله تعالى نفسا اكرم على الله من محمد صلى الله عليه وسلم وما سمعت الله اقسم بحياة احد غيره
وفى التأويلات النجمية هذه مرتبة ما نالها احد من العالمين الا سيد المرسلين وخاتم النبيين عليه الصلاة والسلام من الازل الى الابد وهو انه تعالى اقسم بحياته عن نفسه باقيا بربه كما قال تعالى { انك ميت } اى ميت عنك حى بنا وهو مختص بهذا المقام المحمود انتهى
جون نبى ازهستئ خود سربتافت ... فرق باكش از لعمرك تاج يافت
داشت از حق زندكى دربندكى ... شد لعمرك جلوه آن زندكى
واعلم ان الله تعالى قد اقسم بنفسه فى القرآن فى سبعة مواضع والباقى من القسم القرآنى قسم بمخلوقاته كقوله { والتين والزيتون . والصافات . والشمس . والضحى } ونحوها
فان قلت ما الحكمة فى معنى القسم من الله تعالى فان كان لاجل المؤمن فالمؤمن يصدق بمجرد الاخبار من غير قسم وان كان لاجل الكافر فلا يفيده
قلت ان القرآن نزل بلغى العرب ومن عادتها القسم اذا ارادت ان تؤكد امرا
فان قلت ما الحكمة فى ان الله تعالى قد اقسم بالخلق وقد ورد النهى عن القسم بغير الله تعالى
قلت فى ذلك وجوه
احدها انه على حذف مضاف اى ورب التين ورب الشمس وواهب العمر
والثانى ان العرب كانت تعظم هذه الاشياء وتقسم بها فنزل القرآن على ما يعرفون
والثالث ان الاقسام انما يكون بما يعظم المقسم او يجله وهو فوقه والله تعالى ليس فوقه شئ فاقسم تارة بنفسه وتارة بمصنوعاته فان القسم بالمصنوعات يستلزم القسم بالصانع لان ذكر المفعول يستلزم ذكر الفاعل اذ يستحيل وجود مفعول بغير فاعل فهو يقسم بما شاء من خلقه وليس لاحد ان يقسم الا بالله وهذا كالنهى عن الامتنان قال الله تعالى(6/442)
{ بل الله يمن عليكم } وعن تزكية النفس ومدحها وقد مدح الله تعالى نفسه وقد اقسم الله تعالى بالنبى عليه الصلاة والسلام فى قوله { لعمرك } ليعرف الناس عظمته عند الله ومكانته لديه فالقسم اما لفضيلة او لمنفعة كقوله { والتين والزيتون } وكان الحلف بالآباء معتادا فى الجاهلية فلما جاء الله تعالى بالاسلام نهاهم الرسول عليه السلام عن الحلف بغير الله تعالى
واختلف فى الحلف بمخلوق والمشهور عند المالكية كراهيته وعند الحنابلة حرام
وقال النووى هو عند اصحابنا مكروه وليس بحرام قيد العراقى ذلك فى شرح الترمذى بالحلف بغير اللات والعزى وملة الاسلام فاما الحلف بنحو هذا فحرام والحكمة فى النهى عن الحلف بغير الله تعالى ان الحلف يقتضى تعظيم المحلوف به وحقيقة العظمة مختصة بالله تعالى لا يضاهى بها غيرها وقسمه تعالى بما شاء من مخلوقاته تنبيه على شرف المحلوف له فهو سبحانه ليس فوقه عظيم يحلف به فتارة يحلف بنفسه وتارة بمخلوقاته كما فى الفتح القريب . ويمكن ان يكون المراد بقولهم لعمرى وامثاله ذكر صورة القسم لتأكيد مضمون الكلام وترويجه فقط لانه اقوى من سائر المؤكدات واسلم من التأكيد بالقسم بالله تعالى لوجوب البر به وليس الغرض اليمين الشرعى وتشبيه غير الله تعالى به فى التعظيم وذكر صورة القسم على هذا الوجه لا بأس به كما قال عليه السلام « قد افلح وابيه » كذا فى الفروق(6/443)
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73)
{ فاخذتهم } اى قوم لوط { الصيحة } اى صيحة جبريل عليه السلام { مشرقين } اى حال كونهم داخلين فى وقت شروق الشمس وهو بالفارسية [ برآمدن خرشيد ] وكان ابتداء العذاب حين اصبحوا كما قال { ان دابر هؤلاء مقطوع مصبحين } وتمامه حين اشرقوا لان جبريل قلع الارضين بهم ورفعها الى السماء ثم هوى بها نحو الارض ثم صاح بهم صيحة عظيمة فالجمع بين مصبحين ومشرقين باعتبار الابتداء والانتهاء فمقطوع على حقيقته فان دلالة اسمى الفاعل والمفعول على الحال وحال القطع هو حال المباشرة لا حال انقضائه لانه مجاز حينئد وذلك ان تقول مقطوع بمعنى بقطع عن قريب(6/444)
فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74)
{ فجعلنا عاليها } [ زبر آن شهر ستانهارا ] { سافلها } زير آن يعنى زير وبر طردانيم آنرا ] وذلك بان رفعناها الى قريب من السماء على جناح جبريل ثم قلبناها عليهم فصارت منقلبة بهم
وقوله عاليها مفعول اول لجعلنا وسافلها مفعول ثان له وهو ادخل فى الهول والفظاعة من العكس { وامطرنا عليهم } فى تضاعيف ذلك قبل تمام الانقلاب { حجارة } كائنة { من سجيل } من طين متحجر عليه اسم من يرمى به فهلكوا بالخسف والحجارة
قال فى القاموس السجيل كسكيت حجارة كالمدر معرب [ سنك كل ] او كان طبخت بنار جهنم وكتب فيها اسماء القوم او قوله تعالى { من سجيل } اى من سجل مما كتب لهم انهم يعذبون بها قال تعالى { وما ادراك ما سجين كتاب مرقوم } والسجيل بمعنى السجين
قال الازهرى هذا أحسن ما مر عندى وابينها انتهى
وفى الكواشى وامطرنا على شذاذهم اى على من غاب عن تلك البلاد(6/445)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)
{ ان فى ذلك } اى فيما ذكر من القصة من تعرض قوم لوط لضيف ابراهيم طمعا فيهم وقلب المدينة على من فيها وامطار الحجارة عليها وعلى من غاب منهم { لآيات } لعلامات يستدل بها على حقيقة الحق ويعتبر { للمتوسمين } اى المتفكرين المتفرسين الذين يبسطون فى نظرهم حتى يعرفوا حقيقة الشئ وباطنه بسمته . وبالفرسية [ مرخدا وندان فراست راكه بريركى درنكرند وحقيقت ايشان بسمات آن بشناسند ] يقال توسمت فى فلان كذا اى عرفت وسمه فيه اى أثره وعلامته وتوسم الشئ تحيره وتفرسه(6/446)
وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76)
{ وانها } [ وبدرستى كه آن شهر ستانهاى مؤتفكة ] { لبسبيل مقيم } اى طريق ثابت يسلكه الناس ويروم آثار تلك البلاد بين مكة والشام لم تندرس بعد فاتعظوا بآثارهم يا قريش اذا ذهبتم الى الشام لانها فى طريقكم(6/447)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77)
{ ان فى ذلك } اى فى كون آثار تلك القرى بمرأى من الناس يشاهدونها فى ذهابهم وايابهم { لآية } عظيمة { للمؤمنين } بالله ررسوله فانهم الذين يعرفون ان ما حاق بهم من العذاب الذى ترك ديارهم بلاقع انما حاق بهم لسوء صنيعهم واما غيرهم فيحملون ذلك على الاتفاق او الاوضاع الفلكية . وافراد الآية بعد جمعها فيما سبق لما ان المشاهد ههنا بقية الآثار لا كل القصة كما فيما سلف
وقال فى برهان القرآن ما جاء فى القرآن من الآيات فلجمع الدلائل وما جاء من الآية فلوحدانية المدلول عليه فلما ذكر عقبيه المرمنين وهم مقرون بوحدانية الله تعالى وحد الآية انتهى
وفى الآيات فائدتان
الاولى مدح الفراسة وهى الاصابة فى النظر وفى الحديث « ان كان فيما مضى قلبكم من الامم محدثون » المحدث بفتح الدال المشددة هو الذى يلقى فى نفسه شئ فيخبر به فراسة ويكون كما قال وكأنه حدثه الملأ الاعلا وهذه منزلة جليلة من منازل الاولياء « فانه ان كان فى امتى هذه فانه عمر بن الخطاب » لم يرد النبى عليه السلام بقوله ان كان فى امتى التلادد فى ذلك لان امته افضل الامم واذا وجد فى غيرها محدثون ففيها اولى بل اراد بها التأكيد لفضل عمر كما يقال ان يكن لى صديق فهو فلان يريد بذلك اختصاصه بكمال الصداقة لانفى سائر الاصدقاء وفى الحديث « اتقوا فراسة العلماء لا يشهدوا عليكم بشهادة فيكبكم الله بها يوم القيامة على مناخركم فى النار فوالله انه لحق يقذفه الله فى قلوبهم ويجعله على ابصارهم » وعنه عليه السلام « اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله وينطق بتوفيق الله ثم قرأ ان فى ذلك لآيات للمتوسمين » كذا فى بحر العلوم [ لآورده اندكه خراجه بزركوار قطب الاخيار خواجه عبد الخالق مجدوانى قدس سره روزى درمعرفت سخن مى كفت ناكاه جوانى در آمد بصورت زاهدان خرقه در بر وسجاده بر كتف دركوشه بنشست وبعد اززمانى برخاست وكفت حضرت رسالت صلى الله عليه وسلم فرموده كه « اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله » سراين حديث جيست حضرت خواجه فرمودندكه سراين حديث آنست كه زنار ببرى وايمان آرى جوان كفت نعوذ بالله كه در من زنار باشد خواجه بخادم كفت خزقه ازسر جوان بركش زنارى بديد آمد جوان فى الحال زمار ببريد وايمان آورد وحضرت خواجه فرمودندكه اى ياران بياييد تابر موافقت اين نوعهدكه زنار ظاهر ببريد زنارهاى باطن را قطع كنيم خروش از مجلسيان برآمد ودرقدم خواجه افتادند تجديد توبه كردند
توبه جون باشد بشمان آمدن ... بر درحق نومسلمان آمدن
هام را توبه زكار بدبود ... خاص را توبه زديد خود بود(6/448)
والفائدة الثانية ان فى اهلاك الامم الماضية وانجاء المؤمنين منهم ايقاظا وانتباها ووعدا ووعيدا وتأديبا لهذه الامة المعتبرين فاعبتروا باحوالهم واجتنبوا عن افعالهم وابكوا فهه ديار الظالمين ومصارعهم
وكان يحيى بن زكريا عليه السلام يبكى حتى رق خده وبدت اضراسه هذا وقد كان على الجادة فكيف بمن حادوا خوانى الدنيا سموم قاتلة والنفوس عن مكايدها غافلة كم من دار دارت عليها دوائر النعم فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالامس وفقنا الله واياكم للهدى وعصمنا من اسباب الجهل والردى وسلمنا من شر النفوس فانها شر العدى وجعلنا من المنتفعين بوعظ القرآن والمعتبرين بآيات الفرقان ما دام هذا الروح فى البدن وقام فى المقام والوطن(6/449)
وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78)
{ وان كان } ان مخففة من ان وضمير الشأن الذى هو اسمها محذوف واللام هى الفارقة بينها وبين النافية اى وان الشأن كان { اصحاب الايكة } وهم قوم شعيب عليه السلام . والايكة الشجر الملتف المتكاثف وكانت عامة شجرهم المقل
قال فى القاموس المقل المكى ثمر شجر الدوم وكانوا يسكنونها فبعثه الله اليهم كما بعثه الى اهل مدين فكذبوه
وقال بعضهم مدين وايكة واحد لان الايكة كانت عند مدين وهذا اصح كما فى تفسير ابى الليث
قال الجوهرى من قرأ اصحاب الايكة فهى الغيضة ومن قرأ ليكة فهى اسم القرية { لظالمين } متجاوزين عن الحد(6/450)
فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79)
{ فانتقمنا منهم } [ بس انتقام كشيديم از ايشان بعذاب يوم الظلمة ]
قال فى التبيان اهلك الله اهل مدين بالصيحة واهل الايكة بالنار وذلك ان الله ارسل عليهم حرا شديدا سبعة ايام فخرجوا ليستظلوا بالشجر من شدة الحر فجاءت ريح سموم بنار فاحرقتهم
وفى بعض التفاسير بعث الله سحابة فالتجأوا اليها يلتمسون الروح فبعث الله عليهم منها نارا فاحرفتهم فهو عذاب يوم الظلة ونعم ما قيل والشر اذا جاء من حيث لا يحتسب كان اغم { وانهما } يعنى سدوم التى هى اعظم مدائن قوم لوط والايكة { لبأمام مبين } لبطريق واضح . وبالفارسية [ برراهى روشن وهويداست كه مردم ميكذرند ومى بينند ] والامام اسم ما يؤنم به قال الله تعالى { انى جاعلك للناس اماما } اى يؤتم ويقتدى بك ويسمى به الكتاب ايضا لانه يؤتم بما احصاه الكتاب قال الله تعالى { يوم ندعو كل اناس بامامهم } اى بكتابهم وقال { وكل شئ احصيناه فى امام مبين } يعنى فى اللوح المحفوظ وهو الكتاب ويسمى الطريق اماما لان المسافر يأتم به ويستدل به ويسمى مطمر البناء اماما وهو الزيج اى الخيط الذى يكون مع البنائين
[ معرب زه ]
قال ابو الفرج بن الجوزى كان قوم شعيب مع كفرهم يبخسون المكاييل والموازين فدعاهم الى التوحيد ونهاهم عن التقطيف - روى - عن ابى هريرة رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل يبيع طعاما فسأله كيف يبيع فاخبره فاوحى الله اليه ان ادخل يدك فاذا هو مبلول فقال عليه الصلاة والسلام « ليس منا من غش »
قال فى القاموس غشه لم يمحضه النصح او اظهر خلاف ما اضمر والمغشوش الغير الخالص والاسم الغش بالكسر
وفى تهذيب المصادر الغش
[ خيانت كردن ]
واشتقاقه من الغشش وهو الماء الكدر
وفى الفتح القريب اصله اى الغش من اللبن المغشوش وهو المخلوط بالماء تدليسا
وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام وقد حسنه صاحبه فادخل فيه يده فاذا هو طعام رديئ فقال « بع هذا على حدة وهذا على حدة فمن غشنا فليس منا »
وعن ابى هريرة رضى الله عنه عن النيى صلى الله عليه وسلم ان رجلا كان يبيع الخمر فى سفينة له ومعه قرد فى السفينة وكان يشوب الخمر بالماء فاخذ القرد الكيس فصعد الذروة وفتح الكيس فجعل يأخذ دينارا فى السفينة ودينارا فى البحر جتى جعله نصفين وفى الحديث « اذا ضيعت الامانة فانتظر الساعة » وفى الحديث « ليأتين على الناس زمان لا يبالى المرؤ مم اخذ المال من حلال او من حراك » يا ابن آدم عينك مطلقة فى الحرام ولسانك مطلق فى الآثام وجسدك يتعب فى كسب الحطام تيقظ يا مسكين مضى عمرك وانت فى غفلتك فاين الدليل على سلامتك
عليك بالقصد لا تطلب مكاثرة ... فالقصد افضل شئ انت طالبه
فالمرؤ يفرح بالدنيا وبهجتها ... ولا يفكر ما كانت عواقبه
حتى اذا ذهبت عنه وفارقها ... تبين الغبن فاشتدت مصائبه
قال السعدى قدس سره
قناعت كن اى نفس براند كى ... كه سلكان ودرويش بينى يكى
مبر طاعت نفس شهوت برست ... كه هرساعتش قبله جيكرست(6/451)
وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80)
{ ولقد كذب اصحاب الحجر المرسلين } الحجر بكسر الحاء اسم لارض ثمود قوم صالح عليه السلام بين المدينة والشام عند وادى القرى كانوا يسكنونها وكانوا عربا وكان صالح عليه السلام من افضلهم نسبا فبعثه الله اليهم رسولا وهو شاب فدعاهم حتى شمط ولم يتبعه الا قليل مستضعفون
كوى توفيق وسلامت درميان افكنده اند ... كس بميدان درنمى آيد سوارانرجه شد
فكذب اصحاب الحجر اى ثمود المرسلين اى صالحا فان من كذب واحدا من الانبياء فقد كذب الجميع لاتقانهم على التوحيد والاصول التى لا تختلف باختلاف الامم والاعصار ونظيره قولهم فلان يلبس الثياب ويركب الدواب وماله الاثوب ودابة
يقول الفقير كما لا اختلاف بين الانبياء فى اصول الشرائع كذلك لا اختلاف بين الاولياء فى اصول الحقائق بل وقد تتحد العبارات ايضا اذا لكل اخذون من مشرب واحد مكاشفون عن ذات الله تعالى وصفاته وافعاله ومن فرق بينهم كان مكذبا للكل
بى خبر كازاراين آزار اوست ... آب اين خم متصل با آب جوست(6/452)
وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81)
{ وآتيناهم } اى ثمود { آياتنا } هى الناقة كان فيها آيات كما قال الكاشفى [ خروج ناقه ازسنك معجزه ايست مشتمل بربسيارى ازغرائب جون بزركى خلقت كه هركز شترى بعظمت او نبوده وزادن بعد از خروج يعنى ولادتها مثلها فى العظم فى الحال وبسيارى شيركه همه يمودرا كافى بود وبرسرجاه آمدن آب در روز نوبت اووخوردن تمام آب رابيك نوبت ]
قال فى الفتح القريب لما طال دعاؤه اقترحوا ان يخرج لهم الناقة فكان من امرها وارمهم ما ذكر الله تعالى فى كتابه العزيز { فكانوا عنها } اى عن تلك الآيات { معرضين } اعراضا كليا بل كانوا معارضين لها حيث فعلوا بالناقة ما فعلوا . والاعراض [ روى بكردانيد ازجيز ] وكان عقر الناقة وقسم لحمها يوم الاربعاء
قال ابن الجوزى لا بالناقة اعتبروا ولا بتعويضهم اللبن شكروا عتوا عن المنعم وبطروا وعموا عن الكرم فما نظروا وكلما رأوا آية من الآيات كفروا الطبع الخبيث لا يتغير والمقدر عليه ضلالة لا يزول : قال الحافظ
بآب زمزم وموثر سفيد نتوان كرد ... كليم بخت كسى راكه بافتند سياه(6/453)
وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (82)
{ وكانوا ينحتون } النحت بالفارسى [ بتراشيدن ] { من الجبال } جمع جبل . وبالفارسية [ كوه ]
قال فى القاموس الجبل محركة كل وتد للارض عظم وطال فان انفرد فاكمة اوقنة { بيوتا } جمع بيت وهى اسم مبنى مسقف مدخله من جانب واحد بنى للبيتوتة سواء كان حيطانه اربعة او ثلاثة والدار تطلق على العرصة المجردة بلا ملاحظة البناء معها { آمنين } من الانهدام ونقب اللصوص وتخريب الاعداء لوثاقتها فهو حال مقدرة او من العذاب والحوادث لفرط غفلتهم(6/454)
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83)
{ فاخذتهم الصيحة ] اى صيحة جبريل قانه صاح فيهم صيحة واحدة فهلكوا جميعا
وقيل اتتهم من السماء صيحة فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شئ فى الارض فتقطعت قلوبهم فى صدورهم وفى سورة الاعراف { فاخذتهم الرجفة } اى الزلزلة ولعلها لوازم الصيحة لتموج الهواء تموجا شديدا يفضى اليها فهى مجاز عنها { مصبحين } حال من الضمير المنصوب اى داخلين فى وقت الصبح فى اليوم الرابع وهو يوم الاحد والصبح يطلق على زمان ممتد الى الضحوة واول يوم من الثلاثة اصفرت وجوه القوم وفى الثانى احرت وفى الثالث اسودت فلما كلمت الثلاثة صح استعدادهم للفساد والهلاك فكان اصفرار وجوه الاشقياء فى موازنة اسفار وجوه السعداء قال تعالى { وجوه يومئذ مسفرة } ثم جاء فى موازنة الاحمرار قوله تعالى فى السعداء { وجوه يومئذ ضاحكة } فان الضحك من الاسباب المولدة لاحمرار الوجوه فالضحك فى السعداء احمرار الوجنات ثم جعل فى موازنة تغيير بشرة الاشقياء بالسواد قوله تعالى { مستبشرة } وهو ما اثره السرور فى بشرتهم كما اثر السواد فى بشرة الاشقياء(6/455)
فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (84)
{ فما اغنى عنهم } اى لم يدفع عنهم ما نزل بهم يقال ما يغنى عنك هذا اى ما يجدى عنك وما ينفعك { ما كانوا يكسبون } من بناء البيوت الوثيقة والاموال الوافرة والعدد المتكاثرة - روى - ان صالحا عليه السلام انتقل بعد هلاك قومه الى الشام بمن اسلم معه فنزلوا رملة فلسطين ثم انتقل الى مكة فتوفى بها وهو ابن ثمان وخمسين سنة وكان اقام فى قومه عشرين سنة
وعن جابر رضى الله عنه مررنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر فقال لنا « لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا انفسهم الا ان تكونوا باكين حذرا ان يصيبكم مثل ما اصاب هؤلاء » ثم زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم على اصحابه رضى الله عنه ان يجتازوا على تلك الديار غير متعظين بما اصاب اهل تلك الديار فنبه عليه الصلاة والسلام على ان الانسان لا ينبغى له السكنى فى اماكن الظلمة مخافة ان يصيبهم بلاء فيصاب به او تسرق طباعه من طباعهم ولو كانت خالية منهم لان آثارهم مذكرة باحوالهم وربما اورثت قسوة وجبروتا
يقول الفقير اذا كان لا ينبغى للمؤمن السكنة فى اماكن الظلمة لا ينبغى له اداء الصلاة فيها ولا الحركة اليها بلا ضرورة قوية فان الله تعالى خلق الاماكن على التفاوت كما خلق الازمان كذلك وشان التقوى العزيمة دون الرخصة والمرؤ اذا اطلق اعضاءه الظاهرة اطلق قواه الباطنة وفيه اختلال الحال وميل القلب الى ما سوى الله المتعال ولن يكون عارفا الا بالتوجه الى الحضرة العلياء
ذو النون المصرى قدس سره [ ميكويد روزى دراثناء سفر بدر شهرى رسيدم خواستم كه دراندرون شهر روم بردر آن شهر كوشكى ديدم وجوبى روان بنزديك جوى رفتم وطهارت كردم جون جشم بربام كوشك افتاد كنيز كى ديدم ايستاده درغايت حسن وجمال جون نظر او بمن افتاد كفت اى ذو النون جون ترا ازدور ديدم بنداشتم كه مجنونى وجون طهارت كردى تصور كردم كه عالمى وجون از طهارت فارغ شدى وبيش آمدى بنداشتم كه عارفى اكنون محقق شدم كه نه مجنونى ونه عالمى ونه عارفى كفتم جرا كفت اكرديوانه بودى طهارت ونكردى واكر عالم بودى نظر بخائه بيكانه ون محرم نكردى واكر عارف بودى دل تو بما سوى الله مائل نبودى : قال الخجندى
سالك باك رو نخوانندش ... آنكه ازماسوى منزه نيست
آستين كوتعى جه سودانرا ... كه زدنياش كوته نيست(6/456)
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (86) وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)
{ وما خلقنا السموات والارض وما بينهما } اى بين جنسى السموات والارضين ولو اراد بين اجزاء المذكور لقال بينهن
وفيه اشارة الى ان اصل السموات واحدة عند بعضهم قم قسمت كذا فى الكواشى { الا بالحق } اى الا خلقا ملتبسا بالحق والحكمة لا باطلا وعبثا او للحق والباء توضع موضع اللام يعنى لينظر عبادى اليهما فيعتبروا
دوجشم ازبى صنع بارى نكوست ... زعيب برادر فرو كير ودوست
در معرفت ديده آدميست ... كه بكشوده بر آسمان وزميست
{ وان الساعة } اى القيامة لتوقعها كل ساعة كما فى المدارك
وقال ابن ملك هى اسم لوقت تقوم فيه القيامة سمى بها لانها ساعة خفيفة يحدث فيها امر عظيم
وقال ابن الشيخ سميت الساعة ساعة لسعيها الى جانب الوقوع ومسافتها الانفاس { لآتية } لكائنة لا محالة كما قيل [ كرجه قيامت دير آمد ولى مى آمد ] اى فينتقم الله لك يا محمد فيها من اعدائك وهم المكذبون ويجازيك على حسناتك واياهم على سيآتهم فانه ما خلق السموات والارض وما بينهما الا ليجزى كل محسن باحسانه وكل مسئ باساءته { فاصفح الصفح الجميل } يقال صفح عنه عفا وصفح اعرض وترك اى فاعرض عن المكذبين اعراضا جميلا وتحمل اذيتهم ولا تعجل بالانتقام منهم وعاملهم معاملة الصفوح الحليم
قال الكاشفى يعنى [ عفوكن حق نفس خودرا ورد صدد مكافات مباش ]
{ ان ربك } الذى يبلغك الى غاية الكمال { هو الخلاق } لك ولهم ولسائر الموجودات على الاطلاق
قال الكاشفى [ اوست آفريننده خلائق وافلاك نظم خالق افلاك وانجمبر علا مردم وديو وبرى وردغ را ]
خالق دريا ودشت وكوه وتيه ... ملكت او بى حد واولى شبيه
نقش اوكرجست ونقاش من اوست ... غيرا كردعوى كندا وظلم جوست
{ العليم } [ دانا باهل وفاق ونفاق ]
وفى الارشاد باحوالك واحوالهم بتفاصيلها فلا يخفى عليه شئ مما جرى بينك وبينهم فهو حقيق بان تكل جميع المور ليحكم بينهم
وفى الآية امر بالمخالفة بالخلق الحسن وكان صلى الله عليه وسلم احسن الناس خلقا وارجح الناس حلما واعظم الناس عفوا واسخى الناس كفا
قال الفضيل الفتوة الصفح عن عثرات الاخوان
وكان زين العابدين عظيم التجاوز والصفح والعفو حتى انه سبه رجل فتغافل عنه فقال له ابارك اعنى فقال وعنك اعرض اشار الى آية خذ العفو ائمر بالعرف واعرض عن الجاهلين
ولما ضرب جعفر بم سليمان العباسى والى المدينة مالكا رضى الله عنه ونال منه وحمل مغشيا وافاق قال اشهدكم انى جعلت ضاربى فى حل ثم سئل فقال خفت ان اموت والقى النبى صلى الله عليه وسلم واستحيى منه ان يدخل بعض آله النار بسببى
ولما قدم المنصور المدينة ناداه ليقتص له من جعفر فقال اعوذ بالله والله ما ارتفع منها سوط الا وقد جعلته فى حل لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم(6/457)
قيل الحلم ملح الاخلاق
وكانت عائشة رضى الله عنها تبكى على جارية فقيل لها فى ذلك فقالت ابكى حسرة على ما فاتنى من تحمل السفه منها والحلم عن سوء خلقها فانها سيئة الخلق
والاشارة { وما خلقنا السموات والارض وما بينهما الا بالحق } اى لا مظهر الآيات الحث بالحق لارباب الحق المكاشفين بصفات الحق فانه لا شعور للسموات والارض وما بينهما من غير الانسان بانها مظهر لآيات الحق وانما الشعور بذلك للانسان الكامل كما قال { ان فى خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات لاولى الالباب } وهم الذين خلص لب اخلاقهم الربانية من قشر صفاتهم الانسانية وفيه معنى آخر { وما خلقنا السموات } اى سموات الارواح { والارض } اى ارض الاشباح { وما بينهما } من النفوس والقلوب والاسرار والخفيات { الا بالحق } اى الا بالمظهر الحق ومظهره الانسان فانه مخصوص به من بين سائر المخلوقات والمكونات لانه بجميع مبانيه الظاهرة ومعانيه الباطنة مرآة لذات الحق تعالى وصفاته فهو مظهره عند التزكية والتصفية ومظهره عند التخلية والتحلية لشعوره بذلك كما كان حال من صقل مرآته عن صدأ انانيته وتجلى بشهود هويته عند تجلى ربوبيته بالحق فقال انا الحق ومن قال بعد فناء انانيته عند بقاء السبحانية سبحانى ما اعظم شأنى
وفى قوله { وان الساعة لآتية } اشارة الى ان قيامة العشق لآتية لنفوس الطالبين الصادقين من اصحاب الرياضات فى مكابدة النفس ومجاهدتها لان الطلب والصدق والاجتهاد من نتائج عشق القلب وانه سيتعدى الى النفس لكثرة الاجتهاد فى رياضتها فتموت عن صفاتها فى يامة العشق ومن مات فقد قامت قيامته { فاصفح الصفح الجميل } يا ايها الطالب الصادق عن التفس المرتاضة بان تواسيها وتدارسها ولا تحمل عليها اصرا ولا تحملها ما لا طاقى لها به فان فى قيامة العشق يحصل من تزكية العشق فى لحظة واحدة ما لا يحصل بالمجاهدة فى سنين كثيرة لان العشق جذبة لحق وقال صلى الله عليه وسلم « جذبة من جذبات الحق توازى عمل الثقلين » { ان ربك هو الخلاق العليم } يشير بالخلاق وهو المبالغة الى انه تعالى خالق لصور المخلوقات ومعانيها وحقائقها العلم بمن خلقه مستعدا لمظهرية ذاته وصفاته ومظهريتهما له شعوره بها كذا فى التأويلات النجمية { ولقد آتيناك } قال الحسين بن الفضل ان سبع قوافل وافت من بصرى واذرعات ليهود قريظة والنضير فى يوم واحد بمكة فيها انواع من البزوافاويه الطيب والجوهر وامتعة البحر فقالت المسلمون لو كانت هذه الاموال لنا لتقوينا بها وانفقناها فى سبيل الله فانزل الله هذه الآية وقال قد اعطيتكم سبع آيات هى خير لكم من هذه السبع القوافل ويدل على صحة هذا قوله تعالى على اثرها { لا تمدن عينيك } الآية كما فى اسباب النزول للامام الواحدى [ ودر تيسير آورده كه هفت كاروان قريش دريكروز بمكه در آمدند با مطاعم بسيار وملابس بيشمار ودر خاطر مبارك حضرت فرمودكه مؤمنان ران كرسنه وبرهنه كذرانند ومشركانرا اين همه مال باشد ] فقال الله تعالى { ولقد آتيناك } يا محمد { سبعا } هى الفاتحة لانها مائة وثلاثة وعشرون حرفا وخمس وعشرون كلمة وسبع آيات بالاتفاق غير ان منهم من عد انعمت عليهم دون التسمية ومنهم من عكس { من المثانى } وهى القرآن ومن للتبعيض كما قال تعالى فى سورة الزمر(6/458)
{ الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها مثانى } جمع مثنى لانه ثنى فيه اى كرر فى القرآن الوعد والوعيد والامر والنهى والثواب والعقاب والقصص كما فى الحواشى { والقرآن العظيم } [ وديكر داديم ترا قرآن عظيم كه نزد ما قدر او بزرك وثواب او بسيارات ] وهو من عطف الكل على البعض وهو السبع ويجوز ان يكون من للبيان فالسبع هى المثانى كقوله { فاجتنبوا الرجس من الاوثان } يعنى اجتنبوا الاوثان وتسمية الفاتحة مثانى لتكرر قراءتها فى الصلاة ولانها تثنى بما يقرأ بعدها فى الصلاة من السورة والآيات لان نصفها ثناء العبد لربه ونصفها عطاء الرب للعبد ويؤيد هذا الوجه قوله عليه السلام لابى سعد لاعلمنك سورة هى اعظم سورة فى القرآن قال ما هى قال « الحمد لله رب العالمين وهى السبع المثانى والقرآن العظيم الذى اوتيته » وهذا يدل على جواز اطلاق القرآن على بعضه
قال فى الفتح القريب عطف القرآن على السبع المثانى ليس من باب عطف الشيء على نفسه وانما هو من باب ذكر الشيء بوصفين احدهما معطوف على الآخر اى هى الجامعة لهذين الوصفين
يقول الفقير لما كانت الفاحة اعظم ابعاض القرآن من حيث اشتمالها على حقائقهصح اطلاق الكل عليها واما كونا مثانى فباعتبار تكرر كل آية منها فى كل ركعة ولا يبعد كل البعد ان يقال ان تسميتها بالمثانى باعتبار كونها من اوصاف القرآن والجزؤ اذا كان كأنه الكل صح اتصافه بما اتصف به الكل(6/459)
لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88)
{ لا تمدن عينيك } اى نظر عينيك ومد النظر تطويله وان لا يكاد يرده استحسانا للمنظور اليه اى ولا تطمح ببصرك طموح راغب ولا تدم نظرك { الى ما متعنا به } من زخارف الدنيا وزينتها ومحاسنها وزهرتها اعجابا به وتمنيا ان يكون لك مثله { ازواجا منهم } اصنافا من الكفرة كاليهود والنصارى والمجوس وعبدة الاصنام فان ما فى الدنيا من اصناف الاموال والذخائر بالنسبة الى ما اوتيته من النبوة والقرآن والفضائل والكمالات مستحقر لا يعبأ به فان اوتيته كمال مطلوب بالذات مفض الى دوام اللذات يعنى قد اعطيت النعمة العظمى
بيش درياى قدر حرمت تو ... نه محيط فلك حبابى نيست
دارى آن سلطنت كه در نظرت ... ملك كوين در حسابى نيست
فاستغن بما اعطيت ولا تلتفت الى متاع الدنيا ومنه الحديث « ليس منا من لم يتغن بالقرآن » ذكر الحافظ لهذا الحديث اربعة اوجه : احدها ان المراد بالتغنى رفع الصوت . والثانى الاستغناء بالقرآن عن غيره من كتاب آخر ونحوه لفضله كما قال ابو بكر رضى الله عنه من اوتى القرآن فرأى ان احدا اوتى من الدنيا افضل مما اوتى فقد صغر عظيما وعظم صغيرا . والثالث تغريد الصوت وتطييبه بالقراءة من غير تغريد الصوت { ولا تحزن عليهم } اى على الكفرة حيث لم يؤمنوا ولم ينتظموا فى سلك اتباعك ليتقوى بهم ضعفاء المسلمين لان مقدورى عليهم الكفر
وقال الكاشفى [ واندوه مخور برياران خود بى نوايى ودرويشى ] { واخفض جناحك للمؤمنين } وتواضع لمن معك من فقراء المؤمنين وارفق بهم وطب نفسا عن ايمان الاغنياء مستعار من خفض الطائر جناحه اذا اراد ان ينخط قال فى تهذيب المصادر الخفض [ فرو بردن ] وهو ضد الرفع قال الله تعالى { خافضة رافعة } اى ترفع قوما الى الجنة وتخفض قوما الى النار [ ودر كشف الاسرار كفته كه خفض جناح كنايتست از خوش خويى ومقرراست كه خلعت خلق عظيم جزبر بالاى آن حضرت نيامده ]
ذات ترى وصف نكو خوييست ... خوى توسؤ مايه نبكوييست
روز ازل دوخته حكيم قديم ... برقد تو خلعت خلق عظيم(6/460)
وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89)
{ وقل انى انا النذير المبين } اى المنذر المظهر لنزول عذاب الله وحلوله
وقال فى انسان العيون ذكر فى سبب نزول قوله تعالى { ولقد آتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم } ان عيرا لابى جهل قدمت من الشام بمال عظيم وهى سبع قوافل ورسول الله واصحابه ينظرون اليها واكثر اصحابه بهم عرى وجوع فخطر ببال النبى عليه السلام شيء لحاجة اصحابه فنزلت اى اعطيناك سبعا من المثانى مكان سبع قوافل فلا تنظر لما اعطيناه لابى جهل وهو متاع الدنيا الدنية ولا تحزن على اصحابك واخفض جناحك لهم فان تواضعك لهم اطيب لقلوبهم من ظفرهم بما يجب من اسباب الدنيا
ففى زوائد الجامع الصغير ( ان لو فاتحة الكتاب جعلت فى كفة الميزان والقرآن فى الكفة الاخرى لفضلت فاتحة الكتاب على القرآن سبع مرات )
وفى لفظ ( فاتحة الكتاب شفاء من كل داء ) ذكر فى خواص القرآن انه اذا كتبت الفاتحة فى اناء طاهر ومحيت بماء طاهر وغسل وجه المريض بها عوفى باذن الله تعالى واذا كتبت بمسك فى اناء زجاج ومحيت بماء الورد وشرب ذلك الماء البليد الذهن الذى لا يحفظ سبعة ايام زالت بلادته وحفظ ما يسمع
والاشارة قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وهو الانسان الكامل { ولقد آتيناك سبعا } هى سبع صفات ذاتية لله تبارك وتعالى السمع والبصر والكلام والحياة والعلم والارادة والقدرة { من المثانى } اى من خصوصية المثانى وهى المظهرية والمظهرية لذاته وصفاته مختصة بالانسان فان غير الانسان لم توجد له المظهرية ولو كان ملكا ومن ههنا يكشف سر من اسرار وعلم آدم الاسماء كلها فمنها اسماء صفات الله وذاته لان آدم كان مظهرها ومظهرها وكان الملك مظهر بعض صفاته ولم يكن مظهرا ولذا قال تعالى { ثم عرضهم على الملائكة فقال انبئونى باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين } فلما لم يكونوا مظهرها وكانوا مظهر بعضها { قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا } ولهذا السر اسجد الله الملائكة لآدم عليه السلام { والقرآن العظيم } اى حقائقه القائمة بذاته تعالى وخلقا من اخلاقه القديمة بان جعل القرآن العظيم خلقه العظيم كما قال تعالى { وانك لعلى خلق عظيم } ولما سئلت عائشة رضى الله عنها عن خلق النبى صلى الله عليه وسلم قالت كان خلقه القرآن وفى قوله { لا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجا منهم } اشارة الى ان الله تعالى اذا انعم على عبده ونبيه بهذه المقامات الكريمة والنعم العظيمة يكون من نتائجها ان لا يمد عينيه لا عين الجسمانى ولا عين الروحانى الى ما متع الله به ازواجا من الدنيا والآخرة منهم اى من اهلها { ولا تحزن عليهم } اى على ما فاته من مشاركتهم فيها كما كان حالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج اذ يغشى السدرة ما يغشى من نعيم الدارين ما زاغ البصر برؤيتها وما طغى بالميل اليها ثم قال { واخفض جناحك للمؤمنين } فى هذا المقام قياما باذاء تشكر نعم الله وتواضعا له لنزيدك بها فى النعمة والرفعة
وفيه معنى آخر واخفض بعد وصولك الى مقام المحبوبية جناحك لمن اتبعك من المؤمنين لتبلغهم على جناح همتك العالية الى مقام المحبوبية يدل على هذا التأويل قوله تعالى { قل ان كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله } كما فى التأويلات النجمية(6/461)
كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90)
{ كما انزلنا على المقتسمين } هو من قول الله تعالى لا من قول الرسول عليه الصلاة والسلام متعلق بقوله ولقد آتيناك لانه بمعنى انزلنا عليك سبعا من المثانى والقرآن العظيم انزالا مماثلا لا نزال الكتابين على اليهود والنصارى المقتسمين(6/462)
الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91)
{ الذين جعلوا القرآن } المنزل عليك يا محمد { عضين } اجزاء . وبالفارسية [ باره باره يعنى بخش كردند قرآنرا ] والموصول مع صلته صفة مبينة لكيفية اقتسامها اى قسموا القرآن الى حق وباطل حيث قالوا عنادا وعدوانا بعضه حق موافق للتوراة والانجيل وبعضه باطل مخالف لهما وهذا المعنى مروى عن ابن عباس رضى الله عنهما . والغرض بيان المماثلة بين الايتاءين لا بين متعلقيهما كما فى الصلوات الخليلية فان التشبيه فيها ليس لكون رحمة الله الفائضة على ابراهيم وآله اتم واكمل مما فاض على لنبى عليه الصلاة والسلام وانما ذلك للتقدم فى الوجود فليس فى التشبيه اشعار بافضلية المشبه به فضلا عن ايهام افضلية ما تعلق به الاول مما تعلق به الثانى فان عليه الصلاة والسلام اوتى ما لم يؤت احد قبله ولا بعد مثله . وعضين جمع عضة وهى الفرقة والقطعة اصلها عضوة فعلة من عضى الشاة تعضية اذا جعلها اعضاء وانما جمعت جمع السلامة جبرا للمحذوف وهو الواو كسنين وعزين والتعبير عن تجزية القرآن بالتعضية التى هى تفريق الاعضاء من ذى الروح المستلزم لازالة حياته وابطال لسمعه دون مطلق التجزئة والتفريق اللذين يوجدان فيما لا يضره التبعيض من المثليات للتنصيص على كمال قبح ما فعلوه بالقرآن العظيم هذا
وقد قال بعضهم المقتسمون اثنا عشر او ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة ايام موسم الحج فاقتسموا عقاب مكة وطرقها وقعدوا على ابوابها فاذا جاء الحاج قال واحد منهم لا تغتروا بهذا الرجل فانه مجنون وقال آخر كاهن وآخر عرّاف وآخر شاعر وآخر ساحر فثبط كل واحد منهم الناس عن اتباعه عليه الصلاة والسلام ووقعوا فيه عندهم فاهلكهم الله يوم بدر وقبله بآفات وعلى هذا فيكون الموصول مفعولا او لا لانذر الذى تضمنه النذير اى انذر المعضين الذين يجزؤن القرآن الى شعر وسحر وكهانة واساطير الاولين مثل ما انزلنا على المقتسمين اى سننزل على ان يجعل المتوقع كالواقع وهو من الاعجاز لانه اخبار بما سيكون وقد كان هذا المعنى هو الاظهر ذكره ابن اسحاق كذا فى التكملة لابن عساكر(6/463)
فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92)
{ فوربك لنسألنهم اجمعين } اى لنسألن يوم القيامة اصناف الكفرة من المقتسمين وغيرهم سؤال توبيخ وتقريع بان يقال لم فعلتم وقوله تعالى { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه انس ولا جان } اى لا يسألون اى شيء فعلتم ليعلم ذلك من جهتهم لان سؤال الاستعلام محال على الملك العلام ويجوز ان يكون السئوال مجازا عن المجازاة لانه سببها(6/464)
عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)
{ عما كانوا يعملون } فى الدنيا من قول وفعل وترك
وقال فى بحر العلوم فان قلت قد ناقض هذا قوله { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه انس ولا جان } قلت ان يوم القيامة يوم طويل مقدار خمسين الف سنة ففيه ازمان واحوال مختلفة فى بعضها لا يسألون ولا يتكلمون كما قال النبى عليه الصلاة والسلام « تمكثون الف عام فى الظلمة يوم القيامة لا يتكلمون » وفى بعضها يسألون ويتساءلون قال الله تعالى { واقبل بعضهم على بعض يتساءلون } وفى بعضها يتخاصمون
وقال كثير من العلماء يسألهم عن لا اله الا الله وهى كلمة النجاة وهى كلمة الله العليا لو وضعت فى كفة والسموات والارضون السبع فى كفة لرجحت بهن من قالها مرة غفر له ذنوبه وان كانت مثل زبد البحر : قال المغربى
اكرجه آيينه دارى از براى رخش ... ولى جه سودكه دارى هميشه آينه تار
بيا بصيقل توحيد زآينه بردار ... غبار شرك كه تاباك كردد از زنكار
وفى التأويلات النجمية كان النبى عليه الصلاة والسلام مأمورا باظهار مقامه وهو النبوة وبتعريف نفسه انه نذير للكافرين كما انه بشير للمؤمنين وانه لما امر بالرحمة والشفقة ولين الجانب للؤمنين بقوله { واخفض جناحك للمؤمنين } اظهارا للطف امر بالتهديد والوعيد والانذار بالعذاب للكافرين اظهارا للقهر بقوله { وقل انى انا النذير المبين كما انزلنا على المقتسمين } اى ننزل عليكم العذاب كما انزلنا على المقتسمين وهو الذين اقتسموا قهر الله المنزل على انفسهم بالاعمال الطبيعية غير الشرعية فانها مظهر قهر الله وخزائنه كما ان الاعمال الشرعية مظهر لطف الله وخزائنه فمن قرع باب خزانة اللطف اكرم الله به وانعم به عليه ومن دق باب خزانة القهر اهين به وعذب ثم اخبر عن اعمالهم التى اقتسموا قهر الله بها على انفسهم بقوله { الذين جعلوا القرآن عضين } اى جزأوه اجزاء فى الاستعمال فقوم قرأه وداموا على تلاوة ليقال لهم القراء وبه يأكلون وقوم حفظوه بالقراآت ليقال لهم الحافظ وبه يأكلون وقوم حصلوا تفسيره وتأويله طلبا للشهرة واظهارا للفضل ليأكلوا به وقوم استخرجوا معانيه واستنبطوا فقهه وبه يأكلون وقوم شرعوا فى قصصه واخباره ومواعظه وحكمه وبه يألكون وقوم اولوه على وفق مذاهبهم وفسروه بآرائهم فكفروا لذلك ثم قال { فوربك لنسألنهم اجمعين عما كانوا يعملون } انما عملوه بالله وفى الله ولله او بالطبع فى متابعة النفس للمنافع الجنيوية نظيره قوله { ليسأل الصادقين عن صدقهم } انتهى ما فى التأويلات
قوله عن صدقهم اى عنده تعالى لا عندهم كذا فسره الجنيد قدس سره وهو معنى لطيف عميق غان الصدق والاسلام عند الخلق سهل ولكن عند الحق صعب فتسأل الله تعالى ان يجعل اسلامنا وصدقنا حقيقيا مقبولا لا اعتباريا مردودا
وعن ابى القاسم الفقيه انه قال اجمع العلماء على ثلاث خصال انها اذا صحت ففيها النجاة ولا يتم بعضها الا ببعض الاسلام الخالص عن الظلمة وطيب الغذاء والصدق لله فى الاعمال
قال فى درياق الذنوب وكان عمر بن عبد العزيز يخاف من العدل ولا يأمن العدول رؤى فى المنام بعد موته باثنتى عشرة سنة فقال الآن تخلصت من حسابى فاعتبر من هذا يا من اكب على الاذى(6/465)
فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94)
{ فاصدع بما تؤمر } ما موصولة والعائد محذوف اى فاجهر بما تؤمر به من الشرائع اى تكلم به جهارا واظهره وبالفارسية [ بس آشكارا كن وبظاهر قيام نمادى بآنجه فرستاده اند ازاوامر ونواهى ] يقال صدع بالحجة اذا تكلم بها جهارا من الصديع وهو الفجر اى الصبح او فاصدع فافرق بين الحق والباطل واكشف الحق وابنه من غيره من الصدع فى الزجاجة وهو الابانة كما قال فى القاموس الصدع الشق فى شيء صلب ثم قال وقوله تعالى { فاصدع بما تؤمر } اى شق جماعاتهم بالتوحيد
وفى تفسير ابى الليث كان رسول الله عليه السلام قبل نزول هذه الآية مستخفيا لا يظهر شيأ مما انزل الله تعالى حتى نزل { فاصدع بما تؤمر }
يقول الفقير كان عليه الصلاة والسلام مأمورا باظهار ما كان من قبيل الشرائع والاحكام لا ما كان من قبيل المعارف والحقائق والحقائق فانه كان مأمورا باهفائه الا لاهله من خواص الامة وقد توارثه العلماء بالله الى هذا الآن كما قال المولى الجامى
رسيد جان بلب ودم نمى توانم زد ... كه سر عشق همى ترسم آشكار شود
واما ما صدر من بعضهم من دعوى المأمورية فى اظهار بعض الامور الباعثة على تفرق الناس واختلافهم فى الدين فمن الجهل بالمراتب وعدم التمييز بين ما كان ملكيا ورحمانيا وبين ما كان نفسانيا وشيطانيا فان الطريق والمسلك والمطلب عزيز المنال والله الهادى الى حقيقة الحال
نكته عرفان مجو از خاطر آلود كان ... جوهر مقصود را دلهاى باك آمد صدف
{ واعرض عن المشركين } اى لا تلتفت الى ما يقولون ولا تبال بهم ولا تقصد الانتقام منهم
فان قلت قد دعا النبى عليه الصلاة والسلام على بعض الكفار فاستجيب له كما روى انه مر بالحكم ابن العاص فجعل الحكم يغمز به عليه السلام فرآه فقال « اللهم اجعل به وزغا » فرجف وارتعش مكانه والوزغ والارتعاش وهذا لا ينافى ما هو عليه من الحلم والاغضاء على ما يكره
قلت ظهر له فى ذلك اذن من الله تعالى ففعل ما فعل وهكذا جميع افعاله واقواله فان الوارث الكامل لا يصدر منه الا ما فيه اذن الله تعالى فما ظنك باكمل الخلق علما وعملا وحالا(6/466)
إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96)
{ انا كفيناك المستهزئين } بقمعهم واهلاكهم
قال الكاشفى [ بدرستى كه ما كفايت كرديم ازتوشر استهزا كنندكان ] { الذين يجعلون مع الله } [ آنانكه ميزنند وشريك ميكنند باخداى حق ] { الها آخر } [ خداى ديكر باطل ] يعنى الاصنام وغيرها والموصول منصوب بانه صفة المستهزئين ووصفهم بذلم تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهوينا للخطب عليه باعلامه انهم لم يقتصروا على الاستهزاء به عليه السلام بت اجترأوا على العظيمة التى هى الاشراك بالله سبحانه { فسوف يعلمون } [ بس زود بدانند عاقبت كاروبينند مكافات كردار خودرا ] فهو عبارة عن الوعيد وسوف ولعل وعسى فى وعد الملوك ووعيدهم يدل على صدق الامر وجده ولا مجال للشك بعده فعلى هذا جرى وعد الله وعيده والجمهور على انها نزلت فى خمسة نفر ذوى شأن وخطر كانوا يبالغون فى ايذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والاستهزاء به فاهلكهم الله فى يوم واحد وكان اهلاكهم قبل بدر منهم العاص بن وائل السهمى والد عمر بن العاص رضى الله عنه كان يخلج خلف رسول الله بانفه وفمه يسخر به فخرج فى يوم مطير على راحلة مع ابنين له فنزل شعبا من تلك السعاب فلما وضع قدمه على الارض قال لدغت فطلبوا فلم يجدوا شيأ فانتفخت رجله حتى صارت مثل عنق البعير فمات مكانه ومنهم الحارث بن القيس بن العطيلة اكل حوتا لمالحا فاصابه عطش شديد فلم يزل يشرب الناء حتىنقد اى انشق بطنه فمات فى مكانه ومنهم الاسود بن المطلب بن الحارث خرج مع غلام له فاتاه جبريل وهو قاعد الى اصل شجرة فجعل ينطح اى يضرب جبريل رأسه على الشجرة وكان يستغيث بغلامه فقال غلامه لا أرى احد يصنع بك شيأ غير نفسك فمات مكانه وكان هو واصحابه ويصفرون اذا رأوه ومنهم اسود بن عبد يغوث خرج من اهله فاصابه السموم فاسود حتى صتر كالفحم واتى اهله فلم يعرفوه فاغلقوا دونه الباب ولم يدخلوه دارهم حتى مات
قال فى انسان العيون هو اى الاسود هذا ابن خال النبى عليه الصلاة والسلام وكان اذا رأى المسلمين قال لاصحابه استهزاء بالصحابة كانت رثة وعيشهم خشنا ومنهم الوليد ابنى المغيرة والد خالد رضى الله عنه وعم ابى جهل خرج يتبختر فى مشيئته حتى وقف على رجل يعمل السهام فتعلق سهم فى ثوبه فلم ينقلب لينحيه تعاظما فاخذ طرف ردائه ليجعله على كتفه فاصاب السهم اكحله فقطعه ثم لم ينقطع عنه الدم حتى مات
وقال الكاشفى فى تفسيره [ آورده اندكه بنج تن از اشراف قريش در ايذاء وآزارسيد عالم صلى الله عليه وسلم بسيار كوشيدندى وهرجاكه ويرا ديدندى بفسوس واستهزاء بيش آمدندى روزى آن حضرت در مسجد حرام نشستسه بودبا جبرائيل اين بنج تن بر آمدند وبدستور معهود سخنان كفته بطواف حرم مشغول شدند جبرائيل فرمود يا رسول الله مردا فرموده اندكه شر ايشانرا كفايت كنم بس اشارت كرد بساق وليد بن مغيره وبكف باى عاص بن وائل وبه بينى حارث بن قيس وبروى اسود بن عبد يغوث وبجشم اسود بن مطلب وهربنج ازيشان دراندك زمانى هلاك شدند وليد بدبكان تير تراشى بكذشت وبيكانى دردامن او آويخت ازروى عظمت سر زير نكردكه از جامه باز كند آن بيكان ساق ويرا مجروح ساخت ورك شريانى ازان بريده كشت وبدوزخ رفت وخارى در كف باى عاص خليده بايش ورم كردوبدان بمرد واز بينى حارث خون وقيح روان شدوجان بداد واسود روى خود را بخاك وخاشاك ميزد تاهلاك شد وجشم اسود بنم مطلب نابيناشد از غضب سربر زمين زدتاجانش بر آمد ] وحينئذ يكون معنى كفاية هذا له عليه الصلاة والسلام انه لم يسع ولم يتكلف فى تحصيل ذلك كما فى انسان العيون وهؤلاء هم المرادون { بقوله انا كفيناك المستهزئين } وان كان المستهزئون غير منحصرين فيهم فقد جاء ان ابا جهل وابا لهب وعقبة والحكم بن العاص ونحوهم كانوا مستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم فى اكثر الاوقات بكل ما امكن لهم من طرح القذر على بابه والغمز ونحوهما : وفى المثنوى(6/467)
آن دهان كزكرد واز تسخر بخواند ... مر محمد رادهانش كزبماند
باز آمد كاى محمد عفو كن ... اى ترا الطاف وعلم من لدن من تر افسوس مى كردم زجهل
من بدم افسوس رامنسوب واهل ... جون خدا خواهد كه برده كس درد
ميلش اندر طعنه باكان برد ... ورخدا خواهدكه بوشد عيب كس
كم زندد درعيب معيوبان نفس ... وفى التأويلات { انا كفيناك المستهزئين } الذين يستعملون الشريعة بالطبيعة للخليقة ويرائون انهم لله يعملون استهزاء بدين الله الله يستهزئ بهم الى قوله وما كانوا مهتدين لانهم { الذين يجعلون مع الله الها آخر } وهو الخلق والهوى والدنيا فى استعمال الشريعة بالطبيعة { فسوف يعلمون } حين يجازيهم الله بما يعملون لمن عملوا كما قيل
سوف ترى اذا انجلى الغبار ... أفرس تحتك ام حمار(6/468)
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97)
{ ولقد نعلم انك يضيق صدرك } [ تنك ميشود سينه تو ] { بما يقولون } [ بىنجه كافران ميكويند ] من كلمات الشرك والطعن فى القرآن والاستهزاء بك وبه : يعنى [ دشوارمى آيد ترا كفتار كفار ] وادخل قد توكيدا لعلمه بما هو عليه من ضيق الصدر بما يقولون ومرجع توكيد العلم الى توكيد الوعد والوعيد لهم . ذكر ابن الحاجب انهم نقلوا قد اذا دخلت على المضارع من التقليل الى التحقيق كما ان ربما فى المضارع نقلت من التقليل الى التحقيق(6/469)
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98)
{ فسبح بحمد ربك } فافزع اليه تعالى والتجئ فيما نابك اى نزل بك من ضيق الصدر والحرج بالتسبيح والتقديس ملتبسا بحمده
قال الكاشفى [ بس تسبيح كن تسبيحى مقترن بحمد بروردكاتو يعنى بكو سبحان الله والحمد لله ] واعلم ان سبحان الله كلمة مشتملة على سلب النقص والعيب عن ذات الله وصفاته فما كان من اسمائه سلبا فهو مندرج تحت هذه الكلمة كالقدوس وهو الطاهر من كل عيب والسلام وهو الذى سلم من كل آفة والحمد لله كلمة مشتملة على اثبات ضروب الكمال لذاته وصفاته تعالى فما كان من اسمائه متضمنا للاثبات كالعليم والقدير والسميع والبصير ونحوهما فهو مندرج تحتها فنفينا بسبحان الله كل عيب عقلناه وكل نقص فهمناه واثبتنا بالحمد كمال عرفناه وكل جلال ادركناه { وكن من الساجدين } اى المصلين يكفك ويكشف الغم عنك -روى- انه عليه الصلاة والسلام كان اذا حزبه امر فزعالى الصلاة اى لجأ
وفى بحر العلوم وكن من الذين يكثرون السجود له لان المراد بالساجدين الكاملون فى السجود المبالغون فيه وذلك ما يكون الا باكثاره
يقول الفقير كثرة السجود فى الظاهر باعثة لدوام التوجه الى الله وهو المطلوب هذا باعتبار الابتداء واما باعتبار الانتهاء فالذى وصل الى دوام الحضور يجد فى نفسه تطبيق حاله بالظاهر فلا يزل يسجد شكرا آناء الليل واطراف النهار بلا تعب ولا كلفة ويجد فى صلاته ذوقا لا يجده حين فراغه منها
ليك ذوق سجدة بيش خدا ... خوشتر آيد ازدوصد دولت ترا
قال الكاشفى [ صاحب كشف الاسرار آورجه كه ازتنكدلئ توآكاهيم وآنجه بتومير سداز غصه بيكانكان خبر داريم توبحضور دل بنماز در آى كه ميدان مشاهده است وبامشاهده دوست بار بلاكشيدن آسان باشد
يكى از بيران طريقت كفته كه دربازار بغداد ديدم كى يكى راصد تازيانه زدند آهى نكرد ازوى برسيدم كه اى جوانمردان همه زخم خوردى ونناليدى كفت آرى شيخا معذورم داركه معشوقم در برابر بود وميديدكه مرا براى او ميزنند از نظاره وى بالم زحم شعور نداشتم ]
توتيغ ميزن وبكذار تا من بيدل ... نظاره كنم آن جهرخ نكارين را
قال فى شرح الحكم ما تجده القلوب من الهموم والاحزان يعنى عند فقدان مرادها وتشويش معتادها فلاجل ما منعت من وجود العيان اذ لو عاينت جمال الفاعل جمل عليها ألم البعد كما اتفق فى قصة النسوة اللاتى قطعن ايديهن -ويحكى- ان شابا ضرب تسعة وتسعون سوطا ما صاح ولا استغاث ولا تأوه فلما ضرب الواحدة التى كملت بها المائة صاح واستغاث فتبعه الشبلى قدس سره فسأله عن امره فقال ان العين التى ضربت من اجلها كانت تنظر الى فى التسعة والتسعين وفى الواحدة حجبت عتى وقد قال الشبلى من عرف الله لا يكون عليه غم ابدا(6/470)
وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)
{ واعبد ربك } دم على ما انت عليه من عبادته تعالى { حتى يأتيك اليقين } اى الموت فانه متيقن الى الحى طالب للوصول اليه . والمعنى دم على العبادة ما جمت حيا من غير اخلال بها لحظة كقوله { واوصانى بالصلاة والزكاة ما دمت حيا } ووقت العبادة بالموت لئلا يتوهم ان لها نهاية دون الموت فاذا ما انقطع عنه عمله وبقى ثوابه وهذا بالنسبة الى مرتبة الشريعة . واما الحقيقة فباقية فى كل موطن اذهى حال القلب والقلب من الملكوت ولا يعرض الفناء والانقطاع لاحوال الملكوت نسأل الله الوصول اليه والاعتماد فى كل شيء عليه وفى الحديث « ما اوحى لى ان اجمع المال واكن من لتاجرين ولكن اوحى الىّ ان سبح بحمد ربك وكن من الساجدين وابعد ربك حتى يأتيك اليقين »
وفى التأويلات النجمية { ولقد نعلم انك يضيق صدرك } من ضيق البشرية وغاية الشفقة وكمال الغيرة { بما يقولون } من اقوال الاخيار ويعملون عمل الاشرار { فسبح بحمد ربك } انك لست منهم { وكن من الساجدين } لله سجدة الشكر { واعبد ربك } بالاخلاص { حتى يأتيك اليقين } اى الى الابد انتهى كلامه
قال فى العوارف منازل طريق الوصول لا تقطع ابد الآباد فى عمر الآخرة الابدى فكيف فى العمر القصير الدنيوى
اى برادر بى نهايت دركهيست ... هر كجاكه ميرسى بالله مائست
قيل اليقين اسم ورسم وعلم وعين وحق فالاسم والرسم للعوام والعلم علم اليقين للاولياء وعين اليقين لخواص الاولياء وحق اليقين للانبياء وحقيقة
حق اليقين اختص بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .(6/471)
أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)
{ أتى امر الله } روى ان كفار قريش كانوا يستبطئون نزول العذاب الموعود لهم سخرية بالنبي عليه السلام وتكذيباً للوعد ويقولون ان صح ما يقولون من مجيء العذاب فالاصنام تشفع لنا وتخلصنا منه فنزلت * وامر الله هو العذاب الموعود لان تحققه منوط بحكمه النافذ وقضائه الغالب واتيانه عبارة عن دنوه واتقرابه على طريقة نظم المتوقع في سلك الواقع وقد وقع يوم بدر . والمعنى دنا واقترب ما وعدتم به ايها الكفرة { فلا تستعجلوه } اى امر الله ووقعوه اذلا خير لكم فيه ولا خلاص لكم منه واستعجالهم وان كان بطريق الاستهزاء لكنه حمل على الحقيقة ونهوا عنه بضرب من التهكم والاستعجال طلب الشئ قبل حينه { سبحانه } [ يا كست خداى } { وتعالى } [ وبرثرست ] { عما يشركون } اى تبرأ وتقدس بذاته على ان يكون له شريك فيدفع له شريك فيدفع ما اراد بهم بوجه من الوجوه ولما كان المنزه للذات الجليلة هو نفس الذات آل التنزيه الى معنى التبرى * وقال ابن عباس رضى الله عنهما لما انزل الله تعالى { اقتربت الساعة وانشق القمر } قال الكفار بعضهم لبعض ان هذا يزعم ان القيامة قد قربت فامسكوا بعض ما كنتم تعملون حتى ننظر ما هو كائن فملا رأوا انه لا ينزل شئ قالوا ما نرى شيأ فانزل { اقترب للناس حسابهم } الآية فاشفقوا وانتظروا قرب الساعة فلما امتدت الايام قالوا يا محمد ما نرى شيأ مما تخوفنا به فانزل الله تعالى { اتى امر الله } فوثب النبي عليه السلام قائما مخافة الساعة وحذر الناس من قيامها ورفع الناس رؤسهم فنزل { فلا تسعجلوه } اى لا تطلبوا الامر قبل حينه فاطمأنوا وجلس النبى عليه السلام بعد قيامه وليس في هذه الرواية استعجال المؤمنين بل خوفهم وظنهم ثم ان الاستعجال بها لا يوصف به المؤمنون قال الله تعالى { يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفعون منها } بل الظاهر انهم لما سمعوا اول الآية اضطربوا لظن انه وقع ثم لما سمعوا خطاب الكفار بقوله فلا تستعجلوه اطمأنوا كما في حواشى سعدى المفتى * ولما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم « بعثت انا والساعة كهاتين » يعني اصبعيه المسبحة والوسطى معناه ان ما بينى وبين الساعة بالنسبة الى ما مضى من الزمان مقدار فضل الوسطى على المسبحة شبه القرب الزمانى بالقرب المساحى لتصوير غاية قرب الساعة وفى حديث آخر « مثلى ومثل الساعة كفرسى رهان » قال فى القاموس كفرسى رهان يضرب للاثنين يسبقان الى غاية فيستويان وهذا التشبيه فى الابتداء لان الغاية تجلى عن السابق لا محالة انتهى
والاشارة الى ان قوله تعالى { اتى امر الله فلا تستعجلوه } كلام قديم كان الله فى الازل به متكلما والمخاطبون به بعد فى العدم محبوسون وهم طبقات ثلاث منهم الغافلون والعاقلون والعاشقون فكان الخطاب مع الغافلين بالعتاب اذ كانوا مشتاقين الى الدنيا وزخارفها ولذاتها وشهواتها وهم اصحاب النفوس(6/472)
نفس اكرجه زير كست وخرده دان ... قبله اش دنياست اورا مرده دان
والخطاب مع العاقلين بوعد الثواب اذ كانوا مشتاقين الى الطاعات والعبادات والاعمال الصالحات التى تبلغهم الى الجنة ونعيمها الباقية وهم ارباب العقول
نصبيب ماست بهشت اى خداشناس برو ... كه مستحق كرامت كنا هكارانند
والخطاب مع العاشقين بوصلة رب الارباب اذ كانوا مستاقين الى مشاهدة جمال ذى الجلال
جه سود ازروزن جنت اكر شيرين معاذ الله ... زكوى خود درى در روضه فرهاد نكشايد
فاستعجل ارواح كل طبقة منهم للخروج من العدم الى الوجود لنيل المقصود وطلب المفقود فتكلم الله فى الازل بقوله { اتى امر الله } اى سيأتى امر الله للخروج من العدم لاصابة ما كتب لكل طبقة منكم فى القسمة الازلية { فلا تستعجلوه } فانه لا يفوتكم يدل عليه قوله تعالى { وآتاكم من كل ما سألتموه } اى في العدم وهو يسمع خفيات اسراركم ويبر خفيات سرائركم المعدومة { سبحانه وتعالى عما يشركون } اى هو منزه فى ذاته ومتعال فى صفاته ان يكون له شريك يعمل عمله او شبيه يكون بدله
قهار بى منازع وغفار بى ملال ... ديان بى معادل وسلطان بى سباه
باغير او اضافت شاهى بود جنانك ... بريك دوجوب باره زشطرنج نام شاه(6/473)
يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2)
{ ينزل } الله تعالى { الملائكة } اى جبريل لان الواحد يسمى بالجمع اذا كان رئيسا تعظيما لشأنه ورفعا لقدر او هو ومن معه من حفظة الوحى كما قال السهيلى فى كتاب التعريف والاعلام { ينزل الملائكة } يعني ملائكة الوحى وهم جبريل وقال الملائكة بالجمع لانه قد ينزل بالوحى مع غيره - وروى - عن عامر الشعبي باسناد صحيح قال وكل اسرافيل بمحمد صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين وكان يأتيه بالكلمة والكلمتين ثم نزل عليه جبريل بالقرآن والحكمة فى توكيل اسرافيل به انه الموكل بالصور الذى فيه هلاك الخلق وقيام الساعة ونبوته صلى الله عليه وسلم مؤذنة بقرب الساعة وانقطاع الوحى وفى صحيح مسلم انه نزل عليه بسورة الحمد اى فاتحة الكتاب ملك لم ينزل بها جبريل كما قال بعضهم وهو بشيع . وذكرابن ابى حيثمة خالد بن سنان العبسى وذكر نبوته وانه وكل به من الملائكة مالك خازن النار وكان من اعلام نبوته ان نار يقال لها نار الحدثان كانت تخرج على الناس من مغارة فتأكلهم والزرع والضرع ولا يستطيعون ردها فردها خالد بن سنان بعصاه حتى رجعت هاربة منه الى المارة التي خرجت منها فلم تخرج بعد وفى الحديث « وكان نبيا ضيعه قومه » يعنى خالد بن سنان اى ضيعوا وصية نبيهم حيث لم يبلغوه مراده من اخبار احوال القبر وقوله عليه السلام « انى اولى الناس بعيسى بن مريم فانه ليس بينى وبينه نبى » اى نبى داع للخلق الى الله وشرع وسبق تفصيل اقصة فى سورة المائدة عنه قوله تعالى { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا } الآية فلنظر هناك . وذلك ان ملكا يقال له زياقيل كان ينزل على ذى الرنين وذلك الملك هو الذى يوطى الارض يوم القيامة ويقبضها فتقع اقدام الخلائق كلهم بالساهرة فيما ذكره بعض اهل العلم وهذا مشاكل لتوكيله بذى القرنين الذى قطع مشارق الارض ومغاربها كما ان قصة خالج بن سنان وتسخير النار له مشاكلة لحال الملك الموكل به كذا فى كتاب التعريف واسئلة الحكم { بالروح } اى بالوحى الذى من جملته القرآن على نهج الاستعارة فانه يحيى القلوب الميتة بالجهل او يقوم فى الدين مقام الروح فى الجسد يعنى ان الروح استعارة تحقيقية عن الوحى ووجه التسمية احد هذين الوجهين والقرينة ابدال ان انذروا من الروح وقال بعضهم الباء يمعنى مع اى ينزل الملائكة مع جبريل قال الكاشفي [ درتبيان ميكويد كه هيج ملكى فرونيايد الا كه روح با اوست ورقيب بروجنانجه بر آدميان حفظه مبياشند ] { من امره } بيان للروح الذي اريد به الوحى فانه امر بالخير وبعث عليه وايضا هو من عالم الامر المقابل لعالم الخلق وان كان جبريل من عالم الخلق او هو متعلق بينزل ومن للسببية كالباء مثلها فى قوله تعالى(6/474)
{ مما خطيآتهم } اى ينزلهم بالروح بسبب امره واجل ارادته { على ما يشاء من عباده } ان ينزلهم به عليهم لاختصاصهم بصفات تؤهلهم لذلك { ان انذروا } يدل من الروح اى ينزلهم ملتبسين بان انذروا اى بهذا القول والمخاطبون به الانبياء الذين نزلت الملائكة عليهم والآمر هو الله والملائكة نقلة للامر كما يشعر به الباء فى المبدل منه وان مخففة من الثقيلة وضمير الشأن الذى هو اسمها محذوف اى ينزلهم ملتبسين بان الشأن اقول لكم انذروا والانذار الاعلام خلا أنه مختص باعلام المحذور من نذر بالشئ كفرح علمه فحذره وانذره بالامر انذارا اعلمه وحذره وخوفه فى ابلاغه كذا فى القاموس اى اعملوا الناس ايها الانبياء { انه } اى الشأن { لا اله الا انا } [ كن نيست خداى مستحق عبادت مكر من كه آفريننده وروزى دهنده همه ام ] وانباؤه عن المحذور ليس لذاته بل من حيث اتصاف المنذرين بما يضاده من الاشراك وذلك كاف في كون اعلامه انذارا كما قال سعدى المتفى فى حواشيه التخويف بلا اله الا انا من حيث انهم كانوا يثبتون له تعالى ما لا يليق لذاته الكريمة من الشركاء والانداد فاذا كان ما اسندوه خلاف الواقع وهو مستبد بالالوهية فالظاهر انه ينتقم منهم على ذلك { فاتقون }
[ بس بترسيد از من وجز مرا برستش مكنيد ]
مرا بندكى كن كه دارا منهم ... تواز بندكانى ومولامن
وفي الآية دلالة على ان الملائكة وسائط بين الله وبين رسله وانبيائه فى ابلاغ كتبه ورسالاته وانهم ينزلون بالوحى على بعضهم دفعة فى وقت واحد كما نزلوا بالتوراة والانجيل والزبور على موسى وعيسى وداود والدال عليه قراءة ابن كثير وابى عمرو وينزل من انزل وعلى بعضهم منجما موزعا على حسب المصالح وكفاء الحوادي كما نزلو بالقرآن منجما فى عشرين سنة او فى ثلاث وعشرين على ما يدل عليه قراءة الباقين لان فى التنزيل دلالة على التدريج والتكثر والانزال بشموله التدريجي والدفعى اعم منه وانه ليس ذلك النزول بالوحى جملة واحدة او متفرقا الا بامر الله وعلى ما يراه خيرا وصوابا وان النبوة موهبة الله ورحمته يختص بها من يشاء من عباده وان المقصود الاصلى في ذلك اعلامهم الناس بتوحيد الله تعالى وتقواه فى جميع ما امر به ونهى عنه والاول هو منتهى كمال القوة العلمية والثانى هو اقصى كمالات القوة العلمية قال ى بحر العلوم واتقاء الله باجتناب الكفر والمعاصى وسائر القبائح يشمل رعاية حقوقها بين الناس
والاشارة { ينزل الملائكة بالروح من امره } اى بالوحى وبما يحيى القلوب من المواهب الربانية من امره اى من امر الله وامره على وجوه منهاما يرد على الجوارح بتكاليف الشريعة ومنها ما يرد على النفوس بتزكيتها بالطريقة ومنها ما يرد على الارواح بملازمة الحضرة للمكاشفات ومنها ما يرد على الخفيات بتبجل الصفات لافناء الذوات { على من يشاء من عباده } من الانبياء والاولياء { ان انذروا انه لا اله الا انا } اى اعلموا اوصاف وجودكم يبذلها فى انانيتى ان لا اله الا انا { فاتقون } اى فاتقوا سن انانيتك بانانيتى كذا فى التأويلات النجمية قال شيخى وسندى روحه الله روحه فى بعض تحريراته المتقى اما ان يتقى بنفسه عن الحق سبحانه واما بالحق عن نفسه والاول هو الاتقاء باسناد النقائص الى نفسه عن اسنادها الى الحق سبحانه فيجعل نفسه وقاية لله تعالى والثانى هو الاتقاء باسناد الكمالات الى الحق سبحانه عن اسنادها الى نفسه فيجعل الحق سبحانه وقاية لنفسه والعدم نقصان والوجود كمال فاتقوا الله حق تقاته بان تضيفوا العدم الى انفسكم مطلقا ولا تضيفوا الوجود اليها اصلا وتضيفوا الوجود الى الله مطلقا ولا تضيفوا العدم اليه اصلا فان الله تعالى موجود دائما ازلا وابدا سرمدا لا يجوز فى حقه العدم اصلا ونفوسكم من حيث هى هى معدومة دائما وازلا وابدا وسرمدا لا يجوز فى حقها الوجود اصلا وطريان الوجود عليها من حيث فيضان الجود الوجودى عليها من الحق تعالى لا يوجب وجودها اصلا من حيث هى هى عند هذا الطيان على عدمها الاصلى من حيث هى دائما مطلقا فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا واطيعوا انتهى كلام الشيخ(6/475)
كر تويى جمله در فضاى وجود ... هم خود انصاف ده بكو حق كو
در همه اوست بيش جشم شهود ... جيست بندارى هستئ من وتو
باك كن جامى ازغبار دويى ... لوح خاطر كه حق يكيس نه دو(6/476)
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3)
{ خلق السموات والارض } اى الاجرام العلوية والآثار السفلية يقال قبل ان يخلق الله الارض كان موضع الارض كله ماء فاجتمع الزبد فى موضع الكعبة فصارت ربوة حمراء كهيئة التل وكان ذلك يوم الاحد ثم ارتفع بخار الماء كهيئة الدخان حتى انتهى الى موضع السماء وما بين السماء والارض مسيرة خمسمائة عام كما بين المشرق والمغرب فجعل الله درة خضرا ، فخلق منها السماء فلما كان يوم الاثنين خلق الشمس والقمر والنجوم ثم بسط الارض من تحت الربوة { بالحق } اى بالحكمة والمصلحة لا بالباطل والبعث ونعيم ما قيل
انما الكون خيال ... وهو حق في الحقيقة
ويقال جعل الله الارواح العلوية والاشباح السفلية مظاهر افاعيله فهو الفاعل فيما يظهر على الراواح والاشباح { تعالى } وتقدس . وبالفارسية [ برترست خدى تعالى وبزركتر ] { عما يشركون } عن شركة ما يشركونه به من الباطل الذى لا يبدئ ولا يعيد فينبغي للسالك ان يوحد الله تعالى ذاتا وصفه وفعلا فان الله تعالى هو الفاعل خلق حجاب الوسائط لا بالوسائط بل بالذات فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا وهو ما اريد به وجه الله ولا يشرك بعبادة ربه احدا وقيل للمرائي مشرك
مرايى هركسى معبود سازد ... مرايى را ازان كفتند مشرك(6/477)
خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)
{ خلق الانسان } اى بنى آدم لا غير لان ابويهم لم يخلقا من النطفة بل خلق آدم من التراب وحواء من الضلع الايسر منه { من نطفة } قال فى القاموس النطفة ماء الرجل . والمعنى بالفارسية [ از آب منى كه جماديست بى حس وحركت وفهم وهيولائى كه وضع وشكل نبذيرد بس اورافهم وعقل داد ] { فاذا هو } [ بس آنكاه او ] اى الانسان بعد الخلق واتى بالفاء اشارة الى شرعة نسيانهم ابتداء خلقهم { خصيم } بليغ الخصومة شديد الجدل { مبين } اى مظهر للحجة او ظاهر لا شبهة فى زيادة خصومته وجدله : يعنى [ مناظره ميكند وميخوا هدكه سخن خودرا بحجت ثابت سازد ]
قال فى التكملة الظاهرة ان الآية على العموم وقد حكى المهدوى ان المراد به اى بن خلف الجمحى فانه اتى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم رميم فقال يا محمد اترى الله تعالى اى أتظن ان الله يحيى هذا بعد ما قدرم فنزلت ومثلها الآية التى فى آخر سورة يس وفيه نزلت : يعنى { اودرا اول جمادى بوده وما اورا حس ونطق داديم اكنون باما مجالة ميكند جرا اسندلال نمى كند بايداء براعاده كه هركه برابداء قادر بودهر ايينه برين نيز قدرت دارد } .
وفى التويلات النجمية اى جعل الانسان من نطفة ميتة لا فعل لها ولا علم بوجودها فاذا اعطيت العلم والقدرة صارت خصيما لخالقها مبينا وجودها مع وجود الحق وادعت الشركة معه فى الوجود والافاعيل انتهى .
والآية وصف الانسان بالافراط فى الوقاحة والجهل والتمادى فى كفران النعمة قالوا خلق الله تعالى جوهر الانسان من تراب اولا ثم من نطفة ثانيا وهم ما ازدادوا الا تكبرا وما لهم والكبر يعد ان خلقوا من نطفة نحبسة فى قول عامة العلماء
نه در ابتدا بودى آب منى ... اكر مردى از سر بدركن منى
وفي انسان العيون ان فضلاته صلى الله عليه وسلم طاهرة انتهى .
وهو من خصائصه عليه السلام كما صرحوا به فى كتب السير وحكم النطفة اسهل من الفضلات لانها أخف منها - يحكى - ان بعض اهل الرياضة المحققين من اهل التوحيد الحقانى كان يشم من فضلاتهم رائحة المسك وذلك ليس ببعيد لصفوة باطنهم وسريان آثار حالهم الىجميع اعضائهم واجزائهم فهم من النطفة صورة ومن النور معنى وليس غيرهم مثلهم لان معناهم ظهر فى صورة الوجود فغابوا من الغيبة ووصلوا الى عالم الشهود بخلاف غيرهم من ارباب الغفلة قان انتتطمع فى الوصول الى ما وصلوا او الحصول عند ما حصلوا فعليك باخلاص العمل وترك المراء والجدل فان حقيقة التوحيد لا تحصل للخصم العنيد بل هى منه بمكان بعيد .(6/478)
وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)
{ والانعام } جمع نعم وقد يسكن عينه وهي الابل والبقر والغنم والمعز وهى وهى الاجناس الاربعة المسماة بالزواج الثمانية اعتبارا للذكر والأنثى لان ذكر كل واحد من هذه الانواع زوج بانثاه وانثاه زوج بذكره فيكون مجموع الازواج ثمانية بهذا الاعتبار من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين فالخيل والبغال والحمير خارجة من الأنعام واكثر ما يقع هذا الاسم على الابل وانتصابها بمضمر يفسره قوله تعالى { خلقها لكم } ولمنافكم ومصالحكم يا بنى آدم وكذا سائر المخلوقات فانها خلقت لمصالح العباد ومنافعهم لا لها يدل عليه قوله تعالى { خلق لكم ما فى الارض جميعا } وقوله { سخر لكم ما فى السموات وما فى الارض } واما الانسان فقد خلق له تعالى كما قال { واصطنعتك لنفسى } فالانسان مرآة صفات الله تعالى ومجلى اسمائه الحسنى { فيها دف } [ درايشان بوستست كرم كننده يعنى جامعها ازبشم وموى كه سرما بازدادر } .
والدفئ نقيض حدة البرد اى بمعنى السخونة والحرارة ثم سمى به كل ما يدفأ به اى يسخن به من لباس معمول من صوف الغنم او وبر الابل او شعر المعز هذا واما الفرو فلا بأس به بعد الدباغة من أى صنف كان وقد عد الامام الشافعى رحمه الله لبس جلد السباع مكروها وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة فنك يلبسها فى الاعياد والفنك بالتحريك دابة فروتها اطيب انواع الفراء واشرفها واعد لها صالح لجميع الامزجة المعتدلة كما فى القاموس ثم ان اسباب التسخين انما تلزم للعامة وقد اشتهر ان النبى صلى الله عليه وسلم لم يصطل بالنار وكذا بعض الخواص فان حرارة باطنهم تغنى عن الحرارة الظاهرة : قال الصائب
جمعى كه بشت كرم بعش ازل نيند ... ناز سمورومنت سنجاب ميكشند
{ ومنافع } نسلها ودرها وركوبها والحراثة بها وثمنها واجرتها { ومنها تأكلون } من للتبعيض اى تأكلون ما يؤكل منها من اللحوم والشحوم وغير ذلك بخلاف الغدة والقبل والدبر والذكر والخصيتين والمرارة والمثانة ونخاع الصلب والعظم والدم فإنها حرام . وتقديم الظرف لرعاية الفاصلة او لان الا كل منها هو الاصل الذى يعتمده الناس فى معائشهم واما الا كل من غيرها من الطيور وصيد البر والبحر فعلى وجه التداوى او التفكه والتلذذ فيكون القصر اضافيا بالنسبة الى سائر الحيوانات حتى لا ينتقض بمثل الخبز ونحوه من المأكولات المعتادة .(6/479)
وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6)
{ ولكم فيها } مع ما فصل من انواع المنافع الضرورية { جمال } اى زينة فى اعين الناس ووجاهة عندهم { حين تريحون } تردونها من مراعيها الى مراحها ومباركها بالعشى اى فى آخر النهار من اراح الابل اذ ردها الى المراح بضم الميم وهو موضع اراحة الابل والبقر والغنم . والاراحة بالفارسية [ شبانكاه باز آوردن اشتر وكوسفند ] { وحين تسرحون } ترسلونها بالغداة اى فى اول النهار فى المرعى وتخرجونها من حظائرها الى مسارحها من سرح الراعى الابل اذ رعاها وارسلها فى المرعى قال فى تهذيب المصادر والسروح [ بجراهشتن ] وسرح لام ومتعد يقال سرحت الماشية وسرحت الماشية انتهى .
وتعيين الوقتين لان الرعاة اذا اراحوا بالعشى وسروحها بالغداة تزينت افانية بها اى ما اتسع من امام الدار كما فى القاموس وتجاوب الثغاء والرغاء الاول صوت الشاة والمعز والثانى ذوات الخف فيجل بكسر الجيم اى يعظم اهلها فى اعين الناظرين اليها ويكسبون الجاه والحرمة عند الناس واما عند كونها فى المراعى فينقطع اضافتها الحسية الى اربابها وعند كونها فى الحظائر لا يراها راء ولا ينظر اليها ناظر وقدم الاراحة على السرح وان كانت بعده لان الجمال فيها اظهر اذهى حضور بعد غيبة واقبال بعد ادبار على احسن ما يكون ملأى البطون مرتفعة الضلوع حافلة الضروع . قال في القاموس الجمال الحسن فى الخلق والخلق وتجمل تزين وجمله زينه وفى الحديث « جمال الرجل فصاحة لسانه » وفى حديث آخر « الجمال صواب المقال والكمال حسن الفعال »
موشند وكويا بشر ... ا كنده كوى ازبهايم بتر(6/480)
وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7)
{ وتحمل اثقالكم } جمع ثقل بفتح الثاء والقاف وهو متاع المسافر وحشمه اى تحمل امتعتكم واحمالكم { الى بلد } بعيد اياما كان فيدخل فيه اخراج اهل مكة متاجرهم الى اليمن ومصر والشام { لم تكونوا بالغيه } واصلين اليه بانفسكم مجردين عن الاثقال لولا الابل اى لو لم تخلق الابل فرضا { الا بشق الانفس } فضلا عن استصحابها معكم اى عن ان تحملوها على ظهوركم اليه . والشق بالكسر والفتح الكلفة والمشقة وهو استثناء مفرغ من اعم الاشياء اى لم تكونوا بالغيه بشئ من الاشياء الا بشق الانفس { ان ربكم لرؤوف رحيم } عظيم الرأفة بكم وعظم الانعام عليكم حيث رحمكم بخلق هذه الحوامل وانعمها عليكم لانتفاعكم وتيسير الامر عليكم . عن عمر ابن الخطاب رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم كان فى بعض مغازيه فبينما هم يسيرون اذا خذوا فرخ طائر اى ولده فاقبل احد ابويه حتى سقط فى ايدى الذين اخذوا الفرخ فقال عليه الصلاة والسلام « ألا تعجبون لهذا الطير اخذ فرخه فاقبل حتى سقط فى ايديكم والله لله ارحم بعباده من هذا الطائر بفرخه »
فروماند كانزرا برحمت قريب ... تضرع كنائر بدعوت مجيب
وفي الآية اشارة الى ان فى خلق الحيوانات انتفاعا للانسان فانهم ينتفعون بها حين اطلاعهم على صفاتها الحيوانية الذميمة بالصفات الملكية الحميدة احترازا عن الاحتباس فى حيزها واجتنابا عن شبهها بقوله { اولئك كالأنعام بل هم اضل } وهذه الصفات الحيوانية انما خلقت فيهم لتحمل اثقال ارواحهم الى بلد عالم الجبروت ولذا ورد ( نفسك مطيتك فارفق بها ) .
واعلم ان الله تعالى من على عباده بخلق الابل والبقر والغنم والمعز وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ابل يركبها وهى الناقة القصوى اى المقطوع طرف اذنها والجدعاء اى المقطوعة الانف او مقطوعة الاذن كلها والعضباء اى المشقوقة الاذن قال بعضهم وهذه القاب ولم يكن بتلك شئ من ذلك والعضباء هى التى كانت لا تسبق فسبقت فشق ذلك على المسلمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ان حقا على الله ان لا يرفع شيأ من الدنيا الاوضعة » وهى التى لم تأكل بعد وفاة رسول الله ولم تشرب حتى ماتت وجاء ان ابنته فاطمة رضى الله عنها تحشر عليها قال السعدى [ حلم شتر جنانكه ملعومست اكر طفلى مهارش كيرد وصد فرسنك ببرد كردن ازمتابعت او نيجد اما اكردرره هو لناك بيش آيدكه موجب هلاك باشد وطفل بنادانى خواهدكه آن جايكه برود زمام از كفش بكسلاند وديكر مطاوعت نكند كه هنكام درشتى ملاطفت مذموم است وكفته اندكه دثمن بملاطفت دوست نكردد بلكه طمع زياد كند ] .(6/481)
كسى كه لطف كند باتوخاك بايش باش ... وكر خلاف كنددردو جشمش آكن خاك
سخن بلطف وكرم بادرشت كوى مكوى ... كه رنك خوردده نكردد بنرم سوهان باك
قال فى حياة الحيوان واذا احرق وبر الجمل وذر على الدم السائل قطعه وقراده يربط فى كم العاشق فيزول عشقه ولحمه يزيد فى الباءة اى الجماع . والبقر من بقر اذا شق لانها تشق الارض بالحراثة . وقيل لمحمد بن الحسين بن على رضى الله عنهم الباقر لانه شق العلم ودخل فيه مدخلا بليغا واذا اردت ان ترى عجبا فادفن جرة فى الارض الى حلقها وقد طلى باطنها بشحم البقر فان البراغيث كلها تجتمع اليها واذ بخر البيت بشحمه مع الزرنيخ اذهب الهوام خصوصا العقارب ولم ينقل انه صلى الله عليه وسلم ملك شيأ منها اى من البقر للقنية فلا ينافى انه ضحى عن نسائه بالبقر كما فى انسان العيون يقال ثلاثة لا يفلحون بائع البشر وقاطع الشجر وذابح البقر والمراد القصاب المعتاد لذلك وفى الحديث « عليكم بالبان البقر واسمانها واياكم ولحومها فان البانها واسمانها دواء وشفاء ولحومها داء » قال الامام السخاوى قد صح ان النبى عليه الصلاة والسلام ضحى عن نسائه بالبقر قال الحليمى هذا ليبس الحجاز ويبوسة لحم البقر ورطوبة لبنها وسمنها فكأنه يرى اختصاص ذلك وهذا التأويل مستحسن والا فالنبي عليه السلام لا يتقرب الى الله تعالى بالداء فهو انما قال ذلك فى البقر لتلك اليبوسة وجواب آخر انه عليه السلام ضحى بالبقر ببيان الجواز او لعدم تيسر غيره انتهى كلام السخاوى وفى الحديث « صوفها رياش وسمنها معاش » يعنى الغنم الرياش اللباس الفاخر يعني ان ما على ظهرها سبب الرياش ومادتها وما فى بطنها سبب المعاش وهو الحياة .
وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال امر رسول الله صلى الله عليه وسلم الاغنياء باتخاذ الغنم وامر الفقراء باتحاذ الدجاج وقال « الدجاج غنم فقراء امتى والجمعة حج فقرائها » وعند اتخاذ الاغنياء الدجاج يأذن الله بهلاك القرى وجاء « اتخذوا الغنم فانها بركة » قال فى حياة الحيوان جعل الله البركة فى نوع الغنم وهى تلد فى العام مرة ويؤكل منها ما شاء الله ويمتلئ منها جوف الارض بخلاف السباع فانها تلد ستا وسبعا ولا يرى منها الا واحد فى اطراف الارض وكان له صلى الله عليه وسلم مائة من الغنم وسبعة اعنز كانت ترعاها ام ايمن رضى الله عنها وكان له عليه السلام شاة يختص بشرب لبنها وماتت له عليه الصلاة والسلام شاة فقال « ما فعلتم باهابها » قالوا انها ميتة قال « باغاها طهورها » قال الامام الدميرى كبد الكبش اذا احرقت طرية ودلك بها الاسنان بيضتها وقرن الكبش اذا دفن تحت شجرة يكثر حملها واذ انحملت المرأة بصوف النعجة قطعت الحبل واذا غطى الاناء بصوف الضأن الابيض وفيه عسل لا يقربه النمل .(6/482)
وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)
{ والخيل } عطف على الانعام اى خلق الله الخيل وهو اسم جنس للفرس لا واحد له من لفظه كالابل . والخيل نوعان عتيق وهجين والفرق بينهما ان عظم البرذون اعظم من عظم الفرس وعظم الفرس اصلب ونقل والبرذون اجمل من الفرس والفرس اسرع منه والعتيق بمنزلة الغزال والبرذون بمنزلة الشاة فالعتيق ما ابواه عربيان سمى بذلك لعتقه من العيوب وسلامته من الطعن فيه بالامور المنقصة . وسميت الكعبة بالبيت العتيق لسلامتها من عيب الرق لانه لم يملكها مالك قط . والهجين الذى ابوه عربى وامه عجمية . وخلق الله الخيل من ريح الجنوب وكان بعد العصر والذكر من الخيل خلق قبل الانثى لشرفه كآدم وحواء . واول من ركب الخيل اسماعيل عليه السلام وكانت وحوشا ولذلك قيل لها العراب وفى الحديث « اركبوا الخيل فانها ميراث ابيكم اسماعيل » وقد سبق قصة انقيادها لاسماعيل فى سورة البقرة عند قوله تعالى « واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل » الآية وعن انس رضى الله عنه ان النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن شئ أحب اليه بعد النساء من الخيل وفى الحديث « لما أراد ذو القرنين ان يسلك فى الظلمة الى عين الحياة سأل أى الدواب فى الليل ابصر فقالوا الخيل فقال أى الخيل ابصر فقالوا الاناث قال فأى الاناث ابصر فقالوا البكارة فجمع من عسكره ستة آلاف فرس كذلك » وكان له صلى الله عليه وسلم سبعة افراس . الاول الكسب شبه بكسب الماء وانصبابه لشدة جريه . والثانى المرتجز سمى به لحسن صهيله مأخوذ من الرجز الذى هو ضرب من الشعر والثالث اللحيف كاميرا او زبير كأنه يلحف الارض بذنبه لطوله اى يغطيها وقيل هو بالخاء المعجمة كامير وزبير . والرابع اللزاز مأخوذ من لاززته اى لاصقته فكأنه يلحق بالمطلوب لسرعته . والخامس الورود وهو ما بين الكميت والاشقر الكميت كزبير الذى خالط حمرته قنو وقنأ قنوأ اشدت حمرته والاشقر من الدواب الاحمر فى مغرة حمرة يحمر منها العرف والذنب ومن الناس من تعلو بياضه حمرة . والسادس الطرف بكسر الطاء المهملة واسكان الراء وبالفاء الكريم الجيد من الخيل . والسابع السبحة بفتح السين المهملة واسكان الموحدة وفتح الحاء المهملة اى سريع الجرى وفي الحديث « ما من ليلة الا والفرس يدعو فيها ويقول رب انك سخرتنى لابن آدم وجعلت رزقى يده اللهم فاجعلنى احب اليه من اهله وولده » وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان الفرس يقول اذا التقت الفئتان سبوح قدوس رب الملائكة والروح ولذلك قيل رب بهيمة خير من راكبها وكان له فى الغنيمة سهمان وعن النبى عليه السلام(6/483)
« لا يعطى الا لفرس واحد » عربيا كان او غيره لان الله تعالى قال { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل } ولم يفرق بين العربى وغيره ويقال ان الفرس لا طحال له وهو مثل لسرعته وحركته كما يقال للبعير لامرارة له اى لا جسارة له والفرس يرى المنامات كبنى آدم زبله اذا دخن به اخرج الولد من البطن قال الحافظ شرف الدين الدمياطى فى كتاب الخيل اذا ربط الفرس العتيق فى بيت لم يدخله الشيطان واما الفرس الذى فيه شؤم فهو الذى لا يغزى عليه ولا يستعمل فى مصلحة حميدة ولا يركبه صالح وفى الحديث « من نقى شعيرا لفرسه ثم جاء به حتى يعلق عليه كتب الله له بكل شعيرة حسنة » قال موسى للخضر أى الدواب احب اليك قال الفرس والحمار والبعير لان الفرس مركب اولى العزم من الرسل والبعير مركب هود وصالح وشعيب ومحمد عليهم السلام والحمار مركب عيسى والعزير عليهما السلام فكيف لا احب شيأ احياه الله بعد موته قبل الحشر { والبغال } جمع بغل وهو مركب من الفرس والحمار ويقال اول من استنتجها قارون وله صبر الحمار وقوة الفرس وهو مركب الملوك فى اسفارهم ومعبرة الصعاليك فى قضاء اوطارهم . وعن على بن ابى طالب رضى الله عنه ان البغال كانت تتناسل وكانت اسرع الدواب في نقل الحطب لنار ابراهيم خليل الرحمن فدعا عليهم فقطع الله نسلها وهذه الرواية تستدعى ان يكون استنتاجها قبل قارون لان ابراهيم مقدم على موسى بازمنة كثيرة واذا بخر البيت بحافر البغل الذكر هرب منه الفأر وسائر الهوام كما فى حياة الحيوان . وكان له صلى الله عليه وسلم بغال ست . منها بغلة شهباء يقال لها دلدل اهداها اليه المقوقس والى مصر من قبل هرقل والدلدل فى الاصل القنفذ وقيل ذكر القنافذ وقيل عظيمها وكان عليه الصلاة والسلام يركبها فى المدينة وفى الاسفار وعاشت حتى ذهبت اسنانها فكان يدق لها الشعير وعميت وقاتل على رضى الله عنه عليها مع الخوارج بعد ان ركبها عثمان رضى الله عنه وركبها بعد على رضى الله عنه ابنه الحسن ثم الحسين ثم محمد بن الحنيفة رضى الله عنهم . يقول الفقير انما ركبوها وقد كانت مركبه عليه الصلاة والسلام طلبا للنصرة والظفر فالظاهر انهم لم يركبوها فى غير الوقايع لان من آذاب التابع ان لا يلبس ثياب متبوعه ولا يركب دابته ولا يقعد فى مكانه ولا ينكح امرأته . ومنها بغلة يقال لها فضة . ومنها الايلية . وبغلة اهداها اليه كسرى . واخرى من دومة الجندل . واخرى من عند النجاشى { والحمير } جمع حمار وكان له صلى الله عليه وسلم من الحمر اثنان يعفور وعفير والعفرة الغبرة . وفى كتاب التعريف والاعلام ان اسم حمارة عليه الصلاة والسلام عفير ويقال له يعفور - روى - ان يعفور وجده صلى الله عليه وسلم بخيبر وانه تكلم فقال اسمى زياد بن شهاب وكان في آبائى ستون حمارا كلهم ركبهم بنى وانت بنى الله فلا يركبنى احد بعدك فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم القى الحمار نفسه في بئر جزعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات وذكر ان النى عليه الصلاة والسلام كان يرسله اذا كانت له حاجة الى اخذ من اصحابه فيأتى الحمار حتى يضرب برأسه باب الصحابة فيخرج اليه فيعلم ان النبى عليه الصلاة والسلام يريده فينطلق مع الحمار اليه والحمار من اذل خلق الله تعالى كما قال الشاعر(6/484)
يقيم على ضيم يراد به ... الا الاذلان عير الحىّ والوتد
هذا على الخسف مربوط برمته ... وذا يشبح فلا يرثى له احد
اى لا يصبر على ظلم يراد به فى حقه الا الاذلان اللذان هما فى غاية الذل ولفظ البيت خبر والمعنى نهى عن الصبر على الظم وتحذير وتنفير للسامعين عنه وفى الحديث « من لبس الصوف وحلب الشاة وركب الاتن فليس فى جوفه شئ من الكبر » والاتن جمع اتان وهى الحمارة { لتربكوها } تعليل بمعظم منافعها والا فالانتفاع بها بالحمل ايضا مما لا ريب فى تحققه { وزينة } انتصابها على المفعلو له عطفا على محل لتركبوها وتجريده عن اللام لكونه فعلا لفاعل الفعل المعلل به دون الاول فان الركوب فعل الراكب وهو المخلوق والزينة فعل الزائن وهو الخالق او مصر لفعل محذوف اى وتتزينوا بها زينة وقد احتج به ابو حنيفة رحمه الله تعالى على حرمة اكل لحم الخليل لانه علل خلقها للركوب والزينة ولم يذكر الاكل بعدما ذكره فى الانعام ومنفعة الا كل اقوى والآية سيقت لبيان النعمة ولا يليق بالحكيم ان يذكر فى موضع المنة ادنى لانعمتين ويترك اعلاهما كذا فى المدارك . وفى الحمر الاهلية خلاف مالك . وفى الخيل خلاف ابى يوسف ومحمد والشافعى كما فى بحر العلوم والتفصيل فى كتاب الذبائح من الكتب الفقهية { ويخلق مالا تعلمون } من انواع المخلوقات من الحشرات والهوام والطيور وحيوانات البحر ومخلوقات ما وراء جبل قاف وفى الحديث « ان الله تعالى خلق الف امة ستمائة منها فى البحر واربعمائة فى البر ومن انواع السمك ما لا يدرك الطرف اولها وآخرها ومالا يدركها الطرف لصغرها » وفى الحديث « ان الله خلق ارضا بيضاء مثل الدنيا ثلاثين مرة محشوة خلقا من خلق الله لا يعلمون ان الله تعالى يعصى طرفة عين » قالوا يا رسول الله أمن ولد آدم هم قال « لا يعلمون ان الله خلق آدم » قالوا فأين ابليس منهم قال(6/485)
« لا يعلمون ان الله خلق ابليس » ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { ويخلق مالا تعلمون } كما فى البستان وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان عن يمين العرش نهرا من نور مثل السموات السبع والارضين السبع والبحار السبعة يدخل فيه جبريل كل سحر فيغتسل فيزداد نورا الى نور وجمالا الى جمال وعظما الى عظم ثم ينتفض فيخلق الله من كل قطرة تقع من ريشه كذا وكذا الف ملك فيدخل منهم كل يوم سبعون الف ملك البيت المعمور وسبعون ألف ملك الكعبة لا يعودون اليه الى يوم القيامة كما فى الارشاد وفى الحديث « اذا ملئت جهنم تقول الجنة ملأت جهنم بالجبابرة والملوك والفراعنة ولم تملأنى الامن ضعفاء خلقك فينشئ الله خلقا عند ذلك فيدخلهم الجنة فطوبى لهم من خلق لم يذوقوا موتا ولم يروا سوأ باعينهم » كما فى بحر العلوم واعلم ان الله تعالى قال { وما اوتيتم من العلم الا قليلا } وكيف يحصر من كان قليل العلم مخلوقات الله الغير المحصورة التى هى مظاهر كلماته التامة واسمائه العامة فالاولى السكوت وقد اظهر الانبياء عليهم السلام العجز مع سعة علومهم واحاطة قلوبهم فما ظنك فى حق افراد الامة .
در محفلى كه خورشيد اندر شمار ذره است ... خودرا بزرك ديدن شرط ادب نباشد
وفى التأويلات النجمية { ويخلق } فيكم بعد رجوعكم بالجذبة الى مستقركم { مالا تعلمون } قبل الرجوع اليه وهو قبول فيض نور الله تعالى بلا واسطة انتهى .
قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر سكت النبى عليه السلام عن الاستخلاف اذ فى امته من يأخذ الامر عن ربه فيكون بباطنه خليفة الله وبظاهر خليفة رسول الله فهو تابع ومتبوع وسامع ومسموع ومع ذلك فهو يأخذ من المعدن الذى يأخذ منه الملك الموجى الى رسول الله والمعدن الذى يأخذ منه الرسول وقد نبه سبحانه على ذلك لقوله { ادعوا الى الله على بصيرة انا ومن اتبعنى } بي انّ الرسول قابل للزيادة فى ظاهر الاحكام والخليفة الولى ليس كذلك ناقص عن رتبة النبوة انتهى فانظر الى استعداد كاملى هذه الامة كيف اخذوا الفيض من الله بلا واسطة نسأل الله تعالى ان يملأ قلوبنا بمحبتهم واعتقادهم ويوفقنا لاعمالهم ورشادهم ويحشرنا معهم وتحت لوائهم ويدخلنا الجنة ونحن من رفقائهم .(6/486)
وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)
{ وعلى الله قصد السبيل } القصد مصدر بمعنى الفاعل يقال سبيل قصد وقاصد اى مستقيم على نهج اسناد حال سالكه اليه كأنه ييقصد الوجه الذى يؤمه السالك لا يعدل عنه والمراد بالسبيل الطريق بدليل اضافة القصد اليه اى حق عليه سبحانه بموجب رحمته ووعده المحتوم لا واجب اذ لا يجب عليه شئ من بيان الطريق المستقيم الموصل لمن يسلكه الى الحق الذى هو التوحيد بنصب الادلة وارسال الرسل وانزال الكتب لدعوة الناس اليه { ومنها } فى محل الرفع على الابتداء اما باعتبار مضمونه واما بتقدير الموصوف اى بعض السبيل او بعض من السبيل فانها تذكر وتؤنث . قال ابن الكمال الفرق بين الطريق والصراط والسبيل انها مستاوية فى التذكير والتأنيث اما فى المعنى فبينهما فرق لطيف وهو ان الطريق كل ما يطرقه طارق معتادا كان او غير معتاد والسبيل من الطرق ما هو معتاد السلوك والصراط من السبيل مالا التواء فيه اى لا اعوجاج بل يكون على سبيل القصد فهو اخص { جائر } اى مائل عن الحق منحرف عنه لا يوصل سالكه إليه وهو طريق الضلال التى لا يكاد يحصى عددها المندرج كلها تحت الجائر كاليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر ملل الكفر واهل الهواء والبدع ومن هذا علم ان قصد السبيل هو دين الاسلام والسنة والجماعة جعلنا الله واياكم على قصد السبيل وحسن الاعتقاد والعمل وحفظنا واياكم من الجائر والزيغ والزلل .
قال مرجدع طريقة الجلوتية بالجيم اعنى حضرة الشيخ محمود هداى الاسكدارى قدس سره رأيت صور اعلام اهل الاديان فى مبشرتى ليلة الاثنين والعشرين من جماد الآخرة لسنة اثنتي عشرة والف وهى هذه- هذا علم اهل الايمان وصورة استمدادهم من الحق تعالى بالتوجه الى العلو اقتداء بمن قال فى حقه المولى الاعلى ما زاغ البصر وما طغى- هذا علم النصارى وصورة انحرافهم عن الحق- هذا علم اليهود وصورة انحرافهم عن الحق اكتفاء بالقلب انتهى { ولو شاء لهديكم اجمعين } اى ولو شاء الله ان يهديكم الى ما ذكر من التوحيد هداية موصلة اليه البتة مستلزمة لاهتدائكم اجميعن لفعل ذلك ولكن لم يشأ لان مشيئته تابعة للحكمة الداعية اليها ولا حكمة فى تلك المشيئة لما ان مدار التكليف والثواب والعقاب انما هو الاختيار الجزئى الذى يترتب عليه الاعمال التى بها نيط الجزاء .
وقال ابو الليث فى تفسيره لو علم الله ان الخلق كلهم اهل للتوحيد لهداهم انتهى .
يقول الفقير هو معنى لطيف مبنى على ان العلم تابع للمعلوم فلا يظهر من الاحوال الا ما اعطته الاعيان الى العلم الالهى كالايمان والكفر والطاعة والعصيان والنقصان والكمال فمن كان مقتضى ذاته الايمان والطاعة والكمال وكان اهلالها فى عالم عينه الثابتة اعطاها للعلم فشاء الله هدايته فى هذه النشأة بحكمته ومن كان مقتضى استعداده خلاف لم يشأ الله هدايته حين النزول الى مرتبة وجوده العنصرى والالزم التغير فى علم الله تعالى وهو محال وفى الحديث(6/487)
« انما انا رسول وليس الى شئ من الهداية ولو كانت الهداية الىّ لآ من كل من الارض وانما ابليس مزين وليس له من الضلالة شيء ولو كانت الضلالة اليه لا ضل كل من فى الارض ولكن الله يضل من يشاء » كذا فى تقليح الاذهان قال الحافظ
مكن بجشم حقارت ملامت من مشت ... كه نيست معصيت وزهد بى مشيت او
وقال
درين جمن نكم سرزتش بخود رويى ... جنانكه برورشم مى دهند ومى رويم
وقال
رضا بداده بده وزجبين كره بكشاى ... كه برمن وتو در اختيار نكشادست
فعليك بترك القيل والقال ورفض الاعتزال والجدال فان الضى والتسليم بسبب القبول وخلافه يؤدى الى غصب الحبيب المقبول - يحكى - عن حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر انه قال اقمت بمدينة قرطبة بمشهد فارانى الله اعيان رسله عليهم السلام من لدن آدم الى نبينا عله الصلاة والسلام فخاطبنى منهم هود عليه السلام واخبرنى فى سبب جمعيتهم وهو انهم اجتمعوا شفعاء للحلاج الى نبينا عليه الصلاة والسلام وذلك انه كان قد اساء الادب بان قال فى حياته الدنيوية ان رسول الله صلى الله عليه وسلم همته دون منصبه قيل له ولم ذلك قال لان الله تعالى قال { ولسوف يعطيك ربك فترضى } وكان من حقه لا يرضى الا ان يقبل الله تعالى شفاعته فى كل كافر ومؤمن لكنه ما قال الا « شفاعتى لاهل الكبائر من امتى » فلما صدر منه هذا القول جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى واقعة وقال له يا منصور انت الذى انكرت على الشفاعة فقال يا رسول الله قد كان ذلك فقال ألم تسمع اننى حكيت عن ربى عز وجل « اذا احببت عبدا كنت له سمعا وبصرا ولسانا ويدا » فقال بلى يا رسول الله فقال « أو لم تعلم انى حبيب الله » قال بلى يا رسول الله قال فاذا كنت حبيب الله كان هو لسانى القائل فاذا هو الشافع والمشفوع اليه وانا عدم فى وجود فأى عتاب على يا منصور فقال رسول الله « انا تائب من قولى هذا فما كفارة ذنبى » قال قرب نفسك لله قربانا فاقتل نفسك بسيف شريعتى فكان من امره ما كان ثم قال هود عليه السلام وهو من حيث فارق الدنيا محجوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والآن هذه الجمعة لاجل الشفاعة له الى رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى .(6/488)
بقول الفقير سامحه الله القدير فى هذه القصة امران احدهما عظم شأن الحلاج قدس سره بدلالة عظم شأن الشفعاء والثانى انه قتل فى بغداد فى آخر سنة ثلاثمائة وتسع ومات حشرة الشيخ الاكبر بالشام سنة ثمان وثلاثين وستمائة فبينهما من المدة ثلاثمائة وتسع وعشرون سنة والظاهر والله اعلم ان روح الحلاج كان محجوبا عن روح رسول الله صلى الله عليه وسلم اكثر من ثلاثمائة سنة تقريبا وذلك سبب كلمة صدرت منه على خلاف الادب فان من كان على بساط القرب والحضور ينبغى ان يراعى الادب فى كل امر من الامور فما ظنك بمن جاوز حد الشريعة ورخص نظم القرآن ومعانيه اللطيفة وعمل بالخيلات والاوهام فليس اولئك الا كالانعام نسأل الله العافية والعفو والانعام { هو الذى انزل } بقدرته القاهر { من السماء } الى السحاب ومنه الى الارض { ماء } نوعا من هوهو المطر . وفى بحر العلوم تنكيره للتبعيض اى بعض الماء فأنه لم ينزل من السماء الماء كله { لكم منه } اى من ذلك الماء المنزر { شراب } اى ما تشربونه والظرف الاول وهو لكم خبر مقدم لشراب والثانى حال منه ومن تبعيضية { ومنه شجر } من ابتدائية اى ومنه وسببه يحصل شجر ترعاه المواشى والمراد به ما ينبت من الارض سواء كان له ساق اولا وفى حديث عكرمة { لا تأكلون ثمن الشجرة فانه سحت } يعني الكلأ وهو بالقصر ما روعته الدواب من الرطب واليابس وانما كان ثمنه سحتا لما فى حديث آخر « الناس شركاء فى ثلاث الماء والكلأ والنار » اى فى اصطلائها وضوئها لا فى الجمر كما ان المراد بالماء ماء الانهار والآبار لا الماء المحرز فى الظروف والحيلة فيه ان يستأجر موضعا من الارض ليضرب فيه فسطاطا او ليجعله حظيره لغنمه فتصح الاجارة ويبيح صاحب المرعى الانتفاع له بالرعى فيحصل مقصودها كذا فى الكافى ويجوز بيع الاوراق على الشجرة لا بيع الثمرة قبل ظهورها والحيلة فى ذلك بيعها مع الاوراق اول ما تخرج من وردها فيجوز البيع فى الثمر تبعا للبيع فى الاوراق كما فى انوار المشارق { فيه تسيمون } الاسامة بالفارسية { بيرون هشتن رمه بجرا } يقال سامت الماشية رعت واسمامها صاحبها من السومة بالضم وهى العلامة لانها تؤثر بالرعى علامات فى الارض اى ترعون مواشيكم قدم الشجر لحصوله بغير صنع من البشر ثم استأنف اخبار عن منافع الماء فقال لمن قال هل له منفعة غير ذلك { ينبت } الله تعالى { كلم } لمصالحكم ومنافعكم { به } اى بما انزل من السماء { الزرع } الذى هو اصل الاغذية وعمود المعاش .
قال الكاشفى [ مراد حبوب غاذيه است كه زراعت ميكنند } قال في بحر العلوم الزرع كل ما استنبت بالبذر مسمى بالمصدر وجمع زروع . قال كعب الابحبار لما اهبط الله تعالى آدم جاء ميكائيل بشئ من حب الحنطة وقال هذا رزق ورزق اولادك قم فاضرب الارض وابذر البذر قال ولم يزل اخب من عهد آدم الى زمن ادريس كبيضة النعام فلما كفر الناس نقص الى بيضة الدجاج ثم الى بيضة الحمام ثم الى قدر البندقة ثم الى قدر الحمصة ثم الى المقدار المحسوس الا ان يقال ان البوم لا يأكل الحنطة ولا يشرب الماء اما الاول فلان آدم عصى بالحنطة ربه واما الثانى فلان قوم نوح اهلكوا بالماء { والزيتون } الذى هو ادام من وجه وفاكهة من وجه .(6/489)
وقال الكاشفى يعني [ درخت زيتون را ] . قال فى انسان اليعون شجرة الزيتون تعمر ثلاثة آلاف سنة وكان زاده صلى الله عليه وسلم وقت تخليه بغار حراء بالمد والقصر الكعك والزيت وجاء ( ائتدموا بالزيت وادهنوا به فانه يخرج من شجرة مباركة ) وهى الزيتون وقبل لها مباركة لانها لا تكاد تنبت الا فى شريف البقاع التى بورك فيها كارض بيت المقدس { والنخيل } [ وخرما بنانرا ] والنخيل والنخل بمعنى واحد وهواسم جمع والواحدة نخلة كالثمرة والثمر وفى الحديث « اكرموا عمتكم النخلة فانها خلقت من فضل طينة آدم وليست من الشجرة شجرة اكرم على الله من شجرة ولدت تحتها مريم ابنة عمران فاطعموا نساءكم الولد الرطب فان لم يكن رطب فتمر » كما فى المقاصد الحسنة { الاعناب } [ وتا كهارا ] جمع الاعناب للاشارة الى ما فيها من الاشتمال على الصناف المختلفة . وفيه اشارة الى ان تسمية العنب كرما لم يكن يوضع الواضع ولكنه كان من الجاهيلة كأنهم قصدوا به الاشتقاق من الكرم لكون الخمر المتخذة منه تحت على الكرم والسخاء فنهى النبى عليه السلام عن ان يسموه بالاسم الذى وضع الجاهلية وامرهم بالتسمية اللغوية بوضع الواضع حيث قال « لا تقولوا الكرم ولكن قولوا العنب والحبلة » ثم بين قبح تلك الاستعارة بقوله ( إنما الكرم قل بالمؤمن ) يعني ان ما ظنوه من السخاء والكرم فانما هو من قلب المؤمن لا من الخمر اذا اكثر تصرفات السكران عن غلبة من عقله فلا يعتبر ذلك العطاء كرما ولا سخاء اذهو في تلك الحالة كصبى لا يعقل السخاء ويؤثر بماله سرفا وتبذيرا فكما لا يحمل ذلك على الكرم فكذا اعطاء السكران كذا فى ابكار الافكار . وخصص هذه الانواع المعدودة بالذكر للاشعار بفضلها وشرفها ثم عمم فقال { ومن كل الثمرات } من تبعضية اى بعض كلها لانه لم يخرج بالمطر جميع الثمرات وانما يكون فى الجنة اى لم يقل كل الثمرات لان كلها لا تكون الا فى الجنة وانما ابنت فى الارض من كلها للتذكرة ولعل المراد ومن كل الثمرات التى يحتملها هذه النشأة الدنيوية وترى بها وهى الثمرات المتعارفة عند الناس بانواعها واصنافها فتكون كلمة من صلة كما فى قوله تعالى(6/490)
{ يغفر لكم من ذنوبكم } على رأى الكوفية وهو اللائح { ان فى ذلك } اى فى انزال الماء وانبات ما فصل { آية } عظيمة دالة على تفرده تعالى بالالوهية لاشتماله على كمال العلم والقدرة والحكمة { لقوم يتفكرون } فان من تفكر فى ان الحبة والنواة تقع فى الارض وتصل اليها نداوة تنفذ فيها فينشق اسفلها فيخرج منه عروق وتنبسط فى اعماق الارض وينشق اعلاها ان كانت منتكسة فى الوقوع ويخرج منه ساق فينمو ويخرج منه الاوراق والازهار والحبوب والثمار على اجسام مختلفة الاشكال والالوان والخواص والطبائع وعلى نواة قابلة توليد الامثال على النمط المحرر لا الى نهاية مع اتحاد المواد واستواء نسبة الطبائع السفلية والتأثيرات العلوية بالنسبة الى الكل علم ان من هذه افعاله وآثاره لا يمكن ان يشبهه شئ فى شئ من صفات الكمال فضلا عن ان يشاركه اخس الاشياء فى صفاته التى هى الالوهية واستحقاق العبادة تعالى عن ذلك علو كبيرا
روضه جابنش جانها آفريد ... بغجه كون ومكانها آفريد
كرد ازهر شاخها كل برك وبار ... جلوه او نقش ديكر آشكار
والتفكر تصرف القلب فى معانى الاشياء لدرك المطلوب قالوا الذكر طريق والفكر وسيلة المعرفة التى هى اعظم الطاعات .
قال بعضهم الذكر افضل للعامة لما فى الفكر لهم من خوف الوقوع فى الاباطيل وتمكن من الفكر المستقيم فانهم كلما عرضت لهم شبهة تطلبوا دليلا يزيلها فكان الفكر لهم افضل من الذكر اذا لم يتمكنوا من حصول الفكر البليغ مع الذكر واليه اشار عليه السلام بقوله « تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة » - روى - ان عثمان رضى الله عنه ختم القرآن فى ركعة الوتر تمكنه من التدبر والتفكر ولم يبح ذلك لمن لم يتمكن من تدبيره ومعرفة فقهه واجل له مدة يتمكن فيها من ذلك كالثلاثة والسبعة(6/491)
وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)
{ وسخر لكم } اى لمنامكم ومعاشكم ولعقد الثمار وانضاجها { الليل والنهار } يتعاقبان خلفة كما قال تعالى { هو الذى جعل الليل والنهار خلفة } قاتل بعضهم الليل ذكر كآدم والنهار انثى كحواء والليل من الجنة والنهار من النار ومن ثمة كان الانس بالليل اكثر { والشمس والقمر } تسخرا فى سيرهما وانارتهما اصالة وخلافة واصلحهما لما نيط بهما صلاحه كل ذلك لمصالحكم ومنافكم : قال السعدى
ابر وباد ومنه وخورشيد وفلك دركارند ... تاتو نانى بكف آرى وبغفلت نخورى
همه از بهرنو سركشته وفرمان بردار ... شرط النصاف نباشد كه توفرمان نبرى
والسخير بالفارسية [ رام كردانيدن ] وليس المراد بتسخير هذه لهم تمكنهم من تصريفها كيف شاؤوا كما فى قوله تعالى { سبحان الذى سخر لنا هذا } ونظائره بل هو تصريفه تعالى لها حسبما يترتب عليه منافهم ومصالحهم لا ان ذلك تسخير لهم وتصرف من قبلهم حسب ارادتهم { والنجوم مسخرات بامره } مبتدأ وخبر اى سائر النجوم فى حركاتها واوضاعها من التثليث والتربيع ونحوهما مسخرات اى مذللات لله خلقها ودبرها كيف شاء او لما خلقن له بامره اى بارادته ومشيئته وحيث لم يكن عود منافع لالنجوم اليهم فى الظهور بمثابة ما قبلها من الملوين والقمرين لم ينسب تسخيرها اليهم باداة الاختصاص بل ذكر على وجه يفيد كونها تحت ملوكته تعالى من غير دلالة على شئ آخر ولذلك عدل عن الجملة الفعلية الدالة على الحدوث الى الاسمية المفيدة للدوام والاستمرار . وقرئ بنصب النجوم على تقدير وجعل النجوم مسخرات بامره او على انه معطوف على المنصوبات المتقدمة ومسخرات حال من الكل والعالم ما فى سخر من معنى نفع اى نفعكم بها حال كونها مسخرات لله او لما خلقن له بايجاده وتقديره { ان فى ذلك } اى فيما ذكر من التسخير المتعلق بما ذكر مجملا ومفصلا { لآيات } باهرة متكاثرة { لقوم يعقلون } يفتحون عقولهم للنظر والاستدلال ويعتبرون وحيث كانت الآثار العلوية متعددة ودلالة ما فيها من عظيم القدرة والعلم والحكمة على الوحدانية أظهر جميع الآيات علقت بمجرد العقل من غير حاجة الى التأمل والتفكر .
قال اهل العلم العقل جوهر مضيئ خلقه الله فى الدماغ وجعل نوره فى القلب يدرك الغائبات بالوساط والمحسوسات بالمشاهدة وهو للقلب بمنزلة الروح للجسد فكل قلب لا عقل له فهو ميت وهو بمنزلة قلب البهائم وسئل النبى صلى الله عليه وسلم من احسن الناس عقلا قال « المسارع الى مرضاة الله تعالى والمجتنب عن محارم الله تعالى » قالوا اخف حلما من العصفور قال حسان بن ثابت الانصارى رضى الله عنه
لا بأس بالقوم من طول ومن عظم ... جسم البغال واحلام العصافير(6/492)
وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)
{ وما ذرأ لكم } عطف على قوله والنجوم رفعا ونصبا على انه مفعول لجعل المقدر اى وما خلق { فى الارض } من حيوان ونبات حال كونه { مختلفا الوانه } اى اصنافه فان اختلافها غالبا يكون باختلاف اللون سخر لله تعالى او لما خلق من الخواص والاحوال والكيفيات او جعل ذلك مختلف الاصناف لتتمتعوا من ذلك بأى صنف شئتم .
وفى بحر العلوم مختفا الوانه هيآته من خضرة وبياض وحمرة وسواد وغير ذلك . وفي اكثر التفاسير وما ذرأ معطوف على الليل والنهار اى وسخر لكم ما خلق لاجلكم وتعقب بان ذكر الخلق لهم مغن عن ذكر التسخير واعتذر بان الاول لا يستلزم الثانى لزوما عقليا لجواز كون ما خلق لهم عزيز المرام صعب المنال { ان فى ذلك } الذى ذكر من التسخيرات ونحوها { لآية } دالة على ان من هذا شأنه واحد لا شريك له { لقوم يتذكرون } فان ذلك غير محتاج الا الى تذكر ما عسى يغفل عنه من العلوم الضرورية .
والاشارة { وسخر لكم الليل } ليل البشرية { والنهار } نهار الروحانية { والشمس } شمس الروح { والقمر } فمر القلب { والنجوم } نجوم القوى والحواس الخمس { مسخرات بامره } وهو خطاب وتسخيرها استعمالها على وفق الشريعة وقانون الطريقة بمعالجة طبيب حاذق البصيرة والولاية كامل التصرف فى الهداية مخصوص بالعناية { ان في ذلك لآيات } لشاهدات { لقوم يعقلون } بشواهد الحق من غير التكفر بل بالمعاينات { وما ذرأ لكم } وما خلق لمصالحكم { فى الارض } فى ارض جلبتكم من الاستعدادات { مختلفا الوانه } منها ملكية ومنها شيطانية ومنها حيوانية { ان فى ذلك لآيات لقوم يتذكرون } عبورا ارواحهم على هذه العوالم المختلفة وتلونها فى كل عالم بلون ذلك العالم من عوالم الملكية والشيطانية والحيوانية الى ان ردت الى اسفل سافلين القالب كذا فى التأويلات النجمية .
فعلى العاقل ان يتخلص من قيد الغفلة ويربط نفسه بلسلة اهل التذكر . قال محمد بن فضل ذكر اللسان كفارات ودرجات وذكر القلب زلفى وقربات والتذكر من شأن القلب والقلب امير الجسد واسير الحق وفى الحديث « لولا ان الشيطاين يحومون على قلوب بنى آدم لنظروا الى ملكوت السموات » وفى هذه اشارة الى الاسباب التى هى حجاب بين القلب وبين الملكوت واصحاب القلوب من الانس ثلاثة صنف كالبهائم قال الله تعالى { لهم قلوب لا يفقهون بها } وصنف اجسادهم اجساد بنى آدم وارواحهم ارواح الشياطين ونصف فى ظل الله تعالى يوم لا ظل الا ظله كذا فى الخالصة : قال السعدى قدس سره
ترا ديده درسر نهادند وكوش ... دهن جاى كفتار ودل جاى هوش
مكر باز دانى نشيب از فراز ... نكويى كه اين كوتهست يادراز
يعنى ان الله تعالى خلق كل عضو من الاعضاء بالحكمة فاستعملوها فيما خلقت له .(6/493)
وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)
{ وهو الذى سخر البحر } قال فى القاموس البحر الماء الكثير أو الملح فقط والجمع ابحر وبحور وبحار انتهى .
وفى الكواشى سخر البحر العذب والملح اى جعله بحيث تتمكنون من الانتفاع به بالركوب والغوص والاصطياد . قال بعضهم هذه البحور على وجه الارض ماء السماء النازل وقت الطوفان فان الله تعالى امر الارض بعد هلاك القوم فابتلعت ماءها وبقى ماء السماء لم تبتلعه الارض واما البحر المحيط فغير ذلك بل هو جزر عن الارض حين خلق الله الارض من زبده . ويجوز ركوب البحر بشرط علم السباحة وعدم دوران الرأس والا فقد القى نفسه الى التهلكة واقدم على ترك الفرائض وذلك للرجال والنساء كما قاله الجمهور وكره ركوبه للنساء لان حالهن على الستر واذا متعسر فى السفينة غالبا لا سيما فى الزورق وهى السفينة الصغيرة { لتأكلوا منه } اى من العذب والملح كما فى الكواشى { لحما طريا } من الطراوة فلا يهمز وهو بالفارسية [ تازه ] والمراد السمك والتعبير عنه باللحم مع كونه حيوانا للتوبيخ بانحصار الانتفاع به فى الاكل كما فى الارشاد وللايذان بعدم احتياجه للذبح كسائر الحيوانات غير الجراد كا هو اللائح وصفه بالطراوة ارشادا لا يتناول طريا فان اكله قديدا اضر ما يكون كما هو المقرر عند الاطباء وفيه بيان لكمال قدرته حيث خلقه عذبا طريا فى ماء زعاق وهو كغراب الماء المر الغيظ لا يطاق شربه من اطلاق اللحم عليه ذهب مالك والثورى الى ان من حلف لا يأكل اللحم حنث باكله والجواب ان مبنى الايمان الغرف ولا ريب فى انه لا يفهم من اللحم عند الاطلاق ألا ترى ان الله تعالى سمى الكافر دابة حيث قال { ان شر الدواب عند الله الذين كفروا } ولا يحنث بركوبه من حلف لا يركب دابة . وفى حياة الحيوان المذهب المفتى به حل الجميع من الحيوانات التى فى البحر الا السرطان والضفدع والتمساح سواء كان على صورة كلب او خنزير ام لا وفى الحديث « اكل السمك يذهب بالحسد » كما فى بحر العلوم . والسمك يستنشق الماء كما يستنشق بنوا آدم وحيوان البر الهواء الا ان حيوان البر يستنشق الهواء بالانوف ويصل بذلك الى قصة الرئة والسك يسنشق باصداغه فيقوم له الماء قى تولد الروح الحيوانى فى قلبه مقام الهواء فى امة الحاية ولم نستغن نحن وما اشبهنا من اليحوان عنه لان عالم السماء والارض دون عالم الهواء ونحن من عالم الارض ونسيم البرّ لو مرّ على السك ساعة لهلك : وفى المثنوى
ما هيانزرا بحر نكذارد برون ... خاكيانرا بحر نكذارد درون
اصل ما هى آب وحيوان ازكلست ... حيله وتدبير اينجا باطلست(6/494)
{ وتستخرجوا منه } اى من البحر الملح { حلية } الحلية الزينة من ذهب او فضة والمراد بها فى الآية اللؤلؤ والحجر الاحمر الذى يقال له المرجان { تلبسونها } تنزين بها نساؤكم وانما اسند اليهم لكونهن منهم ولبسهن لاجلهم فكأنها زينتهم ولباسهم { وترى الفلك اى لو حضرت ايها المخاطب لرأيت السفن { مواخر فيه } جوارى فى البحر مقبلة ومدبره ومعترضة بريح واحدة بحيزومها من المخر وهو شق الماء يقال مخرت السفينة كمنع جرت وشقت الماء بجآجئها جمع جؤجؤ بالضم وهو صدر السفينة . وقال الفراء المخرصوت جرى الفلك بالريح { ولتبتغوا من فضله } عطف على تستخرجوا اى لتطلبوا من سعة رزقه بركبوها للتجارة فان تجارته اربح من تجارة البر والية اشارة حشرة سعدى بقوله
سود دريانيك بودى كرنبودى بيم موج ... صحبت كل خوش بدى كنيستى تشويس خار
وفي الحديث « من ركب البحر فى ارتجاجه ففرق برئت منه الذمة » وارتجاجه هيجانه من الموج وهو الحركة الشديدة ومعناه ان لكل احد من الله عهدا وذمة بالحفظ فاذا القى نفسه الى التهلكة فقد انقطع عنه عهد الله فلندور السلام حين الموج الشديد لم يجز ركوبه وعصى فاعله { ولعلكم تشركون } اى تعرفون حقوق نعمه الجليلة فتقومون بادائها بالطاعة والتوحيد ولعل مستعار لمعنى الارادة كما فى بحر العلوم ولعل تخصيصه بتعقيب الشكر لانه اوقى في ابا الانعام من حيث انه جعل المهالك سببا للانتفاع وتحصيل المعاض . قال صاحب كشف الاسرار [ آورده اندكه حق سبحانه وتعالى ازروى ظاهر درزمين درياها آفريد جون قلزم وعما ومحيط وجزائر وبرى عبور بران كشتيها مقرّ ر فرموده وازروى باطن درنفس آدمى درياها بديد كرده جون درياهاى شغل وغم وحرص وغفلت وتفرقه وبراى عبور ازان كشتيها تعيين نموده . هركه دركشتى توكل نشيند ازدرياى شغل بساحل فراغت رسد . وهركه در كشتى رضا درا آيد از بحر غم بساحل فرح رسد . وهركه دركستى قناعت جاى كند از درياى حرص بساحل زهد آيد وهركه دركشتى ذكر نشيند ازدرياى غفلت بساحل آكاهى رسد . وهركه بكشتى توحيد در آيد از درياى تفرقه بساحل جمعيت رسد وبحقيقت تفرقه در بقاست وجميعت درفنا باوجود آن در مملكت تفرقه وبيخودان در مرتبه جمع ]
بحساب خودى قلم دركش ... درره بيخودى علم بركش
تا بجاروب « لا » نرو بى راه ... كى رسى در حريم الا الله
والاشارة وهو الذى سخر لكم بحر العلوم لتأكلوا منه الفوائد الغيبية والمواهب السنية وتستخرجوا من بحر العلوم جواهر المعانى ودرر الحقائق حلية لقلوبكم تلبس بها ارواحكم النور والبهاء وترى سفائن الشرائع والمذاهب جاريات فى بحر العلوم ولتبتغوا من فضله وهو الاسرار الخفيات عن الملائكة المقربين ولعلكم تشركون هذه النعم الجسيمة والعطيات العظيمة التى اختصكم بها عن العالمين كما فى التأويلات النجمية .(6/495)
وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15)
{ والقى } الله تعالى بقدرته القاهرة { فى الارض } هى كروية الشكل محلها وسط العالم وسميت بالارض لانها تأرض اى تأكل اجساد بنى آدم { رواسى } ابى جبالا ثوابت من غير سبب ولا ظهير كأنها حصيات قبضهن قابض بيده فنبذهن فى الارض فهو تصوير لعظمته وتمثيل لقدرته وان كل عسير فهو عليه يسر اى وجعل فيها رواسى بان قال لها كونى فكانت فاصبحت الارض وقد ارسيت بالجبال بعد ان كانت تمور مورا فلم يدر احد مم خلقت من رسا الشئ اذا نبت جمع راسية والتاء للتأنيث على انها صفة جبال { ان تميد بكم } مفعول له والميد الحركة والميل يقال ماد يميد ميدا تحرك ومنه سميت المائدة . والمعنى كراهة ان تميل بكم وتضطرب . وبالفارسية [ تاميلى نكند بشمازمين يعني متحرك ومضطرب نكردد وشمارا نيكودارد ] وقد خلق الله الارض مضطربة لكونها على الماء ثم ارساها بالجبال وهى ستة آلاف وستمائة وثلاثة وسبعون جبلا سوى التلول على جريان عادته فى جعل اشياء منوطة بالاسباب فالارض بلا جبال كاللحم بلا عظام فكما ان وجود الحيوان وجسده انما يستمسك بالعظم فكذا الارض انما تقوم بالرواسى ألا ترى ان سطيحا الكاهن لم يكن فى بدنه عظم سوى القفا لكونه من ماء المرأتين وكان لا يستمسك وانما يخرج فى السنة مرة ملفوفا فى خرقة او موضوعا على صحيفة من فضة { وانهارا } جمع نهر ويحرك مجرى الماء اى وجعل فيها انهار الان فى القى معنى الجعل اذا لا لقاء جعل مخصوص وذلك مثل الفرات نهر الكوفة ولجة نهر بغداد وجيحون نهر بلخ وجيحان نهر اذنه فى بلاد الارمن وسيحون نهر الهند وسيحان نهر المصيصة والنيل نهر مصر وغيرها من الانهار الجارية فى اقطار الارض { وسبلا } وطرقا مختلفة جمع سبيل وهو الطريق وما وضح يعنى { بديد كرديم در زمين راها ازهر موضعى بموضعى ] { لعلكم تهتدون } ارادة ان تهتدوا بها الى مقاصدكم ومنازلكم . قال بعضهم خذوا الطريق ولو دارت واسكنوا المدن ولو جارت وتزوجوا البكر ولو بارت اى ولو كانت البكر بورا اى فاسدة هالكة لا خير فيها(6/496)
وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)
{ وعلامات } اى وجعل فيها معالم يستدل بها السابلة وهى القوم المختلفة على الطري قبالنهار من بجل وسهل ومياه واشجار وريح كما قال المام رأيت جماعة يشمون التراب وبواسطة ذلك الشم يتعرفون الطرقات { وبالنجم هم يهتدون } بالليل فى البرارى والبحار حي لا علامة غيره ولعل الضمير لقريش فانهم كانوا كثيرى التردد للتجارة مشهورين بالاهتداء بالنجوم فى اسفارهم وصرف النظم عن سنن الخطاب وتقديم النجم واقحام الضمير للتخصيص كأنه قيل وبالنجم خصوصا هؤلاء يهتدون فالاعتبار بذلك الزم لهم والشكر عليه اوجب عليهم والمراد بالنجم الجنس او هو الثريا والفرقدان وبنات نعش والجدى وذلك لانها تعلم بها الجهات ليلا لانها دائرة حول القطب الشمالى فهى لا تغيب والقطب فى وسط بنات نعش الصغرى والجدى هو النجم المفرد الذى ففى طرفها والفرقدان هما النجمان اللذان فى اطرف الآخر وهما من النعس والجدى من البنات ويقرب من بنات نعش الصغرى بنات نعش الكبرى وهى سبعة ايضا اربعة نعش وثلاث بنات وبازاء الاوسط من البنات السهى وهو كوكب خفى صغير كانت الصحابة رضى الله عنهم تمتحن فيه ابصارهم كذا فى التكملة لابن عسكر . قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه تعلموا من النجوم ما تهتدون به فى طرقكم وقبلتكم ثم كفروا وتعلموا من الانساب ما تصلون به ارحامكم قيل اول من نظر فى النجوم والحساب ادريس النبى عليه السلام . قال بعض السلف العلوم اربعة الفقه للاديان والطب للابتدان والنجوم للازمان والنحو للسان واما قوله عليه السلام « من اتقبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر » اى تعلم قطعة منه فقد قال الحافظ المنهى عنه من علم النجوم هو ما يدعيه اهلها من معرفة الحوادثالآتية من مستقبل الزمان كمجيء المطر ووقعو الثلج وهبوب الريح وتغير الاسعار ونحو ذلك ويزعمون انهم يدركون هذا بسير الكواكب واقترانها وافتراقها وظهورها فى بعض الازمان دون بعض وهذا علم استأثر الله به لا يعلمه احد غيره كما حكى انه لما وقع قران الكواكب السبعة فى دقيقة من الدرجة الثالثة من الميزان سنة احدى وثمانين وخمسمائة حكم المنجمون بخراب الربع المسكون من الرياح وكان وقت البيدر ولم يتحرك ريح ولم يقدر الدهاقين على رفع الحبوب ولذا استوصى تلميذ من شيخه بعد التكميل عند افتراقه فقال ان اردت ان لا تحزن ابدا فلا تصحب منجما وان اردت ان تبقى لذة فمك فلا تصحب طبيبا . قال الشيخ [ منجمى بخانه خود در آمد مرد بيكانه را ديد بازن او بهم نشسته دشنام داد وسقط كفت وفتنه وآشوب برخاست صاحب دلى برين حال واقف شد وكفت
توب بر اوج فلك جا دانى جيست ... جو ندانى كه درسراى تو كست(6/497)
فاما ما يدرك من طريق المشاهدة من علم النجوم الذى يعرف به الزوال وجهة القبلة وكم مضى وكم بقى فانه غير داخل فى النهى انتهى كلام الحافظ مع زيادة .
يقول الفقير اصحاب النظر والاستدلال محتاجون الى معرفة شىء من علم النجوم والحكمة والهيئة والهندسة ونحوها مما يساعده ظاهر الشرع الشريف اذ هو ادخل فى التفكر وقد قال تعالى { ويتفكرون في خلق السموات والارض } ولا يمكن صرف التفكر الى المجهول المطلق فلا بد من معلومية الامر ولو بوجه ما وهذا القدر خارج عن الطعن والجرح كما قال السيد الشريف النظر فى النجوم ليستدل بها على توحيد الله تعالى وكمال قدرته من أعظم الطاعات واما اربابا الشهود والعيان فطريقهم الذكر وبه يصلون الى مطالعة انوار الملك والملكوت ومكاشفة اسرار الجبروت واللاهوت فيشاهدون فى الانفس والآفاق ما غاب عن العيون ويعاينون فى الظاهر والباطن ما تخير فيه الحكاء والمنجمون ثم ان الاهتداء اما بنجوم عالم الآفاق وهو للسائرين من ارض الى ارض واما بنجوم عالم الانفس وهو للمهاجرين من حال الى حال وفى الحديث « اصحابي كالنجوم بأيهم اقتد يتم اهتديتم » وهذا الاقتداء والاهتداء مستمر باق الى آخر الزمان بحسب التوراث فى كل عصر فلا بد من الدليل وهو صاحب البصيرة والولاية كامل التصرف فى الهداية المخصوص بالعناية : قال الحافظ
بكوى عشق منه بى دليل راه قدم ... كه من بخويش نمودم صد اهتمام ونشد
وفى التأويلات النجمية والقى فى ارض البشرية جبال الوقار والسكينة لئلا تميل بكم صفات البشرية عن جادة الشريعة والطريقة وانهارا من ماء الحكمة وطريق الهداية لعلكم تهتدون الى الله تعالى وعلامات من الشواهد والكشوف وبنجم الهداية من الله يهتدون الى الله وهو جذبة العناية يخرجكم بها من ظلمات وجودكم المجازى الى نور الوجود الحقيقى انتهى .
قال الشيخ ابو القاسم الخزيمى الغرارى فى كتاب الاسئلة المقحمة فى الاجوبة المفحمة قوله تعالى { والقى فى الارض } الى قوله { لعلكم تهتدون } فيه دليل انه تعالى اراد من الكل الاهتداء والشكر وان كل من لا يهتدى فليس ذلك بارادته تعالى والجواب المراد به ان يذكرهم النعم التى يستحق عليها الشكر فى قوله تعالى { خلق السموات والارض } الى قوله { وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها } ثم بين تعالى ان هذا النعم كلها توجب الشكر والهداية ثم يختص بها من يشاء كما قال تعالى { ولو شاء لهداكم اجمعين . }(6/498)
أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17)
{ أفمن يخلق } هذه المصنوعات العظيمة وهو الله تعالى . وبالفارسية [ آيا كسى كه مرا آفريند اين همه مخلوقات راكه مذكور شد ] { كمن لا يخلق } كمن لا يقدر على شئ اصلا وهو الاصنام ومن اللعقلاء لانهم سموها آلهة فاجريت مجرى العقلاء او لانه قابله بالخلق وجعله معه كقوله تعالى { فمنهم من يمشى على بطنه ومنه من يمشى على رجلين } والهمز للانكار اى ابعد ظهور دلائل التوحيد تتصور المشابهة والمشاركة : يعنى { خالق را بامخلوق هيج مشابهتى نسيت بس عاجزرا شريك قادر ساختن غايت عناد ونهايت جهلست ] واختير تشبيه الخالق بغير الخالق مع اقتضاء المقام بظاهره عكس ذلك مراعاة لحق سبق الملكة على العدم { أفلا تذكرون } اى ألا تلاحظون فلا تذكرون ذلك فتعرفون فساد ما انتم عليه يا هل مكة فانه بوضوحه بحيث لا يفتقر الى شئ سوى التذكر وهو بالفارسية { ياد كردن ](6/499)
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)
{ وان تعدوا } العد بالفارسية [ شمردن { نعمة الله } الفائضة عليكم مما لم يذكر { لا تحصوها } لا تطيقوا حصرها وضبط عددها ولو اجمالا فضلا عن القيام بشكرها يقال احصاه اى عده كما فى القاموس واصله ان الحساب كان اذا بلغ عقدا وضعت له حصاة ثم اتؤنف العدد . والمعنى لا توجد له غاية فتوضع له حصاة
عطا ييست هرمو ازو برتنم ... جكونه بهر موى شكرى كنم
{ ان الله لغفور } ستور يتجاوز عن تقصيركم فى شكرها { رحيم } عظيم الرحمة والنعمة لا يقطعها عنكم مع استحاققكم للقطع والحرمان بسبب ما انتم عليه من العصيان ولا يعاجلكم بالعقوبة على كفرانها وتقديم وصنف المغفرة لعى نعت الرحمة لتقدم التخلية على التحلية .
قال ابن عطاء ان لك نفسا وقلبا وروحا وعقلا ومحبة ودينا ودنيا وطاعة ومعصية وابتداء وانتهاء وحينا واصالا وفصلا فنعمة النفس الطاعات والاحسان والنفس فيهما تتقلب ونعمة القب اليقين والايمان وهو فيهما يتقلب ونعمة الروح الخوف والرجاء وهو فيهما يتقلب ونعمة العقل الحكمة والبيان وهو فيهما يتقلب وتنعمة المعرفة الذكر والقرآن وهى فيهما تتقلب ونعمة المحبة الالفة والمواصلة والامن من الهجران . وهى فيها تتقلب وهذا تفسير قوله { وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها } انتهى .
واعلم انه لو صرف جميع عمر الانسان الى الاعمال الصالحة واقامة الشكر لما كافأ نعمة الوجود فضلا عن سائر النعم
لو عشت الف ... عام فى سجدة لربى
شكر الفضل يوم ... لم اقض بالتمام
والعام الف شهر ... والشهر الف يوم
واليوم الف حين ... والحين الف عام
قال الشيخ سعدى قدس سره
ير خدمت آوردم ... كه ندارم بطاعت استطهار
عاصيان از كناه توبه كنند ... عارفان از عبادت استغفار
المراد رؤية العمل لا ترك العمل وينبغى للعبد از يكون تحت طاعة المولى لا تحت طاعة النفس والشيطان فان المطيع والعاصى لا يستويان - حكى - ان عابدا من بنى اسرائيل عبد الله تعالى سبعين سنة فاراد الله ان يظهره على الملائكة فارسل اليه لمكا يخبره انه مع تلك العبادة لا يليق بالجنة فقال العابد نحن خقلنا للعبادة فينبغى ان نعبد خالقنا امتثالا لامره فرجع الملك فقال الهى انت تعلم بما قال فقال الله تعالى اذا لم يعرض عن عبادتنا فنحن مع الكرم لا نعرض عنه اشهدوا انى قد غفرت له فللعبد ان يكون قصده مراعاة الامر واخراج النفس عن البين وهو حجاب عظيم للوصول الى الحقيقة وعلى تقدر الزلة فالمسارعة الى الاتستغفار فانه نعم المطهر من درن الذنوب والاوزار .(6/500)
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19)
{ والله يعلم ما تسرون } ما تضمرون من العقائد والاعمال { وما تعلنون } اى تظهرونه منها اى يستوى بالنسبة الى علمه المحيط سركم وعلنكم فحقه ان يتقى ويحذر ولا يجترأ على شئ مما يخالف رضاه .(7/1)
وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20)
{ والذين يدعون } اى والآلهة الذين عبدهم الكفار والدعاء بمعنى العبادة فى القرآن كثير { من دون الله } نصب على الحال اى متجاوزين الله فان معنى دون ادنى مكان من الشئ ثم استعير للتفاوت فى الاحوال والرتب ثم اتسع فيه فاستعمل فى كل من تجاوز حدا الى حد وتخطى حكما الى حكم { لا يخلقون شيأ } من الاشياء اصلا اى ليس من شنهم ذلك لانهم عجزة { وهم يخلقون } اى شأنهم ومقتضى ذاتهم الخلوقية لانها ذوات ممكنة مفتقرة فى مأهيتها ووجوداتها الى الموجد .
قال فى القاموس الخالق فى صفاته المبدع للشيء المخترع على غير مثال سبق .(7/2)
أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)
{ اموات } جمع ميت خبر ثان للموصول اى جمادات لا حياة فيها وبالفارسية [ وايشان باوجود مخلوقيت مردكانند ] ولم يقل موات لانهم صوروا على شكل من تحله الروح . قال فى القاموس الموات كغراب وكسحاب مالا روح فيه وارض لا مالك لها { غير أحياء } جمع حى ضد الميت اى غير قابلين للحياة كالنفطة والبيضة فهى اموات على الاطلاق { وما يشعرون ايان يبعثون } الشعور [ بدانستن } يقال شعر به كنصر وكرم شعرا وشعورا علم به وفطن له وعقله . وايان مركب من أى التي للاستفهام وآن بمعنى الزمان فلذلك كان بمعنى متى اى سؤالا عن الزمان كما كان اين سؤالا عن المكان فلما ركبا وجعلا اسما واحدا بنيا على الفتح كبعلبك وبعث الموتى نشرهم اى احياؤهم كما فى القاموس . والمعنى ما يعلم اولئك الآلهية متى يبعث عبدتهم من القبور . وفيه ايذان بان معرفة وقت البعث مما لا بد منه فى الالوهية وتعريض بانهم كما لا بد لهم من الموت لا بد لهم من البعث وهم منكرون لذلك وهو اللائح .(7/3)
إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22)
{ الهكم اله واحد } [ يكتا ويكانه است ] لا نشاركه شئ فى شئ { فالذين لا يؤمنون بالآخرة } واحوالها من البعث والجزاء وغير ذلك والايمان فى اللغة التصديق بالقلب وفى الشريعة هو الاعتقاد بالقلب والاقرار باللسان . قال السهيلى فى كتاب الامالى الفرق بين لاتصديق والايمان ان التصديق لا بد ان يكون فى مقابلة خبر والايمان قد يكون فى مقابلة خبر صادق وقد يكون عن فكر ونظر فاذا نظرت فى الصنعة وعرفت بها الصانع آمنت ولم تكن مصدقا بخبر الا خبر هناك فاذا جاء الخبر بما آمنت به واقررت صدقت الخبر وايضا ان التصديق قد يكون بالقلب وانت ساكت تقول سمعت الحديث قصدقته والايما لا بد من اجتماع اللفظ مع العقد فيه لغة وشرعا انتهى { قلوبهم منكرة } للوحدانية متصفة بالنكارة لا بالمعرفة { وهم مستكبرون } اى وهم قول لا يزال الاستكبار عن اعتراف الوحدانية والتعظيم عن قبول الحق بأدبهم كما ان الانكار سجيتهم .(7/4)
لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23)
{ لا جرم } [ هر آيينه راست است ] { ان الله } { آنكه خداى تعالى ] { يعلم ما يسرون } من انكار قلوبهم { وما يعلنون } من استكبارهم . لا جرم للتحقيق والتأكيد بمنزلة حقا . قال ابو البقاء فى لا جرم اربعة اقوال . احدها ان لا رد لكلام ماض اى ليس الامر كما زعموا وجرم فعل بمعنى كسب وفاعله مضمر فيه وان ما بعده فى موضع النصب على المفعول به . والقول الثانى ان لا جرم كلمتان ركبتا وصار معناهما حقا وما بعدها فى موضع رفع بانه فاعل لحق . والثالث ان المعنى لا محالة فيكون ما بعدها فى موضع رفع ايضا وقيل فى موضع نصب او جر والرابع ان التقدير لا منع { انه } اى الله تعالى { لا يحب المستكبرين } عن التوحيد اى جنس المستكبرين سواء كانوا مشركين او مؤمنين . والاستكبار رفع النفس فوق قدرها وجحود الحق والفرق بين المتكبر والمستكبر ان التكبر عام لاظهار الكبر الحق كما فى اوصاف الحق تعالى فانه جاء فى اسمائه الحسنى الجبال المتكبر وفى قوله عليه السلام « التكبر على المتكبر صدقة » ولاظهار الكبر الباطل كما فى قوله تعالى { ساصرف عن آياتى الذين يتكبرون فى الارض بغير الحق } والاستكبار اظهار الكبر باطلا كما فى قوله تعالى فى حق ابليس { استكبر } ومنه ما فى هذا المقام . وفى العوارف الكبر ظن الانسان انه كبر من غيره والتكبر اظهاره ذلك وفى الحديث « لا يدخل الجنة من فى قلبه مثقال ذرة من كبر ولا يدخل النار من فى قلبه مثاقل ذرة من ايمان »
قال الخطابى فيه تأويلان احدهما ان المراد كبر الكفر ألا ترى انه قابله فى نقيضه بالايمان والآخر انه تعالى اذا اراد ان يدخله الجنة نزع ما فى قلبه من الكبر حتى يدخلها بلا كبر . قال فى فتح القريب هذان التأويلان فيهما بعد فان الحديث ورد فى سياق النهى عن الكبر المعروف وهو الارتفاع على الناس واحقارهم ودفع الحق وقيل لا يدخلها دون مجازاة ان جازاه وقيل لا يدخلها مع المتقين اول وهله . وعن ابى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال « قال الله تعالى يا بنى آدم خلقتكم من التراب ومصيركم الى التراب فلا تتكبروا على عبادى فى حسب ولا مال فتكونوا على اهون من الذر وانما تجزون يوم القيامة باعمالكم لا باحسابكم وان المتكبرين فى الدنيا اجعلهم يوم القيامة مثل الذر يطأهم الناس كما كانت البهائم تطأه فى الدنيا » - وحكى - انه افتخر رجلان عند موسى عليه السلام بالنسب والحسب فقال احدهما انا فلان ابن فلان حتى عدّ تسعة فاوحى الله تعالى اليه قل له هم فى النار وانت عاشرهم وانشد بعضهم(7/5)
ولا تمش فوق الارض الا تواضعا ... فكم تحتها قوم همو منك ارفع
فان كنت فى عز وحرز ورفعة ... فكم مات من قوم همو منك امنع
فعليك بالتواضع وعدم الفخر على احد فان التواضع باب من ابواب الجنة والفخر باب من ابواب النار واللازم فتح الواب الجنان وسد ابواب النيران كتحصيل الفقر المعنى الذى ليس الفخر فى الحقيقة الا به فانه لا يليق المرؤ بدولة المعنى ورياسة الحال وسلطنة المقام الا بتحلية ذاته بحلية التواضع وزينة الفناء : قال الحافظ
تابج شاهى طلبى كوهر ذاتى بنماى ... ورخوداز كوهر جمشيد وفريدون باشى
اللهم اجعلنا من اهل التواضع لا من ارباب التملق واجعلنا من اصحاب التحقق بعد التخلق .(7/6)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)
{ واذا قيل لهم } عن السعدى اجتمعت قريش فقالوا ان محمدا رجل حلو اللسان اذا كلم رجلا ذهب بقلبه فانظروا اناسا من اشرافكم فابعثوهم فى كل طريق سكة على رأس ليلة او ليلتين فمن جاء يريده ردوه عنه فخرج ناس منهم من كل طريق فكان اذا جاء وافد من القوم ينظر ما يقول محمد فنزل بهم قالوا له هو رجل كذاب مايتبعه الا السفهاء والعبيد من لا خير فيه واما اشياخ قومه واخيارهم فهم مفارقوه فيرجعه احدهم واذا كان الوافد ممن هداه الله يقول بئس الوافد انا لقومى ان كنت جئت حتى اذا بلغت مسيرة يوم رجعت قبل ان القى هذا الرجل فانظر ما يقول فيدخل مكة فيلقى المؤمنين فيسألهم ما يقول لهم فيقولون خيرا فذلك قوله تعالى { واذا قيل لهم } اى لهؤلاء الشمركين المستكبرين المقتسمين من قبل الوفود اووفود الحاج فى الموسم { ماذا انزل ربكم } ماذا منصوب بانزل بمعنى أى شئ انزل ربكم على محمد { قالوا اساطير الاولين } عدلوا عن الجواب فقالوا هذا اساطير الاولين على ان يكون خبر مبتدأ محذوف لانهم انكروا انزال الرآن بخلاف قوله { وقيل للذين اتقوا ماذا انزل ربكم قالوا خيرا } كما يجيئ ويجوز ان يكون ماذا مرفوعا بالابتداء اى ما الذى انزله ربكم قالوا اساطير الاولين اى ما تدعون نزوله احاديث الامم السالفة وباطيلهم وليس من الانزال فى شئ : يعنى [ هيج نفر ستاده وآنجه آدمى خواند اساطير الاولين است ] قال فى القاموس الاساطير الاحاديث لا نظام لها جمع اسطار واسطير بكسرهما واسطورة وبالهاء فى الكل .(7/7)
لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)
{ ليحملوا اوزارهم } [ بار كناهان خودرا ] واللام للعاقبة اذ لم يكن داعيهم الى ذلك القول حمل الاوزار ولكن الاضلال غير ان ذلك لما كان نتيجة قولهم وثمرته شبه بالداعى الذى لاجله يفعل الفاعل الفعل كما فى بحر العلوم . وقال فى الارشاد اللام للتلعيل فى نفس الامر من غير ان يكون غرض اى قالوا ما قالوا ليحملوا اوزارهم الخاصة بهم وهى اوزار ضلالهم اى تحتم حمل الاوزار عليهم على تقدير التعليل . والاوزار جمع وزر وهو الثقل والحمل الثقيل { كاملة } لم يكفر منها شئ بنكبة اصابتهم فى الدنيا كما يكفر بها اوزار المؤمنين فان ذنوبهم تكفر عنهم من الصلاة الى الصلاة ومن رمضان الى رمضان ومن الحج الى الحج وتكفر بالشدائد والمصائب اى المكروهات من الآلام والسقام والقحظ حتى خدش العود وعثرة القدم { يوم القيامة } ظرف ليحملوا { ومن اوزار الذين يضلونهم } اى وبعض اوزار من ضل باضلالهم وهو زر الاضلال والتسبيب للضلالة لانهما شريكان هذا يضله وهذا يطاوعه فيتحاملان الوزر وفى الحديث « من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها على يوم القيامة » وفى المثنوى .
هو كه بنهد سنت بد اى فتى ... تاردر افتد بعداو خلق ازعمى
جمع كردد بروى آن جمله بزه ... كوسرى بوده است وايشان دم غزه
{ بغير علم } حال من الفاعل اى يضلونهم غير عالمين بان ما يدعون اليه طريق الضلالة وبما يستحونه من العذاب الشديد فى مقابلة الاضلال او من المفعول اى يضلون من لا يعلم انهم ضلال وفائدة التقييد بها الاشعار بان مكرهم لا يروج عند ذوى لب وانما يتبعهم الاغبياء والجهلة والتنبيه على ان جهلهم ذلك لا يكون عذرا اذ كان يجب عليهم ين يبحثوا ويميزوا بين المحقق الحقيق بالاتباع وبين المبطل .
جشم باز وكوش باز ودام بيش ... سوى دامى مى برد باير خويش
{ ألا ساء ما يزرون } ساء فى حكم بئس والضمير الذى فيه يجب ان يكون مهما يفسره ما يزرون والمخصوص بالذم محذوف اى بئس شيأ يزرونه اى يحملونه فعلهم . وبالفارسية [ بدانيد كه بدركاريست آن بارى كه ايشان مى كشند ] . واعلم انه لا يحمل احدورر احد اذ كل نفس تحمل ما كسبت هى لا ما كسبت غيرها اذ ليس ذلك من مقتضى الحكمة الالهية واما حمل وزر الضلال فهو حمل وزر نفسه لانه مضاف اليه لا الى غيره . فعلى العاقل ان يجتنب من الضلال والاضلال فى مرتبة الرشيعة والحقيقة فمن حمل القرآن على الاساطير ودعا النسا الى القول بها فقد ضل واضل وكذا من حل إشارات القرآن على الاباطيل لا على الحقائق فانه ضل بالانكار واضل طلاب الحق عن طريق الاقرار فحمل حجاب الضلال وحجاب الاضلال وكلما تكاثف الحجب وتضاعف الاستار بعد المرؤ عن درك الحق ورؤية الآثار والمراد بالاشاراة الصحيحة المشهود لحقيتها بالكتاب ولاسنة وهى الاشارات الملهمة الى اهل الوصول لا الاشاراتن التى تدعيها الملاحدة وجهلة المتصوفة مما يوافق هواهم فانها ليست من الاشارات فى شئ كما قال فى المثنوى .(7/8)
بر هوا تأويل قرآن ميكنى بست ... وكز شد از تزمعنئ سنى
آن مكس بر برك كاه وبول خر ... همجو كشتيبان همى افراشت سر
كفت من دريا وكشتى خوانده ام ... مدتى درفكر آن مى ما نده ام
اينك اين دريا واين كشتى ومن ... مرد كشتيبان واهل ورأى زن
بر سر دريا همى راند او عمد ... مى نمودش آن قدر بيرون زحد
صاحب تأويل باطل جون مكس ... وهم ابو بول خر وتصوير خس
كرمكس تأويل بكذارد براى ... آن مكس را بخت كرداند هماى(7/9)
قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26)
{ وقد مكر الذين من قبلهم } المكر الخديعة يعنى قد مكر اهل مكة كما مكر الذين من قبلهم وصار المكر سببا لهلاكهم لا لهلاك غيرهم لان من حفر لاخيه جبار وقع فيه منكبا . قال فى المدارك الجمهور على ان المراد نمرود بن كنعان حين بنى الصريح ببال وكان قصرا عظيما طوله خمسة آلاف ذراع وعرضه فرسخان ليقاتل عليه من فى السماء بزعمه ويطلع على اله ابراهيم عليه السلام { فاتى الله بنيانهم من القواعد } البنيان البناء والجمع ابنية والقواعد جمع قاعدة وقواعدي البيت اساسه او اساطينه اى قصد الله تخريب بنائهم من جهة اصوله واساسه واتاه امره وحكمه وبأسه او من جهة الاساطين التى بنوا عليها بان ضعفت { فخر } اى سقط { عليهم السقف } اى سقف بنائهم { من فوقهم } يعنى [ اول بام برايشان فرود آمد بس ديوارها ] اذ لا يتصور البناء بعد هدم القواعد وجاء بفوقهم وعليهم للايذان بانهم كانوا نحته فان العرب لا تقول سقط علينا البيت وليسوا تحته - روى - انه هبت عليه ريح هائلة فالقت رأسه فى البحر وخر الباقى عليهم ولما سقط الصرح تبلبلت الالسن من الفزع يومئذ : يعنى [ بهم بر آمد وسخن ايشان مختلف كشت هرقومى بزبانى سخن كفتن آغاز كردند وهبج يك زبان آن ديكر ندانست ] فتكلموا ثلاثة وسبعين لسانا فلذلك سميت ببابل وكان لسان الناس قبل ذلك بالسريانية { واتيهم العذاب } اى الهلاك بالريح { من حيث لا يشعرون } باتيانه منه بل يتوقعون اتيان مقابله مما يريدون ويشتهون . والمعنى ان هؤلاء الماكرين القائلين للقرآن العظيم اساطير الاولين سيأتيهم فى الدنيا من العذاب مثل ما اتاهم وهم لا يحتسبون [ دمياطى آورده كه مراد ازين عذاب بعوضه است كه برلشكر نمرود مسلط شد . درلباب فرموده كه خداى تعالى نمرودرا مبتلاكردانيد به بشه كه در بينى اورفته بود ودردماغ وى جاى كرفته وبزرك شد وجهار صدسال درانجا بماند ودرين مدت بيوسته مطرقه برسر او ميزدند تا فى الجمله آرام يافت . شيخ فريد الدين عطار قدس سريه در منطق الطير آورده
نيم بشه برسر دشمن كما شت ... درسراو جارصد سالش بداشت
جون دهدحكمش ضعيفى رامدد ... سبلت خصم قوى را بر كند(7/10)
ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27)
{ ثم يوم القيامة } اى هذا العذاب جزاؤهم فى الدنيا ويوم القيامة { يخزيهم } [ رسواى كرداند ايشانرا ] اى يذل اولئك المفترين والماكرين الذين من قبلهم جميعا بعذاب الخزى على رؤس الاشهاد واصل الخزى ذل يستحيى منه وثم لتفاوت ما بين الجزاءين { ويقول } لهم تفضيحا وتوبيخا فهو الى آخره بيان للاخزاء { اين شركائى } بزعمكم { الذين كنتم تشاقون } اصله تشاققون اى تخاصمون الانبياء والمؤمنين { فيهم } اى في شأنهم بانهم شركاء احقاء حين بينوا لكم بطلانها . والمراد بالاستفهام استحضارها للشفاعة او المدافعة على طريق الاستهزاء والتبكيت والاستفسار عن مكانهم لا يوجب غيبتهم حقيقة بل يكفى فى ذلك عدم حضورهم بالعنوان الذى كانوا يزعمون انهم متصفون به من عنوان الالهية فليس هناك شركاء ولا اما كنها { قال الذين اوتوا العلم } من اهل الموقف وهم الانبياء والمؤمنون الذين اوتوا علما بدلائل التوحيد وكانوا يدعونهم فى الدنيا الى التوحيد فيجادلونهم ويتكبرون عليهم اى يقولون توبيخا لهم واظهار اللشماته بهم { ان الخزى } اى الفضيحة والذل والهوان وبالفارسية [ خوارى ورسوايى ] { اليوم } متعلق بالخزى وايراده للاشعار بانهم كانوا قبل ذلك فى عزة وشقاق { والسوء } اى العذاب { على الكافرين } بالله تعالى وبآياته ورسله وهو قصر للجنس الادعائى كأن ما يكون من الذل وهو العذاب لعصاة المؤمنين لعدم بقائه ليس من ذلك الجنس .(7/11)
الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)
{ الذين تتوفيهم الملائكة } فى محل الجر على انه نعت للكافرين وفائدة تخصيص الخزى والسوء بمن استمر كفره الى حين الموت دون من آمن منهم ولو فى آخر عمره اى على الكافرين المستمرين على الكفر الى ان تتوفاهم الملائكة اى يقبض ارواحهم ملك الموت واعوانه { ظالمى انفسهم } اى حال كونهم مستمرين على الكفر والاستكبار فانه ظلم منهم على انفسهم وأى ظلم حيث عرضوها للعذاب المخلد بوضعها بالاستكبار على الملك الجبار غير موضعها وبدلوا فطرة الله تبديلا { فالقوا السلم } عطف على قوله تعالى { ويقول اين شركائى } والسلم بالتحريك الاستسلام اى فيلقون الاستسلام والانقياد فى الآخرة حين عاينوا العذاب ويتركون المشاقة وينزلون عما كانوا عليه فى الدنيا من التكبر والعلو وشدة الشكيمة قائلين { ما كنا نعمل } فى الدنيا { من سوء } اى من شرك قالوه منكرين لصدوره عنهم قصدا لتخليص نفوسهم من العذاب { بلى } رد عليهم من قبل اولى العلم واثبات لما نفوه اى بلى كنتم تعملون ما تعملون { ان الله بما كنتم تعملون } فهو يجازيكم عليه وهذا اوانه فلا يفيد انكاركم وكذبكم على انفسكم .(7/12)
فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29)
{ فادخلوا } الفاء للتعقيب { ابواب جهنم } اى كل صنف بابه المعدّ له { خالدين فيها } ان اريد بالدخول حدوثه فالحال مقدّرة وان اريد مطلق الكون فيهما فمقارنة { فلبئس مثوى المتكبرين } الفاء عطف على فاء التعقيب واللام للتأكيد تجرى مجرى القسم والمثوى المنزل والمقام والمخصوص بالذم محذوف وهو جهنم : والمعنى بالفارسية [ بس هر آينه بد مقامى وبد آرامكاهيست متكبرانرا جهنم } وذكره بعنوان التكبر للاشعار بعليته لثوآئهم فيها اى اقامتهم والمراد المتكبر عن التوحيد او كل متكبر من المشركين والمسلمين . قال حضرة الشيخ على السمرقندى قدس سره فى تفسيره المسمى بيجر العلوم التكبر ينقسم على ثلاثة اقسام . التكبر على الله وهو اخبث انواع الكبر واقبحها وما منشأه الا الجهل المحض . ثم التكبر على الرسل من تعزز النفس وترفعها عن الانقياد لبشر مثل سائر الناس وهذا كالتكبر على الله تعالى فى القيامة واستحقاق العذاب السرمدى . والثالث التكبر على العباد وهو بان يستعظم نفسه ويستحقر غيره فيأبى عن الانقياد لهم ويدعوه الى الرفع عليهم فيزدريهم ويستصغرهم ويستنكف عن مساواتهم وهو ايضا قبيح وصاحبه جاهل كبير يستأهل سخطا عظيما لو لم يتب وان كان دون الاولين للدخول تحت عموم قوله { مثوى المتكبرين } وايضا من تكبر على احد من عباد الله فقد نازع الله فى ردائه وفى صفة من صفاته . قال ابو صالح حمدان ابن أحمد القصار رحمة الله عليه من ظن ان نفسه خير من نفس فرعون فقد اظهر الكبر : وفى المثنوى .
آنجه درفرعون بوداندر توهست ... ليك اردرهات محبوس جهست
آتشت را هيزم فرعون نيست ... زانكة جون فرعون اوراعوننيست
وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ان نوحا عليه السلام لما حضرته الوفاة دعا نبيه فقال انى آمركما باثنين وانها كما عن اثنين آمر كما بلا اله الا الله فلو ان السموات السبع والارضين السبع وضعن فى كفة ولا اله الله فى كفة لرجحت بهن ولوان السموات السبع والارضين السبع حلقة مبهمة لقصمتهن لا اله الا الله وآمركما بسبحان الله وبحمد فانها صلاة كل نبى بها يرزق الخلق وانها كما عن الكفر والكبر »(7/13)
وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)
وقيل - روى - ان احياء العرب كانوا ييعثون ايام موسم الحج من يأتيهم بخبر النبى صلى الله عليه وسلم فاذا جاء الوافد كفه المقتسمون الذين اقتسموا طرق مكة وامروه بالانصراف وقالوا ان لم تلقه كان خيرا لك فانه ساحر كاهن كذاب مجنون فيقول اناشر وافد ان رجعت الى قومى دون ان استطلع امر محمد واراه فيلقى اصحاب النبى عليه لسلام فيخبرونه بصدقه فذلك قوله وقيل اى من طرق الوافدين { للذين اتقوا } عن الكفر والشرك وهم المؤمنون المخلصون { ماذا } اى أى شئ فهو مفعول قوله { انزل ربكم } على محمد { قالوا } فى جوابه انزل { خيراً } وفى تطبيق الجواب بالسؤال اشارة الى ان الانزال واقع وانه نبى حق . قال الكاشفى [ مراد ازخير قرآنست كجامع جميع خيرات ومستجمع مجموع حسنات وبركات اوست ونيكوهاى دينى ودنياوى وخوبيهاى صورى ومعنوى ناشى ازو ] { للذين احسنوا } اعمالهم وقالوا لا اله الا الله محمد رسول الله فانه احسن الحسنات وهو كلام مستأنف جيئ به لمدح المتقين { فى هذه } الدار { الدنيا حسنة } اى مثوبة حسنة مكافا فيها باحسانهم وهى عصمة الدماء والاموال واستحقاق المدح والثناء والظفر على الاعداء وفتح ابواب المكاشفات والمشاهدات الذى من اوتيه فقد فاز بالقدح المعلى .
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان من احسن اعماله بالصالحات واخلاقه بالحميدات واحواله بالانقلاب عن الخلق الى الحق فله حسنة من الله وهو ان ينزله منازل الواصلين الكاملين فى الدنيا { ولدار الآخرة } اى ولثوابهم فيها { خير } مما اوتوا فى الدنيا من المثوبة او دار الآخرة خير من الدنيا على الاطلاق فان الآخرة كالجوهر والدنيا كالخزف وقيمة الجوهر ارفع من قيمة الخزف بل لا مناسبة بينهما اصلا { ولنعم دار المتقين } [ ونيكو سرابيست مر بر هيزكارانرا سراى آخرت ] .
قال الحسن دار المتقين الدنيا لانهم منها يتزودون للآخرة . يقال الفقير فيه مدح للدنيا باعتبار انها متاع بلاغ فانها باعتبار انها متاع الغرور مذمومة كما قال فى المثنوى
جيست دنيا ازخدا غافل شدن ... نى قماش ونقره وميزان وزن
مال را كز بهر دين باشى خمول ... نعم مال صالح خواندش رسول
آب در كشتى هلاك كشتى است ... آب اندر زير كشتى بشتى است
جونكه مال وملك را ازدل براند ... زان سليمان خويش جز مسكين نخواند
كوزه سربسته اندر آب رفت ... از دل برباد فوق آب رفت
باد درويشى جودر باطن بود ... بر سر آب جهان ساكن بود
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان للاتقيان الواصلين دارا غير دار الدنيا ودار الآخرة فدارهم مقعد الصدق فى مقام العندية ونعم الدار .(7/14)
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31)
{ جنات عدن } عدن علم اى لهم بساتين عدن حال كونهم { يدخلونها } حال كونها { تجرى من تحتها الانهار } اى من تحت منازلها الانهار الاربعة على ان يكون المنبع فيها بشهادة من { لهم } خبر مقدم { فيها } اى فى تلك الجنات حال من المبتدأ المؤخر وهو قوله { ما يشؤن } ويحبون من انواع المشتهيات . قال البيضاوى فى تقديم الظرف تنبيه على ان الانسان لا يجد جميع ما يريده الا فى الجنة . يقول الفقير ان قلت هل يجوز للمرء ان يشتهى فى الجنة اللواطة وقد ذهب اليه من لا وقوف له على جلية الحال فالجواب ان الاشتهاء المذكور مخالف لحكمة الرب الغفور ولو جاز نكاح الامهات فيها على تقدير الاشتهاء وانه مما لا يستريب عاقل فى بطلان ألا ترى ان الذكور وكذا الزنى واللواطة والكذب ونحوها كان حراما مؤبدا فى الدنيا فى جميع الاديان لكونه مما لا تقتضى الحكمة حله بخلاف الخمر ونحوها ولذا كانت هى احد الانهار الجارية فيها فنسأل الله تعالى ان يجعلنا ممن لا يستطيب ما استخبثته الطباع السليمة . قال الكاشفى [ ودرجواب كسى كه كويد شايد بهشتى خواهد كه بدرجات انبيا ومنازل اولياء ومراتب شهدا برسد وكفته اند دربهشت غيظ وحسد كه موجب تمناها باشد نيست با آنكه هريك ازبهشتيان بآنجه دارند راضى اند ] .
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان من الاتقياء من مشيئته الجنة ونعيمها ومن مشيئته العبور على الجنة والخروج الى مقعد الصدق فى مقام العندية فلهم ما يختارون من الجنة ومقعد الصدق { كذلك } اى مثل ذلك الجزاء الاوفى { جيزى الله المتقين } اى كل من يتقى عن الشرك والمعاصى .(7/15)
الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)
{ الذين تتوفيهم الملائكة } نعت للمتقين اى يقبض ملك الموت واعوانه ارواحهم حال كونهم { طيبين } اى طاهرين عن دنس الظلم لانفسهم بتبديل فطرة الله . وفائدته الايذان بان ملاك الامر فى التقوى هو الطهارة عما ذكر الى وقت توفيهم . ففيه حث للمؤمنين على ذلك ولغيرهم على تحصيله . وقيل طيبين بفبض ارواحهم لتوجه نفوسهم بالكلية الى جناب القدس جعلنا اللهواياكم منهم : وفى المثنوى
همجنين باد اجل باعارفان نرم ... وخوش همجون نسيم يوسفان
وفى التأويلات النجمية اى طيبى الاعمال عن دنس الشهوات والمخالفات . وطيبى الاخلاق عن المذمومات الملوثة بالطبيعات دون الشريعات . وطيبى الاحوال عن وصمة ملاحظات الكونين { يقولون } حال من الملائكة اى قائلين لهم على وجه التعظيم والتبشير { سلام عليكم } لا يخيفكم بعد مكروه . قال القرطبى اذا استدعيت نفس المؤمن جاءه ملك الموت فقال السلام عليك يا ولى الله الهل يقرئك السلام وبشره بالجنة { ادخلوا الجنة } اى جنات عدن فانها معدة لكم فاللام للعهد والمراد دخولهم لها فى وقته كما قال الكاشفى [ بعد ازسلام كويند فردا كه مبعوث شويد در آييد دربهشت كه براى شما آماده است ] القبر روضة من رياض الجنة ومقدمة لنعيمها ومن دخله على حسن الحال والاعمال فكأنه دخل جنته ووجد نعيما لا يزول ولا يزال { بما كنتم تعملون } بسب بثباتكم على التقوى والطاعة والعمل وان لم يكن موجبا للجنة لان الدخول فيها محض فضل من الله الا ان الباء دلت على ان الدرجات انما تنال بالاعمال وصد الاحوال فان المراد من دخول الجنة انما هو اقتسام المنازل بحسب الاعمال [ وكفته اند ] زرع يومك حصا غدك
بكوش امروز تاتخمى بباشى ... كه فردا بر جوى قادر نباشى
كر انيجا كشت كردن را نورزى ... دران خرمن به از ارزن نيرزى
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان دخول الجنة للاتقياء جزاء لاصلاح اعمالهم والعبور عليها جزاء لاصلاح اخلاقهم والخروج الى مقعد الصدق جزاء لاصلاح احوالهم فلكل متق مقام بحسب معاملته مع الله تعالى وفى الحديث « عدن دار الله التى لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر لا يسكنها غير ثلاثة النبيون والصديقون والشهداء يقول الله تعالى طوبى لمن دخلك »
قال فى بحر العلوم المراد بالصديق كل من آمن بالله ورسله ولم يفرق بين احد منهم بدليل قوله تعالى { والذين آمنوا بالله ورسله اولئك هم الصديقون } ويدل عليه ايضا الآية التى نحن فيها كما لا يخفى ويعضده قول النبى عليه السلام « الله تعالى بنى جنات عدن بيد قدرته وجعل ملاطها المسك وترابها وحصباءها اللؤلؤ لبنة من ذهب ولبنة من فضة وغرس غرسها بيد قدرته وقال لها تكلمى قالت قد افلح المؤمنون فقال طولى لك منزل الملوك »(7/16)
وفى قولها قد افلح المؤمنون تنبيه على ان سكانها اهل الايمان بالله ورسوله انتهى .
يقول الفقير لا شك ان اهل الايمان كلهم يدخلون الجنة لكن بحسب تفاوت درجاتهم فى مراتب اليامان تتفاوت منازلهم الجنانية فالفردوس وعدن للخواص ومن يلحق بهم وغيرهما للعوام وكمال الايمان انما يحصل بمكاشفة اسرار الملكوت ومشاهدة انوار الجبروت وصاحبه الصديق الاكبر والدليل على ما قلنا قوله تعالى { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا } فانهم قد قالوا فى التفسير ان اهلها هم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر وهو الوصف الزائد على مطلق الايمان ولذا وعدوا بتلك الجنان اذ من كان ارفع مرتبة فى الدنيا بحسب العلوم النافعة والاخلاق الفاضلة كان اعلى درجة فى الجنة .(7/17)
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33)
{ هل ينظرون } [ ايا انتظار ميبرند كفار مكة ] اى ما ينتظرون { الا ان تأتيهم الملائكة } اى ملك الموت واعوانه لقبض ارواحهم بالعذاب لمواظبتهم على الاسباب الموجبة له المؤدية اليه فكأنهم يقصدون اتيانه ويترصدون لوروده { او يأتى امر ربك } اى العذاب الدنيوى وقد اتى يوم بدر { كذلك } مثل فعل هؤلاء من الشرك والظلم والتكذيب والاستهزاء { فعل الذين } خلوا { من قبلهم } من الامم { وما ظلمهم الله } بما سيتلى من عذابهم { ولكن كانوا انفسهم يظلمون } بالكفر والمعاصى المؤدية اليه .(7/18)
فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34)
{ فاصابهم } عطف على قوله فعل الذين من قبلهم . والمعنى بالفارسية [ رسيد ايشانرا بحكم عدل ] { سيآت ما عملوا } اى اجزية اعمالهم السيئة على طريقة تسمية المسبب باسم سببه ايذانا بفظاعته لا على حذف المضاف فانه يوهم ان لهم اعمالا غير سيآتهم { وحاق بهم } اى احاط بهم ونزل من الحيق الذى هو احاطة الشرك كما فى القاموس الحيق ما يشتمل على الانسان من مكروه فعله { ما كانوا به يستهزئون } من العذاب الموعود .(7/19)
وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35)
{ وقال الذين اشركوا } اى اهل مكة { لو شاء الله } عدم عبادتنا لشئ غيره { ما عبدنا من دونه } [ بجز خداى تعالى ] { من شئ } يعني تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام . ومذهب اهل السنة ان الكفر والمعاصى وسائر افعال العباد بمشيئة الله وخلقه والكفار وان قالوا ان الشرك وغيره بمشيئة الله لكنهم يستدلون بذلك على اباحة تحريم الحلال وسائر ما يرتكبون من المعاصى ويزعمون ان الشرك والمعاصى اذا كان بمشيئة الله تعالى ليست معصية ولا عليها عذاب فهذا كلام حق اريد به الباطل فصار باطلا . وفى المداك هذا الكلام صدر منهم استهزاء ولو قالوه اعتقادا لكان صوابا انتهى [ حسين بن فضل كفته كه اكر كفار اين سخن از روى تعظيم واجلال ومعرفت الهى كفتندى حق سبحانه وتعالى ايشانرا بدان عيب نكردى ] : قال الحافظ
درين حمين نكنم سرزنش بخود رويى ... جنانكه برورشم ميد هند ميرويم
وقال
نقش مستورى ورندى نه بدست من وتست ... آنجه سلطان ازل كفت بكن آن كردم
يقول الفقير فرق بين الجاهل الغافل المجحوب وبين العارف المتيقظ الواصل الى المطلوب والادب اسناد المقابح الى النفس والمحاسن الى الله تعالى فانه توحيد أي توحيد { كذلك } اى مثل ذلك الفعل الشنيع { فعل الذين من قبلهم } من الامم اى اشكروا بالله وحرموا حله وعصوا رسله وجادلوهم بالباطل حين نبهوهم على الخطأ وهدوهم الى الحق { فهل على الرسل } [ بس هست برفرستاد كان يعنى نيست برايشان ] { الا البلاغ المبين } اى ليست وظيفتهم الا تبليغ الرسالة تبليغا واشحا واطلاع الخلق على بطلان الشرك وقبحه لا الجاءهم الى قبول الحق وتنفيذ قولهم عليهم شاؤوا او ابوا .(7/20)
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)
{ ولقد بعثنا فى كل امة } من الامم . وبالفارسية [ درميان هز كروهى ] { رسولاً } خاصا بهم كما بعثناك { ان اعبدوا الله } ان مفسرة لبعثنا اى قلنا لهم على لسان الرسول اعبدوا الله وحده { واجتنبوا الطاغوت } هو الشيطان وكل ما يدعوا الى الضلال وذلك لالزام الحجة وقطع المعذرة مع علمه ان منهم من لا يأتمر بالاوامر ولا يؤمن . والطاغوت فعلوت من الطغيان كالجبروت والملكوت من الجبر والملك واصله طغيوت فقدم اللام على العين وتاؤه زائدة دون التأنيث { فمنهم } اى من تلك الامم والفاء فصيحة اى فبلغوا ما بعثوا به من الامر بعبادة الله وحده واجتناب الطاغوت فتفرقوا فمنهم { من هدى الله } خلق فيه الاهتداء الى الحق الذى هو عبادته واجتناب الطاغوت بعد صرف قدرتهم واختيارهم الجزئى الى تحصليه { ومنهم من حقت عليه الضلالة } [ كمراهى بسبب خذلان الهى ] اى وجبت وثبتت الى حين الموت فعناده واصراره عليها وعدم صرف قدرته فلم يخلق فيه الاهتداء ولم يرد ان يطهر قلبه { فسيروا } سافروا يا معشر قريش اذ الكلام معهم { فى الارض فانظروا } فى اكنافها وفى الفاء الموضوعة للتعقيل اشارة الى وجوب المبادرة الى النظر والاستدلال المؤديين الى الاقلاع عن الضلال { كيف كان عاقبة المكذبين } من عاد وثمون ومن سار بسيرتهم ممن حقت عليه الضلالة لعلكم تعتبرون حين تشاهدون من منازلهم وديارهم آثار الهلاك والعذاب .(7/21)
إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37)
{ ان تحرص } يا محمد { على هديهم } اى ان تطلب منازلهم وديارهم بجهدك . وبالفارسية [ اكرسخت كوشى وحرص ورزى ] { فان الله لا يهدى من يضل } اى فاعلم ان الله لا لخلق الهداية جبرا وقهرا فيمن يخلق فيه الضلالة بسوء اختياره { وما لهم من ناصرين } من ينصرهم برفع العذاب عنهم ويصغة الجمع فى الناصرين باعتبار الانبياء في الضمير فان مقابلة الجمع بالجمع تقتضى انقسام الآحاد الى الآحاد . واعلم ان سرّ بعثة الانبياء عليهم السلام الى الخلق ان يأمروهم بعبادة الله واجتناب طاغوت الهوى وما يعبدون من دون الله ويعلموهم كيفية العبادة الخالصة من الشوائب وكيفية الاجتناب عما سوى الله ليصلوا بهذين القدمين الى حضرة الجلال كما قال بعضهم خطوتان وقد حصلت . فالخطوة الاولى عبادة الله بالتوحيد وهو التوجه الى الله تعالى بالكلية طلبا وشوقا ومحبة . والثانية الخروج عما سوى الله بالكلية صدقا واجتهادا بليغا لينالوا ما نال من قال لربه - كلى بكلك مشغول فقال كلى لكلك مبذول - كما فى التأويلات النجمية . فعلى العاقل ان يجتهد فى طريق العبودية وهى رفض المشيئة لان العبد لا مشيئة له لانه لا يملك ضرا ولا نفعا - وحكى - ان ابراهيم بن ادهم رحمه الله اشترى عبد ا فقال له أى شئ تأكل قال ما تطعمنى قال أى شئ تعمل قال ما تستعملنى قال أى شئ لك ارادة قال واين تبقى ارادة العبد فى جنب ارادة سيده ثم راجع ابراهيم نفسه وقال يا مسكين ما كنت لله فى عمرك ساعة مثل ما كان هذا لك فى هذه الحالة ان قلت الطاعة راجحة ام ترك المخالفة . قلت الاحتماء غالب على المعالجة بالادوية كما يفعله اهل الهند فانهم يداوون مرضاهم بترك الاكل اياما . وقد قال ابو القاسم لا تطلبوا الآخرة بالبذل والايثار وطلوبا بالترك والكف . وهذا عكس ما عليه اهل الزمان فان عبادهم يأتون ما امكن لهم من الطاعات وهم غرقى فى بحر المخالفات اذ ليس مبالاة فى باب التروك فلو انهم اقتصروا على الفرائض والواجبات واجتهدوا فى باب الكف عن الرزائل والمخالفات لكان خيرا لهم ولذا قال فيى المثنوى
بهر اين بعض صحابه از رسول ... ملتمس بودند مكر نفس غول
كوجه آميزدز اغراض تهان ... در عبادتها و درا خلاص جان
فضل طاعت را نجستتدى ازو ... عيب ظاهر را نجستندى كه كو
مو بمو و ذره ذره مك رنفس ... مى شناسيدناجون كل از كرفس
نسأل الله تعالى ان يهدينا الى حق اليقين ويعصمنا من اعمال من قال فى حقهم ومالهم من ناصرين .(7/22)
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38)
{ واقسموا بالله } الاقسام [ سوكندخوردن ] والقسم محركة اليمين بالله . والمعنى بالفارسية [ سوكندخوردند بخدى تعالى ] .
عن ابى العالية كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين فاتاه يتقاضاه فكان فيما تكلم به والذى ارجوه بعد الموت انه لكذا : يعنى { دراثنا مكالمه كفت بدان خدى كه بعد ازمرك بلقاء اواميد وارم ] فقال المشرك انك لتزعم انك تبعث بعد الموت [ اى كفت تواميد وارى كه بعد ازمرك زنده شوى مسلمان كفت آرى آن كافر بايمان غلاظ وشدادكه دركيش او مقرر بود سوكند ياد كردكه هيجكس بعد ازمرك زنده نشود ] فانزل الله تعالى هذه الآية { جهد ايمانهم } [ سخترين سوكند ايشان يعنى جهد كردند در تغليظ سوكند ] . يقال جهد الرجل فى كذا كمنع جد فيه وبالغة واجتهد . قال الحال اى جاهدين فى ايمانهم اى حلفوا بالله مبالغين فى ايمانهم حتى بلغوا غاية شدتها ووكادتها . وفى تفسير ابى الليث كل من حلف بالله فهو جهد اليمين لانهم كانوا يحلفون بالاصنام وبآبئهم ويسمون اليمين بالله جهد ايمانهم { لا يبعث الله من يموت } مقسم عليه { بلى } اثبات لما بعد النفى اى بلى يبعثهم { وعدا } اى وعد بذلك وعدا ثابتا { عليه } انجازه لامتناع الخلف فى وعد الله تعالى { حقا } اى حق حقا { ولكن اكثر الناس لا يعلمون } انهم يبعثون والقول بعدمه لجهلهم بشؤن الله تعالى من العلم و القدرة والحكمة وغيرها من صفات الكمال وبما يجوز عليه ولما لا يجوز وعدم وقوفهم على سر التكوين والغاية القصوى منه .(7/23)
لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39)
{ ليبين لهم } عبارة عن اظهار ما كان مبهما قبل ذلك اى يبعث الله كل من يموت مؤمنا كان او كافرا ليبن لهم الشان { الذى يختلفون } مع المؤمنين { فيه } من الحق المنتظم للبعث والجزاء وجميع ما خالفوه مما جاء به الشرع المبين والمؤمنون وان كانوا عالمين بذلك عند معاينة حقيقة الحال يتضح الامر فيصل علمهم الى مرتبة عين اليقين لانه يحصل لهم مشاهدة الاحوال حقيقة الحال يتضح الامر فيصل علمهم الى مرتبة عين اليقين لانه يحصل لهم مشاهدة الاحوال كما هى ومعاينتها بصورها الحقيقية { وليعلم الذين كفروا } بالله تعالى بالاشراك وانكار البعث وتكيب وعده الحق عندما خرجوا من قبورهم { انهم كانوا كاذبين } فى قولهم لا يبعث الله من يموت ونحوه وهو اشارة الى السبب الداعى الى البعث المتقضى له من حيث الحكمة وهو التمييز بين الحق والباطل والمحق والمطبل بالثواب والعقاب .(7/24)
إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40)
{ انما } ما كافة { قولنا } مبتدأ { لشئ } اى أي شئ كان مما عزوها متعلق بقولنا على ان اللام للتبليغ كهى فى قولنا قلت له قم فقام .
فان قلت فيه دليل على ان المعدوم شئ لانه سماه قبل كونه . قلت التعبير عنه بذلك باعتبار وجوده عند تعلق مشئيته تعالى لانه كان شيأ قبل ذلك .
وفى التأويلات النجمية فى الآية دلالة على ان المعدوم الذى فى علم الله ايجاده قبل ايجاده شئ بخلاف المعدوم الذى فى علم الله عدمه ابدا { اذا ارادناه } ظرف لقولنا اى وقت ارادتنا لوجوده { ان نقول له كن } خبر للمبتدأ اى احدث لانه من كان التامة بمعنى الحدوث التام { فيكون } عطف على مقدر اى فنقول ذلك فيكون او جواب لشرط محذوف اى فاذا قلنا ذلك فهو يكون ويحدث عقيب ذلك وهذا الكلام مجاز عن سرعة الايجاد وسهولته على الله وتمثيل الغائب وهو تأثير قدرته فى المراد بالشاهد وهو امرا لمطاع للمطيع فى حصول المأمور به من غير امتناع وتوقف ولا افتقار الى مزاولة عمل واستعمال آلة وليس هناك قول ولا مقول له ولا آمر ولا مأمور حتى يقال انه يلزم احد المحالين اما خطاب المعدوم او تحصيل الحاصل . والمعنى ان ايجاد كل مقدور على الله بهذه السهولة فكيف يمتنع عليه البعث الذى هو من بعض المقدورات
آنكه بيش ازوجود جان بخشد ... هم تواند كه بعد ازان بخشد
جون جر آورد ازعدم بوجود ... جه عجب بازا كر كند موجود
وذهب فخر الاسلام وغيره الى ان حقيقة الكلام مرادة بان اجرى الله سنته فى تكوين الاشياء ان يكوّنها بهذه الكلمة اذ لم يمتنع تكوينها بغيرها . والمعنى يقول له احدث فيحدث عقيب هذا القول لكن المراد هو الكلام النفسى المنزه عن الحروف والاصوات لا الكلام اللفظى المركب منهما لانه حادث يستحيل قيامه بذاته تعالى .
يقول الفقير افادنى شيخى وسندى روح الله روحه فى قوله عليه السلام « ان الله فرد يحب الفرد » ان مقام الفردية يقتضى التثليث فهو ذات وصفة وفعل وامر الايجاد يبنى على ذلك واليه الاشارة بقوله تعالى { انما قولنا لشئ اذا اردناه ان نقول له كن فيكون } فهو ذات وارادة وقول والقول مقلوبه بعد الاعلال اللقا فليس عند الحقيقة هناك قول وانما هو لقاء الموجد اسم فاعل بالموجد اسم مفعول وسيريان هويته اليه وظهور صفته وفعله فيه فافهم هذه الدقيقة . قال الروح ينزل بالمطروله تعين فى كل نشأة بما يناسب حاله فعند تمام الخلقة فى الرحم ينفخ الله تعالى الروح وهو عبارة عن تعين الروح وظهوره كظهور النار من غير ايقاد ولكن عبر عنه بالنفخ تفخيما لان العقل قاصر عن دركه ولذا قال العلماء لا يبحث عن ذات البارى تعالى وكيفية تعلق القدرة بالمعدومات وكيفية العذاب بعد الموت .(7/25)
وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)
{ والذين هاجروا فى الله } اى فى شأن الله ورضاه وفى حقه والتمكين من طاعته ولوجهه { من بعد ما ظلموا } هم الين ظلمهم اهل مكة من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واخرجوهم من ديارهم فهاجروا الى الحبشة ثم الى المدينة فجمعوا بين الهجرتين . لا المهاجرون مطلقا فان السورة مكية - روى - ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى ما نزل بالمسلمين من توالى الاذى عليهم من كفار قريش قال لهم « تفرقوا فى الارض فان الله سيجمعكم » قالوا الى اين نذهب قال « اخرجوا الى ارض الحبشة فان بها ملكا عظيما لا يظلم عنده احد وهى ارض صدق حى يجعل الله لكم فرجا مما انتم فيه » فهاجر اليها ناس ذو عدد قال بعضهم كانوا فوق ثمانين مخافة الفتنة فرار الى الله تعالى بدينهم منهم من هاجر الى الله باهله كعثمان بن عفان رضى الله عنه هاجر ومعه زوجته رقية بنت النبى صلى الله عليه وسلم وكان اول خارج ومنهم من هاجر بنفسه وفى الحديث « من فر بدينه من ارض الى ارض وان كان شبرا من الارض استوجب له الجنة وكان رفيق ابيه خليل الله ابراهيم ونبيه محمد عليهما السلام » { لنبوئنهم } لننزلنهم { فى الدنيا حسنة } اى مباءة حسنة وهى المدينة المنورة حيث آواهم اهلها ونصروهم . يقال بوأه منزلا انزله والمباءة المنزل فهى منصوبة على الظرفية او على انها مفعول ثان ان كان لنبوئنهم فى معنى لنعطينهم { ولا جر الآخرة } المعد لهم فى مقابلة الهجرة { اكبر } مما يعجل لهم فى الدنيا . فى المدارك الوقف لاز عليه لان جواب قوله { لو كانوا يعلمون } محذوف والضمير للكفار اى لو علموا ان الله تعالى يجمع لهؤلاء المهاجرين خير الدارين لو افقوهم فى الدين ويجوز ان يعود الى المؤمنين المهاجرين فانهم لو علموا علم المشاهدة لازدادوا فى المجاهدة والصبر واحبوا الموت وليس الخبر كالمعاينة .(7/26)
الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42)
{ الذين } اى المهاجرون هم الذين { صبروا } على مفارقة الوطن اللذى هو حرم الله المحبوب فى كل قلب فكيف بقلوب قوم هو مسقط رؤسهم - روى - ان النبى صلى الله عليه وسلم لما توجه مهاجرا الى المدينة وقف ونظر الى مكة وبكى وقال « والله انى لا خرج منك واتى لا علم انك احب بلاد الله الى الله تعالى واكرمها على الله ولولا ان اهلك اخرجونى منك ما خرجت » قال الهمام
مشتاب ساربان كه مرا باى دركلست ... دركردنم زحلقه زلفش سلاسلست
تعجيل ميكنى تو وبايم نمى رود ... بيرون شدن زمنزل اصحاب مشكلشت
جون عاقبت زصحبت يا ران بريد نيست ... بيوند باكسى نكند هركه عاقلست
وكذا صبروا على مفارقة الاهل والشدائد من اذية الكفار وبذل الارواح ونحو ذلك { وعلى ربهم } خاصة { يتوكلون } منقطعين اليه معرضين عما سواه مفوضين اليه الامر كله والمعنى على المضى والتعبير بصيغة المضارع لاستحاضر صورة توكلهم البديعة .
والاشارة { والذين هاجروا فى الله } بالابدان عما نهى الله عنه بالشريعة وهاجروا بالله بالقلوب عن الحظوظ الاخروية برعاية الطريقة وهاجروا الى الله بالارواح عن مقامات القربة ورؤية الكرامات بجذبات الحقيقة بل هاجروا عن الوجود المجازى مستهلكا فى بحر الوجود الحقيقى حتى لم يبق لهم فى الوجود سوى لاله من بعدما ردوا الى اسفل السافلين لننزلنهم على اقرب القرب فى حال حياتهم ولاجر الآخرة اى بعد الخروج من الدنيا والخلاص من حبس اوصاف البشرية وتلوثها بها اكبر اى اعظم واجل واصفى واهنى وامرى مما كان لهم من حسنات الدنيا وكانوا يعلمون قدره ويؤدون شكره الذين صبروا على الاثتمار بالاوامر وعلى الانتهاء عن النواهى بل صبروا على المجاهدات والمكابدات لنيل المشاهدات والمواصلات { وعلى ربهم يتوكلون } صبروا بالله فى طلبه وتوكلوا على الله فى وجدانه فبالصبر ساروا وبالتوكل طاروا ثم فى الله حاروا حيرة لا نهاية لها الى الابد كما فى التأويلات النجمية .
اعلم ان من توكل على الله وانقطع اليه كفاه الله لك مؤونة ومن انقطع الى الدنيا واهلها لا يتم امره فان اهل الدنيا لا تقدر على النفع وايصال الخير ما لم يرد الله . قال ابو سعيد الخراز قدس سره اقمنا بمكة ثلاثة ايام لم نأكل شيأ وكان بحذائنا فقير معه ركوة مغطاة بحشيش وربما اراه يأكل خبزا حوارى فقلت له نحن ضيفك فقال نعم فلما كان وقت العشاء مسح يده على سارية فناولنى درهمين فاشترينا خبزا فقلت بما وصلت الى ذلك فقال يا ابا سعيد بحرف واحد تخرج قدر الخلق من قلبك تصل الى حاجتك .(7/27)
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)
{ وما ارسلناك } وذلك ان مشركى قريش لما بلغهم النبى صلى الله عليه وسلم الرسالة ودعاهم الى عبادة الله تعالى انكروا ذلك وقالوا الله اعظم من ان يكون رسوله بشرا ولو اراد ان يبعث الينا رسولا لبعث من الملائكة الذين عنده فنزل قوله تعالى وما ارسلنا { من قبلك } اى الامم الماضية { الا رجالا } آدميين لا ملكا وقوله تعالى { جاعل الملائكة رسلا } اى الى الملائكة الى الانبياء ولا امرأة اذ مبنى حالها على الستر والنبوة تقتضى الظهور ولا صبيا ونبوة عيسى فى المهد لا تنافيه اذ الرسالة اخص . قال ابن الجوزى اشتراط الاربعين في حق الانبياء ليس بشئ { نوحى اليهم } على ألسنة الملائكة فى الغلب واكثر الامر وفيه اشارة الى ان الرسالة والنبوة والولاية لا تسكن الا فى قلوب الرجال الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله .
نه هركس سزاوار باشد بصدر ... كرامت بفضلست ورتبت بقدر
{ فاسألوا } اى فان سككتم فى ذلك فاسألوا يا معشر قريش { اهل الذكر } علماء اهل الكتاب ليخبروكم ان الله تعالى لم يبعث الى الامم السالفة الا بشرا وكانوا يشارونهم فى بعض الامور ولذلك احالهم الى هؤلاء للالزام { ان كنتم لا تعلمون } ذلك . وفى الآية اشارة الى وجوب المراجعة الى العلماء فيما لا يعلم . وسئل الامام الغزالى رحمه الله نم اين حصل لك الاحاطة بالعلوم اصولها وفروعها فتلا هذه الآية اى افاد ان ذلك العلم الكلى انما حصل باستعلام المجهول من العماء وترك العار وقد ورد « الحكمة ضالة المؤمن اينما وجدها اخذها » يعنى ينبغى للمؤمن ان يطلب الحكمة كما يطلب ضالته .(7/28)
بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)
{ بالبينات والزبر } بالمعجزات والكتب بينة وهى الواضحة . والزبر جمع زبور وهو الكتاب بمعنى المزبور اى الكتوب { وانزلنا اليك الذكر } اى القرآن انما سمى به لا نه تذكير وتنبيه للغافلين . يعنى انه سبب الذكر فاطلق عليه المسبب { لنبين للناس } كافة العرب والعجم { وما نزل اليهم } فى ذلك الذكر من الاحكام والشرائع وغير ذلك من احوال القرون المهلكة بافانين العذاب حسب اعمالهم الموجبة لذلك على وجه التفصيل بيانا شافيا كما ينبئ عنه صيغة التفعيل فى الفعلين { ولعلهم يتفكرون } التفكر تصرف القلب فى معانى الاشياء لدرك المطلوب اى وارادة ان يجيلوا فيه افكارهم فيتنبهوا للحقائق وما فيه من العبر ويحترزون عما يؤدى الى مثل ما اصاب الاولين من العذاب .
وفى التأويلات النجمية ولعلهم اى وفى انزال الذكر اليك حكمة اخى وهى لعل الناس يتفكرون فيما يسمعون من بيان القرآن والاحكام منك على انك امى ما قرأت الكتب المنزلة ولا تعلمت العلوم وانما تبين لهم من نور الذكر فيلازمون الذكر ويواظبون عليه ليصلوا الى مقام المذكورين فى متابعتك ورعاية سنتك . ولما سئل النبى صلى الله عليه وسلم عن جلاء القلب قال « ذكر الله وتلاوة القرآن والصلاة علىّ » ولا شك ان خير الاذكار كلمة التوحيد . قال ابراهيم الخواص رحمه الله دواء القلب خمسة . قراءة القرآن بالتدبر . وخلاء البطن . وقيام الليل . والتضرع الى الله عند السحر . ومجالسة الصالحين .
وفى ابكار الافكار افضل اذكر قراءة القرآن فانها افضل من الدعوة الغير المأثورة . واما المأثورة فقيل انها افضل منها وقيل القراءة افضل انتهى .
وفى نفائس المجالس مما يجب فيه التدبر والتذكر قوله تعالى { يا ايها الذين آمنوا آمنوا } فالله تعالى امر المؤمنين بالايمان اى بتكرار عقد القلب وتجديده كما ورد { جددوا ايمانكم بقول لا اله الا الله } قال بعض الكبار قد علم بحديث التجيد ان الايمان يقبل البلى وذلك بزوال الحب وتجديده بالتوحيد وكلمة التوحيد مركبة من النفى والاثبات فبنفى ما سوى المعبود واثبات ما هو المقصود يصل الموحد الى كمال الشهود وحصول ذلك بنور التلقين والكينونة التامة مع الصادقين كما قال تعالى { وكونوا مع الصادقين } والكينونة صورية وهى بملازمة اهل الصدق ومجالستهم ومعنوية وهى باتخاذ الاسرار وتحصيل المناسبة المعنوية فلا بد من الارتباط بواحد من الصادقين
زمن اى دوس اين يك بندبيذير ... برو فتراك صاحب دولتى كير
كه قطره تاصدف را درنيايد ... نكردد كوهر وروشن نتابد
واعلم ان التبيين حق اهل الدعوة والارشاد اذ ليس عليهم الا البلاغ المبين والعمل بموجب الدعوة على العباد اذ ليس عليهم الاقبول ما جاء من طرف النبى الامين فاذا قبلوا ذلك ورجعوا فى المشكلات اليه او الى وارث من ورثته الكمل علموا ما لم يعلموا ووصلوا الى كمال العلم والعمل وحصلوا عند المقصود من نزول القرآن فطوبى لهم فلهم درجات الجنان ورؤية المنان .(7/29)
أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45)
{ أفأمن الذين مكروا السيآت } هم اهل امكة الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم وراموا صدّ اصحابه عن الايمان واحتالوا فى ابطال الاسلام والفاء عطف على مقدر والانكار موجه الى المعطوفين معا . والسيآت نعت لمصدر محذوف اى ألم يتفكروا فامن الذين مكروا السيآت وعملوا الكفر والمعاصى { ان يخسف الله بهم الارض } مفعول لا من اى ان يغوّ ربهم الارض حتى يدخلوا فيها الى الارض السفلى كما فعل بقارون واصحابه . وبالفارسية [ از آنكه فرو برد خداى تعالى ايشانرا درزمين ] ذكر الحافظ ان الكركى لا يطأ الارض بقدميه بل باحدهما فاذا وطئها لم يعتمد عليها خوفا ان تخسف الارض فاذا لم يأمن الطير من الخسف فما بال الانسان العاقل يمشى على الارض وهو غافل { او يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون } باتيانه اى فى حال غفلتهم .
ديدى آن قهقه كبك خرامان حافظ ... كه زسر نيجه شاهين قضا غافل بود(7/30)
أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46)
{ او يأخذهم فى تقلبهم } التقلب [ بركشتن ] وفى القاموس تقلب فى الامور تصرف كيف شاء انتهى .
اى فى حالتي تقلبهم فى مسايرتهم ومتاجرهم واسباب دنياهم . وقال سعدى المفتى الظاهر ان المراد من قوله او يأتيهم حال يقظتهم وتصرفهم كقوله تعالى { فجاءهم باسنا بياتا اوهم قائلون } { فما هم بمعجزين } بناجين من عذاب الله القهار سابقين قضاءه بالهرب والفرار على ما يوهمه التقلب والسير فى الديار وفى الحديث « ان الله ليملى للظالم حتى اذا اخذه لم يفلته » اى ليمهل ويطول عمره حتى يكثر منه الظلم ثم يأخذه اخذ شديدا فاذا اخذه لم يتركه ولم يخلصه احد من الله وفى الحديث « تسلية للمظلوم ووعيد للظالم لئلا يغتر بامهاله » قال الشيخ سعدى قدس سره
مهما زور مندى مكن بر كهان ... كه بريك نمط مى نماند جهان
نمى ترسى اى كرك ناقص خرد ... كه روزى بلنكيت برهم درد(7/31)
أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47)
{ او يأخذهم على تخوف } قال فى القاموس تخوف الشئ تنقصه ومنه او يأخذهم على تخوف انتهى .
ولقى رجل اعرابيا فقال يا فلان ما فعل دينك فقال تخوفته يعنى تنقصته كما فى تفسير ابى الليث . والمعنى او يأخذهم على ان ينقصهم شيأ بعد شئ فى انفسهم واموالهم حتى يهلكوا ولا يهلكهم فى حالة واحدة فيكون المراد مما قبلها عذاب الاستئصال ومنها الاخذ شيأ فشيأ والمراد بذكر الاحوال الثلاث بيان قدرة الله على اهلاكهم بأى وجه كان لا الحصر فيها { فان ربكم لرؤوف رحيم } حيث لا يعالجكم بالعقوبة ويحلم عنكم مع استحقاقكم لها والمعنى انه اذا لم يأخذكم مع ما فيه فانما أفته تقيكم ورحمته تحميكم .
وفى التأويلات النجمية رؤف بالعباد اذا عطاهم حسن الاستعداد رحيم عليهم عند افساد اتسعدادهم بالمعاصى بان لا يأخذهم فى الحال ويتوب عليهم فى المآل ويقبل توبتهم بالفضل والنوال ومن المعاصى التقلب من اعمال الدنيا الى اعمال الآخرة بالرياء او من اعمال الآخرة الى اعمال الدنيا بالهوى وعذاب الرد من حرم القبول والرجع من درجات الوصول .
فعلى العقال التيفظ فى الامور وترك السيآت والشرور فانه لا يشعر من اين يأتى العذاب من قبل الاعمال الدنيوية او من قبل الاعمال الاخروية ومن جه لالمريد بنفسه وبحق ربه ان يسيء الادب باظهار دعوى مثلا فتؤخر العقوبة عند امهالا له فيظنه اهمالا فيقول لو كان هذا سوء ادب لقطع الامداد واوجب الابعدا اعتبارا بظاهر الامر وما ذلك الا لفقد نور بصيرته او ضعف نورها والا فقد يقطع المدد عنه من حيث لا يشعر حتى ربما ظن أنه متوفر فى عين تقصير ولو لم يكن من قطع المدد الامنع المزيد لكان قطعا لان من لم يكن فى زيادة فهو فى نقصان . قال بعضهم الزم الادب ظاهرا وباطنا فما اساء احد الادب فى الظاهر الا عوقب ظاهرا ولا اساء احد الادب فى الباطن الا عوقب باطنا من ضيع الادب فهو بعيد من حث يظن القرب ومردود من حيث يظن القبول . وقال رويم لابن خفيف اجعل عملك ملحا وادبك دقيقا : وفى المثنوى
ازخدا جوبيم توفيق وادب ... بى ادب محروم كشت ازلطف رب
بى ادب تنها نه خودرا داشت بد ... بلكه آتش درهمه آفاق زد
هركه نامردى كندرراه دوست ... رهزن مردان شدونا مرد اوست
اللهم اجعلنا من المتأدبين بآداب حبيبك واصحابه الى يوم السؤال وجوابه .(7/32)
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49)
{ أو لم يروا } الهمزة للانكار وهى داخلة فى الحقيقة على النفى وانكار النفى نفى له ونفى النفى اثبات . والرؤية هى البصيرة المؤدية الى التفكر والضمير لكفار مكة اى ألم ينظروا ولم يروا { الى ما خلق الله } اى قدر رأوا امثال هذه الصنائع فما لهم لم يتفكروا فيه ليظهر لهم كمال قدرته وقهره فيخافون منه { من شئ } بيان لما الموصولة اى من كل شئ { يتفيؤا ظلاله } اى ترجع شيأ فشيأ من جانب الى جانب وتدور من موضع الى موضع حسبما تقتضيه ارادة الخالق فان التفئ مطاوع الافاءة . قال فى تهذيب المصادر النفئ [ باز آمدن سايه بعد ازانتصاف النهار ] ولا يكون التفيئ الا بالعشى قال الله تعالى { يتفيؤا ظلاله } انتهى .
والظلال جمع الظل وهو بالفارسية [ سايه ] والجملة صفة لشئ . قال فى الارشاد ولعل المراد بالموصول الجمادات من الجبال والاشجار والاحجار التى لا يظهر لظلالها اثر سوى التفيء بارتفاع الشمس وانحدارها واما الحيوان فظله يتحرك بتحركه . وفى التبيان يريد الشجر والنبات وكل جسم قائم له ظل { عن اليمين والشمائل } متعلق بيتفيء . والشمائل جمع شمال . وضد اليمين وبالفتح الريح التى مهبها بين مطلع الشمس وبنات نعش او من مطلع النعش الى مسقط النسر الطائر كما فى القاموس اى ألم يروا الاشياء التى لها ظلال متفيئة عن ايمانها وشمائلها اى عن جانبي كل واحد منها وشقيه . وفى التبيان اى فى اول النهار عن اليمين وفى آخره عن الشمال يعنى من جانب الى جانب اذا كنت متوجها الى القبلة استعارة من يمين الانسان وشماله بجانبى الشئ وتوحيد اليمين وجمع الشمائل لان مذهب العرب اذا اجتمعت علامتان فى شىء واحد ان يلغى واحد ويكتفى باحدهما كقوله تعالى { وعلى سمعهم وعلى ابصارهم } وقوله تعالى { يخرجهم من الظلمات الى النور } كذا فى الاسئلة المقحمة .
والاشارة ان المخلوقات على نوعين . منها ما خلق من شئ كعالم الخلق وهو عالم الجسام . ومنها ما خلق من غير شئ كعالم الامر وهو عالم الارواح كما قال تعالى { ألا له الخلق والامر } وانما سمى عالم الارواح الامر لانه خلقه بامر كن من غير شئ بلازمان كما قال تعالى { خلقتك من قبل ولم تك شيأ } يعنى خلقت روحك من قبل خلق جسدك ومنه قوله عليه السلام « ان الله خلق الارواح قبل الاجساد بالفى الف عام » كذا فى التأويلات النجمية { سجدا لله } اى حال كون تلك الظلال ساجدين لله دائرين على مراد الله فى الامتداد والتقلص وغيرهما غير ممتنعة عليه فيما سخرها له من التفيء { وهم داخرون } يقال دخر كمنع وفرع دخورا ودخر صغر وذلك وادخره كما فى القاموس وهو حال من الضمير فى ظلاله والجمع باعتبار المعنى اذا المراد ظلال كل شئ وايراد صيغة الخاصة بالعقلاء لان الدخور من خصائصهم او لان من جملة ذلك من يعقل فغلب .(7/33)
والمعنى ترجع الظلال من جانب الى جانب بارتفاع الشمس وانحدارها منقادة لما قدر لها من التفيء والحال من اصحابها من الاجرام داخرة اى صاغرة منقادة لحكمه تعالى ووصفها بالدخور مغن عن الوصف ظلالها به وبعد ما بين سجود الظلال من الاجرام السفلية الثابة في احيازها ودخورها له سبحانه شرع فى بيان سجود الملخوقات المتحركة بالارادة سواء كانت لها ظلال ام لا فقيل { ولله يسجد } اى له تعالى وحده ويخضع وينقاد لا لشيء غيره استقلالا واشتراكا فالقصر ينتظم القلب والافراد { ما فى السموات } من العلويات قاطبة ودخل فيه الشمش والقمر والنجوم { وما فى الارض } كائنا ما كان { من دابة } بيان لما فى الارض فان قوله تعالى { والله خلق كل دابة من ماء } يدل على اختصاب الدابة فما فى الارض لان ما فى السماء لا يخلق بطريق التولد وليس لهم دبيب بل لهم اجنحة يطيرون بها . بقول الفقير الظاهر ان الطيران لا ينفى الدبيب وقد نقل ان فى السماء خلقا يدبون ودبيبه لا يستلزم كونه مخلوقا من الماء المعهود اذ من الماء كل شئ حى فيكون من دابة بيانا لما فى السماء والارض وما عام للعقلاء وغيرهم . وفى الاسئلة المقحمة ان ما لا يعقل اكثر عددا ممن يعقل فغلب جانب ما لا يعقل لانه اكثر عددا { والملائكة } عطف على ما فى السموات عطف جبريل على الملائكة عظيما واجلالا { وهم } اى والحال ان الملائكة مع علو شأنهم { لا يستكبرون } لا يتعظمون عن عبادته والسجود له بتذللون فكل شئ بين يدى صانعه ساجد بسجود يلائم حاله كما ان كل شئ يسبح بحمده تسبيحا يلائم حاله فتسبيح بعضهم بلسان القال وتسبيح بعضهم بلسان الحال والله يعلم لسان حالهم كما يعلم لسان قالهم : وفى المتنوى
جون مسبح كرده هر جيزرا ... ذات بى تمييز وبا تمييز را
هر يكى تسبيح بر نوع دكر كويد ... او ازحال آن اين بى خبر
آدمى منكر زتسبيح جماد ... وان جماد اندر عبادت او ستاد
واعلم ان الله تعالى اعطى لكل شئ من اصناف المخلوقات من الحيوات الى الجمادات سمعا وبصرا ولسانا وفهما به يسمع كلام الحق ويبصر شواهد الحق ويكلم الحق ويفهم اشارة الحق كما اخبر الله تعالى عن حال السموات والارض وهما فى العدم اعطاهما سمعا به سمعنا قوله ائتيا طوعا او كرها واعطاهما فهما به فهمتا كلامه واعطاهما لسانا به قالتا اتينا طائعين فكل شئ يسبح الله بذلك اللسان ويسجد له بذلك اطوع . فمن هذا اللسان الملكوتى معجزة النبى عليه السلام كانت الحصى تسبح فى يده . وكذلك الاحجار الثلاثة كلمت داود عليه السلام واوّبت الجبال معه ولما قال الله تعالى { وان من شئ الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم } فلا يبعد ان يسجد لله كل شئ وان لم نفقه سجوده .
قال الكاشفى [ درين آيت سجدة بايد كرد واين سجده سوم است از سجدهاى قرآنى . وحضرت شيخ قدس سره در فتوحات اين را سجود عالم بالا وادنا خوانده كه در مقام ذلت وخوف حق را سجده مى كنند بس بنده بايدكه درين محل بدين صفت موسوم شود خودرا بزمره ساجدان كنجايش دهد ] .(7/34)
يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)
{ يخافون ربهم } اى مالك امرهم والجملة حال من الضمير فى لا يستكبرون { من فوقهم } اى يخافونه تعالى خوف هيبة واجلال وهو فوقهم بالقهر لقوله تعالى { وهو القاهر فوق عباده } فهو حال من ربهم . قال فى التبيان عند قوله { وهو القاهر فوق عباده } يعنى الغالب عباده فوق صلته انتهى .
او يخافون ان يرسل عليهم عذابا من فوقهم فهو متعلق بيخافون .
قال فى التأويلات النجمية معنى { يخافون ربهم } اى يأتيهم العذاب { من فوقهم } ان عصوه { ويفعلون ما يؤمرون } اى ما يأمرهم الخالق من الطاعات والتدبيرات من غير تناقل عنه وتوان فيه وفه ان الملائكة مكلفون مدارون على الامر والنهى والوعد والوعيد وبين الخوف والرجاء وفى الحديث « ان لله ملائكة فيى السماء السابعة سجد منذ خلقهم الله الى يوم القيامة ترعد فرائصهم من مخافة الله فاذا كان يوم القيامة رفعوا رؤوسهم وقالوا ما عبدناك حق عبادك » كذلك فى تفسير ابى الليث . ويقال من لسان الاشارة ان الامطار والمياه دموع الملائكة والارض فهم يخافون الله تعالى بقدر ما وسعهم من معرفة جلاله فما بال الانسان يمشى آمنا ضاحكا مع سوء حاله والله الهادى(7/35)
وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51)
{ وقال الله } لجميع المكلفين { لا تتخذوا الهين اثنين } تأكيد { انما هو اله واحدؤ لا شريك له ولا شبيه
از همه در صفات ذات خدا ... ليس شئ كمثله ابدا
{ فاياى } لا غيرى { فارهبون } خافون .(7/36)
وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52)
{ وله } وحده خلقا وملكا { ما فى السموات } من الملائكة { والارض } من الجين والانس { وله الدين } اى لاطاعة والانقياد من كل شئ فى السموات والارض وما بينهما { واصبا } حال من الدين اى واجبا ثابتا لا زوال له لانه الاله وحده الواجب ان يرهب منه يقال وصب يصب وصوبا اى دام وثبت { أفغير الله تتقون } الهمزة للانكار والفاء للعطف على مقدر اى أبعد العلم بما ذكر من التوحيد واختصاص الكل به خلقا وملكا غير الله تطيعون فتتقون .(7/37)
وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53)
{ وما بكم } اى أى شئ يلابسكم ويصاحبكم { من نعمة } أى نعمة كانت كالغنى وصحة الجسم والخصب ونحوها { فمن الله } فهى من قبل الله فما شرطية او موصولة متضمنة لمعنى الشرط باعتبار الاخبار دون الحصول فان ملابسة النعمة بهم سبب للاخبار بانها منه تعالى لا لحصولها منه { ثم اذا مسكم الضر } اى الفقر والبلاء فى جسدكم والقحط ونحوها مساسا يسيرا { فاليه تجأرون } تتضعرون فى كشفه لا الى غيره . والجؤار رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة .(7/38)
ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55)
{ ثم اذا كشف الضر عنكم اذا } [ ناكاه ] { فريق منكم } وهم كفاركم { بربهم يشركون } { ليكفروا } بعبادة غيره { بما آيتناهم } من نعمة الكفش عنهم كأنهم جعلوا غرضهم فى الشرك كفران النعمة ففى اللام استعارة تبعية وقوله ليكفروا من الكفران وقيل اللام لام العاقبة { فتمتعوا } بقية آجالكم اى فعيشوا وانتفعوا بمتاع الحياة الدنيا اياما قليلة وهو امر تهديد { فسوف تعلمون } عاقبة امركم وما ينزل بكم من العذاب .
وفى الآيات اشارات . منها ان اكثر الخلق اتخذوا مع الله الها آخر وهو الهوى وهو ما يميل اليه الطبع وتهواه النفس بمجرد الاشتهاء من غير سند مقبول ودليل معقول قال تعالى { أفرأيت من اتخذ الهه هواه } فلهذا قال { الهين } وما قال آلهة لانه ما عبد الها آخر الا بالهوى ولذلك قال صلى الله عليه وسلم « ما عبد اله ابغض على الله من الهوى » فقال { انما هو اله واحد } اى الذى خلق الهوى وسائر الآلة { فاياى فارهبون } فانى انا الذى يستحق ان يرغب اليه ويرهب منه لا الهوى والالهة فانهم لا يقدرون على نفع ولا شر . وعن بعضهم قال انكسرت بنا السفينة وبقيت انا وامرأتى على لوح وقد ولدت فى تلك الحالة صبية فصاحت بى وقالت يقتلنى العطش فقلت هوذا يرى حالنا فرفعت راسى فاذا رجل فى الهواء جالس وفى يده سلسلة من ذهب فيها كوز من يقاوت احمر فقال هاك اشربا فاخذت الكوز وشربنا منه فاذا هو اطيب رائحة من المسك وابرد من الثلج واحلى من العسل فقلت من انت يرحمك الله فقال عبد لمولاك فقلت بم وصلت الى هذا قال تركت الهوى لمرضاته فاجلسنى على الهوى ثم غاب عنى فلم اره رضى الله عنه .
ومن الاشارات ان كاشف الضر هو الله تعالى فمن اراد كشفه عن الاسباب لا عن المسبب فقد اشرك ألا ترى ان وكيل السلطان اذا قضى لك حاجة فانت وان كنت شاكرا فعله ولكن انما تدعو فى الحقيقة للسلطان حيث قلد العمل لمثل هذا فحاجتك انما قضيت فى الحقيقة من قبل السلطان من حيث ان فعل هذا خلف حجاب الاسباب لا بالاسباب فافهم . ومنها ان الكفران سبب لزوال النعمة : وفى المثنوى
باشد آن كفران نعمت درمثال ... كه كنى با محسن خود توجدال
كه نمى آيد مرا اين نيكوئى ... من برنجم زين جه رنجه ميشوى
لطف كن اين نيكو ئى رادور كن ... من نخواهم عاقبت رنجور كن
نسأل الله العصمة من الكفار وعذابه .(7/39)
وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56)
{ ويجعلون } اى كفار مكة { لما لا يعلمون } اى للصنام التى لا يعلم الكفار حقيقتها وقدرها الخسيس ويعقتدون فيها انما تضرو وتنفع وتشفع عند الله تعالى { نصيبا } [ بهره ] { مما رزقناهم } من الزرع والانعام وغيرهما تقربا اليها فقالوا هذا لله . بزعمهم وهذا لشركائنا وهو مذكور فى الانعام ويحتمل ان يعود ضمير لا يعلمون الى الاصنام وصيغة جمع العقلاء لكون ما عبارة عن آلهتهم التى وصفوها بصفات العقلاء اى الاشياء التى غير موصوفة بالعلم ولا تشعر أجعلوا لها نصيبا وحظا فى انعامهم وزروعهم ام لا { تالله لتسألن } سؤال توبيخ وتقريع { عما كنتم تفترون } فى الدنيا انها آلهة حقيقة بان يتقرب اليها .
وفيه اسارة الى ان اصحاب النفوس والاهواء يجعلون مما رزقهم الله من الطاعات نصيبا بالرياء لمن لا علم لهم باحوالهم ليحسنوا فى حقهم ظنا ويكتسبوا عندهم منزلة وهم غافلون فارغون عن توهمهم وافترائهم فى نفوسهم عليهم
بروى ريا خرقه سهلست دوخت ... كرش باخدا درتوانى فروخت(7/40)
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58)
{ ويجعلون لله البنات } هم خزاعة وكنانة كانوا يقولون الملائكة بنات الله [ وسخن بعضى از كفار اين بود كه حق تعالى باجن مصاهرت كرد وملائكة متولد شد نعوذ بالله ] { سبحانه } [ باكست خداى از قول ايشان كه ميكويند خداى تعالى دختران دارد ] { ولهم ما يشتهون } من البنين اى يختارون لانفسهم الاولا الذكور ما مرفوعة المحل على انها مبتدأ والظرف المقدم خبره والجملة حالية ثم وصف كراهتهم البنات لانفسم فقال { واذا بشر احدهم بالاثنى } البشارة بمعنى الاخبار على الوضع الاصلى والمضاف مقدر اى اخبر بولادتها [ يعنى جون كسى را از كافران خبر دهند كه ترا دخترى متولد شده ] { ظل وجهه } اى صار من الظلول بمعنى الصيرورة كما يستعمل اكثر الافعال الناقصة بمعناها او هو بمعناه يقال ظل يفعل كذا اذا فعله نهارا اى دام النهار كله لان اكثر الوضع يتفق بالليل ويتأخر اخبار المولود الى النهار وخصوصا بالانثى فيظل نهاره { مسودا } [ سياه ازاندوه وغم وشر مندكى درميان قوم ] واسوداد الوجه كناية عن الاغتمام والتشوير وهو بالفارسية [ خجل كردن ] يقال شور به فعل به فعلا يستحيى منه فتشور { وهو كظيم } مملوء غضبا على المرأة لاجل ولادتها الانثى . ومن هنا اخذ المعبرون من رأى اورؤى له ان وجهه اسود فان امرأته تلد انثى .(7/41)
يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)
{ يتوارى } يستخفى { من القوم } [ از كروه آشنايان وخويشان ] { من سوء ما بشر به } اى من اجل سوء المبشر به ومن اجل تعييرهم والتعبير عنها بما لاسقاطها عن درجة العقلاء { أيمسكه } التذكير باعتبار ما اى مترددا فى امره ومحدثا نفسه فى شأنه أيمسك ذلك المولود ويتركه { على هون } ذل وهوان للعمل والاستقاء والخدمة فهو حال من المفعول اى يمسكها مهانة ذليلة ويحتمل ان يكون حالا من الفاعل اى يمسكها مع رضاه بهوان نفسه { ام يدسه } يخفيه { فى التراب } بالوأد : يعنى [ زنده دركور كند جنانجهبنو تميم وبنو مضر ميكردند ] ولقد بلغ بهم المقت الى ان يهجر بعضهم البيت الذى فيه المرأة اذا ولدت انثى { ألا ساء } [ بدانيده بدست ] { ما يحكمون } [ آنجه حكم ميكنند مشركان يعنى دخترانرا كه بيش ايشان قدر وحرمت ندادند بخدى نسبت ميدهند ] ويختارون لانفسهم البنين فمدار الخطأ جعلهم ذلك لله مع ابائهم اياه .(7/42)
لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60)
{ للذين لا يؤمنون بالآخرة } ممن ذكرت قبائحهم { مثل السوء } صفة السوء الذى هو كالمثل فى القبح وهى الحاجة الى الولد ليقوم مقامهم عند موتهم وايثار الذكور للاستظهار بهم ووأد البنات لدفع العار وخشية الاملاق مع احتياجهم اليهن طلب النكاح المنادى كل ذلك بالعجز والقصور والشح البالغ المنفور { ولله المثل الاعلى } اى الصفة العجيبة الشأن التى هى مثل فى العلو مطلقا وهو الوجوب الذاتى والغنى المطلق والوجود الواسع والنزاهة عن صفات المخلوقين { وهو العزيز } المنفرد بكمال القدرة لا سيما على مؤاذختهم { الحكيم } الذى يفعل كل ما يفعل بمقتضى الحكمة البالغة ومن حكمته ان خلق الذكور والاناث . فعلى العاقل ان يستسلم لامر الله تعالى وينقاد لحكمه فان كل ظهور انما هو منه تعالى وبارادته والله تعالى اذا اراد شيأ فليس للعبد أن يريد خلافه فانه لا يكون ابدا : قال الحافظ
بدرد وصاف ترانيست حكم دم دركش ... كه هرجه ساقئ ما كرد عين الطافست
وفى الشرع ويزداد فحاء بالبنات مخالفة لاهل الجاهلية وفى الحديث « من بركة المرأة تبكيرها بالبنات » اى يكون اول ولدها بنتا ألم تسمع قوله تعالى { يهب لمن يشاء اناثا ويهب لمن يشاء الذكور } حين بدأ بالاناث وفى الحديث « من ابتلى من هذه البنات بشئ فاحسن اليهن كن له سترا من النار » والابتلاء هو الامتحان لكن اكثر استعمال الابتلاء فى المحن والبنات قد تعد منها لان غالب هوى الخلق فى الذكور . وفسر بعض شراح المصابيح الاسحان اليهن بالتزويج بالاكتفاء لكن الاوجه ان يعمم قال بعض الفقهاء لا يزوج بنته معتزليا فان اختلاف الاعتقاد بين السنى والبدعى كاختلاف الدين وشأن التقوى الاحتراز عن صحبة غير المجالس ومصاهرته
آن بكى را صحبت اخيار يار ... لا جرم شد بهلوى فجار جار
وقال صلى الله عليه وسلم « سألت الله ان يرزقنى ولدا بلا مؤونة فرزقنى البنات » وقال « لا تكرهوا البنات فانى ابو البنات »
ومن لطائف الروضة سأل الحجاج بعض جلسائه عن ارق الصوت عندهم فقال احدهم ما سمعت سوتا ارق من صوت قارئ حسن الصوت يقرأ كتاب الله فى جوف الليل قال ذلك الحسن وقال آخر ما سمت صوتا اعجب من ان اترك امرأتى ما خصنا واتوجه الى المسجد بكيرا فيأتينى آت فيبشرنى بغلام فقال واحسناه فقال سعبة بن علمة التميمى لا والله ما سمعت قط اعجب الى من ان اكون جائعا فاسمع خفخفة الخوان فقال الحجاج ابيتم يا بنى تميم الا الزاد .
ايها المحبوس فى رهن الطعام ... سوف تنجو ان تحملت الفطام
جون ملك تسبيح حق راكن غذا ... تا رهى همجون ملائك از اذى(7/43)
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61)
{ ولو يؤاخذ الله } فاعل هنا بمعنى فعل { الناس } اى الكفار { بظلمهم } بكفرهم ومعاصيهم { ما ترك عليها } اى على الارض المدلول عليها بالناس وبقوله { من دابة } لانها ما يدب على الارض والعرب تقول فلان افضل من عليها وفلان اكرم من تحتها فيردون الكناية الى الارض والسماء من غيره سبق ذكر لظهور الامر بين يديى كل متكلم وسامع ومن هذا القبيل قولهم والذى شقهن خمسا من واحد يعنى الاصابع من اليد ولم يقل على ظهرها احترازا عن الجمع بين الظاءين فى كلام واحد وهو لو وجوابه فانه ثقيل فى كلام العرب . والمعنى ما ترك على وجه الارض من دابة قط بل اهلكها بالكلية بشؤم ظلم الظالمين كقوله تعالى { واتقوا فتنة لا تصيبت الذين ظلموا منكم خاصة } فهلاك الدواب باجلها وهلاك الناس عقوبة . وعن ابى هريرة انه سمع رجلا يقول ان الظالم لا يضر الا نفسه فقال بلى والله حتى ان الحبارى لتموت فى وكرها بظلم الظالم . وعن ابن مسعود ضى الله عنه لو عذب الله الخلائق بذنوب بنى آدم لاصاب العذاب جميع الخلائق حتى الجعلان فى حرها ولامسكت السماء أن احد أذا احق بيته يسرى ذلك الى بيوت الملحة بل البلدة ويحترق بسببه الدواب والهوام
بى ادب تنهانه خودرا داشت بد ... بكله آتش درهمه آفاق زد
{ ولكن } لا يؤاخذهم بذلك بل { يؤخرهم } يمهلهم بحلمه { الى اجل مسمى } اى معين لاعمارهم او لعذابهم كى يتوالدوا ويتناسوا او يكثر عذابهم { فاذا جاء } [ بس جون بيايد ] { اجلهم } المسمى { لا يستأخرون } عن ذلك الاجل اى لا يتأخرون . وصيغة الاستفعال للاشعار بعجزهم عنه مع طلبه له .
كه يك لحظه سورت نبندد امان جو بيمانه برشد بدور زمان
{ ساعة } اقصر وقت وهى مثل فى قلة المدة { ولا يستقدمون } اى لا يتقدمون وانما
تعرض لذكره مع انه لا يتصور الاستقدام عند مجيئ الاجل مبالغة فى عدم الاستيخار بنظمه فى سلك ما يمتنع .(7/44)
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62) تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)
{ ويجعلون لله } اى يثبتون له سبحانه وينسبون اليه فى زعمهم { ما يكرهون } لانفسهم من البنات ومن الشرك فى الرياسة { و } مع ذلك { تصف } تقول { ألسنتهم الكذب } مفعول تصف وهو { ان لهم الحسنى } بدل الكل من الكذب اى العاقبة الحسنى . عند الله وهى الجنة ان كان البعث حقال كقوله تعالى { ولئن رجعت الى ربى ان لى عنده للحسنى } فلا ينافى قولهم لا يبعث الله من يموت فانه يكفى فى صحته الفرض والتقدير . وعن بعضهم انه قال لرجل من الاغنياء كيف تكون يوم القيامة اذا قال الله هاتوا ما دفع الى السلاطين واعوانهم فيؤتى بالدواب والثياب وانواع الاموال الفاخرة واذا اقل ما دفع الىّ فيؤتى بالكسر والخرق وما لا مؤونة له أما تستحى من ذلك الموقف وقرأ هذه الآية { لا جرم } رد لكلامهم ذلك واثبات لنيته وهو مصدر بمعنى حقا . بالفارسية [ حق حينين است كه فردا قيامت ] { ان لهم } مكان ما املوا من الحسنى { النار } التى ليس وراءها عذاب وهى علم فى السوء { وانهم مفرطون } اى مقدمون الى النار معجلون اليها من افطرته اذا قدمته فى طلب الماء او منسيون متركون فى النار من افرطت فلانا خلفى اذا خلقته ونسيته خلفك ثم سلى رسوله عما يناله من جهالات الكفرة ليصبر على اذاهم فقال { تالله لقد ارسلنا الى امم من قبلك } اى رسلا الى من تقدمك من الامم فدعوهم الى الحق فلم يجيبوا الى ذلك { فزين لهم الشيطان اعمالهم } القبيحة من الكفر والتكذيب بالرسل فعكفوا عليها مصرين { فهو } اى الشيطان { وليهم } اى قرينهم وبئس القرين { اليوم } اى يوم زين لهم الشيطان اعمالهم فيه على طريقة حكاية الحال الماضية او فى الدنيا تولى اضلالهم بالغرور فجعل اليوم عبارة عن زمان الدنيا ويوم القيامة وهو عاجز عن نصر فنسه فكيف ينصر غيره فهذا حكاية حال آيتة فى حال كونهم معذبين فى النار والولى بمعنى الناصر . يقول الفقير الظاهر ان المراد باليوم يوم النبى صلى الله عليه وسلم وعصره وبالضمير فى وليهم اعقابهم وانسابهم من الكفرة المعاصرين والله اعلم { ولهم } فى الآخرة { عذاب اليم } هو عذاب النار .(7/45)
وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65)
{ وما انزلنا عليك الكتاب } اى القرآن لعلة من العلل { الا لتبين لهم } اى للناس { الذين اختلفوا فيه } من التوحيد واحوال المعاد والحلال والحرام والمراد بالمختلفين المؤمنون والكافرون كما فى الكواشى { وهدى ورحمة } معطوفوان على محل لتبين وانتصابهما لانهما فعلا الذى انزل الكتاب بخلاف التبين فانه فعل المخاطب لا فعل المنزل اى وللهداية من الضلالة والرحمة من العذاب { لقوم يؤمنون } وتخصيصهم لانهم المنتفعون بالقرآن . قال سهل بن عبد الله لا يتصل احد بالله حتى يتصل بالقرآن ولا يتصر بالقرآن حتى يتصل بالرسول ولا يتصل بالرسول حتى يتصل بالاركان التى قام بها الاسلام - حكى - عن مالك بم دينار انه قال يا حملة القرآن ماذا زرع القرآن فى قلوبكم فان القرآن ربيع المؤمن كما ان الغيب ربيع الارض . وعن على بن ابى طالب كرم الله وجهه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « انها ستكون فتنة » قلت ما المخرج منها يا رسول الله قال « كتاب الله فيه نبأ ما كان قبلكم وخبر ما كان بعدكم وحكم ما بينكم وهو العلم وهو الفصل ليس بالهزل لا تشبع منه العلماء وهو بحل الله المتين والذكر الحكيم والصراط المستقيم من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به اجر ومن دعا اليه فقد هدى الى صراط مستقيم » ثم ان تبيين احكام القرآن للعامة وحقائقه للخاصة انما هو لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالاصالة والاستقلال ولورثته بعده قرنا بعد قرن بالفرعية والتبعية . فعلماء الظواهر يخلصون الناس من الاختلاف فيما يتعلق بالظواهر بالبيان الصريح . وعلماء البواطن يخلصونهم من الاختلاف فيما يتعلق بالبواطن بالكشف الصحيح ولكل منهم مشرب لا يخيب وارده وهم اساطين الدين وسلاطين المسلمين . واعلم ان الاتعاظ بالمواعظ القرآنية يدخل العبد فيى السعادة الباقية ويخلصه من الحظوظ النفسانية - حكى - ان ابراهيم بن ادهم سر ذات يوم بمملكته ونعمته ثم نام فرأى رجلا اعطاه كتابا فاذا فيه مكتوب لا تؤثر الفانى على الباقى ولا تغتر بملكك فان الذى انت فيه جسيم لولا انه عديم فسارع الى امر الله فانه يقول { وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة } فانتبه فزعا وقال هذا تنبيه من الله تعالى وموعظة وهدى ورحمة فتاب الى الله واشتغل بالطاعة : قال المولى الجامى قدس سره
هركه دل برعشوه كيتى نها ... برحذر باش از غرور وجهل او
دامن او كير كزهمت فشاند ... آستين بردنبى وبراهل او
شرفنا الله واياكم بالعصمة عن الهوى وبالتمسك باسباب الهدى { والله انزل من السماء } الى السحاب ومنه الى الارض { ماء } نوعا خاصا من الماء وهو المطر { فاحيا به الارض } اى انبت بسبب المطر فى الارض انواع النباتات { بعد موتها } اى بعد يبسها شبه تهييج القوى النامية فى الارض واحداث نضارتها بانواع النباتات بالاحياء وهو اعطاء الحياة وهى صفة تقتضى الحس والحركة وشبه يبوستها بعد نضارتها بالموت بعد الحياة وما يفيده الفاء من التعقيب العادى لا ينافيه ما بين المعطوفين من المهلة { ان فى ذلك } اى فى انزال الماء من السماء واحياء الارض الميتة به { لآية } دالة على وحدته تعالى وعلمه وقدرته وحكمته الا اذا الصنام وغيرها لا تقدر على شئ { لقوم يسمعون } هذا التذكير ونظائره سماع تفكر وتدبر فكأنه من ليس كذلك اصم لا يسمع : وفى المثنوى(7/46)
جون سليمان سوى مرغان سبا ... يك صفيرى كرد آن جمله را
جز مكر مرغى كه بدبى جان وبر ... باجو ما هى كنك بدازاصل كر
نى غلط كفتم كه كركر سرنهد ... بيش وحى كبريا سمعش دهد
وقال بعضهم { والله انزل من السماء ماء } قرآنا هو سبب حياة المؤمنين فاحيي به قلوب الميتة بالجهل { ان فى ذلك لآية لقوم يسمعون } القرآن بسمع يسمع به كلام الله من الله فان الله تعالى متكلم بكلام ازلى ابدا ولا يسمع كلامه الامن اكرمه الله بسمع يسمع كلامه كقوله تعالى ولو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم والحق تعالى تارة يتلو عليك الكتاب من الكبير الخارج وتارة يتلو عليك من نفسك فاسمع وتأهب لخطاب مولاك اليك فى أي مقام كنت وتحفظ من الوقر والصمم فالصمم آفة تمنعك عن ادراك تلاوته عليك من الكتاب الكبير وهو الكتاب المعبر عنه الفرقان والوقر آفة تمنعك من ادراك تلاوته عليك من نفسك المختصرة وهو الكتاب المعبر عنه القرآن اذا الانسان محل الجمع لما تفرق فى العالم الكبير وعلامة السامعين المتحققين فى سماعهم انقيادهم إلى كل عمل مقرب الى الله تعالى من جهة سماعه اعنى من التكليف المتوجه على الاذن من امرا ونهى كسماعه للعلم والذكر والثناء على الحق تعالى والموعظة الحسنة والقول الحسن .
ومن علامته ايضا التصامم عن سماع الغيبة والبهتان والسوء من القول والخوض فى آية الله والرفث والجدال وسماع القينات وكل محرم حجر الشارع عليك سماعه قال الله تعالى { واذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا فى حديث غيره انكم اذا مثلهم } فالكافر الخائض والمنافق الجليس له المستمع لخوضه كذلك من جالس الصديقين والعارفين فى مجالسهم المطهرة وانديتهم المقدسة فانه شريك لهم فى كل خير ينالون من الله تعالى وقد قال النبى صلى عليه الصلاة والسلام فيهم « انهم لقوم لا يشقى بهم جليسهم » افمرؤ مع من جالس فى الدنيا بالطاعة والادب الشرعى وفى الآخرة بالمعاينة والقرب المشهدى نسأل الله تعالى ان يجعلنا مع الصلحاء فى الدنيا والآخرة انه الفياض الوهاب .(7/47)
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)
{ وان لكم } ايها الناس { فى الانعام } جمع نعم بالتحريم وهى الانواع الاربعة التى هى الابل والبقر والضأن والمعز . والمعنى بالفارسية [ در وجود جهار بايان ] { لعبرة } دلالة يعبر بها من الجهل الى العلم كأنه قيل كيف العبرة فقيل { نسقيكم } [ مى آشامانيم شمارا ] قال الزجاج سقيته واسقيته بمعنى واحد . وفى الاسئلة المقحمة يقال اسقيته اذا جعلت له سقيا دائما وسقيته اذا اعطيته شربه { مما فى بطونه } من للتبعيض لان اللبن بعض ما فى بطونه والضمير يعود الى بعض الانعام وهو الاناث لان اللبن لا يكون للكل او الى المذكور اى فى بطون ما ذكرنا قاله الكسائى . والفرث فضالة العلف فى الكرش وثقله والكرش للحيوان بمنزلة المعدة للانسان { خالصا } صافيا ليس عليه لو الدم ولا رائحة الفرت { سائغا } بالفارسية [ كوارنده ] { للشاربين } ايى هسل المرور فى حلقهم قيل لم يغص احد باللبن قط وليس فى الطعام ولاشراب انفع منه ألا يرى الى قوله عليه السلام « اذا كل احدكم عاما فليقل اللهم بارك لنا فيه واطعمنا خيرا منه واذا شرب للنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فانى لا اعلم شيأ انفع فى الطعام والشراب منه » قال فى الكواشى المعنى خلق الله اللبن فى مكان وسط بين الفرث والدم واعلاء دما وبينه وبينهما حاجز من قدرة الله لا يختلط احدهما بالاخر بلون ولا طعم ولا رائحة مع شدة الاتصال ثم تسلط الكبد على هذه الاصناف الثلاثة تقسمها فتجرى الدم فى العروق واللبن فى الضروع ويبقى الفرث فى الكرش ثم ينحدر . فان قلت ان اللبن والدم لا يتوالدان فى الكرش اذ البهائم اذا بحت لم يوجد فى كشرها لبن ولا دم . قلت المراد كان اسفله مادة الفرث واوسطه مادة اللبن واعلاه مادة الدم فالمحدر الى الضروع مادة اللبن لا مادة الدم وقول بعضهم ان الدم ينحدر الى الضروع فيصير لبنا ببرودة الضرع بدليل ان الضرع اذا كانت فيه آفة يخرج منه الدم مكان اللبن مدفوع بانه يجوزم ان يتلون اللبن بلون الدم بسبب الآفة وهو اللائح بالبال ومن بلاغات الزمخشرى
كما يحدث بين الخبيثين ابن لا يؤبن ... الفرث والدم يخرج منهما اللبن
اى كما ان اللبن الطيب الطاهر يخرج من بين الخبيثين اللذيثن هما الفرث والدم بحيث لا يشوبه شئ من اوصافهما مع كمال الاصتال والا كتناف كذلك يخرج الابن الطيب الطاهر الذى لا يعاب بشئ اصلا من بين الابوين الخبيثين بحيث لا يوجد فيه شئ من اوصافهما الخبية
مى زغوره شود شكر ازنى ... عسل ازنحل حاصلست بقى
مكوزنهاراصل عود جوبست ... به بين دودش جه مستثنى وخوبست
- وسئل - شقيق عن الاخلاص فقال تمييزا العمل من العيوب كتمييز اللبن من بين فرث ودم [ در قوت القلوب فرموده كه تمامى نعمت بخلوص لبن است يعنى اكر دروى يكى از وصفين فرث ودم باشد تمام نعمت نبود وطبع اورا قبول نكند همجنين معامله بندكان باحق بايدكه خالص بود اكر بشوب فرث ريا ودم هوا آميخته كردد از خلوص دور واز نظر قبول مهجور خواهد بود زيرا كه ريا در عمل شرك خفيست وصفاى عمل بسبب شوب هوا منتفى در ريا نظر بردم است ودر هوا برغرض خود وبر هروجه عمل خالى از آلود كى نيست(7/48)
طاعت آلوده نيايد بكار ... مشك جكر سوده نيايد بكار
هركة ز آلود كى افتاد باك ... ييش نظرها نبود تا بناك
وفى الآية اشارة الى اعتبار العاقل فيما سقاه الله مما فى بطون انعام النفوس فانها كالانعام من بين فرث الخواطر الشيطانى ودم الخواطر النفسانى لبنا خالصا من الالهام الربانى جائزا الاهل هذا الشرب على الصراط المستقيم من غير تلعثم كذا فى التأويلات النجمية .(7/49)
وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)
{ ومن ثمرات النخيل والاعناب } [ ومى آشامانيم شمارا از كونه ميوهاوى درختان خرما ودرختان انكورها ] ونسقيكم ايها الناس من عصيرها ونطعمكم ثم بين كنه الاسقاء والاطعام وكشفه بقوله { تتخذون منه } اى من عصيرها { سكرا } قال فى القاموس السكر محركة الخمر ونبيذ يتخذ من التمر . فالآية سابقة على تحريم الخمر دالة على كراهتها حيث قوبل السكر بالرزق الحسن ومقابل الحسن لا يكون حسنا { ورزقا حسنا } كالتمر والدبس والزبيب والرب والخل وفى الحديث « خير خلكم خل خمركم » قال فى الروضة خطب المأمون بمرو فسعل الناس فنادى بهم ألامن كان له سعال فليتداو بشرب خل الخمر ففعلوا فانقطع سعالهم . قال بعضهم انظرا الى الاخبار عن نعمة اللبن ونعمة السكر والرزق الحسن لما كان اللبن لا يحتاج الى معالجة من الناس اخبر عن نفسه بقوله { نسقيكم } ولما كان السكر والرزق الحسن يحتاج الى معالجة قال ( فاخبر عنهم باتخاذهم منه السكر والرزق الحسن { ان فى ذلك ) الاسقاء { لآية } باهرة { لقوم يعلقون } يستعملون عقولهم فى الآيات بالنظر والتأمر وفى التأويلات النجمية ومن مثرات نخيل الطاعات واعناب المجاهدات تتخذون من ثمرات الطاعت والمجاهدات وهى المكاشفات والمشاهدات ووقائع ارباب الطلب واحوالهم العجيبة سكرا ورزقا حسنا السكر ما يجعل لمنها شرب النفس فتسكر النفس فتارة تميل عن الحق والصراط المستقيم ميلان السكران وتارة تظهر رعوناتها بالافعال والاقوال رياء وسمعة وشهرة والرزق الحسن ما يكون منها شرب القلب والروح فيزداد منه الشوق والمحبة والصدق والطلب كما قال بعضهم
شربت الحب كأسا بعد كأس ... فما نفد الشراب وما رويت
وقالوا
شقانى شربة احيى فؤادى ... بكأس الحب من بحر الوداد
ان فى ذلك الاعتبار لدلالة لقوم يدركون بالعقل اشارات الحق ويفهمونها انتهى
مافى التأويلات قال اهل التحقيق العقل شجرة ثمرها العلم والحلم فشرف الثمر دال على شرف المثمر وصاحب العقل فى قومه كالنبى فى امته . قال بعض العلماء قسم العقل بالفى جزء الف للانبياء والرسل والملائكة وتسعمائة وتسعة وتسعون جزأ لمحمد صلى الله عليه وسلم ومن الواحد اربعة دوانق للعلماء ودانق لعامة الرجال ونصف دانق للسناء ونصف لأهل القرى والرساتيق . ولادانق بفتح النون وكسرها سدس الدرهم . قال حكيم العمر فى الدنيا قليل والحسرة فى الآخرة طويلة والعبد بعمل نفسه فى الآخرة اما عزيز واما ذليل . فعلى كل عاقل واجب ان يجتهد فى اصلاح نفسه قبل ان يأتيه اليقين ويأخذ اشارة من كل رطب ويابس وغث وسمين ويصحو من سكر الغفلة والهوى ويشرب من مشرب التيقظ والهدى : وفى المثنوى
عقل جزؤى را وزير خود مكير ... عقل كل را ساز اى سلطان وزير
كين هوابر حخرص وحالى بين بود ... عقل انديشه يوم الدين بود(7/50)
وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)
{ واوحى ربك } يا محمد { الى النحل } هو ذباب العسل وزنبوره اى الهمها وقذف فى قلوبها وعلمها بوجه لا يعلمه الا هو مثل قوله { بان ربك اوحى لها } والوحى يقع على كل تنبيه خفى والله تعالى ألم كل حيوان ان يلتمس منافعه ويجتنب مضاره وقد الهم الله الغراب ان يبحث فى الارض ليرى قابيل كيف يوارى سوءة اخيه هابيل : كما فى المثنوى
بس بجنكال اززمين انكيخت كرد ... زود زاغ مرده را دركور كرد
دفن كردش بس بيوشيدش بخاك ... زاغ از الهام حق بد علمناك
وكفاها شرفا قول الله تعالى { واوحى ربك الى النحل } وكل ذباب فى النار الا ذباب العسل قال فى عجائب المخلوقات يقال ليوم عيد الفطر يوم الرحمة وفي اوحى ربك الى النحل صنعة العسل . قال فى حياة الحيوان يحرم اكل النحل . وان كان العسل حلالا كالآدمية لبنها حلال وحلمها حرام ويكره قتلها واما بيعها فى الكوارة فصحيح ان يشاهد جميعها والا فهو بيع غائب فان باعها وهى ظاهرة . ففى التتمة يصح . وفى التهذيب عكسه . وقال ابو حنيفة لا يصح بيع النحل كالزنبور وسائر الحشرات ويجوز بيع دود القز من الذى يسنع به { ان اتخذى } لنفسك اى بان اتخذى فان مصدرية وصيغة التأنيث لان النحل يذكر ويؤنث { من الجبال } [ ازشكاف كوهها ] { بيوتا } [ خانه هاى مسدس ] اى مساكن تأوى الهيا وسمى ما تبينه لتعسل فيه بيتا تشبيها ببناء الانسان لما فى بيوته المسدسة المتاسوية بلا بركار ومسطر من الحذاقة وحسن الصنعة التى لا يقوى عليها حذاق المهندسين الا بآلات وانظار دقيقة واختارت السمدس لانه اوسع من المثلث والمربع والمخمس ولا يبقى بينهما فرج خالية كما تقى بين المدورات وما سواها من المضلعات ومن للبتعيض لانها لا تبنى فى كل جبل وكذا قوله { ومن الشجر } لانها لا تبنى فى كل شجر . والمعنى بالفارسية [ وازيمان درخاتن نيز خانه كيريد يعنى در بعضى شجر جاى كنيد درجانب كوه وقتى كه مالكى وصاحبى نداشته باشد ] وكذا فى قوله { ومما يعرشون } لانها لا تبنى فى كل ما يعرشه الناس اى يرفعه من الاماكن لتعسل فيها وهذا اذا كان لملاك . وقال بعضهم ومما يعرشون من كرم لو سقف او جدران او غير ذلك ولما كان اهم شئ للحيوان بعد الراحة من هم المقيل الا كل ثنى به ولما كان عاما فى كل ثمر ذكره بحرف التراخى اشارة الى عجيب الصنع فى ذلك وتيسره لها فقال { ثم كلى } واشارة الى كثرة الرزق بقوله { من كل الثمرات } فهو للتكثير كقوله تعالى فهو عام مخصوص بالعادة { فاسلكى } جواب شرط محذوف اى فاذا اكلت الثمار فى المواضع البعيدة من بيوتك فادخلى { سبل ربك } فى الجبال وفى خلال الشجر اى طرق ربك التى الهمك وعرفك الرجوع فيها الى مكانك من الخلية بعد بعدك عنها حال كون السبل { ذللا } جمع ذلول اى موطأة للسلوك مسهلة وذلك انها اذا اجدب عليها حولها سافرت الى المواضع البعيدة فى طلب النجعة ثم ترجع الى بيوتها من غير التباس وانحراف واشارة باسم الرب الى انه لولا عظيم احسانه فى تربيتها لما هدت الى ذلك وهذا كما يقال فى القطا وهو طائر معروف يضرب به المثل فى الهداية ويقال « اهدى من قطاة » وذلك انه يترك فراخه ثم يطلب الماء من مسيرة عشرة ايام واكثر فيرده فيما بعد طلوع الفجر الى طلوع نتيجة ذلك جوابا لمن قال ماذا يكون من هذا كله فقال { يخرج من بطونها } اى بطون النحل بالقيئ { شراب } اى عسل لانه مشروب وذلك ان النحل تأكل الاجزاء اللطيفة الطلية الحلوة الواقعة على اوراق الاشجار والازهار وتمص من الثمرات الرطبة والاشياء العطرة ثم تقيئ فى بيوتها ادخارا للشتاء فينعقد عسلا باذن الله تعالى والى هذا اشار ظهير الفاريانى بقوله(7/51)
بدان طمع كه دهن خوش كنى زغايت حرص ... نشسته مترصد كه فى كند زنبور
واما قول على رضى الله عنه فى تحقير الدنيا اشرف لباس ابن آدم فيها لعاب دمدة واشرف شرابه رجيع نحلة فوارد على طريق التقبيح وان كان العسل فى نفسه ما يسلتذ ويستطاب على ان اطلاق الرجيع عليه انما هو لكونه مما يحويه البطن . وفى حياة الحيوان قد جمع الله تالى فى النحل السم والعسل دليل على كمال قدرته واخرج منها السعل ممزوجا بالشمع وكذلك عمل المؤمن ممزوج بالخوف والرجاء وهى تأكل من كل الشجرة لا يخرج منها الا حلو اذلا ليغرها اختلاف مآكلها والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه : وفى المثنوى
اين كه كرمناست وبالاميرود ... وحيش از زنبور كى كمتر بود
جونكه اوحى الرب الى النحل آمدست ... خانة وحيش براز حلوا شدست
او بنور وحى حق عز وجل ... كرد عالم را براز شمع وعسل
وللعسل اسماء كثيرة . منها الحافظ الامين لانه يحفظ ما يودع فيه فيحفظ الميت ابدا واللحم ثلاثة أشهر والفاكهة ستة اشهر وكل ما اسرع اليه الفساد اذا وضع فى العسل طالبت مدة مقامه وكان عليه السلام يحب الحلواء والعسل . قال العلماء المراد بالحلواء ههنا كل حلو وذكر العسل بعدها تنبيها على شرفه ومزيته وهو من باب ذكر الخاص بعد العام وفيه جواز اكل لذيذ الاطعمة والطيبات من الرزق وان ذلك لا ينافى الزهد والمراقبة لا سيما اذا حصل انفاق وفى الحديث « اول نعمة ترفع من الارض العسل » وقال على رضى الله عنه انام الدنيا ستة اشياء مطعوم ومشروب وملبوس ومركوب ومنكوح ومشموم .(7/52)
فاشرف المطعومات العسل وهو مذقة ذباب . واشرب المشروبات الماء يستوى فيه البر والفاجر واشرب الملبوسات الحرير وهو نسيج دودة . واشرف المركوبات الفرس وعليه يقتل الرجال . واشترف الشمومات المسك وهو دم جيوان . واشرف المنكوحات المرأة وهى مبال فى مبال { مختلف الوانه } من ابيض واخضر واصفر واسود بسبب اختلاف سن النحل فالابيض يلقيه شباب النحل والاصفر كهولها والاحمر شيبها وقد يكون الاختلاف بسبب اخلتلاف لون النور .
قال حكيم يونان لتلامذته كونوا كالنحل فى الخلايا وهى بيوتها قالوا وكيف النحل فى خلاياها قال انها لا تترك عندها بطلا الا نفته واقصته عن الخلية لانه يضيق المكان ويفنى العسل وانما يعمل النشيط لا الكسل . وعن ابن عمر رضى الله عنهما مثل المؤمن كالنحلة تأكل طيبا وتصنع طيبا ووجه المشاهبة بينهما حذق النحل وفطنته وقلة اذاه ومنفعته وتنزهه عن الاقذر وطيب اكله وانه لا يأكل من كسب غيره وطاعته لا ميره وان للنحل آفات تقطعه عن عملة ظلمة الغفلة وغيم الشك والربح والدخان والماء والنار وكذلك المؤمن له آفات تغيره عن عمله ظلمة الغفلة وغيم الشك وربح الفتنة ودخان الحرام وماء السفه وانر الجوى { فيه } اى فى الشراب وهو العسل { شفاء للناس } اى شفاء الاوجاع التى يعرف شفاؤها منه يعنى انه من جملة الاشفية المشهورة النافعة لامراض الناس وليس المراد انه شفاء لكل مرض كما قال فى حياة الحيوان . قوله { فيه شفاء للناس } . لا يقتضى العموم لكل علة وفى كل انسان لانه نكرة فى سياق الاثبات بل المراد انه يشفى كما يشفى غيره من الادوية فى حال دون حال وكان ابن مسعود وابن عمر رضى الله عنهم يحملانه على العموم . قال البيضاوى { فيه شفاء للناس } اما بنفسه كما فى الامراض البلغمية او مع غيره كما فى سائر الامراض اذ قلما يكون معجون الا والعسل جزؤ منه واما السكر فمختص به بعض البلاد وهو محدث ولم يكن فيما تقدم من الازمان يجعل فى الاشربة والادوية الا العسل - روى - ان رجلا جاء الى النبى صلى الله عليه وسلم فقال ان اخى قد اشتكى بطنه فقال اسقه عسلا فسقاه عسلا فما زاده الا استطلاقا فعاد الى النبى عليه الصلاة والسلام فذكر له ذلك فقال اسقه عسلا فسقاه ثانيا فما زاد الا استطلاقا ثم رجع فقال يا رسول الله سقيته فما نفع فقال « اذهب فاسقه عسلا فقد صدق الله وكذب بطن اخيك » فسقاه فشفاه الله فبرئ كانما انشط من عقال وفى الحديث « ان الله جعل الشفاء فى اربعة الحبة السوداء والجحامة والعسل وماء السماء » وجاء رجل الى على بن ابى طالب كرم الله وجهه وشكا له سوء الحفظ فقال أترجع الى اهل قال نعم فقال قل لها تعطيك من مهرها درهمين عن طيب نفس فاشتر بهما لبنا وعسلا واشربهما مع شربة من ماء المطر على الريق ترزق حفظا .(7/53)
فسئل الحسن بن الفضل عن هذا فقال اخذه من قوله تعالى { وانزلنا من السماء ماء مباركا } وفى اللبن { خالصا سائغا للشاربين } وفى العسل { فيه شفاء للناس } وفى المهر { فكلوه هنيئاً مريئاً } فاذا اجتمعت البركة والشفاء والهنيئ والمريئ والخالص السائغ فلا عجب ان ينفع - روى - عن عوف بن مالك انه مرض فقال ائتونى بماء فان الله تعالى قال { وانزلنا من السماء ماء مباركا } ثم شربه فشفى . وكان بعضهم يكتحل بالعسل ويتداوى به من كل سقم واذا خلط العسل الذى لم يصبه ماء ولا نار ولا دخان بشئ من المسك واكتحل به نفع من نزل الماء فى العين والتلطخ به يقتل القمل . والمطبوخ منه نافع للسموم ولعقه علاج لعضة الكلب . قال امام الاولياء محمد بن على الترمذى قدس سره انما كان العسل شفاء للناس لان النحل ذلت لله مطيعة واكلت من كل الثمرات حلوها ومرها محبوبها ومكروهها اركة لشهواتها فلما ذلت لامر الله صار هذا الا كل كلمة لله فصار ذلك شفاء للاسقام . فكذلك اذاذل لعبدلله مطيعا وترك هواه صار كلامه شفاء للقلوب السقيمة انتهى .
وفى العسل ثلاثة اشياء الشفاء والحلاوة واللبن . وكذلك المؤمن قال الله تعالى { ثم تلين جلودهم وقوبهم الى ذكر الله } ويخرج من الشاب خلاف ما خرج من الكهل والشيخ كذلك حال المقتصد والسابق . وغن ابن مسعود رضى الله عنه العسل شفاء من كل داء اى فى الابدان والقرآن شفاء فما فى الصدور فعليكم بالشفاءين القرآن والعسل ريح اكر بسيار شد كى غم خورم جون شفاوى جان بيمارم تويى
{ ان فى ذلك } اى فى امر نحل العسل { لآية } حجة ظاهرة دالة على القدرة الربانية { لقوم يتفكرون } اى للذين تفكروا فعلموا ان النحلة على صغر جسمها وضعف خلقتها لا تهتدى لصنعة العسل بنفسها فان ذلك بصانع صنعها خالف بينها وبين غيرها من الحشرات الطائرة فاستدل بذلك على خالق واحد قادر لا شريك له ولا شبيه . قال الكاشفى { لقوم يتفكرون } [ مر كروهى را كه تفكر كنند داراختصاص بصانيع دقيقه وامور رقيقه وهر آينه اينها بوجود نكيرد الاز الهام توانايى ودانايى كه جندين حكمت درجانورى ضعيف وديعت نهد انقيادى دارند كه ازراه فرمان منحرف نشوند امانتى كه مبيؤه تلخ خورند وعسل شيرين بازهند ورعى كه جز باك وبا كيزه نخورند طاعتى كه هركز خلاف فرمان نكنند تمكنى كه فرسنكها بروندوباز با وطن خود رجوع نمايند طهارتى كه هركز برفازورات ننشينند وازان نخورند وصناعتى كه اكر همه بنايان عالم جميع شوند همجو خانهاى مسدس ايشان نتوانند ساخت بس همجنانجه ازعسل ايشان فاى الم ظاهر حاصل شود ازتفكر احوال ايشان شفاء مرض باطن كه جهلست دست دهد ](7/54)
فكر دلرانيك وهم نمكين كند ... كام جانرا جون عسل شيرين كند
شربت فكر اربكام جان رسد ... جاشنئ آن بماند تابد
قال القشيرى رحمه الله ان الله تعالى اجرى سنته ان يخفى كل عزيز فى شئ حقير جعل البريسم فى الدود وهو اصغر الحيوانات واضعفها والعسل فى النحل وهو اضعف الطيور وجعل الدر فى الصدف وهو اوحش حيوان من حيوانات البحر واودع الذهب والفضة والفيوزنج فى الحجر وكذلك اودع المعرفة والمحبة فى قلوب المؤمنين وفيهم من يخطى وفيهم من يعصى ومنهم من يعرف ومنهم من يجعل امره
كسى راكه نزديك ظنت بداوست ... ندانى كه صاحب ولايت هم اوست
قال فى التأويلات النجمية فى الآية اشارة الى ان تصرف كل حيوان فى الاشياء مع كثرتها واختلاف انواعها انما هو بتعريف الله تعالى اياه والهامه على قانون حكمته وارادته القديمة لا من طبعه وهواه . وانما خص النحل بالوحى وهو الالهام والرشد من بين سائر الحيونات لانها اشبه شئ بالانسان لا سيما باهل السلوك فان من دأبهم وهجيراهم ان يتخذوا من الجبال بيوتا اعتزلا عن الخلق وتبتلا الى الله تعالى كما كان حال النبى صلى الله عليه وسلم حيث كان يتخنث الى حراء اسبوعا واسبوعين وشهرا وان من شأنهم النظافة فى الموضع والملوس والمأكول كذلك النحل من نظافتها تضع ما فى بطنها على الحجر الصافى او على خشب نظيف لئلا يخالطه طين او تراب ولا تقعد على جيفة ولا على نجاسة احترازا عن التلوث كما يحترز الانسان عنه ومثرات البدن الاعمال الصالحة وثمرات النفوس الريضات والمجاهدات ومخالفات الهوى وثمرات القلوب ترك الدنيا وطلب العقبى والتوجه الى حضرة المولى وثمرات الاسرار شواهد الحق والتطلع على الغيوب والتقرب الى الله فهذه كلها اغذية الارواح والله تعالى قال للنحل { كلى من كل الثمرات } وقال مثله للسالكين { كلوا من الطيبات واعملوا صالحا } .(7/55)
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)
{ والله } المحيط بكل شئ علما وقردة { خلقكم } اوجدكم واخرجكم من العدم الى الوجود . وبالفارسية { ازظلمت آباد ن بود بصحراى انوار وجود آورد ] { ثم يتوفيكم } اى يقبض ارواحكم على اختلاف الاسنان صبيانا وشبانا وكهولا فلا يقدر الصغير على ان يؤخر ولا الكبير على ان يقدم فمنكم من يموت حال قوته { ومنكم من يرد } قبل توفيه اى يعاد { الى ارذل العمر } اسه واحقره وهو الهرم والخرف الذى يعود فيه كهيئته الاولى فى اوان طفوليته ضعيف البنية ناقص القوة والعقل قليل الفهم وليس له حد معلوم فى الحقيقة لانه رب ابن ستين انتهى الى ارذل العمر ورب ابن مائة لم يرد اليه . وقال قتادة اذا بلغ تسعين سنة يتعطل عن العمل والصترف والاكتساب والحج والغزو ونحوها ولذا دعا محمد بن على الواسطى لنفسه فقال
يا ربا لا تحينى الى زمن ... اكون فيه كلا على احد
خذ بيدى قبل ان اقول لمن القاه عند القيام خذ بيدى
وسأل الحجاج شيخا كيف طعمك قال اذا اكلت ثقلت واذا تركت ضعفت فقال كيف نومك قال انام فى المجمع واسهر فى المهجع فقال كيف قيامك وقعودك قال اذا قعدت تباعدت عنى الارض واذا قمت لزمتنى فقال كيف مشيك قال تعقلنى الشعرة وتعثرنى البعرة { لكيلا يعلم بعد علم شيأ } ليصير الى حالة شبيهة بحال الطفولية فى سوء الفهم والنسيان وان يعلم شيأ ثم يسرع فى نسيانه فلا يعلمه ان سئل عنه فمؤدى الكلام لينسى ما عيلم وهو يستلزم ان لا يعلم زيادة علم على علمه لانه اذا كان حاله بحيث ينسى ما علم فكيف يزيد علمه واللام فى لكى هى لا م كى دخلت على كى للتأكيد وهى متعلقة بيرد . وقال بعضهم اللام جارة وكى حرف مصدرى كأن وشيأ مفعول لا يعلم { ان الله عليم } بمقادير اعمالكم .
قال الكاشفى [ داناست وجهل بردانايى او طارى نشود ] { قدير } [ تواناست وعجز برتوانايى اوراه نيايد ] اى قدير على كل شئ يميت الشاب النشيط ويبقى الهرم الفانى : قال الشيخ سعدى قدس سره .
اى بسا اسب تيزروكه بماند ... كه خرلنك جان بمنزل برد
بس كه درخاك تن درستانزرا ... دفن كردند وزخم خورده نمرد
وفيه تنبيه على ان تفاوت الآجال ليس الا بتقدير قادر حكيم ركب ابنيتهم وعدل امزجتهم على قدر معلوم ولو كان ذلك مقتضى الطبائع لما بلغ التفاوت هذا المبلغ . قالوا اسنان الانسان سبعة اطوار . طور الفضولية الى سبع سنين . قم الصبى الى اربع عشرة سنة . ثم الشباب الى اثنتين وثلاثين سنة ثم الكهولة . ثم الشيخوخة . ثم الهرم الى منتهى العمر . وفى الارشاد ضبطوا مراتب العمر فى اربع الاولى سن النشو والنماء .(7/56)
والثانية سن الوقوف وهى سن الشباب . والثالثة سن الانحطاط القليل وهى سن الكهولة . والرابعة سن الانحاط الكثير وهى سن الشيخوخة ولا عمر اسوأ حالا من عمر الهرم الذى يشبه الطفل فى نقصان العقل والقوة وعند اخلاله لا يوجد له شفاء ولا يمنعه دواء وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو « اعوذ بك من البخل والكسل وارذل المر وعذاب القبر وفتنة الدجال وفتنة المحيا والممات » قال بعضهم حكم الهرم انما يظهر فى حق الكافر لان المسلم يزداد عقله لصلاحه فى طول عمره كرامة له وفى الحديث « من قرأ القرآن لم يردّ الى ارذل العمر » وكذا من يتدبره ويعمل به كم فى تفسير العيون . يقول الفقير لا شك ان الجنون والعته ونحوهما من صفات النقصان فالله تعالى لا يبتلى كامل الانسان انبياء واولياء فالمراد بقولهم ان العلماء لا يعرض لهم العته وان بلغوا الى ارذل العمر علماء الآخرة والعلماء بالله لا مطلق العلماء كما لا يخفى اذ قد شاهدنا من علماء زماننا من صار حاله الى حال الطفولية ثم ان ارذل العمر وان كان اشد الازمان واعبها لكنه اوان المغفرة ورفعه الدرجة وفى الحديث « اذا بلغ المرء ثمانين سنة انبتت حسناته ومحيت سيآته واذا بلغ تسعين سنة غفر الله ذنبه ما تقدم منه وما تأخر وكان اسير الله فى الارض وشفيعا لاهل بيته يوم القيامة » - روى - ان رجلا قال للنبيى عليه الصلاة والسلام اصابنى فقر فقال « لعلك مشيت امام شيخ » واول من شاب من ولد آدم ابراهيم عليه السلام فقال يا رب ما هذا قال هذا نورى فقال رب زدنى من نورك ووقارك وكان الرجل فى القرون الاولى لا يحتمل حتى يأتى عليه ثمانون سنة . وعن وهب ان اصغر من مات من ولد آدم ابن مائتى سنة . قال بعض المشايخ هذه الامة وان كانت اعمارهم قصار قليلة لكن امدادهم كثيرة وهم ينالون فى زمن قصير ما ناله الاقدمون فى مدة طويلة من المرتبة وهذا فضل من الله تعالى .
قال حكيم ان خير نصفى عمر الرجل آخره يذهب جهله ويثوب حلمه ويجتمع رأيه وشر نصفى عمر المرأة آخره يسوء خلقها ويحد لسانها ويعقم رحمها وفى الحديث « خير شبابكم من تشبه بكهولكم وشر كهولكم من تشبه بشبابكم » يقول الفقير هذا يشمل التشبه بانواعه فى الاقوال والاحوال والافعال والقيام والقعود واللباس ونحوها فالصوفى شيخ فى المعنى لان مراده الفناء عن الوصاف كلها فينبغى له ان يلبس لباس الكهول وان كان شابا وفى الحديث « من اتى عليه اربعون سنة لم لم يغلب خيره شره فليتجهز الى النار »
قال يحيى بن معاذ رحمه الله مقدار عمرك فى جنب عيش الآخرة كنفس واحد فاذا ضيعت نفسك فخسرت الابد انك لمن الخاسرين . وفى الية اشارة الى الفناء والبقاء فالمتوفى هو الفانى عن اثبات وجوده والمردود هو الباقى بوجود موجود وجوده وقوله { لكيلا لا يعلم بعد علم شيأ } اى ليكون عاقبة امره ان لا يعلم بعد فناء علمه شيأ بعلمه بل يعلم بربه الاشياء كما هى كما فى التأويلات النجمية .(7/57)
وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71)
{ والله } تعالى وحده { فضل بعضكم على بعض فى الرزق } اى جعلكم متفاوتين فيه فمنكم غنى ومنكم فقير ومنكم مالك ومنكم مملوك . والرزق ما يسوقه الله تعالى الى الحيوان من المطعومات والمشروبات . وفيه تبيه على ان غنى المكثير ليس من كياسته ووفور عقله وكثرة سعيه ولا فقر المقل من بلادته ونقصان عقله وقلة سعيه بل من الله تعالى ليس الا
كم عاقل عاقل ايعت مذاهبه ... وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا
قال الحافظ
سكندر را نمى بخشند آبى ... بزور وزر ميسر نيست اين كار
قال ابن الشيخ وهذا التفاوت غير مختص بالمال بل هو واقع فى الذكاء والبلادة والرشد والدناءة الحسن والقباحة والصحة والسقامة وغير ذلك .
كنج زر كرنبود كنج قناعت باقيست ... آنكه آن داد بشاهان بكدايان اين داد
وفى التأويلات النجمية فضل الله الارواح على القلوب فى رزق المكاشفات والمشاهدات بعد الفناء والرد الى البقاء . وفضل القلوب على النفوس فى رزق الزهد والورع والتقوى والصدق واليقين والايمان والتوكل والتسليم والرضى . وفضل النفوس على الابدان فى رزق التزكية ومقاساة شدائد المجاهدات والصبر على المصائب والبلايا وحمل اعباء الشريعة باشارات الطريقة وتبديل الاخلاق الذميمة بالحميدة وفضل ابدان المؤمنين على ابدان الكافرين فى رزق الاعمال التى هى اركان الشريعة وقراءة القرآن والذكر باللسان مشرفة باخلاص بالجنان { فما الذين فضلوا } اى فليس الموالى الذين فضلوا فى الرزق على المماليك { برادى رزقهم } اى بمعطى رزقهم الى رزقهم اياه اصله رادين سقط النون للاضافة { على ما ملكت ايمانهم } على ممالكيهم الذين هم شركاؤهم فى المخلوقين والمرزوقية { فهم } اى الملاك والمماليك { فيه } فى الرزق { سواء } فى الفاء دلالة على ترتب التساوى على الرد اى لا يردون عليهم ردا مستتبعا للمساوى فى التصرف والتشارك فى التدبير وانما يردون عليهم منه شيأ يسيرا والحاصل انهم لا يجعلون ما رزقناهم من الاموال وغيرها شركة بينهم وبين مماليكهم بحيث لا يرضون بمساواة مماليكهم لانفسهم وهم امثالهم فى البشرية والمخلوقية فما بالهم كيف جعلوا مماليكه تعالى ومخلوقه شركاء له مع كمال علوه فأين التراب ورب الارباب . وهذا كما ترى مثل ضرب لكمال قباحة ما فعله المشركون تقريعا عليهم وكانوا يقولون فى التلبية لبيك لا شريك لك الا شريك هو لك { أفبنعمة الله يجحدون } الفاء للعطف على مقدر وهى داخلة فى المعنى على الفعل والجحود الانكار والباء لتضمينه معنى الكفر . والمعنى أبعد علمهم بان الرزاق هو الله تعالى يشركون به فيجحدون نعمته فان الاشراك يقتضى ان يضيفوا نعم الله الفائضة عليهم الى شركائهم وينكروا كونها من عند الله تعالى فالله تعالى يدعو عباده بهذه الآية الى التوحيد ونفى الشرك حتى يتخلصوا من الشرك والظلمات ويتشرفوا بالتوحيد الخالص والانوار العاليات .(7/58)
فعلى العبد الطاعة والسعى الى تحصيل الرضوان والعرفان وانما الرزق على المولى الكريم المنان . ومن الكلمات التى نقلها كعب الاحبار عن التوراة « يا بن آدم خلقتك لعبادتى فلا تلعب وقسمت رزقك فلا تتعب وفى اكثر منه لا تطمع ومن اقل منه لا تجزع فان انت رضيت بمكا قسمته لك ارحت قلبك وبدنك وكنت عندى محمودا وان كنت لم ترض به وعزتى وجلالى لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش فى البر ولا ينالك منها لا ما قسمته لك وكنت عندى مذوما . يا ابن آدم خلقت لك السموات والارضين لم اعى بخلقهن أبعينى رغيف اسوقه اليك من غير تعب . يا ابن آدم انا لك محب فبحبى عليك كن لى محبا . يا ابن آدم لا تطالبنى برزق غد كما لا اطالبك بعمل غد فانى لم انس من عصانى فكيف من اطاعنى » واعلم ان عباد الله فى باب الرزق على وجوه منهم من جعل رزقه فى الطلب فمن جعل رزقه فى الطلب فعليه بكسب الحلال الطيب كعمل اليد مثلا . ومنهم من جعل رزقه فى القناعة وهى فى اللغة الرضى بالقسمة وفى اصطلاح اهل الحقيقة هى السكون عند عدم المألوفات . ومنهم من جعل رزقه فى التوكل وهو الثقة بما عند الله واليأس مما فى ايدى الناس . ومنهم من جعل رزقه فى المشاهدة والمجاهدة كما قال صلى الله عليه وسلم « ابيت عند ربى يعطمنى ويسقينى » وهو اشارة الى المشاهدة وقال « جعل رزقى تحت ظل رمحى » وهو اشارة الى المجاهدة فعلى العاقل المجاهدة العبادة لله تعالى خالصا لا لأجل تنعم النفس فى الجنة والخلاص من النار فانها معلولة والمعبود فى الحقيقة هو الثواب والعقاب ولذا قال فى المثنوى
هشت جنت هفت دوزخ بيس من ... هست بيدا همجوبت بيتس وثن(7/59)
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)
{ والله } تعالى وحده { جعل لكم من انفسكم } من جنسكم { ازواجا } نساء لتأنسوا بها وتقيموابذلك جميع مصالحكم ويكون اولادكم امثالكم . ومن هنا اخذ بعض العلماء انه يمتنع ان يتزوج المرؤ امرأة من الجن اذ لا مجانسة بينهما فلا منا كحة واكثرهم على امكانه ويدل عيله ان احد ابوى بلقيس كان جنيا .
قال ابن الكببى كان ابوها من عظماء الملوك فتزوج امرأة من الجن يقال لها ريحانه بينت السكن فولدت له بلقيس وفيه حكايات اخر فى آكام المرجان فان قيل غلبة عنصر النار فى الجن تمنع من ان تتكون النطفة الانسانية فى رحم الجنية فما فيها من الرطوبات فتضمحل ثمة لشدة الحرارة النيرانية وقس عليه نكاح الجنى الانسية . قالت انهم وان خلوقا من نار فليسوا بباقين على عنصرهم النازى بل قد استحالوا عنه بالاكل والشرب والتوالد والتناسل كما استحال بنوا آدم عن عنصرهم الترابى بذلك على ان الذى خلق من نار هو ابو الجن كما خلق آدم ابو الانس من تراب واما كل واحد من الجن عيرا ابيهم فليس مخلوقا من النار كما ان كل واد من بنى آدم ليس مخلوقا من تراب . وذكروا ايضا جواز لمناكحة بين الانسان وانسان الماء كما قال فى حياة الحيوان ان فى بحر الشام فى بعض الاوقات من شكله شكل انسان وله لحية بيضاء يسمونه شيخ البحر فاذا رآه الناس استبشروا بالخصب - حكى - بعض الملوك حمل اليه انسان ماء فاراد الملك ان يعرف حاله فزوجه امرأة فاتاه منها ولد يفهم كلام ابويه فقيل للولد ما يقول ابوك قال يقول اذناب الحيوان كلها فى اسفلها فما بال هؤلاء اذنابهم فى وجوههم . وذكروا ايضا بنات الماء ومناحكة الانسان اياهن وتولد الاولاد منهن { وجعل لكم من ازواجكم } اى جعل لكل منكم من زوجه لا من زوج غيره { بينين } [ فرزندان ] { وحفدة } جمع حافد وهو الذى يسرع فى الخدمة والطاعة ومنه قول القانت واليك نسعى ونحفد اى جعل لكم خد ما يسرعون فى خدمتكم وطاعتكم ويعينونكم كاولاد الاولاد ونحوهم .
يقول الفقير حمل الحفدة على البنات كما فعله البعض بناء على انهن يخدمنه فى البيوت اتم خجمة ضعيف لان الخطاب لكون السورة مكية مع المشركين وهم كانوا تسودّ وجوههم حين الاخبار بالبنات فلا يناسب مقام الامتنان حملها عليهن { ورزقكم من الطيبات } من اللذائذ كالعسل ونحوه من للتبعيض لان كل الطيبات فى الجنة وما طيبات الدنيا الا انمود منها . يقال الفقير المقصود الطيبات المفهمه بحسب اعرف وهى طيبات البلدة والناحية والاقليم لا الطيبات المشتملة عليها الدنيا والجنة فكل الطيبات مرزوق بها العباد { أفالباطل يؤمنون } الفاء فى المعنى داخلة على الفعل وهى للعطف على مقدر اى أيكفرون بالهل الذى شأنه هذا فيؤمنون بالباطل وهو ان الاصنام تنفعهم وان البحائر ونحوها حرام { وبنعمة الله هم يكفرون } حيث يضيفونها الى الصنام او المراد بالباطل الاصنام وما يفضى الى لاشرك وبنعمة الله السلام والقرآن وما فيه من التوحيد والاحكام .(7/60)
والباطل عند اهل الحقيقة قسمان باطل حقيقى وهو مالا تحقق ولا وجود ولا ثبوت له بان لم يقع التجلى الالهى فى عالمه اصلا وقسم باطل مجازى وهو التعينت الموجودة كلها اما بطلانه فلكونه عد ما فى نفسه « ألا كل شئ ما خلا الله باطل » واما مجازيته فلكونه مجلى ومرآة للوجود الاضافى والحق المجازى والمؤمن بالباطل مطلقا كافر بالله تعالى .
سالك باك رو نخوانندش ... آنكه از ما سوى منزه نيست(7/61)
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73)
{ ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم زقا من السماوات والارض شيأ } الرزق مصدر وشيأ نصب على المفعولية منه والمراد من الموصول الآلهة اى ما لا يقد رعلى ان يرزق منهم شيأ لا من السموات مطر ولا من الارض نباتا { ولا يستطيعون } ان يملكوه اذلا استطاعة لهم اصلا لانهم جماد .(7/62)
فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74)
{ فلا تضربوا لله الامثال } اى فلا تشبهوا الله بشئ من خلقه وتشركوا به فان ضرب المثل تشبيه حال بحال وقصة بقصة والله تعالى واحد حقيقى لا شبه له ازلا وابدا
در تصور ذات اورا كنج كو ... تادر آيد در تصور مثل او
الارشاداى لا تشبهوا بشأنه تعالى شأنا من الشؤون واللام مثلها فى قوله تعالى { ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح . وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون } لا مثلها فى قوله تعالى { واضرب لهم مثلا اصحاب القرية } ونظائره { ان الله يعلم } كنه ما تفعلون وعظمه وهو معاقبكم عليه بما يوازيه فى العظم { وانتم لا تعلمون } ذلك ولو علمتموه لما جرأتم عليه فالله تعالى هو العالم بالخطأ والصواب ومن خطأ الانسان عبادته الدنيا والهوى وطلب المقاصد من المخلوقين وجعلهم امثال الله وليس فى الوجود مؤثر الا الله تعالى فهو المقصود ومنه الوصول اليه .
وعن النبى صلى الله عليه وسلم « ان الله احتجب عن البصائر كما احتجب عن الابصار وان الملأ الاعلى يطالبونه كام تطلبونه انتم » وذلك لان الله تعالى ليس له زمان ولا مكان وان كان الزمان والمكان مملوءين من نوره فاهل السماء والارض فى طلبه سواء . وقال موسى عليه السلام أين اجدك يا رب قال يا موسى اذا قصدت الىّ فقد وصلت الىّ اشار تعالى الى ان القاصد واصل بغير زمان ومكان وانما الكلام فى القصد الوجدانى الجمعى والميل الكلى لان من طلب وجدّ وجد ومن قرع البا ولجّ ولج والباب هو باب القلب فان منه يدخل المرؤ بيت المعرفة الالهية ثم يصل الى صدر المشاهدة الربانية فيحصل الانس والحضور والذوق والصفاء ويرتفع الهيبة والحيرة والوحشة والغفلة والكدر والجفاء اللهم اجعلنا من الواصلين آمين .(7/63)
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75)
{ ضرب الله مثلا } ضرب المثل تشبه حال بحال وقصة بقصة اى ذكر واورد شيأ يستدل به على تباين الحال بين جنابه وبين ما اشركوا به وليس المراد حكاية ضرب الماضى بل المراد انشاؤه بما ذكر عقيبه { عبدا مملوكا } بدل من مثلا وتفسير له والمثل فى الحقيقة حالته العارضة له من المملوكية والعجز التام وبحسبها ضرب نفسه مثلا ووصفه بالمملوكية ليخرج عنه الحر لاشتراكهما فى كونهما عبد الله تعالى { لا يقدر على شئ } وصفه بعدم القدرة لتمييزه عن المكاتب والمأذون اللذين لهما تصرف فى الجملة { ومن رزقناه } من موصوفة معطوفة على عبدا كأنه قيل وحرا رزقناه بطريق الملك ليطابق عبد { منا } من جانبنا الكبير المتعال { رزقا حسنا } حلالا طيبا او مستحسنا عند الناس مرضيا . قال الكاشفى [ روزى نيكو يعنى بسيار وبى مزاحك كددرو تصرف تواند كرد ] { فهو } [ بس اين مرزوق ] { ينفق منه } أى من ذلك الرزق الحسن { سرا وجهرا } اى حال السر والجهر وقدم السر على الجهر للايذان بفضله عليه . قال الكاشفى [ بنهان وآشكارا يعنى هر نوع كه يمخواهد خرج ميكند وازكس نميترسد ] { هل يستوون } جمع الضمير للايذان بان المراد ما ذكر من اتصف بالاوصاف المذكورة من الجنسين المذكورين لافردان متعينان منهما . والمعنى بالفارسية [ آيا برابرند يعنى مساوى نباشند بندكان بى اختيار باخواجكان صاحب اقتدار بس جون مملوك عاجز با مالك قادر متصرف برابر نسيت بس بنان كه اعجز مخلوقاتند شريك قادر على الاطلاق جكونه توانند بود ]
راه تو بنور لا يزالى ... از شرك وشريك هردو خالى
آن بنده كه عاجزست ومحتاج ... كى راه برد بصاحب تاج
ما للقراب ورب الارباب [ صاحب كشف المحجوب آورده كه روزى بخلوت شيخ ابو العباس شيبانى در آمدم ويرا ديدم كه اين آيت ميخواند ويمريست ونعره مى زدبند اشتم كه ازدنيا بخواهد رفت كفتم اى شيخ اين جه حالتست فرمود كه يازده سال ميكذرد تاورد من اينجار سيده است وازنيجادر نميتوانم كذشت آرى حدوث در قدم نميتواند سيد وممكن ازكنه واجب خبر نتواند داد ]
نيست باهست جون زند بهلو ... قطره بابحر دون كند دعوى
{ الحمدلله } اعتراض اى كل الحمد لله تعالى لانه معطى جميع النعم وان ظهرت على ايدى بعض الوسائط وليس شئ من الحمد للاصنام لعدم استحقاقها اياه فضلا عن العباد { بل اكثرهم } [ بلكه اكثر مشركان . يعنى همه ايشان ] { لا يعلمون } ذلك فيضفون نعمه تعالى الى غيره ويعبدونه لاجلها . وفى الاربشاد نفى العلم عن اكثرهم للاشعار بان بعضه ميعلمون ذلك واما لا يعلمون بموجبه عنادا كقوله تعالى { يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها واكثرهم الكفارون } .(7/64)
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76)
{ وضرب الله مثلا } آخر يدل على ما يدل عليه المثل السابق على اوضح وجه واظهره { رجلين } . قال فى الكواشى تقديره مثلا مثل رجلين فمثلا الاول مفعول والثانى بدل منه او بيان فحذف الثانى واقيم مقامه رجلين { احدهما ابكم } وهو من ولد اخرس ولا بد ان يكون اصم كما قال الكاشفى [ وبى شبهه كنك ما در زاد نشود ] { لا يقدر على شئ } من الاشايء المتعلقة بنفسه او بغيره بحدس او فراسة لقلة فهمه وسء ادراكه { وهو كل على مولاه } ثقل وعيال على من يعوله ويلى امره وهذا بيان لعدم قدتره على اقامة مصالح نفسه بعد ذكر عدم قدرته على شئ مطلق { اينما يوجهه } اى حيث يرسله مولاه فى امره وكفاية مهم وهو بيان لعدم قدرته على اقامة مصالح مولاه ولو كانت مصلحة يسير { لا يأت بخير } [ باز نيامد به نيكويى يعنى كارى نسازد وكفايتى نكند لا يفهم ولا يفهم ] { هل يستوى هو } [ آيا برابر باشد ابن ابكم ] مع ما فيه من الاوصاف المذكورة { ومن بأمر بالعدل } اى من هو منطيق فهم ذور أى وكفاية ورشد ينفع الناس بحثهم على العدل الجامع لجميع الفضائل والمكارم وهذا كسحبان وباقل فان سحبان كان رجلا فصيحا بليغا متكلما بحيث لا يقطع الكلام ولو سرده يوما وليلة ولا يكرر ولو اقتضى الحال فبعبارة اخرى لا يتنحنح وان باقلا كان رجلا اشترى ظبيا باحد عشر درهما فسئل عن شرائه ففتح كفيه واخرج لسانه يشير الى ثمنه فانفلت الظبى فضرب به المثل فى العى { وهو } فى نفسه مع ما ذكر من نفعه العام للخاص والعام { على صراط مستقيم } [ برراهى راستست وسيرتى درست وطريقة بسنديده كه بهر مطلب كه توجه نمايد زود بمقصد ومقصود رسد بس جنانكه بجاهل مساوى اين كامل فاضل نيست بس بتان بى اعتبار را مساوت باحضرت بروردكار جل شانه نباشد ] .
وقال الامام السهيلى فى كتاب التعريف والاعلام فيما ابهم من القرآن . ان الابكم هو ابو جهل واسمه عمر و بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم . والذي يأمره بالعد لعمار بن ياسر العنسى وعنس بالنون حى من مدلج وكان حليفا لبنى مخزوم رهط ابى جهل وكان ابو جهل يعذبه على السلام ويعذب امه سمية وكانت مولاة لابى جهل وقال لها ذات يوم انما آمنت بمحمد لانك تحبينه لجماله ثم طعنها بالرمح فى فيها فماتت فكانت اول شهيده فى الاسلام .
وفى الآية اشارة الى ان النفس الامارة لا تقدر على شئ من الخير لان من شأنها متابعة هواها ومخالفة مولاها وان الروح من شأنه ان يأمر النفس بطاعة الله وحسن عبوديته كما ان النفس تأمر الوح بمعاصى الله وعبودية هواها فالتوفيق فى جانب الروح واعداء المؤمن ثلاثة النفس والشيطان والدنيا فحارب النفس بالمخالفة وحارب الشيطان بالذكر وحارب الدنيا بالقناعة . وعن حكيم نفسك لصك فاحفظها وهى عدوك فجاهدها كذا فى الخالصة .(7/65)
وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77)
{ ولله } تعالى خاصة لا لاحد غيره استقلالا ولا اشراكا وكان كفار قريش يستعجلون وقوع القيامة استهزاء فانزل الله تعالى فى هذه الآية { غيب السموات والارض } اى علم ما غاب فيهما عن العباد . قال فى الارشاد فيه اشعار بان علمه سبحانه حضورى فان تحقق الغيوب فى انفسها علم بالنسبة اليه تعالى ولذلك لم يقل ولله علم غيب السماوت والارض { وما امر الساعة } الساعة اسم لوقت تقوم فيه القيامة سمى بها لانها ساع خيفة يحدث فيها امر عظيم اى وما شأن قيام القيامة التى هى من الغيوب فى سرعة المجيئ { الا كلمح البصر } اللمح النظر بسرعة اى كرجع الطرف من اعلى الحدقة الى اسفلها . يعنى [ آوردن خدى تعالى مر قيامت را آسانترست ازآنكه شما ديده برهم زنيد ] { وهو } اى بل امرها فيما ذكر من السرعة والسهولة { اقرب } من لمح البصر واسرع زمانا . قال الكاشفى { اقرب نزديكتراست جه لمحبصر دو فعل است وضع جفن ورفع آن وايقاع قيامت باحياء موى يك فعل بست ممكن است ووقوع آن درنصف زمان اين حركت ] وأو ليست للشك بل للتخير اى تخيير المخاطبين بين ان يشبهوا امر قيامها بلمح البصر وان يقولوا هو اقرب وانما ضرب به المثل لانه لا يعرف زمان اقل منه { ان الله على كل شيء قدير } فهو يقدر على ان يقيم الساعة ويبعث الخلق لا بعض المقدورات . يعنى لأتواند احياء خلائق دفعة جنانجه قادراست براحياء ايشان برسبيل تدريج بس از ابتداء طهور ايشان خبر داد تا از مبدأ وبر معاد استدلال كنند ] . واعلم انهم قالوا [ كرجه قيامت دير آمد ولى مى آمد ] يعنى هودان عند الله تعالى وان كان بعيدا عندان فلا بد من التهيئ له . وعن انس بن مالك رضى الله عنه ان رجلا قال للنبى صل الله عليه وسلم متى الساعة قال عليه السلام « ما اعددت لها » قال لا شئ الا انى احب الله ورسوله « انت مع من احببت » وشرط كون المرء مع من أحب ان يشترك معه فى الدين ويتحد ومن مقتضاه اتيان المأمورات وترك المحظوارت فان المحبة الكاملة لا تحصل الا به فمن خالف امره الله تعالى وامر نبيه فقد فارقهما فكيف يحبهما مع البينونة : قال الشخي سعدى قدس سره .
نظر دوست نادر كند سوى تو ... جودر روى دشمن بودروى تو
ندانى كه كنز نهد دوست باى ... جوبيندكه دشمن بود درسراى
ثم اعلم ان رجوع النس الى ربها يكون باماتتها عن اوصافها واحيائها بصفات الله والامانة تكون بتجلى صفة الجلال والاحياء بتجلى صفة الجمال فاذا تجلى الله لعبد لا يبقى له زمان ولا مكان اذ هو فان عن وجوده باق ببقاء الحق ان الله على كل شئ من المواهب التى يقربها اولياءه قدير وان لم يفهم الاغبياء بعقولهم كيفية تلك المعارف والكمالات بل العقلاء بعقولهم السليمة بمعزل من ادراك تلك الحقائق وذلك لانها خارجة عن طور العقل(7/66)
سيل ضعيف واصل دريا نميشود ... والتجليات ثلاثة . الاول التجلى العلمى واهله من اصحاب البرازخ لا يصح ان يكون مرشد الا تقليدا . والثانى التجلى العينى . والثالث التجلى الحقى واهلهما من ارباب اليقين والوصول من شأنهم ارشاد الناس فى جميع المراتب اى فى مرتبة الطبيعة والنفس والقلب والروح والطريقة والمعرفة والحقيقة وهم اهل البصيرة الذين اشير اليهم فى قوله تعالى { قل هذه سبيلى ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتعبنى } فعليك بالقتداء بهم دون غيرهم . فان قلت ما الفرق بين اهل التجلى الثاني والثالث . قلت انهما بعد اشتراكهما فى ان كلا منهما قطب ارشاد يتميز الثالث بالقطبية الكبرى التى هى اعلى المناسب .(7/67)
وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)
{ والله } تعالى وحده { اخرجكم } من بطون امهاتكم } جمع الام زيدت الهاء فيها كما زيدت فى الاهراق من اراق { لا تعلموا شيأ } اى حال كونكم غير عالمين شأ اصلا من امور الدنيا والآخرة ولا مما كانت ارواحكم تعلم فى عالم الارواح ولا مما كانت ذرياتكم تعلم من فهم خطاب ربكم اذ قال ألست بربكم ولا مما علمت اذ قالت بالجواب بلى ولامما تعلم الحيوانات حين ولادتها من طلب غذائها ومعرفة امها والرجوع اليها والاهتداء الى ضروعها وطريق تحصيل اللبن منها ومشيها خلفها وغير ذلك مما تعلم الحيوانات وتهتدى اليه ولا يعلم الطفل منه شيأ ولا يهتدى اليه قال الشيخ سعدى قدس سره
مرغك از بيضه برون آيدوروزى طلبد ... آدمى بجه ندارد خبر وعقل وتميز
{ وجعل لكم السمع } قدمه على البصر لما انه طريق تلقى الوحى ولذا ابتلى بعض الانبياء بالعمى دون الصمم او لان ادراكه اقدم من ادراك البصر ألا ترى ان الوليد يتأخر انفتاح عينيه عن السمع وافراده باعتبار كونه مصدرا فى الاصل { والابصار } جمع بصر وهى محركة حسن العين { والافئدة } جمع فؤاد وهو وسط القلب وهو من القلب كالقلب من الصدر وهو من جموع القلة التى جرت مجرى جموع الكثرة . قال فى بحر العلوم استعملت فى هذه الآية وفى سائر آيات وردت فيها فى الكثرة لان الخطاب فى جعل لكم وانشأ لكم عام . والمعنى جعل لكم هذه الاشياء آلات تحصلون بها العلم والمعرفة بان تحسوا بمشاعركم جزئيات الاشياء وتدركوها بفائدتكم وتتنهوا لما بينها من المشاركات والمباينات بتكرر الاحساس فيحصل لكم علوم بديعيه تتمكنوا بالنظر فيها من تحصل العلوم الكسبية .
والعم ان قوله وجعل عطف على اخرجكم وليس فيه دلالة على تأخر الجعل المذكور عن الاخراج لمان مدلول الواو هو الجمع مطلقا لا الترتيب على ان اثر ذلك الجعل لا يظهر قبل الاخراج كما فى الارشاد . التحقيق ان لله تعالى صفات سبعا مرتبة وهى الحياة والعلم والارادة والقدرة والسمع والبصر والكلام واذا قلب الكلام يصير كمالا فآخر الكمال الكلام كما ان اول الكمال الكلام لان اول التعينات الالهية هى الهوية الذاتية وآخرها الكلام ملطقا وعلى هذا يدور الامر فى المظهر الانسانى ألا ترى ان اول ما يبدو فى الجنين حسن السمع ثم البصر ثم الكلام ولذا حرم تزوج الحبلى من النكاح اتفاقا ومن الزنى اختلافا لما قال عليه السلام « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر لا يسقين ماء رزع غيره » فان قيل فم الرحم منسد بالحبل فكيف يوجد سقى الزرع . قلنا قد جاء فى الخبر ( ان سمع الحمل وبصره يزداد حده بالوطئ ) فظهر ان آخر ما يظهر بعد الولادة هو الكلام ومقتضى مقام الامتنان ان هذه القوى انما تظهر آثارها بعد الاخراج من طبون الامهات وهذا لا ينافى حصولها قبله بالقوة القريبة من الفعل { لعلكم تشكرون } ارادة ان تشكرواهذه الآلات وشكرها استعمالها فيما خلقت لاجله من استماع كلام الله واحاديث رسول الله وحكم اوليائه وما ليس فيه ارتكاب منهى ومن النظر الى آيات الله والاستدلال بها على وجوده ووحدته وعلمه وقدرته فمن استعملها فى غير ما خلقت له فقد كفر جلائل نعم الله تعالى وخان فى اماناته : قال الشسخ السعدى قدس سره(7/68)
كذر كاه قرآن وبندست كوش ... به بهتان وباطل شنيدن مكوش
دوجثم ازبى صنع بارى نكوست ... زعيب برادر فرو كيرو دوست
وقال اصائب
ترابكوا هردل كردماند امانتدار ... زردزد امانت حق را نكاهد ار مخسب
وفى التأويلات النجمية { وجعل لكم السمع والابصار والافئدة } لاجسادكم كما جعل للحيوانات لتسمعوا بها وتبصروا وتفهموا ما يسمع الحيوان ويبصر ويفهم وجعل لارواحكم سمعا تسمعون به ما تسمع الملائكة وبصرا تبصرون به ما تبصر الملائكة وفؤادا تفهمون به ما تفهم الملائكة وجعل لاسراركم سمعا تسمعون بالله وبصرا تبصرون بالله وفؤادا تعرفون بالله وهذه الحواس مستفادة من قوله تعالى « كنت له سمعا وبصرا ولسانا فبى يسمع وبى يبصر وبى ينطق » { لعلكم تشكرون } بهذه الآلات نعم الله واداء شكر نعم الله باستعمالها وصرفها فى طلب الله وترك الالفتات الى النعم بل للمنعم .
وفى الآية اشارة اخرى والله اخرجكم من بطون امهاتكم اى من العدم وهو الام الحقيقى لا تعلمو شيأ قبل ان يعلمكم الله اسماء كل شئ وجعل لكم السمع والابصار والافئدة حين خاطبكم بقوله ألست بربكم فتجلى لكم بربوبيته فبنور سمعه اعطاكم لسانا تجيبونه بقولكم بلى لعلكم تشركون فلا تسمعون بهذا السمع الا كلامه ولا تبصرون بهذا البصر الاجماله ولا تحبون بهذا الفؤاد الا ذاته ولا تكلمون بهذا اللسان الا معه .(7/69)
أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79)
{ ألم يروا الى الطير } تقرير لمن ينظر اليهن وتعجيب من شأنهن . والطير جمع طائر اى ألم ينظروا اليها ليستدلوا بها على قدرة الله تعالى { مسخرات } مذللات للطيران بما خلق لها من الاجنحة والسباب المساعدة له . وفيه مبالغة من حيث ان التسخير جعل الشئ منقاد اللآخر يتصرف يه كيف يشاء كتسخير البحر والفلك والدواب للانسان والواقع هنا تسخير الهواء للطير لتطير فيه كيف تشاء فكان مقتضى طبيعة الطير السقوط فسخرها الله للطيران .
وفيه تنبيه على ان الطيران ليس بمقتضى طبع الطير بل ذلك بتسخير الله تعالى وكذا احراق النار واهلاك البرد ليسا بذاتهما بل بتأثير الله تعالى وعلى هذا { فى جوّ السماء } فى الهواء غير متباعد نم الارض واضافته الى السماء لما انه فى جانبها من الناظر .
قال فى القاموس الجو الهواء { ما يمسكهن } فى الجو عن السقوط حين قبض اجنحتهن وبسطتها ووقوفهن { الا الله } بقدرته الواسعة وتدبيره لهن من الريوش الكبار والصغار فان ثقل جسدها ورقة قوام الهواء يقتضيان سقوطها ولا علاقة نم فوقها ولا دعامة من تحتها تمسكها والهواء للطائر كالماء للسابح فهو يقبض يديه ويبسطها ولا يغرق مع ثقل جسده ورقة الماء واعجب من ذلك وادل فيه على القدرة الباهرة تعشيش بعض الطير فى الهواء ومن اخبار الرشيد انه خرج يوما للصيد فارسل بازا اشهب فلم يزل يعلو حتى غاب فى الهواء ثم رجع بعد اليأس منه ومعه سمكة فاحضر الرشيد العلماء وسألهم عن ذلك فقال مقاتل با امير المؤمنين روينا عن جدك ابن عباس رضى الله عنهما ان الهواء معمور بامم مختلفة الخلق فيه دواب بيض تفرخ فيه شيأ على هيئة السمك لها اجنحة ليست بذات ريش فاجاز مقاتلا على ذلك واكرمه . ومن ذلك الطير الابابيل التى رمت اصحاب الفيل بحجارة من سجيل وهى الطير السود على هيئة الخطاطيف . ومن ذلك ما يقال له بالفارسية [ هما ] فانه من سكان الهواء يبيض ويفرخ فيه وليس له رجل وهو فى جثة العقعق الا انه سكرى اللون ويوجد جسده بعد وفاته فى صحارى الهند . ومن عجائب الطيور الرخ بالضم وهو طير فى جزائر الصين يكون جناحة الواحد عشرة آلاف باع . قال فى القاموس هو طائر كبير يحمل الكركدان انتهى .
وكان وصل الى المغرب رجل من التجار ممن سافر فى بحر الصين والقتهم الريح الى جزيرة عظيمة فخرج اليها اهل السفينة ليأخذوا الماء والحطب فرأوا قبة عظيمة اعلى من مائة ذراع لها لمعان وبريق فعجبوا منها فلما دنوا منها اذا هى بيضة الرخ فجعلوا يضربونها بالخشب والفوؤس والحجارة حتى انشقت عن فرخ كأنه جبل فتعلوا بريش جناحه فجروه فنفض جناحة فبقيت هذه الريشة معهم خرج اصلها من جناحة ولم يكمل بعد خلقه فقتلوه وحملوا ما قدروا عيله من لحمه فلما طلعت الشمس اذا الرخ قد اقبل فى الهواء كالسحابة العظيمة فى رجله قطعة حجر كالبيت العظيم اكبر من السفينة فلما حاذى السفينة التى ذلك الحجر بسرعة فوقع الحجر فى البحر وسبقت السفينة ونجاهم الله تعالى بفضله ورحمته كذا فى حياة الحيوان { ان فى ذلك } الذى ذكر من تسخير الطير للطيران بان خلقها خلقة يمكن معها الطيران بان جعل لها اجنحة خفيفة واذنابا كذلك وخلق الجوّ بحث يمكن الطيران فيه وامساكها فى الهواء على خلاف طباعها { لآيات } [ نشانها ظاهرست ] { لقوم يؤمنون } اى من شأنهم ان يؤمنوا وانما خص ذلك بهم لانهم المنتفعون به حيث يطيرون فى الهواء المعرفة بجناح التفكر فيما ذكر ويصلون الى وكر الكرامة(7/70)
فكر ازين خانه فرازت كشد ... سوى سرا برده رازت كشد
وفى المثنوى
كر بينى ميل خود سوى سبا ... بر دولت بركشا همجون هما
وربينى ميل خود سوى زمين ... نوحه ميكن هيج منشين ازحنين
وفى الحديث « كونوا فى الدنيا اضيافا واتخذوا المساجد بيوتا وعودا قلوبكم الرقة واكثروا من التفكر والبكاء ولا يختلفن بكم الا هواء »
وعن محمد عبد الله انه قال الفكرة على خمسة اوجه فكرة فى آيات الله يتولد منها المعرفة . وفكرة فى آلاء الله ونعمائه يتولد منها المحبة . وفكرة فى وعد الله وثوابه يتولد منها الرغبة . وفكرة فى وعد الله وعقابه يتولد منها الرهبة . وفكرة فى جفاء النفوس بجنب احسان الله اليها يتولد منها الحياة والندم .
وفى الآية اشارة الى ان طير الارواح مسخرة فى جو سماء القلوب لا يمسكهن الا الله لان الارواح علويات وانما سكونها فى سفل الاجساد بتسخير الله اياها كقوله { ونفخت فيه من روحى } وقوله { ثم رددناه اسفل سافلين } وهذا كسلطان نزل فى خراب بحسب الاقتضاء والا فشأنه اعلى من ذلك وجاهه ارفع منه كما لا يخفى .(7/71)
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80)
{ والله جعل لكم من بيوتكم } المعهودة التى تبنونها من الحجر والمدر وهو تبيين لذلك المجعول المبهم فى الجملة { سكنا } فعل بمعنى مفعول اى موضعا تسكنون فيه وقت اقامتكم . وبالفارسية [ آرامكاهى } .
قال فى الكواشى كل ما يسكن اليه او فيه سكن بمعنى مسكن . وفى الواقعات المحمودية للسلوك شروط ثلاثة الزمان والمكان والاخوان . اما الاولان فلانه لا بد من خلو الزمان عن الفترة وكذا المكان . واما الاخوان فلتدارك حوائج السالك لئلا يتقيد بها فلا بد من الشرائط المذكورة لدوام السلوك واستمراره من غير انقطاع انتهى .
والظاهر ان المكان اقدم للسلوك ثم الزمان ثم الاخوان ثم صفاء الخاضر . وفى الاسرار المحمدية الغرض فى المسكن دفع المطر والبرد واقل الحارة اما فى البلاد الباردة فى غلبة البرد ونفوذه من الجدران الضعيفة حتى كاد يهلك او يمرض فالبناء بالطين واحكامه لا يخرجه عن حد الزاهدين وكذا فى ايام الصيف عند اشتداد الحر واستضرار اولاده بالبيت الستوى السفلى عدم نفوذ الهواء البارد فيه ومن البراغي في الليل المزعجات عن النوم وانواع الحشرات فيه فلا جوز حملهم على الزهد بان يتركهم على هذه الحال بل عليه ان يبنى لهم صيفيا علويا لما روينا عن النبى عليه الصلاة والسلام « من بنى بنيانا فى غير ظلم ولا اعتداء او غرس غراسا فى غير ظلم ولا اعتداء كان له اجرا جاريا ما انتفع به احد من خلق الرحمن » انتهى .
وكتب بهلول على حائط م حيطان قصر عظيم ناه اخوه الخليفة هارون الرشيد يا هرون رفعت الطين ووضعت الدين رفت الجص ووضعت النص ان كان من مالك فقد اسرفت ان الله لا يحب المسرفين وان كان من مال غيرك ظلمت ان الله لا يحب الظالمين { وجعل لكم من جلود الانعام } [ از بوست جهار بايان ] جمع نعم بالتفح وهو مخصوص بالانواع الاربعة التى هى الابل والبقر والغنم والمعز { بيوتا } اخر مغايرة لبيوتكم المعهودة وهى الخيام والقباب والاخبية والفساطيط من الانطاع والادم { تستخفونها } تجدونها خفيفة يخف عليكم نقضها وحملها ونقلها { يوم ظعنكم } اى وقت ترحلكم وسفركم { ويوم اقامتكم } وقت نزولكم فى الضرب والبناء { ومن اصوافها واوبارها وشاعارها } جمع صوف ووبر وشعر والكنايات راجعة الا الانعام اى وجعل لكم من اصواف الضأن واوبار الابل واشعار المعز { اثاثا } اى متاع البيت مما يلبس ويفرش { ومتاعا } اى شيأ يمتع به بفنون التمتع { الى حين } الى مدة من الزمان فانها لصلابتها تبقى مدة مديدة . قال الجاحظ اتفقوا على ان الضأن افضل من المعز بدليل الضاحية ويفضل المعز على الضأن لغزارة اللبن وثخانة الجلد وما نقص من الية المعز يزيد فى شحمه ولذلك قالوا زيادة المعز فى بطنه ولما خلق الله جلد الضأن رقيقاً غزر صوفه ولما خلق الله جلد المعز ثخينا قل شعره كذا فى حياة الحيوان فالله تعالى خلق هذه الانعام للانتفاع بجلودها ولحومها واصوافها واوبارها واشعارها ويجوز الانتفاع بشحوم الميتة .(7/72)
وعن جابر بن عبد الله انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة « ان الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والاصنام » فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فانه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال « لا هو حرام » والاستصباح [ جراغ فراكرفتن ] وكما ان هذه الحيوانات وما يتبعها ينتفع بها الانسان فى سفره وحضره فكذا القوى الحيوانية والحواس الخمس ينتفع بها السالك في السير الى الله فانها مطية وفى وقت الوقفة للاستراحة والتربية فانها مما لا بد منه لكونها من الاسبابا المعينة : قال الكمال الخجندى .
باكرم روى واقف اين راه جنين كفت ... آهسته كه اين ره بدويدن نتوان يافت(7/73)
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)
{ والله جعل لكم مما خلق } من غير صنع من قبلكم { ظلالا } جمع ظل وهو ما يستظل به اى اشياء تستظلون بها من الحر كالغمام والشجر والجبل وغيرها امتنّ سبحانه بذلك لما ان تلك الديار غالبة الحرارة { وجعل لكم من الجبال اكنانا } [ بوشئها ] جمع كن وهو ما يستكن فيه اى مواضع تسكنون فيها من الكهوف والغيران والسروب . قال عطاء انما انزل القرآن على قدر معرفتهم ألا ترى انه تعلى قال { وجعل لكم من الجبال اكنانا } وما جعل من السهةل اعظم منه ولكنهم كانوا اصحاب جبال { وجعل لكم سرابيل } جمع سربال وهو كل ما يلبس اى جعل لكم ثيابا من القطن والكتان والصوف وغيرها { تقيكم الحر } [ نكاه ميدارد شمارا ازضرر كرما ] ولم يذكر البرد لدلالته عليه لانه نقيضه اولان وقانيه هى الاهم عندهم لكون البرد يسيرا محتملا بخلاف الديار الرومية فانها غالبة البرودة ولذا قيل الحر يؤذى الرجل والبرد يقتله .
قال حضرة الشيخ الشهير بافاده افندى قدس سره برد الربيع غير مضر لكن هذا فى ديار العرب فان فى برد تلك الديار اعتدالا بخلاف ديارنا وفى الحديث « اغتمنوا برد الربيع فانه يعمل بالبدانكم كما يعمل باشجاركم واجتنبوا برد الخريف فانه يعمل بابدانكم كما يعمل باشجاركم » وفى المثنوى .
آن خزان نزد خدا نفس وهواست ... عقل وجان عين بهارست وبقاست
مر ترا عقلست جزؤى درنهان ... كامل العقلى بجو اندر جهان
جزؤ تو از كل اوكلى شود ... عقل كل بر نفس جون غلى شود
بس بتأويل اين بود كانفاس باك ... جون بهارست وحيات برك تاك
از حديث اوليا نرم ودرشت ... تن مبوشان زانكه دينت راست بشت
كرم كويد سرج كويد خوش بكير ... تاز كرم وسرد بجهى واز سعير
كرم وسردش نوبهار زند نكيست ... مايه صدق ويقين بند كيست
زانكه زان بستان جانها زنده است ... زين جواهر بحردل آكنده است
{ وسرابيل } ودروعا من الحديد { تقيكم بأسكم } اى البأس والالم الذى يصل الى بعضكم من بعض فى الحرب من الضرب والطعن . والبأس الشدة فى الحرب والقتل والجراحة كما فى ا لتبيان واول من عمل الدرع داود عليه السلام فان الله تعالى ألان له الحديد كالشمع كما قال { وألنا له الحديد } وصحب لقمان داود شهورا وكان يسرد الدرع فلم يسأله عنها فلما اتمها لبسها وقال نعم لبس الحرب انت
جو لقمان ديد كاندر دست داود ... مى ىهن بمعجز موم كردد
نه برسيدش جه ميسازى كه دانس ... كه بى برسيدنش معلوم كردد
{ كذلك } كاتمام هذه النعم التى تقدمت { يتم نعمته عليكم } يا معشر قريش { لعلكم تسلمون } الاسلام ههنا بمعنى الاستسلام والانقياد وضع موضع سببه وهو تنظرون وتتفكرون اى ارادة ان تنظروا فيما اسبغ عليكم من النعم الظاهرة والباطنة والانفسية والآفاقية فتعرفوا حق منعهما فتؤمنوا به وحده وتذروا ما كنتم به تشركون وتنقادون لامره .(7/74)
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82)
{ فان تولوا } فعل ماض اى فان اعرضوا عن الاسلام ولم يقبلوا منك ما القى اليهم من البينات والعبر والعظات وفى صيغة التفعل اشارة الى ان الفطرة الاولى داعية الى القبال على الله والاعراض لا يكون الا بنوع تكلف ومعالجة { فانما عليك البلاغ المبين } اى فلا قصور من جهتك لان وظيفتك هى البلاغ الموضح او الواضح وقد فعلته بما لا مزيد عليه فهو من باب وضع السبب موضع المسبب عكس لعلكم تسلمون : قال الشيخ سعدى قدس سره
ما نصيحت بجاى خود كرديم ... روزكارى درين بسر برديم
كر نيايد بكوش رغبت كس ... بر رسولان بيام باشد وبس
وقال
بكوى آنجه دانى سخن سودمند ... وكرهيج كس را نيايد بسند
كه فردا بشيمان برآرد خروش ... كه اوخ جراحق نكردم بكوش
{ يعرفون } اى بعض المشركين { نعمة الله } المعدودة فى هذه السورة ويعترفون انها من الله { ثم ينكرونها } فافعالهم حيث يعبدون غير منعما او بقولهم انها بشفاعة آلهتنا او بسبب كذا ومعنى ثم استبعاد الانكار بعد حصول المعرفه { واكثرهم الكافرون } اى المنكرون بقلوبهم غير المعترفين بما ذكر .
وفى التأويلات النجمية .(7/75)
يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83)
{ يعرفون نعمة الله } بتعريفك { واكثرهم الكافرون } بك وبنعمة الله اظهار للقهر فمن وصل اليه النعمة من يدا احد فلا بد من الشكر فانه الواسطة والا فقد تعرض لحرمان كثير من النعم الالهية
جو بيابى تو نعمتى درجند ... خرد باشد جو نقطه موهوم
شكر آن يافته فرو مكذار ... كه زنا يافته شوى محروم
قال السرى السقطى قدس سره الشكر على ثلاثة اوجه . شكر القلب . وشكر البدن . وشكر اللسان . فشكر القلب ان يعرف العبد ان النعم كلها من الله تعالى . وشكر البدن ان لا يستعمل جارحة من جوارحه الا فى طاعة الله . وشكر اللسان دوام حمد الله - روى - ان عيسى عليه السلام مرّ بغنى فاخذ بيده فذهب به الى فقير فقال هذا اخوك فى الاسلام وقد فضلك الله عليه بالسعة فاشكر لله على ذلك ثم اخذ بيد الفقير فذهب به الى مريض فاقل ان كنت فقيرا فلست بمريض ما كنت تصنع لو كنت فقيرا مريضا فاشكر لله ثم ذهب بالمريض الى كافر فقال ما كنت تصنع لو كنت فقيرا مريضا كافرا فاشكر لله فهداهم الى الشكر بطريقة المشاهدة ومقابلة حالهم بحال من سواهم ونبههم من الغفلة ليقبلوا على الشكر ويحترزوا عن الكفران .
واعلم ان الكفر بالله اشد من الكفر بنعمة الله لان الاول لا يفارقه الثانى بخلاف العكس لا ن بعض الكفرة قد يكفر بنعمة الله ولا يكفر بالله فيجمع بين الايمان بالله والكفر بنعمته ولذا قال الله تعالى عبارة { وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون } وكنى اشارة عن انه ما يؤمن اقلهم بالله الاوهم موحدون وهم المؤمنون حقا وصدقا فاولئك هم المخلصون المفلحون .(7/76)
وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84)
{ ويوم نبعث } اى اذكر يا افضل الرسل يوم نحشر وهو يوم القيامة { من كل امة } [ ازميان هر كروهى ] { شهيدا } نبينا يشهد لهم بالايمان والطاعة وعليهم بالكفر والعصيان { ثم لا يؤذن للذين كفروا } فى الاعتذار اذلا عذر لهم . والعذر فى الاصل تحرى الانسان ما يمحو به ذنوبه بان يقول لم افعل او فعلت لاجل كذا او فعلت ولا اعود وثم للدلالة على ان ابتلاءهم بالمنع عن الاعتذار المنبئ عن الاقناط الكلى وهو عند ما يقال لهم اخسأوا فيها ولا تكلمون اشد من ابتلائهم بشهادة الانبياء عليهم السلام فهى للتراخى الرتبى { ولا هم يستعتبون } يسترضون اى لا يقال لهم ارض ربك مولا يطلب منهم ما يوجب العبتى وهى الرضى وذلك لان الرضى انما يكون بالايمان والعمل الصالح والآخرة دار الجزاء لا دار العمل والتكليف والدنيا مزرعة الآخرة فكل بذر فسد فى الارض وبطل استعداده لقبول التربية ولم يثم امر نباته اذا حصلد وحصل فى البدر لا يفيده اسباب التربية لتغيير احواله فالارواح بذور فى ارض الاشباح ومربيها ومنتبها وثمرها اعمال الشريعة بشرط الايمان ومفسدها ومبطلها ومغيرها عن احوالها الكفر واعمال الطبيعة والموت حصادها والقيامة بيدرها : قال الحافظ
كارى كنيم ورنه خجالت بر آورد ... روزيكه رخت جان بجهان دكر كشيم(7/77)
وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (85)
{ واذا رأى الذين ظلموا } كفروا { العذاب } الذى يستوجبونه بظلمهم وهو عذاب جهنم صاحبوا وطلبوا من مالك تخفيف العذاب { فلا يخفف عنه } ذلك العذاب بعد الدخول { ولا هم ينظرون } اى لا يمهلون قبله ليستريحوا [ اى زمانى ايشانرا مهلت ندهند وبى عذاب نكذارند ] فكل من وضع الكفر واعمال الطبيعة موضع الايمان واعمال الشريعة فلا يخفف عنه اثقال الاخلاق الذميمة ولا يخؤ لتبديل مذمومها بمحمودها .(7/78)
وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86)
{ واذا رأى الذين اشركوا شركاءهم } اوثانهم التى عبدوها { قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا } اى آلهتنا التى جعلناها شركاء { الذين كنا ندعو من دونك } اى نعبدهم متجاوزين عبادتك وهو اعتراف بانهم كانوا مخطئين فى ذلك والتماس بتوزيع العذاب بينهم { فالقوا } اى شركاؤهم { اليهم القول } يقال القيت الى فلان كذا اى قلت اى انطقهم الله تعالى فاجبوهم بالتكذيب وقالوا لهم { انكم } ايها المشركون { لكاذبون } فى ادعائكم اننا شركاء لله اذ ما امرناكم بعبادتنا وكنا مشغولين بتسبيح الله وطاعته فارغين عنكم وعن احوالكم كما قال تعالى { وان من شئ الا يسبح بحمده }(7/79)
وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87)
{ والقوا } اى المشركون { الى الله يومئذ السلم } الاستسلام والانقياد لحكمه بعد الاستكبار عنه فى الدنيا .
جون كار زدست رفت فرياد جه سود ... { وضل عنهم } اى ضاع وبطل { ما كانوا يفترون } من ان لله شركاء وانهم ينصرونهم ويشفعون لهم وذلك حين كذبوهم وتبرأوا منهم .(7/80)
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88)
{ الذين كفروا } فى انفسهم { وصدوا } غيرهم { عن سبيل الله } بالمنع عن الاسلام والحمل على الكفر { زدناهم عذابا } لصدهم { فوق العذاب } اى كانوا يستحقونه بكفرهم . والمعنى بالفارسية { بيفرزاييم ايشانراعذابى برعذابى ] { بما كانوا يفسدون } اى زدنا عذابهم بسبب استمرارهم على الافساد وهو الصد المذكور .
قال ابن جبير فى زيادة عذابهم هى عقارب امثال البغال وحيات امثال البخت تلسع احداهن للسعة فيجد صاحبها حميتها اربعين خريفا فيظنون انها تمطر فجعلت السحابة تمطر عليهم بالحيات والعقارب فيشتد المهم لانه اذا جاء الشر من حيث يؤمل الخير كان اغم .
وقال ابن عباس ومقاتل خمسة انها رمن صفر مذاب كالنار تسيل من تحت العرش يذعبون بها ثلاثة على مقدار الليل واثنان على مقدار النهار : يعنى [ بنج جوى ازروى كداخته بطرف ايشان روان كردد وبسرجوى ازان معذب شوند در مقدار ساعات شبى ازشبهاى دنيا وبدو جوى ديكر درمدت اندازه روزى ازروزهاى اين جها ] . يقال الفقير لعل سر هذا العدد ان اركان الاسلام خمس لا سيما ان الصلوات الخمس فى تطيهر الباطن كالانهار الخمسة الجارية لتطهر الظاهر فلما اضاعوا هذه الاركان وما اقاموها بدل الله بها خمسة انهار من الصفر المذاب ليعذبوا بها ولكل عمل جزاء وفاق .(7/81)
وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)
{ ويوم نبعث } تكرير لما سبق تثنية للتهديد { فى كل امة } [ وياد كن اى محمد روزيرا كه برانكيزانيم درميان هر كروهى ] { شهيدا عليهم } اى نبيا { من انفسهم } من جنسهم قطعا لمعذرتهم لانه كان يبعث انبياء الامم فيهم منهم ولوط عليه السلام لما تأهل فيهم وسكن فيما بينهم كان منهم وفى قوله عليهم اشعار بان شهادة انبيائهم على الأمم تكون بمحضرة منهم { وجئنا بك } [ وبياريم ترا يا محمد ] { شهيدا على هؤلاء } الامم وشهدائهم كقوله تعالى { فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } { ونزلنا عليك الكتاب } الكامل فى الكتابية الحقيق بان يخص به اسم الجنس وهو القرآن العظيم { تبيانا } بيانا بليغا { لكل شئ } يتعلق بامور الدين ومن ذلك احوال الامم مع انبيائهم . فان قلت كيف هذا ومعلوم ان اكثر الاحكام غير مبنية فى القرآن ولذات اختلف العماء فيها الى قيام الساعة .
قلت كونه تبيانا لكل شئ من امور الدين باعتبار ان فيه نصا على بعضها واحالة لبعضها على السنة حيث امر باتباع النبى صلى الله عليه وسلم وطاعته وقيل فيه { وما ينطق عن الهوى } وحثا على الجماع وقد رضى رسول الله لامته باتباع اصحابه يحث قال « اصحابى كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم » وقد اجتهدوا وقاسوا ووطأوا طرق الاجتهاد فكان السنة والاجماع والقياس مستندة الى تبيان الكتاب ولم يضر ما فى البعض من الخفاء فى كونه تبيانا فان المبالغة باعتبار دون الكيفية { وهدى } وكاملا فى الهداية من الضلالة { ورحمة } للعالمين فان حرمان الكفرة من مغانم آثاره من تفريطهم لا من جهة الكتاب { وبشرى } وبشارة بالجنة { للمسلمين } خاصة .
وفيه اشارة الى ان فى الكتاب بيان كل شئ يحتاج اليه السالك فى اثناء السلوك والسير الى الله الى ان يصل الى اقصى مقام الكمال المقدر للانسان وهذا الكتاب هاد يهدى الله عباده برحمته وبشارة لمن اسلم وجهه الله وتابع النبى صلى الله عليه وسلم بالوصول الى مقام الكمال وحضرة الجلال وكما ان المنزل عليه هو الرسول والبيان من لسانه يؤخذ لا من لسان غيره فكذا الملهم عليه هو وارث الرسول والارشاد من تربية غيره فمن اسلم اى استسلم وانقاد لتربية الوسائط ولم يتحرك بشئ من عند نفسه كالميت على يد الغسال فقد هدى الى طريق التطهر عن الادناس النفسانية ووصل الى درجات العارفين : قال الحافظ
من بسر منزل عنقا نه بخود بردم راهه ... قطع اين مرحله بامرغ سليمان كردم
واعلم ان القرآن كاف لاهل الشريعة والحقيقة فمن مشى على ما صرح به واشار فقد امن منالعثار ومن خرج عن العمل به واتبع نفسه وهواه فقد بعد عن الله واسخط مولاه .
قال سهل بن عبد الله اصول الدين على ركنين التمسك بكتاب الله والاقتداء بسنة رسول الله وعن ابى يزيد قدس سره ستة اشياء حصن الاعضاء السبعة استعمال العلم وحسن الادب ومحاسبة النفس وحفظ اللسان وكثرة العبادة ومتابعة اسلنة .
وقال جنيد البغدادى قدس سره مذهبنا هذا مقيد بالكتاب والسنة . وقال على رضى الله عنه الطرق كلها مسدودة على الخلق الا من اقتفى اثر رسول الله صلى الله عليه وسلم .(7/82)
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)
{ ان الله يأمر } فى القرآن { بالعدل } بان لا تظلموا انفسكم وغيركم ولا تجوروا اى بالتسوية فى الحقوق فيما بينكم وترك الظلم وايصال كل حق الى ذى حقه أو يأمر بمراعاة التوسط بين الامور اعتقادا كالتوحيد المتوسط بين التعطيل والتشريك والقول بالكسب المتوسط بين الجبر والقدر وكذا القول بان الله لا يؤاخذ عدبه المؤمن بشئ من الذنوب مساهلة عظيمة والقول بانه يخلده فى النار بالمعاصى تشديد عظيم والعدل مذهب اهل السنة وعملا كالتعبد باداء الفرائض والواجبات المتوسطة بين البطالة والترهب وخلقا كالجود المتوسط بين البخل والتبذير والشجاعة المتوسطة بين التهور الجبن والواجب معرفة الوسط فى كل شئ فان القصد ممدوح والافراط والتفريط مذمومان وقال صلى الله عليه وسلم لمن سأله مستشيراً فى الترهيب وصيام الدهر وقيام الليل كله بعد زجره اياه « ان لنفسك عليك حقا ولزوجك عليك حقا ولزورك عليك حقا فصم وافطر وقم ونم » ولما رأى صلى الله عليه وسلم عمر رضى الله عنه يقرأ رافعا صوته فسأله فقال اوقظ السونان واطرد الشيطان قال عليه السلام « اخفض من صوتك قليلا » واتى ابا بكر رضى الله عنه فوجده يقرأ خافضا صوته فسأله فقال قد اسمعت من ناجيت فقال عليه السلام له « ارفع من صوتك قليلا » ومثله الامام فانه لا يجهر فوق حاجة الناس ولا يخافت خافضا سوته بحيث يشتبه عليهم تلاوته فيراعى بين ذلك حدا وسطا والا فهو مسيئ .
وفى التأويلات النجمية العدل صرف ما اعطاك الله من الآلات الجسمانية والروحانية ومن الاموال الدنيوية ومن شرائع الدين واعماله فى طلب الله والسير منك به اليه لان صرفه فى طلب غيره ظل : قال الحافظ .
فداى دوست نكرديم عمر ومال دريغ ... كه كار عشق زما اين قدر نمى آيد
{ والاحسان } وان تحسنوا الاعمال مطلقا لقوله عليه السلام « ان الله كتب الاحسان فى كل شئ »
وعن فضيل انه قال لو احسن الرجل الاحسان كله وكان له دجاجة فاساء اليها لم يكن من المحسنين - روى - ان امرأة عذبت فى هرة حبستها ولم تطعمها الى ان ماتت . وامرأة رحمها الله وغفر لها بسبب ان سقت كلبا عطشان بخفها - وحكى - ان حضرة الشيخ الشبلى رحمه الله مر فى بعض طرق بغداد بهرّه ترعد من برد الهواء فاخذها وجعلها فى كمه رحمة لها فكان ذلك سبب قبوله عند الله ووصلوه الى درجة الولاية ويدخل فيه العفو عن الجرائم والاحسان الى من اساء
هركه سنكت دهد ثمر بخشش ... والصبر على الاوامر والنواهى واداء النوافل فان الفرض لا بد من ان يقع فيه تفريظ فيجبره الندب وفى الحديث(7/83)
« حسنوا نوافلكم فبها تكمل فرائضكم » وفى المرفوع « النافلة هدية المؤمن الى ربه فليحسن احدكم هديته ولطيبها » كما فى المقاصد الحسنة . وايضا الاحسان هو المشاهدة كما قال عليه السلام « الاحسان ان تعبد الله كأنك تراه وان لم تكن تراه فانه يراك » وليست المشاهدة رؤية الصناع بالبصر وهو ظاهر بل المراد بها حالة تحصل عند الرسوخ فى كما الاعراض عما سوى الله وتمام توجهه الى حضرته بحيث لا يكون فى لسانه وقلبه وهمه غير الله وسميت هذه الحالة المشاهدة لمشاهدة البصيرة اياه تعالى كما اشار اليها بعض العارفين بقوله
خيالك فى عينى وذكرك فى فمى ... وحبك فى قلبى فاين تغيب
كذا في الرسالة الرومية .
وفى التأويلات النجمية الاحسان ان تحسن الى الخق بما اعطاك الله واراك سبل الرشاد فترشدهم وتسلك بهم طريق الحق للوصول او الوصال يدل عليه قوله تعالى « احسن كما احسن الله اليك » انتهى .
وايضا العدل الاعراض عما سوى والاحسان الاقبال على الله { وايتائ ذى القربى } القربى بمعنى القرابة اى اعطاء الاقارب ما يحتاجون اليه من الماء والدعاء بالخير وهو داخل فى الاحسان وانما افرد بالذكر اظهارا لجلاله صلة الرحم وتنبيها على فضيلتها كقوله تعالى { تنزل الملائكة والروح } والرحم عام فى كل رحم محرما كان او غير محرم واراثا كان او غير وارث من اولاد الاعمام والعمات والاخوال والخالات وغير ذلك وقطع الرحم حرام موجب لسخط الله وانقطاع ملائكة الرحمة عن بيت القاطع والصلة واجبة باعثة على كثرة الرزق وزيادة العمر سريعة التأثر ومعناها التفقد بالزيارة والهداء والاعانة بالقول والفعيل وعدم النسيان واقله التسليم وارسال السلام او المكتوب ولا توقيت فيها فى الشرع بل العبرة بالعرف والعادة كما فى شرح الطريق . قال الكاشفى [ در فصول عبد الوهاب فرموده كه عدل توحيد است ومحبت خداى واحسان دوستى حشرت بيغمبر وفرستادن صلوات برو وايتاء ذى القربى محيت اهل بيت است ] ودعاء اصحابه رضى الله عنهم .
وفى التأويلات النجمية اقرب القربى اليك نفسك فصله رحمها ان تنجيها من المهالك وترجع بها الى مالك الممالك { وينهى عن الفحشاء } عن الذنوب المفرطة فى القبح قولا وفعلا كالكذب والبهتان والاستهانة بالشريعة والزنى واللواطة ونحوها
وفى التأويلات هى ما يحجبك عن الله ويقطعك عنه اياما كان من مال او ولد او نحوهما فانه لا اقبح من الانقطاع عن الله ومثله اسبابه فان ما يجر الى الاقبح اقبح والعياذ بالله تعالى { والمنكر } وعما تنكره النفوس الزاكية السليمة ولا ترتضيه كما فى بحر العلوم او هو الشرك او مما لا يعرف فى شريعة ولا سنة او الاصرار على الذنب او ما اسخط الله تعالى .
وفى التأويلات ما ينكر به عليك من اضلال اهل الحق واغوائهم واحداث البدع واثارة الفتن كما فى اهالى هذا الزمان خصوصا متصوفهم { والبغى } والظلم والاستيلاء على الناس والتطاول عليهم بلا سبب وتجسس عيوبهم وغيبتهم والطعن عليهم والتجاوز من الحق الى الباطل ونحو ذلك .(7/84)
وفى التأويلات هو ما ثار من سورة صفات نفسك فيصيب الخلق منك ما يضرهم ويؤذيهم [ وآثر بقوت رياضت ببايد شكست ناقواعد سلوك ردستى يابد زيرا بحكم اعدى عدوك بدترين دشمن نفس است ]
اين سك نفس شوم وبد ككاره ... كه دراغوش تست همواره
بدترين قاصديست جان ترا ... مى خورد مغز استخوان ترا
بيشتر كرترا ببندد جت ... محكمش بندكن كه دشمن تست
[ در لطائف التقرير در تفسير اين آيت أورده كه استقامت ملك بسه جيزبود واضطراب اين به جيز منهى عنه وهريك ازيناها ثمره بس ثمره عدل نصر تست ونتيجه احسان ثنا ومدحست وفائدة صله رحم انس والفت اما نتيجه فحشاء فساد دين وثمره منكر برانكيحتن اعداء وحاصل بغى محروم ما ندن ازمتمنى ] { يعظمكم } [ بند مبدهد خدى تعالى شمارا ] يعنى بامر هذا المستحسنات ونهى هذه المستقبحات { لعلكم تذكرون } طلبا لان تتعظوا تأتمروا بالامر وتنتهوا بالنهى .
وقد امر الله تعالى فى هذه الآية بثلاثة اشياء ونهى عن ثلاثة اشياء وجمع فى هذه الاشياء الستة علم الاولين والآخرين وجميع الخصال المحمودة والمذمومة ولذلك قال ابن مسعود رضى الله عنه هى اجمع آية فى القرآن للخير والشر ولذا يقرأها كل خطيب على المنبر فى آخر كل خطبة لتكون عظة جامعة لكل مأمور ومنهى كما فى المدارك وحين اسقطت من الخطب لعنة اللاعنين لعلى امير المؤمنين رضى الله عنه اقيمت هذه الآية مقامها كما فى بحر العلوم . وقال الامام السيوطى فى كتاب الوسائل الى معرفة الاوائل اول من قرأ فى آخر الخبطة « ان الله يأمر بالعدل والاحسان » الخ عمر بن عبد العزيز ولزمها الخطباء الى عصرنا هذا تولى عمر الخلافة سنة تسع وتسعين ومدة خلافته سنتان وخمسة اشهر وكان صاحب المائة الاولى بالاجماع . وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ { ق } اى فى آخر الخطبة . وكان عمر ابن الخطاب رضى الله عنه يقرا اذا الشمس كورت الى قوله ما احضرت . وكان عثمان بن عفان رضى الله عنه يقرأ آخر سورة النساء يستفتونك الآية . وكان على بن ابى طالب رضى الله عنه يقرأ الكافرون والاخلاص ذكر ذلك ابن الصلاح . يقول الفقير انظر ان كلا منهم اختار ما يناسب الحال والمقام بحسب اختلاف الزمان والا لكفى لهم الاقتداء بالنبى عليه السلام فى تلاوة سورة « ق » ومنه يعرف استحباب الترضية والتصلية فانها كانت بحسب المصلحة المقتضية لها وهى رد الروافض ومن يتبعهم فى البغض ولا شك ان مثل ذلك من مهمات الدين فليس هذا بمنكر وانما المنكر ترجيعات المؤذنين ولحون الائمة والخطباء بحيث يحرفون الكلم عن مواضعه رعاية للنغمات والمقامات الموسيقية نعم قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره اذا كان الذكر بنغمة لذيذة فله فى النفس اثر للصورة الحسنة فى النظر .(7/85)
واول من قرأ فى الخطبة ان الله وملائكته يصلون على النبى الآية المهدى العباسى وعليه العمل فى هذا الزمان اى فى الخطب المطولة واما فى الخطب المختصرة لبعض العارفين فليس ذلك فيه لكن المؤذن يقرأه عند خروج الخيب .
والاحوط فى هذا الزمان ان يقرا عنده ما اختاره حضرة الشيخ وفا قدس سره وهو عن ابى هريرة رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اذا قلت للصاحبك انصت يوم الجمعة والامام يخطب فقد لغوت فاستمعوا وانصتوا رحمكم الله » وذلك لان اكثر المؤذنين اعتادوا فى الآية المذكورة ما يخرجها عن القرآنية من اللحن الفاحش ولنبك على غربة الدين ووحشة اهل اليقين وظهور البدع بين المسلمين .(7/86)
وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91)
{ واوفوا } اى استمروا على الايفاء وهو بالفارسية [ وفا كردن ] .
قال الكاشفى { نزول آيت درشان جمعيست كه باحضرت رسالت واضطراب درايشان بديد آمد شيطان خواست كه ابشانرا بفريبدتانقض عهد بيغمبر كنند حق سبحانه وتعالى بدين آيت ايشانرا ثابت قدم كردانيد وفرموده كه وفا كنيد ] { بعهد الله } وهو البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الاسلام فانها مبايعة لله تعالى لقوله تعالى { ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله } لان الرسول فان فى الله باق بالله وفى الحديث « الحجر الاسود يمين الله فى ارضه فمن لم يدرك بيعة رسول الله فمسح الحجر فقد بايع الله ورسوله » والبايعة من جهة الرسول هو الوعد بالثواب ومن جهة الآخر التزام طاعته وسميت المعاهدة مبايعة تشبيها بالمعاوضة المالية ثم هو عام لكلم عهد يلتزمه الانسان باختياره لان خصوص السبب لا ينفى عموم الحكم { اذا عاهدتم } اذا عاقدتم وواثقتم والعهد العقد والميثاق { ولا تنقضوا الايمان } التى تحلفون بها عند المعاهدة اى لا تحنثوا فى الحلف { بعد توكيدها } حسبما هو المعهود فى اثناء العهود اى توثيقها بذكر الله وتشديدها باسمه كما فى بحر العلوم . وقال سعدى المفتى الظاهر ان المراد بالايمان الاشياء المحلوف عليها كما فى قوله عليه السلام « من حلف على يمين » الخ لانه لو كان المراد باليمين ذكر اسم الله فهو غير التأكيد لا المؤكد فتأمل { وقد جعلتم الله عليكم كفيلا } شاهدا رقيبا فان الكفيل من يراعى لحال المكفول به محافظة عليه { ان الله يعلم ما تفعلون } من نقض الايمان والعهود فيجازيكم على ذلك . واعلم ان الوفاء تأدية ما اوجبت على نفسك اما بالقبول او بالنذر .
وعن بعض المتكلمين اذا رأيتم الرجل اعطى من الكرامات حتى يمشى على الماء ويطير فى الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه فى حفظ الحدود والوفاء بالعهود ومتابعة الشريعة؟ قيل لحكيم أى شئ اعمل حتى اموت مسلما قال لا تصحب مع الله الا بالموافقة ولا مع الخلق الا بالمناصحة ولا مع النفس الا بالمخالفة ولا مع الشيطان الا بالعداوة ولا مع الدين الا بالوفاء .
وفى التأويلات النجمية { وأوفوا بعهد الله } بائتمار اوامر الله وانتها نواهيه { اذا عاهدتم } مع الله يوم الميثاق { ولا تنقضا الايمان } مع الله { بعد توكيدها } وهو اشهادكم على انفسكم وقولكم بلى شهدنا { وقد جعلتم الله عليكم كفيلا } بجزاء وفائكم وهو تكفل منكم بالوفاء بما عهد معكم على الجزاء كما قال { وأوفوا بعهدى اوف بعهدكم } وتفصيل الوفاء من الله والعبد ما شرح النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث معاذ رضى الله عنه فقال « هل تدرى يا معاذ ما حق الله على الناس »(7/87)
قال قلت الله اعلم ورسوله قال « حقه عليهم ان يعبدوه ولا يشركوا به شيأ » اى يطلبوه بالعبادة ولا يطلبوا معه غيره ثم قال « أتدري يا معاذ ما حق الناس على الله اذا فعلوا ذلك » قال قلت الله ورسوله اعلم قال « فان حق الناس على الله ان لا يعذبهم » بعنى بعذاب الفراق والقطيعة بل يشرفهم بالوجدان والوصال كما قال « ألا من طلبنى وجدنى » وفى المثنوى
مادرين دهليز قاضىّ قضا ... بهر دعوىّ ألستيم وبلى
جون بلى كفتيم آنرا ز امتحان ... فعل وقول ما شهوداست وبيان
اوجه در دهليز قاضى تن زديم ... نى كه ما بهر كواهى آمديم
تاكه ندهى آن كواهى اى شهيد ... توازين دهليزكى خواهى رهيد
فعل وقول آمد كواهان ضمير ... هر دو بيدايى كند سر ستير
جرعة برخاك وفا آنكس كه ريخت ... كى تواند صيد دولت زوكريخت
بس بيمبر كفت بهر اين طريق ... با وفاتر ازعمل نبود رفيق
كربود نيكى ابدا يارت شود ... وربود بد در لحد مارت شود(7/88)
وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92)
{ ولا تكونوا } ايها المؤمنون فى نقض العهد { كالتى } كالمرأة التى { نقضت } النقض فى البناء والحبل وغيره ضد الابراهم كما فى القاموس . وبالفارسية [ شكستن بيمان وبشم باز كردن باريسمان ] { غزلها } الغزل [ ريسمان رستن ] وهو ههنا مصدر بمعنى المغزول اى ما غزلته من صوف وغيره { من بعد قوة } متعلق بنقضت اى من بعد ابراهم ذلك الغزل واحكامه فجعلته { انكاثا } حال من غزلها جمع نكث بمعنى المنكوث وهو كل ما ينكث فتله اى يحل عزالا كان او حبلا . والمعنى طاقات نكثت فتلها والمراد تقبيح حال النقض تبشيب حال الناقض بمثل هذه المرأة المعتوهة من غير تعيين اذلا يلزم فى التشبيه ان يكون للمشبه به وجود فى الخارج
وقال الكلبى ومقاتل هى ربطة بنت سعد بن تيم القرشية الملكية وكانت خرقاء موسوسة اتخذت مغزلا قد ذراع وسنارة مثل اصبع وهى بالكسر الحديدة فى رأس المغزل وفلكه عظيمة على قدرها فكانت تغزل هى وجواريها من الغداة الى نصف النهار تآمرهن بنقض جميع ما غزلن
قال الكاشفى [ حق سبحانه وتعالى تشبيه ميفرما يد يكستن عهد را به باره كردن وسن وميفر ما يدكه جنانجه آن زن حمقا وسن تاب داده خودرا ضايع ميكند مردم عاقل بايدكه هو رشته خود بسر انكشت نقض باره نكند تابحكم { واوفوا بعهدى اوف بعهدكم } جزاء وفا بيايد
كرت هو است كه دلدار نكسلد بيمان ... نكاه دار سر رشته تا نكهدارد
{ تتخذون ايمانكم دخلا بينكم } حال من الضمير فى لا تكونوا اى مشابهين بامرأة شأنها هذا حال كونكم متخذين ايمانكم مفسدة ودخلا بينكم واصل الدخل ما يدخل فى الشئ ولم يكن منه { ان تكون امة } اى بسب ان تكون جماعة قريش { هى اربى من امة } ازيد عدد واوفر مالا من جماعة المؤمنين وهذا نهى لمن يحالف قوما فان وجد ايسر منهم واكثر ترك من حالف وذهب اليه . ومحل هى اربى من امة نصب خبر كان .
وفى المدارك هى اربى مبتدأ وخبر فى موضع الرفع صفة لامة وامة فاعل يكون وهى تامة { انما يبلوكم الله به } اى بان تكون امة هى اربى من امة اى يعاملكم بذلك معاملة من يختبركم لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء بعهد الله وبيعة رسوله امت تغترون بكثرة قريش وشوكتهم وقلة المؤمنين وضعفهم بحسب ظاهر الحال والظبى وان كان واحدا فهو خير من قطيع الخنزير والسواد الاعظم هو الواحد على الحق ويقال سمى الدجال دجالا لانه يغطى الارض بكثرة جموعه ولا يلزم منه كونه على الحق وافضل من فى الارض يومئذ لان الله تعالى لا ينظر الى الصورة والاموال بل الى القلوب والاعمال فاذا كانت للناس قلوب واعمال صالحة يكونون مقبولين مطلقا سواء كانت لهم صورة حسنة واموال فاخرة ام لا والا فلا : قال الشيخ سعدى قدس سره
ره راست بايد نه بالاى راست ... كه كافرهم ازروى صورت جوماست
{ ولبينن لكم يوم القيمة ما كنتم فيه تختلفون } فى الدنيا اذا جازاكم على اعمالكم بالثواب والعقاب وهو انذار وتخويف من مخالفة ملة الاسلام ودين الحق فانها مؤدية الى العذاب الابدى .(7/89)
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93)
{ ولو شاء الله } مشيئة قسر والجاء { لجعلكم امة واحدة } متفقة على الاسلام { ولكن } لا يشاء ذلك لكونه مزاحما لقضبة الحكمة بل { يضل من يشاء } اضلاله اى يخلق فيه الضلاة حسبما يصرف اختياره الجزئي اليه { ويهدى من يشاء } هدايته حسبما يصرف اختياره الى تحصيلها فالاضلال والهداية مبنيا على الاختبار . وفيه سر عظيم لا عرفه الا الاخيار { و } بالله { لتسألن } جميعا يوم القيامة سؤال تبكيت ومجازاة لا سؤال تفهم { عما كنتم تعملون } فى الدنيا من الوفاء والنقض ونحوهما فتجزون به . واعلم ان العهود مواطنها لكثرة ومن العهود الحقة ما يجرى بين المريدين الصادقين والشيوخ الكاملين من البيعة وهى لازمة حتى يلقوا الله تعالى
وفى الآية اشارة الى المريد الذى تعلق بذيل ارادة صاحب ولاية من المشايخ وعاهده على صدق الطلب والثبات عليه عند مقاساة شدائد المجاهدات والتصبر على مخالفات النفس والهوى وملازمات الصحبة والانقياد للخدمة والتحمل على الاخوان وحفظ الادب معهم ففى اثناء تحمل هذه المشاقة تسأم نفسه وتضعف عن حمل هذه الاثقال فينقض عهده ويفسخ عزمه ويرجع قهقرى ثم يتخذ ما كان اسباب طلب الله من الارادة والمجاهدة ولبس الخرقة وملازمة الصحبة والخدمة والفتوحات التى فتح الله له فى اثناء الطلب والسير آلات طلب الدنيا وادوات تحصيل شهوات نفسه بالتصنع والمرآة والسمعة ابتلاء من الله اظهار للعزة اذا عظمت النفس وشهواتها فى نظر النفس واعرضت عن الله فى طلبها فمثل هذا حسبه جهنم البعد والقطعية .
قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده قدس سره هنا رجل ابن ابن المولى جلال يقال له ديوانه جلى يأكل ويشرب وشتغل بالشهوات ويزعم ان له نظرا الى الحقيقة من المظاهر حفظنا الله تعالى من الالحاد ففى حالة الاحتضار استغفر وقال يا حسرتا لم أعرف الطريق ويرجى ان يعفى لسبق ندامته وكان له كشوف سفلية وقطع بخطوة واحدة سبعين خطوة واكثر ولكن الكشوف السفلية مثلها مما كان فى مرتبة الطبيعة غير مقبول بل هى من الشيطان وعوام الناس يعدون اصحاب امثال هذه الكشوف الشيطانية الاقطاب بل الغوث الاعظم لكونهم على الجهل الجمادى لا يميزون بين الخير والشر ولصعوبة هذا الامر قال المولى الجامى قدس سره فى بعض رباعياته
در مسجد وخانقه بسى كرديدم ... بس شيخ ومريدرا كه بابوسيدم
نه يكساعت از هستى خود رستم ... نه آنكه زخويش رسته باشد ديدم
اللهم اصمنا من الدعوى واجعلنا من اهل التقوى .(7/90)
وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94)
{ ولا تتخذوا ايمانكم دخلا بينكم } مكرا وغدرا { فنزل } [ بلغزد ] نصب فى جواب النهى { قدم } اى اقدامكم ايها المؤمنون عن محجة الحق { بعد ثبوتها } عليها ورسوخها فيها بالايمان وافراد القدم وتنكيرها للايذان بان زلل قدم واحد اى قدم كانت عزت او هانت محذور عظيم فكيف باقدام كثيرة { وتذوقوا السوء } أى العذاب الدنيوى { بما صددتم } بصدودكم وخروجكم او بصدكم ومنعكم غيركم { عن سبيل الله } الذى ينتظم الوفاء بالعهود والايمان فان من نقض البيعة وارتد جعل ذلك سنة لغيره { ولكم } فى الآخرة { عذاب عظيم } شديد .(7/91)
وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95)
{ ولا تشتروا بعهد الله } اى لا تأخذوا بمقابلة عهده تعالى وبيعة رسوله { ثمنا قليلاً } اى لا تستبدلوا بها عوضا يسيرا وهو ما كانت قريش يعدون ضعفه المسلمين ويشترطون لهم على الارتداد من حطام الدنيا { ان ما عند الله } من النصر والتغنيم فى الدنيا والثواب فى الآخرة { هو خير لكم } مما يعدونكم { ان كنتم تعلمون } اى ان كنتم من اهل العلم والتمييز .(7/92)
مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96)
{ ما عندكم } من اعراض الدنيا وان كثرت { ينفد } يفنى وينقضى { وما عند الله } من انواع رحمة المخزونة { باق } لانفاد وهو حجة على الجهمية لانهم يقولون بان نعيم الجنة يتناهى وينقطع { ولنجزين } اى والله لنعطين { الذين صبروا } على اذية المشركين ومشاق الاسلام التى من جملتها الوفاء بالعهود والفقر { اجرهم } الخاص بهم بمقابلة صبرهم على الامور المذكورة وهو مفعول ثان لنجزين { باحسن ما كاناو يعملون } اى لنجزينهم بما كانوا يعملونه من الصبر المذكور وانما اضيف اليه الاحسن للاشعار بكمال حسنه كما فى قوله تعالى { وحسن ثواب الآخرة } فقد علم من الآيات ان للوفاء بالعهد والثبات على الايمان والصبر على المشاق ثمرات دنيويه واخروية . فعلى العاقل ان لا ينقض المعاهدة التى بينه وبين الله وكذا بين العلماء العاملين والصلحاء الكاملين . وعن بعض اهل العلم كنت بالمصيصة فاذا برجلين يتكلمان فى الخلوة مع الله تعالى فلما اراد ان يصرفا قال احدها للآخر تعال نجعل لهذا العلم ثمرة ولا يكون حجة علينا فقال له اعزم على ما شئت فقال ان لا آكل ما لمخلوق فيه صنع قال فتبعتهما وقلت انا معكما فقالا على الشرط قلت على أى شرط شرطتما فصعد جبل لكام ودلانى على كهب وقالا تعبد فيه فدخلت فيه وجعل كل واحد يأتينى بما قسم الله تعالى وبقيت مدة ثم قلت الى متى اقيم ههنا انا اسير الى طرطوس وآكل من الحلال واعلم الناس العلم واقرئ القرآن فخرجت ودخلت طرطوس واقمت بها سنة فاذا انا برجل منهما قد وقف علىّ وقال يا فلان خنت فى عهدك ونقضت اميثاق ألا انك لو صبرت كما صبرنا لوهب لك ما وهب لنا قلت ما الذي وهب لكما قال ثلاثة اشياء طى الارض من المشرق الى المغرب بقدم واحد والمشى على الماء والحجة اذا شئنا ثم احتجب عنى ففى هذه الحكاية ما يغنى العاقل عن التصريح فانظر الى ذلك العالم كيف اختار ما عند الناس فحرم مما عند الله من الكرامات والكمالت وذلك ان نقض العهد بسبب عرض دنيوى فى صورة امر دينى فان التعليم واقراء الناس وان كان من الامور الاخروية الا انه لا د لطالب الحق حين تخليه وانقطاعه من التجرد عن كل اسم ورسم وصورة : فان قيل
منصب تعليم نوع شهوتيست ... وما يعقل هذا المقام الا العالمون وفى المثنوى
كرنبودى امتحان هربدى ... هر مخنث دروغا رستم بدى
خود مخنث را زره بووشيده كير ... جون به بيند زحم كردد جون اسير
ونعم ما قيل وعند الامتحان يكرم الرجل او يهان فمن زل عند الامتحان فقد افتضح وذاق وجع القطعية والفراق وماله من خلاق ومن ثبت وصبر وافتكر العاقبة ظفر بالمراد وجوزى جزاء لا يعلمه الا رب العباد فانه اعد لعباده الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .(7/93)
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)
{ من } [ هركه ] { عمل } [ بكند ] { صالحا } اى عملا صالحا اى عمل كان وهو ما كان لوجه الله تعالى ورضاه ليس فيه هوى ولا رياء والفرق بينهما ان الهوى بالنسبة الى النفس والرياء بالنسبة الى الخلق { من ذكر او انثى } اى حال كون ذلك العامل من رجل او امرأة بينه بالنوعين ليعمهما الوعد الآتى ولا يتوهم التخصيص بالذكور بناء على كثرة استعمال لفظ من فيهم وان الاناث لا يدخلن فى اكثر الاحكام والمحاورات الا بطريق التغليب او التبعية { وهو } اى والحال ان ذلك العامل { مؤمن } قيده به اذلا اعتداد باعمال الكرة فى استحقاق الثواب وانما المتوقع عليها تخفيف العذاب كما قال النبى صلى الله عليه وسلم « ان الله تعالى يأمر بالكافر السخى الى جهنم فيقول لمالك خازن جهنم عذبه وخفف عنه العذاب على قدر سخائه الذى كان فى دار الدنيا » كما فى تفسير السمرقدنى ويؤيده ما قيل انه لما عرج النبى صلى الله عليه وسلم اطلع على النار فرأى حظيرة فيها رجل لا تمسه النار فقال جبرائيل عليه السلام هذا حاتم طى صرف الله عنه عذاب جهنم بسخائه وجوده كما فى انيس الوحدة { فلنحيينه حيوة طيبة } فى الدنيا يعيش عيشا طيبا لانه ان كان موسرا فظاهر وان كان معسرا فيطيب عيشه بالقناعة والرضى بالقسمة وتوقع الاجر العظيم فى الآخرة كالصائم يطيب نهاره بملاحظة نعيم ليله بخلاف الفاجر فانه ان كان معسرا فظاهر وان كان موسرا فلا يدعه الحرص وخوف الفوت ان يتهنأ بعيشه { ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون } اى ولنعطينهم فى الآخرة اجرهم الخاص بهم بما كانوا يعملون من الصالحات وانما اضيف اليه الاحسن للاشعار بكمال حسنه كما سبق فى حق الصابرين .
وفى التأويلات النجمية يشير بالذكر الى القلب وبالانثى الى النفس فالعمل الصالح من النفس استعمال الشريعة بتقوى الله وصدقه على وفق الطريقة تزكية عن سفاتها الذميمة وافعالها الطبيعية والعمل الصالح من القلب حست توجهه الى الله بالكلية لطلب الله والاعراض عما سواه تصفية للتحلية بصفات الله والتخلق باخلاقه وبقوله { فلنحيينه حيوة طيبة } يشير الى احياء كل واحد منهما بالحياة الطيبة على قدر صلاحية عمله وحسن استعداد فى قبولها فاحياء النفس بالحياة الطيبة ان تصير مزكاة عن صفاتها متحلية باخلاق القلب الروحانى مطمئنة بذكر الله راجعة الى ربها راضية مرضية واحياء القلب بالحياة الطيبة ان يصير متخلقا باخلاق الله ويكون فانيا عن انانيته بهويته حيا بحياته طيبا عن دنس الاثنينية ولوث الحدوث فان الله طيب عن هذا الاوصاف فلا يقبل الاطيبا . ثم اعلم ان صلاحية اعمال العباد انما تكون على قدر صدقهم فى المعاملات وحسن استعدادهم فى قبول الفيض الالهى فيكون طيب حياتهم باحياء الله اياهم بحسب ذلك ولنجزينهم فى الآخرة اجر كل طائفة منهم باوفر مان كانوا يظنون ان يجازيهم الله على اعمالهم بيانه قوله(7/94)
{ ان تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه اجرا عظيما } وعن بعض اصحاب الامام احمد بن خبل رحمه الله قال لما مات احمد رأيته فى المنام وهو يمشى ويتبختر فى مشيه فقلت له يا اخى أى مشية هذه قال مشية الخدام فى دار السلام فقلت له ما فعل الله بك قال غفر لى والبسنى نعلين من ذهب وقال هذا جزاء قولك القرآن كلام الله المنزل غير مخلوق وقال يا احمد قم حيث شئت فدخلت الجنة فاذا سفيان الثورى رحمه الله له جناحان اخضران يطير بهما من نخلة الى نخلة وهو يقرأ هذه الآية { الحمد لله الذى صدقنا وعده واورثنا الارض نتبوأ من الجنة حيث نشأ فنعم اجر العاملين } فقلت له أى شئ خبر عبد الواحد الوارق رحمه الله قال تركته فى بحر من النور يراد به الملك الغفور فقلت ما فعل بشر بن الحارث رحمه الله فقال بخ بخ ومن مثل بشر تركته بين يدى الجليل والجليل سبحانه مقبل عليه وهو يقول كل يا من لم يأكل واشرب يا من لم يشرب وتنعم يا من لم ينعم .
وقال بعض الاخيار رأيت الشيخ ابا اسحاق ابراهيم بن على ابن يوسف الشيرازى رحمه الله فى المنام بعد وفاته وعليه ثياب بيض وعلى رأسه تاج فقلت له ما هذا البياض فقال شرف الطاعة قلت والتاج قال عز العلم فعلم من هذا المذكور ان من عمل صالحا لا بد ان يصل اليه جزاء عمله وان الجزاء من جنس العمل وانه يختلف بحسب اختلاف حلال العامل . فعلى العاقل المبادرة الى الاعمال الصالحة والصبر . على مشاق الطاعات الى ان يجيء وعد الله تعالى قال الحافظ .
صبركن حافظ بسختى روزوشب ... عاقبت روزى بيابى كام را(7/95)
فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)
فاذا قرأت القرآن } اى اردت قراءته عبر عن الارادة القراءة على طريقة اطلاق اسم المسبب على السبب ايذانا بان المراد هى الارادة المتصلة بالقراءة { فاستعد بالله } اى فاسأله تعالى ان يعيذك ويحفظك { من الشيطان } البعيد عن الخير { الرجيم } المرجوم بالطرد واللعن اى من وساوسه وخطراته كيلا يوسوسك عند القرآن فان ناصية كل مخلوق بيده او قل اعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهو المختار من الروايات الاربع عشرة الواردة فى الفاظ الاستعاذة كما فى تفسير خوارجه بارسا قدس سره .(7/96)
إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99)
{ انه } اى الشيطان او الشان { ليس له سلطان } تسلط وولاية { على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون } على اولياء الله المؤمنين به والمتوكلين عليه فان وسوسته لا توثر فيهم لما امر القارئ بان يسأل الله تعالى ان يعيذه من وساوسه وتوهم منه ان له تسلطا وولاية على اغواء بنى آدم كلهم بين الله تعالى ان لا تسلط له على المؤمنين المتوكلين فقوله انه الخ فى معرض التعليل للامر باللاستعاذة واشارة الى ان مجرد القول لا ينفع بل لا بد لمن اراد ان لا يكون للشيطان سبيل عليه ان يجمع بين الايمان والتوكل .(7/97)
إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)
{ انما سلطانه } اى تسلطه وغلبته بدعوته المستتبعة للاستجابة لا سلطانه بالقسر والالجاء فانه منتف عن الفريقين لقوله تعالى حكاية عنه { وما كان لى عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لى } وقد افصح عنه قوله تعالى { على الذين يتولونه } اى يتخذونه وليا ويستجيبون دعوته ويطيعونه فان المقسور بمعزل عن ذلك كذا فى الارشاد وهو جواب عما قال السمرقندى فى تفسيره من ان فى بناء الكلام على الحصر والاختصاص ردا للشيطان فى قوله للكفرة فى جهنم { وما كان لى عليكم من سلطان } وتكذيبا له انتهى .
{ والذين هم به } سبحانه وتعالى { مشركون } مثبتون الشريك فى الالوهية او بسبب الشيطان اذ هو الذى حملهم على الاشراك بالله
قال فى التأويلات النجمية الخطاب فى هذه الآية مع الامة وان خص النبى صلى الله عليه وسلم لان الشيطان كان يفر من ظل مر رضى الله عنه وهو احد تابعيه فكيف يقدر على ان يدور اليه سيما اسلم شيطانه على يده صلى الله عليه وسلم يدل عليه قوله { انه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون } يعنى سلطان نور الايمان والتوكل غالب على سلطان وسوسة الشيطان فاذا كان هذا حال الامة مع الشيطان فكيف يكون حال النبوة معه فثبت ان المراد بالخطاب الامة وانما خص النبى صلى الله عليه وسلم به لتعتبر الامة وتتنبه ان مثل النبى صلى الله عليه وسلم مهما يكن مأمورا بالاستاذة بالله من الشيطان الرجيم فتكون الامة بها اولى واحق . قال بعضهم هل المراد كل شيطان او القرين فقط الظاهر انه فى حقنا القرين قال الله تعالى { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين } وفى حق رسول الله صلى الله عليه وسلم ابليس اما نحن فلان الانسان لا يؤذيه من الشياطين الا ما قرن به وما بعد فلا يضره شيأ والعاقل لا يستعيذ ممن لا يؤذيه واما الرسول صلى الله عليه وسلم فان قريته لما اسلم تعين ان يكون الاستعاذة من ابليس او اكابر جنوده وتخصيص الاستعاذة بالله عند قراءة القرآن من الشيطان الرجيم لمعان وفوائد اولها كى يتذكر القارئ واقعة الشيطان وبتفكر فى امره انه انما صار شيطانا رجيما بعد ان كان ملكا كريما لانه فسق عن امر ربه وخافه وابى ان يسجد لآدم واستكبر وكان من الكافرين اى فصار من الكافرين فينتبه بذلك عند قراءة القرآن ويصفى نيته قبل القراءة على ان يأتمر بما امر الله فى القرآن وينتهى عما نهاه عنه احترازا عن المخالفة فان فيها الطرد واللعن والرجم والفسق والكفر وانها مظنة للخلود فى النار وثانيها لان العبد لا يخلو من حديث النفس وهواجسها وم القاء الشيطان ووساوسه وقلبه لا بد يتشوش بذلك فلا يجد حلاوة كلام الله فامر بالاستعاذة وتزكيته للنفس عن هواجسها وتصفيته للقلب عن وساوس الشيطان ليتجلى بنور القرآن فان التجلية تكون بعد التزكية والتصفية وثالثها لان فى كل كلمة من كلمات الرىن لله تعالى اشارات ومعانى وحقائق لا يفهمها الا قلب مطهر عن تلوثات الهواجس والوساوس معطر بطيب انفاس الحق وذلك مودع فى الاستعاذة بالله فامر بها لحصول الفهم - وروى - جبير بن مطعم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فقال(7/98)
« الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة واصيلا اعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخه ونفثه وهمزه » قال ابن مسعود رضى الله عنه نفخه الكبر ونفثه الشعر وهمزه الموتة يعنى الجنون .
وفى قوله { انه ليس له سلطان } الآية اشارة الى ان تصرف الشيطان وقدرته بالاغوآء والاضلال على الانسان انما ينقطع بقدر نوع الايمان وقوة التوكل فمهما يكمل الايمان والتوكل يكون المؤمن ازاهدا عن الدنيا راغبا فى الآخرة متبتلاً الى الله تعالى فلا يبقى للشيطان عليه سلطان فى اضلاله واغوائه ولكن يأول امره الى الوسوسة وفيها صلاح المؤمن فان ابريز اخلاص قلبه عن غش صفات نفسه لا يتخلص الا بنار وسوسة الشيطان لانه يطلع على بقايا صفات نفسه بما تكون الوسوسة من جنسه فيزيد فى الرياضة ومجاهدة النفس وملازمة الذكر فبها تنقض وتمنحى بقية صفات النفس ويزداد نور الايمان وقوة التوكل وقربة الحق وقبوله .
وفى بعض الاخبار ان النبى صلى الله عليه وسلم قال « ان ابليس قال يا رب قلت فى كتابك ان عبادى ليس لك عيهم سلطان فمن هم فقال تعالى من كان نور وجهه من عرشى وطينه من طين ابراهيم ومحمد عليهما السلام وقلبه خزينتى قال ابليس فمن هم فقال تعالى من كان نادما على ذنبه وخائفا من خاتمته فنور وجهه من نور عرشى ومن كان يطعم الطعام ويرحم العباد فطينه من طينهما ومن كان راضيا بحكمى مسارعا الى ابتغاء مرضاتى فقلبه خزينتي »
وفى الخبر « اذا لعن المؤمن شيطانا يقول لعنت لعينا واذا قال اعوذ بالله من الشيطان الرجيم يقول قصم ظهرى لانه يحيل الى القادر » . وفى الخبر « من استعاذ بالله فى اليوم عشر مرات من الشيطان وكل الله به ملكا يرد عنه الشياطين » : قال الحافظ
درراه عشق وسوسة اهر من بسيست ... هش دار وكوش دل بيام سروش كن
واعلم ان الاستعاذة واجبة على كل من شرع فى قراءة القرآن سواء بدأ من اوائل اسورة او من اجزائها مطلقا وان ارابد به افتتاح الكتب او الدرس كما يقرأ التلميذ على الاستاذ لا يتعوذ كذا فى انوار المشارقة .(7/99)
والوجوب مذهب الجمهور كما فى الارشاد . وقال الفنارى فى تفسير الفاتحة والاستعاذة غير واجبة عند الجمهور والامر فى فاستعذ للندب انتهى .
وقال الكاشفى فى تفسيره [ وامر بساتعاذه قبل از قراءة بقول جمهور امر استحبابست وباختيار جمعى از كبرا برسبيل ايجاب . در تفسير قرطبى قولى هست كه استعاذه برحضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم تنها فرض بوده بوقت قراءة واقتداء امت برو برسبيل سنت است ] انتهى .
والتعوذ فى الصلاة ينبغى ان يكون واجبا لظاهر الامر الا ان السلف اجمعوا على سنته كما فى الكافى . قال القرطبى ابو حنيفة والشافعى رحمهما الله يتعوذان فى الركعة الاولى فى الصلاة ويريان قراءة الصلاة كلها قراءة واحدة كما فى حواشى سعدى المفتى . والغرض نقى الوسوسة فى التلاوة فشرع لافتتاح القراءة . قال جعفر الصادق رضى الله عنه ان التعوذ تطهير الفم عن الكذب والغيبة والبهات تعظيما لقراءة القرآن
زبان آمد ازبهر شكر وسباس ... بغيبت نكرداندش حق شناس(7/100)
وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)
{ واذا بدلنا آية مكان آية } قال سلطال المفسرين ترجمان القرآن ابن عباس رضى الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا نزلت عليه آية فيها شدة اخذ الناس بها وعملوا ما شاء الله ان يعملوا فيشق ذلك عليهم فينسخ الله هذه الشدة ويأتيهم بما هو ألين منها واهوان عليهم رحمة من الله فيقول لهم كفار قريش ان محمدا يسخر باصحابه يأمرهم اليوم بامر وينهاهم عنه غدا ويأتيهم بما هو اهون عليهم وما هو الا مفتر يقوله من تلقاء نفسه . والمعنى اذا انزلنا آية من القرآن مكان آية منه وجعلناها بدلا منها بان نسخناها { والله اعلم بما ينزل } جملة معترضة بين الشرط وجوابه وهو قالوا لتوبيخ الكفرة على قولهم والتنبيه على فساد سندهم اى اعلم بين ينزل اولا وآخرا من الاحكام والشرائع التى هى مصالح ورب شئ يكون مصلحة فى وقت يكون مفسدة فى وقت آخر فينسخه ويثبت مكانه ما يكون مصلحة لخلقه { قالوا } اى الكفرة { انما انت مفتر } على الله منقول من عند نفسك { بل اكثرهم لا يعلمون } ان الله امر باشياء نظرا لصلاح عباه واقلهم يعلم الحكمة فى النسخ ولكن ينكر عنادا .(7/101)
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)
{ قل } ردا عليهم { نزله } اى القرآن المدلول عليه بالآية { روح القدس } اى الروح المقدس المطهر من الادناس البشرية وهو جبريل عليه السلام واضافة الروح ال القدس وهو الطير كاضافة حاتم الى الجود حيث قيل حاتم الجود للمبالغة فى ذلك الوصف كأنه طبع منه فالمراد الروح المقدس وحاتم الجواد وفى صيغة التفعيل فى الموضعين اشعار بان التدريج فى الانزال مما يقتضيه الحكمة البالغة { من ربك } من سيدك ومتولى امرك { بالحق } فى موقع الحال اى نزله ملتبسا بالحق الثابت الموافق للحكمة المقتضية له بحيث لا يفارقها انشاء ونسخا وفيه دلالة على ان النسخ حق { ليثبت } الله تعالى أو جبريل مجازا { الذين آمنوا } على الايمان بانه كلامه فانهم اذا سمعوا الناسخ وتدبروا ما فيه من رعاية المصالح اللائقة بالحال رسخت عقائدهم واطمأنت قلوبهم على ان الله حكيم فلا يفعل الا ما هو حكمة وصاب { وهدى } من الضلالة { وبشرى } بالجنة { للمسلمين } المنقادين لحكمه تعالى وهما معطوفان على محل ليثبت والتقدير تثبيتا لهم وهداية وبشارة . وفيه تعريض بحصول اضداد الامور المذكورة لمن سواهم من الكفار
قال فى التأويلات النجمية ان الله تعالى هو الطيب والقرآن هو الدواء يعالج به من مرض القلوب كقوله تعالى { وشفاء لما فى الصدور } كما ان الطيب يداوى المريض كل وقت بنوع من الادوية على حسب المزاج والعلة لازالتها ويبدل الا شربه والمعاجين بنوع آخر وهو اعلم بالمعالجة من غيره وكذلك الله عز وجل يعالج قلوب العباد بتبديل آية وانزال آية مكانها والله اعلم بما ينزل ويعالج به البعد فالذين لا يعلمون قوانين الامراض والمعالجات يحملون ذلك على الافتراء وفى التنزيل والتبديل تثبيت الايمان فى قلوب المؤمنين بازالة امراض الشكوك عن قلوبهم فان القرآن شفاء وهدى لصحة الدين وسلامة القلوب وباشرة للمسلمين الذي استسلموا للطبيب والمعالجة لصحة دينهم وكان الصحابة رضى الله عنهم يكتفون ببعض السور القرآنية ويشتغلون فى العمل بها فان المقصود من القرآن العمل به - روى - ان رجلا جاء الى النبى صلى الله عليه وسلم وقال علمنى مما علمك الله فدفعه الى رجل يعلمه القرآن فعلمه { اذا زلزلت الارض } حتى بلغ { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } فقال الرجل حسبى فاخبر النبى صلى الله عليه وسلم بذلك فقال « دعوه فقد فقه الرجل » قال اشليخ سعد قدس سره
علم جندانكه بيشتر خوانى ... جون عمل درتونيست نادانى
نه محقق بود نه دانشمدند ... جار بايى بروكتابى جند
آن نهى مغزراجه علم وخبر ... كه بروهيرم است ويا دفتر
وقال [ عالم ن برهيز كاركوريست شعله دار . بى فائده هركه عمر درياخت جيزى نخريدوزر بيند اخت ] اى اضاع المال ولم يكن على شئ نسأل الله التوفيق للتقوى والعمل بالقرآن فى كل مكان وزمان .(7/102)
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)
{ ولقد نعلم } ادخل قد توكيدا لعلمه بما يقولون ومرجع توكيد العلم الى توكيد الوعد والوعيد لهم .
ذكر ابن الحاجب انهم نقلوا قد اذا دخلت على المضارع من التقليل الى التحقيق كما ان رما فى المضارع نقلت من التقليل الى التحقيق { انهم } اى كفار مكة { يقولون انما يعلمه } اى القرآن { بشر } .
قال الامام الواحدى فى اسباب النزول عد عبيد بن مسلمة قال كان لنا غلامان نصرانيان من اهل عين التمر اسم احدهما يسار والآخر جبر وكان صيقلين [ يعنى شمشيرهارا صيقل زدندى ] فكانا يقرآن كتابا لهم بلسانهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بهما ويسمع قراتهما فكان المشركون يقولون يتعلم منهما فانزل الله تعالى هذه الآية واكذبهم فالمراد فكان المشركون يقولون يتعلم منها فانزل الله تعالى هذه الآية واكذبهم فالمراد بالبشر ذانك الغلمان { لسان الذى يلحدون اليه اعجمى } مبتدأ وخبر وكذا ما عبده لابطال طعنهم . والالحاد الامالة ( من ألحد القبر اذا مال حفره عن الاستقامة فحفر فى شق منه ثم استعير لكل امالة عن الاستقامة فقالوا ألحد فلان فى قوله وألحد فى دينه ومنه الملحد لانه امال مذهبه عن الاديان كلها ولم يمله عن دين الى دين والاعجمى هو الذى لا يفصح وان كان عربيا والعجمى المنسوب الى العجم وان كان فصحيا . والمعنى لغة الرجل الذى يميلون اليه القول عن الاستقامة ويشيرون اليه انه يعلم محمد اعجمية غير بينة { وهذا } القرآن الكريم { لسان عربى مبين } ذو بيان وفصاحة فكيف يصدر عن اعجم . يعنى ان القرآن معجز بنظمه كما انه معجز بمعناه لاشماله على الاخبار عن الغيب فان زعمتم ان بشرا يعلمه معناه فكيف يعلمه هذا النظم الذى اعجز جميع اهل الدنيا .
وفى التأويلات النجمية الاعجمى هو الذى لا يفهم من كلام الله تعالى ما اودع الله فيه من الاسرار والاشارات والمعانى والحقائق فانه لا يحصل ذلك الا لمن رزقه الله فهما يفهم به واللسان العربى هو الذى يسره الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وبين له { ثم ان علينا بيانه } فالعربي المبين هو الذى أعطاه الله قلبا فهيما ولسانا مبينا فافهم جدا .(7/103)
إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)
{ ان الذين لا يؤمنون بآيات الله } اى لا يصدقون انها من عند الله بل يقولون فيها ما يقولون يسمونها تارة افتراء واخرى اساطير معلمة من البشر { لا يهديهم الله } الى سبيل النجاة هداية موصلة الى المطلوب لما علم انهم لا يستحقون ذلك لسوء حالهم { ولهم } فى الآخرة { عذاب اليم } [ عذابى دردناك بجهت كفر ايشان بقرآن ونسبت اتفتراء بحصرت بيغمبر صلى الله عليه وسلم وحال آنكه مفترى ايشانند ] .(7/104)
إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105)
{ انما يفترى الكذب } التصريح بالكذب للمبالغة فى بيان قبحه والفرق بين الافتراء والكذب ان الافتراء هو افتعال الكذب من قول نفسه والكذب قد يكون على وجه التقليد للغير فيه وفاعل يفترى هو قوله { الذين لا يؤمنون بآيات الله } رد لقولهم انما انت مفتر يعنى انما يليق افتراء الكذب بمن لا يؤمن لانه لا يترقب عقابا عليه ليرتدع عنه واما من يؤمن به ويخاف ما نطقت به من العقاب فلا يمكن ان يصدر عنه افتراء البتة .
قال فى التأويلات النجمية وجه الاستدلال ان الافتراء من صفات النفس الامارة بالسوء وهى نفس الكافر الذى لا يؤمن بآيات الله فان نفس المؤمن مأمورة لوامة ملهمة من عند الله مطمئنة بذكر الله ناظرة بنور الله مؤمنة بآيات الله لان الآيات لا ترى الا بنور الله كما قال صلى الله عليه وسلم « المؤمن ينظر بنور الله » فاذا كان من شأن المؤمن ان لا يفترى الكذب اذ هو ينظر بنور الله فكيف يكون من شأن رسوله ان يفترى الكذب وهو نور من الله ينظر بالله { واولئك } الموصوفون بما ذكر من عدم الايمان بآيات الله { هم الكاذبون } على الحقيقة لا على الزعم بخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فان حاله على العكس او الكاملون فى الكذب اذ لا كذب اعظم من تكذيب آياته والطعن فيها بامثال هاتيك الاباطيل . فاللام للجنس والحقيقة ويدعى قصر الجنس فى المشار اليهم مبالغة فى كمالهم فى الكذب وعدم الاعتداء بكذب غيرهم .
قال فى الارشاد السر فى ذلك ان الكذب الساذج الذى هو عبارة عن الاخبار بعدم وقوع ما هو واقع فى نفس الامر . بخلق الله تعالى او بوقوع ما لم يقع كذلك مدافعة لله تعالى فى فعله فقط والتكذيب مدافعة له سبحانه فى فعله وقوله المنبئ عنه مما انتهى .
قيل للنبى صلى الله عليه وسلم المؤمن يزنى قال « قد يكون ذلك » قيل المؤمن يسرق قال « قد يكون ذلك » قيل المؤمن يكذب قال « لا » ويكفى فى قبح الكذب ان الشيطان استثنى العباد المخلصين من اهل الاغواء ولم يكذب فانه يعلم ان وسوسته لا تؤثر فيهم .
قال ارستطاليس فضل الناطق على الاخرس بالنطق وزين النطق الصدق والاخرس والصامت خير من الكاذب .
بهائم خموشند وكويا بشر ... برا كنده كوى از بهائم بتر
وقد قالوا النجاة فى الصدق كما ان الهلاك فى الكذب - خطب الحجاج - يوما فاطال فقام رجل وقال الصلاة الصلاة الوقت يمضى ولا ينتظرك يا امير الحبشة فقال قومه انه مجنون قال ان اقر بجنته فقيل له فقال معاذ الله ان اقول ابتلانى وقد عافانى فبلغه فعفا عنه لصدقه فصار الصدق سببا للنجاة للاهم اجعلنا من الصادقين .(7/105)
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)
{ من كفر بالله } اى تلفظ بكلمة الكفر { من بعد ايمانه } به تعالى كابن حنطل وطمعة ومقيس وامثالهم ومن موصولة ومحلها الرفع على الابتداء والخبر محذوف لدلالة الخبر الآتى عليه وهو قوله { فعليهم غضب } وقدره الكاشفى بقوله [ در معرض غضب ربانى باشد ] لكنه جعل من شرطية كما يدل عليه تعبيره بقوله [ هركه كافر شود بخداى تعالى ازيس ايمان خويش ومرتد كردد ] ويجوز ان يكون الخبر الآتى خبرا لهما معا { الا من } [ مكر كسى كه ] { اكره } اجبر على ذلك التلفظ بامر يخاف على نفسه او على عضو من اعضائه وهو استثناء متصل من حكم الغضب والعذاب لان الكفر لغة يعم القول والعقد كالايمان اى لا من كفر باكراه وقيل منقطع لان الكفر اعتقاد والاكراه على القول دون الاعتقاد . والمعنى لكن المكره على الكفر باللسان { وقلبه مطمئن بالايمان } [ ارميده باشد ] بالايمان حال من المستنثى اى والحال ان قلبه مطمئن بالايمان لم تتغير عقيدته وفيه دليل على ان الايمان المنجى المعتبر عند الله هو التصديق بالقلب { ولكن من } لم يكن كذلك بل { شرح بالكفر صدرا } اى اعتقده وطاب به نفسا . وبالفارسية [ وليكن هركس كه بكشايد بكفر سينه را ] { فعليهم غضب } عظيم { من الله } فى الحديث « ان غضب الله هو النار » { ولهم عذاب عظيم } العذاب والعقاب الايجاع الشديد وتقديم الظرف فيهما للاختصاص والدلالة على انهم احقاء بغضب الله وعذابه العظيم لاختصاصهم بعظم الجرم وهو الارتداد .
قال ابن عباس رضى الله عنهما نزلت الآية فى عمار رضى الله عنه وذلك ان كفار قريش اخذوه وابويه ياسر وسمية وصهيبا وبلالا وخبابا وسالما فعذبوهم ليرتدوا فابى ابواه فربطوا سمية بين بعيرين ووجئ اى ضرب بحربة فى قبلها وقالوا انما اسلمت من أجل الرجال والتعشق بهم فقتلوها وقتلوا ياسرا وهما اول قتيلين فى الاسلام واما عمار فكان ضعيف البدن فلم يطق لعذابهم فاعطاهم بلسانه ما اكرهوه عليه وهو سب النبى صلى الله عليه وسلم وذكر الأصنام بخير فقالوا يا رسول الله ان عمارا كفر فقال عليه الصلاة والسلام « كلا ان عمارا ملئ ايمانا من قرنه الى قدمه واختلط الايمان بلحمه ودمه » فأتى عمار رسول الله وهو يبكى فجعل رسول الله يسمح عينيه وقال « مالك ان عادوا لك فعدلهم بما قلت » وهو دليل عى جواز التكلم بكلمة الكفر عند الاكراه الملجئ وان كان الافضل اين جتنب عنه ويصبر على الاذى والقتل كا فعله ابواه كما روى ان مسيلمة الكذاب اخذ رجلين فقال لاحدهما ما تقول فى محمد قال رسول الله قال فما تقول فىّ قال فانت ايضا فخلاه وقال للآخر ما تقول فى محمد قال رسول الله قال فما تقول فى قال انا اصم فاعاد ثلاثا فاعاد جوابه فقتله فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اما الاول فقد اخذ برخصة الله واما الثانى فقد صدع بالحق فهنيئا له وفى الحديث(7/106)
« افضل الجهاد كلمة العدل عن سلطان جائر » وانما كان افضل الجهاد لان من جاهد العدو وكان مترددا بين خوف ورجاء ولا يدرى هل يغلب او يغلب وصاحب السلطان مقهور فى يده فهو اذا قال الحق وامره بالمعروف فقد تعرض للتلف فصار ذلك افضل انواع الجهاد من اجل غلبة الخوف كذا فى ابكار الافكار فى مشكل الاخبار .(7/107)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108)
{ ذلك } الكفر بعد الايمان { بانهم } اى بسبب انهم { استحبوا } { دوست داشتند وبركزيدند ] فتعدية الاستحباب بعلى لتضمنه معنى الايثار { الحيوة الدنيا } [ زندكانى دنيارا ] { على الآخرة } [ بر نعيم آخرت ] { وان الله } [ وديكر بجهت آنت كه خدى تعالى ] { لا يهدى } الى الايمان والى ما يوجب الثبات عليه هداية قسر والجاء { القوم الكافرين } فى علمه المحيط فلا يعصمهم من الزيغ وما يؤدى اليه من الغضب والعذاب العظيم ولولا احد الامرين اما ايثار الحياة الدنيا على الآخرة واما عدم هداية الله سبحانه للكافرين هداية قسر بان آثروا الآخرة على الحياة الدنيا او بان هداهم الله تعالى هداية قسر لما كان ذلك لكن الثانى مخالف للحكمة والاولى مما لا يدخل تحت الوقوع واليه اشير بقوله تعالى { اولئك } الموصوفون بما ذكر من القبائح { الذين طبع الله } [ مهر نهاد خدى تعالى ] { على قلوبهم ] { بر دلها ايشان تا قول حق درنيا فتند ] { وسعهم } [ وبر كوشهاى ايشان تاسخن حق نشوند ] { وابصارهم } [ وبر ديدهاى ايشان تا آثار قدرت حق نديدند ] { واولئك هم الغافلون } اى الكاملون فى الغفلة اعظم من الغفلة عن تدبر العواقب .(7/108)
لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109)
{ لا جرم أنهم } [ حقا كه دران هيج شك نيست كه ايشان ] { فى الآخرة هم الخاسرون } اذا ضيعوا اعمارهم وصرفوها الى العذاب المخلد . وبالفارسية [ دران سراى ديكر ايشانند زيان زد كان جه سر مايه عمر ضايع كرده دربازار دنيى سودى بدست نياوردند ومفلس وار در شهر قيامت جزدست تهى ودل برحسرت وندامت نخواهد بود ] : قال الشيخ سعدى
قيامت كه بازار يمنو نهند ... منازل باعمال نيكو نهند
بضاعت بجندان آنكه آرى برى ... اكر مفلسى شر مسارى برى
كه بازار جند انكه آكندة تر ... نهى دست رادل برا كندة تر
كسى را كه حسن عمل بيشنر ... بدركاه حق منزلت بيشتر
قال فى التأويلات النجمية يعنى اهل الغفلة فى الدنيا هم اهل الخسارة فى الآخرة .
وفى اشارة اخرى وهى ان التغافل بالاعضاء عن العبودية تورث خسر ان القلوب عن مواهب الربوبية انتهى .
قال بعض الاكابر ولا حجاب الجهالة النفس بنفسها وغفلتها عنها فلو ارتفت جهالتها وغفلتها لشاهدت الامر وعاينته كما تشاهد الشمس فى وسط السماء وتعاينها . قال وهب بن منبه خلق ابن آدم ذا غفلة ولوا ذلك ما هنئ عيشه : وفى المثنوى
استن ابن عالم اى جان غفلتست ... هوشيارى ابن جهانرا آفنتست
هوشيارى زان جهانست وجو آن ... غالب آمد بست كردد اين جهان
هوشيارى آفتاب وحرص يخ ... هوشيارى آب واين عالم وسخ
اللهم اجعلنا من اهل اليقظة والانتباه ولا تجعلنا ممن اتخذ الهه هواه وشرفنا بمقامات المكاشفين العارفين واوصلنا الى حقيقة اليقين والتحقيق والتمكين انك انت النصير والمعين .(7/109)
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110)
{ ثم ان ربك } قال قتادة ذكر لنا انه لما انزل الله تعالى ان اهل مكة لا يقبل منهم الاسلام حتى يهاجروا كتب بها اهل المدينة الى اصحابهم من اهل مكة فلما جاءهم ذلك خرجوا فلحقهم المشركون فردوهم فنزل { ألم احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } فكتبوا بها اليهم فتبايعوا بينهم على ان يخرجوا فان لحقهم المشركون من اهل مكة قاتلوهم حتى ينجوا أو يلحقوا بالله فادركهم المشركون فقاتلوهم فمنهم من قتل ومنهم من نجا فانزل الله تعالى هذه الآية كذا فى اسباب النزول للواحدى . وثم للدلالة على تباعد رتبة حالهم عن رتبة حالهم التى يفيدها الاستثناء من مجرد الخروج عن حكم الغضب والعذاب بطريق الاشارة لا عن رتبة حال الكفرة كذا فى الارشاد { للذين هاجروا } الى دار الاسلام وهم عمار وصهيب وخباب وسالم وبلال ونحوهم . واللام متعلقة بالخبر وهو الفغور على نية التأخير وان الثانية تأكيد للاولى لطول الكلام { من بعد ما فتنوا } اى عذبوا على الارتداد واكرهوا على تلفظ كلمة الكفر فتلفظوا بما يرضيهم اى الكفرة مع اطمنائن قلوبهم { ثم جاهدوا } فى سبيل الله { وصبروا } على مشاق الجهاد { ان ربك من بعدها } من بعد المهاجرة والجهاد والصبر { لغفور } بما فعلوا ن نقبل اى لستور عليهم محاء لام صدر منهم { رحيم } منعم عليهم من بعد بالجنة جواء على تلك الافعال الحميدة والخصال المرضية .
واعلم ان المهاجرة مفاعلة من الهجرة وهى الانتقال من ارض الى ارض والمجاهد مفاعلة من الجهد وهو استفراغ الوسع وبذل المجهود وقال فى التعريفات المجاهدة فى اللغة المحاربة وفى الشرع محاربة النفس الامارة بالسوء بتحميلها ما يشق عليها مما هو مطلوب فى الشرع انتهى .
وكل من المهاجرة الصورية والمعنوية وكذا المجاهدة مقبولة مرضية اذ من كان فى ارض لا يقيم فيها شعائر دينه واهلها ظالمون فهاجر منها لدينه ولو شبر وجبت له الجنة ومن فارق موطن النفس والمألوفات وحارب الاعداء الباطنة وجبت له القربة ومرتبة الصديقين فوق مرتبة الشهدا .
وعن عمر بن الفارض قدس سيره انه حضر جنازة رجل من اولياء الله تعالى قال فلما صلنا عليه امتلأ الجو بطيور خضر فجاء طير كبير فابتعله ثم طار فتعجبت فقال لى رجل كان قد نزل من السماء وحضر الصلاة لا تتعجب فان ارواح الشهداء فى حواصل الطيور خضر ترعى فى الجنة اولئك شهداء السيوف واما شهداء المحبة فاجسادهم ارواح اذ آثار الارواح اللطيفة تسرى الى الاجساد فتحصل اللطافة لها ايضا ولذا لا تبلى اجساد الكمل ولا بد لمن اراد ان يصل الى هذه الرتبة ويحيى حياية ابدية من ان يميت نفسه الامارة ويزكيها عن سفساف الاخلاق ورذائل الاوصاف كالكبر والعجب والرياء والغضب والحسد وحب الماء وحب الجاءه يقال ان الدركات السبع للناس مقابلة هذه الصفات السبع للنفس فالخلاص من هذه الصفات سبب الخلاق من تلك الدركات : قال الشيخ سعدى قدس سره(7/110)
ترا شهوت وكبر وحرص وحسد ... جوخون درركندو جوجان درجسد
كر اين دشمنان تقويت يا فتند ... سراز حكم ورأى تو بر تافتند
تو بر كره توسنى در كمر ... نكر تانييجد ز حكم توسر
اكر بالهنك از كفت در كسيخت ... تن خويشتن كشت وخون توريخت
ثم ان الله تعالى غفور من حيث الافعال يتجلى لاهل التزكية من مرتبة توحيد الافعال وغفور من حيث الصفات يتجلى لهم من مرتبة التوحيد الصفات وعفور من حيث الذات يتجلى لهم من مرتبة تويحد الذات فيستر افاعلهم وصفاتهم وذواتهم وينعم عليهم بآثار افعاله وانوار صفاته واسرار ذاته فيتخلصون من الفانى ويصلون الى الباقى ويجدون ثمرات المجاهدات وهى المشاهدات ونتائج المفارقات وهى المواصلات وعواقب المعاقبات وهى التنعم فى الجنات العاليات والاستراحة الدائمة ف مقامات القربات اللهم اعنا على سلوك سبيل الهجرة والصبر والجهاد واحفظنا من فتنة اهل البغى والفساد انك انت الاهل للاعانة والامداد .(7/111)
يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111)
{ يوم تأتى كل نفس } منصوب باذكر والمراد يوم القيامة { تجادل عن نفسها } اضاف النفس الى النفس لانه يقال لعين الشئ نفسه ولنقيضه غيره والنفس جملة الشئ ايضا فالنفس الاولى بمعنى الجملة والثانية بمعنى العين والذات . والمعنى اذكر يا محمد ويا كل من يصلح للخطاب يوم يأتى كل انسان يجادل ويخاصم عن ذاته يسعى فى خلاصه بالاعتذار كقولهم هؤلاء اضلونا وما كنا مشركين لا يهمه شان غيره فيقول نفسى نفسى وذلك حين زفرت جهنم زفرة فلا يبقى ملك مقرب ولا نبى مرسل الا جثا على ركبتيه حتى خليل الرحمن عليه السلام وقال رب نفسى اى اريد نجاة نفسى .
قال احمد الدورقى مات رجل من جيراننا شاب فرأيته فى الليل وقد شاب فقلت ما قصتك قال دفن بشر المريسى فى مقبرتنا فزفرت جهنم زفرة شاب منها كل من فى المقبرة وبشر اخذ الفقه عن ابى يوسف القاضى الا انه اشتغل بالكلام وقال بخلق القرآن واضل خلقا كثيرا ببغداد فى زمن المأمون وقطعه عبد العزيز الكتانى وبالجملة كان بشر من جملة شياطين الانس حتى نصبه الشيطان خليفة لمن فى بغداد اذ فعل بالخلق ما فعله الشيطان من الالضلال : قال الحافظ
دام سختست مكر لطف خدايا شود ... ورنه آدم نبرد صرفه زشيطان رجيم
وقال
سزدم جوابر بهمن كه درين جمن بكريم ... طرب آشيان بلبل بنكر كه زاغ دارد
قال فى التأويلات النجمية { كل نفس } على قدر بقاء وجودها { تجادل عن نفسها } اما دفعا لمضارها او جذبا لمنافعها حتى الانبياء عليهمت السلام يقولون نفسى نفسى الا محمدا صلى الله عليه وسلم فان فان عن نفسه باق بربه فانه يقول امتى امتى لانه المغفور من ذنب وجوده المتقدم فى الدنيا والمتأخر فى الآخرة بما فتح له ليلة المعراج اذ واجهه بخطاب السلام عليك ايها النبى ورحمة الله وبركاته فنى عن وجوده بالسلام وبقى بوجوده بالرحمة وكان رحمة مهداة ارسل ببركاته الى الناس كافة ولكنه رفع المنزلة من تلك الضيافة خاصة لخواص متابعيه كما قال السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين يعنى الذين صلحوا لبذل الوجود فى طلب المقصود ونيل الجود فما بقى لهم مجادلة عن نفوسهم مع الخلق والخالق كما قال بعضهم كل الناس يقولون غدا نفسى وانا اقول ربى ربى { وتوفى كل نفس } برة او فاجرة اى تعطى وافيا كاملا وبالفارسية [ تمام داده شود هر نفس را ] { ما عملت } اى جزاء ما عملت بطريق اطلاق اسم السبب على المسبب اشعارا بكمال الاتصال بين الاجزية والاعمال وايثار الاظهار على الاضمار للايذان باختلاف وقتى المجادلة والتوفية وان كانتا فى يوم واحد { وهم لا يظلمون } لا ينقصون اجورهم ولا يعاقبون بغير موجب ولا يزاد فى عقابهم على ذنوبهم .(7/112)
وعن ابن عباس رضى الله عنهما ما تزال الخصومة بين الناس يوم القيامة حتى يخاصم الروح الجسد يقول الروح يا رب لم يكن لى يدا ابطش بها ولا رجل امشى بها ولا عين ابصر بها ويقول الجسد خلقتنى كالخشب ليست لى يد ابطش بها ولا رجل امشى بها ولا عين ابصر بها فجاء هذا كشعاع النور فيه نطق لسانى وابصرت عينى ومشت رجلى قال فيضرب لهما مثلا مثل اعمى ومقعد دخلا حائطا وفيه ثمار فالاعمى لا يبصر الثمار والمقعد لا ينالها فحمل الاعمى المقعد فاصابا من الثمر فعليهما العذاب كذا فى تفسير السمرقندى وفيه اشارة الى ان كل نفس عملت سوأ توفى العذاب بنار الجحيم ونار القطعية وكل نفس عملت خيرا توفى الثواب من نعيم الجنان ولقء الرحمن فلا يعذب اهل النعيم ولا يثاب اهل الجحيم كذا فى التأويلات النجمية .(7/113)
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113)
{ وضرب الله مثلا قرية } اى قصة اهل قرية كانت فى قرى الاولين وهى ايلة كما فى الكواشى وهى بلد بين ينبع ومصر وضرب المثل صنعه واعماله ولذا قال الكاشفى فى تفسيره [ وبيدا كرد خدا مثلى ] ولا يتعدى الا الى مفعول واحد وانما عدى الى اثنين لتضمينه معنى الجعل وتأخير قرية مع كونها مفعولا اولا لئلا يحول المفعول الثانى بينهما وبين صفتها وما يترتب عليها اذا لتأخير عن الكل مخل بتجاذب اطراف النظم وتجاوبها . والمعنى جعل اهلها مثلا لاهل مكة خاصة او لكل قوم انعم الله عليهم فاطرتهم النعمة ففعلوا ما فعلوا فبدل الله بنعمتهم نقمة ودخل فيهم اهل مكة دخولا اولياء { كانت آمنة } ذات امن من كل مخوف .
قال الكاشفى [ ايمن ازنزول قياصره وقصه جبابره ] { مطمئنة } { ارميده واهل آن آسوده ] .
قال فى الكواشى لا ينتقلون عنها الى غيرها لحسنها { يأتيها لرزقها } اقوات اهلها صفة ثانية لقرية وتغير سبكها عن الصفة الاولى لما ان اتيان رزقها متجدد وكونها آمنة مطمئنة ثابت مستمر { رغدا } وسعا { من كل مكان } من نواحيها من البر والبحر { فكفرت } اى كفر اهلها { بانعم الله } اى بنعمه جمع نعمة على ترك الاعتداد بالتاء كدرع وادرع والمراد بهانعمة الرزق والامن المستمر وايثار جمع القلة للايذان بان كفران نعمة قليلة حيث اوجب هذا العذاب فما ظنك كبفران نعم كثيرة - روى - ان اهل ايلة كانوا يستنجون بالخبر كمافى الكواشى .
يقول الفقير الخبز هو الاصل بين النعم الالهية ولذا امر آدم عليه السلام الذى هو اصل البشر بالحراثة فمن كفر به فقد كفر بجميع انعم تعرض لزوالها وكذا الاعتقاد الصحيح الذى عليه اهل السنة والجماعة هو الاساس المبنى عليه قبول الاعمال الصالحة فمن افسد اعتقاده فقد افسد دينه وتعرض لسخط الله تعالى
بآب زمزم اكرشست خرقه زاهد شهر ... جه سود ازان جوندارد طهارت ازلى
والمقصود طهارة الوجود والقلب عن لوث الانية والتعلق بغير الله تعالى { فاذاقها الله } اى اذاق اهلها . وبالفارسية { بس بجشانيد خداى تعالى اهل آنرا ] واصل الذوق بالفم ثم يستعار فيوضع موضع الابتلاء والاختبار كما فى تفسير ابى الليث ( لباس الجوع ) حتى اكلوا ما تغوطوه لان الجزاء من جنس العمل .
قال فى الاسئلة المقحمة فى الجوبة المفحمة كيف سمى الجوع لباسا قيل لانه يظهر من الهزال وشحوب اللون وضيق الحال ما هو كاللباس { والخوف } .
قال فى الارشاد شبه اثر الجوع والخوف وضرهما المحيط بهم باللباس الغاشى للابس فاستعير له اسمه واوقع عليه الاذاقة المستعارة لمطلق الايصال المنبئة عن شدة الاصابة بما فيها من اجتماع ادراك الملامسة والذائقة على نهج التجريد فانها لشيوع استعمالها فى ذلك وكثرة جرياها على الالسنة جرت مجرى الحقيقة { بما كانوا يصنعون } فيما قبل من الكفران ثم بين ان ما فعلوه من كفران النعم لم يكن مزاحمة منهم لقضية العقل .(7/114)
فقط بل كان ذلك معارضة لحجة الله على الخلق ايضا فقال { لقد جاءهم } اى اهل تلك القرية { رسول منهم } اى من جنسهم يعرفونه باصله ونسبه فاخبرهم بوجوب الشكر على النعمة وانذرهم سوء عاقبة الكفران { فكذبوه } فى رسالته { فاخذهم العذاب } المستأصل غب ما ذاقوا نبذة من ذلك { وهم ظالمون } حال كونهم ظالمين بالكفران والتكذيب حيث جلعوا الاول موضع الشكر والثانى موضع التصديق وترتيب العذاب على التكذيب جرى على سنة الله تعالى كما قال { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } قال ابن عباس رضى الله عنهما هذا المثل لاهل مكة فانهم كانوا فى حرم آمن ويتخطف الناس من حولهم وما يمر ببالهم طيف من الخوف وكانت تجيى اليه ثمرات كل شئ ولقد جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله « اللهم اعنى عليهم بسبع كسبع يوسف » ما اصابهم من القحط والجدب حتى اكلوا الجيف والكلاب الميتة والجلود والعظام المحرقة والعلهز وهو الوبر والدم اى يخلط الدم باوبار الابل ويشوى على الناس وصار الواحد منهم يرى ما بينه وبين السماء كالدخان من الجوع . قد ضاقت عليهم الارض بما رحبت من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة حيث كانوا يغيرون على مواشيهم وعيرهم وقوافلهم فوقعوا فى خوف عظيم من اهل الاسلام حتى تركوا سفر التام والتردد اليه ثم اخذهم يوم بدر ما اخذهم من العذاب .
وفى الآية اشارة الى ان النفس الامارة بالسوء اذا كفرت فى قرية شخص الانسان بنعم الطاعات والتوفيق واتبعت هواها وتمتعت بشهواتها ابتليت بانقطاع ميرة الحق واكل يفة الدنيا وميتة المستلذات وخوف العذاب بسوء صنيعها فلا بد للسالك ان يقتفى اثر رسول الخاطر الذميمة المستتبعة للآثار القبيحة وقد بعث النبى صلى الله عليه وسلم لاتمام الاخلاق الحميدة على وفق الشريعة كما قال « بعثت لاتمم مكارم الاخلاق » والمكارم جمع مكرمة كالمصالح جميع مصلحة واضافته الى الاخلاق من قبيل اضافة الصفة الى الموصوف اى بعثت لاتمام الاخلاق الكريمة والشيم الجنة وذلك ان الانبياء عليهم السلام كل واحد منهم مبعوث لسر وحكمة الهية راجعة الى تكميل البشر وتحسين اخلاقهم ونبينا عليه السلام مبعوث لتتميم تلك الاخلاق الكريمة وتكميلها على وجه التفصيل ولهذا جاء بشرع جامع لجميع جهات الحسن وهذا سر قوله « لا نبى بعدى } فمن ادعى نبيا بعده جهل بقدره وقدر علماء امته كما لا يخفى .(7/115)
فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)
{ فكلوا مما رزقكم الله } اى واذ قد استبان لكم يا اهل مكة حال من كفر بانعم الله وكذب رسوله وما حل بهم بسبب ذلك من اللتي التى اولا وآخرا فانتهوا عما انتم عليه من كفران النعم وتكذيب الرسول كيلا يحل بكم مثل ما احل بهم واعرفوا حق نعم الله واطيعوا رسوله فى امره ونهيه كلوا منرزق الله من الحرث والانعمام وغيرهما حال كونه { حلالا طيبا } اى لذيذا تستطيبه النفوس وذروا ما تفترون من تحريم البحائر ونحوها فحلالا حال من ما رزقكم الله ويجوز ان كيون مفعولا كلوا .
وفيه اشارة الى ان انوار الشريعة واسرار الحقيقة رزق معنوى للعاشق الصادق وما قبلته الشريعة والحقيقة فهو حلال طيب وما ردته فهو حرام خبيث ولذا قيل .
علم دين فقهست وتفسير وحديث ... هركه خواند غيرازين كردد خبيث
اى العلم المقبول النافع هذه العلوم وما شهدت هى له بالقبول من الظاهر والبواطن { واشكروا نعمة الله } واعرفوا حقها ولا تقابلوها بالكفران والفناء فى المعنى داخلة على الامر بالشرك وانما دخلت على الامر بالاكل لكون الاكل ذريعة الى الشكر فكأنه قيل فاشكروا نعمة الله غب اكلها حلالا طيبا .(7/116)
إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115)
{ انما حرم عليكم الميتة } اى اكلها وهى ما تلحقه الذكاة . وبالفارسية [ مردار ] فاللحم القديد المجلوب الى الروم من افلاق حرام لانهم انما يضربون رأس البقر بالمقمعة ولا يذكون { والدم } المسفوح اى المصبوب من العروق واما المختلفط باللحم فمعفوا والاولى غسله { ولحم الخنزير وما اهل لغير الله به } اى رفع الصوت للصنم به وذلك قول اهل الجاهلية باللات والعزى اى انما حرم هذه الاشياء دون ما تزعمون حرمته من البحائر والسوائب ونحوهما وتنحصر المحرمات فيها الا ما ضمه اليها دليل كالسباع والحمر الاهلية - روى - انه عليه السلام نهى عن اكل ذى مخلب من الطيور وكل ذى ناب من السباع - روى - خالد بن الوليد رضى الله عنه انه عليه السلام نهى عن لحوم الخيل والبغال والحمير .
وفيه حجة لابى حنيفة على صاحبيه فى تحليلهما اكل لحوم الخيل وما روياه عن جابر رضى الله عنه انه قال نهى النبى عليه السلام عن لحوم الحمر الاهلية واذن فى حلم الخيل معارض لحديث خالد والترجيح للمحرم كذا فى حواشى الفاضل سنان جلبى .
والاشارة ان الميتة جيفة الدنيا والحيوان هى الدار الآخرة ولو لم يكن للآخرة حباة لكانت جيفة [ جيفهرا برى مرد كيش جيفه كويند نى براى بوى زشت وصورت قبيحة ] فارعف : وفى المثنوى
آن جهان جون ذره ذره زنده اند ... نكته دانند وسخن كوينده اند
ر جهان مرده شان آرام نيست ... كين علف جز لائق انعام نيست
هر كرا كلشن بود بزم وطن ... كى خورد او باده اندر كولخن
جاى روح باك عليين بود ... كرم باشد كش وطن سركين بود
وان الدم شهوات الدنيا . ولحم الخنزير الغيبة والحسد والظلم . وما اهل لغير الله به مباشرة كل عمل مباح لالله وللتقرب اليه بل لهوى النفس وطلب حظوظها كما فى التأويلات النجمية { فمن اضطر } الاضطرار الاحتياج الى الشئ واضطراه اليه احوجه والجأه فاضطر بضم الطاء والضرورة الحاجة .
قال الكاشفى [ بس هركه بيجاره شود ومحتاج كردد بخوردن يكى از محرمات ] فتناول شيأ من ذلك حال كونه { غير باغ } اى على مضطر آخر بالاستئثار عليه فان هلاك الآخر ليس باولى من هلاكه فهو حال من فعل مقدر كما اشير اليه . والباغى من البغى يقال بغى عليه بغيا علا وظلم رولا عاد } اى متجاوز قدر الضوررة وسد الجوع يقال عدا الامر وعنه جاوزه { فان الله غفور رحيم } اى لا يؤاخذه بذلك فاقيم سببه مقامه .
قال فى التأويلات النجمية { فمن اضطر } الى نوع منها مثل طلب القوت بالكسب الحلال او التأهل للتوالد والتناسل او الاختلاط مع الخلق للمناصحة والامر بالمعروف والنهى عن المنكر وغير ذلك من ابواب البرغير معرض عن طلب الحق ولا مجاوز عن حد الطريقة { فان الله غفور } لما اضطروا اليه { رحيم } على الطالبين بان يبلغهم مقاصدهم .(7/117)
واعلم ان مواضع الضرورة مستثناة ولذا قال فى التهذيب يجوز للعليل شرب البول والدم للتداوى اذا اخبره طبيب مسلم ان شفاءه فيه ولم يجد من المباح ما يقوم مقامه . واجاز بعضهم استشارة اهل الكفر فى الطب اذا كانوا من اهله كما فى انسان العيون . والاولى التجنب عنه لان المؤمن ولى الله والكافر عدو الله ولا خير لولى من عدو الله فلا بد للمريض من المراجعة الى المجانس واهل الوقوف والتجربة : قال الصائب :
بى دردان علاج دردخون جستن بآن ماند ... كه خار از بابرون آردكسى بانيش عقربها
وفى الاشباه يرخص للمريض التداوى بالنجاسات وبالخمر على احد القولين واخترا قاضيخان عدمه واسغة اللقمة بها اذا غص اتفاقا واباحة النظر للطبيب حتى للعورة والسوءتين انتهى .
قال الفقيه ابو الليث رحمه الله يستحب للرجل ان يعرف من الطب مقدار ما يمتنع به عما يضر ببدنه انتهى .
- روى - عن على كرم الله وجهه انه قال لحم البقر داء ولبنها شفاء وسمنها دواء وقد صح عن النبى عليه السلام انه ضحى عن نسائه بالبقر .
قال الحليمى هذا ليبس الحجاز ويبوسه لحم البقر ورطوبة لبنها وسمنها فكأنه يرى اختصاص ذلك به وهذا التأويل مستحسن والا فالنبى عليه السلام لا يتقرب الى الله تعالى بالداء فهو انما قال ذلك فى البقر كما قال « عليكم بألبان البقر وسمنانها واياكم ولحومها فان ألبانها وزمنائها دواء وشفاء ولحومها داء » لتلك اليبوسة . وجوبا آخر انه ضحى بالبقر ليبان الجواز او لعدم تيسر غيره كذا فى المقاصد الحسنة للامام السخاوى .(7/118)
وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116)
{ ولا تقولوا } يا اهل مكة { لما تصف ألسنتكم } ما موصولة واللام صلة لا تقولوا مثل ما فى قوله تعالى { ولا تقولوا لمن يقتل فى سبيل الله اموات } اى لا تقولوا فى شأن ما تصف ألسنتكم من البهائم بالحل والحرمة فى قولكم ما فى بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على ازواجنا من غير ترتيب ذلك الوصف على ملاحة وفكر فضلا عن استناده الى وحى او قياس مبنى عليه { الكذب } ينتصب بلا تقولوا على انه مفعول به وقوله تعالى { هذا حلال وهذا حرام } بدل منه فالمعنى لا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لما تصفه ألسنتكم بالحل والحرمة فقدم عليه كونه كذبا وابدل منه هذا حلال وهذا حرام مبالغة والللام صلة مثل ما يقال لا تقل للنبيذ انه حرام اى فى شأنه وذلك لاختصاص القول بانه فى شأنه .
وفيه ايماء الى ان ذلك مجرد وصف باللسان الم عليه عقد كذا فى حوشى سعدى المفتى .
ويقال فى الآية تنبيه للقضاءة والمفتين كيلا يقولوا قولا بغير حجة وبيان كما فى تفسير ابى الليث { لتفتروا على الله الكذب } فان مدار الحل والحرمة ليس الا امر الله فالحكم بالحل والحرمة اسناد للتحليل والتحريم الى الله من غيران يكون ذلك منه . واللام لام العاقبة لا الغرض لان الافتراء لم يكن غرضا لهم .
وفى الآية اشارة الى ما تقولت النفوس بالحسبان والغرور الناقد بلغنا الى مقام يكون علينا بعض المحرمات الشرعية حلالا وبعض المحللات حراما فيفترون على الله الكذب انه اعطانا هذا المقام كما هو من عادة اهل الاباحة كذا فى التأويلات النجمية { ان الذين يفترون على الله الكذب } فى امر من الامور { لا يفلحون } لا يفوزون بمطالبهم التى ارتكبوا الافتراء للفوز بها(7/119)
مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)
{ متاع قليل } خبر مبتدأ محذوف اى منفعتهم فيما هم عليه من افعال الجاهلية منفعة قليلة تنقطع عن قريب { ولهم } فى الآخرة { عذاب اليم } لا يكثنه كنهم .(7/120)
وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118)
{ وعلى الذين هادوا } يعنى على اليهود خاصة دون غيرهم من الاولين والآخرين { حرمنا ما قصصنا عليك } اى بقوله { حرمنا كل ذى ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحوا مهما } الآية { من قبل } اى من قبل نزول الآية فهو متعلق بقصصنا او من قبل التحريم على هذه الامة فهو متعلق بحرمنا وهو تحقيق لما سلف من حصر المحرمات فيما فصل بابطال ما يخالفه من فرية اليهود وتكذيبهم فى ذلك فانهم كانوا يقولون لسنا اول من حرمت عليه وانما كانت محرمة على نوح وابراهيم ومن بعدها حتى انتهى الامر الينا { وما ظلمناهم } بذلك التحريم { ولكن كانوا انفسهم يظلمون } حيث فعلوا ما عوقبوا به عليه حسبنا نعى عليه فى قوله تعالى { فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم } الآية ولقد القمهم الحجر قوله تعالى { كل الطعام كان حلا لبنى اسرائيل الا ما حرم اسرائيل على نفسه من قبل ان تنزل التوراة قل فائتوا بالتوراة فاتلوها ان كنتم صادقين } - روى - انه صلى الله عليه وسلم لما قال لهم ذلك بهتو او لم يجرأوا ان يخرجوا التوراة كيف وقد بين ان تحريم ما حرم عليهم من الطيبات لظلمهم وبغيهم عقوبة وتشديد اوضح وقد بين فيها ان تحريم ما حرم عليهم من الطيبات لظلمهم وبغيهم عقوبة وتشديدا اوضح بيان .
وفيه تنبيه على الفرق بينهم وبي غيرهم فى التحريم .(7/121)
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119)
{ ثم ان ربك للذين عملوا السوء بجهالة } [ بسبب غفلت ونادانى وعدم تفكر در عواقب امور ] .
وعن ابن عباس رضى الله عنهما كل من يعمل سوأ فهو جاهل وان كان يعمل ان ركوبه سيئة . والسوء يحتمل الافتراء على الله وغيره . واللام متعلقة بالخير وهو لغفور وان الثانية تكرير على سبيل التأكيد لطول الكلام ووقوع الفصل كمامر فى قوله تعالى { ثم ان ربك للذين هاجروا } الآية { ثم تابوا من بعد ذلك } اى من بعدما عملوا السوء والتصريح به مع دلالة ثم عليه للتأكيد والمبالغة { وأصلحوا } اعمالهم او دخلوا فى الصلاح { ان ربك من بعدها } من بعد التوبة كقوله { اعدلوا هو اقرب للتقوى } فى ان الضمير عائد الى مصدر الفعل .
قال سعدى المفتى لم يذكر الاصلاح لانه تكميل التوبة فانها الندم على المعصية من حيث انها معصية مع عزم ان لا يعود فعدم العود والاصلاح تحقيق لذلك العزم { لغفور } لذلك السوء اى ستور له محاء { رحيم } يثبت على طاعته تركا وفعلا وتكرير قوله تعالى ان ربك لتأكيد الوعد واظهار كمال العناية بانجازه .
فعلى العاقل ان يرجع عن الاعراض عن الله ويقبل عليه بصدق الطلب واخلاص العمل والتوبة بمنلزة الصابون فكما ان الصابون يزيل الاوساخ الظاهرة فكذلك التوبة تزيل الاوساخ الباطنة اعنى الذنوب وفى المثنوى
كرسيه كردى تونامه عمر خويش ... توبه كن زانها كه كردستى توبيش
عمر اكر بكذشت بيخش اين دم است ... آب تو ب اش ده اكر اوبى نم است
بيخ عرمت را بده آب حيات ... تار درخت عمر كردد باثبات
جمله ماضيها ازين نيكو شوند ... زهر بارينه ازاين كردد جوقند
واعلم ان توبة العوام من السيآت وتوبة الخواص من الزلات والغفلان وتوبة الاكابر من رؤية الحسنات والالتفات الى الطاعات لا تركها والعبد اذا رجع عن السيئة واصلح عمله اصلح الله شأنه وافضل الاعمال خلاف هوى النفس والذكر بلا اله الا الله وفى الحديث « ان لله عمودا من ياقوت احمر رأسه تحت العرض واسفله على ظهر الحوت فى الارض السفلى فاذا قال العبد لا اله اله الله محمد رسول الله عن نية صادقة اهتز العرش فتحرك الحوت والعمود فيقول الله تعالى أسكن يا عرشى فيقول العرش كيف اسكن وانت لا تغفر لقائلها فيقول الله تعالى اشهدوا يا سكان سمواتى انى قد غفرت لقائلها الذنوب صغيرها وكبيرها سرها وعلانيتها » فبذكر الله تعالى يتخلص العبد من الذنوب وبه تحصل تزكية النفس وتصفية القلوب(7/122)
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)
{ ان ابراهيم كان امة } على حدة لحازته من الفضائل البشرية ما لا يكاد يوجد الا متفرقا فى امة جمة كما قيل
ليس على الله بمستنكر ... ان يجمع العالم فى واحد
جاناتو يكانه ولى ذات توهست ... مجموعة آثار كمالات همه
وفى الحديث « حسين سبط من الاسباط » كما فى المصابيح معنى انه من الامم يقوم وحده مقامها او بمعنى انه يتشعب منه الفروع الكثيرة اذا السادات من نسل زين العابدين بن الحسين رضى الله عنهما . فلا دلالة فى الحديث على نبوة الحسين كما ادعاه بعض المفترين فى زماننا هذا نعوذ بالله ومن قال بعد نبينا نبى يكفر كما فى بحر الكلام . ويقال امة بمعنى مأموم اى يؤمه الناس ويقصودنه ليأخذوا منه الخير ومعلم الخير امام فى الدين وهو عليه السلام رئيس اهل التوحيد وقدوة اصحاب التحقيق جادل اهل الشرك وألقمهم الحجر بينات باهرة وابطل مذاهبهم بابراهيم القاطعة { قانتا لله } مطيعا له قائما بامره { حنيفا } مائلا عن كل دين باطل الى الدين الحق { ولم يك من المشركين } فى امر من امور دينهم اصلا وفرعا . وفيه رد على كفار قريش فى قولهم نحن على ملة ابراهيم .(7/123)
شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122)
{ شاكرا لأنعمه } جمع نعمة صفة ثالثة لامة - روى - انه كان لا يأكل الا مع ضيف ولم يجد ذات يوم ضيفا فاخر غداءه فجاءه فوج من الملائكة فى زى البشر فقدم لهم الطعام فخيلوا اليه ان بهم جذا فما قال الآن وجبت مؤاكلتكم شكرا لله على ان عافانى وابتلاكم ويقال انه اراد الضيافة لامة محمد صم دعا الله لاجلها وقال انى عاجزت وانت قادر على كل شئ فجاء جبريل فاتى بكف من كافور الجنة فاخذ ابراهيم فصعد الى جبل ابى قبيس ونثره فاوصله الله الى جميع اقطار الدنيا فحيثما سقطت ذرة من ذراته كان معدن الملح فصار الملح ضيافة ابراهيم عليه السلام : قال الشيخ سعدى قدس سره
خور وبوش بخشاى وراحت رسان ... نكه مى جه دارى زبهر كسان
غم شادمانى نماند وليك ... جزاى عمل ما ند ونام نيك
{ اجتباه } اختاره للنبوة { وهديه الى صراط مستقيم } موصل اليه وهو ملة الاسلام المشتمل على التسليم وقد اوتى تسليما أى تسليم وآتيناه فى الدنيا حسنة حالة حسنة من الذكر الجميل والثناء فيما بين الناس قاطبة والاولاد الابرار والعمر الطويل فى السعة والطاعة وان حضرة الرسالة صلى الله عليه وسلم من نسله وان الصلاة عليه مقرونة بصلاة النبى عليه السلام كما يقول المصلى من هذه الامة كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم { وانه فى الآخرة لمن الصالحين } اصحاب الدرجات العالية فى الجنة وهم الانبياء عليهم السلام فالمراد الكاملون فى الصلاح والواصلون الى غاية الكامل .(7/124)
ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123)
{ ثم اوحينا اليك } مع علو طبقتك وسمو رتبتك وما فى ثم من التراخى فى الرتبة للتنبيه على ان اجل ما اوتى ابراهيم اتابع الرسول ملته { ان اتبع ملة ابراهيم } الملة اسم لما شرعه الله لعباده على لسان الانبياء من امللت الكتاب اذا مليته وهى الدين بعينه لكن باعتبار الطاعة له والمراد بملته الاسلام المعبر عنه بالصراط المستقيم { حنيفا } حال من المضاف اليه لما ان المضاف لشدة اصتاله به جرى منه مجرى البعض فعد بذلك من قبيل رأيت وجه هند قائمة { وما كان من المشركين } بل كان قدوة الموحدين وهو تكرير لما سبق لزيادة تأكيد وتقرير لنزاهته عما هم عليه من عقد وعمل .
قال العلماء المأمون به الاتباع فى الاصول دون الفروع والمتبدلة بتبدل الاعصار واتباه له بسبب كونه مبعوثاً بعده والا فهو اكرم الاولين والآخرين على الله .
تواصل وباقى طفيل تواند ... توشاهى ومجموع خيل تواند
وكان صلى الله عليه وسلم على دين قومه قبل النبوة اى على ما بقى فيهم من ارث ابراهيم واسماعيل عليهما السلام فى حجهم ومناسكهم وبيوعهم واساليبهم واما التوحيد فانهم كانوا قد بدلوه والنبى عليه السلام لم يكن الا عليه .
قال فى التأويلات النجمية لما سلك النبى صلى الله عليه وسلم طريق متابعته واسلم وجهه لله ليذهب الى الله كام ذهب ابراهيم وقال انى ذاهب الى ربى نودى فى سره ان ابراهيم كان خليلنا وانت حبيبنا فالفرق بينكما ان الخليل لو كان ذاهبا يمشى بنفسه فالحبيب يكون راكبا اسرى به فلما بلغ سدرة المنتهى وجد مقام الخليل عندها فقيل له ان السدرة مقام الخليل لو رضيت بها لنزينها لك اذ يغشى السدرة ما يغشى ولعلو همته الحبيبة ما زاغ البصر بانظر اليها وما طغى باتخاذ المنزل عندها ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى وهو مقام الحبيب فبقى مع بلا هو فى خلوة لى مع الله وقت لا يسعنى فيه ملك مقرب وهو جبريل ولا نبى مرسل وهو هويته عليه السلام لما جاوز حد لمتابعة صار متبوعا فان كان صلى الله عليه وسلم فى الدنيا محتاجا الى متابعة الخليل فالخليل يكون فى الآخرة محتاجا الى شفاعته كما قال « الناس محتاجون الى شفاعتى يوم القيامة حتى ابراهيم » انتهى .
ما فى التأويلات . ثم الآية تدل على شرف المتابعة فان الحبيب مع شرفه العظيم اذا كان مأمورا بالمتابعة فما ظنك بغيره من افراد الامة ففى المتابعة وصحبة الاخيار والصلحاء شرف وسعادة عظمى ألا يرى ان عشرة من الحيوانات من اهل الجنة بشرف القرين كناقة صالح وكبش اسماعيل ونملة سليمان وكلب اصحاب الكهف ولله در ما قال(7/125)
سك اصحاب كهف روزى جند ... بى مردم كرفت ومردم شد
وعن النبى عليه السلام « ان رجلا يبقى متحيرا من الافلاس فيقول الله يا عبدى أتعرف العبد الفلانى او العارف الفلانى فيقول نعم فيقول الله فاذهب فانى قد وهبتك له »
وعن الشيخ بهاء الدين ان خادم الشيخ ابى يزيد البسطامى قدس سره كان رجلا مغربيا فجرى الحديث عنده فى سؤال منكر ونكير فقال المغربى والله لا يسألانى لاقولن لهما فقالوا له ومن يعلم ذلك فقال اقعدوا على قبرى حتى سمعونى فلم انتقل المغربى جلسوا على قبره فسمعوا المسألة وسمعوه يقول أتسألوننى وقد حملت قروة ابى يزيد على عنقى فمضوا وتركوه .(7/126)
إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)
{ انما جعل السبت } اى فرض تعظيم يوم السبت والتخلى فيه للعبادة وترك الصد فيه فتعدية جعل بعلى لتضمينه معنى فرض ايام الاسبوع وفيه فرغ الله من خلق السموات والارض او لان اليهود يستريحون فيه من الاشغال الدنيوية ويقال اسبتت اليهود اذا عظمت سبتها وكان اليهود يدعون ان السبت من شعائر الاسلام وان ابراهيم كان محافظا عليه اى ليس السبت من شعائر ابراهيم وشعائر ملته التى امرت يا محمد باتباعها حتى يكون بينه صلى الله عليه وسلم وبين بعض المشركين علاقة فى الجملة وانما شرع ذلك لبنى اسرائيل بعد مدة طويلة .
قال الكاشفى [ در زاد المسير أورده كه آن روز حضرت موسى عليه السلام يكى را ديدكه متعاى را برداشته بجايى ميبرد بفرمود تاكردنش بزدند وتنش را در محلى بيفكندندكه مرغان مردار خوار جهل روز اجرا واحشاى اومى خوردند ] وذلك لهتك حرمة شريعته بمثل ذلك العمل
كرا شرع فتوى دهد برهلاك ... الا تاندارى زكشتنش باك
{ على الذين اختلفوا فيه } منشأ الاختلاف هو الطرف المخالف للحق وذلك ان موسى عليه السلام امر اليهود ان يجعلوا فى الاسبوع يوما واحدا للعبادة وان يكون ذلك يوم الجمعة فابوا عليه وقالوا نريد اليوم الذى فرغ الله فيه من خلق السموات والارض وهو السبت الا شر ذمة منهم قد رضوا بالجمعة فاذن الله لهم فى السبت وابتلاهم بتحريم الصيد فيه فاطاع امر الله تعالى الرضوان بالجمعة فكانوا لا يصيدون واما غيرهم فلم يصبروا عن الصيد فمسخهم الله قردة دون اولئك المطيعين .
يقول الفقير اما الفرقة الموافقة فنجوا لانقيادهم لامر الله تعالى وفناء باطنهم عن الارادة التى لم تنبعث من الله تعالى واما الفرقة المخالفة فهلكوا لمخالفتهم لامر الله تعالى وبقائهم بنفوسهم الامارة ولا شك ان من اجبر وفق ومن تحرك بارادته وكل الى نفسه { وان ربك ليحكم بينهم } اى بين الفريقين المختلفين فيه { يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } اى يفصل ما بينهما من الاختلاف فيجازى الموافق بالثواب والمخالف بالعقاب وفيه ايماء الى ان ما وقع فى الدنيا من مسخ احد الفريقين وانجاء الآخر بالنسبة الى ما سيقع فى الآخرة شئ لا يعتد به وفى الحديث « نحن الآخرون السابقون يوم القيامة اوتينا من بعدهم » يعنى يوم الجمعة فهذا يومهم الذى فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له فلنا اليوم ولليهود غدا وللنصارى بعد غد .
وفى الآية اشارة الى ان الاختلاف فيما ارشد الله به الناس الى الصراط المستقيم من الاوامر والنواهى لاستحلال بعضها وتحريم بعضها ابتداعا منهم على وفق الطبع والهوى وان كان التشديد فيه على انفسهم يكون وبالا عليهم وضلالا وترك الابتداع كما قال صلى الله عليه وسلم(7/127)
« عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدى وعضوا عليها بالنواجذ واياكم محدثات الأمور فان كل يدعه فضلالة »
وجاء رجل للشيخ ابى محمد عبد السلام بن يشيش قدس سره فقال يا سيدى وظف علىّ وظائف وورادا فغضب الشيخ وقال أرسول انا فاوجب الواجبات الفرائض معلومة والمعاصى مشهورة فكن للفرائض حافظا وللمعاصى رافضا واحفظ قلبك من ارادة الدنيا وقانع من ذلك كله بما قسم لك فاذا خرج لك مخرج الرضى فكن لله فيه شاكر واذا خرج لك مخرج السخط فكن عليه صابرا وفى قوله تعالى { وان ربك ليحكم } الآية اشارة الى الن الله تعالى يحكم بعد له بين اهل السنة واهل البدع فيقول هؤلاء فى الجنة بفضلى ولا ابالى وهؤلاء فى النار بعدى ولا ابالى واهل البدعة ثنثان وسبعون فرقة من اهل الظواهر وادى عشرة فرقة مناهل البواطن كلهم على خلاف الحق من حيث الاعتقاد وكلهم فى النار والفرقة الناجية من المتصوفة وغيرهم هم الموافقون للكتاب والسنة عقدا وعملا نسأل الله تعالى ان يحفظنا من الزيغ والضلال ولا بد من اخ ناصح فى الدين كامل فى طريق اليقين مرشد الى الحق المتين قال الحافظ قدس سره .
قطع اين مرحله بى همرهى خضر مكن ... ظلم تست بترس از خطر كمراهى(7/128)
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)
{ ادع } الناس يا افضل الرسل من سبيل الشيطان { الى سبيل ربك } وهو الاسلام الموصل الى الحنة والزلفى .
قال حضرة الشيخ العطار قدس سره
نورا او جون اصل موجودات بود ... ذات او جون معطى هرذات بود
واجب آمد دعوة هر دوجهانش ... دعوت ذرات بيدا ونهانش
واعلم ان كل عين من الاعيان الموجودة مستند الى اسم من الاسماء الالهية واصل من طريق ذلك الاسم الى الله الذى له احدية جميع الاسماء .
لا يقال فما فائدة الدعوة حينئذ .
لانا نقول الدعوة من المضل الى الهادى ومن الجائر الى العدل { بالحكمة } بالحجة القطعية المفيدة للعقائد الحقة المزيحة لشبهة من دعى اليها فهى لدعوة خواص الامة الطالبين للحائق { والموعظة الحسنة } اى الدلائل الاقناعية والحكايات النافعة فهى لدعوة عوامهم . يقال وعظه يعظه وعظا وعظة وموعظة ذكره ما يلين قلبه من الثواب والعقاب فاتعظ كما فى القاموس { وجادلهم بالتى هى احسن } اى ناظر معانديهم بالطريقة التى هى احسن طريق المناظرة والمجادلة من الرفق واللين واختيار الوجه الايسر واستعمال المقدمات المشهورة تسكينا لشغبهم واطفاء للهبهم كما فعله الخليل عليه السام . والآية دليل على ان المناظرة والمجادلة فى العلم جائزة اذا قصد بها اظهار الحق .
قال الشيخ السمرقندى فى تفسيره فى هذه الآية تنبيه على المدعو الى الحق فرق ثلاث . فان المدعو الى الله بالحكمة قوم وهم الخواص . وبالموعظة قوم وهم العوام . وبالمجادلة قوم وهم اهل الجدال وهم طائفة ذووا كياسة تميزوا بها عن العوام ولكنها ناقصة مدنسة بصفات رديئة من خبث وعناد وتعصب ولجاج وتقليد ضال تمنعهم عن ادراك الحق وتهلكهم فان الكياسة الناقصة شر من البلاهة بكثير الم تسمع ان اكثر اهل الجنة البله فليستعمل كل منها مع يناسبها فانه لو استعمل الحكمة للعوام لم يفد شيأ حيث لم يفهموها لسوء بلادتهم وعدم فطنتهم
نكته كفتن بيش كزفهمان زحكمت بى كمان ... جوهرى جنداز جواهر ريختن بيش خراست
وفى المثنوى
كى توان باشيعه كفتن از عمر ... كى توان بربط زدن دربيش كر
وان استعمل الجدال مع اهل الحكمة تنفرو منه تنفر الرجل من الارضاع بلبن الطفل .
وفى التأويلات النجمية قوله { ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة } اشارة الى ان دعاء العوام الى سبيل ربك وهو الجنة بالحكمة وهو الخوف والرجاء لانهم يدعون ربهم خوفا من النار وطمعا فى الجنة والموعظة الحسنة هى الرفق والمداراة ولين الكلام والتعريض دون التصريح وفى الخلا دون الملا فان النصح على الملا تقريع
كر نصيحت كنى بخلوت كن ... كه جزا اين شيوه نصيحت نيست
هر نصيحت كه بر ملا باشد ... آن نصيحت بجز فضيحت نيست
ودعاء الخواص الى الله بالحكمة والموعظزة الحصنة وهى ان تحبب الله اليهم وتوفر دواعيهم فى الطلب وترشدهم وتهديهم الى صراط الله وتسلكهم فيه وتكون لهم دليلا وسراجا منيرا الى ان يصلوا فى متابعتك وتزكيتك ايهاهم الى مراتب المقربيت { وجادلهم بالتى هى احسن } لكل طائفة منها فجادل اهل النفاق واغلظ عليهم جادل اهل الوفاق باللطف والرحمة واخفض جناحك للمؤمنين واعف عنهم واستغفر لهم .(7/129)
وقال حضرة شيخى وسندى روح الله روحه فى كتابه المسمى باللائحات البرقيات بالحكمة اى بالبصيرة على رعاية المناسبة فى مقتضيات الاحوال والمقامات بالبين والتخفيف والتعريض فى مقاماتها والتغليظ والتشديد والتصريح فى مقاماتها ونحو ذلك من المناسبات الحكمية الجالبة للمصالح والسالبة للمفاسد والموعظة الحسنة اى المتضمنة للحسنات والمشتملة على التغريبات والمتناولة للترهيبات والجالبة للقلوب الى المحبوبات والسالبة للنفوس عن المقبوحات وغير ذلك مما يختص ويليق بالموعظة الحسنة التى هى الموعظة بالحق والعلم الكامل والعقل والتام لا الموعظة بالنفس والجهل والحمق فان تلك الموعظة انما هى بالبصيرة الشاملة الصحيحة وهذه الموعظة انما هى بالغفلة العامة الفاسدة وفى الحقيقة الموعظة الحسنة هى الموعظة الجامعة لجزامع الكلم وجادلهم بالتى اى بالمجادلة التى هى احسن وهى المجادلة الحقانية التى تكون بالرفق واللين والصفح والعفو والسمح والكلام بقدر العقول والنظر الى عواقب الامور والصبر والتأنى والتحمل والحلم وغير ذلك من خواص المجادلة التى هى احسن مثل كون المراد منها اظهار الحق وبيان الصدق لمن خالف الحق والصدق بكمال الاعراض عن جميع الاغراض والاعراض وتمام الترحم للمخالفين المعاندين الضالين عن سبيل الحق والصدق والجاهلين الغافلين السائرين الى سبيل الباطل والكذب وما سوى ذلك من الخواص واللوازم { ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله } [ بآنكس كه كمراه شد ازراه حق كه اسلامست ] واعرض عن قبول الحق بعدما عاين من الحكم والمواعظ والعبر { وهو اعلم بالمهتدين } بذلك اى ما عليك الا ما ذكر من الدعوة والتبليغ والمجادلة بالاحسن واما حصول الهداية والضلال والمجازاة عليهما فلا عليك بل الله اعلم بالضالين والمهتدين فيجازى كلا منهم بما يستحقه فكأنه قيل ان ربك اعلم بهم فمن كان فيه خير كفاه الوعظ القليل والنصيحة اليسيرة ومن لا خير فيه عجزت عنه الحيل وكأنك تضرب منه فى حديد بارد : قال الشيخ سعدى قدس سره
توان باك كردن ززنك آينه ... وليكن نيايد زسنك آينه
وقال الحافظ
كوهر باك ببايدكه شود قابل فيض ... ورنه هرسنك وكلى لؤلؤ ومرجان نشود
واعلم ان الناس ثلاثة اصناف . صنف مقطوع بحسن خاتمتهم مطلقا كالانبياء عليهم السلام والعشر المبشرة . وصنف مقطوع بسوء عاقبتهم كأبى جهل وقارون وهامان وفرعون وغيرهم ممن قطع بسوء خاتمتهم مطلقا . وصنف مشكوك فى حسن خاتمتهم مطلقا كعامة المؤمنين الابرار وكافة الكافرين الفجار فان الابرار كانوا ممدوحين فى ظاهر الشريعة من تلك الجهة فى الحال لكن امرهم فى المآل مفوض الى الله تعالى والله يعلم المفسد من المصلح ومميز بينهما فى الآخرة والعاقبة فكم من ولى فى الظاهر يعود عدو الله ووليا للشيطان نعوذ بالله لكون ضلاله ذاتيا قد تداخله الاهتداء العارضى فاستترت ظلمته بصورة نور الاهتداء كاستتار ظلمة الليل بنور النهار عند ابلاج الليل فى النهار وكم من عدو وفى الظاهر يعود وليا لله وعدو اللشياطن لكون اهتدائه اصليا قد تداخله الضلال العارضى فاستتر نوره بظلمة الضلال كاسستار نور النهار بظلمة الليل عند ايلاج النهار فى الليل فكما لا ينفع الاول الاهتداء العارضى ويكون غايته الى الهالك كذلك لا يضر هذا الثانى الضلال العارضى ويكون خاتمته الى النجاة
وعن ابى اسحاق رحمه الله تعالى قال كان رجل يكثر الجلوس الينا ونصف وجهه مغطى فقلت له انك تكثر الجلوس الينا ونصف وجهك مغطى اطلعنى على هذا قال وتعطينى الامان قلت نعم كنت نباشا فدفنت امرأة فاتيت قبرها فنبشت حتى وصلت الى اللبن فرفعت اللبن ثم ضربت بيدى الى الرداء ثم ضربت بيدى الى اللفافة فمددتها فجعلت تمدها هى فقلت أتراها تغلبنى فجئيت على ركبتى فجردت اللفافة فرفعت يدها فلطمتنى وكشفت وجهه فاذا أثر خمس اصابع فى وجهه فقلت له ثم مه قال ثم رددت عليها لفافتها وازارها ثم رددت التراب وجعلت على نفسى ان لا انبش ما عشت قال فكتبت بذلك الى الاوزاعى فكتب الىّ الاوزاعى ويحك اسأله عمن مات من اهل التوحيد ووجهه الى القبلة فسأتله عن ذلك فقال اكثرهم حول وجهه عن القبلة فكتبت بذلك الى الاوزاعى فكتب الىّ انا الله وانا اليه راجعون ثلاث مرات اما من حول وجهه عن القبلة فانه مات على غير السنة اى على غير ملة الاسلام وذلك لان ترك العمل بالكتاب والسنة والاصرار على المعاصى يجر كثير من العصاة الى الموت على الكفر والعياذ بالله : قال الشيخ سعدى قدس سره(7/130)
عروسى بود توبت ما تمت ... كرت نيك روزى بودى خاتمت
نسأل الله سبحانه ان يحفظ نور ايماننا وشمع اعتقادنا من صرصر الزوال ويثبت اقدامنا بالقول الثابت فى جميع الاوقات وعلى كل حال .(7/131)
وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127)
{ وان عاقبتم } اى اردتم المعاقبة على طريقة قول الطبيب للمحمى ان اكلت فكل قليلا { فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } اى بمثل ما فعل بكم وقد عبر عنه بالعقاب على طريقة اطلاق اسم المسبب على السبب نحو كما تدين تدان اى كما تفعل تجازى سمى الفعل المجازى عليه باسم الجزاء على الطريقة المذكورة او على نهج المشاكلة والمزاوجة يعنى تسمية الاذى الابتدائى معابة من باب المشاكلة والا فانها فى وضعها الاصل تستدعى ان تكون عقيب فعل نعم العرف جار على اطلاقها على ما يعذب به احد وان لم يكن جزاء فعل كما فى حواشى سعدى المفتى .
قال القرطبى اطبق جمهور اهل التفسير ان هذا الآية مدنية نزلت فى شأن سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك ان المشركين مثلوا بالمسلمين يوم احد بقروا بطونهم وجدعوا انوفهم واذانهم وقطعوا مذاكيرهم ما بقى احد غير ممثول به الا حنظلة بن الراهب لان اباه عامر الراهب كان مع ابى سفيان فتركوه لذلك ولما انصرف المشركون عن قتلى احد انصرف رسول الله عليه الصلاة والسلام فرأى منظرا ساءه رأى حمزة قد شق بطنه واصطلم انفه وجدعت اذناه ولم ير شيأ كان اوجع لقلبه منه فقال « رحمة الله عليك كنت وصولا للرحم فعالا للخير لولا ان تحزن النساء او يكون سنة بعدى لتركتك حتى يبعثك الله من بطون السباع والطير اما والله لئن اظفرنى الله بهم لامثلن بسبعين مكانك » وقال المؤمنين ان اظهرنا الله عليهم لنزيدن على صنعهم ولنمثلن مثلة لم يمثلها احد من العرب باحد قط ولنفعلن ثم دعا عليه السلام ببردته فغطى بها وجه حمزة فخرجت رجلاه فجعل على رجليه شيأ من الاذخر قم قدمه فكبر عليه عشرا ثم جعل يجاء بالرجل فيوضع وحمزة مكانه حتى صلى عليه سبعين صلاة وكان القتلى سبعين .
وفى التبيان صلى النبى عليه السلام على عمه حمزة سبعين تكبيرة او صلاة انتهى - روى - ان ابا بكر رضى الله عنه صلى على فاطمة رضى الله عنها وكبر اربعا وهذا احد ما استدل به فقهاء الحنفية على تكبيرات الجنازة اربع كما فى انوار المشارق .
قال فى اسبابا النزول ما حاصله ان حمزة رضى الله عنه قتله وحشى الحبشى وكان غلاما لجبير بن مطعم بن عدى بن نوفل وكان عمه طعيمة بن عدى قد اصيب يوم بدر فلما سارت قريش الى احد قال له جبير ان قتلت حمزة عم محمد علمى طعيمة فانت عتيق فأخذ الوحشى حربته فقذفه بها وكانت لا تخطئ حربة الحبشة حين قذفوا فكان ما كان ثم اسلم الوحشى وقال له صلى الله عليه وسلم(7/132)
« هل تستطيع ان تغيب عنى وجهك » وذلك انه عليه السلام كرهه لقتله حمزة فخرج فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج الناس الى مسيلمة الكذاب قال الوحشى لاخرجن الى مسيلمة لعلى اقتله فاكافئ به حمزة فخرجت مع الناس فوفقه الله لقتله . ثم ان القتلى لما دفنوا وفرغ منهم نزلت هذه الآية فكفر عليه السلام عن يمينه وكفه عما اراده والامر وان دل على اباحة المماثلة فى المثلة من غير تجاوز لكن فى تقييده بقوله { وان عاقبتم } حث على العفو تعريضا .
قال فى البحر العلوم لا خلاف فى تحرير المثلة وقد وردت الاخبار بالنهى عنها حتى الكلب العقور { ولئن صبرتم } اى عن المعاقبة بالمثل وعفوتم وهو تصريح بما علم تعريضا { لهو } اى لصبركم هذا { خير } لكم من الانتصار بالمعاقبة اى العفو خير للعافين من الانتقام وانما قيل { للصابرين } مدحا لهم وثناء عليهم بالصبر وعند ذلك قال صلى الله عليه وسلم « بل نصبر يا رب »
قال فى الخلاصة رجل قال لآخر يا خبث هل يقول له بلى أنت الاحسن ان يكف عنه ولا يجيب ولو رفع الامر الى القاضى ليؤديه يجوز ومع هذا لو اجاب لا بأس به . وفى مجمع التفاوى لو قال لغيره يا خبيث فجازاه بمثله جاز لانه انتصار بعد الظلم وذلك مأذون فيه قال الله تعالى { ولمن انتصر بعد ظلمه فاولئك ما عليهم من سبيل } والعفو افضل قال الله تعالى { فمن عفا واصلح فاجره على الله } وان كانت تلك الكلمة موجبة للحد لا ينبغى ان يجيبه بمثله تحرزا عن ايجاب الحد على نفسه . وفى تنوير الابصار للامام التمر تاشى ضرب غيره بغير حق وضرب المضروب يعزران ويبدأ باقامة التعزير بالبادى انتهى .
ثم امر به صلى الله عليه وسلم صريحا لانه اولى الناس بعزائم الامور لزيادة علمه بشؤونه تعالى ووفود وثوقه به فقيل { واصبر } على ما اصابك من جهتهم من فنون الآلام والذية وعاينت من اعراضهم عن الحق بالكلية وصبره عليه السلام مستتبع لاقتداء الامة كقول من قال لابن عباس رضى الله عنهما عند التعزية اصبر نكن بك صابرين فانما صبر الرعية عند صبر الرأس { وما صبرك الا بالله } بتوفيق الله واعانته لك على الصبر لان الصبر من صفات الله ولا يقدر احد ان يتصف بصفاته اى الا به بان يتحلى بتلك الصفة .
قال جعفر الصادق رضى الله عنه امر الله انبياءه بالصبر وجعل الحظ الاعلى منه للنبى صلى الله عليه وسلم حيث جعل صبره بالله لا بنفسه وقال { وما صبرك الا بالله } { ولا تحزن عليهم } اى على الكافرين بوقوع اليأس من ايمانهم بك ومتابعتهم لك نحو { فلا تأس على القوم الكافرين } { ولا تك } اصله لا تكن حذفت النون تخفيفا لكثرة استعماله بخلاف لم يصن ولم يخن ونحوهما ومعنى كثرة الاستعمال انهم يعبرون بكان ويكون عن كل الافعال فيقولون كان زيد يقول وكان زيد يجلس فان وصلت بساكن رددت النون وتحركت نحو(7/133)
{ ومن يكن الشيطان ولم يكن الذين } الآية { فى ضيق } اى لا تكن فى ضيق صدر من مكرهم فهو من الكلام المقلوب الذى يسجع عليه عند امن الالتباس لان الضيق وصف فهو يكون فى الانسان ولا يكون الانسان فيه . وفيه لطيفة اخرى وهى ان الضيق اذا عظم وقوى صار كالشئ المحيط به من جميع الجوانب { مما يمكرون } اى من مكرهم بك فيما يستقبل فاول نهى عن التأثم بمطلوب من قبلهم فات والثانى عن التأثم بمحذور من جهتهم آت .(7/134)
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)
{ ان الله مع الذين اتقوا } اجتنبوا المعاصى ومعنى المعية الولاية والفضل { والذين هم محسنون } فى اعمالهم ويقال مع الذين اقتوا مكافاة المسيئ والذين هم محسنون الى من يعادى اليهم فالاحسان على الوجه الاول بمعنى جعل الشئ جميلا حسنا وعلى الاثنى ضد الاساءة وفى الحديث « ان للمحسن ثلاث علامات يبادر فى طاعة الله ويجتنب بمحارم الله ويحسن الى ما اساء اليه »
ز احسان خاطر مردم شود شاد ... بتقوى خانه دين كردد آباد
بسوى اين سفتها كر شتابى ... رضاى خلق وخالق هر دويابى
قال مشاد الدينورى رأيت ملكا من الملائكة يقول لى كل من كان مع الله فهو هالك الا رجل واحد قلت من هو قال من كان الله معه وهو قوله { ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } وذلك لان المقصود كينونة المحبوب مع المحب اذ هو يشعر بالرضى والاقبال واما كينونة المحب مع المحبوب فقد تحصل مع سخط المحبوب وادباره .
وعن هرم بن حيان انه قيل له حين احتضر اوص فقال انما الوصية من المال ولا مال لى اوصيكم بخواتيم سورة النحل اى من { ادع الى سبيل ربك } الى آخرها .
يقول الفقير سامحه الله القدير جمع شيخى وسندى روح الله روحه اصحابه قبل وفاته بيوم فقال اعملوا ايها الاصحاب انه لا مال لى حتى اوصى به ولكنى على مذهب اهل السنة والجماعة شريعة وطريقة ومعرفة وحقيقة فاعرفونى هكذا واشهدوا لى بهذا فى الدنيا والآخرة فهذا وصيتى واشار حضرة الشيخ بهذا الى انه لا زيغ ولا الحاد فى اعتقاده وفى طريقه اصلا فانهم قالوا ان اهل التصوف تفرقت على اثنتى عشرة فرقة فواحدة منهم سنيون وهم الذين اثنى عليهم العلماء والبواقى بدعيون . ويعلم السنى بشاهدين . احدهما ظاهر والآخر باطن فالظاهر استحكام الشريعة والباطن السلوك على البصيرة واليقظة والعلم لا على العمى والغفلة ولجهل فمن ع مل بخواتيم هذه السورة واتصف بحقيقة العفو والصبر والحلم والانشراح فى المنشط والمركه وترك الحزن والغم على الفائت والآتى . وبالتقوى على مراتبها وبالاحسان بانواعه فقد جعل لنفسه علامة الولاية والمغيبة والايمان الكامل وحسن الخاتمةوخير العاقبة وخير العاقبة اللهم احفظنا من الميل الى السوى والغير واختم عواقبنا بالخير يا رب
تمت سورة النحل بما تحتويه من شواهد العقل والنقل فى يوم السبت التاسع عشر من شعبان المبارك المنتظم فى سلك شهور سنة اربع ومائة والف .(7/135)
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)
{ سبحان } اسم بمعنى التسبيح الذى هو التنزيه ومتضمن معنى التعجب وانتصابه بفعل مضمر متروك واظهاره تقديره اسبح الله عن صفات المخلوقين سبحان بمعنى تسبيحا ثم نزل منزلة الفعل فناب مثابة كقولهم معاذ الله وغفرانك وغير ذلك . وقيل هو مصدر كغفران بمعنى التنزه وتصدير الكلام به للتنزيه عن العجز عما ذكره بعده وهو لا ينفى التعجب .
قال فى التأويلات النجمية كلمة سبحان للتعجب بها يشير الى اعجب امر من اموره تعالى جرى بينه وبين حبيبه .
وفى الاسئلة الحكم اما اقتران الاسراء بالتسبيح ليتقى بذلك ذو العقل وصاحب الوهم ومن يحكم عليه خياله من اهل التشبيه والتجسيم مما يخيله فى حق الخالق من الجهة والجسد والحد والمكان . وأنما تعجب بعروجه دون نزوله عليه السلام لانه لما عرج كان مقصده الحق تعالى ولما نزل كان مقصد الخلق والمقصود من التعجب التعجب بعروجه . وايضا ان عروجه اعجب من نزوله لان عروج الكشف الى العلو من العجائب { الذى اسرى بعبده } .
قال الكاشفى [ با كى وبى عيسى آنراكه بجهت كرامت ببرد بنده خودرا كه محما ست صلى الله عليه وسلم ] الاسراء السير بالليل خاصة كالسرى يقال اسرى وسرى اى سار ليلا ومنه السرية لواحدة السرايا لانها تسرى فى خفية واسرى به اى سيره ليلا .
قال النضر سقط السؤال والاعتراضات على المعراج بقول اسرى دون سار ونظيره قوله عليه السلام « حببّ الى من دنياكم ثلاث » حيث لم يقل احببت . وانما قال بعبده دون بنبيه لئلا يتوهم فيه نبوة والوهة كما توهموا فى عيسى ابن مريم عليهما السلام بانسلاخه عن الاكوان وعروجه بجسم الى الملأ الاعلى مناقصا للعادات البشرية واطوارها . وادخل الباء للمناسبة بين العبودية التى هى الذلة والتواضع وبين الباء التى هى حرف الخفض والكسر فان كل ذليل منكسر .
وفيه اشارة الى شرف مقام العبودية حتى قال الامام فى تفسيره ان العبودية افضل من الرسالة لان بالعبودية ينصرف من الخلق الى الحق فهى مقام الجميع وبالرسالة ينصرف من الحق الى الخلق فهى مقام الفرق والعبودية ان يكل اموره الى سيده فيكون هو المتكفل باصلاح مهامه والرسالة التكفل بمهام الامة وشتان ما بينهما .
قال الشيخ الاكبر قدس سره ان معراجه عليه السلام اربع وثلاثون مرة واحدة بجسده والباقى بروحه رؤيا رآها اى قبل النبوة وبعدها وكان الاسراء الذى حصل له قبل ان يوحى اليه توطئة له وتيسيرا عليه كام كان بدأ نبوته الرؤيا الصادقة والذى يدل على انه عليه السلام عرج مرة بروحه وجسده معا قوله اسرى بعبده فان العبد اسم للروح والجسد جميعا وايضا ان البراق الذى هو من جنس الدواب انما يحمل الاجساد وايضا لو كان بالروح حال النوم او حال الفناء او الانسلاخ لما استبعده المنكرون اذ المتهيئون من جميع الملل يحصل لهم مثل ذلك ويتعارفونه بينهم .(7/136)
قال الكاشفى [ آنانكه درين قصه ثقل جسدرا مانع دانند از صعود ارباب بدعت اند ومنكر قدرت ]
آنكه سرشت تنش ازجان بود ... سير وعروجش بتن آسان بود
وقد ذكروا ان جبريل عليه السلام اخذ طينة النبى صلىلله علهي وسلم فعجنها بمياه الجنة وغسلها من كل كثافة وكدورة فكأن جسده الطاهر كان من العالم العلوى كروحه الشريف .
فان قلت ففيم اسرى به . قالت قال صلى الله عليه وسلم « اسرى بى فى قفص من لؤلؤ فراشه من ذهب » كما فى بحر العلوم { ليلا } نصب على لاظرف وهو تأكيد اذا الاسراء فى لسان العرب لا يكن الا ليلا حتى لا يتخيل انه كان نهارا ولا يظن انه حصل بروحه او لافادة تقليل مدة الاسراء فى جزء من الليل لما فى التنكير من الدلالة على البعضية من حيث الافراد فان قولك سيرت ليلا كما يفيد بعضية زمان سيرك من الليلالى يفيد بعضيته من فرد واحد منها بخلاف ما اذا قلت سرت الليل فانه يفيد استيعاب السير له جميعا فيكون معيارا للسير لا ظرفا له وهى ليلة سبع وعشرين من رجب ليلة الاثنين وعليه عمل الناس قالوا انه عليه السلام ولد يوم الاثنين بعث يوم الاثنين واسرى به ليلة الاثنين وخرج من مكة يوم الاثنين ودخل المدينة يوم الاثنين ومات يوم الاثنين ولعل سره ان يوم الاثنين اشارة الى التعين الثانى الذى هو مبدأ الفياضة ونظيره الباء كام ان الباء من الحروف الهجائية له التعين الثانى فكذا يوم الاثنين فكان الالف ويوم الاحد بمنزلة تعين الذات والباء ويوم الاثنين اى تعينهما بمنزلة تعين الصفات فافهم وفى وصف هذه الليلة : قال المولى الجامى قدس سره
ز قدر او مثالى ليلة القدر ... ز نور او براتى ليلة البدر
سوادطره اش خجلت ده حور ... بياض غره اش نور على نور
نسيمش جعد سنبل شانه كرده ... هوايش اشك بشنم دانه كرده
بمسمار ثوابت جرخ سيار ... به بسته در جهان درهاى ادبار
طرب را جون سخن خندان ازولب ... كريزان روز محنت زو شباشب
فان قلت فلم جعل المعراج ليلا ولم يجعل نهارا حتى لا يكون اشكال وطعن .
قلت ليظهر تصديق من صدق وتكذيب من كذب . وايضا ان اليل محل الخلوة بالحبيب فالليل حظ الفراش والوصال والنهار حظ اللباس والفراق والليل مظهر البطون والنهار نظهر الظهور والليل راحة من الجنة والنهار تعب والتعب من النار وكان الاسراء قبل الهجرة بسنة : يعنى [ درسال دوازدهم از مبعث بوده ] { من المسجد الحرام } اصح الروايات على ان الاسراء كان من بيت ام هانئ بنت ابى طالب وكان بيتها من الحرم والحرم كله مسجد .(7/137)
قالوا حدود الحرم من جهة المدينة على ثلاثة اميال ومن طريقة العراق على سبعة اميال ومن طريق الجعرانة على تسعة اميال ومن طريق الطائف على سبعة اميال ومن طريق جده على شعرة اميال والمواقيت الخمسة التى وقتها النبى صلى الله عليه وسلم وعينها للاحرام فناء للحرم وهو فناء للمسجد الحرام وهو فناء للبيت شرفه الله تعالى فالبيت اشارة الى الذات الالهية والمسجد الحرام على الصفات والحرم الى الافعال وخارج المواقيت الى الآثار ومن قصد مكة سواء كان للزيارة او غيرها لا يحل له التجاوز من هذه الافنية غير محرم تعظيما لها وقس عليه دخول المساجد وحضور المشايخ اصحاب القلوب للصلاة والزيارة فانه لا بدمن ادب الظاهر والباطن فى كل منهما - ذكروا - ان الحجر الاسود اخرج من الجنة وله ضوء فكل موضع بلغ ضوءه كان حرما .
وعن ابن عباس رضى الله عنهما لما هبط آدم الى الارض خر ساجدا معتذرا فارسل الله تعالى جبريل بعد اربعين سنة يعلمه بقبول توبته فشكا الى الله تعلى ما فاته من الطواف بالعرش فاهبط الله له البيت المعمور وكان ياقوتة حمراء فاضاء ما بين المشرق والمغرب فنفرت من ذلك النور الجن والشياطين وفزعوا وتفرقوا فى الجو ينظرونه فلما رأوه اى النور من جانب مكة اقبلوا يريدون الاقتراب اليه فارسل الله تعالى ملائكته فقاموا حوالى الحرم فى مكان الاعلام اليوم ومنعوهم فمن ثمة تسمى الحرم بالحرم { الى المسجد الاقصى } اى بيت المقدس وسمى بالاقصى اى الا بعد لانه لم يكن حينئذ ورآه مسجد فهو ابعد المساجد من مكة وكان بيتهام اكثر من مسيرة شهر .
قال بعض العارفين اشارة بالمسجد الحرام الى مقام القلب المحرم ان يطوف به مشركوا القوى البدنية الحيوانية وترتكب فيه فواحشها وخطاياها وتحجه غير القوى الحيوانية من الصفات البهيمية والسبعية . واشار بالمسجد الاقصى الى مقام الروح الا بعد من العالم الجسمانى لشهود تجليات الذات .
قال فى هدية المهديين معراج النبى عليه السلام الى المسجد الاقصى ثابت بالكتاب وهو فى اليقظة وبالجسد باجماع القرن الثانى ثم الى السماء بالخبر المشهور ثم الى الجنة او العرش او الى طواف العالم بخبر الواحد انتهى .
قال الكاشفى [ رفتن آن حضرت ازمه ببيت المقدس بنص قرآن ثابتست ومنكرآ أن كافر وعروج برآسمانها ووصول بمرتبهقربت باحاديث صححه مشهوره كه قريبست بحد تواتر ثابت كشك وهركه انكار آن كند ضال ومبتدع باشد ]
شاهد معراج نبى وافرست ... وآنكه مقرنيست بدين كافرست
دستكه سلطنت اين وصال ... نيست به بامزدى خيل خيال
عقل جه داند جه مقامست اين ... عشق شناست كه جه دامست اين(7/138)
{ الذى باركنا حوله } [ آن مسجدى كه بركت كرديم بركرد او ] ببركات الدين والدنيا لانه مهبط الوحى والملائكة ومتعبد الانبياء من لدن موسى عليه السلام ومحفوف بالانهار والاشجار المثمرة فدمشق والاردنّ فلسطين من المدائن التى حوله { لنريه من آيتنا } غاية للاسراء واشارة الى ان الحكمة فى الاسراء به اراءة آيات مخصوصة بذاته تعالى التى ما شرف باراءتها احدا من الاولين والآخرين الا سيد المرسلين وخاتم النبيين فانه نبارك وتعالى أرى خليله عليه السلام وهو اعز الخلق عليه بعد حبيبه الملكوت كما قال { وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السموات والارض } وأرى حبيبه آيات ربوبيته الكبرى كما قال { لقد رأى من آيات ربه الكبرى } ليكون من المحبين المحبوبين فمن تبعضية لان ما اراه الله تعالى فى تلك الاليلة انما هو بعض آياته العظمة واضافة الآيات الى نفسه على سبيل التعظيم لها لان المضاف الى العظيم عظيم .
وسقط الاعتراض بان الله تعالى ارى ابراهيم ملكوت السموات والارض وأرى نبينا عليه السلام بعض آياته فيلزم ان يكون معراج ابراهيم افضل .
وحال الجواب انه يجوز ان يكون بعض الآيات المضافة الى الله تعالى اعظم واشرف من ملكوت السموات والارض كلها كما قال تعالى { لقد رأى من آيات ربه الكبرى } قالوا فى التفاسير هى ذهابه فى بعض الليل مسيرة شهر ومشاهدته بيت المقدس وتمثل الانبياء له ووقوفه على مقاماتهم العلية ونحوها .
قال فى اسئلة الحكم اما الآيات الكبرى . فمنها فى الآفاق ما ذكره عليه السلام من النجوم والسموات والمعارج العلى والرفرف الادنى وصرير الاقلام وشهود الالواح وما غشى الله سدرة المنتهى من الانوار وانتهاء الارواح والعلوم والاعمال اليها ومقام قاب قوسين من آيات الآفاق ومنها آيات الافنس وهو مقام المحبة والاختصاص بالهو { فاوحى الى عبده ما اوحى } مقام المسامرة وهو الهوّ غيب الغيب وايده { ما كذب الفؤاد ما رأى } والفؤاد قلب القلب وللقلب رؤية وللفؤاد رؤية فرؤية القلب يدركها العمى كما قال تعالى { ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور } والفؤاد لا يعمى لانه لا يعرف الكون وما له تعلق الا بسيده فان العبد هنا عبد من جميع الوجوده منزه مطلق التنزيه فى عبوديته فما تقل عبده من مكان الى مكان الا ليريه من آياته التى غابت عنه كانه تعالى قال ما اسريت به الا لرؤية الآيات لا الى ّ فانى لا يحدنى مكان ولا يقيدنى زمان ونسبة الامكنة والازمنة الى نسبة واحدة وانا الذى وسعنى قلب عبدى فكيف اسرى به الىّ وانا عنده ومعه اينما كان نزولا وعروجا واستواء { انه هوالسميع } لقوله صلى الله عليه وسلم بلا اذن كما يتكلم من غير آلة الكلام وهو اللسان ويعلم من غير اداة العلم وهو القلب { البصير } بافعال له بلا بصر حسبما يؤذن به القصر فيكرمه ويقربه بحسب ذلك .(7/139)
وفيه ايماء الى ان الاسراء المذكور ليس الا لتكرمته ورفع منزلته والا فالاحاطة باقواله وافعلها حاصلة من غير حاجة الى التقريب .
وفى التأويلات وفى قوله { انه هو السميع البصير } اشارة الى ان النبى صلى الله عليه وسلم هو السميع الذى قال الله « كنت سمعا فى يسمع وبى يبصر » فتحقيقه لنريه من آيتنا المخصوصة بجمالنا وجلالنا انه هو السميع بسمعنا البصير ببصرنا فانه لا يسمع كلامنا الا بسمعنا ولا يبصر جمالنا الا ببصرنا
جودر مكتب بى نشانى رسيد ... جكويم كه آنجاجه ديد وشنيد
ورق در نوشتند وكم شد سبق ... شنيدن بحق بود وديدن بحق
( وتفصيل القصة ) انه عليه السلام بات ليلة الاثنين لسلة السابع والعشرين من رجب كما سبق فى بيت ام اهنى بنت ابى طالب واسمها على الاشهر فاختة اسلمت يوم الفتح وهرب زوجها جبيرة الى نجران ومات بها على كفره واضطجع عليه السلام هناك بعد ان صلى الركعتين اللتين كان يصليهما وقت العشاء ونام ففرج عن سقف بيتها ونزل جبريل وميكائيل واسرافيل عليهم السلام ومع كل واحد منهم سبعون الف ملك وايقظه جبريل بجناحه كما قال المولى الجامى
درين شب آن جراغ جشم ببنش ... سزاى آفرين از آفرينش
جو دولت شد زبد خواهان نهانى ... سوى دولت سراى امهانى
به بهلوتكيه بر مهد زمين كرد ... زمين را مهد جان نازنين كرد
دلش ببدار جشمش درشكر خواب ... نديده جشم بخت اين خواب درخواب
درآمد ن كهان ناموس اكبر ... سبك روترازين طاوس اخضر
برو ماليد بر كاى خواجه بر خيز ... كه امشب خواب آمد دولت انكيز
برون بر يكزمان زين خوابكه رخت ... توبخت عالمى يبخواب به بخت
قال عليه السلام « فقمت الى جبريل فقلت اخى جبريل مالك فقال يا محمد ان ربى تعالى بعثنى اليك امرنى ان آتيه بك فى هذه الليلة بكرامة لم يكرم بها احد قبلك ولا يكرم بها احد بعدك فانك ان آتيه بك فى هذه الليلة بكرامة لم يكرم بها احد قبلك ولا يكرم بها احد بعدك فانك تريد ان تكلم ربك وتنظر اليه وترى فى هذه الليلة من عجائب ربك وعظمته وقدرته » قال عليه السلام « فوضأت وصليت ركعتين » وشق جبريل صدره الشريف من الموضع المنخفض بين الترقوتين الى اسفل بطنه اى اشار الى ذلك فانشق فلم يكن الشق بآلة ولم يسل دم ولم يج له عليه السلام الما لانه من خرق العادة وظهور المعجزات فجاء بطست من ماء زمزم واستخرج قلبه عليه السلام فغسل ثلاث مرات ونزع ما كان فيه من اذى .
وفيه اشارة الى فضل زمزم على المياه كلها جنانية او غيرها ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ ايمانا وحكمة فافرغ فيه لان المعانى تمثل بالاجسام كالعلم بصورة اللبين ووصعت فيه السكنة ثم اعاد القلب الى مكانه والتأم صدره الشريف فكانوا يرون اثرا كأثر المخيط فى صدره وهو اثر مر وريد جبريل .(7/140)
ووقع له عليه السلام شق الصدر ثلاث مرات . والمرة الاولى . حين كان فى بنى سعد وهو ابن خمس سنين على ما قاله ابن عباس رضى الله عنهما واخرج فى هذه المرة الملقة السوداء من القلب التى هى حظ الشيطان ومحل غمزه اى محل ما يلقيه من الامور التى لا تنبغى فلم يكن للشيطان فى قلب النبى عليه السلام حظ وكذا لم يكن لقلبه الطاهر ميل الى لعب الصبيان ونحوه وهو مما اختص به دون الانبياء عليهم السلام اذ لم يكن لهم شرح الصدر على هذا الاسلوب وللورثة الكمل حظ من هذا المعنى فانه يخرج من بعضهم الدم الاسود بالقيئ فى حال اليقظة ومن بعضهم حال الفناء والانسلاخ والاول اتم لانه يزول القلب بالكلية فينشط للعبادات كالعادات وجاء جبريل فى هذه المرة بخاتم من نور يحار الناظرون دونه فختم به قلبه عليه السلام لحفظ ما فيه وختم ايضا بين كتفيه بخاتم النبوة اى الذى هو علامة على النبوة وكان حوله خيلان فيها شعرات سود مائلة الى الحضرة وكان كالتفاحة او كبيض الحمامة او كرز الحجلة وهو طائر على قدر الحمامة كالقطاة احمر المنقار والرجلين ويسمى دجاج البر وزرها بيضتها .
قال الترمذى والصواب حجلة السرير واحدة الحجال وزرها الذى يدخل فى عروتها كما فى حياة الحيوان مكتوب عليه ( لا اله الا الله محمد رسول الله ) او ( محمد نبى امين ) او غير ذلك . والتوفيق بين الروايات بتنوع الحظوظ بحسب الحالات والتجليات او بالنسبة الى انظار الناظرين .
قال الامام الدميرى ان بعض الاولياء سأل الله تعالى ان يريه كيف يأتى الشيطان ويوسوس فاراه الحق هيكل الانسان فى صورة بلور وبين كتفيه شامة سوداء كالعش والوكر فجاء الخناس يتحسس من جميع جوانبه وهو فى صورة خنزير له خرطوم كخرطوم الفيل فجاء من بين الكتفين فادخل خرطومه قبل قلبه فوسوس اليه فذكر الله تعالى فخنس وراءه ولذلك سمى بالخناس لانه ينكص على عقبيه مهما حصل نور الذكر فى القلب ولهذا السر الالهى كان عليه السلام يحتجم بين كتفيه ويأمر بذلك ووصاه جبريل بذلك لتضعيف مادة الشيطان وتضييق مرصده لانه يجرى وسوسته مجرى الدم ولذلك كان خاتم النبوة بين كتفيه اشارة الى عصمته من وسوسته لقوله « اعاننى الله عليه فاسلم » اى بالختم الالهى ايده به وخصه وشرفه وفضله بالعصمة الكلية فاسلم قرينه وما اسلم قرين آدم فوسوس اليه لذلك . والمرة الثانية عند مجيئ الوحى فى بلوغه سن اربعين ليحصل له التحمل لاعباء الرسالة .(7/141)
والمرة الثالثة . ليلة الاسراء وهو ابن ثنتين وخمسين ليتسع قلبه لحفظ الاسرار الالهية والكلمات الربانية جاء جبريل هذه الليلة بدابة بيضاء ومن ثمة قيل لها البراق بضم الموحدة لشدة بريقها او لسرعتها فهى كالبرق الذى يلمع فى الغيم كما قال المولى الجامى قدس سره
يسيج راه عرشت كردم اينك ... براقى برق سير آوردم اينك
جهنده برزمين خوش باديابى ... برنده درهوا فرخ همايى
جو عقل كل سوى افلاك كردى ... جو فكر هندسه كيتى نوردى
نه دست كس عنان او بسوده ... نه از بابى ر كابش كشته سوه
وهى دابة فوق الحمار دون البغل .
قال صاحب المنتقى الحكمة فى كونه على هيئة بغل ولم يكن على هيئة فرس التنبيه على ان الركوب فى سلم وامن لا فى خوف وحرب اولا ظهار الآية فى الاسراع العجيب فى دابة لا يوصف شكله بالاسراع فانه كان يضع خطوه عند اقصى طرفه ويؤخذ من هذا انه اخذ من الارض الى السماء فى خطة لان بصر من فى الارض يقع على السماء والى السموات السبع فى سبع خطوات لان بصر من يكون فيى السماء يقع على السماء التى فوقها وبه يرد على من استبعد من المتكلمين احصار عرش بلقيس فى لحظة واحدة .
وقال فى ربيع الابرار خد البراق كخد الانسان وقوائمها كقوائم البعير وعرفها كعرف الفرس وعليها سرج من لؤلؤة بيضاء وركابان من زبرجد اخصر وعليها لجام من ياقوت احمر يتلألأ نورا .
قال فى انسان العيون لا ذكر ولا اثنى ومن لا يوصف بوصف المذكر والمؤنث فهو حقيقة ثالثة ويكون خارجا من قوله تعالى { ومن كل شئ خلقنا زوجين } كما خرجت الملائكة من ذلك فانهم ليسوا ذكورا ولا اناثا .
قال عليه السلام « فما رأيت دابة أحسن منها وانى لمشتاق اليها من حسنها فقلت يا جبريل ما هذه الدابة فقال هذا البراق فاركب عليه حتى تمضى الى دعوة ربك فاخذ جبريل بلجامها وميكائيل بركابها واسرافيل من خلفها فقصدت الى ان اركبها فجمحت الدابة وابت فوضع جبريل يده على وركبها وقال لها أما تستحيين مما فعلت فوالله ما ركبك احد اكرم على الله من محمد فرشحت عرقا من الحيا »
قال ابن ديحة لم يركب البراق احد قبله عليه السلام ووافقه الامام النووى فقول جبريل ما ركبك لا ينافيه لان السالبة تصدق بنفى الموضوع .
فقالت يا جبريل لم استصعب منه الا ليضمن ان يشفع لى يوم القيامة لانه اكرم الخلائق على الله فضمن لها ذلك . قالوا الورد الابيض خلق من عرق جبريل والاصفر من عرق البراق .
وعن انس رضى الله عنه رفعه ( لما عرج بى الى السماء بكت الارض من بعدى فنبث الاصفر من نباتها فلما رجعت قطر عرقى على الارض فنبت ورد احمر ألا من اراد ان يشم رائحتى فشم الورد الاحمر ) .(7/142)
قال ابو الفرج النهر وانى هذا الخبر يسير من كثير مما اكرم الله تعالى نبيه عليه السلام ودل على فضله ورفيع منزلته كما فى المقاصد الحسنة .
يقول الفقير هذا لا يستلزم ان لا يكون قبل هذا ورد احمر وابيض واصفر اذ ذلك من باب الكرامة ونظير ذلك ان حواء عليها السلام حين اهبطت الى الارض بكت فما وقع من قطرات دموعها فى البحر صار لؤلؤا وهذا لا يستزم ان لا يكون قبل هذا در فى البحر وقيس عليه الملح فان ابراهيم عليه السلام اتى بكف من كافور الجنة فذراه فحيثما وقع ذره منه فى اطراف العالم انقلب مملحة وكان قبل هذا ملح لكن لا بهذه المثابة .
قال عليه السلام ( فركبتها ) .
ازان دولت سرا جون خواجه دين ... خرامان شد بعزم خانه زين
شد از سبوحيان كردون صداده ... كه سبحان الذى اسرى بعبده
واختلفوا هل ركبها جبريل معه . قال صاحب المنتقى الظاهر عندى انه لم يركب لانه عليه السلام مخصوص بشرف الاسراء فانطلق البراق يهوى به يضع حافره حيث ادرك ( لا ) قال صليت بمدين وهى قرية تلقاء غزة عند شجرة موسى سميت باسم مدين بن موسى لما نزلها فانطلق البراق يهوى به فقال له جبريل انزل فصصل ففعل ثم ركب فقال له أتدرى أين صليت قال ( لا ) قال صليت ببيت لحم وهى قرية تلقاء بيت المقدس حيث ولد عيسى عليه السلام بينا هو صلى الله عليه وسلم على البراق اذ رأى عفاريتا من الجن يطلبه بشعلة من نار كلما التفت رآه فقال له جبريل ألا اعلمك كلمات تقولهن اذا انت قلتهن طفئت شعلته وخر لفيه فقال عليه السلام ( بلى ) فقال جبريل قل اعوذ بوجه الله الكريم وبكلمات الله التامات اللاتى لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ فى الارض ومن شر ما يخرج منها ومن فتن الليل والنهار ومن طوارق الليل والنهار الا طارقا يطرق بخير يا رحمن فقال عليه السلام ( ذلك ) فانكب فيه وطفئت شعلته .
ورآى صلى الله عليه وسلم حال المجاهدين فى سبيل الله اى كشف له عن حالهم فى دار الجزاء بضرب مثال . فرأى قوما يزرعون ويحصدون من ساعته وكلما حصدوا عاد كما كان فقال ( يا جبرائيل ما هذا ) قال هؤلاء المجاهدون فى سبيل الله تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف وما انفقوا من خير فهو يخلفه والمراد تكرير الجزاء لهم .
ونادى مناد عن يمينه يا محمد انظرنى اسألك فلم يجبه فقال ( ما هذا يا جبريل ) فقال هذا داعى اليهود أما انك لواجبته لتهودت امتك اى لتمسكوا بالتوراة والمراد غالب الامة .(7/143)
ونادى مناد عن يساره كذلك فلم يجبه فقال ( ما هذا يا جبريل ) فقال هذا داعى النصارى أما انك لو اجبته لتنصرت امتك اى لتمسكوا بالانجيل .
وكشف له عليه السلام عن حال الدنيا بضرب مثلا فرأى امرأىة حاسرة عن ذراعيها لان ذلك شأن المقتنص لغيره عليها من كل زينة خلقها الله تعالى ومعلوم ان النوع الواحد من الزينة يجلب القلوب اليه فكيف بوجود سائر انواع الزينة : قال الحافظ
خوش عروسيست جهان ازسر صورت ليكن ... هر كه بيوست بدو عمر خودش كابين داد
وقال
از ره مرو بعشوه دنيى كه اين عجوز ... مكاره مى نشيند ومحتاله رود
فقالت يا محمد انظرنى اسألك فلم يلتفت اليها فقال ( من هذه يا جبريل ) فقال تلك الدنيا أما انك لواجبتها لاختارت امتكم الدنيا على الآخرة .
ورأى صلى الله عليه وسلم على جانب الطريق عجوزا فقالت يا محمد انظرنى فلم يلتفت اليها فقال ( من هذه يا جبريل ) فقال انه لم يبق شئ من عمر الدنيا الا ما بقى من عمر تلك العجوز .
وفى كلام بعضهم قد يقال لها شابة وعجوز بمعنى يتعلق بذاتها وبمعنى يتعلق بغيرها . الاول وهوانها من اول وجود هذا النوع الانسانى الى ايام ابراهيم عليه السلام تسمى الدنيا شابة وفيما بعد ذلك الى بعثة نبينا عليه السلام كهلة ومن بعد ذلك الى يوم القيامة تسم عجوزا وهذا بالنسبة الى القرن الانسانى والا فقد خلق آدم عليه السلام والدنيا عجوز ذهب شبابها ونضارتها كما وردفى بعض الاخبار .
فان قلت الشباب ومقابله انما يكون فى الحيوان . قلت الغرض من ذلك التمثيل . وكشف له عليه السلام عن حال من يقبل الامانة مع عجزه عن حفظها بضرب مثال فاتى على رجل جمع حزمة حطب عظيمة لا يستطيع حملها وهو يزيد عليها فقال ( ما هذا يا جبريل ) قال هذا الرجل من امتك يكون عنده امانات الناس لا يقدر على ادائها ويريد ان يتحمل عليها .
قيل ( اتقوا الواوات ) اتى اتقوا مدلولات الكلمات التى اولها واو كالولاية والوزارة والوصاية والوكالة والوديعة .
وكشف له عن حال من ترك الصلاة المفروضة فى دار الجزاء فاتى على قوم ترضخ رؤسهم كلما ارضخت عادت كما كانت فقال ( يا جبريل من هؤلا ) قال هؤلاء الذين تتثاقل رؤسهم عن الصلاة المكتوبة اى المفروضة عليهم .
وكشف له عن حال من يترك الزكاة الواجبة عليه فاتى على قوم على اقبالهم رقاع وعلى ادبارهم رقاع يسرحون كما تسرح الابل والغنم ويأكلون الضريع وهو اليابس من الشوك والزقوم ثمر شجر مر له زفرة قيل انه لا يعرف شجره فى الدنيا وانما هو شجر فى النار وهى المذكورة فى قوله تعالى { انها شجرة تخرج فى اصل الجحيم }(7/144)
ويأكلون وضف جهنم اى حجارتها المحماة التى تكون بها فقال ( من هؤلاء يا جبريل ) قال هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات اموالهم المفروضة عليهم .
وكشف له عن حال الزناة بضرب مثل فاتى على قوم بين ايديهم لحم نضيج فى قدور ولحم نيئ ايضا فى قدورة خبيث فجعلوا يأكلون من ذلك النيئ الخبيث ويدعون النضيج الطيب فقال ( من هذا يا جبريل ) قال هذا الرجل من امتك يكون عند المرأة الحلال الطيب فيأتى امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى يصبح والمرأة تقوم من عند زوجها حلالا طيبا فتأتى رجلا خبيثا فتبيت عنده حتى تصبح .
وكشف له عن حال من يقطع الطريق بضرب مثال فاتى عليه السلام على خشبة لا يمر بها ثوب ولا شئ الا خرقته فقال ( ما هذه يا جبريل ) قال هذا مثل اقوام من امتك يقعدون على الطريق فيقطعونه وتلا { ولا تقعدوا بكل صراط توعدون } وفيه اشارة الى الزناة المعنوية وقطاع الطريق عن اهل الطلب وهم الجداجلة والائمة والمصلة فى صورة السادة القادة الاجلة فانهم يفسدون ارحام الاستعدادات والاعتقادات بما يلقون فيها من نطف خلاف الحق ويصرفون المقلدين عن طريق التحقيق ويقطعون عليهم خير الطريق فاولئك يحشرون مع الزناة والقطاع .
وكشف له عن حال من يأكل الربا اى حالته التى يكون عليها فى دار الجزاء فرأى رجلا يسبح فى نهر من دم يلقم الحجارة فقال ( من هذا ) فقال آكل الربا .
وكشف له عن حال من يغظ ولا يتعظ فاتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد كلما قرضت عادت فقال ( من هؤلاء يا جبريل ) فقال هؤلاء خطباء الفتنة خطباء امتك يقولون ما يفعلون
ازمن بكوى عالم تفسير كوى را ... كردر عمل نكوشى تونادان مفسرى
بار درخت علم ندانم بجز عمل ... باعلم اكر عمل نكنى شاخ بى برى
وكشف له عن حال المغتابين للناس فمر على قول لهم اظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقال ( من هؤلاء يا جبريل ) فقال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون فى اعراضهم .
وكشف له عن حال من يتكلم بالفحش بضرب مثال فأتى على حجر يخرج منه ثور عظيم فجعل الثور يريد ان يرجع من حيث يخرج فلا يستطيع فقال ( ما هذا يا جبريل ) فقال هذا الرجل من امتك يتكلم الكلمة العظيمة ثم يندم عليه فلا يستطيع ان يردها .
وكشف له حال من احوال الجنة فأتى على واد فوجده طيبا باردا ريحه ريح المسك وسمع صوتا فقال ( ياجبريل ما هذا ) قال هذا صوت الجنة تقول يا رب ائتنى ما وعدتنى .
وكشف له عن حال من احوال النار فأتى على واد فسمع صوتا منكرا ووجد ريحا خبثة فقال « ما هذا يا جبريل » قال صوت جهنم تقول يا رب استنى ما وعدتنى : وفى المثوى(7/145)
ذره ذره كاندرين ارض وسمامست ... جنس خود راهريكى جون كهرباست
معده نانرا مى كشد تامستقر ... مى كشد مر آب را تف جكر
جشم جذاب بتان زاين كويهاست ... مغز جويان از كلستان بويهاست
ومر عليه السلام على شخص متنحيا عن الطريق يقول هلم يا محمد قال جبريل سر يا محمد قال عليه السلام ( ما هذا ) قال عدو الله ابليس اراد ان تميل اليه .
آدمى را دشمن بنهان بسيست ... آدمئ باحذر عقال كسيست
ومر عليه السلام على موسى وهو يصلى فى قبره عند الكثيب الاحمر وهو يقول برفع صوته اكرمته وفضلته فقال ( من هذا يا جبريل ) قال هذا موسى بن عمران عليه السلام قال ( ومن يعاتب ) قال له يعاتب ربه فيك . والعتاب مخاطبة فيها ادلال والظاهر انه عليه السلام نزل عند قبره فصلى ركعتين . ومر عليه السلام على شجرة تحتها شيخ وعياله فقال ( من هذا يا جبربيل ) قال هذا ابوك ابراهيم عليه السلام فسلم عليه فرد عليه لاسلام فقال من هذا الذى معك يا جبريل قال هذا ابنك محمد صلى الله عليه وسلم قال مرحبا بالنبى العربى الامى ودعا له بالبركة وكان قبر ابراهيم تحت تلك الشجرة فنزل عليه السلام وصلى هناك ركعتين ثم ركب وسار حتى اتى الوادى الذى فى بيت المقدس فاذا جهنم تنكشف عن مثل الزرابى وهى النمارق اى الوسائد فقيل يا رسول الله كيف وجدتها قال « مثل الحممة » اى الفحمة ومضى عليه السلام حتى انتهى الى ايليا من ارض الشام وهو بالكسر مدينة القدس واستقبله من الملائكة جم غفير لا يحصى عددهم فدخلها من الباب اليمانى الذى فيه مثال الشمس والقمر ثم انتهى الى بيت المقدس وكان بباب المسجد حجر فادخل جبريل يده فيه فخرقه فكان كهيئة الحلقة وربط به البراق . وفى حديث ابى سئفيان رضى الله عنه قبل اسلامه انه قال لقيصر يحط من قدره صلى الله عليه وسلم ألا اخبرك ايها الملك عنه خبرا تعلم منه انه يكذب فقال وما هو قال انه يزعم انه خرج من ارضنا ارض الحرم فجاء مسجدكم هذا ورجع الينا فى ليلة واحدة فقال بطريق انا اعرف تلك الليلة فقال له قيصر ما اعلمك بها قال انى كنت لا ابيت ليلة حتى اغلق ابواب المسجد فلما كانت تلك الليلة اغفلقت الابواب كلها غير واحد وهو الباب الفانى غلبنى فاستعنت عليه بعمالى ومن يحضرنى فلم يفد فقالوا ان البناء نزل عليه فاتركوه الى غد حتى يأتى بعض التجارين فيصلحه فتركته مفتوحا فلما اصبحت غدوت فاذا الحجر الذى من زاوية الباب مثقوب واذا فيه اثر مربط الدابة ولم اجد بالباب ما يمنعه من الاغلاق فعلمت انه انما امتنع لاجل ما كنت اجده فى العلم القديم ان نبيا يصعد من بيت المقدس الى السماء وعند ذلك قلت لاصحابى ما حبس هذا الباب الليلة الا لهذا الامر .(7/146)
ولا يخفى ان عدم انغلاق الباب انما كان ليكون آية والا فجبريل لا يمنعه باب مغلق ولا غيره وكذا خرق المربط وربط البراق والا فالبراق لا يحتاج الى الربط كسائر الدواب الدنيوية فان الله تعالى قد سخره لحبيبه عليه السلام .
ولما استوى عليه السلام على الحجر المذكور قال جبريل يا محمد هل سألت ربك ان يريك الحور العين قال ( نعم ) قال جبريل فانطلق الى اولئك النسوة فسلم عليهن فسلم عليه السلام عليهن فرددن عليه السلام فقال من انتثن قلن خيرات حسان نساء قوم ابرار نقوا فلم يدرنوا واقاموا فلم يظعنون وخلدوا فلم يموتوا ثم دخل عليه السلام المسجد ونزلت الملائكة واحيى الله له آدم ومن دونه من الانبياء من سمى الله ومن لم يسم حتى لم يشذ منهم احد فرآهم فى صورة مثالية كهيئتهم الجسدانية الا عيسى وادريس والخضر والياس فانه رآهم باجسادهم الدنيوية لكونهم من زمرة الاحياء كما هو الظاهر فسلموا عليه وهنأوه بما اعطاه الله تعالى من الكرامة وقالوا الحمد لله الذى جعلك خاتم الانبياء فنعم النبى انت ونعم الاخ انت وامتك خير الامم ثم قال جبريل تقدم يا محمد وصل باخوانك من الانبياء ركعين فصلى بهم ركعتين وكان خلف ظهره ابراهيم وعن يمينه اسماعيل وعن يساره اسحاق عليهم السلام وكانوا سبعة صفوفو ثلاثة صفوف من الانبياء المرسلين واربعة من سائر الانبياء .
قال فى انسان العيون والذى يظهر والله اعلم ان هذه الصلاة كانت من النفل المطلق ولا يضر وقوع الجماعة فيها انتهى .
وفى منية المفتى ايضا امامة النبى عليه السلام ليلة المعراج لارواح الانبياء وكانت فى النافلة انتهى .
قال عليه السلام « لما وصلت الى بيت المقدس وصليت فيه ركعتين اى اماما بالانبياء والملائكة اخذنى العطش اشد ما اخذنى فأتيت بإناءين فى احدهما لبن وفى الآخر خمر فاخذت الذى فيه اللبن وكان ذلك بتوفيق ربى فشرتبه الا قليلا منه وتركت الخمر فقال جبريل اصبت الفطرة يا محمد » لان فطرته هى الملائكة للعلم والحلم والحكمة ( اما انك لو شربت الخمر لغوت امتك كلها ولو شربت اللبن كله لما ضل احد من امتك بعدك فقلت يا جبريل اردد علىّ اللبن حتى اشربه كله فقال جبريل قضى الامر ليقضى الله امرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة وان الله لسميع عليم ) .
قال بعضهم انه لما يختلف احد انه عرج به صلى الله عليه وسلم من عند القبة التى يقالها قبةالمعراج عن يقين الصخرة وقد جاء ( صخرة بيت المقدس من صخور الجنة ) وفيها اثر قدم النبى عليه السلام .(7/147)
قال ابى بن كعب ما ماء عذب الا وينبع من تحت صخرة بيت المقدس ثم يتفرق فى الارض وهذه الصخرة من عجائب الله فاناه صخرة شعثاء فى وسط المسجد الاقصى قد انقطعت من كل جهة لا يمسكها الا الذى يمسك السماء ان تقع على الارض الا باذنه ومن تحتها المغارة التى انفصلت من كل جهة فهى معلقة بين السماء والارض .
قال الامام ابو بكر بن العربى فى شرح الموطأ امنعت لهيبتها ان ادخل من تحتها لانى كنت اخاف ان تسقط علىّ بالذنوب ثم بعد مدة دخلتها فرأيت العجب العجاب تمشى فى جوانبها من كل جهة فتراها منفصلة عن الارض لا يتصل بها من الارض شئ ولا بعض شئ وبعض الجهات اشد انفصالا من بعض
قال بعضهم بيت المقدس اقرب الارض الى السماء بثمانية عشر ميلا وباب السماء الذى يقال له مصعد الملائكة يقابل بيت المقدس اى ولهذا اسرى به عليه السلام من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى ليحصل العروج مستويا من غير تعويج .
يقول الفقير رقاه الله القدير الى معرفة سر المعراج المنير لعل وجه الاسراء الى بيت المقدس هو التبرك بقدمه الشريفة لكون مدينة القدس ومسجدها متعبد كثير من الانبياء ومدفنهم لا لانه يحصل العروج مستويا فان ذلك من باب قياس الغائب على الشاهد وتقدر الملكوت بالملك اذا لارواح الطيبة والطفها النبى عليه السلام بجسمه وروحه لا حائل لهم واعتبار الاستواء والتعويج من بابا التكلف الذى لا يناسب حال المعراج . وقد ثبت ان عيسى عليه السلام سينزل الى المنارة البيضاء الدمشقية . ولم يعهد انها حيال باب السماء فالجواب العقلى لا يتمشى ههنا .
قال فى ربيع الابرار ( ثم قال لى جبريل قم يا محمد فقمت فاذا بسلم من ذهب قوائمه من فضة مركب من اللؤلؤ والياقوت يتلألأ نوره واذا اسفله على صخرة بيت المقدس ورأسه فى السماء فقيل لى يا محمد اصعد فصعدت )
وفى انسان العيون عرج الى السماء من الصخرة على المعراج لا على البراق . والمعراج بكسر الميم وفتحها الذى تعرج ارواح بنى آدم فيه وهو سلم له مرقاة من ذهب وهذا المعراج لم تر الخلائق احسن منه أما رأيت الميت حين يشق بصره طامحا الى السماء اى بعد خروج روحه فان ذلك عجبه بالمعراج الذى نصب لروحه لتعرج عليه وذلك شامل للمؤمن والكافر الا ان المؤمن يفتح لروحه باب السماء دون الكافر فترد بعد عروجها تحسرا وندامة وتكبيتا له وذلك المعراج اتى به من جنة الفردوس وانه منضد باللؤلؤ اى جعل فيه اللؤلؤ بعضه على بعض عن يمينه ملائكة ويساره ملائكة فصعد صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل .(7/148)
وفى كلام بعض المشايخ ان المراد بالمعراج صورة الجذب والانجذاب وتمثيل اصعود ولا فالآلة لا تتمشى هناك اذ لا يقاس السير الملكوتى على السير الملكى والظاهر ان عالم الملكوت مشتمل على ما هو صورة ومعنى والصورة هناك تابعة للمعنى كحال صاحب السير والاسراء فانه لو لم يكن جسده تابعا لروحه لتعذر العروج لصورته صورة ولمعناه معنى وكل منهما خلاف ما تتصوره الاوهام وهو اللائح بالبال والحمد الله الملك المتعال .
واعلم ان المعدن والنبات والحيوان مركبات تسمى بالمواليد الثلاثة آباؤها الاثيرايات الى الاجرام الاثيرية التى هى الافلاك بما فيها من الاجرام النيرة وامهاتها العنصريات والعناصر اربعة الارض والماء والهواء والنار فالارض ثقيل على الاطلاق والماء ثقيل بالاضافة الى الهواء والنار وهو محيط باكثر الارض والهواء خفيف مضاف الى الثقلين يطلب العلو وهو محيط بكرة الارض والماء والنار خفيف على اطلاق يحيط بكرة الهواء والنبى صلى الله عليه وسلم جاوز هذه العناصر ليلة المعراج بالحركة القسرية والحركة القسرية غير منكورة عندنا وعند المحيلين لهذا الاسراء الجسمانى فانا نأخذ الحجر وطبعه النزول فنرمى به فى الهواء صعوده فى الهواء بخلاف طبعه وبطبعه اما قولنا بخلاف طبعه فان طبعه يقتضى الحركة نحو المركز فصعوده فى الهواء عرضى بالحركة القسرية وهى الرمى به علوا واما قولنا وبطبعه فانه عليه السلام الفلك الاثيرى وهو نار والجسم الانسانى مهيأ مستعد لقبول الاحتراق ثم ان المانع من الاحتراق امور يسلمها الخصم فتلك الامور كانت الحجب التى خلقها الله سبحانه فى جسم المسرى به فلم يكن عنده استعداد الانفعال للحرق كبعض الاجسام المطلية بما يمنعها من الاحتراق بالنار اوامر آخر وهو ان الطريق الذى اخترقه ليس النار فيه الا محمولة فى جسم لطيف ذلك الجسم هو المحرق بالنار فسلب عنه النار وحل به ضدها كنار ابراهيم عليه السلام قال عليه السلام « انتهيت الى مجر اخضر عظيم اعظم ما يكون من البحار فقلت يا جبرائيل ما هذا البحر فقال يا محمد هذا بحر فى الهواء لا شئ من فوقه يتعلق به ولا شئ . من تحته يفر فيه ولا يدرى قعره وعظمته الا الله تعالى ولولا ان هذا البحر كان حائلا لاحترق ما فى الدنيا من حر الشمس » ثم قال « ثم انتهيت الى السما ءالدنيا واسمها رقيع فأخذ جبريل بعضدى وضرب بابها به وقال افتح الباب » وانما استفتح لكون انسان معه ولو انفرد لما طلب الفتح ولكون مجيئه على خلاف ما كانوا يعرفونه قبل ( قال الحارس من انت قال جبريل قال ومن معك فانه رأى شخصا معه لم يعرفه قال محمد قال اوقد بعث محمد قال نعم ) وذلك لجواز ان يعرف ولادته عليه السلام ويخفى عليه بعثته قال ( الحمد لله ففتح لنا الباب ودخلنا فلما نظر الىّ قال مرحبا بك يا محمد ولنعم المجيئ مجيئك فقلت يا جبريل من هذا قال هذا اسماعيل خازن السماء الدنيا وهو ينتظر قدومك فاذن وسلم عليه فدنوت وسلمت فرد علىّ السلام وهنأنى فلما صرت اليه قال ابشر يا محمد فان الخير كله فيك وفى امتك فحمد الله على ذلك ) وهذا الملك لم يهبط الى الارض قط الا مع ملك الموت لما نزل لقبض روحه الشريفة ( تحت يده سبعون الف ملك تحت يد كل ملك سبعون الف ملك قال واذا جنوده قائمون صفوفا ولهم زجل بالتسبيح يقولون سبوحا سبوحا لرب الملائكة والروح قدوسا قدوسا لرب الارباب سبحان العظيمالاعظم وكان قراءتهم سورة الملك فرأيت فيها كهيئة عثمان بن عفان فقلت بم بلغت الى هنا قال بصلاة الليل )(7/149)
هر كبج سعادت كه خداد داد بحافظ ... ازيمن دعاى شب وورد سحرى بود
قال « ثم انتهيت الى آدم فاذا هو كهيئة يوم خلقه الله تعالى » اى على غاية من الحسن والجمال « وكان تسبيحه سبحان الجليل الاجل سبحان الواسع الغنى سبحان الله العظيم وبحمده فاذا هو تعرض عليه ارواح ذريته المؤمنين فيقول روح طيبة ونفس طيبة خرجت من جسد طيب اجعلوها فى عليين وتعرض عليها ارواح ذريته الكفار فيقول روح خبيثة ونفس خبيثة خرجت من جسد خبيث اجعلوها فى سجين » فان قلت ارواح الكفار لا تفتح لها ابواب السماء فكيف تعرض عليه وهو فى السماء . قلت المراد بعض ارواح ذريته الكفار قلت المراد بعض ارواح ذريته الكفار يقع نظره عليها وهى دون السماء لانها شفافة . فان قلت ما ذكر يقتضى ان يكون ارواح المؤمنين كلهم فى عليين فى السماء السابعة وقد ثبت ان ارواح العصاة محبوسة بين السماء والارض . قلت التحقيق ان مبدأ مراتب السعدآء من السماء الدنيا على درجات متفاوتة الى عليين ومبدأ مراتب الاشقياء من مقعر سماء الدنيا الى منازل مختلفة الى سجين تحت السابعة وهو مسكن ابليس وذريته فمراتب ارواح الكفار انزل من مراتب ارواح عصاة المؤمنين تلتحق بعد التهذيب لى مقارها العلوية قال عليه السلام « فتقدمت اليه وسلمت عليه فقال مرحبا بالابن الصالح والتى الصالح » اى لقيت رحبا وسعة وكان مقره فلك القمر لمناسبته فى السرعة فان القمر يسير فى الشهر ما يسير الشمس فى السنة من المنازل فناسب فى سرعة حركاته حركات الذهنية وانتقالاته الباطنية وموجب هذه الرؤية الخاصة اى رؤيته عليه السلام لآدم فى السماء الدنيا دون غيره من الانبياء عليهم السلام مناسبة صفاتية او فعلية او حالية فلا تنافى ان يشارك آدم فى هذه السماء غيره من بعض الانبياء وقس عليها الرؤية فيما فوقها من السموات كما سيجيئ .(7/150)
قال فى تفسير المناسبات فى سورة النجم فاول ما رأى صلى الله عليه وسلم من الانبياء عليهم السلام آدم عليه السلام الذى كان فى امن الله وجواره فاخرجه ابليس عدوه منهما . وهذه القصة تشبهها الحالة الاولى من احوال النبى عليه السلام حين اخرجه اعداؤه من حرم الله وجوار بيته فأشبهت قصته فى هذا قصة آدم مع ان آدم يعرض عليه ذريتة البر والفاجر منهم فكان فى السماء الدنيا بحيث يرى الفريقين لان ارواح اهل الشقاء لا تلج فى السماء ولا تفتح لهم ابوابها انتهى قال عليه السلام « ورأيت رجالا لهم مشافر كمشافر الابل » اى كشفاه الابل « وفى ايديهم قطع من نار كالافهار » اى الحجارة « التى كل واحد منها ملئ الكف يقذفونها فى افواههم تخرج من ادبارهم قلت من هؤلاء يا جبريل قال اكلة اموال اليتامى ظلما » وهؤلاء لم يتقدم رؤيته لهم فى الارض ولعل المراد بالرجال الاشخاص او خصوا بذلك لانهم اولياء للايتام غالبا « ثم رأيت رجال لهم بطون امثال البيوت فيها حيات ترى من خارج البطون بطريق آل فرعون يمرون عليهم كالابل المهيومة حين يعرضون على النار لا يقدرون ان يتحولوا من مكانهم ذلك » اى فتطأهم آل فرعون الموصوفون بما ذكر المقتضى لشدة وطئهم لهم والمهيومة التى اصابها الهيام وهوداء يأخذ الابل فتهيم فى الارض ولا ترعى او العطاش والهيام شدة العطش . وفى رواية « كلما نهض احدهم خر » اى سقط « قلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء اكلة الربا » وتقدمت رؤيته عليه السلام لهم فى الارض لا بهذا الوصف بل ان الواحد منهم يسبح فى نهر مندم يلقم الحجارة ولا مانع من اجتماع الوصفين لهم اى فيخرجون من ذلك النهر ويلقون فى طريق من ذكر وهكذا عذابهم دائما « ثم رأيت اخونة عليها لحم طيب ليس عليها احد واخرى عليها لحم منتن عليها ناس يأكلون قلت يا جبريل من هؤلاء قال هؤلاء الذين يتركون الحلال ويأكلون الحرام » اى من الاموال اعم مما قبله وهؤلاء لم يتقدم رؤيته لهم فى الارض « ثم رأيت نساء متعلقات بثديهن فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء اللاتى ادخلن على الرجال ما ليس من اولادهن اى بسبب زناهن » وفى رواية « انه عليه السلام رأى فى هذه السماء النيل والفرات » وذلك لان متبعهما من تحت سدرة المنتهى ويمران فى الجنة ويجاوزانها الى السماء الدنيا فينصبان الى الارض من طرف العالم فيجريان . وفى زيادة الجامع الصغير « ان النيل يخرج من الجنة ولو التمستم فيه حين يسبح لوجدتم فيه من ورقها »(7/151)
قال صلى الله عليه وسلم « ثم عرج بنا الى السماء الثانية فاستفتح جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أوقد بعث اليه قال نعم ففتح لنا فاذا انا بابنى الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا عليهم السلام » اى شبيه احدهما بصاحبه ثيابهما وشعرهما « ومعهما نفر من قومهما فرحبا بى ودعوا لى بخير » وكونهما ابن الخالة اى ان ام كل خالة الآخر هو المشهور والتفصيل فى آل عمران .
قال فى تفسير المناسبات ثم رأى فى الثانية عيسى ويحيى وهما الممتحنان باليهود اما عيسى فكذبته اليهود وآذته وهموا بقتله فرفعه الله واما يحيى فقتلوه : قال فى المثنوى
جون سفيها نراست اين كاروكيا ... لازم آ مد يقتلون الانبياء
ورسول الله صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله الى المدينة صار الى حالة ثانية من الامتحان وكانت محنته فيها باليهود وآذوه وظاهروا عليه وهموا بالقاء الصخرة عليه ليقتلوه فنجاه الله كما نجى عيس ىمنهم ثم سموه فى الشاة فلم تزل تلك الاكلة تعاده حتى قطعت ابهره كما قال عند الموت وهكذا فعلوا بابنى الخالة عيسى ويحيى . قوله تعاده يقال عادته اللسعة اذا اتته لعداد بالكسر اى لوقت وفى الحديث « ما زالت اكلة خيبر تعادنى فهذا فهذا اوان قطعت ابهرى » وهو عرق فى الظهر متصل بالقلب اذا انقطع مات صاحبه وذلك ان يهودية اتت رسول الله بشاة مسمومة فاكل منها واكل القوم فقال عليه السلام « ارفعوا ايديكم فانها اخبرتنى انها مسمومة » فمات بشر بن البراء منه فجيئ بها الى رسول الله فسألها عن ذلك فقالت اردت ان اقتلك فقال عليه السلام « ما كان الله ليسلط على ذلك » اى على قتلى
قال الشيخ افتاده قدس سره وانما لم يؤثر السم فيه عليه السلام الى الاحتضار لان ارشاده عليه السلام وان كان فى عالم التنزل غير ان تنزله كان من مرتبة الروح وهى اعدل المراتب فلم يؤثر فيه الا الاحتضار فلما احتضر تنزل الى ادنى المراتب لان الموت انما يجرى على البشرية فلما تنزل الى تلك المرتبة اثر فيه ( ثم عرج بنا الى السماء الثالثة فاستفح جبريل فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل اوقد بعث اليه قال نعم ففتح لنا فاذا انا بيوسف عليه السلام ومعه نفر من قومه واذا هو اعطى شطر الحسن ) اى نصف الحسن الذى اعطيه الناس غير نبينا عليه السلام وفى كلام بعضهم اعطى شطر الحسن الى اوتيه نبينا عليه السلام وكان نبينا عليه السلام املح وان كان يوسف ابيض : قال المولى الجامى
دبير صنع نوشت است كرد عارض تو ... بمشك ناب كه الحسن والملاحة لك
وذلك ان الحسن والملاحة من عالم الصفات ولم يحصل لغيره عليه السلام ما حصل له من تجليات الصفات على الكمال صورة ومعنى اذ هو افضل من الكل فالتجلى له اكمل وهو اللائح بالبال قال عليه السلام(7/152)
« فرحب بى ودعا لى بخير » قال فى تفسير المناسبات اما القاؤه ليوسف عليه السلام فى السماء فانه يؤذن بحالة ثالثة تشبه حالة يوسف عليه السلام وذلك ان يوسف ظفر باخوته بعدما اخرجوه من بين ظهرانيهم فصفح عنهم وقال { لا تثريب عليكم اليوم } الآية وكذلك نبينا عليه السلام اسر يوم بدر جملة من اقاربه الذين اخرجوه فيهم عمه العباس وابن عمه عقيل فمنعم من اطلقه ومنهم من فداه ثم ظهر عليهم بعد ذلك عام الفتح فجمعهم فقال لهم « اقول ما قال اخى يوسف لا تثريب عليكم » ( ثم عرج بنا الى السماء الرابعة فاستفتح جبريل قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل اوقد بعث اليه قال قد بعث اليه ففتح لنا فاذا انا بادريس عليه السلام فرحب بى ودعا لى بخير ) قال الله تعالى فى حقه { ورفعناه مكانا عليا } اى السماء الرابعة حال حياته على احد الوجوه وكونه فى الجنة كما فى بعض الروايات لا ينافى وجوده فى السماء المذكورة تلك الليلة . قيل رفع الى السماء من مصر بعد ان خرج منها ودار الارض كلها وعاد اليها ودعا الخلائق الى الله تعالى باثنتين وسبعين لغة خاطب كل قوم بلغتهم وعلمهم العلوم وهو اول من استخراج علم النجوم اى علم الحوادث التى تكون فى الارض باقتران الكواكب وهو علم صحيح لا يخطئ فى نفسه وانما الناظر فى ذلك هو الذى يخطئ لعدم استيفائه النظر . قال فى المناسبات ثم لقاؤه لادريس عليه السلام فى السماء الرابعة وهو المكان الذى سماه الله مكانا عليا وادريس اول من آتاه الله الخط بالقلم فكان ذلك موذنا بحالة رابعة وهو شأنه صلى الله عليه وسلم حتى اخاف الملوك وكتب اليهم يدعوهم الى طاعته حتى قال ابو سفيان وهو عند ملك الروم حين جاء كتاب النبى عليه السلام ورأى ما رأى من خوف هرقل لقد امر امر ابن أبى كبشه حين اصبح يخافه ملك ابن ابى الاصفر وكتب بالقلم الى جميع ملوك الارض فمنهم من اتبعه على دينه كالنجاشى وملك عمان ومنهم من هادن واهدى اليه واتحفه المقوقس ومنهم من تعصى عليه فاظفره الله به وهذا مقام علىّ وخط بالقلم على نحو ما اوتى ادريس عليه السلام ( ثم عرج بنا الى السماء الخامسة فاستفتح جبريل قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أوقد بعث اليه قال نعم ففتح لنا فاذا انا بهارون عليه السلام ونصف لحيته بيضاء ونصف لحيته سوداء تكاد تضرب الى سرته من طولها وحوله قوم من بنى اسرائيل وهو يقص عليهم فرحب بى ودعا لى بخير ) وكان هارون محببا فى قومه لانه كان الين اليهم من موسى لان موسى كان فيه بعض الشدة عليهم ومن ثمة كان له منهم بعض الاذى .(7/153)
قال فى المناسبات لقاؤه عليه السلام فى السماء الخامسة لهارون المحبب فى قومه يوذن بحب قريش وجميع العرب له بعد بغضهم فيه .
قال وهب بن منبه وجدت فى احد وسبعين كتابا ان الله تعالى لم يعط جميع الناس من بدء الدنياء الى انقضائها من العقل فى جنب عقله صلى الله عليه وسلم الا كحبة بين رمال الدنيا . ومما يتفرع على العقل اقناء الفضائل واجتناب الرذائل واصابة الرأى وجودة الفطنة وحسن السياسة والتدبير وقد بلغ من ذلك صلى الله عليه وسلم الغاية التى لم يبلغها بشر سواه ومما لا يكاد يقضى منه العجب حسن تدبيره صلى الله عليه وسلم للعرب الذين هم كالوحوش الشاردة كيف ساسهم واحتمل جفاءهم وصبر على اذاهم الى ان انقادوا اليه واجتمعوا عليه واختاروه على انفسهم وقاتلوا دونه اهلهم وآباءهم وابناءهم وهجروا فى رضاه اوطانهم ( ثم عرج بنا الى السماء السادسة فاستفتح جبريل قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أوقد بعث اليه قال نعم ففتح لنا فاذا انا بموسى عليه السلام فرحب بى ودعا لى بخير ) وكان موسى رجلا آدم طوالا كثير الشعر مع صلابته لو كان عليه قميصان لنفذ الشعر منهما وكان اذا غضب يخرج شعر رأسه من قلنسوته وربما اشتعلت قلنسوته لشدة غضبه ولشدة غضبه لما فر الحجر بثوبه صار يضربه حتى ضربه ست ضربات او سبعا مع انه لا ادراك له ووجه بانه لما فر صار كالدابة والدابة اذا جمحت فصاحبها يؤدبها بالضرب .
يقول الفقير انما فر الحجر لان للجمادات حياة حقانية عند اهل الله تعالى وربما يظهر اثرها فى الظاهر فتصير فى حكم الاحياء من ذوى الروح واليه الاشارة بهذه الابيات المثنوية
بادرا بى شم اكر بينش نداد ... فرق جون مى كرد اندر قوم عاد
كرنبودى نيل را آن نور ديد ... ازجه قبطى را زسبطى مى كزيد
كرنه كوه وسنك باديدار شد ... بس جرا داودرا اويار شد
اين زمين را كرنبودى جشم وجان ... ازجه قارون را فراخوردى جنان
قال عليه السلام « فلما جاوزت اى عن موسى بكى فقيل له ما يبكيك قال ابكى لان غلاما بعث بعدى يدخل الجنة من امته اكثر ممن يدخل من امتى » اى بل ومن سائر الامم لان اهل الجنة من الامم مائة وعشرون صفا هذه الامة منها ثمانون صفا وسائر الامم اربعون .(7/154)
قال ابن الملك انما بكى موسى اشفاقا على امته حيث قصر عددها عن عدد امة محمد لا حسدا عليه لانه لا يليق به واما قوله ان غلاما بعث بعدى فلم يكن على سبيل التحقير بل على معنى تعظيم المنة لله تعالى لان محمدا مع كونه غير طويل المر فى عبادة ربه خصه بهذه الفضيلة .
يقول الفقير بكاء موسى عليه السلام هو المناسب لمقامه لانه كان له غيرة غالبة ولذا لما مر عليه السلام عليه وهو يصلى فى قبره عند الكثيب الاحمر سمع منه وهو يقول برفع صوته اكرمته فضلته يخاطب ربه وياتبه ادلالا وهو لا يستلزم الحسد والتحقير لان كمل افراد الامة مطهرون عن مثل هذا فكيف الانبياء خصوصا اولوا العزم منهم ومن البين ان اهل الجنة يرضون بما اوتوا من الدرجات على حسب استعداداتهم فلا يتمنى بعضهم مقام بعض لكونه خارجا عن الحكمة فكذا الانبياء والاولياء فى مقاماتهم المعنوية والا لما استراحوا وهو مخل برتبتهم .
قال فى المناسبات ولقاؤه فى السماء السادسة لموسى عليه السلام يوذن بحالة تشبه حالة موسى عليه السلام حين امر بغزوة الشام وظهر على الجبابرة الذين كانوا فيها وادخل بنى اسرائيل البلد الذى خرجوا منه بعد اهلاك عدوهم وكذلك غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك من ارض الشام وظهر على صاحب دومة الجندل حتى صالحه على الجزية بعد ان اتى به اسيرا وافتتح مكة ودخل اصحابه البلد الذى خرجوا منه ( ثم عرج بنا الى السماء السابعة فاستفتح جبريل قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أوقد بعث اليه قال نعم ففتح لنا فاذا انا بابراهيم عليه السلام قال هذا ابوك ابراهيم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح والنبى الصالح )
قال الامام التوربشتى امر النبى عليه السلام بالتسليم على القاعد والمرئى كان ارواح الانبياء مشكلة بصورهم التى كانوا عليها الا عيسى فانه مرئى بشخصه قال عليه السلام « واذ ابراهيم رجل اشمط جالس عند باب الجنة » اى فى جهتها والا فالجنة فوق السماء السابعة ( على كرسى مسند ظهره الى البيت المعمور ) وهو من عقيق محاذ للكعبة بحيث لو سقط سقط عليها ( يدخله كل يوم سبعون الف ملك ثم لا يعودون كالانفاس الانسانية يدخلون من الباب الواحد ويخرجون من الباب الآخر ) فالدخول من باب مطالع الكواكب والخروج من باب مغاربها قال عليه السلام « واذا انا بامتى شطرين شطر عليهم ثياب بيض كأنها القراطيس وشطر عليهم ثياب رمدة فدخلت البيت المعمور ودخل معى الذين عليهم الثياب البيض وحجب الآخرون الذين عليهم الثياب الرمدة فصليت انا ومن معى فى البيت المعمور » اى ركعتين والظاهر انه ليس المراد بالشطر النصف حتى يكون العصاة من امته بقدر الطائعين منهم .(7/155)
يقول الفقير المراد بالشطرين الفرقتان والفرقة التى عليهم ثياب بيض طائفة بالنسبة الى الذين عليهم ثياب رمدة لان الحكمة الالهية اقتضت كون اهل العصيان والنفس اكثر من اهل الطاعة والتزكية اذ المقصود ظهور الانسان الكامل وهو حاصل مع ان الواحد على الحق هو السواد الاعظم فيكون اهل الطاعة كالشطر بالنسبة الى اهل العصيان نسأل الله تعالى ان يدخلنا بيت القلب مع الداخلين ويزيل اوساخ وجوداتنا بحرمة النبى الامين .
قال السهيلى قد ثبت فى الصحيح ان اطفال المؤمنين والكافرين فى كفالة سيدنا ابراهيم عليه السلام وان رسول الله قال لجبريل حين رآهم مع ابراهيم « من هؤلاء يا جبرائيل قال هؤلاء اولاد المؤمنين الذين يموتون صغارا » قاله له « واولاد الكافرين » قال واولاد الكافرين .
وقد روى فى اطفال الكافرين ايضا « انهم خدم لاهل الجنة »
وجاء ان ابراهيم عليه السلام قال لرسول الله ( اقرئ امتك منى السلام واخبرهم ان الجنة طيبة التربة عذبة الماء وان غراسها سبحان الله والحمدلله ولا اله الا الله والله اكبر ) كما قال المولى الجامى
يا دكن آنكه درشب اسرا ... باحبيب خدا خليل خدا
كفت كووى ازمن اى رسول كرام ... امت خويش را زبعد سلام
كه بود باك وخوش زمين بهشت ... ليك آنجا كسى درخت نكشت
خاك او باك وطيب افتاده ... ليك هست از درختها ساده
غرس اشجاران بسعى جميل ... بسمله حمد له است بس تهليل
هست تكبير نيزا ازان اشجار ... خوشى كسى كش جزين نيايد كار
ابغ جنات تحتها الانهار ... سبز وخرم شود ازان اشجار
قال عليه السلام « واستقبلتنى جارية لعساء وقد اعجبتنى فقلت لها يا جارية انت لمن قالت لزيد بن حارثة » واللعس لون الشفة اذا كان تضرب الى السواد قليلا وذلك مستملح .
يقول الفقير زيد هذا هو الذى تبناه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت زينت تحت نكاحه فطلقها ليتزوجها رسول الله فلما آثر النبى عليه السلام بها ابدل الله مكانها زوجا له من الحور مليحة جدا وجازاه بها فان لكل فناء وترك مشروع اثرا معنويا فما انتقص شئ فى الظاهر الا وقد انتقل فى الباطن والآخر باطن بالنسبة الى الدنيا فمن ترك حظه فيها وجده فى الآخرة اعلى منه واوفر . ورأى عليه السلام فى السماء السابعة فوجا من الملائكة نصف ابدانهم من النار ونصفها من الثلج فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفئ النار وهم يقولون اللهم كما الفت بين النار والثلج فالف بين قلوب عبادك المؤمنين حمله بعض الاكابر على معنى ان نصف اجزائه ثلج ونصف اجزائه نار فامتزجا وحصل بينهما مزاج واحد والظاهر ان الاول ادل على القدرة فان اجتماع الاضداد بالمعنى الذى ذكره موجود فى اكثر المركبات .(7/156)
قال فى المناسبات ثم لقاؤه فى السماء السابعة ابراهيم عليه السلام لحكمتين احداهما انه رآه عند البيت المعمور مسندا ظهره اليه والبيت المعمور حيال الكعبة اى بازائها ومقابلتها واليه تحج الملائكة كما ان ابراهيم هو الذى بنى الكعبة واذن فى الناس بالحج والحكمة الثانية ان آخر احوال النبى عليه السلام حجه الى البيت الحرام وحج معه ذلك العام نحو من سبعين الفا من المسلمين ورؤية ابراهيم عند اهل التأويل تؤذن بالحج لانه الداعى اليه والرافع لقواعد الكعبة المحجوجة قال صلى الله عليه وسلم « ثم ذهب بى » اى جبريل « الى سدرة المنتهى » وهى شجرة فوق السماء السابعة فى اقصى الجنة اليها ينتهى الملائكة باعمال اهل الارض من السعداء واليها تنزل الاحكام العرشية والانوار الرحمانية ( واذا اوراقها كآذان الفيلة ) جميع الفيل اى فى الشكل وهو الاستدارة لا فى السعة اذ الواحدة منها تظل الخلق كما فى بعض الروايات ( وثمرها كلاقلال ) جمع قلة وهى الجرة العظيمة وهذه الشجرة هى الحد البرزخى بين الدارين فاغصانها نعيم لاهل الجنة واصولها زقوم لاهل النار ولا فنانها حنين بانواع التسبيحات والتحميدات والترجيحات عجيبة الالحان تطرب لها الارواح وتظهر عليها الاحوال وام فيها رسول الله ملائكة السموات فى الوتر فكان امام الانبياء فى بيت المقدس وامام الملائكة عند سدرة المنتهى فظهر بذلك فضله على اهل الارض والسماء ويخرج من اصل تلك الشجرة اربعة انهار باطنان اى يبطنان ويغيبان فى الجنة بعد خروجهما من اصل تلك الشجرة وهما الكوثر ونهر الرحمة ونهران ظاهران اى يستمران ظاهرين بعد خروجهما من اصل تلك الشجرة فيجاوزان الجنة وهما النيل نهر مصر والفرات نهر الكوفة .
قال بعضهم لولا دخول بحر النيل فى الملح الذى يقال له البحر الاخضر قبل ان يصل الى بحيرة الزنج لما قدر احد على شربه لشدة حلاوته ومر الفرات فى بعض السنين فوجد فيه رمان مثل البعير فيقال انه رمان الجنة .
يقول الفقير لعله من البساتين التى يقال لها جنان الارض اذ سقوط الثمار من اماكنها من الفساد غالبا وليس لثمار الجنة ذلك اللهم الا ان يقال وجود ذلك الرمان فى الفرات على تقدير ان يكون من رمان الجنة انما هو ليكون آية لذوى الاستبصار ودخل عليه السلام الجنة فاذا فيها نابذ اى قباب الدر واذا ترا بها المسك ورمانها كالدلاء وطيرها كالبخت وانتهى الى الكوثر فاذا فيه آنية الذهب والفضة فشرب منه فاذا هو احلى من العسل واشد رائحة من المسك وفى الحديث « ما فى الدنيا ثمرة حلوة ولا مرة الا وهى فى الجنة حتى الحنظل والذى نفس محمد بيده لا يقطف رجل ثمرة من الجنة فتصل الى فيه حتى يبدل الله مكانها خيرا منها »(7/157)
وهذا القسم يرشد الى ان ثمرة الجنة كلها حلوة تؤكل وانها تكون على صورة ثمرة الدنيا المرة وغشى السدرة ما غشى من نور الحضرة الالهية فصار لها من الحسن غير تلك الحالة التى كانت عليها فما احد من خلق يستطيع ان ينعتها من حسنها لان رؤية الحسن تدهش الرائى ورأى عليه السلام جبرائيل عند تلك السدرة على الصورة التى خلقه الله عليها له ستمائة جناح كل جناح منها قدسه الافق اى ما بين المشرق والمغرب يتناثر من اجنحته الدر والياقوت - روى - ان جبريل لما وصل الى السدرة التى هى مقامه تأخر فلم يتجاوز فقال عليه السلام « أفى مثل هذا المقام يترك الخليل خليله » فقال لو تجاوزت لاحرقت بالنور . وفى رواية لو دنوت انماله لاحرقت : قال الشيخ سعدى قدس سره
جنان كرم درتيه قربت براند ... كه درسدره جبريل ازوبازماند
بدو كفت سالار بيت الحرام ... كه اى حامل وحى برتر خرام
جو در دوستى مخلصم با فتى ... عنانم ز صحبت جرا تافتى
بكفتا فرا تر مجالم تماند ... بما ندم نيروى بالم نماند
اكريك سرموى بر تر برم ... فروغ تجلى بوزد برم
فقال عليه السلام « يا جبريل هل لك من حاجة الى ربك قال يا محمد سل الله لى ان ابسط جناحى على الصراط لامتك حتى يجوزوا عليه » قال عليه السلام « ثم زج بى فى النور فخرق بى سبعون الف حجاب ليس فيها حجاب يشبه حجابا غلظ كل حجاب خمسمائة عام وانقطع عنى حس كل ملك فلحقنى عند ذلك استيحاش فعند ذلك نادى مناد بلغة ابى بكر قف فان ربك يصلى » اى يقول سبحانى سبحانى سبقت رحمتى على غضبى وجاء نداء من العلى الاعلى ( ادن يا خير البرية ادن يا احمد ادن يا محمد فادنانى ربى حتى كنت كما قال ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى ) - روى - انه عليه السلام عرج من السماء السابعة الى الدرة على جناح جبريل ثم منها على الرفرف وهو بساط عظيم .
قال الشيخ عبد الوهاب الشعرانى هو نظير المحفة عندنا ونادى جبريل من خلفه يا محمد ان الله يثنى عليك فاسمع واطع ولا يهولنك كلامه فبدأ عليه السلام بالثناء وهو قوله « التحيات لله والصلوات والطيبات » اى العبادات القولية والبدنية والمالية فقال تعالى « السلام عليك ايها النبى ورحمة الله وبركاته » فعمم عليه السلام سلام الحق فقال « السلام علينا وعلى عبد الله الصالحين » فقال جبريل ( اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا عبده ورسوله ) وتابعه جميع الملائكة .(7/158)
قال بعض الكبار اخترق الافلاك من غير ان تسكن عن تحريكها كاختراق الماء والهواء الى ان وصل سدرة المنتهى فقعد على الرفرف فاخترق عوالم الانوار الى ان جاز موضع القدمين الى العرش اى المستوى المفهوم من قوله { الرحمن على العرش استوى } كل ذلك بجسمه فعاين محل الاستواء فلما فارق عالم التركيب والتدبير لم يبق له انيس من جنه فاستوحش من حيث مركبه فنودى بصوت ابى بكر ( قف يا محمد ان ربك يصلى ) فكن وتلا عليه عند ذلك { هو الذى يصلى عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات الى النور } هذا لسان الاحباب وخطاب الاخلاء والاصحاب وهذا اول الابواب المعنوية من هنا تقع فى بحر الشارات والمعانى وهو الاسراء البسيط فتقع المشاهدة بالبصر لا بالجارحة لا عيان الارواح المهيمة التى لا مدخل لها فى عالم الاجسام فترك الرفرف ومشاهدة الجسم وانسلخ من الرسم والاسم وسافر برفرف عمته فحطت العين بساحل بحر العمى حيث لا حيث ولا اين فادركت ما ادركت من خلف حجاب العزة الا حمى الذى لا يرتفع ابدا ثم عادت بلا مسافة الى شهود عينها ثم الى تركيب كونها المتروك بالمستوى مع الرفرف فقوله { ثم دنا } اشارة الى العروج والوصول وقوله { فتدلى } الى النزول والرجوع وقوله { فكان قاب قوسين } بمنزلة النتيجة اشارة الى الوصول الى مرتبة الذات الواحدية اى عالم الصفات المشار اليه بقوله تعالى { الله الصمد } وقوله تعالى { او ادنى } اشارة الى مرتبة الذات الاحدية اى عالم الذات المشار اليه بقوله تعالى { الله احد } وكان المعراج فى صورة الصعود والهبوط لانه وقع بالجسم والروح معا والا فالملك والملكوت مندرج فى الوجود الانسانى وكل تجل يحصل له انما هو من الداخل لا من الخارج قال صلى الله عليه وسلم « سألنى ربى فلم استطع ان اجيبه فوضع يده بين كتفىّ بلا تكييف ولا تحديد » اى يد قدرته لانه سبحانه منزه عن الجارحة ( فوجدت بردها فاورثنى علم الاولين والآخرين وعلمنى علوم شتى فعلم اخذ على كتمانه اذ علم انه لا يقدر على حمله غيرى وعلم خيرنى فيه وعلم امرنى بتبليغه الى العام والخاص من امتى ) وهى الانس والجن وهذا التفصيل يدل على ان العلوم الشتى هذه العلوم الثلاثة كما يدل عليه الفاء وهى زائدة على علوم الاولين والآخرين فالعلم الاول من باب الحقيقة الصرفة والثانى من باب المعرفة والثالث من باب الشريعة .
ومن جملة ما اوحى فى هذا الموطن من القرآن خواتيم سورة البقرة وبعض سورة والضحى وبعض الم نشرح لك وقوله تعالى { هو الذى يصلى عليكم وملائكته يخرجكم من الظلمات الى النور } والوحى بلا واسطة يقتضى الخطاب فسمع عليه السلام كلم الحق من غير كيفية كما سمعه موسى عليه السلام من كل جانب ورآه(7/159)
كلام سرمدى بى نقل بشنيد ... خداوند جهانرا بى جهت ديد
بديد آنجه زحدديندن برون بود ... مبرس اما ز كيفيت كه جون بود
قال الامام النووى الراجع عند اكثر العلماء انه رأى ربه بعينى رأسه . يقول الفقير يعنى بسره وروحه فى صورة الجسم بان كان كل جزء منه سمعا واتحد البصر بالبصيرة فهى رؤية بهما معا من غير تكييف فافهم فانه جملة ما ينفصل .
فان قل ما الفرق بين الانبياء وبين نبينا عليه السلام فى باب الربية فافهم يرونه ويشاهدونه حال الانسلاخ انما هى بالبصيرة فقط واما رؤيته تعالى فى الجنة فقيل لا يراه الملائكة وقيل يراه منهم جبريل خاصة مرة واحدة .
قال بعضهم وقياس عدم رؤية الملائكة عدم رؤية الجن له تعالى ورد ذلك .
يقول الفقير لعل وجه الاختلاف عند الحقيقة ان الملائكة والجن على جناح واحد وهو الجمال والانس على جناحين وهما الجمال والجلال المقول لهما الكمال فلا يرونه تعالى من مرتبة مؤمنى الانس وانما يشاهدونه تعالى من مرتبة انفسهم فافهم واما انه ليس لهم مشاهدة اصلا فلا مساعدة له بوجه من الوجوه واتفق العلماء على جواء رؤية الله تعالى فلاى المنام وصحتها اى وقوعها لان ذلك المرئى انما هو صفة من صفات الله تعالى - روى - عن ابى يزيد البسطامى قدس سره انه قال رأيت ربى فى المنام فقلت له كيف الطريق اليك فقال اترك نفسك ثم تعال - روى - ان حمزة القارئ قرأ عليه القرآن من اوله الى آخره فى المنام حتى اذا بلغ الى قوله { وهو القاهر فوق عباده } قال الله تعالى قل يا حمزة وانت القاهر .
يقول الفقير سمعت من شخى وسند قدس سره ان شيخه عبد الله الشهير بذاكر زاده روح الله روحه اراد ان يستخلفه فامتنع عليه فرأى فى تلك الليلة فى المنام ان الله تعالى اعطا المصحف وقال له خذ هذا وادع عبادى الىّ وكان من آثار هذا المنام ان الله تعالى وفقه لا حياء العلم والدعوة الى الله فى المراتب الاربع وزاد خلفاؤه على المائة والخمسين كلهم من اهل التفسير ولم يتيسر هذا المقام لغيره من مشايخ العصر قال عليه السلام « فرض الله علىّ خمسين صلاة فى كل يوم وليلة » قيل كانت كل صلاة منها ركعتين ألا يرى انه من قال الله علىّ صلاة يلزمه ركعتان ويخالفه ما قالوا انه عليه السلام كان يصلى كل يوم وليلة ما يبلغ الى خمسين صلاة وفق ما فرق ليلة المعراج فالظاهر ان هذه الخمسين باعتبار الركعات لانه هو المضبوط عنه عليه السلام يعنى كان يصلى فى اليوم واليلة من الفرائض والنوافل خمسين ركعة وصرح بعضهم بان المراد الخمسون وقتا فالظاهر ان كل وقت كان مشتملا على ركعتين لان الصلاة فى الاصل كانت ركعتين ركعتين ثم زيدت فى الحضر واقرت فى السفر قال عليه السلام(7/160)
« فنزلت الى ابراهيم فلم يقل شيأ ثم اتيت موسى » اى فى الفلك السادس ( فقال ما فرض ربك على امتك قلت خمسين صلاة قال ارجع الى ربك فاسأله التخفسف فان امتك لا تطيق ذلك وانى والله قد جربت الناس قبلك وعالجت بنى اسرائيل اشد المعالجة ) يعنى مارستهم ولقيت الشدة فيما رادت فيهم من الطاعة قال عليه السلام « فرجعت الى ربى » يعنى رجعت الى الموضع الذى ناجيت ربى فيه وهو سدرة المنتهى ( فخررت ساجدا فقلت اى ربى خفف عن امتى فحط عنى خمسا فرجعت الى موسى واخبرته قال ان امتك لا تطيق ذلك قال فلم ازل ارجع بين ربى وموسى ويحيط خمسا خمسا حتى قال موسى بم امرت قلت امرت بخمس صلوات كل يوم قال ارجع فاسأله التخفيف فقلت قد راجعت ربى حتى استحييت ولكن ارضى واسلم ) يعنى فلا ارجع فان رجعت كنت غير راض ولا مسلم ولكن ارضى بما قضى الله واسلم امرى وامرهم الى الله ( فلما جاوزت نادى مناد امضيت فريضتى ) يعنى قال الله تعالى يا محمد هى خمس صلوات فى كل يوم وليلة بكل صلاة عشر فتلك خمسون صلاة كما قال { من جاء بالحسنة فله عشر امثالها } والصلاة انما تحصل بتوجه القلب والعمل الواحد فى مرتبة القلب يقابل العشرة وقال « من همّ بحسنه فلم يعملها كتبت له حسنة فان عملها كتبت له عشرا وهم همّ بسيئة فلم يعملها لم يكتب شئ فان عملها كتبت سيئة واحد »
وعن ابن عمر رضى الله عنهما كانت الصلاة خمسين والغسل من الجنابة سبع مرات وغسل البول من الثوب سبع مرات ولم يزل صلى الله عليه وسلم يسأل ربه حتى جعلت الصلاة وخمسا وغسل الجنابة مرة واحدة وغسل البول من الثوب مرة وفى الحديث « اكثروا من الصلاة على موسى فما رأيت احدا من الانبياء احوط على امتى منه » وجاء ( كان موسى اشدهم على حين مررت به وخيرهم علىّ حين رجعت فنعم الشفيع كان لكم موسى ) وذلك فانه كما تقدم لما جاوزه النبى عند الصعود بكى فنودى ما يبكيك فقال رب هذا غلام اى لانه صلى الله عليه وسلم كان حديث السن بالنسبة الى موسى بثته بعدى يدخل الجنة من امته اكثر ممن يدخل من امتى . فان قلت هذا وقوع النسخ قبل البلاغ وقد اتفق اهل السنة والمعتزلة على منعه . قلت وقع بعد البلاغ بالنسبة الى النبى عليه السلام لانه كلف بذلك ثم نسخ فاذا نسخ فى حقه نسخ فى حق امته لان الاصل ان ما ثبت فى حق كل نبى ثبت فى حق امته الا ان يقول الدليل على الخصوصية .(7/161)
وعن انس رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « رأيت ليلة اسرى بى الى السماء تحت العرش سبعين مدينة كل مدينة مثل دنياكم هده سبعين مرة مملوءة من الملائكة يسبحون الله ويقدسونه ويقولون فى تسبيحهم اللهم اغفر لمن شهد الجمعة الى صلاتها اللهم اغفر لمن اغتسل يوم الجمعة » اى لصلاتها « ورأيت ليلة اسرى بى مكتوبا على باب الجنة الصدقة بعشر امثالها والقرض بثمانين عشر فقلت لجبريل ما بال القرض افضل من الصدقة قال لان السائل يسأل وعنده شئ والمستقرض لا يستقرض الا من حاجة » وبيان كون درهم القرض بثمانية عشر درهما ان درهم القرض بدرهمين من دراهم الصدقة كما جاء فى بعض الروايات ودرهم الصدقة بعشر تصير الجملة عشرين ودرهم القرض يرجع للمقرض بدله بدرهمين من عشرين بتخلف ثمانية عشر « ورأيت رضوان خازن الجنة فلما رآنى فرح بى ورحب بى وادخلنى الجنة وارانى فيها من العجائب ما وعد الله فيها لاوليائه مما لا عين رأيت ولا اذن سمعت ورأيت فيها درجات اصحابى ورأيت فيها الانهار والعيون وسمعت فيها صوتا وهو يقول آمنا برب العالمين فقلت ما هذا الصوت يا رضوان قال هم سحرة فرعون وازواجهم وسمعت آخر وهو يقول لبيك اللهم فقلت من هو قال ارواح الحجاج وسمعت التكبير فقال هؤلاء الغزاة فى الارض السابعة فاذ على بابها مكتوب وان جهنم لموعدهم اجميعن » قال عليه السلام « وابصرت ملكا لم يضحك فى وجهى فقلت يا اخى جبريل من هذا قال مالك خازن النار لم يضحك منذ خلقه الله ولو ضحك الى احد لضحك اليك فقال له جبريل يا مالك هذا محمد فسلم عليه فسلم علىّ وهنأنى بما صرت اليه من الكرامة والشرف » وانما بدأ خازن النار بالسلام عليه صلى الله عليه وسلم ليزيل ما استشعر من الخوف مننه ويشير الى انه ومن اتبعه من الصالحين سالمون من النار ناجون قال عليه السلام « فسألته ان يعرض علىّ النار بدركاتها فعرضها علىّ بما فيها واذا فيها غضب الله » اى نقمته « لو طرحت فيها الحجارة والحديد لاكتلها واذا قوم يأكلون الجيف فقلت من هؤلاء يا جبريل فقال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ورأيت قوما تنزع ألسنتهم من انفيتهم فقلت من هم فقال هم الذين يحلفون بالله كاذبين ورأيت جماعة من النساء علقن بشعورهن فقلت من هن قال هن اللاتى لا يستترن من غير محارمهن ورأيت جماعة منهن لباسهن من القطران فقلت من هن قال نائحات » جمع نائحة وهى الباكية على الميت مع عدا خلاقه ومحاسنه .(7/162)
ودل حديث المعراج على ان الجنة والنار مخلوقتان الآن لان الانسان اذا علم ثوابا مخلوقا اجتهد فى العبادة ليحصل ذلك الثواب واذا علم عقابا مخلوقا اجتهد فى اجتناب المعاصى لئلا يصيبه ذلك العقاب وقد صح ان الجنان قيعان عمارتها بالاعمال كما دل عليه حديث الغراس فيما سبق .
واعلمانه عليه السلام اسرى به من مة الى بيت المقدس على البراق ومن بيت المقدس الى السماء الدنيا على المعراج ومنها الى السماء السابعة على جناح الملائكة ومنها الى السدرة على جناح جبريل ومنها الى العرش على الرفرف والظاهر ان النزول كان على هذا الترتيب .
وقال بعض الاكابر من اهل الله انه اسرى به الى السدرة على البراق واياما كان فلما نزل الى السماء الدنيا نظر الى اسفل منه فاذا هو بهرج ودخان واصوات فقال ما هذه يا جبريل قال هذه الشياطين يحومون على اعين بنى آدم حتى لا ينظروا الى العلامات ولا يتفكروا فى ملكوت السموات ولولا ذلك لرأوا العجائب اى ادركوها ونزل عليه السلام الى بيت المقدس وتوجه الى مكة وهو على البراق حتى وصل الى بيته الاشرف بالحرم المكى الاحمى بحجر الكعبة العظيمة او الى بيت ام هانى كما يدل عليه ما يجيئ من تقرير القصة وكان زمان ذهابه ومجيئه ثلاث ساعات او اربع ساعات .
وفى كلام السبكى ان ذلك كان قدر لحظة ولا بدع لان الله تعالى قد يطيل الزمن القصير كما يطوى الطويل لمن يشاء - روى - فى مناقب الشيخ موسى السدرانى من اكابر اصحاب الشيخ ابى مدين قدس الله سرهما ان له وردا فى اليوم والليلة سبعين الف ختمة .
يقول الفقير قال شيخى وسندى قدس سره فى الكلام عليه ان اليوم والليلة اربع وعشرون ساعة فيكون فى كل اثنتى عشر ساعة خمس وثلاثون الف ختمة لانه اما ان ينبسط الى ثلاث واربعين سنة وتسعة اشهر واما الى اكثر وعلى التقدير الاول يكون اليوم والليلة منبسطا الى سبع وثمانين سنة وستة اشهر فيكون فى كل يوم وليلة من ايام السنين المنبسطة اليها ولياليها ختمتان ختمة فى اليوم وختمة فى الليلة كما هو العادة ويحتمل التوجيه باقل من ذلك باعتبار سرعة القارى هذا فانه صدق وقد كوشف لى هكذا وقد صدقته وقبلته وهذا سر عظيم انتهى كلام الشيخ .
وقد ثبت فى الهندسة ان ما بين طرفى قرص الشمس اى عظمة وسمته ضعف ما بين طرفى كرة الارض مائة ونيفا وستين مرة ثم ان طرفها الاسفل يصل موضع طرفها الاعلى فى اقل من ثانية وهى جزء من ستين جزأ من الدقيقة والدقيقة جزء من ستين جزأ من الدرجة وهى جزء من خمسة عشرة جزأ من الساعة فاذا كانت هذه السرعة ممكنة للجماد فكيف لا يمكن لأفضل العباد اذا اراد رب البلاد والله تعالى قادر على جميع الممكنات فيقدر ان يخلق مثل هذه الحركة فى جسد النبى عليه السلام او فيما يحمله .(7/163)
قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره قد ذهب عليه السلام وجاء ولم يتم ماء ابريقه انصبابا ومن كان مؤمنا لا ينكر المعراج ولكن وقوع السير المذكور فى مقدار ذلك الزمن اليسير يشكل عند العقل بحسب الظاهر واما عند التحقيق فلا اشكال ألا يرى ان فى الوجود الانسانى شيأ لطيفا اعنى القلب يسير من المشرق الى المغرب بل جميع العوالم فى آن واحد وهو بديهى لا ينكره من له ادنى تمييز حتى البله والصبيان أفلا يجوز ان تحصل تلك اللطافة لوجود النبى صلى الله عليه وسلم بقدرة الله تعالى فوقع ما وقع فى الزمن اليسير
راه زاندازه برون رفته ... بى نتوان بردكه جون رفته
عقل درين واقعه حاشا كند ... عقل نه حاشا كه تمنا كند
- روى - ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من ليلته قص القصة على ام هانئ وقال « انى اريد ان اخرج الى قريش فاخبرهم بذلك » فقالت اشندك الله اى بفتح الهمزة اى اسألك بالله ابن عم اى يا ابن عمى ان لا يحدث اى لا تحدث بهذا قريشا فيكذبك من صدقك فلما كان الغداة تعلقت بردائه فضرب بيده على ردائه فانتزعه من يدها وانتهى الى نفر من قريش فى الحطيم هو ما بين باب الكعبة والحجر الاسود واولئك النفر مطعم بن عدى وابو جهل بن هشام والوليد بن المغيرة فقال « انى صليت العشاء » اى اوقعت صلاة فى ذلك الوقت « فى هذا المسجد وصليت به الغداة » اى اوقعت صلاة فى ذلك الوقت والا فصلاة العشاء لم تكن فرضت وكذا صلاة الغداة التى هى الصبح لم تكن فرضت كما تقدم « واتيت فيما بين ذلك بيت المقدس » واخبرهم عما رأى فى السماء من العجائب وانه لقى الانبياء وبلغ البيت المعمور وسدرة المنتهى وجاء انه لما دخل المسجد الحرام وعرف ان الناس يكذبونه وما احب ان يكتم ما هو دليل على قدرة الله تعالى وهما هو دليل على علو مقامه الباعث على اتباعه قعد حزينا فمر به عدو الله ابو جهل فجاء حتى جلس اليه عليه السلام فقال كالمستهزئ هل كان من شئ قال « نعم أسرى بى الليلة » قال الى اين قال « الى بيت المقدس » قال ثم اصبحت بين ظهرانينا قال « نعم » قال ارأيت ان دعوت قومك تحدثهم ما حدثتنى قال(7/164)
« نعم » قال يا معشر كعب بن لوى فانفضت اليه المجالس وجاؤوا حتى جلسوا اليهما فقال حدث قومك بما حدثتنى به فقال « انى اسرى بى » قالوا الى اين قال « الى بيت المقدس فنشر لى الانبياء وصليت بهم وكلمتهم » فقال ابو جهل كالمستهزئ صفهم لنا فقال عليه السلام « ما عيسى فوق الربعة دون الطويل » اى لا طويل ولا قصير « عريض الصدر جاعد الشعر » اى فى شعره « تثنى وتكسر تعلوه صهبه » اى يعلو شعره شقرة « ظاهر الدم » اى يعلوه حمرة « كأنما خرج من ديماس » اى حمام واصله الكنّ الذى يخرج منه الانسان وو عريان واصله الظملة يقال ليل دامس والحمام لفظ عربى . واول واضع له الجن وضعته لسليمان عليه السلام وقيل الواضع بقراط الحكيم وقيل شخص سابق على بقراط استفاده من رجل كان به تعقيد الغصب فوقع فى ماء حار فى جب فسكن فصار يستعمله حتى برئ وفى الحديث « اتقوا بيتا يقال له الحمام فمن دخله فليستتر » ولم يدخل عليه السلام الحمام ولم يكن ذلك فى بلاد الحجاز وانما كان فى ارض العجم والشام « واما موسى فضخم آدم » اى اسمر ومن ثمة كان خروج يده بيضاء مخالفا لونها لسائر لون جسده آية « طويل كأنه من رجال شنوءة » وهى طائفة من اليمن اى ينسبون الى سنوءة وهو عبد المطلب بن كعب من اولاد الازد معروفون بالطول « كثير الشعر غائر العينين متراكم الاسنان متقلص الشفتين خارج اللثة » وهو اللحم الذى خارج الاسنان عابس « واما ابراهيم فوالله انه لأشبه الناس بى خلقا وخلقا فضجوا » اى صاح قريش وعظموا ذلك وصار بعضهم يصفق وبعضهم يضع يده على رأسه متعجبا ومنكرا قالوا نحن نضرب اكباد الابل الى بي المقدس مصعدا شهرا ومنحدرا شهرا أتزعم انك اتيته فى ليلة واحدة واللات والعزى لا نصدقك وارتد ناس ممن كان آمن به وسعى رجال الى ابى بكر رضى الله عنه اى اسرع او مشى فقال ان كان قد قال ذلك فلقد صدق قالوا أتصدقه على ذلك قال انى اصدقه على ابعد من ذلك اى ان ذهب الى بيت المقدس فى ليلة واحدة اصدقه فانى اصدقه فى خبر السماء فى غدوة وهى ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس وروحه وهى اسم للوقت من الزوال الى الليل والمراد هنا انه ليخبرنى ان الخبر ليأتيه من السماء الى الارض فى ساعة من ليل او نهار فاصدقه فهذا اى مجيئ الخبر له من السماء بواسطة الملك ابعد مما تعجبون منه فسمى الصديق وهو الكثير الصدق فهو للمبالغة وتسمية ابى بكر بسبب هذا الجواب الصدق بهذا الاسم للمبالغة فى كيفية الصدق فانه صدق كامل فى مثل هذا المقام الذى كذب فيه اكثر الناس وكان على رضى الله عنه يحلف بالله ان الل انزل اسم ابى بكر من السماء الصديق اى فهى تسمية الله بالذات لا تسمية الخلق وكان فيهم من يعرف بيت المقدس فاستنعتوه المسجد اى قالوا يا محمد صف لنا بيت المقدس كم له من باب ارادوا بذلك اظهار كذبه عليه السلام لانهم عرفوا انه عليه السلام لم يره قال(7/165)
« فكربت كربا شديدا لم اكرب مثله قط لانهم سألونى عن اشياء لم اثبتها وكنت دخلته ليلا وخرجت منه ليلا فقمت فى الحجر فجلى الله لى بيت المقدس » اى كشفه لى اى بوجود صورته ومثاله فى جناح جبريل او برفع الجحاب بينه وبين بيت المقدس حتى رآه عليه السلام وهو فى مكانه اذ كان يصل بصرة الى حيث يصل اليه قلبه او باعدامه هناك وايجاده فى مكة طرفة عين بحيث يتصل بعدمه وجوده على ما هو شأن الخلق الجديد ومنه زيادة الكعبة لبعض الاولياء كما قال فى المثنوى
هرنفس نوميشود دنيا وما ... بى خبر زنوشدن اندر بقا
عمر همجون جوى نونو مى رسد ... مستمرى مى نمايد درجسد
آن زتيزى مستمر شكل آمده است ... جون شرركس تيز جنبانى بدست
شاخ آتش را بجنبانى بساز ... در نظر آتش نمايد بس دراز
اين درازى مدت ازتيزى صنع ... مى نمايد سرعت انكيزى صنع
قال « فطفقت » اى جعلت اخبرهم عن آياته اى علاماته وانا انظر اليه .
قال فى المواهب ولم يسأله عما رأى فى السماء لانه لا عهد لهم بذلك فقالوا اما النعت فقد اصاب فقالوزا ما آية ذلك يا محمد اى ما العلامة الدالة على هذا الذى اخبرت به فانا لم نسمع بمثل هذا قط اى هل رأيت فى مسراك وطريقك ما نستدل بوجوده على صدقك اى لان وصفك لبيت المقدس يحتمل ان تكون حفظته عمن ذهب اليه فقال عليه السلام « آية ذلك انى مررت بعير بنى فلان بوادى كذا » اى فى الروحاء وهو محل قريب من المدينة اى بينه وبين المدينة ليلتان ( قد اضلوا ناقة لهم ) اى وانا متوجه وذاهب ( وانتهيت الى رحالهم واذا قدح ماء فشربت منه ) فاسألوهم عن ذلك وشرب الماء للغير جائز لانه كان عند العرب كاللبن مما يباح لكم مجتاز من ابناء السبيل قالوا فاخبرنا عن عيرنا قال « مررت بها فى التنعيم » وهو محل قريب من مكة اى وانا راجع الى مكة فاخبرهم بعدد جمالها واحوالها « وانها تقدم مع طلوع الشمس يتقدمها جمل اورق » وهو ما بياضه الى سواد(7/166)
« عليه غرارتان احداهما سوداء والاخرى برقاء » اى فيها بياض وسواداى حوالق مخطط بياض فابتدر القوم الثنية اى الجبل فقال قائل منهم هذه والله الشمس قد اشرقت فقال آخر هذه والله العير قد اقبلت يتقدمها جمل اورق كما قال محمد عليه الغرارتان فتاب المرتدون واصر المشركون وقالوا انه ساحر .
وجاء فى بعض الروايات الن الشمس حبست له عليه السلام عن الطلوع حتى قدمت تلك العير وحبس الشمس وقوفها عن السير اى عن الحركة بالكلية وقيل بطؤ حركتها وقيل ردها الى ورائها فان قيل حبسها ورجوعها مشكل لانها لو تخلفت اوردت لاختلت الافلاك وفسد النظام . قلنا حبسها وردها من باب المعجزات ولا مجال للقياس فى خرق العادات وقد وقع حبس الشمس لبعض الانبياء كداود وسليمان ويوضع وموسى عليهم السلام .
واما عود الشمس بعد غروبها فقد وقع له صلى الله عليه وسلم فى خيبر فعن اسماء بنت عميش رضى الله تعالى عنها قالت كان عليه السلام يوحى اليه ورأسه الشريفة فى حجر على رضى الله عنه ولم يسر عنه حتى غربت الشمس وعلى لم يصل العصر فقال له رسول الله « أصليت العصر » قال لا فقال عليه السلام « اللهم انه كان فى طعاتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس » قالت اسماء فرأيتها طلعت بعد ما غربت وهو من اجل اعلام النبوة فليحفظ .
وذكر انه وقع لبعض الوعاظ ببغداد كان يعظ بعد العصر ثم اخذ فى ذكر فضائل آل البيت فجاءت سحابة غطت الشمس فظن وظن الناس الحاضرون عنده ان الشمس غابت فارادوا الانصراف فاشار اليهم ان لا يتحركوا ثم ادار وجهه الى ناحية المغرب وقال
لا تغربى يا شمس حتى ينتهى ... مدحى لآل المصطفى ولنجعله
ان كان للمولى وقوفك فليكن ... هذا الوقوف لولده ولنسله
فطعلت الشمس فلا يحصى ما رمى عليه من الحلى والثياب وهو من الاتفاقات الغريبة كما حكى ان بعض الناس كان يهوى شابا يلقب ببدر الدين فاتفق انه توفى ليلة البدر فلما اقبل الليل وتكمل البدر لم يتمالك محبة رؤيته من شدة الحزن والنشد يخاطب البدر .
شقيقك غيب فى لحده ... وتطلع يا بدر من بعده
فهلا خسفت وكان الخسوف ... لباس الحداد على فقده
فخسف القمر من ساعته فانظر الى صدق المحبة وتأثيرها فى القمر وصدق من قال ان المحبة مغناطيس الغقلوب : قال الكمال الخجندى
بجشم اهل نظركم بود زبروانه ... دلى كه سوخته آتش محبت نيست
اللهم اجعلنا من اهل المحبة والوداد آمين وحين زالت الشمس من اليوم الذى يلى ليلة المعراج نزل جبريل وام بالنبى عليه السلام ليعلمه اوقات الصلوات وهيئتها واعداد ركعاتها ثم صبح باصحابه ( الصلاة جامعة ) لان الاقامة المعروفة للصلاة لم تشرع الا بالمدينة فاجتمعوا فصلى النبى عليه السلام بالناس فسميت تلك الصلاة صلاة الظهر لانها فعلت عند قيام الظهيرة اى شدة الحر او عند نهاية ارتفاع الشمس فصلاته عليه السلام بالناس كانت بعد صلاته مع جبريل وامه جبريل يومين يوما فى اول الوقت ويوما فى آخره وكان ذلك عند باب الكعبة مستقبلا لصخرة الله ثم التفت جبريل وقال يا محمد هذا وقتك ووقت الانبياء من قبلك والوقت ما بين هذين الوقتين وانما لم تقع البداءة بالصبح مع انها اول صلاة بعد ليلة الاسراء لان الاتيان بها يتوقف على بيان الاتيان بالكيفية اى على بيان علم كيفيتها المعلق عليه الوجوب كأنه قيل اوجبت حيث ما تبين كيفية فى وقته والصبح لم تبين كيفيتها فى وقتها فلم تجب .(7/167)
فان قيل قول جبريل هذا وقتك ووقت الانبياء من قبلك يقتضى ان هذه الصلوات كانت مشروعة لكل واحد من الانبياء قبله وليس كذلك لانها من خصائص هذه الامة .
قلنا معناه ان وقتك هذا المحدود الطرفين مثل وقت الانبياء قبلك فانه كان محدود الطرفين او ان بعضهم صلى الفجر وبعضهم ما يليهم وهو لا ينافى كون المجموع على هذه الكيفية من خصائص هذه الامة - روى - ان اول من صلى الفجر آدم عليه السلام حين اهبط الى الارض من الجنة اظلمت عليه الدنيا وجنّ الليل ولم يكن يرى قبل ذلك فخاف خوفا شديدا فلما انشق الفجر صلى ركعتين شكرا لله تعالى لحصول النجاة من ظلمة الليل ولرجوع النهار او لما تيب عليه كان ذلك عند الفجر فصلى ركعتين شكرا لحصول التوبة وزوال المخالفة وطلوع النور التوفيق وغروب ظلمة المخالفة . واول من صلى بعد الزوال ابراهيم عليه السلام حين فدى ابنه عند الظهر صلى اربعا شكرا لذهاب غم الولد ولنزول الفداء ولرضى الله حين نودى قد صدقت الرؤيا ولصبر ولده على اذى الذبح ومشقته . واول من صلى العصر يونس عليه السلام حين انجاه من ظلمات اربع الزلة والليل والماء وبطن الحوت . واول من صلى المغرب عيسى عليه السلام فالركعة الاولى لنفى الالوهية عن نفسه والثانية لنفيها عن والدته والثالثة لاثباتها لله تعالى وقيل غفر لداود عليه السلام عند الغروب فقام يصلى اربع ركعات فجهد اى تعب فجلس فى الثالثة اى سلم فيها فصارت المغرب ثلاثا . واول من صلى العشاء موسى عليه السلام حين خرج من مدين وضل الطريق وكان فى غم المرأة وغم اخيه هارون وغم فرعون عدوهوغم اولاده فلما انجاه الله من ذلك كله صلى اربعاء واول من صلى الوتر نبينا عليه الصلاة والسلام .
قال فى تفسير التيسير ام رسول الله ملائكة السموات فى الوتر فكان امام الانبياء فى بيت المقدس وامام الملائكة عند سدرة المنتهى فظهر بذلك فضله على اهل الارض والسماء انتهى .(7/168)
قال فى التقدمة شرح المقدمة قيل لما قام الى الثالثة رأى والديه فى النار ففزع وانحل يداه ثم كبر وقنت واستغاث بالله من النار واهلها واتمها على ثلاث ركعات فصارت وترا . قيل فرضت الصلوات الخمس فى المعراج ركعتين ركعتين حتى المغرب ثم زيد فى صلاة الحضر فاكملها اربعا فى الظهر اى فى غير يوم الجمعة واربعا فى العصر وثلاثا فى المغرب واربعا ف العشاء واقرت صلاة الصبح على ركعتين فعن عائشة رضى الله عنها فربضت صلاة الحضر والسفر ركعتان اى فى الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء فلما اقام رسول الله اى بعد شهر وقيل وعشرة ايام من الهجرة زيد فى صلاة الحضر صلاة المغرب فلم يزد عليها الا ركعة فصارت ثلاثا وقيل فرضت الخمس فى المعرراج اربعا الا المغرب ففرضت ثلاثا والا الصبح ففرضت ركعتين والا صلاة الجمعة ففرضت ركعتين ثم قصرت الاربع فى السفر اى فى السنة الرابعة من الهجرة وهو المناسب لقوله تعالى { فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة } قال بعضهم والحكمة فى جعل الصلاة فى اليوم والليلة خمسا ان الحواس لما كانت خمسا والمعاصى تقع بواسطتها كانت كذلك تلكوم ماحية لما يقع فى اليوم والليلة من المعاصى اى بسبب تلك الحواس وقد اشار الى ذلك النبى عليه السلام بقوله « أرأيتم لو كان بباب احدكم نهر يغتسل منه فى اليوم والليلة خمس مرات أكان ذلك يبقى من درنه شيأ » قالوا لا يا رسول الله قال « فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا »
وقال بعضهم جعلها خمس صلوات اظهارا لسر التضعيف قال تعالى { من جاء بالحسنة فله عشر امثالها } فالخمس عشر مرات خمسون وهى العدد الذى فرض ليلة المعراج قبل التخفيف .
وقيل لان الكعبة بنيت من خمس جبال طور سينا وطور زيتا والجودى زجلات وحرا وابو قبيس ولهذا السر جعل الطواف حول البيت الحرام بمنزلة الصلاة ولكن الصلاة افضل من الطواف الا فى حق الحاج فانه مختص بالمحل الشريف والصلاة بخلافه .
وقيل جعلها خمسا شكرا للعناصر الاربعة وجمعيتها فى نشأة الانسان وقد جعل الله الصلاة على اربعة اركان القيام والركوع والقعود والسجود لتكون شكرا لهذه العناصر الاربعة .
او لان الخلق اربعة اصناف قائم مثل الاشجار وراكع مثل الانعام وقاعد مثل الاحجار وساجد مثل الهوام فاراد ان يوافق الجميع فى احوالهم فيشأ كل واحد من الخلق ودجعل الله فى اوضاع الصلاة جمعية العالم كلها وجعلت الصلاة مثنى وثلاث ورباع لتوافق اجنحة الملائكة فانها جعلت اجنحة للشخص بها يطير الى الله تعالى .
قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده قدس سره صلاة الصبح فى مقابلة الجسم والروح والاربع فى المراتب الاربع اى الطبيعة والنفس والقلب والروح وصلاة المغرب كانت لعيسى ولذلك صارت ثلاثا لانه ليس له حظ الطبيعة
وقال حضرة شيخى وسندى قدس الله سره فى كتاب اللائكات البريات عند قوله تعالى(7/169)
{ وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحوان آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة } ان الليل اشار الى مرتبة اللاتعين وهى مرتبة الجلال الاطلاقى الذاتى الحقيقى الوجودى لكمال الاطلاق الذاتى لذلك الكمال المذكور نعته ثم صلاة الفجر من الصلوة الخمس المشتمل عليها الليل والنهار بركعتيها اشارة الى الاثنينية والتمايز بين المرتبتين المذكورتين والركعة الاولى اشارة الى مرتبة الجلال والركعة الثانية اشارة الى مرتبة الجمال واحدية مجموع الركعتين واجتماع الرُكعتين والتقاؤهما فى ذلك المجموع اشارة الى كمال واجتماع الجلال والجمال والتقائهما فى ذلك الكمال ثم صلاة المغرب منها عكس صلاة الفجر ليظهر فيها ما بطن فيها من الاحدية الجامعة والركعة الاولى اشارة الى الجلال والثانية الى الجمال والثالثة الى الكمال الجامع ومرتبة اللاتعين مرتبة القوة ومرتبة التعين مرتبة الفعل ولولا القوة لما تحقق الفعل والقوة اجماعل والفعل تفصيل فلولا خزينة القوة لما ظهر كرم الفعل وجود الفضل ثم صلاة العشاء منها بركعاتها الاربع اشارة الى التعينات الاربعة الذاتية والاسمائية والصفاتية والافعالية فى مرتبة اللاتعين والجلال بالقوة وصلاة الظهر منها بركعاتها الاربع اشارة الى تلك التعينات الاربعة فى مرتبة الجمال الالهى بالفعل وصلاة العصر منها بركعاتها الاربع اشارة اليها فى مرتبة الجمال الكونى بالفعل ثم الفرائض اشارة الى الوجود الحقانى الالهى المنبسط على الاكوان مطلقا والواجبات اشارة الى الوجودات الخلقية الكونية الاخصية والسنن اشارة الى الوجودات الخلقية الكونية الخاصية والمستحبات اشارة الى الوجودات الخلقية العامية ثم ساق حضرة الشيخ روح الله روحه فى ذلك الكتاب كلاما طويلا من طلبه وجده .
وسئل ابن عباس رضى الله عنهما هل تجد الصلوات الخمس فى كتاب الله تعالى فقال نعم وتلا قوله { فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد فى السموات والارض وعشيا وحين تظهرون } واراد بحين تمسون المغرب والعشاء وبحين تصبحون الفجر وبعشيا العصر وبحين تظهرون الظهر واطلاق التسبيح بمعنى الصلاة جاء فى قوله تعالى { فلولا انه كان من المسبحين } قال القرطبى اى من المصلين . وفى الكشاف عن ابن عباس رضى الله عنهما كل تسبيح فى القرآن فهو صلاة والعمدة فى الصلاة الطهارة الباطنة وحضور القلب : وفى المثنوى
روى ناشسته نبيند روى خور ... لا صلاة كفت الا بالطهور
وهو بالفتح مصدر بمعنى التطهير ومنه ( مفتاح الصلاة الطهور ) واسم لما يتطهر به كما فى المغرب قال الحافظ
طهارت ارنه بخون جكر كند عاشق ... بقول مفتى عشقش درست نيست نماز(7/170)
وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2)
{ وآيتنا موسى الكتاب } اى التوراة جملة واحدة بعدما اسريناه الى لاطور { وجعلناه } اى ذلك الكتاب { هدى لنبى اسرائيل } هاديا لاولاد يعقوب يهتدون الى الحق والصواب بما فيه من الاحكام والخطاب { ان لا تتخذوا } ان مفسرة لما يتضمنه الكتاب من الامر والنهرى بمعنى اى كما فى قوله كتبت اليه ان افعل كذا . :
قال الكاشفى [ وكفتيم مرايشانرا كه آيافرا ميكيريد ] { من دونى } [ بجز از من ] { وكيلا } [ برور دكاريكه مهم خود بدو كذا ريد ] .
قوله من دونى بمعنى غيرى احد مفعولى لا تتخذوا ومن مزيدة .(7/171)
ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)
{ ذرية } اى يا ذرية { من حملنا مع نوح } فى السفينة او نصب على الاختصاص بتقدير اعنى يقال ذرأ خلق والشئ كثر منه الذرية مثلثة لنسل الثقلين كما فى القاموس . والمراد تأكيد الحمل على التوحيد بتذكير انعامه عليهم فى ضمن انجاء آبائهم من الغرق فى سفينة نوح .
قال فى الكواشى هذا منة على جميع الناس لانهم كلهم من ذرية من انجى فى السفينة من الغرق . والمعىن كانوا مؤمنين فكونوا مثلهم واقتفوا بآثار آبائكم .
قال الكاشفى [ مرادسامست كه ابراهيم عليه السلام جد بنى اسرائيل است ازنسل اوبود يعنى نعمت نجات از طوفان كه به بدرشاما ارزانى داشتيم ياد كنيد وشكر كوييد ] { انه } اى نوجا عليه السام { كان عبدا شكورا } كثير الشكر فى مجامع حالاته وكان اذا اكل قال الحمد لله الذى اطمعنى ولو شاء اجاعنى واذا شرب قال الحمد لله الذى سقانى ولو شاء اظمأنى واذا اكتسى قال الحمد لله الذى كسانى ولو شاء جردنى واذا تغوط قال الحمدلله الذى اخرج عنى اذاه فى عافية ولو شاء حبسه - روى - انه كان اذا اراد الافطار عرض طعامه على من آمن به فان وجده محتاجا آثره به وفيه ايذان بان انجاء من معه كان ببركة شكره عليه السلام وحث الذررية على الاقتداء به وزجر لهم عن الشرك الذى هو اعظم مراتب الكفران .
وفى التأويلات النجمية { انه كان عبدا شكورا } اى كان نوح عبدا شكورا يرى الضراء نعمة منا كما يرى السراء نعمة منا فيشكرنا فى الحالتين جميعا فلما بالغ فى الشكر سمى شكورا فالله تعالى بالغ فى ازدياد النعمة جزاء لمبالغته فى الشكر حتى انعم على ذرية من حملهم مع نوح وهم بنوا اسرائيل بايتاء التوراة الهادية الى التوحيد المنجية من الشرك .(7/172)
وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4)
{ وقضينا الى بنى اسرائيل } يقال قضى اليه انهاه وابلغه اى اعلمناهم واوحينا اليهم وحيا جزما وبينا { فى الكتاب } فى التوراة فان الانزال والوحى الى موسى انزال ووحى اليهم { لتفسدن فى الارض } والله لتفسدن فى ارض الشام وبيت المقدس { مرتين } مصدر والعامل فيه من غير لفظه اى افسادا بعد افساد افسادتين . اولاهما مخالفة حكم التوراة وقتل شعيا وحبس ارميا حين انذرهم سخط الله وارميا بتشديد الياء مع ضم الهمزة على رواية الزمخشرى وبضم الهمزة وكسرها مخففا على رواية غيره .
وفى القاموس ارميا بالكسر نبى . والثانية قتل زكريا ويحيى وقصد قتل عيسى { ولتعلن علوا كبيرا } ولتستكبرن عن طاعة الله تعالى [ يعنى سركش خواهيد شد ازطاعت من ] والعلو العتو على الله والجراءة .
قال الكاشفى [ درين قصة اختلاف بسيارست وهر مفسرى نقلى كه بدور سيده ايراد نموده وقول اصح واشهر در مختار القصص وسير وغير آن از كتبى كه در اخبار انبيا عليهم السلام نوشته اند جنانست كه جون سلطنت بنى اسرائيل درولايت شام بصديقه رسيده ازاولاد سلما واومردى ضعيف حال واعرج بودملوك اطراف طمع درولايت ايليه بسته متوجه آن صوب شدند اول سنجاريب ملك موصل بيامد ومتاقب او سلما بادشاه آذربايجان رسيد وهردوتلاش شهر بيت المقدس نموده بايكديكر محاربه آغاز كردند آتش قتال ميان ايشان اشتعال بذيرفت ودرياى مبارزت ازصرصر مخاصمت بموج درآمد
سيهداران سبه درهم فكندند ... صلاى مرك در عالم فكندند
زبيكان عالمى را زاله بكرفت ... زخون روى زمين را لا له بكرفت
عاقبت سطوت هيبت الهى ظهور نموده هردولشكر ازيكديكر منهزم كشتند وغنايم ايشان بدست بنى اسرائيل افتاد ديكر باره بادشاه روم وملك صقاليه وسلطان اندلس هريك بالشكر جرار كرار همه تيغ زن ويزه كذار بردر بيت المقدس جمع شدند وجون رتبه سلطنت شركت برنتابد ايشان نيزآ غاز نزاع كرده بلشكر آرايى ونبرد آزمايى قيام واهتمام نمودند
ذر افتادند همجون شير غران ... بكرز ونيزه وشمشير بران
بنى اسرائيل دعاى « اللهم اشتغل الظالمين بالظالمين واخرجنا من بينهم سالمين غانمين » آغاز كردند ونكباى نكبت غبار ادبار برديده آن خا كساران باشيد هزيمت را
غنيمت دانته دلها برفرار قرار داده از يكديكر كريزال شدند
نه جاى قرار ونه جاى ستيز ... نهادند ن كام رو در كريز
اموال ايشان نيز به دست بنى اسرائيليان افتاد وجون غنيمت بنج لشتكر عظيم درحوزه تصرف در آوردند بحكم { ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى } سر تجبر از كريبان عصيان برآورده ودست تغلب از آستين طغيان بيرون كرده حكم توراترا برطرف نهادندهر جند ارميا بيغمبر ايشانرا بند داد وكفت از آنجه درتورات مقرر شده واين فساد اول است مكنيدو خودرا در معرض سخط الهى مياريد نشنيدند حق سبحانه وتعالى بخت نصر مجوسى را كه كاتب يسنجاريب بود وبعداز فوت او بحكم وصيت ملك بوى رسيدبر ايشان كما شت تابيا مدو بايسان حرب كرده غالب شدو مسجدرا خراب كرد تورات را بسوخت وفتادهزار كسى را بنى اسرائيل بنده كرفت وابن عقوبت اول بود بعد ازان كورش همدانى كه زنى اربنى اسرائيل حواسته بودازين حال خبر يافت مال بسياربر كرفت وسى هزار بنا وسائر عمله باخود آورد وسى سال بعمارت ولايت ايليه اشتغال نمود تابحال اول باز آمد ويكر باره بنى اسرائيل خوش وقت شدند واموال واولاد ايشان روى بازويادنهادند باز سوداى اين مخالفت ازنهاد ايشان سر برزد ويحيئ معصوم را بقتل رسانيدند وقصد هلاك عيسى عليهما لاسلام كردند عقوبت دوم دررسيد وطرطوس رومى برايشان غلبه كرد ديكر باره مسجد خراب كرد واند وختهاى ايشانرا بغارت بردند ] .(7/173)
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5)
{ فاذا جا } [ بس جون بيايد ] { وعد اولهما } اى اولى كرتى افساد اى حان وقت حلول العقاب الموعود { بعثنا عليكم } لمؤاخذتكم بجناياتكم { عبادا لنا } اكثر ما يقال عباد الله وعبيد الناس .
قال الكاشفى [ اضافت خلق است نه اضافت مدح جه مراد بخت نصراست بقول اصح ] .
يقول الفقير المراد من الاضافة بيان كونهم مظاهر الاسم المذل المنتقم القهار كما يفيده مقام العظمة لا التشريف فان الكافر ليس من اهل { اولى بأس شديدؤ كقولهم ظل ظليل لان البأس يتضمن الشدة اى ذوى قوة وبطش فى الحروب [ دمياطى كفت كه مهيب باشد آوازهاى ايشان جون رعد ] وهم بخت نصر من مجوس بابل وهم بضم الباء اصله بوخت بمعنى ابن ونصر بفتح النون والصاد المشددة والراء المهملة اسم صنم وجد عنده بخت نصر ولم يعرف له اب ينسب اليه .
وقال بعضهم كان بخت نصر عاملا على العراق لملك الاقاليم فى ذلك الحين لهراست بن اجواد كان لهراست مشتغلا يقتال الترك فوجه بخت نصر الى بنى اسرائيل فى المرة الاولى { فجاسوا } من الجوس وهو التردد خلال الدور والبيوت فى الغارة اى ترددوا لطلبكم بالفساد { خلال الديار } قال فى القاموس الخلل منفرج ما بين الشيئين ومن السحاب مخارج الماء كخلاله وخلال الدار ايضا ما حوالى جدرها وما بين بيوتها انتهى .
قالوا يجز ان يكون مفردا بمعنى الوسط او جمع خلل بمعنى الاوساط المنازل او فى اوساطها للقتل والاسر والغارة فقتلوا علماءهم وكبارهم وحرقوا التوراة وخربوا المسجد وسبوا منهم سبعين الفا وذلك من قبيل تولية بعض الظالمين بعضا مما جرت به السنة الالهية { وكان } وعد عقابهم { وعدا مفعولا } وعدا لا بد ان يفعل .(7/174)
ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6)
{ ثم رددنا } اعدنا { لكم الكرة عليهم } اى الدولة والغلبة على الذين فعلوا بكم ما فعلوا بعد مائة سنة حين تبتم ورجعتم من الافساد والعلو تلخيصه بعد ظفرهم بكم اظفرناكم بهم . والكرة فى الاصل المرة وعليهم متعلق بها لانه يقال كر عليه اى عطف - حكى - ان كورش الهمذانى غزا اهل بابل فظهر عليهم وسكن الدار فتزوج امرأة من بنى اسرائيل فطلبت من زوجها ان يرها قومها الى ارضهم فردهم الى ارضهم بيت المقدس فالكرة هى قتل بخت نصر واستنقاذ بنى اسرائيل اسراراهم ورجوع الملك اليهم فمكثوا فيها فرجعوا الى احسن ما كانوا عليه ثم عادوا فعصوا الثاني { وامددناكم باموال } يقال امد الجيس اذا قواه وكثره عددا اى قويناكم باموال كثيرة بعد ما نهبت اموالكم { وبنين } بعد ما سبيت اولادكم { وجعلناكم اكثر نفيرا } عددا مما كنتم او من عدوكم وهو من ينفر مع الرجل من قومه .(7/175)
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)
{ ان أحسنتم أحسنتم لانفسكم وان اسأتم فلها } اى احسان الاعمال واساءتها كلاهما مختص بكم لا يتعدى ثوابها وبالها الى غيركم فاللام على اصلها وهو الاختصاص .
قال سعدى المفتى الاولى ان تكون للاستحقاق كما فى قوله لهم عذاب فى الدنيا .
قال فى تفسير النيسابورى قال اهل الاشارة انه اعاد الاحسان ولم يذكر الاساءة الامرة ففيه دليل على ان جانب الرحمة أغلب ويجوز ان يترك تكريره استهجانا { فاذا جاء } [ بس جون بيايد ] { وعد الآخرة } اى حان وقت ما وعد من عقوبة المرة الآخرة من الافسادين [ دويست ودوسال ] { ليسوأوا وجوهكم } يقال ساءة مساءة فعل به ما يكره وهو متعلق بفعل حذف لدلالة ما سبق عليه أى بعثناهم ليجعلوا آثار المساءة فعل به ما يكره وهو متعلق بفعل حذف لدلالة ما سبق عليه أى بثناهم ليجعلوا آثار المساءة والكآبة بادية فى وجوهكم فاريد بالوجوه الحقيقة وآثار الاعراض النفسانية فى القلب تظهر فى الوجه .
وفى الكواشى وخصت الوجوه بالمساءة والمراد اهلها لان اول ما يظهر من الحزن عليها { وليدخلوالمسجد } الاقصى ويخربوه { كما دخلوه اول مرة } وخربوه { وليتبتروا } اى ليهلكوا { ما علوا } كل شئ علبوه واستولوا عليه او بمعنى مدة علوهم { تتبيرا } اهلاكا فظيعا لا يوصف والمراد بهم طرطوس الرومى وجنوده كما سبق .
وقال بعضهم سلط الله عليهم الفرس فغزاهم ملك بابل من ملوك الطوائف اسمه هردوس قال لواحد من عظماء جنوده كنت حلفت بالهى اذا ظفرت باهل بيت المقدس لاقتلنهم حتى يسيل دماؤهم وسط عسكرى فامره ان يقتلهم فدخل بيت المقدس فقام فى البقعة التى كانوا يقربون فيها قربانهم فوجد فيها دما يغلى فسألهم عنه فقالوا دم قربان لم يقبل منا فقال ما صدقتمونى فقتل على ذلك الدم سبعين الفا من رؤسائهم وغلمانهم وازواجهم فلم يهدأ الدم ثم قال ان لم تصدقونى ما تركت منكم احدا فقالوا انه دم نبى كان ينهانا ويخبرنا بأمركم فلم نصدقه فقتلناه فهذا دمه فقال ما كان اسمه قالوا يحيى بن زكريا قال الآن صدقتمونى لمثل هذا ينتقم ربكم منكم .
وكان قتل يحيى ملك من بنى اسرائيل يقال له لاخت حمله على قتله امرأة اسمها اربيل وكانت قتلت سبعة من الانبياء وقتل يحيى كان بعد رفع عيسى فلما رأى انهم صدقوا خر ساجدا ثمقال يا يحيى قد علم ربى وربك ما اصاب قومك من اجلك وما قتل منهم فاهدأ باذن الله قبل ن لا ابقى احد منهم فهدأ فرفع عنهم القتل وقال آمنت بما آمنت به بنواسرائيل وايقنت انه لا رب غيره وقال لبنى اسرائيل ان هردوس امرنى ان اقتل منكم حتى تسيل دماؤكم وسط عسكره ولست اتطيع ان اعصيه قالوا افعل ما امرت فامرهم ان يحفروا خندقا ويذبحوا دوابهم حتى سال الدم فى العسكر فلما رأى هردوس ذلك ارسل اليه ان ارفع عنهم القتل فسلب عنهم الملك والرياس وضرب عليهم الذلة والمسكنة ثم انصرف الى بابل وهى الوقعة الاخيرة النازلة على بنى اسرائيل وبقى بيت المقدس خرابا الى عهد خلافة عمر رضى الله عنه فعمره المسلمون بامره .
قال الكاشفى [ حق سبحانه وتعالى درتورات بعداز وعده ابن دوعقوبت با ايشان كفته بود ] .(7/176)
عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)
{ عسى ربكم } [ شايد كه برورد كار شما يا نبى اسرائيل ] توبة اخرى وانزجرتم عن المعاصى فتابوا فرحمهم { وان عدتم } مرة ثالثة الى المعاصى .
قال سعدى المفتى الاولى كما فى الكشاف مرة ثانية اذا العود مرتان والاول بدء لا عود ألا ان يقال اول المرات كونهم تحت ايدى القبط { عدنا } الى عقوبتكم ولقد عادوا فاعاد الله عليهم النقمة بان سلط عليهم الا كاسرة ففعلوا بهم ما فعلوا من ضرب الاتاوة ونحو ذلك او عادوا بتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم وقصد قتله فعاد الله بتسليطه عليهم فقتل قريظة واجلى بنى النضير وقدر الجزية على الباقين فهم يعطونها عن يد وهم صاغرون وهم فى عذاب من المؤمنين الى يوم القيامة .
وفى التأويلات النجمية { وان عدتم } الى الجهل { عدنا } الى العدل بل الى الفضل : وفى المثنوى
جونكه بد كردى بترس ايمن مباش ... زانكه تخمست وبروياند خداش
دند كاهى او بيوشاند كه تا ... آيد آخر زان بشيمان تورا
بارها بوشد بى اظهار فضل ... باز كيرد از بى اظهار عدل
تاكه اين هرد وصفت ظاهر شود ... آن مبشر كردد اين منذر شود
{ وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا } اى محبسا ومقرا يحصرون فيه لا يستطيعون الخروج منها ابدا الآباد فهو فعيل بمعنى فاعل اى حاصر لهم ومحيطة بهم وتذكيره اما لكونه بمعنى النسبة كلابن وتامر او لحمله على فعيل بمعنى مفعول او بالنظر الى لفظ جهنم اذ ليس فيه علامة التأنيث .
وعن الحسن حصيرا اى بساطا كما يبسط الحصير المرمول والحصير المنسوج وانما سمى الحصير لانه حصرت طاقاته بعضها فوق بعض .
واعلم ان جهنم عصمنى الله واياك منها من اعظم المخلوقات وهى سجن الله فى الآخرة يسجن فيه المعطلة اى نفاة الصانع والشمركون والكافرون والمنافقون واهل الكبائر من المؤمنين ثم يخرج بالشفاعة وبالامتنان الالهى من جاء النص الالهى فيه واوجدها الله تعالى بطالع الثور ولذلك خلقها الله تعالى فى صورة الجاموس وجميع ما يخلق فيها من الآلام التى يجدها الداخلون فيها فمن صفة الغضب الالهى ولا يكون ذلك عند دخول الخلق فيها من الجن والانس متى دخولها واما اذا لم يكن فيها احد من اهلاه فلا ألم فيها فى نفسها ولا فى نفس ملائكتها بل هى ومن فيها من زبانتيها فى رحمة الله لمنغمسون ملتذون يسبحون الله لا يفترون .
فعلى العاقل ان يتباعد عن الاسباب المقربة الى النار ويستعيذ بالله من حرها وبردها آناء الليل واطراف النهار ويرجون رحمة الله تعالى وهى فى التسليم والتلقى من النبوة والوقوف عند الكتاب والسنة عصمنا الله واياكم من المخالفة والعصيان وشرفنا بالموافقة والطاعة كل حين وآن وجعلنا من المخلصين فى بابه المقبلين على جنابه المحترزين عن عذابه وعقابه .(7/177)
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)
{ ان هذا القرآن } الذى آتيناك يا محمد { يهدى } الناس كافة لا فرقة مخصوصة منهم كدأ الكتاب الذى آتيناه موسى { للتى } للطريقة التى { هى اقوم } اى اقوم الطرائق واسدها واصوبها اعنى ملة الاسلام والتوحيد والمراد بهدايته لها كونه بحيث يهتدى اليها من يتمسك به لا تحصيل الاهتداء بالفعل فانه مخصوص بالمؤمنين { ويبشر } [ مزده ميدهيد ] { المؤمنين } بما فى تضاعيفه من الاحكام والشرائع { الذين يعملون الصالحات } التى شرحت فيه { ان لهم } اى بان لهم بمقابلة تلك الاعمال { اجرا كبيرا } بحسب الذات وبحسب التضعيف عشر مرات فصاعدا .
قال الكشافى [ مزدى بزرك يعنى بهشت ] وذلك لانه يستصغر عند الجنة ونعيمها الدنيا وما فيها .(7/178)
وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10)
{ وان الذين لا يؤمنون بالآخرة } واحكامها المشروحة فيه من البعث والحساب والجزاء { اعتدنا لهم } [ آماده كرديم براى ايشان ] اى فيما كفروا به وانكروا وجوده من الآخرة { عذابا اليما } وهو عذاب جهنم والجملة معطوفة على جملة يبشر باضمار يخبر ويجوز ان يكون معطوفا على ان لهم اجرا كبيرا فالمعنى انه يبشر المؤمنين ببشارتين ثوابهم وعقاب اعدائهم فان المرء يستبشر ببلية عدوه
يا وصال يار يا مرك عدو ... بازئ جرخ زين دو يك كارى كند
واعلم ان القرآن مظهر الاسم الهادى وهو كتاب الله الصامت والنبى عليه السلام كتاب الله الناطق وكذا ورثته الكمل بعده وان الدلالة والارشاد انما تنفع المؤمنين العاملين بما فيه وهو لم يترك شيأ من امور الدين والدنيا الا وتكفل ببيانه اما اجمالا او تفصيلا .
قال ابن مسعود رضى الله عنه اذا اردتم العلم فآثروا القرآن فان فيه علم الاولين والآخرين - روى - انه تفكر بعض العارفين فى انه هل فى القرآن شئ يقوى قوله عليه السلام « يخرج روح المؤمن من جسده كما يخرج الشعر من العجين » فختم القرآن بالتدبر فما وجده فرأى النبى صلى الله عليه وسلم فى منامه وقال يا رسول الله قال الله « ولا رطب ولا يابس الا فى كتاب مبين » فما وجدت معنى هذا الحديث فى كتاب الله تعالى فقال عليه السلام « اطلبه فى سورة يوسف » فلما انتبه من نومه قرأها فوجده وهو قوله { فلما رأينه اكبرنه وقطعن ايديهن } اى لما رأين جمال يوسف عليه السلام اشتغلن به وما وجدن ألم القطع وكذلك المؤمن اذا رأى ملائكة الرحمة ورأى انعامه فى الجنة وما فيها من النعيم والحور والقصور اشتغل قلبه بها ولا يجد ألم الموت وانفهم من الحكاية ان القرائ ينبغى ان يقرأ القرآن بتدبر تام حتى يصل الى كل مرام وقد نهى النبى عليه السلام ان يختم القرآن فى اقل من ثلاث وقال « لم يفقه » اى لم يكن فقيها فى الدين « من قرأ القرآن فى اقل من ثلاث » يعنى لا يقدر الرجل ان يتفكر وبتدبير لم يكن فقيها فى الدين ( من قرأ القرآن فى اقل من ثلاث ) يعنى لا يقدر الرجل ان يتفكر ويتدبر فى معنى القرآن فى ليلة او ليلتين لانه يقرأ على العجلة حينئذ بل ينبغى ان يقرأ القرآن فى ثلاث ليال او اكثر حتى يقرأ عن طيب نفس ونشاطها ويتفرغ لتدبر معناه ولذا اختبار بعضهم الختم فى كل جمعة وبعضهم فى كل شهر وبعضهم فى كل سنة بحسب درجات التدبر والتفتيش ويغتنم الحضور للدعاء عند ختم القرآن فانه يستجاب وفى الحديث(7/179)
« من شهد خاتمة القرآن كان كمن شهد المغانم حين تقسم ومن شهد فاتحة القرآن كان كمن شهد فتحا فى سبيل الله » ففى الافتتاح عند الاختتام احراز لهاتين الفضيلتين واذلالال للشيطان .
قال فى شرح الجزرى ينبغى ان يلح فى الدعاء وان يدعو بالامور المهمة والكلمات الجامعة وان يكون معظم ذلك او كله فى امور الآخرة وامور المسلمين وصلاح سلاطينهم وسائر ولاة امورهم فى توفيقهم للطاعات وعصمتهم من المخالفات وتعاونهم على البر والتقوى وقيامهم بالحق عليه وظهورهم على اعداء الدين وسائر المخالفين ومما يقول النبى عليه السلام عند ختم القرآن « اللهم ارحمنى بالقرآن العظيم واجعله لى اماما ونورا وهدى ورحمة اللهم ذكرنى منه ما نسيت وعلمنى منه ما جهلت وارزقنى تلاوته آناء الليل واطراف النهار واجعله حجة لى يا رب العالمين » وكان ابو القاسم الشاطى رحمه الله يدعو بهذا الدعاء عند ختم القرآن ( اللهم انا عبيدك وابناء عبيدك وابناء امائك ماض فينا حكمك عدل فينا قضاؤك نسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك او علمته احدا من خلقك او انزلته فى شئ من كتابك او استأثرت به فى علم الغيب عندك ان تجعل القرآن ربيع قلوبنا وشفاء صدورنا وجلاء احزاننا وهمومنا وسائقنا وقائدنا اليك والى جناتك جنات النعيم ودارك دار السلام مع الذين انعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين برحمتك يا ارحم الراحمين )
قال فى القنية لا بأس باجتماعهم على قراءة الاخلاص جهرا عند ختم القرآن ولو قرأ واحد واستمع الباقون فهو اولى انتهى .
وجه الاولوية ان الغرض الاهم من القراءة انما هو تصحيح مبانيها لظهور معانيها ليعمل بما فيها وفى القراءة بصوت واحد يتشوش الخواطر مع ان بعض القارئين بالجمعية يأتى ببعض الكلمة والآخر ببعضها ويقع حذف الحرف والزيادة وتحريك الساكن وتسكين المحرك ومد القصر وقصر المد مراعاة للاصوات فيأثمون
عشقت رسد بفرياد كرخود بسان حافظ ... قرآن زبر بخوانى در جار ده روايت
نسأل الله تعالى ان يوصلنا الى حقائق القرآن واسراره ويطعلنا على الحكم والمصالح فى قصصه واخباره ويجعلنا من اهل التحقيق انه ولى التوفيق .(7/180)
وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)
{ ويدع الانسان بالشر } ويدعو الله عند غضبه بالشر واللعن والهلاك على نفسه واهله وخدمه وماله . والمراد بالانسان الجنس اسند اليه حال بعض افراده او حكى عنه حاله فى بعض احيانه وحذفت واو يدع ويمح وسندع لفظا كياء سوف يؤت الله ويناد المناد وما تغن النذر وصلا لاجتماع الساكنين ووقفا وهى مرادة معنى حملا للوقف على الوصل ولو وقف عليها اضطرار الوقف بلا واو فى ثلاثتها اتباعا للامام كما فى الكواشى { دعاء بالخير } مثل دعائه بالخير والرزق والعافية والرحمة ويستجاب له فلو استجيب له اذا دغا باللعن كما يجاب له بالخير لهلك او يدعوه بما يحسبه خيرا وهو شر فى نفسه فينبغى ان يدعو بما هو خير عند الله تعالى لا بما يشتهيه { وكان الانسان } بحسب جبلته { عجولا } يسارع الى طلب ما يخطر بباله ولا ينظر عاقبته ولا يتأنى الى ان يزول عنه ما يعتريه .
قال الكاشفى [ تعجيل دارد دار انقلاب ازحالى بحالى نه درسرا تحمل دارد ونه در ضرا نه دركرمان شكيباست ونه درسرما ] .
واعلم ان الدعاء اما بلسان الحقيقة واما باعتبار السيئة المفضية الى الشر الموجبة له فالانسان عجول قولا وفعلا يتمادى فى الاعمال الموجبة للشر والعذاب وفى الحديث « المؤمن وقاف والمنافق وثاب » قال آدم عليه السلام لاولاده كل عمل تريدون ان تعملوا فقفوا له ساعة فانى لو وقفت ساعة لم يكن اصابنى ما اصابنى قال اعرابى اياكم والعجلة فان العرب تكنيها ام الندامات : وفى المثنوى
بيش سك جون لقمة ثان افكنى ... بوكندوا انكه خورد اى مقتنى
او بينى بوكند ما باخرد ... هم ببو ئيمش بعقل منتقد
قيل العجلة من الشيطان الا فى ستة مواضع اداء الصلاة اذا دخل الوقت ودفن الميت اذا حضر وتزويج البكر اذا ادركت وقضاء الدين اذا وجب واطعام الضيف اذا نزل وتعجيل التوبة اذا اذنب .
ثم شرع فى بيان بعض الهداية التكوينية التى اخبر بها القرآن الهادى فقال { وجعلنا الليل والنهار } قدم الليل لان فيه تظهر غرر الشهور اى جعلنا هما بسبب تعاقبهما واختلافهما فى الطول والقصر { آيتين } دالتين على وجود الصانع القدير ووحدته اذ لا بد لكل متغير من مغير وانما قال وجعلنا الليل والنهار آيتين وقال فى موضع آخر { وجعلنا ابن مريم وامه آية } لان الميل والنهار ضدان بخلاف عيسى ومريم وقيل لان عيسى ومريم وقيل لان عيسى ومريم كانا فى وقت واحد والشمس والقمر آيتان لانهما فى وقتين ولا سبيل الى رؤيتهما معا { فمحونا آية الليل } الفاء تفسيرية والاضافة بيانية كما فى اضافة العدد ال المعدود اى فمحونا الآية التى هى الليل .(7/181)
والمحو فى الاصل ازالة الشئ الثابت والمراد هنا ابداعها ممحوة الضوء مطموسة كما فى قولهم سبحانه من صغر البعوض وكبر الفيل اى انشأهما كذلك بقرينة ان محو الليل فى مقابلة جعل النهار مضيئا { وجعلنا آي النهار } اى الآية التى هى النهار { مبصرة } مضيئة تبصر فيها الاشياء وصفها بحال اهلها ويجوز ان تكون الاشافة فى المحلين حقيقة فالمراد بآية الليل والنهار والقمر والشمس - روى - ان الله تعالى خلق كلا من نور القمر والشمس سبعين جزأ ثم امر جبريل فمسح بجناحة ثلاث مرات فمحا من القمر تسعة وستين جزأ فحولها الى الشمس ليتميز الليل من النهار اذ كان فى الزمن الاول لا يعرف الليل والنهار فالسواد الذى فى القمر اثر المحو وهذا السواد فى القمر بمنزلة الخال على الوجه الجميل ولما كان زمان الدولة العربية الاحمدية قمريا ظهر عليه اثر السيادة على النجوم وهو السواد لانه سيد الالوان كما ظهر على الحجر المكرم الذى خرج ابيض من الجنة اثر السيادة بمايعة الانبياء والاولياء عليهم السلام وجعل الله شهورنا قمرية لا شمسية تنبيها من الله للعارفين ان آياتهم ممحوّة من ظواهرهم مصروفة الى بواطنهم فاختصوا من بين جميع الامم الماضية بالتجليات الخاصة .
وقيل فيهم كتب فى قلوبهم الايمان مقابلة قوله فانسلخ منها قال تعالى { لا الشمس ينبغى لها ان تدرك القمر } اى فى علو المرتبة والشرف .
قال حضرت شيخى وسندى قدس سره فى كتاب البرقيات بعد تفصيل بديع ثم لآية الليل مرتبة الرعية والتبعية ولآية النهار مرتبة الاصلية والاستقلالية لان نور القمر مستفاد من نور الشمس ثم سر محو آية الليل وجعل آية النهار مبصرة هو نفى الاستواء واثبات الامتياز حتى يتعين حد المستفيد وطوره بان يكون انزل بحسب الضعف والنقصان وحد المفيد وطوره بان يكون ارفع بحسب القوة والكمال ويرتبط كل منهما بالآخرة من غير تعد وتجاوز عن حده وطوره بل عرف كل قدره لزوم مقامه حتى يطرد النظام والانتظام ويستمر القيام والدوام من غير خلل واختلال ثم هذا لسر اشارة الى سرأن لمظاهر الجلال مرتبة التبعية والفرعية ولمظاهر الجمال مرتبة الاستقلالية والاصلية لان الامداد الواصل الى مظاهر الجلال لقيامهم ودوامهم وبقائهم مستقاد من مظكاهر الجمال ولذا قيل لولا الصلحاء لهلك الطلحاء وحكمة محو افكار مظاهر الجلال عن الاصابة الى الاخطاء وجعل افكار مظاهر الجمال مبصرة مصيبة هو نفى المساواة واثبات المباينة بينهما حتى يتحقق رتبة الاصل بالقوة والغلبة والعزة ورتبة الفرع بالضعف والعجز والذلة ويقوم النظام ويدوم الانتظام من غير ان يظهر التجاوز والتعدى من طرف مرتبة التبعية الى رتبة الاستقلالية عند المقابلة والمقاومة بل يطرد الارتفاع والاعتلاء والاستيلاء على الوجه الاوفق والحد الاحق فى طرف الاصالة ويستمر الامر فى نفسه الى ما شاء الله خالق البرية ثم مرتبة القمر اشارة فى المراتب الالهية الى مرتبة الربوبية ومرتبة الشمس الى مرتبة الالوهية وفى المراتب الكونية الآفاقية مرتبة القمر اشارة الى مرتبة الكرسى واللوح ومرتبة الشمس اشارة لى مرتبة العرش والقلم وفى مراتب الكونية الانفسية مرتبة القمر اشارة الى مرتبة الروح ومرتبة الشمس اشارة الى مرتبة السر وغير ذلك من الاشارات القرآنية { لتبتغوا } متعلق بقوله وجعلنا آية النهار اى لتطلبوا لانفسكم فى بياض النهار { فضلا من ربكم } اى رزقا وسماه فضلا لان اعطاء الرزق لا يجب على الله وانما يفيضه بحكم الربوبية وفى التعبير عن الكسب بالابتغاء دلالة على ان ليس للعبد فى تحصيل الرزق تأثير سوى الطلب { ولتعلموا } متعلق بكلا الفعلين اى لتعلموا باختلاف الجديدين او ميزهما ذاتا من حيث الاظلام والاضاءة مع تعاقبهما وسائر احوالهما { عدد السنين } التى يتعلق بها غرض علمى لاقامة مصالحكم الدينية والدنيوية { والحساب } اى الحساب المتعلق بما فى ضمنها من الاوقات اى الاشهر والليالى والايام وغيرذلك مما نيط به شئ من المصالح المذكورة ولولا ذلك لما علم احد حسبان الاوقات ولتعطلت امور كثيرة .(7/182)
والحساب احصاء ماله كمية منفصلة بتكرير امثاله من حيث يتحصل بطائفة معينة فيها حد معين منه له اسم خاص وحكم مستقل والعد احصاؤه بمجرد تكرير امثاله من غير ان يتحصل منه شئ كذلك السنة تتحصل بعدة شهور والشهر بعدة ايام واليوم بعدة ساعات . والسنين جمع سنة وهى شمسية وقمرية فالسنة الشمسية مدة وصول الشمس الى النقطة التى فارقتها من ذلك البرج وذلك ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم والسنة القمرية اثنا عشر شهرا قمريا ومدتها ثلاثمائة واربعة وخمسون يومان وثلث يوم قالوا ان اقر العنين انه لم يصل اجله الحاكم سنة قمرية فىلصحيح وبحسب فدية الصلاة بالسنة الشمسية اخذا بالاحتياط من غير اعتبار ربع اليوم ففدية كل فرض من الحنطة خمسمائة درهم وعشرون درهما وللوتر كذلك فيكون فدية كل صلاة يوم وليلة ومن الحنطة ثلاثة آلاف درهم ومائة وعشرين درهما وفدية كل سنة شمسية مائة واثنان واربعون كيلا يكيل القسطنطينية وسبع اوقية ويكون قيمة هذا المقدار من الحنطة محسوبة بالحساب الجارى بين الناس فى كل عهد وزمان { وكل شئ } تقتقرون اليه فى المعاش والمعاد وهو منصوب يفعل يفسره قوله تعالى { فصلناه تفصيلا } اى بيناه فى القرآن بيانا بليغا لا التباس معه فازحنا عللكم وما تركنا لكم حجة علينا فليتبع العاقل ما ادركه اى لحقه علمه وليفوض ما جهله منه الى العلم .
وفيه اشارة الى ان العالم اذا تدبر فى القرآن وقف على جميع المهمات وكان الصحابة رضى الله عنهم يكرهون ان يمضى يوم ولم ينظروا فى مصحف لان النظر اليه عبادة .
وفي ايضا وقوف على المرام فان التدبر يؤدى الى ظهور خفايا الكلام - حكى - ان الامام محمد بن الحسن صاحب ابى حنيفة دخل على ابى حنيفة لتعلم الفقه قال استظهرت القرآن يا بنى قال لا قال استظهر او لا فغاب سبعة ايام ثم رجع الى ابى حنيفة فقال ألم اقل لك استظهر قال استظهرت .(7/183)
قال الشافعى رضى الله عنه بت عنده ليلة فصليت الى الصبح واضطجع هو الى الصبح فاستنكرت ذلك منه فقام وصلى ركعتى الفجر غير توضى فقلت له فى ذلك فقال أظننت انى نمت كلا استخرجت من كتاب الله نيفا والف مسألة فانت عملت لنفسك وانا عملت للامة او انما اضطجعت لان صفاء خاطرى فى تلك الحالة . وهذه الصورة سرّ ما قال حضرت الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر سبب اضطجاع الانبياء على ظهورهم عند نزول الوحى اليهم ان الوارد الالهى الذى هو صفة القيومية اذا جاءهم اشتغل روح الانسان عن تدبيره فلم يبق للجسم من يحفظ عليه قيامة ولا قعوده فرجع الى اصله وهو لصوقه بالارض .
ثم ان فى القرآن تفصيلا لأهل العبارة واهل الاشارة : وفى المثنوى
تو زقرآن اى بسر ظاهر مبين ... ديو آدم را نبيند غير طين
ظاهر قرآن جو شخص آدميست ... كه نقوشش ظاهر وجانس خفيست(7/184)
وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13)
{ وكل انسان } مكلف مؤمنا كان او كافرا ذكرا او انثى عالما او اميا سلطانا او رعية حرا او عبدا { الزمناه } الالزام [ لازم كردن ] { طائره } اى عمله الاصدر عنه باختياره حسبما قدر له كانه طار اليه من عشر الغيب ووكر القدر { فى عنقه } تصوير لشدة اللزوم وكمال الارتباط اى الزمناه عمله بحيث لا يفارقه ابدا بل يلزمه لزوم القلادة والغل للعنق لا ينفك عنه بحال
كه هرنيك وبدى كان ازمن آيد ... مرا ن كام غل در كردن آيد
قال فىلاسئلة المقحمة كيف خص العنق بالزامة الطائر الجواب لان العنق موضع السماء والقلائد مما يزين او يشين فينسبون الاشياء اللازمة الى الاعناق يقال هذا فى عنقى وفى عنقك انتهى .
وفى حياة الحيوان انهم قالوا تقلدها طوق الحمامة الهاء كناية عن الخضلة القبيحة اى تقلد طوق الحمامة لانه لا يزايلها ولا يفارقها كما لا يفارق الطوق الحمامة ومثل قوله تعالى { وكل انسان الزمناه طائره فى عنقه } ان عمله لازم له لزوم القلادة والغل لا ينفك عنه انتهى .
قال فى التأويلات النجمية يشير الى ما طار لكل انسان فى الازل وقدر بالحكمة الازلية والارادة القديمة من السعادة والشقاوة وما يجرى عليه من الاحكام المقدرة والاحزال التى جرى بها القلم من الخلق والخلق والرزق والاجل من صغائر الاعمال وكبائرها المكتوبة له وهو بعد فى العدم وطائره ينتظر وجوده فلما اخرج كل انسان رأسه من العدم الى الوجود وقع طائره فى عنقه ملازما له فى حياته ومماته حتى يخرج من قبره يوم القيامة وهو فى عنقه وهو قوله { ونخرج له } اى لكل انسان { يوم القيامة } والبعث للحساب { كتابا } مسطورا فيه عمله نقيرا وقطميرا وهو مفعول نخرج { يلقيه } الانسان اى يجده ويراه { منشورا } مفتوحا بعدما كان مطويا صفتان لكتابا او الاول صفة والثانى حال .
قال الحسن بسطت لك صحيفة ووكل بك ملكان فهما عن يمينك وعن شمالك . فاما الذى عن يمينك فيحفظ حسناتك . واما الذى عن شمالك فيحفظ سيأتك حتى اذ مت طويت صحيفتك وجعلت معك فى قبرك حتى تخرج لك يوم القيامة . يعنى [ جون آدمى درسكرات افتد نامه عمل او در بيجند وجون مبعوث كردند باز كشاده بدست وى دهند ] .(7/185)
اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)
{ اقرأ كتابك } على ارادة القول اى يقال اقرأ كتابك .
عن قتادة يقرأ ذلك اليوم من لم يكن فى الدنيا قارئا { كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا } اى كفى نفسك والباء زائدة واليوم ظرف لكفى وحسيبا تمييز وعلى صلته لانه بمعنى الحاسب وتذكيره مبنى على تأويل النفس بالشخص . يعنى [ خود به بين كه جه كرده ومستحق جه نوع باداشتى ] وفوض تعالى حساب العبد اليه لئلا ينسب الى الظلم ولتجب الحجة عليه باعترافه .
قال الحسن انصف من انصفك انصف من جعلك حسيب نفسك [ عمر رضى الله عنه كفته كه حاسبوا قبل ان تحاسبوا امروز دفتر اعمال خود در بيش نه ودرنكركه ازنيك وبد جه كرده وجون فرصتد دارى درتدارك احوال خود كوش كه فردا مجال تلافى نخواهد بود . دركشف الاسرار آوزرده كه بدرى بسر خويش را كفت امروز هرجه بامردم كويى وهرجه ازايشان شنوى وهر عملى كه كنى بامن بكوى وحركات وسكنات خويش برمن عرض كن آن بسر تانماز شام تمام كردار يكروزه را باز كفت بدر روزى ديكر از بسر همين حال درخواست بسر كفت اى بدر زينهار هرجه خواهى از رنج وكلفت بكشم اين صورت بكذار كه طاقت نمدارم بدر كفت من تراب درين كارمى بندم تابيدار وهشيار باشى واز موقف حساب غافل نشوى كه ترا طاقت يكروزه حساب دادن بابدر نيست حساب همه عمر باحق تعالى جون خواهى داد ]
تو نمى دانى حساب روز وشام ... بس حاساب عمر جون كويى تمام
زين عملها ى نه بر نهج صواب ... نيست جز شر مندكى وقت حساب(7/186)
مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)
{ من اهتدى } [ هركه راه يابد وبراه رلست رود ] اى بهداية القرآن وعمل بما فى تضاعيفه من الاحكام وانتهى عما نهاه { فانما يهتدى لنفسه } فانما تعود منفعة اهتدائه الى نفسه لا تتخطاه الى غيره ممن لم يهتد { ومن ضل } عن الطريقة التى يهديه اليها { فانما يضل عليها } فانما وبال اضلاله عليها على على من عداه ممن لم يباشره حتى يمكن مفارقة العمل من صاحبه .
وقال البيضاوى لا ينجى اهتداؤه غير ولا يردى ضلاله سواه اى فى الآخرة والا ففى حكم الدنيا يتعدى نفع الاهتداء وضرر الضلال الى الغبر كما فى حواشى سعدى المفتى رولا تزر وازرة وزر اخى } .
قال فى القاموس الوزر بالكسر الاثم والثقل والحمل الثقيل انتهى اى لا تحمل نفس حاملة للوزر اى الاثم وزر نفس اخى حتى يمكن تخلص النفس الثانية من وزرها ويختل ما بين العامل وعمله من التلازم بل انما تحمل كل منهما وزرها فلا يؤاخذ احد بذنب غيره وهذا تحقيق لمعنى قوله تعالى { وكل انسان الزمناه طائره فى عنقه } واما ما يدل عليه قوله تعالى { من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها } وقوله تعالى { ليحملوا اوزارهم كاملة يوم القيامة ومن اوزار الذين يضلونهم بغير علم } من حمل الغير وزر الغير وانتفاعه بحسنته وتضرره بسيئه فهو فى الحقيقة انتفاع بحسنة نفسه وتضرر بسيئته فان جزاء الحسنة والسيئة اللتين يعملهما العامل الازم له وانما الذى يصل الى من يشفع جزاء شفاعته لا جزاء اصل الحسنة والسيئة وكذلك جزاء الضلالة وقوله { ولا تزر } الخ تأكيد للجملة الثانية وانما خص بها قطعا للاطماع الفارغة حيث كانوا يزعمون انهم لم يكونوا على الحق فالتبعة على اسلافهم الذين قلدوهم والتبعة ما يترتب على الشئ من المضرة ويتفرع عليه من العقوبة .
وقال الكاشفى [ وليد بن مغيره كافرانرا ميكفت متابعت من كنيد ومن كناهان شمارا بردارم حق سبحانه وتعالى ميفر ما يدكه هر نفسى بارخود خواهد برداشت نه بار ديكرى ] هذا .
وقد قال بعضهم المراد بالكتاب نفسه المنشقة بآثار اعماله فان كل عمل يصدر من الانسان خيرا او شرا يحدث منه فى جوهر روحه اثر مخصوص الا ان ذلك الاثر يخفى ما دام الروح متعلقا بالبدن مشتغلا بواردات الحواس والقوى فاذا انقطعت علاقته عن البدن قامت قيامته لان النفس كانت ساكنة مستقرة فى الجسد وعند ذلك قامت وتوجهت نحو الصعود الى العالم العلوى فيزول الغطاء وينكشف الاحوال يظهر على لوح النفس نقش كل شئ عمله فى مدة عمره وهذا معنى الكتابة والقراءة بحسب العقل وانه لا ينافى ما ورد فى النقل بل يؤيد هذا المعنى ما روى عن قتادة يقرأ ذلك اليوم من لم يكن فى الدنيا قارئا ثم المراد بالقيامة علىهذا التفصيل هى القيامة الصغرى لكن هذا الكلام اشبه بقواعد الفلسفة كما فى حواشى سعدى المفتى .(7/187)
يقول الفقير لا يخفى ان الآخرة جامعة للصورة والمعنى فللانسان صحيفتان صحيفة عمله التى هى الكتاب وصحيفة نفسه فكل منهما ناطق عن عمله وحاله كما قال فى التأويلات النجمية يجوز ان يكون هذا الكتاب الذى لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها نسخة نسخها الكرام الكاتبون بقلم اعماله فى صحيفة انفاسه من الكتاب الطائر الذى فى عنقه ولهذا يقال له { اقرأ كتابك } اى كتابتك التى كتبتها { كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا } فان نفسك مرقومة بقلم اعمالك اما برقوم السعادة او برقوم الشقاوة من اهتدى الى الاعمال الصالحة فانما يهتدى لنفسه فيرقمها برقوم السعادة ومن ضل عنها بالاعمال الفاسدة فانما يضل عليها فيرقمها برقوم الشقاوة { ولا تزر وازرة وزر اخرى } اى لا يرقم راقم بقلم اوزاره نفس غيره { وما كنا معذبين } اى ووما صح وما استقام منا بل استحال فى عادتنا المبنية على الحكم البالغة ان نعذب احدا من اهل الضلال والاوزار اكتفاء بقضية العقل { حتى نبعث } اليهم { رسولا } يهديهم الى الحق ويردعهم عن الضلال ويقيم الحجج ويمهد الشرائع قطعا للمعذرة والزاما للحجة .
وفيه دلالة على ان البعثة واجبة لا بمعنى الوجوب على الله بل بمعنى ان قضية الحكمة تقتضى ذلك لما فيه من المصالح والحكم والمراد بالعذاب المنفى هوالعذاب الدنيوى وهو من مقدمات العذاب الاخروى فجوزوا على الكفر والمعاندة بالعذب فى الدارين وما بينهما ايضا وهو البرزخ والبعث غاية لعدم صحة وقوعه فى قوته المقدر له لا لعدم وقوعه مطلقا كيف لا والاخروى لا يمكن وقوعه عقيب العبث والدنيوى ايضا لا يحصل الا بعد تحقق ما يوجبه من الفسق والعصيان .(7/188)
وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)
{ واذا اردنا ان نهلك قرية } اى واذا دنا وقت تعلق ارادتنا باهلاك قرية بان نعذب اهلها { امرنا } بالطاعة على لسان الرسول المبعوث الى اهلها { مترفيها } متنعميها وكبارها وملوكها . والمترف كمكرم من ابطرته النعمة وسعة العيش والترفة بالضم والنعمة والطعام الطيب وخصهم بالذكر مع توجه الامر الى الكل النهم الاصول فى الخطاب والباقى اتباع هلم { ففسقوا فيها } اى خرجوا عن الطاعة وتمردوا فى تلك القرية { فحق عليها القول } اى ثبت وتحقق موجبه بحلول العذاب اثر ما ظهر فسقهم وطغيانهم .
قال الكاشفى [ بس واجب شود براهل آن ده كلمه عذاب كه سبقت كرفته درحكم ازلى مستوجب عقوبت شدند ] { فدمرناها } بتدمير اهلها وتخريب ديارها . والتدمير الاهلاك مع طمس الاثر وهدم البناء { تدميرا } وقيل الامر مجاز من الحمل على الفسق والتسبب له بان صب عليهم ما ابطرهم وافضى بهم الى الفسوق .(7/189)
وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)
{ وكم اهلكنا من القرون } كم مفعول اهلكنا ومن القرون تبيين لابهامكم وتمييز له كما يميز العدد بالجنس اى وكثيرا من القرون اهلكنا والقرن مدة من الزمان يحترم فيها المرؤ والاصح انه مائة سنة لقوله عليه السلام لغلام « عش قرنا » فعاش مائة والقرن كل امة هلكت فلم يبق منها احد وكل اهل عصر قرن لمن بعدهم لانهم يتقدمونهم { من بعد نوح } من بعد زمنه كعاد وثمود ومن بعدهم ولم يقل من بعد آدم لان نوحا اول نبى بالغ قومه فى تكذيبه وقومه او لمن حلت بهم العقوبة العظمى وهو الاستئصال بالطوفان { وكفى بربك } اى كفى ربك { بذنوب عباده خبيرا بصيرا } يحيط بظواهرها وبواطنها فيعاقب عليها وتقديم الخبير مع انه مضاف الى الغيب والامور الباطنة والبصير مضاف الى الامور الظاهرة كالشهيد لتقدم متعلقه من الاعتقادات والنيات الى هى مبادى الاعمال الظاهرة . وفيه اشارة الى ان البعث والامر وما يتلوهما من فسقهم ليس لتحصيل العلم بما صدر عنهم من الذنوب فان ذلك حاصل قبل ذلك وانما هو لقطع الاعذار والزام الحجة من كل وجه .
وفى الآية تهديد لهذه الامة لا سيما مشركى مكة لكى يطيعوا الله ورسوله ولا يعصوه فيصيبهم مثل ما اصابهم - روى - عن الشعبى انه قال خرج اسد وذئب وثعلب يتصيدون فاصطادوا حمار وحش وغزالا وارنبا فقال الاسد للذئب اقسم فقال حمار الوحش للملك والغزال لى والارنب للثعلب قال فرفع الاسد يده وضرب رأس الذئب ضربة فاذا هو منجدل بين يدى الاسد ثم قال للثعلب اقسم هذه بيننا فقال الحمار يتغدى به الملك والغزال يتعشى به والارنب بين ذلك فقال الاسد ويحك ما اقضاك من عملك هذا القضاء فقال القضاء الذى نزل برأس الذئب ولذلك قبل العاقل من وعظ بغيره
مرد دركارها جوكرد نظر ... بهزه اعتبار ازاز برداشت
هرجه آن سودمند بود كرفت ... هرجه ناسود مندبود كذا شت
وفى التأويلات النجمية { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } يشير الى ان الاعمال الصالحة والفاسدة التى ترقم النفوس يرقوم السعادة والشقاوة لا يكون لها اثر الا بقبول دعوة الانبياء او بردها فان السعادة والشقاوة مودعة فى اوامر الشريعة ونواهيها { واذا اردنا ان نهلك قرية } اى من قرى النفوس { امرنا مترفيها } وهى النفوس الامارة بالسوء { ففسقوا فيها } اى فخرجوا عن قيد الشريعة ومتابعة الانبياء بمتابعة الهوى واستيفاء شهوات النفس { فحق عليها القول } اى فوجبت لها الشقاوة بمخالفة الشريعة { فدمرناها تدميرا } بابطال استعداد قبول السعادة اذ صارت النفس مرقومة برقوم الشقاوة الابدية { وكم اهلكنا من القرون من بعد نوح } اى ابطلنا حسن استعدادهم لقبول السعادة برد دعوى الانبياء عليهم السلام { وكفى بربك بذنوب عباده } اذ لم يقبلوا دعوة الانبياء { خبيرا بصيرا } فانه المقدر فى الازل المدبر الى الابد اسباب سعادة عباده واسباب شقاوتهم .(7/190)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18)
{ من كان } [ هركه باشد از روى خساست همت ] { يريد } باعماله { العاجلة } الدار الدنيا فقط اى ما فيها من فنون مطالبها وهم الكفرة والفسقة واهل الرياء والنفاق والمهاجر للدنيا والمجاهد لمحضن الغنيمة والذكر { عجلنا له فيها } اى فى تلك العاجلة { ما نشاء } تعجيله له من نعيمها لا كل ما يريد فان الحكمة لا تقتضى وصور كل واحد الى جميع ما يهواه { لمن نريد } تعجيل ما نشاء له فانها لا تقتضى وصول كل طالب الى مرامه فان الله تعالى يبتلى بعض العباد بالطلب من غير حصول المطلوب وبعضهم يبتلى به بحصول المطلوب المشروط به اما مقارنا لطلبه واما بعده لان وقت الطلب قد يفارق وقت حصول المطلوب فيحصل الطلب فى وقت والمطلوب فى وقت وبعضهم لا يبتلى بالطلب بل يصل اليه الفيض بلا طلب فالاول طلب ولا شئ . والثانى طلب وشئ . والثالث شئ ولا طلب قوله { لمن نريد } بدل من الضمير فى له باعادة الجار بدل البعض فانه راجع الى الموصول المبنئ عن الكثرة { ثم جعلنا له } مكان ما جمعنا له { جهنم } وما فيها من اصناف العذاب { يصليها } يدخلها وهو وهو حال من الضمير المجرور { مذموما } ملوما لان الذم اللوم وهو خلاف المدح والحمد يقال ذممته وهو ذميم غير حميد كما فى بحر العلوم { مدحورا } مطرودا من رحمة الله تعالى فان الدحر الطرد والابعاد .(7/191)
وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)
{ ومن } [ هركه ازروى علو همت ] { أراد } بالاعمال { الآخرة } الدار الآخرة وما فيها من النعيم المقيم روسعنى لها سعيها } اى لاسعى اللائق بها وهو الاتيان بما امر والانتهاء عما نهى لا التقرب بما يخترعون بارآئهم وفائدة اللام اعتبار النية والاخلاص فانها للاختصاص { وهو مؤمن } اى والحال انه مؤمن ايمانا صحيحا لاشرك معه ولا تكذيب فانه العمدة { فاولئك } الجامعون الشرائط الثلاثة من ارادة الآخرة والسعى الجميل لها والايمان { كان سعيهم مشكورا } مقبولا عند الله تعالى بحسن القبول مثابا عليه فان شكر الله الثواب على الطاعة وفى تعليق المشكورية بالسعى دون قرينيه اشعار بانه العمدة فيها .
اعلم ان الله تعالى خلق الانسان مركبا من الدنيا والآخرة ولكل جزء منهما ميل وارادة الى كله ليتغى منه ويتقوى ويتكمل به ففى جزئه الدنيوى وهو النفس طريق الى دركات النيران وفى جزئه الاخرزى وهو الروح طريق الى درجات الجنان وخلق القلب من هذين الجزءين وله طريق الى ما بين اصبعى الرحمن اصبع اللطف واصبع القهر فمن يرد الله به ان يكون مظهر قهره ازاغ قلبه ويصلى نار القطيعة ومن يرد الله به ان يكون مظهر لطفه اقام قلبه وحوله وجهه الى عالم العلو فيزيد الآخرة ويسعى لها سعيها وهو الطلب بالصدق وهو مؤمن بان من طلبه وجده فاولئك كان سعيهم فى الوجود مشكورا من الموجد فى الازل .(7/192)
كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)
{ كلا } منصوب بنمد اى كل واحد من مريدى الدنيا ومريدى الآخرة { نمد } اى نزيد مرة اخرى بحيث يكون الآنف مدد للسالف لا تقطعه وما به الامداد هو ما عجل لاحدهما من العطايا العاجلة وما اعد للآخر من العطايا الآجلة المشار اليها بمشكورية السعى { هؤلاء } بدل من كلا { وهؤلاء } عطف عليه اى نمد هؤلاء المعجل لهم وهؤلاء المشكور سعيهم { من عطاء ربك } اى من معطاه الواسع الذى لا تناهى له لان العطاء اسم ما يعطى وهو متعلق بنمد ومغن عن ذكر ما به الامداد ومنه على ان الامداد المذكور ليس بطريق الاستيجاب بالسعى والعمل بل يمحض التفضل { وما كان عطاء ربك } اى دنيوى واخرويا { محظورا } ممنوعا عمن يريده من البر والفاجر بل هو فائض على البر فى الدنيا والآخرة وعلى الفاجر فى الدنيا فقط وان وجد منه ما يقتضى الحظر وهو الفجور والكفر : قال الشيخ سعدى
اديم زمين سفره عام اوست ... برين ان يغماجه دشمن جه دوست
بس برده بيند عملهاى بد ... هم اوبرده بوشد بآلاى خود
وكر برجفا بيشه بشتافتى ... كى از دست قهرش امان يا فتى(7/193)
انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)
{ انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض } كيف فى محل النصب بفضلنا على الحالية لا بانظر لان الاستفهام يحجب ان يتقدم عليه عامله لاقتضائه صدر الكلام اى انظر يا محمد بنظر الاعتبار كيف فضلنا بعض الآدميين على بعض فيما امددناهم من العطايا الدنيوية فمن وضيع ورفيع ومالك ومملوك وموسر وصعلوك تعرف بذلك مراتب العطايا الخروية ودرجات تفاضل اهلها على طريقة الاستشهاد بحال الادنى على حال الاعلى كما افصح عنه قوله تعالى { وللآخرة } اى هى وما فيها { اكبر } من الدنيا { درجات } نصب على التمييز وهى جمع درجة معنى المرتبة والطبقة { واكبر تفضيلا } وذلك لان التفاوت فى الآخرة بالجنة ودرجاتها العالية لان ما بين كل درجتين كما بين السماء والارض .
وفى التأويلات النجمية { انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض } من اهل الدنيا فى النعمة والدولة وموافاة المرادات ليتحقق لك انها من امدادنا اياهم { وللآخرة } اى اهل الآخرة { اكبر درجات واكبر تفضيلا } من اهل الدنيا لان مراتب الدرجات الاخروية وفضائل اهلها باقية غير متناهية ونعمة الدنيا وفضائل اهلها فانية متناهية : قال الحافظ
فى الجملة اعتماد مكن بر ثبات دهر ... كين كار خانه ايست كه تغيير ميكنند
فعلى العاقل تحصيل الدرجات الاخروية الباقية . وفى الحديث « اكثر اهل الجنة البله وعليون لذوى الالباب » اراد بذوى الالباب العلماء ألا يرى الى قوله عليه السلام « فضل العالم على العابد كفضلى على ادناكم » وفى رواية « كفضل القمر على سائر الكواكب » وقد قال ابن عباس رضى الله عنهما فى تفسير قوله تعالى { والذين اوتوا العلم درجات } يرفع العالم فوق المؤمن بسبعمائة درجة بين كل درجتين كما بين السماء والارض فبهذه الشواهد يتضح ان تفاوت درجات اهل الجنة بحسب تفاوت معارفهم الالهية وعلومهم الحقيقة كما قال عليه السلام « ان فى الجنة مدينة من نور لم ينظر اليها ملك مقرب ولا نبى مرسل جميع ما فيها من القصور والغرف والازواج والخدم من النور اعدها الله للعاقلين فاذا ميز الله اهل الجنة من اهل النار ميزاهل العقل فجعلهم فى تلك المدينة فيجزى كل قوم على قدر عقولهم قيتفاوتون فى الدرجات كما بين المشارق والمغارب بالف ضعف » وعنه عليه السلام « ان فى الجنة درجة لا ينالها الا اصحاب الهموم » يعنى فى طلب الخير والمعيشة وقال عليه السلام « ان فى الجنة درجة لا ينالها الا ثلاثة اقسام عادل وذو رحم واصل وذو عيال صبور » فقال على رضى الله عنه ما صبر ذى العيال قال « لا يمن على اهله ما ينفق عليهم » - روى - ان عدة من الناس اجتمعوا بباب عمر رضى الله عنه فخرج الاذن لبلال وصهيب فشق على ابى سفيان فقال لسهيل بن عمرو انما ابينا من قبلنا فانهم دعوى ودعينا يعنى الى الاسلام فاسرعوا وابطأنا وهذا باب عمر فكيف التفاوت فى الآخرة ولئن حسدتموهم على باب عمر فما اعد الله لهم فى الجنة اكثر .(7/194)
وقرئ واكثر تفضيلا . وفى قول بعضهم ايها المباهى بالرفع منك فى مجالس الدنيا أما ترغب فى المباهاة بالرفع فى مجالس الآخرة وهى اكبر وافضل وعنه عليه السلام « بين المجاهد والقاعد مائة درجة بين كل درجتين حضر الجواد المضمر سبعين سنة » اى عدوه وعنه عليه السلام « تعلموا العلم فالله تعالى يبعث يوم القيامة الانبياء ثم العلماء ثم الشهداء ثم سائر الخلق على درجاتهم » كما فى بحر العلوم وفى المثنوى
علم را دوبر كما نرا يك براست ... ناقص آمد ظن به برواز ابتراست
مرغ يك بر زود افتد سرنكون ... بازبر برد دوكامى يا فزون
افت وخيزان مييرد مرغ كمان ... بايكى بر بر اميد آشيان
دون زظن وارست وعلمش رونمود ... شد دوبر آن مرغ يك بربر كشود
بعد ازان يمشى سويا مستقيم ... نى على وجه مكبا او سقيم
اللهم اجعلنا من اهل اليقين والتمكين .(7/195)
لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)
{ لا تجعل مع الله الها آخر } الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد امته فان بعضهم قالوا الاصل فى الاوامر هو وفى النواهى امته { فتقعد } بالنصب جوابا باللنهى والقعود بمعنى الصيرورة او عبارة عن المكث اى فتمكث فى الناس كما تقول لمن سأل عن حال شخص قاعد فى اسوأ حال ومعناه ماكث سواء كان قائما او جالسا وقد يراد القعود حقيقة لان من شأن المذموم المخذول ان يقعد حائرا يتفكر او عبر بغالب حاله وهو القعود { مذموما مخذولا } خبر ان او حالان اى جامعا على نفسك الذم من الملائكة والمؤمنين والخذلان من الله تعالى فان الشريك عاجز عن النصرة . وفيه اشعار بان الموحد جامع بين المدح والنصرة اشارة الى ان طالب الحق لا يطلب مع الله غيره من الدارين ونعمهما .(7/196)
وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)
{ وقضى ربك } اى امر كل مكلف امرا مقطوعا به فضمن قضى معنى امر وجعل المضمن اصلا والمضمن فيه قيدا له لان المقضى يجب وقوعه ولم يقع من بعض المخاطبين التوحيد .
وفى التأويلات النجمية وانما قال ربك اراد به النبى لا نه مخصوص بالتربية اصالة والامة تبع له فى هذا الشأن وقوله { وقضى ربك } اى حكم وقدر فى الازل { ان لا تعبدوا } اى بان لا تعبدوا على ان ان مصدرية ولا نافية { الا اياه } لان العبادة غاية التعظيم فلا تحق الا لمن له غاية العظمة ونهاية الانعام { وبالوالدين احسانا } اى بان تسحنوا بهما احسانا لانهما السبب الظاهرى للوجود والتعيش والله تعالى هو السبب الحقيقى فاخبر بتعظيم السبب الحقيقى ثم اتبعه بتعظيم السبب الظاهرى يعنى الله تعالى قرن احسان الوالدين بتوحيده لمناسبتهما لحضرة الالوهية والربوبية فى سبيتهما لوجودك وتربيتهما اياك عاجزا صغيرا وهما اول مظهر ظهر فيهما آثار صفات الله تعالى من الايجاد والربوبية والرحمة والرأفة بالنسبة اليك ومع ذلك فهما محتاجان الى قضاء حقوقهما والله غنى عن ذلك . فاهم الواجبات بعد التوحيد احسانهما وفى الحديث « بر الولدين افضل من الصلاة والصوم والحج والعمرة والجهاد فى سبيل الله » ذكره الامام { اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما } [ اكر برسد نزديك تو بزرك سالى وكبر سن يكى ازايشان يا هردو ايشان يعنى بزنيد تابير شوند ومحتاج خدمت تو كردند ] .
قوله اما مركبة من ان الشرطية وما المزيدة لتأكيدها ولذلك حل الفعل نون التأكيد ومعنى عندك فى كنفك وكفالتك واحدهما فاعل للفعل وتوحيد ضمير الخطاب فى عندك وفيما بعده مع ان ما سبق على الجمع للاحتراز عن التباس المراد فان المقصود نهى كل احد عن تأفيف والديه ونهرهما ولو قوبل الجمع بالجمع او بالتثنية لم يحصل هذا المراد .
قال فى الاسئلة المقحمة ان قلت كيف خص الله حال الكبر بالاحسان الى الوالدين وهو واجب فى حقهما على العموم والجواب ان هذا وقت الحاجة فى الغالب وعند عدم الحاجة اجابتهما ندب وفى حالة الحاجة فرض انتهى { فلا تقل لهما } اى لواحد منهما حالتى الانفراد والاجتماع { اف } هو صوت يدل على تضجر واسم للفعل الذى هو الضجر وقرئ بحركات الفاء فالتنوين على قصد التنكير كصه ومه وايه وغاق وتركه على قصد التعريف والكسر على اصل البناء ان بنى على الكسر لالتقاء الساكنين وهما الفا آن والفتح على التخفيف والضم للاتباع كمنذ وهو بالشاذ . والمعنى لا تتضجر بما تستقذر منهما وتستثقل من مؤونتهما وهو عام لكل اذى لكل خص بعضه بالذكر اعتناء بشأنه فقيل { ولا تنهرهما } اى لا تزجرهما باغلاظ اذا كرهت منهما شيأ { وقل لهما } بدل التأفيف { قولا كريما } ذا كرم وهو القول الجميل الذى يقتضيه حسن الآدب ويستدعيه النزول على المروءة مثل ان تقول يا آبتاه ويا اماه كدأب ابراهيم عليه السلام اذ قال لابيه يا أبت مع ما به من الكفر ولا يدعوهما باسمائهما فانه من الجفاء وسوء الادب وديدن الدعاء الا ان يكون فى غير وجههما كما قالوا ولا يرفع صوته فوق صوتهما ولا يجهر لهما بالكلام بل يكلمهما بالهمس والخضوع الا لضرورة الصمم والا فهما ولا يسب والدى رجل فيسب ذلك الرجل والديه ولا ينظر اليهما بالغضب .(7/197)
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)
{ واخفض لهما جناح الذل } جناح الذل استعارة بالكناية جعل الذل والتواضع بمنزله طائر فاثبت له الجناح تخبيلا اى تواضع لهما ولين جانبك وذلك ان الطائر اذا قصد ان ينحط خفض جناحه وكسره واذا قصد ان يطير رفعه فجعل خفض جناحه عند الانحطاط مثلا فى التواضع ولين الجانب .
قال القاضى وامره بخفضه مبالغة فى ايجاب الذل وترشيحا للاستعارة .
قال ابن عباس رضى الله عنهما كن مع الوالدين كالعبد المذنب الذليل الضعيف للسيد الفظ الغليظ اى فى التوضع والتملق { من الرحمة } من ابتدائيه او تعليلية اى من فرض رحمتك عليهما لافتقارهما اليوم الى من كان افقر خلق الله اليهما قالوا ينظر اليهما بنظر المحبة والشفقة والترحم وفى الحديث « ما من ولد ينظر الى الوالد والى والدته نظر مرحمة الا كان له بهاحجه وعمرة » قيل وان نظر فى اليوم الف مرة قال « وان نظر فى اليوم مائة الف » كما فى خالصة الحقائق ويقبل رجل امه تواضعا - حكى - ان رجلا جاء الى الاستاذ ابى اسحق فقال رأيت البارحة فى المنام ان لحيتك مرصعة بالجواهر واليواقيت فقال صدقت فانى البارحة مسحت لحيتى تحت قدم والدتى قبل ان نمت فهذا من ذاك ويباشر خدمتهما بيده ولا يفوضها الى غيره لانه ليس بعار للرجل ان يخدم معلمه وابويه وسلطانه وضيفه ولا يؤمه للصلاة وان كان افقه منه اى اعلم بالفقه من الاب ولا يمشى امامهما الا ان يكون لاماطة الاذى عن الطريق ولا يتصدر عليهما فى المجلس ولا يسبق عليهما فى شئ اى فى الا كل والشرب والجلوس والكلام وغير ذلك .
قال الفهاء لا يذهب بابيه الى البيعة واذا بعث اليه منها ليحمله فعل ولا يناوله الخمر ويأخذ الاناء منه اذا شربها . وعن ابى يوسف اذا امره ان يوقد تحت قدره وفيها لحم الخنزير او قد كما فى بحر العلوم ولا ينسب الى غير والديه استنكافا منهما فانه يستوجب اللعنة قال عليه السلام « فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا » اى نافلة وفريضة كام فى الاسرار المحمدية .
قال فى القاموس الصرف فى الحديث التوبة والعدل الفدية او هو النافلة والعدل الفريضة او بالعكس او هو الوزن والعدل الكيل او هو الاكتساب والعدل الفدية { وقل رب ارحمهما } وادع الله ان يرحمهما برحمته الباقية ولا تكتف برحمتك الفانية وان كانا كافرين لان من الرحمة ان يهديهما الى الاسلام .
قال الكاشفى [ حقيقت دعا رحمت ازولد درحق والدين آأنست كه اكر مؤمن اند ايشانرا ببهشت رسان واكر كافراند راه نماى باسلام وايمان ] .(7/198)
قال ابن عباس ما زال ابراهيم عليه السلام يستغفر لابيه حتى مات فلما تبين له انه عدو لله تبرأ منه يعنى ترك الدعاء ولم يستغفر له بعدما مات على الكفر كذا فى تفسير ابى الليث وفى الحديث « اذا ترك العبد الدعاء للوالدين ينقطع عنه الرزق فى الدنيا » سئل ابن عيينة عن الصدقة عن الميت فقال كل ذلك واصل اليه ولا شيئ انفع له من الاستغفار ولو كان شئ افضل منه لامرت به فى الابوين ويعضده قوله عليه السلام « ان الله ليرفع درجة العبد فى الجنة فيقول يا رب أنى لى هذا فيقول باستغفار والدك » وفى الحديث « من زار قبر ابويه او احدهما فى كل جمعة كان بارا » قال الشيخ سعدى قدس سره
سالها بر تو بكذردكه كذر ... نكنى سوى تربت بدرت
نو بجاى بدرجةه كردى خير ... تاهمان جشم دارى ازبسرت
{ كما ربيانى صيغرا } الكاف فى محل النصب على انه نعت مصدر محذوف اى رحمة مثل رحمتهما علىّ وتربيتهما وارشادهما لى فى حال صغرى وفاء بوعدك للراحمين - روى - ان رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان ابوى بلغا من الكبر أنى الى منهما ما وليا منى فى الصغر فهل قضيتهما حقهما قال « لا فانهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبان بقاءك وانت تفعل ذلك وانت تريد موتهما »(7/199)
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)
{ ربكم اعلم بما فى نفوسكم } بما فى ضمائركم من قصد البر والتقوى وكأنه تهديد على ان يضمر لهما كراهة واستثقالا { ان تكونوا صالحين } قاصدين الصلاح والبر دون العقوق والفساد { فانه } تعالى { كان للاوابين } اى الرجاعين اليه تعالى مهما فرط منهم مما لا يكاد يخلو عنه البشر { غفورا } لما وقع منهم من نوع تقصير او اذية فعليه او قولية .
قال الامام العزالى رحمه الله اكثر العلماء على ان طاعة الوالدين واجبة فى الشبهات ولم تجبل فى الحرام المحض لان ترك الشبهة ورع ورضى الوالدين حتم اى واجب .
قيل اذا تعذر مراعاة حق الوالدين جميعا بان يتأذى احدهما بمراعاة الآخرة يرجح حق الاب فيما يرجع الى التعظيم والاحترام لان النسب منه ويرجح الحق الام فيما يرجع الى الخدمة والانعام حتى لو دخلا عليه يقوم للاب ولو سألا منه شيأ يبدأ فى الاعطاء بالام كما فى منبع الآداب .
قال الفقهاء تقدم الام على الاب فى النفقة اذا لم يكن عند الولد الا كفاية احدهما لكثرة تعبهما عليه وشفقتها وخدمتها ومعاناة الشماق فى حمله ثم وضعه ثم ارضاعه ثم تربيته وخدمته ومعالجة اوساخه وتمريضه وغير ذلك كما فى فتح القريب
جنت سراى ما درانست ... زير قدمات ما درانست
روزى بكن اى خدى مارا ... جيزى كه رضاى مادرانست
- وشكا - رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم اباه وانه يأخذ ماله فدعا به فاذا شيه يتوكأ على عصا فسأله فقال انه كان ضعيفا وانا قوى وفقيرا وانا غنى فكنت لا امنعه شيأ من مالى واليوم انا ضعيف وهو قوى وانا فقير وهو غنى ويبخل علىّ بماله فبكى عليه السلام فقال « ما من حجر ولا مدر يسمع هذا الا بكى » ثم قال للولد « انت ومالك لابيك » وفى الحديث « رغم انفه » فقيل من يا رسول الله « قال من ادرك والده عند الكبر احدهما او كلاهما ثم لم يدخل الجنة » يعنى بسبب برهما واحسانهما : وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه انه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « لولا انى اخاف تغير الاحوال عليكم بعدى لامرتكم ان تشهدو الاربعة اضناف بالجنة . اولهم امرأة وهبت صداقها من زوجها لاجل الله تعالى وزوجها راض .
والثانى ذو عيال كثير يجهد فى المعيشة لاجلهم حتى يطمعهم الحلال . والثالث التائب على ان لا يعود اليه ابدا كاللبن لا يعود الى الثدى . والرابع البار بوالديه » ويجب على الابوين ان لا يحملا الولد على العقوق بسوء المعاملة والجفاء ويعيناه على البر - وحكى - عن بعض العرفاء انه قال ان لى ابنا منذ ثلاثين سنة ما امرته بامر مخافة ان يعصينى فيحق عليه العذاب .(7/200)
يقول الفقير فسد الزمان وتغير الاخوان ولنبك على انفسنا من سوء الاخلاق وقد كانت الصحابة رضى الله عنهم وهم هم يبكون دما من اخلاق النفس فما لنا لا نبكى ونحن منغمسون فى بحر الخطايا والذنوب متورطون فى بئر القبائح والعيون لا انصاف لنا فى حق انفسنا ولا فى حق الغير ونعم ما قال الحافظ حكاية لهذا التغير الناشئ من النفس الامارة بالسوء
هيج رحمى نه برادر به برادر دارد ... هيج شوقى نه بدررا به بسر مى بينم
دخترانرا همه جنكست وجدل بامادر ... بسرانرا همه بدخواه بدر مى بينم
جاهلان راهمه شربت ز كلا بست وعسل ... قوت دانا همه از قوت جكر مى بينم
اسب تازى شدة مجروح بزير بالان ... طوق زرين همه بركردن خر مى بينم .(7/201)
وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26)
{ وآت } يا افضل المخلوق ويدخل فيه كل واحد من امته { ذا القربى } اى القرابة وهم المحارم مطلقا عند ابى حنيفة رحمه الله سواء كانت قرابتهم ولادية كالود والوالدين او غير ولادية كالاخوة والاخوات { حقه } وهى النفقة اى اذا كانوا فقراء .
اعلم انه لا يجب على الفقير الا نفقة اولاده الصغار الفقراء ونفقة زوجته غنية او فقيرة مسلمة او كافرة واما الغنى وهو صاحب النصاب الفاضل عن الحوائج الاصلية ذكر اكان وانثى فيجب عليه نفقة الابوين ومن فى حكمهما من الاجداد والجدات اذا كانوا فقراء سواء كانوا مسلمين او كافرين وهذا اذا كانوا ذمة فان كانوا حربا لا يجب وان كانوا مستأمنين . ويجب نفقة كل ذى رحم محرم مما سوى الوالدين ان كان فقيرا صغيرا او انثى او زمنا او اعمى ولا يحسن الكسب لخرقه فان كان قادرا عليه لا يجب اتفاقا ولكونه من الشرفاء والعظماء . وتجب نفقة الابوين مع القدرة على الكسب ترجيحا لهما على سائر المحارم وطالب العلم اذا لم يقدر على الكسب لا تسقط نفقته على الاب كالزمن فان نفقة البنت بالغة والابن زمنا بالغا الى الاب واذا كان للفقير اب غنى وابن غنى فالنفقة على الابوين ولا نفقة مع اختلاف الدين الا بالزوجية كما سبق والولادة فنفقة الاصول الفقراء مسلمين اولا على الفروع الاغنياء ونفقة الفروع الفقراء مسلمين اولا على الاصول الغنياء فلا تجب على النصرانى نفقة اخيه المسلم ولا على المسلم نفقة اخيه النصرانى لعدم الولاء بينهما ويعتبر فى نفقة قرابة الولاد اصولا وفروعا الاقرب فالاقرب وفى نفقة ذى الرحمن يعتبر كونه اهلا للارث المعاشرة والموافقة والتفصيل فى باب النفقة فى افروع فارجع اليه وفى الحديث « البر والصلة يطيلان الاعمار ويعمران الديار ويكثران الاموال » وان كان القوم فجارا وان البر والصلة ليخففان الحساب يوم القيامة .
وفى الآية اشارة الى النفس فانها من ذوى قربى القلب ولها حق كما قال عليه الصلاة والسلام « ان لنفسك عليك حقا » المعنى لا تبالغ فى رياضة النفس وجهادها لئلا تسأم وتمل وتضعف عن حمل اعباء الشريعة وحقها رعايتها عن السرف فى المأكول والملبوس والاناث والمسكن وحفظها عن طرفى الافراط والتفريط كما فى التأويلات النجمية { والمسكين وابن السبيل } اى وآتهما حقهما مما كان مفترضا بمكة بمنزلة الزكاة المسكين من لا شئ له والفقير من له شئ دون نصاب وقيل بالعكس . وابن السبيل اى الملازم لها هو من له مال لا معه وهو المسافر المنقطع عن ماله { ولا تبذر تبذيرا } بصرف المال الى من سواهم ممن لا يستحقه فان التبذير تفريق فى غير موضعه واما الاسراف الذى هو تجاوز الحد فى صرفه فقد نهى عنه بقوله { ولا تبسطها كل البسط } سعدى
نه هر كس سزاوار باشد بمال ... يكى مال خواهد يكى كوشمال(7/202)
إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)
{ ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين } اى اعوانهم فى اهلاك انفسهم ونظراءهم فى كفران النعمة والعصيان كما قال { وكان الشيطان لربه كفورا } مبالغا فى الكفر به لا يشكر نعمة امثال اوامره ونواهيه وكان قريش ينحرون الابل ويبذرون اموالهم فى السمعة وسائر ما لا خير فيه من المناهى والملاهى [ مجاهد فرموده كه اكبر برابركوه زردر وجوه خير صرف كنند اسراف نباشد اكر جوى يا حبه در باطل خرج نمايند اسراف باشد ] وقد انفق بعضهم نفقة فى خير فاكثر فقال له صاحبه لا خير فى السرف فقال لا سرف فى الخير . سعدى
كنون بر كف دست نه هرجه هست ... كه فردا بدندان كزى بشت دست(7/203)
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28)
{ واما } [ واكر } { تعرضن } [ اعراض كنى ] { عنهم } اى ان اعتراك امر اضطر الى ان تعرض عن اولئك المستحقين من ذوى القربى وغيرهم { ابتغاء رحمة من ربك } اى لفقد رزق من ربك اقامة للمسبب مقام السبب فان الفقد سبب للابتغاء { ترجوها } من الله تعالى لتعطيهم والجملة صفة رحمة وكان عليه السلم اذا سئل شيأ وليس عنده سكت حياء وامر بالقول الجميل لئلا يعتريهم الوحشة بسكوته فقيل { فقل لهم قولا ميسورا } سهلا لينا وعدهم بوعد فيه يسر وراحة لهم وقيل القول الميسور الدعا لهم بالميسور اى اليسر فهو مصدر على مفعول اى قل لهم اغناكم الله من فضله رزقنا الله واياكم - روى - ان عيسى عليه السلام قال من رد سائلا خائبا عن بابه لم تعبر الملائكة بيته سبعة ايام ومن مات فقيرا راضيا من الله بفقره لا يدخل الجنة احد اغنى منه كذا فى الخالصة .(7/204)
وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29)
{ ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك } [ يدبسته بر كردن خود واين كنايتست ازامساك ] { ولا تبسطها كل البسط } [ ومكشاى دست خودرا همه كشادن يعنى اسراف مكن ] .
قال اهل التفسير هما تمثيلان لمنع الشحيح واعطاء المسرف زجرا لهما عنهما وحملا على ما بينهما من الاقتصاد الذى هو بين التقتير والاسراف وهو الكرم والجود . والمعنى ولا تمسك يدك عن النفقة فى الحق كل الامساك بحيث لا تقدر على مدها كمن يده مغلولة الى عنقه فلا يقدر على اعطاء شئ ولا تجد كل الجود فتعطى جميع ما عندك ولا يبقى شئ منه كمن يبسط كفه كل البسط فلا يبقى شئ فيها { فتقعد } جواب للنهيين اى فتصير { ملوما } عند الله وعند الناس فى الدارين وهو راجع لقوله { ولا تجعل يدك } { محسورا } نادميا او منقطعا بك لا شئ عندك وهو راجع الى قوله { ولا تبسطها }
مبند ازسر امساك دست در كردن ... كه خصلتيست نكوهيده بيش اهل بها
مكن بجانب اسراف نيز جندان ميل ... كه هرجه هست بيكدم كنى زدمت رها
جودر ميانه اين هر دوراه جندانى ... تفاوتست كه از آفتاب تابسها
بس اختيار وسط راست در جميع امور ... بدان دليل كه خير الامور اوسطها
وفى الكواشى الصحيح ان هذا الخطاب للنبى والمرد غيره لانه افسح الناس صدرا وكان لا يدخر شيأ لغد انتهى وسيأتى تحقيق المقام .
قال الكاشفى [ در اسباب نزول آمده كه مسلمه بايهوديه كرو بستند ومضمون رهن آنكه حضرت رسالت بناه عليه السلام از موسى كليم عليه السلام سخى ترست وسخاوت موسى آن بود كه سائر را ردنميكرد بجيزيكه ازوفاضل بوده يابسخن خوش اورا خوشنود ميساخت القصه ازجهت ازمايش شخصى دختر خودرا بجانب نبو آب فرستاد دخترك آمد وكفت كه يا رسول الله مادر من از شمايير امن ميطلبد حصرت فرمود امان تازمان برسد توساعتى ديكر بازا ئى دخترك بعداز زمانى باز آمدكه مادر من آن بيراعى ميطلبد كه دربر شماست حضرت بحجره درآمد وبيراهن بيرون كرده بوى داد وخود برهنه بنشست بلال قامت صلاة كشيد وياران منتظر خروج آن حضرت بودند وآن حضرت بسبب برهنكى بيرون نمى آمد آيت آمدكه ولا تجعل الخ } .
قال فى برهان القرآن فدخل وقت الصلاة ولم يخرج للصلاة حياء فدخل عليه اصحابه فرأوه على تلك الصفة فلاموه على ذلك فانزل الله { فتقعد ملوما محسورا } مكشوفا هذا هو الاظهر من تفسيره انتهى .
يقول الفقير وذلك لان اصحابه لاموه فصار ملوما وبقى عريانا فصار محسورا اى مكشوفا لان الحسر الكشف فعلى هذا كان الانسب ان يراد القعود حقيقة ولم يرض فى الارشاد بهذه الرواية بناء على ان السورة مكية والقصة مدنية والعلم عند الله تعالى .(7/205)
إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30)
{ ان ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } يوسعه على بعض ويضيقه على بعض آخرين بمشيئته التابعة للحكمة وبالفارسية [ بدرستى كه بروردكار توكشاده مى كرداند روزى را برى هركه خواهد وتنك مى سازد براى هركه ارادت او اقتضا كند واين يبسط وقبض از محض حكمت است وكسن زهرة اعتراض ندارد ] .
وفى التأويلات النجمية يشير به الى الخروج عن أوطان البشرية والطبيعية الانسانية الى فضاء العبودية بقدمى التوكل على الله وتفويض الامور اليه فان كان يبسط للنفس فى بعض الاوقات ببعض المرادات ليفرش لها بساط البسط ويقدر عليها فى بضع الاوقات متمناها ليضبط احوالها بمجامع القبض فالامور موكولة الى حكمه البالغة واحكامه الازلية { انه كان بعباده خبيرا بصيرا } اى يعلم سرهم وعلنهم فيعلم من مصالحهم ما يخفى عليهم قال الله تعالى « وان من عبادى المؤمنين من لا يصلح ايمانه الا الغنى لو افقرته لافسده ذلك وان من عبادى المؤمنين من لا يصلح ايمانه الا الفقر لو اغنيته لافسده ذلك وان من عبادى المؤمنين من لا يصلح ايمانه الا الصحة لو اسقمته لافسده ذلك وان من عبادى المؤمنين من لا يصلح ايمانه الا السقم لو اصححته لافسده ذلك انى ادبر امر عبادى بعلمى بقلوبهم انى عليم خبير » رواه انس رضى الله عنه كما فى بحر العلوم فيغنى الله ويفقر ويبسط ويقبض لو اغناهم جميعا لطغوا لو افقرهم لنسوا فهلكوا وفى الحديث « بادروا بالاعمال خمسا غنى مطغيا وفقرا منسيا وهرما مفندا ومرضا مفسدا وموتا مجهزا » فاذا كان الغنى لبعض مطغيا صرفه الله تعالى عمن علم ذلك منه وافقره لان الفقر علم منه انه لا ينسيه بل يشغل لسانه بذكره وحمده وقلبه بالتوكل عليه والالتجاء اليه واذا كان الفقر لبعضهم منسيا صرفه عمن علم ذلك منه : وفى المثنوى
فقر ازين رو فخر آمد جودان ... كه بتقوى ماند دست نارسان
زان غنا وزان مردود شد ... كه ز قدرت صبرها بدرود شد
آدمى را عجز وفقر آمد امان ... از بلاى نفس بر حرص وغمان
فعلى العاقل التسليم لامر الله تعالى والرضى بقضائه والصبر فى موارد القبض والشكر فى مواقع البسط والانفاق مهما امكن .
قال فى اسرار المحمدية كان اويس القرنى رحمه الله اذا اصبح او امسى تصدق بما فى بيته من الفضل من الطعام والثياب ثم يقول اللهم من مات جزعا فلا تؤاخذنى به ومن مات عريانا فلا تؤاخذنى به .
وكان الخلاج رحمه الله يقول مخبرا عن حاله اذا قعد الرجل عشرين يوما جائعا ثم فتح له طعام فعرف ان فى البلد من هو احوج الى ذلك منه فاكله ولم يؤثر به ذلك المحتاج فقد سقط عن رتبته وهذا مقام عال بالنسبة الى حال اويس ظاهرا ولكن قال الشيخ الكامل محمد بن على العربى قدس سره اعلم ان قول اويس ينبه على مقامه الاعلى وطبيعته المثلى لان ذلك القول معرب عن حال امام القوت فيطعى ما ملك ويتضرع هذا التضرع لمن استخلفه على عبيده بالرحمة لهم والشفقة عليهم والمكمل من سبقت رحمته غضبه كما اخبر الله سبحانه عن اكمل الخلفاء وسيد الاقطاب بقوله(7/206)
{ وما ارسلناك الا رحمة للعالمين } ولكن العارف اذا كان صاحب حال مثل الحلاج فرق بين نفسه ونفس غيره فعامل نفسه بالشدة والقهر والعذاب ونفس غيره بالايثار والرحمة والشفقة . واما اذا كان صاحب مقام وتمكين وقوة بان عرف الفرق بين الحال والمقام صارت نفسه عنه اجنبية وارتفع هو علويا وبقيت مع ابناء جنسها سفلية فلزمه العطف عليها كما لزمه العطف على غيرها لان ادب العارف من ذى الولاية انه اذا خرج بصدقة ولقى اول مسكين يليق لدفع الصدقة اليه يدفعها اليه البتة فاذا تركه الى مسكين آخر ولم يدفع للاول فقد انتقل من ربه الى هوى نفسه فانها مثل الرسالة لا يختص بالدعوة شخصا دون شخص فاول من يلقاه بقوله قل لا اله الا الله فالولى الكامل خليفة الرسول فاذا وهب البارى للولى رزقا يعلم انه مرسل به الى عالم النفوس الحيوانية فينزل من سماء عقله الى ارض النفوس ليؤدى اليهم ذلك القدر الذى وجه به فاول نفس تستقبله نفسه لا نفس غيره لان النفوس الغير ليست متعلقة به فلا تعرفه . واما نفسه فمتعلقة به ملازمة بابه فلا يفتحه الا عليها فتطلب امانتها فيقدمها على غيرها بالاعطاء لانها اول سائل والى هذا السر اشار الشارع صلى الله عليه وسلم بقوله « ابدأ بنفسك ثم بمن تعول » والاقربون اولى بالمعروف لتعلقهم بك ولزومهم بابك ولا تعلق للغير بك ولا له ملازمة نفسك واهلك فلما تأخروا اخروا كسائر اسرار الله تعالى متى خرج من عند الحلق على باب الرحمة فأى قلب وجد سائلا متعرضا دفع اليه حظه من الاسرار والحكم على قدر ما يراقبه من التعطش والجوع والذلة والافتقار وهم خاصة الله وعلى هذا المقام حرض الشارع بقوله ( تعرضوا لنفحات الله سبحانه ) وهذا سر الحديث ومراد الشرع فمن تأخر اخر ومن نسى نسى فانظر الآن كم بين المنزلتين والمقامين ثم انظر ايضا الى هذا المقام على علوه وسموه كيف اشترك فى الظاهر مع احواله العامة فانهم اول ما يجودون فعلى نفوسهم ثم الى غيرها وانما تصرفهم تحت حكم هذه الحقيقة وهم لا يشعرون وبعماهم عن هذه الاسرار ونزولهم الى حضيض البهائم بحيث لا يعرفون مواقع اسرار العالم مع الله حرصوا على الايثار ومدحوا به وهو مقام الحلاج الذى ذكر عنه وظننت انه غاية فى الترقى والعلو وهكذا فلتعزل الحقائق وتحاط حلل الدقائق اهم كلام الشيخ الا كبر والكبريت الاحمر والمسك الا ذفر قدس سره الاطهر .(7/207)
وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)
{ ولا تقتلوا } يا معشر العرب { اولادكم } [ فرزندان شما ] { خشية املاق } مخافة الفقر ولا لغير مخافته الا ان الحال اقتضت ذلك يقال املق افتقر وقتلهم اولادهم وادهم بناتهم مخافة الفقر اى دفنها حية فنهاهم الله تعالى عنه وضمن لهم ارزاقهم فقال { نحن نرزقهم واياكم } لا غيرنا [ بس غم روزى ايشان مخوريدكه هركرا اوجان دهد نان دهد ] : سعدى
خداوند كارى كه عبدى خريد ... بدارد فكيف آنكه عبد آفريد
ترا نيست اين تكيه بر كردكار ... كه مملوك را بر خداوند كار
قال هرم لاويس القرنى اين تأمرنى ان اكون فاومأ الى الشام فقال الهرم كيف المعيشة بها قال اويس اف لهذه القلوب قد خالطها الشك فما تنفعها العظة { ان قتلهم كان خطأ كبير } ذنبا عظيما لما فيه من هدم بنيان الله وقطع النسل . والخطئ كالاثم وزنا ومعنى من خطئ وقرئ خطا بفتحتين بالقصر والمد .
اعلم ان من اول هذه الآية الى قوله تعالى { ملوما مدحورا } عشر آيات وهو اشارة الى تبديل عشر خصال مذمومة بعشر خصال محمودة .
اما المذمومات . فاولها البخل
وثانيها الامل وهما فى قوله تعالى { ولا تقتلوا اولادكم خشية املاق } فان البخل وطول الامل حملهم على قتل اولادهم فدلهم على تبديلهما بالسخاء والتوكل بقوله { نحن نرزقهم واياكم } - يحكى - ان يحيى بن زكريا عليهما السلام لقى ابليس فى صورته فقال له يا ابليس اخبرنى باحب الناس اليك وابغض الناس اليك فقال احب الناس الى المؤمن البخيل وابغضهم الى الفاسق والسخى قال يحيى وكيف ذلك قال لان البخيل قد كفانى بخله والفاسق السخى اتخوف ان يطلع الله عليه فى سخاه فيقبله ثم ولى وهو يقول لولا انك يحيى لم اخبرك . قالوا ولا ينبغى ان يلجئ اهل بيته على الزهد بل يدعوهم اليه فان اجابوا والا تركهم ووسع عليهم فى دنياهم من غير خروج عن حد الاعتدال وفعل بنفسه ما شاء .(7/208)
وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)
{ ولا تقربوا الزنى } بالقصر واتيان المقدمات من القبلة والغمزة والنظر بالشهوة فضلا عن ان تباشروه . وقرئ بالمد لغتان او مصدر زانى زناء كقاتل قتلا كما فى الكواشى { انه } اى الزنى { كان فاحشة } فعلة ظاهرة القبح متجاوزة الحد وهو كالقتل فان فيه تضييع الانساب فان من لم يثبت نسبه ميت حكما { وساء سبيلا } اى بئس طريق الزنى لانه يجر صاحبه الى النار وهو طريق ايضا الى قطع الانساب وتهيج الفتن وفى الحديث « اذا زمنى العبد خرج منه الايمان فكان على رأسه كالظلة فاذا انقطع رجع اليه الايمان » - روى - عن بعض الصحابة رضى الله عنه انه قال اياكم والزنى فان فيه ست خصلا ثلاث فى الدنيا وثلاث فى الآخرة . فاما التى فى الدنيا فنقصان الرزق يعنى تذهب البركة من الرزق ويصير محروما من الخير ونقصان العمر والبعض فى قلوب الناس فانه يذهب بالهباء واما الثلاث التى فى الآخرة فغضب الرب وشدة الحساب والدخول فى النار وفى الخبر ( العينان تزنيان واليدان تزنيان ) : وفى المثنوى
مرغ زان دانه نظر خوش ميكند ... دانه هم از دور راهش مى زند
اين نظر ازدورجون تيرست وسم ... عشقت افزون مى شود صبرتوكم
واعلم ان غلبة الشهوة . تورث الزنى فالشهوة هى الثالثة من العشر المذمومة فتبلها الله تعالى بالعفة حين نهاهم عن الزنية - حكى - انه كان بالبصرة رجل معروف بالمسكى لانه كان يفوح منه رائحة المسك فسئل عنه فقال كنت من احسن الناس وجها وكان لى حياء فقيل لابى لو اجلسته فى السوق لانبسط مع الناس فاجلسنى فى حانوت بزاز فجاءت عجوز فطلبت متاعا فاخرجت لها ما طلبت فقالت لو توجهت معى لثمنه فمضيت معها حتى ادخلتنى فى قصر عظيم فيه قبة عظيمة عليها سرير فاذا فيه جارية على فرش مذهبة فجذبتنى الى صدرها فقلت الله فقال لا بأس فقلت انى حاقب ودخلت الخلاء وتغوطت ومسحت به وجهى وبدنى فقيل انه مجنون فخلصت ورأيت الليلة رجلا قال لى اين انت من يوسف بن يعقوب ثم قال أتعرفنى قلت لا قال انا جبريل ثم مسح يده على وجهى وبدنى فمن ذلك الوقت يفوح السمك على منم رائحة جبريل عليه السلام وذلك ببركة العفة والتقوى .
ولفى ابليس موسى عليه السلام فقال يا موسى اذكرنى حين تغضب فان وجهى فى قلبك وعينى فى عينك واجرى منك مجرى الدم واذكرنى حين تلقى الزحف فانى آتى ابن آدم حين يلقى الزحف فاذكره ولده وزوجته واهله حتى يولى واياك ان تجالس امرأة ليست بذات محرم فانى رسولها اليك ورسولك اليها كما فى آكام المرجان .(7/209)
وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)
{ ولا تقتلوا النفس التى حرم الله } قتلها بان عصمها بالاسلام او بالعهد فدخل فيه الذمى والمعاهد { الا بالحق } استثناء مفرغ اى لا تقتلوها بسبب من الاسباب الا سببب الحق اى باحدى ثلاث كفر بعد ايمان وزنى بعد احصان وقتل نفس معصومة عمد { ومن } [ هركه ] { قتل مظلوما } غير مرتكب واحدة من هذه الثلاث { فقد جعلنا لوليه } لمن يلى امره بعد وفاته من الوارث او السلطان عند عدمه اذ هو ولى من لا ولى له { سلطانا } تسلطا واستيلاء على القاتل ان شاء قتل وان شاء اخذ الدية { فلا يسرف } اى الولى { فى القتل } اى فى امر القتل بان يجاوز الحد المشروع بان يزيد عليه المثلة او بان يقتل غير القاتل من اقاربه وكانوا يقتلون غير القاتل اذا لم يكن القتل بواء اى سواء يقال فلان بواء لدم فلان اى سواء .
قال الكاشفى [ درجاهليت جون كسى كشته سدى وارث قاتل اورا نكشتى بلكه قصد مهتر قبيله قاتل كردى ] او بان يقتل الانثني مكان الواحد كعادة الجاهلية كان اذا قتل منهم شريف لا يرضون بالقاتل بل بان يقتلوا معه جماعة من اقاربه او بان يقتل القاتل فى مادة الدية { انه } اى الولى { كان منصورا } ينصره الشرع والسلطان يعنى ان الله ينصره بان اوجب له القصاص او الدية وامر الحكام باعانته فى الاستيفاء او الهاء للمقتول ونصره قتل قاتله وحصول الاجر له . فان قلت ما توبة القاتل عمدا . قلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « توبة القاتل عمدا فى ثلاث اما ان يقتل واما ان يعفى عنه واما ان يؤخذ منه الدية فأى هذه الخصال فعل به فهى توبته » رواه انس رضى الله عنه .(7/210)
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34)
{ ولا تقربوا مال اليتيم } فضلا عن ان تتصرفوا فيه { الا بالتى هى احسن } الا بالخصلة والطريقة التى هى احسن الخصال والطرائق وهى حفظه واستثماره . يعنى [ معامله كنيدكه اصل ما يه براى وى بما ندوربح او بوصله معاش او نشيند ] { حتى } غاية لجواز التصرف على الوجه الاحسن المدلول عليه بالاستثناء { يبلغ اشده } قوته وهو ما بين ثمانى عشر سنة الى ثلاثين واحد جاء على بناء الجمع كآنك ولا نظير لهما كما فى القاموس .
وقال فى بحر العلوم بلوغ الاشد بالادراك وقيل ان يؤنس منه الرشد مع انه يكون بالغا وآخره ثلاث وثلاثون سنة انتهى .(7/211)
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35)
{ واوفوا بالعهد } سواء جرى بينكم وبين ربكم او بينكم وبين غيركم من الناس والايقاء بالعهد والوفاء به هو القيام بمقتضاه بالمحافظة عليه ولا يكاد يستعمل الا بالباء فرقا بينه وبين الايفاء الحسى كايفاء الكيل والوزن { ان العهد كان مسئولا } مطلوبا يطلب من المعاهد ان لا يضيعه ويفى به فمسؤلا من سألته الشئ او كان مسؤولا عنه على ان يكون من سألته عن الشئ فيكون من باب الحذف والايصال فان جعل الضمير بعد انقلابه مرفوعا مستكنا فى اسم المفعول كقوله تعالى { وذلك يوم مشهود } اى مشهود فيه .
وفى الكواشى او يسأل حقيقة توبيخا لنا كثيه كسؤال الموؤدة لم قتلت توبيخا لقاتلها فيكون تمثيلا اى جعل العهد متمثلا على هيئة من يتوجه السؤال اليه كما تجعل الحسنات اجساما نورانية والسيآت اجساما ظلمانية فتوزن كما فى حواشى سعدى المفتى { وافوا الكيل } اى اتموه ولا تخسروه { اذا كلتم } وقت كيلكم للمشترين وتقييدا لامر بذلك لان التطفيف هناك واما وقت الاكتيال على الناس فلا حاجة الى الامر بالتعديل قال تعالى { اذا اكتالوا على الناس يستوفون } { وزنوا بالقسطاس } وهو القرسطون اى القبان وهو معرب كبان بمعنى الميزان العظيم او هو كل ما يوزن به من موازين العدل صغيرا كان او كبيرا .
قال بعضهم هو معرب رومى ولا يقدح ذلك فى عربية القرآن لانتظام المعربات فى سلك الكلم العربية .
وقال فى بحر العلوم والجمهور على انه عربى مأخوذ من القسط وهو العدل وهو الاصح فان كان من القسط وجعلت العين مكررة فوزنه فعلاس والا فهو رباعى على وزن فعلال { المستقيم } اى العدل السوى ولعل الاكتفاء باستقامته عن الامر بايفاء الوزن لما انه عند استقامته لا يتصور الجور غالبا بخلاف الكيل فان كثير ما يقع التطفيف مع استقامة الآلة كما ان الاكتفاء بايفاء الكيل عن الامر بتعديله لما ان ايفاءه لا يتصور بدون تعديل المكيال وقد امر بتقويمه ايضا فى قوله تعالى { اوفوا المكيال والميزان بالقسط } { ذلك } اى ايفاء الكيل والوزن السوى { خير } لكم فى الدنيا اذ هو امانة توجب الرغبة فى معاملته والذكر الجميل { واحسن تأويلا } عاقبة تفعيل من آل اذا رجع والمراد ما يؤول اليه .
اعلم ان رابع الخصال العشر المذمومة الغضب وهى فى قوله تعالى { ولا تقتلوا النفس التى حرم الله الا بالحق } فان استيلاء الغضب يورث القتل بغير الحق فبدله بالحكم فى قوله { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا } وفى الحديث « قرب بالخلائق من عرش الرحمن يوم القيامة المؤمن الذى قتل مظلوما رأسه عن يمينه وقاتله عن شماله واوداجه تشخب دما فيقول رب سل هذا لم قتلنى فبم حال بينى وبين صلواتى فيقول الله تعست ويذهب به الى النار »(7/212)
قال انوشروان اربع قبائح وهى فى اربعة اقبح البخل فى الملوك والكذب فى القضاءة والحدة فى العلماء اى شدة الغضب والوقاحة فى النساء وهى قلة الحياة قيل الحلم حجاب الآفات .
وخامسها الاسراف فان الافراط فى كل شئ يورث الاسراف فبدله بالقوام فى قوله { فلا يسرف فى القتل انه كان منصورا } وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما مر رسول الله يسعد وهو يتوضأ فقال « ما هذا السرف يا سعد » قال أفى الوضوء سرف « قال نعم وان كنت على نهر جار »
وسادسها الحرص وهو فى قوله { ولا تقربوا مال اليتيم } فان التصرف فى مال اليتيم من الحرص قال لانه ذاق من طعم الدنيا ما لم يذقه الشاب : قال الصائب
ريشه نخل كهن سال ازجوان افزونترست ... بيشتر دلبستكى باشد بدينار بير را
وعن الثورى رحمه الله من باع الحرص بالقناعة فقد ظفر بالغنى .
وسابعها نقض العهد فبدله بالوفاء به بقوله { واوفوا بالعهد ان العهد كان مسئولا } [ سلمى آورده كه خدا يرا عهد هست برجوارح آدمى بملازمت آداب وبر نفس او باداء فرائض وبردل او بخوف وخشيت وبرجان او بآنكه از مقام قرب دور نشود وبر سر او بآنكه مشاهده ما سوى نكند وازهر عهدى خواهند برسيد ]
تاكسى از عهده آن عهد جون برون ... ولا شك ان اخوان الزمان ليس وفاء لا بحقوق الله تعالى ولا بحقوق الناس : حافظ
وفا مجوى زكس ورخسن نمى شنوى ... بهره ز طالب سيمرغ وكيميا ميباش
وثامنها الخيانة فبدلها بالامانة بقوله { واوفوا الكيل اذا كلتم } الآية .
واختضر رجل فاذا هو يقول جبلين من نار جبلين من نار فسئل اهله عن عمله فقالوا كان له مكيالان يكيل باحدهما ويكتال بالآخر .
وعن ابن عباس رضى الله عنهما اتى رسول الله التجار فقال « يا معشر التجار ان الله باعثكم يوم القيامة فجارا الا من صدق ووصل وادى الامانة » وفى نوابغ الكلم الامين آمن والخائن خائن وهو من الحين بمعنى الهلاك ولله در القائل
امين مجوى ومكو باكسى امانت عشق ... درين زمانه مكر جبرائيل امين باشد(7/213)
وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)
{ ولا تقف } اى لا تتبع من قفا اثره يقفو نبعه ومنه سميت القافية قافية { ما ليس لك به علم } اى لا تكن فى اتباع ما لا علم لك به من قول او فعل كمن يتبع مسلكا لا يدرى انه يوصل الى مقصده .
قال الزمخشرى وقد استدل به مبطل الاجتهاد ولم يصح لان ذلك نوع من العلم فقد اقام الشرع غالب الظن مقام العلم وامر بالعمل به انتهى . يعنى ان لاعتقاد الراجح فى حكم الاعتقاد الجازم للاجماع على وجوب العمل بالشهادة والاجتهاد فى القبلة ونحو ذلك فلا دليل فى الآية على من منع اتباع الظن والعمل بالقياس كالظاهرية { ان السمع } [ بدرستى كه كوش } { والبصر } [ وجشم ] { والفؤاد } [ ودل ] { كل اولئك } اى كل واحد من هذه الجوارح فاجراها مجرى العقلاء لما كانت مسئولة عن احوالها شاهدة على اصحابها ركان عنه } عن نفسه وعما فعل به صاحبه { مسئولا } [ برسيده شده يعنى از ايشان خواهند برسيدكه صاحب شما باشما جه معامله كرده ازسمع سؤال كنند جه شنيدى وازجشم برسندكه جه ديدى وجرا ديدى وجرا ديدى واز دل برسندكه جه دانستى وجرا دانستى ] .
قال فى بحر العلوم اعم ان المراد بالنهى عن اتباع كل ما فيه جهل مما يتعلق بالسمع والبصر والقلب كأنه تعالى قال لا تسمع كل ما لا يجوز سماعه ولا تبصر كل ما لا يجوز ابصاره ولا تعزم على كل مالا يجوز لك العزم عليه لان كل واحد منها يسأله الله تعالى ويجازيه ولم يذكر اللسان مع انه من اعظمها لان السمع يدل عليه لان ما يكب الناس على مناخرهم فى نار جهنم الا حصائد ألسنتهم وتلك الحصائد من قبل المسموعات اللازمة للسمع .
وفى الآية دلالة على ان العبد مؤاخذ بعزمه على المعصية كما قال تعالى { ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } اى بما كسبت مما يدخل تحت الاختيار من خبائث اعمال القلب من حب الدنيا ومن الرياء والعجب والحسد والكبر والنفاق مثلا واما ما لا يدخل تحت الاختيار فلا يؤاخذ به الا ترى الى قوله عليه السلام « عفى عن امتى ما حدثت بها نفوسها »
قال فى الاشباءه والنظائر حديث النفس لا يؤاخذ به ما لم يتكلم او بعمل به كما فى حديث مسلم وحاصل ما قالوه ان الذى يقع فى النفس من قصد المعصية علىخمس مراتب الهاجس وهو ما يلقى فيها ثم جريانه فيها وهو الخاطر ثم حديث النفس وهو ما يقع فيها من التردد هل يفعل اولا ثم الهم وهو ترجيح قصد العمل ثم العزم وهو قوة ذلك القصد والجزم به فالهاجس لا يؤاخذ به اجماعا لانه ليس من فعله وانما هو شئ اورد عليه لا قدرة له على رده ولا صنع والخاطر الذى بعده كان قادرا على دفعه بصرف الهاجس اول وروده ولكن هو وما بعده من حديث النفس مرفوعان بالحديث الصحيح واذا ارتفع حديث النفس ارتفع ما قبله بالاولى .(7/214)
وقال بعض الكبار جميع الخواطر معفوة الا بمكة المكرمة ولهذا اختار عبد الله بن عباس رضى الله عنهما السكنى بالطائف احتياطا لنفسه ثم هذه الثلاث لو كانت فى الحسنات لم يكتب له بها اجر لعدم القصد واما الهم فقد بين فى الحديث الصحيح « ان الهم بالحسنة يكتب حسنة والهم بالسيئة لا يكتب عليه سيئة وينتظر فان تركها لله تعالى كتب حسنة وان فعلها كتب سيئة واحدة » والاصح فى معناه انه يكتب عليه الفعل وحده وهو معنى قوله واحدة وان الهم مرفوع واما العزم فالمحققون على انه يؤاخذ به ومنهم من جعله من الهم المرفوع .
وفى البزازية من كتاب الكراهية هم بمعصية لا يأثم ان لم بصمم عزمه عليه وان عزم يأثم اثم العزم لا اثم العمل بالجوارح الا ان يكون امرا يتم بمجرد العزم كالكفر .
واعلم ان قوله تعالى { ولا تقف ما ليس لك به علم } اشاه الى تاسع الخصال العشر وهو الظلم وهو وضع الشئ { السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا } فظلم السمع استعماله فى استماع الغيبة واللغو والرفث والهبتان والقذف والملاهى والفواحش وعدله استعماله فى استماع القرآن والاخبار والعلوم والحكم والمواعظ والنصحية والمعروف وقول الحق
كذركاه قرآن وبندست كوش ... به بهتان وباطل شنيدن مكوش
وظلم البصر النظر الى المرحمات والشهوات والى من فوقه فى دنياه والى من دونه فى دينه والى متاع الدنيا وزينتها وزخارفها وعدله النظر فى القرآن والعلوم والى وجه العلماء والصلحاء والى آثار رحمة الله كيف يحيى الارض بعد موتها والى الاشياء بنظر الاعتبار والى من دونه فى دنياه والى من فوقه فى دينه .
دوجشم از بى صنع بارى نكوست ... نه عيب برا در فروكيرو دوست
وقد ثبت عن على رضى الله عنه انه ما نظر الى عورته وسوأته منذ ما تعلق نظره الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بناء على ان الابصار الناظرة لوجهه عليه السلام لا يليق لها ان تنظر الى السوأة فاعتبر وتأدب . ونظيره ما قال عثمان رضى الله عنه ما كذبت منذ اسلمت وما مست فرجى باليمين منذ بايعت النبى عليه السلام ولا اكلت الكراث ونحوه منذ قرأت القرآن وظلم الفؤاد قبول الحقد والحسد والعداوة وحب الدنيا والتعلق بما سوى الله تعالى وعدله تصفيته عن هذه الاوصاف الذميمة وتحليته بتبديل هذه الصفات والتخلق باخلاق الله تعالى
بيا بى بيفشان از آيينه كرد ... كه صيقل نكيرد جو زنكار خورد(7/215)
وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37)
{ ولا تمش فى الارض } التقييد لزيادة التقرير { مرحا } ذا مرح فهو مصدر وقع موقع الحال بمعنى التكبر والتبختر .
قال الكاشفى [ مرحا رفتن خداوند تكبر يعنى مخرام جنانكه متكبران خرامند ] والمراد النهى عن المشى بالتكبر والتعظيم { انك لن تخرق الارض } لن تجعل فيها خرقا ونقبا بشدة وطأتك { ولن تبلغ الجبال طولا } بتطاولك فالمراد به هو الطول المتكلف الذى يتكلفه المختال وهو تهكم بالمتكبر وتعليل للنهى بان التكبر حماقة مجردة ولن ينال الانسان بكبره وتعظمه شيأ من الفائدة وهو اى الكبر عاشر الخصال العشر فان المشية بالخيلاء من الكبر فبدله بالتواضع بقوله { انك لن تخرق } الآية
زخاك آفريدت خداوند باك ... بس اى بنده افتادكى كن جوخاك
وفى الحديث « من تعظم فى نفسه واختال فى مشيته لقى الله وهو عليه غضبان »
وجود توشهريست برنيك وبد ... توسلطان ودستور دانا خرد
هما ن كه دونان كردن فراز ... درين شهر كبرست وسودا وآز
جو سلطان عنايت كند بابدان ... كجا ماند آسايش بخردان
وعن ابى هريرة انه قال ما رأيت شيأ احسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما الشمس تجرى فى وجهه وما رأيت احدا اسرع فى مشيه من رسول الله كأنما الارض تطوى له انا نجهد انفسنا وانه لغير مكترث .(7/216)
كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38)
{ كل ذلك } اشارة الى ما ذكر من الخصال الخمس والعشرين من قوله تعالى { لا تجعل مع الله الها آخر } هو نهى عن اعقتاد ان مع الله الها آخر وهو اولاها والثانية والثالثة قوله { وقضى ربك ان لا تعبدوا الا اياه } فهو امر بعبادة الله ونهى عن عبادة غيره والبواقى ظاهرة بعد الاوامر والنواهى { كان سيئه } يعنى المنهى عنه وهو اربع عشرة خصلة فان المأمور به حسن وهو احدى عشرة ثلاث مستترة وثمان ظاهرة كما فى بحر العلوم { عند ربك مكروها } المراد به المبغوض المقابل للمرضى لا ما يقابل المراد لقيام القاطع على ان الحوادث كلها واقعة بارادته تعالى . فاندفع تمسك المعتزلة بالآية على مذهبهم فى ان القبائح لا تتعلق بها الارادة والا لاجتمع الضدان الارداة والكراهة ووصف ذلك بمتعلق الكراهة مع ان البعض من الكبائر للايذان بان مجرد الكراهة عنده تعالى كافية فى جوب الانتهاء عن ذلك ولذا كان المكروه عند اهل التقوى كالحرام فى لزوم الاحتراز ومن لم يعرفه تعدى الى دائرة الباحية فتدبر وتحفظ وتأدب .(7/217)
ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39)
{ ذلك } اى الذى تقدم من التكاليف المفصلة { مما اوحى اليك ربك } اى بعض منه او من جنسه حال كونه { من الحكمة } التى هى علم الشرائع ومعرفة الحق لذاته وهو مقصود الحكمة النظرية وعمدتها والخير للعمل به وهى الحكمة العلمية او من الاحكام المحكمة التى لا يتطرق اليها النسخ والفساد { ولا تجعل مع الله الها آخر } الخطاب للرسول والمراد غيرة ممن يتصور منه صدور المنهى عنه وتكريريه للتنبيه بان التوحيد مبدأ الامر ومنتهاه فان من لا قصد له بطل عمله ومن قصده بفعله او تركه غيره ضاع سعيه وانه رأس كل حكمة وملاكها ومن عدمه لم ينفعه علومه وحكمه وان بدّ فيها اساطين الحكماء وحك بيافوخه عنان السماء وما اغنت عن الفلاسفة اسفار الحكم وهم عن دين الله اضل من النعم وقد رتب عليه ما هو عائدة الاشراك فى الدنيا حيث قيل { فتقعد مذموما مخذولا } ورتب عليه ههنا نتيجته فى العقبى فقيل { فتلقى فى جهنم ملوما } تلوم نفسك وتذمك وتلومك الناس والملائكة { مدحورا } مطرودا مبعدا من رحمة الله ومن كل خير وهو تمثيل فانه تعالى شبه من اشرك بالله استحقارا له بخشبة يأخذها آخذ فى كفه فيطرحها فى التنور فالتوحيد اصل الحسنات والشرك اصل السيآت .
قال اهل التحقيق ان كلمة لا اله الا الله اذا قالها الكافر تنفى ظلمة الكفر وتثبت فى قلبه نور التوحيد واذا قالها المؤمن تنفى عنه ظلمة النفس وتثبت فى قلبه نور الوحدانية وان من قالها فى كل يوم الف مرة فبكل مرة تنفى عنه شيأ لم تنفعه المرة الاولى ومقام العلم بالله لا ينتهى الى الابد قال تعالى { وقل ربى زدنى علما }
اى برادر بى نهايت دركهيست ... هركجا كه ميرسى بالله مأيست
قال يحيى بن معاذ رحمه الله ما طابت الدنيا الا بذكرك ولا الآخرة الا بعفوك ولا الجنة الا بلقائك وفى الحديث « الدنيا ملعونة ملعون ما فيها الا ذكر الله وما والاه وعالم او متعلم » والتوحيد اثبات الوحدة فاهله على الكمال من يفر من الكثرة الى الوحدة .
قال الشيخ ابو الحسن رحمه الله سمعت وصف ولىّ فى جبل فبت عند باب صومعته ليلة فسمعته يقول الهى ان بعض عبادك طلب منك تسخير الخلق فاعطيته مراده وانا اريد منك ان لا يحسنوا معاملتهم معى حتى لا التجئ الا الى حضرتك حققنا الله واياك بحقائق هذا المقام وشرفنا بالفرار كل لحظة الى جنابه العلام ومعنى الفرار ايثاره تعالى على ما سواه لان علو الهمة انما يظهر فيه - حكى - ان سلطانا كان يحب واحدا من وزرائه اكثر من غيره فحسدوه وطعنوا فيه فاراد السلطان ان يظهر حاله فى الحب فاضافهم فى دار مزينة بانواع الزينة ثم قال ليأخذ كل منكم ما اعجبه فى الدار فاخذ كل منهم ما اعجبه من الجواهر والمتاع واخذ الوزير المحسود السلطان وقال ما اعجبنى الا انت : قال الحافظ
كداى كوى توازهشت خلد مستغنيست ... اسير عشق توازهر دوكون ازادست
يعنى ان العاشق الصاق لا يختار الا المعشوق ويصير حرا عن هوى غيره على كل حال .(7/218)
أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40)
{ أفاصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة اناثا } خطاب للقائلين بان الملائكة بنات الله وكان المشركون يستنكفون من البنات فيختارون لانفسهم الذكور ومع ذلك ينسبون اليه تعالى الاناث فانكر الله ذلك منهم . والاصفاء بالشئ جعله خالصا والهمزة للانكار والفاء للعطف على مقدر يفسره المذكور وعبر عن البنات بالاناث اظهارار لجهة خساستهن لان الانوثة اخس اوصاف الحيوان . والمعنى افضلكم على جنابه فخصكم بافضل الاولاد على وجه الخلوص وآثر لذاته اخسها وادناها كما فى قوله تعالى { ألكم الذكر وله الانثى } اى هذا خلاف الحكمة وما عليه عقولكم وعادتكم فان العبيد لا يؤثرون بأجود الاشياء واصفاها من الشوب ويكون ارادها وادوتها للسادات .
قال الكاشفى [ ايا بركزيد شمارا برورد كار شما به بسران وفرا كرفت برى خودرا ازملائكه دختران اين خلاف آنست كه عادت شما ربان جارى شده كه ازدختران ننك ميداريد وبه بسران مى نازيد ] { انكم لتقولون } باضافة الولد اليه تعالى { قولا عظيما } لا يجترئ عليه احد حيث تجعلونه من قبيل الاجسام المجانسة السريعة الزوال ثم تضيفون اليه ما تكرهون من اخس الاولاد وتفضلون عليه انفسكم بالبنين ثم تصفون الملائكة الذين هم من اشرف الخلق بالانوثة التى هى اخس اوصاف الحيوان .
قال فى التأويلات النجمية قوله تعالى { أفاصفاكم } الآية يشير الى كمال ظلومية الانسان كمال جهوليته اما كمال ظلوميته فانهم ظنوا بالله سبحانه انه من جنس الحيوانات التى من خاصيتها التوالد واما كمال جهوليته فانهم لم يعلموا ان الحاجة الى التوالد لبقاء الجنس فان الله تعالى باق ابدى لا يحتاج الى التوالد لبقاء الجنس ولم يعلموا ان الله منزه عن الجنس وليست الملائكة من جنسه فانه خالق ازلى ابدى واما الملائكة فهم المخلوقون ومن كمال الظلومية والجهولية انهم حسبوا ان الله تعالى انما اصفاهم بالبنين واختار لنفسه البنات لجهله بشرف البنين على البنات فلهذا قال تعالى { انكم لتقولون قولا عظيما } اى قولا ينبئ عن عظيم امر ظلوميتكم وجهوليتكم .(7/219)
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (41)
{ ولقد صرفنا } هذا المعنى وكررناه وبيناه .
قال الكاشفى [ وبدرستى كردانيديم ومكرر ساختيم برآيت خودرا ازولد ] { فى هذا القرآن } على وجوه من التصريف فى مواضع من { ليذكروا } اى ليذكروا ما فيه ويقفوا على بطلان ما يقولونه { وما يزيدهم } اى والجال انه ما يزيدهم ذلك التصريف البالغ { الا نفورا } عن الحق واعراضا عنه .
قال الكاشفى [ مكر رميدن ازحق ودورشدن ] .(7/220)
قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42)
{ قل } فى اظهار بطلان ذلك من جهة اخرى { لو كان معه } تعالى { آلهة كما يقولون } اى المشركون قاطبة والكاف فى محل النصب على انها وقعت صفة لمصدر محذوف اى كونا مشابها لما يقولون والمراد بالمشابهة الموافقة والمطابقة { اذا } [ آنكاه ] { لابتغوا } اى طلبت تلك الآلهة { الى ذى العرش } [ بسوى خداوند عرش ] اى الى من له الملك والربوبية على الاطلاق { سبيلا } بالمغالبة والممانعة اى ليغالبوه ويقهروه ويدفعوا عن انفسهم العيب والعجز كما هو ديدن الملوك بعضهم مع بعض يشير الى ان الآلهة لا يخلوا امرهم من انهم كانوا اكبر منه او كانوا امثاله او كانوا ادون منه فان كانوا اكبر منه طلبوا طريقا الى ازعاج صاحب العرش ونزع الملك قهرا وغلبة ليكون لهم الملك لا له كما هو المعتاد من الملوك .
فالآية اشارة الى برهان التمانع على تصويرها قياسا استثنائيا استثنى فيه نقيض التالى وان كانوا امثاله لم يرضوا بان يكون الملك واحد مثلهم وهم جماعة معزولون عن الملك فايضا نازعوه فى الملك وان كانوا ادون منه فالناقص لا يصلح للالهية اذا لا بتغوا الى ذى العرش الكامل فى الالهية سبيلا للخدمة والعبودية والقربة فالآية اشارة الى قياس اقترانى تصويره لو فرض معه آلهة لتقربوا اليه بالطاعة وكل من تقربوا اليه بها لا تكونون آلهة فما فرض آلهة لا يكون آلهة فلو مستعمل لمجرد الشرط لا للامتناع والمراد بالالهة ما هو من اولى العلم كعيسى وعزير والملائكة كذا فى التأويلات النجمية مع مزج من حواشى سعدى المفتى .(7/221)
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43)
{ سبحانه } اى تنزه بذاته تنزها حقيقيا به { وتعالى } متباعدا { عما يقولون } من ان معه آلهة وان له بنات .
قال فى بحر العلوم هو تنزيه وتعجيب من قولهم اى ما ابعد من له الملك والربوبية وما اعلاه عما يقولون { علوا } واقع موقع تعاليا كقوله تعالى { والله انبتكم من الارض نباتا } اى انباتا { كبيرا } لا غاية وراءه كيف لا وانه سبحانه فى اقصى غايات الوجود وهو الوجوب الذاتى وما يقولون من ان له تعالى شركاء واولاد فى ابعد مراتب العدم اعنى الامتناع .
واعلم ان الله تعالى احد فى ذاته وواحد فى صفاته والشرك انما يجيئ من التوهم فكما ان للمشركين آلهة بحسب توهمهم فكذا لضعفاء المؤمنين بحسب جهلهم وغفلتهم كما قال الدينورى فى قوله تعالى { واجنبنى وبنى ان نعبد الاصنام } منهم من صنمه نفسه قال تعالى { أرأيت من اتخذ آلهه هواه } ومنهم من صنمه زوجته فى المحبة والاطاعة ومنهم نم صنمه تجارته بان اتكل عليها حتى ترك طاعة الله لاجلها - حكى - ان مالك بن دينار رحمه الله كان اذا قرأ فى الصلاة { اياك نعبد وإياك نستعين } غشى عليه فسئل فقال نقول اياك نعبد ونعبد انفسنا اى باطاعة الهوى ونقول اياك نستعين ونرجع الى ابواب غيره
اى تو بنده اين جهان محبوس جان ... جند كويى خويش را خواجه جهان
خدمت ديكر كنى هر صبح وشام ... وانكهى كويى كه من حق را غلام
بنده حق در درش باشد مقيم ... با خاوص واعتقاد مستقيم
فعلى العاقل ان يكرر ذكر التوحيد ويجدد العهد الذى بينه وبين ذى العرش المجيد فانه سبب المغفرة والترقى الى درجات الابرار والمقربين كما لا يخفى على ارباب اليقين .
وعن ابن عباس رضى الله عنهما لما خلق الله العرش وهو اعظم مخلوق اضطرب اربعة وعشرين الف عام فاظهر الله اربعة وعشرين حرفا وهو قوله ( لا اله الا الله محمد رسول الله ) فسكن اربعة وعشرين الف عام حتى خلق الله اول خلق وامره بالتوحيد فقال لا اله الا الله محمد رسول الله فاضطرب العرش فقال الله اسكن فقال كيف اسكن وانت لا تغفر لقائلها فقال تعالى اسكن فانى آليت على نفسى قبل ان خلقتك بالفى عام ان لا اجريها على لسان عبد الاغفرت له نسأل الله العفو والغفران .(7/222)
تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)
{ تسبح له السموات السبع والارض ومن فيهن } التسبيح تنزيه الحق وتبعيده عن نقائص الامكان والحدوث وتسبيح السموات والارض بلسان الحال الدال على وجود الخالق وقدرته وحكمته وتسبيح من فيهن من الملائكة والجن والانس بلسان القال الناطق بما يسمع منهم على ان المراد بالتسبيح معنى منتظم لما ينطق به لسان المقال ولسان الحال بطريق عموم المجاز وهو الاشتمال على ما يدل على التنزيه فانه مشترك بين اللفظ الدال عليه وبين مثل الحدوث والامكان الدال على تنزيه الله تعالى عن لوازم الامكان وتوابع الحدوث { وان } نافيةاى ما { من شئ } من الاشياء حيوانا كان او نباتا يدل على الصانع وقدرته وحكمته فانها تنطق بذلك .
قال الكاشفى [ تنزيه ميكند اورا ازسمات نقصان وستايش مينمايد بصفات كمال ] { الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم } الفقه عبارة عن فهم غرض المتكلم من كلامه اى لا تفهمون ايها المشركون لا خلا لكم بالنظر الصحيح الذى به يفهم التسبيح وهم وان كانوا اذا سئلوا عن خالق السموات والارض قالوا الله الا انهم لما جعلوا معه آلهة مع اقرارهم فكأنهم لم ينظروا ولم يقروا لان نتيجة النظر الصحيح والاقرار الثابت خلاف ما كانوا عليه فاذن لم يفهموا التسبيح ولم يستوضحوا الدلالة على الخالق { انه كان حليما } ولذلك لم يعاجلكم بالعقوبة مع انتم عليه من الاعراض عن التدبر فى الدلائل والانهماك فى الاشراك . والحلم تأخير مكافأة الظالم بالنسبة الى الخالق والطمأنينة عند سورة الغضب بالنسبة الى المخلوق { غفورا } لمن تاب منكم ورجع الى التوحيد هذا ما عليه الزمخشرى والبيضاوى وابو السعود ومن يلهيهم من اهل الظاهر وهم الذين لهم عين واحد وسمع واحد .
وقال الشيخ على السمرقندى قدس سره فى بحر العلوم ذهب السلف الصالح الى ان التسبيح فى الآية فى المحلين محمول على حقيقته وهو الاصح فانه ان كان كلام الجماد مسلما فينبغى ان يكون تسبيحه ايضا مسلما .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « انى لاعرف حجرا بمكة كان يسلم علىّ قبل ان بعث انى لاعرفه الآن »
وعن ابن مسعود رضى الله عنه ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل على ان شهادة الجوارح والجلود مما نطق به القرآن الكريم .
وقال ابن عباس رضى الله عنهما فى قوله تعالى { انا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والاشراق } كان داود اذا سبح جاوبته الجبال بالتسبيح .
وقال مجاهد كل الاشياء تسبح الله حيا كان او جمادا وتسبيحها ( سبحان الله وبحمد )
وعن المقداد بن معدى كرب ان التراب يسبح ما لم يبتل والخرزة جديدا فاذا اتسخ ترك التسبيح والوحش والطير اذا صاحت فاذا سكتت تركت التسبيح وفى الحديث(7/223)
« ما اصطيد حوت فى البحر ولا طائر يطير الا بما يضيع من تسبيح الله » كما فى تفسير المدارك . وقال النخعى كل شئ من جماد وحى يسبح بحمده حتى صرير الباب ونقيض السفق . وقال عكرمة الشجرة تسبح والاسطوانة لا تسبح والشجر او النبات اذا قطع يسبح ما دام رطبا .
قال فى الكواشى وهذا ممكن عقلا وقدرة . وذكر فى جنائز الخلاصة يكره قطع الحطب والحشيش الرطب من القبر من غير حاجة اى لانه يسبح . وفى الملتقط مقبرة قديمة لم يبق من آثارها شئ ليس للناس ان ينتفعوا بها ولا بالبناء فيها ولا بارسال الدابة فى حشيشها .
قال فى فتح القريب الميجب اذا حصلت البركة بتسبيح الجماد فالقرآن الذى هو اشرف الاذكار اولى بحصول البركة ولا سيما اذا كان من رجل صالح ولهذا استحب العلماء قراءة القرآن عند القبر . وهل يغرس الريحان او الجرير على باب منزل القبر او على قافية الحد . الجواب انه ورد فى الحديث مطلقا فيحصل المقصود بأى موضع غرس فى القبر . وكان عليه السلام يخطب مستندا الى جذع فصنع رجل منبرا ثلاث درجات واراد النبى عليه السلام ان يقوم على المنبر فحنّ الجذع فرجع النبى عليه السلام اليه ووضع يده عليه وقال « اختر ان اغرسك فى المكان الذى كنت وتكون كما كنت وان شئت اغرسك فى الجنة فتشرب من انهارها وعيونها فيحسن نبتك وتثمر فيأكل اولياء الله من ثمرك » فاختار الجنة والدار الآخرة على الدنيا فلما قبض النبى عليه السلام رفع الى مكان ففنى واكلته الارضة وقيل دفن كما قال فى المثنوى
استن حنانه از هجر رسول ... ناله مى زد همجو ارباب عقو
كفت بيغمبر جه خواهى اى ستون ... كفت جانم ازفراقت كشت خون
مسندت من بودم از من تاختى ... بر سر منبر تو مسند ساختى
كفت خواهيكه ترا نخلى كنند ... شرقى وغربى ز تو ميوه جنند
يا دراآن عالم ترا سروى كند ... تا ترو تازه بمانى بى كزند
كفت آن خواهم كه دائم شد بقاش ... بشنوا اى غافل كم ازجوبى مباش
آن ستون را دفن كرد اندر زمين ... تا جو مردم حشر كردد يوم دين
آنكه اورا نبود از اسرار داد ... كى كند تصديق او ناله جماد
ابى ذر رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس فى مكان معه ابو بكر وعمرو وعثمان رضى الله عنهم فتناول النبى عليه السلام سبع حصيات فوضعهن فى كفه فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل ثم وضعهن فخرسن ثم تناولهن فوضعهن فى يد ابى بكر فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل ثم وضعهن فى يد عمر ثم فى يد عثمان فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل .(7/224)
وكذر عبد الله القرطبى ان داود عليه السلام قال لاسبحن الله تعالى هذه الليلة تسبيحا ما سبحه به احد من خلقه فنادته ضفدع من ساقية فى داره أتفخر على الله بتسبيحك وان لى سبعين سنة ما جف لسانى من ذكر الله وان لى عشر ليال ما طعمت ولا شربت اشتغالا بكلمتين فقال وما هما قالت ( يا مسبحا بكل لسان ويا مذكورا بكل مكان ) فقال داود لنفسه وما عسى ان اقول ابلغ من هذا .
وذكر الشيخ ابو عمر وفى سبب توبته انى كنت ليلة على ظهرى متوجها الى السماء فرأيت خمس حمامات . احداهن تقول سبحان من عنده خزائن كل شئ وما ينزله الا بقدر معلوم . والثانية تقول سبحان من اعطى كل شئ خلقه ثم هدى . والثالثة تقول سبحان من بعث الانبياء حجة على خلقه ويفضل عليهم محمدا صلى الله عليه وسلم . والرابعة تقول كل ما فى الدنيا باطل الا ما كان لله ولرسوله والخامسة تقول يا اهل الغفلة قوموا الى ربكم رب كريم يعطى الجزيل ويغفر الذنب العظيم فلما سمعت ذلك ذهبت عنى فلما جئت الىّ وجدت قلبى خاليا عن حب الدنيا فلما اصبحت سلكت طريقا بنية ان اسلم نفسى الى مرشد فلقيت شيخا ذا هيبة ووقار فبعد التسليم اقسمت بالله ان يخبرنى من هو فقال انا الخضر وقد كنت عند الشيخ عبد القادر وهو سيد العارفين فى الوقت فقال لى يا ابا العباس ان رجلا اصابه جذبة الهية ونودى من فوق السماء مرحبابك عبدى وعاهد الله على ان يسلم نفسه الى شيخ فئتنى به ثم قال لى الخضر فعليك بملازمته ثم وجدت نفسى ببغداد فلقيت الشيخ عبد القادر فقال لى مرحبا بمن جذبه مولاه بألسنة الطير وجمع له كثير من الخير وبالجملة فالتسبيح غير ممتنع من الجمادات بل هو كائن من الكائنات لا ينكره الا منكر خوارق العادات [ درفتوحات مذ كوراست كه اكر مراد ازين تسبيح آنست كه ايشان بلسان الحال كويند بس درايراد ولكن لا تفقهون تسبيحهم فائدة نباشد ] يعنى ان قوله ولكن الخ يحقق ان المراد هو حقيقة التسبيح لا الدلالة على وحدانيته فالخطاب عند اهل الحقيقة فى قوله لا تفقهون عام للمسلمين والمشركين اى لا تسمعون فلا تفقهون تسبيحهم لانه ليس المقصود سماع اللفظ مجردا بل التدبر فيه ليدرك ما ادى اللافظ فيسبح كما سبحه .
قال فى الكواشى { ولكن لا تفقهون تسبيحهم } لانه ليس بلغتكم ويجوز ان يفهم تعالى بعض عباده تسبيح بعض الجمادات والعجماوات كدواد وسليمان عليهما السلام .
يقول الفقير هذا التعليل غير مناسب لعموم الآية لان لغات ماله اصوات مخلتقة لا تفقه وان كانت مسموعة ومن الاشياء ما ليس له صوت مسموع وقد اثبت له ايضا تسبيح فافقه [ سلمى از ابو عثمان مغربى قدس سرهما نقل ميكندكه تمام مكونات باختلاف لغات تسبيح الهى ميكويند اما آنر انشنود وفهم نكند مكر عالم ربانى كه كوش دل او كشاده بود ] ونعم ما قال(7/225)
بذكرش هرجه بينى درخروشست ... دلى داند درين معنى كه كوشست
نه بلبل بركلش تسبيح خوانست ... كه هر خارى بتسبيحش زبانست
وفى الخصائص الصغرى وخص عليه السلام بتسليم الحجر وبكلام الشجر وبشهادتها له صلى الله عليه وسلم بالنبوة واجابتها دعوته .
قال السهيلى يحتمل ان يكون نطق الحجر كلاما مقرونا بحياة وعلم ويحتمل ان يكون صوتا مجردا غير مقترن بحياة .
وقال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر اكثر العقلاء بل كلهم يقولون ان الجمادات لا عقل فوقفوا عند بصرهم والامر عندنا ليس كذلك فاذا جاءهم عن نبى او ولى ان حجرا كلمه مثلا يقولون خلق الله فيه العلم والحياة فى ذلك الوقت والامر عندنا كذلك بل سر الحياة سار فى جميع العالم وقد ورد ان كل شئ سمع صوت المؤذن من رطب ويابس يشهد له ولا يشهد الا من علم وفد اخذ الله بابصار الانس والجن عن ادراك حياة الجماد الا من شاء الله كنحن واضرابنا فانا لا نحتاج الى دليل فى ذلك لكون الحق سبحانه قد كشف لنا عن حياتها عينا واسمعنا تسبيحها ونطقها وكذلك اندكاك الجبل لما وقع التجلى انما كان ذلك منه لمعرفته بعظمة الله تعالى ولولا ما عنده من العظمة لما تد كدك [ ودرباب ثانى عشر از سفر ثانى فتوحات فرموده كه ما بكوش خودشنيديم كه سنكى بزبان قال ذكر ملك متعال كفت وباما خطاب كرد جون مخاطبه عارفان وسخنان آرا نموده كه هر آدمى آنرا درنيابد ] .
وقال فى كتاب الطريقة له اذا رأيت هؤلاء العوالم مشتغلين بالذكر الذى انت عليه فكشفك خيالى غي صحيح وانما ذلك خيالك اقيم لك فى الموجودات واذا شهدت فى هؤلاء تنوعات الاذكار فهو الكشف الصحيح .
قال بعض الكبار كل معلوم حى لانه يعطى العلم للعالم فكما ان نور الشمس ينور كل من يراه فكذلك الحى لذاته يحيى به كل من يراه فكل شئ به حى فالاشجار والجمادات لهن حياة عند ارباب الكشف وكلام يسمعه من كان له قلب او القى السمع وهو شهيد .
قال حضرة الشيخ افتاده قدس سره ان السالك يسمع حركات الافلاك فى اثناء سلوكه وذلك بقوة رياضية وقال خليفته حضرة الهدائى قدس سره خرجت للوضوء وقت التهجد فسمعت الماء الجارى يقول بهذا الوزن يا دائم يا دائم يا دائم يا دائم ونظائره كثيرة لا تحصى .
يقول الفقير دعا حضرة شيخى وسندى روح الله روحه بعض الصوفية للافطار وكان وقتئذ لا يفطر الا على الماء والخبر .(7/226)
ثم لا يأكل الا عشية الغد فقال هذا الخبز له روح حقانى فظاهره يرجع الى الجسد وروحه يرجع الى الروح فيتقوى به الجسم الروح جميعا ولكل موجود روح اما حيوانى او حقانى فجسد الميت له روح حقانى اى غير روحه الذى فارقه ألا ترى ان الله تعالى لو انطقه لنطق فنطقه بانطاق الله تعالى انما هو لان له روحا حقانيا وقد جاء ان كل شئ يسبح بحمده وما هو الا يكون المسبح ذا روح ولو كان حجرا او شجرا او غير ذلك : وفى المثنوى
جون شماسوى جمادى مى رويد ... محرم جان جمادان جون شويد
از جمادى عالم جانها رويد ... غلغل اجزى عالم بشنويد
فاش تسبيح جمادات آيدت ... وسوسه تأويلها نر بايدت
جون ندارد جان تو قنديلها ... بهر بينش كرده تأويلها
كه غرض تأويل ظاهر كى بود ... دعوى ديدن حيال وغى بود
بلكه هر بيننده را ديدار آن ... وقت عبرت ميكند تسبيح خوان
بس جواز تسبيح يادت مى دهد ... آن دلالت همجو كفتن مى بود
اين بود تأويل اهل اعتزال ... واى آنكس كوندارد نورحال
جون زحس بيرون نيامد آدمى ... باشد ازتصوير غيبى اعجمى
وفى التأويلات النجيمة { يسبح له السموات السبع والارض ومن فيهن } اى ينزهه عما يقولون من كل نقيصة ذرات المكونات واجزاء المخلوقات فمن له روح فبلسانه ولغته وهذا مما يفقه العقلاء واما الجمادات فبلسان الملكوتى كما قال { وان من شئ لا يسبح بحمد } اى حميد على نعمة الايجاد والتربية { ولكن لا تفقهون تسبيحهم } لانه ليس من جنس تسبيحكم .
واعلم ان الله اثبت لكل ذرة من ذرات الموجودات ملكوتا بقوله { فسبحان الذى بيده ملكوت كل شئ } والمكوت باطن الكون وهو الآخرة والآخرة حيوان لا جماد لقوله تعالى { وان الدار الآخرة لهى الحيوان } فثبت بهذا الدليل ان لكل ذرة من ذرات الموجودات لسانا ملكوتيا ناطقا بالتسبيح والحمد تنزيهاه لصانعه وبارئه وحمدا له على ما اولاه من نعمه وبهذا اللسان نطق الحسى فى يد النبى صلى الله عليه وسلم وبهذا تنطق الارض يوم القيامة كما قال { يومئذ تحدث اخبارها } وبهذا اللسان تشهد اجزاء الاننسان وابعاضه يوم القيامة ويقولون انطقنا الله الذى انطق كل شئ وبهذا اللسان نطق السموات والارض حين { قالتا اتينا طائعين } فافهم جدا واغتنم { انه كان حليما } فى الازل اذا خرج من العدم من يتولد منه ان يتخذ مع الله آلهة اخرى { غفورا } لمن تاب عن مثل هذه المقالات انتهى .
وقال القاشانى اعلم ان لكل شئ خاصية لا يشاركه فيها غيره وكمالا يخصه دون ما عداه يشتاقه ويطلبه اذ لم يكن حاصلا ويحفظه ويحبه اذا حصل فهو باظهار خاصيته وتوحده فى تلك الخاصية ينزهه تعالى عن الشريك فكانه يقول بلسان الحال اوحده على ما وحدنى والا لم يكن متفردا بها من وحدا فيها وبطلب كماله بنزهه عن صفات النقص كأنه يقول يا كامل كملنى وباظهار كماله يحمده ويقول احمده على ما كملنى حتى ان الحيوان فى طلب الرزق يقول يا رزاق ارزقنى وبوجود الرزق يقول احمده على ما رزقنى وباشفاقه على ولده يقول ارأفنى الرؤف وارحمنى الرحيم فالسموات السبع تسبحه وتنزهه على العجز والفناء وتحمده بالمديمومية والعلو والتأثير والقدرة والبقاء والملك والربوبية وبان كل يوم هو فى شأن والارض بالدوام والثبات والخلاقية والرازقية وقبول الطاعة وامثال ذلك والملائكة بالحياة والعلم والقدرة والمجردات منهم بالنزه عن التعلق بالماد والوجوب مع جميع ما ذكر منهم مع كونهم مسبحين اياه مقدسين له حامدين فان كل ما يحمده بصفة كمالية ينزهه ويسبحه بمقابلها وكل مسبح عن نقصان يحمده بكمال يقابله فهم يسبحونه فى عين التحميد ويحمدونه فى عين التسبيح ولكون لا تفقهون تسبيحهم لقلة النظر والفكر فى ملكوت الاشياء وعدم الاصغاء اليهم للغفلة وانما يفقه من كان له قلب منور بنور التوحيد الاشياء لانه لى عالمه انه كان حليما لا يعاجلكم بعقوبة ترك التسبيح فى طلب كمالاتكم واظهار خوافيكم التى منها فهم تسبيح الاشياء وتوحيده كما وحدوه غفورا يغفر غفلاتكم واهمالكم انتهى كلامه مع بعض تغييرات وزيادة والله الهادى الى طريق حقيقة التسبيح والتوحيد لكل سالك مريد .(7/227)
وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45)
{ واذا قرأت القرآن } [ وجون مى خوانى قرآنرا ] { وجعلنا بينك } [ مى سازيم ومى آريم ميان تو } { وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة } وهم كفار قريش وكانوا منكرى البعث { حجابا } يحجبهم من ان يدركوك على ما انت عليه من النبوة ويفهمون قدرك الجليل ولذلك اجبترأوا على ان يقولوا ان تتبعون الا رجلا مسحورا { مستورا } عن الحس بمعنى غير حسى مشاهد فمستور علىموضعه او ذا ستر فصيغة مفعول للنسبة كقولهم سيل مفعهم اى ذو افعام من افعمت الاناء اى ملأته هذا ما ذهب اليه المولى ابو السعود رحمه الله فى هذه الآية .
وقال فى الكواشى كان المشركون يؤذون النبى صلى الله عليه وسلم مصليا وجاءت ام لهب بحجر لترضخحه فزل انتهى فيكون معنى قوله واذا قرأت القرآن واذا صليت عبر عن الصلاة بالقرآن لاشمالها عليه كما عبر عن الخطبة به على بعض الاقوال فى قوله تعالى { واذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا } الآية فيلزم ان تحمل الآية علىخصوص المادة فهم اذا لم يروا الحجاب فلا يرون المحتجب به فيسلم من اذاهم ولم يكن كذلك دائما كما يدل عليه القوطع .
وقال سعدى المفتى لعل الاولى ان يحمل على ما روى انها نزلت فى ابى سفيان والنضير وابى جهل وام جميل امرأة ابى لهب كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قرأ القرآن فحجب الله ابصارهم اذا قرأ وكانوا يمرون به ولا يرونه انتهى .
وهو ذهول عما بعد الآية من قوله تعالى { نحن اعلم بما يستمعون به } كما يأتى مع ما فيه من الرواية وهو اللائح بالضمير فى هذا المقام الخطير .
وفى الآية اشارة الى ان من قرأ القرآن حق قراءته ارتقى الى اعلى مراتب القرب كما جاء فى الاثر ( ان عدد آى القرآن على عدد درج الجنة فمن استوفى جميع آى القرآن استولى على اقصى درج الجنة ) واستيفاء جميع آى القرآن فى الحقيقة هو التخلق باخلاق القرآن فالقرآن من اخلاق الله وصفاته والمتخلق باخلاقه يكون متخلقا باخلاق الله وهذا يكون بعد العبور عن الحجب الظمانية والنورانية تمكنا فى مقعد صدق عند مليك مقتدر فهو الذى جعل بينه وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ولم يقل ساترا لان الحجاب يستر الواصل عن المنقطع ولا يستر المنقطع عن الواصل فيكون الواصل بالحجاب مستورا عن المنقطع كافى التأويلات النجمية .
وفيه اشارة ايضا الى ان من تحصن بكتابه فهو فى حصن حصين والمضيع لوقته من تحصن بعلمه او بنفسه فيكون هلاكه فى موضع امته
هركه او بييرون شد ازحصن خدا ... جان او آخر شد از جسمش جدا
مرد حق بين كى كندتكيه بغير ... هر قضا جون از خدا آيد بسير(7/228)
وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46)
{ وجعلنا على قلوبهم اكنة } اغطية كثيرة جمع كنان وهو الغطاء { ان يفقهوه } مفعول له اى كراهة ان يفهموا القرآن على كنهه ويعرفون انه من عند الله تعالى وهو على رأى الكوفيين ولا يرضاه البصريون لقلة حذف لا بالنسبة الى حذف المضاف وهذا تمثيل لتجافى قلوبهم عن الحق ونبوها عن قبوله واعتقاده كأنها فى غلف واغطية تحول بينهما وبينه وتمنع من نفوذه فيها كما فى بحر العلوم .
يقول الفقير ذلك التجافى والنبو انما هو من تراكم الحجب المعنوية على القلب والفطرة الاصلية وان كانت مقتضيته للفقه والادراك والخروج الى نور العلم لكن ظلمة تلك الحجب مانعة عن ذلك فالكلام وان كان واردا فى صورة التمثيل لكنه على حقيقته فى نفس الامر { وفى آذانهم وقرا } صمما ونقلا مانعا عن سماعه اللائق به وهو تمثيل لمج اسماعهم للحق ونبوها عن الاصغاء اليه كأن بها صمما يمنع عن سماعه ولما كان القرآن معجزا من حيث اللفظ والمعنى اثبت لمنكريه ما يمنع عن فهم المعنى حق فهمه وادراك اللفظ حق ادراكه { واذا ذكرت ربك فى القرآن وحده } اى وادا غير مشفوع به آلهتهم اى اذا قلت لا اله الا الله وهو مصدر توقع موقع الحال اصله تحده وحده بمعنى واحدا وحده اى منفردا فحذف الفعل الذى هو الحال واقيم المصدر مقامه { ولوا على ادبارهم } [ باز كردند كافران بربشتهاى خود ] اى هربوا ونفروا { نفورا } هو مصدر كالقعود او جمع نافر اى اعرضوا ورجعوا حال كونهم هربوا ونفروا { نفورا } هو مصدر كالقعود او جمع نافر اى اعرضوا ورجعوا حال كونهم نافرين والنفور { برميدن ] كما فى التهذيب .(7/229)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47)
{ نحن اعلم بما يستمعون } ملتبسين { به } من اللغو والاستخفاف والهزؤ بك وبالقرآن فمحل به حال كما تقول يستمعون بالهزؤ اى هازئين فالباء للملابسة ويجوز ان تكون للسببية اى بسببه ولاجله - ويروى - انه كان يقوم عن يمينه صلى الله عليه وسلم اذا قرأ رجلان من عبد الدار وعن يساره رجلان فيصفقون ويصفرون ويخلطون عليه بالاشعار { اذ يستمعون اليك } ظرف لا علم وفائدته تأكيد الوعيد بالاخبار بانه كما يقع الاستماع المزبور منهم يتعلق تعلقه بما به الاستماع بل بما به التناجى المدلول عليه بسياق النظم . والمعنى نحن اعلم بالذى يستمعون ملتبسين به مما لا خير فيه من الامور المذكورة وبالذى يتناجون به فيما بينهم ونجوى مرفوع على الخبر بتقدير المضاف اى ذووا نجوى { اذ يقول الظالمون } بدل من اذهم ووضع الظالمون موضع المضمر للدلالة على ان هذا القول منهم ظلم وتجاوز عن الحد .
وفيه دليل على ان ما يتناجون غير ما يستمعون به اى يقول كل منهم للآخرين عند تناجيهم { ان تتبعون } اى ما تتبعون ان وجد منكم الاتباع فرضا { الا رجلا مسحورا } اى سحر فجنّ فمن ظلمهم وضعوا اسم المسحور موضع المبعوث .(7/230)
انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48)
{ انظر كيف ضربوا لك الامثال } اى مثلوك بالشاعر والساحر والمجنون .
قال الكاشفى [ بزدند برى تومثلها وترا توصيف كردند بمجنون وساحر وكاهن وشاعر ] { فضلوا } فى جميع ذلك عن منهاج المحاجة { فلا يستطيعون سبيلا } الى طعن يمكن ان يقبله احد فيتهافتون ويخطون كالمتحير فى امر لا يدرى ما يصنع ويأتون بما لا يرتاب فى بطلانه احد او فضلوا عن الحق والرشاد فلا يستطيعون سبيلا اليه لانهم بالغوا فى الضلالة والانكار وكانوا مستمعين بالهوى فيستمعون الاساطير والسحير والشعر ولو استعموا بالله لاستمعوا كلام الله وصفاته ولانحراف مزاجهم وحصول المرض فى قلوبهم كانوا يتنفرون عند استماع ذكر الواحد الاحد بالوحدانية والواحدة ولا يجدون حلاوة التوحد بل يجدون منه المرارة لسوء المزاج . ومن هذا القبيل اكباب اهل الهوى فى كل عصر على استماع القصص والاساطير معرضين عن كلام الله الملك العلى الكبير بل واكثرهم لا يريد الا المحادثة الدنيوية والمذاكرة العرفية والتعدى الى اعراض الناس والاتباع الى ما يوسوس به الوسواس الخناس والقدح فى شان اهل الحق الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر .
وقد ورد فى التوراة انه تعالى قال . يا عبدى أما تستحيى منى اذا يأتيك كتاب من بعض اخوانك وانت فى الطريق تمشى فتعدل عن الطريق وتقعد لأجله وتقرأه وتتدبره حرفا حرفا حتى لا يفوتك منه شئ وهذا كتابى انزلته اليك انظرهكم فصلت لك فيه من القول وكم كررت فيه عليك لتتأمل طوله وعرضه ثم انت معرض عنه أو كنت اهون عليك من بعض اخوانك . يا عبدى يقعد اليك بعض اخوانك فتقبل عليه بكل وجهك وتصغى الى حديثه بكل قلبك فان تكلم متكلم او شغلك بقلبك عنى أفجعلتنى اهون عندك من بعض اخوانك كذا فى الاحياء
هركه تعظيم حق كند دائم شود از دل بامراو قائم(7/231)
وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49)
{ وقالوا } اى الكفرة المنكرون للبعث من اهل مكة نسوا بداية خلقهم انهم خلقوا من تراب بل انهم خلقوا من لا شئ كقوله تعالى { خلقتك ولم تك شيأ } فقالوا على سبيل الانكار والاستبعاد رائذا كنا } [ آيا آنهنكام كه سويم ما بعد ازمرك بمرور زمان ] { عظاما } [ استخوانها ] { ورفاتا } هو ما بولغ فى دقه وتفتيته { ائنا لمبعوثون } [ آيابر انكيخته شد كان شويم ] { خلقا جديدا } نصب على المصدر من غير لفظه او على الحالية على ان الخلق بمعنى المخلوق . قوله اذا متمحضة للظرفية وهو الاظهر والعامل فيها ما دل عليه مبعوثون لا نفسه لان ما بعد ان والهمزة واللام لا يعمل فيما قبلها وهو نبعث او نعاد وهو المرجع للانكار اى حياتنا بعد الموت محال منكر لما بين غضاضة الحى ويبوسة الرميم من التنافى وتقييده بالوقت المذكور ليس لتخصيص به فانهم فمنكرون للاحياء بعد الموت وان كان البدن على حاله بل لتقوية الانكار للبعث بتوجيهه اليه فى حالة منافيه له .(7/232)
قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50)
{ قل } جوابا لهم { كونوا حجارة } [ سنك ] { او حديدا } [ يا آهن } .(7/233)
أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51)
{ او خلقا مما يكبر فى صدوركم } يعظم عندكم من قبول الحياة لكونه ابعد شئ منها فانكم مبعوثون ومعادون لا محالة اى فان قدرته تعالى لا تقصر عن احيائكم لاشتراك الاجسام فى قبول الاعراض فكيف اذا كنتم عظاما مرفوته وقد كانت غضة موصوفة بالحياة قبل والشئ اقبل لما عهد فيه مما لم يعهد والامر وارد على التمثيل يعنى فى المثل [ كرديد بتن خود سنك يا آهن ] كما فى تفسير الكاشفى .
وقال فى الكواشى هو امر تعجيز وتوبيخ لا امر الزام .
وقال فى بحر العلوم ليس الامر ههنا على حقيقته بل على المجاز لان المقصود اهانتهم وقلة المبالاة بهم لا طلب كونه حجارة او حديدا لعدم قدرتهم على ذلك وما يكبر فى صدورهم السموات والجبال والجمهور على انه الموت اذ ليس فى النفس شئ اكبر من الموت اى لو كنتم الموت بعينه لأميتكم ولأبعثكم { فسيقولون } [ بس زود باشدكه كويند ] { من } [ كيست كه ] { يعيدنا } يبعثنا بعد الموت . يعنى [ زنده سازد مارا بس ازمرك ] وقد نسوا مبدئهم فلزمهم نسيان معبدهم { قل الذى فطركم } اى يعيدكم القادر العظيم الذى اخترعكم وانشأكم { اول مرة } من غير مثال وكنتم ترابا ما شم رائحة الحياة فهو المبدئ والمعيد .
يعنى [ بس آنكه خاك را تواند جان داد در بدايت هم خاك را زنده تواند ساخت درنهايت ] { فيسنغضون اليك رؤسهم } انغض حرك اى سيحرّ كونها نحوك تجبا وانكارا { ويقولون } استهزاء { متى هو } اى ما ذكرت من الاعادة فهو سؤال عن قوت البعث بعد تعيين الباعث { قل } لهم { عسى ان يكون } ذلك { قريبا } فان كل آت قريب او لانه مضى اكثر الزمان وبقى اقله .
قال فى بحر العلوم اى هو قريب لان عسى فى الاصل للطمع والاشفاق من الله تعالى واجب يعنى انه قرب وقته فقد قرب ما يكون فيه من الحساب والعقاب .(7/234)
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52)
{ يوم يدعوكم } من الاجداث كما دعاكم من العدم { فتستجيبون } منها استجابة الاحياء اى اذكروا يوم يبعثكم فتنبعثون وقد استعير لهما لادعاء والاجابة ايذانا بكمال سهولة التأتى .
وقال ابو حيان والظاهر ان الدعاء حقيقة اى يدعوكم بالنداء الذى يسمعكم وهو النفخة الاخيرة كما قال { يوم ينادى المناد من مكان قريب } ومعنى فتستجيبون توافقون الداعى فيما دعاكم اليه كما قال الكاشفى [ بخواند شمارا اسرافيل در نفخه اخيره بجهت قيام ازقبور بس شما اجابت كنيد اسرافيل را ] .
وقال بعضهم المقصود منها الاحضار للمحاسبة والجزاء .
يقول الفقير لا يخفى ان الدعوة متعددة فدعاء البعث والنشر ودعاء الحشر كما قال تعالى { مهطعين الى الداع } اى مسرعين ودعاء الكتاب كما قال تعالى { وترى كل امة جاثة كل امة تدعى الى كتابها اليوم } والمراد فى هذا المقام هو الدعوة الاولى لان الكلام فى البعث { بحمده } حال من فاعل تستجيبون اى حامدين لله تعالى على قدرته على البعث كما قال سعيد ابن جبير انهم ينفضون التراب عن رؤسهم ويقولون سبحانك اللهم وبحمدك فيقدسونه ويحمدونه حين لا ينفعهم ذلك .
وفى الكواشى بحمده اى بارادته وامره كما قال الكاشفى [ در تفسير بصائر حمد را بمعنى امر داشت جنانجه درآيت فسبح بحمد برك باى وصل بامره بس معنى آيت جنين بودكه خدى شمارا بخواند بامر او واجابت كنيد اورا ] { وتظنون } عند ما ترون من الامور الهائلة { ان لبثتم } اى ما لبثتم فى القبور او فى الدنيا { الا قليلا } بالنسبة الى لبثكم بعد الحياء الى البد .
فان قيل كل احد يستقصر مدة حياته فى الدنيا ولو عمر اطول الاعمار .
قلنا ذلك الاستقصار مع العلم بمدة العمر ليطول امله وفى القيامة يذهل عن تلك المدة لشدة الهول .
قال الكاشفى [ يعنى زندكى خودرا دردنيا اندك شمريد نسبت بأن يس بايدكه خردمند آكاه نيز حيات دنيارا درجنب زندكى عقبى اندك شمرد واين اندك فانى را دركار آن بسيار باقى صرف كند تادران روز بعذا حسرت وندامت درنماند ] .
قال الشيخ سعدى قدس سره
بدنيى توانى كه عقبى خرى ... بخرجان من ورنه حسرت خورى
كسى طوى دولت زدنيا ببرد ... كه باخود نصيبى بعقبى ببرد
فلا بد من الاستعداد ليوم القيامة بالاعمال الصالحة والاجتناب عن المعاصى فانه عما قريب يصير العلم عينا .
واعلم انك اذا مت فقد قامت قيامتك لان الانسان اذا مات فقد عاين امر القيامة لانه يرى الجنة والنار والملائكة ولا يقدر على عمل من الاعمال فصار بمنزلة من حضر يوم القيامة فختم على عمله بالموت فيقوم يوم القيامة على ما ما تعليه فطوبى لمن كان خاتمته بخير .
قال ابو بكر الواسطى رحمه الله الدولة ثلاث .(7/235)
دولة فى الحياة وهى ان يعيش فى طاعة الله تعالى . ودولة عند الموت وهى ان تخرج روحه بشهادة ان لا اله الا الله . ودولة يوم القيامة وهو ان يأتيه البشير بالجنة حين يخرج من قبره ولا ريب فى ان العاصى ومنكر البعث يأتيه النذير بالنار فلا بد من الطاعة والاقرار فان الله تعالى يحيى الارض بعد موتها وهو دليل على النشور : وفى المثنوى
خاك ونطفه را ومضغه را ... بيش جشم ما همى دارد خدا
كز كجا آوردمت اى بدنيت ... كه ازان آيد همى خفر بقيت
توبدان عاشق بدى در دورآن ... منكر اين فضل بودى آن زمان
اين كرم جون دفع آن انكارتست ... كه ميان خاك مى كردى نخست
حجت انكار شد انشار تو ... از دوابدتر ترشد اين بيمارتو
خاك را تصوير اين كار از كجا ... نطفه را خصمى وانكارا از كجا
جون دران دم بى دل وبى سربدى ... فكرت وانكاررا منكر بدى
ازجمادى جونكه انكارت برست ... هم ازين انكار حشرت شد درست
بس مثال توجو آن حلقه زنيست ... كزدرونش خواجه كويد خواجه تيست
حلقة زن زين نيست دريا بدكه هست ... بس زخلقه بر ندارد هيج دست
بس هم انكارت مبين ميكند ... كز جماد او حشر صدفن ميكند(7/236)
وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)
{ وقل } يا محمد { لعبادى } اى المؤمنين { يقولوا } اى للمشركين عند محاورتهم معهم بنى على حذف النون لما كان بمعنى الامر كما بنى الاسم المتمكن فى النداء فى قولك يا زيد على الضمة لما اشبه قبل وبعد { التى } اى الكلمة التى { هى احسن } ولا يخاشنوهم كقوله تعالى { ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتى هى احسن } قال فى التأويلات النجمية فيه اشارة الى ان اختصاص بعض العباد بتشريف الاضافة الى نفسه يؤدى الى تأثير نظر العناية فيهم فيخرج منهم القول الاحسن والفعل الاحسن والخلق الاحسن . اما القول الاحسن فهو الدعاء الى الله بلا اله الا الله مخلصا . واما الفعل الاحسن فهو ما كان على قانون الشريعة وآداب الطريقة متوجها الى عالم الحقيقة . واما الخلق الاحسن فهو مع الله بان يسلم وجهه لله محسنا فى طلبه ومع الخلق بان يحسن اليهم بلا طمع فى الاحسان والشكر منهم ويتجاوز عن اساءتهم اليه ويعيش فيهم بالنصيحة يأمرهم بالمعروف بلا عنف وينهاهم عن المنكر بلا فضيحة { ان الشيطان ينزغ بينهم } يقال نزغ بينهم افسد واغرى ووسوس اى يفسد ويهيج الشر والمراء بينهم فلعل المخاشنة بهم تقضى الى العناد وازدياد الفساد .
وفى التأويلات { ان الشيطان ينزغ بينهم } اذا لم يعيشوا بالنصيحة فينبغى لعقلاء كل زمان ان يكونوا فى باب النصيحة مثل الاصحاب رضى الله عنهم بحيث ان خالهم ومعاملتهم مع اهالى زمانهم لا يتفاوت على حالهم لو كانوا فى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم { ان الشيطان كان } قدما { للانسان عدوا مبينا } ظاهر العداوة لا يزيد صلاحهم اصلا بل يريد هلاكهم وقد ابان عداوته لهم اذا خرج اباهم من الجنة ونزع عنه لباس النور .(7/237)
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54)
{ ربكم } ايها المشركون { اعلم بكم } منا { ان يشأ يرحمكم } بالتوفيق للايمان { او ان يشأ يعذبكم } بالاماتة على لاكفر فهو تفسير للتى هى احسن وما بينهما اعتراض اى قولوا لهم هذه الكلمة وما يشا كلها ولا تصرحوا بانهم من اهل النار فانه مما يهيجهم على الشر مع ان العاقبة مما لا يعلمه الا الله فعسى يهديهم الى الايمان هذا ما ذهب اليه صاحب الكشاف وتبعه البيضاوى وابو السعود رحمهما الله .
وقال الجمهور المراد بالتى هى احسن هى المحاورة الحنسة بحسب المعنى والرحمة الانجاء من كفار مكة واذا هم والتعذيب تسليطهم عليهم فيكون الخطاب فى ربكم للمؤمنين .
وفى التأويلات هو اعلم بمن جعله منكم مظهر صفه لطفه ورحمته فيرحمه ويخلصه من اضلال الشيطان واغوائه وبمن جعله منكم مظهر صفة قهره وعذابه فيعذبه باضلاله واغوائه { وما ارسلناك عليهم وكيلا } موكولا اليك يا محمد امورهم وموضا تجبرهم على الايمان كما قال { ليس لك من الامر شئ وانما ارسلناك بشيرا } ونذيرا فدارهم ومر اصحابك بالمداراة والاحتمال وترك المخاصمة وعنه عليه السلام « ان الله امرنى بمداراة الناس كم امرنى باقامة الفرائض » حافظ
اسايشى دوكيتى تفسير اين دوحر فست ... بادوستان تلطف بادشمتان مدارا
كما قال بعضهم فى عيش الانسان الكامل [ باخدا بصدق . وباخلق بانصاف . وبانفس بقهر . وبازير دستان بشفقت . وبابزركان بحرمت . وبادوستان بنصيحت . وباد شمنان بمدارا . وبأعلما يتواضع . وبادرويشان بسخا . وباجاهلان . بخاموشى .(7/238)
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55)
{ وربك اعلم بمن فى السموات والارض } وتفاصيل احوالهم الظاهرة والباطنة التى بها يستأهلون الاصطفاء والاجتباء فيختار منهم لنبوته وولايته من يستحقه وهو رد لاستبعاد قريش ان يكون يتيم ابى طالب نبيا وان يكون العراة الجوع اصحابه كصهيب وبلال وخباب وغيرهم دون ان يكون ذلك فى بعض الاكابر والصناديد وذكر من فى السموات ابطال قولهم { لولا انزل علينا الملائكة } وذكر من فى الارض لرد قولهم { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } اى من احدى القريتين مكة والطائف كالوليد بن المغيرة المخزومى وعروة بن مسعود الثقفى وقيل غيرهما .
وفى التأويلات هو اعلم بمن جعل منهم مظهر صفة لطفه ومن جعل منهم مظهر صفة قهره فى السموات كالملائكة وابليس والارض كالمؤمنين والكافرين { ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض } قال البيضاوى وتبعه ابو السعود اى بالفضائل النفسانية والتبرى من العلائق الجمسانية لا بكثرة الاموال والاتباع حتى داود فانه شرفه بما اوحى اليه من الكتاب لا بما اوتى من الملك انتهى .
يقول الفقير هذا صريح فى انهم متفاضلون فى معنى التبرى من العلائق الجسمانية وهو خطأ فان تفاضلهم فىذلك انما هو على من عداهم من افراد الامة لا على اخوانهم الانبياء وتحقيقه انه ليس فيهم العلائق الروحانية لمنافاتها الوصول الى الله تعالى والاخذ من عالم القدس ولذا قالوا باب العلم بالله لا ينفتح وفى القلب لحمة للعالم باسره الملك والملكوت واما العلائق الجسمانية كالملك وكثرة الازواج والاولاد ونحو ذلك فهى وعدمها سواء بالنسبة اليهم فعيسى ويحيى عليهما السلام مع ما هما عليه من الزهد والتجرد الفضلية لهما فى ذلك على داود وسليمان عليهما السلام مع ما هما عليه من الملك وكثرة الازواج واسناد العلاقة اليهم ولو صورة ليس من الادب فالوجه ان التفضيل انما هو بالكتاب والرسالة والخلة والتكليم والمعراج والرؤية والشفاعة ونحو ذلك كما قال تعالى { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله } الآية والقرآن يفسر بعضه بعضا .
قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سيره الاطهر فضل سليمان عليه السلام بالظهور بمجموع الملك وعيسى بالكلام فى المهد والتأييد بروح القدس واحياء الموتى وخلق الطين طيرا بالاذن ونحو ذلك وموسى بالتكليم واليد والعصا وفرق البحر والنفجار الحجر ونحوها وفضل صالح بخروج ناقة من الحجر ونحوها وهو دبالريح العقيم وابراهيم بالنجاة من النار ونحو ذلك ويوسف بالجمال وتأويل الرؤيا ولما تفاضل استعدادهم لتمام التجلى من حيث النبوة تفاضلوا ايضا فانه ليس فى الوجود الا متغذ مرزوق وقد فضل الله بعض المرزوقين على بعض والرزق حسى للجسوم وعقلى للارواح كالعلوم فاما من حيث ولايتهم الذاتية واستنادهم الى الله تعالى فهم نفس واحدة فلا فاضل ولا مفضول ولذا قال عليه السلام(7/239)
« لا تفضلونى بين الانبياء » { وآتينا داود زبورا } فضيلا له كان زبور داود مائة وخمسين سورة ليس فيها حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود بل تمجيد وتحميد ودعاء نكر زبورا هنا وعرفه فى الانبياء حيث قال { ولقد كتبنا فى الزبور } لانهما واحد كعباس والعباس .
وفى التأويلات النجمية قوله { ولقد فضلنا } الآية يشير الى ان الحكمة الازلية اقتضت ارتفاع درجات المقبولين واتضاع دركات المردودين فانهما مظاهر صفة اللطف والقهر ولكل واحد من اللطف والقهر نصيب منه حكمة بالغة فى اظهار كمالات اللطف والقهر من الازل الى الابد وفضلنا الانبياء بعضهم على بعض بارتفاع المكان فى القربة وقبول اثر نظر العناية على حسب سرايته فى الامة وخيريتها ألا ترى انه عليه السلام لما كان افضل الانبياء كانت امته خير الامم وكتابه افضل الكتب ففى قوله { وآتينا داود زبورا } اشارة الى ان فضل النبى صلى الله عليه وسلم على داود بقدر فضل القرآن على الزبور انتهى .
وقد نعت الله نبينا عليه السلام وامته المرحومة فى جميع الكتب المتقدمة
اى وصف تو در كتاب موسى ... وى نعت تو در زبور داود
مقصود تويى ز آفرينش ... باقى بطفيل تست موجود
وفضله الله بكثرة الاتباع ايضا كما قال عليه السلام « اهل الجنة عشرون ومائة صف ثمانون منها امتى »
وفى جامع الاصول عن الزهرى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال جلس ناس من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتذاكرون وهم ينتظرون خروجه فخرج حتى دنا منهم فسمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم فقال بعضهم عجبا ان الله تعالى اتخذ من خلقه خليلا اتخذ ابراهيم خليلا وقال آخر ماذا باعجب من كلام موسى كلمة تكليما وقال آخر ماذا باعجب من جعل عيسى كلمة الله وروحه فقال آخر ما باعجب من ادم اصطفاه الله عليهم فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم على اصحابه وقال « قد سمعت كلامكم واعجبكم ان ابراهيم خليل الله وهو كذلك وان موسى نجى الله وهو كذلك وان عيسى روح الله وكلمته وهو كذلك وان ام اصطفاه الله وهو كذلك ألا وانا حبيب الله ولا فخر وانا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر وانا اكرم الاولين والآخرين على الله ولا فخر وانا اول من يحرك حلقة الجنة فيفتح الله فادخلها ومعنى فقراء المهاجرين ولا فخر » وفى الحديث « ان الله اختارنى على الانبياء واختار اصحابى على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين واختار من اصحابى اربعا ابا بكر وعمر وعثمان وعليا » رضى الله عنهم كما فى بحر العلوم : قال المولى الجامعى قدس سره
خدا بر سروران سرداريش داد ... ز خيل انبيا سا لا ريش داد
بى ديوار ايمان بود كارش ... شد اورا جار ركن از جار يارش
فكما ان البيت يقوم بالاركان الاربعة فكذا الدين يقوم بالخلفاء الاربعة ولذلك قال عليه السلام « عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدى » لانهم اصول بالنسبة الى من عداهم من المؤمنين .(7/240)
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56)
{ قل ادعوا } [ بخوانييد اى مشركان مكة ] { الذين زعمتم } انهم آلهة { من دونه } اى متجاوزين الله تعالى كالملائكة والمسيح وامه وعزير { فلا يملكون } فلا يستطيعون { كشف الضر عنكم } ازالة نحو المرض والفقر والقحط { ولا تحويلا } والا تحويله ونقله منكم الى غيركم من القبائل .(7/241)
أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)
{ اولئك الذين يدعون } اولئك مبتدأ صفته الذين وخبره يبتغون اى اولئك الآلهة الذين يدعونهم المشركون من المذكورين { يبتغون } يطلبون لانفسهم { الى ربهم } ومالك امورهم { الوسيلة } اى لاقربة بالطاعة والعبادة .
قال الكاشفى [ وسيلتى ودست آويزى يعنى تقرب ميكنند بطاعت وعبادت او بحضرت او جل جلاله ] { ايهم اقرب } بدل من واو يبتغون واى موصولة اى يبتغى من هو اقرب الى الله منهم الوسيلة فكيف بمن دونه من غير الاقرب [ يعنى آنها كه مقربان در كاهند از ملائكه وغير ايشان توسل ميكنند بحق سبحانه بس غير مقرب خود بطريق اولى كه وجه توجه بدان حضرت آورد ] .
قال فى الكواشى او أيهم استفهام متبدأ خبره اقرب والجملة نصب بيدعون . والمعنى يطلبون القرب اليه تعالى لينظروا اىمعبوديهم اقرب اليه فيتوسلوا به تلخيصه آلهتهم ايضا يطلبون القرب اليه تعالى { ويرجون رحمته } بالوسيلة { ويخافون عذابه } بتركها كدأب سائر العباد فاين هم من كشف الضر فضلا عن الالهية { ان عذاب ربك كان محذورا } حقيقا بان يحذره كل احد حتى الرسل والملائكة وان لم يحذره العصاة لكمال غفلتهم بل يتعرضون له وتخصيصه بالتعليل لما ان المقام مقام التحذير من العذاب .
فعلى العاقل ان يترك الاعتذار ويحذر من بطش القهار .
عن عبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنهما انه قال لعمر رضى الله عنه حين طعن يعنى [ نيزه زده ] يا امير المؤمنين اسلمت حين كفر الناس وجاهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خذله الناس وتوفى رسول الله وهو عنك راض ولم يختلف عليك اثنان وقتلت شهيدا قال عمر رضى الله عنه المغرور من غررتموه والله لو ان لى ما طلعت عليه الشمس لافتديت به من هول المطلق اى القيامة وما بعد الموت لان المرء يطلع فيه على عمله ويلقى امورا هائلة .
قال بعض الحكماء الحزن يمنع الطعام والخوف يمنع الذنوب والرجاء يقوى على الطاعات وذكر الموت يزهد عن الفضول والخوف والرجاء انما يكونان من الله تعالى لان المعبود مفيض الخير والجود . واما الانبياء وورثتهم الكمل فوسائط بين الله تعالى وبين الخلق ولا بد من طاعتهم من حيث نبوتهم ووراثتهم ومن التقرب اليهم لتحصيل الزلفى : وفى المثنوى
از انس فرزند مالك آمده است ... كه بمهمانئ او شخصى شده است
او حكايت كرد كز بعد طعام ... ديد انس دستار خوانرا زرد فام
جركن وآ لوده كفت اى خادمه ... اندر افكن در تنورش يكدمه
در تنور بر ز آتش در فكند ... آن زمان دستار خوانرا هو شمتد
جمله مهمانان دران حيران شدند ... انتظار دور كندورى بدند
بعد يكاسعت در آورد از تنور ... باك واسبيد وازان اوساخ دور
قوم كفتند اى صحابئ عزيز ... جون نه سوزيد ومنقى كشت نيز
كفت زانكه مصطفى دست ودهان بس بماليد اندرين دستار خوان ... اى دل ترسنده از نار وعذاب
باجنان دست ولبى كن اقتراب ... جون جمادى را جنين تشريف داد
جان عاشق را جها خواهد كشاد ... مركلوخ كعبه را جون قبله كرد
خاك مردان باش اى جان درنبرد ...(7/242)
وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58)
{ وان } نافية { من } استغراقية { قرية } [ ديهى وشهرى ] .
قال المولى ابو السعود رحمه الله المراد بها القرية الكافرة اى ما من قرية الكفار { الا نحن مهلكوها } اى مخربوها البتة بالخسف بها او باهلاك اهلها بالكلية لما ارتكبوا من عظائم المعاصى الموجبة لذلك { قبل يوم القيامة } لان الهلاك يومئذ غير مختص بالقرى الكافرة ولا هو بطريق العقوبة وانما هو لانقضاء عمر الدنيا { او معذبوها } اى معذبوا اهلها على الاسناد المجازى { عذابا شديدا } بالقتل والقحط والزلالزل ونحوها من البلاء الدنيوية والعقوبات الاخروية لان التعذيب .
مطلق عما قيد به الاهلاك من قبلية يوم القيامة وكثير من القرى العاصية قد اخرت عقوبتها الى يوم القيامة هذا ما ذهب اليه المولى ابو السعود رحمه الله .
يقول الفقير لا يخفى ان هذا التعميم لا يناسب سوق الآية وقيد القبيلة معتبر فى الشق الثانى ايضا وهو لا ينافى العذاب الشديد الواقع بعد يوم القيامة حسبما افصح عنه القاطع فالوجه حمل الاهلاك على الاستئصال والتعذيب على انواع البلية التى هى اشد من الموت وعمم فى بحر العلوم القرية يدل عليه ايراده قوله عليه السلام « ان امتى امة مرحومة انما جعل عذابها فى القتل والزلازل والفتن » وقوله عليه السلام « ان حظ امتى من النار بلاها تحت الارض » وقد قيل الهلاك للقرى لاصالحة والعذاب للصالحة قالوا خراب مكة من الحبشة وخراب المدينة من الجوع وخراب البصرة من الغرق وخراب ايلة من العراق وخراب الجزيرة من الجبل وخراب الشام من الروم وخراب مصر من انقطاع النيل وخراب الاسكندرية من البربر وخراب الاندلس من الروم وخراب فارس من الزلازل وخراب اصفهان من الدجال وخراب نهاوند من الجبل وخراب خراسان من حوافر الخيل وخراب الرى من الديلم وخراب الديلم من الارمن وخراب السند من الهند وخراب الهند من اهل السد يأجوج ومأجوج - روى - عن وهب بن منبه ان الجزيرة آمنة من الخراب حتى تخرب ارمينية وارمينية آمنة حتى تخبر مصر ومصر آمنة حتى تخرب الكوفة ولا تكون الملحمة الكبرى حتى تخبر الكوفة واذا كانت الملحمة الكبرى فتحت قسطنطينية على يدى رجل من بنى هاشم { كان ذلك } الذى ذكر من الهلاك والتعذيب { فى الكتاب } اى اللوح المحفوظ { مسطورا } مكتوبا لم يغادر منه شئ الا بين فيه كيفياته واسبابه الموجبة له ووقته المضروب له وفى الحديث « اول شئ خلق الله القلم من نور فاخذه بيمنه وكلتا يديه يمين والقلم مسيرة خمسمائة عام واللوح مثله فقال للقلم اجر فجرى بما هو كائن الى يوم القيامة برها وفاجرها رطبها ويابسها فصدقوا بما بلغكم عن الله من قدرته »(7/243)
وفى الحديث « اول ما خلق الله القلم بيده ثم خلق النون وهو الدواة ثم قال اكتب فقال وما اكتب قال ما كان وما هو كائن الى يوم القيامة ثم ختم على فم القلم فلم ينطق ولا ينطق الى يوم القيامة » رواه ابن عباس رضى الله عنهما .
وفى التأويلات النجمية { وان من قرية } اى قرية قالب الانسان رالا نحن مهلكوها } بموت قلبه وروحه { قبل يوم القيامة } اى قبل موت القلب فان من مات فقد قامت قيامته { او معذبوها } بصب البلاء والمحن والامراض والعلل والمصائب والنقص فى الاموال والانفس وانواع الرياضات والمجاهدات ومخالفات الهوى بالاختيار والاضطرار { عذابا شديدا } فان الفطام من المألوفات شديد { كان ذلك فى الكتاب مسطورا } من الازل عزة وعظمة وكبرياء وجبروتاً فلا يصل السائر الصادق المحب الى سرادقات جلاله شوقا الى جماله الا بعد العبور على العقبه الكؤود « فلا اقتحم العقبة وما ادراك ما العقبة » فلما كان حال البلوغ الى بيته قوله { لم تكونوا بالغيه الا بشق الانفس } فكيف يكون حال اهل الوصال اليه ولهذا قال صلى الله عليه وسلم « ما اوذى بنى مثل ما اوذيت » فلما لم يصل احد الى مقامه الذى وصل ما اوذى احد فى السير الى الله والسير فى الله والسير بالله مثل ما اوذى صلى الله عليه وسلم وايذاء السائرين باذابة وجودهم فى السير ففى السير الى الله ذوبان الافعال وفى السير فى الله ذوبان الصفات وفى السير بالله ذوبان الذبات فافهم جدا : سعدى
جفا نبرده جه دانى توقدر يار ... تحصيل كام دل بتكابوى خوش ترست
حافظ
ممكن زغسه شكايت كه در طريق طلب ... براحتى نرسيد آنكه زحمتى نكشيت
وقال خام را طاقت بروانه برسوخته نيست ... ناز كانرا نرسد شيوه جان افشانى
اللهم اجعلنا من اهل الصبر على البلاء وارزقنا من غنائم اهل الولاء .(7/244)
وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59)
{ وما منعنا ان نرسل بالآيات } الباء مزيدة اى وما صرفنا عن ارسال الآيات التى اقترحها قريش من احياء الموتى وقلب الصفا ذهبا ورفع جبال مكة لتنبسط الارض وتصلح للزراعة واجراء الانهار لتحصل الحدائق ونحو ذلك { الا ان كذب بها الاولون } استثناء مفرغ من اعم الاشياء اى وما منعنا عن ارسالها شئ من الاشياء الا تكذيب الاولين الذين هم امثالهم فى الطبع كعاد وثمود وانها لو ارسلت لكذبوا تكذيب اولئك واستوجبوا الاستئصال على ما مضت به سنتنا وقد قضينا ان لا نستأصلهم لان فيهم من يؤمن او يلد من يؤمن ثم ذكر بعض الامم المهلكه بتكذيب الآيات المقترحة فقال { وآتينا ثمود الناقة } وهو عطف على ما يفصح عنه النظم الكريم كأنه قيل وما منعنا ان نرسل بالآيات الا ان كذب بها الولون حيث آتيناهم ما اقترحوا من الآيات الباهرة فكذبوها وآتينا ثمود الناقة بسؤالهم { مبصرة } بينة ذات ابصار على ان يكون للنسبة فالتاء للبالغة او ساند اليها حال من يشاهدها مجازا { فظلموا بها } فكفرا بها ظالمين اى لم يكتفوا بمجرد الكفر بها بل فعلوا بها ما فعلوا نم العقر وظلموا انفسهم وعرضوها للهلاك بسبب عقرها ولعل تخصيصها بالذكر لما ان ثمود عرب مثلهم وان لهم من العالم بحالهم ما لا مزيد عليه حيث يشاهدون آثار هلاكهم ورودا وصدورا { وما نرسل بالآيات } المقترحة { الا تخويفا } من نزول العذاب المستأصل كالطليعة له فان لم يخافوا انزل او بغير المقترحة كالمعجزات وآثار القرآن الا تخويفا بعذاب الآخرة فان امر من بعثت اليهم مؤخر الى يوم القيامة كرامة لك .
قيل ان الرسول عليه السلام هو الامان الاعظم ما عاش وما دامت سنته باقية فاذا اماتوها اماتهم الله واهلكم اذ لهذه الامة نصيب من عذاب الدنيا بقدر حالهم وذلك فى اواخر الزمان كما سبق فى المجلس السابق . ومنه الزلازل والمخاوف والطاعون فانه زجرل لاهل الفسق وتسلط الظلمة فانه عذب أى عذاب .
فينبغى للمؤمن ان يسارع الى طريق التقوى واحياء سنة خير الورى وفى الحديث « من احيى سنتى فقد احيانى ومن احيانى فقد احبنى ومن احبنى كان معى فى الجنة » وفى الحديث « من حفظ سنتى اكرمه الله باربع خصال المحبة فى قلوب البررة والهيبة فى قلوب الفجرة والسعة فى الرزق والثقه بالدين » كما ان السول عليه السلام امان ما عاش فكذا وارثه الاكمل فان اعتقاده واتباع طريقته كالايمان بالرسول واتباع شريعته اذ هو نائب عنه وخليفة له فالاقتران باهل الصلاح والتقوى مما يرفع الله به العذاب وقد ورد فى الحديث « اذا تحيرتم فى الامور فاستعينوا من الله القبور » ذكره الكاشفى فى الرسالة العلية وابن الكمال فى الربعين حديثا والمراد باهل القبور من مات بالاختيار قبل الموت بالاضطرار : قال الحافظ
مدد از خاطر رندان طلب اى دل ورنى ... كار صعبست مبادا كه خطايى بكنيم
واعلم ان المؤمن الصادق فى ايمانه لا يعذبه الله فى الآخرة لان نبيه يكون فيهم يوم القيامة وما دام هو بين الامة لا يعذبهم الله وتقول لهم جهنم جزيا مؤمن فان نورك قد اطفأ نارى فان دخل المجرمون النار فذلك بجهة الخلوص لا الخلود .(7/245)
وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)
{ واذا قلنا لك } واذكر اذ اوحينا اليك { ان ربك احاط بالناس } اى علما وقدرة فهم فى قبضته فامض لامرك ولا تخف احدا .
قال بعض الكبار احاطة الله سبحانه عند العارفين بالموجودات كلها عبارة عن تجليه بصورة الموجودات فهو سبحانه باحدية جميع اسمائه سار فى الموجودات كلها ذاتا وحياة وعلما وقدرة الى غير ذلك من الصفات والمراد باحاطته تعالى هذه السراية ولا يعزب عنه ذرة فىلسموات والارض وكل ما يعزب عنه يلتحق بالعدم وقالوا هذه الاحاطة ليست كاحاطة الظرف بالمظروف ولا كاحاطة الكلى بجزيئاته بل كاحاطة الملزوم بلازمه فان التعينات اللاحقة لذاته الملطقة انما هى لوازم له بسواطة او بغير واسطة وبشرط او بغير شرط ولا تقدح كثرة اللوازم فى وحدة الملزوم ولا تنافيها { وما جعلنا الرؤيا التى اريناك الا فتنة للناس } المراد بالرؤيا ما عاينه عليه السلام ليلة المعراج من عجائب الارض والسماء والتعبير عن ذلك البريا اما لانه لا فرق بينه وبين الرؤية كما فى الكواشى الرؤيا تكون نوما ويقظة كالرؤية اولانها وقعت بالليل ونقضت بالسرعة كأنها منام او لان الكفرة قالوا لعلها رؤيا فتسميتها رؤيا على قول المكذبين .
قال فى الحواشى السعدية قد يقال تسميتها رؤيا على وجه التشبيه والاسعتارة لما فيها من الخوارق التى هى بالمنام اليق فى مجارى العادات انتهى .
اى وما جعلنا الريا التى اريناكها ليلة الاسراء عيانا مع كونها آية عظيمة حقيقة بان لا يتلعثم فى تصديقها احد ممن له ادنى بصيرة الا فتنة افتتن بها الناس حتى ارتد بعضهم { والشجرة الملعونة فى القرآن } عطف على الرؤيا والمراد بلعنها فيه لعن طاعمها على الاسناد المجازى او ابعادها عن الرحمة فان تلك الشجرة التى هى الزقوم تنبت فى اصل الجحيم فى ابعد مكان من الرحمة اى وما جعلناها الا فتنة لهم حيث انكروا ذلك وقالوا ان محمدا يزعم الجحيم تحرق الحجارة ثم يقول ينبت فيها الشجرة ولقد ضلوا فى ذلك ضلالا بعيدا حيث كابروا قضية عقولهم فانهم يرون النعامة تبتلع الجمر وقطع الحديد المحماة فلا يضرها ويشاهدون المناديل المتخذة من وبر السمندل تلقى فى النار ولا تؤثر فيها .
قال الكاشفى [ وعجب ازايشان بودكه ازدرخت سبزآتش ميكر فتند كما قال تعالى { جعل لكم من الشجرة الاخضر نارا } وهيج فكر نمى كردندكه آتش در درخت وديعت نهد جه عجب كه درخت درآتش بروياند ] وهو المرخ والعفار يوجدان فى اغلب بوادى العرب يقطع الرجل منهما عصنين مثل السواكين وهما اخضران يقطر منهما الماء فيسحق المرخ وهو ذكر على العفار وهو انثى فنتقدح النار باذن الله تعالى { ونخوفهم } بذلك وبنظائره من الآيات فان الكل للتخويف { فما يزيدهم } التخويف { الا طغيانا كبيرا } عتوا متجاوزا عن الحد فلو انا ارسلنا بام اقترحوه من الآيات لفعلوا بها ما فعلوا بنظائرها وفعل بهم ما فعل باشياعهم وقد قضينا بتأخير العقوبة العامة لهذه الامة الى الطامة الكبرى .(7/246)
واوحى الله الى عيسى عليه السلام كم من وجه مليح صبيح ولسان فصيح وبدن صحي غدا بين طباق النيران يصيح فلا بد من الخوف فان العارفين يخلفون فما ظنك بغيرهم .
قال المزنى دخلت على الشافعى رحمه الله فى مرضه الذى مات فيه فقلت له كيف اصبحت يا استاذى قال اصبحت عن الدنيا راحلا ولاخوانى مفارقا ولعملى ملاقيا ولكأس المنية شاربا وعلى الله واردا فما ادرى أروحى الى جنة ام الى نار ثم انا اقول
ولم ادرأى الحانتين تنوبنى ... وانك لا تدرى متى انت ميت
وفى المثوى
لا تخافون هست نزل خائفان ... هست درخور از برى خائفان
هركه ترسد مرورا ايمن كنند ... مردل ترسند را ساكن كنند آنكة خوفش نيست جون كويى مترس
درس جه دهى نيست او محتاح درس ... واعلم ان رؤية الآيات واستماعها تزيد المؤمنين ايمانا وتقويهم فى باب اليقين لان الترربة الطيبة لا تغير الماء الزلال ولا تخرجه عن طبعه والخبثة لا يحصل لها به نما اذ لا يستعد ولا يستحق الا العقم نسأل الله تعالى ان يفيض علينا سجال العلوم ويزيدنا فى الفهوم .(7/247)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61)
{ واذ قلنا للملائكة } اى واذكر وقت قولنا للملائكة ما عدا الارواح العالية وهم الملائكة المهيمة الذين لا شعور لهم بخلق آدم عليه السلام ولا بغيره لاستغراقهم فى شهود الحق تعالى { اسجدوا لآدم } تحية وتكريما لماله من الفضائل المستوجبة لذلك .
قال فى التأويلات النجمية ان الله خلق آدم فتجلى فيه فكانت السجدة فى الحقيقة للحق تعالى وكان آدم بمثابة الكعبة قبلة للسجود { فسجدوا } له من غير تلعثم اداء الحقه عليه السلام وامتثالا للامر فدل ائتمارهم باوامر الحق والانتهاء عن نواهيه على السعادة الازلية { الا ابليس } فانه ابى واستكبر فدل المخالفة ولاستكبار والاباء على الشقاوة الازلية اذ الابد مرآة الازل يظهر فيها صورة الحال سعادة وشاقوة .
قال فى بحر العلوم التثنىبليس من الملائكة وهو جنى لانه قد امر السجود معهم فغلبوا عليهم تغليب الرجال على المرأة فى قولك خرجوا الا فلانة ثم استثنى الواحد منهم استثناء متصلا { قال } اعتراضا وعجبا وتكبرا وانكارا عندما وبخه تعالى بقوله { يا ابليس مالك ان لا تكون مع الساجدين } { ءاسجد } وانا مخلوق من النصر العالى وهو النار .
قال الكاشفى [ ايا سجده كنم يعنى نكنم ] ولم يصح منى واستحال ان اسجد لان الاستفهام المعنى به الانكار يكون بمعنى النفى { لمن خلقت طينا } نصب على نزع الخافض اى من طين مثل واختار موسى قومه اى من قومه فاستحق اللعن والطرد والبعد .(7/248)
قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62)
{ قال } ابليس بعد ما لعن وطردوا ابعد اظهار للعداوة واقداما على الحسد كما قال فى الارشاد وقال ابليس لكن لا عقيب كلامه المحكى بل بعد الانظار المترتبعلى الاستنظار المتفرع على الامر بخروجه من بين الملأ الاعلى باللعن المؤبد وانما لم يصرح اكتفاء بما ذكر فى موضع آخر فان توسيط قال بين كلامى اللعين للايذان بعدم اتصال الثانى بالاول وعدم ابتنائه عليه بل على غيره { أرأيتك هذا الذى كرمت علىّ } الكاف حرف خطاب اى ليس باسم حتى يكون فى محل النصب على انه مفعول رأيت بل هو حرف اكذبه ضمير الفاعل المخاطب لتأكيد الاسناد فلا محل له من الاعراب وهذا مفعول اول والموصول صفته والثانى محذوف لدلالة الصفة عليه وأرأيت ههنا بمعنى اخبرنى بان يجعل العلم الذى هو سبب الاخبار مجازا عن الاخبار وبان يجعل الاستفهام مجازا عن الامر بجامع الطلب . والمعنى اخبرنى عن هذا الذى كرمته علىّ بان امرتنى بالسجود له لم كرمته علىّ وفضلته بالخلافة والسجود وانا خير منه لانه خلق من طين وخلقت من نار . وفى المثنوى
آنكه آدم را بدن ديد اورميد ... وآنكه نور مؤتمن ديد او خميد
تو زقرآن اى بسر ظاهر مبين ديو آدم را نه بيند جز كه طين
{ لئن اخرتن } حياء . يعنى [ مررك مرا تأخيرك كنى جنانكه موعودست ] { الى يوم القيامة } يعنى على صفة الغواء والاضلال وهو كلام مبتدأ واللام موطئة وجوابه قوله { لاحتنكن ذريته } لا لاستولين على اولاده ونسله استيلاء قويا بالاغواء كما قال { فبعزتك لأغوينهم اجميعن } يقال احتنكه استولى عليه كما فى القاموس .
قال فى الارشاد من قولهم حنكت الدارة واحتنكتها اذا جعلت فى حنكها الاسفل حبلا تقودها به او لاستأصلنهم بالاغواء . يعنى [ هر آينه ازبيخ بركنم فرزندان اورا باغوا وجنان كنم كه بعذاب تومستأصل شوند ] من قولهم احتنك الجراد الارض اذا جرد ما عليها كلا .
قال فى الاسئلة المقحمة علم ابليس ان فيهم شهوات مركبة فهى سبب ميلهم عن الحق ال الباطل قياسا على ابيهم حين مال الى اكل الشجرة بشهوته انتهى وقيل غير ذلك { الا قليلا } منهم وهم المخلصون الذين عصمهم الله تعالى .(7/249)
قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63)
{ قال } الله تعالى { اذهب } على طريقتك السوء بالاغواء والاضلال .
وفى بحر العلوم ليس من الذهاب الذى هو نقيض المجيئ بل معناه امض لما قصدته او طرد له وتخلية بينه وبين ما سولت له نفسه او هو على وجه الاهانة والتهديد تقول لمن لا يقبل منك اذهب وكن على ما اخترت لنفسك . قال الكاشفى [ امراهانت است وابعاد يعنى اورا براند ازدركاه قرب وكفت دربى مهم خودبرو ] { فمن تبعك منهم } على الضلالة .
قال الكاشفى [ هركه متابعت كندتبرا وفرمان توبرد ] { فان جهنم جزاؤكم } اى جزاؤك وحزاؤهم فغلب المخاطب رعاية لحق المتبوعية { جزاء موفورا } من وفر الشئ كمل اى تجزون جزاء مكملا فنصبه على المصدر باضمار فعله .
قال الكاشفى [ جزايى تمام يعنى عذابى بردوام ](7/250)
وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64)
{ واستفز } اى استخف وحرك ومنه استفزه الغضب استخفه والاستفزاز [ بسك كردن ] .
وفى بحر العلوم واستزل وحرك . يعنى [ ازجاى بجنبان وبلغزان ] { من استطعت منهم } من قدرت ان تستفزه من ذريته .
وقال الكاشفى [ هركه را توانى لغزانيد ازايشان ] { بصوتك } بوسوستك ودعائك الى الشرك والمعصية وكل داع الى معصية الله فهو من حزب ابليس وجنده . [ وامام زاهدى ازابن عباس نقل ميكندكه هرآوازى كه نه در ضاى خداى تعالى ازدهان بيرون آيد آواز شيطانست ] .
قولا مجاهد بالغناء والمزامير المغنون والزامرون من جند ابليس وقدورد فى الخبر الوعيد على الزامر وفى الحديث « بعثت لكسر المزامير وقتل الخنازير » المزامير جمع مزمار وهو آلة معروفة يضر بها ولعل المراد آلات الغناء كلها تغليبا والكسر ليس على حقيقته بل مبالغة عن النهى لقرينة . فان قلت الحديث المذكور صريح فى قبح المزمار والظاهر من قوله عليه السلام حين سمع صوت الاشعرى وهو يقرأ ( لقد اوتى هذا من مزامير آل داود ) خلافه . قلت ضرب المزامير مثلا لحسن صوت داود عليه السلام وحلاوة نغمة كأن فى حلقه مزامير يرمز بها والآل مقحم ومعناه الشخص كذا فى شرح الاربعين حديثا لابن كمال .
وفى التأويلات النجمية واستزال بتمويهات الفلافة وتشبيهات اهل الاهواء والبدع وخرافات الدهرية وطامات الاباحية وما يناسبها من مقالات اهل الطبيعة مخالفا للشريعة { واجلب عليهم بخيلك ورجلك } [ وبرانكيزان برايشان بسواران وبياد كان يعنى ديوانى كه معاون تواند دروسوسه واغوا همه را جمع كن درتسلط برايشان ] .
وفى الكواشى جلب واجلب واحد بمعنى الحث والصياح اى صح عليهم باعوانك وانصارك من راكب وراجل من اهل الفساد والخيل الخيالة بتشديد الياء وهى اصحاب الخيول ومنه قوله عليه السلم « يا خيل الله اركبى »
والرجل بالسكون بمعنى الراجل وهو من ليكن له ظهر يركبه . قال ابن عباس ومجاهد وقتادة ان خيلا ورجلا من الجن والانس فما كان من راكب يقاتل فى معصية الله فهو من خيل ابليس وما كان من راجل يقاتل فى معصية الله فهو من رجل ابليس ويجوز ان يكون استفزازه بصوته واجلابه بخيله ورجله تمثيلا لتسلطه على من غيويه فكأنه مغوارا وقع على قوم فصوت بهم صوتا يزعجهم من اماكنهم ويقعلهم عن مراكزهم واجلب عليهم بجنده من خيالة ورجالة حتى استأصلهم { وشاركهم } [ شركت ده باشان } { فى الاموال } بحملهم على كسبها او جمعها من الحرام والتصرف فيها على ما لا ينبغى من الربا والاسراف ومنع الزكاة وغير ذلك { والاولاد } بالحثعلى التوصل اليهم بالاسباب المحرمة والوأدج والاشراك كتسينهم بعبد العزى وعبد الحارث وعبد الشمس وعبد الدار وغير ذلك . والتضليل بالحمل على الاديان الزائغة والحرف الذميمة والافعال القبيحة .
وقال فى التأويلات النجمية بتضييع زمانهم وافساد استعدادهم فى طلب الدنيا ورياستها متغافلين عن تهذيب نفوسهم وتزكيتها وتأديبها وتوقيها عن الصفات المذمومة وتحليتها بالصفات المحمودة وتعليمهم الفرائض والسنن والعلم الدينية وتحريضهم على طلب الآخرة والدرجات العلى والنجاة من النار والدركات السفلى انتهى .(7/251)
وعن جعفر بن محمد ان الشيطان يقعد على ذكر الرجل فاذا لم يقل باسم الله اصاب معه امرأته وانزل فى فرجها كما ينزل الرجل وقد جعل الله له فى كثير من الاشياء نصيبا وفى الحديث « ان ابليس لما انزل الى الارض قال يا رب انزلتنى الارض وجعلتنى رجيما فاجعل لى بيتا قال الحمام قال فاجعل لى مجلسا قال الاسواق ومجامع الطرق قال فاجعل لى طعاما قال ما لم يذكر اسم الله عليه قال اجعل لى شرابا قال كل مسكر قال اجعل لى مؤذنا قال المزامير قال اجعل لى قرآنا قال الشعر قال اجعل لى كتابا قال الوشم قال اجعل لى حديثا قال الكذب قال اجعل لى رسلا قال الكهنة قال اجعل لى مصائد قال النساء » كما فى بحر العلوم للسمرقندى { وعدهم } المواعدي الباطلة كشفاعة الآلهة والاتكال على كرامة الآباء وتأخير التوبة بتطيول الامل واخبارهم ان لا جنة ولا نار ونحو ذلك { وما يعدهم الشيطان } اللام يحتمل العهد والجنس قال عليه السلام « ما منكم من احد الا وله شيطان » { الا غرورا } يعنى [ خطارا درصورت ثواب مى آرايد ] وهو تزيين الخطأ بما يوهم انه صواب .
قال فى بحر العلوم هذه الاوامر واردة على طريق التهديد كقوله للعصاة اعملوا ما شئتم وقيل على سبيل الخذلان والتخلية .(7/252)
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65)
{ ان عبادى } الاضافة للتشريف وهم المخلصون وفيه ان من تبعه ليس منهم [ امام قشيرى فرموده كه بنده حق آنست كه دربند غير نباشد . وشيخ عطار فرمايد ] { ليس لك عليهم سلطان } اى تسلط وقدرة على اغوائهم كما قال { انه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون } { وكفى بربك وكيلا } لهم يتوكلون عليه ويستمدونه يا ابليس الخلاق من اغوائك .
قال فى التأويلات النجمية فيه اشارة الى ان عباد الله هم الاحرار عن رق الكونين وتعلقات الكونين فلا يستعبدهم الشطيان ولا يقدر على ان تعلق بهم فيضلهم عن طريق الحق ويغويهم بما سواه عنه { وكفى بربك وكيلا لهم } فى ترتيب اسباب سعادتهم وتفويت اسباب شقاوتهم والحراسة من الشطيان والهداية الى الرحمن .
يقول الفقير لا يلزم من نفى التسلط ان لا يقسط هم الشيطان اصلا فان ذلك يرده قوله تعالى « ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون » فانه كلمة اذ تدل على التحقيق والوقوع ولكنهم محفوظ من الاتباع لكونهم مؤيدين من عند الله تعالى - حكى - انه جاء يهودى الى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد نحن نعبد بحضور القلب بلا وسواس الشيطان ونسمع من اصحابك انهم يصلون بالوساس فقال عليه السلام لأبى بكر رضى الله عنه « اجبه » فقا ليا يهودى بيتان بيت مملوء بالذهب والفضة والدر والياقوت والاقمشة النفسية وبيت خراب خال ليس فيه شئ من المذكورات أيقصد اللص الى البيت المعمور المملوء من الاقمشة النفسية ام يقصد الى البيت الخراب فقال اليهودى يقصد الى البيت المعمور المملوء بذلك فقال ابو بكر رضى الله تعالى عنه قلوبنا مملوءة بالتوحيد والمعرفة والايمان واليقين والتقوى والاحسان وغيهرا من الفضائل وقلوبكم خالية عن هذه فلا يقصد الخناس اليها فاسلم اليهودى فظهر ان الشيطان قاصد ولكنه غير واصل الى مراده فان الله يحفظ اولياءه .(7/253)
رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66)
{ ربكم } [ برور دكار شما ] وهو مبتدأ خبره قوله { الذى } القادر الحكيم الذى { يزجى } الازجاء [ راندن ] يقال زجاه وازجاه ساقه اى يسوق ويجرى بقدرته الكاملة { لكم } لمنافعكم { الفلك } اى السفن { فى البحر } [ در دريا ] .
قال فى القاموس البحر الماء الكثير { لتبتغوا } لتطلبوا { من فضله } من رزق هو فضل من قبله { انه كان بكم } ازلا وابدا { رحيما } حيث هيأ لكم ما تحتاجون اليه وهسل عليكم ما يعسر من اسبابه فالمراد الرحمة الدنيوية والنعمة العاجلة المنقسمة الى الجليلة والحقيرة .(7/254)
وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67)
{ واذا مسكم } [ وجون برسد شمارا ] { الضر فى البحر } خوف الغرق فيه { ضل من تدعون } اى ذهب عن خواطركم كل من تدعون فى حوادثكم وتسغيثون { الا اياه } تعالى وحده من غير ان يخطر ببالكم احد منهم وتدعوه لكشفه استقلالا او اشتراكا ويجوز ان يكون الاستثناء منقطعا اى ضل كل من تدعونه وتعبدونه من الآلهة كالمسبح والملائكة وغيرهم من عونكم وغوثكم ولكن الله هو الذى ترجونه لصرف النوازل عنكم { فلما } [ بس آن هنكام كه ] { نجيكم } من الغرق واوصلكم { الى البر } [ بسوى بيابان ] { اعرضتم } عن التوحيد وعدتم الى عباد الاوثان ونسيتم النعمة وكفرتم بها { وكان الانسان كفورا } بليغ الكفران ولم يقل وكنتم كفورا ليسجل على ان هذا الجنس موسوم بكفران النعمة .(7/255)
أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68)
{ أفأمنتم } الهمزة للانكار والفاء للعطف على محذوف تقدييره أنجوتم فأمنتم من { ان يخسف بكم جانب البر } الذى هو مأمنكم كقارون وبكم فى موضع الحال وجانب البر مفعول به اى يقلبه الله وانتم عليه ويجوز ان تكون الباء للسببية اى يلقبه بسبب كونكم فيه .
قال سعدى المفتى اى يقلب جانب البر الذى انتم فيه فيحصل بخسفه اهلاككم والا فلا يلزم من خسف جانب البر بسببهم اهلاكهم .
وقال الكاشفى [ آيا ايمن شديدكه ازدريا بصحرا آمديد يعنى ايمن مباشيد ازآنكه فرو بردشمارا بكرانه از زمين يعنى آنكه قادراست كه شمارا درآب فروبرد توانست برآنكه درخاك نهان كند ] .
قال فى القاموس خسف المكان يخصف خسوفا ذهب فى الارض وخسف الله بفلان الارض غيبه فيها لازم ومتعد .
وفى التهذيب الخسف بزمين فروبردن قال الله تعالى { فخسفنا وبداره الارض } { او يرسل عليكم } من فوقكم { حاصبا } ريحا ترمى الحصباء وهى الحصا الصغار يرجمكم بها فيكون اشد عليكم من الغرق فى البحر وقيل ايى يمطر عليكم حصباء كما ارسلها على قوم لوط واصحاب الفيل { ثم لا تجدوا لكم وكيلا } يحفظكم من ذلك ويصرفه عنكم فانه لا رادّ لامره الغالب .(7/256)
أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (69)
{ ام امنتم ان يعيدكم فيه } فى البحر بعد خروجكم الى البر وسلامتكم { تارة } مرة { اخرى } بخلق دواعى تلجئكم الى ان ترجعوا فتركبوه فاسناد الاعادة اليه تعالى مع ان العود اليه باختيارهم ابعتبار خلق تلك الدواعى الملجئة .
وفيه ايماء الى كمال شدة هول ما لاقوه فى التارة الاولى بحيث لولا الاعادة لما عادوا واثرت كلمة فى على كلمة الى المنبئة عن مجرد الانتهاء للدلالة على استقرارهم فيه { فيرسل عليكم } وانتم فى البحر { قاصفا من الريح } وهى التى لا تمر بشئ الا قصفته اى كسرته وجعلته كالرميم وذكر قاصفا لانه ليس بازائه ذكر فجرى مجرى حائض كما فى الكواشى { فيغرقكم } بعد كسر فلككم كما ينبئ عنه عنوان القصف { بما كفرتم } بسبب اشراككم وكفرانكم لنعمة الانجاء { ثم لا تجدوا لكم علينا به } [ بآن غرق كردن ] { تبيعا } مطالبا يتبعنا بانتصار او صرف .
قال فى القاموس التبيع كاميرا التابع ومنه قوله تعالى { ثم لا تجدو لكم علينا به تبيعا } اى ثائرا ولا طالبا انتهى .
وفى الآيات اشارة منها ان الشريعة كالفلك فى بحر الحقيقة اذ لو لم يكن هذا الفلك ما تيسر لاحد العبور على بحر الحقيقة والمقصود منه جذبة العناية اذ هى ليست بمكتسبة للخلق بل من قبيل الفضل فعلى من يريد النيل الى هذه الجذبة ان يسير بقدمى العلم والعمل : قال فى المثنوى
رهروراه طريقت اين بود ... كاو باحكام شريعت مى رود
ومنها ان الاعراض عن الحق بالكفران يؤدى الى الخسران . قال الجنيد لو اقبل صديق على الله الف سنة ثم اعرض عنه لحظة فان ما فاته اكثر مما ناله .
قال اوحد المشايخ فى وقته ابو عبد الله الشيرازى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام وهو يقول من عرف طريقا الى الله فسلكه ثم رجع عنه عذبه الله تعالى بعذاب لم يعذب به احدا من العالمين
درين ره دائما ثابت قدم باش ... بروازرهزن غم بى الم باش
زبازار توجه رو مكردان ... همه سودى كه خواهى اتدرين دان
ومنها ان جميع الجوانب والجهات متساوية بالنسبة الى قدرته تعالى وقهره سلطانه لا ملجأ ولا منجى منه الا اليه فعلى العبد ان يستوى خوفه من الله فى جميع الجوانب حيث كان فان الله كان متحليا بجماله وجلاله فى جميع الاينيات ولذا كان اهل اليقظة والحضور لا يفرقون بين اين واين وبين حال وحال لمشاهدتهم احاطة الله تعالى فان الله تعالى لو شاء لاهلك من حيث لا يخطر بالبال ألا ترى انه اهلك النمرود بالبعوض فكان البعوض بالنسبة الى قدرته كالاسد ونحوه فى الاهلاك وربما رأيت من غص بلقمة فمات فانظر فى ان تلك اللقمة مع انها من اسباب الحاية كانت من مبادى الممات قاماته الله منن حيث يدرى حياته فيه ولو امعنت النظر لوجدت شؤون الله تعالى فى هذا العالم عجيبة
هركرا خواهد خدا آرد بجنك ... نيست كن را قوت بازوى جنك(7/257)
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)
قال الله تعالى { ولقد كرمنا بنى آدم } التكريم والا كرام بمعنى والاسم منه الكرامة والمعنى [ بالفارسية وهر آيينه كرامى كرديم فرزندان آدم را ] .
قال المولى ابو السعود بنى آدم قاطبة تكريما شاملا لبرهم وفاجرهم .
وفى التأويلات النجمية خصصناهم بكرامة تخرجهم من حيز الاشتراك وهى على ضربين جسدانية وروحانية فالكرامة الجسدانية عامة يستوى فيها المؤمن والكافر وهى تخمير طينته بيده اربعين صباحا وتصويره فى الرحمم بنفسه وانه تعالى صوره فاحسن صورته وسواه فعدله فى أى صورة ما شاء ركبه وماشاه سويا على صراط مستقيم مستقيم القامة اخذا بيديه آكلا بصابعه مزينا باللحى والذوائب صانعا بانواع الحرف والكرامة الروحانية على ضربين خاصة وعامة فالعامة ايضا يستوى فيها المؤمن والكفار وهى ان كرمة بنفخه فيه من روحه وعلمه الاسماء كلها وكلمه قبل ان خلقه بقوله ألست بربكم فاسمعه خطابه وانطقه بجوابه بقوله قالوا بلى وعاهده على العبودية واولده على الفطرة وارسل اليه الرسل وانزل عليه الكتب ودعاءه الى الحضرة ووعده الجنة وخوفه النار واظهر له الآيات والدلالات والمعجزات والكرامة الروحانية الخاصة ما كرم به انبياءه ورسوله واولياء وعباده المؤمنين من النبوة والرسالة والولاية والايمان والاسلام والهداية الى الصراط المستقيم وهو صراط الله والسير الى الله وفى الله وبالله عند العبور على المقامات والترقى عن الناسوتيه بجذبات اللاهوتيه والتخلق باخلاق الالهية عند فناء الانانية وبقاء الهوية [ امام قشيرى قدس سره فرموده كه مراد ازبنى آدم مؤمنا نند جه كافرا انرا بنص { من يهن الله فماله من مكرم } ازيتكريم هيج نصيبى نيست وتكريم مؤمنا بدانست كه ظاهر ايشانرا بتوفيق مجاهدات بياراست وباطن ايشانرا بتحقيق مشاهدات منورساخت ] كما قال فى بحر العلوم الظاهر عندنا تكريمهم بالايمان والعمل الصالح بدليل قوله عليه السلام « ان المؤمن يعرف فيى السماء كما يعرف الرجل اهله وولده وانه اكرم على الله من ملك مقرب » انتهى [ محمد ابن كعب رضى الله عنه كفت كه كرامت آدميان بدانست كه حضرت محمد صلى الله عليه وسلم ازايشانست ]
اى شرف دوده آدم بتو ... روشنئ ديده عالم بتو
كيست درين خانه كه خيل تونيست ... كيست برين خوان كه طفيل تونيست
ازتو صلايى بالست آمده ... نيست بمهمانئ هست آمده
{ وحملناهم } [ وبرداشتيم ايشانرا وسوار كرديم ] { فى البر } [ دربيابان بر جهار بايان ] { والبحر } [ ودردريا بكشتيها ] من حملته اذا جعلت له ما يركبه وليس من المخلوقات شئ كذلذك .
وفى التأويلات النجمية اى عبرناهم عن بر الجسمانية وبحر الروحانية الى ساحل الربانية [ ودر حقائق سلمى آمده كه كرامى صاختيم آدميانرا بمعرفت وتوحيد وبرداشتيم ايشانرا دبربر نفس وبحر قلب وكفته اند بر آنست كه ظهور دارد از صفات وبحر آنجه مستوراست ازحقائق ذات ] { ورزقناهم } [ وروى داديم ايشانرا ] { من الطيبات } من فنون النعم المستلذة مما يحصل وبعير صنعهم كالسمن والزبد والتمر والعسل وسائر الحلاوى .(7/258)
وفى التأويلات النجمية وهى المواهب الى طيبها من الحدوث فيطعم بها من يبيت عنده ويسقيهبها وهى طعام المشاهدات وشراب المكاشفات التى لم يذق منها الملائكة المقربون اطعم بها اخس عباده فى اوانى المعرفة وسقاهم بها فى كأسات المحبة افردهم بها عن العالمين ولهذا اسجد لهم الملائكة المقربين : قال المولى الجامى قدس سره
ملائك را جه سوداز حسن طاعت ... جوفيض عشق بر ىدم فروربخت
وقال الحافظ
فرشته عشق نداندكه جيست قصة مخوان ... بخواه جام وكلابى بخاك آدم ريز
{ وفضلناهم } { وافزونى داديم ايشانرا ] اى فى العلوم والادرا كات بما ركبنا فيه من القوى المدركة التى يتميز بها الحق من الباطل والحسن من القبيح { على كثير ممن خلقنا } وهم ما عدا الملائكة عليهم السلام { تفضيلا } عظيما فح عليهم ان يشكروا نعم الله ولا يكفروها ويستعملوا قواهم فى تحصيل العقائد الحقة ويرفضوا ما هم عليه من الشرك الذى لا يقبله احد ممن له ادنى تمييز فضلا عمن فضل على من عدا الملأ الاعلى الذين هم العقول المحصنة وانما استثنى جنس الملائكة من هذا التفضيل لان علوم مهم دائمة عارية عن الخطأ والخلل وليس فيه دلالة على الافضلية بالمعنى المتنازع فيه فان المراد ههنا بيان التفضيل فى امر مشترك بين جميع افراد البشر صالحها وطالحا ولا يمكن ان يكون ذلك هو افضل فى عظم الدرجة وزيادة القربة عند الله تعالى كما فى الارشاد .
وقال فى بحر العلوم فيه دلالة على ان بنى آدم فضلوا على كثر وفضل عليهمقليل وهو ابوهم آدم وامهم حواء عليهما السلام لما فيهما من فضل الاصالة على من تفرع منهما من سائر الناس لا الملائكة المقربون كما زعم الكلبى وابو بكر الباقلانى وحثالة المعتزلة والا يلزم التعارض بين الآيات وذلك ان الله امر الملائكة كلهم بالسجود لآدم على وجه التعظيم والتكريم ومقتضى الحكمة الامر للادنى بالسجود للاعلى دون العكس وايضا قال { وعلم آدم الاسماء كلها } فيفهم منه كل احد من اهل اللسان قصده تعالى الى تفضيل آدم على الملائكة وبيان زيادة علمه واستحقاقه التعظيم والتكريم وقال { ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين } والملائكة من جملة العالم فمحال ان تدل الآية التى نحن بصددها على ما زعموا من تفضيل الملك على البشر كلهم وايضا مما يدل على بطلان ما زعموا قول النبى صلىلله عليه وسلم « ان الله فضل المرسلين على الملائكة المقربين لما بلغت السماء السابعة لقينى ملك من نور على سرير فسلمت عليه فرد على السلام فاوحى الله اليه سلم عليك صفى ونبيى فلم تقم اليه وعزتى وجلالى لتقومن فلا تقعدن الى يوم القيامة »(7/259)
انتهى .
وفى الاسئلة المقحمة المشهور من مذهب اهل الحق ان الانبياء افضل من الملائكة انتهى .
قال الكاشفى [ علمارا در تفضيل بشر مباحث دور ودرازاست آنكه جمهور اهل سنت برآنند كه بنى آدم فاضل ترند از رسل ملائكة ورسل ملائكه افضلند از اولياى بنى آدم واولياى بنى آدم شريفترند ازاولياى ملائكة وصلحاى اهل ايمانرا افضل است برعوام ملائكة وعوام ملائكة بهترند از فساق مؤمنا ] .
وفى التأويلات النجمية { وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا } يعنى على الملائكة لانهم الخلق الكثير ممن خلق الله تعالى وفضل الانسان الكامل على الملك بانه خلق فى احسن تقويم وهو حسن استعداده فى قبول فيض نرو الله بلا واسطة وقد ترفد به الانسان عن سائر المخلوقات كما قال تعالى { انا عرضنا الامانة } الى قوله { وحملها الانسان } والامانة هى نور الله كما صرح به فى قوله { الله نور السموات والارض } الى ان قال { نور على نور يهدى الله لنوره من يشاء } فافهم جدار واغتنم فان هذا البيان اعز من الكبريت الاحمر واغرب من عنقاء مغرب انتهى .
قال الكاشفى [ وعلى الجملة اين آيت دليل فضيلت وجامعيت انسانست كه ازهمه مخلوقات مرآت صافى جهت انعكاسى صفات آلهى همه اوست وبس جنانجه ازمضمون اين ابيات حقائق سمات فهم توان فرمود ]
مد آيينه جمله كون ولى ... همجون آيينه نكرده جلى
به نمودند درو بوجه كمال ... صورت ذو الجلال والافضال
زانكه بوداين تفرق عددى ... مانع از سر جامع واحدى
كشت آدم جلاى اين مرآت ... شدعيان ذات او بجمله صفات
مظهرى كشت كلى وجامع ... سر ذات از صفات از لامع
شد تفاصيل كون را مجمل ... بر مثال تعين اول
بوى اين دائره مكمل شد ... آخر اين نقطه عين اول شد(7/260)
يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72)
{ يوم ندعو } نصب باضمار اذكر على انه مفعول به { كل اناس } [ هر كر وهى را ازبنى آدم ] والاناس جمع الناس كام فى القاموس { بامامهم } اى بمن ائتموا به من نبى فيقال يا امة موسى ويا امة عيسى ونحو ذلك او مقدم فىلدين فيقال يا حنفى ويا شافى ونحوهما او كتاب فيقال يا اهل القرآن ويا اهل الانجيل وغيرهما او دين فيقال يا مسلم ويا يهودى ويا نصرانى ويا مجوسى وغير ذلك .
وفى التأويلات النجمية يشير الى ما يتبعه كل قوم وهو امامهم . فقوم يتبعون الدنيا وزينتها وشهواتها فيدعون يا اهل النيا . وقوم يتبعون الآخرة ونعيمها ودرجاتها فيدعون يا اهل الآخرة . وقوم يتبعون الرسول صلى الله عليه وسلم محبة لله وطلبا لقربته ومعرفته فيدعون يا اهل الله .
وقيل الامام جمع ام كخف وخفاف والحكمة فىدعوتهم ومهاتهم اجلال عيسى عليه السلام وتشريف الحسنين رضى الله عنهما اذ فى نسبتهما الى امهما اظهار انتسابهما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسبا بخلاف نسبتهما الى بيهما والستر على اولاد الزنى وينصره ما روى عن عائشة رضى الله عنها وابن عباس رضى الله عنهما ان النبى عليه الصلاة والسلام قال « ان الله يدعو الناس يوم اليامة بامهاتهم سترا منه على عباده » كما فى بحر العلوم ويؤديه ايضا حديث التلقين حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اذا مات احد من اخوانكم فسويتم عليه التراب فليقم احدكم على رأس قبره ثم ليقل يا فلان ابن فلانة فانه يسمعه ولا يجيب ثم يقول يا فلان ابن فلانه فانه يستوى قاعدا ثم يقول يا فلان ابن فلانة فانه يقول ارشدك الله رحمك الله ولكن لا تشعرون فليقل اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة ان لا اله الا الله وان محمد اعبده ورسوله وانك رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وبالقرآن اماما وبالكعبة قبلة فان منكرا ونكيرا يأخذ كل واحد منها بيد صاحبه يقول انطلق لا تقعد عن من لقن حجته فيكون حجيجه دونهما » فقال رجل يا رسول الله فان لم يعرف اسم امه قال « فلينسبه الى حواء » ذكره الامام السخاوى فى المقاصد الحسنة وصححه باسانيده وكذا الامام القرطبى فى تذكرته وفهم منه شيآن الاول استحباب القيام وقت التلقين والثانى ان المرء يدعى باسمه واسم امه لا باسم ابيه ولكن جاء فى احاديث المقاصد والمصابيح انه عليه السلام قال « انكم تدعون يوم القيامة باسمائكم واسماء آبائكم » ولعله لا يخالف ما سبق فانه ورد ترغيبا فى تحسين الاسماء وتغيير القبيح منها اذ كانوا يسمون بالاسماء القبيحة على عادة الجاهلية مثل المضطجع واصرم وعاصية ونحوها وكان عليه السلام يغير القبيح الى الحسن فغير اصرم وهو الصرم بمعنى القطع الى زرعة وهو بالضم والسكون قطعة من الزرع كأنه قال لست مقطوعا بل انت منبت متصل بالاصل وغير المضطجع الى المنبعث وعاصية الى جميلة { فمن } [ هركه را ] { اوتى } [ داده شود ] يومئذ من اولئك المدعوين { كتابه } صحفه اعماله { بيمينه } وهم السعداء وفى ايتاء الكتاب من جانب اليمين تشريف لصاحبه وتبشير { فاولئك } الجمع باعتبار معنى من { يقرأون كتابهم } قراءة ظاهرة مسرورين وينتفعون بما فيه من الحسنات ولم يذكر الاشقياء وان كانوا يقرأون كتبهم ايضا لانهم اذا قرأوا ما فيها لم فصحوا به خوفا وحياء وليس لهم شئ من الحسنات ينتفعون به { ولا يظلمون } الى لا ينقصون من اجور اعمالهم المرتسمة فىكتبهم بل يؤتونها مضاعفى { فتيلا } اى قدر فتيل وهو ما يفتل بين اصبعين من الوسخ او القشرة التى فى شق النواة او ادنى شئ فان الفتيل مثل فى القلة والحقارة { ومن } [ وهركه } اى من المدعوين المذكورين { كان فى هذه } الدنيا { اعمى } اعمى القلب لا يهتدى الى رشده .(7/261)
يعنى { دلش راه صواب نه بيند ] { فهو فى الآخرة اعمى } لا يرى طريق النجاة لان العمى الاول موجب للثانى فالكافر لا يهتدى الى طريق الجنة والعاصى الى ثواب المطيع والقاصر الى مقامات الكاملين { واضل سبيلا } من الاعمى فى الدنيا لزوال الاستعداد وتعطل الاسباب والآلات وفقدان المهلة .
قال فى التأويلات النجمية { فمن اوتى كتابه بيمينه } فهو اهل السعادة من اصحاب المين وفيه اشارة الى ان السابقين الذين هم اهل الله تعالى لا يؤتون كتابهم كما لا يحاسبون حسابهم { فاولئك يقرأون كتابهم } لانه ما صاحب البصيرة والقراءة والدراية { ولا يظلمون فتيلا } فى جزاء اعمالهم الصالحة وفيه اشارة الى ان اهل الشقاوة الذين هم اصحاب الشمال لا يقرأون كتابهم لانهم اصحاب العمى والجهالة { ومن كان فى هذه اعمى } اى فى هذه القراءة والدراية بالبصيرة اعمى فى الدنيا لقوله { فانها لا تعمى الابصار } الآية { فهو فى الآخرة اعمى } لا يوم تبلى السرائر تجعل الوجوه من السرائر فمن كان فى سريرته اعمى ههنا يكون ثمة فى صورته اعمى للمبالغة لان عمى السريرة ههنا كان قابلا للتدارك وقد خرج ثمة الامر من التدارك فيكون اعمى عن رؤية الحق { واضل سبيا } فى الوصول اليه لفساد الاستعداد واعزاز التدارك انتهى .
يقول الفقير ان قلت هل يحصل الترقى والتيقظ لبعض الافراد بعد الموت الصورى . قلت ان السالك الصادق فى طلبه اذا سافر من مقام طبيعته ونفسه فمات فى الطريق اى بالموت الاضطرارى قبل ان يصل الى مراده بالموت الاختيارى فله نصيب من اجر الواصلين واليه الاشارة بقوله تعالى(7/262)
{ ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع اجره على الله } كما قال بعض الكبار من مات قبل الكمال فمراده يجيئ اليه كما ان من مات فى طريق الكعبة يكتب له اجر حجين انتهى
اشار الى ان الله تعالى قادر على ان يكمله فى عالم البرزخ بواسطة روح من الارواح او بالذات فيصير امره بعد النقصان الموهوم الى الكمال المعلوم وقد ثبت فى الشرع ان الله تعالى يوكل ملكا لبع ض عباده فى القبر فيقرئه القرآن ويعلمه اى ان كان قد مات اثناء التعلم . واما غير السالك فلا يجد الترقى بعد الموت اى بالنسبة الى معرفة الحق اذ من المتفق شرعا وعقلا وكشفا ان كل كمال لم يحصل للانسان فى هذه النشأة وهذى الدار فانه لا يحصل له بعد الموت فى الدار الآخرة كما فى الفكوك فما يدل على عدم الترقى بعد الموت من قوله تعالى { ومن كان فى هذه اعمى فهو فى الآخرة اعمى } انما هو بالنسبة الى معرفة الحق لا لمن لا معرفة له اصلا فانه اذا انكشف الغطاء ارتفع العمى بالنسبة الى دار الآخرة ونعيمها وجحيمها والاحوال التى فيها واما قوله عليه السلام « اذا مات ابن آدم انقطع عمله » فهو يدل على ان الاشياء التى يتوقف حصولها على الاعمال لا تحصل وما لا يتوقف عليها بل يحصل بفضل الله ورحمته فقد يحصل وذلك من مراتب الترقى كما فى شرح الفصوص للمولى الجامى قدس سره فقوله تعالى { ليس للانسان الا ما سعى } ليس معناه ان ما يحصل للانسان مقصور على صعيه بل معناه ليس للانسان الا ما يمكن ان يكون بسعيه فما يمكن ان يكون بسعيه فهو بسعيه والباقى فضل من الله تعالى كالسعى فى مرتب الملك . واما الملكوت فلا يمكن الا بمحض فضل الله فلا مدخل فيه للسعى كما فى الواقعات المحمودية .
فعلى العاقل ان يسعى فى تحصيل البصيرة قبل ان يخرج من الدنيا ويكون من الذين يشاهدون الله تعالى فى كل مرآة من المرايا : وفى المثنوى
اين جهان برآ فتاب ونوره ماه ... او بهشته سرفرو برده بجاه
كه اكر حقست كوآن روشنى ... سربر آر ازجاه بنكر اى دنى
جمله عالم شرق وغرب آن نوريافت ... تاتودر جاهى نخواهد برتوتافت
جه رها كن رو بايوان وكروم ... كم هتيزا ينجا بدان كاللج شوم
اى بسابيدار جشم وخفته دل ... خودجه بيند جشم اهل آب وكل
وانكه دل بيدار ودارد جشم سر ... ربخسبد بر كشايد صد بصر
كرتو اهل دل نه بيدار باش ... الب دل باش ودربيكار باش
وردلت بيدار شدمى خسب خوش ... ست غائب ناظرت ازهفت وشش
كفت بيغمبركه خسبد جشم من ... يك كى خسبد دلم اندر وسن
شاه بيدارست حارس خفته كير ... ان فداى خفتكان دل بصير(7/263)
وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73)
{ وان كادوا ليفتنونك } ذكروا فى سبب نزول هذه الآية وجوها والاسلم ما فى تفسير الكواشى من ان المشركين طلبوا من النبى عليه السلام ان يجعل آية رحمة مكان آية عذاب وبالعكس ويمس آلهتهم عند استلام الحجر ويطرد الضعفاء والمساكين عنه ونحو ذلك واطمعوه فى اسلامهم قالوا فمال الى بعض ذلك فنزل وان هى المخلفة من المشددة وضمير الشأن الذى هو اسمها محذوف واللام هى الفارقة بينها وبين النافية اى ان الشأن قاربوا ان يوقعوك فى الفتنة بالاستزلال ويخدعوك .
قال الكاشفى [ بكردانند ترا ] { عن الذى اوحينا اليك } من الامر والنهى والوعد والوعيد { لتفتى علينا } اى لتختلق علينا { غيره } اى غير الذى اوحينا اليك كما تقدم { واذا } اى ولو اتبعت اهواهم وفعلت ما طلبوا منك { ا تخذوك خليلا } اى صديقا ووليا وكنت لهم وليا وخرجت من ولايتى .(7/264)
وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74)
{ ولولا ان ثبتاك } اى ولولا تثبيتنا اياك على الحق وعصمتنا { لقد كدت تركن اليهم شيأ قليلا } من الركون الذى هو ادنى ميل فنصبه على المصدرية اى لقاربت ان تميل الى اتباع مرادهم شيأ يسيرا من الميل اليسير لقوة خدعهم وشدة احتيالهم لكن ادركتك العصمة فمنعتك من ان تقرب من ادنى مراتب الركون اليهم فضلا عن نفس الركون وهو صريح فى انه عليه السلام ما هم باجابتهم مع قوة الداعى اليها ودليل على ان العصمة بتوفيق الله وعنايته .
قال بعض الكبار انما سماه قليلا لان روحانية النبى اليه السلام كانت فى اصل الخلقة غالبة على بشريته اذ لم يكن حينئذ لروحه شئ يحجب عن الله فالمعنى لولا التثبيت وقوة النبوة ونور الهداية واثر نظر العناية لقد كدت تركن الى اهل الاهواء هوى النفسانية لمنافع الانسانية قدرا يسير لغلبة نور الروحانية وخمود نور البشرية .(7/265)
إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)
{ اذا } لو قاربت ان تركن اليهم ادنى ركنة { لاذقناك ضعف الحياة وضعف الممات } اى عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ضعف ما يعذب به فى الدارين يمثل هذا الفعل غيرك لان خطأ الخطير اخطر وكان اصل الكلام عذابا ضعفا فى الحياة وعذابا ضعفا فى الممات بمعنى مضاعفا ثم حذف الموصوف واقيمت مقامه الصفة وهو الضعف ثم اضيفت اضافة موصوفها فقيل ضعف الحياة وضعف الممات كما لو قيل لاذقناك اليم الحياة واليم الممات { ثم لا تجد لك علينا نصيرا } يدفع عنك العذاب . { امام ثعلبى آورده كه بعد از نزول اين آيت بحضرت فرمود : اللهم لا تكلنى الى نفسى ولو طرفة عين : ]
الهى برره خوددار مارا ... دمى بانفس ما مكذار مارا(7/266)
وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76)
{ وان كادوا } اى وان الشأن قارب اهل مكة { ليستفزونك } يقال استفزه ازعجه اى ليزعجونك بعداوتهم ومكرهم وينزعونك بسرعة وفسر بعضهم الاستفزاز بالاستزلال بالفارسية [ بلغزانيد ] { من الارض } اى الارض التى انت فيها وهى ارض مكة { ليخرجوك منها } . ان قلت أليس اخرجوه بشهادة قوله تعالى { وكأين من قرية هى اشد قوة من قريتك التى اخرجتك } وقوله عليه السلام حين خرج من مكة متوجها الى المدينة « والله انى لاخرج منك وانى لاعلم انك احب بلاد الله الى الله واكرمها على الله ولولا ان اهلك اخرجونى منك ما خرجت »
قلت لم يتحقق الاخراج بعد نزول هذه الآية ثم وقع بعده حيث هاجر عليه السلام باذن الله تعالى وكانوا قد ضيقوه قبل الهجرة ليخرج كما قال الكاشفى [ اهل مكة در اخراج آنحضرت عليه الصلاة والسلام مشاورت كردند ورأى ايشان بران قرار كرفت كه دردشمنى بحد افراط نمايندكه آنحضرت بضرورت بيرون بايد رفت اين آيت نازل شد ] { واذا } اى ولئن اخرجت { لا يلبثون خلافك } اى بعد اخراج { الا قليلا } اى الازمانا قليلا وقد كان كذلك فانهم اهلكوا ببدر بعد هجرته عليه السلام .(7/267)
سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (77)
{ سنة من قد ارسلنا قبلك من رسلنا } السنة العادة ونصبها على المصدرية اى سن الله سنة وهى ان يهلك كل امة اخرجت رسولهم من بين اظهرهم فالسنة لله تعالى واضافتها الى الرسل لانها سنت لاجلهم على ما ينطق به قوله تعالى { ولا تجد لسنتنا } اى لعادتنا باهلاك مخرجى الرسل من بينهم { تحويلا } اى تغييرا وفيه اشارة الى ان من سنة الله تعالى على قانون الحكمة القديمة البالغة فى تربية الانبياء والمرسليمن ان يجعل لهم اعداء يبتليهم بهم فى اخلاص ابريز جواهرهم الروحانية الربانية عن غش اوصافهم النفسانية الحيوانية وهذا الابتلاء لا يتبدل لانه مبنى على الحكمة والمصلحة والارادة القديمة وما هو مبنى عليها لا يتغير .
قال بعض الكبار اهرب من خير الناس اكثر مما تهرب من شرهم فان خيرهم يصيبك فى قلبك وشرهم يصيبك فى بدنك ولان تصاب فى بدنك خير من ان تصاب فى قلبك ولعدو ترجع به الى مولاك خير من حبيب يشغلك عن مولاك وكل بلاء سوط من سياط الله تعالى يسوق الى حقيقة التوحيد ويقطع اسباب العلاقات فهو لذة فى صورة الم : قال الحافظ
بدرد وصاف تراحكم نيست دم دركش ... كه هرجه ساقئ ما كرد عين الطافست
واعلم ان النبى عليه السلام لم يتحرك لا فى ظاهره ولا فى باطنه الا بتحريك الله تعالى فالقاء اهل الفتنة لا يؤثر فى باطنه المنور بفكر ما وميل لكن الله تعالى اشار الى لزوم التحفظ والاحتياط فى جميع الامور فان للانسان اعداء ظاهرة وباطنة والصابر لا يرى الا خيرا وهو زوال الابتلاء وهلاك الاعداء كما قال تعالى { واذاً لا يلبثون خلافك الا قليلا } وفى الحديث القدسى « من اهان لى وليا فقد بارزنى بالمحاربة » اى من اغضب وآذى واحدا من اوليائى وهم المتقون حقيقة التقوى فقد بارزنى بالمحاربة لان الولى ينصر الله فيكون الله ناصره فمن عادى من كان الله ناصره فقد برز لمحاربة الله وظهر .(7/268)
أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)
{ اقم الصلاة } ادمها { لدلوك الشمس } اى وقت زوالها او غروبها يقال دلكت الشمس دلوكا غربت او اصفرت ومالت او زالت عن كبد السماء كما فى القاموس { الى غسق الليل } الى ظلمته وهو وقت صلاة العشاء الاخيرة والغاسق الليل اذا غاب الشفق والمراد اقامة كل صلاة فى وقتها المعين لا اقامتها فيما بين الوقتين على الاستمرار { وقرآن الفجر } اى صلاة الفجر بالنصب عطفا على مفعول اقم او على الاغراء اى الزم وسميت قرآنا لانه ركنها كما تسمى ركوعا وسجودا فالآية تدل على تفسير الدلوك بالزوال جامعة للصلوات الخمس { ان قرآن الفجر كان مشهودا } يشهده ويحضره ملائكه الليل وملائكة النهار ينزل هؤلاء ويسعد هؤلاء فهو فى آخر ديوان الليل واول ديوان النهار . يعنى [ رشتكان شب اورا مشاهده ميكنند ودر آخر ديوان اعمال شب ثبت مى نمايند وملائكهُ روز اورا مى بينند وافتتاح اعمال روز ثبت ميكنند ] وفى وقت الصباح ايضا شواهد القدرة من تبدل الظلمة بالضياء والنوم الذى هو اخو الموت بالانتباه(7/269)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)
{ ومن الليل } نصب على الظرفية اى قم بعض الليل { فتهجد به } اى ازل والق الهجود وهو النوم فان صيغة التفعل تجيئ للازالة نحو تأثم اى جانب الاثم وازاله ويكون التهجد نوما من الاضداد والضمير المجرور للقرآن من حيث هو لا بقيد اضافته الى الفجر او للبعض المفهوم من قوله ومن الليل اى تهجد فى ذلك البعض على ان الباء بمعنى فى { نافله لك } النفل فى الاصل بمعنى الزيادة اى فريضة زائدة على الصوات الخمس المفروضة خاصة بك دون الامة كما روت عائشة رضى الله عنهما « ثلاث على فريضة وهى سنة لكم الوتر والسواك وقيام الليل » او تطوعا لزيادة الدرجات بخلاف تطوع الامة فانه لتكفير الذنوب وتدارك الخلل الواقع فى فرائضهم كما قال قتادة ومجاهد ان الوجود قد نسخ فى حقه عليه السلام كما نسخ فى حق الامة فصارت الامور المذكورة نافلة لان الله تعالى قال { نافلة لكم } ولم يقل عليك وانتصاب نافلة على المصدرية بقدير تنفل { عسى } فى اللغة للطمع والطمع والاشفاق من الله كالواجب .
قال الكاشفى [ شايد والبته جنين بود ] { ان يبعثك ربك } من القبر فيقيمك { مقاما محمودا } عندك وعند جميع الناس وهو مقام الشفاعة العاملة لاهل المحشر يغبطه به الاولون والآخرون لان كل من قصد من الانبياء للشفاعة يجيد عنها ويحيل على غيره حتى يأتوا محمدا للشفاعة فيقول انا لها ثم يشفع فيشفع فيمن كان من اهلها [ صاحب فتوحات أورده كه مقام محمود مقاميست مرجع جميع مقامات ومنظر تمام اسماء الهية وآن خاصه حضرت محمد است وباب شفاعت درين مقام كشاده ميتود
اى ذات تودردوكون مقصودودود ... نام تو محمد ومقامت محمود
والآية رد على المعتزلة المنكرين للشفاعة زعما انها تبليغ غير المستحق للثواب الى درجة المستحقين للثواب وذلك ظلم ولم يعلموا ان المستحق للثواب والعقاب من جعله الله لذلك مستحقا بفضله وعدله ولا واجب لاحد على الله بل هو يتصرف فى عباده على حكم مراده فان قالت المتزلة رويتم عن النبى عليه السلام « شفاعتى لاهل الكبائر من امتى » فعلى هذا المستحق للشفاعة انما هو من قتل النفس وزنى وشرب الخمر فان اصحاب الكبائر هؤلاء وهذا اغراء ظاهر لخلق الله على مخالفة اوامره .
فالواب انه ليس فيه اغراء وانما فيه ان صاحب الكبائر مع قربه من عذاب الله واستحقاقه عقوبته تستدركه شفاعتى وتنجيه عنايتى وينقذه ارحم الراحمين بحرمتى ومكانتى ففيه مدح الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه بماله عند الله تعالى من الدرجة الرفيعة والوسيلة فاذا كان حكم صاحب الكبائر هذا فكيف ظنك بصاحب الصغيرة ودعواهم بان يكون ظلما قلت أليس خلقه الله وخلق له القدرة على ارتكاب الكبائر ومكنه منها ولم يكن ذلك اغراء منه على ارتكاب الكبائر كذلك فى حق الرسول صلى الله عليه وسلم كذا فى الاسئلة المقحمة : وفى المثنوى(7/270)
غمركه روز رستخبز ... كذارم مجرمانرا اشك ريز
من شفيع عاصيان باشم بجان ... ارهانم شان زاشكنجه كران
عاصيان واهل كبائر را بجهد ... ارهانم ازعتاب ونقض عهد
صالحان امتم خود فارغند ... زشفا عتهاى من روز كزند
بلكه ايشانرا شفاعتها بود ... فت شان جون حكم نافذمى رود
ترغيب لصلاة التهجد وفى ثمان ركعات قالت عائشة رضى الله عنها ما كان يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رمضان ولا فى غيره على احدى عشرة ركعة يصلى اربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلى اربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلى ثلاثا .
قال الشيخ عبد الرحمن البسطامى صدر سره فى ترويح القلوب اذا دخل الثلث الاخير من الليل يقوم ويتوضأ ويصلى التهجد اثنتى عشرة ركعة يقرأ فيها بما شاء واراد من حزبه وكان عليه الصلاة والسلام يصلى من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر بخمس لا يجلس الا فى آخرهن انتهى وفى الحديث « اشراف امتى حملة القرآن واصحاب الليل »
دلا برخيز وطاعت كن كه طاعت به زهر كارست ... سعادت آنكسى دارد كه وقت صبح بيدارست
خروسان درسحر كوينده قم يا ايها الغافل ... تو از مستى نمى دانى كسى داند كه هشيارست
وعن ابن عباس رضى الله عنهما
اذا كثر الطعام فحذرونى ... فان القلب يفسده الطعام
اذا كثر المنام فنبهونى ... فان العمر ينقصه المنام
اذاكثر الكلام فسكتونى ... فان الدين يهدمه الكلام
اذا كثر المشيب حرّ كونى ... فان الشيب يتبعه الحمام
وفى الخبر « اذا نام العبد عقد الشيطان على رأسه ثلاث عقد فان قعدو ذكر اله انحلت عقدة فان توضأ انحلت عقدة اخرى وان صلى ركعتين انحلت العقد كلها فاصبح نشيطا طيب النفس والا اصبح كسلان خبث النفس » وليل القائم يتنور بنور عبادته كوجهه - حكى - عن شاب عابد انه قال نمت عن وردى ليلة فرأيت كأنّ محرابى قد انشق وكأنى بجوار قد خرجن من المحراب لم ار احسن اوجها منهن واذا واحدة فيهن شوهاء اى قبيحة لم ار اقبح منها منظرا فقلت لمن انتهن ولمن هذه فقلن نحن لياليك التى مضين وهذه ليلة نومك فلو مت فى ليلتك هذه لكانت هذه حظك . وكان بعض الصالحين يقوم الليل كله ويصلى صلاة الصبح بوضوء العشاء كأبى حنيفة رحمه الله ونحوه . قال بعضهم لان أرى فى بيتى شيطانا احب الى من ان ارى وسادة فانها تدعو الى النوم . وقال بعض العارفين ان الله يطلع على قلوب المستيقظين بالاسحار فيملأها نورا فترد الفوائد على قلوبهم فتستنير ثم تنتشر من قلوبهم الى قلوب الغافلين .(7/271)
وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80)
{ وقل رب أدخلنى } القبر { مدخل صدق } اى ادخالا مرضيا على طهارة وطيب من السيآت { وأخرجنى } منه عند البعث { مخرج صدق } اى اخراجا مرضيا ملقى بالكرامة آمنا من السخط يدل على هذا المعنى ذكره اثر البعث . فالمدخل والمخرج مصدران بمعنى الادخال والاخراج والاضافة الى الصدق لاجل المبالغة نحو حاتم الجود اى ادخالا يستأهل ان يسمى ادخالا ولا يرى فيه ما يكره لانه فى مقابلة مدخل سوء ومخرج سوء وقيل المراد ادخال المدينة والاخراج من مكة فيكون نزولها حين امر بالهجرة ويدل عليه قوله تعالى { وان كادوا ليستفزونك } وقيل ادخاله فى كل ما يلابسه من مكان اوامر واخراجه منه ورجح الاكثرون هذا الوجه فالمعنى حديثنا ادخلتنى واخرجتنى فليكن بالصدق منى ولا تجعلنى ذا وجهين فان ذا الوجهين لا يجوز ان يكون امينا { واجعل لى من لدتك } من خزائن نصرك ورحمتك { سلطانا } برهانا وقهرا { نصيرا } ينصرنى من اعداء الدين او ملكا وعزا ناصر اللاسلام مظهرا له على الكفر فاجيبت دعوته بقوله والله يعصمك من الناس فان حزن الله هم الغالبون ليظهره على الدين كله ليستخلفنهم فى الارض ووعده لينزعن ملك فارس والروم فيجعل له وعنه عليه السلام انه استعمل عتاب بن اسيد على اهل مكة وقال ( انطلق فقد استعملتك على اهل الله ) وكان شديدا على المريب لينا على المؤمن وقال لا والله لا اعلم متخلفا يتخلف عن الصلاة فى جماعة الا ضربت عنقه فانه لا يتخلف عن الصلاة الا منافق فقال اهل مكة يا رسول الله لقد استعملت على اهل الله عتاب بن اسد اعرابيا جافا فقال عليه السلام « انى رأيت فيما يرى النائم كأن عتاب ابن اسيد اتى باب الجنة فاخذ بحلقة الباب فقلقها قلقا شديدا حتى فتح له فدخلها » فاعز الله الاسلام لنصرته المسلمين على من يريد ظلمهم فذلك السلطان النصير .(7/272)
وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)
{ وقل جاء الحق } الاسلام والقرآن { وزهق الباطل } من زهق روحه اذا خرج اى ذهب وهلك الشرك والشيطان
ديو بكريزد ازان قوم كه قرآن خوانند ... امام قشيرى قدس سره [ فرموده حق آنست كه براى خداى بود وباطل آنكه بغير او باشد صاحب تأويلات بر آنست كه حق وجود ثابت واجبست عز شانه كه ازلى وابديست وباطل وجود بشرى امكانى كه قابل زوال وفناست وجون اشعة لمعان وجود حقانى ظاهر كردد وجود موهوم ممكن درجنب آن متلاشى ومضمحل شود ]
همه هرجه هستند ازان كمترند ... كه باهستيش نام هستى برند
جو سلطان عزت علم بر كشد ... جهان سر بجيب عدم دركشد
{ ان الباطل } كائنا ما كان { كان زهوقا } اى شانه ان يكون مضمحلا غير ثابت .
عن ابن مسعود رضى الله عنه انه عليه السلام دخل مكة يوم الفتح وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما فجعل بنكت بمحضرة كانت بيده فى عين واحد واحد ويقول { جاء الحق وزهق الباطل } فينكب لوجه حتى القى جميعا وبقى صنم خزاعة فوق الكعبة وكان من صفر فقال ( يا على ارم به ) فصعد فرمى به فكسره .(7/273)
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)
{ وننزل من القرآن ما هو شفاء } لما فى الصدور من ادواء الريب واسقام الاوهام { ورحمة للمؤمنين } به فانهم ينتفعون به ومن بيانية قدمت على المبيناعتناء فان كل القرآن فى تقويم دين المؤمنين واستصلاح نفوسهم كالدواء الشافى للمرضى { ولا يزيد الظالمين الا خسارا } اى لا يزيد القرآن الكافرين المكذبين به الواضعين للاشياء فى غير مواضعها مع كونه فى نفسه شفاء من الاسقام الا هلاكا بكفرهم وتكذيبهم .
وفيه ايماء الى ان ما بالمؤمنين من الشبه والشكوك المعترية لهم فى اثناء الاهداء والاسترشاد بمنزلة الامراض وما بالكفرة من الجهل والعناد بمنزلة الموت والهلاك . وفيه تعجيب من امره حيث يكون مدارا للشفاء والهلاك كبعض المطر يكون در او سما باستعداد المحل وعدم استعداده : قال الحافظ
كوهر باك ببابدكه شود قابل فيض ... ورنه هرسنك وكلى لؤلؤ ومرجان نشود
واعلم ان القرآن شفاء للمرض الجسمانى ايضا روى انه مرض للاستاذ ابى القاسم القشيرى قدس سره ولد مرضا شديدا بحث ايس منا فشق ذلك على الاستاذ فرأى الحق سبحانه فى المنام فشكا اليه فقال الحق تعالى اجمع آيات الشفاء واقرأها عليه واكتبها فى اناء واجعل فيه مشروبا واسقه اياه ففعل ذلك فعوفى الولد وآيات الشفاء فى القرآن ست { ويشف صدور قوم مؤمنين } { شفاء لما فى الصدور } { فيه شفاء للناس } { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين } { واذا مرضت فهو يشفين } { قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء } قال تاج الدين السبكى رحمه الله فى طبقاته ورأيت كثيرا من المشايخ يكتبون هذه الآيات للمريض ويسقاها فى الاناء طلبا للعافية وقوله عليه السلام « من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله يشمل الاستشفاء به للمرض الجسمانى والروحانى .
قال الشيخ التميمى رحمه الله فى خواص القرآن اذا كتبت الفاتحة فى اناء طاهر ومحيت بماء طاهر وغسل المريض وجهه عوفى باذن الله فاذا شرب من هذا الماء من يجد فى قلبه تقلبا او شكا او رجيفا او خفقانا يسكن باذن الله وزال عنه الماء واذا كتبت بمسك فى اناء زجاج ومحيت بماء ورد وشرب ذلك الماء البليد الذى لا يحفظ يشربه سبعة ايام زالت بلادته وحفظ ما يسمع . فعلى العاقل ان يتمسك بالقرآن ويداوى به مرضه وقد ورد ( القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم اما داؤكم فذنوبكم واما دواؤكم فالاستغفار ) فلا بد من معرفة المرض اولا فانه ما دام لم يعرف نوعه لا تتيسر المعالجة واهل القرآن هم الذين يعرفون ذلك فالسلوك بالوسيلة اولى .(7/274)
وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83)
{ واذا انعمنا } [ وجون انعام كنيم ما ] { على الانسان } بالصحة والسعة { اعرض } [ روى بكرداند ازشكرما ] { ونأى بجانبه } [ وبنفس خود دور شود وكرانه كيرد يعنى تكبر وتعظم نمايد وازطريق حق برطرف كردد ] فهو كناية عن الاستكبار والتعظم لان نأى الجانب وتحويل الوجه من ديدن المستكبرين يقال نأيته وعنه بعدت وكذا ناء { واذا مسه الشر } من فقر او مرض او نازلة من النوازل وفى اسناد المساس ال الشر بعد اسناد الانعام الى ضمي الجلالة ايذان بان الخير مراد بالذات والشر ليس كذلك { كان بؤسا } شديد اليأس من روح الله وفضله وهذا وصف للجنس باعتبار بعض افراد ممن هو على هذه الصفة ولا ينافيه قوله تعالى { فاذا مسه الشر فذو دعاء عريض } واظاهره فان ذلك شأن بعض منهم .(7/275)
قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (84)
{ قل كل } من المؤمنين والكافرين { يعمل } عمله { على شاكلته } طريقته التى تشاكل حاله فى الهدى والضلالة : يعنى [ هركس آن كندكه ازوسزد ]
هركسى آن كند كزوشايد ... من قولهم طريق ذو شواكل وهى الطرق التى تشعب منه .
قال فى القاموس الشاكلة الشكل والناحية والنية والطريقة والمذهب { فربكم } الذى برأكم على هذه الطبائع المختلفة { اعلم بمن هو اهدى سبيلا } اسد طريقا وابين منهاجا اى يعلم المهتدى والضال فيجازى كلا بعمله .
وفى الآية اشارة الى ان الاعمال دلائل الاحوال : وفى المثنوى
درزمين كنيشكر ورخودنيست ... ترجمان هرزمين نبت ويست
فمن وجد نفسه فى خير وطاعة وشكر فليحمد الله تعالى كثيرا ومن وجدها فى شر وفسق وكفران ويأس فليرجع قبل ان يخرج الامر من يده - روى - ان ملكا صاحب زينة واسع المملكة كثير الخزينة اتخذ ضيافة وجمع امراءه واحضر الوان الاطعمة والاشربة فلما ارادوا التناول اذا طرق رجل حلقة الباب بحيث تزلزل السرير فقال له الغلمان ما هذا الحصر وسوء الادب ايها الفقير اصبر حتى نأكل ونطعمك فقال مالى حاجة الى طعاكم وانما اريد الملك فقالوا مالك وللملك فطرق ثانيا اشد من الاول فقصدوا اليه بالسلاح فصاح صيحة وقال مكانكم انا ملك الموت جئت اقبض روح ملك دار الفناء فبطلت حواسهم وقواهم عن الحركة فاستمهل الملك فابى فتأسف وقال لعن الله المال فانه غرنى فاليوم خرجت صفر اليد وبقى نفعه للاعداء وحسابه وعذابه علىّ فانطق الله الما فقال لا تلعنى بل العن نفسك فانى كنت مسخرا لك وكنت مختارا فالآن لم تترك الظلم لاعتيادك حتى تسب البريئ والمذنب انت ففى هذه الحكاية امور . الاول ان الله تعالى انعم على هذا الملك بالملك والمال والجاه والجلال فاعرض عن شكرها ولم يقيدها به : سعدى
خردمند طبعان منت شناس ... بدوزند نعمت بميخ سباس
والثانى انه مسه الموت فكان بؤسا من فضل الله حيث اشتغل باللعن والسب بدل التوبة والتوجه الى الله تعالى والله تعالى يقبل توبة عبده ما لم يغرغر : سعدى
طريقى بدست آر وصلحى بجوى ... شفيعى بر انكيز وعذرى بكوى
كه يكلحظه صورت نبندد امان ... جون بيمانه برشد بدور زمان
والثالث انه عمل على شاكلته فجوزى الشر اذ لم يكن له استعداد لغيره .(7/276)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)
{ ويسألونك } [ آورده اندكه كفار عرب نضر بن حارث وابى بن خلف وعقبة بن ابى معيط را بمدينه فرستادند تا از يهود يثرب استفسار حال حضرت بيغمبر عليه السلام نمايند جون با ايشان ملاقات كرده احوال باز كفتند يهود متعجب شد كفتند اى صناديد عرب ما دانسته ايم كه زمان ظهور بيغمبرى نزديكست وازسخنان شما رائحه احوال آن نبى اسشمام ميتوان كرد شما بجهت آز مايش ازوبر سيد كه طواف مشرق ومغرب كه كرده واحوال جوانان كه درزمان بيشين كم شدند جوكنه است وروح جيست اكرهرسه سؤال راجواب دهد ياهيج كدام را جواب ندهد بدانيدكه او بيغمبر نيست واكر دورا جوا دهد وازروح هيج نكويد بيغمبر است ايشان بمكة آمده مجلس ساختند وازان حضرت سؤال كردند آن دوسؤال را جوا بداد ودر قصه روح اين آيت نازل شد ] { ويسألونك } اى اليهود { عن الروح } الذى هو روح البدن الانسانى ومبدأ حياته سألوه عن حقيقته فاجيبوا بقوله { قل الروح من امر ربى } اى من جنس ما استأثر الله بعلمه من الاسرار الخفية التى لا يكاد يحوم حولها عقول البشر فالامر واحد الامور بمعنى الشأن والاضافة للاختصاص العلمى لا الايجادى لاشتراك الكل فيه كذا فى الارشاد .
وقال البيضاوى من الابداعيات الكائنة بكن من غير مادة وتولد من اصل كاعضاء جسده انتهى .
اعلم ان ما تعلق به الايجاد ودخل تحت الوجود فاما ان يكون حصوله ووجوده لا من مادة ولا فى مدة فهو المبدعات كالمجردات فهى موجودة من كل وجه بالفعل وليس لها حالة منتظرة الوجود وهى مظاهر للاسماء التى بحركة بعضها يتقدر الزمان واما من مادة وفى مدة فهى المسميات بالمحدثات وهى العناصر والمركبات منها واما فى مدة لا من مادة فقيل لا وجود لهذا القسم لان كل ما يتحصل فى مدة لا بد وان يكون من مادة الاعلى قول من ذهب بحدوث النفس الناطقة عند حدوث البدن وهذه الاقسام الباقية مظاهر الاسماء المتغيرة الاحكام على الوجه الذى اطلع عليه اهل الله ذكره دواود القيصرى قدس سره .
قال حضرت شيخى وسندى روح الله روحه الظاهر فى شرح تفسير الفاتحة للشيخ صدر الدين القنوى قدس سره الخلق علام العين والكون والحدوث روحا وجسما والامر عالم العلم والالة والوجوب وعالم الخلق تابع لعالم الامر اذ هو اصله ومبدأ قل الروح من امر ربى انتهى وسيجيئ غير هذا { وما اوتيتم } ايها المؤمنون والكافرون كما فى تفسير الكواشى { من العلم الا قليلا } لا يمكن تعلقه بامثال ذلك اى الا علما قليلا تستفيدونه من طرق الحواس فان اكتساب العقل للمعارف النظرية انما هو من الضروريات المستفادة من احساس الجزئيات ولذلك قيل من فقد حسا فقد علما ولعل اكثر الاشياء لا يدركه الحسن ولا شيأ من احوال المعرفة لذاته وهو اشارة الى ان الروح مما لم يمكن معرفة ذاته الا بعوارض تميزه عما يلتبس به .(7/277)
قال فى بحر العلوم الخطاب فى { وما اوتيتم } عام ويؤيده ما روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال لهم ذلك قالوا انحن مختصون بهذا الخطاب ام انت معنا فيه فقال « بل نحن وانتم لم نؤت من العلم الا قليلا » فقالوا ما اعجب شأنك ساعة تقول ومن يؤت الحكمة فقد اوتى خيرا كثيرا وساعة تقول هذا فنزلت { ولو ان ما فى الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفذت كلمات الله } ما قالوه باطل مردود فان علم الحادث فى جنب علم القديم قليل اذ علم العباد متناه وعلم الله لا نهاية له والمتناهى بالنسبة الى غير المتناهى كقطرة بالاضافة الى بحر عظيم لا غاية له .
قال بعض الكبار علم الاولياء من علم الانبياء بمنزلة قطرة من سبعة ابحر وعلم الانبياء من علم نبينا محمد عليه السلام بهذه المثابة وعلم نبينا منن علم الحق سبحانه بهذه المنزلة فالعلم الذى اوتيه العباد وان كان كثيرا فى نفسه لكنه قليل بالنسبة الى علم الحق تعالى [ شيخ ابومدين مغربى قدس سره فرمودكه اين اندكى كه خدى تعالى داده است از علمنه ازان ماست بلكه عاريتست نزيدك ما وبسيارى آن برسيده ايم بس على الدوام جاهلانيم وجاهل رادعوى دانش نرسد ] قال المولى الجامى
سبحانك لا علم لنا الا ما ... علمت والهمت لنا الهاما
قال فى الكواشى اختلفوا فى الروح وماهيته ولم يأت احد منهم على دعواه بدليل قطعى غير انه شئ بمفارقته يموت الانسان وبملازمته له يبقى انتهى .
يقول الفقير الروح سلطانى وحيوانى والاول من عالم الامر ويقال له المفارق ايضا لمفارقته عن البدن وتعلقه به تعلق التدبير والتصرف وهو لا يفنى بخراب هذا البدن وانما يفنى تصرفه فى اعضاء البدن ومحل تعينه هو القلب الصنوبرى والقلب من عالم الملكوت والثانى من عالم الخلق ويقال له القلب والعقل والنفس ايضا وهو سار فى جميع اعضاء البدن الا ان سلطانه قوى فى الدم فهو اقوى مظاهره ومحل تعينه هو الدماغ وهو انما حدث بعد تعلق الروح السلطانى بهذا الهيكل المحسوس فهو من انعكاس انوار الروح السلطانى وهو مبدأ الافعال والحركات فان الحياة امر مغيب مستور فى الحى لا يعلم الا بآثاره كالحس والحركة والعلم والارداة وغيرها ولولا هذا الروح ما صدر من الانسان ما صدر من الآثار المختلفة لانه بمنزلة الصفة من الذات فكما ان الافعال الالهية تبتنى على اجتماع الذات بالصفة كذلك الافعال الانسانية تتفرع من اجتماع الروح السلطانى بالورح الحيوانى وكما ان الصفات الالهية الكمالية كانت فى باطن غيب الذات الاحدية قبل وجود هذه الافعال والآثار كذلك هذا الروح الحيوانى كان بالقوة فى باطن الروح السلطانى قبل تعلقه بهذا البدن فاذا عرفت هذا وقفت على معنى قوله عليه السلام(7/278)
« اولياء الله لا يموتون بل ينقلون من دار الى دار » لان الانتقال كالانسلاخ حال الفناء التام .
وللروح خمسة احوال . حالة العدم قال الله تعالى { هل اتى على الانسان } الآية . وحالة الوجود فى عالم الارواح قال الله تعالى « خلقت الارواح قبل الاجساد بالفى سنة » وحالة التعلق قال { ونفخت فيه من روحى } وحالة المفارقة قال { كل نفس ذائقة الموت } وحالة الاعادة قال { سنعيدها سيرتها الاولى } اما فائدة حالة العدم فلحصول المعرفة بحدوث نفسه وقدم ضانعه . وما فائدة حالة الوجود فى عالم الارواح فلمعرفة الله بالصفات الذاتية من القادرية والحياتية والعالمية والموجودة والسميعة والبصرية والمتكلمية والمريدية . واما فائدة تعلقه بالجسد فالاكتساب كمال المعرفة فى عالم الغيب والشهادة من الجزئيات والكليات . واما فائدة نفخ الروح فى البدن فلحصول المعرفة بالصفات الفعلية . من الرزاقية والتوابية والغفارية والرحمانية والرحيمية والمنعمية والمحسنية والوهابية . واما فائدة حالة المفارقة فلدفع الخبائث التى حصلت للروح بصحبة الاجسام ولشرب الذوق فى مقام العندية . واما فائدة حالة الاعادة فلحصول النعمات الاخروية .
وفى التأويلات النجمية ان الله تعالى خلق العوالم الكثيرة ففى بعض الروايات خلق ثلاثمائة وستين الف عالم وكنه جعلها محصورة فى عالمين اثنين وهما الخلق والامر كما قال تعالى { الا له الخلق والامر } فعبر عن عالم الدنيا وما يدريك بالحواس الخمس الظاهرة وهى السمع وابصر والشم والذوق واللمس بالخلق وعبر عن عالم الآخرة وهو ما يدريك بالحواس الخمس الباطنة وهى العقل والقلب السر والروح والخفى بالامر فعالم الامر هو الاوليات العظائم التى خلقها الله تعالى للبقاء من الروح والعقل والقلم واللوح والعرش وةالكرسى والجنة والنار ويسمى عالم الامر امرا لانه اوجده بامركن من لا شئ بلا واسطة شئ كقوله { خلقتك من قبل ولم تك شيأ } ولما كان امره قديما فما كوّن بالامر القديم وان كان حادثا كان باقيا وسمى عالم الخلق خلقا لانه اوجده بالوسائط من شئ كقوله { وما خلق الله من شئ } فلم ان الوسائط كانت مخلوقة من شئ مخلوق سماه خلقا خلقه الله للفناء فتبين ان قوله { قل الروح من امر ربى } انما هو لتعريف الروح معناه انه من عالم الامر والبقاء لا من عالم الخلق والفناء وانه لا من عالم الخلق والفناء وانه ليس للاستبهام كما ظن جماعة ان الله تعالى ابهم علم الروح على الخلق واستأثره لنفسه حتى قالوا ان النبى عليه السلام لم يكن علاما به جل منصوب حبيب الله عن ان يكون جاهلا بالروح مع انه عالم بالله وقد من الله عليه بقوله(7/279)
{ وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما } احسبوا ان علم الروح مما لم يكن يعلمه الم يخبر ان الله علمه ما لم يكن يعلم فاما سكوته عن جواب سؤال الروح وتوقفه انتظار للوحى حين سألته اليهود فقد كان لغموض يرىفى معنى الجواب ودقة لا تفهمهما اليهود لبلادة طباعهم وقساوة قلوبهم وفساد عقائدهم فانه وما يعقلها الا العالمون وهم ارباب السلوك والسائرون الى الله فانهم لما عبروا عن النفس وصفاتها ووصلوا الى حريم القلب عرفوا النفس بنور القلب ولما عبروا بالسر عن القلب وصفاته ووصلوا الى مقام السر عرفوا بعلم السر القلب واذا عبروا عن السر ووصلوا الى عالم الروح عرفوا بنور الروح السر واذا عبروا عن عالم الروح ووصلوا الى منزل الخفى عرفوا بشواهد الحق الروح واذا عبروا عن منزلة الخفى ووصلوا الى ساحل بحر الحقيقة عرفوا بانوار صفات مشاهدات الجميل الخفى واذا فنوا بسطوات تجلى صفات الجلال عن اناية الوجود ووصلوا الى الجنة بحر الحقيقة كوشفوا بهوية الحق تعالى واذا استغرقوا فى بحر الهوية وابقوا ببقاء الالهية عرفوا الله بالله فاذا كان هذا حال الولى فكيف حال من يقول علمتت ما كان وما سيكون .
واعلم ان الروح الانسانى وهو اول شئ تعلقت به القدرة جوهرة نورانية ولطيفة ربانية من عالم الامر وعالم الامر هو الملكوت الذى خلق من لا شئ وعالم الخلق هو املك الذى خلق من شئ كقوله تعالى { أولم ينظروا فى ملكوت السموات والارض } وما خلق الله من شئ والعالم عالمان يعبر عنهما بالدنيا والآخرة والملك والملكوت والشهادة والغيب والصورة والمعنى والخلق والامر والظاهر والباطن والاجسام والارواح ويراد بهما ظاهر الكون وباطنه فثبت بالآية ان الملكوت الذى هو باطن الكون خلق من لا شئ اذ ما عداه من الملك خلق من شئ واما قوله صلى الله عليه وسلم « اول ما خلق الله جوهرة . واول ما خلق الله روحى . واول ما خلق الله العقل . واول ما خلق الله القلم »
وقول بعض الكبراء من الائمة ان اول المخلوقات على الاطلاق ملك كروبى يسمى العقل وهو صاحب القلم وتسميته قلما كتسمية صاحب السيف سيفا كما قيل لخالد بن وليد رضى الله عنه سيف الله وهو او لقب فى الاسلام وقوله تعالى { يوم يقوم الروح والملائكة صفا } وقد جاء فى الخبر ( ان الروح ملك يقوم صفا ) فلا يبعد ان يكون هذا الملك العظيم الذى هو اول المخلوقات هو الروح النبوى فان المخلوق الاول مسمى واحد وله اسماء مختلقة فبحسب كل صفة فيه سمى باسم آخر ولا ريب ان اصل الكون كان النبى عليه السلام لقوله(7/280)
« لولاك لما خلقت الكون » فهو اولى ان يكون اصلا وما سواه اولى ان يكون تبعا له لانه كان بالروح بذر شجرة الموجودات فلما بلغ اشده وبلغ اربعين سنة كان بالجسم والروح ثمرة شجرةالموجودات وهى سدرة المنتهى كما ان الثمرة تخرج من فرع الشجرة كان خروجه الى قاب قوسين او ادنى ولهذا قال « نحن الآخرة السابقون » يعنى الآخرون بالخروج كالثمرة والسابقون بالخلق كالبذر فيلزم من ذلك ان يكون روحه صلى الله عليه وسلم اول شئ تعلقت به القدرة وان يكون هو المسمى بالاسماء المختلفة فباعتبار انه كان درة صدق الموجودات سمى درة وجوهرة كما جاء فى الخبر ( اول ما خلق الله جوهرة ) وفى رواية ( درة فنظر اليها فذابت فخلق منها كذا وكذا ) وباعتبار نورانيته سمى نورا وباعتبار وفور عقله سمى عقلا وباعتبار غلبات الصفات الملكة عليه سمى ملكا وباعتبار انه صاحب القلم سمى قلما وكيف يظن به عليه السلام انه لم يكن عارفا بالروح والروح هو نفسه وقد قال « من عرف نفسه فقد عرف ربه » والارواح حلها خلقت من روح النبى صلى الله عليه وسلم وان روحها اصل الارواح ولهذا سمى اميا اى انه ام الارواح فكما كان آدم عليه السلام ابا البشر كان النبى عليه السلام ابا الارواح وامها كما كان آدم ابا وحوا امها وذلك ان الله تعالى لما خلق روح النبى عليه السلام كان الله ولم يكن معه شئ الا روحه وما كان شئ آخر حتى ينسب روحه اليه او يضاف اليه غير الله فلما كان روحه اول باكورة اثمرها الله تعالى بايجاده من شجرة الوجود واول شئ تعلقت به القدرة شرفه بتشريف اضافته الى نفسه تغعلاى فسماه روحى كماسمى اول بيت من بيوت الله وضع للناس وشرفه بالاضافة الى نفسه فقال له بيتى ثم حين اراد ان يخلق آدم سواه ونفخ فيه من روحه اى من الروح المضافة الى نفسه وهو روح النبى صلى الله عليه وسلم كما قال « فاذا سويته ونفخت فيه من روحى » فكان روح آدم من روح النبى عليه السلام بهذا الدليل وكذلك ارواح اولاده لقوله تعالى { ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه } وقال فى عيسى ابن مريم عليه السلام { ونفخنا فيه من روحنا } فكانت النفخة لجبريل وروحها من روح النبى عليه السلام المضاف الى الحضرة وهذا احد اسرار قوله « ادم من دونه تحت لوائى يوم القيامة » ثم قوله تعالى { وما اوتيتم من العلم الا قليلا } راجع الى اليهود الذين سألوا النبى عليه السلام عن الروح يعنى انكم سألتمونى وقد اجبتكم انه من امر ربى ولكنكم ما تفقهون كلامى لانى اخبركم عن عالم الآخرة وعن الغيب وانتم اهل الدنيا والحسن وعلمها قليل بالنسبة الى الآخرة وعلمها فانكم عن علمها غافلون كقوله تعالى { يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون } انتهى ما فى التأويلات باختصار .(7/281)
وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86)
{ ولئن شئنا لنذهبن بالذى اوحينا اليك } اللام الاولى موطئة للقسم المحذوف والثانية لام الجواب وهذا الجواب ساد مسد جوابى القسم والشرط والمعنى والله ان شئنا ذهبنا بالقرآن ومحوناه من المصاحف والصدور فلم نترك منه اثر او بقيت كما كنت لا تدرى ما الكتاب وهذا الكلام وارد على سبيل الفرض والمحال يصح فرضه لغرض فكيف ما ليس بمحال { ثم لا تجد لك به } بالقرآن اى بعد ذهابه كما قال الكاشفى { بس ثيابى تو براى خود بآن يعنى نيابى بعد ازبردن آن ] { علينا وكيلا } [ وكيلى كه آنرا استرداد برماكند وبسينها ومصحفها باز آرد ] وعلينا متعلق بوكيلا .(7/282)
إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (87)
{ الا رحمة من ربك } الا ان يرحمك ربك فيرد علينا كأن رحمته تتوكل عليك بالرد فالاستثناء متصل .
وقال الكاشفى [ ليكن رحمتست از برورد كار توكه آنرا باقى ميكذارد ومحو نمى كند ] فالاستثناء منقطع .
وفى الكواشى الا رحمة مفعول له اى حفظناه عليك للرحمة ثم قال وهذا خطبا له عليه السلام والمرد غيره { ان فضله كان عليك كبيرا } بارسالك وانزال الكتاب عليك وابقائه فى حفظك .
قال الكاشفى [ بدرستى كه فضل اوست برتو بزرك كه تراسيد ولد آدم ساخته وختم بيغمبران كردانيد ولواء حمد ومقام محمود بتوادد وقرآن بتو فرستاده درميان امت نوباقى ميكذارد ومحو نمى سازد ] .(7/283)
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)
{ قل } للذين لا يعرفون جلالة قدر التنزيل بل يزعمون انه من كلام البشر { لئن اجتمعت الانس والجن } اى اتفقوا { على ان يأتوا } [ بيارند } { بمثل هذا القرآن } فى البلاغة وكما المعنى وحسن النظم والاخبار عن الغيب وفهم العرب العرباء وارباب البيان واهل التحقيق وتخصيص الثقلين بالذكر لان التحدى معهما لا مع الملائكة اذا المنكر لكونه من عند الله منهما لا من غيرهما والا فلا يقدر على اتيان مثله الا الله تعالى وحده .
وفى عين الحياة لفظ الجن يتناول الملائكة وكل من لم يدركه حسن البصر لان مستورون عن البصر يقال جن بترسه اذا ستر به ولذا قيل للترس المجن .
وفى بحر العلوم ذكر الانس والجن دون الملائكة اشارة الى ان من شأن الثقلين ان يجتمعوا على المحال بخلاف الملائكة اذ ليس من شأنهم لك { لا يأتون بمثله } بكلام مماثل فله فى صفاته البديعة وهو جواب قسم محذوف دل عليه اللام الموطئة وساد مد جزاء الشرط ولولاها لكان جوابها له بغير جزم لكون الشرط ماضيا .
قال فى التأويلات النجمية وانما قال لا يأتون بمثله لانه ليس لكلام الله تعالى مثل اذا كلامه صفته وكما انه ليس لذاته مثل فكذلك ليس لصفاته مثل لانها قديمة قائمة بذاته تبارك وتعالى وصفات المخلوقات مخلوقة قابلة للتغير والفناء { ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا } مظاهرا ومعاونا فى الاتيان بمثله اى لم يكن بعضهم ظهيرا لبعض ولو كان الخ .(7/284)
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89)
{ ولقد صرفنا } اى بالله قد رددنا وكررنا بوجوه مختلفة توجب زيادة تقرير وبيان ووكادة رسوخ واطمئنان { للناس فى هذا القرآن } المنعوت بالنعوت الفاضلة { من كل مثل } من كل معنى بديع هو كالمثل فى الغرابة والحسن واستجلاب النفس ليتلقوه بالقبول { فابى اكثر الناس الا كفورا } جحودا وانكارا للحق وانكا جماز الاستثناء من الموجب مع انه لا يصح ضربت الا زيد لانه متأول بالنفى مثل لم يرد ولم يرض وما قبل وما اختار .
وفى الآية فوائد منها ان القرآن العظيم اجل النعم واعظمها فوجب على كل عالم وحافظ ان يقوم بشكره ويحافظ على اداء حقوقه قبل ان يخرج الامر من يده . وعن ابن مسعود رضى الله عنه ان اول ما تفقدون من دينكم الامانة وآخر ما تفقدون الصلاة وليصلين قوم ولا دين لهم وان هذا القرآن تصبحون يوما وما فيكم منه شئ فقال رجل كيف ذلك وقد اثبتناه فى قلوبنا واثبتناه فى مصحافنا نعلم ابناءنا ويعلم ابناؤنا ابناءهم فقال يسرى عليه ليلا فيصبح الناس منه فقراء ترفع المصاحف وينزع ما فى القلوب .
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما لا تقوم الساعة حتى يرفع القرآن من حيث نزل له دوى حول العرش كدوى النحل فيقول الرب تعالى ملك فيقول يا رب اتلى ولا يعمل بى اتلى ولا يعمل بى وفى الحديث « ثلاثة هم الغرباء فى الدنيا القرآن فى جوف الظالم والرجل الصالح فى قوم سوء والمصحف فى بيت لا يقرأ منه » قال الشيخ سعدى
علم جندانكه بيشتر خوانى ... جون عمل نيست نادانى
نه محقق بود نه دانشمند جار ... بايى برو كتاب جند
آن تهى مغزرا جه علم وخبر ... كه برو هيزمست ويا دفتر
وقال
عالم اندرميان جاهل را ... مثلى كفته اند صديقان
شاهدى درميان كورانست ... مصحفى درسيان زنديقان
ومنها انه ليس فى استعداد الانسان ولا فى مخلوق غيره ان يأتى بكلام جامع مثل كلام الله تعالى له عبارة فى غاية الجزالة والفصاحة واشارة فىغاية الدقة والحذاقة ولطائف فى غاية اللطف والنظافة وحقائق فى غاية الحقية والنزاهة .
قال جعفر بن محمد الصادق رضى الله عنهما عبارة القرآن للعوام والاشارة للخواص واللطائف للاولياء والحقائق للانبيا : وفى المثنوى
خوش بيان كرد آن حكيم غزنوى ... بهر محجوبان مثال معنى
كه زقرآن كرنه بيند غير قال ... اين عجب نبود ز اصحاب ضلال
كز شعاع آفتاب بر زنور غير ... كرمى مى نيابد جشم كور
تور زقرآن اى بسر ظاهر مبين ... ديو آدم را نيابد جشم كور
تو زقرآن اى بسر ظاهر مبين ... ديو آدم را نبيند جز كه طين
ظاهر قرآن جو شخص آدميست ... كه نقوشش ظاهر وجانش خفيست(7/285)
اعلم ان القرآن غير مخلوق لانه صفة الله تعالى وصفاته باسرها ازلية غير مخلوقة .
قال ابو حنيفة رحمه الله فمن قال انها مخلوقة او وقف فيها او شك فيها فهو كافر بالله وما ذكر من الوجوه الدالة على حدوث اللفظ فهو غير المتنازع فيه عند الاشعرية والمنصورية ايضا كمن قال بان كلامه تعالى حرف وصوت يقومان بذاته ومع ذلك قديم واعجب من هذا قولهم الجلد والعلاقة قديمان ايضا .
وفى الفتوحات المكية قدس الله سر مصدرها ان المفهوم من كون القرآن حروفا امران الامر الواحد يسمى قولا وكلاما ولفظا والامر الآخر يسمى كتابة ورقما وخطا والقرآن يخط فله حروف القرم وينطق به فله حروف اللفظ فهل يرجع كونه حروفا منطوقا بها لكلام الله الذى هو صفته او للمترجم عنه .
فاعلم انه قد اخبرنا نبيه صلى الله عليه وسلم انه سبحانه يتجلى فى يوم القيامة بصورة مختلفة فيعرف وينكر فمن كان حقيقته تقبل التجلى لا يبعد ان يكون الكلام بالحروف المتلفظ بها المسماة كلاما لبعض تلك الصور كما يليق بجلاله وكما تقول تجلى فى صورة كما يليق بجلاله كذلك تقول تكلم بحرف وصوت كما يليق بجلاله وقال رضى الله عنه بعد كلام طويل فاذا تحققت ما قررناه يثبت ان كلام الله هو هذا المتلو المسموع المتلفظ به المسمى قرآنا وتوراة وزبور وانجيلا انتهى .
قال بعضهم كلام الله عين المتكلم فى رتبة ومعنى قائم به فى اخرى كلالكلام النفسى وانه مركب من الحروف ومتعين بها فى عالمى المثال والحسن يحسبهما .
ومنها ان اكثر الناس لا يعرفون قدر النعم الالهية ولا يتنبهون للتنبيهات الربانية فواحد من الالف للجنة وبعث الباقى الى النار وهم الجهلاء الذين اعرضوا عن الحق وتعلمه : وفى المثنوى
بند كفتين باجهول خوابناك ... تخم افكندن بوددرشوره خاك
جاك حمق وجهل نبذيرد رفو ... تخم حكمت كم دهش اى بندكو(7/286)
وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90)
{ وقالوا } قال الامام الواحدى فى اسباب النزول روى عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما ان عتبة وشيبة وابا سفيان والنضر بن الحارث وابا البخترى والوليد بن المغيرة وابا جهل وعبد الله بن ابى امية وامية بن خلف ورؤساء قريش اجتمعوا عند ظهر الكعبة فقال بعضهم لبعض ابعثوا الى محمد فلكموه وخاصموه حتى تعذروا فيه فبعثوا اليه ان اشرف قومك اجتمعوا لك ليكلموك فجاءهم سريعا وهو يظن انه بدا لهم فى امره بداء وكان عليهم حريصا يحب رشدهم ويعز عليه عتبهم حتى جلس اليهم فقالوا يا محمد انا والله لا نعلم رجلا من العرب ادخل على قومه ما ادخلت على قومك لقد شتمت الآباء وعبت الدين وسفهت الاحلام وشتمت الآلهة وفرقت الجماعة وما بقى امر قبيح الا وقد جئته فيما بيننا وبينك فان كنت انما جئت بهذا تطلب به ما لا جعلنا لك من اموالنا ما تكون به اكثرنا ما لا وان كنت انما تطلب الشرف فينا سودناك علينا وان كنت تريد ملكا ملكناك علينا وان كان هذا الرىّ الذيى يأتيك قد غلب عليك وكانوا يسمون التابع من الجن الرىّ بذلنا اموالنا فى طلب الطب لك حتى نبرئك منه او نعذر فيك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما بى ما تقولون ما جئتكم بما جئتكم به لطلب اموالكم ولا للشرف فيكم ولا للملك عليكم ولكن الله بعثنى اليكم روسلا وانزل على كتابا وامرنى ان اكون لكم بشيرا ونذيرا فبلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم فان تقبلوا منى ما جئتكم به فهو حظكم فى الدنيا والآخرة وان تدروه على اصبر لامر الله حتى يحكم الله بينى وبينكم » قالوا يا محمد فان كنت غير قابل منا ما عرضنا فقد علمت انه ليس من الناس احد اضيق بلادا ولا اقل مالا ولا اشد عيشا منا فسل لنا ربك الذى بعثك بما بعثك فليسر عنا هذه الجبال الى قد ضيقت علينا او يبسط لنا بلادنا وليجر فيها انهارا كانهار الشام والعراق وليبعث لنا ما مضى من آبائنا وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصى بن كلاب فانه كان شيخا صدوقا فنسألهم عما تقول أحق هو أم باطل فان صنعت ما سألناك صدقناك وعرفنا به منزلتك عند الله وانه بعثك رسولا كما تقول فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما بهذا بعثت انما جئتكم من عد الله بما بعثنى به فقد بلغتكم ما ارسلت به فان تقبلوه فهو حظكم فى الدنيا والآخرة وان تردوه اصبر لامر الله » قالوا فان لم تفعل هذا فسل ربك ان يبعث ملكا يصقدك وسله ان يجعل لك جنات وكنوزا وقصورا من ذهب وفضة ويغنيك بها عما سواك فانك تقوم فى الاسواق وتلتمس المعاش فقال عليه السلام(7/287)
« ما انا بالذى يسأل ربه هذا وما بعثت اليكم بهذا ولكن الله بعثنى بشيرا ونذيرا » قالوا سله ان يسقط علينا السماء كما زعمت ان ربك ان شاء فعل فقال عليه السلام « ذلك الى الله تعالى ان شاء فعل » وقال قائل منهم لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله والملائكة قبيلا وقام عبد الله بن ابى امية بن المغيرة المخزومى وهو ابن عاتكة بنت عبد المطلب ابن عمة النبى عليه السلام ثم اسلم بعد وحسن اسلامه فقال لا اومن بك ابدا حتى تتخذ الى السماء سلما وترقى فيه وانا انظر حتى تأتينا وتأتى بنسخة منشورة معك ونفر من الملائكة يشهدون لك انك كما تقول فانصرف رسول الله عليه السلام الى اهله حزينا لما فاته من متابعة قومه لما رأى من مباعدتهم عنه فانزل الله تعالى { وقالوا } اى مشركوا مكة ورؤساؤهم { لن نؤمن لك } لن نعترف لك يا محمد بنبوتك ورسالتك { حتى تفجر لنا } { تا وقتى كه روان سازى براى ما ] { من الارض } ارض مكة { ينبوعا } [ جشمه برآب كه هر كز كم نكردد ] فالينبوع العين الكثيرة الماء ينبع ماؤها ولا يغور ولا ينقطع .(7/288)
أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91)
{ او تكون لك جنة } بستان يستر اشجاره ما تحتها من العرصة { من نخيل وعنب } [ از درختان خرما وانكور يعنى مشتمل بران درختان ] وهما اسم جمع لنخلة وعنبة { فتفجر الانهار } اى تجريها بقوة { خلالها } [ درميان آن بستانها ]
قال فى القاموس خلال الدار ما حوالى جدورها وما بين بيوتها وخلال السحاب مخارج الماء { تفجيرا } كثيرا والمراد اما اجراء الانهار خلالها عند سقيها او ادامة اجرائها كما ينبئ عنه الفاء لا ابتداؤه .(7/289)
أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92)
{ او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا } جمع كسفة كقطع وقطعة لفظا ومعنى حال من السماء والكاف فى كما فى محل النصب على انه صفة مصدر محذوف اى اسقاطا مماثلا لما زعمت يعنون بذلك قوله تعالى { او يسقط عليهم كسفا من السماء } { او تأتى } [ يابيارى ]
{ بالله والملائكة قبيلا } مقابلا كالعشير والمعاشر كما قال الكاشفى [ در مقابله يعنى عيان نمايى انتهى ] او كفيلا يشهد بصحة ما تدعيه وهو حال من الجلالة وحال الملائكة محذوفة لدلالتها عليها اى والملائكة قبيلا .(7/290)
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)
{ او يكون لك بيت من زخرف } من ذهب واصله الزينة .
قال الكاشفى [ خانه از زركه درانجا بنشينى واز درويشى بازرهى ] { او ترقى } تصعد { فى السماء } فى معرجها فحذف المضاف يقال رقى فى السلم وفى الدرجة كرضى رقيا اى صعد وعلا صعودا وعلوا { ولن نؤمن لرقيك } اى لاجل رقيك فيها وحده اى صعودك فاللام للتعليل او لن نصدق رقيك فيها فاللام صلة { حتى تنزل } منها { علينا كتابا } فيه تصديقك { نقرؤه } نحن من غير ان يتلقى من قبلك وكانوا يقصدون بمثل هذه الاقتراحات اللج والعناد ولو كان مرادهم الاسترشاد لكفاهم ما شاهدوا من المعجزات { قل } تعجبا من شدة شكيمتهم واقتراحهم وتنزيها لساحة السبحان { سبحان ربى } [ باكست بروردكار من از آنكه بروى تحكم كند كسى يا شريك او شود در قدرت ] { هل كنت } [ آيا هستم من } { الا بشر } لا ملكا حتى يتصور منى الترقى فى السماء ونحوه { رسولا } مأمورا من قبل ربى بتبليغ الرسالة من غير ان يكون لى ف الامر كسائر الرسل وكانوا لا يأتون قومهم الا بما يظهره الله على ايديهم حسبنا يلائم حال قومهم ولم تكن الآيات اليهم ولا لهم ين يتحكموا على الله بشئ منها وقوله بشرا خبر كنت ورسولا صفته وفيه اشارة الى انهم ارباب الحس الحيوانى يطلبون الاعجاز من ظاهر المحسوسات ما لهم بصيرة يبصرون بها شواهد الحق ودلائل النوبة واعجاز عالم المعانى بالولاية الروحانية والقوة الربانية فيطلبون فيه تزكية النفوس وتصفية القلوب وتحلية الارواح وتفجير ينابيع الحكمة من ارض القلوب لينبت منها تخيل المشاهدات واعناب المكاشفات فى جنات المواصلات .
فعلى السالك الصادق ان يطلب الوصول الى عالم المعنى فانه هو المطلب الاعلى ولن يصل اليه الا بقدمى العلم والعمل والرجوع الى حالة التراب بالواضع قال عيسى عليه السلام اين تنبت الحبة قالوا فى الارض فقال عيسى كذلك الحكمة لا تنبت الا فى قلب مثل الارض يشير الى التواضع ورفع الكبر والى هذا الاشارة بقول سيد البشر صلى الله عليه وسلم « ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه » والينابيع لا تكون الا فى الارض وهو موضع نبع الماء وهذا المقام انما يحصل بترك الرياسة وهو بمعرفة النفس وعبوديتها فلا يجتمع العبودية والرياسة ابدا فان واحد لا يصير سلطان ورعية معا والى هذا يشير المولى الجامى بقوله
بالباس فقر بايد خلعت شاهى درست ... زشت باشد جامه نيمى اطلس وثيمى بلاس
فانظر فى هذه الاآيات الى سوء ادب المشركين بالاقتراحات المنقولة عنهم والى كمال الادب المحمدى والفاء الاحمدى وترك الاعتراض - حكى - ان ليلى لما كسرت اناء قيس المجنون رقص ثلاثة ايام من الشوق فقيل ايها المجنون كنت تظن ان ليلى تحبك فقد كسرت اناءك فضلا عن المحبة فقال انما المجنون من لم يتفطن لهذا السر يعنى ان كسر الوعاء عبارة عن الافناء فالطالب لا يصل الى مقصوده الا بعد افناء وجوده(7/291)
خمير مائه هرنيك وبدتويى جامى ... خلاص ازهمه مى بايدت زخوذ بكريز
فالعاقل يسعى فى افناء الوجود واستجلاب الشهود ويجهد فى تطهير القلب من الادناس ولا يأنس بشئ سوى ذكر رب الناس .
وقال الامام الغزالى رحمه الله لا يبقى مع العبد عند الموت الا ثلاث صفات صفاء القلب اعنى طهارته عن ادناس الدنيا وانسه بذكر الله تعالى وحبه لله وصفاء القلب وطهارته لا يكون لا بالمعرفة ولا تحصل المعرفة بدوام الذكر والفكر وهذه الصفات الثلاث هى المنجيات .(7/292)
وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94)
{ وما منع الناس } اى قريشا من { ان يؤمنوا } بالقرآن وبالنبوة { اذ جاءهم الهدى } وقت مجيئ الوحى ظرف لمنع او يؤمنوا { الا ان قالوا } الا قولهم { أبعث الله بشرا } حال من { رسولا } منكرين ان يكون رسول الله من جنس البشر فالمانع هو الاعتقاد المستلزم لهذا القول { قل } جوابا الشبهتهم .(7/293)
قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (95)
{ لو كان } لو وجد واستقر { فى الارض } بدل البشر { ملائكة يمشون } على اقدامهم كما يمشى الناس ولا يطيرون باجنحتهم الى السماء فيسمعوا من اهلها ويعلموا ما يجب علمه { مطمئنين } ساكينين فيها قارين { لنزلنا عليهم من السماء ملكا } حال من { رسولا } ليبين لهم ما يحتاجون اليه من امور الدنيا والدين لان الجنس الى الجنس يميل ولما كان سكان الارض بشرا وجب ان يكون رسولهم بشرا ليمكن الافادة والاستفادة وهم جهلوا ان التجانس يورث التوانس والتخالف يوجب التنافر
او بشر فرمود وخودرا مثلكم ... تابجنس آيندوكم كر دندوكم
زانكه جنسيت عجائب جاذبيست ... جاذب جنست هرجاطا البيست(7/294)
قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (96)
{ قل كفى بالله } وحده { شهيدا } على انى بلغت ما ارسلت به اليكم وانكم كذبتم وعاندتم { بينى وبينكم } لم يقل بيننا تحقيقا للمفارقة { انه كان بعباده } من الرسل والمرسل اليهم { خبيرا بصيرا } محيطا بظواهر احوالهم وباطنها فيجازيهم على ذلك .
وفيه تسلية له عليه السلام وتهديد للكافرين .
وفى الآية اشارة الى ان الجهلاء يستبعدون ارسال الانسان الكامل من ابناء جنسهم ويحسبون ان الملائكة اعلى درجة منه مع ما جعله الله مسجودا للملائكة واودع فيه من سر الخلافة ولو كان الملك مستأهلا للخلافة فى الارض لكان الله نزل رسولا من الملائكة وهو شاهد بانه مستعد للرسالة والخلافة والملك .(7/295)
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98)
{ ومن يهد الله } ابتداء كلام ليس بداخل تحت الامر اى يخلق فيه الاهتداء الى الحق .
قال الكاشفى [ وهر كراره نما يدخداى تعالى يعنى حكم كند بهدايت اوونوفيق ] { فهو المتهد } لا غير { ومن يضلل } اى يخلق فيه الضلال بسوء اختياره .
قال الكاشفى [ وهركرا كمراه سازد يعنى حكم فرمايد بضلالات او وفرو كذارد اورا ] { فلن تجد لهم } اشار بالتوحيد فى جانب الهداية الى وحدة طريق الحق وقلة سالكيه وبالجمع فى جانب الضلال الى تعدد سبل الباطل وكثرة اهله { اولياء } كائنين { من دونه } تعالى فهو فى موقع الصفة ويجوز ان يكون حالا كما فى بحر العلوم اى انصارا يهدونهم الى طريق الحق ويدفعون عنهم الضلالة وفى الحديث « انما انا رسول وليس الىّ من الهداية شئ ولو كانت الهداية الىّ لآ من كل من فى الارض وانما ابليس مزين وليس له من الضلالة شئ ولو كانت الضلالة اليه لاضل كل من فى الارض ولكن الله يضل من يشاء ويهدى من يشاء » قال الحافظ
مكن بجشم حقارت نكاه برمن مست كه نيست معصيت وزهد بى مشيت او
{ ويحشرهم يوم القيامة } كائنين { على وجوههم } سحبا او مشيا فان الذى امشاهم على اقدامهم قادر على ايمشيهم على وجوههم رعميا } حال من ضمير وجوههم وهو جمع اعمى وبكما } جمع ابكم وهو الاخرس { وصما } جمع اصم من الصمم محركة وهو انسداد الاذن وثقل السمع .
ان قيل ما وجه الجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى { سمعوا لها تغيظا وزفيرا } وقوله { ورأى المجرمون النار } قووله { ادعوا هنالك ثبورا } .
قلت قال ابن عباس رضى الله عنهما معنى الآية لا يرون ما يسرّهم ولا ينطقون بما يقبل منهم ولا يستمعون ما يلذ مسامعهم لما قد كانوا فى الدنيا لا يستبصرون بالآيات والعبر ولا ينطقون بالحق ولا يستمعون .
وقال مقاتل هذا اذا قيل لهم اخسأوا فيها ولا تكلمون فيصيرون باجمعهم صما بكما عميا نعوذ بالله من سخطه .
وفى التأويلات النجمية { ونحشرهم } الخ لانه كانوا يعشون فى الدنيا مكبين { على وجوههم } فى طلب السفليات فى الدنيا وزخارفها وشهواتها { عميا } عن رؤية الحق { وبكما منقول الحق { وصما } عن استماع الحق وذلك لعدم اصابة النور المرشوش على الارواح { ومن كان فى هذه اعمى } الآية وقال صلى الله عليه وسلم « يموت الانسان على ما عاش ويحشر على ما مات عليه » { مأواهم } منزلهم ومسكنهم والمأوى كل مكان أى اليه شئ ليلا كان او نهارا { جهنم } خبر مأواهم والجملة استنائف { كلما خبت } يقال خبت النار والحرب والحدة خبوا وخبوّا سكنت وطفئت كما فى القاموس { زدناهم سعيرا } [ بيفرزاييم براى ايشان آتش سوزان افروزيم آتش را ] اى كلما سكن لهبها بان اكلت جلودهم ولحومهم ولم يبق فيهم ما تتعلق به النار زدناهم توقدا بان بدلناهم جلودا غيرها فعادت ملتهبة ومسعرة .(7/296)
فان قلت قوله تعالى { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها } يدل على ان النار لا تتاجوز فى تعذيبهم عن حد الانضاج الى حد الاحراق والافناء .
قلت النضج مجاز عن مطلق تأثير النار ثم ما ذكر من التجديد بعد الافناء عقوبة لهم على انكارهم الاعادة بعد الفناء بتكريرها مرة بعد اخرى ليروها بعد اخرى فيروها عيانا حيث لم يعلموها برهانا كما يفصح عنه قوله { ذلك } مبتدأ خبر قوله { جزاؤهم بانهم } بسبب انهم { كفروا بآياتنا } العقلية والنقلية الدالة على صحة الاعادة دلالة واضحة .
وفى التأويلات كانوا فى جهنم الحرص والشهوات كلما اسكنت نادر شهوة باستفياء حظها زادوا سعيرها باشتغال طلب شهوة اخرى ولو كانوا مؤمنين بالحشر والنشر ما اكبوا على جهنم الحرص على الدنيا وشهواتها وما اعرضوا عن الآيات البينات الى جا بها الانبياء عليهم السلام : وفى المثنوى
كوزه جشم حريصان برنشد ... تاصدف قانع نشد بردر نشد
{ وقالوا } منذرين اشد الانكار { ائذا كنا عظاما } { آيا آن وقت كه كرديم استخوان ] { ورفاتا } الرفات الحطام وهو الفتات المكسر .
وقال مجاهد رفاتا اى ترابا { أئنا لمبعوثون خلقا جديدا } اما مصدر مؤكد من غير لظفه اى لمبعوثون بعثا جديدا واما حال اى مخلوقين متسأنفين وقد سبق تفسير هذه الآية فى هذه السورة .(7/297)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99)
{ أولم يروا } اى ألم يتفكروا ولم يعلموا { ان الله الذى خلق السموات والارض } من غير مادة مع عظمهم { قادر على ان يخلق مثلهم } فى الصغر على ان المثل مقحم والمراد بالخلق الاعادة .
قال الكاشفى { مثل تعبير ازنفس شئ كنند جنانكه مثلك لا يفعل كذا اى انت ] { وجعل لهم اجلا لا ريب فيه } عطف على أولم يروا فانه فى قوة قد رأوا والمعنى قد علموا ان من قدر على خلق السموات والارض فهو قادر على خلق امثالهم من الانس وجعل لهم ولبعثهم اجلا محققا لا ريب فيه هو يوم القيامة .
قال الكاشفى [ بدرستى كه خدى تعالى مقرر كرده است براى فناى ابشان مدتى كه هيج شك نيست دران وآن زمان مركست يابجهت اعاده ايشان اجلى نهاده كه قيامتست ] { فابى الظالمون } فامتنعوا من الانقياد للحق ولم يرضوا { الا كفورا } جحودا به .(7/298)
قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100)
{ قل } [ بكوكافرانرا } { لو انتم تملكون خزائن رحمة ربى } خزائن رزقه التى افضاها على كافة الموجودات وانتم مرتفع بفعل يفسره المذكور لا مبتدأ لانها لا تدخل الا على الفعل والاصل لو تملكون انتم تملكون { اذا لأمسكتم } لبخلتم من قولك للبخيل ممسك فلا يقدر له مفعول { خشية الانفاق } مخافة عاقبته وهو النفاد روكان الانسان قتورا } يقال قتر ضيق . والمعنى كان ضيقا مبالغا فى البخل لان مبنى امره على الحاجة والضنة بما يحتاج اليه وملاحة العوض فيما يبذل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحى من الانصار « من سيدكم يا بنى سلمة » قالوا الجد بن قيس على بخل فيه فقال عليه السلام « واى داء ادوى من البخل بل سيدكم عمر بن الجموح » فالبخل والحرص من الصفات المذمومة فلا بد من تطهير النفس عنهما وتحليتها بالسخاء والقناعة وترك طول الامل فان الشيطان يستعبد البخيل ولو كان مطيعا وينأى عن السخى ولو كان فاسقا وجنس الانسان وان كان قتورا مخلوقا على القبض واليبوسة كالتراب الا ان من افراده خواص متخلقين بصفات الله تعالى ومتحققين باسرار ذاته .
قال حسان بن ثابت رضى الله عنه فى مدح النبى صلى الله عليه وسلم
له راحة لو ان معشار جودها ... على البر كان البر اندى من البحرالراحة
الكف والمعشار بمعنى العشر - روى - ان زيد العابدين رضى الله عنه لقيه رجل فسبه فثارت اليه العبيد والموالى فقال لهم زين العابدين مهلا على الرجل ثم اقبل عليه وقال ماستر من امرنا اكثر ألك حاجة نعينك عليها فاستحيى الرجل فالقى عليه خميصة كانت عليه وهى كساء اسود معلم وامر بالف درهم فكان الجل بعد ذلك يقول اشهد انك من اولاد الرسل ولا يتوهم مغرور انهم كانوا اهل دنيا ينفقون منها الاموال انما كانوا اهل سخاء ومروءة كانت تأتيهم الدنيا فيخرجونها فى العاجل وفيهم يصدق قول القائل
وهم ينفقون المال فى اول الغنى ... ويتسأنفون الصبر فى آخر الفقر
اذا نزل الحى الغريب تقارعوا ... عليه فلم تدر المقل من المثرى
قال الشيخ سعدى قدس سره
اكر كنج قارون بجنك آورى ... نماند مكر آنكه بخشى برى
بخيل توانكر بدينار وسيم ... طلسمست بالاى كنجى مقيم
ازان سالها مى بماند زرش ... كه لرز طلسمى جنين بر سرش
بسنك اجل ناكهان بشكنند ... بآسود كى كنج قسمت كنند(7/299)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101)
{ ولقد آتينا موسى تسع آيات } معجزات { بينات } واضحات الدلالة على نبوته وصحة ما جاء به من عند الله وهى العصا واليد البيضاء والجراد والقمل والضفادع والجم والطوقان والسنون ونقص الثمرات { فاسأل بنى اسرائيل } اى فقلنا له { اذ جاءهم } سلهم يا موسى من فرعون وقل له ارسل معى بنى اسرائيل اى اولاد يعقوب .
وقال الكاشفى [ بس بيرس اى محمد ز بنى اسرائيل يعنى ازعلماى ايشان همين آيات را تا صدق قول توبر مشركان ظاهر كردد ] اى ليظهر صدقك حين اختبروك عندهم على وفق ما اخبرتهم اذ جاءهم [ جون آمد موسى برايشان كه جه كذشت ميان وى وفرعون ] .
وفى التأويلات النجمية اذ جاءهم موسى بهذه الآيات هل رأوها وستدلوا بها وآمنوا كاهل الحق ممن جعلهم الله ائمة يهدون بامره وكانوا بآياته يوقنون { فقال له فرعون } قال فى الارشاد الفاء فصيحة اى فاظهر عند فرعون ما آتيناه من الآيات البينات وبلغه ما ارسل به فقال له فرعون { انى لاظنك يا موسى مسحورا } سحرت فتخبط عقلك ولذا تتكلم بمثل هذه الكلمات الغير المعقولة هو هذا يشبه قوله { ان رسولكم الذى ارسل اليكم لمجنون } ويجوز ان يكون السحور للنسبة بمعنى ذى السحر كما قال فى التأويلات النجمية لما كان فرعون من اهل الظن لا من اهل اليقين رآه بنظر الظن الكاذب ساحرا ورأى الآيات سحرا(7/300)
قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102)
{ قال } موسى { لقد علمت } [ بدرستى كه تو دانسته اى فرعون بدل خود اكرجه بزبان تلفظ نسكنى ] .
وفى التأويلات النجمية لو نظرت بنظر العقل لعلمت انه { ما انزل هؤلاء } يعنى الآيات التى اظهرها { الا رب السموات والارض } خالقهما ومدبرهما { بصائر } حال من الآيات اى بينات مكشوفات تبصرك صدقى ولكنك تعاند وتكابر . وبالفارسية [ آيتهاى روشن كه هريبك دليلست برنبوت من ] .
وفى التأويلات النجمية اى ترى بنور البصيرة والعقل انتهى .
قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر العلم ليس جالبا للسعادة الا من حيث كرده الجهل فلا تحجب علمك فان فرعون علم نبوة موسى وابليس علم حال آدم واليهود علموا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وعلى اخوانه وحرموا التوفيق للايمان فاشقاهم زمانا ذلك الاستيقان قال تعالى { وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا } قال الكمال الخجندى
در علم محققا جدل نيست ... از علم مراد جز عمل نيست
وقال الحافظ
نه من زبى عملى درجهان ملولم وبس ... ملالت علما هم ز علم بى عملست
{ وانى لاظنك يا فرعون مثبورا } مصروفا عن الخير مطبوعا على الشر من قولهم ما ثبرك عن هذا اى ما صرفك او هالكا فان الثبور الهلاك .
وفى التأويلات النجمية اى بلا بصيرة وعقل والظن ظنان ظن كاذب وظن صادق وكان ظن فرعون كاذابا وظن موسى صادقا .(7/301)
فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103)
{ فاراد } اى فرعون من نتائج ظنه الكاذب { ان يستفزهم } الاستفزاز الازعاج . والمعنى بالفارسة .
[ برانكيزد ودور كند موسى وقوم او ] { ومن الارض } اى ارض مصر او من وجه الارض بالقتل الاستئصال { فاغرقناه } اى فرعون { ومن معه } من القبط { جميعا } ونجينا موسى وقومه من نتائج ظنه الصادق .
قال فى الارشاد فعكسنا عليه مكره واستفززناه وقومه بالاغراق }(7/302)
وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104)
{ وقلنا من بعده } اى من بعد اغراق فرعون { لبنى اسرائيل } اولاد يعقوب { اسكنوا الارض } التى اراد ان يستفزكم منها وهى ارض مصر ان صح انهم دخلوها بعده او الارض مطلقا { فاذا جاء وعد الآخرة } يعنى قيامة الساعة { جئنا بكم } [ بياريم شما وايشانرا بحشره كاه ] { لفيفا } [ جماعتى آميخته باهم بس حكم كنيم ميان شما ] تمييز سعداء واشقياء .
واللفيف الجماعات من قبائل شتى قد لف بعضها ببعض .
قال فى القاموس { جئنا بكم لفيفا } مجتمعين مختلطين من كل قبيلة انتهى .
وفى التأويلات النجمية اى يلتف الكافرون بالمؤمنين لعلهم ينجون بهم من العذاب فيخاطبون بقوله تعالى { وامتازوا اليوم ايها المجرمون } ولا ينفعهم التلفف بل يقال لهم { فريق فى الجنة وفريق فى السعير } انتهى .
يقول الفقير وذلك لان التلفف الصورى والارتباط الظاهرى لا ينفع الكفار والمنافقين اذ لم يجمع بينهم وبين المؤمنين الاعتقاد الخالص والعمل الصالح فكانوا كمن انكسرت فينتهم فتعلق من لا يحسن السباحة بالسباح فتعلقه هذا لا ينفعه اذ البحر عميق والساحل بعيد فكم من سباح لا ينجو فكيف غيره : سعدى
در آبى كه بيدا نباشد كنار ... غرور شناور نيايد بكار
وفى الحديث « من ابطأ به عمله لم يسرع به نسبه » يعنى من احره فى الآخرة عمله السيئ او تفريطه فى العمل الصالح لم ينفعه شرف النسب من جهة الدنيا ولم ينجبر به نقيصته فان نسبه ينقطع هناك ألا ترى ان الغصن اليابس يقطع من الشجرة ليبوسته ورطوبة الباقى وغضارته اذ لا مناسبة بينه وبين الاغصان الغضة الطرية فهو وان كان غصن تلك الشجرة متعلقا بها منسوبا اليها لكنه ليبوسته حرى بالقطع وانما النسب المفيد هو نسبه التقوى ولذا قال عليه السلام « كل تقى نفى آلى » وكل من لم يكن متصفا بالتقوى والنقاوة فليس من آله كابى لهب ونحوه وليس له طريق ينتهى الى الله تعالى فياحسرة قوم ظنوا الوصول مع تضييع الاصول وبذل النقد فى الفضول وعرضت على بعض الاكابر عطية من الله تعالى بلا وساطة فقال لا اقبلها الا على يد محمد صلى الله عليه وسلم يعنى على الصراط السوى فجاءته من تم فقد ضوعفت فهذا شاه بان صحة الاتصال بالله انما هى بصحة الاتصار بواسطة وهو الرسول صلى الله عليه وسلم وان الرسول وشريعته محك فتضرب المواهب والعطايا عليه فان جاءت موافقة لما امره قبلت والا ردت اذ يحتمل ان يكون ذلك من قبل الشيطان والنفس جاء ملبوسا بلباس الحق مزخرفا فلا بد من التمييز وهو من اصعب الامور فعليك ايها الاخ فى الله بالثبات والوقار ولا يستفزك العدو حتى لا تقع فى ورطة البوار : قال الحافظ(7/303)
در راه عشق وسوسه اهر من بسيست ... هش دار وكوش دل بيبام سروش كن
والله المنجى والموافق { وبالحق انزلناه وبالحق نزل } اى وما انزلنا القرآن الا ملتبسا بالحق المقتى لانزاله وما نزل الا ملتبسا بالحق الذى اشتمل عليه فالمراد بالحق فى كل من الموضعين معنى يغاير الآخر فلا يرد ان الثانى تأكيد للأول .
قال الكاشفى [ درتيبان آمده كه با بمعنى على است ومراد ازحق محمد صلى الله عليه وسلم يعنى وعلى محمد نزل . درمدارك آورده احمد ابن ابى كجوارى كفت محمد بن سماك بيمارشد قاروزه او بطيب ترسا مى برديم مردى نيكو روى وخوشبووى وجامه باكيزه بوشيده بما رسيد وصورت حال برسيد بوى كفيتم فرمودكه سبحان الله در مهم دوست خدى تعالى از دشمن خدى استعانت مى كنيد باز كرديد وباين سماك بكوييدكه دست خود برموضع وجع بنه وبكوى .(7/304)
وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105)
{ وبالحق انزلناه وبالحق نزل } وازجشم ما غائب شد باز كشتيم وقصه بعرض شيخ رسانيديم دست بران موضع نهاد واين كلمات بكفت فى الحال شفا يافت وكفته اند آن كس خرض عليه السلام بود اثر حكمت اين كار طيبيان الهبست ] .
وفى التأويلات النجمية انزال القرآن كان بالحق لا بالباطل وذلك لانه تعالى لما خلق الارواح المقدسة فى احسن تقويم ثم بالنفخة رده الى اسفل سافلين وهو القالب الانسانى احتاجت الارواح فى الرجوع الى اعلى عليين قرب الحق وجواره الى حبل تعتصم به فى الرجوع فانزل الله القرآن وهو حبله المتين وقال { واعتصموا بحبل الله جميعا } وبالحق نزل ليضل به اهل الشقاوة وبالرد والجحود والامتناع عن الاعتصام به ويبقى فى الاسفل حكمة بالغة منه ويهدى به اهل السعادة بالقبول والايمان والاعتصام به والتخلق بخلقه الى ان يصل به الى كمال قربه فيعتصم به كما قال { واعتصموا بالله هو مولاكم } { وما ارسناك الا مبشرا } للمطيع بالثواب { ونذيرا } للعاصى من العقاب فلا عليك الا التبشير والانذار .
وفى التأويلات النجمية { مبشرا } الاهل السعادة بسعادة الوصول والعرفان عند التمسك بالقرآن { ونذيرا } لاهل الشقاوة بشقاوة البعد والحرمان والخلود فى النيران عند الانفصام عن حبل القرآن وترك الاعتصام به [ سلمى قدس سره فرموده كه مزده دهنده آنراكه ازماروى بكرداند وبيم كننده آنراكه روى بما آورد يعنى بدكارانرا بشارت دهدبست رحمت وكمال فعوما تاروى بدركاه ما آرند
حافظا رفت او بهر كنهكار نست ... ن اميدى مكن اى دوست كه فاسق باشى
نيكانرا انذار كند از اثر هيبت وجلال تابر اعمال خود اعتماد ننمايند
زاهد غرور داشت سلامت نبرد راه ... رنده ازره نياز بدار السلم رفت(7/305)
وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106)
{ وقرآنا } منصوب بمضمر يفسره قوله تعالى { فرقناه } نزلناه مفرقا . وبالفارسية [ وبرا كنده فرستاديم قرآنرا يعنى آيت آيت وسوره سوره ] { لتقرأه على الناس على مكث } اى مهل وتأن فانه ايسر للحفظ واعون على الفهم { ونزلناه } فى ثلاث وعشرين سنة { تنزيلا } على قانون الحكمة وحسب الحوادث وجوابات السائلين .(7/306)
قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107)
{ قل } للذين كفروا { آمنوا به } اى بالقرآن { اول لا تؤمنوا } فان ايمانكم به لا يزيده كمالا وامتناعكم عنه لا يورثه نقصا
حاجت مشاطه نيست روى دلارام را ... والامر للتهديد كما فى تفسير الكاشفى { ان الذين اوتوا العلم من قبله } اى العلماء الذين قرأوا الكتب السالفة من قبل تنزيله وعرفوا حقيقة الوحى وامارات النبوة وتمكنوا من التمييز بين الحق والباطل والمحق والمطبل نحو عبد الله بن سلام واتباعه من اليهود والنجاشى واصحابه من النصارى { اذا يتلى } اى القرآن { عليهم يخرون للاذقان } [ بيفتند برزنخهاى خود ] اى يسقطون على وجوههم فاللام بمعنى على والاذقان الوجوه على سبيل التعبير عن الكل بالجزء مجاز { سجدا } اى حال كونهم ساجدين تعظيما لامر الله وهوتعليل لما يفهم من قوله آمنوا به اولا تؤمنوا من عدم المبالاة بذلك اى ان لم يتؤمنوا فقد آمن به احسن ايمان من هو خير منكم .
قال البيضاوى ذكر الذقن لانه اول ما يلقى الارض من وجه الساجد واللام فيه لاختصاص الخرور به .
قال سعدى المفتى فى حواشيه فيه بحث فانه ظاهر ان اول ما يلقى الارض من وجه الساجد جبهته وانفه الا ان يقال ان طريق سجدتهم غير ما عرفناه انتهى .
يقول الفقير معنى اللقاء هنا كون الذقن اقرب شئ الى الارض من الانف والجبهة حال السجدة اذا الاقرب ال الارض بالنسبة الى حال الخرور الركبة ثم اليدان ثم الرأس واقرب اجزاء الرأس الذقن والاقرب الى السماء بالاضافة الى حال الرفع الرأس واقرب اجزاء الرأس الجبهة فافهم .(7/307)
وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108)
{ ويقولون } فى سجودهم { سبحان ربنا } [ باكست بروردكارما ] عما يفعل الكفرة من التكذيب او عن خلفه وعده الذى فى الكتب السالفة ببعث محمد وانزال القرآن عليه { ان } اى ان الشأن { كان وعد ربنا مفعولا } كائنا لا محالة واقعا البتة لان الخلف نقص وهو محال على الله تعالى .
يقول الفقير الظاهر ان المراد بالوعد وعد الآخرة كما يدل عليه سياق الآية من قصة موسى وفرعون وما قبلها من قصة قريش فى انكار البعث والله اعلم }(7/308)
وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109)
{ ويخرون للاذقان يبكون } اى حال كونهم باكين من خشية الله تعالى كرر الخرور للاذقان لاختلاف السبب فان الاول لتعظيم امر الله والثانى لما اثر فيهم من مواعظ القرآن .
عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال قال النبى صلى الله عليه وسلم « تضرعوا وابكوا فان السموات والارض والشمس القمر والنجوم يبكون من خشية الله » { ويزيدهم } اى القرآن بسماعهم { خشوعا } كما يزيدهم علما ويقينا بالله والخشوع [ فروتنى ] وتضرع .
واعلم ان التواضع والسجود من شأن الارواح والبكاء والخشوع من شأن الاجساد وانما ارسلت الارواح الى الاجساد لتحصيل هذه المنافع فى العبودية .
قال الكاشفى [ اين سجده جهارم است ار سجدات قرآن وحضرت شيخ قدس سره اين را سجود العلماء خوانده وفرموده كه بحقيقت اين سجود متجليست زيراكه خشوع ازوقوع تجلى باشد برظاهر يابرهردو وجون خبر دادكه خشوع ايشان زيادة ميشود وخشوع نمى باشد الا از تجلى الهى بس زيادتى خشوع دليل زيادتئ تجلى باشد وبر آن تقدير اين سجود تجلى بود وساجد بايدكه ببركت اين سجده از فيض تجلى بهره مند وخضوع او بيفزايد ] ما تجلى الله لشئ الا خضع له
لمعه نور تجلى از قدم ... برحدوث افتد فرو ريزدزهم
بس خضوع اينجا زوال هستى است ... وزبلندى موجب اين بستى است
فعليك بذلك الوجود وافنائه فانه تعالى انما يتجلى لاهل الفناء نعم ان الفناء من التجلى كما دل عليه الخبر المذكور : وفى المثنوى
جون تجلى كرد اوصاف قديم ... بس بسوزد وصف محدث را كليم(7/309)
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110)
{ قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن } - روى - ان اليهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم انك لتقل ذكر الرحمن وقد اكثر الله فى التوراة فنزلت . والدعاء بمعنى التسمية لا بمعنى النداء والمراد بالله والرحمن الاسم لا المسمى واو للتخيير والمراد انهما سيان فى حسن الاطلاق والافضاء الى المقصود . والمعنى سموا بهذا الاسم او بهذا واذكروا اما هذا واما هذا { ايا ما تدعوا } [ هر كدام را بخوانيد وبدان حق را خوانده باشيد ] والتنوين عوض عن المضاف اليه وما صلة لتأكيد ما فى أى من الابهام اى أى هذين الاسمين سميتم وذكرتم { فله } اى للمسمى لان التسمية لمسمى هذين الاسمين وهو ذاته تعالى لا للاسم { الاسماء الحسنى } حسن جميع اسمائه يستدعى حسن ذينك الاسمين . والحسنى تأنيث الاحسن لان حكم الاسماء حكم المؤنث نحو الجماعة الحسنى وكونها حسنى لدلالتها على صفات الجلال والجمال .
قال فى بحر العلوم معنى كونها احسن الاسماء انها متسقلة بمعانى التقديس والتمجيد والتعظيم والربوبية والاليهة والافعال التى هى النهارة ف الحسن .
وقال بعضهم نزلت هذه الآية حين سمع المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا الله يا رحمن فقالوا انه ينهانا ان نعبد الهين وهو يدعو الها آخر فالمراد هو التسوية بين اللفظين بانهما مطلقان على ذات واحدة وان اختلف معناهما واعتبار اطلاقهما والتوحيد انما هو للذات الذى هو المعبود واو للاباحة لان الاباحة يجوز فيا الجمع بين الفعلين دون التخيير والله اعلم .
قال المولى الفنارى رحمه الله ان لاسم الجلالة اختصاصا وضعيا واستعماليا وللرحمن اختصاصا استعماليا وقولهم رحمن اليمامة مسيلمة تعنت فى كفرهم كما لو سموه الله مثلا انتهى .
وقال الامام السهيلى رحمه الله فى كتاب التعريف والاعلام كان مسيلمة قديما يتكذب ويتسمى بالرحمن وقد قيل انه تسمى بالرحمن قبل مولد عبد الله والد النبى صلى الله عليه وسلم ثم عمر عمرا طويلا الى ان قتل باليمامة قتله وحشى فى خلاقة ابى بكر رضى الله عنه انتهى - روى - ان بعض الجبابرة سمى نفسه بلفظ الجلالة فصهر ما فى بطنه من دبره وهلك من ساعته لان هذا الاسم الجليل لا يليق الا لجناب الحق تعالى ولهذا لم يشاركه فيه احد كما قال تعالى { هل تعلم له سميا } اى مشاركا له فى هذا الاسم وقال فرعون مصر للقبط انا ربكم الاعلى ولم يقدر ان يقول انا الله تعالى .
قال حضرة الهدائى قدس سره استمداد جميع الاسماء من الاسم الرحمن الذى هو مقام خاتم النبوة والشفاعة العامة واليه ينتهى كل الاسماء واستمداده من اسم الذات فينبغى للسالك ان لا يقصر بالعبادة فى مراتب بعض الاسماء حتى يصل الى المسمى ويجمع جميع الاسماء ويكون فوق الكل : وفى المثنوى(7/310)
دست شد بالاى دست اين تاكجا ... تابيزدان كه اليه المنتهى
كان يكى درياست بى غور وكران ... جملة درياها جوسيلى بيش ان
{ ولا تجهر بصلاتك } اى بقراءة صلاتك فى المسجد الحرام بحيث تسمع المشركين فان ذلك يحملهم على سب القرآن ومن انزله ومن انزله ومن جاء به واللغو فيه ففيه حذف المضاف لان الجهر والمخافتة صفتان تعتقبان على الصوت لا غير والصلاة افعال واذكار او هو من تسمية الجزء بالكل مجازا { ولا تخافت بها } اى بقراءتها بحيث لا تسمع من خلفك من المؤمنين .
قال الكاشفى [ وآواز فمدار رآن ] { وابتغ } اطلب { بين ذلك } اى بين الجهر والمخافتة على الوجه المذكور { سبيلا } امرا وسطا فان خيرا الامور اوساطها والتعبير عن ذلك بالسبيل باعتبار انه امر يتوجه اليه المتوجهون ويؤمه المتقدون فيوصلهم الى المطلوب - روى - ان ابا بكر رضى الله عنه كان يخفت ويقول انا جى ربى وقد علم حاجتى وعمر رضى الله عنه يجهر بها ويقول اطرد الشيطان واوقظ الوسنان فلما نزلت امر رسول الله صلى الله عليه وسلم ابا بكر ان يرفع قليلا وعمر ان يخفض قليلا .(7/311)
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)
{ وقل الحمد لله الذى لم يتخذ ولدا } لان الولادة من صفات الاجسام لا غير وهو رد لليهود والنصارى وبنى مدلج حيث قالوا عزير ابن الله والمسيح ابن الله والملائكة بنات الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا { ولم يكن له شريك فى الملك } فى ملك العالم اى الالوهية فان الكل عبيده والعبد لا يصلح ان يكون شريكا لسيده فى ملكه وهو رد للثنوية القائلين بتعد الآلهة : وفى المثنوى
واحد اندر ملك اورا يارنى ... بند كانش را جز اوسالارنى
نيست خلقش را دكر كس مالكى ... شر كتش دعوى كند جزهالكى
{ ولم يكن له ولى من الذل } لم يوال احدا من اجل مذلة ليدفعها بموالاته فانه محال انه يذل فيحتاج الى احد يتعزز به ويدفع عنه المذلة اذ له العزة كلها فليس له مذلة دلالة ولا له احتياج الى ولى يدفع الذل عنه وهو رد للمجوس والصابئين فى قولهم لولا اولياء الله لذل الله تعالى عن ذلك .
وفى الاسئلة المقحمة كيف جعل عدم الولد علة استحقاق الحمد الجواب ان هذا ليس بتعليل لوجوب الحمد انما هو بيان من يقع له الحمد كما تقول الحمد لله الاول الآخر الحمد لله رب العالمين انتهى .
وفى الكشاف كيف رتب الحمد على نفى الولد والشريك والذل اى مع انه لم يكن من الجميل الاختيارى قلت ان من هذا وصفه هو الذى يقدر على ايلاء كل نعمة فهو الذى يستحق جنس الحمد { وكبره تكبيرا } عظمه تعظيما او قل الله اكبر من الاتخاذ والشريك والولى .
وقال الكاشفى [ يعنى حق را بزر كتر دان ازوصف واصافان ومعرفت عارفان
فكرها عاجزست زا وصافش ... عقهلا هرزه ميزند لافش
عقل عقلست جان جانست او ... آن كزو برترست آنت او
وكان النبى صلى الله عليه وسلم اذا افصح الغلام من بنى عبد المطلب علمه هذه الآية وكان يسميها آية العزة .
قال فى التأويلات النجمية { قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن } يشير الى ان الله اسم الذات والرحمن اسم الصفة { ايا ما تدعوا } اى بأى اسم من اسم الذات والصفات تدعونه { فله الاسماء الحسنى } بدعائك وعبادتك رياء وسمعة { ولا تخافت بها } اى ولا تخفها بالكلية عن نظر لئلا يحرموا المتابة والاسوة الحسنة { وابتغ بين ذلك سبيلا } وهو اظهار الفرائض بالجماعات فى المساجد واخفاء النوافل وحدانا فى البيوت { وقل الحمد لله الذى لم يتخذ ولدا } فيكون كمال عنايته وعواطف احسانه مخصوصا بولده ويحرم عباده معه { ولم يكن له شريك فى الملك } فيكون مانعا له من اصابة الخير الى عباده واوليائه { ولم يكن له ولى من الذل } فيكون محتاجا اليه فينعم عليه دون ما استغنى عنه بل اولياؤه الذين آمنوا وجاهدوا فى الله حق جهاده .(7/312)
وكبروا الله وعظموه بالمحبه والطلب والعبودية وهو معنى قوله { وكبره تكبيرا } انتهى [ علم الهدى فرموده كه حق سبحانه دوست نكيرد تابمدد ايشان ازدل بعز رسد بلكه دوست كيرد تابلطف وى از حضيض مذلت تاباوج عزت ترقى كند ] كما قال الله تعالى { الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور } وهذه الولاية عامة مشتركة بين جميع المؤمنين وترقيهم من الجهل الى العلم وقال تعالى { ألا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } وهذه الولاية خاصة بالواصلين الى الله من اهل السلوك وترقيهم من العلم الى العين ومن العين الى الحق .
قال فى شرح الحكم العطائية ان عباد الله المخلصين قسمان قوم اقامهم الحق لخدمته وهم العباد والزهاد واهل الاعمال والاوراد وقوم خصهم بمحبته وهم اهل المحبة والوداد والصفاء واتباع المراد وكل فى خدمته وتحت طاعته وحرمته اذ كلهم قاصد وجهه ومتوجه اليه قال الله تعالى { كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك } وهذا عام فى كل طريق وظاهر فى كل فريق { وما كان عطاء ربك محظورا } فيحجر او يحصر فى نوع واحد او صفة واحدة .
وقد قال يحيى بن معاذ رضى الله عنه الزاهد صيد الحق من الدنيا والعارف صيد الحق من الجنة .
وقال ابو يزيد البسطامى قدس سره اطلع الله سبحانه الى قلوب اوليائه فمنهم من لم يكن يصلح لحمل المعرفة فشغلهم بالعبادة : قال الحافظ
درين جمن نكنم سرز نش بخودرويى ... جنانكه برورشم ميدهند ميرويم
تمت سورة الاسراء فى اوسط جمادى الاولى من سنة خمس ومائة والف .(7/313)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1)
{ الحمد لله } اللام للاستحقاق اى هو المستحق للمدح والثناء والشكر كله لان كل وجود شئ نعمة من نعمه فلا منعم الا هو .
قال القيصرى رحمه الله الحمد قولى وفعلى وحالى اما القولى فحد اللسان وثناؤه عليه بما اثنى به الحق على نفسه على لسان انبيائه عليهم السلام واما الفعلى فهو الاتيان بالاعمال البدنية من العبادات والخيرات ابتغاء لوجه الله تعالى وتوجها الى جنابه الكريم لان الحد كان يجب على الانسان باللسان كذلك يجب عليه بحسب مقابلة كل عضو بل على كل عضو كالشكر وعند كل حال من الاحوال كما قال النبى عليه السلام « الحمد لله على كل حال » وذلك لا يمكن الا باستعمال كل عضو فيما خلق لاجله على الوجه المشروع عبادة للحق تعالى وانقيادا لامره لا طلبا لحظوظ النفس ومرضاته واما الحالى فهو الذى يكون بحسب الروح والقلب كالاتصاف بالكمالا العلمية والعملية والتخلق بالاخلاق الالهية لان الناس مأمورون بالتخلق بلسان الانبياء صلوات الله عليهم لتصير الكمالات ملكة نفوسهم وذواتهم وفى الحقيقة هذا حمد الحق نفسه فى مقامه التفصيلى المسمى بالمظاهر من حيث عدم مغايرتها له واما حمده ذاته فى مقامه الجمعى الالهى قولا فهو ما نطق به فى كتبه وصحفه من تعريفاته نفسه بالصفات الكمالية وفعلا فهو اظهار كمالاته الجمالية والجلالية من غيبه الى شهادته ومن ابطنه الى ظاهره ومن علمه الى عينه فى مجالى صفاته ومحال آيات اسمائه وحالا فهو تجلياته فى ذات بالفيض الاقدس الاولى وظهور النور الازلى فهو الحامد والمحمود جمعا وتفصيلا : قال المولى الجامى
آنجا كه كمال كبرياى تو بود ... عالم نمى ازبحر عطاى توبود
ما راجه حد حمد وثناى توبود ... هم حمد وثناى تو سزاى توبود
{ الذى انزل على عبده } محمد الذى يستأهل ان يكون عبدا مطلقا حقيقيا حران جميع ما سوى الله ولذا يقول « امتى امتى » يوم يقول كل نبى نفسى نفسى وفيه اشعار بان شأن الرسول ان يكون عبدا للمرسل لا كما زعمت النصارى فى حق عيسى عليه السلام { الكتاب } اى القرآن الحقيق باسم الكتاب وهو فى اللغة جمع الحروف ورتب استحقاق الحمد على انزاله تنبيها على انه من اعظم نعمائه اذ فيه سعادة الدارين { ولم يجعل له } اى القرآن { عوجا } [ جيزى از كجى ] اى شيأ من العوج بنوع اختلال فى النظم وتناف فى المعنى او عدول عن الحق الى الباطل واختار حفص عن عاصم السكت على عوجا وهو وقفة لطيفة من غير تنفس لئلا يتوهم ان ما بعده صفة له واختار السكت ايضا على مرقدنا اذ لا يحسن القطع بالكلية بين مقوليهم ولا الوصل لئلا يتوهم ان هذا اشارة الى مرقدنا فافهم .(7/314)
قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2)
{ قيما } انتصابه بمضمر تقديره جعله قيما اى مستقيما معتدلا لا افراط فيه ولا تفريط او قيما بالمصالح الدينية والدنيوية للعباد فيكون وصفا له بالتكميل بعد وصفه بالكمال والقيم والقيوم والقيام بناء مبالغة للقائم .
قال الكاشفى [ درتأويلات آورده كه ضمير له راجع بعبداست ومعنى آنكه نداد بنده خودرا ميل بغير خود وكردانيد اورا مستقيم درجميع احوال ] { لينذر } اى انزل لينذر الكتاب او محمد بما فيه الذين كفروا { بأسا } عذابا { شديدا } صادرا { من لدنه } من عنده تعالى نازلا من قبله بمقابلة كفرهم وتكذيبهم وهو اما عذاب الاستئصال فى الدنيا اةو عذاب النار فى العقبى او كلاهما وانما قال من لدنه لانه هو المعذب دون الغير { ويبشر } [ مزده دهد ] { المؤمنين } المصدقين { الذين يعملون الصالحات } اى الاعمال الصالحة وهى ما كانت لوجه الله تعالى { ان لهم } اى بان لهم فى مقابلة ايمانهم واعمالهم المذكورة { اجرا حسنا } هو الجنة وما فيها من النعيم .(7/315)
مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3)
{ ما كثين } حال من ضمير لهم { فيه } اى فى ذلك الاجر { ابدا } من غير انقطاع وانتها وتغير حال نصب على الظرفية لماكثين وتقديم الانذار على التبشير لتقدم التخلية على التحلية .(7/316)
وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4)
{ وينذر } ايضا خاصة { الذين قالوا اتخذ الله ولدا } كاليهود والنصارى وبنى مدلج من كفار العرب .(7/317)
مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5)
{ ما لهم به } اى باتخاذه تعالى ولدا { من علم ولا لآبائهم } الذين قلدوهم فى ذلك يعنى لا يقتضى العلم ان يتخذ الله ولدا لاستحالته فى نفسه وانما قالوا بالجهل من غير فكر ونظر فيما يجوز على الله ويمتنع ومن علم مرفوع على الابتداء ومن مزيدة لتأكيد النفى { كبرت } عظمت اى نبت { كلمة } تمييز وتفسير للضمير المبهم الذهنى فى كبرت مثل ربه رجلا { تخرج من افواههم } صفة للكملة تفيد استعظام اسجترائهم على التفوه بها والخارج بالذات هو الهواء الحامل لها يعنى اسناد الخروج اليها مع ان الخارج هو الهواء المتكيف بكيفية الصوت لملابسته بها .
قال القاضى عظمت مقالتهم هذه فى الكفر لما فيها من التشبيه والتشريك وايهام احتياجه الى ولد بعينه ويخلفه الى غير ذلك من الزيغ .
وفى التأويلات كبرت كلمة كفر وكذب قالوها عند الله تعالى وهى اكبر الكبائر اذ نسبوها الى الله وكذبوا عليه وكذبوه { ان يقولوا } اى ما يقولون فى هذا الشأن { الا كذبا } الا قولا كذبا لا يكاد يدخل تحت امكان الصدق .(7/318)
فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)
{ فلعلك } [ بس تو مكر ] { باخع } مهلك { نفسك }
قال فى التأويلات النجمية معناه نهى اى لا تنجع نفسك كما يقال لعلك تريد ان تفعل كذا اى لا تفعل كذا او فكأنك كما قال تعالى فى شأن عاد { وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون } .
قال فى القاموس بخع نفسه كمنع قتلها غما وبخع بالشاة بالغ فى ذبحها حتى بلغ البخاع هذا اصله ثم استعمل فى كل مبالغة فلعلك باخع نفسك اى مهلكها مبالغا فيها حرصا على اسلامهم والبخاع ككتاب عرق فى الصدر ويجرى فى عظم الرقبة وهو غير النخاع بالنون فيما زعم الزمخشرى انتهى { على آثارهم } غما ووجدا على فراقهم .
قال الكاشفى [ بعد از بر كشتن ايشان از تو يابس از انكار ايشان ترا يعنى كار برخود آسان كير وغم بردل بى غل منه ] { ان لم يؤمنوا بهذا الحديث } اى القرآن .
ان قلت تسمية القرآن حديثا دليل على حدوثه .
قلت سماه حديثا لانه يحدث عند سماعهم له معناه ولانه عائد الى الحروف التى وقعت بها العبارة عن القرآن كا فى الاسئلة المقحة .
قال فى الصحاح الحديث ضد القديم ويستعمل فى قليل الكلام وكثيره { اسفا } مفعلول له لباخع والاسف اشد الحزن كما فى القاموس اذ لفرط الحزن والغضب والحسرة مثل حاله صلى الله عليه وسلم فى شدة الوةجد على اعراض القوم عن الايمان بالقرآن وكمال التحسر عليهم بحال من يتوقع منه اهلاك نفسه عند مفارقة احبته تأسفا على مفارقتهم وهذه غاية الرحمة والشفقة على الامة وكمال القيام باداء حقوق الرسالة والاقدام على العبودية فوق الطاقة وكان من دأبه صلى الله عليه وسلم ان يبالغ فى القيام بما امر الى حد ان ينهى عنه كما انه صلى الله عليه وسلم حين امر بالانفاق بالغ فيه الى ان اعطى فميصه وقعد فى البيتع عريانا فنهى عن ذلك بقوله { ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا } فتكلم بعض الكبار فى الحزن فقال الحزن حلية الادباء طوبى لمنكان شعاره الحزن ودثاره الحزن وبيته الحزن وطعامه الحزن وشرابه الحزن به يلتذ الصديقون والنبيون اذا احب الله تعالى عبدا القى له نائحة فى قلبه ومن لم يذق طعام الحزن لم يذق لذة العبادة على انواعها ولا يغرنك ما تسمع من قول صديق متمكن ان الحزن مقام نازل فان مراده ان الحزن تابع للمحزون مثل العلم مع المعلوم فيتضع باتضاعه ويرتفع بارتفاعه .
قال ابراهيم بن بشار صحبت ابراهيم بن ادهم فرأيته طويل الحزن دائم الفكر واضعايده على رأسه كأنما افرغت عليه الهموم افراغا . وكان سفيان عند رابعة فقال واحزناه فقالت قل واقلة حزناه فانك لو كنت حزينا ما هنأك العيش .
وعن داود عليه السلام قال الهى امرتنى ان اطهر قلبى فبماذا اطهر قال يا داود بالهموم والغموم . قال الحافظ
روى زردست وآه درد آلود ... عاشقانرا دواى رنجورى
اللهم منّ على قلبى بهمك .(7/319)
إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7)
{ انا جعلنا ما على الارض } من الحيوان والنبات والمعدن { زينة لها } ولاهلها .
قال فى التأويلات النجمية اى زينا الدنيا وشهواتها للخلق ملاءمة لطباعهم وجعلناها محل ابتلاء { لنبلوهم } لنعاملهم معاملة من يختبر حتى يظهر { ايهم احسن عملا } فى ترك الدنيا ومخالفة هوى نفسه طلبا لله ومرضاته وايهم اقبح عملا فى الاعراض عن الله وما عنده من الباقيات الصالحات والاقبال على الدنيا وما فيها من الفانيات الفاسدات .
قال فى الارشاد اى استفهامية مرفوعة بالابتداء واحسن خبرها وعملا تمييز والجملة فى محلة النصب معلقة لفعل البلوى لما فيه من معنى العلم باعتبار عاقبته .
قال الكاشفى [ محققان برانندكى ما اى فى ما على الارض بمعنى من است ومراد انبياء يا علما يا حفظه قرآن كه زينت زمين ايشانند وجمعى كويند آرايش زمين برجال الله است ازان روى كه قيام عالم بوجود شريف ايشان بازبسته است ] .
روى زيمن بطلعت ايشان منور است ... جون آسمان بزهره وخورشيدومشترى(7/320)
وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)
{ وانا لجاعلون } فيما سيأتى عند تناهى عمر الدنيا { ما عليها صعيدا } ترابا { جرزا } لانبات فيه وسنة جرز لامطر فيها .
قال الكاشفى [ صعيدا جرزا هامون وبى كياه يعنى بآخر اين عمارتها را اخراب خواهيم ساخت بس دل برآن منهيد وبزينت نابايدار فريفته مشويد ]
جهان ازرنك وبوسازد اسيرت ... ولى نزديك ارباب بصيرت
ته رنك دلكشش را اعتباريست ... نه بوى دلفريبش را مداريست
قال بعض الكبار صعيدا جرزا لا حاصل له الا الندامة والغرامة فالناسك السالك والطالب الصادق والمحب المحق من يحرم على نفسه الدنيا وزينتها حرامها وحلالها وهى ما زين للناس كما قال { زين للناس حب الشهوات } الى قوله { ذلك متاع الحياة الدنيا } لان مع حب الله لا يسوغ حب الدنيا وشهواتها بل حب الآخرة ودرجاتها - حكى - ان كان لهارون الرشيد ولد فى سن ست عرشة سنة فزهد فى الدنيا واختار العباء على القباء فمر يوما على الرشيد وحوله وزراؤه فقالوا لقد فضح هذا الولد امير المؤمنين بين الملوك بهذه الهيئة فدعاه هارون الرشيد وقال يا بنى لقد فضحتنى بحالك فلم يجبه الولد ثم التفت فرأى طيرا على حائط فقال ايها الطائر بحق خالفك ألا جئت على يدى فقعد الطائر على يده ثم قال ارجع الى مكانك فرجع ثم دعاه الى يد امير المؤمنين فلم يأت فقال لابيه بل انت فضحتنى بين الاولياء بحبك للدنيا وقد عزمت على مفارقتك ثم انه خرج من بلده ولم يأخذ الا خاتما ومصحفا ودخل البصرة وكان يعمل يوم السبت فى الطين ولا يأخذ الا درهما ودانقا للقوت قال ابو عامر البصرى استأجرته يوما فعمل عمل عشرة وكان يأخذ كفا من الطين ويضعه على الحائط ويركب الحجارة بعضها على بعض فقلت هذا فعال الاولياء فانهم معانون ثم طلبته يوما فوجدته مريضا فى خربة فقال
يا صاحبى لا تغترر بتنعم ... فالعمر ينفد والنعيم يزول
واذا حملت الى القبور جنازة ... افعلم بانك بعدها محمول
ثم وصانى بالغسل والتكفين فى جبته فقلت يا حبيبى ولم الا اكفنك فى الجديد فقال الحى احوج الى الجديد من الميت يا ابا عامر الثياب تبلى والاعمال تبقى ثم ادفع هذا المصحف والخاتم الى الرشيد وقل له يقول لك ولدك الغريب لا تدومن على غفلتك قال ابو عامر فقضيت شانه ودفعت المصحف والخاتم الى الرشيد وحكيت ما جرى فبكى وقال فيم استعملت قرة عينى وقطعة كبدى قلت فى الطين والحجارة قال استعملته فى ذلك وله اتصال برسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما عرفته قال ثم انت غسلته قلت نعم فقبل يدى وجعلها على صدره ثم زار قبره ثم رأيته فى المنام على سرير عظيم فى قبة عظيمة فسألته عن حاله فقال صرت الى رب راض اعطانى ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وآلى علمى ذاته ونفسه الشريفة اى قال بالله الذى خلقنى لا يخرج عبد من الدنيا كخروجى الا اكرمه مثل كرامتى
نكه دار فرصت كه عالم دميست ... دمى ييش دانا به از عالميست
برفتندوهركس درود آنجه كشت ... نماند بجز نام نيكوا وزشت
دل اندر دلارام دنيا مبند ... كه ننشت باكس كه دل برنكند
اللهم اجعلنا من المنقطعين اليك .(7/321)
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9)
{ ام حسبت } الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد انكار حسبان امته وام منقطعة مقدرة ببل التى هى للانتقال من حديث الى حديث لا للابطال وبهمزة الاستفهام عند الجمهور وببل وحدها عن دغيرهم اى بل احسبت وظننت بمعنى ما كان ينبغى ان يحتسب ولم حسبت .
قال الكاشفى [ آورده اندكه جون يهود قريش راسه سؤال در آموخاتندكه ازحضرت رسالت صلى الله عليه سولم برسيدند بانكديكر ميكفتندكه قصه جوانان بس عجبست عجب ازوى كه جواب آن داند حق سبحانه وتعالى آيت فرستاد كه { ام حسبت } نه جنانست كه ميكويند آيا مى بندارى تو ] { ان اصحاب الكهف } الكهف الغار الواسع فى الجبل فان لم ييكن واسعا فغار { والرقيم } هو كلبهم بلغة الروم - روى - عن الصاحب بن عباد انه كان يتردد فى معنى الرقيم وتبارك والمتاع ويدور على قبائل العرب فسمع امرأة تسأل اين المتاع ويجيب ابنها الصغير بقوله جاء الرقيم واخذ المتاع وتبارك الجبل فاستفسر عنها وعرف ان الرقيم هو الكلب وان المناع هو ما يبل بالماء فيمسح به وان تبارك بمعنى صعد .
قال فى القاموس الرقيم كاميرا قرية اصحاب الكهف او جبلهم او كلبهم او لاوادى او الصحراء او لوح رصاصى او حجرى نقش ورقم فيه نسبهم واسماؤهم ودينهم ومم هربوا وجعلعلى باب الكهف فالرقيم عربى فعيل بمعنى مفعول .
قال الطبرى كان فى بيت الملك رجلان مؤمنان اسم احدهما يندوروس والآخر روناس كتبا اسماهم وقصتهم وانسابهم فى لوحين من رصاص ووضعاهما فى تابوت من نحاس ثم جعلاه على فم الغار فى البنيان وقالا لعل الله ان يظهر عليهم قوما مؤمنين قبل يوم القيامة فتعلم اخبارهم { كانوا } فى بقائهم على لاحياة مدة طويلة من الدهر [ يعنى درخواب ماندن سيصدونه سال ] { من آياتنا } من بين آياتنا ودلائل قدرتنا { عجبا } اى آية ذات عجب وضعا له موضع المضاف او ووصفا لذلك بالمصدر مبالغة والعجيب ما خرج عن حد اشكا له ونظائره وهو خبر لكانوا ومن آياتنا حال منه . والمعنى ان قصتهم وان كانت خارقة للعادات ليست بعجيبة بالنسبة الى سائر الآيات فان لله تعالى آأيات عجيبة قصتهم عندها كالنزر الحقير .
قال الكاشفى [ يعنى قصه ايشان بنسبت قدرت ما كه در آفرينش ارض وسما ظاهراست جندان عجيب وغريب نيست مراد ازكهف غاريست جيرم نام واقع دركوه تباخلوس ازحوالى شهر افسوس كه دار الملك دقيانوس بود آورده اندكه دقيانوس درزمان تسخير ممالك روم بشهر افسوس رسيد وآنجا مذبحى براى بتان كه معبودان او بودند ساخته اهل شهررا تكليف برستش ايشان كرد هركه سخن او شيند خلاص يافت وهركه تمرد نمود بقتل رسيد شش جوان نورسيده خدا برست از بزركان زاد كان شهر كوشه كرفته بدعا ونياز مشغول كشتند واز حق سبحانه وتعالى درخواست نمودندكه ايشانرا ازفتنه آن جبار ايمن سازد القصه مهم ايشان بعرض دقيانوس رسيده وباحاضر ايشان امر كرده تهديد بسيارنمود ايشان بر طريق توحيد رسوخ ورزيده مطلقا فرمان او قبول نكرديند دقيانوس بفرمودتا حلى وحلل كه دبربر داشتند ازايشان انتزاع ردند وكفت شما جوانيد وخرد سال وشمالرا دوسه روزى مهلت دادم تادركار خود تأمل كنيد وبينيد كه مصلحت شمادر قبول قول منست يا دررد آن بس ازان شهر متوجه موضعى ديكر شد وجوانان رفتن اورا غنيمت دانسته بايكديكر درباب مهم خود مشاورت نمودندورأى همه بر فرار قرار يافت هريك ازخانه بدر قدرى مال بجهت زاد ونفقه بر داشته روى بكوهى كه نزديك شهر بود آوردند ودرراه شبانى بديشان رسيدو بدين ايشان در آمد ودرمر افقت موافقت نمود سك شبان نيزبر عقب ايشان دويدن آغاز كرد جندان كه منع كردند ممتنع نشدوخداى اورا بسخن آوردنا بزبان فصيح كفت ازمن مترسيد كه من دوستان خدايرا دوست ميدارم شمادر خواب رويد تامن شمارا باسبانى كنم اما جون نزديك كوه شدند شبان كفت من درين كوه غارى ميدانم كه بدان بناه مى توان كرفت بس اتفاق روى بغار نهادند وحق سبحانه وتعالى ازرفتن ايشان بغار برين وجه خبر ميدهد ] .(7/322)
إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)
{ اذ اوى } ظرف لعجبا او مفعول لا ذكر اى اذكر حين صار واتى وانضم والتجأ { الفتية } يعنى فتية من اشراف الروم اكرههم دقيانوس على الشرك فابوا وهربوا { الى الكهف } هو جيروم فى جبلهم بنجلوس واتخذوه مأوى . والفتية جمع الفتى وهو الشاب القوى الحدث ويستعار للمملوك وان كان شيخا كالغلام وعن النبى صلى الله عليه وسلم « لا يقل احدكم عبدى وامتى ولكن ليقل فتى وفتاتى » وعن ابى يوسف من قال انا فتى فلان كان اقرارا منه بالرق { فقالوا ربنا آتنا من لدنك } من خزائن رحمتك الخاصةالمكنونة عن عيون اهل العادات فمن ابتدائية متعلقة بآتنا { رحمة } خاصة تستوجب المغفرة والزرق والا من من الاعداء { وهيئ لنا من امرنا } كلا الجارين متعلق بهيئ لاختلافهما فى المعنى واصل التهيئة اظهار هيئة الشئ وفى الصحاح هيأت الشئ اصلحته والاصلاح نقيض الافساد وهو جعل الشئ على الحالة المستقيمة النافعة والافساد هو الاخراج عن حد الاعتدال . والمعنى اصلح ورتب . واتمم لنا من امرنا الذى هو مهاجرة الكفار والمثابرة على الطاعة { رشدا } اصابة للطريق الموصل الى المطلوب واهتداء اليه .(7/323)
فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11)
{ فضربنا على آذانهم } اى حجابا يمنع سماعها اى انمناهم على طريقة التمثيل المبنى على تشبيه الانامة الثقيلة المانعة عن وصول الاصوات الى الآذان بضرب الحجاب عليها وتخصيص الآذان بالذكر مع اشتراك سائر المشاعر لها فى الحجب عن الشعور عند النوم لما انها المحتاجة الى الحجب عادة اذ هى الطريقة للتيقظ غالبا لا سيما عند انفراد النائم واعتزاله عن الخلق والفاء فى ضر بنا كما فى قوله فاستجيبنا له بعد قوله اذ نادى فان الضرب المذكور وما ترتب عليه من التقليب ذات اليمين وذا ت الشمال وغير ذلك ايتاء رحمة لدنيه خافية عن ابصار المتمسكين بالاسباب الادية استجابة لدعواتهم { فى الكهف } ظرف مكان لضربنا { سنين } ظرف زمان له { عددا } اى ذوات عدد هى ثلاثمائة وتس سنين كما سيأتى ووصف السنين بذلك اما للتكثير وهو الانسب باظهار كمال القدرة او للتقليل وهو الاليق بمقا انكار كون القصة عجبا من بين سائر الآيات العجيبة فان مدة لبثهم كبعض يوم عنده تعالى .(7/324)
ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)
{ ثم بعثناهم } اى ايقظناهم من تلك النومة الثقيلة الشبيهة بالموت وفيه دليل على ان النوم اخو الموت فى اللوازم من البعث وتعطيل الحياة والالتحاق بالجمادات { لنعلم } العلم هنا مجاز عن الاختبار بطريق اطلاق اسم المسبب على السبب وليس من ضرورة الاختبار صدور الفعل المختبر به قطعا بل قد يكون لاظهار عجزه عنه على سنن التكاليف التعجيزية كقوله تعالى { فائت بها من المغرب } وهو المراد هنا فالمعنى بعثناهم لنعاملهم من يختبرهم { أى الحزيبين } اى الفريقين المختلفين فى مدة لبثهم بالتقدير والتفويض كما سيأتى - روى - عن ابن عباس رضى الل عنهما ان احد الحزبين الفتية والآخر الملوك الذين تداولوا المدينة ملكا بعد ملك وذلك لان اللام للعهد ولا عهد لغيرهم واى مبتدأ خبره قوله { احصى } فعل ماض اى ضبط { لما لبثوا } اى للبثهم فما مصدرية { امدا } يقال ما امدك اى منتهى عمرك اى غايته فيظر لهم عجزهم ويفوضوا ذلك الى العليم الخبير ويتعرفوا حالهم وما صنع الله بهم من حفظ ابدانهم واديانهم فيزدادوا يقينا بكمال قدرته وعلمه ويستبصروا به امر البعث ويكون ذلك لطفا لمؤمنى زمانهم وآية بينة فكارهم . والامد بمعنى المد كالغاية فى قولهم ابتداء الغاية على طريق التجوز بغاية الشئ عنه فالمراد بالمدى المدة كما ان المراد بالغاية المسافة وهو مفعول لا حصى والجار والمجرور حال منه قدمت عليه لكونه نكرة فاحصى فعل ماض هنا وهو الصحيح لا افعل تفضيل لان المقصود بالاختيار اظهار عجز الكل عن الاحصاء رأسا لا اظهار افضل الحزبين وتمييزه عن الادنى مع تحقق اصل الاحصاء فيما .
قال فى التأويلات النجمية { ام حسبت } اشار الى النبى صلى الله عليه وسلم اى انك ان حسبت { ان } احوال { اصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا } اى من آيات احساننا مع الحبد { عجبا } فان فى امتك من هو اعجب حالا منهم وذلك ان فيهم اصحاب الخلوات الذين كهفهم الذى يأوون اليه بيت الخلوة ورقيمهم قلوبهم المرقومة برقم المحبة فهم محبى ومحبوبى والوح قلوبهم مرقومة بالعلوم اللدنية : قال الحافظ
خاطرت كى رقم فيض بذيرد هيهات ... مك رازتقش برا كنده ورق ساده كنى
وان كان اصحاب الكهف آووا الى الكهف خوفا من لقاء دقيانوس وفرارا فانهم آووا الى كهف الخلوة شوقا الى لقائى وفرارا الى : قال الحافظ
شكر كمال حلاوت بس از رياضت يافت ... نخست درشكن تنك ازان مكان كيرد
وان كان مرادهم من قولهم { ربنا آتنا } الآية النجاة من شر دقيانوس والخروج من الغار بالسلام فمراد هؤلاء القوم النجاة من شر نفوسهم والخروج من ظلمات غار الوجود للوصول الى انوار مالى وجلالى : قال الحافظ
مددى كر بجراغى نكند آتش طور ... جاره تيره شب وادى ايمن جه كنم(7/325)
وبقوله { فضربنا } الآية يشير الى سد آذان ظاهر اصحاب الخلوة وآذان باطنهم لئلا يقرع مسامعهم كلام الخلق فتنقش الواح قلوبه مبه وكذلك ينعزل جميع حواسهم عن نقش قلوبهم ثم انهم يمحون النقوش السابقة عن القلوب بملازمة استعمال كلمة الطلاسة وهى كلمة لا اله الا الله حتى تصفو قلوبهم بنفى لا اله عما سوى الله وباثبات الا الله تتنور قلوبهم بنور الله وتنقش بنور العلوم اللدنية الى ان يتجلى تبارك وتعالى لقلوبهم بذاته وجميع صفاته ليفنيهم الله عنهم ويبقيهم به وهو سر قوله { ثم بعثناهم } اى احييناهم بنا { لنعلم أى الحزبين } اى حزب اصحاب الكهف وحزب اصحاب الخلوة احصى اى اخطأ وصاب لما لبثوا فى كهفهم وبيت خلوتهم امدا غاي لبثهم .(7/326)
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)
{ نحن نقص عليك } اى نخبرك ونبين لك وقد مر اشتقاقه فى مطلع سورة يوسف { نبأهم } اى خبر اصحاب الكهف والرقيم { بالحق } صفة لمصدر محذوف اى نقص قصا ملتبسا بالحق والصدق .
وفيه اشارة الى ان القصاص كثير يقصون بالباطل ويزيدون وينقصون ويغيرون القصة كل واحد يعمل برأيه موفقا لطبعه وهواه وما يقص بالحق الا الله تعالى { انهم فتية } [ شبان ] { آمنوا بربهم } .
قال فى التكملة سبب ايمانهم ان حواريا من حواريى عيسى عليه السلام اراد ان يدخل مدنيتهم فقيل له ان على بابها صنما لا يدخلها احد الا سجد له فامتنع من دخولها واتى حماما كان قريبا من تلك المدينة فآجر نفسه فيه فكان يعمل فبه فتعلق به فتية من اهل المدينة فجعل يخبرهم خبر السماء وخبر الآخرة حتى آمنوا به وصدقوه ثم هرب الحورى بسبب ابن الملك اراد دخول الحمام بامرأة فنهاه الحوارى فانتهره فلما دخل مع المرأة ماتا فى الحمام فطلبه الملك لما قيل له انه قتل ابنك فهرب ثم قال الملك من كان يصحبه فسموا الفتية فهربوا الى الكهف .
يقول الفقير الظاهر ان ايمانهم كان بالالهام الملكوتى والانجذاب اللاهوتى من غير دليل يدلهم على ذلك كما يشير اليه كلام التأويلات وسيأتى . واختل فيهم متى كانوا فروى بعض الناس انهم كانوا قبل عيسى ابن مريم وان عيسى اخبر قومه خبرهم وان بعثهم من نومهم كان بعد رفع عيسى فى الفترة بينه وبين محمد عليهما السلام .
وروى بعضهم ان امرهم كان بعد عيسى وانهم كانوا على دين عيسى .
قال الطبرى وعليه اكثر العلماء { وزدناهم } [ وبيفزوديم ايشانرا ] { هدى } بان ثبتانهم على الدين الحق واظهرنا لهم مكنونات محاسنه .
وفى التأويلات النجمية سماهم باسم الفتوة لانهم آمنوا بالتحقيق لا بالتقليد وطلبوا الهداية من الله الى الله بالله ولكنه طلبوا الهداية فى البداية بحسب نظرهم وقدر همتهم فالله تعالى على قضية « من تقرب الىّ شبرا تقربت اليه رذاعا » زاد فى هداهم فضلا منه وكرما كما قال { وزدناهم هدى } اى زدنا على متمناهم فى الهداية فانهم كانوا يتمنون ان يهديهم الله الى الايمان بالله وبما جاء به الانبياء وبالبعث والنشور وايمانا بالغيب فزاد الله على متمناهم فى الهداية حين بعثهم من رقدتهم بعد ثلاثمائة وتسع سنين وما تغيرت احوالهم وما بليت ثيابهم فصار الايمان ياقانا والغيب عينا وعينا .
ميوه باشد آخر ازهار تو ... كعبه باشد آخر اسفار تو(7/327)
وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15)
{ وربطنا على قلوبهم } اى قويناهم حتى اقتحموا مضايق الصبر على هجر الاهل والاوطان والنعيم والاخوان واجترأوا على الصدع بالحق من غير خوف وحذار والرد على دقيانوس الجبار وفى الحديث « افضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر » وذلك لان المجاهد متردد بين رجاء وخوف واما صاحب السلطان فمتعرض للتلف فصار الخوف اغلب .
قال فى الاساس ربطت الدابة شددتها برباط والمربط الخيل ومن المجاز ربط الله على قلبه اى صبره ولما كان الخوف والقلق يزعج القلوب عن مقارها قال الله تعالى { بلغت القلوب الحناجر } قيل فى مقابلته ربط قلبه اذا تمكن وثبت وهو تمثيل شبه تثبيت القلوب بالصبر بشد الدواب بالرباط { اذ قاموا } منصوب بربطنا والمراد بقيامهم انتصابهم لاظهار شعار الدين وقيل المراد قيامهم بين يدى دقيانوس الجبار من غير مبالاة به حين عاتبهم على ترك عبادة الاصنام فحينئذ يكون ما سيأتى من قوله تعالى { هؤلاء } منقطعا عما قبله صادرا عنهم بعد خروجهم من عنده .
وفى التأويلات النجمية { وربطنا على قلوبهم اذ قاموا } يعنى لئلا يلتفتوا الى الدنيا وزخارفها وينقطعوا الى الله بالكلية ولذلك ما اختاروا بعد البعث الحياة فى الدنيا ورغبوا فى ان يرجعوا الى جوار الحق تعالى { فقالوا ربنا رب السموات والارض } رب العالم ومالكه وخالقه والصنم جزؤ من العالم فهو مخلوق لا يصلح للعبادة { لن ندعو } لن نعبد ابدا وبالفارسية [ نخواهيم برستيد ] { من دونه آلها } معبودا آخر لا استقلالا ولا اشتراكا والعدول عن ان يقال ربا لتنصيص على رد المخالفين حيث كانوا يسمون اصنامهم آلهة { لقد قلنا اذا } [ آن هنكام كه ديكرى را برستيم ] { شططا } قولا ذا شطط اى تجاوز عن الحد فهو نعت لمصدر محذوف بتقدير المضاف او قولا هو عين الشطط على انه وصف بالمصدر مبالغة .
قال فى القاموس شط فى سلعته شططا محركة جاوز القدر والحد وتباعد عن الحق انتهى . وحيث كانت العبادة مستلزمة للقول لما انها لا تعرى عن الاعتراف بالوهية المعبود والتضرع اليهقيل لقد قلنا واذا جواب وجزاء اى لو دعونا من دونه آلها والله لقد قلنا قولا خارجا عن حد العقول مفرطا فى الظلم { هؤلاء } مبتدأ وفى التعبير باسم اشارة تحقير لهم { قومنا } عطف بيان له . يعنى [ اين كروه كه كسان ما اند درنسب يعنى جمعى از اهل افسوس ] .
وقال فى التأويلات النجمية انما قالوا { قومنا } اى كنا من جملتهم وبالضالة فى زمرتهم فانعم الله علينا بالهداية والمعرفة وفرق بيننا وبينهم بالرعاية والعناية وخلصنا من عبادة الهوى والدنيا وشهواتها { اتخذوا من دونه آلهة } خبره وهو ابخار فى معنى الانكار اى عبدوا الاصنام وجعلوها آلهة جهلا منهم .(7/328)
قال ابو حيان اتخذوا هنا يحتمل ان يكون بمعنى عملوا لانها اصنام هم نحتوها وان يكون بمعنى صيروا .
وفى المثنوى
بيش جوب وبيش سنك نقشى كنند ... اى بسا كولان كه سر هامى نهند
ديو الحاح غوايت ميكند ... شيه الحاح هدايت ميكند
{ لولا يأتون } هلا يأتون . وبالفارسية [ جرانمى آرندكه كافران ] { عليهم } على الوهيتهم { بسلطان بين } بحجة ظاهرة الدلالة على مدعاهم يعنى يعبدون الهة لم يتمسكوا فى صحة عبادتها ببرهان سماوى من جهة الوحى والسمع ولا لهم فيها علم ضرورى ولا دليل عقلى .
وفيه دليل على ان ما لا دليل عليه من الديانات مردود والآية انكار وتعجيز وتبكيت لان الاتيان بالسطان على عبادة الاوثان محال { فمن اظلم } [ بس كيست سمتكارتر ] { ممن افترى على الله كذاب } بنسبة الشريك اليه تعالى عن ذلك علوا كبيرا .
والمعنى انه اظلم من كل ظالم وعذابه اعظم من كل عذاب لان الظلم موجب للعذاب فيكون الاعظم للاظلم .(7/329)
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16)
{ واذ اعتزلتموهم } الاعتزال بالفارسية [ جداشدن ] اى فارقتموهم فى الاعتقاد واردتم الاعتزال الجسمانى وهو خطاب بعضهم لبعض حين صممت عزيمتهم على الفرار بدينهم .
قال الكاشفى [ قبل ازين كذشت كه دقيانوس بعد از معارضه ايشان مهلت داد وايشان فرار كردند يمليخا كه مهتر ايشان بود در اثناى طريق بايشان كفت { واذ اعتزلتموهم } وجون يكسو شديد ازاهل شرك ودورى جستيد ازا يشان ] { وما يعبدون الا الله } عطف على الضمير المنصوب وما مصدرية او موصولة اى اذا اعتزلتموهم ومعبوديهم الا الله اى وعبادتهم الا عبادة الله وعلى التقديرين فالاستثناء متصل على تقدير كونهم مشركين كاهل مكة ومنقطع على تقدير تمحضهم فى عباد الاوثان { فأووا } التجئوا { الى الكهف } قال الفراء هو جواب اذ كما تقول اذ فعلت فافعل كذا وقيل هو دليل على جوابه اى اذا اعتزلتموهم اعتزالا اعتقاديا فاعتزلوهم اعتزالا جسمانيا او اذ اردتم اعتزالهم فافعلوا ذلك بالالتجاء الى الكهف .
وفيه اشارة الى ان الاعتزال الاعتقادى يوجب الاعتزال الجسمانى .
ومن ثم قال فى مجمع الفتاوى سئل الرستغفنى عن المناحكة بين اهل السنة وبين اهل الاعتزال فقال لا يجوز { ينشر لكم } يبسط لكم ويوسف عليكم { ربكم } مالك امركم { من رحمته } من تفضله وانعامه فى الدارين { ويهيئ لكم } يسهل لكم { من امركم } الذى انتم بصدده من الفرار بالدين { مرفقا } ما ترفقون وتنتفعون به وجزمهم بذلك لخلوص يقينهم عن شوب الشك وقوة وثوقهم .
وفى الحديث « ادعوا الله وانتم موقنون بالاجابة » وفى الآية اشارة الى ان التائب الصادق والطالب المحق من اعتزل عن قومه وترك اهل صحبته وقطع عن اخوان سوئه واعتقد ان لا يعبد الا الله يعرض عما سوى الله مستعينا بالله متوكلا على الله فارّا الى الله من غير الله : قال الحجندى
وصل ميسر نشود جز بقطع ... قطع نخست از همه ببريدنست
ثم يأوى الى كهف الخلوة : قال الجامى
زابناى دهر وقت كسى خوش نميشود ... خوش وقت آنكه معتكف كنج عزلتست
متمسكا بذيل ارادة شيخ كامل مكمل واصل موصل ليربيه ويزيد فى هدايته ويربط على قلبه بنور الولاية وقوة الرعاية كما كان حال اصحاب الكهف : وفى المثنوى
كرجه شيرى جون روى ره بى دليل ... خويش بينى در ضلالى وذليل
هين مبر الا كه بابرهاى شيخ ... تابينى عون لشكرهاى شيخ
ولكنهم كانوا مجذوبين من الله مربوبين بربهم وذلك من النوادر ولا حكم للنادر واليه يشير قوله عليه السلام « ان الله ادبنى فاحسن تأديبى » وهذا من قدرة الله ان يهدى جماعة الى الايمان بلا واسطة رسول او نبى بجذبات العناية الى مقامات القرب ومحل الاولياء بلا شيخ مرشد وهاد مرب ومن سنة الله ان يهدى عباده بالانبياء والرسل وبخلافتهم ونيابتهم بالعلماء الراسخين والمشايخ المقتدين ففى قوله { فأووا الى الكهف } اشارة الى الالتجاء بالخلوة والتمسك بالمشايخ المسلكين يعنى لهذه الطريقة { ينشر لكم ربكم من رحمته } اى يخصصكم برحمة الخاصة المضافة الى نفسه وهو ان يجذبهم بجذبان العناية ويدخلهم فى عالم الصفات ليتخلقوا باخلاقه ويتصفوا بصفاته كقوله تعالى { يدخل من يشاء فى رحمته } وله رحمة عامة مشتركة بين المؤمن والكافر والجن والانس والحيوان { ويهيئ لكم من امركم مرفقا } اى ينشر لكم طريق الوصول والوصال كما فى التأويلات النجمية .(7/330)
وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17)
{ وترى الشمس } يا محمد او يا من يصلح للخطاب ويتأتى منه الرؤية وليس المراد به الاخبار بوقوع الرؤية تحقيقا بل الانباء بكون الكهف بحيث لو رأيته ترى الشمس .
قال الكاشفى [ آورده اندكه جوانان اتفاق نموده بكوه در آمدند وشبان ايشانرا بغار در آورد وجون درو قرار كرفتند حق سبحانه وتعالى خواب برايشان كما شت هما نجا بخفتند دقيانوس بعد ازدوسه روزى بافسوس باز آمده احوال جوانان برسيد وجون ازفرار ايشان خبر يافت آباء ايشانرا براحضار ايشان تكليف نمود كفتند اى ملك مبلغى اموال ما برده بدين كو متحصن شدند دقيانوس باجمعى ازعقب ايشان برفت وايشانرا درون غار تكيه كرده يافت بنداشت كه بيدارندكفت درغاررابسنك بر آريد تاهم آنجا بميرند بس درغاررا استوار كردند ودومؤمن ازمقربان دقيانوس اسامى واحاوال جوانرا برلوحى ازسنك نقش كرد ودرديوار غار وضع كردند باميد آنكه شايد كسى روزى آنجارسد وازحوال ايشان خبر دار كردد ] .
يقول الفقير فيكون ما ذكر فى الآية من تزاور الشمس وقرضها طالعة وغاربة قبل ان سد دقيانوس باب الكهف اذ لا يتصور دخول شعاع الشمس من الباب المسدود حتى يحتاج الى التزاور والقرض كما لا يخفى { اذا طلعت تزاور } اى تتزاور وتتنحى وتميل بحذف احدى التاءين من الزور بفتح الواو وهو الميل { عن كهفهم } الى آووا اليه فالاضافة لادنى ملابسة { ذات اليمين } اى جهة ذات يمين الكهف عند توجه الداخل على قعره اى جانبه الذى يلى المغرب فلا يقع عليهم شعاعها فيؤذيهم لان الكهف كان جنوبيا اى كانت سحاته داخلة فى جانب الجنوب اوزوّرها الله عنهم وصرفها على منهاج خرق العادة كرامة لهم وحقيقتها الجهة ذات اسم اليمين اى الجهة المسماة باسم اليمين { واذا غرب } اى تراها عند غروبها { تقرضهم } القرض القطع ومنه المقراض اى تقطعهم ولا تقربهم { ذات الشمال } اى جهة ذات شمال الكهف اى جانبه الذى يلى المشرق .
وفى القاموس تقرضهم ذات الشمال اى تخلفهم شمالا وتجاوزهم وتقطعهم وتتركهم على شمالها { وهم فى فجوة منه } الفجوة الفرجة وما اتسع من الارض وساحة الدار وهى جملة حالية مبنية لكون ذلك امرا بديعا اى تراها تميل عنهم يمينا وشمالا ولا تحوم حولهم فى نهارهم كله مع انهم فى متسع من الارض اى فى وسط معرض لاصباتها لولا ان صرفتها فى نهارهم كله مع انهم فى متسع من الارض اى فى وسط معرض لاصابتها لولا ان صرفتها عنهم يد التقدير { ذلك } اى ما صنع الله بهم من تزاور الشمس وقرضها حالتى الطلوع والغروب مع كونهم فى موقع شعاعها { من آيات الله } العجيبة الدالة على كمال علمه وقدرته وحقية التوحيد وكرامة اهله عنده { من } [ هركه ] { يهد الله } الى الحق بالتوفيق له { فهو المهتد } الذى اصاب الفلاح واهتدى الى السعادة كلها فلن يقدر على اضلاله احد والمراد اما الثناء عليهم بانهم المهتدون او التنبيه على ان امثال هذه الآية كثيرة ولكن المنتفع بها من وفقه الله للاستبصار بها { ومن يضلل } اى يخلق فيه الضلالة لصرف اختياره اليها { فلن تجد له } ابدا وان بالغت فى التتبع والاستقصاء { وليا } ناصرا { مرشدا } يهديه الى الفلاح لاستحالة وجوده فى نفسه لا انك لا تجده مع وجوده او امكانهم .(7/331)
وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)
{ وتحسبهم } تظنهم والخطاب فيه كما فى ترى { ايقاظا } متنبهين جمع يقظ يفتح القاف وكسرها وهو اليقظان ومجار الحسبان انفتاح عيونهم على هيئة الناظر { وهم رقود } نيام جمع راقد مثل بكيا وجثيا فى سورة مريم جمع باك وجاث والاصل بكوى وجثوى على وزن رقود { در كشف الاسرار آورده كه اين حال نمو دار كار جوانمردان طريقتست جون بظواهر ايشان درنكرى بينى كه جلوه كراند در ميدان اعمال وجون سرائر ايشان دريابى بينى كه ازهمه فارغند در بوستان لطف ذو الجلال بباطن مست وبظاهر هشيار بمعنى بيكار وبصورت دركار }
ظاهرى باين وآن درساخته باطنى از جمله وابرد اخته
{ ونقلبهم } فى رقدتهم بايدى الملائكة { ذات اليمين } نصب على الظرفية اى جهة تلى ايمانهم { وذات الشمال } اى جهة تلى شمائلهم كيلا تأكل الارض ما يليها من ابدانهم على طول الزمان قال ابو هريرة رضى الله عنه كانت لهم تقلبتان فى السنة .
وقال ابن عباس رضى الله عنهما تقلبة واحدة من جانب الى جانب لئلا تأكل الارض لحومهم وذلك فى يوم عاشوراء وتعجب منه الامام وقال ان الله قادر على حفظهم من غير تقليب واجاب عنه سعدى المفتى بقوله لا ريب فى قدرة الله ولكن تعالى جعل لكل شئ سببا فى اغلب الاحوال انتهى .
قال بعض الكبار الميل الى اليمن عند النفى حين التلفظ بكلمة الشهادة والى اليسار عند الاثبات مأخوذ من هذه الآية الشريفة .
قال فى التأويلات النجمية فيه اشارة لطبقة وهى ان المريد الذى يربيه الله بلا وساطة المشايخ يحتاج الى ان يكون كالميت بين يدى الغسال مسلما نفسه بالكلية اليه مدة ثلاثمائة سنة وتسع سنين حتى تبلغ مبلغ الرجال والمريد الذى يربيه الله بواسطة المشايخ لعله يبلغ مبالغ لارجال البالغين بخلوة اربعين يوما او خلوتين او خلوات معدودة وذلك ان هؤلاء خلفاء الله بواسطة المشايخ وصورة لطفه كما ان الاشجار فى الجبال ترى بلا واسطة فلا تثمر كما تثمر الاشجار فى البساتين بواسطة الدهاقين وتربيتهم
زمن اى دوست اين يك بندبيذير ... برو فتراك صاحب دولتى كير
كه قطره تا صدف را درنيايد ... نكردد كوهر وروشن نتابد
{ وكلبهم } هو كلب راع قد تبعهم على دينهم واسمه قطمير { باسط ذراعيه } حكاية حال ماضية ولذلك اعمل اسم الفاعل وعند الكسائى وهشام وابى جعفر من البصريين يجوم اعماله مطلقا والذراع من المرفق الى رأس الاصبع الوسطى { بالوصيد } اى بموضع الباب من الكهف .
قال فى القاموس الوصيد الفناء والعتبة انتهى .
قال السدى الكهف لا يكون له عتبة ولا باب وانما اراد ان الكلب منه موضع العتبة من البيت - روى - انه يدخل الجنة مع المؤمنين على ما قال مقاتل عشرة من الحيونات تدخل الجنة نقاة صالح وعجل ابراهيم وكبش اسماعيل وبقرة موسى وحوت يونس وحمار عزير ونملة سليمان وهدهد بلقيس وكلب اصحاب الكهف وناقة محمد صلى الله عليه وسلم فكلهم يصييرون على صورة كبش ويدخلون الجنة ذكره فى مشكاة الانوار : قال الشيخ سعدى قدس سره .(7/332)
سك اصحاب كهف روزى جند ... بى نيكان كرفت ومردم شد
يعنى [ بامردمان داخل جنت شد درصورت كبش . ودر تفسير امام ثعلبى مذكوراست كه هركه درشبانروز برحضرت نوح عليه السلام درود فرستد از كزدم ضررى بوى نرسد وهركه اين كلمات { وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد } نوشته باخود دارد از سك متضرر نكردد ] .
قال فى حياة الحيوان اكثر اهل التفسير على ان كلب اهل الكهف كان من جنس الكلاب - روى - عن ابن جريرج انه قال كان اسدا ويسمى الاسد كلبا لان النبى عليه الرسلام دعا على عتبه بن ابى لهب ان يسلط الله عليه كلبا من كلابه فاكله الاسد والكلب نوعان اهلى وسلوقى نسبة الى سلوق وهى مدينة باليمن ينسب اليها الكلاب السلوقية فانه يكون فيها كلاب طوال يصيدون بها .
ومن بلاغات الزمخشرى السوقية والكلاب السلوقية سواء يعنى ان السوقية لما فيهم من سوء الخلق ورداءة المعاملة والكلاب السلوقية متساويتان وكلا النوعين فى الطبع سواء وفى طبعه الاحتلام وتحيض اناثه .
قال ابن عباس رضى الله عنهما كلب امين خير من صاحب خوان .
وكان للحارث بن صعصعة ندماء لا يفارقهم وكان شديد المحبة لهم فخرج فى بعض منزهاته ومعه ندماؤه فتخلف منهم واحد فدخل على زوجته فأكلا وشربا ثم اضطجعا فوثب الكلب عليهما فقتلهما فلما رجع الحارث الى منزله فوجدهما قتيلين عرف الامر فانشد يقول
وما زال يرعى ذمتى ويحوطنى ... ويحفظ عرسى والخليل يخون
فيا عجبا للخل تحليل حرمتى ... ويا عجبا للكلب كيف يصون
وفى عجائب المخلوقات ان شخصا قتل شخصا باصفهان والقاء فى بئر وللمتقول كلب برئ ذلك فكان يأتى كل يوم الى رأس البئر وينحى التراب عنها ويشير واذا رأى القاتل شح عليه فلما تكرر منه ذلك حفروا الموضع فوجدوا القتيل ثم اخذوا الرجل فاقر فقتل به قال المولى الجامى فى ذم ابناء الزمان
در لباس دجوستى سازند كار دشمنى ... حسب الامكان واجبست ازكيد ايشان اجتناب
شكل ايشان شكل انسان فعل شان فعل سباع ... هم ذئاب فى ثياب او ثياب فى ذئاب
وعن الحسن البصرى رحمه الله قال فى الكلب عشر خصال ينبغى لكل مؤمن ان تكون فيه الاولى ان يكون جائعا فانه من دأب الصالحين . والثانية ان لا يكون له مكان معروف وذلك من علامات المتوكلين . والثالثة ان لا ينام من الليل الا قليلا وذلك من علامات المحبين .(7/333)
والرابعة اذا مات لا يكون له ميراث وذلك من صفات المنزهدين . والخامسة انه لا يترك صاحبه وان ضربه وجفاه وذلك من علامات المريدين الصادقين . والسادسة انه يرضى من الارض بادنى الاماكن وذلك من علامات المتواضعين . والسابعة اذا تغلب على مكانه تركه وانصرف الى غيره وهذه من علامات الراضين . والثامينة اذا ضرب وطرد وجفى عليه وطرح له كسرة اجاب ولم يحقد على ما مضى وذلك من علامات الخاشعين . والتاسعة اذا حضر الاكل جلس بعيدا ينظر وهذه من خصال المساكين . والعاشرة انه اذا رحل من مكان لا يلتفت اليه وهذه من علامات المخزونين كذا فى روض الرياحين للامام اليافعى رحمه الله { لو اطلعت عليهم } اى لو عاينتهم وشاهدتهم واصل الاطلاع الاشراف على الشئ بالمعاينة والمشاهدة { لوليت منهم } اى هربت { فرارا } نصب على المصدرية من معنى ما قبله اذا التولية والفرار من واحد اى وليت تولية او فررت فرارا { ولملئت } [ وهر آينه بر كرده سوى } { منهم رعبا } خوفا يملأ الصدر ويرعبه وهوا ما مفعول ثان او تمييز وذلكلما البسهم الله من الهيبة والهيئة كانت اعينهم مفتحة كالمستيقظ الذى يريد ان يتكلم . قال الكاشفى [ مراد آنست كه كسى را طاقت ديدن ايشان نيست بجهت آنكه جشماهاى ايشان كشاده است ومويها وناخونهاى ايشان دراز شده وايشان درمكان مظلم وموحش اند ] وعن معاوية رضى الله عنه انه غزا الروم فمر بالكهف فقال لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا اليهم فقال له ابن عباس رضى الله عنهما ليس لك دلك وقد منع الله من هو خير منك فقال { لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا } فقال معاوية لا انتهى حتى اعلم علمهم فبعث ناسا وقال لهم اذهبوا فانظروا ففعلوا فلما دخلوا الكهف جاءت ريح فاحرقتهم وقيل فاخرجتهم .
فان قيل من اين يفهم المنع من الآية . قلنا من حيث دلالتها على انهم لما البسهم الله تعالى من الهيبة لا يستطيع احد ان ينظر اليهم نظرا الاستقصاء وهذا الذى طلبه معاوية ولم يسمع لانه ظن ان هذا المعنى وهو امتناع الاطلاع عليه ممختص بذلك الزمان الذى قبل بعثهم ولاعثار عليهم وبناء المسجد فوقهم . واما ابن عباس رضى الله عنهما فقد علم ان ذلك عام فى جميع الازمان كذا فى حواشى سعدى المفتى .
يقول الفقير لا شك ان عبارة الخطاب فى لو اطلعت وما يليه لحضرة الرسالة واشارته لكل من يصلح له من امته فمعاوية داخل تحت اشارة هذا الخطاب فيكون التفتيش عنهم اذا ضائعا لا طائل تحته وذلك لان مطالعة ما خرج عن حد اشكاله من الامور العجيبة الخارقة لا تتيسر لكل نظر ألا ترى انه عليه السلام مع غلبة الملكية عليه لما رأى جبرائيل على صورته العجيبة وقد سد باجنحته ما بين المشرق والمغرب خر مغشيا عليه مع ان فى النظر اليهم ابتذالا لهم بالنسبة الى من ليس من اهله وقد جرت عادة الله تعالى على ستر المعانى فى الدنيا والصور فى البرزخ الذى هو مقدمة عالم الآخرة فكما لا يشاهد الروح وهو فى البرزخ لكون حسن الرائى حجابا مانعا كذلك الجسد الطاهر المقدس لكونه متصلا بمقام الروح ولذا لا تأكله الارض فافهم - حكى - ان صوفيا رأى وليا من اولياء الله تعالى راكبا لاسد وبيده حية بدل السوط فلما شاهده هلك من هيبة المقام
طاقة بروانه بر سوخته نيست ...(7/334)
وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19)
{ وكذلك } قال الكاشفى [ جون دقيانوس در غار برايشان استوار كرده باز كشت وبدار الملك باز آمدند كه زمانى را راداجل بناى حاتش درهم فكند وآن همه ملك ومال وجلال متلاشى كشت ]
دمى جند بشمرد وناجيز شد ... زمانه بخنديد كونيز شد
[ وبعد ازو جند مالك ديكر برآن ممالك نظر كرد تانوبت ملك صالح تندروس وكويند تندروسى رسيد واومردى مؤمن وخدى ترس بود واكثر اهل زمان اوراد درحشر جسد شبه افتاد ومنكران شدند هرجند ملك ايشانرا بند داد سود نكرد حق سبحانه وتعالى خواست كه دليل برحشر جسد برايشان نمايد اصحاب كهف را ازخواب بيدار كردجنانجه كفت ] { وكذلك } اى كما انمناهم تلك الانامة الطويلة وحفظنا اجسادهم وثيابهم من البلى والتحلل آية دالة على كمال قدرتنا { بعثناهم } اى ايقظناهم من النوم { ليتسائلوا بينهم } اى ليسأل بعضهم بعضا فيترتب عليه ما فصل من الحكم البالغة { قال } استئناف لبيان تسألهم { قائل منهم } هو رئيسهم مكشليينا .
وفى بحر العلوم مكسلمينا { كم } [ جندوقت ] { لبثتم } فى منامكم لعله قال لما رأى من مخافة حالهم لما هو المعتاد فى الجملة { قالوا } اى بعضهم { لبثنا يوما او بعض يوم } قيل انما قالوه لما انهم دخلوا الكهف عدوة وكان انتباههم آخر النهار فقالوا لبثنا يوما فلما فأوا ان الشمس لم تغرب بعد قالوا او بعض يوم وكان ذلك بناء على الظن الغالب فلم ينسبوا الى الكذب .
قول الكاشفى [ ايشان بامداد بغار بر آمده بودند جون درنكريستند آفتاب بوقت جاشت رسيده ديند قالوا لبثنا كفتند درنك كرديم اينجا يوما روزى اكردى روز درخواب شده باشيم او بعض يوم يا باره از روز اكردرين روز خفته باشيم ] .
يقول الفقير هذا اولى مما قبله لان قوله فابعثوا احدكم بورقكم يدل على بقاء ما يسع فيه الذهاب والاياب من النهار بخلاف ما لو كان الوقت قبيل الغروب اذ يبعد البعث المذكور فيه لعدم امكان العود عادة لمكان المسافة بين الكهف والمدينة { قالوا } اى بعض آخر منهم بما سنح لهم من الادلة او بالهام من الله .
وقال الكاشفى [ بس جون ناخنان خودرا باليده وموبهاى سررا دراز يافتند كفتند بعضى ازايشان بعض ديكريرا ] { ربكم اعلم بما لبثتم } اى انتم لا تعلمون مدة لبثكم لانها متطاولة ومقدارها مبهم وانما يعلمها الله تعالى وبه يتحقق التحزب الى الحزبين المعهودين فيما سبق { فابعثوا احدكم } يمليخا { بورقكم هذه الى المدينة } قالوه اعراضا عن التعمق فى البحث لانه مللتبس لا سبيل لهم الى علمه واقبالا على ما يهمهم بحسب الحال كما يبنئ عنه الفاء والورق الفضة مضروبة او غير مضروبة ووصفها باسم الاشارة يشعر بان القائل ناولها بعض اصحابه ليشترى بها قوت يومهم ذلك وحملهم لها دليل على ان الاتزود اى اخذ الزاد لا ينافى التوكل على الله بل هو فعل الصالحين ودأب المنقطعين الى الله دون المتوكلين على الانفاقات والتوكل يكون بعد مباشرة الاسباب : وفى المثنوى(7/335)
كرتوكل ميكنى دركار كن ... كشت كن بس تكيه بر جبار كن
رمز الكاسب حبيب الله شنو ... ازتوكل درسبب كاهل مشو
وكونهم متوكلين علم من قولهم { ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من امركم مرفقا } والمدينة طرسوس وكان اسمها فى الجاهلية افسوس .
قال فى القاموس طرسوس كحلزون بلد مخصب كان للارمن ثم اعيد الى الاسلام فى عصرنا { فلينظر ايها } اى اهلها على حذف المضاف كقوله { واسأل القرية } { ازكى طعاما } احل واطيب واكثر وارخص طعاما { فليأتكم } [ بس بيارد بشما ] { برزق } بقوت وهو ما يقوم به بدن الانسان { منه } اى من ذلك الازكى طعاما .
قال الكاشفى [ در زمان ايشان در آن شهر كسان بودندكه ايمان خود مخفى مى داشتند غرض آن بودكه ذبيحه ايشان بيدا كند ] { وليتلطف } وليتكلف اللطف فى المعاملة كيلا يغبن او فى الاستخفاء لئلا يعرف قال بعض المتقدمين حسبت القرآن بالحروف فوجدت النصف عند قوله فى سورة الكهف .
{ وليتلطف } اللام الثانى فى النصف الاول والطاء والفاء فى النصف الثانى كما فى البستان { ولا يشعرن بكم احدا } من اهل المدينة فانه يستدعى شيوع اخباركم اى لا يفعلن ما يؤجى الى الشعور بنا من غير قصد فسمى ذلك اشعارا منه بهم لانه سبب فيه فالنهى على الاول تأسيس وعلى الثانى تأكيد للامر بالتلطف .(7/336)
إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)
{ انهم } اى ليبالغ فى التلطف وعدم الاشعار لانهم { ان يظهروا عليكم } اى يطلعون عليكم ويظفروا بكم والضمير للاهل المقدر فى ايها { يرجموكم } يقتلوكم بالرحم وهو الرمى بالحجارة ان ثبتم على ما أنتم عليه وهو اخبث القتلة وكان من عادتهم { او يعيدوكم فى ملتهم } اى يصيروكم الى ملة الكفر او يدخلوكم فيها كرها من العود بمعنى الصيرورة كقوله تعالى { او لتعودن فى ملتنا } وقيل كانوا اولا على دينهم قآمنوا .
يقول الفقير هذا هو الصواب لقوله تعالى { انهم فتية آمنوا بربهم } وذلك لانه لو لم يكن ايمانهم حادثا لقيل انهم فتية مؤمنون وايثار كلمة فى على كلمة الى للدلالة على الاستقرار الذى هو اشد شئ عندهم كراهة { ولن تفلحوا اذا } اى ان دخلتم فيها ولو بالكره والالجاء لن تفوزوا بخير { ابدا } لا فى الدنيا ولا فى الآخرة لانكم وان اكرهتم ربما استدرجكم الشيطان بذلك الى الاجابة حقيقة والاستمرار عليها .
وفى التأويلات النجمية العجب كل العجب انهم لما كانوا ثلاثمائة سنة وتسع سنين فى مقام عندية الحق خارجين عن عنديتهم ما احتاجوا الى طعام الدنيا وقد استغنوا عن الغذاء الجسمانى بما نالوا من الغذاء الروحانى كما كان حال النبى صلى الله عليه وسلم يواصل الايام ويقول « ابيت عند ربى يطعمنى ويسقينى » فلما رجعوا من عندية الحق الى عندية نفوسهم قالوا { فابعثوا } الخ ففى طلبهم ازكى طعاما اشارة الى ان ارباب الوصول واصحاب المشاهدة لما شاهدوا ذلك الجمال والبهاء وذاقوا طعم الوصال وجدوا حلاوة الانس وملاطفات الحبيب فاذا رجعوا الى عالم النفوس تطالبهم الارواح والقلوب باغذيتهم الروحانية فيتعللون بمشاهدة كل جميل لان كل جمال من جمال الله وكل بهاء من بهاء الله يوتوصلون بلطافة الاطعمة الى تلك الملاطفات كما قالوا { فليأتكم برزق منه ويتلطف } اى فى الطعام { ولا يشعرن بكم احدا } وفيه اشارة الى الاحتراز عن شعور اهل الغفلة باحوال ارباب المحبة فان لهم فى النهاية احوالا كأنها كفر عند اهل البداية كما قال ابو عثمان المغربى قدس سره ارفاق العارفين باللطف وارفاق المريدين بالعنف { انهم ان يظهروا عليكم } يعنى اهل الغفلة { يرجموكم } بالملامة فيما يشاهدون منك يا اهل المعرفة من وسعة الولاية وقوتها واستحقاق التصرف فى الكونين وانعدام تصرفهما فيكم فانهم بمعزل عن بصيرة يشاهدون بها احوالكم فمن قصر نظرهم يطعنون فيكم .
عشق درهر دل كه سازد بهر دردت خانه ... اول از سنك ملامت افكند بنيادوا
دون ان { يعيدوكم فى ملتهم } وهى عبادة اصنام الهوى وطواغيت شهوات الدنيا وزينتها فان رجعتم اليها فلن تفلحوا اذا ابدا .
يقول الفقير اعلم انه لا يخلو الاعصار من مثل دقيانوس الجبار صورة ومعنى فمن اراد السلامة فى بدنه ودينه وعمله واعتقاده وعرضه فليجدها فى الوحدة والاعتزال عن الناس والايواء الى كهف البيت والذهول عن احوال الناس صغيرهم وكبيرهم رفيعهم ووضيعهم كالنائم فانه مسلوب الحس لا يدرى ما الدنيا وما فيها لغموض العينين لا يفرق بين سواد وبياض وان ادعى اند انه بحر لا يتغير فذلك غرور محض لان عدم التغير لا يحصل الا للمنتهى ففى الاختلاط ضرر كثير وهو كالرضاع يغير الطباع وغايته موافقة اهل الهوى طوعا او كرها نعوذ بالله من ذلك ونسأله الحفظ من الوقوع فى المهالك ونرجو منه الفلاح الابدى والخلاص السرمدى .(7/337)
وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)
{ وكذلك } . قال الكاشفى [ يمليخاكه بعقل كامل موصوف بود وصيتها قبول نموده روى بشهر نهاد وبدروازه رسيد اوضاع آنرا متغير ديد وجون بشهر دراآمد بازار ومحلات واشكال والوان مردم بر نمطى ديكر يافت حيرت بروى غلبه كرد آخر الامر بدكان خباز آمد ودرمى از آنجه همراه داشت بوى داد تادر عوض نان بستاند نان واى زرى ديد منقش بنام دقيانوس خيال بست كه اين مرد كنجى يافته آن زررا ببازارى ديكر بديكرى نمود بيك لحظه اين خبر دربازار منتشر شده بشحنه رسيد ويمليخارا طلبيده تهديدى عظيم نمود وطلب باقى زرها كرد يمليخا كفت من كنجى نيافته ام دى روزا اين زررا ازخانه بدر برداشته ام وامر وزببازار آورده ام نام بدرش بر سيدند وجون كفت كسى ازاهل شهر ندانست ويراتكذيب نمودند واوازغايت دهشت كفت مرابيش دقيانوس بريدكه او ازمهم من آكاهى دارد مردمان آغاز استهزاء كردندكه دقيانوس قريب سيصد ساله شد كه مردهاست تو مارا افسوس ميكرى يمليخا كفت شما بامن سخريه ميكنيد ديروز ما جماعتى ازوى كريخته بكوه رفتيم وامروز مرابشهر بطلب طعام فرستلدند من بجزاين جيزى ندانم القصة اورانزديك ملك آوردند وصورت حال تقرير كرد ملك باجماعتى از مقربان واشراف بلد روى بغار آورددند ويمليخا بغار درآمد ويارانرا ازصورت حال خبر داد وعلى الفور ملك برسيد وآن لوح كه بردر غار بود برخواندند واسامى واحوال ايشان معلوم كرد وباقوم بغار در آمده ايشانرا ديد بارويهاى تازه وجامهاى نو متحير شده برايشان سلام كرد جواب دادند حق سبحانه وتعالى ازين حال اخبار فرمود ] { وكذلك } اى كما انمناهم وبعثناهم من تلك النومة لما فى ذلك من اظهار اقدرة الباهرة والحكمة البالغة وازدياد بصيرتهم ويقينهم { اعثرنا } اى اطلعنا الناس { عليهم } اى على اصحاب الكهف واصله ان الغافل عن شئ ينظر اليه اذا عثر به فيعرفه فكان العثار سبب العلم به فاطلق اسم السبب على المسبب .
قال فى تهذيب المصادر الاعثار [ بررسانيدن كسى را بر جيزى ] قال الله تعالى { وكذلك اعثرنا } والاطلاع [ بر رسانيدن كسى برنهانى ] العرب تقول اطلع فلان على القوم ظهر لهم حتى رأوه واطلع عنهم غاب عنهم حتى لا يروه { ليعلموا } اى الذين اطلعناهم على حالهم وهم قوم تندروس الذين انكروا البعث { ان وعد الله } اى وعده بالبث للروح والجسد معا { حق } صدق لا خلف فيه لان نومهم ونتباههم بعده كحال من يموت ثم يبعث اذا لنوم اخو الموت { وان الساعة } ان القيامة التى هى عبارة عن وقت بعث الخلائق جميعا للحساب والجزاء { لا ريب فيها } لا شك فى قيامها ولا شبهة فى وقوعها فان من شاهد انه تعالى توفى نفوسهم وامسكها ثلاثمائة سنة واكثر حافظا ابدانهم من التحلل والتفتت ثم ارسالها اليها علم يقينا انه تعالى يتوفى نفوس جميع الناس ويمسكها الى ان يحشر ابدانها فيردها اليها للحساب والجزاء(7/338)
بيش قدرت كارها دشوار نيست ... عجزها باقوت حق كارنيست
يقول الفقير هذا من لطف الله بالقوم وارشاده اياهم بصورة النوم حيث اظهر هذه القدرة وبين الحق بوجه يقوم مقام بعث الرسول لمن هو من اهل اليقظة .
وفى التأويلات النجمية قوله { وكذلك اعثرنا عليهم } اشارة الى انا كما اطلعنا بعض منكرى البعث والنشورة بالاجساد على احوال اصحاب الكهف ليعلموا ويتحقق لهم ان وعد الله بالبعث واحياء الموتى حق وان قيام الساعة لا ريب فيه انا قادرون على احياء بعض القلوب الميتة وان وعد الله به بقوله { فلنحيينه حياة طيبة } وبقوله { أو من كان ميتا فاحييناه } حق وان قيام قلوب الصديقين المحبين لا ريب فيه انتهى [ درتفسير امام ثعلبى مذكور است كه حضرت رسالت صلى الله عليه وسلم را آرزوى آن شدكه اصحاب كهف را به بيند جبريل آمدكه يا رسول الله توايشانرا درين دنيا نخواهى ديد اما ازاخيار اصحاب خود جهاركس را بفرست تا ايشانرا بدين تودعوت كنثد آن حضرت فرمودكه جكونه فرستم وكه را برفتن بفر ما يم جبريل فرمود وداى مبارك خود بكستران وصديق وفاروق ومرتضى وابودرداء رضى الله عنهم بكوتا هريك بكوشه نشيند وادرا كه مسخر سليمان بود بطلب كه دى تعالى اورا مطيع توكردانيد بفرماى ن ايشانرا برداشته بدان غار برد حضرت آنجنان كردو صحابه بدر غارسيدنه سنكى بود برداشتند سك ايشان روشنى بانك دركرفت وحمله آورد واما جون جشم وى ايشانرا ديدرم جنبانيد آغار نهاد وبسر اشارة كردكه در آييد ايشان در آمده كفتند السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حق سبحانه ارواح باسجاد ايشاز باز آورد تابر خاستند وجواب سلام بازدادند صحابه كفتند نبى الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم شما سلام رسانيده ايشان كفتندو السلام على محمد رسول الله بس دعوت كردند ايشانرا بدين اسلام وايشان قبول نمودند وحضرت بغمبررا سلام رسانيدند باز درمضاجع خود تكيه كردند وبارديكر نزد خرود مهدى از اهل محمد عليه السلام زنده شوند ومهدى برايشان سلام كند وجواب دهند بس بميرند ودرقيامت مبعوث كردند ]
{ اذ يتنازعون } قال بعض اصحاب التفسير هو متعلق باذكر المقدر .
يقول الفقير هو الاظهر والانسب لترتيب الفاء الآيتة عليه فيكون كلاما منفصلا عما قبله والمتنازعون هم قوم تندروس { بينهم امرهم } اى تدبير امر اصحاب الكهف حين توفاهم الله ثانيا بالموت كيف يخفون مكانهم وكيف يستر الطريق اليهم { فقالوا } اى بعض اهل المدينة { ابنوا عليهم } اى على باب كهفهم { بنيانا } [ ديوارى كه ازجشم مردم بوشيده شوند ] يعنى لا يعلم احد تربتهم وتكون محفوظة من تطرق الناس كما حفظت تربة رسول الله بالحظيرة { ربهم اعلم بهم } بحالهم وشأنهم لا حاجة الى علم الغير بمكانهم { قال الذين غلبوا على امرهم } من المسلمين وملكهم { لتتخذن عليهم مسجدا } اى لنبنين على باب كهفهم مسجدا يصلى فيه المسلمون ويتبركون بمكانهم - روى - انه لم اختلف قوم تندروس فى البعث مقترحين وجاحدين دخل املك بيته واغلق بابه ولبس مسحا جلس على رماد وسأل ربه ان يظهر الحق فالقى الله تعالى فى نفس رجل من رعيانهم فهدم ما سد به دقيانوس باب الكهف ليتخذه حظيرة لغنمه فعند ذلك بعثهم الله فلما انتشر خبرهم واطلع عليهم الملك واهل المدينة مسلمهم وكافرهم كلموهم وحمدوا الله على الآية الدالة على البعث ثم قالت الفتية للملك نستودعك الله ونعيذك به من شر الجن والانس ثم رجعوا الى مضاجعهم فناموا وماتوا فالقى الملك عليهم ثيابه وامر فجعل لكل واحد نابوتا من ذهب فرآهم فى المنام كارهين للذهب فجعلها من الساج وبنى على باب الكهف مسجدا .(7/339)
يقول الفقير هذه حال اهل الفناء ولذا لم يقبل حضرة الشيخ صدر الدين القنوى قدسر سره البناء على مرقده فعملوا من الالواح ثم اخذتها الصاعقة كأنها لم يقبل الغطاء وسببه ما سمعته من حضرة شيخى وسندى روح الله روحه وهو انه قال ان الشيخ صدر الدين كان من اولاد الملوك كحضرة مولانا صاحب المثنوى وكان مولانا تاركا للدنيا مطلقا وصدر الدين متجملا صورة حتى كان له خدام متزينون وله ابريق وطشت من فضة وتغير عليه شخص فى ذلك فاشار حضرة الشيخ الى الابريق فاتى الى حضرة الشيخ وقربه فتحير الحاضرون وتاب الشخص وقال يوما لحضرة مولانا نعيش كالمولك ونضطجع كالصعلوك فقال مولانا نعيش كالصعلوك ونضطجع كالملوك ولذا ترى تربة مولانا على الاحتشام العظيم دون مرقد صدر الدين رزقنا الله شفاعتهما : قال المولى الجامى
وصلش مجودر اطلس شاهى كه دوخت عشق ... اين جامه برتنى كه نهان زير زنده بود(7/340)
سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)
{ سيقولون } الضمائر فى الافعال الثلاثة للخائضين فى قصتهم فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم من اهل الكتاب والمسلمين لكن لا على وجه اسناد كل فيها الى كلهم الى بعضهم سألوا رسول الله فاخر الجواب الى ان يوحى اليه فيهم فنزلت اخبارا بما سيجرى بينهم من اختلافهم فى عددهم وان المصيب منهم من يقول سبعة وثامنهم كلبهم اى سيقول اليهود هم اى اصحاب الكهف { ثلاثة } اى ثلاثة اشخاص { رابعهم كلبهم } اى جاعلهم اربعة بانضمامه اليهم كلبهم { ويقولون } اى النصارى وانما لم يجئ بالسين اكتفاء بعطفه على ما هو فيه { خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب } رميا بالخبر الخفى عليهم واتيانا به كقوله { ويقذفون بالغيب } اى يأتون او ظنا بالغيب من قولهم رجما بالظن اذا ظن وانصابه على الحالية من الضمير فى الفعلين معا اى راحمين او على المصدر منهما فان الرجم والقول واحد اى يرجمون رجما بالغيب { ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم } القائلون المسلمون بطريق التلقن من هذا الوحى وما فيه مما يرشدهم الى ذلك من عدم نظم فى سلك الرجم بالغيب وتغيير سبكه بزيادة الواو المفيدة لزيادة وكادة النسبة فيما بين طرفيها وذلك لان الوحى مقدم على المقالة المذكورة على ما يدل عليه السنن { قل } تحقيقا للحق وردا على الاولين { ربى اعلم } .
قال سعدى المفتى اى اقوى علما وازيد فى الكيفية فان مراتب اليقين متفاوتة فى القوة ولا يجوز ان يكون التفضيل بالاضافة الى الطافئتين الاوليين اذ لا شركة لهما فى العلم { بعدتهم } بعددهم { ما يعلمهم الا قليل } ما يعلمهم عدتهم الا قليل من الناس قد وفقهم الله للاستشهاد بتلك الشواهد .
قال ابن عباس رضى الله عنهما حين وقعت الواو وانقطعت العدة اى لم يبق بعدها عدة عاد يعتد بها وثبت انهم سبعة وثامنهم كلبهم قطعا وجزما وعليه مدار قوله انا من ذلك القليل .
وعن على رضى الله عونه انهم سبعة نفر اسماؤهم يمليخا ومكشليينا ومشليينا هؤلاء اصحاب يمين الملك وكان عن يساره مرنوش ودبرنوش وشازنوش وكان يستشير هؤلاء الستة فى امره والسابع الراعى الذى وافقهم حين هبربوا من ملكهم دقيانوس واسمه كفشطعليوش او كفيشيططيوش .
قال الكاشفى الاصح انه مرطوش . قال النيسابورى عن ابن عباس رضى الله عنهما ان اسماء اصحاب الكهف تصلح للطلب والهرب واطفاء الحريق تكتب فى حرقة ويرمى بها فى وسط النار ولبكاء الطفل تكتب وتوضع تحت رأسه فى المهد وللحرث تكتب فى حرقة ويرمى بها فى وسط النار خشب منصوب فى وسط الزرع وللضربان والحمى المثلثة والصداع والغنى والجاه والدخول على السلاطين تشد على الفخذ اليمنينى ولعسر الولادة تشد على فخذها اليسرى ولحفظ المال والركوب فى البحر والنجاة من القتل { فلا تمار } والمماراة [ ستيزه كردن ] الفاء لتفريع النهى على ما قبله اى اذ قد عرفت جهل اصحاب القولين الاولين فلا تحاد لهم { فيهم } اى فى شأن اصحاب الكهف { الا مراء ظاهرا } الا جدالا ظاهرا غير متعمق فيه وهوان تقص عليهم ما فى القرآن من غير تصريح بجهلهم وتفضيح لهم فانه مما يخل بمكارم الاخلاق { ولا تستفت } [ وفتوى مجوى يعنى مبرس ] { فيهم } اى فى شأنهم { منهم } اى من الخائضين { احدا } فان فيما قص عليك لمندوحة عن ذلك مع انه لا اعلم لهم بذلك .(7/341)
قال الكاشفى اهل تأويل را درباب اصحاب كهف سخن بسياراست بعض كويند اين قصه نمود از احوال بدلاء سبعة اسنت كه هفت اقليم عالم بوجود ايشان قائمست وكهف خلو تخانه ايشان بود وكلب نفس حيوانيه ] .
وعن الخضر عليه السلام انه قال ثلاثمائة هم الاولياء وسبعون هم النجباء واربعون هم اوتاد الارض وعشرة هم النقباء وسبعة هم العرفاء وثلاثة هم المختارون وواحد هو الغوث لم يبلغوا ما بلغوا بكثرة الصوم والصلاة والتخشع وحسن الحلية ولكن بلغوا بصدق الورع وحسن النية وسلامة الصدر والرحمة لجميع المسلمين اصطفاهم الله بعلمه واستخلصهم لنفسه وهم لا يسبون شيأ ولا يلعنونه ولا يؤذون من تحتهم ولا يحقرونه ولا يحسدون من فوقهم اطيب الناس خبرا والينهم عريكة واسخاهم نفسا كذا فىروض الرياحين للامام اليافى رحمه الله [ ونزدجمعى اشارتست بروح وقلب وعثقل فطرى ومعيش وقوت قدسيه وسر وخفى كه تعلق بكهف بدن دارد ودقيانوس نفس اماره است ]
كند مردار نفس اماره خوار ... اكر هو شمندى عزيزش مدار
مبرطاعت نفس شهوت برست ... كه هرساعتش قبلهُ ديكرست(7/342)
وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23)
{ ولا تقولن } نهى تأديب { لشيئ } اى لاجل شئ تعزم عليه { انى فاعل ذلك } الشئ { غدا } اى فيما يستقبل من الزمان مطلقا فيدخل فيه العد دخولا اوليا فانه نزل حين قالت اليهود لقريش سلوه عن الروح وعن اصحاب الكهف وعن ذى القرنين فسألوه صلى الله عليه وسلم فقال « ائتونى غدا اخبركم » ولم يستثن اى لم يقل ان شاء الله وتسميته استثناء لانه يشبه الاستثناء فى التخصص فابطأ عليه الوحى ايام حتى شق عليهم . يعنى { غبار ملال برمرآت دل بى غل آن حضرت نشست ] وكذبته قريش وقالوا ودعه ربه وابغضه .(7/343)
إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)
{ الا ان يشاء الله } استثناء مفرغ من النهى اى لا تقولن ذلك فى حال من الاحوال الاحال ملابسته بمشيئته تعالى على الوجه المعتاد وهو ان يقال ان شاء الله وفيه اشارة الى ان الاختيار والمشيئة لله وافعال العباد كلها مبنية على مشيئته كما قال { وما تشاؤون الا ان يشاء الله } { واذكر ربك } اى قل ان شاء الله { اذا نسيت } ثم تذكرته كما روى انه عليه السلام لما نزل قال { ان شاء الله } { قل عسى } [ شايدكه ] { ان يهدين ربى } اى يوفقنى { لاقرب من هذا } اى لشئ اقرب واظهر من نبأ اصحاب الكهف من الآيات والدلائل الدالة على نبوتى { رشدا } اى ارشادا للناس ودلالة على ذلك وقد فعل حيث اراه من البينات ما هو اعظم من ذلك وابين كقصص الانبياء المتبعادة ايامهم والحوادث النازلة فى الاعصار المستقبلة الى قيام الساعة .
قال سعدى المفتى لما جعل اليهود الحكاية عن اصحاب الكهف دالة على نبوته هون الله امرها وقال { قل عسى } الآية كما هون المحكى فى مفتتح الكلام بقوله { ام حسبت ان اصحاب الكهف والرقيم } الآية انتهى .
وقال السمرقندى فى بحر العلوم والظاهر ان يكون المعنى اذا نسيت شيأ فاذكر ربك وذكر ربك عند نسيانه ان تقول عيسى ربى ان يهدينى لشئ آخر بدل هذا المنسى اقرب منه رشد وادنى خيرا ومنفعة انتهى . قال الامام فى تفسيره والسبب فى انه لا بد من ذكر هذا القول هو ان الانسان اذا قال سافعل الفعل الفلانى غدا لم يبعد ان يموت قبل ان يجيئ الغد ولم يبعد ايضا لو بقى حيا ان يعوقه من ذلك الفعل عائق فاذا لم يقل ان شاء الله صار كاذبا فى ذلك الوعد والكذب منفر وذلك لا يليق بالانبياء عليهم السلام فلهذا السبب وجب عليه ان يقول ان شاء الله حتى انه بتقدير ان يتعذر عليه الوفاء بذلك الموعود لم يصر كاذبا فلم يحصل التنفير انتهى .
قال ابو الليث رحمه الله روى ابو هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال قال سليمان بن داود عليهما السلام « لاطوفن الليلة على مائة امرأة كل امرأة تأتى بغلام يقاتل فى سبيل الله ونسى ان يقول ان شاء الله فلم تأت واحدة منهن بشئ الا امرأة بشق غلام » فقال النبى عليه السلام « والذى نفسى بيده لو قال ان شاء الله لولد له ذلك » وذلك ان من لم يعلق فعله بمشيئته تعالى فان من سنته ان يجرى الامر على خلاف مشيئته ليعلم ان لا مشيئية فى الحقيقة الا الله تعالى وفى الحديث « ان من تمام ايمان العبد ان يستثنى فى كل حديثه »(7/344)
اى سواء كان ذلك باللسان والقلب معا او بالقلب فقط فان مجرد الاستثناء باللسان غير مفيد : وفى المثنوى
ترك استثناء مرادم قسوتيست ... نى همين كفتن كه عارض حالتيست
اى بسا ن ورده استثناء بكفت ... جان او باجان استثناست جفت
ومن لطائف روضة الخطيب انه سئل رجل الى اين فقال الى الكناسة لاشترى حمارا فقيل قل ان شاء الله فقال لست احتاج الى الاستثناء فالدراهم فى كمى والحمير فى الكناسة فلم يبلغ الكناسة حتى سرقت دراهمه من كمه فرجع فقال رجل من اين قال من الكناسة ان شاء الله سرقت دراهمى ان شاء الله .
واعلم ان ابن عباس رضى الله عنهما جوز الاسثتناء المنفصل بالآية المذكورة وعامة الفقهاء على خلافه اذ لو صح ذلك لما تقرر اقرار ولا طلاق ولا عتقا ولم يعلم صدق ولا كذب فى الاخبار عن الامور المستقبلة .
قال القرطبى فى تأويل الآية هذا فى تدارك التبرّى والتخلص من الاثم واما الاستثناء المغير للحكم فلا يكون الا متصلا انتهى .
قال فى مناقب الامام الاعظم روى ان محمد بن اسحاق صاحب المغازى كان يحسد ابا حنيفة لما روى من تفضيل المنصور ابى جعفر ابا حنيفة على سائر العلماء فقال محمد بن اسحاق عند امير المؤمنين ابى جعفر المنصور لابى حنيفة ما تقول فى رجل حلف وسكت ثم قال ان شاء الله بعد ما فرغ من يمينه وسكت فقال ابو حنيفة لا يعمل الاستثناء لانه مقطوع وانما ينفعه اذا كان متصلا فقال محمد بن اسحاق كيف لا ينفعه وقد قال جد امير المؤمنين وهو عبد الله بن عباس رضى الله عنهما انه يعمل الاستثناء وان كان بعد سنة لقوله تعالى { واذكر ربك اذا نسيت } فقال امير المؤمنين اهكذا قول جدى فقال نعم فقال المنصور على وجه الغضب لابى حنيفة أتخالف جدى يا ابا حنيفة فقال ابو حنيفة لقول ابن عباس تأويل يخرج على الصحة ثم قال لامير المؤمنين ان هذا واصحابه لا يرونك اهلا للخلافة لانهم يبايعونك ثم يخرجون فيقولون ان شاء الله ويخرجون من بيعتك ولا يكون فى عنقهم حنث فقال امير المؤمنين لاعوانه خذوا هذا يعنى محمد بن اسحاق فاخذوه وجعلوا رداءه فى عنقه وحبسوه
ملزم آمد محمد اسحاق ... مبتلا شد بنقيض اطلاق
وفيه تعظيم امام الملة قائل الحق بغير العله .(7/345)
وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)
{ ولبثوا } اى الفتية وهو بيان لاجمال قوله { وضربنا على آذانهم فى الكهف سنين عددا } { فى كهفهم } احياء نياما { ثلاث مائة سنين } عطف بيان لثلاثمائة لا تمييز والا لكان اقل مدة لبثهم عند اخليل ستمائة سنة لان اقل الجمع عنده اثنان وعند غيره تسعمائة لان اقلة ثلاثة عندهم هذا على قراءة مائة بالتنوين واما على قراءة الاضافة فاقيم الجمع مقام المفرد لان حق المائة ان يضاف الى المفرد وجه ذلك ان المفرد فى ثلاثمائة درهم فى المعنى جمع فحسن اضافته الى لفظ الجحمع كما فى الاخسرين اعمالا فانه ميز بالجمع وحقه المفرد نظرا الى مميزه { وازدادوا تسعا } اى تسع سنين وهو اشارة الى ان ذلك الحساب على اعتقاد اهل الكتاب شمسى واما عند العرب فهو قمرى والقمرى يزيد على الشمسى تسعا لان التفاوت بينهما فى كل مائة سنة ثلاث سنين ولذلك قال وازدادوا تسعا هو مفعول ازدادوا والسنة المشسة مدة وصول الشمس الى النقطة التى فارقتها من ذلك البرج وذلك ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم والسنة القمرية اثنا عشر شهرا قمريا ومدتها ثلاثمائة واربعة وخمسون يوما وثلث يوم .
قال الكاشفى [ وبتحقيق سيصدسال شمسى سيصدونه سال قمرى ودوماه نوازده روز باشد ](7/346)
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)
{ قل الله اعلم بما لبثوا } قال البغوى ان الامر فى مدة لبثهم كما ذكرنا فان نازعوك فيها فاجبهم و { قل الله اعلم بما لبثوا } اى بالزمان الذى لبثوا فيه لان علم الخفيات مختص به ولذلك قال { له } خاصة { غيب السموات والارض } اى ما غاب عن اهل الارض { ابصر به } [ جه بيناست خداى تعالى بهر موجودى ] { واسمع } [ وجه سنواست بهر مسموعى ] .
قال الشيخ فى تفسيره الضمير فى به لله محله رفع لكونه فاعلا لفعل التعجب والباء زائدة والهمزة فى الفعلين للصيرورة اصله بصر الله وسمع ثم غير الى لفظ الامر وليس بامر اذلا معنى للامر هنا ومعناه ما ابصر الله بكل موجود وما اسمعه لكل مسموع وصيغة التعجب ليست على حقيقتها لاستحالته على الله بل للدلالة على ان شأن علمه بالمبصرات والمسموعات خارج عما عليه ادراك المدركين لا يحجبه شئ ولا يحول دونه حائل ولا يتفاوت بالنسبة اليه اللطيف والكثيف والصغير والكبير والخفى والجلى ولعل تقديم امر ابصاره تعالى لما ان الذى نحن بصدده من قبيل المبصرات .
قال فى التأويلات النجمية { ابصر به واسمع } اى هو البصير بكل موجود وهو السميع بكل مسموع فبه ابصر وبه اسمع انتهى .
قال القيصرى رحمه الله سمعه تعالى عباره عن تجليله بعلمه المتعلق بحقيقة الكلام الذاتى فى مقام جمع الجمع والاعيانى فى مقام الجمع والتفصيل ظاهرا وباطنا لا بطريق الشهود وبصره عبارة عن تجليه وتعلق علمه بالحقائق على طريق الشهود وكلامه عبارة عن التجلى الحاصل من تعلق الارادة والقدرة لاظهار ما فى الغيب وايجاده قال تعالى « انما امره اذا اراد شيأ » الآية { ما لهم } اى لاهل السموات والارض { من دونه } تعالى { من ولى } يتولى امرهم وينصرهم استقلالا ومن الاولى متعلقة بولى على الحال والثانية للاستغراق كأنه قيل مالهم من دونه ولى ما { ولا يشرك فى حكمه احدا } اى لا يجعل الله تعالى احدا من الموجودات العلوية والسفلية شريكا لذاته العالية فى قضائه الازلى الا الابد لعزته وغناه .
قال الامام المعنى انه تعالى لما حكى ان لبثهم هو هذا المقدار فليس لاحد ان يقول بخلافه انتهى .
قال بعض الكبار هذه الامور المدبرة المنزلة بين السموات والارض الجارية الحادئة فى الواقع الظاهرة على ايدى مظاهرها واسبابها فى الخارج فى الليل والنهار هى الامور المحكمة المحفوظة من تبديل غير الحق تعالى وتغييره لانها المقادير التى قدرها ودبرها واحكم صنعها ولا قدرة لاحد غيره على محو ما اثبته واثبات ما محاه { يمحو الله ما يشاء ويثبت } وليس لغيره كائنا من كان غير التسليم والرضى اذ ليس بشريك له تعالى فى حكمه وفى الحديث القدسى(7/347)
« قدرت المقادير ودبرت التدبير واحكمت الصنع فمن رضى فله الرضى منى حتى يلقانى ومن سخط فله السخط منى حتى يلقانى » قال الحافظ
رضا بداده بده وزجبين كره بكشاى ... كه برمن وتو در اختيار نكشادست
وقال
در دائره قسمت ما نطقه تسليميم ... لطف آنجه توانديشى حكم انجه توفرمايى
يعنى ليس للعبد اعتراض على المولى فى حكمه وامره وانما له التسليم والرضى وترك التدبير كما قال بعض الكبار عن لسان الحق تعالى يا مهموما بنفسه كنت من كنت لو القيتها الينا واسقطت تدبيرها وتركت تدبيرك لها واكتفيت بتدبيرنا لها من غير منازعة فى تدبيرنا لها لاسترحت جعلنا الله واياكم هكذا بفضله وهذا مقال عال لم يصل اليه الا افراد الرجال الذين رفعوا منازعة النفس من البين ومشوا بالتسليم والرضى فى كل اين يا رجل اين هم فى هذا الزمان وكيف تبين حالهم للانسان فاجتهد لعلك تظفر بواحد منهم حتى تكون ممن رضى الله عنهم(7/348)
وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27)
{ واتل ما اوحى اليك من كتاب ربك } اى القرآن للتقرب الى الله تعالى بتلاوته والعمل بموجبه والاطلاع على اسراره ولا تسمع لقولهم ائت بقرآن غير هذا او بدله والفرق بين التلاوة والقراءة ان التلاوة قراءة القرآن متابعة كالدراسة والاوراد الموظفة والقراءة اعم لانها جمع الحروف باللفظ لا اتباعها { لا مبدل لكلماته } لا قادر على تبديله وتغييره غيره وان بالغلت فى الطلب { من دونه } تعالى { ملتحدا } ملتجأ تعدل اليه عند نزول بلية فرضا انتهى .
واعلم ان القرآن لا يتبدر ابدا ولا يتغير بالزيادة والنقصان سرمدا وكذلك احكامه لانه محفوظ فى الصدور بنظمه ومعانيه وانما يتبدل اهله بتبدل الاعصار فيعود العلم والعمل الى الجهل والترك نعوذ بالله تعالى .
قال ابراهيم بن ادهم رحمه الله مررت بحجر متكتوب عليه قلبنى انفعك فقلبته فاذا مكتوب عليه انت بما تعلم لا تعمل فكيف تطلب ما لم تعلم
كر همه علم عالمت باشد ... بى عمل ومدعى وكذابى
ومن فرق المتصوفة المبتدعة قوم يسمون بالالهامية يتركون طلب العلم والدرس ويقولون القرآن حجاب والاشعار قرآن الطريقة فيتركون القرآن ويتعلمون الاشعار فهلكوا بذلك قال الكمال الخجندى
دل ازشنيدن قرآن بكيردت همه وقت ... جو باطلان ز كلام حقت ملولى جيست
قال ابراهيم الخواص جلاء القلب وواؤه خمسة قراءة القرآن بالتدبر واخلاء البطن وقيام الليل والتضرع الى الله عند السحر ونجالسة الصالحين فمن اشتغل بشهوته وهواه عن هذه الامور الشاقة يقى على مرضه الروحانى ولم يجد لنفسه ملتحدا سوى العذاب والهلاك فانظر يا مسيئ الادب ان لا مرجع الا الى الله تعالى فكيف ترجع اليه بالاشعار التى اخترعتها انت وامثالك من اهل النفس والهوى بدل القرآن الذى ارسله الله اليك وامر بالعمل به فما جوابك يوم يجثوا المقربون على ركبهم من الهول كما قال الشيخ سعدى
دران روز كز فعل برسند وقول ... اولو العزم را تن بلرزد زهول
بجايى كه دهشت خورد انبيا ... توعذر كنه را جه دارى بيا
فالواجب ان تجثو فى هذا اليوم بين يديى عالم لتعلم القرآن وكيفية العمل به ومعرفة طريق الوصول الى حقائقه فانه نسخة الهية فيها علوم جميع الانبياء والاولياء فمن اراد دخول الدار من شيخ وشاب فليأت من طرف الباب .
وعن على رضى الله عنه من قرأ القرآن وهو قائم فى الصلاة كان له بكل حرف مائة حسنة ومن قرأ وهو جالس فى الصلاة فله بكل حرف خمسون حسنة ومن قرأ وهو فى غير الصلاة وهو على وضوء فخمس وعشرون حسنة ومن قرأ على غير متربع ولا متكئ ولا جالس جلسة متكبر ولكن نحو ما يجلس بين يدى من يهابه ويحتشم منه .
وفى الاشباه استماع القرآن اثوب من تلاوته انتهى .
فما يفعل البعض فى هذا الزمان من اخفاء آية الكرسى فى بعض الجوامع والمجامع ليس على ما ينبغى وذلك لان فى القوم من هو امى لا يحسن قراءة الآية المذكورة فاللائق ان يجهر بها المؤذن لينال المستمعون ثواب التلاوة بل ازيد وهو ظاهر على ارباب الانصاف ولا يخرج عن هذا الحد الا اصحاب الاعتساف .(7/349)
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)
{ واصبر نفسك } احبسها وثبتها مصاحبة { مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى } فى اول النهار وآخره والمراد الدوام اى مداومين على الدعاء فى جميع الاوقات او بالغداة لطلب التوفيق والتيسير والعشى لطلب عفو التقصير .
نزلت حين طلب رؤساء الكفار طرد فقراء المسلمين من مجالسه عليه السلام كصهيب وعمار وخباب وغيرهم وقالوا اطرد هؤلاء الذين ريحهم ربح الصنان يعنى [ اين بشمينه بوشان بى قدررا كه بوى خرقها ايشان مارا متأذى دارد از مجلس خود دورساز ] حتى نجالسك فان اسلمنا اسلم الناس وما يمنعنا من اتباعك الا هؤلاء لانهم قوم ارذلون كما قال قوم نوح { أنؤمن لك واتبعك الارذلون } فلم يأذن الله فى طرد الفقراء لاجل ان يؤمن جمع من الكفار .
فان قيل يرجح الاهم على المهم وطرد الفقراء يسقط حرمتهم وهو ضرر قليل وعدم طردهم يوجب بقاء الكفار على كفرهم وهو ضرر عظيم .
قلنا من ترك الايمان حذرا من مجالسة الفقراء لم يكن ايمان ايمانا بل يكون نفاقا قبيحا يجب ان لا يتلفت اليه كذا فى تفسير الامام .
يقول الفقير شان النبوة عظيم فلو طردهم لاجل امر غير مقطوع كان ذنبا عظيما بالنسبة الى منصبه الجليل مع ان الطرد المذكور من ديدن الملوك والاكابر من اهل الظواهر وعظماء الدين يتحاشون عن مثل ذلك الوضع نظرا الى البواطن والسرائر { يريدون } بدعائهم ذلك { وجهه } تعالى حال من الضمير المستكن فى يدعون اى مريدين رضاه لا شئ آخر من اعراض الدنيا فالوجه مجاز عن الرضى والمناسبة بينهما ان الرضى معلوم فى الوجه وكذا السخط كما فى الحواشى الحسينية على التلويح { ولا تعد عيناك عنهم } اى لا يجاوزهم نظرك الى غيرهم .
قال الكاشفى [ بايدكه نكذرد جشمهاى توازايشان ] من عدا الامر وعنه جاوزه كما فى القاموس فعيناك فاعل لا تعد وهذا نهى للعينين والمراد صاحبهما يعنى نهيه عليه السلام عن الازدراء بفقراء المسلمين لرثاية زيهم طموحا الى زى الاغنياء .
وقال ذو النون رحمه الله خاطب الله نبيه عليه السلام وعاتبه وقال له اصبر على من صبر علينا بنفسه وقلبه وروحه وهم الذين لا يفارقون محل الاختصاص من الحضرة بكرة وعشيا فمن لم يفارق حضرتنا فحق ان تصبر عليه فلا تفارقه وحق لمن لا تعد وعينهم عنى طرفة عين ان لا ترفع نظرك عنهم وهذا جزاؤهم فى العاجل { تريد } يا محمد { زينة الحياة الدنيا } اى تطلب مجالسة الاغنياء والاشراف واهل الدنيا وهى حال من الكاف وفى اضافة الزنية الى الحياة الدنيا تحقير لشأنها وتنفير عنها .
قال الكاشفى [ ببايد دانست كه آن حضرت را هركزبدنيا وزينت آن ميل نبوده بلكه معنى آيت اينست كه مكن عمل كسى مائل بزينت دنياجه مائل بدنيا ازفقر معرض وبراغنيا مقبل باشد ] .(7/350)
وفى زبدة التفاسير تريد حال صرف للاستقبال لا انه حكم على النبى عليه السلام بارادته زينة الدنيا وهو قد حذر عن الدنيا وزينتها ونهى عن صحبة الاغنياء كما قال ( لا تجالسوا الموتى ) يعنى الاغنياء { ولا تطع } فى تنحية الفقراء عن مجلسك { من اغفلنا قلبه عن ذكرنا } الغفلة معنى يمنع الانسان من الوقوف على حقيقة الامور اى جعلت قلبه فى فطرته الاولى غافلا عن الذكر ومحتوما عن التوحيد كرؤساء قريش { واتبع هواه } الهوى بالفارسية { آرزوى نفس ] مصدر هويه اذا احبه واشتهاه ثم سمى به المهوى المشتهى محمودا كان او مذموما ثم غلب على غير المحمود وقيل فلان اتبع هواه اذا اريد ذمه ومنه فلان من اهل الهوى اذا زاغ عن السنة متعمدا وحاصله ميلان النفس الى ما تشتهيه وتستلذه من غير داعية الشرع قالوا يجوز نسبة فعل العبد على نفسه من جهة كونه مقرونا بقدرته ومنه واتبع هواه والى الله من حيث كوننه موجدا له ومنه اغفلنا { وكان امره فرطا } .
قال فى القاموس الفرط بضمتين الظلم والاعتداء والامر المجاوز فيه عن الحد انتهى اى متقدما للحق والصواب نابذا له وراء ظهره من قوله فرس فرط اى متقدم للخيل .
وفى التأويلات { وكان امره } فى متابعة الهوى هلاكا وخسرانا وفى الآية تنبيه على ان الباعث لهم الى هذا الاستعداد اغفال قلوبهم عن ذكر الله واشغالها بالباطل الفانى عن الحق الباقى وعلى ان العبرة ولاشرف بحلية النفسص وصفاء القلب وطهارة السرائر لا بزينة الجسد وحسن الصورة والظواهر : قال الحافظ
قلندران حقيقت به نيم جو نخرند ... قبى اطلس آنكس كه ازهنر عاريست
وق ل الجامى قدس سره
جه غم منقصت صورت اهل معنى را ... جوجان زروم بود كوتن از حبش مى باش
وفى الحديث « ان الله لا ينظر الى صوركم واموالكم بل الى قلوبكم واعمالكم » يعنى اذا كانت لكم قلوب واعمال صالحة تكونون مقبولين مطلقا سواء كانت لكم صور حسنة واموال فاخرة ام لا والا فلا مطلقا وكذا الحكم فى الظاهر والباطن فافهم - روى - ان الله تعالى لما اتخذ ابراهيم خليلا قالت الملائكة يا رب انه كيف يصلح للخلة وله شواغل من النفس والولد والمال والمرأة فقال تعالى انا لا انظر الى صورة عبدى وماله بل الى قلبه واعماله وليس لخليلى محبة لغيرى فان شئتم جربوه فجاءه جبريل وكان لابراهيم عليه السلام اثناء عشر كالبا للصيد ولحفظ الغنم وطوق كل كلب من الذهب ايذانا بخساسة الدنيا وحقارتها فسلم عليه جبريل فقال لمن هذه فقال لله ولكن فى يديى فقال تبيع واحدا منها قال اذكر الله وخذ ثلثها فقال سبوح قدوس رب الملائكة والورح فاعطى الثلث ثم قال اذكره ثانيا وخذ ثلثها واذكر ثالثا وخذ كلها برعاتها وكلابها ثم اذكره رابعا وانا اقر لك بالرق فقال الله تعالى كيف رأيت خليلى يا جبريل قال نعم العبد خليلك يا رب فقال ابراهيم لرعاةالغنم سوقوا الاغنام خلف صاحبى هذا فقال جبريل لا حاجة لى الى ذلك واظهر نفسه فقال انا خليل الله لا استرد هبتى فاوحى الله الى ابراهيم ان يبيعها ويشترى بثمنها الضياع والعقار ويجعلها وقفا فاوقاف الخليل وما يؤكل على مرقده الشريق من ثمنها .(7/351)
واعلم ان قدر الاذكار لا يعرفه الا الكبار ألا يرى ان الخليل كيف فدى نفسه بعد اعطاء الكل بشرف ذكر الله وتعظيمه فليسارع العشاق الى ذكر القادر الخلاق فان صيقل القلوب ذكر علام الغيوب : قال الشيخ المغربى قدس سره
اكرجه آينه دارى ازبراى رخش ... جه سودا كرجه كه دارى هميشه آينه تار
بيا بصيقل توحيد زآينه بزدا ... غبار شرك كه ناباك كردد اززنكار
قال اهل التحقيق ان كلمة التوحيد لا اله الا الله اذا قالها الكافر تنفى عنه ظلمة الكفر وتثبت فى قلبه نور التوحيد واذا قالها المؤمن تنفى عنه ظلمة النفس وتثبت فى قلبه نور الوحدانية وان قالها فى كل يوم الف مرة فبكل مرة تنفى عنه شيأ لم تنفعه فى المرة الاولى فان مقام العلم بالله لا ينتهى الى الابد وفى الحديث « جلوسك ساعة عند حلقة يذكرون الله خير من عبادة الف سنة » كما فى مجالس حضرة الهدايى قدس سره والذكر يوصل الى حضور المذكور وشهوده فى مقام النور قال جلا الدين الرومى قدس سره
آدمى ديدست وباقى بوستست ... ديد آن ديديكه ديدى دوستست(7/352)
وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30)
{ وقل } لاولئك الغافلين المتبعين هواهم { الحق } ما يكون { من ربكم } من جهة الله لا ما يقتضيه الهوى فانه باطل او هذا الذى اوحى الى هو الحق كائنا من ربكم فقد جاء الحق وانزاحت العلل فلم يبق الا اختياركم لانفسكم ما شئتم مما فيه النجاة والهلاك .
وفى التأويلات النجمية { وقل الحق من ربكم } فى التبشير والانذار وبيان السلوك لمسالك ارباب السعادة والاحتراز عن مهالك اصحاب الشقاوة { فمن شاء فليؤمن } من نفوس اهل السعاة { ومن شاء فليكفر } من قلوب اهل الشقاوة .
قال فى الارشاد { فمن شاء فليؤمن } كسائر المؤمنين ولا يتعلل بما لا يكاد للتعليل { ومن شاء فليكفر } لا بالى بالايمان من آمن وكفر من كفر فلا اطرد المؤمنين المخصلين لهواكم لرجاء ايمانكم بعد ما تبين الحق ووضح الامر وهو تهديد ووعيد لا تخيير اراد ان الله تعالى لا ينفعه ايمانكم ولا يضره كفركم فان شئتم فآمنوا وان شئتم فاكفروا فان كفرتم فاعلموا ان الله يعذبكم وان آمنتم فاعلموا انه يثيبكم كما فى الاسئلة المقحمة قال تعالى { ان تكفروا فان الله غنى عنكم } اى عن ايمانكم { ولا يرضى لعباده الكفر } وان تعلق به ارادته من بعضهم ولكن لا يرضى رحمة عليهم لاستضرارهم به { وان تشكروا } الله فتؤمنوا { يرضه لكم } الى الشكر .
قال فى بحر العلوم فمن شاء الايمان فليصرف قدرته وارادته الى كسب الايمان وهو ان يصدق بقلبه يجميع ما جاء من عند الله ومن شاء عدمه فليختره فانى لا ابالى بكليهما .
وفيه دلالة بينة على ان للعبد فى ايمانه وكفره مشيئة واختيارا فهما فعلان يتحققان بخلق الله وفعل العبد معا وكذا سائر افاله الاختياره كالصلاة والصوم مثلا فان كل واحد منهما لا يحصل الا بمجموع ايجاد الله وكسب العبد وهو الحق الواسط بين الجبر والقدرة ولوا ذلك لما ترتب استحقاق العباد على ذلك بقوله { انا اعتدنا } هيأنا { للظالمين } اى لكل ظالم على نفسه بارادة الكفر واختياره على الايمان { نارا } عظيمة عجيبة { احاط بهم } يحيط بهم وايثار صيغة الماضى للدلالة على التحقق { سرادقها } اى فسطاطها وهو الخيمة شبه به ما يحيط بهم من النار .
وفى بحر العلوم السرادق ما يدار حول الخيمة من شقق بلا سقف .
وعن ابى سعيد قال عليه السلام « سرادق النار اربعة جدر كثف كل جدار مسيرة اربعين سنة » { وان يستغيثوا } [ واكر فرياد خواهى كنند ازتشنكى ] { يغاثوا } [ فرياد رس شوند } [ ماء كالمهل } كالحديد المذاب وقيل غير ذلك والتفصيل فى القاموس وعلى اسلوب قوله يعنى فى التهكم فاعتبروا بالصليم اى يجعل المهل لهم مكان الماء الذى طلبوه كما ان الشاعر جعل الصليم لهم اى الداهية مكان العتاب الذى يجرى بين الاحبة { يشوى } [ بريان كند وبسوزد ] { الوجوه } اذا قدم ليشرب من فرط حرارته وعن النبى عليه السلام(7/353)
« هو كعكر الزيت » اى درديه فى الغلظة والسواد فاذا قرب اليه سقطت فروة وجهه { بئس الشراب } ذلك الماء الموصوف لان المقصود تسكين الحرارة وهذا يبلغ فى الاحراق مبلغا عظيما { وساءت } النار { مرتفقا } تمييز اى متكأ ومنزلا واصل الارتفاق نصب المرفق تحتالخد وأنى ذلك فى النار وانما هو لمقابلة قوله { وحسنت مترفقا } وقال سعدى المفتى الاتكاء على المرفق كما يكون للاستراحة يكون للتحيرو التحزن وانتفاء الاول هنا مسلم دون الثانى فلا تثبت المشاكلة انتهى .
يقول الفقير المتكأ بمعنى [ تكيه كاه ] بالفارسية والاعماد لا يراد حقيقته وانما يراد المنزل فيجرد عن الاستراحة لكونه جهنم نعوذ بالله منها . فعلى المؤمن الاجتناب عن الظلم والمعاصى والاصرار عليهما على تقدير الذلة فالتدارك بالاستغفار والندامة ولاشتغال بالتوحيد والاذكار والا فالسفر بعيد وحر الناس شديد وماؤها مهل وصديد وقيدها حديد وفى الحديث « ان ادنى اهل النار عذابا ينعل بنعلين من نار يغلى دماغه من حرارة نعله » - روى - عن مالك بن دينار انه قال مررت على صبى وهو يلعب بالتراب يضحك تارة ويبكى اخرى قاردت ان اسلم عليه فمنعتنى نفسى فقلت يا نفس كان النبى صلى الله عليه وسلم على الصغار والكبار فسلمت فقال وعليك السلام ورحمة الله يا مالك فقلت ومن اين عرفتنى قال الفت روحى بروحك فى عالم الملكوت فعرفنى الحى الذى لا يموت فقلت ما الفرق بين النفس والعقل فقال نفسك التى منعتك عن السلام وعقلك الذى حرضك عليه فقلت لم تلعب بالتراب فقال لانا خلقنا منه ونعود اليه فقلت ولم الضحك والبكاء قال اذا ذكرت عذاب ربى ابكى واذا ذكرت رحمته اضحك فقلت يا ولدى أى ذنب لك حتى تبكى اى لانك لست بمكلف قال لا نقل هذا فانى رأيت امى لم توقد الحطب الكبار الا بالصغار فعليك بالاعتبار : وفى المثنوى .
نى ترا از روى ظاهر طاعتى ... نى ترا درسر باطن نيتى
نى ترا شبها مناجات وقيام ... نى ترا در روز برهيز وصيام
نى ترا حفظ زبان ز آزار كس ... نى نظر كردن بعبرت بيش وبس
بيش جه بود ياد مرك ونزع خويش بس جه باشد مردن ياران زبيش نى ترا برظلم توبه بر خروش ... اى دغا كندم نماى جو فروش
جون ترازوى تو كج بود ودغا ... راست جون جويى ترازوى جزا
جونكه باى جب بدى درغد روكاست ... نامة جون آيد ترا دردست راست
جون جزا سايه است اى قد توخم ... سايه تو كج فتد در بيش هم
وعن يزيد الرقاشى انه قال جاء جبريل الى النبى صلى الله عليه وسلم متغير اللون قال النبى عليه السلام(7/354)
« يا جبريل مالى اراك متغير اللون » فقال يا محمد جئتك الساعة التى امر الله فيها بمنافخ النار فقال صلى الله عليه وسلم « صف لى جهنم » قال يا محمد ان الله لما خلق جهنم جعلها سبع طبقات ان اهون طبقة منها فيها سبعون الف الف جبر من نار وفى كل جبل سبعون الف الف واد من نار وفى كل واد سبعون الف الف بيت من نار وفى كل بيت سبعون الف الف صندوق من نار وفى كل صندوق سبعون الف الف نوع من العذاب نعوذ بالله تعالى منه كذا فى مشكاة الانوار وهذا غير محمول على المبالغة بل هو على حقيقته لانه مقابل بنعيم ا لجنان فكل من العذاب والنعيم خارج عن دائرة العقل وليس للعاقل الا التسليم والاحتراز عن موجبات الذاب الاليم { ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات } جمعوا بين عمل القلب وعمل الاركان . والصالحات جمع صالحة وهى فى الاصل صفة ثم غلب استعمالها فيما حسنه التسرع من الاعمال فلم تحتج الى موصوف ومثلها الحسنة فيما يتقرب به الى الله تعالى { انا لا نضيع } [ الاضاعة كم كردن ] { اجر من احسن عملا } الاجر الجزاء على العمل وعملا مفعول احسن والتنوين للتقليل ووضع الظاهر موضع الضمير للدلالة على ان الاجر انام يستحق بالعمل دون العلم اذ به يستحق ارتفاع الدرجات والشرف والرتب كما فى الحديث القدسى « ادخلوا الجنة بفضلى واقتسموها باعمالكم » وعن البراء ابن عازب رضى الله عنه قال قام اعرابى الى النبى صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع والنبى واقف بعرفات على ناقته العضباء فقال انى رجل متعلم فخبرنى عن قول الله تعالى { ان الذين آمنوا } الآية فقال عليه السلام « يا اعرابى ما انت منهم ببعيد وما هم عنك ببعيد هم هؤلاء الاربعة الذين هم وقوف معى أبو بكر وعمر وعثمان وعلى رضى الله عنهم فاعلم قومك ان هذه الآية نزلت فى هؤلاء الاربعة » ذكره الامام السهيلى فى كتاب التعريف والاعلام .(7/355)
أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)
{ اولئك } المنعوتون بالنعت الجليل { لهم جنات عدن } .
قال الامام العدن فى اللغة الاقامة فيجوز ان يكون المعنى اولئك لهم جنات اقامة كما يقال هذه دار اقامة ويجوز ان يكون العدن اسما لموضع معين من الجنة وهو وسطها واشرف مكان وقوله جنات لفظ جمع فيمكن ان يكون المراد ما قاله تعالى { ولمن خاف مقام ربه جنتان } ثم قال { ومن دونهما جنتان } ويمكن ان يكون نصيب كل واحد من المكلفين جنة على حدة { تجرى من تحتهم الانهار } الاربعة من الخمر واللبن والعسل والماء العذب وذلك لان افضل ابساتين فى الدنيا البساتين التى تجرى فيها الانهار { يحلون فيها } اى فى تلك الجنات من حليت المرأة اذا لبست الحلى وهى ما تتحلى به من ذهب وفضة وغير ذلك من الجوهر والتحلية [ بيرايه بركردن ] .
قال الكاشفى [ بيرايه بسته شوند دران بوستانها ] { من اساور } من ابتدائيه واساور جمع اسورة وهى جمع سوار بالفارسية [ دستوان ] { من ذهب } من بيانه صفة لاساور وتنكيرها لتعظيم حسنها وتبعيده من الاحالة به .
قال فى بحر العلوم وتنكير اساور للتكثير والتعظيم .
عن سعيد بن جبير يحلى كل واحد منهم ثلاثة اساور واحد من ذهب وواحد من فضة وواحد من لؤلؤ وياقوت فهم يسورون بالاجناس الثلاثة على المعاقبة او على الجمع كما تفعله نساء الدنيا ويجمعن بني انواع الحلى .
قال بعض الكبار اى يتزينون بانواع الحلى من حقائق التوحيد الذاتى ومعانى التجليات العينية الاحدية فالذهبيات هى الذاتيات والفضيات هى الصفات النوريات كما قال { وحلوا اساور من فضة } { ويلبسون ثيابا خضرا } [ جامهاى سبز ] وذلك لان الخضرة احسن الالوان واكثرها طراوة وأحبها الى الله تعالى { من سندس واسبرق } ما رق من الديباج وما غلظ منه والديباج الثوب الذى سداه ولحمته ابريسم واستبرق ليس باستفعل من البرق كما زعمه بعض الناس بل معرب استبره جمع بين النوعين للدلالة على ان لبسهما مما تشتهى الانفس وتلذ الاعين .
اعلم ان لباس اهل الدنيا اما لباس التحلى واما لباس الستر فاما لباس التحلى فقال تعالى فى صفته { يحلون } الآية واما لباس الستر فقال تعالى فى صفته { ويلبسون } الآية .
فان قيل ما السبب فى انه تعالى قال فى الحلى يحلون على فعل اليهم .
فقلنا يحتمل ان يكون اللبس اشارة الى ما استوجبوه بعلمهم بمقتضى الوعد الالهى وان يكون الحلى اشارة الى ما تفضل الله به عليهم تفضلا زائدا على مقدار الوعد وايضا فيه ايذان بكرامتهم وبيان ان غيرهم يفعل بهم ذلك ويزينهم به بخلاف اللبس فانه يتعاطاه بنفسه شريفا وحقيرا يقول الفقير لا شك ان لباس الستر يلبسه المرء بنفسه ولو كان سلطانا فلذا اسند اليه واما لباس الزينة فغيره بزينه به عادة كما يشاهد فى السلاطين والعرائس ولذا اسند الى غيره على سبيل التعظيم والكرامة { متكئين فيها على الارائك } جمع اريكه وهى السرير فى الحجار ولا يسمى لاسرير وحده اريكة .(7/356)
والحجار جمع حجلة وهى بيت يرين بالثياب للعروس وخص الاتكاء لانه هيئة المتنعمين والملوك على اسرتهم .
قال ابن عطاء متكئين على ارائك الانس فى رياض القدس وميادين الرحمة فهم على بساتين الوصلة شاهدون عليكم فى كل حال { نعم الثواب } ذلك اشارة الى جنات عدن ونعيمها والثواب جزاء الطاعة { وحسنت } اى الارائك { مرتفقا } اى متكأ ومنزلا للاستراحة .
اعلم انه لا كلام فى حسن الجنة وفسة نعيمها وانما الكلام فى الاستعداد لها فالصالحات من الاعمال من الاسباب المعدة لها وهى ما كانت لوجه الله تعالى من الصوم والصلاة وسائر وجوه الخيرات : قال الشيخ سعدى قدس سره
قيامت كه بازار مينو نهند ... منازل باعمال نيكو نهند
كسى را كه حسن عمل بيشتر ... بدركاه حق منزلت بيشتر
بضاعت بجند انكه آرى برى ... اكر مفلسى شر مسار برى
كه بازار جندانكه آكنده تر ... تهى دست را دل براكنده ثر
قال فى التأويلات النجمية ان لاهل الايمان والاعمال جزاء يناسب صلاحية اعمالهم وحسنها فمنها اعمال تصلح للسير بها الى الجنات وغرفها وهى الطاعات والعبادات البدنية بالنية الصالحة على وفق الشرع والمتابعة ومنها اعمال تصلح للسير الى الله تعالى وهى الطاعات القلبية من الصدق فى طلب الحق والاخلاص فى التوحيد وترك الدنيا والاعراض عما سوى الله والاقبال على الله بالكلية والتمسك بذيل ارادة الشيخ الكامل الواصل المكمل الصالح ان يزرع حنطة فزرع شعير فرآه وقت حصاده وسأله قل زرعت شعيرا على ظن ان ينبت حنطة فقال يا احمق هل رأيت احدا زرع شعيرا فحصد حنطة فقال العبد فكيف تعصى الله انت وترجو رحمته
هركسى آن درود عاقبت كار كه كشت ... أما علمت ان الدنيا مزرعة الآخرة : قال حضرة جلال الدين الرومى قدس سره
جمله دانند اين اكرتو نكروى ... هرجه مى كاريش روزى بدروى
فتاب الرجل واعتق غلامه فمن ايقظه الله عن سنة الغفلة عرف الله وكان فى تحصيل مرضاته ومرتبة العارف فوق مرتبة العابد والكرامات الكونية لا قدر لها .
قود ثبت فضل ابى بكر الصديق رضى الله عنه على سائر الصحابة رضى الله عنهم حتى قيل فى شأنه ان الله يتجلى لاهل الجنة عامة ولابى بكر خاصة مع انه لم ينقل عنه شئ من الخوارق وذلك التجلى انما هو بكرامته العلمية التى اعطاها الله اياه واحسن التحقيق بحقائقها ولاهلها جنة عاجلة قلبية فى الدنيا .(7/357)
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32)
{ واضرب لهم مثلا رجلين } مفعولان لاضرب اولهما ثانيهما لانه المحتاج الى التفصيل والبيان اى اضرب يا محمد وبين للكافرين المتقلبين فى نعم الله والمؤمنين المكابدين لمشاق الفقر مثلا حال من رجلين مقدرين او اخوين من بنى اسرائيل .
قال فى الجلالين يريد ابنى ملك كان فى بنى اسرائيل . قال ابو حيان ويظهر فى قوله { فقال لصاحبه } انه ليس اخاه انتهى .
يقول الفقير هذا ذهور عن عنوان الكلام اذ التعبير عنهما برجلين يصحح اطلاق مما ينادى على صحة ما ادعيناه اذ لا تنافى هذه الصحبة الاخوة وكل منهما من اخص الاوصاف قالوا كان احد الاخوين مؤمنا واسمه يهودا والاخر كافرا وسامه قطروس بضمالقاف ورثا من ابيهما ثمانية آلاف دينار فتقاسماها بينهما فاشترى الكافر ارضا بالف دينار وبنى دارا بالف دينار وتزوج امرأةبالف واشترى خدما وتاعا بالف فقال المؤمن اللهم ان اخى اشترى ارضا بالف دينار وانا اشترى منك ارضا فى الجنة فتصدق به وان اخى بنى دارا بالف دينار وانا اشترى منك دارا فى الجنة فتصدق به وان اخى تزوج امرأة بالف وانا اجعل الفاء صداقا للحور فتصدق به وان اخى اشترى خدما ومتاعا بالف وانا اشترى منك الولدان المخلدين بالف فتصدق به ثم اصابته حاجة فجلس لاخيه على طريقة فمر به فى حشمه فقام اليه فنظر اليه وقال ما شأنك قال اصابتنى حاجة فاتيت لتصيبنى بخير فقال وما فعلت بمالك وقد اقتسمنا مالا واخذت شطره فقص عليه القصص قال انك اذا لمن المتصدقين بهذا اذهب فلا عطينك شيأ فطرده ووبخه على التصدق بماله { جعلنا لاحدهما } وهو الكافر { جنتين } بستانين { من اعناب } من كروم متنوعة فاطلاق الاعناب عليها مجازا ويجوز ان يكون بتقدير المضاف اى اشجار اعناب { وحففناهما بنخل } اى جعلنا النخل محيطة بالجنتين ملفوفا بها كرومهما وبالفارسية [ يعنى درختان خرما كردا كرد در آورديم ] يقال حفه القوم اذا طافوا به اى استداروا وحففته بهم اى جعلتهم جافين حوله وهو متعد الى مفعول واحد فتزيده الباء مفعولا ثانيا مثل غشيته وغشيته به { وجعلنا بينهما } وسطهما يعنى [ بيدا كرديم ميان آن دوباغ ] { زرعا } ليكون كل منهما جامعا للاقوات والفواكه متواصل العمارة على الشكل الحسن والترتيب الانيق .(7/358)
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33)
{ كلتا الجنتين آتت اكلها } بثمرها وبلغ مبلغا صالحا للاكل وافراد الضمير فى آتت للحمل على لفظ المفرد .
قال الحريرى ولا يثنى خبر كلا الا بالحمل على المعنى او لضرورة الشعر { ولم تظلم منه } لم تنقض من اكلها { شيأ } كما يعهد فى سائر البساتين فان الثمار تتم فى عام واحد وتنقص فى عام غالبا وكذا بعض الاشجار تأتى بالثمر فى بعض الاعوام دون بعض { وفجرنا خلالهما } وشققنا فيما بين كل من الجنتين واخرجنا واجرينا { نهرا } على حدة ليدوم شربهما وتزيد بهاؤهما ولعل تأخير ذكر تفجير النهر عن ذكر ايتاء الاكل مع ان الترتيب الخارجى على العكس للايذان باستقلال كل من ايتاء الاكل وتفجير النهر فى تكميل محاسن الجنتين ولو عكس لانفهم ان المجموع خصلة واحدة بعضها مرتب على بعض فان ايتاء الاكل متفرع عل السقى عادة وفيه ايماء الى ان ايتاء الاكل لا يتوقف على السقى كقوله تعالى { يكاد زيتها يضيئ ولو لم تمسسه نار }(7/359)
وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34)
{ وكان له } اى لصاحب الجنتين { ثمر } انواع من المال غير الجنتين من ثمر ماله الذى ذكر .
وقال الشيخ فى تفسيره بفتحتين جمع ثمرة وهى المجنى من الفاكهة وذكر ها وان كانت الجنة لا تخلو عنها ايذان بكثرة الحاصل له فى الجنتين من الثمار وغيرها .
وقال الكاشفى { وكان له ثمر } [ همه ميوه يعنى ازانكورخرما وميوهاى ديكر داشت واختصاص آنها بذكر غالييت بوده ] { فقال لصاحبه } اخيه المؤمن { وهو } اى والحال ان القائل { يحاوره } يكلمه ويراجعه الكلام من حار اذا رجع .
قال الكاشفى [ واو مجادله مى كرد باو وسخن باز مى كردانيد انتهى ] ولهذه المحاورة والمعية اطلق عليه الصاحب { انا اكثر منك مالا } عن محمد بن الحسن رحمه الله المال كله ما يتملكه الناس من دراهم او دنانير او ذهب او فضة او حنطة او خبزا او حيوان او ثياب او سلاح او غير ذلك والمال العين هو المضروب { واعز نفرا } حشما واعوانا واولادا ذكورا لانهم الذين ينفرون معه دون الاناث والنفر بفتحتين من الثلاثة الى العشرة من الرجال ولا يقال فيما فوق العشرة يقول الفقير لاح لى ههنا اشكال وهو انه ان حمل افعل على حقيقته فى التفضيل يلزم ان يكون الرجلان المذكوران مقدرين لا محققين اخوين لانه على تقدير التحقيق يقتضى ان لا يكون لاحدهما مال اصلا كما يفصح عنه البيان السابق وقد انبت ههنا الاكثرية للكافر والاقلية للمؤمن وجوابه يستنبط من السؤال والله اعلم بحقيقة الحال .(7/360)
وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35)
{ ودخل } صاحب الجنتين وهو قطروس { جنته } بصاحبه يطوف به فيها ويعجبه منها ويفاخره بها وتوحيدها يعنى بعد التثنية لاتصال احداهما بالاخرى واما لان الدخول يكون فى واحدة فواحدة .
وقال الشيخ افردها ارادة للروضة { وهو } اى والحال انه { ظالم لنفسه } ضار لها يعجب بماله وكفره بالمبدأ والمعاد وهو اقبح الظلم كأنه قيل فماذا قال اذ ذاك { قال ما اظن } كثيرا ما يستعار الظن للعلم لان الظن الغالب يدانى العلم ويقوم مقامه فى العادات والاحكام ومنه المظنة للعلم { ان تبيد } تفنى وتهلك وتنعدم من باد اذا ذهب وانقطع { هذه } الجنة { ابدا } الابد الدهر وانتصابه على الظرف والمراد هنا المكث الطويل وهو مدة حياتهه لا الدوام المؤبد اذ لا يظنه عاقل لدلالة الحس والحدس على ان احوال الدنيا ذاهبة باطلة فلطول امله وتمادى غفلته واغتراره بمهلته قال بمقابلة موعظة صاحبه وتذكيره بفناء جنته والاغترار بها وامره بتحصيل الباقيات الصالحات .(7/361)
وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36)
{ وما اظن الساعة } اى القيامة التى هى عبارة عن وقت البعث { قائمة } كائنة فيما سيأتى { ولئن رددت } والله لئن رجعت { الى ربى } بالبعث على الفرض والتقدير كما زعمت فليس فنيه دلالة على انه كان عارفا بربه مع ان العرفان لا ينافى الاشراك وكان كافرا مشكرا .
قال فى البرهان قال تعالى { ولئن رددت الى ربى } وفى حم { ولئن رجعت الى ربى } لان الرد عن الشئ يتضمن كراهة المردود ولما كان فى الكهف تقديره ولئن رددت عن جنتى هذه التى اظن ان لا تبيد ابدا الى ربى كان لفظ الرد الذى يتضمن الكراهة اولى وليس فى حم ما يدل على كراهته فذكر بلفظ الرجع ليقع فى كل سورة ما يليق بها { لاجدن } يومئذ { خيرا منها } من هذه الجنة { منقلبا } تمييز اى مرجعا وعاقبة ومدار هذا الطمع واليمين الفاجرة اعتقاده انه تعالى انما اولاه فى الدنيا لاستحقاقه الذاتى وكرامته عليه سبحانه وهو معه اينما توجه ولم يدر ان استدراج . يعنى [ مقتضاى استحقاق من آنست كه فردا بهشت بمن دهد جنانجه امروز اين باغ بمن داده ] فقول من قال انه كريم رحيم يعطينى فى الآخرة خيرا مما اعطانى فى الدنيا وهو مخالف لاوامره ونواهيه غاية الغرور بالله كما قال { ايها الانسان ما غرك بربك الكريم } الى قوله { وان الفجار لفى جحيم }
آتشى خوش برفروزيم ازكرم ... تانماندجرم وزلت بيش وكم(7/362)
قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37)
{ قال له صاحبه } اى اخوه المؤمن وهو استئناف كما سبق { وهو يحاوره } اى والحال ان القائل يخاطبه ويجادله : قال فى الاررشاد وفائدة هذه الجملة الحالية التنبيه من الامر الاول على ان ما يتلو كلام معنى بشأنه مسوق للمحاروة { أكفرت } حيث قلت ما اظن الساعة قائمة فانه شك فى صفات الله وقدرته { بالذى خلقك } اى فى ضمن خلق اصلك آدم عليه السلام { من تراب } فانه متضمن بخلقه منه اذ هو انموذج مشتمل اجمالا على جميع افراد الجنس وهمزة الاستفهام للتقريير والامكان بمعنى ما كان ينبغى ان تكفر ولم كفرت بمن اوجدك من تراب اولا { ثم من نطفة } اى من منى فى رحم امك ثانيا وهى مادتك القريبة { ثم سواك } جعلك معتدل الخلق والقامة حال كونك { رجلا } انسانا ذك ابالغا مبلغ الرجال .
قال فى القاموس الرجل بضم الجيم وسكونها معروف او انما هو اذا احتلم وشب .(7/363)