لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)
{ لقد جاءكم } يحتمل ان يكون الخطاب للعرب والعجم جميعا . فالمعنى بالله قد جاءكم ايها الناس { رسول } اى رسول عظيم الشان والرسول انسان بعثه الله تعالى الىلا الخلق لتبليغ الاحكام { من انفسكم } اى من جنسكم آدمى مثلكم لا من الملائكة ولا من غيرهم وذلك لئلا يتنفروا ويمتنعوا من متابعته ويقولوا لا طاقة لنا بمتابعته لانه ليس من جنسنا يؤيده قوله تعالى { قل انما انا بشر مثلكم } وقوله تعالى { لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم } اذ لفظ المؤمنين عام لكل مؤمن من كل صنف فيكون معنى من انفسهم اى من جنسهم لان الملك وكذا الجن لعدم جنسية ذى جهتين جهة التجرد لتمكن الاستفاضة من جانب القد وجهة التعلق لتمكن الافاضة الى جانب الخلق وهو الرسول صلى الله عليه وسلم ومنه يظهر انه لكمال لطافته يمكن ان يستفيض منه الجن ايضا لكونهم اجساما لطيفة ولذا دعاهم دعوة البشر
مشعله افروزشب خاكيان ... سمع سرا برده افلا كيان
ويحتمل ان يكون الخطاب للعرب خاصة . فالمعنى بالله قد جاءكم ايتها العرب رسول عربى مثلكم وعلى لغتكم وذلك اقرب الى الالفة وابعد من اللجاجة واسرع الى فهم الحجة فان الارشاد لا يحصل الا بمعرفة اللسان -حكى- ان اربعة نفر عجمى وعربى وتركى ورومى وجدوا فى طريق درهما فاختلفوا فيه ولم يعرف ولم يفهم واحد منهم مراد الآخر فسأل منهم رجل آخر يعرف الالسنة فقال للعربى ايش تريد وللعجمى [ جه ميخواهى ] مثلا وعلم ان مراد الكل ان يأخذوا بذلك الدرهم عنبا فاخذ العارف الدرهم منهم واشترى لهم عنبا فارتفع الخلاف من بينهم . وقرءئ من انفسكم بفتح الفاء اى من اشرفكم وافضلكم من النفاسة وبالفارسية [ عزيز شدن ] وشيء نفيس اى خطير وذلك لان محمدا صلى الله عليه وسلم ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى بن كلاب وفى كلاب يجتمع نسب ابيه وامه لان امه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب وبنوا هاشم افضل القبائل الى اسماعيل عليه السلام من جهة الخصال الحميدة وكلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر واجمع النسابون على ان قريشا انما تفرقت عن فهر فهو جماع قريش وانما سمى فهر قريشا لانه كان يقرش اى يفتش عن حاجة المحتاج فيسدها بماله وكان بنوه يقرشون اهل الموسم عن حوائجهم فيرفدونهم فسموا بذلك قريشا والرفادة طام الحاج ايام الموسم حتى يتفرقوا فان قريشا كانت على زمن قصى تخرج من اموالها فى كل موسم شيأ فتدفعه الى قصى فيصنع به طعاما للحاج ياكل منه من لم يكن له سعة ولا زاد حتى قام بها ولده عبد مناف ثم بعد عبد مناف ولده هاشم ثم بعد هاشم ولده عبد المطلب ثم ولده ابو طالب وقيل ولده العباس ثم استمر ذلك الى زمنه صلى الله عليه وسلم وزمن الخلفاء بعده ثم استمر ذلك فى الخلفاء الى ان انقرضت الخلافة من بغداد ثم من مصر وعن انس بن مالك رضى الله عنه(5/208)
« حب قريش ايمان وبغضهم كفر » وفى الحديث « عالم قريش يملأ طباق الارض علما » وعن الامام احمد رحمه الله هذا العالم هو الشافعى لانه لم ينتشر فى طباق الارض من علم علماء قريش من الصحابة وغيرهم ما انتشر من علم الامام الشافعى ويجتمع نسبه مع نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عبد مناف وهو الجد التاسع للشافعى رحمه الله وفى الحديث « انا انفسكم نسبا وصهرا وحسبا ليس فى آبائى من لدن آدم سفاح كلها نكاح » وذلك لأنه لا يجيء من الزنى ولى فكيف بى والاشارة فيه الى نفاسة جوهره فى اصل الخلقة لانه اول جوهر خلقه خلقه الله تعالى وعن ابى هريرة انه عليه السلام سال جبريل عليه السلام فقال « يا جبريل كم عمرك من السنين » فقال يا رسول الله لست اعلم غير ان فى الحجاب الرابع نجما يطلع كل سبعين الف سنة مرة رأيته اثنين وسبعين الف مرة فقال عليه السلام « يا جبريل وعزة ربى انا ذلك الكوكب » ولما خلق الله آدم جعل نور حبيبه فى ظهره فكان يلمع فى جبينه ثم انتقل الى ولده شيث الذى هو وصيه والثالث من ولده وكانت حواء تلد ذكرا وانثى معا لم تلد ولدا منفردا الا شيث الذى هو وصيه والثالث من ولده وكانت حواء تلد ذكرا وانثى معا ولم تلد ولدا منفردا الا شيث كرامة لهذا النور ثم انتقل الى واحد بعد واحد من اولاده الى ان وصل الى عبد المطلب ثم الى ابنه عبد الله ثم الى آمنة وكان عليه السلام علة غائية لوجود كل كون فوجوده الشريف وعنصره اللطيف افضل الموجودات الكونية وروحه المطهر امثل الارواح القدسية وقبيلته افضل القبائل ولسانه خير الالسنة وكتابه خير الكتب والالهية وآله واصحابه خير الآل وخير الاصحاب وزمان ولادته خير الازمان وروضته المنورة اعلى الاماكن مطلقا والماء الذى نبع من اصابعه الشريفة افضل المياه مطلقا ثم بعده الافضل ماء زمزم لانه غسل منه صدره عليه السلام ليلة المعراج ولو كان ماء افضل منه يغشل به صدره عليه السلام . ثم ان فى قوله { لقد جاءكم } اشارة الى انه صلى الله عليه وسلم هدية عظيمة من الله تعالى وتحفة جسيمة ولا يعرض عن هدية الله تعالى الا الكافرون والمنافقون : قال حضرة الشيخ العطار قدس سره(5/209)
خويشتن راخواجه عرصات كفت ... انما انا رحمة مهداة كفت
{ عزيز عليه ما عنتم } العزيز الغالب الشديد وكلمة ما مصدرية والعنت الوقوع فى امر شاق واشق الامور دخول النار والجملة من الخبر المقدم والمبتدأ المؤخر صفة رسول . والمعنى شديد عليه عنتكم اى ما يلحقكم من المشقة والألم بترم الايمان فهو يخاف عليكم سوء العاقبة والوقوع فى العذاب وهذا من نتائج ما سلف من المجانسة
قال الكاشفى [ وبعضى برلفظ عزيز وقف كرده اند وىنرا صفة رسول دانند ومعنى عليه ما عنتم برين فرود آرندكه براست آنجه بكيند ازكناه يعنى اعتذار آن برويست در روز قيامت بشفاعت تدارك آن خواهد نمود ودرين معنى كفته اند ]
نماند بعصيان كسى دركرو ... كه دارد جنين سيدى بيش رو
اكر دفترت ازكنه باك نيست ... جو او عذر خواهت بودباك نيست
{ حريص عليكم } اى على ايمانكم وصلاح احوالكم اذ من البين انه عليه السلام ليس حريصا على ذواتهم والحرص شدة الطلب للشيء مع اجتهاد فيه كما فى تفسير الحدادى { بالمؤمنين } متعلق بقوله { رؤوف رحيم } قدم الابلغ منهما وهو الرؤف لان الرأفة شدة الرحمة مع ان مقام المدح يقتضى الترقى من الفاضل الى الافضل محافظة على الفواصل وقدم بالمؤمنين على متعلقه وهو رؤف ليفيد الاختصاص اى لا رأفة ولا رحمة الا بالمؤمنين واما الكفار فليس له عليهم رأفة ولا رحمة
قال فى التأويلات النجمية { بالمؤمنين رؤف رحيم } لتربيتهم فى الدين المتين بالرفق كما قال عليه السلام « ان هذا الدين متين فاوغلوا فيه بالرفق وبالرحمة يعفو عن سيآتهم » كما امره الله تعالى بقوله { فاعف عنهم واصفح } وفى قوله { ان الله بالناس لرؤف رحيم } دقيقة لطيفة شسريفة وهى ان النبى صلى الله عليه وسلم لما كان مخلوقا كانت رأفته ورحمته مخلوقة فصارت مخصوصة بالمؤمنين لضعف الخلقة وان الله تعالى لما كان خالقا كانت رأفته ورحمته قديمة فكانت عامة للناس لقوة خالقيته كما قال { ورحمتى وسعت كل شيء } فمن تداركته الرافة والرحمة الخالقية من الناس قابلا للرأفة والرحمة النبوية لانها كانت من نتائج الرأفة والرحمة الخالقية ما قال { فبما رحمة من الله لنت لهم } انتهى كلام التأويلات
قال بعض الحكماء ان الله تعالى خلق محمدا اى روحه وجعل له صورة روحانية كهيئته فى الدنيا فجعل رأسه من البركة وعينيه من الحياء واذنيه من العبرة ولسانه من الذكر وشفتيه من التسبيح ووجهه من الرضى وصدره من الاخلاص وقلبه من الرحمة وفؤاده من الشفقة وكفيه من السخاوة وشعره من نبات الجنة وريقه من عسل الجنة ألا ترى انه تفل فى بئر رومة فى المدينة وكان ماؤها زعاقا فصار عذبا ولما اكمله بهذه الصفات ارسله الى هذه الامة -روى- انه لما مات ابو طالب ونالت قريش من النبى عليه السلام ما لم تكن نالته منه فى حياته خرج الى الطائف وهو مكروب مشوش الخاطر مما لقى من قريش من قرابته وعترته خصوصا من عمه ابى لهب وزوجته ام جميل حمالة الحطب من الهجو والسب والتكذيب يقولون له انت الذى جعلت الآلهة الها واحدا فجعل ابو بكر يضرب هذا ويدفع هذا ويقول أتقتلون رجلا ان يقول ربى الله وكان خروجه فى شوال سنة عشرة من النبوة وحده وقيل معه مولاه زيد بن حارثة رضى الله عنه يلتمس من ثقيف الاسلام رجاء ان يسلموا وان يناصروه على الاسلام والقيام معه على من خالفه من قومه وكان ثقيف اخواله عليه السلام فلما انتهى الى الطائف عمد الى اشراف ثقيف وكانوا اخوة ثلاثة فجلس اليهم وكلهم فيما جاءهم به فقال احدهم هو يقطع ثياب الكعبة ولا يسرقها وقال آخر ما وجد الله احدا يرسله غيرك وقال له الثالث والله لا اكلمك ابدا لئن كنت رسولا من عند الله كما تقول لانت اعظم خطرا اى قدرا من ان ارد عليك الكلام ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغى لى ان اكلمك فقام عليه السلام من عندهم مأيوسا وقال لهم اكتموا على وكره ان يبلغ قومه ذلك فيشتد امرهم عليه وقالوا عليه السلام اخرج من بلدنا وسلطوا عليه سفهاءهم يسبونه ويصيحون ب حتى اجتمع عليه الناس وقعدوا له صفين على طريقه فلما مر عليه السلام بين الصفين دقوا رجليه بالحجارة حتى ادموهما وشجوا رأس زيد فلما خلص ورجلاه يسيلان دما عمد الى بستان فاستظل فى شجرة كرم ودعا بقوله(5/210)
« اللهم انى اشكو اليك ضعف قوتى وقلة حيلتى وهو انى على الناس يا ارحم الراحمين انت رب المستضعفين وانت ربى الى من تكلنى ان لم يكن لك غضب على فلا ابالى » ثم انطلق عليه السلام وهو مهموم حتى اتى بقرن الثعالب وهو ميقات اهل نجد او اليمن وبينه وبين مكة يوم وليلة فارسل الله تعالى جبريل ومعه ملك الجبال فقال ان شئت اطبقت على ثقيف هذين الجبلين فقال عليه السلام ملك الجبالة انت كما سماك ربك رؤف رحيم : وفى المثنوى
بندكان حق رحيم وبر دبار ... خوى حق دارنددر اصلاح كار
مهربان بى رشوتان يارى كران ... در مقام سخت ودر روز كران
اى سليمان درميان زاغ وباز ... حلم حق شو باهمه مرغان بساز
اى دوصد بلقيس حلمت رازبون ... كه اهد قومى انهم لا يعلمون
صد هزاران كيميا حق آفريد ... كيميا حق آفريد كيميائى همجو صبر آدم نديد
نسأل الله سبحانه ان يلحقنا باهل الحلم والكرم ويزكينا من سوء الاخلاق والشيم(5/211)
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)
{ فان تولوا } تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم اى ان اعرضوا عن الايمان بك وقبول نصحك ولم يتبعوك { فقل حسبى الله } كافينى فانه يكفيك معرتهم اى المساءة اتى تلحقك من قبلهم ويعينك عليهم . وفيه اشارة الى ان تبليغ الرسالة من النبى عليه السلام كان موجبا لقربه الى الله وقبوله اياه فلما بلغ رسالته فقد حصل على القبول من الله وقربته ان قبلوا وان اعرضوا { لا اله الا هو } كالدليل على ما قبله
يقول الفقير اصلحه الله القدير هذه الكلمة الطيبة فى حكم لا اله الا الله لان الضمير عائد الى المذكور من لفظ الجلالة وكون هو ضميرا لا ينافى كونه اسما لان المضمرات من قبيل الاسماء فما اشتهر بين الصوفية السالكين من الذكر به بناء على كونه اسما ولما كان وجود الكون موهوما ووجود الحق محققا معلوما صح ان يشار به الى الله تعالى سيما اطلق لعدم المزاحم فى الحقيقة والذكر به مناسب للمبتدئ لكونه فى حال الغيبة فاذا ترقى الترقى الكلى فلا يشار به الا الى بهو الا الى الهوية المطلقة نسأل الله التوفيق للوصول الى مراتب التحقيق { عليه توكلت } اى وثقت فلا ارجو ولا اخاف الا منه والتوكل اعتماد القلب على الله وسكونه وعدم اضطرابه لتعلقه بالله تعالى روهو رب العرش العظيم } ببروردكار عرش بزرك مراد ملك عظيم است يا عرش كه قبله دعا ومطاف ملائكة باشد اشارت بكمال قدرت وحفظ حق تعال راست : يعنى آن خدايى كه عرش رابدان همه عظمت كه هشت هزار ركن دارد وبروايتى سيصد هزار قاعده واز قاعده تاقاعده سيصد هزار سال راه وهمه آن مملو ازخافات وصافات بقدرت كامله نكاه ميدارد قادرست كه ميرانيزاز شر منافقان دربناه آردكه حافظ بندكان وناصر سر افكند كان اوست ]
ازخواه يارى كه يارى ده اوست ... بدو التجا كن كه اينها ازوست
كسى راكه او آورد در بناه ... جه غم دارد از فتنه كينه خواه
قال الحدادى رب العرش العظيم اى خالق السرير العظيم الذى هو اعظم من السموات والارض وانما خص العرش بذلك لانه اذا كان رب العرش العظيم مع عظمته كان رب ما دونه فى العظم . وقيل انما خص العرش تشريفا للعرش وتعظيما لشأنه
واعلم ان العناصر والافلاك مرتبة فالارض ثم الماء ثم الهواء ثم النار ثم فلك القمر ثم فلك عطارد ثم فلك الزهرة ثم فلك الشمس ثم فلك المريخ ثم فلك المشترى ثم فلك زحل ثم فلك الثوابت ثم فلك الافلاك ويسمى الفلك الاعظم وهو محيط من الافلاك والعناصر يماس المحاط الذى يليه فى الترتيب المذكور لاستحالة الخلاء وجملة هذه الاجرام من الافلاك والعناصر وما فيها يطلق عليها اسم العالم
قال بعض اهل التحقيق خلق الله العرش لاظهار شرف محمد صلى الله عليه وسلم وهو قوله(5/212)
{ عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا } وهو مقام تحت العرش ولان العرش معدن كتاب الابرار لقوله تعالى { ان كتاب الابرار لفى عليين } وايضا العرش مرآة الملائكة يرون الآدميين واحوالهم منه كى يشهدوا عليهم يوم القيامة فان عالم المثال والتمثال فى العرض كالاطلس فى الكرسى
قال حضرة شيخنا قدس سره فى الرسالة العرفيانية التى صنفها فى سنة تسع وثمانين بعد الالف العرش العظيم هو الانسان الكبير والعرش الكريم هو الانسان الصغير فظاهر العرش العظيم والانسان الكبير والعرش الكريم هو الانسان الصغير فظاهر العرش العظيم والانسان الكبير على التبدل والتغير وظاهرهما على الدوام والثبات انتهى اجمالا
يقول الفقير المباهى بالانتساب الى ذلك السيد الخطير لعل مراده رضى الله عنه ان باطن العرش العظيم هو العرش المحيط الذى يقال له الملكوت وظاهره ما تحته من الاجرام ويقال له عالم الكون والفساد فظاهر العرش لكونه عالم الكون والفساد على التبدل والتغير وباطنه وهو العرش نفسه على حاله بخلاف العرش الكريم الذى هو الانسان فان ظاهره من اول عمره الى آخره على الثبات وباطنه على التغير لان قلبه لا يخلو عن الافكار والتقلبات والله تعالى رب العرش العظيم ورب العرش الكريم فى الظاهر والباطن والاول والآخر هذا وقد ذكر فى فضائل هاتين الآيتين اللتين احداهما { لقد جاءكم } الآية والاخرى { فان تولوا } الآية -روى- ان ابا بكر بن مجاهد المقرى رحمه الله اتى اليه ابو بكر الشبلى قدس سره فدخل عليه فى مسجده فقام اليه فتحدث اصحاب بن مجاهد بحديثهما وقالوا انت لم تقم لعلى بن عيسى الوزير وتقوم للشبلى فقال الا اقوم لمن يعظمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى النوم فقال لى يا ابا بكر اذا كان فى غد فسيدخل عليك رجل من اهل الجنة فاذا دخل فاكرمه قال ابن مجاهد قلما كان بعد ذلك بليلتين رأيت النبى عليه السلام فقال لى يا ابا بكر اكرمك الله كما اكرمت رجلا من اهل الجنة قلت يا رسول الله بم استحق الشبلى هذا منك فقال هذا رجل يصلى خمس صلوات يذكرنى اثر كل صلاة ويقرأ { لقد جاءكم رسول من انفسكم } الى آخر السورة وذلك منذ ثمانين سنة أفلا اكرم من فعل كذا فى عقد الدرر واللآلئ
وفيه ايضات حكى عن بعض الصالحين انه حصل له ضيق شديد فرأى النبى صلى الله عليه وسلم فى المنام فقال له يا فلان لا تغتم ولا تحزن اذا كان الغد ادخل على على بن عيسى الوزير فاقرئه منى السلام وقل له بعلامة انك صليت على عند قبرى اربعة آلاف مرة يدفع لك مائة دينار عينا فلما اصبح ذهب اليه وقص عليه الرؤيا فاغر ورقت عينا علىّ بن عيسى بالجموع وقال صدق الله ورسوله وصدقت انت يا رحل هذا شيء ما كان به علم الا الله ورسوله يا غلام هات الكيس فاحضره وبين يديه فاخرج منه ثلاثمائة دينار وقال هذه المائة التى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه المائة الاخرى بشارة وهذه المائة الاخرى هدية لك فخرج الرجل من عنده ومعه ثلاثمائة دينار وقد زال همه وغمه ومن الله على الوزير المذكور فترك الوزارة وعلو الرياسة وظلم السلطنة وعظمة الجبابرة وذهب الى مكة وجاور فيها بركة ذكر النبى صلى الله عليه وسلم وتخصيصه بارسال ذلك الرجل لما سبق له فى علم الله تعالى بما يؤول امره اليه من الخير وحسن الخاتمة(5/213)
خدايا بحق بنى فاطمه ... كه برقول ايمان كنم خاتمه
وعن ابىّ رضى الله عنه « ان آخر ما نزل هاتان الآيتان »
وعن النبى صلى الله عليه وسلم « ما نزل القرآن علىّ الا آية آية وحرفا حرفا ما خلا سورة براءة وسورة قل هو الله احد فانهما انزلتا علىّ ومعهما سبعون الف صف من الملائكة »
واعلم ان الاحاديث التى ذكرها صاحب الكشاف فى اواخر السورة وتبعه القاضى البيضاوى والمولى ابو السعود رحمهم الله من اجله المفسرين قد اكثر العلماء القول فيها فمن مثبت ومن ناف بناء على زعم وضعها كالامام الضغانى وغيره واللائح لهذا العبج الفقير سامحه الله القدير ان تلك الاحاديث لا تخلو اما ان تكون صحيحة قوية او سقيمة ضعيفة او مكذوبة موضوعة فان كانت صحيحة قوية فلا كلام فيها وان كانت ضعيفة الاسانيد فقد اتفق المحدثون على ان الحديث الضعيف يجوز العمل به فى الترغيب والترهيب فقط كما فى الاذكار للنووى وانسان العيون لعلى بن برهان الدين الحلبى والاسرار المحمدية لابن فخر الدين الرومى وغيرها وان كانت موضوعة فقد ذكر الحاكم وغيره ان رجلا من الزهاد انتدب فى وضع الاحاديث فى فضل القرآن وسوره فقيل له فلم فعلت هذا فقال رأيت الناس زهدوا فى القرآن فاحببت ان ارغبهم فيه فقيل له ان النبى صلى الله عليه وسلم قال « من كذب علىّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار » اى فليتخذ يقال تبوأ الدار اتخذها مباءة اى مسكنا ومنزلا ولفظه امر ومعناه خبر يعنى فان الله بوأه مقعده اى موضع قعوده منها فقال انا ما كذبت عليه انما كذبت له كما فى شرح الترغيب والترهيب المسمى بفتح القريب اراد ان الكذب عليه يؤدى الى هدم قواعد الاسلام وافساد الشريعة والاحكام وليس كذلك الكذب له فانه للحث على اتباع شريعته واقتفاء اثره فى طريقته
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام الكلام وسيلة الى المقاصد فكل مقصود محمود يمكن التوصل اليه بالصدق والكذب جميعا فالكذب حرام فان امكن التوصل اليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح ان كان تحصيل ذلك المقصود مباحا وواجب ان كان ذلك المقصود واجبا فهذا ضابطه انتهى : قال الشيخ سعدى(5/214)
خردمندان كفته اند دروغ ... مصلحت آميز به ازراست فتنه انكيز
وقال اللطيفى
دروغى كه جان ودلت خوش كند ... به ازراستى كان مشوش كند
وبالجملة المرء مخير فى هذا الباب فان شاء عمل بتلك الاحاديث بناء على حسن الظن بالاكابر حيث اثبتوها فى كتبهم خصوصا فى صحف التفاسير الجليلة وظاهر انهمة لا يصنعون حرفا الا بعد التصفح الكثير وان شاء ترك العمل بها وحرم من منافع جمة ولا محاجة معه وربما يتفق المحدثون على صحة بعض الاحاديث ولا صحة له فى نفس الامر فان الانسان مركب من السهو والنسيان وحقيقة العلم عند الله الملك المنان ولذا قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر قد يظهر من الخليفة الآخذ الحكم من الله ما يخالف حديثا ما فى الحكم فيتحيل انه من الاجتهاد وليس كذلك وانما هذا الامام لم يثبت عنده من جهة الكشف ذلك الخبر عن النبى صلى الله عليه وسلم ولو ثبت الحكم به وان كان طريق الاسناد العدل عن العدل فالعدل ليس بمعصوم من الوهم الذى هو مبدأ السهو والنسيان ولا من النقل على المعنى الذى هو مبدأ التأويلات والتحريفات فمثل هذا يقع من الخليفة اليوم انتهى
فهذ كلام حق بلا مريه وليس وراء عبادان قريه
بقى ههنا شيء وهو ان بعض المتقدمين جعل القرآن اثلاثا فالثلث الاول ينتهى عند قوله فى سورة التوبة { وقعد الذين كذبوا ورسوله } والثلث الثانى عند قوله فى سورة العنكبوت { الا بالتى هى احسن } وعند العامة لثلث الاول ينتهى عند قوله تعالى { وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون } وهو منتهى الجزء العاشر ولعل الاول قوله تحقيقى والثانى تقريبى والله اعلم بالصواب(5/215)
الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)
{ بسم الله الرحمن الرحيم * الر } الظاهران { الر } اسم للسورة وانه في محل الرفع على انه مبتدأ حف خبره او خبر مبتدأ محذوف اى الر هذه السورة او هذه السورة او هذه السورة الر اى مسماة بهذا الاسم ولله ان يسمى السور بما اراد ورجحه المولى رحمه الله حيث قال وهو اظهر من الرفع على الابتداء لعدم سبق العلم بالتسمية بعد فحقها الاخبار بها لا جعلها عنوان الموضوع لتوقفه علىعلم المخاطب بالانتساب والاشارة اليها قبل جريان ذكرها لما انها باعتبار كونها على جناح الذكر وبصدده صارت في حكم الحاضر كما يقال هذا من اشترى فلان انتهى يقول الفقير اعلم ان الحروف اجزاء الكلمات وهي اجزاء الجمل وهي اجزاء الآيات وهي اجزاء السور وهي اجزاء القرآن فالقرآن ينحل الى السور وه الى الآيات وهى الى الجمل وهى الى الكلمات وهى الى الحروف وهي الى النقاط كما ان البحر يأول الى الانهار والجداول وهى الى القطرات فاصل الكل نقطة واحدة وانما جاء الكثرة من انبساط تلك النقطة وتفصلها وقول اهل الظاهر في { الر } وامثاله تعديد على طريق التحدي لا يخلو عن ضعف اذ هذه الحروف المقطعة لها مدلولات صحيحة وهى زبدة علوم الصوفية المحققين وقد ثبت ان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم اوتي علوم الاولين والآخرين . فمن علوم آدم وادريس عليهما السلام علم الحروف وانما ذمت الطائفة الحروفية لاخذهم بالاشارة ورفضهم العبارة وهتكهم حرمة الشريعة التي هي لباس الحقيقة كما ان اللفظ لباس المعنى والعبارة ظرف الاشارة والوجود مرآة الشهود وكل منهما منوط بالآخر والمنفرد باحدهما خارج عن دائرة المعرفة الآلهية فعلم هذه الحروف بلوازمها وحقائقها مفوض في الحقيقة الى الله والرسول وكمل الورثة ومنهم من ذهب الى جانب التأويل وقال كل حرف من الحروف المقطعة مأخوذ من اسم من اسمائه تعالى والاكتفاء ببعض الكلمة معهود في العربية كما قال الشاعر
قلت لها قفى فقالت ق ... اى وقفت ولذا قال ابن عباس رضي الله عنهما معنى { الر } انا الله ارى . وعنه انه من حروف الرحمن وذلك انه اذا جمعت الروحم ون انتظم حروف الرحمن
وقال في التأويلات النجمية ان في قوله { الر } اشارتين . اشارة من الحق للحق والى عبده المصطفى وحبيبه المجتبى . واشارة من الحق لنبيه واليه عليه السلام فالاولى قسم منه تعالى يقول بآلائي عليك في الازل وانت في العدم وبلطفي معك في الوجود ورحمتي ورأفتي لك من الازل الى الابد والثانية قسم منه يقول بانسك معي حين خلقت روحك أول شيء خلقته فلم يكن معنا ثالث وبلبيك الذي اجبتنى به في العدم حين دعوتك للخروج منه فخاطبتك وقلت ياسين اى ياسيد قلت لبيك وسعديك .(5/216)
والخير كله بيديك . وبرجوعك منك الى حين قلت لنفسك ارجعي الى ربك { تلك } محله الرفع على انه مبتدأ خبره ما بعده وعلى تقدير كون الر مبتدأ فهو مبتدأ ثان وهي اشارة الى ما تضمنته هذه السورة من الآيات { آيات الكتاب الحكيم } اي آيات القرآن المشتمل على الحكم على ان يكون الحكيم بناء النسبة بمعنى ذى الحكم وذلك لان الله تعالى اودع فيه الحكم كلها فلا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين -حكى- ان الامام محمدا رحمه الله غلب عليه الفقر مرة فجاء الى فقاعى يوما فقال ان اعطيتني شربة اعلمك مسألتين من الفقه فقال الفقاعي لا حاجة الى المسألة
قيمت در كرانمايه جه داندد عوام ... حافظا كوهر يكد انه مده جز بخواص
فاتفق انه حلف ان لم يعط بنته جميع ما في الدنيا من الجهاز فامرأته طالق ثلاثا فرجع الى العلماء فافتوا بحنثه لما انه لا يمكن ذلك فجاء الى الامام محم فقال الامام لما طلبت منك شربة كان في عزيمتى ان علمك هذه المسألة ومسألة اخرى فالآن لا اعلمها الا بعد اخذ الف دينار تعظما لشان المسألة فدفعه اليه فقال لو دفعت الى البنت مصحفا كنت بارا في يمينك فسأله علماء عصره عن وجهه فاجاب بان الله تعالى قال { ولا رطب ولا يابس الى في كتاب مبين } فوقع هذا الجواب عندهم في حيز القبول
علم دريست نيك باقيمت ... جهل درديست سخت بى درمان
وفي التأويلات هذه الآيات المنزلة عليك آيات الكتاب الحكيم الذي وعدتك في الازل واورثتهلك ولامتك وقلت { ثم اوردنا الكتاب الذي اصطفينا من عبادنا } فاختص هذا الكتاب بان يكون حكيما من سائر الكتب اى حاكما يحكم على الكتب كلها بتبديل الشرائع والنسخ ولا يحكم عليه كتاب ابدا واختص هذه الامة بالاصطفاء من سائر الامم واورثهم هذا الكتاب ومعنى الوراثة انه يكون باقيا في هذه الامة يرثه بعضهم من بعض ولا ينسخه كتاب كما نسخ هو جميع الكتب .(5/217)
أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2)
{ أكان للناس عجبا } الهمزة لانكار تعجبهم ولتعجيب السامعين منه لكونه في غير محله والمراد بالناس كفار مكة قال ابو البقاء للناس حال من عجبا لان التقدير أكان عجبا للناس وعجبا خبر كان واسمه قوله { ان اوحينا الى رجل منهم } اي بشر من جنسهم فانهم كانوا يتعجبون من ارسال البشر ولم يتعجبوا من ان يكون الاله صنما من حجر او ذهب او خشب او نحاس او ممن لا يعرف بكونه ذا جاه ومال ورياسة ونحو ذلك مما يعدونه من اسباب العز والعظمة فانهم كانوا يقولون العجب ان الله تعالى لم يجد رسولا يرسله الى الناس الا يتيم ابي طالب وهو من فرط حماقتهم وقصر نظرهم على الامور العاجلة وجهلهم بحقيقة الوحى والنبوة فانه عليه السلام لم يكن يقصر عن عظمائهم في النسب والحسب والشرف وكل ما يعتبر في الرياسة من كرم الخصال الا في المال ولا مدخل له في شرف النفس ونجابة جوهرها الا انهم لعظم الغنى في اعينهم تعجبوا من اصطفائه للرسالة { وقالوا لولا انزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } قال الحافظ قدس سره
تاج شاهى طلبى كوهر ذاتى بنماى ... درخود از كوهر جمشيد فريدون باشى
وقال السعدى قدس سره
هنر بايد وفضل ودين ... كه كاه ازكوهر جمشيد فريدون باشى
قال في التأويلات النجمية يشير إلى انهم يتعجبون من ايحائنا الى محمد عليه السلام لانه كان رجلا منهم وفيه راينا رجوليته قبل الوحي وتبليغ الرسالة من بينهم ولهذا السر ما اوحي الى امرأة بالنبوة قط انتهى . والرجولية هي صدق اللسان ودفع الاذى عن الجيران والمواساة مع الاخوان هذا في الظاهر واما في الحقيقة فالتنزه عن جميع ما سوى الله تعالى . وفي حديث المعراج ( ان الله تعالى نظر الى قلوب الخلق فلم يجد اعشق من قلب محمد عليه السلام فلذا اكرمه بالرؤية ) فالعبرة لحال الباطن لا لحال الظاهر واعلم ان حال الولاية كحال النبوة ولو رأيت اكثر اهل الولاية في كل قرن وعصر لوجدتهم ممن لا يعرف بجاه ومن عجب من ذلك القى في ورطة الانكار وحجب بذلك الستر عن رؤية الاخيار { ان } مفسرة للمفعول المقدر اي اوحينا اليه شيأهو { انذر الناس } اي جميع الناس كافة لا ما اريد بالاول عمم الانذار لانه ينفع جميع المكلفين من الكفار وعوام المؤمنين وخواصهم فالبعض ينذر بنار الجحيم والبعض الآخر بانحطاط الدرجات في دار النعيم والبعض الثالث بنار الحجاب عن مطالعة جمال الرب الكريم وقدم الانذار على التبشير لان ازالة ما لا ينبغي متقدمة في الرتبة على فعل ما ينبغي وهو لا يفيد ما دامت النفس ملوثة بالكفر والمعاصى فان تطبيب البيت بالبخور انما يكون بعد الكنس وازالة القاذورات ألا ترى ان الطبيب الذي يباشر معالجة مرض القلب لا بد له ان يبدأ اولا بتنقيته من العقائد الزائغة والاخلاق الردئية والاعمال القبيحة المكدرة للقلب بان يسقيه شربة التبشير بحسن عاقبة الاعمال الصالحات ولهذا اقتصر على ذكر الانذار في مبدأ امر النبوة حيث قال(5/218)
{ يا ايها المدثر قم فانذر } { وبشر الذين آمنوا } دون الذين كفروا اذ ليس لهم ما يبشرون به من الجنة والرحمة ما داموا على كفرهم { ان لهم } اى بان لهم { قدم صدق عند ربهم } اي اعمالا صالحة سابقة قدموها ذخرا لآخرتهم ومنزلة رفيعة يقدمون عليها سميت قدما على طريق تسمية الشيء باسم آلته لان السبق والقدوم يمون بالقدم كما سميت النعمة يدا لانها تعطى باليد واضافة قدم الى الصدق من قبيل اضافة الموصوف الى صفته للمبالغة في صدقها وتحقيقها كأنها في صدقها وتحققها مطبوعة منه واذا قصد تبيينها لا تبيين الا به وعن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال { قدم صدق } شفاعة نبيهم لهم هو امامهم الى الجنة وهو بالاثر
همجو استورى كه بكر يزد زبار ... او سر خود كيرد اندر كوهسار
صاحبش از بي دوران كاى خيره سر ... هو طرف كركيست اندر قصد خر
استخوانت را بخايد جون شكر ... كه نبينى زندكانى را دكر
هي بمكريز از صرف كردنم ... وزكراني بار جون جانت منم
تو ستورى هم كه نفست غالبست حكم غالب را بود اى خود برست ... مير آخر بود حق را مصطفا
بهر استوران نفس بر جفا ... لا جرم اغلب بلا بر انبيا ست
كه رياضت دادن خامان بلاست ... قال عيسى عليه السلام للحواريين اين تنبت الحبة قالوا في الارض فقال كذلك الحكمة لا تنبت الا في القلب مثل الارض يشير الى التواضع والى هذه الاشارة بقول سيد البشر « من اخلص لله اربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه » والينابيع لا تكون الا في الارض وهو موضع نبع الماء فظهر ان الكفار لم ينزلوا انفسهم الى مرتبة التواضع والعبودية . ولم يقبلوا الانذار بحسن النية . حرموا من الورود الى المنهل العذب الذي هو القرآن . فبقوا عطشى الاكباد في زوايا الهجران . واين المتكبرون المتصدعون الى جوَ هواهم . من الشرب من ينبوع الهدى الذي اجراه من لسان حبيبه مولاهم . وكما ان الكفار بالكفر الجلى ادعوا كون القرآن سحرا وانكروا مثل ذلك الخارق لعاداتهم . فكذا المشركون بالشرك الخفي انكروا الكرامات المخالفة لمعاملاتهم قال الام اليافعي رحمه الله ثم ان كثيرا من المنكرين لو رأوا الاولياء والصالحين يطيرون في الهواء لقالوا هذا سحر وهؤلاء شياطين ولا شك ان من حرم التوفيق وكذب بالحق غيبا وحدسا كذب به عيانا وحسا فواعجبا كيف نسب السحر وفعل الشياطين الى الانبياء العظام والاولياء الكرام نسأل الله العفو والعافية سرا وجهارا . وان يحفظنا من العقائد الزائغة والاعمال الموجبة بوارا(5/219)
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)
{ ان ربكم الله الذي } خطاب لكفار مكة اى مربيكم ومدبر اموركم { خلق السموات والارض } التي هي اصول الممكنات وجسام الاجسام فان قيل الموصولات موضوعة لان يشار بها الى ما يعرفه المخاطب باتصافه بمضمون الصلة والعرب لا يعلمون كونه تعالى خالق السموات والارض اجيب بان ذلك امر معلوم مشهور عند اهل الكتاب والعرب كانوا يتخالطون معهم فالظاهر انهم سمعوه منهم فحسن هذا التعريف لذلك قال في ربيع الابرار تفكروا ان الله خلق السموات سبعا والارضين وثخانة كل ارض خمسمائة عام وثخانة كل سماء خمسمائة عام وما بين كل سماء خمسمائة عام وفي السماء السابعة بحر عمقه مثل ذلك كله فيه ملك لم يتجاوز الماء كعبه { في ستة ايام } اي في ستة اوقات فان اصل الايام هو يوم الآن المشار اليه بقوله تعالى { كل يوم هو في شأن } وهو الزمن الفرد الغير المنقسم وسمى يوما لان الشان يحدث فيه فبالآن تتقدر الدقائق وبالدقائق تتقدر الدرج وبالدرج تتقدر الساعات وبالساعات يتقدر اليوم فاذا انبسط الآن سمى اليوم واذا انبسط اليوم سمى اسابيع وشهورا وسنين ادوارا فيوم كالآن وهو ادنى ما يطلق عليه الزمان ومنه يمتد الكل ويوم كالف سنة وهو يوم الآخرة ويوم كخمسين الف سنة وهو يوم القيامة اي ادنى مقدار ستة ايام لان اليوم عبارة عن زمان مقدر مبدأه طلوع الشمس ومنتهاه غروبها فكيف تكون حين لا شمس ولا نهار لخلقها في اقل من لحظة لكنه اشار الى التأني في الامور فلا يحسن التعجيل الا في التوبة وقضاء الدين وقرى الضيف وتزويج البكر ودفن الميت والغسل من الجنابة : وفي المثنوى
مكر شيطانست تعجيل وشتاب ... خوى رحمانست صبر واحتساب
با تأنى كشت موجود از خدا ... تابشش روز اين زمين وجرخها
ورنه قادر بود كز كن فيكون ... صد زمين وجرخ آوردى برون
اين تأنى از بى تعليم تست ... طلب ىهسته بايد بى شكست
وقد جاء في الصحيح ( ان الله خلق التربة ) يعني الارض ( يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الاحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الاربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر الى الليل ) فان قيل القرآن يدل على ان خلق الاشياء في ستة ايام والحديث الصحيح المذكور على انها سبعة فالجواب ان السموات والارض وما بينهما خلق في ستة ايام وخلق آدم من الارض فالارض خلقت في ستة ايام وآدم كالفرع من بعضها كما في فتح القريب والحكمة في تأخير خلق آدم ليكون خليفة في الارض لان الاشياء قبله بمنزلة الرعية في مملكة الكون ولا يكون خلفة الا بالجنود والرعية فتقدم الرعية على الخليفة تشريف وتكريم للخلافة واعلم ان اول فلك دار بالزمان قلب الميزان وفيه حدثت الايام دون الليل والنهار فكان اول حركته بالزمان واما حدوث الليل والنهار فبحدوث الشمس في السماء الرابعة ودورانها على طريقة واحدة من الشرق الى الغرب كذا في عقله المتوفز واول المخلوقات من الايام هو يوم الاحد فالأحد فيه بمعنى الاول فلما اوجد الله الثاني سمى الاثنين لانه ثاني يوم الاحد واول الايام التي خلق فيها الخلق السبت وآخر الايام الستة اذا الخميس فالجمعة سابع والسبت بمعنى الراحة زعم اليهود انه اليوم السابع الذي استراح فيه الحق من خلق السموات والارض وما فيهن وكذبوا لقوله تعالى(5/220)
{ وما مسنا من لغوب } اي اعياء فيكون اول الاسبوع عندهم يوم الاحد وكذا عند النصارى ولذا اختاروه وقد سئل عليه السلام عن يوم السبت فقال « يوم مكر وخديعة » لان قريشا مكرت فيه في دار الندوة ولا يقطع فيه اللباس يوم السبت والاحد والثلاثاء قال حضرة الشيخ صدر الدين القنوى قدس سره الملابس اذا فصلت وخيطت في وقت رديئ اتصل بها خواص رديئ وكذا الامر في باب المآكل والمشارب وكذلك ما ورد التنبيه عليه في الشريعة من شئوم المرأة والفرس والدار وشهدت بصحته التجارب المكررة فان لجميع هذه في بواطن اكثر الناس بل وفي ظواهرهم ايضا خواص مضرة تتغذى من بدن المغتذى والمباشر والمصاحب الى نفسه واخلاقه وصفاته فيحدث بسببها للقلوب والارواح تلويثات هي من اقسام النجاسات وقد نبهت الشريعة على كراهتها دون الحكم عليها بالحرمة وسئل حضرة مولانا قدس سره عما ورد ( بارك الله في السبت والخميس ) فقال بركتهما لوقوعهما جارين ليوم الجمعة وسئل عليه السلام عن يوم الاحد فقال « يوم غرس وعمارة » لان الله تعالى ابتدأ فيه خلق الدنيا وعمارتها وفي رواية ( بنيت الجنة فيه وغرست ) وسئل عن يوم الاثنين فقال « يوم سفر وتجارة » لان فيه سافر شعيب فربح في تجارته وسئل عن يوم الثلاثاء فقال « يوم دم » لان فيه خاضت حواء وقتل ابن آدم اخاه وقتل فيه جرجيس وزكريا ويحيى ولده وسحرة فرعون وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون وبقرة بني اسرائيل ونهى النبي عليه السلام عن الحجامة يوم الثلاثاء اشد النهى وقال « فيه ساعة لا يرقأ فيها الدم » اي لا ينقطع اذا احتجم او فصد وربما يهلك الانسان بعد انقطاع الدم ( وفيه نزل ابليس الى الارض وفيه خلقت جهنم وفيه سلط الله ملك الموت علىرواح بني آدم وفيه ابتلى ايوب ) وقال بعضهم ابتلى يوم الاربعاء .(5/221)
قيل كان الرسم في زمن ابي حنيفة رحمه الله ان يوم البطالة يوم السبت في القراءة لا يقرا في يوم السبت ثم في زمن الخصاف كان مترددا بين الاثنين والثلاثاء ومات الخصاف ببغداد سنة احدى وستين ومائتين يقول الفقير ثم صار يوم البطالة يوم الثلاثاء والجمعة واستمر الى يومنا هذا في اكثر البلاد وكان شيخى العلامة ابقاه الله بالسلامة يعد الدرس فيهما افراطا ويقول يعرض للانسان من الاشتغال فتور وانقباض فلا بد من يوم البطالة ليصل نشاط وانبساط لئلا ينقطع الطالب عن تحصيل المطلوب ومن هنا ابيح ورخص التفرج والتبسط احيانا لول للسالك وسئل عن يوم الاربعاء قال ( يوم نحس ) لان فيه اغرق فرعون وقومه واهلك فيه عاد وثمود وقوم صالح ونهى فيه عن قص الاظفار لانه يورث البرص وكره بعضهم عيادة المريض يوم الاربعاء وفي منهاج الحليمي ان الدعاء مستجاب يوم الاربعاء بعد الزوال قبل وقت العصر لانه عليه السلام استجيب له الدعاء على الاحزاب في ذلك اليوم في ذلك الوقت قيل يحمد فيه الاستحمام وذكر انه ما بدئ شيء يوم الاربعاء الا وقد تم فينبغي البداءة بنحو التدريس فيه وكان صاحب الهداية يتوقف في ابتداء الامور على الاربعاء ويروي هذا الحديث ويقول هكذا كان يفعل ابي ويرويه عن شيخه احمد بن عبد الرشيد وسئل عليه السلام عن يوم الخميس ( فقال يوم قضاء الحوائج والدخول على السلطان ) لان فيه دخل ابراهيم عليه السلام على ملك صر فقضى حاجته واهدى اليه هاجر وسئل عن يوم الجمعة فقال ( يوم نكاح ) نكح فيه آدم وحواء ويوسف زليخا وموسى بنت شعيب وسليمان بلقيس ونكح عليه السلام خديجة وعائشة رضي الله عنهما وعن ابن مسعود رضي الله عنه من قلم اظفاره يوم الجمعة اخرج الله من داء وادخل فيه الشفاء { ثم استوى على العرش } قال في التبيان ثم في كتاب الله تعالى على خمسة اوجه . الوجه الاول اتت عاطفة مرتبة وهو قوله { ان الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا } والوجه الثاني بمعنى قبل وهو قوله { ثم استوى على العرش } معناه قبل ذلك استوى على العرش لان قوله تعالى وكان عرشه على الماء يدل على ان وجود العرش سابق على تخليق السموات والارض ومثله ( ثم ان مرجعهم لالى الجحيم ) معناه قبل ذلك مرجعهم ومثله قول الشاعر
قل لمن ساد ثم ساد ابوه ... ثم قد ساد قبل ذلك جده
والوجه الثالث بمعنى الواو وهو قوله { ثم كان من الذين آمنوا } معناه ومع ذلك كان من الذين آمنوا . والرابع بمعنى الابتداء وهو قوله { الحمد لله الذي خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } معناه تعجبوا منهم كيف يفكرون بربهم انتهى بزيادة يقول الفقير ثم ههنا لتفخيم شان منزلة العرش وتفضيله على السموات والارض لا التراخى في الوقت كما ذهبوا اليه عند قوله تعالى(5/222)
{ ثم استوى الى السماء } في اوائل سورة البقرة فلا حاجة الى التأويل واعلم ان الافلاك تسع طبقات بعضها فوق بعض والفلك المحيط وهو العرش محيط بها كلها وكذلك جسم الانسان خلق من تسعة جواهر بعضها فوق بعض ليكون جسم الانسان مشاكلا للافلاك بالكمية والكيفية وهي اي الجواهر المخ والعظام ولعصب والعروق وفيها الدم واللحم والجلد والشعر والظفر وهو اي العرش اول الموجود الجسماني كما ان روح نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم اول الموجود الروحاني وهو من ياقوتة حمراء ولف الف شرفة وفي كل شرفة الف عام مثل ما في الدنيا باسرها قال ابن الشيخ ومعنى الاستواء عليه الاستيلاء عليه بالقهر ونفاذ التصرف فيه وخص العرش بالاخبار عن الاستواء عليه لكونه اعظم المخلوقات فيفيد انه استولى على ما دونه قال الحد الادنى ودخلت ثم على الاستواء وهي في المعنى داخلة على التدبير كاه قال ثم { يدبر الامر } وهو مستو على العرش فان تدبير الامور كلها ينزل من عند العرش ولذا ترفع الايدي في دعاء الحوائج نحو العرش قال القاضي يدبر الامر اي يقدر امر الكائنات على ما اقتضته حكمته وسبقت به كلمته ويهيئ بتحريكه اسبابها وينزلها منه والتدبير والنظر في ادبار الامور لتجيئ محمود العاقبة وعن عمرو بن مرة يدبر امر الدنيا بامر الله اربعة . جبرائيل وميكائيل وملك الموت واسرافيل . اما جبرائيل فعلى الرياح والجنود . واما ميكائيل فعلى القطر والنبات . واما ملك الموت فعلى الانفس . واما اسرافيل فينزل عليهم ما يؤمرون بهم قال في التأويلات النجمية { خلق السموات والارض } في عالم الصورة وهو العالم الاكبر { في ستة ايام } من انواع ستة وهي الافلاك والكواكب والعناصر والحيوان والنبات والجماد { ثم استوى على العرش } والعرش جسماني روحاني ذو جهتين جهة منه تلى العالم الروحاني وجهة منه تلى العالم الجسماني { يدبر الامر } لفيضان فيض رحمانية على العرش فانه اول قابض لفيض الرحمانية وهذا احد تفاسير الرحمن على العرش استوى ثم من العرش ينقسم الفيض فانه مقسم الفيض فيجري في مجاري جعلها الله من العرش الى ما دونه من المكونات وانواع المخلوقات فبذلك الفيض تدور الافلاك كما تدور الرحى بالماء به تؤثر الكواكب وبه تولد العناصر وتظهر خواصه وبه يتولد الحيوان ذا حس وحركة وبه ينبت النبات ذا حركة بلا حس وبه تغير المعادن بلا حس ولا حركة وفيه اشارة اخرى { ان ربكم الله الذي } يربيكم هو الذي { خلق السموات } سموات ارواحكم { والارض } ارض نفوسكم في عالم المعنى وهو العالم الاصغر { في ستة ايام } اي من ستة انواع وهي الروح والقلب والعقل والنفس التي هي الروح الحيواني والنفس النباتية التي هي النامية وخواص المعادن وهي في الانسان قوة قابلة لتغير الاحوال والاوصاف والالوان { ثم استوى على العرش } على عرش القلب { يدبر الامر } امر السعادة والشقاوة ويهيء اسبابهما من الاخلاق والاحوال والاعمال والافعال والاقوال والحركات والسكنات والى هذا يشير قوله ( قلوب العباد بيدى الله يقلبها كيف يشاء ) { ما من شفيع } يشفع لاحد في وقت من الاوقات { الا من بعد اذنه } المبنى على الحكمة الباهرة وهو جواب قول الكفار ان الاصنام شفعاؤنا عند الله فبين الله تعالى انه ما من ملك مقرب ولا نبى مرسل يشفع لاحد الا من بعد ان يأذن الله بمن يشاء ويرضى فكيف تشفع الاصنام التي ليس لها عقل ولا تمييز وفيه اثبات الشفاعة لمن اذن له { ذلكم } اى ذلك التعظيم الشان المنعوت بما ذكر من نعوت الكمال والاشارة محمولة على التجوز لاستحالة تعلق الاحساس بالله تعالى قال في البهجة واما نحو تلك الجنة فذلك لصيرورتها كالمشاهد بمعرفة اوصافها { الله } خبر ذلكم ويجوز ان يكون صفة على ان الخبر ما بعده كما قال الكاشفي [ آن خداوئدى كه موصوف است بصفات خلق وتدبير واستيلاء { ربكم } [ بروردكار شماست نه غيراو ] اذ لا يشاركه احد في شيء من ذلك قال المولى ابو السعود رحمه الله ربكم بيان له او بدل منه او خبر ثان لاسم الاشارة { فاعبدوه } وحده ولا تشركوا بعض خلقه من ملك او انسان فضلا عن جماد لا يضر ولا ينفع { افلا تذكرون } تتفكرون فان ادنى التفكر والنظر ينبهكم علىنه المستحق للربوبية والعبادة لا ما تعبدونه(5/223)
إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4)
{ اليه مرجعكم جميعا } بالموت والنشور لا الى غيره فاستعدوا للقائه . وانتصب جميعا على انه حال من الضمير المجرور لكونه فاعلا في المعنى اى اليه رجوعكم مجتمعين وفي التأويلات النجمية رجوع المقبول والمردود الى حضرته . فما المقبول فرجوعه اليه بجذبات العناية التي صورتها خطاب { ارجعي الى ربك } وحقيقتها انجذاب القلب الى الله تعالى نتيجتها غروب النفس عن الدنيا واستواء الذهب والمدر عندها وانزعاج القلب مما سوى الله واستغراق الروح في بحر الشوق والمحبة والتبرى مما سوى الله وهيمان السر وحيرته في شهود الحق ورجوعه من الخلق . واما المردود فرجوعه بغير اختياره مغلولا بالسلاسل والاغلال يسحبون في النار على وجوههم وهي صورة صفة قهر الله ومن نتائج قهر الله تعلقاته بالدنيا وما فيها واستيلاء صفات النفس عليه من الحرص والبخل والامل والكبر والغضب والشهوة والحسد والحقد والعداوة والشره فان كل واحدة منها حلقة فمن تلك السلاسل وغل من تلك الاغلال بها يسحبون الى النار { وعد الله } البعث بعد الموت وعدا { حقا } كائنا لا شك فيه فوعد الله مصدر مؤكد لنفسه لان قوله اليه مرجعكم وعد من الله بالبعث والاعادة لا محتمل له غير كونه وعدا وقوله حقا مصدر آخر مؤكد لغيره وهو ما دل عليه وعد الله لان لهذه الجملة محتملا غير الحقية نظرا الى نفس مفهومها اى حق ذلك حقا { انه } اى الله تعالى { يبدأ الخلق } يقال بدأ الله الخلق اي خلقهم كما في القاموس { ثم يعيده } اي يبدأ الخلق اولا في الدنيا ليكلفهم ويأمرهم بالعبادة ثم يميتهم عند انقضاء آجالهم ثم يبعثهم بعد الموت وهذا استئناف بمعنى التعليل لوجوب الرجوع اليه { ليجزي الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات } متعلق بيعيده اى يثبتهم بما يليق بلطفه وكرمه مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر { بالقسط } متعلق بيجزى اى بالعدل فلا ينقص من ثواب محسن ولا يزيد على عقاب مسيئ بل يجازي كلا على قدر عمله كما قال تعالى { جزاء وفاقا } { والذين كفروا لهم شراب من حميم } اى من ماء حار قد انتهت حرارته [ جون بخورنداحشا وامعاى ايشان باره كردد ] { وعذاب اليم } وجيع يخلص وجعه الى قلوبهم { بما كانوا يكفرون } وهو في موضع رفع صفة اخرى لعذاب ويجوز ان يكون خبر مبتدأ محذوف اى ذلك المذكور من الشراب والعذاب حاصل لهم بسبب كفرهم بالله ورسوله وغير النظم ولم يقل وليجزي الكافرين بشراب الخ تنبيها على ان المقصود بالذات من الابداء والاعادة هو الاثابة والعقاب وارقع بالعرض واعلم ان الدنيا مزرعة الآخرة فالله تعالى بقدرته يعيد الخلق بعد الموت ليحصدوا فيها ما زرعوه في الدنيا فمن زرع الخير يحصد السلامة ومن زرع الشر يحصد الندامة(5/224)
جمله داندد اين اكر تونكروى ... هرجه مى كاريش روزي بدروى
وانما آخر الجزاء الى دار الآخرة لان الدنيا لا تسعه ولله تعالى في كل شيء حكمة فاذا عرفت الحال فخف من الله المتعال فانه غيور لا يرضى اقامة عبده على مخالفته وخروجه من دائرة طاعته وعن وهب بن منسه كان يسرج في بيت المقدس الف قنديل بن منبه كان يسرج في بيت المقدس الف قنديل فكان يخرج من طور سيناء زيت مثل عنق البعير صاف يجري حتى ينصب في القناديل من غير ان تمسه الايدي وكانت تنحدر نار من السماء بيضاء تسرج بها القناديل وكان القربان والسرج في ابنى هارون شبر وشبير فامرا ان لا يسرجا بنار الدنيا فاستعجلا يوما فاسرجا بنار الدنيا فوقعت النار فاكلت ابنى هارون فصرخ الصارخ الى موسى عليه السلام فجاء يدعو ويقول يا رب ان ابنى هارون اخى قد عرفت مكانهما منى فاوحى الل اليه يا ابن عمران هكذا افعل باولائى اذا عصوني فكيف باعدائي وعن ابن عباس رضي الله عنهما لو ان قطرة من الزقوم قطرات في الارض لامرت على اهل الارض معيشتهم فكيف بمن هو طعامه من زقوم وشرابه من حميم . ومن تذكر المبدأ والمعاد وتفكر ان الرجوع الى رب العباد تاب من الخطايا والسيات وصار من الذين آمنوا وعملوا الصالحات وفي الحديث « اذا بلغ العبد اربعين سنة ولم يغلب خيره شره قبل الشيطان بين عينيه وق فديت وجها لا يفلح ابدا » فان من الله عليه وتاب واستخرجه من عمرات الجهالة واستنقذه من ورطات الضلالة يقول الشيطان واويلاه قطع عمره في الضلالة واقر عينى في المعاصى ثم اخرجه الله بالتوبة من ظلمة المعصية الة نور الطاعة : وفي المثنوى
مرداول بستة خواب وخورست ... آخر الامر ازملائك بر ترست
دربناه ينبه وكريتها ... شعلة نورش برآيد برسها
يعني ان الشرارة تصير نارا عظيمة بمعونة القطن والكبريت فكذا الانسان في اول حاله كالشرارة فاذا قارن المربى اورباه الله من غير وساطة احد من الناس يرقى الى حيث يعظم قدره عند الله ويصير بين اقرائه كالمسك بين الدماء نسأل الله العناية التوفيق(5/225)
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)
{ هو الذي } [ اوست آن خداونديكه بقدرت ] { جعل الشمس ضياء } اى صيرها ذات ضياء واصله ضواء قلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها والشمس مأخوذ من شمسة القلادة وهي اعظم جواهرها جرما وانفسها قيمة وهي التي يقال لها بالفارسية [ ميكانكين ] وانما سميت بذلك لتوسطها بين الكواكب كذا في شرح التقويم { والقمر } سمي بذلك لكونه بياضا في صفرة يقال حمار اقمر اذا كان ابيض في صفرة { نورا } اى ذا نور بالليل والضياء اقوى بحكم الوضع والاستعمال ولذا نسب الضياء الى الشمس والنور الى القمر . وعند الحكماء الضياء ما يكون بالذات كما للشمس في نفسه جرم مظلم صقيل يقبل النور فعند المقابلة يمتلئ نورا من الشمس بطريق الانعكاس فيقع ذلك الشعاع على وجه الارض
نورهستى جملة ذرات عالم تا ابد ميكنند ... از مغربي جون ماه از مهر اقتباس
قال في اسئلة الحكم هذا مدفوع بالخبر الوارد ان الله تعالى خلق شمسين نيرين قبل خلق الافلاك فالشمس والقمر خلقهما من نور عرشه وكان في سابق علمه ان يطمس نور القمر كما روى ان الله خلق نور القمر سبعين جزأ وكذا نور الشمس ثم امر جبريل فمسحه بجناحيه فمحا من القمر تسعة وستين جزأ فحولها الى الشمس فاذهب عنه الضوء وابقى فيه النور والشمس مثل الارض مائة وستا وستين مرة وربعا ثم جرم الارض والقمر حزء من تسعة وثلاثين وربع على ما في الواقع وفي الخبر ان وجوههما الى العرش وظهورهما الى الارض تضيئ وجوههما لاهل السموات السبع وظهورهما لاهل الارضين السبع والمشهور انه اذا كان على وجه الارض نهار يكون فيما تحت تحت الارض ليل وبالعكس كما قال ابن عباس رضي الله عنهما ان في الارض الثانية خلقا وجوههم وابدانهم وايديهم كوجوه بني آدم وابدانهم وايديهم وافواههم كافواه الكلاب وارجلهم وآذانهم كارجل البقر واذانها وشعورهم كصوف الضأن لا يعصون الله طرفة عين ليلنا نهارهم ونهارنا ليلهم كما في ربيع الابرار . وبعضهم فضل القمر على الشمس لان القمر مذكر والشمس مؤنث والتذكير اصل والتانيث فرع فالفضل للاصل على الفرع وهو الاصح الاشهر وتقدم الشمس في الذكر لا يوجب الافضلية اذ قد يتأخر الاشرف في القرآن كقوله تعالى { فمنكم كافر ومنكم مؤمن . وجعل الظلمات والنور } كما في اسئلة الحكم يقول الفقير الكلام في التذكير والتأنيث الحقيقى دون اللفظي وكون القمر مذكرا لفظا لا يوجب الفضل على ما هو مؤنث لفظا وقد يسمى الرجل بطلحة وهو مؤنث لفظي مع ان الرجل افضل من المرأة : ونعم ما قيل
ولا التانيث عار لاسم شمس ... ولا التذكير فخر للهلال
وجعل الله للشمس سلطانا على جميع الطبائع النباتية والمعدنية والحيوانية ما نبت زرع ولا خرجت فاكهة ولا يكون في العالم طعم ولذة الا والشمس تربيها بامر الواحد القهار ويقال الثمرة ينضجها الشمس ويلونها القمر ويعطي طعمها الكواكب قيل اوحى الله تعالى الى عيسى عليه السلام ان كن للناس في الحلم كالارض تحتهم وفي السخاء كالماء الجاري وفي الرحمة كالشمس والقمر فانهما يطلعان على البر والفاجر : قال الحافظ قدس سره(5/226)
نظر كردن بدويشان منافئ بزركى نيست ... سليمان با جنان حشمت نظرها بودبامورش
قال في التأويلات النجمية ان الله تعالى خلق الروح نورانيا له ضياء كالشمس وخلق القلب صافيا كالقمر قابلا للنور والظلمة وخلق النفس ظلمانية كالارض فمهما وقع قمر القلب في مواجهة شمس الروح يتنور بضيائها ومهما وقع في مقابلة ارض النفس تنعكس فيه ظلمتها ويسمى لقلب قلبا لمعنيين . احدهما انه خلق بين الروح والنفس فهو قلبهما . والثاني لتقلب احواله تارة يكون نورانيا لقبول فيض الروح وتارة يكون ظلمانيا لقبول النفس انتهى قال حضرة شيخنا العلامة ابقاه الله بالسلامة في بعض تحريراته نحن بين النورين نور شمس الحقيقة ونور قمر الشريعة فاذا جاء نهار الحقيقة نستضيء بنور شمسها واذا جاء ليل الشريعة نستضيء بنور قمرها ونحن ارباب النورين من النور الى النور نسير وبالنور الى النور نطير وحالنا بين التجلى والاستتار فعند تجلي النور الالهي لقلوبنا وارواحنا واسرارنا يكفي لنا هذا النور ولا حاجة الى غيره وعند استتاره عن قلوبنا وارواحنا واسرارنا يكفي لنا هذا النور ولا حاجة الى غيره وعند استتاره عن قلوبنا وارواحنا واسرارنا يكفي لنا هذا النور ولا حاجة الى غيره وعند استتاره عن قلوبنا وارواحنا واسرارنا يكفي لنا بدله وهو نور قمر الشريعة ولا حاجة الى غيره انتهى يا جمال { وقدره منازل } اي وهيا لكل من الشمس والقمر منازل لا يجاوزها ولا يقصر دونها فحذف حرف الجر ومنازل الشمس هي البروج الاثنا عشر ثلاثة بروج منها بروج الربيع . وهي الجمل والثور والجوزاء . فهذه الثلاثة ربيعية شمالية والشمال يسار القبلة وانما سميت بهذه الاسامي لان الكواكب المركوزة في الفلك مشكلة في كل برج بشكل مسماه وقت التسمية وثلاثة منها بروج الصيف . وهي السرطان والاسد والسنبلة . وابتداء السرطان من نقطة الانقلاب الصيفي فهذه الثلاثة صيفية شمالية وثلاثة منها بروج الخريف . وهي الميزان والعقرب والقوس . وابتداء الميزان من نقطة الاعتدال الخريفي فهذه الثلاثة خريفية جنوبية وثلاثة منها بروج الشتاء . وهي الجدى والدلو والحوت . وابتداء الجدى من الانقلاب الشتوي فهذه الثلاثة شتوية جنوبية والجنوب يمين القبلة ويجمعها هذان البيتان في نصاب الصبيان
برجها دائم كه ازمشرق بر آورند سر ... جملة در تسبيح ودر تهليل حي لا يموت
جون حمل جون ثور جون جوزا وسرطان واسد ... سنبلة ميزان وعقرب قوس وجدى ودلو وحوت(5/227)
تسير الشمس في كل واحد من هذه البروج شهرا وتنقضى السنة بانقضائها ويعلم مدة سكون الشمس في كل بزج حتما : قال في النصاب ايضا
خور بجوزاست سى ودر ويكبيست ... حمل وثور وشير يابس وبيش
دلو وميزان وحوت وعقرب سى ... بيست نه قوس وجدى بى كم وبيش
فتكون السنة الشمسية وهي مدة وصول الشمس الى النقطة التي فارقتها من ذلك البرج ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وربع على ما في صدر الشريعة ومنازل القمر ثمان وعشرون منزلة وهذه المنازل مقسومة على البروج الاثني عشر لكل برج منزلتان وثلث فينزل القمر كل ليلة منهما منزلة فاذا كان في آخر منازله دق واستوقس ويستتر ليلتين ان كان الشهر ثلاثين وليلة واحدة ان كان الشهر تسعة وعشرين ويكون مقام الشمس في كل منزلة منها ثلاثة عشر يوما وهذه المنازل هي مواقع النجوم التي نسبت البها العرب الانواء المستمطرة وستاتي عند قوله { واذا اذقنا الناس } الآية واول هذه المنازل السرطان والثاني البطين كزبير وهي ثلاثة كواكب صغار كأنها اثافى وهو بطن الحمل والثالث الثريا بالضم وفتح الراء والياء المشددة وهي ستة كواكب وقع كل اثنين منها في مقابلة الآخر والرابع الدبران محرّكة والخامس الهقعة وهي ثلاثة كواكب بين منكبي الجوزاء كالاثافي اذا طلعت مع الفجر اشتد حر الصيف والسادس الهنعة منكب الجوزاء الايسر وهي خمسة انجم مصطفة ينزلها القمر والسابع الذراع وهي ذراع الاسد المبسوطة وللاسد ذراعان مبسوطة ومقبوضة وهي تلي الشام والقمر ينزل بها والمبسوطة تلي اليمن وهي ارفع من السماك وامدّ من الاخرى وربما عدل القمر فنزل بها تطلع لاربع يخلون من تموز وتسقط لاربع يخلون من كانون الاول والثامن النثرة وهي كوكبان بينهما مقدار شبر وفوقهما شيء من بياض كأنه قطعة سحاب ويقال لهما ايضا عند اهل النجوم انف الاسد والتاسع الطرف من القوس ما بين السية والانهران او قريب من عظم الذراع من كبدها والانهران العواء والسماك لكثرة مائهما والعاشر الجبهة وهي اربعة كواكب ثلاثة منها مثلثة كالاثافي وواحد منفرد والحادي عشر الزبرة بالضم كوكبان نيران بكاهل الاسد ينزلهما القمر والثاني عشر العواء وهي خمسة كواكب او اربعة كأنها كتابة الف والرابع عشر السماك ككتاب نجمان نيران والخامس عشر الغفر وهي ثلاثة انجم صغار والسادس عشر الزباني بالضم كوكبان نيران في قرني العقرب والسابع عشر الاكليل بالكسر اربعة انجم مصطفة والثامن عشر القلب وهو نجم من المنازل والتاسع عشر الشولة وهي كوكيان نيران ينزلهما القمر يقال لها ذنب العقرب والعشرون النعائم بالفتح اربعة كواكب نيرة والحادى والعشرون البلدة بالضم ستة كواكب صغار تكون في برج القوس وتنزلها الشمس في اقصر ايام السنة . قال في القاموس البلدة رقعة من السماء لا كواكب بها بين النعائم وبين سعد الذابح ينزلها القمر وربما عدل عنها فنزل بالقلادة وهي ستة كواكب مستديرة تشبه القوس اه والثاني والعشرون سعد الذابح كوكبان نيران بينهما قيد ذراع وفي نحر احدهما كوكب صغيري لقربه منه كأنه يذبحه والثالث والعشرون سعد بلع كزفر معرفة منزل للقمر طلع لما قال الله تعالى(5/228)
{ يا ارض ابلعي ماءك } وهو كوكبان مستويان في المجرى احدهما خفى والآخر مضيئ يسمى بلع كأنه بلع الآخر وطلوعه لليلة تمضى من آب والرابع والعشرون سعد السعود والخامس والعشرون سعد الاخبية وهي كواكب مستديرة . قال في القاموس سعود النجوم عشرة سعد بلع وسعد الاخبية وسعد الذبائح وسعد السعود وهذه الاربعة من منازل القمر وسعد ناشرة وسعد الملك وسعد البهام وسعد الهمام وسعد البارع وسعد مطر وهذه الستة لبست من المنازل كل منها كوكبان بينها في المنظر نحو ذراع والسادس والعشرون فرغ الدلو المقدم والسابع والعشرون فرغ الدلو المؤخر . قال في القاموس في الغين المعجمة فرغ الدلو المقدم والمؤخر منزلان للقمر كل واحد كوكبان كل كوكبين في المرأى قدر رمح والثامن والعشرون الرشاء ويقال له ايضا بطن الحوت وهي كواكب صغار مجتمعة في صورة الحوت وفي سرتها نجم نير والسنة القمرية عبارة عن اجتماع القمر من الشمس اثنتى عشر مرة وزمان هذه يتم في ثلاثمائة واربعة وخمسين يوما وكسر وهو ثمان ساعات وثمان واربعون دقيقة قال في شرح التقويم ارباب هذه الصناعة ما وجدوا زمان شهر واحد اقل من تسعة وعشرين يوما او اكثر من ثلاثين وكذا ما وجدوا زمان سنة واحدة اقل من ثلاثمائة واربعة وخمسين يوما او اكثر من ثلاثمائة وخمسة وخمسين فعدد ايام كل سنة اما ثلاثمائة واربعة وخمسون يوما او ثلاثمائة وخمسة وخمسون واعلم ان الله تعالى جعل الدورة المحمدية دورة قمرية كما قال ( ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا ) تنبيها منه تعالى للعارفين من عباده ان آية القمر ممحوّة عن العالم الظاهر لمن اعتبر وتدبر في قوله { لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر } اي في علو المرتبة والشرف فكان ذلك تقوية لكتم آياتهم التي اعطاها للمحدثين العربيين واجراها واخفاها فيهم كذا في عقله المستوفز لحضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر قال شيخنا العلامة ابقاه الله بالسلامة في كتاب اللائحات البرقيات له مرتبة الالوهية وفي المراتب الكونية الآفاقية مرتبة القمر اشارة الى مرتبة الكرسى واللوح ومرتبة الشمس اشارة الى مرتبة العرش والقلم وفي المراتب الكونية الانفسية مرتبة القمر اشارة الى مرتبة الروح ومرتبة الشمس اشارة الى مرتبة السر انتهى يا جمال ثم لحروف ظاهر النفس الرحمانى منازل عدد منازل القمر ويقال لها التعينات وهي العقل الاول ثم النفس الكلية ثم الطبيعية الكلية ثم الهباء ثم الشكل الكلى ثم العرش ثم الكرسي ثم الفلك الاطلس ثم المنازل ثم سماء كيوان ثم سماء المشتري ثم سماء المريخ ثم سماء الشمس ثم سماء الزهرة ثم سماء عطارد ثم سماء القمر ثم عنصر النار ثم عنصر الهواء ثم عنصر الماء ثم عنصر التراب ثم المعدن ثم النبات ثم الحيوان ثم الملك ثم الجن ثم الانسان ثم المرتبة وفي مقابلتها على الترتيب حروف باطن النفس الرحماني وهي الاسم البديع ثم الباعث ثم الباطن ثم الآخر ثم الظاهر ثم الحكيم ثم المحيط ثم الشكور ثم الغنى ثم المقتدر ثم الرب ثم العليم ثم القاهر ثم النور ثم المصور ثم المحصى ثم المبين ثم القابض ثم المحيى ثم المميت ثم العزيز ثم الرزاق ثم المذل ثم القوي ثم اللطيف ثم الجامع ثم الرفيع ولو تفطنت حروف التهجى وجدتها على هذا الترتيب كما رتب اهل الاراء وهي الهمزة ثم الهاء ثم العين ثم الحاء المهملة ثم الغين المعجمة ثم القاف ثم الكاف ثم الجيم ثم الشين المنقوطة ثم الياء المثناة ثم الضاد المعجمة ثم اللام ثم النون ثم الراء المغفلة ثم الطاء المهملة ثم الدال المهملة ثم التاء المثناة من فوق ثم الزاى ثم السين المهملة ثم الصاد المهملة ثم الظاء المعجمة ثم الثاء المثلثة ثم الذال المنقوطة ثم الفاء ثم الباء الموحدة ثم الميم ثم الواو فسبحان من اظهر بالنفس الرحمانى هذه المنازل في الانفس والآفاق ارادة كمال الوفاق { لتعلموا عدد السنين والحساب } اي حساب الاوقات من الاشهر والايام والليالى والساعات لصلاح معاشكم ودينكم من فرض الحج والصوم والفطر والصلاة وغيرها من الفروض { ما خلق الله ذلك } المذكور من الشمس والقمر على ما حكى بحال ما من الاحوال { الا } ملتبسا { بالحق } مراعيا لمقتضى الحكمة البالغة وهو ما اشير اليه اجمالا من العلم باحوال السنين والاوقات المنوط به امور معاملاتهم وعباداتهم فليس في خلقه عبث باطل اصلا -حكى- ان رجلا رأى خنفساء فقال ماذا يريد الله تعالى من خلق هذه أحسن شكلها ام طيب ريحها فابتلاه الله بقرحة عجز عنها الاطباء حتى ترك علاجها فسمع يوما صوت طبيب من الطرقيين ينادى في الدرب فقال هاتو ، حتى ينظر فى امرى فقالوا ما تصنع بطرقى وقد عجز عنك حذاق الاطباء فقال لا بدّ لي منه فلما احضروه ورأى القرحة استدعى بخفساء فضحك الحاضرون فتذكر العليل القول الذي سبق منه فقال احضروا ما طلب فان الرجل على بصيرة فاحرقها ووضع رمادها على قرحته فبرئت باذن الله تعالى فقال للحاضرين ان الله تعالى اراد ان يعرفنى ان اخس المخلوقات اعز الادوية وان في خلقه حكمة { يفصل الآيات } التكوينية المذكورة الدالة على وحدانيته وقدرته ويذكر بعضها عقيب بعض مع مزيد الشرح والبيان { لقوم يعلمون } الحكمة في ابداع الكائنات فيستدلون بذلك على شئون مبدعها وخص العلماء بالذكر لانهم المنتفعون بالتأمل فيها(5/229)
إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)
{ ان في اختلاف الليل والنهار } اي في اختلاف الوانهما بالنور والظلمة او فى اختلافهما بذهاب الليل ومجيئ النهار وبالعكس واختلف في ايهما افضل قال الامام النيسابوري الليل افضل لانه راحة والراحة من الجنة والنهار تعب والتعب من النار فالليل حظ الفراش والوصال والنهار حظ اللباس والفراق . وقيل النهار افضل لانه محل النور والليل محل الظلام يقول الفقير الليل اشارة الى عالم الذات وله الرتبة العليا والنهار اشارة الى عالم الصفات وله الفضيلة العظمى ويختلفان بان من ولد في الليل يصير اهل فناء في الله ومن ولد في النهار يصير اهل بقاء بالله ففيهما سر دار الجلال ودار الجمال وسر اهلهما { وما خلق الله في السموات } من انواع الكائنات كالشمس والقمر والنجوم والسحاب والرياح { والارض } من انواعها ايضا كالجبال والبحار والاشجار والانهار والدواب والنبات { لآيات } عظيمة او كثيرة دالة على وجود الصانع ووحدته وكمال علمه وقدرته { لقوم يتقون } خص المتقين لانهم يحذرون العاقبة فيدعوهم الحذر الى النظر والتدبر وعن على رضى الله عنه من اقتبس علما من النجوم من حملة القرآن ازداد به ايمانا ويقينا ثم تلا { ان في اختلاف الليل والنهار } الى { لآيات } يقول الفقير اصلحه الله القدير هذا بالنسبة الى ما ابيح من تعلم النجوم وتوسل به الى معرفة الآيات السماوية واما قوله عليه السلام « من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر » اى قطعة منه فقد قال الحافظ المنهى عنه من علم النجوم هو ما يدعيه اهلها من معرفة الحوادث الآتية في مستقبل الزمان كمجيئ المطر ووقوع الثلج وهبوب الريح وتغير الاسعار ونحو ذلك ويزعمون انهم يدركون ذلك بسير الكواكب واقترانها وافتراقها وظهورها في بعض الازمان دون بعض وهذا علم استأثر الله به لا يعلمه احد غيره فاما ما يدرك من طريق المشاهدة من علم النجوم الذي يعرف به الزوال وجهة القبلة وكم مضى وكم بقى فانه غير داخل في النهى انتهى -وسمع- ذو النون المصرى شخصا قائما على الجبل وسط البحر يقول سيدى سيدى انا خلف البحور والجزائر وانت الملك الفرد بلا حاجب ولا زائر من ذا الذي انس بك فاستوحش من ذا الذي نظر الى آيات قدرتك فلم يدهش اما في نصبك السموات الطرائق ونظمك الفلك فوق رؤس الخلائق ورفعك العرش المحيط بلا عوائق واجرائك الماء بلا سائق وارسالك الريح بلا عائق ما يدل على فرد انيتك اما السموات فتدل على منعتك واما الفلك فيدل على حسن صنعتك واما الرياح فتنشر من نسيم بركاتك واما الرعد فيصوت بعظيم آياتك واما الارض فتدل على تمام حكمتك واما الانهار فتتفجر بعذوبة كلمتك واما الاشجار فتخبر بجميل صنائعك واما الشمس فتدل على تمام بدائعك : قال الشيخ المغربى قدس سره
جمله نقش تعينات ويند ... هرجه هستتد در زمين وسما
وله
مغربى زان ميكند ميلى بكلشن كاندرو ... هرجه رارنكى وبوبى هست رتك وبوى اوست(5/230)
إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7)
{ ان الذين لا يرجون لقاءنا } المراد بلقائه تعالى اما الرجوع اليه بالبعث او لقاء الحساب كما في قوله { انى ظننت انى ملاق حسابيه } وبعدم الرجاء عجم اعتقاد الوقوع المنتظم لعدم الامل وعدم الخوف فان عدمهما لا يستدعى عدم اعتقاد وقوع المأمول والمخوف اى لا يتوقعون الرجوع الينا او لقاء حسابنا المؤدى اما الى حسن الثواب او الى سوء العذاب فلا يأملون الاول واليه اشير بقوله { ورضوا بالحياة الدنيا } فانه منبئ عن ايثار الادنى الخسيس على الاعلى النفيس ولا يخافون الثانى واليه اشير بقوله { واطمأنوا بها } كما في الارشاد { ورضوا بالحياة الدنيا } من الآخرة وآثروا القليل الفاني على الكثير الباقي { واطمأنوا بها } وسكنوا اليها قاصرين هممهم على لذائذها وزخارفها او سكنوا فيها سكون من لايزعج عنها فبنوا شديدا واملوا بعيدا : يعنى [ دردنيا ساكن كستند بر وجهى كه كوييا هركز ايشانرا ازآنجا رحلت نخواهدبودوند انستندكه لحظه بلحظة دست اجل طبل رحيل فروخوا هدكوفت ]
آن كيست كه دل نهاد وفارغ بنشست ... بنداشت كه مهلتى وتأخيرى هست
كو خيمه مزن كه ميخ مى بايد كند ... كو رخت منه كه بار مى بايد بست
-روى- ان الله تعالى قال « عجبت من ثلاثة . ممن آمن بالنار ويعلم أنها وراءه كيف يضحك وممن اطمأنت نفسه بالدنيا وهو يعلم انه يفارقها كيف يسكن اليها . وممن هو غافل وليس بمغفول عنه كيف يلهو » ونزل النعمان بن المنذر تحت شجرة ليلهو فقال عدى ايها الملك أتدرى ما تقول هذه الشجرة ثم انشأ يقول
رب ركب قد اناخوا حولنا ... يمزجون الخمر بالماء الزلال
ثم اضحوا عصف الدهر بهم ... وكذاك الدهر حالا بعد حال
فتنغص على النعمان يومه كذا في ربيع الابرار { والذين هم عن آياتنا } عن آيات القرآن فيكون المراد الآيات التشريعية او عن دلائل الصنع فيكون المراد الآيات التكوينية { غافلون } لا يتفكرون فيها لانهما كهم فيما يضادها والعطف لتغاير الوصفين اى للجمع بين الوصفين المتغايرين الانهماك فى لذات الدنيا وزخارفها والذهول عن آيات الله ودلائل المعرفة او لتغاير الذاتين كما قل في التأويلات النجمية ان الذين لا يعتقدون السير الينا والوصول بنا لدناءة همتهم ورضوا بالتمتعات الدنيوية وركنوا الى مالها وجاهها وشهواتها والذين هم عن آياتنا غافلون وان لم يركنوا الى الدنيا وتمتعاتها وكانوا اصحاب الرياضات والمجاهدات من اهل الاديان والملل وهم البراهمة والفسلاسفة والاباحية لكن كانوا معرضين عن متابعة النبى صلى الله عليه وسلم او كانوا من اهل الاهواء والبدع(5/231)
أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8)
{ اولئك } الموصوفون بما ذكر من صفات السوء { مأويهم } اي مسكنهم ومقرهم الذى لا براح لهم منه { النار } نار جهنم او نار العبد والطرد والحسرة لا ما اطمأنوا بها من الحياة الدنيا ونعيمها { بما كانوا يكسبون } اى جوزوا بما واظبوا عليه وتمرنوا به من الاعمال القلبية المعدودة وما يستتبعه من اصناف المعاصى والسيآت(5/232)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)
{ ان الذين آمنوا } فعلوا الايمان او آمنوا بما تشهد به الآيات التى غفل عنها الغافلون { وعملوا الصالحات } اى الاعمال الصالحة في انفسها اللائقة بالايمان وهى ما كان لوجه الله تعالى ورضاه وانما ترك ذكر الموصوف لجريانها مجرى الاسماء { يهديهم ربهم } في الآخرة { بايمانهم } اى بسبب ايمانهم وبنوره الى مأواهم ومقصدهم وهى الجنة وفى الحديث « ان المؤمن اذا خرج من قبره صور له عمله في صورة حسنة فيقول انا عملك فيكون له نورا وقائدا الى الجنة والكافر اذا خرج من قبره صورة سيئة فيقول له انا عملك فينطلق به حتى يدخله النار » ويحتمل ان تكون الهداية الى سلوك سبيل يؤدي الى ادراك الحقائق الكونية والآلهية وهى هداية خاصة يلقاها الخواص واليه الاشارة بقوله « من عمل بم علم ورثه الله علم ما لم يعلم » فالعلم الاول هو علم المعاملة الذى يكون بطريق الدراسة والعلم الثانى هو علم المكاشفة الذى يكون بطريق الوراثة وهو اعلى واجل من الاول لان الاول منه بمنزلة القشر من اللب نسأل الله الفيض الخاص الذى ذاقه اهل الاختصاص { تجرى من تحتهم } سررهم المرفوعة الموضوعة في البساتين والرياض { الانهار } الاربعة { فى جنات النعيم } متعلق بتجرى اى فى جنات يتنعمون فيها ويترفهون قال الكاشفى { فى جنات النعيم } [ در بوستانها با نعيم وبا نعمت ] والنعيم النعمة والخفض والدعة كما في القاموس وسميت جنة لاستتاراضها باشجارها ومنه سمى الجن لاستتارهم عن الابصار ومنه سمى المجن للتستر به(5/233)
دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)
{ دعويهم فيها } اى داؤهم فى تلك الجنات { سبحانك اللهم } اى يا الله نسبحك تسبيحا وننزهك عن الخلف فى الوعد والكذب فى القول فقد وجدنا ما وعدتنا { وتحيتهم فيها } التحية التكرمة بالحالة الجليلة اصلها احياك الله حياة طيبة وهى من اضافة المصدر الى فاعله اى تحية بعضهم لبعض فى الجنة { سلام } اى سلامة من كل مكروه او من اضافته الى المفعول اى تحية الملائكة اياهم كما قال تعالى { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم } او تحية الله اياهم كما قال { سلام قولا من رب رحيم }
سلام دوست شنيدن سعاد تست سلامت ... بوصل يار رسيدن فيضلتست وكرامت
{ وآخر دعويهم } اى خاتمة دعائهم { ان الحمد لله رب العالمين } اى ان يقولوا ذلك نعتاله تعالى بصفات الاكرام اثر نعته بصفات الجلال اى دعاؤهم منحصر فيما ذكر اذ ليس لهم مطلب مترقب حتى ينظموه في سلك الدعاء وان هى المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن المحذوف والجملة الاسمية التى بعدها فى محل الرفع على انها خبر لها وان مع اسمها وخبرها في محل الرفع خبر للمبتدأ الاول -روى- ان اهل الجنة اذا اشتهوا شيأ قالوا الحمد لله رب العالمين واعلم انه لا تكليف فى الجنة ولا عبادة وما عبادة اهل الجنة الا ان يسبحوا الله ويحمدوه وذلك ليس بعبادة وانما يلهمونه فينطقون به تلذذا بلا كلفة [ وهى آيينه لذت تسبيح وتحميد ايشسانرا ازجميع لذاتهاى بهشت خو بترآيد ]
ذوق نامش عاشق مشتاقرا ... از بهشت جاوداني خوشتراست
كرجه درفردوس نعمتها بسى ست ... وصل او ازهرجه دانى خوشترست
وفيه اشارة الى ان اللسان انما خلق للذكر والدعاء لا لكلام الدنيا والغيبة والبهتان
زبان آمد از بهر شكرو سباس ... بغيبت نكرداندش حق شناس
وقد كان اول كلام تكلم به ابونا آدم عليه السلام حين عطس الحمد لله وىخر الدعاء ايضا كان ذلك . ففيه اشارة الى ان العبد غريق فى بحر نعم الله اولا وآخرا فعليه استغراق اوقاته بالحمد ونعم الله فى الدنيا متناهية وفى الآخرة غير متناهية فالحمد لا نهاية له ابد الآباد وهو منتهى مراكب السالكين : وفى المثنوى
حمد كلشن از بهار ... صد نشاني دارد وصد كير ودار
بر بهارش جشمه ونخل وكياه ... وان كلستان ونكارستان كواه
توملاف از مشك كان بوى بياز ... از دم تو ميكند مكشوف راز
كلشكر خوردم همى كوئي وبوى ... مى زند از سيركه ياوه مكوى
يعنى ان لحمد العارف علامة فانه يشهد لحمده كل اعضائه بخلاف حمد غيره فلا بد من تحقيق الدعوى بالحجة والبرهان فان الدعوى المجردة لا تنفع كما لا يخفى عن اهل الايقان نسأل الله سبحانه ان يجعلنا من الحامدين فى السراء والضراء بلسان الجهر والاخفاء(5/234)
وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12)
{ ولو يعجل الله } [ واكر تعجيل كند خداى تعالى ] { للناس الشر استعجالهم بالخير } التعجيل تقديم الشيء قبل وقته والاستعجال طلب العجلة والمراد بالشر العذاب وسمى به لانه اذى مكروه فى حق المعاقب -روى- ان النضر بن الحارث قال منكوا لنبوته عليه السلام اللهم ان كان محمدا حقا في ادعاء الرسالة فامطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم وكانوا يستعجلون العذاب المتوعد به من لسان النبوة فقال تعالى { ولو يعجل الله للناس الشر } والعذاب حيث استعجلوه استعجالا مثل { استعجالهم بالخير } والرحمة والعافية { لقضى اليهم اجلهم } لادى اليهم الاجل الذى عين لعذابهم واميتوا واهلكوا بالمرة وما امهلوا طرفة عين لان تركيبهم فى الدنيا لا يحتمل ما استعجلوه من العذاب ولكن لا نعجل ولا نقضى { فنذر الذين } اى نترك فالفاء للعطف على مقدر لا على يعجل اذ لو كان كذلك لدخل في الامتناع الذى يقتضيه لو وليس كذلك لان التعجيل لم يقع وتركهم في طغيانهم يقع كما في تفسير ابى البقاء { لا يرحون لقاءنا } لا يتوقعون جزاءنا في الآخرة التى هى محل اللقاء لانكارهم البعث { فى طغيانهم } الذى هو عدم رجاء اللقاء وانكار البعث والجزاء وهو متعلق بنذر او بقوله { يعمهون } اى حال كونهم متحيرين ومترددين وذلك لانه لا صلاح ولا حكمة فى اماتتهم واهلاكهم عاحلا اذر بما آمنوا بعد ذلك(5/235)
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)
{ ولقد اهلكنا القرون } يعنى الامم الماضية مثل قوم نوح وعاد { من قبلكم } متعلق باهلكنا وليس بحال من القرون لانه زمان اى اهلكناهم من قبل زمانكم يا اهل مكة { لما ظلموا } حين ظلموا بالتكذيب واستعمال القوى والجوارح لاعلى ما ينبغى { وجاءتهم } اى والحال انهم قد جاءتهم { رسلهم بالبينات } اى بالحجج الدالة على صدقهم { وما كانوا ليؤمنوا } وما استقام لهم ان يؤمنوا لفساد استعدادهم وخذلان الله لهم وعلمه بانهم يموتون على كفرهم وهو عطف على ظلموا كأنه قيل لما ظلموا واصروا على الكفر بحيث لم يبق فائدة في امهالهم اهلكناهم { كذلك } اى مثل ذلك الجزاء وهو اهلاكهم بسبب تكذيبهم للرسل واصرارهم عليه بحيث تحقق انه لا فائدة في امهالهم { نجزي القوم المجرمين } نجزى كل مجرم { ثم جعلناكم خلائف في الارض من بعدهم } استخلفناكم فيها بعد القرون التى اهلكناها استخلاف من يختبر لان الله تعالى لا يحتاج فى العلم باحوال الانسان الى الاختبار والامتحان فى الحقيقة ولكن يعامل معاملة من يطلب العلم بما يكون منهم ليجازيهم بحسبه { لننظر } النظر في اللغة عبارة عن تقليب الحدقة نحو المرئى طلبا لرؤيته وهو في حقه تعالى مستعار للعلم المحقق الذى لا يتطرق اليه شك ولا شبهة بان يشبه هذا العلم بنظر الناظر وادراكه عين المرئى على سبيل المعاينة والمشاهدة ويطلق عليه لفظ النظر والرؤية على سبيل الاستعارة التصريحية ثم تسرى الاستعارة الى الفعل تبعا قال الكاشفى [ تابه بينيم در صورت شهادت بعد ازانكه دانستيم در غيب شما كه ] { كيف تعملون } [ جه كونه عمل خواهيد كرد ازخير وشرتا باشما بمقتضاى اعمال شما معامله كنيم ان خيرا فخير وان شرا فشر ]
جرا آبينة فعلست كويى ... كه دروى هرجه كردى مينمايد
اكر كردى نكوئي نيك بينى ... وكربد كرده بد بيشت آيد
وكيف معمول تعملون فان معنى الاستفهام يحجب ان يعمل فيه ما قبله وفائدته الدلالة على ان المعتبر في الجزاء جهات الافعال وكيفياتها لا من حيث ذاتها ولذلك يحسن الفعل تارة ويقبح اخرى وفى الحديث ( ان الدنيا حلوة خضرة ) يعنى حسنة في المنظر ( تعجب الناظر ) والمراد من الدنيا صورها ومتاعها وانما وصفها بالخضرة لان العرب تسمى الثئ الناعم خضراء ولتشبيهها بالخضراوات فى سرعة زوالها وفيه بيان كونها غرارة يفتتن الناس بحسنها : قال الحافظ
خوش عروسست جهان ازره صورت ليكن ... هر كه بيوست بدو عمر خودش كابين داد
قال في فتح القريب حسنها للنفوس ونضارتها ولذتها كالفاكهة الخضراء الحلوة فان النفس تطلبها طلبا حثيثا فكذلك الدنيا وهى فى الحال حلوة خضراء وفى المآل مرة كدرة نعمت المرضعة ويئست الفاطمة ( وان الله مستخلفكم فيها ) اى جاعلكم خلفاء فى الدنيا يعنى ان اموالكم ليست فى الحقيقة لكم وانما هى لله جعلكم فى التصرف فيها بمنزلة الوكلاء ( فناظر كيف تعملون ) اى تتصرفون قيل معناه جاعلكم خلفا ممن قبلكم واعطى ما بايديهم اياكم فناظر هل تعتبرون بحالهم وتتدبرون فى مآلهم قال قتادة ذكر لنا عمر رضى الله عنه قال صدق ربنا جعلنا خلفاء ارض لينظر الى اعمالنا فاروه من اعمالكم خيرا بالليل والنهار والسر والعلانية وفى الآية وعيد لاهل مكة على اجرامهم بتكذيب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليرتدعوا عن انكار النبوة واستعجال الشر حذرا من ان ينزل بهم عذاب الاستئصال كما نزل بمن قبلهم من المكذبين وهذا الوعيد والتهديد لا يختص بهم فان اهل كل قون خليفة لمن قبله الى قيام الساعة فعلى العاقل ان يعتبر بمن مضى ويتدارك حاله قبل نزول القضاء قال فى التأويلات النجمية ان لهذه الامة اختصاصا باستحقاق الخلافة الحقيقية التى اودعها الله فى آدم عليه السلام بقوله(5/236)
{ انى جاعل في الارض خليفة } ولهذا السر ما كان في امة من الامم من الخلفاء ما كان فى هذه الامة بالصورة والمعنى وللخلافة صورة ومعنى فكما ان صورة الخلافة مبنية على الحكم بين الرعية الصورية بالعدل والتسوية على قانون الشرع والاجناب عن متابعة الهوى والطبع كذلك معنى الخلافة مبنى على الحكم بين الرعية المعنوية وهى الجوارح والاعضاء والقلب والروح والسر والنفس وصفاتها واخلاقها والحواس الخمس والقوى النفسانية بالحق كما كان سيرة الانبياء وخواص الاولياء فى طلب الحق ومجانبة الباطل وترك ما سوى الله والوصول الى الله(5/237)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)
{ واذا تتلى عليهم } اى على المشركين مكة { آياتنا } القرآنية الدالة على حقيقة التوحيد وبطلان الشرك حال كونها { بينات } واضحات الدلالة على ذلك { قال الذين لا يرجون لقاءنا } : يعنى [ اميد ندار ند ديدار مارا وسيدن بما ] وهو عبارة عن كونهم مكذبين للحشر قال في التأويلات النجمية فيه اشارة الى انه ليس لهم شوق لى الله وطلبه اذا الشوق من شان القلب احى وقلوبهم ميتة ونفوسهم حية فلما فى القرآن مما يوافق القلوب ويخالف النفوس ما قبله ارباب النفوس { ائت بقرآن غير هذا } القرآن المنزل بان لا يكون على ترتيب هذا ونظمه وبان يكون خاليا عما نستبعده من امر البعث والجزاء وعما نكرهه من ذم آلهتنا وتحقيرها { أو بدله } بان يكون هذا القرآن المنزل باقيا على نظمه وترتيبه لكن يوضع مكان الآيات الدالة على ما نستبعده وتستكرهه آيات اخر موافقة لطريقتنا كما بدل احبار اليهود التوراة ورهبان النصارى الانجيل بما كان موافقا لهواهم ولعلهم سألوا ذلك طمعا في ان يسعفهم الى اتيانه من قبل نفسه فيلزموه بان يقولوا قد تبين لنا اتك كاذب فى دعوى ان ما تقرأه علينا كلام الهى وكتاب سماوى اوحى اليك بوساطة الملك وانك تقوله من عند نفسك وتفترى على الله كذبا { قل ما يكون لي } اى ما يصح لى ولا يمكننى اصلا { ان ابدله من تلقاء نفسي } اى من قبل نفسى وانما اكتفى بالجواب عن التبديل لاستلزام امتناعه امتناع الاتيان بقرآن آخر كذا قال البيضاوى وهو اولى مما في الكشاف . والبيان ان التبديل داخل تحت قدرة الانسان واما الاتيان بقرآن آخر فغير مقدور عليه للانسان وذلك لان التبديل ربما يحتاج الى تغيير سورة او مقدارها واعجاز القرىن يمنع من ذلك كما لا يخفى وهو اللائح بالبال { ان اتبع الا ما يوحى الى } تعليل لما يكون فان المتبع لغيره فى امر لم يستبد بالتصرف فيه بوجه اى ما اتبع فى شيء الا ما يوحى الى من غير تغيير له فى شيء اصلا عن معنى قصر حاله عليه السلام على اتباع ما اليه لاقصر اتباعه على ما يوحى اليه كما هو المتبادر من ظاهرة العبارة كأنه قيل ما افعل الا اتباع ما يوحى الىّ وقد مر تحقيق المقام فى سورة الانعام { انى اخاف ان عصيت ربى } اى بالتبديل { عذاب يوم عظيم } هو يوم القيامة وفيه اشارة الى التبديل اذا كان عصيانا مستوجبا للعذاب يكون اقتراحه كذلك لانه نتيجته والنتيجة مبنية على المقدمة فعلم منه ان المؤدى الى المكروه او الحرام مكروه او حرام الا ترى ان بعض الكيوف التى يستعملها ارباب الشهوات فى هذا الزمان مؤد الى استقثال الوم الفرض واستقثال امر الله تعالى ليس من علامات الايمان نسأل الله تعالى ان يجذب عناننا من الوقوع فى مواقع الهلاك(5/238)
قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16)
{ قل لو شاء الله } ان لا اتلو عليكم ما اوحى الى من القرىن { ما تلوته عليكم } لنى امى وليس التلاوة والقرآن من شأنى كما كان حالي مع جبريل اول ما نزل فقال « اقرأ قلت لست بقارئ فغطنى جبريل ثم ارسلني فقال اقرأ باسم ربك الذى خلق فقراته لما جعلني قارئا ولو شاء الله ان لا اقرأه ما كنت قاردا على قرائته عليكم » -حكى- ان واحدا من المشايخ الاميين استدعى منه بعض المنكرين الوعظ بطريق التعصب والعناد زعما منهم انه لا يقدر عليه فيفتضح لأنه كان كرديا لا يعرف لسان العرب ولا يحسن الوعظ والتذكير فنام بالغم فاذن له صلى الله عليه وسلم فى المنام بذلك فلما اصبح جلس مجلس الوعظ والتذكير وقرر من كل تأويل وتفسير وقال « أمسيت كرديا واصبحت عربيا » وذلك من فضل الله وهو على كل شيء قدير : قال الحافظ
فيض روح القدس ار باز مدد فرمايد ... ديكران هم بكنند ىنجه مسيحا ميكر
{ ولا ادريكم به } ماض من دريت الشيء ورديت به اى علمته وادرانية غيرى اى اعلمنيه والمعنى ولا اعلمكم الله القرآن على لسانى ولا اشعركم به اصلا رفقد لبثت فيكم } اى مكثت بين ظهرانيكم { عمرا } يضمتين الحياة والجمع اعمار كما في القاموس قال ابو البقاء ينصب نصب الظروف اى مقدار عمر او مدة عمر قال ابن الشيخ اى مدة متطاولة وهى اربعون سنة { من قبل القرآن لا اتلوه ولا اعلمه وكان عليه السلام لبث فيهم قبل الوحي اربعين سنة ثم اوحى اليه فاقام بمكة بعد الوحى ثلاث عشرة سنة ثم هاجر الى المدينة فاقام بها عشر سنين وتوفي ابن ثلاث وستين سنة فمن عاش بين اظهرهم اربعين سنة لم يمارس فيها علما ولم يشاهد عالما ولم ينشئ قريضا ولا خطبة ثم قرا عليهم كتابا بزت فصاحته فصاحة كل منطيق وعلى كل منثور ومنظوم واحتوى على قواعد علمى الاصول والفروع واعرب عن اقاصيص الاولين واحاديث الآخرين على ما هى عليه انه معلم به من عند الله وأن ما قرأه عليه معجز خارق للعادة
امئ دانا كه بعلم فزون ... راندرقم برورق كاف ونون
بى خط وقرطاس زعلم ازل ... مشكل لوح وقلمش كشت حل(5/239)
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17)
{ افلا تعقلون } افلا تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر فيه لتعلموا انه ليس الا من الله { فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا } احتراز مما اضافوه اليه عليه السلام كناية وهوانه عليه السلام نظم هذا القرآن من عند نفسه ثم قال انه من عند الله افتراء عليه فان قولهم ائت بقرآن غير هذا او بدله كناية عنه فقوله عليه السلام فمن اظلم ممن افترى كناية عن نفسه كأنه قيل لو لم يكن هذا القرىن من عند الله كما زعمتم لما كان احد في الدنيا اظلم على نفسه من حيث افتريته على الله لكن الامر ليس كذلك بل هو وحى الهى { او كذب بآياته } فكفر بها { انه لا يفلح المجرمون } لا ينجون من محذور ولا يظفرون بمطلوب وفي التأويلات النجمية اى لا يتخلص الكذابون والمكذبون من قيد الكفر وحجب الهوى وعذاب البعد وجحيم النفس انتهى وذلك لان الطريق طريق الصدق والاخلاص لا طريق الكذب والرياء فمن سلك سبيل الصدق افلح ونجا وصل ومن سلك سبيل الكذب خاب وهلك وضل وعن ابى القاسم الفقيه انه قال اجمع العلماء على ثلاث خصال انها اذا صحت ففيها النجاة ولا يتم بعضها الا ببعض الاسلام الخالص من الظلم وطيب الغذاء والصدق لله فى الاعمال وفى الحديث « ان من اعظم الفرية ثلاثا ان يفتى الرجل على عينيه يقول رأيت ولم ير » يعنى فى المنام « او يفترى على والديه فيدعي الى غير ابيه او يفترى على يقول سمعت من رسول الله وبم يسمع منى » يقول الفقير فاذا لم يصح هذا الواحد من امته فكيف يصح لرسول الله عليه الصلاة والسلام والانبياء عليهم السلام امناء الله على ما اوحى اليهم لا يزيدون فيه ولا ينقصون ولا يبدلون فكذا الاولياء قدس الله اسرارهم امناء الله على ألهم اليهم يبلغونه الى من هو اهل له من غير زيادة ولا نقصان ومن انكر كون الامى وليافلينكر كونه نبيافان ذلك مغض الى ذلك ومستلزم له قال الامام السخاوى قوله ( ما تخذ الله من ولي جاهل ولو اتخذه لعلمه ) ليس بثابت ولكن معناه صحيح والمراد بقوله ولو اتخذه وليا لعلمه ثم اتخذه وليا انتهى وقال الامام الغزالى فى شرح الاسم الحكيم من الاسماء الحسنى ومن عرف الله تعالى فهو حكيم وان كان ضعيف المنة فى سائر العلوم الرسمية كليل اللسان قاصر البيان فيها انتهى فظهر ان العلم الزائد على ما يقال له علم الحال ليس بشرط فى ولاية الولى وان الله تعالى اذا اراد بعبده خيرا يفقهه فى الدين ويعلمه من لدنه علم اليقين قال عمر رضى الله عنه يا نبى الله مالك افصحنا فقال عليه السلام(5/240)
« جاءنى جبريل فلقتنى لغة ابى اسماعيل وان الله ادبنى فاحسن تأديبى ثم امرنى بمكارم الاخلاق فقال خذ العفو وائمر بالعرف » الآية فقد استبان الحق والله اعلم حيث يجعل رسالته فاياك ان تنكر ولاية مثل يونس وغيره من الاميين فان شواهدهم تنادى على صحة دعواهم بل واياك ان تطلق لسانك بالطعن على لحنهم فان سين بلال احل الى الله من شين غيره في اشهد : وفي المثنوى قدس سره
كرحديثت كزبود معنيت راست ... آن كزئ لفظ مقبول خداست
وذلك لان خطأ الاحباب اولى من صواب الاغيار كما فى المثنوى وعن ابى الدرداء رضى الله عنه انه قال ( ان لله عبادا يقال لهم الابدال لم يبلغوا ما بلغوا بكثرة الصوم والصلاة والتمتع وحسن الحلية وانما بلغوا بصدق الورع وحسن النية وسلامة الصدور والرحمة لجميع المسلمين اصطفاهم الله بعلمه واستخلصهم لنفسه وهم اربعون رجلا على مثل قلب ابراهيم عليه السلام لا يموت الرجل منهم حتى يكون الله قد انشأ من يخلفه واعلم انهم لا يسبون شيأ ولا يلعنونه ولا يؤذون من تحتهم ولا يحقرونه ولا يحسدون من فوقهم اطيب الناس خبرا والينهم عريكة واسخاهم نفسا لا تدركهم لخيل المجراة ولا الرياح لعواصف فيما بينهم وبين ربهم انما قلوبهم تصعد فى السقوف العلى ارتياحا الى الله فى استباق الخيرات اولئك حزب الله هم المفلحون ) كذا فى روض الرياحين للامام اليافعى : وفى المثنوى فى وصف الاولياء
مردهاست ازخودشده زنده برب ... زان بوداسرار حقش دردولب(5/241)
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)
{ ويعبدون } اى كفار مكة { من دون الله } حال من الفاعل اى متجاوزين الله بمعنى ترك عبادته بالكلية بل بمعنى عدم الاكتفاء بها وجعلها قريبا لعبادة الاصنام { ما لا يضرهم ولا ينفعهم } اى الاصنام التى لا قدرة لها على ايصال الضرر اليهم ان تركوا عبادتها ولا على ايصال المنفعة ان عبدوها لان الجماد بمعزل عن ذلك والمعبود ينبغي ان يكون مثيبا ومعاقبا حتى تعود عبادته بجلب نفع او دفع ضر { ويقولون هؤلاء } الاصنام { شفعاؤنا عند الله } تشفع لنا فيما يهمنا من امور الدنيا لانهم كانوا لا يقرون بالمعاد او فى الآخرة ان يكن بعث كما قال الكاشفى [ يا اكر فرضا حشر ونشر باشد جنانجه معتقد مؤمنانست مارا ازخداى درخواست ميكنند وازعذاب ميرهانند ] واعلم ان اول ما حدثت عبادة الاصنام فى قوم نوح عليه السلام وذلك ان آدم كان له خمسة اولاد صلحاء وهم ودّ ويغوث ويعوق ونسر . فمات ودّ فحزن الناسعليه حزنا شديدا فاجتمعوا حول قبره لا يكادون يفارقونه وذلك بارض بابل فلما رأى ابليس ذلك جاء اليهم فى صورة انسان وقال لهم هل لكم ان اصور لكم صورة اذا نظرتم اليها ذكرتموه قالوا نعم فصور لهم صورته ثم صار كلما مات منهم واحد صور صورته وسموا تلك الصور باسمائهم ثم لما تقادم لزمن وتناست الآباء والابناء وابناء الابناء قال لمن حدث بعدهم ان الذي كانوا قبلكم يعبدون هذه الصور فعبدوها فارسل الله اليهم نوحا فنهاهم عن عبادتها فلم يجيبوه لذلك وكان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق ثم ان تلك الصور دفنها الطوفان فى ساحل جده فاخرجها اللعين واول من نصب الاوثان فى العرب عمرو بن لحى من خزاعة وذلك انه خرج من مكة الى الشام في بعض اموره فرأى بأرض البلقاء العماليق ولد عملاق بن لاود بن سام ابن نوح وهم يعبدون الاصنام فقال لهم ما هذه قالوا هذه اصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا فقال لهم أفلا تعطونني منها صنما فاسير به الى ارض العرب فاعطوه صنما يقال له هبل من العقيق على صورة انسان فقدم به مكة فنصبه فى بطن الكعبة على يسراها وامر الناس بعبادته وتعظيمه فكان الرجل اذا قدم من سفره بدابه قبل اهله بعد كوافه بالبيت وحلق رأسه عنده كذا فى انسان العيون وكان اهل الطائف يعبدون اللات واهل مكة العزى ومناة وهبل واسافا { قل اتنبئون الله } اتخبرونه { بما لا يعلم } اى بالذى لا يعلمه كائنا { فى السموات ولا فى الارض } فما عبارة عن ان له شريكا والظرف حال من العائد المحذوف وفى الاستفهام الانكارى تقريع لهم وتهكم بهم حيث نزلوا منزلة من يخبر علام الغيوب بما ادعوه من المحال الذى هو وجود الشركاء وشفاعتهم عند الله .(5/242)
وفى الظرف تنبيه على ان ما يعبدونه من جون الله اما سماوى . كالملائكة والنجوم واما ارضى كالاصنام المنحوتة من الشجر والحجر لا شيء من الموجودات . فيهما الا وهو حادث مقهور مثلهم لا يليق ان يشرك به سبحانه قال الكاشفى [ انتفاء علم بجهت معلومست يعنى شما ميكوبيد كه خدايرا شريك هست . واثبات بشفاعت بتان ميكنيد وخداوئدكه عالمست بجميع معلومات اين رانمي دانديس معلوم شدكه شريك نيست وشفاعت نخواهدبود ] كما قال ابن الشيخ فان شيأ من ذلك لو كان موجودا لعلمه الله وما لا يعلمه الله استحال وجوده { سبحانه } [ يا كست ] { وتعالى } [ برترست ] { عما يشركون } لما كان المنزه للذات الجليلة هو نفس الذات آل التنزيه الى معنى التبرى اى تبرأ وجل عن اشراكهم
راحداندر ملك اورايارنى ... بندكانش را جزا وسالا رنى(5/243)
وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19)
{ وما كان الناس الا امة واحدة } اى على ملة واحدة فى عهد آدم عليه السلام الى ان قتل قابيل هابيل اوفى زمن نوح بعد الطوفان حين لم يبق على وجه الارض من الكافرين ديارا فان الناس كانوا متفقين على الدين الحق { فاختلفوا } اى تفرقوا الى مؤمن وكافر { ولولا كلمة سبقت من ربك } اى لولا الحكم الازلى بتأخير العذاب الفاصل بينهم الى يوم القيامة فانه يوم الفصل والجزاء { لقضى بينهم } عاجلا { فيما يختلفون } باهلاك المبطل وابقاءالمحق قال الكاشفى [ هر آينه حكم كرده شدى ميان ايشان ران جنرى كه ايشان دران اختلاف ميكنند عذاب بيامدى ومبطل هلاك شدى ومحق بماندى ] ويحتمل ان يكون المعنى ان الناس كانوا امة واحدة فى بدء الخلقة موجودين على اصل الفطرة التى فطر الناس عليها فاختلفوا بحسب تربية الوالدين كما قال عليه السلام « كل مولود يولد على الفطرة فابواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه » ثم اختلفوا بعد البلوغ بحسب المعاملات الطبيعية والشرعية ثم هذا الاختلاف كما كان بين الامم السالفة كذلك كان بين هذه الامة فمن مؤمن ومن كافر ومن مبتدع وفى اختلافهم فائدة جليلة وحكمة عظيمة حيث ان الكمال الالهى انما يظهر بمظاهر جماله وجلاله لكن ينبغي للناس ان يكونوا على التآلف والتوافق دون التباغض والتفرق لان يد الله مع الجماعة وانما يأكل الذئب الشاة المنفردة -واوصى حكيم- اولاده عند موته وكانوا جماعة فقال لهم ائتونى بعصى فجمعها وقال اكسروها وهى مجموعة فلم يقدروا على ذلك ثم فرقها وقال لهم خذوا واحدة واحدة فاكسروها فكسروها فقال لهم هكذا انتم بعدى لن تغلبوا ما اجتمعتم فاذا تفرقتم تمكن منكم عدوكم فاهلككم وفى الحديث « اوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وان تأمر عليكم عبد وانه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ » والمراد بالخلفاء ابو بكر وعمر وعثمان وعلى رضوان الله عليهم اجمعين . والراشدون جمع راشد اسم فاعل وهو الذى اتى بالرشد واتصف به وهو ضد الغى فالراشد ضد الغاوى والغاوى من عرف الحق وعمل بخلافه . والنواجذ آخر الاسنان والمعنى واظبوا على السنة والزموها واحرصوا عليها كما يفعل العاض على الشيء بنواجذه خوفا من ذهابه وتفلته وقد وقع هذا الاختلاف وسيقع الى ان يقوم المهدى وينزل عيسى عليه السلام : قال الحافظ
تو عمر خواه وصبورى كه جرخ شعبده باز ... هزار بازى ازين طرفه تر برانكيزد
وقال
روزى اكر غمى رسدت تنك دل مباش ... روشكر كن مباد كه ازبد بتر شود
قال بعض العلماء فى هذه الامة فرقة مختلفة تبغض العلماء وتعادى الفقهاء ولم يكن ذلك فيمن تقدم قبلنا من الامم بل كانوا منقادين لهم محبين كما وصفهم الله تعالى فى كتابه(5/244)
{ اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله } والفقيه اذا كان مبغوضا بين الناس فما ظنك بالعالم بالله الا تراهم اذا وجدوا الرجل كاملا في العلوم الظاهرة والباطنة متفردا فى فنه متميزا من جنسه متفوقا على اقرانه فمن قائل فى حقه انه زنديق ومن قائل انه مبتدع وقلما تسمع من يقول انه صديق فانظر الى غيرة الله تعالى كيف ستره عن الاغيار واخفى سره عن الاشرار : قال الحافظ
معشوق عيان ميكذرد برتو وليكن ... اغيار همى بيند ازان بسته نقابست
قال رويم من المشايخ الكرام لا يزال الصوفية بخير ما تنافروا فاذا اصلحوا هلكوا وذلك لانه لو قبل بعضهم بعضا ابقى بعضهم مع بعض وسكن بعضهم الى بعض والسكون الى غير الله تعالى عند الخواص من قبيل عبادة الاصنام عند العوام وهذا التبرى بين الصوفية المحققين ليس كالتبري بين اليهود والنصارى لان تبريهم فى الحق للحق وتبرى هؤلاء فى الباطل للباطل والحاصل ان من الخلاف ما كان مذموما وما كان ممدوحا فالمذموم هو ما كان في العقائد واصول الدين والممدوح هو ما كان فى الاعمال وفروع الدين كما قال عليه السلام « اختلاف الائمة رحمة » وعن علي كرم الله وجهه قال له يهودي ما دفنتم نبيكم حتى اختلفاختلفتم فقال انما اختلفنا عنه لا فيه ولكنكم ما جفت ارجلكم من البحر حتى قلتم لنبيكم اجعل لنا آلها كما لهم وهذا من الاجوبة المسكتة والله يقول الحق وهو يهدى السبيل(5/245)
وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20)
{ ويقولون } اى كفار مكة { لولا } للتحضيض مثل هلا { انزل عليه } على محمد عليه الصلاة والسلام { آية } معجزة { من ربه } كانوا يقولون ان القرآن يمكن معارضته كما دل عليه قولهم لو نشاء لقلنا مثل هذا ويقترحون اشياء اخرى سوى القرآن لتكون معجزة مثل اليد والعصا وتفجير الانهار وغيرها
كفت اكر آسان ثمايد اين بتو ... انجنين يك سورة اى سخت رو
{ فقل } لهم فى الجواب { انما الغيبة لله } اللام للاختصاص العلمى دون التكوينى فان الغيب والشهادة فى ذلك الاختصاص سيان . والمعنى ان ما اقترحتموه وزعمتم انه من لوازم النبوة وعلقتم عليه ايمانكم من الغيوب المختصة بالله سبحانه لا وقوف لى عليه ولو علم الصلاح فى زيادة الآيات لا نزل وفى التأويلات النجمية الغيب هو عالم الملكوت الذى ينزل منه الآيات ويظهر منه المعجزات بانزال الله تعالى واظهاره فهو لله وبحكمه ينزل الآيات منه متى شاء كما شاء { فانتظروا } لتزول ما اقترحتموه { انى معكم من المنتظرين } لما يفعل الله بكم بجحودكم ما نزل عليّ من الآيات العظام واقتراحكم غيره وقد امهلهم الله سبحانه ليأخذ الظالم منهم اخذ عزيز مقتدر وقد يعجل عقوبة من يشاء [ آورده اندكه سهسا لارى بود ظالم وباتباع خود بخانه يكى از مشايخ كبار فرود آمد خداوندخانه كفت من منشورى دارم بخانه من فرود ميا كفت منشورى بنماى شيخ در خانه رفت ومصحفى عزيز داشت ودربيش بيا ورد وباز كرد اين آيت برآمد كه { يا ايها الذين منوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على اهلها } سهسالار كفت من بنداشتم كه منشورا اميردارى بدان التفات نكرد ودرخانه شيخ فرود آمد آن شب قولنجش بكرفت وهلاك شد ] وفيه اشارة الى ان حضرة القرآن ليس كسائر الآيات فمن رده واستحقره فقد تعرض لسخط الله تعالى اشد التعرض كما ان من قبله وعظمه صورة بالرفع والمس على الطهارة ونحو ذلك ومعنى بالعمل بما فيه والتخلق باخلاقه نال من الله كل ما يتمناه -حكى- انعثمان الغازى جد السلاطين العثمانية انما وصل الى ما وصل برعاية كلام الله تعالى وذلك انه كان من اسخياء زمانه يبذل النعم للمترددين فثقل ذلك على اهل قريته ونغصوا عليه فذهب ليشتكى من اهل القرية الى الحاج بكتاش او غيره من الرجال فنزل بيت رجل قد علق فيه مصحف فسأل عنه فقالوا هو كلام الله تعالى فقال ليس من الادب ان نقعد عند كلام الله تعالى فقام وعقد يديه مستقبلا اليه فلم يزل قائما الى الصبح فلما اصبح ذهب الى طريقه فاستقبله رجل وقال انا مطلبك ثم قال له ان الله تعالى عظمك واعطاك وذريتك السلطنة بسبب تعظيمك لمكلامه ثم امر بقطع شجرة وربط برأسها منديلا وقال ليكن ذلك لواء ثم اجتمع عنده جماعة فجعل اول غزوته بلاجك وفتح بعناية الله تعالى ثم اذن له السلطان علاء الدين فى الظاهر ايضا فصار سلطانا ثم بعد ارتحاله صار ولده اورخان سلطانا ففتح هو بروسة المحروسة بالعون الآلى فمن ذلك الوقت الى هذا الآن الدولة العثمانية على الازدياد بسبب تعظيمه كتاب الله وكلامه القديم كذا فى الواقعات المحمودية فليلازم العاقل تعظيم القرآن العظيم ليزداد جاهه ورتبته وليحذر من تحقيره لئلا ينتقص شأنه وهيبته ألا ترى ان السلطان محمد الرابع واعوانه لما رفضوا العمل بالقرآن واخذوا بالظلم والعدوان سلط الله عليهم وعلى الناس بسببهم القحط والخوف فخرج من ايديهم اكثر القلاع المعمورية الرومية واستولى الكفار الى ان طمعوا فى القسطنطينية واشتد الخوف الى ان قال الناس اين المفر وكل ذلك وقع من القرناء السوء فانهم كانوا يحثون السلطان على الجريان بخلاف الشرع(5/246)
اى فغان از يار ناجنس اى فغان ... همنشين نيك جوييد اى مهان
اى بسا مهتر بجه از شور وشر ... شد زفعل زشت خود تنك بدر
اللهم اجعلنا من المعتبرين واجعلنا من المتبصرين(5/247)
وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21)
{ واذا اذقنا الناس } اى اهل مكة { رحمة } صحة وسعة { من بعد ضراء } كقحط ومرض { مستهم } اصابتهم وخالطتهم حتى احسوا بسوء اثرها فيهم واسناد المساس الى الضراء بعد اسناد الاذاقة الى ضمير الجلالة من الآداب القرآنية كما فى قوله تعالى { واذا مرضت فهو يشفين } ونظائره واذا للشرط وجوابه قوله { اذا } للمفاجأة { لهم مكر فى آياتنا } فى فاجأوا فى وقت اذاقة الرحمة وقوع المكر منهم بالطعن فى الآيات والاحتيال فى دفعها وسارعوا اليه قبل ان ينفضوا عن رؤوسهم غبار الضراء قيل قحط اهل مكة سبع سنين حت كادوا يهلكون ثم رحمهم الله وانزل الغيث على اراضيهم فطفقوا يقدحون فى آيات الله ويكيدون رسوله قال مقاتل لا يقولون هذا رزق الله وانما يقولون سقينا بنوء كذا وكانت العرب تضيف الامطار والرياح والحر والبرد الى الساقط من الانواء جمع نوء وهى ثمانية وعشرون مزل ينزل القمر كل ليلة فى منزل منها ويسقط فى المغرب نجم واحد من تلك المنازل الثمانية والعشرين فى كل ثلاثة عشر يوما مع طلوع الفجر ويطلع رقيبه من المشرق فى ساعته فى مقابلة ذلك الساقط وهذا فى غير الجبهة فان لها اربعة عشر يوما فينقضى الجميع بانقضاء السنة اى مع انقضاء ثلاثمائة وخمسة وستين يوما لان ثلاثة عشر فى ثمانى وعشرين مرة تبلغ هذا القدر من العدد وانما سمى النجم نوأ لانه اذا سقط الساقط منها بالمغرب فالطالع بالمشرق ينوء اى ينهض ويطلع فلما انجاهم الله من القحط لبسوا الامر على اتباعهم واضافوا ذلك المطر الى الانواء لا الى الله لئلا يشكروا الله ولا يؤمنوا بآياته فقيل هذا هو المراد بمكرهم فى آيات الله ومن لا يرى الامطار الا من الانواء كان كافرا بخلاف من يرى انها بخلق الله والانواء وسائط وامارات بجعله تعالى كما قال فى الروضة المؤثر هو الله تعالى والكواكب اسباب عادية : قال الحافظ
كررنج بيشت آيد وكرراحت اى حكيم ... نسبت مكن بغير كه اينها خذا كند
{ قل الله اسرع مكرا } اى اعجل عقوبة اى عقابه اسرع وصولا اليكم مما يأتى منكم في دفع الحق وتسمية العقوبة بالمكر لوقوعها فى مقابلة مكرهم وجودا فيكون من باب تسمية الشئ باسم سببه او ذكرا فيكون من باب المشاكلة -روى- عن مقاتل انه تعالى قتلهم يوم بدر وجازى مكرهم فى آياته بعقاب ذلك اليوم فكان اسرع فى اهلاكهم من كيدهم فى اهلاكه عليه السلام وابطال آياته والمكر اخفاء لكيد وارادة الله خفية عليهم وارادتهم ظاهرة
توكل على الرحمن واحتمل الردى ... ولا نخش مما قد يكيد بك العدى
{ ان رسلنا } الذين يحفظون اعمالكم وهم الكرام الكاتبون وفيه التفاوت اذ لو جرى على اسلوب قوله(5/248)
{ قل الله } لقيل ان رسله { يكتبون ما تمكرون } اى مكركم او ما تمكرونه وهو تحقيق للانتقام وتنبيه على ان ما دبروا اخفاءه لم يخف على الحفظة فضلا عن ان يخفى على الله وفيه تصريح بان للكفار حفظة فان قيل فالذي يكتب عن يمينه اى شيء يكتب ولم يكن لهم حسنة يقال ان الذي عن شماله يكتب باذن صاحبه ويكون شاهدا على ذلك وان لم يكتب كما فى البستان واختلفوا فى عددهم فقال عبد الله بن المبارك هم خمسة اثنان بالنهار واثنان بالليل واحد لا يفارقه ليلا ولا نهارا فثبت بهذا ان افعال الناس واقوالهم سواء كانوا مؤمنين او كافرين مضبوطة مكتوبة للالزام عليهم يوم القيامة وان المكر والحيلة لا مدخل له فى تخليص الانسان من مكروه بل قد قالوا اذا ادبر الامر كان العطب فى الحيلة فمن ظن نجاته فى المكر كان كثعلب ظن نجاته فى تحريك ذنبه وانما المنجى هو القدم وهو ههنا العمل الصالح بعد الايمان لكامل والعاقل يتدارك حاله قبل وقوع القضاء [ علاج واقعه بيش ازوقوع بايد كرد ] قال زياد وليس العاقل الذى يحتال للامر اذا وقع فيه ولكن العاقل الذى يحتال للامور حذرا ان يقع فيها : قال السعدى قدس سره
توبيش ازعقوبت درعفو كوب ... كه سودى نداردفغان
كنون كرد بايد عمل را حساب ... نه روزى كه منشور كردد كتاب
والاشارة فى الآية { واذا اذقنا الناس رحمة } اى اذقناهم ذوق توبة او انابة او صدق طلب او وصول الى بعض المقامات او ذوق كشف وشهود { من بعد ضراء مستهم } وهو الفسق والفجور والاخلاق الذميمة وحجب اوصاف البشرية وصفات الروحانية { اذا لهم مكر فى آياتنا } باظهارها مع غير اهلها للشرف بين الناس وطلب الجاه والقبول عند الخلق واستتباعهم والرياسة عليهم وجذب المنافع منهم { قل الله اسرع مكرا } اى اسرع فى ايصال مجازاة مكرهم اليهم باستدراجهم من تلك المقامات والمكرمات الى دركات العبد وتراكم الحجب من حيث لا يعلمن { ان رسلن يكتبون ما تمكرون } اى غير خاف علينا قدر مراتب مكرهم فنجازيهم على حسب ما يمكرون كما فى التأويلات النجمية وقد رؤى من اهل هذه الطريقة كثر ممن مشى على الماء والهواء وطويت له الارض ثم رد الى حاله الاولى وقد يمشى المستدرج على الماء والهواء وتزوى له الارض وليس عند الله بمكان لانه ليست عنده هذه المراتب نتائج مقامات محمودة وانما هى نتائج مقامات مذمومة قامت به ارادة الحق سبحانه ان يمكر به فى ذلك الفعل الخارق للعادة وجعله فتنة عليه وتخيل انه انما اوصله اليها ذلك الفعل الذى هو معصية شرعا وانه ما وقف على حقيقة ما اتفق له وغفل المسكين عن موازنة نفسه بالشريعة نسأل الله تعالى ان لا يجعلنا ممن زين له سوء عمله فرآه حسنا فيستمر على ذلك الفعل كذا في مواقع النجوم : قال الحافظ قدس سره
زاهد ايمن مشواز بازئ غيرت زنهار ... كه ده از صومعة تادير مغان اين همه نيست
وقال من تخلص من العقبات ألا ترى ان الواصل قليل بالنسبة الى المنقطع ولا بد فى قطعها من مرشد كامل ومؤدب حاذق : وفى المنثوى
دربناه شيركم نايد كباب ... روبها توسوى جيفهكم شتاب
جون كرفتى بيرهن تسليم شو ... همجو موسى زير حكم خضررو(5/249)
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22)
{ هو } اى الله تعالى { الذي يسيركم } من التسيير والتضعيف فيه للتعدية يقال سار الرجل وسيرته انا وهو بالفارسية [ برفتن آوردن ] والمعنى [ مى رائد وقدرت مى دهد قطع مسافت شمارا ] { فى البر } على الاقدام وظهر الدواب من الخيل والبغال والحمير والابل { والبحر } علىلسفن الكبيرة والصغيرة المعبر عنها بالفارسية [ كشتى وزورق ] وفيه اشارة الى ان المسير فى الحقيقة هو الله تعالى لا الريح فان الريح لا يتحرك بنفسه بل له محرك الى ان ينتهى الى المحرك الاول الذى لا محرك له ولا يتحرك هو فى نفسه ايضا بل هو منزه عن ذلك وعما يضاهيه سبحانه وتعالى ومن عرف ذلك وقطع الاعتماد على الريح فى استواء السفينة وسيرها تحقق بحقائق توحيد الافعال والا بقى فى الشرك الخفى : قال السعدى قدس سره
قضا كشتى آنجا كه خواهد برد ... وكر ناخذا جامه برتن درد
وقال الحافظ قدس سره
من از بيكانكان ديكر ننالم ... كه بامن هرجه كرد آن آشنا كرد
{ حتى اذا كنتم فى الفلك } غاية لقوله يسيركم فى البحر فان قيل غاية الشيء تكون بعده والحال ان السير فى البحر يكون بعد الكون فى الفلك قلنا ليس الغاية مجرد الكون فى الفلك بل هى الكون فى الفلك مع ما عطف عليه من قوله { وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها } فان هذا المجموع بعد السير فى البحر { وجرين } اى الفلك لانه جمع مكسر بمعنى السفن وتغييره تقديري بناء علىن ضمته كضمة اسد جمع اسد وضمة مفرده كضمة قفل { بهم } اى بالذين فيها والالتفات فى بهم للمبالغة فى التقبيح والانكار عليهم كانه يذكر لغيرهم حالهم ليعجبهم منها ويحملهم على الانكار والتقبيح { بريح طيبة } لينة الهبوب موافقة لمقصدهم { وفرحوا بها } بتلك الريح لطيبها وموافقتها { جاءتها } اى تلقت الريح الطيبة واستولت عليها من طرف مخالف لها فان الهبوب على وفقها لا يسمى مجيئا لريح اخرى عادة بل هو اشتداد للريح الاولى { ريح عاصف } يقال عصفت الريح اى اشتدت فهى ريح عاصفة اى شديدة الهبوب ولم يقل عاصفة لاختصاص الريح بالعصوف فلا حاجة الى الفارق { وجاءهم الموج } وهو ما ارتفع من الماء { من كل مكان } اى من امكنة مجيء الموج عادة ولا بعد فى مجيئه من جميع الجوانب ايضا اذ لا يجب ان يكون مجيئه من جهة هبوب الريح فقط بل قد يكون من غيرها بحسب اسباب تتفق واليه مال الكاشفي حيث قال : يعنى [ ازجب وراست وبيش وبس ] { وظنوا انهم احيط بهم } اى هلكوا فان ذلك فى الهلاك واصلة احاطة العدو بالحى { دعوا الله } بدل من ظنوا بدل اشتمال لان دعاءهم ملابس لظنهم الهلاك ملابسة الملزوم { مخلصين له الدين } من غير ان يشركوا به شيئا من آلهتهم فان اخلاص الدين والطاعة له تعالى عبارة عن ترك الشرك وهذا الاخلاص ليس مبنيا على الايمان بل جار مجرى الايمان الاضطرارى وقيل المراد بذلك الدعاء قولهم اهيا شراهيا فان تفسيره يا حى يا قيوم وهذا الاسمان من اوراد البحر كما سبق فى تفسير آية الكرسى { لئن أنجيتنا } اللام موطئة للقسم على ارادة القول اى دعوا حال كونهم قائلين والله لئن انجيتنا { من هذه } الورطة { لنكونن } البتة بعد ذلك ابدا { من الشاكرين } لنعمك التى من جملتها هذه النعمة المسئولة وهى نعمة الانجاء وذلك باتباع اوامرك والاجتناب عن مساخطك لا نكفر نعمتك بعبادة غيرك(5/250)
فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)
{ فلما انجيناهم مما غشيهم من الكربة اجابة لدعائهم والفساد للدلالة على سرعة الاجابة { اذا هم يبغون فى الارض } اى فاجأوا الفساد فيها وسارعوا الى ما كانوا عليه من التكذيب والشرك والجراءة على الله تعالى وزيادة فى الارض للدلالة على شمول بغيهم لاقطارها { بغير الحق } اى حال كونهم ملتبسين بغير الحق قال الكاشفى [ تأكيدست يعنى فساد ايشان بغير حق است هم باعتقاد ايشان جه ميدانندكه دران عمل مبطلند ] فيكون كما فى قوله تعالى { ويقتلون النبيين بغير الحق } وقد سبق فى سورة البقرة { يا ايها الناس } الباغون { انما بغيكم } الذى تتعاطونه وهو مبتدأ خبره قوله تعالى { على انفسكم } او وباله راجع عليكم وجزاؤه لاحق بكم لا على الذين تبغون عليهم وان ظن كذلك { متاع الحيوة الدنيا } نصب على انه مصدر مؤكد لفعل مقدر بطريق الاستئناف اى تتمتعون متاع الحياة الدنيا اياما قلائل فتفنى الحياة وما يتبعها من اللذات وتبقى العقوبات على اصحاب السيئات هركه اوبد ميكند بى شبهة باخود ميكند { ثم الينا مرجعكم } فى يوم القيامة لا الى غيرنا { فننبئكم بما كنتم تعملون } فى الدنيا على الاستمرار من البغى وهو وعيد بالجزاء كقول الرجل لمن يتوعده سأخبرك بما فعلت عبر عن اظهاره بالتنبئة لما بينهما من الملابسة فى انهما سببان للعلم وفى الآية الكريمة اشارات . منها ان الفلك نعمة من الله تعالى اذ قد يحتاج الناس الى عبور البحر به ولذا امتن الله عليهم بالتسيير فى البحر قال فى انوار المشارق يجوز ركوب البحر للرجال والنساء كذا قاله الجمهور وكره ركوبه للناء لان الستر فيه لا يمكنهن غالبا ولا غض البصر من المتصرفين فيه ولا يؤمن انكشاف عوراتهن فى تصرفتهن لا سيما فيما صغر من السفن مع ضرورتهن الى قضاء الحاجة بحضرة الرجال انتهى وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما يرفعه الى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم « لا تركب البحر الا حاجا او معتمرا او غازيا فى سبيل الله فان تحت البحر نارا او تحت النار بحرا » قوله فان تحت البحر نارا اشارة الى ان راكبه متعرض للآفات المهلكة كالنار . وقوله وتحت النار بحرا اراد به تهويل امر البحر وخوف الهلاك منه كما يخاف من ملامسة النار وان اختيار ذلك لغرض من الاغراض الفانية سفه وجها لان فيه تلف النفس وبذل النفس لا يجمل ا فيما يقرب العبد الى الله وهذا الحديث يدل على وجوب ركوب البحر للحج والجهاد اذا لم يجد طريقا آخر ومن ركب البحر واصابه نصب ومشقة كدوران الرأس وغثيان المعدة وغير ذلك فله اجر شهيد ان كان يمشى الى طاعة الله كالغزو والحج وطلب العلم وزيادة الاقارب واما التجار فان لم يكن طريق سوى البحر وكانوا يتجرون للقوت لا لجمع المال فهم داخلون فى هذا الاجر .(5/251)
والغريق له اجر شهيدين . احدهما لقصد ما فيه طاعة . وثانيهما للاغراق وفى الحديث « حجة لمن يحج خير من عشر غزوات وغزوة لمن قد حج خير من عشر حجج وغزوة فى البحر خير من عشر غزوات فى البر ومن فاته الغزو معى فليغز فى البحر » يقول الفقير واما الصوم فعلى عكس ذلك والله اعلم لان الصوم فى البحر سهل حيث لا يشتهى الطبع الطعام لاجل الدوران والغثيان بخلافه فى البر وقوة الاجر بكثرة التعب وكذا الغزو فى البر سهل بالنسبة الى البحر لسعة الارض وامكان التحفظ من العدو وقوة المزاج ولم يكن ذلك فى البحر قيل لبحار ما اعجب ما رأيت من عجائب البحر قال سلامتى منه ونعم ما قيل
بدريارد منافع بى شمارست ... اكرخواهى سلامت در كنار ست
قال السعدى قدس سره
سود دريانيك بودى كرنبودى بيم موج ... صحبت كل خوش بدى كرنيستى تشويش خار
-لطيفة- ركب نحو سفينة فقال للملاح اتعرف النحو قال لا قال ذهب نصف عمرك فهاجت الريح واضطربت السفينة فقال الملاح اتعرف السباحة قال لا قال ذهب كل عمرك وفى المثنوى
محو مى بايد نه نحو اينجابدان ... كرتو محوى بى خطر درآب ران
آب دريا مرده را برسر نهد ... وربود زنده زدريا كى رهد
جون بمردى توز اوصاف بشر ... بحر اسرارات نهد بر فرق سر
اى كه خلقان راتوخر مى خواندة ... اين زمان جون خربرين يخ ماندة
ومنها ان البغى والفساد والتعصب والعناد وكفران نعمة رب العباد انما هو من نسيان العهد مع الله ذى الامداد ونتيجة النسيان والاصرار على الآثام المؤاخذة والانتقام وفى الحديث « ثنتان يعجلهما الله فى الدنيا البغى وعقوق الوالدين » وفى الحديث « لا تمكر ولا تغن ماكرا ولا تبغ ولا تعن باغيا ولا تنكث ولا تعن ناكثا » فالبغاة من القضاة والولاة لا يجوز اعانتهم فى امر من الامور فى اجراءالاحكام الشرعية فقد ورد ( من اعان ظالما سلط الله عليه ) وفى الحديث طما من عبد ولاه الله امر رعيته فغشهم ولم ينصح لهم ولم يشفق عليهم الا جرم الله عليه الجنة « قال السعدى قدس سره
رعيت جوبينجند سلطان درخت ... درخت اى بسرباشد ازبيح سخت
مكن تاتوانى دل خلق ريش ... وكر ميكنى ميكنى بيخ خويش
كرانصاف برسى بداختر كسست ... كه در راحتش رنج ديكر كسست
ثماند ستمكار بد روز كار ... بماند بر ولعنت بإيدار
ومنها ان لكل عمل صورة حقيقية بها يظهر فى النشأة الآخرة فان كان خيرا فعلى صورة حسنة وان كان شرا فعلى صورة قبيحة وهذه الصورة المختلفة برزت فى هذه النشأة على خلاف ما هى عليه فى الآخرة ولذا استحسن العصاة المعاصى واستحلوها وان كانت سموما قاتلة واستكرهوا الطاعات ووجدوها مرة المذاق وان كانت معاجين نافعة فالبغى برز فى هذه الدار بصورة مشتهاة عند البغاة لتمتعهم به من حيث اخذ المال والتشفى من الاعداء ونحو ذلك وسينبئهم الله باعمالهم اى يظهرها لهم على صورها الحقيقية فيرون ان الامر على خلاف ما ظنوا(5/252)
إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)
{ انما مثل الحيوة الدنيا } اى حالهم العديبة وسميت الحال العجيبة مثلا تشبيها لها بالمثل السائر فى الغرابة { كما انزلنا من السماء فاختلط به من نبات الارض } اى اختلط بسبب المطر نبات الارض واشتبك بعضه فى بعض وكثف { مما يأكل الناس } حال من النبات اى كائنا مما يأكل الناس من الزروع والبقول { والانعام } من الحشيش { حتى } غاية للاختلاط باعتبار الجزاء الذي هو اتيان الامر الالهى { اذا اخذت الارض زخرفها } زينتها وحسنها { وازينت } باصناف النبات واشكالها والوانها المختلفة كعروس اخذت من الوان الثياب والزين فتزينت بها فالارض استعارة بالكناية حيث شبهت بالعروس واثبت لها ما يلائم العروس وهو اخذ الزينة وهو قرينة الاستعارة بالكناية . وقوله ازينت ترشيح واصله تزينت فادغمت التاء فى الزاى فاجتلبت عمزة الوصل لضرورة تسكين الزاى عند الادغام { وظن اهلها } اى اهل تلك الارض { انهم قادمون عليها } متمكنون من حصدها ورفع غلتها { اتيها امرنا } جواب اذا قال الكاشفى [ ن كاه آمد بدان زمين عذاب ما يعنى فرمان ما بخرابى آن زمين دررسيد ] { ليلا او نهارا فجعلناها } اى زروع تلك الارض وسائر ما عليها فالمضاف محذوف للمبالغة { حصيدا } شبيها بما حصد من اصله { كان لم تغن } زروعها اى لم تنبت { بالامس } وهو مثل فى الزمان القريب وليس المراد امس يومه كأنه قيل لم تغن آنفا ويقال للشيء اذا فنى كان لم يغن لالامس اى كأن لم يكن وهو من باب علم يقال غنى بالمكان اذا قام به والجملة حال من مفعول جعلناها { كذلك } الكاف صفة مصدر محذوف اى مثل ذلك التفصيل البديع { نفصل الآيات } القرآنية التى من جملتها هذه الآيات المنبهة على احوال الحياة اى نوضحها ونبينها { لقوم يتفكرون } فى تضاعيفها ويقفون على معانيها وتخصيص تفصيلها بهم لانهم المنتفعون بها واعلم ان التشبيه الواقع فى هذه الآية تشبيه مركب وان دخل الكاف على المفرد وهو الماء لانه شبهت الهيئة المنتزعة من اجتماع الحياة وبهائها وسرعة انقضائها بعد اغترار الناس بها بلهيئة المنتزعة من اجتماع خضرة الارض ونضارتها وانعدامها عقيبها بآفة سماوية ومشيئة آلهية
بنكر بآنكه روى زمين فصل نوبهار ... مانند نقش خامه ما نى مزينست
وقت خزان ببرك رياحين جوبنكرى ... منصف شوى كه لائق برباددادنست
وقال بعضهم مثلت الحياة الدنيا بالماء لان الماء يتغير بالمكث فكذا المال بالامساك اى يصير مذموما عند البخل : كما قال فى المثنوى
ما جون آبست وتاباشد روال ... فيضها يابند ازواهل جهان
جندروزى جون كنديكجادرنك ... كنده وبيحاصلست وتيره رنك
يقول الفقير من البخل ايضا حبس الكتب ممن يطلبها الانتفاع بها لا سيما مع عدم التعدد لنسخها الذى هو اعظم اسباب المنع والوعيد المذكور فى قوله عليه السلام(5/253)
« من كتم علما يعلمه الجم يوم القيامة بلجام من نار » يشمل ما ذكرنا كما فى المقاصد الحسنة . وقدرأينا فى زماننا من يمنع الكتب عن المستحقين ويحبس بعض الثياب فى الصندوق الى ان يبلى ويفنى لا يلبس ولا يبيع ولا يهب ولو قلت فيه لقال انى ورثته من ابى او امى فاحفظه تبركا فانظر الى هذا الجهل الذى لا يغنى عنه شيأ وقال بعضهم فى وجه المماثلة المطر اذا نزل بقدر الحاجة نفع واذا جاوز حد الاعتدال ضر فكان المال اذا كان قدر ما يندفع به الضرورة ويحصل به مقاصد الدين والدنيا كان نافعا واذا كان زائدا على قدر الحاجة صار موجبا لارتكاب المعاصى ووسيلة للتفاخر على الادانى والاقاصى قال الله تعالى { ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى }
توانكرى كشدت سوى عجب ونخوت وناز ... خوشست فقر كه دارد هزار سوز ونياز
وقال بعضهم [ جون باران بنهال كل رسد لطافت وطراوت اوبيفزايد وجون بخاربن كذرد حدت وشوكت او زيادت كند مال دنيا نيز جون بمصلح صلاح اوبيفزايد ] ( كما فى الحديث نعم المال الصالح للرجل الصالح ) [ واكر بدست مفسد افتدمايه فساد وعناد اوروى بازدياد نهد ] كما ان العلم النافع سيف قاطع لصاحبه فى قتل الهوى والعلم الغير النافع سبب لقطع طريق صاحبه عن الحق فما احسن الاول وما اقبح الثاني وقال بعضهم [ جون آب باران بزمين رسد قرار نكيرد وبلكه باطراف وجوانب روان كردد مال دنيا نيزيكجا قرار نكيرد بلكه هرروز دردست ديكرى باشد وهو شب بايكى عقد مواصلت بندد نه عهد اورا وفايى ونه وفاى اورا بقايى ]
كنج امان نيست درين خاكدان ... مغز وفانيست درين استخوان
كهنه سراييست بصد جاكرو ... كهنه واندر كرو نوبنو
وسئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن الدنيا فقال « دنياك ما يشغلك عن ربك » اقول ان الدنيا كلامّ تربى الناس كالاولاد فمن اشتغل بلام كالطفل عن المعلم بقى جاهلا وصار كأنه اتخذها صنما لنفسه يعبده ومن اشتغل بالمعلم عن الام صار عالما وتخلص من عبادة الهوى ووصل الى المقصود . فذم الدنيا انما هو بحسب اشتغاله عن الله تعالى لا بحسب نفسها . قيل حد الدنيا من القاف الى القاف وقال اهل التحقيق حدها فى الحقيقة من مقعر الكرسى الى تحت الثرى فما يتعلق بعالم الكون والفساد فمن حد الدنيا فالسموات والارضون وما فيهما من عالم الكون والفساد يدخل فى حد الدنيا واما العرش والكرسى وما يتعلق بهما من الاعمال الصالحة والارواح الطيبة والجنة وما فيها فمن حدة الآخرة عصمنا الله واياكم من التعلق بغيره ايا كان وشرفنا بالتجرد التام عن عالم الامكان(5/254)
وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)
{ والله } اسم للذات الاحدية جامع لجميع الاسماء والصفات ومن ثمه توسل به بعضهم الى دخةل عالم الحقيقة وقال رجل للشبلى قدس سره لم تقول الله ولا تقول لا اله الا الله فقال اخشى ان اوخذ فى وحشة الجحد { يدعو } الناس جميعا على لسان رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم وعلى السنة ورثته الكمل الذين اتبعوه قولا وفعلا وحالا من الدار التى اولها البكاء واوسطها العناء وآخرها الفناء { الى دار السلام } اى الى دار السلامة من كل مكروه وآفة وهى الجنة اولها العطاء واوسطها الرضاء وآخرها اللقاء -حكى- ان بعض ملوك الامم السالفة بنى مدينة وتأنق وتغالى فى حسنها وزينتها ثم صنع طعاما ودعا الناس اليه واجلس اناسا على ابوابها يسألون كل من خرج هل رأيتم عيبا فيقولون لا حتى جاء اناس فى آخر الناس عليهم اكسية فسألوهم هل رأيتم عيبا فقالوا عيبين اثنين فحبسوهم ودخلوا على الملك فاخبروه بما قالوا فقال ما كنت ارضى بعيب واحد فائتونى بهم فادخلوهم عليه فسألهم عن العيبين ما هما فقالوا تخرب ويموت صاحبها فقال أفتعلمون دارا لا تخرب ولا يموت صاحبها قالوا نعم فذكروا له الجنة ونعيمها وشوقوه اليها وذكروا النار وعذابها وخوفوه منها ودعوه الى عبادة الله تعالى فاجابهم الى ذلك وخرج من ملكه هاربا تائبا الى الله تعالى
والله يدعو آمده آزادئ زندانيان ... زندانيان غمكين شده كويى بزندان ميكشى
شاهان سفيهانرا همه دربند زنداد ميكشند ... توازجه اززندان شان سوى كلستان ميكثى
وفى الحديث « ما من يوم تطلع فيه الشمس الا وبجنبيها ملكان يناديان بحيث يسمع كل الخلق الا الثقلين ايها الناس هلموا الى ربكم والله يدعو الى دار السلام » والمقصود الى العمل المؤدى الى دخول الجنة ولذا قال بعض المشايخ اوجب الله عليك وجود طاعته فى ظاهر الامر وما اوجب عليك بالحقيقة الا دخول جنته اذ لامر آيل اليها والاسباب عدمية وانما احتاجوا الى الدعوة والايجاب اذ لس فى اكثرهم من المروءة ما يردهم اليه بلا علة بخلاف اهل المروءة والمحبة والوفاء فانه لو لم يكن وجوب لقاموا للحق بحق العبودية وراعوا ما يجب ان يراعى ن حرمة الربوبية ويجوز ان يكون المعنى الى دار الله تعالى فان السلام اسم من اسمائه سبحانه والاضافة للتشريف كبيت الله ومعنى السلام فى حقه تعالى انه اسلم ذاته من العيب وصفاته من النقص وافعاله من الشر وفى حق العبد انه سلم من الغش والحقد والحسد وارادة الشر قلبه وسلم من الآثام والمحظورات جوارحه ولن يوصف بالسلام والاسلام الا من سلم المسلمون من لسانه ويده . او المعنى الى دار يسلم الله تعالى والملائكة على من يدخلها او يسلم بعضهم على بعضهم يقول الفقير دار السلام اشارة الى دار القلب السليم الذى سلم من التعلق بغير الله تعالى ومن دخلها كان آمنا من التكدر مطلقا بشيء من الامور المكروهة صورة وصارت النار عليه نورا وقد قيل جنة معجلة وهى جنة المعارف والعلوم وجنة مؤجلة وهى الموعودة فى دار القرار والجنة مطلقا دار السلامة لاولياء الله تعالى { ويهدى من يشاء } هدايته منهم { الى صراط مستقيم } موصل اليها وهو الاسلام والتزود بالتقوى عم بالدعوة لاظهار الحجة وخص بالهداية لاستغنائه عن الخلق وهذا العموم والخصوص فى سماع الدعوة وقبولها بالنسبة الى من كان له سمع كالعموم والخصوص فى رؤية المسك وشمعه بالاضافة الى من كان له بصر فرب رائى مزكوم ليس له الا الرؤية وكذا رب سامع ليس له من القبول شيء فمن تعلقت بهدايته ارادة الحق تعالى يسرت اسبابه وطوى له الطريق وحمل على الجادة فالداعى اولا وبالذات هو الله تعالى وثانيا وبالعرض هو الانبياء ومن اتبعهم على الحق اتباعا كاملا والمدعو هو الناس والمدعو اليه هو الجنة وكذا الهادى هو الله والمهدة بالهداية الخاصة هو الخواص والمهدى اليه هو الصراط المستقيم ومشيئته تعالى ارادته وهي صفة قديمة اتصفت بها ذاته تعالى كعلمه وقدرته وكلامه وسائر صفاته ويسمى متعلقها المراد المعبر عنه بالعناية فمن سأل بلسان الاستعداد كونه مظهرا للجلال امسك فى هذه النشأة عن اجابة الدعوة ومن سأل كونه مظهرا للجمال اسرع للاجابة والله تعالى يعطى كل شيء ما يستعده وهذه المشيئة والسؤال لا بد فى توفيقهما من قوة الحال : قال الحافظ(5/255)
درين جمن نكتم سرزنش بخود رويى ... جنانكه برورشم مى دهند مى رويم
واعلم ان قبول الدعوة لا بد فيه من علامة وهى التزهد فى الدنيا والسلوك الى طريق الفردوس الاعلى والتوجه الى الحضرة العليا ألا ترى الى ابن ادهم خرج يوما يصطاد فاثار ثعلبا او ارنبا فبينما هو فى طلبه هتف به هاتف ألهذا خلقت ام بهذا امرت ثم هتف به من قربوس سرجه والله ما لهذا خلقت ولا بهذا امرت فنزل عن مركوبه وصادف راعيا لابيه فاخذ جبة الراعى وهى من صوف فرسه وما معه ثم دخل البادية وكان من شانه ما كان
در راه عشق وسوسه اهر من بسيست ... هش دار وكوش دل بييام سروش كن
والانتباه الصورى اى من المنام مثال لالانتباه القلبى اىمن الغفلة فالقاعدون فى مقامات طبائعهم ونفوسهم كمن بقى فى النوم ابدا واليه الاشارة بقوله تعالى { فيمسك التى قضى عليها الموت } والسالكون هم المنتبهون من رقدة هذه الغفلة واليه الاشارة بقوله تعالى { ويرسل الاخرى الى اجل مسمى } وهو اللائح بالبال والله اعلم بحقيقة الحال قال فى التأويلات النجمية { والله يدعو الى دار السلام } يدعو الله ازلا وابدا عباده الى دار السلام وهى العدم صورة ظاهرا وعلم الله وصفته معنى وحقيقة وانما سمى العدم والعلم دار السلام لان العدم كان دارا قد سلكم المعدوم فيها من ىفة الاثنينية والشركة مع الله فى الوجود وهى دار الوحدانية وايضا لان السلام هو الله تبارك وتعالى والعلم صفته القائمة بذاته فالله تعالى بفضله وكرمه يدعو عباده ازلا من العدم الى الوجود ومن العلم وهو الصفة الى الفعل وهو الخلق ويدعوهم ابدا من الوجود الى العدم ومن الفعل الى العلم يدعوهم الى الوجود بالنفخة وهى قوله تعالى(5/256)
{ ونفخت فيه من روحى } ويدعوهم من الوجود الى العدم والعلم بالجذبة وهى قوله تعالى { ارجعى الى ربك } ولما دعى النبي صلى الله عليه وسلم بالجذبة الى علم الله الازلى الابدى قال « قد علمت ما كان وما سيكون » وذلك لانه صار عالما يعلم الله تعالى لا بعلم نفسه وهو سر قوله تعالى { علمك ما لم تكن تعلم } وانما علمه حين قال { فاعلم انه لا اله الا الله } اى فاعلم بعلم الله الذى دعيت بالجذبة اليه ان لا اله فى الوجود الا الله فان العلم الآلهى محيط بالوجود كله قال { قد احاط بكل شيء علما } فانت بعلمه محيط بالوجود كله فتعلم حقيقة ان ليس فى الوجود اله غير الله انتهى
يقول الفقير المتلقف من فم حضرة الشيخ سلمه الله تعالى ان الانتباه الصورى اشارة الى يقظة القلب ثم الحركة الى الوضوء اشارة الى التوبة والانابة ثم التكبيرة الاولى اشارة الى التوجه الالهى فحاله من الانتباه لى هنا اشار الى عبوره من عالم الملك وهو الناسوت والدخول فى عالم الملكوت ثم الانتقال الى الركوع اشارة الى عبوره من عالم الملكوت الى عالم الجبروت ثم الانتقال الى السجدة اشارة الىعبوره من عالم الجبروت والوصول الى عالم اللاهوت وهو نقام الفناء الكلى وعند ذلك يحصل الصعود الى وطنه الاصلى العلوى فالانتقالات تصعد فى صورة التنزل ثم القيام من السجدة اشارة الى حالة البقاء فانه رجوع الى القهقري وفيه تنزل فى صورة التصعد والركوع مقام قاب قوسين وهو مقام الصفات اى الذات الواحدية والسجدة مقام او ادنى وهو مقام الذات الاحدية ومن هذا التفصيل عرفت ما في التأويلات من الصعود والهبوط مرة بالدعوة من العلم الى الوجود ومرة بالدعوة من الوجود الى العلم فاذا لم يقطع السالك عقبات لعروج والنزول فهو ناقص فى برزخ بالنسبة لى من قطعها كلها وتلك العقبات هى تعينات الاجسام والارواح والعلم والعين على حسب تفصيل المراتب فيها فانظر الى قوله تعالى { لا يمسه الا المطهرون } تجد الاشارة الى ان الهوية الذاتية لا يمسها الالمطهرون من دنس تعلق كل تعين روحانيا كان او جسمانيا والله المعين
قال فى التأويلات { ويهدى من يشاء الى صراط مستقيم } فلما جعل الله دعوة الخلق من العلم الى الفعل ومن الوجود الى العدم ولعلم عامة جعل الهداية بالمشيئة الى العلم وهى الصراط المستقيم خاصة يعنى هو يهديهم بلجذبة الكاملة الى علمه القديم بمشيئته الازلية خاصة وهذا مقام السير فى الله بالله انتهى كلامه(5/257)
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)
{ للذين احسنوا } اعمالهم اى عملوها على الوجه اللائق وهو حسنها الوصفى المستلزم لحسنها الذاتى وقد فسره رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بقوله « ان تعبد الله كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك » يقول الفقير العبادة على وجه رؤية الله تعالى وشهوده والحضور معه لا تكون الا بعد غيبوبة الغير عن القلب وارتفاع ملاحظته جدا فيأول المعنى الى قولنا للذين اخلصوا اعمالهم عن الرياء وقلوبهم عن غير الله تعالى { الحسنى } اى المثوبة الحسنى وهى فى اللغة تأنيث الاحسن والعرب تطلق هذا اللفظ على الخصلة المرغوب فيها { وزيادة } اى وما يزيد على تلك المثوبة تفضلا لقوله تعالى { ويزيدهم من فضله } فالمثوبة ما اعطاه الله فى مقابلة الاعمال والزيادة ما اعطاه الله لا فى مقابلتها والكل فضل عندنا وقيل الحسنى مثل حسناتهم والزيادة عشر امثالها الى سبعمائة ضعف واكثر جمهور المحققين على ان الحسنى الجنة والزيادة اللقاء والنظر الى وجه الله الكريم وفى الحديث « اذا دخل اهل الجنة الجنة يقول الله تعالى تريدون شيئا ازيدكم فيقولون الم تبيض وجوهنا الم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار قال فيكشف لهم الحجاب فما اعطوا شيأ احب اليهم من النظر الى ربهم ثم تلا هذه الآية للذين احسنوا الحسنى وزيادة » رواه مسلم والترمذى والنسائى فان قيل لم سمى الله الرؤية زيادة والجنة الحسنى والنظر الى وجهه اكبر من الجنة والزيادة فى الدنيا تكون اقل من رأس المال قيل المراد بالزيادة فى الآية الزيادة الموعودة والموعودة الجنة فالزيادة ههنا ليست من جنس المزيد عليه وهى الجنة ودرجاتها فالزيادة من العزيز الاكبر اكبر واعز كما ان الرضوان من الكريم الاجود اكبر واجل وفي الخبر ( ان اهل الجنة اذا رأوا الحق نسوا نعيم الجنة ) وهذه الرؤية بعين الرأس واما فى الدنيا فبعين العين لغير نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم كما سبق عند قوله تعالى { لا تدركه الابصار } الآية وانما تحصل بارتفاع الموانع وهى حجب التعينات جسمانية او روحانية : قال الحافظ
جمال يار ندارد نقاب وبرده ولى ... غبار ره بنشان تا نظر توانى كرد
وذلك لان اللهتعالى ليس بمحجوب لانه لو حجبه لستره وهو ليس فى جهة ولا مكان وانما المحجوب انت ولو ازال لحق الحجاب عنا وشاهدناه نسينا الكون وما فيه كما ينسى اهل الجنة نعيمها عند التجلى فكان يفوت آن التعبد الشرعى ولذا لا نشاهد الحق فى دار الدنيا لانها مقام التكليف { ولا يرهق وجوههم } اى لا يغشاها . وبالفارسية [ بوشيدة نكر داند رويها بهشتيانرا ] { قتر } غبرة فيها سواد والقتر اشد من الغبار { ولا ذلة } اى اثر هوان وكسوف بال والغرض من نفى هاتين الصفتين نفى اسباب الخوف والحزن والذل عنهم ليعلم ان نعيمهم الذى ذكره الله خالص لا يشوبه شيء من المكروهات وانه لا يتطرق اليهم ما اذا حصل بغير صفحة لوجه ويزيل ما فيها من النضارة والحسن .(5/258)
والجملة مستأنفة لبيان امنهم من المكاره اثر بيان فوزهم بالمطالب والثانى وان اقتضى الاول الا انه ذكر اذكارا بما ينقذهم الله منه برحمته وتقديم المفعول على الفاعل للاهتمام ببيان ان المصون من الرهق اشرف اعضائهم { اولئك } [ آن كروه محسنان ] { اصحاب الجنة هم فيها خالدون } بلا زوال دائمون بلا انتقال
وفى التأويلات النجمية { للذين احسنوا الحسنى وزيادة } اى للذين عاملوا الله على مشاهدته فان الاحسان ان تعبد الله كانك تراه الحسنى وهى شواهد الحق والنظر اليه وزيادة والزيادة ما زاد على النظر بالوصول الى العلم الازلى مجذوبا من انانيته الى هويته بافناء الناسوتية فى اللاهوتية { ولا يرهق وجوههم قتر } اى لا يصيبهم غبار الحجاب { ولا ذلة } وجود يقتضى الاثنينية { اولئك اصحاب الجنة } جنة السير فى الله { هم فيها خالدون } دائمون فى السير بجذبات العناية(5/259)
وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27)
{ والذين كسبوا السيآت } اى ارتكبوا الشرك والمعاصى وهو مبتدأ بتقدير المضاف خبره قوله تعالى { جزاء سيئة بمثلها } والجزاء مصدر من المبنى للمفعول والباء فى بمثلها متعلقة بجزاء . والمعنى وجزاء الذين كسبوا السيآت ان يجازى سيئة واحدة بسيئة مثلها الا يزاد عليها كما يزداد فى الحسنة
قال فى الكشاف فى هذا دليل على ان المراد بالزيادة الفضل لانه دل بترك الزيادة على السيئة على عدله ودل ثمة باثبات الزيادة على المثوبة على فضله انتهى
يقول الفقير تبعه على هذا جمهور المفسرين ولكن تفسير رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كما سبق احق بان يتبع ويرجح ويقدم على الكل ولا مانع من ان يراد بالزيادة الفضل واللقاء فان اللقاء الذى هو افضل الكرامات اذا حصل فلأن يحصل ما هو دونه من الفضل ولتضعيف اظهر { وترهقهم } [ وببوشد ايشانرا ] اذا عاينوا النار { ذلة } [ خوارى ورسوايى يعنى آثار مذلت برايشان هويدا كردد ] وفى اسناد الرهق الى انفسهم دون وجوههم ايذان بانها محيطة بهم غاشية لهم جميعا { ما لهم من الله من عاصم } اى لا يعصمهم احد من سخطه تعالى وعذابه ولا يمنعه { كأنما اغشيت } البست . وبالفارسية [ كوبيا بوشيده شده است ] { وجوههم قطعا من الليل } لفرط سوادها وظلمتها { مظلما } : يعنى [ سياه كردد رويهاى ايشان ازغم واندوه جون شب تيره ] وقطعا بفتح الطاء جمع قطعة مفعول ثان لأغشيت وقرئ قطعا بسكون الطاء وهو اسم مفرد للشيء المقطوع فحينئذ يصح ان يكون مظلما صفة له لتطابقهما فى الافراد والتذكير { اولئك } [ آن كروه كه كاسب سيآتند ] يعنى مشركان ومنافقان { اصحاب النار هم فيها خالدون } اعلم ان دخول الجنة برحمة الله تعالى وقسمة الدرجات بالاعمال والخلود بالنيات فهذه ثلاثة مقامات وكذلك فى دار الشقاوة دخول اهلها فيها بعدل الله وطبقات عذابها بالاعمال وخلودهم بالنيات . يعنى ان المؤمن لما كانت نيته فى الدنيا ان يعبد الله ابدا ما عاش وكذا الكافر لما كانت نيته عبادة الاصنام ابدا ما عاش جوزى كل احد بتأبيد النية واصل ما استوجبوا به هذا العذاب المؤبد المخالفة كما كانت فى السعادة الموافقة وكذلك من دخل من العاصين النار لولا المخالفة ما عذبهم الله شرعا نسال الله لنا ولك وللمسلمين ان يستعملنا بصالح الاعمال ويرزقنا الحياء منه تعالى
قال ابو العباس الاقليشى لم اجد فى مقدار بقاء العصاة فى النار حدا فى صحيح الآثار غير ان الغزالى ذكر فى الاحياء حال عصاة الموحدين فقال ان بقاء العاصى فى النار لحظة واكثره سبعة آلاف عام لما ورد به الاخبار انتهى يقول الفقير لعل الحكمة فى ذلك كون تلك المدة عمر النوع الانسانى فاقتضى التشديد فى التربية بقاءه فى النار تلك المدة فالظاهر ان تلك السنين انما هى باعتبار سنى الآخرة التى كل يوم منها الف سنة كما فى حق الكفرة الا ان يتفضل الله تعالى على المؤمنين والله اعلم .(5/260)
وعذاب كل عاص كيفية وكمية انما هو على حسب حجابه كيفية وكمية ألا ترى الى قوله تعالى { كأنما اغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما } فانه باعتبار توجههم الى السفليات وهى الصفات الحيوانية والسبعية والشيطانية ظلمات بعضها فوق بعض نسال الله تعالى ان يجعلنا من الذين انتقلوا من معادنهم الطينية وخرجوا من رعونة البشرية والتحقوا بالعالم الاعلى وكل من صفت جوهرته ولطف معناه يكون هكذا بخلاف من انكدرت جوهرته وكثف معناه فلا بد لك من ان تضرم على النفس نار المجاهدة وتلقيها فى ابواط الرياضة فان الرجال الانجاد رضى الله عنهم ما اشتغلوا بتدبير جسومهم من حيث الشهوات وانما اشتغلوا بنفوسهم ان يخلصوها من رعونة الطبع حتى يلحقوها بعالمها ألا ترى سهلا التسترى وهو من رؤساء هذا الطريق وساداته لما قيل له ما القوت فقال ذكر الحى الذى لا يموت قيل له هذا قوت الارواح فما قوت الاشباح فقال دع الديار لى بانيها ان شاء عمرها وان شاء خربها فما احرم عبدا لم يوفقه الله لتخليص جوهرته نعوذ بالله من الحرمان : وفى المثنوى
اين رياضتها درويشان جراست ... كان بلا برتن بقاى جانهاست
مردن تن دررياضت زند كيست ... رنج اين تن روحرا بايند كيست
بس رياضت رابجان شو مشترى ... جون سبردى تن بخدمت جان برى(5/261)
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28)
{ ويوم نحشرهم } يوم منصوب على المفعولية بفعل مضمر الا انذرهم او ذكرهم وضمير نحشرهم لكلا الفريقين الذين احسنوا والذين كسبوا السيآت لانه المتبادر من قوله { جميعا } حال من الضمير اى مجتمعين لا يشذ منهم فريق { ثم نقول للذين اشركوا } اى نقول للمشركين من بينهم { مكانكم } نصب على انه فى الاصل ظرف لفعل اقيم مقامه لا على انه اسم فعل وحركته حركة بناء كما هو رأى الفارسى اى الزموا مكانكم حتى تنظروا ما يفعل بكم { أنتم } تأكيد للضمير المنتقل اليه من عامله لسده مسده { وشركاؤكم } عطف عليه { فزيلنا } من زلت الشيء عن مكانه ازيله اى ازالته والتضعيف فيه للتكثير لا للتعدية لان ثلاثيه متعد بنفسه وهذا التزييل وان كان مما سيكون يوم القيامة الا انه لتحقق وقوعه صار كالكائن الآن فلذلك جاء بلفظ الماضي بعد قوله نحشر ونقول اى ففرقتا { بينهم } وبين الآلهة التى كانوا يعبدونها وقطعنا العلائق والوصل التى كانت بينهم فى الدنيا فخابت اعمالهم وانصرمت عرى اطماعهم وحصل لهم اليأس الكلى من حصول ما كانوا يرجونه من جهتهم والحال وان كانت معلومة لهم ن حين الموت والابتلاء بالعذاب لكن هذه المرتبة من اليقين انما حصلت عند المشاهدة والمشافهة { وقال شركاؤهم } التى كانوا يعبدونها ويثبتون الشركة لها وهم الملائكة وعزير والمسيح وغيرهم ممن عبدوه من اولى العلم . وقبل الاصنام ينطقها الله الذى انطق كل شيء { ما كنتم ايانا تعبدون } مجاز من براءة الشركاء من عبادة المشركين حيث لم تكن تلك العبادة بامر الشركاء وارادتهم وانما الامر بها هو اهواؤهم والشياطين فالمشركون انما عبدوا فى الحقيقة اهواءهم وشياطينهم الذين اغووهم(5/262)
فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29)
{ فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم } فانه العالم بكنه الحال { ان } مخففة من ان واللام فارقة { كنا عن عبادتكم } لنا { لغافلين } والغفلة عبارة عن عدم الارتضاء والا فعدم شعور لملائكة بعبادتهم لهم غير ظاهر وهذا يقطع احتمال كون المراد بالشركاء الشياطين كما قيل فان ارتضاءهم باشراكم مما لا ريب فيه وان لم يكونوا مجبرين لهم على ذلك كذا فى الارشاد وهذا بالنسبة لى كون المراد بالشركاء ذوى العلم واما ان كان المراد الاصنام فمن اعظم اسباب الغفلة كونها جمادات لا حس لها ولا شعور البتة(5/263)
هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30)
{ هنالك } ظرف مكان اى فى ذلك المقام الدهش او فى ذلك الوقت على استعارة ظرف المكان للزمان { تبلو } من البلوى والاختبار . فى الفارسية [ بيازمودن ] اى تختبر وتذوق { كل نفس } مؤمنة كانت او كافرة سعيدة او شقية { ما اسلفت } اى قدمت من العمل فتعاين نفعه وضره واما ما عملت من حالها من حين الموت والابتلاء بالعذاب فى البرزخ فامر مجمل { وردوا } الضمير للذين اشركوا على انه معطوف على زيلنا وما عطف عليه وقوله تعالى { هنالك تبلو } الخ اعتراض فى اثناء المقرر لمضمونها { الى الله } اى جزائه وعقابه فان الرجوع الى ذاته تعالى مما لا يتصور { موليهم } ربهم { الحق } اى المتحقق الصادق ربوبيته لا ما اتخذوه ربا باطلا
قال اشليخ فى تفسيره مولاهم الحق الذى يتولى ويملك امرهم حقيقة ولا يشكل بقوله ( وان الكافرين لا مولى لهم ) لان المعنى فيه المولى الناصر وفى الاول المالك { وضل عنهم } وضاع اى ظهر ضياعه وضلاله الا انه كان قبل ذلك غير ضال او ضل فى اعتقادهم الجازم ايضا { ما كانوا يفترون } من ان ىلهتهم تشفع لهم اوما كانوا يدعون انهم شركاء الله
واعلم ان اكثر ما اعتمد عليه اهل الايمان يتلاشى ويضمحل عند ظهور حقيقة الامر يوم القيامة فكيف ما استند اليه الشرك والعصيان -كما حكى- ان الجنيد قدس سره رؤى فى المنام بعد موته فقيل له ما فعل الله بك فقال طاحت تلك الاشارات وفنيت تلك العبارات وابيدت تلك الرسوم وغابت تلك العلوم وما نفعنا الا ركيعات كنا نركعها فى السحر
هر كنج سعادت كه خداداد بحافظ ... ازيمن دعاى شب وورد سحرى بود
ثم ان الآية الشريفة اشارت الى ان النفس انما تعبد الهوى ولا محراب لها فى توجهها الا ما سوى المولى
قال بعض السادة رحمه الله تحت الجبال بالاظافر ايسر من زوال الهوى اذا تمكن وكما لا يحب الله العمل المشترك بالالتفات لغيره نفسا كان او غيرها كذا لا يحب القلب المشترك بمحبة غيره من شهوة او غيرها قال محمد بن حسان رحمه الله بينانادور فى جبل لبنان اذ خرج على شاب قد احرقته السموم والرياح فلما رآنى ولى هاربا فتبعته وقلت عظنى بكلمة انتفع بها قال احذره فانه غيور لا يحب ان يرى فى قلب عبده سواه
قال ابن نجيد رحمه الله لا يصفو لاحد قدم فى العبودية حتى يكون افعاله كلها عنده رياء واحواله كلها عنده دعاوى وانما يفتضح المدعون بزوال الاحوال : وفى المثنوى
جون بباطن بنكرى دعوى كجاست ... اوودعوى بيش آن سلطان فناست
وقال الحافظ قدس سره
حديث مدعيان وخيال همكاران ... همان حكايت زردوز وبوريافست(5/264)
فعلى العبد ان يفنى عن جميع الاوصاف ويغتسل عن كل الاوساخ وينقطع عن التشبث بكل حجر وشجر فان الظفر انما هو بعناية الله خالق القوى والقدر ونعم ما قال بعضهم استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون
وفى التأويلات النجمية { ويوم نحشرهم جميعا } اى اجتماع ارواح الانسان وحقائق الاشياء التى يعبدون من دون الله مثل الدنيا والهوى والاصنام { ثم نقول للذين اشركوا مكانكم } اى نخاطب ارواح المشركين بان قفوا مكانكم الذى اخترتم بالجهل بعد ان كنتم فى علو المكان { انتم وشركاؤكم } اى انزلوا انتم وشركاؤكم الى المكان السفل وهو مكان شركائكم اذا تعلقتم بهم { فزيلنا بينهم } اى فرقنا بين المشركين وشركائهم بان تعذب المشركين بعذاب البعد والطرد عن الحضرة والم المفارقة وحسرة ابطال استعداد المواصلة ولا نعذب لشركاء بهذه العقوبات لعدم استعدادهم فى قبول كمال القرب { وقال شركاؤكم ما كنتم ايانا تعبدون } بل كنتم تعبدون هواكم لانه ما عبد فى الارض اله ابغض الا بالهوى فلهذا فال عليه الصلاة والسلام « ما عبد فى الارض اله ابغص على الله من الهوى » وقال تعالى { أرأيت من اتحذ الهه هواه } { فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم } فيما شاهد { ان كنا عن عبادتكم لغافلين } اى كنا فى غفلة عن ذوق عبادتكم ايانا وحفظها ومشربها بل كان الحظ والمشرب والذوق لهواكم فى استيفاء اللذات والشهوات والتمتعات الدنيوية والاخروية عند عبادتنا بلا شعور منا بخلاف عبادة الله فان فى عبادة الله رضاه وشعوره بها ومنه المدد والتوفيق وعليه الجزاء والثواب { هنالك تبلو كل نفس ما اسلفت } اى فى ذلك الحال تبتلى كل نفس ما قدمت من التعلقات بالاشياء والتمسكات بها { وردوا الى الله } فى الحكم والقرب والبعد واللذة والالم { مولاهم الحق } اى متوليهم فى ذلك هو الله اى فى اذاقة اللذات من القرب والالم من البعد لا غيره من الشركاء(5/265)
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31)
{ وضل عنهم ما كانوا يفترون } ان للشركاء اثرا فى القربة والشفاعة انتهى
ما فى التأويلات النجمية { قل } للمشركين احتجاجا على حقيقة التوحيد وبطلان الشرك { من يرزقكم } [ كيست كه شمارا روزى ميدهد ] { من السماء } [ از آسمانكه باران مى باراند ] { والارض } [ واز زمين كه كياه مى روياند ] { أم من } ام منقطعة لانه لم يتقدمها همزة استفهام ولا همزة تسوية وتقدر هنا ببل وحده دون الهمزة بعدها كما فى سائر المواضع لانها وقع باسمها اسم استفهام صريح وهو من فلا حاجة الى الهمزة بعدها كما فى سائر المواضع لانها وقع بعدها اسم استفهام صريح وهو من فلا حاجة الى الهمزة وبل اضراب انتقال من الاستفهام الاول الى استفهام آخر لا اضراب ابطال اذ ليس فى القرآن ذلك . والمعنى بالفارسية [ آيا كيست كه ] { يملك السمع والابصار } اى يستطيع خلقهما وتسويتهما على هذه الفطرة العجيبة او من يحفظهما من الآفات مع كثرتها وسرعة انفعالهما من ادنى شيء يصيبهما . وكان على على رضى الله عنه يقول سبحان من بصر بشحم واسمع بعظم وانطق بلحم ولما كانت حاجة الانسان الى السمع والبصر اكثر من حاجته الى الكلام خلق الله له اذنين وعينين ولسانا واحدا { ومن يخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى } اى من ينشئ الحيوان من النطفة من الحيوان وكذا من يخرج الطائر من البيضة ويخرج البيضة من الطائر { ومن يدبر الامر } اى امر جميع العالم علويا كان او سفليا روحانيا او جسمانيا { فسيقولون } بلا تأخير { الله } يفعل ما ذكر من الافاعيل لا غيره اذ لا مجال للمكابرة لغاية وضوحه { فقل } عند ذلك تبكيتا لهم { أفلا تتقون } اى أتعلمون ذلك فلا تتقون عقابه باشراككم به الاصنام(5/266)
فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)
{ فذلكم الله } الذى يفعل هذه الاشياء هو { ربكم الحق } اى الثابت ربوبيته لا ما اشركتم معه . فقوله فذلكم مبتدأ والجلالة صفته وربكم الحق خبره ويجوز ان يكون الجلالة خبره وربكم بدل منه والاشارة محمولة على التجوز لاستحالة تعلق الاحساس به تعالى { فما ذا } يجوز ان يكون الكل اسما واحدا قد غلب فيه الاستفهام على اسم الاشارة وان يكون موصولا بمعنى الذى اى ما الذى { بعد الحق } اى غيره بطريق الاستعارة اى ليس غيرالتوحيد وعبادة الله تعالى { الا الضلال } الذى لا يختاره احد وهو عبادة الاصنام وانما سميت ضلالا مع كونها من اعمال الخوارج باعتبار ابتنائها على ما هو ضلال من الاعتقاد والرأى { فأنى تصرفون } استفهام انكارى بمعنى انكار الوقوع واستبعاده والتعجب اى كيف تصرفون من التوحيد وعبادة الله تعالى الى الاشراك وعبادة الاصنام الذ هو ضلال عن الطريق الواضح : قال السعدى قدس بره
ترسم نرسى بكعبه اى اعرابى ... كين ره كه توميروى بتر كستانست
فقد نبه الله على ضلالهم على لسان رسوله عليه السلام وهو الهادى الى طريق الحق والصواب والفارق بين اهمل التصديق والارتياب : قال الصائب
اقف نميشوندكه كم كرده اند راه ... تار هروان برهنمايى نمى رسند(5/267)
كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)
{ كذلك } الكاف فى محل النصب على انه صفة مصدر محذوف والاشارة بذلك الى المصدر المفهوم من الحق فى قوله ربكم الحق اى كما حقت الربوبية لله تعالى { حقت كلمة ربك } حكمه وقضاؤه . يعنى [ واجب شد عذاب الهى ] { على الذين فسقوا } اى تمردوا فى كفرهم وخرجوا عن حد الاستصلاح { انهم } تعليل لحقية تلك الكلمة والاصل لانهم { لا يؤمنون } فالكفر اذ اهمل الى العذاب فان كل نتيجة مبنية على المقدمات والاسباب . والقمح لا ينبت من الزوان ولا يثمر الثمر ام غيلان(5/268)
قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34)
{ قل هل من شركائكم من يبدؤا الخلق ثم يعيده } البد بالفارسية [ ابتداكردن ] اى يخلق على الخلق اولا ثم يعيده بعد الموت ولما كانوا مقرين بالبدء ومنكرين للاعادة نادا ومكابرة امر صلى الله تعالى عليه وسلم بان يبين لهم من يفعل ذلك فقيل له { قل الله يبدؤا الخلق ثم يعيده } اى هو يفعلهما لا غير كائنا من كان فأنى تؤفكون } اى كيف تصرفون وتقلبون عن قصد السبيل والاستفهام انكارى(5/269)
قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35)
{ قل هل من شركائكم من يهدى } غيره { الى الحق } ولو كانت الهداية بوجه من الوجوه فان ادنى مراتب العبودية هداية المعبود لعبدته الى ما فيه صلاح امرهم وهدى كما يستعمل بكلمة الى لتدل على انتها ما قبلها الى مدخولها كذلك يستعمل باللام التعليلية لتدل على ان الهداية لا تتوجه نحو ما دخل عليه اللام الا لاجل ان تؤدى اليه ويترتب هو عليها كما هو شأن العلة والمعلل بها وقد جمع بين التعديتين فى هذه الآية { قل الله يهدى } من يشاء { للحق } دون غيره بنصب الادلة وارسال الرسل وانزال الكتب والتوفيق للظر الصحيح والتدبر الصائب فان العقول مضطربة والافكار مختلطة وتعيين الحق صعب ولا يسلم من الغلط الا الاقل من القليل فالاهتداء لادراك الحقائق لا يكون الا باعانة الله وهدايته وارشاده { أفمن يهدى } غير { الى الحق } هو الله تعالى { أحق ان } اى بان { يتبع } والمفضل عليه محذوف اى ممن لا يهدى { ام من لا يهدى } بكسر الهاء وتشديد الدال اصله لا يهتدى وادغم وكسر الهاء لالتقاء الساكنين اى لا يهتدى فى حال من الاحوال { الا ان يهدى } الا فى حال هدايته تعالى له الى الاهتداء
فان قلت الاصنام جمادات لا تقبل الهداية فكيف يصح ان يقال فى حقها الا ان يهدى وايضا كلمة من تستعمل فى ذوى العقول دون الجمادات فلا يليق ان يقال فى حقها ام من لا يهدى
قلت هذا انتفاء الاهتداء ا ان يهدى حال اشراف شركائهم كالملائكة والمسيح وعزير عليهم السلام فهذا بيان لفساد مذهب من يتخذ العقلاء الذين يقبلون الهداية اربابا بعد ما بين فساد مذهب مطلق اهل الشرك من عبدة الاوثان وغيرها بقوله { قل هل من شركائكم من يبدا الخلق } الآية فانك لا شك ان المراد بالشركاء فيه ما يتناول الاصنام وغيرها
وقل فى التبيان الصنم لا ينفع ولا يضر ولا يقدر على شيء فى نفسه الا ان يهدى يعنى يدخل ويخرج وينق ويتصرف فيه الله تعالى جل عن ذلك وظاهر هذا الكلام يدل على ان الاصنام ان هديت اهتدت وليس كذلك لانها حجارة لا تهدتى الا انهم ما اتخذوها آلهة عبر عنها كما يعبر عمل يعقل ويفعل { كيف تحكمون } بما يقضى صريح العقل ببطلانه وهو انكار لحكمهم الباطل حيث سوّوا بين من يحتاجون هم اليه وهو الله تعالى وبين من يحتاج هو اليهم وهو ما عبدوه من دون الله من الاصنام ولا مساواة بين القادر والعاجز جدا
عجر وقدرت كه هر دو ضدانند ... عقل كركويدت كه يكسانند
عجز بر خلق مى دراند بوست ... قادرى بركمال حضرت اوست(5/270)
وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36)
{ وما يتبع اكثرهم } فيما يعتقدون من ان الاصنام آلهة { الا ظنا } من غير تحقيق وانما قلدوا فى ذلك آباءهم . وفيه اشعار بان بعضهم قد يتبعون العلم فيقفون على حقية التوحيد وبطلان الشرك لكن لا يقبلونه مكارة وعنادا { ان الظن لا يع\غنى } بى نياز نكر داندكسى را ] { من الحق } [ از علم واعتقاد درست يعنى ظن وتخمين بجاى حق ويقين نتواند ] { شيأ } من الاغناء فيكون مفعولا مطلقا ويجوز ان يكون مفعولا به ومن الحق حالا منه فمعنى لا يغنى حينئذ لا ينوب
وقال بعضهم ان الظن بان الاصنام شفعاء لا يدفع عنهم العذاب فقولهم بانها شفعاء باطل محض مبنى على خيال فاسد وظن واه { ان الله عليم بما يفعلون } وعيد على اتباعهم للظن واعراضهم عن البرهان . وفى الآية دلالة على وجوب العلم فى الاصول وعدم جواز الاكتفاء بالتقليد : وفى المنثوى
وهم افتد در خطا ودر غلط ... عقل باشد در اصابتها فقط
كشتئ بى لنكر آمد مرد شر ... كه زباد كزنيابد او حذر
لنكر عقلست عاقل را امان ... لنكرى دريوزه كن ازعاقلان
وقد نادى قوله تعالى { فما لكم كيف تحكمون } على كونهم محرومين من كمال العقل فان العاقل بالعقل الكامل لا يتبع الباطل والجهل بل الحق والعلم وكون الآباء على صفة الشرك لا ينهض حجة فان الله تعالى قد خلق الناس وهداهم الى تمييز الخير والشر بتركيب لعقل فيهم فالاتباع ليس الا الى الهدى وكما ان المشركين ضلوا عن طريق الشريعة بتقليد الجهلة فكذا السالكون ضلوا عن طريق الحقيقة بتقليد الغفلة
قال بعض الكبار اوصيكم بوصية لا يعرفها الا من عقل وجرب ولا يهملها الا من غفل فحجب وهو ان لا تأخذوا فى هذا العلم مع متكبر ولا صاحب بدعة ولا مقلد . اما الكبر فانه عقال عن فهم الآية والعبر . واما البدعة فتوقع صاحبها فى البلايا الكبار . واما التقليد فعقال يمنع من الظفر وبلوغ الوطر ثم ان ما وصل المرء اليه بنور العقل والبرهان فالعلم المكسوب بالعقل بمنزلة الظن والتخمين عند ارباب اليقين والحق الذى لا غاية واءه وراء طور العقل وما يلى ظاهر القلب هو الايمان وما يلى باطنه هو الايقان
قال بعض العارفين اذا كان الايمان فى ظاهر القلب كان العبد محبا للآخرة والدنيا وكان مرة مع الله ومرة مع نفسه فاذا دخل لايمان باطن القلب ابغض العبد دنياه وهجر هواه والوصول الى هذه المرتبة لا يكون الا بجذبة آلهية وبصحبة مرشد كامل : قال الحافظ
من بسر منزل عنقا نه بخود بردم راه ... قطع اين مرحله بامرغ سليمان كردم
ومن شرائطه الاحتراز عن صحبة خلاف الجنس فانها مؤثرة وما ضاع من ضاع الا بمساعدة الهوى والقعود مع اهل الانكار فقد ظهر الحق وحقيقة الحال وماذا بعد الحق الا الضلال نسأل الله المتعال ان يوفقنا للاجتهاد الى وقت الارتحال(5/271)
وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37)
{ وما كان هذا القرآن } مع ما فيه من دلائل الاعجاز من حسن نظمه ومعانيه الدقيقة وحقائقه الجامعة { ان يفترى } فى محل لنصب على انه خبر كان اى افتراء اى مفترى يفترى به على الله وسمى بالمصدر مبالغة والافتراء فى الاصل افتعال من فريت الاديم اذا قدرته للقطع ثم استعمل فى الكذب { من دون الله } خبر آن اى صادرا من دون الله لانه لا يتكلم بمثله الا الله { ولكن } كان { تصديق الذى بين يديه } اى مصدقا لما تقدمه من الكتب الالهية بسبب كون مضمونه مطابقا لمضمون تلك الكتب فيما اخبر به م اصول الدين وقصص الاولين ظهر فى يد من لم يمارس شيأ من العلوم ويجالس علماء تلك الكتب فاذا كان ما جاء به مطابا لها يعلم انه ليس افتراء بل من الله تعالى { وتفصيل الكتاب } من كتب بمعنى فرض وقدره وحكم اى وتفضيل ما حقق واثبت من الحقائق والشرائع
وفى التأويلات النجمية اى تفصيل الجملة التى هى المقدر المكتوبة فى الكتاب الذى عنده لا يتطرق اليه المحو والاثبات لانه ازلى ابدى كما قال { يمحو الله ما يشاء ويثبت } يعنى فى اللوح المحفوظ وهو مخلوق قابل التغير { وعنده ام الكتاب } يعنى الاصل لذى لا يقبل التغير وهو علمه القائم بذاته القديم { لا ريب فيه } خبر ثالث داخل فى حكم الاستدراك اى منتفيا عنه الريب . يعنى [ از ظهور حجت ووضوح دلالت بمثابه ايست كه هركه درو ادنى تاملى كند زريب استد وداندكه بشبه درومجال نيست ] { من رب العالمين } خبر آخر تقديره كائنا من رب العالمين فهو وحى نازل على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من عنده تعالى(5/272)
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)
{ ام يقولون افتراه } ام منقطة مقدرة ببل والهمزة . والمعنى بل أيقولون كفار مكة افتراه محمد والهمزة لانكار الواقع واستبعاد وجوز الزمخشرى ان تكون للتقدير لالزام الحجة { قل } لهم ان كان الامر كما تقولون { فائتوا } انتم على وجه الافتراء والامر من باب التعجيز والقام الحجر { بسورة مثله } فى البلاغة وحسن النظم وقوة المعنى فانكم مثلى فى العربية والفصاحة { وادعوا من استطعتم } دعاءه والاستعانة به ليعاونكم على اتيان مثله لم يف عقل الواحد والاثنين منكم فى استخراج ما يعارض القرآن { من دون الله } متعلق بادعوا ودون جار مجرى اداة الاستثناء اى ادعوا متجاوزين الله اى سواه تعالى من استطعتم من خلفه فانه لا يقدر عليه احد { ان كنتم صادقين } فى انى افتريته فان ما افتراه احد من المخلوقين يفتريه غيره لانه فوق كل ذى علم عليم فاذا عرفتم عجزكم حال الاجتماع وحال الانفراد عن هذه المعارضة فحينئذ يظهر ان نظمه وتنزيله ليس الا من قبل الله تعالى
واعلم ان اعجاز القرىن اى جعله الغير عاجزا كونه فى غاية البلاغة ونهاية الفصاحة بحيث يصرف الناس عن قدره معارضته لا عن نفس المعارضة مع القدرة بان عقد الله لسان البيان من بلغاء الزمان لطفا منه بنبيه وفضلا عليه كما توهمه البعض كذا فى تفسير الفاتحة للمولى الفنارى(5/273)
بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)
{ بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه } اى سارعوا الى تكذيب القرآن قبل فهمه فان تكذيب الكلام قبل الاحاطة بمعانيه مسارعة اليه فى اول وهلة ومعنى الاضطراب فى بل ذمهم على التقليد وترك النظر كأنه قيل دع تحديهم والزامهم فانهم لا يستأهلون الخطاب لانهم مقلدون متهافتون فى الامر لا عن خبر وتعقل ولو كان لهم وقوف على ما فى تضاعيف القرآن من شواهد الاعجاز لعلموا انه ليس ما يمكن ان يكون له نظير يقدر عليه المخلوق { ولم يأتهم تأويله } عطف على الصلة او حال من الموصول اى لم يجئهم ما يأول اليه الامر . والمعنى ان القرآن معجز من جهة النظم والمعنى ومن جهة الاخبار بالغيب وهم قد جأوا تكذيبه قبل ان يتدبروا نظمه وينتظروا وقوع ما اخبره به من الامور المستقبلة التى يزهر بعضها فى الدنيا ويظهر بعضها فى الآخرة ليستدلوا بذلك على صحة القرآن وصدق قول النبي عيله السلام ونفى اتيان التأويل بكلمة لما الدالة على التوقيع بعد نفى الاحاطة بعلمه بكلمة لما الدالة على التوقع بعد نفى الاحاطة بعلمه بكلمة لم لتأكيد الذم وتشديد التشنيع فان الشناعة فى تكذيب الشيء قبل علمه المتوقع اتيانه افحش منها فى تكذيبه قبل علمه مطلقا والمعنى انه كان يجب عليهم ان يتوقفوا الى زمان وقوع المتوقع فلم يفعلوا { كذلك } اى مثل ذلك التكذيب الواقع من قومك { كذب الذين من قبلهم } انبيائهم { فانظر كيف كان عاقبة الظالمين } فيه وعيد لهم بمثل ما عوقب به من قبلهم وانما وصفهم بالظلم لانهم وضعوا التكذيب فى موضع التصديق فكان مآل امرهم الى ما اخبر به الكتب والانبياء من العذاب والهلاك(5/274)
وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40)
{ ومنهم } اى من المكذبين { من يؤمن به } من يصدق بالقرآن فى نفسه ويعلم انه حق ولكنه يعاند { ومنهم من لا يؤمن به } فى نفسه كما لا يؤمن به ظاهرا لفرط غباوته وقلة تدبره او منهم من سيؤمن به ويتوب عن كفره لكونه مستعدا لقبول الايمان ومنهم من لا يؤمن فيما يستقبل بل يموت على كفره لعدم استعداده لقبوله { وربك اعلم بالمفسدين } بالمعاندين او المبصرين وانما وصفهم بالافساد لانهم افسدوا استعدادهم الفطرى بالاعمال الفاسدة(5/275)
وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41)
{ وان كذبوك } وان اصروا على تكذيبك بعد الزام الحجة { فقل لى عملى ولكم عملكم } فتبرأ منهم فقج اعذرت اى بالغت فى العذر كقوله تعالى { فان عصوك فقل انى بريء } والمعنى لى جزاء عملى ولكم جزاء عملكم حقا كان او باطلا وتوحيد العمل المضاف اليهم باعتبار الاتحاد لنوعى ولمراعاة كمال المقابلة { انتم بريئون مما اعمل وانا بريء مما تعملون } تأكيد لما افاده لام الاختصاص من عدم تعدى جزاء العمل الى غير عامله اى لا تؤاخذون بعملى ولا اؤاخذ بعملكم وعمله صرف الاستعداد الفطرى فى استعمال العبودية لقبول فيض الربوبية وجزاؤه الجنة والوصلة وعملهم افساد الاستعداد فى استيفاء اللذات والشهوات النفسانية وابطال القلب عن قبول الفيض الالهى وجزاؤه النار والقطيعة واضا عمل التصديق والاقرار وعملهم والتكذيب والانكار وكل بريئ من صاحبه فى الدنيا والآخرة لا يجتمعان ابدا لا يجتمع الضب والنون فان الضب غذاؤه الهواء والنون غذاؤه الماء ولاحدهما وهو لضب القبض واليبوسة لانه برى ومن طبع التراب ذلك ولالآخر وهو النون البسط والرطوبة لانه بحرى ومن طبع الماء ذلك : وفى المثنوى
طوطيان خاص را قنديست زرف ... طوطيان عام ازين خود بسته طرف
كى جشددرويش صورت زان نكات ... معنى است آن نى فعولن فاعلات
از خر عيسى دريغش نيست قند ... ليك خر آمد بخلقت كه بسند
بال بازان را سوى سلطان برد ... بال زاغان را بكورستان برد(5/276)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42)
{ ومنهم } اى من المكذبين { من } اى ناس { يستمعون اليك } عند قراءتك القرآن وتعليمك للشرائع بسمع الظاهر وفى سمع قلوبهم صمم من محبة الدنيا وشهواتها فان حب الشيء يعمى ويصم عن غيره { أفانت تسمع الصم } الهمزة الاستفهامية انكارية والفاء للعطف على مقدر والتقدير أيستمعون اليك فانت تسمعهم اى تقدر على اسماعهم وقد اصمهم الله بسوء اعمالهم والمنكر هو وقوع الاسماع لا الاستماع فانه امر محقق { ولو كانوا لا يعقلون } اى لو انضم الى صممهم عدم تعلقهم لان الاصم العاقل ربما تفرس اذا وصل الى صماخه صوت واما اذا اجتمع فقدان السمع والعقل جميعا فقد تم الامر(5/277)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43)
{ ومنهم من ينظر اليك } بنظر الحس ويعائن دلائل نبوتك الواضحة وفى بصيرته عمى { أفانت تهدى العمى } جمع الاعمى اى عقيب ذلك انت تهديهم { ولو كانوا لا يبصرون } اى لو انضم الى عدم البصر عدم البصيرة فان المقصود من الابصار هو الاعتبار والاستبصار والعمدة فى ذلك البصيررة ولذلك يحدس الاعمى المستبصر ويتفطن لما يدركه البصير الاحمق فحيث اجتمع فيهم الحمق والعمى فقد انسد عليهم باب الهدى فقد شبه الله المكذبين الذين اصروا على التكذيب بالاصم والاعمى من حيث ان شدة بغضهم وكما نفرتهم عن رسول الله منعهم عن ادراك محاسن كلامه ومشاهدة دلائل نبوته كما يمنع الصمم فى الاذن عن ادراك محاسن الكلام ويمنع العمى فى العين عن مشاهدة محاسن الصورة وقرن عدم العقل بعدم السمع وبعدم البصر عدم الادراك تفضيلا لحكم الباطن على الظاهر فلما بلغوا فى معرض العقل الى حيث لا يقبلون الفلاح والطبيب اذا رأى مريضا لا يقبل العلاج اعرض عنه ولا يستوحش من عدم قبوله للفلاح فقد اوجب التبرى منهم وعدم الانفعال من اصرارهم على التكذيب
قال يونان وزير كسرى خمسة اشياء ضائعة . المطر فى الارض السبخة . والسراج المشتعل فى ضوء الشمس . والمرأة الحسنة الصورة عند الرجل الاعمى . والطعام الطيب عند المريض . والرجل العاقل عند من لا يعرف قدره(5/278)
إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)
{ ان الله لا يظلم الناس شيأ } [ الله ظلم نكند بر مردمان هيج جيز يعنى سلب نكند حواس وعقول ايشانرا ] { ولكن الناس انفسهم يظلمون } [ ستم كنند بر نفسهاى خود وحس وعقل كه آلت ادراك آيات قدرتست درملاهى استعمال نمايند ومنافع وفوائد ىن بدركات از ايشان فائت كردد ]
جثم از براى ديدن آيات قدرتست ... كوش از بى شنيدن اخبار حضر تست
هركهكه حق نبيند وحق نشنود كسى ... كور وكرست بلكه ازان هم بتر بسى
وفى التأويلات النجمية { ان الله لا يظلم شيأ } بان لا يعطيهم استعدادا لهداية وقبلو فيض الايمان ثم يجبرهم على الهداية وقبول الايمان بل اعطاهم استعداد الهداية وقبول الايمان بفطرة الله التى فطر الناس عليها { ولكن الناس انفسهم يظلمون } بافساد الاستعداد الفطرى فى مخالفات الاوامر والنواهى الشرعية انتهى .
وفيه دليل على ان للعبد كسبا وانه ليس مسلوب الاختيار بالكلية كما زعمت الجبرية وان كل ما ابتلى به فانما اتى من جانبه : وفى المثنوى
عاشق بودهاست درايام بيش ... باسبان عهد اندرعهد خويش
سالها دربند وصل ماه خود ... شاه مات ومات شاهنشاه خود
عاقبت جويندة يابنده بود ... كه فرج از صبر زاينده بود
كفت روزى يار او كامشب بيا ... كه به يختم ازبى تولوبيا
درفلان حجره نشين نانيم شب ... تابيايم نيمشب من بى طلب
مردقربان كر دونانهابخش كرد ... جون بديد آمد مهش اززيركرد
شب دران حجره نشست آن كرم دار ... بر اميد وعده آن يار غار
بعد نصف الليل آمد يار او ... صادق الوعدانه آن دلدار او
عاشق ودرا فتاده خفته ديد ... اند كى از آستين اودريد
كرد كانى جندش اندر جيب كرد ... كه توطفلى كيراين مى باز نرد
جون سحراز خواب عاشق برجهيد ... آستين وكردكانهارا بديد
كفت شاه ماهمه صدق ... ووفاست آنجه برمامى رسدآن هم زملست
خوابرا بكذار امشب اى بدر ... يك شى بركوى بى خوابان كذر
بنكر اينهارا كه مجنون كشته اند ... همجو بروانه بوصلت كشته اند
ايقظنا الله واياكم ونور محيانا ومحياكم ولا يجعلنا من الغافلين الضالين آمين آمين(5/279)
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (45)
{ ويوم يحشرهم } يوم منصوب بفعل مقدر والضمير لكفار مكة اى اذكر لهم يا محمد او انذرهم يوم يحشرهم الله ويجمعهم وهو يوم القيامة { كأن } مخففة اسمها محذوف اى كانهم { لم يلبثوا } لم يمكثوا فى الدنيا او فى القبور { الا ساعة من النهار } اى شيأ قليلا منه فانها مثل فى غاية القلة وتخصيصها بالنهار لان ساعاته اعرف حالا من ساعات اليل والجملة التشبيهية حال من ضمير المفعول اى يحشرهم مشبهين بمن لم يلبث الا ساعة استقصروا المدة لهول ما رأوا والانسان اذا عظم خوفه ينسى الامور الظاهرة [ در تفسير زاهدى اورده كه معتزله در نفى عذاب قبر بدين ىيت استدلال نموده كويندا اكر كفار در قبر معذب بودندى مدتى بدين درازى ايشانرا ساعتى نه نمودى وجواب ميكويندكه اين صورت بسبب صعوبت اهوال وشدت احةال قيامتست كه مدت عذاب قبر درجنب آن يكساعت نمايد ]
يقول الفقير استقلوا مدة اللبث فى الدنيا لانهم كانوا فى النعيم صورة وايامه تمضى كالرياح واستقلوا مدة المكث فى القبور لان عذابهم فيها كان على النصف بالنسبة الى عذاب الآخرة اذا التنعم البرزخي وكذا لتألم على الروح والبدن البرزخى بخلاف التنعم والتألم الحشريين فافهم هداك الله
قال فى التأويلات النجمية تشير الآية الى الخروج من مضيق عالم الاجسام الذى هو عالم الكون والفساد والتناهى الى متسع عالم الارواح الذى هو عالم الكون بلا فساد وتناه فان مدة عمر الدنيا الفانية بالنسبة الى الآخرة الباقية ترى كساعة من نهار بل اقل من لحظة
ثم اعلم ان الحشر يكون عاما وخاصا واخص فالعام هو خروج الاجساد من القبور الى المحشر يوم النشور والحشر الخاص هو خروج ارواحهم الاخروية من قبور اجسامهم الدنيوية بالسير والسلوك فى حال حياتهم الى عالم الروحانية لانهم ماتوا بالارادة عن صفات النفسانية قبل ان يموتوا بالموت عن صورة الحيوانية والحشر الاخص هو اخروج من قبور الانانية الروحانية الى هويته الربانية كما قال تعالى { يوم نحشر المتقين الى الرحمن وفدا } { يتعارفون بينهم } يعرف بعضهم بعضا كما كانوا يعرفون فى الدنيا فكأنهم لم يتفارقوا بسبب الموت الا مدة قليلة لا تؤثر فى زوال ذلك التعارف اول ما خرجوا من القبور ثم ينقطع التعارف اذا عاينوا العذاب ويتبرأ بعضهم من بعضهم وهو حال اخرى مقدرة لان التعارف بعد الحشر يكون { قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله } شهادة من الله على خسرانهم وتعجب منه اى قد غبن المكذبون بالحساب والجزاء { وما كانوا مهتدين } فى تجارتهم اذا باعوا الايمان بلكفر والتصديق بالتكذيب فلم يكونوا على نفع وقد مضى الوقت
جه خوش كفت با كودك آموزكار ... كه كارى نكرديم وشد روزكار(5/280)
وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46)
{ واما نرينك } اصله ان نترك وما مزيدة لتاكيد معنى الشرط اى ان نبصر نك بان تظهر { بعض الذى نعدهم } من العذاب ونعجله فى حياتك كما اراه ببدر والجواب محذوف لظهوره اى فذاك هو المأمول وانا عليهم مقتدرون { او نتوفينك } قبل ان نريك { فالينا مرجعهم } اى رجوعهم رجوعا اضطراريا فنريكه فى الآخرة وانا منهم منتقمون وهو جواب نتوفينك لان الرجوع انما يكون فى الآخرة بعد الموت فهو لا يصلح ان يكون جوابا للشرط وما عطف عليه ولان قوله تعالى فى حم الزخرف { فاما نذهبن بك فانا منهم منتقمون او نرينك الي وعدناهم فانا عليهم مقتدرون } يدل على ما ذكرنا والقرىن يفسر بعضه بعضا هكذا لاح ببال الفقير اصلحه الله القدير { ثم الله شهيد على ما يفعلون } اى مجاز على افعالهم السيئة . ذكر الشهادة واراد نتيجتها ومقتضاها ولذلك رتبها على الرجوع بثم الدالة على التراخى ولو كان المراد من الشهادة نفسها لم يصح الترتيب المذكور لانه تعالى شهيد على ما يفعلونه من التكذيب والمحاربة حال رجوعهم اليه تعالى وقبله
وقال فى الكواشى ثم بمعنى الواو او لترتيب الاخبار نحو زيد قائم ثم هو كريم وليس التأخير عجزا بل للايذان بانه تعالى قادر عليهم فى كل آن .(5/281)
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (47)
{ ولكل امة } من الامم الماضية { رسول } يبعث اليهم بشريعة خاصة مناسبة لاحوالهم ليدعوهم الى الحق { فاذا جاء رسولهم } بالبينات فكذبوه { قضى بينهم } اى بين كل امة ورسولها { بالقسط } بالعدل وحكم بنجاة الرسول وللمؤمنين به وهلاك المكذبين { وهم لا يظلمون } فى ذلك القضاء المستوجب لتعذيبهم لانه من نتائج اعمالهم
يقول الفقير ان قلت يرد على ظاهرة الآية زمان الفترة فانها بظاهرها ناطقة بانه لم يهمل امة قط ولم يبعث لاهل الفترة رسول كما يشهد عليه قوله تعالى { لتنذروا قوما ما انذر آباؤهم } قلت مساق الآية الكريمة على ان كل امة قضى لها بالهلاك قد انذروا اولا على لسان رسول من الرسل ولم يعذب اهل الفترة لان العرب لم يرسل اليهم رسول بعد اسماعيل غير رسول الله عليهما الصلاة والسلام فعذب اعقابهم ببدر وغيره لتكذيبهم رسول الله كما دل عليه قوله تعالى { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } وقد انتهت رسالة اسماعيل بموته كبقية الرسل لان ثبوت الرسالة بعد الموت من خصائص نبينا عليه السلام كما فى انسان العيون
وبهذا ظهر بطلان قول ابن الشيخ فى حواشيه ان عموم الآية لا يقتضى ان يكون الرسول حاضرا مع كل واحدة منهم لان تقدم الرسول على بعض منهم لا يمنع من كونه رسولا الى ذلك لبعض كما لا يمنع تقدم رسولنا عليه السلام من كونه مبعوثا الينا الى آخر الابد انتهى
واما كون اهل الفترة معذبين فى الآخرة ام لا فقد سبق فى اواخر سورة التوبة
ثم ان الرسول يأتى بالوحى الظاهر والباطن ووارث الرسول يأتى بالوحى الباطن وهو الالهام الالهى وكل ما جاز وقوعه للانبياء من المعجزات جاز للاولياء مثله من الكرامات والله تعالى لا يحكم بين العباد الا بعد مجيء رسولهم بالظاهر والباطن فان صدقوه قضى بينهم بالسعادة على قدر تصديقهم وان كذبوه قضى بينهم بالشقاوة على قدر تكذيبهم
هركسى ازهمت والاى خويش ... سوددارد درخور كالاى خويش
فعليك بالصدق والتصديق فى حق الانبياء والاولياء واتباع ما جاؤا به من الوحى والالهام لتظفر بكل مرام(5/282)
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)
{ ويقولون } استبعادا واستهزاء [ آورده اندكه بعد از نزول وامانرينك الآية كفارل مكة استعجال عذاب موعود نمودند اين آيت نازل شد ] { متى هذا الوعد } بالعذاب فليأتنا عجلة { ان كنتم } اى انت واتباعك { صادقين } فانه يأتينا(5/283)
قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49)
{ قل لا املك } لا اقدر لان الملك يلزمه القدرة { لنفسى ضرا } بان ادفعه { ولا نفعا } بان اجلبه فكيف املك لكم فاستعجل فى جلب العذاب اليكم { الا ما شاء الله } استثناء منقطع اى لكن ما شاء الله كائن فالله هوالمالك للضر والنفع وهو لم يعين لوعده زماننا ثم اخلف فاذا حضر الوقت فانه لا بد وان يقع الموعود كما قال { لكل امة } ممن قضى بينهم وبين رسولهم { اجل } معين خاص بهم لا يتعدى الى امة اخرى مضروب لعذابهم جزاء على تكذيبهم رسلهم يحل بهم عند حلوله { اذا جاء اجلهم } اى زمانهم الخاص المعين { فلا يستأخرون } اى لا يتأخرون عن ذلك الاجل وصيغة الاستقبال للاشعار بعجزهم عن ذلك مع طلبهم له { ساعة } اى شيأ قليلا من الزمان { ولا يستقدمون } اى لا يتقدمن عليه فلا يستعجلون فسيحين وقتكم وينجز وعدكم وهو عطف على يستأخرون لكن لا لبيان انتفاء التقدم مع امكانه فى نفسه كالتأخر بل للمبالغة فى انتفاء التاخر بنظمه فى سلك المستحيل عقلا(5/284)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50)
{ قل ارأيتم } اى اخبرونى لان الرؤية سبب للاخبار { ان اتيكم عذابه } الذى تستعجلون به { بياتا } اى وقت بيات واشتغال بالنوم { او نهارا } حين كنتم مشتغلين بطلب معاشكم { ماذا يستعجل منه المجرمون } جواب للشرط بحذف الفاء فان جواب الشرط اذا كان استفهاما لا بد فيه من الفاء الا فى الضرورة اى أى شيء ونوع من العذاب يستعجلونه وليس شيء من لعذاب يستعجل به لمرارته وشدة اصابته فهو مقتص لنفور الطبع منه او أى شيء يستعجلون منه سبحانه والشيء لا يمكن استعجاله بعد اتيانه والمراد به المبالغة فى انكار استعجاله باخراجه عن حيز الامكان وتنزيله فى الاستحالة منزلة استعجاله بعد اتيانه بناء على تنزيل تقرر اتيانه ودنوه منزلة اتيانه حقيقة والمجرمون موضوع موضع المضمر لتأكيد الانكار ببيان مباينة حالهم للاستعجال فان حق المجرم ان يهلك فزعا من اتيان العذاب فضلا عن استعجاله(5/285)
أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51)
{ أثم اذا ما وقع آمنتم به } دخول حرف الاستفهام على ثم لانكار التأخر وما مزيدة . اى قل لهم ابعد ما وقع العذاب وحل بكم حقيقة آمنتم به حين لا ينفعكم الايمان { آلآن } بابدل الهمزة الثانية الفا مع المد اللازم واصله أالان على ان تكون الاولى استفهامية وهو منصوب آمنتم المقدر دون المذكور لان ما قبل لاستفهام لا يعمل فيما بعده كالعكس وهو استئناف من جهته تعالى غير داخل تحت القول الملقن اى قيل لهم عند ايمانهم بعد وقوع العذاب آلآن آمنتم به انكارا لتأخير { وقد منتم به تستعجلون } اى تكذيبا واستهزاء(5/286)
ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52)
{ ثم قيل } عطف على ما قدر قبل آلآن { للذين ظلموا } اى وضعوا التكذيب موضع التصديق والكفر موضع الايمان { ذوقوا اعذاب الخلد } [ عذاب جاويدى كه آن دائم بود ] وذلك انهم يعذبون فى قبورهم ثم يصيرون الى جهنم فيعذبون فيها ابدا
نبندارى كه بدكو رفت وجان برد ... حسابش باكرام الكاتبين است
{ هل تجزون } اليوم يعنى لا تجزون { الا بما كنتم تكسبون } فى الدنيا من الكفر والمعاصى وفيه تنبيه على ان العذاب لم يصدر منه تعالى ابتداء فانه لم يخلق عباده الا ليرحمهم بل هو نتيج عملهم الباطل بمنزلة الهلاك المترتب على تناول السم
جراز غير شكايت كنم كه همجو حباب ... هميشة خانه خراب هواى خويشتنم(5/287)
وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53)
{ ويستنبئونك } اى يستخبرونك فيقولون على طريق الاستهزاء والانكار { أحق هو } والهمزة للاستفهام وحق خبر قدم على المبتدأ الذى هو الضمير والجملة فى موضع النصب بيستنبئونك لان انبأ بمعنى اخبر يتعدى الى اثنين بنفسه والاشهر ان يتعدى الى الثانى بكلمة عن بان يقال استنبأت زيدا عن عمرو اى طلبت منه ان يخبرنى عن عمرو { قل } لهم غير ملتفت الى استهزائهم بانيا للامر على اساس الحكمة { اى وربى } اى بكسرة الهمزة وسكون الياء من حروف الايجاب بمعنى نعم فى القسم خاصة كما ان هل بمعمنى قد فى الاستفهام خاصة فالواو للقسم . والمعنى بالفارسية [ ىرى بحق برود كارمن ] { انه } اى العذاب الموهود { لحق } ثابتة البتة { وما انتم بمعجزين } ربكم حيث اراد تعذيبكم حتى يفوتكم العذاب بالهرب فهو لا حق بكم لا محالة
وفى الآية اشارة الى ان اهل الغفلة لاحتجاب بصائرهم بحجب التعلقات الكونية ليس الامور الاخروية عندهم بمنزلة المحسوس واما اهل اليقظة فلتنورهم بنور الله تعالى يشاهدون بعين القلب الآخرة واهوالها كما تشاهد عين القالب الدنيا واحوالها فهى عندهم بمنزلة المحسوس بل النبى عليه السلام قد عبر ليلة المعراج على الجنة والنار فشاهد من شاهد بعين الرأس وكشف حقائق الاشياء ولذا حكم على الموعود بالحقية(5/288)
وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (54)
{ ولو ان لكل نفس ظلمت } اشركت صفة نفس { ما فى الارض } اى فى الدنيا من خزائنها واموالها { لافتدت به } اى جعلته فدية لها من العذاب وبذلته مقابلة نجاتها من افتداه بمعى فداه اى اعطى فداءه { واسروا } اى النفوس المدلول عليها بكل نفس وايثار صيغة جمع المذكر لحمل لفظ النفس على الشخص او لتغليب ذكور مدلوله على انائه { الندامة } على ما فعلوا من الظلم { لما رأوا العذاب } والمعنى اخفوها ولم يظهروها عند معاينة العذاب عجزا عن النطق لكمال الحيرة كمن يذهب به ليصلب فانه يبقى مبهوتا لا ينطق بكلمة
وفى الكواشى { واسروا الندامة } اظهروها لانه ليس بيوم تصبر
قال فى التبيان الاسرار من الاضداد { وقضى بينهم } اى اوقع القضاء والحكم بين الظالمين ن المشركين وغيرهم من اصناف اهل الظلم بان اظهر الحق سواء كان من حقوق الله او من حقوق العباد من الباطل وعومل اهل كل منهما بما يليق به { بالقسط } بالعدل { وهم } اى الظالمون { لا يظلمون } فيما فعل بهم من العذاب بل هو من مقتضيات ظلمهم ولوازمه الضرورية كذا فى الارشاد
وقال القاضى ليس تكريرا لان الاول قضاء بين الانبياء ومكذبيهم والثانى مجازاة للمشركين على الشرك(5/289)
أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (55)
{ ألا } قال الامام كلمة ألا انما تذكر لتنبيه الغافلين واهل هذا العالم مشغولون بالنظر الى الاسباب الظاهرة فيضيفون الاشياء الى ملاكها الظاهرة المجازية فيقولون مستغرقين فى نوم الجهلة والغفلة حيث يظنون صحة تلك الاضافات فلذلك نادى الحق هؤلاء النائمين بقوله ألا { ان لله ما فى السموات والارض } لانه قد ثبت ان جميع ما سواه تعالى ممكن لذاته وان الممكن لذاته مستند الى الواجب لذاته اما ابتداء او بواسطة فثبت ان جميع ما سواه مملوك له تعالى يتصرف فيه كيفما يشاء ايجادا واعداما واثابة وعقابا وكلمة ما لتغلب غير العقلاء على العقلاء { الا ان وعد الله حق } اى ما وعده من الثواب والعقاب كائن لا خلف فيه فالوعد بمعنى الموعود والحق بمعنى الثابت والواقع ويجوز ان يكون بمعناه المصدرى والحق بمعنى المطابق للواقع اى وعده بما ذكر مطابق للواقع { ولكن اكثرهم } لقصور عقلهم واستيلاء الغفلة عليهم والفهم بالافعال المحسوسة المعتادة { لا يعلمون } ذلك وانما يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا فيقولون ما يقولون ويفعلون ما يفعلون
مانده در تنكناى اين مجلس ... غير دنيانديده ديده حس
جشم دل كوكه بردها بدرد ... جانب ملك آخرت نكرد
مرغ او در قفس زبون باشد ... جه شناسد كه باغ جون باشد(5/290)
هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56)
{ هو يحيى ويميت } فى الدنيا من غير دخل لا حد فى ذلك { واليه ترجعون } فى الآخرة بالبعث والحشر
وفى التأويلات النجمية { هو يحيى } من العدم بالايجاد { ويميت } من الوجود بالاعدام { واليه ترجعون } وجودا وعدما انتهى
وفى الآية اشارة الى انه لا بد من الرجوع وان كان اضطراريا ونعم ما قيل اذا جاء الموت لا ينفع العلم كما لم ينفع آدم ولا الخلة كما لم تنفع ابراهيم ولا القربة كما لم تنفع موسى ولا الملك كما لم ينفع داورد وسليمان وذا القرنين ولا المحبة كما لم تنفع محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم ولا المال كما لم ينفع قارون ولا الجنود كما لك تنفع نمر ودولا الجمال كما لم ينفع يوسف
قيل فى الموت ستمائة الف واربعة وعشرون الف غم كل غم لو وضع على اهل الدنيا لماتوا منه وبعد الموت ثلاثمائة وستون هولا كل هول اشد من الموت فمن عرف هذا بطريق اليقين جاهد الى ان تجد كل ذرة منه الم الموت فحينئذ لا يبق للام حيث الفوت مجال اصلا لانه مات بالاختبار قبل الموت بالاضطرار ورجع الى المولى بنفسه وفنى عن جملة القيود والاضافات وبقى ببقاء الله تعالى فهذا يقال له موت النفس وحياة القلب احيانا الله تعالى واياكم . والموت بالاختيار حال الاحرار والموت بالاضطرار حال اهل الدناءة والاغيار والاول رجوع بوصال والثانى رجوع بفراق : وفى المثنوى
اى برادر صبركن بردرد نيش تارع\هى از نيش نفس كبر خويش ... هركه مرد اندرتن او نفس كبر
مردرا فرمان برد خرشيدوابر ... نى بكفتست آن سراج امتان
اين جهان وآن جهان جون ضرتان ... بس وصال اين فراق آن بود
صحت اين تن سقام جان بود ... سخت مى آيد فراق اين مقر
بس فراق آن مقر دان سخت تر ... حون فراق آن نقش سخت أيدترا
تاز سخت آيد زنقاش جدا ...(5/291)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57)
الناس } نداء عام كما فى تفسير الكاشفى وخصصه فى الارشاد بكفار مكة { وقد جاءتكم موعظة } هى التذكير بالعواقب سواء كان بالزجر والترهيب او بالاستمالة والترغيب اى كتاب مبين لما يجب لكم وعليكم مرغب فى الاعمال الحسنة منفر عن الافعال السيئة وهو القرآن { من ربكم } متعلق بجاءتكم { وشفاء لما فى الصدور } ودواء من امراض القلوب كالجهل والشك والشرك والنفاق وغيرها من العقائد الفاسدة { وهدى } الى طريق الحق واليقين بالارشاد الى الاستدلال بالدلائل المنصوبة فى الآفاق والانفس { ورحمة للمؤمنين } حيث نجوا بمجيء القرآن من ظلمات الكفر والضلال وهذه المصادر وصف بها القرآن للمبالغة كأنه عينها
زهى كلام تو محض هدايت وحكمت ... زهى بيام تو عين عنايت ورحمت
كشد كمند كلام تو اهل عرفانرا ... زشورة زار خساست بكلشن همت
يقال القرآن موعظة للنفوس وشفاء للصدور وهدى للارواح . ويقال الموعظة للعوام والشفاء للخواص والهدى للاخص والرحمة للكل حيث اوصلهم الى مراتبهم(5/292)
قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)
{ قل } يا محمد للناس { بفضل الله وبرحمته } عبارتان عن انزال القرآن والباء متعلقة بمحذوف واصل الكرم ليفرحوا بفضل الله وبرحمته وتكرير الباء فى رحمته للايذان باستقلالها فى استيجاب الفرح ثم قدم الجار والمجرور على الفعل لافادة القصر ثم ادخل عليه الفاء لافادة معنى السبية فصار بفضله وبرحمته فليفرحوا ثم قيل { فبذلك فليفرحوا } للتأكيد والتقرير ثم حذف الفعل الاول لدلالة الثانى عليه والفاء الاولى جزائية والثانية للدلالى على السبية والاصل ان فرحوا بشيء فبذلك ليفرحوا الا بشيء آخر ثم ادخل الفاء للدلالة على السبية ثم حذف الشرط واشير بذلك الى اثنين اما لاتحادهما بالذات او بالتأويل المشهور فى اسماء الاشارة { هو } اى ما ذكر من فضل الله ورحمته { خير مما يجمعون } من الاموال الفانية
قال بعض الكبار فضل الله ايصال احسانه اليك ورحمته ما سبق منه من الهداية لم تك شيأ فكأن الله تعالى يقول عبدى لا تعتمد على طاعتك وخدمتك واعتمد على فضلى ورحمتى فان رأس المال ذلك [ هركسى راسرمايه ايست وسرمايه مؤمنان فضل من وهركسى راخزانة ايست وخزانة مؤمنان رحمت من ]
كر شاه را خزانه نهادن بود هوس
درويش را خزانه همين لطف دوست بس ولو كان فى جمع حطام الدنيا منفعة لا تنفع قارون
قال مالك بن دينار منت فى سفين مع جماعة فنبه العشار ان يخرج احد فخرجت فقال ما اخرجك نقلت ليس مع شيء فقال اذهب فقلت فى نفسى هكذا امر الآخرة فالعلائق قيد والتجرد وراحة : قال الحافظ
غلام همت آنم كه زير جرخ كبود ... رجه رنك تعلق بذيرد آزادست
اشار بهذا البيت الى الحرية عن جميع ما سوى الله تعالى فان العالم جسما او روحا عينا او علما مما يقبل التعلق لكن لما كان الف الناس بالمحسوس اكثر خص ما تحت الفلك الارزق بالذكر
اعلم ان الاتعاظ بالموعظة القرآنية يوصل العبد الى السعادة الباقية ويخلصه من الحظوظ النفسانية -حكى- ان ابراهيم بن ادهم سر ذات يوم بمملكته ونعمته ثم نام فرأى رجلا اعطاه كتابا فاذا فيه مكتوب لا توءثر الفانى ولا تغتر بملكك فانت الذى انت فيه جسيم لولا انه عديم فسارع الى امر الله فانه يقول { سارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة } فانتبه فزعا قال هذا تنبيه من الله وموعظة فتاب الى الله واشتغل بالطاعة
ثم فى عبارة { جاءتكم } اشارة الى ان حضرة القرآن تحفة من الله تعالى جسيمة وهدية منه عظيمة وصلت الينا فلم يبق الا القبول وقبوله الائتمار باوامره والانتهاء عن نواهيه
قال بعض القراء قرأت القرآن على شيخ لى ثم رجعت لاقرأ ثانيا فانتهزنى وقال جهلت القراءة على عملا اذهب فاقرأ على غيرى فانظر ماذا يأمرك وينهاك وماذا يفهمك كذا فى الاحياء : ونعم ما قيل :(5/293)
نقد عمرش زفكرت معوج ... خرج شد در رعايت مخرج
صرف كردش همه حيات سره ... در قراآت سبع وعشره
والمقصود من البيت انه يلزم بعد تحصيل قدر ما يتحصل به تصحيح الحروف ورعاية المخرج صرف باقى العمر الى الاهم وهو معرفة الله تعالى وهو متعلق القلب الذى هو اشرف من اللسان وسائر الاعضاء ومعرفة الله انما تحصل غالبا بالذكر ثم الفكر بانكشاف حقائق الاشياء وحقائق القرآن فكما ان الله تعالى ايد النبى عليه السلام بجبريل فكذا ايد الولى بالقرآن وهو جبريل وعلم الشريعة يبقى هنا لان متعلقه على الفناء وانما يذهب الى الآخرة ثوابه بحسب العمل بالخلوص . واما علم الحقيقة فيذهب الى الآخرة لانه على البقاء وهو ازلى ابدى لا زوال له فى كل موطن ومقام كما افاده لى حضرة شيخى وسندى قدس الله نفسه الزاكية ونفعنى واياكم بعلومه النافعة(5/294)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59)
{ قل أرأيتم } اخبرونى ايها المشركون { ما انزل الله لكم من رزق } ما استفهامية منصوبة المحل سادة مسد المفعولين لأرأيتم جعل الرزق منزلا من السماء مع ان الارزاق انما تخرج من الارض اما لانه مقدر فى السماء كما قال تعالى { وفى السماء رزقكم } ولا يخرج من الارض الا على حسب ما قدر فيها فصار بذلك كأنه منزل منها او لانه انما يخرج من الارض باسباب متعلقة بالسماء كالمطر والشمس والقمر فان المطر سبب الانبات والشمس سبب النضج والقمر سبب اللون واللام للمنفعة فدلت على ان المراد منه ما حل { فجعلتم منه } اى جعلتم بعضه { حراما } اى حكمتم بانه حرام { وحلالا } اى وجعلتم بعضه حلالا اى حكمتم بحله مع كون كله حلالا . والمعنى أى شيء انزل الله من رزق فبعضتموه والمقصود والانكار لتجزئتهم الرزق وذلك قولهم { هذه انعام وحرث حجر } وقولهم { ما فى بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على ازواجنا } وهى البحيرة والسائبة والوصيلة والحام { قل } لهم { آلله } [ ايخادا ] { اذن لكم } فى ذلك الجعل فانتم فيه ممتثلون لأمره قائلون بالتحريم والتحليل بحكمه { ام الى الله تفترون } فة نسبة ذلك اليك
وفى الكواشى هذه الآية من ابلغ الزواجر عن التجوز فيما يسأل عنه من الحكم وباعثة على الاحتياط فيه ومن لم يحتط فى الحكم فهو مفتر انتهى
قال على كرم الله وجهه « من افتى الناس بغير علم لعنته السماء والارض »
وسألت بنت على البلخى اباها عن القيئ اذا خرج الى الحلق فقال يجب اعادة الوضوء فرأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال لا يا على حتى يكون ملء الفم فقال عبمت ان الفتوى تعرض على رسول الله فآليت على نفسى ان لا افتى ابدا
وفى الآية اشارة الى انه لا يجوز للمرء ان يعتقد ويقول ان الرزق المعنوى من الواردات الالهية والشواهد الربانية حرام على ارباب النفوس وحلال على اصحاب القلوب وان تحصيل السعادات ونيل هذه الكرامات ليس من شأننا وانما هو من شان الاخيار لكبراء وخواص الانبياء والاولياء فان هذا افتراء على الله فان الله تعالى ما خص قوة بالدعوة الى الدرجات والمقامات العلية بل جعل الدعوة عامة لقوله { والله يدعو الى دار السلام } وقوله { يدعوكم ليغفر لكم } فتحريمه هذا الرزق على نفسه من خساسة نفسه وركاكة عقله ودناءة همته والا فالله تعالى لم يسد عليه هذا الباب بل هو الفياض الوهاب : قال الحافظ
عاشق كه شد كه يار بخالش نظر نكرد ... اى خواجه دردنيست وكرنه طبيب هست
وقال
طالب لعل وكهرنيست وكرنه خورشيد ... همجنان در عمل معدن وكانست كه بود
وفى المثنوى
كر كران وكر شتابنده بود ... عاقبت جوينده با بنده بود
وفى الحكم العطائية وشرحها من استغرب ان ينقذه الله من شهوته التى اعتقلته عن الخيرات وان يخرجه من وجود غفلته التى شملته فى جميع الحالات فقد استعجز القدرة الالهية ومن استعجزها فقد كفر او كاد ودليل ذلك ان الله تعالى يقول { وكان الله على كل شيء مقتدرا } أبان سبحانه ان قدرته شاملة صالحة لكل شيء وهذا امس الاشياء وان اردت الاستعانة على تقوية رجائك فى ذلك فانظر لحال من كان مثلى ثم انقذه الله وخصه بعنايته كابراهيم بن ادهم وفضيل بن عياض وعبد الله بن المبارك وذى النون ومالك بن دينار وغيرهم من مجرمى البداية(5/295)
وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (60)
{ وما ظن الذين يفترون على الله الكذب } ما استفهامية فى محل الرفع على الابتداء وظن خبرها ومفعولاه محذوفان وزيادة الكذب مع ان الافتراء لا يكون الا كذبا لاظهار كمال قبح ما افتعلوه وكونه كذبا فى اعتقادهم ايضا { يوم القيمة } ظرف لنفس الظن اى أى شيء ظنهم فى ذلك اليوم يوم عرض الافعال والاقوال والمجازاة عليها مثقالا بمثقال والمراد تهويله وت وتفظيعه بهول ما يتعلق به ما يصنع بهم يومئذ { ان الفضل لذو فضل } عظيم { على الناس } جميعا حيث انعم عليهم بالعقل المميز بين الحق والباطل والحسن والقبيح ورحمهم بانزال الكتب وارسال الرسل { ولكن اكثرهم لا يشكرون } تلك النعمة الجليلة فلا يصرفون قواهم ومشاعرهم الى ما خلقت له ولا يتبعون دليل العقل فما يستبد به ولا دليل الشرع فيما لا يدرك الا به(5/296)
وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)
{ وما } نافية { تكون } يا محمد { فى شأن } اى فى امر والجمع شؤون من قولك شانت شأنه قصدت قصده مصدر بمعنى المفعول ويكون الشأن بمعنى الحال ايضا يقال ما شأن فلان بمعنى حاله { وما تتلو منه } الضمير للشأن والظرف صفة لمصدر محذوف اى تلاوة كائنة من الشأن لان تلاوة القرآن معظم شأن الرسول { من قرآن } من مزيدة لتأكيد النفى وقرآن مفعول تتلو { ولا تعملون } [ اى آدميان ] { من عمل } من الاعمال تعميم للخطاب بعد تخصيصه بمن هو رأسهم ولذلك ذكر حيث خص ما فيه فخامة وذكر حيث عم ما يتناول الجليل والحقير
قال ابن الشيخ الخطاب وان خص به عليه السلام اولا بحسب الظاهر الا ان الامة داخلون فيه لان رئيس القوم اذا خوطب دخل قومه فى ذلك الخطاب كما فى قوله تعالى { يا ايها النبى اذا طلقتم النساء } { الا كنا عليكم شهودا } استثناء مفرغ من اعم احوال المخاطبين بالافعال الثلاثة اى ما تلابسون بشيء منها فى حال من الاحوال الا حال كوننا رقباء مطلعين عليه حافظين له { اذ تفيضون فيه } ظرف لشهودا اذ تخلص المضارع لمعنى الماضى والافاضة الدخول فى العمل يقال افاض القوم فى العمل اذا اندفعوا فيه اى تخوصون وتندفعون فيه { وما يعزب عن ربك } اى لا يعبد ولا يغيب عن عمله الشامل { من مثقال ذرة } من مزيدة لتأكيد النفى اى ما يساوى فى الثقل نملة صغيرة او هباء { فى الارض ولا فى السماء } اى فى دائرة الوجود والامكان { ولا } لنفى الجنس { اصغر } الذرة { ولا اكبر الا فى كتاب مبين } خبرها وهو اللوح المحفوظ فاذا كان كل شيء مكتوبا فى اللوح فكيف يغيب عن علمه شيء وكيف يخفى عيله امر فلا يظن انه لا يجازى على اقواله وافعاله خيرا كانت او شرا
وفيه اشارة الى طريق المراقبة وحث على المحافظة فان المرء اذا علم يقينا اطلاع الله عليه فى كل آن وحافظ على اوقاته سلم من الخلاف وعامل بالانصاف -حكى- عن عمر البنانى رحمه الله قال مررت براهب فى مقبرة فى كفه اليمنى حصى ابيض وفى كفه اليسرى حصى اسود فقلت يا راهب ما تصنع ههنا قال اذا فقدت قلبى اتيت المقابر فاتبرت بمن فيها فقلت ما هذا الحصى الذى فى كفك فقال اما الحصى الابيض اذا عملت حسنة القيت واحدة منها فى الاسود واذا عملت سيئة واحدة من هذا الاسود فى الابيض فاذا كان الليل فنظرت فان فضلت الحسنات على السيآت افطرت وقمت الى وردى وان فضلت السيآت على الحسنات لم آكل طعاما ولم اشرب شرابا فى تلك الليلة هذه حالتى والسلام عليك
وعن بعض الكبار من علامة موت القلب عدم الحزن على ما فاتك من المراقبات وترك الندم على ما فعلته من وجود الزلات لان الحياة تقتضى الاحساس والعكس صفة الميت وكل معصية من الغفلة والنسيان فذاكر الحق سالم فى الدنيا والآخرة -حكى- ان وليسا اشتاق الى رؤية حبيب من احباء الله فقيل له اذهب الى القصبة الفلانية حبيبى فجاء اليها ورأى رجلا يذكر الله واسدا فاذا تغافل يختطفه الاسد حتى يقطع قطعة لحم من اعضائه فلما قرب اليه وسأل عن حاله قال اردت ان لا اتغافل عن ذكر الله فاذا وقعت الغفلة سلط على كلبا من كلاب الدنيا فانا الازمه مخافة ان يسلط كلبا من كلاب الآخرة على للغفلة
يقول الفقير فى هذه القصة اشارات .(5/297)
منها ان فضوح الدنيا اه9ون من فضوح الآخرة وان مقاساة شدائد طريق الحق فى هذه النشأة أسهل من المؤاخذات الاخروية فعلى المرء ملازمة الطاعة والعبادة وان كانت شاقة عليه : وفى المثنوى
اندرين ره مى تراش ومى خراش ... تا آخر دمى فارغ مباش
ومنها انه لابد من المراقبة فان عجز بنفسه عنها استعان عليها من خارج فانه لا بد للنائم من محركوموقظ اذ النوم طويل والنفس كسلى ولذا جعلوا من شرط الصحبة ان لا يصطحب الا من فوقه : وفى البستان
زخزد بهترىئ جوى وفرصت شمار ... كه باجون خودى كم كنى روزكار
ومنها ان الاسد الذى سلطه الله عليه انما سلطه فى الحقيقة على نفسه ليفترسها فان لم يمت نفسه فى هذا الدار سلطها الله عليه فى دار البوار(5/298)
أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)
{ الا } تنبهوا واعلموا { ان اولياء الله } اى احباء الله واعداء نفوسهم فان الولاية هى معروفة الله ومعرفة نفوسهم فمعرفة الله رؤيته بنظر المحبة ومعرفة النفس رؤيتها بنظر العداوة وعند كشف العداوة عند كشف غطاء احوالها واوصافها فاذا عرفتها حق المعرفة وعلمت انها عدوة الله لك وعالجتها بالمعاندة والمكابدة أمنت مكرها وكيدها وما نظرت اليها بنظر الشفقة والرحمة كما فى التأويلات النجمية
قال المولى ابو السعود رحمه الله الولى لغة القريب والمراد باولياء الل خلص المؤمنين لقربهم الروحانى منه سبحانه انتهى لانهم يتولونه تعالى بالطاعة اى يتقربون اليه بطاعته والاستغراق فى معرفته بحيث رأوا رأوا دلائل قدرته وان سمعوا آياته وان نطقوا بالثناء عليه وان تحركوا تحركوا فى خدمته وان اجتهد واجتهدوا فى طاعته { لا خوف عليهم } فى الدارين من لحوق مكروه والخوف انما يكون من حدوث شيء من المكاره فى المستقبل { ولا هم يحزنون } من فوات مطلوب والحون انما يكون من تحقق شيء مما كرهه فى الماضى او من فوات شيء احبه فيه اى لا يعتريهم ما يوجب ذلك لا انه يعتريهم لكنهم لا يخافون ولا يحزنون ولا انه لا يعتريهم خوف وحرن بل يستمرون على النشاط والسرور كيف ولا استشعار الخوف والخشية استعظاما لجلال الله وهيبته واستقصارا للجد والسعى فى اقامة حقوق العبودية من خصائص الخواص والمقربين
ولذا قال فى الكواشى { لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } فى الآخرة والا فهم اشد خوفا وحزنا فى الدنيا من غيرهم انتهى
وانكا يعتريهم ذلك لان مقصدهم ليس الا طاعة الله ونيل رضوانه انه المستتبع للكرامة والزلفى وذلك مما لا ريب فى حصوله ولا احتماله لفواته بموجب الوعد بالنسبة اليه تعالى واما ما عدا ذلك من الامور الدنيوية المترددة بين الحصول والفوات فهى بمعزل من الانتظام فى سلك مقصدهم وجودا وعدما حتى يخافوا من حصول ضارها او يحزنوا بفوات نافعها كما فى الارشاد . والتحقيق انهم لفنائهم فى عين الهوية الاحدية لم يبق فيهم بقية ولا غاية ما وراء ما بلغوا حتى يخافوا ويحزنوا كما فى نفائس المجالس لحضرة الهدائى قدس سره(5/299)
الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)
{ الذين آمنوا وكانوا يتقون } استئناف مبنى على السؤال ومحل الموصول لرفع على انه خبر لمبتدأ محذوف كأنه قيل من اولئك وما سبب فوزهم بتلك الكرامة فقيل هم الذين جمعوا بين الايمان بكل ما جاء من عند الله والتقوى المفضيين الى كل خير المنحيين عن كل شر
قل شيخنا العلامة ابقاه الله بالسلامة وكانوا يتقون الله تعالى من صدور سيآت الاعمال والاخلاق فى مرتبة الشريعة والطريقة ومن ظهور الغفلات والتلوينات فى مرتبة المعرفة والحقيقة لانهم يصلحون طبائعهم بالشريعة وانفسهم بالطريقة وقلوبهم بالمعرفة وارواحهم واسرارهم بالحقيقة فلا جلام انهم يتقون من جميع ما سوى الله انتهى
يقول الفقير يشير رضى الله عنه بذلك الى ان المراد بالتقوى المرتبة الثالثة منها وهو تنزه الانسان عن كل ما يشغل سره عن الحق والتبتل اليه بالكلية وهذه المرتبة جامعة لما تحتها من مرتبة التوقى عن الشرك التى يفيدها الايمان ايضا ومرتبة التجنب عن كل ما يؤثم من فعل وترك وللاولياء فى شأن التبتل والتنزه درجات متفاوتة حسب تفاوت درجات استعدادهم اقصاها ما انتهى اليه همم الانبياء عليهم السلام جمعوا بين رياستى النبوة والولاية وما عاقبهم التعلق بعلم الاشباح عن العروج الى عالم الارواح ولم يصدهم الملابسة بمصالح الخلق عن الاستغراق فى شؤون الحق لكمال استعداد نفوسهم الزكية المؤيدة القدسية ومن هنا فضل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على عيسى عليه السلام اذ ليس عروجه الى الرابعة ببديع بالنسبة الى عروج رسولنا عليه السلام الى العرش وما فوقه اذ كان تعلقه بذه النشأة من جهة الام فقط وتعلق رسول الله من جهة الابوين ومع ذلك ما عاقه التعلق حتى انتهى فى عروجه الى ما انتهى من نهايات العنصريات وغايات الطبيعيات ودوام الاتصال بالانوار العالية ممكن كما يحكى عن بعض المتألهين وان لم يكن فيجعل هذه الحالة ملكة له فيصير بدنه كقميص يلبسه تارة ويخلعه اخرى ألا ترى ان من قدر على النفقة فهو متى جاع فبيده الشبع يأكل ما شاء فقس عليه الرزق المعنوى والعروج الى مبدأه بل هو اولى من ذلك لانه مستغن عن آلة وسبب وليس الطالب والمطلوب مسافة : وفى المثنوى
اين دراز وكوتهى مرجسم راست ... جه دراز وكوته آنجا كه خداست
جون خدا مرجسم را تبديل كرد ... رفنتش بى فرسخ وبى ميل كردفاذا عرفت
فاذا عرفت ان اولياء الله تعالى هم المؤمنون المتقون بالتقوى الحقيقية فاعرف ايضا انه جاء فى الاولياء اوصاف اخر بعضها متقارب وبعضها باعتبار البداية وبعضها باعتبار النهاية الى غير ذلك
مما روى على كرم الله وجهه هم صفر الوجوه من السهر عمش العيون من العبر خمص البطون من الطوى يبس الشفاه من الذوى(5/300)
وعن سعيد بن جبير ان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من اولياء الله فقال ( هم الذى يذكر الله برؤيتهم } اى بسمتهم واخباتهم وسكينتهم نحو سيماهم فى وجوههم
وقال بعض علامة الاولياء أن همومهم مع الله وشغلهم بالله وفرارهم اليه فنوا فى احوالهم بقائهم فى مشاهدة مالكهم فتوالت عليهم انوار الولاية فلم يكن لهم عن نفوسهم اخبار ولا مع واحد غير الله قرار وهم المتحابون فى الله قال صلى الله تعالى عليه وسلم « ان لله عبادا ليسوا بانبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله » قيل يا رسول الله من هم وما اعمالهم فلعلنا نحبهم قال « هم قوم تحابوا فى الله غير ارحام منهم ولا اموال يتعاطونها فوالله ان وجوههم لنور وانهم لعلى منابر من ثور لا يخافون اذا خاف الناس ولا يحزنون اذا حزن الناس » قوله يغبطهم الانبياء تصوير لحسن حالهم على طريقة التمثيل
قال الكواشى وهذا مبالغة والمعنى لو فرض قوم بهذه الصفة لكانوا هؤلاء والا فلا خلاف ان احدا من غير الانبياء لا يبلغ منزلة الانبياء
وفى تفسير الفاتحة للفنارى ان النبيين يفزعون على اممهم للشفقة التى جبلهم الله عليها للخلق فيقولون يوم القيامة اللهم سلم سلم ويخافون اشد الخوف على اممهم والامم يخافون على انفسهم واما الآمنون على انفسهم فيغبطهم النبيون فى الذى هم عليه من الامن لما هم اى النبيون عليه من الخوف على اممهم وان كانوا آمنين على انفسهم
يقول الفقير وحين الانتهاء فى التحرير الى هذا المحل ظهر لى وجه آخر وهو ان الحديث المذكور ناطق عن المحبة فى الله والمحبة مقام اختص به عليه السلام من بين الانبياء والرسل وهو لا ينافى تحقق الكمل من ورثته بحقائقه اذ كمال التابع تابع لكمال متبوعة فمن الجائز ان يحصل لهم من ذلك المقام وآثاره ما به يغبطهم بعض الانبياء
وقد ورد « علماء امتى كانبياء بنى اسرائيل » ولا يلزم م ذلك بلوغهم منزلة الانبياء ورجحانهم عليهم مطلقا وقد تقرر ان الافضل قد يكون مفضولا من وجه وبالعكس ألا ترى قوله عليه السلام « انتم اعلم بامور دنياكم » ودرجات المعرفة لا نهاية لها والى الله المنتهى
وقال ابو يزيد قدس سره اولياء الله تعالى عرائس ولا يرى العرائس الا من كان محرما لهم واما غيرهم فلا وهم مخدرون عنده فى حجاب الانس لا يراهم احد فى الدنيا ولا فى الآخرة
وقال سهل اولياء الله تعالى لا يعرفهم الا اشكالهم او من اراد ان ينفعه بهم ولو عرفهم حتى يعرفهم الناس لكانوا حجة عليهم فمن خالف بعد علمه بهم كفر ومن قعد عنهم خرج(5/301)
وقال الشيخ ابة العباس معرفة الولى اصعب من معرفة الله فان الله معروف بكماله وجماله ومتى يعرف مخلوق مخلوقا مثله يأكل كما يأكل ويشرب كما يشرب وهم ظاهرهم مزين باحكام الشرع وباطنهم مستغل بانوار الفقر : وفي المثنوى
رهر وراه طريقت اين بود ... كاو باحكام شريعت ميرود
قال الكاشفى فى وصف الاولياء
رخش زميدان ازل تاخته ... كوى بجو كان ابد باخته
معتكفان حرم كبريا ... شسته دل از صورت كبرويا
راه ثوردان شكست قدم ... راز كشايان فروبسته دم
وقال السعدى
اسيرش نخواند رهايى زبند ... شكارش نجويد خلاص ازكمند
دلارام در بر ل دلارى جوى ... لب ازتشنكى خشك بر طرف جوى(5/302)
لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)
{ لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة } بيان لما اولاهم من خيرات الدارين بعد بيان انجائهم من شرورهما ومكارههما . ولجملة مستأنفة كأنه قيل هل لهم وراء ذلك من نعمة وكرامة فقيل لهم ما يسرهم فى الدارين وتقديم الاول لما ان التخلية سابقة عن التحلية . والبشرى مصدر اريد به من الخيرات العاجلة كالنصر والفتح والغنيمة وغير ذلك والآجلة الغنية عن البيان والظرفان فى موقع الحال منه والعامل ما فى الخبر من معنى الاستقرار اى لهم البشرى حال كونها فى الحياة الدنيا وحال كونها فى الآخرة اى عاجلة وآجلة او من الضمير المجرور اى حال كونهم فى الحياة لخ ومن البشرى العاجلة الثناء الحسن والذكر الجميل ومحبة الناس هذا ما اختاره المولى ابو السعود بناء على انها بشارة ناجزة مقصودة بالذات . وقيل البشرى مصدر والظرفان متعلقان به اما البشرى فى الدنيا فهى البشارات الواقعة للمؤمنين المتقين فى غير موضع من الكتاب المبين وعن النبي عليه السلام « هى الرؤيا الصالحة يراها المؤمن او ترى له » اى يراها مسلم لاجل مسلم آخر ولا يخفى ان كون الرؤيا الصالحة مبشرة للمؤمنين يمنع ان تكون بنبوة فتكون بوجه آخر من صلاح وتنبيه غفلة وفرح وغيرها كما فى شرح المشارق لابن الملك وهذه البشارة لا تحصل الا لاولياء الله لانهم مستغرقوا القلب والروح فى ذكر الله ومعرفة الله فمنامهم كاليقظة لا يفيد الا الحق واليقين واما من يكون متوزع الخاطر على احوال هذا العالم الكدر المظلم فانه لا اعتماد على رؤياه
وفى التأويلات النجمية لهم المبشرات التى هى تلو النبوة من الوقائع التى يرون بين النوم واليقظة والالهامات والكشوف وما يرده عليهم من المواهب والمشاهدات كما قال عليه السلام « لم يبق من النبوة الا المبشرات » انتهى
وفى الحديث « الرؤيا الصادقة من الرجل الصالح جزء من ستة واربعين جزأ من النبوة » ومعناه ان النبي عليه السلام حين بعث اقام بمكة ثلاث عشرة سنة وبالمدينة عشر سنين فمدة الوحى اليه فى اليقظة ثلاث وعشرون سنة ومدة الوحى فى المنام ستة اشهر من ثلاث وعشرين سنة فهى جزء من ستة واربعين جزأ وانما ابتدئ رسول الله بالرؤيا لئلا يفجأه الملك بالرسالة فلا تتحملها القوى البشرية فكانت الرؤيا تأنيسا له
وقال بعضهم لهم البشرى عند الموت تأتيهم الملائكة بالرحمة . واما البشرى فى الآخرة فتلقى الملائكة اياهم مسلمين مبشرين بالفوز والكرامة وما يرون من بياض وجوههم واعطاء الصحف بايمانهم وما يقرأون منها وغير ذلك من البشارات فى كل موطن من المواطن الاخروية فتكون هذه بشارة بما سيقع من البشارات العاجلة والآجلة المطلوبة لغاياتها لا لذواتها
[ سلمى فرموده كه بشارات دنيا وعده لقاست ومرده آخرت تحقيق آن وعده .(5/303)
وشيخ الاسلام فرموده كه ولى را دوبشارتست دردنيا شناخت ودرعقبى نواخت . درين سراى سرور مجاهد ودران سراى نور مشاهده . اينجا صفا ووفا وآنجار ضاولقا ]
وفى التأويلات النجمية بشراهم فى الآخرة بكشف القناع من جمال العزة عن سطوات نور القدم وزهق ظلمة الحدوث وبلقاء الحق رحمة منه كما قال { يبشرهم ربهم برحمة } وفى حديث « الرؤية فى النشأة الكثيبية يقول الله تعالى لهم بعد التجلى هل بقى لكم شيء بعد ها فيقولون يا ربنا وأى شيء بقى وقد نجينا من النار وادخلتنا دار رضوانك وانزلتنا بجوارك وخلعت علينا ملابس كرمك واريتنا وجهك فيقول الحق جل جلاله بقى لكم فيقولون يا ربنا وما ذاك الذى بقى فيقول دوام رضاى عليكم فلا اسخط عليكم ابدا » فما احلاها من كلمة وما الذها من بشرى فبدأ سبحانه بالكلام خلقنا فقال كن فاول شيء كان لنا منه السماع فختم ما به بدأ فقال هذه المقالة فختم بالسماع وهو هذه البشرى { لا تبديل لكلمات الله } اى لمواعيده الواردة فى حقهم اذ لا خلف لمواعيده اصلا
ةفى التأويلات النجمية لا يتغير احكامه الازلية حيث قال للولى كن وليا وللعدو وكن عدوا وكانوا كما اراد للحكمة البالغة فلا تغير لكلمة الولى وكلمة العدو { ذلك } التبشير { هو الفوز العظيم } الذى لا يصل الى كهنه العقول وكيف لا وفيه سعادة الدارين
اعلم ان الولاية على قسمين عامة وهى مشتركة بين جميع المؤمنين كما قال الله تعالى { الله ولى الذين ءامنوا يخرجهم من الظلمات الى النور } وخاصة وهى مختصة بلواصلين الى الله من اهل السلوك والولاية عبارة عن فناء العبد فى الحق والبقاء به ولا يشترط فى الولاية الكرامات الكونية فانها توجد فى غير الملة الاسلامية لكن يشترط فيها الكرامات الكونية فانها توجد فى غير الملة الاسلامية لكن يشترط فيها الكرامات القلبية كالعلوم الالهية والمعارف الربانية فهاتان الكرامتان قد تجتمعان كما اجتمعتا فى الشيخ عبد القادر الكيلانى والشيخ ابن مدين المغربى قدس الله سرهما فانه لم يأت من اهل الشرق مثل عبد القادر فى الخوارق ومن اهل الغرب مثل ابن مدين مع مالهما من العلوم والمعارف الكلية وقد تفترقان فتوجد الثانية من دون الاولى كما فى اكثر الكمل من اهل الفناء . واما الكرامات الكونية كالمشى على الماء والطيران فى الهواء وقطع المسافة البعيدة فى المدة القليلة وغيرها فقد صدرت من الرهابنة والمتفلسفة الذين استدرجهم الحق بالخذلان من حيث لا يعلمون كما سبق فى سورة البقرة عند قوله تعالى { ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة او اشد قسوة } الآية . والنبوة والرسالة كالسلطنة اختصاص الهى لا مدخل لكسب العبد فيها . واما الولاية كالوزارة فلكسب العبد مدخل فيها فكما يمكن الوزارة بالكسب كذلك يمكن الولاية بالكسب وفى الحقيقة كل منهما اختصاص عطائى غير كسبى حاصل للعين الثابتة من الفيض الا قدس وظهوره بالتدريج بحصول شرائطه واسبابه يوهم المحجوب فيظن انه كسبى بالتعمل فاول الولاية انتهاء السفر الاول الذى هو السفر من الخلق الى الحق التعشق عن المظاهر والاغيار والخلاص من القيود والاستار والعبور على المنازل والمقامات والحصول على المراتب والدرجات وبمجرد العلم اليقينى للشخص لا يلحق باهل المقام لانه انما يتجلى الحق لمن انمحى رسمه وزال عنه اسمه ولكا كانت المراتب متميزة قسم ارباب هذه الطريقة المقامات الكلية الى عالم اليقين وعين اليقين وحق اليقين
فعلم اليقين متصور الامر على ما هو عليه
وعين اليقين بشهوده كما هو
وحق اليقين بالفناء فى الحق والبقاء علما وشهودا وحالا لا علما فقط ولا نهاية لكمال الولاية فمراتب الاولياء غير متناهية والطريق التوحيد وتزكية النفس عن الاخلاق الذميمة وتطهيرها من الاغراض الدنيئة فمن جاهد فى طريق الحق فقد سعى فى الحلق نفسه بزمرة الاولياء ومن اتبع الهوى فقد اجتهد فى الالتحاق بفرقة الاعداء والسلوك الارادة لاجل الفناء فان المريد من يفن ارادته فى ارادة الشيخ فمن عمل برأيه امرا فهو ليس بمريد : وفى المثنوى(5/304)
مكسل از بيغمبر ايام خويش ... تكيه كم كن برفن وبركام خويش
كرجه شيرى جون روى ره بيدليل ... همجور وبه ودر ضلالى وذليل
هين مبرالا كه بابر هاى شيخ ... تابه بينى عون ولشكر هاى شيخ
وينبغى للمؤمن ان يجتهد فى تحصيل سير اولياء الله واقل الامر ان لا يقصر فى حبهم فان المرء مع من احب ان يحشر معه فلا بد من الجهة الجامعة من وجه خاص(5/305)
وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65)
{ ولا يحزنك قولهم } هو فى الحقيقة نهى له عليه السلام عن الحزن كأنه قيل لا تحزن بقولهم ولا تبال بتكذيبهم وتشاورهم فى تدبير هلاكك وابطال امرك وسائر ما يتفوهون به فى شأنك مما لا خير فيه وانما وجه النبى الى قولهم للمبالغة فى نهيه عليه السلام عن الحزن لما ان النهى عن التأثير نهى عن التأثر باصله
قال الكواشفى يتم الوقف هنا ويختار الاستئناف بان العزة كأنه قيل فمالى لا احزن فقيل { ان العزة } اى الغلبة والقهر { لله جميعا } اى فى مملكته وسلطانه لا يملك احد شيأ منهما اصلا لا هم ولا غيرهم ويعصمك منهم وينصرك عليهم { هو السميع العليم } يسمع ما يقولون فى حقك ويعلم ما يعزمون عليه وهو مكافئهم بذلك
وفى التأويلات النجمية { ان العزة لله جميعا } فى الدنيا والآخرة يعز من يشاء فى الدنيا دون الآخرة ويعز من يشاء فى الآخرة دون الدنيا ويعز فى الدنيا والآخرة جميعا فلا يضره هواجس النفس ووساوس الشيطان فى احتظاظه بشهوات الدنيا ونعيمها والتزين بزينتها ولا يمنعه نعيم الدنيا عن نعيم الآخرة كما قال تعالى { قل من حرم زينة الحياة الله التى اخرج لعباده والطيبات من الرزق } فيكون من خواص عباده لين آتاهم الله فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة بل يكون لبعضهم نعيم الدنيا معينا على تحصيل نعيم الآخرة كما جاء فى الحديث الربانى « وان من عبادى من لا يصلحه الا الغنى فان افقرته يفسده ذلك »(5/306)
أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (66)
{ الا ان لله من فى السموات ومن فى الارض } اى العقلاء من الملائكة والثقلين واذا كان هؤلاء الذين هم اشرف الممكنات عبيد اله سبحانه مقهورين تحت قدرته وملكيته فما عداهم من الموجودات اولى بذلك فهو قادر على نصرك عليهم ونقل اموالهم وديارهم اليك { وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء } ما نافية وشركاء مفعول يتبع ومفعول يدعون محذوف لظهوره والتقدير وما يتبع الذين يدعون آلهة من دون الله شركاء فى الحقيقة وان سموها شركاء لان شركة الله تعالى فى الربوبية محال { ان يتبعون الا الظن } اى ما يتبعون الا ظنهم انها شركاء { وان هم } اى ما هم { الا يخرصون } يكذبون فيما ينسبونه الى الله سبحانه يقال خرص يخرص خرصا اى كذب وهو من باب نصر والخراص الكذاب . ثم نبه على تفرده بالقدرة الكاملة والنعمة الشاملة ليدلهم على توحده باستحقاق العبادة(5/307)
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67)
{ هو الذى جعل لكم الليل } مظلما { لتسكنوا فيه } وتستريحوا من تعب الطلب { والنهار مبصرا } لتتحركوا فيه لتحصيل اسباب معاشكم فحذف مظلما لدلالة مبصرا عليه وحذف لتتحركوا لدلالة لتسكنوا عليه . واسناد الابصار الى النهار مجازى والمراد يبصر فيه كقوله نهاره صائم وليله قائم اى صام فى نهارهو قام فى ليله
وفيه اشارة الى ان الله تعالى جعل بعض الاوقات للاستراحة من نصب المجاهدات وتعب الطاعات لنزول ملالة النفوس وكلالة القلوب ويستجد الشوق الى جانب المطلوب ومن ثمة جعل اهل التدريس يوم التعطيل ليحصل النشاط الجديد للتحصيل كما قال ابن خيام
زمانى بحث ودرس وقيل وقالى ... كه انسانرا بود كسب كمالى
زمانى شعر وشطرنج وحكايات ... كه خاطررا شود دفع ملالى
ففى الانتقال من اسلوب الى اسلوب تجديد كتقلب اهل الكهف من اليمين الى الياسر من عهد يعيده : قال الحافظ
از قال وقيل مدرسه حال دلم كرفت ... ايك جند نيز خدمت معشوق ومى كنم
لك } اى جعل كل منهما كما وصفت { لآيات } عجيبة كثيرة { لقوم يسمعون } اى سماع تدبر واعتبار لمواعظ القرآن وتخصيص الآيات بهم مع انها منصوبة لمصلحة الكل لما انهم المنتفعون بها(5/308)
قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (68)
{ قالوا } اى بنوا مدلج كما فى الكاشفى { اتخذ الله ولدا } اى تبناه
وفى التبيان قالت اليهود عزير بن الله وقالت النصارى المسيح بن الله وقالت قريش الملائكة بنات الله { سبحانه } تنزيه وتقديس له عما نسبوا اليه من الولد وتعجب لكلمتهم الحمقاء اما انه تنزيه فلان تقديره اسبحه تسبيحا اى انزه تنزيها واما انه تعجب فلانه يقال فى مقام التعجب سبحان الله واستعمال اللفظ فى الاول حقيقى وفى الثانى مجازى
فان قلت لفظ واحد فى معنيين حقيقى ومجازى ممنوع
قلت لا يلزم ان يكون استفادة معنى التعجب منه باستعمال اللفظ فيه بل هى من المعانى الثوانى كما فى حواشى سعدى حلبى
ورد فى الاذكار لكل اعجوبة سبحان الله ووجه اطلاق هذه الكلمة عند تعجب هو ان الانسان عند مشاهدة الامر العجيب الخارج عن حد امثاله يستبعد وقوعه وتنفعل نفسه منه كأنه استقصر قدرة الله فلذلك خطر على قلبه ان يقول قدر عليه واوجده ثم تدارك انه فى هذا الزعم مخطئ فقال سبحان الله تنزيها لله تعالى عن العجز عن خبق امر عجيب يستبعد وقوعه لتيقنه بانه تعالى على كل شيء قدير كذا فى حواشى ابن الشيخ فى سورة النصر { هو الغنى } عن كل شيء وهو علة لتنزهه سبحانه فان اتخاذ الولد مسبب عن الحاجة فيتخذه الضعيف ليتقوى به والفقير ليستعين به والذليل ايتعزز به والحقير ليشتهر به وكل ذلك علامة الاحتياج { له ما فى السماوات وما فى الارض } اى من العقلاء وغيرهم وهو تقرير لغناه وتحقيق لمالكيته تعالى لكل ما سواه { ان عندكم من سلطان بهذا } اى ما عندكم حجة وبرهان بهذا القول الباطل الذى صدر منكم فان نافية ومن زائدة لتأكيد النفى وسلطان مبتدأ والظرف المتقدم خبره متعلق بسلطان { اتقولون على الله ما لا تعلمون } توبيخ وتقريع على اختلافهم وجهلهم . وفيه تنبيه على ان كل قول لا دليل عليه فهو جهالة وان العقائد لا بد لها من برهان قطعى وان التقليد فيها غير جائز(5/309)
قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (69)
{ قل ان الذين يفترون على الله الكذب } باتخاذ الولد واضافة الشريك اليه { لا يفلحون } لا ينجون من مكروه ولا يفوزون بمطلوب اصلا(5/310)
مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)
{ متاع فى الدنيا } حواب سؤال كان قائلا قال كيف لا يفلحون وهم فى الدنيا بانواع ما يتلذذون به متمتعون فقيل ذلك متاع يسير فى الدنيا زائل لا بقاء له وليس بفوز بالمطلوب { ثم الينا مرجعهم } اى بالموت { ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون } فيبقون فى الشقاء المؤبد بسبب كفرهم المستمر فى الدنيا فاين هم من الفلاح
قال فى التأويلات النجمية فى الدنيا ما ذاقوا الم العذاب لانهم كانوا نياما والنائم لا يجد الم شيء من الجراحات والناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا
مردمان غافلند از عقبى همه كويى بخفتكان مانند ... ضرر غفلتى كه مى وزرند
جون بميرد آنكهى دانند ... وفى الآيات نهى عن الشرك والذب وفى الحديث « ألا اخبركم بشيء امر به نوح عليه السلام ابنه فقال يا بنى آمرك بامرين وانهاك عن امرين آمرك ان تقول لا اله الا الله وحده لا شريك له فان السماء والارض لو جعلتا فى كفة ولا اله الا الله فى كفة لرجح لا اله الا الله وآمرك ان تقول سبحان الله وبحمده فانها صلاة الملائكة ودعاء الخلق وبها يرزق الخلق وانهاك ان لا تشرك بالله شيأ فان من اشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة وانهاك عن الكبر فان احدا لا يدخل الجنة وفى قلبه مثقال حبة من خردل اى ان الله اذا اراد ان يدخله الجنة نزع ما فى قلبه من الكبر حتى يدخلها بلا كبر او لا يدخلها دون مجازاة ان جازاه واو لا يدخلها مع المتقين اول وهلة
يقول الفقير الظاهر انه زجر بطريق التشديد وليس المراد كبر لكفر لانه جاء فى مقابلته . والحاصل ان الكبر وهو الارتفاع على الناس واحتقارهم من لكبائر التى تقرب من الكفر فى الجزاء ومثله ترك الصلاة كما جاء ( من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر ) وفى الحديث » بر الوالدين يزيد فى العمر والكذب ينقص الرزق والدعاء يرد القضاء « رواه الاصبهانى . اما الاول فوارد على طريق الفرض وحث على البر بطريق المبالغة بان له من الاثر فى الخير ما لو امكن ان يبسط فى عمر البار لكان ذلك ويجوز فرض المحال اذا تعلق بذلك حكمة قال تعالى { قل ان كان للرحمن ولد } واما الثانى فمعناه ان الكذب يمحق بركة الكذاب فيكون فى حكم الناقص ويجوز على فرض المحال اى لو كان شيء ينقص الرزق لكان هو الكذب واما الثالث فالمراد ان الدعاء يرد القضاء المعلق الذى توقف رده على اسباب وشروط لا القضاء المبرم الذى لا يقبل التغير اصلا
فعلى العاقل ان يجتهد فى تحصيل التوحيد الحقانى برعاية الاوامر الشرعية والانتهاء عما نهى الله تعالى عنه من المحرمات القولية والفعلية والاجتناب عن المشاغل القلبية والاحتراز عن الميل الى ما سوى الحضرة الاحدية فان الرجوع الى تلك الحضرة لا الى غيرها والتوحيد تحفة مقبولة ولا يقبل الله احدا الا به والشرك سبب لعذابه كما قال تعالى { ثم نذيقهم العذاب الشديد } وفيه اشارة الى ان عذاب الدنيا بالنسبة الى عذاب الآخرة كلا عذاب اذ كلما انتقل المرء من طور الى طور وجد الامر على الشدة وهو كذلك مبدأ ومعادا الا من تداركه الله تعالى بعنايته وخصه بتوفيق من حضرته(5/311)
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71)
{ واتل عليهم } اى على المشركين من اهل مكة { نبأ نوح } خبره مع قومه لينزجروا بذلك عما هم عليه من الكفر والعناد
وقال فى البستان كان اسم نوح شاكرا وانما يسمى نوحا لكثرة نوحه وبكائه من خوف الله وهو اول من امر بنسخ الاحكام وامر بالشرائع وكان قبله نكاح الاخت حلالا فحرم ذلك على عهده وبعثه الله نبيا وهو يومئذ ابن اربعمائة وثمانين سنة { اذ قال } معمول لنبأ لا لقوله اتل لانه مستقبل واذا ماض والمراد بعض نبأه عليه السلام لا كل ما جرى بينه وبين قومه { لقومه } اللام للتبليغ { يا قوم } [ اى كروه من ] { ان كان كبر عليكم } اى اعظم وشق { مقامى } اى نفسى كما يقال فعلته لمكان فلان اى لفلان ومنه قوله تعالى { ولمن خاف مقام ربه } اى خاف ربه او قيامى ومكثى بين ظهرانيكم مدة طويلة وهو الف سنة الا خمسين عاما او قيامى { وتذكيرى } [ بند دادن من شمارا ] { بآيات الله } [ بعلامتهاى روشن بروحدانيت خدا ] فانهم كانوا اذا وعظوا الجماعة يقومون على ارجلهم لكون ذلك ادخل فى الاسماع كما يحكى عن عيسى عليه السلام انه كان يعظ الحواريين قائما وهم قعود . فيحتمل ان يستثقلوا ذلك وكان سحبان وهو رجل بليغ من العرب يقوم ويتكئ على عصاه ويسرد الالفاظ وكراسى الوعاظ اليوم بدل من القيام وكان عليه السلام يخطب على منبر من طين قبل ان يتخذ المنبر الذى هو من الشجر وكان له ثلاث درجات ولم يزل على حاله حتى زاد مروان فى خلافة معاوية ست درجات من اسفله { فعلى الله توكلت } جواب للشرط اى دمت على تخصيص التوكل به وتفويض الامور اليه فانه معينى وناصرى فيما اردتم بى من القتل والاذى وانما حمل على الدوام التوكل واستمراره لئلا يرد انه عليه السلام متوكل على الله دائما كبر عليهم مقامه او لم يكبر
وقال ابن الشيخ الاظهر ان يقال الجواب محذوف اى فافعلوا ما شئتم والمذكور تعليل لعدم مبالاته بهم { فاجمعوا امركم } بقطع الهمزة من الاجماع وهو العزم يقال اجمعت على الامر اذا عزمت عليه فهو يتعدى بعلى الا ان حرف الجر حذف فى الآية واوصل الفعل الى المجرور بنفسه
وقل ابن الهيثم اجمع امره جعله مجموعا بعد ما كان متفرقا وتفرقه انه يقول مرة افعل كذا واخرى كذا واخرى كذا واذا عزم على امر واحد فقد اجمعه اى جعله جميعا . والمعنى فاعزموا على امركم الذى تريدون بى من السعى فى اهلاكى { وشركائكم } بالنصب على ان الواو بمعنى مع اى مع آلهتكم التى تزعمون ان حالكم تقوى بالتقرب اليها واجتمعوا فيه على اى وجه يمكنكم
قل الكاشفى [ ملخص آيت آنكه شما همه بقصد من اتفاق كنيد ] { ثم } للتراخى فى الرتبة { لا يكن امركم } ذلك { عليكم غمة } اى مستورا من غمه ستره واجعلوه ظاهرا مكشوفا تجاهروننى به فان الستر انما يصار اليه لسد باب تدارك الخلاص بالهرب او نحوه فحيث استحال ذلك فى حقى لم يكن للستر وجه { ثم اقضوا الىّ } اى ادوا الى واوصلوا ذلك الامر الذى تريدون بى وامضوا ما فى انفسكم او ادوا الى ما هو حق عليكم عندكم من اهلاكى كما يقضى الرجل غريمه { ولا تنظرون } ولا تمهلونى بل عجلوا ذلك باشد ما تقدرون عليه من غير انتظار وانما خاطبهم بذلك اظهار لعدم المبالاة بهم وانهم لن يجدوا اليه سبيلا وثقة بالله سبحانه وبما وعده من عصمته وحفظه(5/312)
فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72)
{ فان توليتم } اى ان اعرضتم عن نصيحتى وتذكيري ودمتم عليه وجواب الشرط محذوف اى فلا باعث لكم على التولى ولا موجب وقوله تعالى { فما سألتكم } بمقابلة وعظى وتذكيرى علة له { من اجر } اى شيء من حطام الدنيا تؤدونه الى حتى يؤدى ذلك الى توليكم اما لثقله عليكم او لكونه سببا لاتهامكم اياى بان تقولوا انما يعظنا ويذكرنا طمعا لنيل الاجر والمال قبلنا { ان اجرى الا على الله } اى ما ثوابى على العظة والتذكير الا عليه يثيبنى به آمنتم او توليتم { وامرت ان اكون من المسليمن } ممن اسلم وجهه لله فلا يأخذ على تعليم الدين شيأ . وايضا ان المتعين لخدمة لا يجوز له ان يأخذ عليها اجرة والانبياء والاولياء متعينون لخدمة الارشاد ومن علم بالحسبة ولم يأخذ له عوضا فقد عمل عمل الانبياء عليهم السلام . وقد جوز المتأخرون اخذ الاجرة على التعليم والتأذين والامامة والخطابة وغير ذلك لكن ينبغى للآخذ اخلاص النية فى عمله والا فقد جاء الوعيد : قال السعدى
زيان ميكند مرد تفسير دان ... كه علم وادب ميفروشدبنان
بدين اى فرومايه دينى مخر ... جوخر بانجيل عيسى مخر
واعلم ان المعلم الناصح اذا رغب فى اصلاحك واصلاح غيرك حتى يودّ لو ان الناس كلهم صلحوا على يديه فانما يرغب فى ذلك ليكثر اتباع محمد صلى الله تعالى عليه وسلم لما سمعه يقول « انى مكاثر بكم الامم » وهذا مقام رفيع لغناه عن عظة فى ارشاده وانما غرضه اقامة جاه محمد وتعظيمه كما يحكى ان رابعة العدوية كانت تصلى فى اليوم والليلة الف ركعة وتقول ما اريد بها ثوابا ولكن ليسر بها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ويقول للانبياء انظروا الى امرأة من امتى هذا عملها فى اليوم والليلة فاذا تعلقت نية المعلم والعامل بهذا يجازيهما الله على ذلك من حيث المقام(5/313)
فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73)
{ فكذبوه } عطف على قوله قال لقومه اى اتل عليهم نبأ نوح اذ قال لقومه كذا وكذا فاصروا على تكذيبه تمردا وعنادا فتولوا عن تذكيره فحقت عليهم كلمة العذاب فاغرقوا { فنجيناه } من الغرق والفاء فصيحة تفصح عن كون الكلام شتملا على الحذف والتقدير كما قدرنا { ومن } استقر { معه فى الفلك } وكانوا ثمانين اربعين رجلا واربعين ارمأة كما فى البستان . او فنجيناهم فى هذا المكان فان انجاءهم وقع فى الفلك فعلى هذا يتعلق فى الفلك بنجيناه وعلى الاول يتعلق باستقرار الذى تعلق به معه { وجعلناهم خلائف } اى سكان الارض وخلفا ممن غرق وهلك
قال فى البستان لما خرجوا من السفينة ما تواكلهم الا اولاد نوح سام وحام ويافث ونساؤهم كما قال تعالى { وجعلنا ذريته هم الباقين } فتوالدوا حتى كثروا فالعرب والعجم والفرس والروم كلهم من ولد سام والحبش والسند والهند من اولاد حام ويأجوج ومأجوج والصقلاب والترك من اولاد يافث { واغرقنا لذين كذبوا بآياتنا } بالطوفان
قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افتدى تأثير طوفان نوح يظهر فى كل ثلاثين سنة مرة لكن على الخفة فيقع مطر كثير ويغرق بعض القرى والبيوت من السبيل { فانظر كيف كان عاقبة المنذرين } وهم قوم نوح وفيه تحذير لمن كذب الرسول وتسلية له
محالست جون دوست داردترا ... كه دردست دشمن كذارد ترا(5/314)
ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74)
{ ثم بعثنا } اى ارسلنا { من بعده } اى بعد نوح { رسلا } التكثير للتفخيم ذاتا ووصفا اى رسلا كراما ذوى عدد كثير { الى قومهم } كل رسول الى قومه خاصة كما ستفاد من اضافة القوم الايكة واهل مدين وغير ذلك ممن قص منهم ومن لم يقص { فجاؤهم } اى جاء كل رسول قومه المخصوصين به { بالبينات } بالمعجزات الواضحة مثبتة لدعواهم والباء اما متعلقة بالفعل المذكور على انها للتعدية او بمحذوف وقع حالا من ضمير جاؤا اى ملتبسين بالبينات . والمراد جاء كل رسول بالبينات الكثيرة فان مراعاة انقسام الآحاد الى الآحاد انما هى فيما بين ضميرى جاؤهم { فما كانوا ليؤمنوا } اى فما صح وما استقام لقوم من اولئك الاقوام فى وقت من الاوقات ان يؤمنوا بل كان ذلك ممتنعا منهم لشدة شكيمتهم فى الكفر والعناد { بما كذبوا به من قبل } ما موصولة عبارة عن جميع الشرائع التى جاء بها كل رسول اصولها وفروعها والمراد بيان استمرار تكذيبهم من حين مجيء الرسل الى زمان الاصرار والعناد فان المحكى آخر حال كل قوم او عبارة عن اصول الشرائع التى اجمعت عليها الرسل قاطبة . والمراد بيان استمرار تكذيبهم بيان استمرار تكذيبهم من قبل مجيء الرسل الى زمان مجيئهم الى آخره فالمحكى جميع احوال كل قوم ومعنى تكذيبهم بها قبل مجيء انهم ما كانوا فى زمن الجاهلية بحيث لم يسمعوا بكلمة التوحيد قط بل كان كل قوم من اولئك الاقوام يتسامعون بها من بقايا من قبلهم كثمود من بقايا عاد وعاد من بقايا قوم نوح فيكذبونها ثم كاتنت حالتهم بعد مجيئهم الرسل كحالتهم قبل ذلك كأن لم يبعث اليهم احد . وفيه اشارة الى ان اهل الفترة مؤاخذون من جهة الاصول { كذلك } الكاف نعت مصدر محذوف اى مثل ذلك الطبع والختم المحكم الممتنع زواله { نطبع } [ مهرمى نهيم ] { على قلوب المعتدين } المتجاوزين باختيار الاصرار على الكفر
اعلم ان الله تعالى قد دعا الكل الى التوحيد يوم الميثاق ثم لما وقع التنزل الى هذه النشأة الجسمانية لم يزل الروح الانسانى داعيا الى قبول تلك الدعوة الالهية والعمل بمقتضاها لكن من كان شقيا بالشقاوة الاصلية الازلية لما لم يقبلها فى ذلك اليوم استمر على ذلك فلم يؤمن بدعوة الانبياء ومعجزاتهم فتكذيب الانبياء مسبب عن تكذيب الروح وتكذيبه مسبب عن تكذيب الله تعالى يوم الميثاق وهم وان كانوا ممن قال بلى لكن كان ذلك من وراء الحجب حيث سمعوا نداء الست بربكم من ورائها فلم يفهموا حقيقته واجابوا بما اجاب به غيرهم لكن تقليدا لا تحقيقا وكما ان الله تعالى طبع على قلوب المكذبين للرسل بسوء اختيارهم وانهماكهم فى الغى والضلال كذلك طبع على قلوب المنكرين للاولياء بسوء معاملاتهم وتهالكهم على لتقليد فما دخل فى قلوبهم الاعتقاد وما جرى على السنتهم الاقرار كما لم يدخل فى قلوب الاولين التصديق ولم يصدر من ألسنتهم ما يستدل به على التوفيق ثم هم مع كثرتهم قد جاءوا وذهبوا ولم يبق منهم اثر ولا اسم وسيلحق بهم الموجودون ومن يليهم الى آخر الزمان : وفى المنثوى(5/315)
منبرى كوكه بر ىنجا مخبرى ... ياد آرد روزكار منكرى
سكه شاهان همى كردد دكر ... سكه احمد ببين تا مستقر
برزخ نقره وياروى زرى ... وانما برسكه نام منكرى
نسأل الله سبحانه ان يجعلنا من اهل التوحيد ويخلصنا واياكم من ورطة التقليد(5/316)
ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75)
{ ثم بعثنا من بعدهم } من بعد هؤلاء الرسل { موسى } ابن عمران { وهرون } وهو اخو موسى اكبر منه بثلاث سنين { الى فرعون } [ بسوى وليد بن مصعب باقابوس كه فرعون آن زمان بود ] { وملائه } اى اشراف قومه وهو اكتفاء بذكر الجل عن الكل { بآياتنا } بالآيات التسع وهى العصا واليد البيضاء والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس وفلق البحر واضافتها الى نفسه تنبيها على خروجها عن حيز استطاعة العبد { فاستكبروا } عن اتباعهما وذلك قول اللعين لموسى عليه السلام { ألم نر ربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين } { وما كانوا مجرمين } اى كانوا معتادين لارتكاب الذنوب العظام فان الاجرام مؤذن بعظم الذنب ومنه الجرم اى الجثة فلذلك استهانوا برسالة الله تعالى عز وجل(5/317)
فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76)
{ فلما جاءهم احق من عندنا } المراد بالحق الآيات التسع التى هى حق ظاهر من عند الله بخلقه وايجاده لا تخييل وتمويه كصنعتهم { قالوا ان هذا } [ اين كه توآورده ومعجزه نام كرده ] { لسحر مبين } ظاهر كونه سحرا(5/318)
قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77)
{ قال موسى } على طريقة الاستفهام الانكارى التوبيخى وهو استئناف بيانى { أتقولون للحق } الذى هو ابعد شيء من السحر لذى هو الباطل البحت { لما جاءكم } اى حين مجيئه اياكم ووقوفكم عليه او من اول الامر من غير تأمل وتدبر وكلا الحالين مما ينافى القول المذكور والمقول محذوف لدلالة ما قبله عليه اى أتقولون له انه لسحر وهو مما لا يمكن ان يقوله قائل ويتكبم به متكلم ويجوز ان يكون القول بمعنى العيب والطعن من قولهم فلان يخاف القالة اى العيب وبين الناس تقاول اذا قال بعضهم لبعض ما يسوءه ونظيره الذكر فى قوله تعالى { سمعنا فتى يذكرهم } اى يعيبهم فيستغنى عن المفعول اى { أتعيبونه } وتطعنون فيه { أسحر هذا } الذى امره واضح مكشوف وشأنه مشاهد معروف بحيث لا يرتاب فيه احد ممن له عين مبصرة وهو انكار مستأنف من جهة موسى لكونه سحرا وتقديم الخبر للايذان بانه مصب الانكار { ولا يفلح الساحرون } جملة حالية من ضمير المخاطبين اى أتقولون انه سحر والحال انه لا يفلح فاعله اى لا يظفر بمطلوب ولا ينجو من مكروه فكيف يمكن صدوره من مثلى من المؤيدين من عند الله الفائزين بكل مطلب لناجين من كل محذور(5/319)
قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78)
{ قالوا } استئناف بيانى كأنه قيل فما ذا قال فرعون واصحابه لموسى عند ما قال لهم ما قال فقيل قالوا عاجزين عن المحاجة { أجئتنا } خطاب لموسى وحده لانه هو الذى ظهرت على يده معجزة لعصا واليد البيضاء { لتلفتنا } اى لتصرفنا واللام متعلقة بالكجيء اى أجئتنا لهذا الغرض { عما وجدنا عليه ىباءنا } اى من عبادة الاصنام
وقال سعدى المفتى الظاهر من عبادة غير الله تعالى فانهم كانوا يعبدون فرعون { وتكون لكما الكبرياء } اى الملك لان الملوك موصوفون بالكبر والتعظم { فى الارض } اى ارض مصر فلا نؤثر رياستكما على رياسة انفسنا فلما بينوا ان سبب اعراضهم عن قبول دعوتهما هذان الامران صرحوا بالحكم المتفرع عليهما فقالوا { وما نحن لكما بمؤمنين } اى بمصدقين فيما جئتما به(5/320)
وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (79)
{ وقال فرعونؤ لملائه يأمرهم بترتب مبادئ الزامهما عليهما السلام بالفعل بعد اليأس عن الزامهما بالقول { ائتونى بكل ساحر عليم } بفنون السحر حاذق ماهر فيه ليعارض موسى(5/321)
فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80)
{ فلما جاء السحرة } الفاء فصيحة اى فاتوا به فلما جاؤا فى مقابلة موسى { قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون } اى ملقون له كائنا ما كان من اصناف السحر . وفى ابهام ما انتم تخسيس له وتقليل واعلام انه لا شيء يلتفت اليه
فان قيل كيف امرهم بالسحر والعمل بلسحر كفر والامر بالكفر كفر
فالجواب ان امرهم بالقاء الحبال والعصى ليظهر للخلق ان ما اتوا به عمل فاسد وسعى باطل الا انه امرهم بالسحر(5/322)
فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81)
{ فلما القوا } ما القوا من العصى والحبال واسترهبوا الناس وجاؤا بسحر عظيم { قال } لهم { موسى } غير مكترث بهم وبما صنعوا { ما جئتم به السحر } اى الذى جئتم به هو السحر لا ما سماه فرعون وقومه سحرا من آيات الله سبحانه فما موصولة وقعت مبتدأة والسحر خبرها والحصر مستفاد من تعريف لخبر { ان الله سيبطله } اى سيمحقه بالكلية بما يظهره على يدى من المعجزة فلا يبقى له اثر اصلا او سيظهر بطلانه للناس والسين للتأكيد
اذا جاء موسى والقى العصا فقد بطل السحر والساحر ... سحر با معجزة بهلو نزند ايمن باش { ان الله لا يصلح عمل المفسدين } اى لا يثبته ولا يكمله ولا يديمه بل يمحقه ويهلكه ويسلط عليه الدمار
قال القاضى وفيه دليل على ان السحر افساد وتمويه لا حقيقة له انتهى . وفيه بحث فانه عند اهل الحق ثابت حقيقة ليس مجرد اراءة وتمويه وكون اثره هو التخييل لا يدل على انه لا حقيقة له اصلا(5/323)
وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82)
{ ويحق الله الحق } [ ىنجه من آورده ام ] اى يثبته ويقويه { بكلماته } باوامره وقضاياه { ولو كره المجرمون } ذلك والمراد بهم كل من اتصف بالاجرام من السحرة وغيرهم
قال الكاشفى [ يعنى حق سبحانه وتعالى بوعده نصرت وفاكند وازخشم وكراهت دشمنان باك ندارد ودر مثنوى معنوى اشارتى بدين معنى هست ]
حق تعالى ازغم وخشم خصام ... كى كذارد اوليار درعوام
مه فشاند نوروسك وع وع كند ... سك زنور ماه كى مرتع كند
خس خسانه ميرود برروى آب ... آب صافى يرود بى اضطراب
مصطفى مه ميشكافد نيمشب ... زاز مى خايد زكينه بولهب
آن مسيحا مرده زنده ميكند ... وآن جهود از خشم سبلت ميكند
وفى الآيات اشارة الى موسى القلب وهارون السر وفرعون النفس وصفاتها وما يجرى بينهما من الدعوة وعدم القبول فان موسى القلب وهارون السر يدعو ان النفس الى كلمة التوحيد وعبادة الله تعالى والنفس تدعى الربوبية ولا تثبت آلها غير هواها وتمتنع ان تكون لسلطنة والتصرف لهما فى ارضها والله تعالى يحق الحق بكلمة لا اله الا الله ولو كره المجرمون من اهل الهوى من النفوس المتمردة الامارة بالسوء : قال الحافظ :
اسم اعظم بكند كارخود اى دل خوش باش ... كه بتلبيس وحيل ديو سليمان نشود
-يحكى- ان الشيخ لجنيد العجمى اجتهد اربعين سنة لينال السلطنة فلم يتيسر ثم جاء من اولاده سلاطين روافض كشاه اسماعيل وشاه عباس وشاه طهماس فهزمهم الله تعالى على ايدى الملوك العثمانية فاندفع شرهم وارتفعت فتنتهم من الارض فقد ظهر ان الحق من اهل الحق فهم موسى وهارون واهل الباطل كفرعون وقد ثبت ان لكل فرعون موسى وذلك فى كل عصر الى ان ينزل عيسى عليه السلام يقتل الدجال
فان قلت ما الحكمة فى تسليط الظلمة على اهل الارض وقد استعبد فرعون بنى اسرائيل سنين كثيرة
قلت تحصيل جوهرهم مما اصابهم من غش الآثام ان كانوا اهلا لذلك والا فهو عذاب عاجل -يحكى- ان عمر رضى الله عنه لما بلغه ان اهل العراق حصبوا اميرهم اى رموه بالحجارة خرج غضبان فصلى فسها فى صلاته فلما سلم قال اللهم انهم لبسوا على فالبس عليهم وعجل عليهم بالغلام الثقفى يحكم فيه بحكم الجاهلية لا يقبل من محسنهم ولا يتجاوز عن مسيئتهم وكان ذلك قبل ان يولد الحجاج فلما ولد كان من امره ما كان وفى الحديث « يلحد بمكة تيس من قريش اسمه عبد الله عليه مثل اوزار الناس »
قال صاحب انسان العيون هو عبد الله بن الحجاج ولا مانع من ان يكون الحجاج من قريش
وفة حياة الحيوان ان العرب اذا ارادوا مدح الانسان قالوا كبش واذا ارادوا ذمه قالوا تيس ومن ثمة قال صلى الله تعالى عليه وسلم فى المحلل « التيس المستعار »(5/324)
فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83)
{ فمن آمن لموسى } فى مبدأ امره قبل القاء العصا واما ايمان السحرة فقد وقع بعده فلا ينافى الحصر المذكور هنا { الاذرية من قومه } اى الا اولاد من اولاد قومه بنى اسرائيل حيث دعا الآباء فلم يجيبوه خوفا من فرعون واجابته طائفة من شبانهم وذلك ان لفظ لذرية يعبر به عن القوم على وجه التحقير والتصغير لا سبيل لحمله على التحقير والاهانة ههنا فوجب حمله على التصغير بمعنى قبلة العدد او حداثة السن { على خوف } اى كائنين على خوف عظيم { من فرعون وملائهم } اى ملأ الذرية ولو يؤنث لان الذرية قوم فذكر على المعنى . تلخيصه آمنوا وهم يخافون من فرعون ومن اشراف بنى اسرائيل لانهم كانوا يمنعون اعقابهم خوفا من فرعون عليهم وعلى انفسهم ويجوز ان يكون الضمير لفرعون على ان المراد بفرعون آله كثمود اسم قبيلة { ان يفتنهم } ان يعذبهم فرعون او يرجع آباؤهم الى فرعون ليردهم الى الكفر وهو بدل اشتمال تقديره على خوف من فرعون فتنته كقولك اعجبنى زيد علمه واسناد الفعل الى فرعون خاصة لانه الآمر بالتعذيب
قال فى التأويلات النجمية فما آمن لموسى القلب الاذرية من قومه وهى صفاته ويجوز ان تكون الهاء فى قومه راجعة الى فرعون النفس اى ما آمن لموسى القلب الا بعض صفات فرعون النفس فانه يمكن تبديل اخلاقها الذميمة بالاخلاق الحميدة القلبية على خوف من فرعون وملائهم يعنى على خوف من فرعون النفس والهوى والدنيا وشهواتها بان يبدلوها باخلاقها الطبيعية التى جبلت النفس عليها وبهذا يشير الى ان النفس وان تبدلت صفاتها الا مارية الى المطمئنة لا يؤمن مكرها وتبدلها من المطمئنة الا الامالاية كما كان حال بلعام وبرصيصا ان يفتنهم بالدنيا وشهواتها ويرجع النفس قهقرى الى اماريتها انتهى
قال ضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر فى مواقع النجوم وعلامة المدعى فى الوصول رجوعه الى رعونة النفس واعراضها ولهذا قال ابو سليمان الدارانى من رؤساء المشايخ لو وصلوا ما رجعوا وانما حرموا الوصول لتضييعهم الاصول فمن لم يتخلق وعلامة من صح وصوله الخروج عن الطبع والادب مع الشرع واتباعه حيث سلك انتهى
{ وان فرعون لعال فى الارض } لغالب فى ارض مصر ومتكبر وطاغ { وانه لمن المسرفين } فى الظلم والفساد بالقتل وسفك الدماء او فى الكبر والعتو حتى ادعى الربوبية واسترق اسباط الانبياء وهم بنوا اسرائيل فانهم من فروع يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم عليه السلام(5/325)
وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84)
{ وقال موسى } لما رأى تخوف المؤمنين منه { يا قوم } [ اى كروه من ] { ان كنتم آمنتم بالله } اى صدقتم به وبآياته وعلمتم ان ايصال المنافع ودفع المضار بقبضة اقتداره { فعليه توكلوا } وثقوا به واعتمدوا عليه ولا تخافوا احدا غيره
قال بعضهم وصف نوح عليه السلام نفسه بالتوكل على وجه يفيد الحصر فقال { فعلى الله توكلت } وموسى عليه السلام امر قومه بذلك فظاهر ان هذه الدرجة فوق درجة نوح انتهى
يقول الفقير كان الكلام فى القصة الاولى مع نوح وفى الثانية مع قوم موسى ولذا اقتصر نوح فى تخصيص التوكل بالله تعالى على نفسه وموس امره بذلك وذا لا يدل على رجحان درجته على درجة نوح فى هذا الباب لتغاير الجهتين كما لا يخفى الى اولى الالباب { ان كنتم مسلمين } مستسلمين لقضاء الله مخلصين له وليس هذا من تعليق لحكم الذ هو وجوب التوكل بشرطين مختلفين هما الايمان بالله والاسلام والا لزم ان لا يجب التوكل بمجرد الايمان بالله بل هما حكمان علق كل واحد منهما بشرط على حدة علق وجوب التوكل على الايمان بالله فانه المقتضى له وعلق حصول التوكل ووجوده على الاسلام فان الاسلام لا يتحقق مع التخليط ونظيره ان احسن اليك زيد فاحسن اليه ان قدرت(5/326)
فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86)
{ فقالوا } مجيبين له من غير تلعثم فى ذلك { على الله توكلنا } لانهم كانوا مؤمنين مخلصين ولذلك اجيبت دعوتهم ثم دعوا ربهم قائلين { ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين } اى موضع عذاب لهم بان تسلطهم علينا فيعذبونا ويفتنونا عن ديننا { ونجنا برحمتك من القوم الكافرين } من كيدهم وشؤم مشاهدتهم وسوء جوارهم : قال المتنبى
ومن نكد الدنيا على الحر ان يرى ... عدوا له ما من صداقته بد
وفى تقديم التوكل على الدعاء تنبيه ان الداعى ينبغى ان يتوكل اولا لتجاب دعوته وحقيقة التوكل اسقاط الخوف والرجاء عما سوى الله تعالى والاستغراق فى بحر شهود المسبب والانقطاع عن ملاحظة الاسباب
وقال بعضهم التزكل تعلق القلب بمحبة القادر المطلق ونسيان غيره يعنى لم يثبت لنفسه ولا لغيره قوة وتأثيرا بل كان منقادا للحكم الازلى بمثابة الميت فى يد الغسال
هركه در بحر توكل غرقه كشت ... همتش از ما سوى الله در كذشت
اي توكل كرجه دارد رنجها ... فهو حسبه بخشد ازوى كنجها
ولما آمن هؤلاء الذرية بموسى واشتغلوا بعبادة الله تعالى لزمهم ان يبنوا مساجد للاجتماع فيها للعبادة فان فرعون كان قد خرب مساجد بنى اسرائيل حيث ظهر عليهم لكن لم يقدروا على اظهار شعائر دينهم خوفا من اذى فرعون امروا باخاذ المساجد فى بيوتهم كما كان المؤمنون فى اول الاسلام يعبدون ربهم سرا فى دار الارقم بمكة(5/327)
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87)
قوله تعالى { واوحينا الى موسى واخيه } هارون { ان } مفسرة للمفعول المقدر اى اوحينا اليهما شيأهو تبوآ لقومكما بمصر بيوتا } يقال تبوأ المكان اذا اتخذ مباءة ومنزلا . والمعنى اجعلا بمصر المعروفة او الاسكندرية كما فى الكواشفى بيوتا من بيوته مباءة لقومكما ومرجعا يرجعون اليها للسكنى والعبادة { واجعلوا } انتما وقومكما { بيوتكم } تلك { قبلة } مساجد متوجهة نحو القبلة وهى الكعبة فان موسى عليه السلام كان يصلى اليها { واقيموا الصلاة } فيها وهذا ينبئ ان الصلاة كانت مفروضة عليهم دون الزكاة ولعل ذلك لفقرهم { وبشر } يا موسى لان بشارة الامة وظيفة صاحب الشريعة { المؤمنين } بالنصرة فى الدنيا اجابة لدعوتهم والجنة فى العقبى
وفى الآية اشارة الى ان السلاك ينبغى ان لا يتخذوا المنازل فى عالم النفس السفلية بل يتخذوا المقامات فى مصر عالم الروحانية ويقيموا لصلاة اى يديموا العروج من المقامات الروحانية الى القربات والمواصلات الربانية فان سير الممكنات متناه وذوقها منقطع واماسير الواجب فغير متناه وذوقه دائم فى الدنيا والآخرة وذرة من سيره وذوقه لا يساويها لذة الجنان الثمان وجميع ذوق الرجال بانواع الكرامات لا يعادل محنة اهل الفناء عند الله وان تألموا هنا ولكن ذلك ليس بألم بل اشد والالم فيما اذا رأى اهل الذوق مراتب اهل الفناء فوقهم واقله التألم من تقدمهم . وغبطة موسى عليه السلام ليلة المعراج بنبينا عليه السلام من هذا القبيل ثم هذا بالنسبة الى كل من كان فى التنزل والارشاد واما من بقى فى الوصلة فلا تألم له من شيء ولا مفخر فوق الحقيقة كما فى الواقعات المحمودية . ثم ان الابتلاء ماض الى يوم القيامة
قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر اعلم انه لا بد لجميع بنى آدم من العقوبة والا لم شيأ بعد شيء الى دخولهم الجنة لانه اذ نقل الى البرزخ فلا بد له من الالم وادناه سؤال منكر ونكير فاذا بعث فلا بد من الم الخوف على نفسه او غيره واول الالم فى الدنيا استهلال المولودين حين ولادته صارخا لما يجده من مفارقة الرحم وسخونته فيضر به الهواء عند خروجه من الرحم فيحس بالم البرد فيببكى فان مات فقد اخذ حظه من البلاء انتهى كلامه
وكان امية بن خلف يعذب بلالا رضى الله عنه لاسلامه فيطرحه على ظهره فى الرمضاء اى الرمل اذا اشتدت حرارته لو وضعت فيه قطعة لحم لنضجت ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدر وهو يقول احد احد اى الله فيمزج مرارة العذاب بحلاوة الايمان وقد وضع له رضى الله عنه انه لما احتضر وسم امرأته تقول واحزناه صار يقول واطرباه(5/328)
نلقى غذا الاحبه ... محمدا وحزبه
فكان يمزج مرارة الموت بحلاوة اللقاء وقد اشير الى هذه القصة فى المثنوى
كفت جفت امشب غريبى ميروى ... از تبار خويش غائب ميشوى
كفت نى نى بلكه امشب جان من ... ميرسد خود از غريبى در وطن
كفت رويت را كجا بينيم ما ... كفت اندر حلقه خاص خدا
كفت ويران كشت اين خانه دريغ ... كفت اندر مه نكر منكر بميغ
كرد ويران تا كند معمور تر ... قومم انبه بود وخانه مختصر
من كدا بودم درين خانه جو ... جاه شاه كشتم قصر بايد بهر شاه
قصرها خود مر شهانرا مأنس است ... مرده اخانه ومكان كورى بس است
انبيا را تنك آمد اين جهان ... جون شهان رفتند اندر لا مكان
مرد كان را اين جهان بنمود فر ... ظاهرش زفت وبمعنى تنك تر
كر نبودى تنك ابن افغان زجيست ... جون دوتاشد هركه دروى بيش زيست
در زمان خواب جون آزاد شد ... زان زمكان بنكر كه جان جون شادشد
وحاصله ان الله تعالى خلق العوالم على التفاوت وجعل بعضها اوسع من بعض واضيق الكل الدنيا واوسعه عالم الامر والشان ولكون الانبياء وكمل الاولياء اصحاب السلوك والعروج كانوا باجسادهم فى الدنيا وارواحهم عند الحضرة العليا فلا جرم ان كل العوالم بالنسبة اليهم على السواد فلذا يتأذون بشيء اصلا ولا يخافون غير الله تعالى واما غيرهم فليسوا بهذه المرتبة فلهذا اختلفت احوالهم فى السر والعلانية وغفلوا عن التوجه وحسن النية ومن الله العصمة والتوفيق(5/329)
وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88)
{ وقال موسى ربنا انك آتيت فرعون وملأه زينة } اى ما يتزين به من اللباس والمراكب ونحوهما { واموالا فى الحيوة الدنيا } وانواعا كثيرة من المال كالنقود والمتاع الضياع [ ابن عباس فرموده كه ازفسطاط مصر تازمين حبشه كوهها كه دراو معادن ذهب وفضه وزر برجد بود همه تعلق بفرعون داشت وفرمان او درين مواضع بود بدين سبب مال بسيار بتصرف قبط درآمد ومتمول ومتجمل شدند وسبب ضلال واضلال شد ] كما قال { ربنا } تكرير للاول اى آتيته وملأه هذه الزينة والاموال { ليضلوا عن سبيلك } اى ليكون عاقبة امرهم ان يضلوا عبادك عن طريق الايمان فاللام للعاقبة كما فى قوله
اموالنا لذوى الميراث نجمعها ... ودورنا لخراب الدهر نبنيها
او لاجل ان يضلوا عن سبيلك فاللام للتعليل لا حقيقة بل مجازا لان الله تعالى آتاهم ذلك ليؤمنوا ويشكروا نعمته فتوسلوا به الى مزيد البغى والكفر فاشبهت هذه الحالة حال من اعطى المال لاجل الاضلال فورد الكلام بلفظ التعليل بناء على هذه المشابهة
وفى الآية بيان ان حطام الدنيا سبب للضلال والاضلال فان الانسان ليطغى ان رىه استغنى ومن رأى لتغير فى زينة ورفاهية حال يتمنى ان يكون له مثل ذلك كما قالوا يا ليت لنا مثل ما اوتى قارون لما خرج فى زينته ولذا حذر عن صحبة الاغنياء وابناء الملوك وفى الحديث « لا تجالسوا الموتى » يعنى الاغنياء وعن ابى الدرداء رضى الله عنه لان اقع من فوق قصر فانحطم اى انكسر احب لى من مجالسة الغنى وذلك لان مجالسته سارية وصحبته مؤثرة
باد جون بر فضاى بد كذرد ... بوى بد كيرد از هواى خبيث
وقال ابو بكر رضى الله عنه اللهم ابسط لى الدنيا وزهدنى فيها ولا تزوها عنى وترغبنى فيها { ربنا اطمس على اموالهم } دعاء عليهم بعد الانذار وعلمه ان لا سبيل الى ايمانهم وانما عرض اضلالهم ولا ليكون تقدمة لهذا الدعاء وانهم مستحقون له بسببه . واصل الطمس المحو وازالة الاثر
والمعنى اذهب منفعتها وامسخها وغيرها على هيئتها لانهم يستعينون بنعمتك على معاصيك وانما امرتهم بان يستعينوا بها على طاعتك وسلوك سبيلك قالوا صارت دراهمهم ودنانيرهم وطعامهم من الجوز والفول والعدس وغيرها كلها حجارة مصورة منقوشة على هيئتها وكذل البيض والمقانى وسائر اموالهم وهذه احدى الآيات التسع { واشدد على قلوبهم } اصل الشد الايثاق : والمعنى اجعلها قاسية واختم عليها لئلا يدخلها الايمان { فلا يؤمنوا } جواب للدعاء { حتى يروا } اى ليروا او الى ان يروا { العذاب الاليم } اى يعاينوه ويوقنوا به بحيث لا ينفعهم ذلك او ذاك وكان كذلك فانهم لم يؤمنوا الى الغرق وكان ذلك ايمان يأس فلم يقبل(5/330)
قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89)
{ قال } الله تعالى { قد اجبت دعوتكما } يعنى موسى وهارون لانه كان يؤمن والتأمين دعاء ايضا لان معناه استجب { فاستقيما } فاثبتا على ما انتما عليه من الدعوة والزام لحجة ولا تستعجلا فان ما طلبتماه كائن فى وقته لا محالة
وفى الكواشى الاستقامة فى الدعاء لا يرى الاجابة مكرا واستدارجا وتأخيرها طردا وابعادا رولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون } اى بعادات الله تعالى فى تعليق الامور بالحكم والمصالح او سبيل الجهلة فى الاستعجال كارها موقوف آيد نكهداريد وقت -روى- ان موسى عليه السلا م او فرعون وهو الاولى كما فى حواشى سعدى المفتى مكث فيهم بعد الدعاء اربعين سنة قال على رضى الله عنه جعل فى يديك مفاتيح خزائنه بما اذن لك فيه من مسألته فما شئت استفتحت بالدعاء ابواب نعمته واستمطرت شآبيب رحمته فلا يقطنك ابطاء اجابته فان العطية على قدر النية وربما اخرت عنك الاجابة ليكون ذلك اعظم لاجر السائل واجزل لعطاء الآمل وفى الحديث « ما من داع يدعو الا استجاب الله له دعوته او صرف عنه مثلها سوأ او حط من ذنوبه بقدرها ما لم يدع باثم او قطعة رحم » اى لم يدع حال مقارنة اثم او قطيعة رحم كما فى شرح العقائد لرمضان : وفى المثنوى
جزتوبيش كه بر بنده دست ... هم دعا وهم اجابت از تو است
هم زاول دهى ميل دعا ... تو دهى آخر دعاهارا جزا
وفيه ايضا
داد مر فرعونرا صد ملك ومال ... تا بكرد او دعوى عز وجلال
در همه عمرش نديد او درد سر ... تا ننالد سوى حق آن بد كهر
درد آمد بهتر از ملك جهان ... تا بخوانى مر خدارا در نهان
ومن شرائط الدعاء الذلة فان الاجابة مترتبة عليها كالنصر كما قال تعالى { ولقد نصركم الله بدر وانتم اذلة } وعن ابى يزيد البسطامى قدس سره انه قال كابدت العبادة ثلاثين سنة فرأيت قائلا يقول لى يا ابا يزيد خزائنه مملوءة من العبادة ان اردت الوصول اليه فعليك بالذلة والافتقار كما قال الحافظ
فقير وخسته بدر كاهت آمدم رحمى ... كه جزدعاى توام نيست هيج دست آويز
وفى الآية بيان جواز الدعاء لسوء عند مساس الحاجة اليه وقد صدر من النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ايضا حيث دعا على مضر حيث بالغوا فى الاذية له عليه السلام فقال « اللهم اشدد وطاتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف » يعنى خذهم اخذا شديدا وعنى بسنى يوسف السبع الشداد فاستجاب الله دعاءه عليه السلام فاصابتهم سنة اكلوا فيها الجيف والجلود والعظام والعلهز وهو الوبر والدم اى يخلط الدم باوبار الابل ويشوى على النار وصار الواحد منهم يرى ما بينه وبين السماء كالدخان من الجوع
ثم ان العذاب الاليم للنفس فطامها عن شواتها ومألوفاتها فهى لا تؤمن بالآخرة على الحقيقة ولا تسلك سبيل الطلب حتى تذوق الم ذلك العذاب فان ذلك موت لها معنى ولا ينتبه الناس الا بعد الموت ايقظنا الله واياكم من رقدة الغفلات(5/331)
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)
{ وجاوزنا بنى اسرائيل البحر } هو من جاوز المكان اذا تخطاه وخلفه والباء للتعدية اى جعلناهم مجاوزين البحر بان جعلناه يبسا وحفظناهم حتى بلغوا الشط
قال الكاشفى [ جون عذاب آن قوم رسيد وحى آمد بموسى عليه السلام باقود خود از مصر برون روكه قبطيان را هنكام عذاب رسيد موسى عليه السلام يا جماعت بنى اسرائيل متوجه شام شدند وبكناره درياى قلزم رسيده دريا شكافته شد وبنى اسرائيل بسلامت آن دريارا بكذشتند جنانجه حق سبحانه وتعالى ميفر مايد { وجاوزنا ببنى اسرائيل البحر } وبكذرانيديم فرزندان يعقوب را ازدرياى قلزم بسلامت ] { فاتبعهم } يقال تبعته حتى اتبعته اذا كان سبقك فلحقته اى ادركهم ولحقهم { فرعون وجنوده } حتى تراءت الفئتان وكاد يجتمع الجمعان { بغيا وعدوا } اى حال كونهم باغين فى القول ومعتدين فى الفعل او للبغى والعدوان على انهما مفعولان من اجلهما كما قال الكاشفى [ بغيا براى ستم كردن بنى اسرائيل وعدوا ازجهت وازحد بيرون بردن ازجفاى ايشان ] وذلك ان موسى عليه السلام خرج ببنى اسرائيل على حين غفلة من فرعون فلما سمع به تبعهم حتى لحقهم ووصل الى الساحل وهم قد خرجوا من البحر ومسلكهم باق على حاله يبسا فسلكه بجنوده اجمعين
قال الكاشفى [ بس جون بكنار دريا رسيدند واسب فرعون بسبب بوى باديان كه جبريل سوار بودبدريا در آمد ولشكر متابعت نموده همه خودرا دردريا افكندند وفرعون نمى خواست كه بدر يا در آمد اما مركب اورا مى برد ] فلما دخل آخرهم وهم اولهم بالخروج غشيهم من اليم ما غشيهم { حتى اذا ادركه الغرق } اى لحقه والجمه واحاط به { قال } فرعون { آمنت به } اى بانه والضمير للشان { لا اله } [ نيست معبودى مستحق عبادت ] { الا الذى } [ مكر آن خدايى كه بدعوت موسى عليه السلام ] { آمنت به بنو اسرائيل } لم يقل كما قاله السحرة { آمنا برب العالمين رب وسى وهارون } بل عبر عنه بالموصول وجعل صلته ايمان بنى اسرائيل به للاشعار برجوعه عن الاستعصاء وباتباعه لمن كان يستتبعهم طمعا فى القبول والانتظام معهم فى سلك النجاة كذا فى الارشاد
يقول الفقير بل فى قول ذلك المخذول رائحة التقليد ولذا لم يقبل ولو نمسك بحبل التحقيق لقال آمنت بالله الذى اله الا هو { وانا من المسلمين } اى الذين اسلموا نفوسهم لله اى جعلوها سالمة خالصة له تعالى(5/332)
آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)
{ آلآن } مقول لقول مقدر معطوف على قال اى فقيل آلآن تؤمن حين يئست من الحياة وايقنت بالممات { وقد عصيت قبل } حال من فاعل الفعل المقدر اى والحال قد عصيت قبل ذلك مدة عمرك { وكنت من المفسدين } اى الغالين فى الضلال والاضلال عن الايمان فالاول عبارة عن عصيانه الخاص به والثانى عن فساده الراجع الى نفسه والسارى الى غيره من الظلم والتعدى وصد بنى اسرائيل عن الايمان
جاء فى الاخبار عن عبد الله بن عمر رضى الله عنه قال غار النيل على عهد فرعون فاتاه اهل مملكته فقالوا ايها الملك اجر لنا النيل فقال انى لست براض عنكم حتى قالوا ذلك ثلاث مرات فذهبوا فأتوه فقالوا ايها الملك ماتت البهائم وهلكت الصبيان والابكار فان لم تجر لنا لنيل اتخذنا الها غيرك فقال لهم اخرجوا الى الصعيد فخرجوا فتنحى عنهم بحيث لا يرونه ولا يسمعون كلامه والصق خده بالارض واشار بالسبابة فقال اللهم انى خرجت اليك خروج العبد الذليل الى سيده وانى اعلم انه لا يقدر على اجرائه غيرك فاجره فقام فجرى النيل جريا فاتاهم فقال لهم انى اجريت لكم النيل فقال خروا له سجدا
يقول الفقير هذا لا يدل على ايمان فرعون وذلك لان الايمان وان كان عبارة عن التصديق والاقرار وصاحبه ينبغى ان لا يكون كافرا بشيء من افعال الكفر ولفاظه ما لم يتحقق منه التكذيب والانكار الا ان من المعاصى ما جعله الشارع امارة التكذيب ومنه دعوة فرعون الى عبادة نفسه ورضاه عن سجود قومه له ونحو ذلك فمع ذلك لا يكون مؤمنا البته قالوا عرض له جبريل يوما فقال ايها الملك ان عبدا ملكته على عبيدى واعطيته مفاتيح خزائنى وعادانى واحب من عاديته وعادى من احببته فقال له فرعون لو كان لى ذلك العبد لغرقته فى بحر القلزم فقال جبريل ايها الملك اكتب لى بذلك كتابا قال فدعا بدواة وقلم وقرطاس فكتب فرعون فيه يقول ابو العباس الوليد بن مصعب جزاء العبد الخارج على سيده الكافر نعماءه ان يغرق فى البحر فلما الجمه الغرق ناوله جبريل خطه فعرفه فقال جبريل هذا ما حكمت به على نفسك قالوا نكب عن الايمان اى عدل واعرض عنه او ان بقاء التكليف والاختيار وبالغ فيه حين لا يقبل حرصا على القبول حيث كرر المعنى الواحد ثلاث مرات بثلاث عبارات حيث قل ولا آمنت وقل ثانيا لا اله الا الذى آمنت به بنوا اسرائيل وقال ثالثا وانا من المسلمين وكانت المرة الواحدة كافية حيث بقاء التكليف والاختيار وايمان اليأس وقوف من جهة الرد والقبول وان كان من مقام الاحتضار فمردود والا فلا والاحتضار لا يكون الا فى النفسين من الداخل والخارج كما فى اسئلة الحكم وهو مقبول عند الامام مالك حكما بالظاهر كالمؤمن عند سل السيف والمؤمن عند اقامة الحد عليه يقبل ايمانه وعلى هذا بنى كلامه حضرة الشيخ الاكبر المالكى فى الفصوص ذهب الى ايمان فرعون ثم فوض(5/333)
فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)
{ فاليوم ننجيك } اى نبعدك ونخرجك مما وقع فيه قومك من قعر البحر ونجعلك طافيا او نلقيك على نجوة من الارض ليراك بنوا اسرائيل ويتحققوا بهلاكك . والنجوة المكان المرتفع الذى تظن انه نجاؤك لا يعلو السيل { ببدنك } الباء للمصاحبة كما فى قولك خرج زيد بعشيرته وهذه الباء يصلح فى موضعها مع وهى مع مدخولها فى موضع الحال من ضمير المخاطب اى ننجيك ملابسا ببدنك فقط لا مع روحك كما هو مطلوبك فهو قطع لطمعه بالكلية او كاملا سويا من غير نقص لئلا يبقى شبهة فى انه بدنك او عريانا من غير لباس او بدرعك وكانت له درع من الذهب يعرف بها والعرب تطلق البدن على الدرع قال الليث البدن الدرع لذى يكون قصير الكمين { لتكون لمن خلفك آية } لمن وراءك علامة وهم بنوا اسرائيل اذ كان فى نفوسهم من عظمته ما خيل اليهم انه لا يهلك حتى كذبوا موسى عليه السلام حيث اخبرهم بغرقه الى ان عاينوه مطروحا على ممرهم من الساحل قصيرا احمر كأنه ثور اذ يروى ان قامته كانت سبعة اشبار ولحيته ثمانية اشبار او لمن يأتى بعدك من الامم اذا سمعوا مآل ارمك ممن شاهدك آية عبرة ونكالا على الطغيان او حجة تدلهم على الانسان وان بلغ الغاية القصوى من عظم الشان وعلو الكبرياء وقوة السلطان فهو مملوك مقهور بعيد عن مظان الربوبية
[ بنده كه خودرا زغرقه شدن در كرداب فنانر هاندجرا صداى انا ربكم الاعلى بسمع جهانيان ساند
عاجز اى كواسير خواب وخورست ... لاف قدرت زند جه بيخبرست
آنكه در نفس خود زبون باشد ... صاحب اقتدار جون باشد
ثم قوله تعالى { آلآن } الى قوله { آية } من كلام جبريل كما قال الكاشفى [ بعد ازانكه فرعون اين سخن كفت حق تعالى بجبريل در جواب اوفر موده ] آلآن الخ
وقال فى الكواشى وخاطبه كخطاب النبى صل الله تعالى عليه وسلم اهل القليب انتهى وذلك ان الله تعالى لما هزم المشركين يوم بدر امر صلى الله تعالى عليه وسلم ان يطرح قتلاهم فى القليب ثم جاء بعد ثلاثة ايام حتى وقف على شفير القليب
وجعل يقول « يا فلان ابن فلان ويا فلان ابن فلان هل وجدتم ما وعد الله ورسوله حقا فانى وجد ما وعدنى الله حقا بئس عشيرة النبى كنتم كذبتمونى وصدقنى الناس واخرجتمونى وآوانى الناس وقاتلمتمونى ونصرنى الله » فقال عمر رضى الله عنه يا رسول الله كيف تكلم اجسادا لا ارواح فيها فقال عليه السلام « ما انتم باسمع لما اقول منهم » وفى رواية « لقد سمعوا ما قلت غير انهم لا يستطيعون ان يردوا شيأ » «(5/334)
وعن قتادة احياهم الله حتى سمعوا كلام رسول الله توبيخا لهم وتصغيرا ونقمة وحسرة والمراد باحيائهم شدة تعلق ارواحهم باجسادهم حتى صاروا كالاحياء فى الدنيا للغرض المذكور لان الروح بعد مفارقة جسدها يصير لها تعلق به او بما يبقى منه ولو عجب الذنب فانه لا يفنى وان اضمحل الجسم باكل التراب او باكل لسباع او الطير او النار وبواسطة ذلك التعلق يعرف الميت من يزوره ويانس به ويرد سلامه اذا سلم عليه كما ثبت فى الاحاديث والغالب ان هذا التعلق لا يصير به الميت حيا فى الدنيا بل يصير كالمتوسط بين الحى والميت الذى لا تعلق لروحه بجسده وقد يقوى ذلك حتى يصير كالحى فى الدنيا ولعله مع ذلك لا يكون فيه القدرة على الافعال الاختيارية . فلا يخالف ما حكى عن السعد اتفقوا على انه تعالى لم يخلق فى الميت القدرة والافعال ، الاختيارية هذا كلامه والكلام فى غير الانبياء وشهداء المعركة واما هما فتعلق ارواحهم باجسادهم تصير به اجسادهم حية كحياتها فى الدنيا وتصير لهم القدرة والافعال الاختيارية كذا فى انسان العيون { وان كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون } لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها : وفى المثنوى
نى ترا ازروى ظاهر طاعتى ... نى ترا درسر وباطن نيتى
نى ترا شبها مناجات وقيام ... نى ترا روزان برهيز وصيام
نى ترا حفظ زبان زآزار كس ... نى نظر كردن بعبرت بيش وبس
بيش جه بودياد مرك ونزع خويش ... بس جه باشد مردن باران بيش
قالوا فرعون مع شدة شكيمته وفرط عناده آمن ولو حال اليأس واما فرعون هذه الامة فقد قتله الله يوم بدر اشد قتلة غيظه وغضبه فى حق رسول الله وفى حق المؤمنين لى ان خرج روحه لعنه الله فصار اشد من فرعون فليعتبر العاقل بهذا وليقس عليه كل من سلك مسلكه فى الكفر والظلم والعناد فنعوذ بالله رب العباد من كل شر وفساد
ثم ان الله تعالى اهلك العدو وانجبى بنى اسرائيل وذلك لصدق ايمانهم وبركة يقينهم -كما يحكى- انه صاح رجل فى مجلس الشبلى قدس سره فطرحه فى دجلة فقال ان صدق ينجه صدق كما نجا موسى وان كذب غرق كما غرق فرعون كما فى ربيع الابرار . فدل على ان النجاة فى الايمان والعدل والصدق . والهلاك فى الكفر والظلم والكذب ولما كذب فرعون فى دعوى الربوبية واستمر على اضلال الناس دعا عليه موسى كما سبق فاستجاب الله دعاءه ولا كلام فى تأثير الدعاء مطلقا -يحكى- ان معاوية استجاب الله دعاء فى حق ابنه يزيد وذلك انه ليم على عهده الى يزيد فخطب وقال اللهم ان كنت انما عهدت ليزيد لما رأيت من فعله فبلغه ما املته واعنه وان كنت انما حملنى حب الوالد لولده وانه ليس لما صنعت به اهلا فاقبضه قبل ان يبلغ ذلك فكان كذلك لان ولايته كانت سنة ستين ومات سنة اربع وستين كما فى الصواعق لابن حجر . والحاصل ان الآفاق والانفس مملوءة بالآيات والعبر فمن له عين مبصرة واذن واعية يرى الآثار لمختلفة ويسمع الاخبار المتواترة فيعتبر اعتبارا الى ان يأتى اليقين ويسلم من آثار القهر المتين ولا كون عبرة للغير بما اقترفه كل حين(5/335)
وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93)
{ ولقد بوأنا بنى اسرائيل } اى اسكناهم وانزلناهم بعد ما انجيناهم واهلكنا اعداءهم فرعون اعداءهم فرعون وقومه { مبوأ صدق } منزلا صالحا مرضيا ومكانا محمودا وهو الشام ومصر فصاروا ملوكا بعد الفراعنة والعمالقة وتمكنوا فى نواحيها . ومبوأ اسم مكان وصف بالصدق مد حاله فان عادة العرب اذا مدحت شيأ اضافته الى الصدق تقول رجل صدق قال الله تعالى { رب ادخلنى مدخل صدق واخرجنى مخرج صدق } { ورزقناهم من الطيبات } اى اللذ آئذ من الثمار وغيرها من المن والسلوى كما فى التبيان { فما اختلفوا } فى امور دينهم { حتى جاءهم العلم } اى الا من بعد ما قرأ والتوراة وعلموا احكامهم وما هو الحق فى امر الدين ولزمهم الثبات عليه واتحاد الكلمة فيه يعنى انهم تشبعوا فى كثير من امور دينهم بالتأويل طلبا للرياسة وبغيا من بعضهم على بعضهم حتى اداهم ذلك الى القتال كما وقع مثله بين علماء هذه الامة حيث افترقوا على الفرق المختلفة واولوا القرآن على مقتضى اهوائهم كالمعتزلة وغيرها من اهل الاهواء وفيهم من يقول بالظاهر : وفى المثنوى
كرده تأويل حرف بكررا ... خويش را تأويل كن نى ذكررا
بر هوا تأويل قرآن ميكنى ... بست وكزشد ازتو معنى سنى
او المراد ببنى اسرائيل معاصروا النبى عليه السلام كقريظة والنضير وبنى قينقاع انزلهم الله ما بين المدينة والشام من ارض يثرب ورزقهم من النخل وما فيها من الرطب والتمر الذى لا يوجد مثله فى البلاد فما اختلفوا فى امر محمد عليه السلام الا من بعد ما علموا صدق نبوته وتظاهر معجزاته فىمن من به بعضهم كعبد الله بن سلام واصحابه وكفر آخرون
وقال ابن عباس رضى الله عنهما المراد بالعلم القرىن العظيم وسمى القرآن علما لكونه سبب العلم وتسمية السبب باسم المسبب مجاز شهور { ان ربك يقضى بينهم } [ حكم كند ميان ايشان ] { يوم القيمة فيما كانوا فيه يختلفون } فيميز المحق من المبطل بالاثابة والتعذيب واما فى الدنيا فيجرزن على الستر والامهال فانها ليست بدار جزاء الاعمال . وفيه تهديد بيوم القيامة الذى هو يوم الامتحان
جون محك ديدى سيه كشتى جو قلب ... نقش شبرى رفت وبيدا كشت كلب(5/336)
فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94)
{ فان كنت فى شك } اى فى شك ما يسير على الفرض والتقدير فان مضمون الشرطية انما هو تعليق شيء بشيء من غير تعرض لا مكان شيء منهما كيف لا وقد يكون كلاهما ممتنعا كقوله تعالى { قل ان كان للرحمن ولد فنا اول العابدين } { مما انزلنا اليك } من القصص التى من جملتها قصة فرعون وقومه واخبار بنى اسرائيل { فاسال الذين يقرأون الكتاب من قبلك } فان ذلك محقق عندهم ثابت فى كتبهم على نحو ما القينا اليك والمراد اظهار نبوته عليه السلام بشهادة لاحبار حسبما هو المسطور فى كتبهم وان لم يكن لليه حاجة اصلا او وصف اهل الكتاب بالرسوخ فى العلم بصحة نبوته او تهييجه عليه السلام وزيادة تثبيته على ما هو عليه من اليقين لا تجويز صدور الشك منه عليه السلام ولذلك قال عليه السلام « لا اشك ولا اسأل » [ ودرزاد المسير آورده كه ان بمعنى ماى نافيه است يعنى تودر شك نيستى اما براى زيادتى بصيرت سؤال كن ازاهل كتاب ]
وقيل الخطاب للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم والمراد امته فانه محفوظ ومعصوم من الشكوك والشبهات فيما انزل وعادة السلطان الكبير اذا كان له امير وكان تحت راية ذلك الامير جمع فاراد السلطان ان يامر الرعية امر مخصوص بهم فانه لا يوجه خطابه لهم بل يوجه ذلك الخطاب لذلك الامير الذى جعله اميرا عليهم ليكون اقوى تاثيرا فى قلوبهم او الخطاب لكل من يسمع اى ان كنت ايها السامع فى شم مما انزلنا اليك على لسان نبينا وفيه تنبيه على ان من خالجه شبهة فى الدين ينبغى ان يسارع الى حلها بالرجوع الى اهل العلم
جون جنين وسواس ديدى زودزود ... باخدا كردودرا اندر سجود
سجده كه را تركن ازاشك روان ... كاى خدا ياوارهانم زين كمان
كوندانستى مراد حق ازين فاسال اهل العلم حتى تطمئن ... { لقد جاءك الحق } الذى لا ريب في حقيقته { من ربك } وظهر ذلك بالآيات القاطعة { فلا تكونن من الممترين } بالتزلزل عما انت عليه من الجزم واليقين ودم على ذلك كما كنت من قبل والامتراء التوقف فى الشيء والشك فيه وامره اسهل من امر المكذب فبدأ به اولا ونهى عنه واتبع به ذكر المكذب ونهى ان يكون منهم(5/337)
وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95)
{ ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله } من باب التهييج والالهاب والمراد به اعلام ان التكذيب من القبح والمحذورية بحيث ينبغى ان ينهى عنه من لا يتصور امكان صدوره عنه فكيف بمن يمكن اتصافه به وفيه قطع لاطماع الكفرة { فتكون } بذلك { من الخاسرين } انفسا واعمالا
واعلم ان تصديق الآيات سواء كانت آيات الوحى كالقرآن وآيات الالهام كالمعارف الآلهية من اربح المتاجر الدينية وتكذيبها من اخسر المكاسب الانسانية ولذا قال بعض العرفين من لم يكن له نصيب من هذا العالم اى العلم اى العلم الوهبى الكشفى اخاف عليه سوء الخاتمة وادنى النصيب منه التصديق به وتسليمه لاهله واقل عقوبة من ينكره ان لا يرزق منه سيأ وهو علم الصديقين والمقربين كذا فى احياء العلوم
قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر علم النبوة والولاية وراء طور العقل ليس للعقل دخول فيه بفكره ولكن له القبول خاصة عند سليم العقل لذى لم يغلب عليه شبهة خيالية فما لنا الا ما نص عليه الشرع فانك تعلم ان دليل الاشعرى شبهة عند المعتزلى وبالعكس والناظر بفكره لا يبقى على طور واحد فيخرج من امر الى نقيضه كما فى الفتوحات : وفى المثنوى
تنكتر آمد خيالات ازعدم ... زان سبب باشد خيال اسباب غم
فلا بد من التصديق وكثرة الاجتهاد فى طريق التوحيد ليتخلص المريد من الشك والشبهة والتقليد ويصل باقراره الى ما لم يصل اليه العنيد(5/338)
إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96)
{ ان الذين حقت عليهم } ثبتت وجبت { كلمة ربك } وهى قوله ( هؤلاء فى النار ولا ابالى ) اى وجبت عليهم النار بسبق هذه الكلمة كما فى التأويلات النجمية . او حكمه وقضاؤه بانهم يموتون على الكفر ويخلدون فى النار كقوله تعالى { ولكن حق القول منى لأملان جهنم } الخ كما فى الارشاد
وقال الكاشفى [ يعنى قولى كه درلوح محفوظ نوشته كه ايشان بر كفر ميرند وملائكه را بران خبر داده ] فهذه ثلاثة اقوال { لا يؤمنون } ابدا اذلا كذب لكلامه ولا انتقاض لقضائه اى لا يؤمنون ايمانا نافعا واقعا فى اوانه فيندرج فيهم المؤمنون عند معاينة العذاب مثل فرعون باقيا عند الموت فيدخل فيهم المرتدون(5/339)
وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97)
{ ولو جاءتهم كل آية } سالوها واقترحوها وانث فعل كل لاضافته الى مؤنث وذلك ان سبب ايمانهم وهو تعلق ارادة الله به مفقود لكن فقدانه ليس لمنع منه سبحانه استحقاقه له بل لسوء اختيارهم المتفرع على عدم استعدادهم لذلك { حتى يروا العذاب الاليم } الى ان يروه وحينئذ لا ينفعهم كما لم ينفع فرعون(5/340)
فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98)
{ فلولا } حرف لولا تحضيض بمعنى هلا وحرف التحضيض اذا دخل على الماضى يكون للتوبيخ على ترك الفعل { كانت } تامة { قرية } من لقرى المهلكة والمراد اهاليها { آمنت } قبل معاينة العذاب ولم تؤخر ايمانها الى حين معاينته كما اخر فرعون وقومه وهو صفة لقرية { فنفعها ايمانها } بان يقبله الله منها ويكشف بسببه العذاب عنها { الا قوم يونس } لكن قوم يونس بن متى ولم ينصرف يونس لعجمته وتعريفه وان قيل باشتقاقه فلتعريفه ووزن الفعل المختص ومتى بالتشديد اسم ابيه وقال بعضهم اسم امه ولم يشتهر باسم امه غير عيسى ويونس عليهما السلام { لما آمنوا } اول ما ارادوا امارة العذاب ولم يؤخروا الى حلوله { كشفنا عنهم } رفعنا وازلنا { عذاب الخزى } اى الذل والهوان الذى يفضح صاحبه وهو لا يدل على حصولهم فى العذاب بل يقع ذلك على اشراف العذاب عليهم كما قال تعالى { وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها } كان الاتقاذ منها حالة الاشراف عليها الا الحصول فيها كما فى التيسير { فى الحيوة الدنيا } فنفعهم ايمانهم لوقوعه فى وقت الاختيار وبقاء للتكليف لا حال اليأس { ومتعناهم } بمتاع الدنيا بعد كشف العذاب عنهم { الى حين } مقدر لهم فى علم الله سبحانه : والمعنى بالفارسية [ جرا اهل قرى ايمان نياوردند قبل از معاينة عذاب وتعجيل نكردند بيش از حلول آن تانفع كردى ايشانرا ايمان ايشان ليكن قوم يونس جون امارات عذاب مشاهده نمودند تأخير نكردند ايمان خودرا تابوقت حلول وايمان آوردند ] فالاستثناء على هذا منقطع ويجوز ان يكون متصلا والجملة فى معنى النفى لتضمن حرف التحضيض معناه يعنى ان لولا كلمة التحضيض فى الاصل استعملت هذا للنفى لان فى الاستفهام ضربا من الجحد كأنه قيل اآمنت اهل قرية من القرى المشرفة على الهلاك فنفعهم ايمانهم الا قوم يونس فيكون قوله تعالى لما آمنوا استئنافا لبيان نفع ايمانهم وفيه دلالة على ان الايمان المقبول هو الايمان بالقلب : وفى المثنوى
بندكى درغيب آمد خوب وكش ... حفظ غيب آيددراتبعاد خوش
طاعت وايمان كنون محمود شد ... بعد مرك اندرعيان مردودشد
-روى- ان يونس عليه السلام بعث الى نينوى من ارض الموصل وهو بكسر النون الاولى وفتح الثانية وقيل بضمها قرية على شاطئ دجلة فى ارض الموصل وهو بفتح الميم وكسر الصاد المهملة اسم بلدة فدعاهم الى الله تعالى مدة فكذبوه واصروا عليه فضاق صدره فقال اللهم ان القوم كذبونى فانزل عليهم نقمتك وذلك انه كان فى خلقه ضيق فلما حملت عليها ثقل النبوة تفسخ تحتها وقد قالوا لا يستطيع حمل اثقال النبوة الا اولوا العزم من الرسل
وهم نوح وهود وابراهيم ومحمد عليهما السلام .(5/341)
اما نوح فلقوله { يا قوم ان كان كبر عليكم مقامى وتذكيرى بآيات الله } الآية وقد سبق . واما هود فلقوله { اى اشهد الله واشهدوا انى بريئ مما تشركون من دونه } الآية . واما ابراهيم فلقوله { هو والذين آمنوا معه انا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله } واما محمد فلقول الله تعالى له { فاصبر كما صبر اولوا العزم من الرسل } فصبر فقيل له اخبرهم ان العذاب مصبحهم بعد ثلاث او بعد اربعين
قال الكاشفى [ يونس ايشانرا خبر داد ازميان قوم يونس بيرون رفته درشكاف كوهى ينهان شدجون زمان موعود نزديك رسيد حق الل بمالك دوزخ طاب كركده بمقدار شعيره از سموم دوزخ باين قوم فرست مالك فرمان الهى بجا أورد وآن سموم بصورت ابرسياه بادود غليظ وشراره آتش بيامده كردمدينه نينوى رافرا كرفت اهل آن شهر دانستندكه يونس راست كفته روى بملك خود آوردندواو مرد عاقل بودفر مودكه يونس را طلب كنيد جندانكه طلبيد ندنيا فتند ملك كفت اكر يونس برفت خدائى كه مارا بدودعوت ميكرد باقيست ودانا وشنوا كنون هيج جاره نيسست الا آنكه عجز وشكستكى وتضرع بدركاه او بريم بس ملك سر وبابرهنه بلاسى دربوشيد ورعايا بهمين صورت روى بصحر انهادند مردوزن وخرد وبزرك خروش وفرياد دركرفتند كودكانرا ازمادران جدا كردند ] قال فى الكواشى فحنّ بعضهم الى بعض وعجوا وتضرعوا واختلطت اصواتهم وفعلوا ذلك ليكون ارق لقلوبهم واخلص للدعاء واقرب الى الاجابة وترادوا المظالم حتى كان الرجل يقلع الحجر قد وضع عليه بنيانه فيرده فقالوا جملة بالنية الخالصة آمنا بما جاء به يونس او قالوا يا حى حين لا حى محيى الموتى ويا حى لا اله الا انت او قلوا اللهم اذ ذنوبنا قد عظمت وجلت وانت اعظم منها واجل
من اميد وارم زلطف كريم ... كه خوانم كنه بيش عفو عظيم
افعل بنا ما انت اهله ولا تفعل بنا ما نحن اهله [ واز اول ذى الحجة تا عاشر محرم بيرن وجه مى ناليدندو درين جها روزه از افغان وناله نيا سوده در ماندكى وبيجاركى بموقف عرض ميرسانيدند ]
جاره ماسازكه بى باوريم ... كر توبرانى كه رو آوريم
بى طريم ازهمه سازنده ... جز تونداريم نوازنده
بيش توكربى سروبا آمديم ... هم باميد توخدا آمديم
[ قومى ميكفتند خداوندا يونس مارا كفته بودكه خداى من كفته بندكان بخريد وآزتد كنيد مابندكان توايم توبكرم خودمارا از عذاب آزادكن . جماعتى ديكرمى ناليدندكه الهنامارا يونس خبر دادكه توخداوند فرموده كه بيجاركان ودرماند كانرا دستكيرى مابجاره ودرمانده ايم بفضل خود مارا دستكير بعض ديكر بعرض مير سانيندندكه اى برورد مار ما يونس از قول توميفر مودكه هركه برشما ستم كند ازو دركذرانيد خدايا مابكناه برخود ستم كرد ايم ازما عفوكن برخى ديكر بدين كونه اداميكردندكه خذايا يونس ماراى كفت كه بروردكار من كفته است كه سالا نرا رد مكنيد ما سائلان روى بدر كاه كرمت أورده ايم مارا رد مكن(5/342)
ما تهى دستان بر آورديم دستى دردعا ... نقد فيضى نه برين دست كنهكاران همه
قاضى حاجات درويشان ومحتاجان توئى ... بس رواكن ازكرم حاجات بسيار همه
القصة روز جهلم كه آذينه بود وعاشورا اثر مناجات دسلوز ايشان ظهور نموده برات نجات ازديوان رحمت نوشته شد وظلمت سحاب مرتفع كشته ابر رحمت سايه رأفت برمفارق ايشان افكنده يونس بعد از جهل روز متوجه نينوى كشته ميخواست كه ازحال قوم خبر كيرد جون بنزديك شهر رسيد وبرصورت واقعه مطلع شد ملال بسيار برو علبه كرده باخود كفت من ايشانرا بعذاب ترسانيدم وعذاب بررحمت مبدل شد اكر من بدين شهر روم مرا بكذب نسبت دهند ] فذهب مغاضبا ونزل السفينة فلم تسر فقال لهم ان معكم عبدا ىبقا من ربه وانها لا تسير حتى تلقوه فى البحر واشار الى نفسه فقالوا لا نلقيك يا نبى الله ابدا فاقترعوا فخرجت القرعة عليه ثلاث مرات فالقوه فالتقمه الحوت وقيل قائل ذلك بعض الملاحين وحين خرجت القرعة عليه ثلاثا ألقى نفسه فى البحر
قال الشعبى التقمه الحوت ضحوة يوم عاشوراء ونبذه عشية ذلك اليوم اى بعد العصر وقاربت الشمس الغروب وفيه بيان فضيلة يوم عاشوراء فانه الذى كشف الله العذاب فيه عن قوم يونس واخرج يونس من بطن الحوت وازال عنه ذلك الابتلاء -حكى- انه هرب اسير من الكفار يوم عاشوراء فركبوا فى طلبه فلما رأى الفرسان خلفه وعلم انه ماخوذ رفع رأسه الى السماء وقال اللهم بحق هذا اليوم المبارك اسألك ان تنجينى منهم فأعمى الله ابصارهم جميعا حتى تخلص منهم فصام ذلك اليوم فلم يجد شيأ يفطر ويتعشى به فنام فاطعم وسقى في المنام فعاش بعد ذلك عشرين سنة لم يكن له حاجة الى الطعام والشراب كما فى روضة العلماء . ومن صامه اعطاه الله ثواب عشرة آلاف ملك وثواب عشرة آلاف حاج ومعتمر وثواب عشرة آلاف شهيد كما فى تنبيه الغافلين
ذكر ان الله عز وجل يخرق ليلة عاشوراء زمزم الى سائر المياه فمن اغتسل يومئذ امن من المرض فى جميع السنة كما فى الروض الفائق . والمستحب فى ذلك اليوم فعل الخيرات من الصدقة والصوم والذكر وغيرها ولا يجعل ذلك اليوم عيدا ويوم ماتم كالشيعة والروافض والناصبة كما فى عقد الدرر . والاكتحال ونحوه وان كان له اصل صحيح لكن لما كان شعارا لاهل البدعة صار تركه سنة كالتختم باليمين فانه لما كان شعار اهل البدعة صار السنة ان يجعل فى خنصر اليد اليسرى فى زماننا كما فى شرح القهستانى(5/343)
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)
{ ولو شاء ربك } ايمان من فى الارض من الثقلين { لآمن من فى الارض كلهم } بحيث لا يشذ منهم احد { جميعا } مجتمعين على الايمان لا يختلفون لكنه لا يشاؤه لكونه مخالفا للحكمة التى عليها بنى اساس التكوين والتشريع فشاء ان يؤمن به من علم منه انه لا يختار الكفر وان لا يؤمن به من علم منه انه لا يؤمن به تكميلا لحكم القبضتين وتحصيلا لأهل النشأتين وجعل الكل مستعدا ليصح التكليف عليهم وكان عليه السلام حريصا على ايمان الكل ومغفرته -كما حكى- ان موسى عليه السلام حين قصد الى الطور لقى فى الطريق وليا من اولياء الله تعالى فسلم عليه فلم يرد سلاما فلما وصل الى محل المناجاة قال الهى سلمت على عبد من عبادك فلم يرد على سلامى قال الله تعالى يا موسى ان هذا العبد لا يكلمنى منذ ستة ايام قال موسى لم يا رب قال لانه كان يسال منى ان اغفر لجميع المذنبين واعتق العصاة من عذاب جهنم اجمعين فما اجبت لسؤاله فلما كلمنى منذ ستة ايام كذا فى الواقعات المحمودية
والحاصل ان الله تعالى لما رأى من حبيبه عليه السلام ذلك الحرص انزل هذه الآية وعلق ايمان قومه على مشيئته وقال له { أفأنت } اى أربك لا يشاء ذلك فانت { تكره الناس } على ما لم يشا الله منهم { حتى يكونوا مؤمنين } ليس ذلك اليك كما فى الكواشى فيكون الانكار متوجها الى ترتيب الاكراه المذكور على عدم مشيئته تعالى كا فى الارشاد . وفى ايلاء الاسم حرف الاستفهام ايذان بان اصل الفعل وهو الاكراه امر ممكن مقدور لكن الشان فى المكره من هو وما هو الا هو وحده لا يشارك فيه لانه القادر على ان يفعل فى قلوبهم ما يضطرهم الى الايمان وذلك غير مستطاع للبشر
وقال السيد الشريف فى شرح المفتاح المقصود من قوله { أفانت تكره الناس } انكار صدور الفعل من المخاطب لا انكار كونه هو الفاعل مع تقرر اصل الفعل انتهى والتقديم لتقوية حكم الانكار كما فى حواشى سعدى المفتى
قال الكاشفى [ اين آيت منسوخ است بآيت قتال ]
وقال فى التبيان والصحيح انه لا نسخ لان الاكراه على الايمان لا يصح لانه عمل القلب(5/344)
وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100)
{ وما كان } اى وما صح وما استقام { لنفس } من النفوس التى علم الله انها تؤمن { ان تؤمن } فى حال من احوالها { الا باذن الله } اى الا حال كونها ملابسة باذنه تعالى وتسهيله وتوفيه فلا تجهد نفسك فى هدادا فنه الى الله : قال الحافظ
رضا بداده بده وزجبين كره بكشاى كه برمن وتودر اختيار نكشادست
{ ويجعل الرجس } اى الكفر بقرينه ما قبله عبر عنه بالرجس الذى هو عبارة عن القبيح المستقذر المستكره لكونه علما فى القبح والاستكراه اى يجعل الكفر ويبقيه { على الذين لا يعقلون } لا يستعملون عقولهم بالنظر فى الحجج والآيات فلا يحصل لهم الهداية التة عبر عنها بالاذن فيبقون مغمورين بقبائح الكفر والضلال
وفى التأويلات النجمية { ويجعل الرجس } اى عذاب الحجاب { على الذين لا يعقلون } سنة الله فى الهداية والخذلان فان سنته ان تهتدى العقول المؤيدة بنور الايمان الى توحيد الله ومعرفته ولا تهتدى العقول المجردة عن نور الايمان الى ذلك وهذا رد على الفلاسفة فانهم يحسبون ان للعقول المجردة عن الايمان سبيلا الى التوحيد والمعرفة انتهى : قال الحافظ
اى كه دفتر عقل آيت عشق آموزى ... ترسيم اين نكته تحقيق ندانى دانست(5/345)
قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)
{ قل انظروا } تفكروا يا اهل مكة { ماذا } مرفوع المحل على الابتداء { فى السموات والارض } خبره اى أى شيء بديع فيهما من عجائب صنعه الدالة على وحدته وكمال قدرته فماذا جعل بالتركيب اسما واحدا مغلبا فيه الاستفهام على اسم الاشارة ويجوز ان يكون اسمين بمعنى ما الذى على ان تكون ما استفهامية مرفوعة على الابتداء والظرف صلة الذى والجملة خبر للمبتدأ وعلى التقديرين فالمبتدأ والخبر فى محل النصب باسقاط للخافض وفعل النظر معلق بالاستفهام { وما } نافية { تغنى الآيات والنذر } جمع نذير على انه فعيل بمعنى منذر او على انه مصدر اى لا تنفع الآيات الا نفسية والآفاقية الدالة على الوحدانية والرسل والمنذرون او الانذارات شيأ { عن قوم لا يؤمنون } فى علم الله تعالى وحكمه(5/346)
فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (102)
{ فهل ينتظرون } اى فما ينتظر كفار مكة واضرابهم { الا مثل ايام الذى خلوا } اى الا مثل ايام الذين مضوا { من قبلهم } من مشركى الامم الماضية كقوم نوح وعاد وثمود واصحاب الايكة واهل المؤتفكة اى مثل وقائعهم ونزول بأس الله بهم اذ لا يستحقون غيره وعم ما كانوا منتظرين لذلك ولكن لما كان يلحقهم لحوق المنتظر شبهوا بالمنتظر والعرب تسمى العذاب والنعيم اياما وكل ما مضى عليك من خير وشر فهو ايام { قل } تهديدا لهم { فانتظروا } ما هو عاقبتكم من العذاب { انى معكم من المنظرين } لذلك او فانتظروا اهلاكى انى معكم من المنظرين لهلاككم فان العاقبة للمتقين على ما هى السنة القديمة الالهية(5/347)
ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103)
{ ثم ننجى رسلنا والذين آمنو } عطف على محذوف دل عليه قوله مثل ايام الذين خلوا كانه قيل نهلك الامم ثم ننجى رسلنا ومن آمن بهم عند نزول العذاب على حكاية الحال الماضية فان المراد اهلكنا ونجينا { كذلك } اى مثل ذلك الانجاء { حقا علينا } لعتراض بين الفعل ومعموله ونصبه بفعله المقدر اى حق ذلك علينا { ننجى المؤمنين } من كل شدة وعذاب ولم يذكر انجاء الرسل ايذانا بعدم الحاجة اليه
وفيه تنبيه على ان مدار النجاة هو الايمان وهذه سنة الله تعالى فى جميع الامم فان الله تعالى كما انجى الرسل المتقدمين ومن ىمن بهم وانجز وما عدلهم كذلك انجى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ومن معه من اصحابه وحقق لهم ما وعد لهم وسينجى الى قيام الساعة جميع المؤمنين من ايدى لكفرة وشرورهم ما دام الشرع باقيا والعمل به قائما : قال السعدى قدس سره
محالست جون دوست دارد ترا ... دردست دشمن كذارد ترا
واقل النجاة الموت فان الموت تحفة المؤمن ألا ترا الى قوله عليه السلام حين مرّ بجنازة مستريح او مستراح منه فالاول هو الرجل الصالح يتخلص من تعب الدنيا ويستريح فى البرزخ بالثواب الروحانى وهو نصف النعيم والثانى هو الرجل الفاسق يستريح بموته الخلق ويتخلصون بموته من اذاه ويصل هو الى العذاب الروحانى البرزخى وهو نصف الجحيم نعوذ بالله تعالى منه
والحديث المناسب لآية الانتظار والانجاء قوله صلى الله تعالى عليه وسلم « افضل العبادة انتظار الفرج » وذلك لان فيه استرارة القلب وثواب الصبر اذ المؤمن المبتلى يعتقد ان المبتلى هو الله تعالى وانه لا كاشف له الا هو وذلك يخفف ألم البلاء عنه ويهون عليه الصبر فيرفع الجزع ويجد الاستراحة فى قلبه بخلاف حال الجاهل الذى لا يخطر بباله ان ما يجرى عليه انما هو بقضاء الله وان الله لطيف بعباده اذ ربما يعتقد انه لا يتخلص من بلائه فينسب العجز الى الله تعالى من حيث لا يحتسب ويتقلب فى الم البلاء صباحا ومساء فتعوذ بالله منه : قال الحافظ
اى دل صبور باش مخور غم كه عاقبت ... اين شام صبح كردد واين شب سحر شود
وفى الحديث « اشتدى ازمة تنفرجى » خاطب عليه السلام السنة المجدبة فقال ابلغى فى الشدة والمشتقة الغاية تنكشفى وفيه تنبيه على ان لا بقاء للمحنة فى دار الدنيا كما لا بقاء للنعمة . والازمة القحط والشدة وقيل ازمة امرأة وقعت فى الطلق عليه السلام اى ازمة اشتدى يعنى ابلغنى فى الشدة الغاية تنفرجى حتى تجدى الفرج عن قريب بالوضع والعرب تقول اذا تناهت الشدة انفرجت . وقد عمل ابو الفضل يوسف بن محمد الانصارى المعروف بان النجوى لفظ الحديث مطلع قصيدة فى الفرج بديعة فى معناها كذا فى المقاصد الحسنة لخاتمة الحافظ والمحدثين الامام السخاوى رحمه الله سبحانه(5/348)
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104)
{ قل يا ايها الناس } خطاب لاهل مكة { ان كنتم فى شك من دينى } الذى اتعبد الله به وادعوكم اليه ولم تعلموا ما هو وما صفته { فلا اعبد } اى فانا لا اعبد والا لا نجزم { الذين تعبدون من دون الله } فى وقت من الاوقات { ولكن اعبد الله الذى يتوفيكم } يقبض ارواحكم بوساطة الملك ثم يفعل بكم ما يفعل من فنون العذاب اى فاعلموا تخصيص العبادة به تعالى ورفض عبادة ما سواه من الاصنام وغيرها مما تعبدونه جهلا وذلك لان شكهم ليس سببا لعدم عبادة الاوثان وعبادة الله بل سبب للاعلام والاخبار بان الدين كذا ومثله وما بكم من نعمة فمن الله فان استقرار النعمة فى المخاطبين ليس سببا لحصولها من الله تعالى بل الامر بالعكس وانما هو سبب للاخبار بحصولها من الله تعالى { وامرت ان } اى بان { اكون من المؤمنين } وفى الانتقال من العبادة لتى هى جنس من اعمال الجوارح الى الايمان والمعرفة دلالة على انه ما لم يصر الظاهر مزينا بالاعمال الصالحة لا يستقر فى القلب نور الايمان والمعرفة فان الله تعالى جعل احكام الشريعة اساس المعرفة فاذا زال الاساس زال ما بنى عليه وايضا العمل لباس المعرفة فاذا انسلخت المعرفة عن هذا اللباس صارت كسراج على وجه الريح
علم آبست وعمل سد جون سبو ... جون سبو بشكست ريزد آب ازو(5/349)
وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105)
{ وان اقم وجهك للدين } عطف على ان اكون وان مصدرية اى موصول حرفى وصلته لا تجب ان تكون خبرية بخلاف الموصول الاسمى . والمعنى وامرت بالاستقامة فى الدين والاشتداد فيه باداء الفرائض والانتهاء عن القبائح كما فى تفسير القاضى
قال ابن الشيخ فى حواشيه وفيه اشارة الى ان اقامة الوجه للدين كناية عن توجيه النفس بالكلية الى عبادة الله تعالى والاعراض عما سواه فان من اراد ان ينظر الى شيء نظرا بالاستقصاء فانه يقيم وجهه فى مقابلته بحيث لا يلتفت يمينا ولا شمالا فانه لو التفت الى جهة بطلت تلك المقابلة واختل النظر المراد ولذلك كنى باقامة الوجه عن صرف القوى بالكلية الى الدين انتهى
قال فى الكواشى والمعنى كن مؤمنا واخلص عملك لله
عبادت باخلاص نت نكوست ... وكرنه جه آيد زبى مغز بوست
{ حنيفا حال من الدين اى مائلا عن الاديان الباطلة مستقيما لا اعوجاج فيه بوجه ما { ولا تكونن من المشركين } اعتقادا وعملا عطف على اقم داخل تحت الامر
قال الامام من عرف مولاه لو التفت بعد ذلك الى غيره كان ذلك شركا وهذا هو الذى تسميه اصحاب القلوب بالشرك الخفى : قال المغربى
اكر بغير توكردم نكاه درهمه عمر ... بياد جرم غرامت زديده ام بستان(5/350)
وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106)
{ ولا تدع } عطف على قوله تعالى { قل يا ايها الناس } غير داخل تحت الامر { من دون الله } استقلالا ولا اشتراكا { ما لا ينفعك } اذا دعوته بدفع مكروه او جلب محبوب { ولا يضرك } اذا تركته بسلب المحبوب دافعا او رفعا او بايقاع المكروه { فان فعلت } اى ما نهيت عنه من دعاء ما لا ينفع ولا يضر { فانك اذ من الظالمين } الضارين بانفسهم فانه اذا كان ما سوى الحق معزولا عن التصرف الى ما سوى الحق وضعا للشيء فى غير موضعه فيكون ظلما فلا نافع ولا ضار الا الحق وكل شيء هالك الا وجهه
خيل جمله جهانرا بنور جشم يقين ... بجنب بحر حقيقت سراب مى بينم(5/351)
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)
{ وان يمسسك الله بضر } [ واكر برساند خداى بتو مرضى ياشدتى يا فقرى ] { فلا كاشف له } عنك { الا هو } وحده { وان يردك بخير } [ واكر خواهد بتوصحت وراحت وغنا ] { فلا راد } فلا دافع { لفضله } من جملة ما ارادك به من الخير كائنا من كان فيدخل فيه الاصنام . وفيه ايذان بان فيضان لخير منه تعلاى بطريق التفضل من غير استحقاق عليه سبحانه ولعل ذكر الارادة مع الخير والمس مع الضر مع تلازم الامرين للايذان بان الخير مراد بالذات وان الضر انما يمس من يمسه لما يوجبه من الدواعى الخارجية لا بالقصد الاولى ولم يستثن مع الارادة كما استثنى مع المس بان يقول الا هو لانه قد فرض ان تعلق الخير به واقع بارادة الله تعالى فصحة الاستثناء تكون بارادة ضده فى ذلك الوقت وهو محال اذ لا يتعلق الارادتان للضدين فى وقت واحد بخلاف مس الضر فان ارادة كشفه لا تستلزم المحال { يصيب به } [ ميرساند فضل خودرا ] اى بفضله الشامل لما ارادك به من الخير ولغيره { من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم } فتعرضوا لرحمته بالطاعة ولا تيأسوا من غفرانه بالمعصية
وفى التأويلات النجمية { وهو الغفور } يستر بنور وجهه ظلمة وجود الصديقين { الرحيم } يتقرب برحمته الى الطالبين الصادقين وهم الذين دينهم عبادة الله وطاعته ومحبته وطلبه لا عبادة الهوى والدنيا وطاعتها ومحبتها
وقال فى المفاتيح معنى الغفور يستر القبائح والذنوب باسبال الستر عليها فى الدنيا وترك المؤاخذة والعقاب عليها فى الآخرة
وخط العارف من هذا الاسم ان يستر من اخيه ما يجب ان يستر من اخيه ما يحب ان يستر منه وقد قال عليه السلام « من ستر على مؤمن عورته ستر الله عورته يوم القيامة » والمغتاب والمتجسس والمكافئ على الاساءة بمعزل عن هذا الوصف وانما المتصف به من لا يفشى من خلق الله الا احسن ما فيه -يروى- ان عيسى عليه السلام مع الحواريين بكلب ميت قد غلب نتنه فقالوا ما انتن هذه الجيفة فقال عيسى عليه السلام ما احسن بياض اسنانها تنبيها على ان الذى ينبغى ان يذكر من كل شيء ما هو احسن كما فى شرح الاسماء الحسنى للامام الغزالى : وقال فى المثنوى فى الاسم الرحيم
بند كان حق رحيم وبردبار ... خوى حق دارند در اصلاح كار
مهربان بى رشوتان يارى كران ... در مقام سخت ودر روز كران
نسال الله تعالى ان يفيض علينا سجال رحمته ويديم دوران كاسات فضله ومغفرته(5/352)
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108)
{ قل } لكفار مكة { يا ايها الناس قد جاءكم الحق من ربكم } وهو القرىن العظيم واطلعتم على ما فى تضاعيفه من البينات والهدى لم يبق لكم عذر ولا عليه تعالى حجة { فمن اهتدى } بالايمان به والعمل بما فى مطاويه { فانما يهتجى لنفسه } اى منفعة اهتدائه لها خاصة ومن ضل بالكفر به والاعراض عنه { فانما يضل } اى فوبال الضلال مقصور عليها . والمراد تنزيه ساحة الرسول عن شائبة غرض عائد اليه عليه السلام من جلب نفع او دفع ضر كما يلوح به اسناد الكجيء الى الحق من غير اشعار يكون ذلك بواسطة { وما انا عليكم بوكيل } بحفيظ موكول الى امركم وانما انا بشير ونذير
وفى التأويلات النجمية { قد جاءكم الحق من ربكم } القرآن وهو الحبل المتين { فمن اهتدى } الى الاعتصام به { فانما يهتدى لنفسه } بان يخلصها من اسفل السافلين ويعيدها الى اعلى عليين مقاما { ومن ضل } عن الاعتصام به { فانما يضل عليها } لانها تبقى فى اسفل الدنيا بعيدة عن الل معذبة بعذاب البعد وألم الفراق { وما انا عليكم بوكيل } فاوصلك الى تلك المقامات والدرجات واخلصكم من هذه السفليات والدركات بغير اختياركم وانما انا مأمور بتبليغ الوحى والرسالة والتذكير والموعظة(5/353)
وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)
{ واتبع } اعتقادا وعملا وتبليغا { ما يوحى اليك } على نهج التجدد والاستمرار من الحق المذكور المتأكد يوما فيوما { واصبر } على دعوتهم وتحمل اذيتهم { حتى يحكم الله } يقضى لك بالنصر واظهار دينك { وهو خير الحاكمين } اذ لا يمكن الخطأ فى حكمه لاطلاعه على السرائر اطلاعه على الظواهر
از سبيدى تاسياهى كيرو تالوح وقلم ... يك رقم ازخط حكمش وهو خير الحاكمين
قال فى التأويلات النجمية { وهو خير الحاكمين } فيما حكم بقبول الدعوة والقرآن والاحكام والعمل بها لمن سبقت له العناية الازلية وبرد الدعوة والقرآن والاحكام والعمل بها لمن ادركته الشقاوة الازلية
وقال فى المفاتيح ومرجع الاسم الحاكم اما الى القول الفاصل بين الحق والباطل والبر والفاجر والمبين لكل نفس جزاء ما عملت من خير او شر واما الى التمييز من السعيد ولشقى بالاثابة والعقاب . وحظ العبد منه ان يستسلم لحكمه وينقاد لامره فان لم يرض بقضائه اختيار امضى فيه اجبارا ومن رضى به طوعا عاش راضيا مرضيا ويكفى لنا موعظة حال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فانه رضى بقضاء الله وصبر على بلائه فعاش حميدا وصار عاقبة امره الى النصرة : وفى المثنوى
صد هزاران كيميا حق آفريد ... كيميايى همجو صبر آدم نديد
جونكه قبض آمد تو دروى بسط بين ... تازه باش وجين ميفكن برجبين
جشم كودك همجو خر درآخرست ... جشم عاقل درحساب آخرست
اودر آخر جرب مى بيند علف ... وين زقصاب آخرش بيند تلف
آن علف تلخست كين قصاب داد ... بهر لحم ماترا زويى نهاد
صبر مى بيند زبرده اجتهاد ... روى جون كلنار وزلفين مراد
ومما وقع له صلى الله تعالى عليه وسلم من الاذية ما حدث به عبد الله رضى الله عنه قال كنا مع رسول الله فى المسجد وهو يصلى وقد نحر جزور وبقى فرثه اى روثه فى كرشه فقال ابو جهل ايكم يقوم الى هذا القذر ويلقيه على محمد فقام عقبة بن ابى معيط وجاء بذلك الفرث فالقاه على النبى عليه السلام وهو ساجد فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض من شدة الضحك فهممنا اى خففنا ان نلقيه عنه حتى جاءت فاطمة رضى الله عنها فالقته عنه واقبلت عليهم تشتمهم وكان بجواره صلى الله تعالى عليه وسلم جماعة منهم ابو لهب والحكم بن العاص ابن امية وعقبة بن ابى معيط وكانوا يطرحون عليه الاذى فاذا طرحوه عليه اخذه عليه السلام وخرج به ووقف على بابه ويقول يا ابن عبد مناف اى جوار هذا لم يلقيه فى الطريق وقال عليه عليه السلام مرة فيمن التزم اذية له من رؤساء قريش مخاطبا لاصحابه(5/354)
« ابشروا فان الله تعالى مظهر دينه ومتمم كلمته وناصر نبيه ان هؤلاء الذين ترون مما يذبح على ايديكم عاجلا » فوقع كما قال حيث ذبحهم الاصحاب بايديهم يوم بدر وهذه الاذية لا يظن ظان انها منقصة له عليه السلام بل هى رفعة له ودليل على فخامة قدره وعلو مرتبته وعظيم رفعته ومكانته عند ربه لكثرة صبره عليه السلام وحلمه واحتماله مع علمه باستجابة دعائه ونفوذ كلمته عند الله تعالى وقد قال « اشد الناس بلاء الانبياء » عليهم السلام فالانبياء كالذهب والشدائد التى تصيبهم كالنار التى يعرض عليها الذهب فان ذلك يزيد الذهب الا حسنا فكذا الشدآئد لا تزيد الانبياء الا رفعة : فى المثنوى
طبع را كشتند در حمل وبدى ... تاحمولى كربود هست ايزدى
اى سليمان درميان زاغ وباز ... حلم حق شو باهمه مرغان بساز
اى دوصد بلقيس حلمت را زبون ... كه اهد قومى انهم لا يعلمون
نسال الله تعالى ان يثبتنا على الحق المبين ويحكم لنا بالنصر على نفوسنا وهو خير الحاكمين تمت سورة يونس بالامداد الرحمانى والتاييد الربانى فى اليوم الحاجى عشر يوم الاثنين فى ذى القعدة الشريفة من سنة اثنتين ومائة والف ويتلوها سورة هود(5/355)
الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)
{ الر } اى هذه السورة الر اى مسماه بهذا الاسم فيكون خبره مبتدا محذوف او لا محل له من الاعراب مسرود على نمط تعديد الحروف للتحدى والاعجاز وهو الظاهر فى هذ السورة الشريفة اذ على الوجه الاول يكون كتاب خبرا بعد خبر فيؤدى الى ان يقال هذه السورة كتاب وليس ذاك بل هى آيات الكتاب الحكيم كما فى سورة يونس وحمل الكتاب على المكتوب او على البعض تكلف وهو اللائح بالبال قالوا الله اعلم بمراده من الحروف المقطعة فانها من الاسرار المكتومة كما قال الشعبى حين سئل عنها سر الله فلا تطلبوه والله تعالى لا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول او وارث رسول . وفى الحديث « ان من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه الا العلماء بالله فاذا نطقوا به لا ينكره الا اهل الغرة بالله » رواه ابو منصور لديلمى وابو عبد الرحمن السلمى كما فى الترغيب
قال الرقاشى هى اسرار الله يبديها الى امناء اوليائه وسادات النبلاء من غير سماع ولا دراسة وهى من الاسرار التى لم يطلع عليها الا الخواص كما فى فتح القريب
وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال حفظت من رسول الله وعائين فاما احدهما فبثثته فيكم واما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم
قال البخارى البلعوم مجرى الطعام كما فى شرح الكردى على الطريقة المحمدية
وقال سلطان المفسرين والمؤولين ابن عباس رضى الله عنهما معنى الر انا الله ارى [ منم خداى كه مى بينم طاعت مطيعانرا ومعصيت عاصيانرا وهركس را مناسب عمل اجزا خواهم داد بس ايت كمله مشتمل است بروعد ووعيد كما فى تفسير الكاشفى ] ويقال الالف آلاؤه واللام لطفه والراء ربوبيته كما فى تفسير ابى الليث وسياتى فى التأويلات غير هذا { كتاب } اى هذا القرآن كتاب كما ذهب اليه غير واحد من المفسرين { احكمت آياته } نظمت نظما محكما لا يعتريه نقض ولا حلل لفظا ومعنى كالبناء المحكم المرصف او منعت من النسخ بمعنى التغيير مطلقا : وفى المثنوى
مصطفى را وعده كرد الطاف حق ... كربميرى تونميرد اين سبق
كس نتاند بيش وكم كردن درو ... تو به ازمن حافظى ديكر مجو
هست قرآن مرترا همجون عصا ... كفر هارا دركشد جون ازدها
تو اكر درزير حاكى خفته ... جون عصايش دان توآنجه كفته
قاصدا انرا برعصايت دست نى ... توبخسب اى شه مبارك خفتنى
{ ثم فصلت } يقال عقد مفصل اذا جعل بين كل لؤلؤتين خرزة . والمعنى زينت آياته بالفوائد كما تزين القلائد بالفرائد اى ميزت وجعلت تفاصيل فى مقاصد مختلفة ومعان متميزة من العقائد والاحكام والمواعظ والامثال وغير ذلك وثم للتفاوت فى الحكم اى الرتبة لا للتراخى فى الوجود والوقوع فى الزمان او للتراخى فى الاخبار لا فى الوقت فان الشائع فى الجمل ان يراد بها نفس مفهومها الا انه قد يراد بها الاخبار .(5/356)
بمفهومها كما تقول فلان كريم الاصل ثم كريم الفعل لوالمراد بالتراخى مجرد الترتيب مجازا لظهور ان حقيقة للتراخى منتفية بين الاخبارين ضرورة ان الاخبار بالتفصيل وقع عقيب الاخبار بالاحكام او يقال بوجود التراخى باعتبار ابتداء الخبر الاول وانتهاء الثانى والفعلان من قبيل قولهم سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل يعنى انه لم يكن البعوض كبيرا اولا ثم جعله الله صغيرا لكنه كان ممكنا فنزل هذا الامكان منزلة الوجود كما فى شرح الهندى على الكافية { من لدن حكيم خبير } صفة ثانية للكتاب صفة ثانية للكتاب وصف اولا بجلالة الشان من حيث الذات ثم وصف من حيث الاضافة . ولدن بمعنى عند لكنها مختصة باقرب مكان وعند للبعيد والقريب ولهذا تقول عندى كذا لما تملكه حضرك او غاب عنك ولا تقول لدى كذا الا لما هو بحضرتك . والحكيم الخبير هو الله تعالى حكيم فيما انزل خبير بمن اقبل على امره واعرض عنه(5/357)
أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2)
{ ان لا تعبدوا الا الله } مفعول له حذف منه اللام مع فقدان الشرط اعنى كونه فعلا لفاعل الفعل المعلل بناء على القياس المطرد فى حذف حر الجر مع ان المصدرية كأنه قيل كتاب احكمت آياته ثم فصلت لاجل ان لا تعبدوا الا الله اى تتركوا يا اهل مكة عبادة غير الله وتتمخصوا فى عبادته دل على ان لا مقصود من هذا الكتاب لشريف الا هذا الحر الواحد فكل من صرف عمره الى سائر المطالب فقد خاب وخسر { انى لكم منه نذير وبشير } كلام على لسان الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم . قوله منه اما حال من نذير وبشير اى كائنا من جهة الله تعالى او متعلق بنذير اى أنذركم من عذابه ان كفرتم اى بقيتم على الكفر وعبادة غير الله تعالى وابشركم بثوابه ان امنتم وتقديم النذير لان التخويف هو الاهم اذ التخلية قبل التحلية(5/358)
وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)
{ وان استغفروا ربكم } عطف على الا تعبدوا سواء كان نهيا او نفيا وان مصدرية وسوغ سيبويه ان توصل ان بالامر والنهى لان الامر والنهى دالان على المصدر دلالة غيرهما من الافعال والاستغفار طلب المغفرة وهي ان يستر على العبد ذنوبه فى الدنيا ويتجاوز عن عقوبته فى العقبى { ثم توبوا اليه } ثم اخلصوا التوبة واستقيموا عليها كما فى بحر العلوم للسمرقندى
وقال فى الارشاد المعنى فعل ما فعل من الاحكام والتفصيل لتخصوا الله بالعبادة وتطلبوا منه ستر ما فرط منكم من الشرك ثم ترجعوا اليه بالطاعة انتهى فثم ايضا على بابها فى الدلالة على التراخى الزمانى ويجوز ان يكون ثم لثفاوت ما بين الامرين وبعد المنزلة بينهما من غير اعتبار تعقيب وتراح فان بين التوبة وهى انقطاع العبد اليه بالكلية وبين طلب المغفرة بونا بعيدا كذا ذكره الرضى
قال الفراء ثم ههنا بعد الواو لان الاستغفار توبة انتهى
يقول الفقير فرقوا بينهما كما قال الحدادى عند قوله تعالى { ومن يعمل سوأ او يظلم ثم يستغفر الله } اى بالتوبة الصادقة وشرطت التوبة لان الاستغفار لا يكون توبة بالاجماع ما لم يقل معه تبت واسات ولا اعود ليه ابدا فاغفر لى يا رب { يمتعكم متاعا حسنا } انتصابه على انه مصدر بمعنى تمتيعا حذف منه الزوائد . والتمتيع جعل الشخص متمتعا منتفعا بشيء . والمعنى يعيشكم عيشا مرضيا لا يفوتكم فيه شيء مما تشتهون ولا ينغصه شيء من المكدرات { الى اجل مسمى } الى آخر الاعمار المقدرة وتموتوا على فرشكم -كما حكى- ان الله تعالى اوحى الى موسى عليه السلام قل لفرعون ان آمنت بالله وحده عمرك فى ملكك وردك شابا طريا فمنعه هامان وقال انا اردك شابا طريا فاتاه بالوسمة فخضب لحيته وهو اول من خضب بالسواد جراما
وقال العتبى اصل الا متاع الا طالة فيقال جبل ماتع وقد متع النهار اذا طال . والمعنى لا يهلككم بعذاب الاستئصال الى آخر ايام الدنيا
وههنا سؤالان . الاول ان قوله عليه السلام « الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر » وقوله « وخص البلاء بالانبياء ثم الاولياء ثم الامثل فالامثل » ونحوهما يدل على ان نصيب المطيع عدم الراحة فى الدنيا فكيف يكون فى امن وسعة الى حين الموت . والجواب ان من ربط قلبه بالله ورضى بما قضاه الله فى حقه حيى حياة طيبة ولذا قال بعضهم ( متاعا حسنا [ رضاست برانجه هست ازنعمت وصبر برانجه رونمايد ازسخت ] ومن ربط قلبه بالاسباب كان ايدا فى الم الخوف من فوات محبوبه فيتغص عيشه ويضطرب قلبه وكون الدنيا سجنا انما هو بالاضافة الى ما اعد للمؤمن من نعيم الآخرة وهو لا ينافى لراحة فى الجملة -كما حكى- انه كان قاض من اهل بغداد مارا بزقاق كلخان مع خدمه وحشمه كالوزير فطلع الكلخانى فى صورة جهنمى رث الهيئة كان القطران ان يقطر من جوانبه فاخذ بلجام بغلة القاضى فقال ايد الله القاضى ما معنى قول نبيكم(5/359)
« الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر » اما ترى فى الدنيا جنة لك وانت مؤمن محمدى والدنيا سجن لى وانا كافر يهودى فقال القاضى الدنيا وما ترى من زينتها وحشمتها سجن للمؤمنين بالنسبة الى الجنة وما اعد لهم فيها من الدرجات وجنة للكافرين بالنسبة الى جهنم وما اعد لهم فيها من الدركات فعقل اليهودى فاسلم واخلص . والثانى ان قوله تعالى { الى اجل مسمى } يدل على ان للعبد اجلين كما قال الكعبى ان للمقتول اجلين اجل القتل واجل الموت وان المقتول لو لم يقتل لعاش الى اجله الذى هو اجل الموت وكما قال الفلاسفة ان للحيوان اجلا طبيعيا هو وقت موته لتحلل رطوبته وانطفاء حرارته الغريزتين واجلا اختراميا بحسب الآفات والامراض . والجواب ان الاجل واحد عند اهل السنة والجماعة فان الارزاق والاعمار وان كانت متعلقة بالاعمال كالاستغفار والتوبة فى هذ الآية وكالصلة فى قوله « صلة الرحم تزيد العمر » لكنها مسماة بالاضافة فى كل احد بناء على علم الله باشتغاله بما يزيد فى العمر من القرب فلا يثبت تعدد الاجل { ويؤت كل ذى فضل } فى الاعمال والاخلاق والكمالات { فضله } والضمير راجع الى كل اى جزاء فضله من الثواب والدرجات العالية ولا يبخس منه
قال سعيد بن جبير فى هذه الآية من عمل حسنة كتب له عشر حسنات ومن عمل سيئة كتب عليه سيئة واحدة فان لم يعاقب بها فى الدنيا اخذ من العشرة واحدة وبقيت له تسع حسنات [ وجورجانى كفته كه ذو فضل آنست كه دردريوان ازل بنام اونشان فضل نوشته باشند وهر آينه بعد از وجود بدان شرف خواهد رسيد أنراكه بدادندا زو بازنكيرند { وان تولوا } اى تتولوا او تعرضوا عما القى اليكم من التوحيد والاستغفار والتوبة وتستمروا على الاعراض وانما اخر عن البشارة جريا على سنن تقدم الرحمة على اغضب { فانى اخاف عليكم } بموجب الشفقة والرحمة او اتوقع { عذاب يوم كبير } شاق وهو يوم القيامة قال فى التبيان وهو بكير لما فيه من الاهوال فوصف بوصف ما يكون فيه(5/360)
إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4)
{ الى الله مرجعكم } اى رجوعكم بالموت ثم بالبعث للجزاء فى مثل ذلك اليوم لا الى غيره وهو شاذ عن القياس لان المصدر الميمى من باب ضرب قياسه ان يجيئ بفتح اعين وهو لا يمنع الفصاحة نحو ويابى الله { وهو على كل شيء قدير } فيقدر على تعذيبكم اذ من جملة مقدوراته العذاب والثواب
واعلم ان الآية تدل على فضل التوحيد وشرف الاستغفار الا يرى ان الموحد المستغفر كيف ينال العيش الطيب فى الدنيا والدرجات العالية فى العقبى فهما مفتاح سعادة الدارين وفى الحديث « لا اله الا الله ثمن الجنة » وخبر آخر « مفتاح الجنة » وفى الخبر « قال آدم يا رب انك سلطت على ابليس ولا استطيع ان امتنع منه الا بك قال الله تعالى لا يولد لك ولد الا وكلت عليه من يحفظه من مكر ابليس ومن قرناء السوء قال يا رب زندى قال الحسنة عشر وازيد والسيئة واحدة وامحوها قال يا رب زدنى قال التوبة مقبولة مادام الروح فى الجسد قال يا رب زندى قال الله تعالى قل يا عبادى الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم » ثم الاستغفار لا يختص بكونه من الذنوب بل يكون من العبادة التى لا يؤتى بها على الوجه اللائق كما قال بعضهم ان الصحابة كانوا يستغفرون من عبادتهم استقلالا لها وما يقع فيها : قال العرفى
مالب آلوده بهر توبه بكشاييم ليك ... بانك عصيان ميزند ناقوس استغفارا ما
وفى التأويلات النجمية قوله { الر } يشير بالالف الى الله وباللام الى جبريل وبالراء الى الرسول { كتاب احكمت آياته } يعنى القرآن والحكمة هى الحقائق والمعانى والاسرار التى ادرجت فى آياته { ثم فصلت } اى بينت لقلوب العارفين تلك الحقائق والحكم { من لدن حكيم } اودع فيها الحكمة البالغة التى لا يقدر غيره على ايداعها فيها وهذا سر من اسرار اعجاز القرآن { خبير } على تعليمها من لدنه لمن يشاء من عباده كقوله { فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما } يشير الى ان للقرآن ظهرا يطلع عليه اهل اللغة وبطنا لا يطلع عليه الا ارباب القلوب الذين اكرمهم الله بالعلم اللدنى ورأس الحكمة وسرها ان تقول يا محمد لامتك امرتم { ان لا تعبدوا الا الله } اى لا تعبدوا الشيطان ولا الدنيا ولا الهوى ولا ما سوى الله تعالى { اننى لكم منه نذير } انذركم بالقطيعة من الله تعالى ان تعبدوا وتطيعوا وتحبوا غيره وعذاب العبد فى الجحيم { وبشير } ابشركم ان تعبدوه وتطيعوه وتحبوه بالوصول ونعم الوصال فى دار الجلال وكان النبى عليه السلام مخصوصا بالدعوة الى الله من بين الانبياء والمرسلين يدل على قوله { يا ايها النبى انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه }(5/361)
فيما فرطتم من ايام عمركم فى طلب غير الله وترك طلبه وتحصيل الحجب وابطال الاستعداد الفطرى ليكون الاستغفار تزكية لنفوسكم وتصفية لقلوبكم { ثم توبوا اليه } ارجعوا بقدم السلوك الى الله تعالى لتكون التوبة تحلية لكم بعد التزكية بالاستغفار وهى قوله { يمتعكم متاعا حسنا } وهو الترقى فى المقامات من السفليات الى العلويات الى حضرة العلى الكبير { الى اجل مسمى } وهو انقضاء مقامات السلوك وابتداء درجات الوصول { ويؤت كل ذى فضل } ذى صدق واجتهاد فى الطلب { فضله } فى درجات الوصول فان المشاهدات بقدر المجاهدات { وان تولوا } تعرضوا عن الطلب والسير الى الله { ف } قل { انى اخاف عليكم عذاب يوم كبير } عذاب يوم الانقطاع عن الله الكبير فانه اكبر الكبائر وعذابه اعظم المصائب { الى الله مرجعكم } طوعا او كرها فان كان بالطوع يتقرب اليكم بجذبات العنايات كما قال { من تقرب الى شبرا تقربت اليه ذراعا } وان كان بالكره تسحبون فى النار على وجوهكم { وهو على كل شيء } من اللطف والقهر { قدير }(5/362)
أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5)
{ ألا } اى تنبهوا ايها المؤمنون { انهم } اى مشتركى مكة { يثنون صدورهم } من ثنى يثنى اى عطف وصرف . والمعنى يعطفون صدورهم على ما فيها من الكفر والاعراص عن الحق وعداوة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بحيث يكون ذلك مخفيا مستورا فيها كما تعطف الثياب على ما فيها من الاشياء المستورة { ليستخفوا منه } الاستخفاء الاستتار اى ليختفوا ويستتروا من الله تعالى لجهلهم بما لا يجوز على الله تعالى -روى- عن ابن عباس رضى الله عنهما انها نزلت فى اخنس بن شريق الزهرى وكان رجلا حلو المنطق حسن السياق للحديث يظهر لنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم المحبة ويضمر فى قلبه ما يضادها
وقال ابن شداد انها نزلت فى بعض المنافقين كان اذا مر برسول الله ثنى صدره وظهره وطأطأ رأسه وغطى وجهه كيلا يراه النبى عليه السلام فكأنه انما كان يصنع ما يصنع لانه لو راه النبى عليه السلام لم يمكنه التخلف عن حضور مجلسه والمصاحبة معه وربما يؤدى ذلك الى ظهور ما فى قلبه من الكفر والنفاق
فان قلت الآية مكية والنفاق حدث بالمدينة
قلت لك ان تمنع ذلك بل ظهوره انما كان فيها ولو سلم فليكن هذا من باب الاخبار عن الغيب وهو من جملة المعجزات { الا حين يستغشون } ثيابهم } اى يتغطون بها للاستخفاء على ما نقل عن ابن شداد وحين ياوون الى فراشهم ويتدثرون ثيابهم وكان الرجل من الكفار يدخل بيته ويرخى ستره ويحنى ظهره ويتغشى ثوبه ويقول هل يعلم الله ما فى قلبى
قال فى الكواشى حين توقيت للتغطى لا للعلم انتهى
اى لئلا يلزم تقييد علمه تعالى بسرهم وعلنهم بهذا الوقت الخاص وهو تعالى عالم بذلك فى كل وقت . والجواب انه تعالى اذا علم سرهم وعلنهم فى وقت التغشية الذى يخفى فيه السر فاولى ان يعلم ذلك فى غيره وهذا بحسب العادة والا فالله تعالى لا يتفاوت علمه بتفاوت احوال الخلق { يعلم ما يسرون } اى يضمرون فى قلوبهم { وما يعلنون } بافواههم وما مصدرية اى اسرارهم واعلانهم او بمعنى الذى والعائد محذوف وقدم السر على العلن لان مرتبة السر متقدمة على مرتبة العلن اذ ما من شيء يعلن لا وهو او مباديه قبل ذلك مضمر فى القلب فتعلق علمه سبحانه بحالته الاولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية { انه } اى الله تعالى { عليم بذات الصدور } مبالغ فى الاحاطة بمضمرات جميع الناس واسرارهم الخفية المستكنة فى صدورهم بحيث لا تفارقها اصلا فكيف يخفى على ما يسرون وما يعلنون
اى كه دردل نهان كنى سرى ... آنكه دل آفريد ميداند
ومعنى الآية ان الذين اضمروا الكفر والعداوة لا يخفون علينا وسنجازيهم على ما ابطنوا من سوء اعمالهم حق جزائهم فحقه ان يتقى ويحذر ولا يجترئ على شيء مما يخالف رضاه(5/363)
صورت ظاهر ندارد اعتبار ... باطنى بايد مبرا از غبار
واعلم ان اصلاح القلب اهم من كل شيء اذ هو كالملك المطاع فى اقليم البدن لنافذ الحكم وظاهر الاعضاء كالرعية والخدم له والنفاق صفة من صفاته المذمومة وهو عدم موافقة الظاهر للباطن والقول للفعل
وقل ناس لابن عمر انا لندخل الى سلطاننا وامرائنا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم اذا خرجنا من عندهم فقال كنا نعد هذا نفاقا على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم
وقال حذيفة ان المنافقين اليوم شر منهم على عهد رسول الله قالوا وكيف ذلك قال كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون
هركه سازد نفاق بيشه خويش ... خوار كردد بنزد خالق وخلق
ومن آفات القلب العداوة
وعن على رضى الله عنه انه قال العداوة شغل
هركه بيشه كند عداوت خلق ... از همه خيرهاجدا كردد
كه دلش خسته عنا باشد ... كه تنش بسته بلا كردد
وفى هذا المعنى قال حضرة الشيخ السعدى قدس سره
دلم خانه مهر يارست وبس ... ازان جانكنجد درو كين كس
وفى الآية اشارة الى حال اهل الانكار فان كفار الشريعة كانوا يتغطون بثيابهم لئلا يسمعوا القرآن وكلام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وكذا كفار الحقيقة لا يصغون الى ذكر الصوفية بالجهر ولا يقبلون على استماع اسرار المشايخ وحقائق القرآن بل يثنون صدورهم ويظنون ان الله تعالى لا يعلم سرهم ونجواهم ولا يجازيهم على اعراضهم عن الحق وعداوتهم لاهله
تم الجزء الحادى عشر فى الثامن عشر من ذى القعدة من سنة اثنتين ومائة الف(5/364)
وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)
{ وما } نافية { من } صلة { دابة } عام لكل حيوان يحتاج الى الرزق صغيرا كان او كبيرا ذكرا او انثى سليما او معيبا طائرا او غيره لان الطير يدب اى يتحرك على رجليه فى بعض حالاته { فى الارض } متعلق بمحذوف هو صفة لدابة اى ما فرد من افراد الدواب يستقر فى قطر من اقطار الارض { الا على الله رزقها } غذاؤها ومعاشها اللائق لتكفله اياه تفضلا ورحمة
قال فى التبيان هو ايجاب كرم لا وجوب حق انتهى لانه لا حق للمخلوق على الخالق ولذا قال فى الجامع الصغير يكره ان يقول الرجل فى دعائه بحق نبيك او بيتك او عرشك او نحوه الا ان يحمل على معنى الحرمة كما فى شرح الطريقة
وقال فى بحر العلوم انما قال علىلله بلفظ الوجوب دلالة على ان التفضل رجع واجبا كنذور العباد وقال غيره اتى بلفظ الوجوب مع ان الله تعالى لا يجب عليه شيء عند اهل السنة والجماعة اعتبارا لسبق الوعد وتحقيقا لوصوله اليها البتة وحملا للمكلفين على الثقة به تعالى فى شان الرزق والاعراض عن اتعاب النفس فى طلبه ففى كلمة على هنا استعارة تبعية شبه ايصال الله رزق كل حيوان اليه تفضلا واحسانا على ما وعده بايصال من يوصله وجوبا فى انتفاء التخلف فاستعملت كلمة على [ وكفته اند بمعى من است يعنى روزى همه از خداست يا بمعنى الى يعنى روزى مفوض بخذاى تعالى است اكر خواهد بسط كند واكر اراده نمايد قبض كند ] { ويعلم مستقرها ومستودعها } يحتمل وجوها
الاول ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما ان مساقرها المكان الذى تاوى ليه ليلا او نهارا او تستقر فيه وتستكن ومستودعها الموضع الذى تدفن فيه اذا ماتت بلا اختيار منها كالشيء المستودع قال عبد الله اذا كان مدفن الرجل بارض ادته الحاجة اليها حتى اذا كان عند انقضاء امره قبض فتقول الارض يوم القيامة هذا ما استودعتنى
والثانى مستقرها محل قرارها فى اصلاب الآباء ومستودعها موضعها فى الارحام وما يجرى مجراها من البيض ونحوه وسميت الارحام مستودعا لانها يوضع فيها من قبل شخص خر بخلاف وضعها فى الاصلاب فان النطفة بالنسبة الى الاصلاب فى حيزها الطبيعى ومنشأها الخلقى
والثالث مستقرها مكانها من الارض حين وجودها بالفعل ومستودعها حيث تكون مودعة فيه قبل وجودها بالفعل من صلب او رحم او بيضة ولعل تقديم محلها باعتبار حالتها الاخيرة لرعاية المناسبة بينها وبين عنوان كونها دابة فى الارض
والرابع مستقرها فى العدم يعلم انه كيف قدرها مستعدة لقبول تلك الصورة المختصة بها ومستودعها لغرض تؤول اليه عند استكمال صورتها .(5/365)
وايضا يعلم مستقر روح الانسان خاصة فى عالم الارواح لانهم كانوا فى اربعة صفوف كما فى الصف الاول ارواح الانبياء وارواح خواص الاولياء وفى الصف الثانى ارواح الاولياء وارواح خواص المؤمنين وفى الصف الثالث ارواح المؤمنين والمسلمين وفى الصف الرابع ارواح الكفار والمنافقين ويعلم مستودع روحه عند استكمال مرتبة كل نفس منهم من دركات النيران ودرجات الجنان الى مقعد صدق عند مليكة مقتدر { كل } اى كل واحد من الدواب ورزقها ومستقرها ومستودعها { فى كتاب مبين } اى مثبت فى اللوح المحفوظ البين لمن ينظر فيه من الملائكة او المظهر لما ثبت فيه للناظرين
وفى التأويلات النجمية { فى كتاب مبين } اى عنده فى ام الكتاب الذى لا تغير فيه من المحو والاثبات انتهى
وقد اتفقوا علىن اربعة اشياء لا تقبل التغير اصلا وهى العمر والرزق والاجل او الشقاوة
فعلى العاقل ان لا يهتم لاجل رزقه ويتوكل على الله فانه حسبه
مكن سعديا ديده بردست كس ... كه بخشنده بروردكارست وبس
اكر حق برستى زدرها بست ... كه كروى براند نخواند كست
-روى- ان موسى عليه السلام عند نزول الوحى عليه بالذهاب الى فرعون للدعوة الى الايمان تعلق قلبه باحوال اهله قائلا يا رب من يقوم بامر عيالى فامره الله تعالى ان يضرب بعصاه صخرة فضربها فانشقت وخرجت منها صخرة ثالثة ثم ضربها بعصاه فخرجت منها دودة وفى فمها شيء يجرى مجرى الغذاء لها ورفع الحجاب عن سمع موسى فسمع الدودة تقول سبحان من يرانى ويسمع كلامى ويعرف مكانى ويذكرنى ولا ينسانى
وعن انس رضى الله عنه قال خرجت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يوما الى المفازة فى حاجة لنا فرأينا طيرا يلحن بصوت جهورى فقال عليه السلام « أتدرى ما يقول هذا الطير يا انس » قلت الله ورسوله اعلم بذلك قال « انه يقول يا رب اذهب بصرى وخلقتنى اعمى فارزقنى فانى جائع » قال انس فبينما نحن ننظر اليه اذا جاء طائر آخر هو الجراد ودخل فى فم الطائر فابتلعه ثم رفع الطائر صوته وجعل يلحن فقال عليه السلام « أتدرى ما يقول الطير يا انس » قلت الله ورسوله اعلم قال « انه يقول الحمد لله الذى لم ينس من ذكره » وفى رواية « من توكل على الله كفاه » كما فى انسان العيون
قيل كان مكتوبا على سيف الحسين بن عى رضى الله عنه اربع كلمات . الرزق مقسوم . والحريص محروم . والبخيل مذموم . والحاسد مغموم وفى الحديث « من جاع واحتاج وكتمه عن الناس وافضى به الى الله تعالى كان حقا على الله ان يفتح له رزق سنة » كما فى روضة العلماء . وحقيقة التوكل فى الرزق وغيره عند المشايخ الانقطاع عن الاسباب بالكلية ثقة بالله تعالى .
وهذا لاهل الخصوص فاما اهل العموم فلا بد لهم من التسبب : كما قال فى المثنوى
كر توكل مكنى در كار كن ... كسب كن بس تكيه برجبار كن
ثم رزق الانسان يعد جسده وغذاء روحه : وفى المثنوى
اين دوهان بستى دهانى باز شد ... كو خورنده لقمهاى راز شد
كرز شيرديو تن را وا برى ... درفطام او بسى نعمت خورى(5/366)
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)
{ وهو الذى خلق السموات } السبع . السماء الدنيا وهو فلك القمر من الموج المكفوف المجتمع وهو مقر ارواح المؤمنين . والسماء الثانية وهو فلك عطارد من درة بيضاء وهو مقر ارواع العباد . والسماء الثالثة وهو فلك الزهرة من الحديد وهو مقر ارواح الزهاد . والسماء الرابعة وهو فلك الشمس من الصفر وهو مقام ارواح اهل المعرفة . والسماء الخامسة وهو فلك المريخ من النحاس وهو مقام ارواح الانبياء . وهو فلك المشترى من الفضة وهو مقام ارواح الانبياء . والسابعة وهو فلك زحل من الذهب وهو مقام ارواح الرسل وفوق هذه السموات الفلك الثامن وهو فلك الثوابت ويقال له الكرسى وهو مقام ارواح اولى العزم من الرسل وفوقه عرش الرحمن وهو مقام روح خاتم النبيين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين وجمع السموات لاختلاف العلويات اصلا كما ذكرنا وذاتا لانها سبع طبقات بين كل اثنين منها مسيرة خمسمائة على ما ورد فى الخبر وكذا ما بين السابعة والكرسى وبين الكرسى والعرش على ما نقل عن ابن مسعود رضى الله عنهما قدم السموات لانها منشاة احكامه تعالى ومصدر قضاياه ومتنزل اوامره ونواهيه وارزاقه ووعده ووعيده فان يؤمرون به وينهون عنه وما يرزقونه فى الدنيا وما يوعدونه فى العقبى كله مقدر مكتوب فى السماء ولانها وما فيها من الآثار العلويات اظهر دلالة على القدرة الباهرة وابين شهادة على الكبرياء والعظمة { والارض } اى الارضين السبع بدليل قوله السموات وافردت فان السفليات واحدة بالاصل والذات وقوله تعالى { ومن الارض مثلهن } اول بالاقاليم السبعة كما فى حواشى سعدى المفتى وبين المشرق والمغرب خمسمائة عام كما بين السماء والارض واكثر الارض مفازة وجبل وبحار والقليل منها العمران ثم اكثر العمران اهل الكفر والقليل منها اهل الايمان والاسلام واكثر اهل الاسلام اهل البدع والاهواء وكلها على الضلالة والباطل والقليل منهم على الحق وهم اهل السنة والجماعة وحول الدنيا ظلمة ثم وراء الظلمة جبل قاف وهو جبل محيط بالدنيا من زمردة خضراء واطراف السماء ملتصقة به ووسط الارض كلها عامرها وخرابها قبة الارض وهو مكان تعتدل فيه الازمان فى الحر والبرد ويستوى فيه الليل والنهار ابدا لا يزيد احدهما على الآخر ولا ينقص واما الكعبة فهى وسط الارض المسكونة وارفع الارضين كلها الى السماء مهبط آدم عليه السلام بارض الهند وهو جبل عال يراه البحريون من مسافة ايام وفيه اثر قدم ىدم مغموسة فى الحجر ويرى علىهذا الجبل كل ليلة كهيئة البرق من غير سحاب ولا بد له فى كل يوم من مطر يغسل قدمى آدم وذروة هذا الجبل اقرب ذرى جبال الارض الى السماء كما فى انسان العيون { فى ستة ايام } السموات فى يومين والارض فى يومين وما عليها من انواع الحيوان والنباتات وغير ذلك فى يومين حسبما قيل فى سورة حم السجدة ولم يذكر خلق ما فى الارض لكونه من تتمات خلقها .(5/367)
والمراد فى ستة اوقات على ان يكون المراد باليوم يوم الشان وهو الآن وهو الزمان الفرد الغير المنقسم وقد مر تحقيقه او فى مقدار ستة ايام من الدنيا اولها يوم الاحد وآخرها يوم الجمعة فان الايام فى المتعارف زمان كون الشمس فوق الارض ولا يتصور ذلك حين لا ارض ولا سماء او من ايام الآخرة كل يوم كالف سنة مما تعدون على ما نقل عن ابن عباس رضى الله عنهما وفى خلقها على التدريج مع انه لو شاء لكان ذلك فى اقل من لمح البصر حث على التأنى فى الامور ولعل تخصيص ذلك بالعدد المعين باعتبار صناف الخلق من الجماد والمعدن والنبات والحيوان والانسان والارواح { وكان عرشه } العرش فى اصل اللغة السرير والعرش المضاف اليه تعالى عبارة عن مخلوق عظيم موجود هو اعظم المخلوقات
قال مقاتل جعل الله تعالى للعرش اربعة اركان بين كل ركن وركن وجوه لا يعلم عددها الا الله تعالى اكثر من نجوم السماء وتراب الارض وورق الشجر ليس لطوله وعرضه منتهى لا يعلمه احد الا الله تعالى
فان قيل لم خلق الله تعالى العرش وهو سبحانه لا حاجة له به
اجيب بوجوده احدهما موضع خدمة ملائكته لقوله تعالى { وترى الملائكة حافين من حول العرش } وثانيها انه اراد اظهار قدرته وعظمته كما قال مقاتل السموات والارض فى عظم الكرسى كحلقة فى فلاة والكرسى مع السموات والارض فى عظم العرش كحلقة فى فلاة وكلها فى جنب عظمة الله تعالى كذرة فى جنب الدنيا فخلقه كذلك ليعلم ان خالقه اعظم منه . وثالثها انه خلق العرش ارشادا لعباده الى طريق دعوته ليدعوه من الفوق لقوله تعالى { يخافون ربهم من فوقهم } ورابعها انه خلقه لاظهار شرف محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وهو قوله تعالى { عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا } وهو مقام تحت العرش . وخامسها انه جعله معدن كتاب الابرار لقوله تعالى { ان كتاب الابرار لفى عليين } وفيه تعظيم لهم ولكتابهم . وسادسها انه جعله مرآة الملائكة يرون الآدميين واحوالهم كى يشهجوا عليهم يوم القيامة لان عالم المثال والتمثال فى العرش كالاطلس فى الكرسى . وسابعها انه جعله مستوى الاسم الرحمن اى محل الفيض والتجلى والايجاد الاحدى كما جعل الشرع الذى هو مقلوبه مستوى الامر التكليفى الارشادى لا مستوى نفسه تعالى عن ذلك { على الماء } اى العذب كما فى انسان العيون
قال كعب الاحبار اصله ياقوتة خضراء فنظر اليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد من مخافة الله تعالى فلذلك يرتعد الماء الى الآن وان كان ساكنا ثم خلق الريح فجعل الماء على متنها اى ظهرها ثم وضع العرش على الماء وليس ذلك على معنى كون احدهما على الآخر ملتصقا بالآخر بل ممسك بقدرته كما فى فتح القريب
قال الاصم هذا كقولهم السماء على الارض وليس ذلك على سبيل كون احداهما ملتصقة بالاخرى فالمعنى وكان عرشه تعالى قبل خلق السموات والارض على الماء لم يكن حائل محسوس بينهما وانما فلنا محسوس فان بين السماء والارض حائلا هو الهواء لكن ما لم يكن محسوسا لم يعد حائلا
وفيه دليل على ان العرش والماء خلقا قبل السموات والارض والجمهور على ان اول ما خلق الله من الاجسام هو العرش ومن الارواح الروح المحمدى الذى يقال له العقل الاول والفلك الاعلى ايضا .(5/368)
وفيه دليل ايضا على امكان الخلاء فان الخلاء هو الفراغ الكائن بين الجسمين اللذين لا يتماسان وليس بينهما ما يماسهما فاذا لم يكن بين العرش والماء حائل يثبت الخلاء والحكماء ذاهبون الى امتناع الخلاء والمتكلمون الى امكانه
قال فى كتب الهيئة مقعر سطح الفلك الاعظم يماس محدب فلك الثوابت ومحدبه لا يماس شيأ اذ ليس وراءه شيء لاخلاء ولا ملاء بل عنده ينقطع امتدادات العالم كلها . وقيل من ورائه افلاك من انوار غير متناهية ولا قائل بالخلاء فيما تحت الفلك الاعظم بل هو الملاء
وقال المولى ابو السعود رحمه الله وكان عرشه قبل خلقهما على الماء ليس تحته شيء غير سواه كان بينهما فرجة او كان موضوعا على متنه كما ورد فى الاثر فلا دلالة فيه على امكان الخلاء كيف لا ولو دل لدل على وجوده لا على امكانه فقط ولا على كون الماء اول ما حدث فى العالم بعد العرش وانما يدل على ان خلقهما اقدم من خلق السموات والارض من غير تعرض للنسبة بينهما انتهى
قال الكاشفى [ دروقوف عرش برآب واستقرار آب برباد اعتبار عظيم است مر اهل تفكررا از عباد ] { ليبلوكم } متعلق بخلق واللام العلة عقلا ولام الحكمة والمصلحة شرعا بمعنى ان الله تعالى فعل فعلا لو كان يفعله من يراعى المصالح لم يفعله الا لتلك المصلحة اى خلق السموات والارض وما فيهما من المخلوقات التى من جملتها انتم ورتب فيهما جميع ما تحتاجون اليه من مبادى وجودكم واسباب معايشكم واودع فى تضاعيفهما من اعاجيب الصنائع والعبر وما تستدلون به على مطالبكم الدينية ليعاملكم معاملة من يبتليكم ويمتحنكم { ايكم احسن عملا } فيجازيكم بالثواب والعقاب بعد ما تبين المحسن من المسيء
فان قلت الاختبار يعلق بجميع العباد . محسنين كانوا او مسيئين واحسن عملا يخصصه بالمحسنين منهم لان العمل الاحسن يخص بالمحسنين ولا يتحقق فى اهل القبائح فيلزم ان يعتبر عموم الابتلاء وخصوصه معا وهما متنافيان
قلت الابتلاء وان كان يعم الفرق المكلفين الا ان المراد خصوصه بالمحسنين تنبيها على ان المقصود الاقصى من خلق المخلوقات ان يتوسلوا باحسن الاعمال الى اجل المثوبات وتحريضا لهم على ترك القبائح والمنكرات والمراد بالعمل ما يعم عمل القلب والجوارح ولذلك فسره عليه السلام بقوله(5/369)
« ايكم احسن عقلا واورع عن محارم الله واسرع فى طاعة الله » فان لكل من القلب والقالب عملا مخصوصا به فكما ان الاول اشرف من الثانى فكذ الحال فى عمله فكيف لا ولا عمل بدون معرفة الله تعالى الواجبة على العباد وانما طريقها النظرى التفكر فى عجائب صنعه ولا طاعة بدون فهم الاوامر والنواهى . وقد روى عن النبى عليه السلام انه قال « لا تفضلونى على يونس بن متى فانه كان يرفع له كل يوم مثل عمل اهل الارض » قالوا وانما كان ذلك التفكر فى امر الله تعالى الذى هو عمل القلب لان احدا لا يقدر على ان يعمل فى اليوم بجوارحه مثل عمل اهل الارض واما ذات الله تعالى فلا يسعها التفكر : وفى المثنوى
بى تعلق نيست مخلوقى بدو ... آن تعلق هست بيجون اى عمو
اين تعلق را خرد جون ره برد ... بسته فصلست ووصلست اين خرد
زين وصيت كرد مارا مصطفى ... بحث كم جوئيد در ذات خدا
آنكه درذاتش تفكر كرد نيست ... در حقيقت آن نظر در ذات نيست
هست آن بندار او وزيرا براه ... صد هزاران برده آمد تاله
وفى التأويلات النجمية الابتلاء على قسمين . قسم للسعداء وهو بلاء حسن وذلك ان السعيد لا يجعل المكونات مطلبه ومقصده الاصلى بل يجعل ذلك حضرة المولى والرفيق الاعلى ويجعل ما سوى المولى باذن مولاه وامره ونهيه وسيلة الى القربات وتحصيل الكمالات فهو احسن عملا . وقسم للاشقياء وهو بلاء سيء وذلك ان الشقى يجعل المكونات مطلبه ومقصده الاصلى ويتقيد بشهواتها ولذاتها ولم يتخلص من نار الحرص عليها والحسرة على فواتها ويجعل ما انعم الله عليه من الطاعات والعلوم التى هى ذريعة الى الدرجات والقربات وسيلة الى نيل مقاصده الفانية واستيفاء شهواته النفسانية فهو اسوء عملا انتهى
قال حضرة شيخنا العلامة ابقاه الله بالسلامة فى بعض تحريراته نية الانسان لا تخلو اما ان يكون متعلقها فى لسانه وجنانه هو الدنيا فهو سيء نية وعملا واما ان يكون متعلقها فى لسانه هو الآخرة وفى جنانه هو الدنيا فهو اسوأ نية وعملا واما ان يكون متعلقها فى لسانه وجنانه هو الآخرة فهو حسن نية وعملا واما ان يكون متعلقها فى لسانه وجنانه هو وجه الله تعالى فهو احسن نية وعملا فالاول حال الكفار والثانى حال المنافقين والثالث حال الابرار والرابع حال المقربين وقد اشار الحق سبحانه الى احوال المقربين عبارة والى احوال غيرهم اشارة فى قوله تعالى(5/370)
{ انا جعلنا ما على الارض زينة لها لنبلوهم ايهم احسن عملا } انتهى باجمال : قال الحافظ
صحبت خورنخواهم بودعين قصور ... باخيال تو اكر باد كرى بر دازم
اللهم اجعلنا من الفارين اليك والحاضرين لديك { ولئن قلت } يا محمد لقومك وهم اهل مكة واللام لام التوطئة للقسم انكم } ايها المكلفون { مبعوثون من بعد الموت } يعنى يوم القيامة { ليقولن الذين كفروا } منهم وهو جواب القسم وحذف جواب الشرط لدلالة جواب القسم عليه { ان هذا } ما هذا القرآن الناطق بالبعث { الا سحر مبين } اى مثله فى البطلان فان السحر لا شك تمويه وتخييل باطل اذا جعلوه سحرا فقد اندرج تحته انكار ما فيه من البعث وغيره(5/371)
وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (8)
{ ولئن اخرنا عنهم العذاب } الموعود { الى امة معدودة } الى طائفة من الايام قليلة لان ما يحصره العد قليل { ليقولن } اى الكفار { ما يحبسه } اى أى شيء يمنع العذاب من المجيئ والنزول فكأنه يريد فيمنعه مانع وانما كانوا يقولونه بطريق الاستعجال استهزاء ومرادهم انكار المجيء والحبس رأسا لا الاعتراف به والاستفسار عن حابسه { ألا } [ بدانيد ] { يوم يأتيهم } العذاب كيوم بدر { ليس مصروفا عنهم } اى مدفوعا عنهم يعنى لا يدفعه عنكم دافع بل هو واقع بكم . ويوم منصوب بخبر ليس وهو دليل على جواز تقديم خبر ليس على ليس فانه اذا جاز تقديم معمول خبرها عليها كان ذلك دليلا على جواز تقديم خبرها اذ المعمول تابع للعامل فلا يقع الا حيث يقع العامل { وحاق بهم } ونزل بهم واحاط وهو بمعنى يحيق فعبر عن المستقبل بلفظ الناضى تنبيها على تحقق وقوعه { وما كانوا به يستهزئون } اى العذاب الذ كانوا يستعجلون به استهزاء
واعلم ان السبب الموجب للعذاب كان الاستهزاء والباعث على الاستهزاء كان الانكار التكذيب والناس صنفان فى طريق الآخرة صنف مبتاع نفسه من عذاب الله تعالى بالايمان والاعمال الصالحة وصنف مهلكها باتباع الهوى وترك الاعمال الصالحة والكفار امنوا من عذاب الله تعالى وسخطه فوقعوا فيما وقعوا من العذاب العاجل والآجل وفى الحديث القدسى « وعزتى لا اجمع على عبدى خوفين وامنين اذا خافنى فى الدنيا آمنته يوم القيامة واذا أمننى فى الدنيا اخفته يوم القيامة » ولشدة الامر قال الفضيل بن عياض انى لا اغبط ملكا مقربا ولا نبيا مرس ولا عبدا صالحا اليس هؤلاء يعاينون القيامة واهوالها وانما اغبط من لم يخبق لانه لا يرى احوال القيامة وشدائدها
وعن السرى السقطى اشتهى ان اموت ببلدة غير بغداد مخافة ان لا يبقى قبرى فافتضح عندهم
فعلى العاقل ان يتدارك امره قبل حلول الاجل كما قيل علاج واقعه بيش از وقوع بايد كرد ويخاف من ربه ويستغفر من ذنبه ويحترز عن الاصرار وفى الحديث « المستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه » والله تعالى يريد من ك جزء من اجزاء الانسان ما خلقه له فمن القلب المعرفة والتوحيد ومن اللسان الشهادة والتلاوة وترك الاذية بالاستهزاء وغيره فمن ترك الوفاء بما تعهد له من استعمال كل عضو فيما خلق هو لأجله فقد تعرض لسخط الله تعالى وعذابه وقد استهزأ ابو جهل بالنبى عليه السلام فى بعض الاوقات حيث سار خلفه عليه السلام فجعل يخلج انفه وفمه يسخر به فاطلع عليه صلى الله تعالى عليه وسلم فقال له « كن كذلك » فكان كذلك الى ان مات لعنه الله واستهزأ به عليه السلام عتبة بن ابى معيط بصق فى وجهه فعاد بصاقه على وجهه وصار برصا ومر عليه السلام بجماعة من كفار اهل مكة فجعلوا يغمزون فى قفاه ويقولون هذا يزعم انه نبى وكان معه عليه السلام جبريل فغمز جبريل باصبعه فى اجسادهم فصاروا جروحا وانتنت فلم يستطع احد ان يدنو منهم حتى ماتوا وقس عليه التعرض لاهل الحق بشيء مكروه كما يفعله اهل الانكار فى حق سادات الصوفية ولا يدرون انه يوجب المقت وربما يبتلى احدهم بمرض هائل فى بدنه وهو غافل عن سببه وجهة نزوله به وكل عمل لا بد وان يصل جزاؤه الى عامله فى الحال ولكن لا يرى فى الدنيا بعين اليقين وانما يرى فى الآخرة اذا قيل له فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديدا ألا ترى ان عذاب البعد الواقع لاهل الغفلة الحجاب ولكن ما ذاقوا ألمه لانهم نيام فاذا ماتوا انتبهوا وذاقوا ذلك حسا ولئن قلت للاشقياء موتوا عن الطبيعة باستعمال الشريعة ومزاولة الطريقة لتحيوا بالحقيقة فان الحياة الحقيقة تكون بعد الموت عن الحياة الطبيعية ليقولن الذى ستروا حسن استعدادهم الفطرى بتعلق المكونات ومحبتها وهم الاشقياء ان هذا الا كلام مموه لا اصل له كما فى التأويلات النجمية : قال السعدى(5/372)
بكوى آنجه دانى سخن سودمند ... وكر هيج كس رانيا يد بسند
كه فردا بشيمان بر آرد خروش ... كه آوخ جرا حق نكردم بكوش
وفى المثنوى
منقبض كردند بعضى زين قصص ... زانكه هرمرغى جدا دارد قفص
كود كان كرجه بيك مكتب درند ... در سبق هريك زيك بالاترند
مرك بيش ازمرك اينست اى فتى ... اين جنين فرمود مارا مصطفى
كفت وتوا كلكم من قبل ان ... يأتى الموت تموتوا بالفتن(5/373)
وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9)
{ ولئن } اللام موطئة للقسم { اذقنا الانسان منا رحمة } اى اعطيناه نعمة من صحة وامن وجدة وغيرها واوصلناها اليه بحيث يجد لذتها والمراد مطلق الانسان وجنسه الشامل للمؤمن والكافر بدلالة الاستثناء الآتى . وقوله منا حال من رحمة اى لا باستحقاق منه { ثم نزعناها منه } اى سلبنا تلك النعمة منه وأزلناها عنه وايراد النزع للاشعار بشدة تعلقه بها وحرصه عليها
قال سعدى المفتى الظاهر ان من صلة نزعناها اى قلعناها منه ولا يبعد ان يقال والله اعلم ان من التعليل يعنى ان منشأ النزع شؤم نفسه بارتكاب معصية الله { انه ليئوس } شديد اليأس من ان يعود اليه مثل تلك النعمة المسلوبة قطوع رجاءه من فضل الله تعالى لقلة صبره وتسليمه لقضائه وعدم ثقته به وهو جواب القسم ساد مسد جواب الشرط { كفور } عظيم الكفران لما سلف له من النعم نساءله : قال السعدى فى سره
سكى را لقمه كردادى فراموش ... نكردد كرزنى صد نوبتش سنك
وكر عمرى نوازى سفله را ... بكمتر تندى آيد باتو درجنك
ومعنى الكفر ان انكار النعمة والمعروف وستره وترك شكره وحمده وعدم الثناء على فاعله ومعطيه
وفيه اشارة الى ان النزع انما كان بسبب كفرانهم(5/374)
وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10)
{ ولئن اذقناه نعماء بعد ضراء مسته } كصحة بعد سقم وجدة بعد عدم وفرج بعد شدة اضاف سبحانه وتعالى اذاقة النعماء لى ذاته الكريمة ومس الضراء اليها لا الى ذاته الجليلة تنبيها على ان القصد الاول ايصال الخبر الى العباد تفضلا منه تعالى ورحمة ومساس الشر ليس الا لشؤم نفسه وفساد حاله مجازاة وانتقاما قال الله تعالى { ما اصابك من حسنة فمن الله وما اصابك من سيئة فمن نفسك } وهذا هو المراد من قول البيضاوى وفى اختلاف الفعلين نكتة لا تخفى وفى التعبير عن ملابسة الرحمة والنعماء بالذوق الذى هو ادراك الطعم وعن ملابسة الضراء بالمس الذى هو مبدأ الوصول كانما يلاصق البشرة من يغر تأثير تنبيه على ان ما يجده الانسان فى الدنيا من النعم والمحن كالانموذج لما يجده فى الآخرة { ليقولن } الانسان { ذهب السيآت عنى } اى المكاره والمصائب التى ساءتنى اى فعلت بى ما اكره ولن يعترينى بعد امثالها فان الترقب لو ورد امثالها مما يكدر السرور وينغص العيش { انه لفرح } [ شادمانست مغروريان ] وهو اسم فاعل من فعل اللازم . والفرح اذا اطلق فى القرآن كان للذم واذا كان للمدح ياتى مقيدا بما فيه خير كقوله تعالى { فرحين بما آتيهم الله من فضله } كذا فى حواشى شعدى المفتى
يقول الفقير يرده قوله تعالى { اذا فرحوا بما اوتوا اخذناهم بغتة } والظاهر ان كونه للمدح او للذم انما هو بحسب المقام والقرائن
واعلم ان الفرح بالنعمة ونسيان المنعم فرح الغافلين والعطب الى هذا اقرب من السلامة والاهانة او فى من الكرامة
قال حضرة شيخنا العلامة ابقاه الله بالسلامة فى بعض تحريراته هو المحبوب لذاته لا لعطائه وعطاؤه محبوب لكونه محبوبا لا لنفسه ونحبه ونحب عطاءه لحبه انتهى باجمال يشير قدس سره الى الفرح بالله تعلاى على كل حال { فخور } على الناس بما اوتى من النعم مشغول بذلك عن القيام بحقها : قال السعدى قدس سره
جو منعم كند سفله رآ روزكار ... نهد بردل تنك درويش بار
جوبام بلندش بودخودبرست ... كندبول وخاشاك بربام بست
وقال
كه اندر نعمتى مغرور وغافل ... كهى از تنك دستى خسته وريش
جو درسرا وضرا حالت اينست ... ندانم كى بحق بردازى از خويش
[ يعنى كى فارغ شوى از خود وبحق مشغول شوى ](5/375)
إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11)
{ الا الذين } [ مكر آنان كه ] والاستثناء متصل { صبروا } على الضراء ايمانا بقضاء الله وقدره وفى الحديث « ثلاثة لا تمسهم فتنة الدنيا والآخرة المقر بالقدر والى لا ينظر بالنجوم والمتمسك بسنتى » ومعنى الايمان بالقدر ان يعتقد ان الله تعالى قدر الخير والشر قبل خلق الخلق وان جميع الكائنات بقضائه وقدره وهو مريد لها واما النظر فى النجوم فقد كان حقا فى زمن ادريس عليهى السلام يدل عليه قوله تعالى خبرا عن ابراهيم عليه السلام { فنظر نظرة فى النجوم فقال انى سقيم } استدل بالنظر فى النجوم على انه سيسقم ثم نسخ فى زمن سليمان عليه السلام كما فى بحر الكلام
وفى كتاب تعليم المتعلم على النجوم بمنزلة المرض فتعلمه حرام لانه يضر ولا ينفع والهرب من قضاء الله تعالى وقدره غير ممكن انتهى
فينبغى ان لا يصدق اهل النجوم فيما زعموا ان الاجتماعات والاتصالات الفلكية تدل على حوادث معينة وكوائن مخصوصة فى هذا العالم
قال العماد الكاتب اجمع المنجمون فى سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة فى جميع البلاد على خراب اعالم فى شعبان عند اجتماع الكواكب الستة فى الميزان بطوفان الريح وخوفوا بذلك ملوك الاعاجم والروم فشرعوا فى حفر مغارات ونقلوا اليها الماء والازواد وتهيئوا فلما كانت الليلة التى عينها المنجمون للخراب بمثل ريح عاد كنا جلوسا عند السلطان والشموع تتوقد فلا تتحرك ولم نر ليلة مثلها فى ركودها ذكره الامام اليافعى وقال فى انسان لعيون اول من استخرج علم النجوم ادريس عليه السلام اى علم الحوادث التى تكون فى الارض باقتران الكواكب
قال الشيخ محيى الدين بن العربى قدس سره وهو علم صحيح لا يخطئ فى نفسه وانما الناظر فى ذلك هو الذى يخطئ لعدم استيفائه النظر انتهى
{ وعملوا الصالحات } شكرا لنعمائه الظاهرة والباطنة او السالفة والانفة والعمل الصالح هو ما كان لوجه الله تعالى
وعن عمر رضى الله عنه الشكر والصبر مطيتان ما باليت ايهما اركب يشير رضى الله عنه الى ان كل واحد من طريق الصبر والشكر موصل الى الله تعالى { اولئك } الموصوفون بتلك الصفات الحميدة { لهم مغفرة } عظيمة لذنوبهم وان جمت { واجر } ثواب لاعمالهم الحسن { كبير } اقله الجنة كما فى تفسير البيضاوى وهو الجنة كما فى الكواشى
قال سعدى المفتى وصف الاجر بقوله كبير لما احتوى عليه من النعيم السر مدى ورفع التكاليف والأ من من العذاب ورضى الله عنهم والنظر الى وجهه الكريم انتهى
يقول الفقير الظاهر ان المراد بالاجر الكبير هو الجنة لان نعم الله تعالى ادناه متاع الدنيا واعلاها رضوان الله لقوله { ورضوان من الله اكبر } واوسطها لجنة ونعيمها فاذا وصف الرضى بالاكبرية لزم ان توصف الجنة بالكبيرية(5/376)
قال الكاشفى [ شيخ الاسلام فرموده كه درجنت نعمتى هست كه همه نعيم بهشتى در جنب آن محقر ومختصر باشد يعنى مشاهده انوار لقاى خدا ]
مارا بهشت بهر لقاى تودر خورست ... بى برتو جمال توجنت محقرست
وفى الآيتين اشارتان . الاولى ان من ذاق طعم بعض المقامات الالهية وشهد بعض المشاهد الربانية ثم نزع ذلك منه بشئوم خطاياه وسوء ادبه ينبغى ان لا ييأس من روح الله ولا يكفر بنعمته كأبليس بل اذا ابتلى بسدل الحجاب ورد الباب كان من شرط عبوديته ان يرج الى ربه معترفا بظلمه على نفسه كآدم عليه السلام ليجتبيه ربه فيتوب عليه ويهديه فان من رحمة الله ونعمته على عبده انه اذا اسرف على نفسه ثم تاب ورجع الى ربه وجده غفورا رحيما . والثانية ان من ذاق برد العفو وحلاوة الطاعة ينبغى ان لا يقول صرت معصوما مطهرا مرفوع الحجاب فتعجبه نفسه فينظر اليها بنظر الاعجاب وينظر الى غيره بنظر الحقارة ويامن مكر الله فهو فى كلتا الحالتين مذموم فى حالة اليأس وكفران النعمة وفى حالة الاعجاب بنفسه وامنه من مكر الله : قال الحافظ
زاهد غرور داشت سلامت نبرد راه ... رند ازره نياز بدار السلام رفت
وقال
زاهد ايمن مشوى ازبازى غيرت زنهار ... كه ره از صومعه تادير مغان اين همه نيست
فالايتان تناديان على النفس الامارة بصفاتها الرذيلة فلا بد من معالجتها واصلاحها بما امكن من المجاهدات اصلحها الله سبحانه وتعالى(5/377)
فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12)
{ فلعلك تارك بعض ما يوحى اليك } -روى- ان مشركى مكة لما قالوا ائت بقرآن غير هذا ليس فيه سب آلهتنا ولا مخالفة ابنائنا همّ النبى عليه السلام ان يدع سب آلهتهم ظاهرا فانزل الله تعالى هذه الآية ولعل اما للترجى ومعناه توقع امر مرجو لا وثوق بحصوله كقوله تعالى { لعلكم تفلحون } واما للاشفاق وهو توقع امر مخوف كقوله تعالى { لعل الساعة قريب } والرجاء والاشفاق يتعلقان بالمخاطبين دون الله سبحانه والمراد هنا اما الاول فالمعنى لعظم ما يرد على قلبك من تخليطهم تتوهم انهم يزيلونك عن بعض ما انت عليه من تبليغ ما اوحى اليك ولا يلزم من توقع الشيء وجود ما يدعو اليه ووقوعه لجواز ان يكون ما يصرف عنه وهو عصمة الرسل عن الخيانة فى الوحى والثقة فى التبليغ ههنا واما الثانى فالمعنى اشفق على نفسك ان تترك تبليغ ما يوحى اليك وهو ما يخالف رأى المشركين مخافة ردهم له واستهزائهم وهو اوجه من الاول كما فى بحر العلوم للسمرقندى
قال الكاشفى { فلعلك تارك } [ بس شايد كه توترك كننده باشى . امام ما تريدى رحمة الله ميكويد استفهام بمعنى نهى است : يعنى ترك مكن ] { وضائق به صدرك } اى عارض لك ضيق صدر بتلاوته عليهم وتبليغه اليهم فى اثناء الدعوة والمحاجة وضمير به يعود الى بعض ما يوحى وعدل عن ضيق الى ضائق ليدل على انه ضيقا عارضا غير ثابت لان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان افسح الناس صدرا ونحوه فلان سائد لمن عرضه له السودد وسيد لمن هو عريق فيه { ان يقولوا } اى مخافة ان يقولوا مكذبين { لولا انزل عليه } هلا القى عليه { كنز } مال من السماء يستعين به فى اموره وينفقه فى الاستتباع كالملوك
قال ابن الشيخ كنز اى مال كثير من شأنه ان يجعل كنزا اى مالا مدفونا فان الكنز اسم للمال المدفون فهو لا ينزل فوجب ان يكون المراد به ههنا ما يكنز وقد جرت العادة بان يسمى المال الكثير بهذا الاسم { او جاء معه ملك } يشهد له على صدق قوله ويعينه على تحصيل مقصوده فتزول الشبهة عن امره كما قال رؤساء مكة يا محمد اجعل لنا جبال مكة ذهبا ان كنت رسولا وقال آخرون ائتنا بالملائكة ليشهدوا بنبوتك { انما انت نذير } ليس عليك الا الانذار بما اوحى اليك ولا عليك ردوا او تهكموا او اقترحوا فما بالك يضيق به صدرك { والله على كل شيء وكيل } فتوكل عليه فانه الم بحالهم وفاعل بهم جزاء اقوالهم وافعالهم
قال الكواشى تلخيصه ادّ الرسالة غير ملتفت اليهم فانى حافظك وناصرك عليهم
در شبى مهتاب مه را برسماك ... ازسكان وعوعو ايشان جه باك
قال فى المفاتيح الوكيل القائم بامور العباد وتحصيل ما يحتاجون اليه . وقيل الموكول اليه تدبير البرية وحظ العبد منه ان يكل اليه ويتوكل عليه ويلقى بالاستعانة اليه(5/378)
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13)
{ ام يقولون افتريه } الضمير راجع الى ما يوحى اليك وام منقطعة مقدرة ببل والهمزة ومعنى الهمزة فيه التوبيخ والانكار والتعجب اما التوبيخ فكأنه قيل ايتها الكون ان ينسبوا مثله الى الافتراء ثم لى الاقتدار على الذى هو اعظم الفرى وافحشها اذ يقوله ويفتريه على الله ولو قدر عليه دون عامة العرب لكانت قدرته عليه معجزة لخرقها العادة واذ كانت معجزة كان تصديقا من الله له والعليم الحكيم لا يصدق الكاذب فلا يكون مفتريا . والمعنى بل أيقولون افتراه وليس من عند الله { قل } ان كان الامر كما تقولون { فائتوا } انتم ايضا { بعشر سور مثله } فى البلاغة وحسن النظم قال هنا بعشر وفى يونس والبقرة بسورة لان نزول هذه السورة الكريمة مقدم عليهما لانهم تحدوا اولا بالاتيان بعشر فلم عجزوا تحدوا بسورة واحدة . وقوله مثل نعت لسوراى امثال وتوحيده باعتبار كل واحد
وقال سعدى المفتى ولا يبعد ان يقال انه صفة للمضاف المقدر فان المراد بقدر عشر سور مثله والله اعلم { مفتريات } صفة اخرى لسور . المعنى فائتوا بعشر سور مماثلة له فى البلاغة مختلقات من عند انفسكم ان صح انى اختلقته من عند نفسى فانكم فصحاء مثلى تقدرون على ما اقدر عليه بل انتم اقدر لتعلمكم القصص والاشعار وتعودكم النثر والنظم
وفى الآية دلالة قاطعة على ان الله تعالى لا يشبهه شيء فى صفة الكلام وهو القرآن كما لا يشبهه بحسب ذاته { وادعوا } للاستظهار فى المعارضة { من استطعتم } دعاءه والاستعانة به من آلهتكم لتى تزعمون انها ممدة لكم ومدارهكم التى تلجأون الى آرائهم في الملمات ليسعجوكم فيها { من دون الله } اى حال كونكم متجاوزين الله تعالى { ان كنتم صادقين } فى انى افتريته فان ما افترى انسان يقدر انسان آخر ان يفترى مثله(5/379)
فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)
{ فان لم يستجيبوا لكم } الضمير فى لكم للرسول عليه السلام وجمع للتعظيم اوله وللمؤمنين لانهم اتباع له عليه السلام فى الامر بالتحدى وفيه تنبيه لطيف على ان حقهم ان لا ينفكوا عنه وينصابوا معه لمعارضة المعاندين كما كانوا يفعلونه فى الجهاد
قال سعدى المفتى اختلف فى تناول خطاب النبى عليه السلام لامته فقال الشافعية لا وقال الحنفية الحنابلة نعم الا ما دل الدليل فيه على الفرق انتهى . والمعنى فان لم يستجب هؤلاء المشركون لكم يا محمد ويا اصحاب محمد عليه السلام اى ما دعوتموهم اليه من معارضة القرآن واتيان عشر سور مثله وتبيين عجزهم عنه بعد الاستعانة بمن استطاعوا بالاستعانة منه من دون الله تعالى { فاعلموا انما انزل بعلم الله } ما فى انما كافة وضمير انزل يرجع الى ما يوحى وبعلم حال اى ملتبسا بما لا يعلمه الا الله تعالى من المزايا والخواص والكيفيات
وقال الكاشفى [ يعنى ملتبس بعلمى كه خاصه اوست وآن علمست بمصالح عباد وآنجه ايشانرا بكار آيد در معاش ودر معاد ]
وقال فى التأويلات النجمية { بعلم الله } لا بعلم الخلق فان فيه الاخبار عما سيأتى وهو بعد فى الغيب ولا يعلم الغيب الا الله انتهى والمراد الدوام والثبات على العلم اى فدوموا ايها المؤمنون واثبتوا على العلم الذى انتم عليه لتزدادوا يقينا وبات قدم على انه منزل من عند الله وانه من جملة المعجزات الدالة على صدقه عليه السلام فى دعوى الرسالة { وان لا اله الا هو } اى ودوموا على هذا العلم ايضا يعنى هو ينزل الوحى غيره لانه لا اله ولا اله غيره { فهل انتم مسلمون } ثابتون على الاسلام راسخون فيه اى فاثبتوا عليه فى زيادة الاخلاص
وفى الآيات امور . منها ان الوحى على ثلاثة انواع نوع امر عليه السلام بكتمانه اذ لا يقدر على حمله غيره ونوع خير فيه ونوع امر بتبليغه الى العام والخاص من الانس والجن وما يتعلق بمصالح العباد من معاشهم ومعادهم فلا يجوز تركه وان ترتب عليه مضرة وضاق به الصدر سبيل تبليغ الرسالة هو اللسان فلا رخصة فى الترك وان خاف
قال صاحب التيسير فهذا دليل قولنا فى المكره على الطلاق والعتاق ان تكلم به نفذ لان تعلق ذلك باللسان لا بالقلب والاكراه لا يمنع فعل اللسان فلا يمنع النفاذ انتهى
وفى الحديث « ان الله بعثنى برسالته فضقت بها ذرعا فاوحى الله تعالى الى ان لم تبلغ رسالتى عذبتك وضمن لى العصمة فقويت » ويدخل فيه العلماء الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر فانهم اذا عملوا بما علموا وتصدوا للتبليغ وخافوا الله دون غيره فان الله تعالى يحفظهم من كيد الاعداء -حكى- ان زاهدا كسر خوابى الخمر لسليمان بن عبد الملك الخليفة فاتى به يعاقبه وكان للخليفة بغلة تقتل من ظفرت به واتفق رأى وزرائه ان يلقى الزاهد بين يدي البغلة فالقى بين يديها فخضعت له فلم تقتله فلما اصبحوا نظروا اليه فاذا هو صحيح فعلموا ان الله تعالى حفظه فاعتذروا اليه وخلوا سبيله(5/380)
كرت نهى منكر برآيد زدست ... نشايد جوبى دست وبابان نشست
ومنها ان المؤمنين ينبغى ان يعاونوا أئمتهم ومن اقتدى بهم فى تنفيذ الحق واجرائه والزام الخصم واسكاته كما كان الاصحاب رضى الله عنهم يفعلون ذلك برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى الجهاد وغيره من الامور الدينية وفى الحديث « المؤمن للمؤمن كبنيان يشد بعضه بعضا » يعنى المؤمن لا يتقوى فى امر دينه ودنياه الا بمعونة اخيه كما ان بعض البناء يقوى ببعضه وفيه حث على التعاضد فى غير الاثم كذا فى شرح المشارق لابن الملك وكان النبى صلى الله عليه وسلم يضع لحسان منبرا فى المسجد فيقوم عليه يهجو من كان يهجو رسول الله صلة الله عليه وسلم ويدفع عنى المسلمين ويقويهم على المشركين وكان روح القدس اى جبريل يمده بالجواب ويلهمه الصواب
هجا كفتن ارجه بسنديده نيست ... مبادا كسى كآلت آن ندارد
جه آن شاعرى كوهجا كونباشد ... جوشيرى كه جنكال ودندان ندارد
ومنها لزوم الثبات على التوحيد ومن علاماته التكرير باللسان جهرا واخفاء جميعة وانفرادا وفى الحديث « جددوا ايمانكم » والمراد الانتقال من مرتبة الى مرتبة فان اصل الايمان قديم بالاول كما فى الواقعات المحمودية : قال المولى الجامى قدس سره
دلت آيينه خداى نماست ... روى آيينه توتيره جراست
صيقلى دار صيقلى ميزن ... باشد آيينه ات شود روشن
صيقل آن اكرنه آكاه ... نيست جز لا اله الا الله
وفى الحديث « من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار ومن مات يعلم انه لا اله الا الله دخل الجنة »
واعلم ان كلمة هو فى قوله تعالى { لا اله الا هو } اسم تام بمنزلة لفظة الجلالة ولذا جعلها الصوفية قدس الله اسرارهم وردّ الهم فى بعض اوقاتهم
قال فى فتح القريب من خواص اسم الله انك اذا حذفت من خطه حرفا بقى دالا على الله تعالى فان حذفت الالف بقى لله وان حذفت اللام الاولى وابقيت الالف بقى اله وان حذفتهما معا بقى له ملك السموات والارض وان حذفت الثلاثة بقى هو الله الحى القيوم لا اله الا هو انتهى(5/381)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15)
{ من كان } [ هركه باشدكه ازدنائت همت ] وكان صلة اى زائدة كما فى التبيان
وقال فى الارشاد للدلالة على الاستمرار { يريد } بما عمله من اعمال البر والاحسان { الحيوة الدنيا وزينتها } اى ما يزينها ويحسنها من الصحة والامن والسعة فى الرزق وكثرة الاولاد والرياسة وغير ذلك لا وجه الله تعالى والمراد بالارادة ما يحصل عند مباشرة لاعمال لا مجرد الارادة القلبية لقلوه تعالى { نوف اليهم اعمالهم فيها } اى نوصل اليهم ثمرات اعمالهم فى الحياة الدنيا كاملة وليس المراد باعمالهم اعمال كلهم فانه لا يجد كل متمن ما تمناه فان ذلك منوط بالمشيئة الالهية كما قال تعالى { من كان يريد لعاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد } ولا كل اعمالهم بل بعضها الذى يترتب عليه الاجر والجزاء { وهم فيها } اى فى الحياة الدنيا { لا يبخسون } لا ينقصون شيأ من اجورهم(5/382)
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)
{ اولئك } المريدون للحياة الدنيا وزينتها الموفون فيها ثمرات اعمالهم من غير بخس { الذين ليس لهم فى الآخرة الا النار } لان هممهم كانت مصروفة الى الدنيا واعمالهم مقصورة على تحصيلها فقد اجتنبوا ثمراتها فلم يبق فى الآخرة الا العذاب المخلد { وحبط ما صنعوا فيها } يعنى بطل ثواب اعمالهم التى صنعوها فى الدنيا لانها لم تكن لوجه الله تعالى والعمدة فى اقتضاء ثواب الآخرة هو الاخلاص { وباطل } [ وناجيزاست ] فى نفس الامر { ما كانوا يعملون } رياء وسمعة . فقوله باطل خبر مقدم وما كانوا يعملون مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية معطوفة على الفعلية قبلها
والآية فى حق الكفار كما يفصح عنه الحصر فى كينونة النار لهم
واعلم ان حسنات الكفار من البر وصلة الرحم والصدقة وبناء القناطر وتسوية الطرق والسعى فى دفع الشرور واجراء الانهار ونحو ذلك مقبولة بعد اسلامهم يعنى يحسب ثوابها ولا يضيع واما قبل الاسلام فانعقد الاجماع على انهم لا يثابون على اعمالهم بنعيم ولا تخفيف عذاب لكن يكون بعضهم اشد عذابا من بعض بحسب جرائمهم
وذكر الامام الفقيه ابو بكر البيهقى انه يجوز ان يراد بما فى الآيات والاخبار من بطلان خيرات الكفار انهم لا يتخلصون بها من النار وكن يخفف عنهم ما يستوجبونه بجنايات ارتكبوها سوى الكفر ووافقه المازرى كما فى شرح المشارق لابن الملك
وقال ابن عباس رضى الله عنهما نزلت هذه الآية فى اهل الرياء من اهل القبلة فمعنى قوله تعالى { ليس لهم فى الآخرة الا النار } ليس يليق لهم الا النار ولا يستحقون بسبب الاعمال الريائية الا اياها كقوله تعالى { فجزاؤهم جهنم } وجائز ان يتغمدهم الله برحمته فليس فى الآية دلالة على الخلود والعذاب البتة والظاهر ان الآية عامة لاهل الرياء مؤمنا كان او كافرا او منافقا كما فى زاد المسير والرياء مشتق من الرؤية واصله طلب المنزلة فى قلوب الناس برؤيتهم خصال الخير كما فى فتح القريب
وفى الحديث « ان اخوف ما اخاف عليكم الشرك الاصغر » قالوا وما الشرك الاصغر يا رسول الله قال « الرياء يقول الله عز وجل اذا جزى الناس باعمالهم اذهبوا الى الذين كنتم تراؤون فى الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء »
مرايى هر كسى معبود سازد ... مرايى را ازان كفتند مشرك
قال فى شرح الترغيب المشرك يطلق على كل كافر من عابد وثن وصنم ومجوسى ويهودى ونصرانى ومرتد وزنديق وعلى المرائى وهو الشرك الاصغر والشرك الخفى يقال للقراء من اهل الرياء اردت ان يقال فلان قارئ فقد قيل ذلك ولمن وصل الرحم وتصدق فعلت حتى يقال فقيل ولمن قاتل فقتل قاتلت حتى يقال فلان جريئ فقد قيل ذلك فهؤلاء الثلاثة اول خلق بسعر بهم النار كما فى الحديث(5/383)
« ويصعد الحفظة بعمل العبد الى السماء السابعة من صلاة وصوم ونفقة واجتهاد وورع فيقول لهم الملك الموكل بها اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه فانه اراد بعمله غير الله تعالى ويصعد الحفظة بعمله من صلاة وزكاة وصوم وحج وعمرة وخلق حسن وصمت وذكر الله ويشيعه ملائكة السموات حتى يقطعون الحجب كلها فيقول لهم الله تعالى اراد به غيرى فعليه لعنتى فيقول الملائكة كلها عليه لعنتك ولعنتنا يلعنه السموات السبع ومن فيهن » كما ورد فى الحديث : قال الحافظ
كوييا باور نمى دارند روزداورى ... كين همه قلب ودغل دركاردورميكنند
قال الفضيل ترك العمل لاجل الناس رياء والعمل لاجل الناس شرك والاخلاص الخلاص من هذين معنى كلامه ان من عزم على عبادة الله تعالى ثم تركها مخافة ان يطلع الناس عليه فهو مرائ لانه لو كان عمله لله تعالى لم يضره اطلاع الناس عليه ومن عمل لاجل ان يراه الناس فقد اشرك فى الطاعة ويستثنى من كلامه مسألة لا يكون ترك العمل فيها لاجل الناس رياء وهى اذا كان الشخص يعلم انه متى فعل الطاعة بحضرة الناس آذوه واغتابوه فان الترك من اجلهم لا يكون رياء بل شفقة عليه ورحمة كما فى فتح القريب
وقال فى شرح الطريقة من مكايد الشيطان ان الرجل قد يكون ذا ورد كصلاة الضحى والتهجد وتلاوة القرآن والادعية الماثورة فيقع فى قوم لا يفعلونه فيتركه خوفا من الرياء وهذا غلط منه اذ مداومته السابقة دليل الاخلاص فوقوع خاطر الرياء فى قلبه بلا اختيار ولا قبول لا يضر ولا يخل بالاخلاص فترك العمل لاجله موافقة للشيطان وتحصيل لغرضه نعم عليه ان لا يزيد على معتاده ان لم يجد باعثا وقد يترك لا خوفا من الرياء بل خوفا من ان ينسب اليه ويقال انه مرائ وهذا عين الرياء لانه تركه خوفا من سقوط منزلته عند الناس وفيه ايضا سوء الظن بالمسلمين وقد يقع فى خاطره ان تركه لاجل صيانتهم من الغيبة لا لاجل الفرار من المذمة وسقوط المنزلة وهذا ايضا سوء الظن بهم اذ صيانة اغير من المعصية انما يكون فى ترك المباحات دون السنن والمستحبات انتهى كلامه
قال فى التأويلات النجمية { وحبط ما صنعوا } من اعمال الخير { فيها } فى الدنيا للدنيا { وباطل ما كانوا يعملون } من الاعمال وان كانت حقا لانهم عملوها لغير وجه الله وهو باطل وبه يشير الى ان كل من يعمل عملا يطلب به غير الله فان عمله ومطلوبه باطل كما قال صلى الله عليه وسلم « ان اصدق كلمة قالها العرب ألا كل شيء ما خلا الله باطل »
قال حضرة الشيخ الاكبر قدسنا الله بسره الاطهر اعلم ان الموجودات كلها وان وصفت بالباطل فهى حق من حيث الوجود ولكن سلطان المقام اذا غلب على صاحبه يرى ما سوى الله تعالى باطلا من حيث انه ليس له وجود من ذاته فحكمه حكم العدم وهذا معنى قولهم قوله باطل اى كالباطل لان العالم قائم بالله لا بنفسه فهو من هذا الوجه باطل والعارف اذا وصل الى مقامات القرب فى بداية عرفانه ربما تلاشت هذه الكائنات وحجبت عن شهودها بشهود الخلق لانها زالت من الوجود بالكلية ثم اذا كمل عرفانه شهد الحق تعالى والخلق معا فى آن واحد وما كل احد يصل الى هذا المقام فان غالب الناس ان شهد الخلق لم يشهد الحق وان شهد الحق لم يشهد الخلق ولا يدرك الوحدة الا من ادرك اجتماع الضدين ولعل من المشهد الاول قول الاستاذ الشيخ ابى الحسن البكرى قدس سره استغفر الله مما سوى الله تعالى لان الباطل يستغفر من اثبات وجوده لذاته كذا فى انسان العيون فى سيرة الامين المأمون : قال الشيخ المغربى(5/384)
سايه هستى مو نمايد ليك اندراصل نيست نيست ... را ازهست اربشنا ختى يابى نجات
وقال ايضا
بيدار شواز خواب كه اين جمله خيالات ... اندر نظر ديده بيدار جو خوابيست
نسأل الله سبحانه ان يكشف القناع عن وجه المقصود ويتجل لنا بجماله فى وجه كل مظهر وموجود وهو الرحيم الودود ذو الفضل والفيض والجود(5/385)
أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17)
{ أفمن كان على بينة من ربه } الهمزة للانكار والبينة الحجة والبرهان وعلى للاستعلاء المجازى وهو الاستيلاء والاقتدار على اقامتها والاستدلال بها ومن شرطية او موصولة مبتدأ حذف خبره والتقدير افمن كان على برهان ثابت من ربه يدل على الحق والصواب فيما يأتيه ويذره وهو كل مؤمن مخلص كمن ليس على بينة يعنى سواء بل الاول على السعادة وحسن العاقبة والثانى على الشقاوة وسوء الخاتمة { ويتلوه } من التلو وهو التبع ذلك البرهان الذى هو دليل العقل فتذكير الضمير الراجع الى البينة انما هو بتأويل { شاهد منه } اى شاهد من الله تعالى يشهد بصحته وهو القرآن { ومن قبله } اى ومن قبل لقرآن الشاهد { كتاب موسى } وهو التوراة فانها ايضا تتلو ذلك البرهان فى التصديق { اماما } كتابا مؤتما به فى الدين ومقتدى وانتصابه على الحال { ورحمة } اى نعمة عظيمة على من انزل اليهم ومن بعدهم الى يوم القيامة باعتبار احكامه الباقية المؤيدة بالقرآن العظيم
قال فى انسان العيون التوراة اول كتاب اشتمل على الاحكام والشرائع بخلاف ما قبله من الكتب فانها لم تشتمل على ذلك وانما كانت مشتملة على الايمان بالله وتوحيده ومن ثمة قيل لها صحف واطلاق الكتب عليها مجاز انتهى
{ اولئك } اشارة الى من كان على بينة { يؤمنون به } اى يصدقون بالقرآن { ومن يكفر به } [ وهوكه كافر شود بقرآن ] { من الاحزاب } من اهل مكة ومن تحزب معهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال تحزبوا عليه اى اجتمعوا { فالنار موعده } اى مكان وعده الذى يصير اليه وفى جعلها موعد اشعار بان له فيها ما يوصف من افانين العذاب { فلا تك فى مرية منه } اى فى شك من امر القرآن وكونه من عند الله { انه الحق من ربك } الذي يربيك فى دينك ودنياك { ولكن اكثر الناس لا يؤمنون } بان ذلك حق لا شبهة فيه اما القصور انظارهم واختلال افكارهم واما لعنادهم واستكبارهم هذا ما اختاره البيضاوى وتبعه فى ذلك اكثر المفسرين وقال المولى ابو السعود فى الارشاد ما حاصله ان المراد بالبينة البرهان الدال على حقيقة الاسلام وهو القرآن والكون على بينة من الله عبارة عن التمسك بها ويتلوه اى يتبعه شاهد من القرآن شهيد بكونه من عند الله وهو اعجازه وما وقع فيه من الاخبار بالغيب او شاهد من الله تعالى كالمعجزات الظاهرة على يديه عليه السلام ولما كان المراد بتلو الشاهد للبرهان اقامة الشهادة بصحته وكونه من عند الله تعالى تابعا له بحيث لا يفارقه فى مشهد من المشاهد فان القرآن بينة باقية على وجه الدهر مع شاهدها الذى يشهد بامرها الى يوم القيامة عند كل مؤمن وجاحد(5/386)
عطف كتاب موسى فى قوله تعالى { ومن قبله كتاب موسى } على فاعله مع كونه مقدما عليه فى النزول فكأنه قيل أفمن كان على بينة من ربه ويشهد به شاهد آخر من قبل هو كتاب موسى
وقال فى التأويلات النجمية وحمل الآية فى الظاهر على النبى صلى الله عليه وسلم وابى بكر اولى واحرى فانه عليه السلام كما كان على بينة من ربه كان ابو بكر شاهدا يتلوه بالايمان والتصديق يدل عليه قوله { والذى جاء بالصدق } يعنى النبى عليه السلام وصدق به يعنى ابا بكر رضى الله عنه وهو الذى كان ثانيه فى الغار وتاليه فى الامامة فى مرضه عليه السلام حين قال « مر ابا بكر فليصل بالناس » وكان تاليه بالخلافة باجماع الصحابة وكان منه حيث قال صلى الله عليه وسلم لابى بكر وعمر رضى الله عنهما « انهما منى بمنزلة السمع والبصر » { ومن قبله } اى من قبل ابى بكر وشهادته بالنبوة كان { كتاب موسى } وهو التوراة { اماما } يأتم به قومه بعده وفى ايام محمد صلى الله عليه وسلم كما ائتم به عبد الله بن سلام وسلمان وغيرهما من احبار اليهود ولانه كان فيه ذكر النبى صلى الله عليه وسلم بالنبوة والرسالة { ورحمة } اى الكتاب كان رحمة لاهل الرحمة وهى الذين يؤمنون بالكتاب وبما فيه كما قال { اولئك الذين يؤمنون به } يعنى اهل الرحمة { ومن يكفر به } اى بالكتاب وبما فيه { من الاحزاب } اى حزب اهل الكتاب وحزبالكفار وحزب المنافقين وان زعموا انهم مسلمون لان الاسلام بدعوى اللسان فحسب وانما يحتاج مع دعوى اللسان الى صدق الجنان وعمل الاركان { فلا تك فى مرية منه } اى من ان يكون الكافر بك وبما جئت به من اهل النار لان الايمان بك ايمان بى وان طاعتك طاعتى فلا يخطرن ببالك انى من سعة رحمتى لعلى ارحم من كفر بك كائنا من كان فانى لا ارحمهم لانهم مظاهر قهرى { انه الحق من ربك } اى يكون له مظاهر صفات القهر كما يكون له مظاهر صفات اللطف { ولكن اكثر الناس لا يؤمنون } بصفات لطفه لرجائهم المذموم ولغرورهم المشئوم بكرم الله فانه غرهم بالله وكرمه الشيطان الغرور انتهى : قال الحافظ
دركارخانه عشق از كفرنا كزيرست ... آتش كرابسوز دكر بولهب نباشد
واعلم ان حضرة القرآن انما نزل لتمييز اهل اللطف واهل القهر فهو البرهان النير العظيم الشان وبه يعلم اهل الطاعة من اهل العصيان ولما كان الكلام صفة من الصفات القديمة له تعالى قال اهل التأويل فى اشارة قوله { أفمن كان على بينة من ربه } اى كشف بيان من تجلى صفة من صفات ربه { ويتلو شاهد منه } اى ويتبع الكشف شاهد من شواهد الحق فان الكشف يكون مع الشهود ويكون بلا شهود . والمعنى أفمن كان على بينة من كشوف الحق وشواهده كما كان على بينة من العقل والنقل مع احتمال السهو والغلط فيها ولذا : قال الحافظ
غشق ميورزم واميدكه اين فن شريف ... جون هنر هاى دكر موجب حرمان نشود
وقال الصائب
طريق عقل را بر عشق رجحان مى دهد زاهد ... عصايى بهتر ازصد شمع كافورست اعمى را
وقال
جمعى كه بشت كرم بعشق ازل نيند ... نازسمور ومنت سنجاب ميكشند
جعلنا الله واياكم من المستبصرين لشواهد الحق واوصلنا واياكم الى شهود النور المطلق وحشرنا واياكم تحت لواء الفريق الاسبق(5/387)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)
{ ومن اظلم } اى لا احد يظلم { ممن افترى على الله كذبا } بان نسب اليه ما لا يليق به كقولهم للملائكة بنات الله وقولهم لآلهتهم هؤلاء شفعاؤنا عند الله { اولئك } المفترون { يعرضون على ربهم } المراد عرضهم على الموقف المعد للحساب والسؤال وحبسهم فيه الى ان يقضى الله تعالى بين العباد لانه تعالى ليس فى مكان حتى يعرضون عليه واسند العرض اليهم والمقصود عرض اعمالهم لان عرض العامل بعمله وهو الافتراء هنا افظع من عض عمله مع غيبته { ويقول الاشهاد } عند العرض وهم الملائكة والنبيون والمؤمنون جمع شاهد او شهيد كاصحاب واشراف { هؤلاء الذين كذبوا على ربهم } المحسن اليهم والمالك لنواصيهم بالافتراء عليه وهؤلاء اشارة الى تحقيرهم واصغارهم بسوء صنيعهم { ألا لعنة الله } عذابه وغضبه { على الظالمين } بالافتراء المذكور وفى الحديث « ان الله تعالى يدنى المؤمن يوم القيامة فيسرته من الناس فيقول اى عبدى اتعرف ذنب كذا وكذا فيقول نعم يا رب فاذا قرره بذنوبه قل فانى قد سترتها عليك فى الدنيا وقد غفرتها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته واما الكفار والمنافقون فيقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم الا لعنة الله على الظالمين يفضحونهم بما كانوا عيله فى الدنيا ويبينون انهم ملعونون عند الله بسبب ظلمهم » وفى الحديث « من سمع سمع الله به » اى من اظهر عمله للناس رياء اظهر الله نيته الفاسدة فى عمله يوم القيامة وفضحه على رؤوس الاشهاد وهم الملائكة الحفظة . وقيل عموم الملائكة . وقيل عموم الاخلاق اجمعين ثم وصفهم بالصد(5/388)
الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19)
{ الذين يصدون } اى يمنعون كل من يقدرون على منعه بالتحريف وادخال الشبه { عن سبيل الله } عن دين الله وطريق طاعته { ويبغونها عوجا } السبيل مؤنث سماعى فلذلك انت ضمير يبغونها يقال بغيت الشيء طلبته وبغيتك خيرا او شرا اى طلبت لك اى ويصفونها بالانحراف عن الحق والصواب فيكون من قبيل اطلاق اسم السبب على المسبب
قال فى الارشاد وهذا شامل لتكذيبهم بالقرآن وقولهم انه ليس من عند الله { وهم بالآخرة هم كافرون } اى يصفونها بالعوج والحال انهم كافرون بها لا انهم مؤمنون بها ويزعمون ان لها سبيلا سويا يهدن الناس اليه وتكرير ضمير لتأكيد كفرهم واختصاصهم به كأن كفر غيرهم ليس بشيء عند كفرهم(5/389)
أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20)
{ اولئك } الكاذبون { لم يكونوا معجزين } الله تعالى ان يعاقبهم لو اراد عقابهم { فى الارض } مع سعتها وان هربوا منا كل مهرب { وما كان لهم من دون الله من اولياء } ينصرونهم ويمنعونهم من العقاب ولكن آخر ذلك الى اليوم تحقيقا للامهال كما قال تعالى { امهلهم رويدا } والجمع باعتبار افراد الكفرة كان قيل وما كان لاحد منهم من ولى { يضاعف لهم العذاب } استئناف كانه قيل هؤلاء الذين شأنهم ذلك ما مصير امرهم وعقبى حالهم فقيل يضاعف لهم عذاب الابد ضعفين { ما كانوا يستطيعون السمع } النافع { وما كانوا يبصرون } الحق والآيات المصنوبة فى الانفس والآفاق وهو استئناف وقع تعليلا لمضاعفة العذاب وليس المراد بالمضاعفة الزيادة بمرتبة واحدة لشمولها الزيادة بمراتب كما فى الحواشى السعدية ولما كان قبح حالهم فى عدم اذعانهم للقرآن الذى طريق تلقيه لشمع اشد منه فى عدم قبولهم لسائر الآيات المنوطة بالابصار بالغ فى نفى الاول حيث نفى عنهم الاستطاعة واكتفى فى الثانى بنفى الابصار(5/390)
أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21)
{ اولئك الذين خسروا انفسهم } باشتراء عبادة الآلهة بعبادة الله تعالى فى البحر انه على حذف مضاف اى راحة او سعادة انفسهم والا فانفسهم باقية معذبة انتهى
ولعل الابقاء على حاله انسب لمرام المقام وان البقاء معذبا كلابقاء اذ المقصود من البقاع انتفاع به { وضل } بطل وضاع { عنهم ما كانوا يفترون } من الهية الآلهة وشفاعتها(5/391)
لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22)
{ لا جرم } فيه ثلاثة اوجه . الاول ان لا نافية لما سبق وجرم فعل بمعنى حق وان مع ما فى خبره فاعبه . والمعنى لا ينفعهم ذلك الفعل اى حق { انهم فى الآخرة هم الاخسرون } وهذا مذهب سيبويه . والثانى ان جرم بمعنى كسب وما بعده مفعوله وفاعله ما دل عليه الكلام اى كسب ذلك خسرانهم فالمعنى ما حصل ومن ذلك الا ظهور خسرانهم . والثالث ان لا جرم بمعنى لا بد انهم فى الآخرة هم الاخسرون واياما كان فمعناه انهم اخسر من كل خاسر
قال الكاشفى [ بى شك وشبهه ايشان دران سراى ايشان زيانكارتر زهمه زيانكاران جه برستش بتانرا بيرستش خداى تعالى خريده اندو متاع دنياى فانى را بر نعيم عقباى باقى اختيار كرده ودرين سود اغبن فاحش است ]
مايه اين را بدنيا دادن ازدون همتيست ... زانكى دنيا جملكى رنج اسن ودين آسايش است
نعمت فانى ستانى دولت باقى دهى ... اندرين سودا خردداندكه غبن فاحش است
-وروى- ابن ابى الدنيا عن الضحاك انه قال اتى النبى صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله من ازهد الناس قال « من لم ينس القبر والبلى وترك زينة الدنيا واثر ما يبقى على ما يفنى ولم يعد غذا من ايامه وعدنفسه من الموتى » وفى الحديث « بادروا بالاعمال فان بين ايديكم فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسى كافرا ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا » ومن البائع دينه بالدنيا المدعى مع الله رتبة طلبا للرياسة واستجلاب حظوظ النفس بطريق التزهد والشيخوخة وهو ملعون على ألسنة الاولياء الذين هم شهداء الله فى الارض لانه نزل نفسه منزلة السادة الكبراء فظلم واستحق اللعنة : وفى المثنوى
توملاف ازمشك كان بوى بياز ... ازدم توميكند مكشوف راز
كلشكر خوردم همى كوئى وبوى ... ميزند از سيركه ياوه مكوى
ومن اوصاف المدعين انهم بادعائهم الشيخوخة يقطعون سبيل الله على طالبيه بالدعوة الى انفسهم ويمنعونهم ان يتمسكوا بذيل ارادة صاحب ولاية يهديهم الى الحق ووهم بالآخرة هم كافرون على الحقيقة لان من يؤمن بالآخرة ولقاء الله والحساب والجزاء على الاعمال لا يجرى مع الله بمثل هذه المعاملات ولهم عذاب الضلال عن سبيل الله بطلب الدنيا والقدوة فيها وعذاب اضلال اهل الارادة عن طريق الحق باستتباعهم وهم مؤاخذون بخسرانهم وخسران اتباعهم وبحسبان انهم يحسنون صنعا فهم الاخسرون
ترسم نرسى بكعبه اى اعرابى ... كين ره كه توميروى بتركشتانست(5/392)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23)
{ ان الذين آمنوا } اى بكل ما يجب ان يؤمن به { وعملوا الصالحات } فيما بينهم وبين ربهم { وأخبتوا الى ربهم } الاخبات الخضوع والخشوع ويستعمل باللام يقال اخبت لله واستعماله بالى فى الاية لتضمينه معنى الاطمئنان والانقطاع . والمعنى اطمانوا وسكنوا اليه وانقطعوا الى عبادته بالخشوع والتواضع { اولئك } المنعوتون بتلك النعوت { اصحاب الجنة هم فيها خالدون } دائمون لم يأت هنا ضمير الفصل للاشارة والله اعلم الى ان الخلود فيها ليس بمختص بهؤلاء الموصوفين فان المؤمن وان لم يعمل الصالحات مآله الخلود فى الجنة على ما هو مذهب اهل السنة كذا فى حواشى سعدى المفتى
وقال فى التأويلات النجمية { ان الذين آمنوا } بطلب الله وطلبوه على اقدام المعاملات الصالحات للطلب المفيدات للوصول الى المطلوب وانابوا الى ربهم بالكلية ولم يطلبوا منه الا هو واطمانوا به { اولئك اصحاب الجنة } اى ارباب الجنة كما يقال رب الدار لصائب الدار وهم مطلوبوا الجنة لا طلابها وانما هم طلاب الله هم فيها خالدون طلابا(5/393)
مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24)
{ مثل الفريقين } الكافر والمؤمن اى حالهما العجيب لان المثل لا يطلق الا على ما فيه غرابة من الاحوال والصفات
قال ابن الشيخ لفظ المثل حقيقة عرفية فى القول السائر المشبه مضر به بمورده ثم يستعار للصفة العجيبة والحال الغريبة تشبيها لهما بالقول المذكور فى الغرابة فانه لا يضرب الا ما فيه غرابة { كالاعمى والاصم والبصير والسميع } اى كهؤلاء فيكون ذواتهم كذواتهم فان تشبيه حال الشيء بحال شيء آخر يستلزم تشبيه الشيء الاول بالثانى فالاعمى والاصم هم الكافرون والبصير والسميع هم المؤمنون . والواو فى والاصم والسميع لعطف الصفة على الصفة كقولك هو الجواد والشجاع فان الادخل فى المبالغة ان يشبه الكافر بالذى جمع بين العمى والصمم كالموتى وذلك ان الكفرة حين لا ينظرون الى ما خلق الله نظر اعتبار ولا يسمعون ما يتلى عليهم من ىيات الله سماع تدبر كان بصرهم كلا بصر وسماعهم كلا سماع فكان حالهم لانتفاء جدوى البصر والسماع كجال الموتى الذى فقدوا مصحح البصر والسمع
قال ابن الشيخ الاعمى اذا سمع شيا ربما يهتدى الى الطريق والاصم ربما ينتفع بالاشارة ومن جميع بينهما فلا حيلة له وقس عليه الشخص الذى جمع بين الوصفين الشريفين اللذين هما البصر والسمع فانه يكون بذلك على احسن حال . وقدم الاعمى لكونه اظهر واشهر فى سوء الحال من الاصم { هل يستويان } يعنى الفريقين المذكورين والاستفهام انكارى { مثلا } اى حالا وصفة وهو تمييز من فاعل يستويان منفقول من الفاعلية والاصل هل يستوى مثلهما { افلا تذكرون } اى أتشكون فى عدم الاستواء وما بينهما من التباين او أتغفلون عنه فلا تتذكرن بالتأمل فيما ضرب لكم من المثل فيكون الانكار واردا على المعطوفين معا او أتسمعون هذا فلا تتذكرون فيكون راجعا الى عدم لتذكر بعد تحقق ما يوجب وجوده وهو المثل المضروب
وفى التأويلان النجمية الاعمى الذين لا يبصر الحق حقا والباطل باطلا بل يبصر الباطل حقا والحق باطلا . والاصم من لا يسمع الحق حقا والباطل باطلا بل يسمع الباطل حقا والحق باطلا . والبصير الذى يرى الحق حقا ويتبعه ويرى الباطل باطلا ويجتنبه . والسميع الذى من كان الله سمعه فيسمع به ومن ابصر بالله لا يبصر غير الله ومن سمع بالله لا يسمع الا من الله انتهى
يعنى يسمع من الحق تعالى ولا يرى ان احدا فى الوجود يخاطبه غير الله تعالى فهو متمثل لكل ما يؤمر به -حكى- ان خير النساج لقيه انسان فقال له انت عبدى واسمك خير فسمع ذلك من الحق سبحانه واستعمله الرجل فى النسج اعواما ثم بعد ذلك قال له ما انت عبدى ولا اسمك خير(5/394)
كوشى كه بحق بازبود درهمه بازبود درهمه جاى ... ازهيج سخن نشنود ا زخداى
وان ديده كزو نور بذيرد اورا ... هرذره بود آبينه دوست نماى
وفى كل من مقام الرؤية والسماع ابتلاء والطالب الصادق يقف عند الحد الذى حد له فلا ينظر الى الحرام ولا يرتكب المحذور كشرب الخمر وان قيل له من لسان واحد اشرب هذه الخمر لان هذا القول ابتلاء من الله تعالى هل يقف عند حده اولا فلا بد من التحقق والتبعية انما يكون ويحصل بالاجتهاد والتشبث بذيل واحد من اهل الارشاد : وفى المثنوى
آن سواريكه سبه راشد ظفر ... اهل دين راكيست سلطان بصر
با عصا كوران اكرره ديده اند ... دربناه خلق روشن ديده اند
كرنه بينايان بدندى وشهان ... جملة كوران مرده اندى درجهان
نى زكوران كشت آيد نى درود ... نى عمارت نى تجارتها وسود(5/395)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25)
{ ولقد ارسلنا نوحا الى قومه } الواو ابتدائية واللام جواب قسم محذوف وحرفه الباء لا الواو كما فى سورة الاعراف لئلا يجتمع واوان اى بالله لقد بعثنا نوحا وهو ابن ملك ابن متوشلخ بن ادريس عليهما السلام وهو اول نبى بعث بعده قال ابن عباس رضى الله عنهما بعث نوح على راس اربعين من عمره ولبث يدعو قومه تسعمائة وخمسين سنة وعاش بعد الطوفان ستين سنة وكان عمره الفا وخمسين سنة وقيل غير ذلك ولد نوح بعد الف وستمائة واثنتين واربعين سنة من هبوط آدم عليه السلام وكانت دمشق داره ودفن فى الكوفة
وقال بعضهم فى الكرك وقال بعضهم فى مغارة ابراهيم عليه السلام فى القدس ويقال كان اسما شاكرا وسمى نوحا لكثرة نياحته على نفسه
واختلفوا فى سبب نياحته على ثلاثة اوجه . الاول قلة رحمته حين قال { رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا } فلم يرض الله ذلك منه . والثانى انه مر بكلب فقال ما اقبحك من خلق فعاتبه الله على ذلك أعبتنى ام عبت الكلب فقام وناح على نفسه وذهب فى البرارى والجبال . والثالث الميل والهوى الى ولده ومراجعته الى ربه حيث قال { ان ابنى من اهلى } فقال الله { انه ليس من اهلك } فقام وناح على نفسه او شفقة على الولد وخوفا لى نفسه كذا فى التبيان
يقول الفقير عامله الله بلطف الخطير ان بعض الزلات وان كان سببا للنباحة كما وقع ايضا لداود عليه السلام وغيره الا ان نياحة الانبياء والاولياء انما هى من جلال الله تعالى وهيبته الآخذة بقلوبهم فهى من صفات العاشقين وسمات العارفين الا ترى الى يحيى عليه السلام لم ير اكثر نوحا وبكاء منه فى زمانه مع انه لم يهم بذنب قط وبكاء يعقوب عليه السلام لم يكن لمجرد فراق يوسف عليه السلام بل كان فراقه سببا صوريا ظاهريا له والله تعالى اذا اراد بكاء عبده وحنينه الى جنابه ابتلاء بالفراق او بالجوع او بغيرهما كما لا يخفى على اهل القلوب وفى ذلك ترقيات له عجيبة وتجليات له غريبة قد شاهدت هذه الحال من بعض اهل الكمال
وههنا سؤال وهو انه كيف يستقيم الاخبار فى الازل عن ارسال نوح عليه السلام بلفظ الماضى ونوح وقومه لم يجد بعد
والجواب ان هذا الاخبار بالنسبة الى الازل لا يتصف بشيء من الازمنة اذ لا ماضى ولا مستقبل ولا حال بالنسبة الى الله تعالى واتصافه به انما هو بالنسبة الى توجه الخطاب له كان ماضيا وان كان معه او بعده فالحال او الاستقبال { انى } اى فقال لقومه انى { لكم نذير } مخوف { مبين } مظهر وذلك الانذار على اكمل طرقه اى ابين لكم موجبات العذاب ووجه الخلاص منه بيانا ظاهرا لا شبهة فيه ولم يقل وبشير لان البشارة انما تكون لمن آمن ولم يكن احد آمن كما اقتصر على الانذار فى قوله تعالى { قم فانذر } تقديما للتخلية على التحلية(5/396)
أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26)
{ ان لا تعبدوا الا الله } اى بان لا تعبدوا على انّ ان مصدرية والباء نتعلقة بارسلنا ولا ناهية اى ارسلناه ملتبسا بنهيهم عن الشرك
قال فى التأويلات النجمية قال نوح الروح لقومه القلب والنفس والبدن ان لا تعبدوا الدنيا وشهواتها والآخرة ودجاتها فان عبادة الله مهما كانت معلولة بشيء من الدنيا والآخرة فانه عبد ذلك الشيء لا الله على الحقيقة انتهى
ولذا قالوا الرغبة فى الايمان والطاعة لا تنفع الا اذا كانت تلك الرغبة رغبة فيه لكونه ايمانا وطاعة واما الرغبة فيه لطلب الثواب وللخوف من العقاب فغير مفيدة : قال الشيخ المغربى قدس سره
درجنت ديدار تماشاى جمالت ... باشدز قصورا بودم ميل بجورى
{ انى اخاف عليكم عذاب يوم اليم } يوم القيامة او يوم الطوفان . واليم يجوز ان يكون صفة يوم وصفة عذاب على ان يكون جره للجوار ووصفه بالاليم على الاسناد المجازى للمبالغة يعنى ان اسناد الاليم الى اليوم اسناد الى الظرف كقولك نهاره صائم واسناده الة العذاب اسناد الى الوصف كقولك جد جده والمتألم حقيقة هو الشخص المعذب المدرك لا وصفه ولا زمانه واذا وصفنا بالتالم دل على ان الشخص بلغ فى تألمه الى حيث سرى ما به من التالم الى ما يلابسه من الزمان والاوصاف فالاليم بمعنى المؤلم علىنه اسم مفعول من الايلام ويجوز ان يكون بمعنى المؤلم على انه اسم فاعل وهو صفة الله تعالى فى الحقيقة اذ هو الخالق للألم -روى- ان الله تعالى ارسل نوحا الى قومه فجاءهم يوم عيد لهم وكانوا يعبدون الاصنام ويشربون الخمور ويواقعون النساء كالبهائم من غير ستر فنادهم بصوت عال ودعاهم الى التوحيد ففزعوا ثم نسبوه الى الجنون وضربوه وكذبوه كما قال تعالى(5/397)
فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27)
{ فقال الملأ الذين كفروا من قومه } اى الاشراف منهم الذين ملأوا القلوب هيبة والمجالس ابهة ووصفهم بالكفر لذمهم والتسجيل عليهم بذلك من اول الامر لا لان بعض اشرافهم ليسوا بكفرة { وما نريك الا بشرا مثلنا } لا مزية لك علينا نخصك من دوننا بالنبوة ووجوب الطاعة ولو كان كذلك لرأيناه فالرؤية بصرية وا بشرا حال من المفعول ويجوز ان تكون قلبية وهو الظاهر فالا بشرا مفعول ثان وتعلق الرأى بالمثلية لا بالبشرية فقط
قال الكاشفى [ ايشان هياكل بشر ديدند وازدرك حقائق اشيا غافل ماندند ] : مثنوى
همسرى بانبيا بر داشتند ... اوليارا همجو خود بنداشتند
كفت اينك ما بشر ايشان بشر ... ماوايشان بسته خوابيم وخور
اين ندانستند ايشان ازعمى ... هست فرقى درميان بى منتهى
هردوكون ونبور خوردند از محل ... ليك شد زان نيش وزاين ديكر عسل
هر دوكون آهوكيا خوردند وآب ... زاين يكى سركين شد وزان مشكناب
هر دو نى خوردند از يك آبخور ... اين يكى خالى وآن براز شكر
والاشارة ان النفس سفلية وطبعها سفلى ونظرها سفلى والروح علوى وله طبع علوى ونظر علوى فالروح العلوى من خصائصه دعوة غيره الى عالمه لانه بنظره العلوى يرى شرف العبادات وعزتها ويرى السفليات وخستها وذلتها فمن طبعه العلوى يدعو السفلى الى العلويات والنفس السفلية بنظرها السفلى لا ترى العلويات ولا تميل بطبعها السفلى الى العلويات بل تميل الى السفليات وترى بنظرها السفلى كل شيء سفليا فتدعو غيرها الى عالمها فمن هنا ترى الروح العلوى بنظر المثلية فكذلك صاحب هذه النفس يرى صاحب هذه الروح العلوى بنظر المثلية فيقول ما نراك الا بشرا مثلنا فلهذا ينظرون الى الانبياء ولا يرونهم بنظر النبوة بل يرونهم بنظر الكذب والسحر والجنون ويرون اتباع الانبياء بنظر الحقارة كما قالوا { وما نريك اتبعك } الرؤية ان كانت بصرية يكون اتبعك حالا من المفعول بتقدير قد وان كالت قلبية يكون مفعولا ثانيا { الا الذين هم اراذلنا بادى الرأى } اخساؤنا وادانينا كالحاكة والاساكفة واهل الصنائع الخسيسة ولو كنت صادقا لاتبعك الاكياس والاشراف من الناس . فالاراذل جمع اسم تفضيل اى ارذل كقوله « اكابر مجرميها واحاسنكم اخلاقا » جمع اكبر واحسن
فان قلت يلزم الاشتراك اذا بين الاشراف وبينهم فى ماخذ الاشتقاق الذى هو الرذالة
قلت هو للزيادة المطلقة والاضافة للتوضيح فلا يلزم ما ذكرت وانتصاب بادى الرأى على الظرفية على حذف المضاف اى اتبعك وقت حدوث بادى الرأى وظاهره او فى اول الوهلة من غير تعمق وتدقيق تفكر من البدو او من البدء مبدلة من الهمزة لانكسار ما قبلها وانما استرذلوهم مع كونهم اولى الالباب الراجحة لفقرهم وكان الاشراف عندهم من له جاه ومال كما ترى اكثر زمانك يعتقدون ذلك ويبنون عليه اكرامهم واهانتهم(5/398)
فلك بمردم نادان دهد زمام مراد ... تواهل فضلى ودانش همين كناهت بس
وما اعجب شان اهل الضلال لم يرضوا للنبوة ببشر ولا اتباعه وقد رضوا للالهية بحجر وعبادته
قال فى التأويلات النجمية اما الاراذل من اتباع الروح البدن وجوارحه الظاهرة فان الغالب على الحق ان البدن يقبل دعوة الروح ويستعمل الجوارح بالاعمال الشرعية ولكن النفس الامارة بالسوء تكون على كفرها ولا تخلى البدن يستعمل بالاعمال الشرعية الدينية الا لغرض فاسد ومصلحة دنيوية كما هو المعتاد لاكثر الخلق { وما نرى لكم } اى لك ولمتسبيك فغلب المخاطب على الغائبين { علينا من فضل } من زيادة شرف فى الملك والمال تؤهلكم للنبوة واستحقاق المتابعة واتباعهم لك لا يدل على نبوتك ولا نجد بكم فضيلة تستبع اتباعنا لكم
قال فى الكواشى وما نرى لكم علينا من فضل لانكم بشر تأكلون وتشربون مثلنا { بل نظنكم كاذبين { جميعا لكون كلامكم واحدا ودعوا كم واحدة(5/399)
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28)
{ قال } نوح { يا قوم } [ اى كروه من ] { أرأيتم } اى اخبرونى فان الرؤية سبب للاخبار { ان كنت على بينة } برهان ظاهر { من ربى } وشاهد يشهد بصحة دعواى { وآتيتنى رحمة من عنده } هى النبوة { فعميت عليكم } اى اخفيت تلك البينة عليكم { انلزمكموها } اى نلزمكم قبول تلك البينة ونوجبها عليكم ونجبركم على الاهتداء بها . وهذا استفهام معناه الانكار يقول لا نقدر ان نلزمكم من ذات انفسنا وهو جواب ارأيتم وساد مسد جواب الشرط { وانتم لها كارهون } والحال انكم لا تختارونها ولا تتاملون فيها ومحصول الجواب اخبرونى ان كنت على حجة ظاهرة الدلالة على صحة الدعوى الا انها خافية عليكم غير مسلمة عندكم أيمكننا ان نكرهكم على قبولها وانتم معرضون عنها غير متدبرين فيها اى لا يكون ذلك
قال سعدى المفتى المراد الزام جبر بالقتل ونحوه فاما الزام الايجاب فهو حاصل
قال قتادة لو قدر الانبياء ان يلزموا قومهم الايمان لالزموهم ولكن لم يقدروا
يكى را بخوانى كه مقبول ماست ... يكى را برانى كه مخذول ماست
بدونيك امر ترا بنده اند ... بتسليم حكمت سر افكنده اند(5/400)
وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29)
{ ويا قوم لا اسألكم عليه } على تبليغ الرسالة وهو ان لم يذكر فمعلوم من قوله انى لكم نذير مبين ان لا تعبدوا الا الله { مالا } تؤدونه الى بعد ايمانكم واتباعكم لى فيكون ذلك اجرا لى فى مقابلة اهتدائكم { ان اجرى الا على الله } وهو الثواب الذى يثيبنى فى الآخرة اى ما بلغتكم من رسالة الله الا لوجه الله لا لغرض من اغراض الدنيا { وما انا بطارد الذين آمنوا } لانهم طلبوا منه ان يطرد من عنده من الفقراء والضعفاء حتى يجالسوه كما طلب رؤس قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم طرد فقراء المؤمنين لملازمين لمجلسه الشريف استنكافا منهم ان ينتظموا معهم فى سلك واحد : قال الحافظ
آنجه زر ميشود از برتو آن قلب سياه ... كيميا ييست كه در صحبت درويشا نست
وقال
نظر كردن بدرويشان منافئ بزركى نيست ... سليمان با جنان حشمت نظرها بودبا مورش
قيل ان الله تعالى اختار الفقر لرسول الله صلى الله عليه وسلم نظرا الفقراء حتى يتسلى الفقير بفقره كما يتسلى الغنى بماله وليدل على هو ان الدنيا عند الله تعالى { انهم ملاقوا ربهم } يوم القيامة فيقتص لهم ممن ظلمهم كما فى الكواشى او انهم فائزون فى الآخرة بلقاء الله تعالى وحسن جزائه كأنه قيل لا اطردهم ولا ابعدهم عن مجلسى لانهم مقربون فى حضرة القدس وكيف اذل من اعزه الله تعالى { ولكنى اريكم قوما تجهلون } ما امرتكم به وما جئتكم به قال ابو الليث
وقال فى الارشاد تجهلون بكل ما ينبغى ان يعلم ويدخل فيه جهلهم بلقائه تعالى وبمنزلتهم عنده وباستيجاب طردهم لغضب الله تعالى(5/401)
وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (30)
{ ويا قوم من ينصرنى من الله } يدفع عنى غضب الله تعالى ويمنعنى من انتقامه { ان طردتهم } وهم بتلك الصفة والمثابة من الكرامة والزلفى { افلا تذكرون } اى أتستمرون على ما انتم عليه من الجهل المذكور فلا تتذكرون ما ذكر من حالهم حتى تعرفوا ان ما تأتون بمعزل من الصواب وفى الحديث « حب الفقراء والمساكين من اخلاق الانبياء والمرسلين وبغض مجالستهم من اخلاق المنافقين » «
والاشارة يقول نوح الروح للنفس من يمنعك من عذاب الله تعالى وقهره ان منعت البدن من الطاعة والعبودية واقتصر على مجرد ايمان النفس وتخلقها باخلاق الروح كما هو معتقد اهل الفلسفة واهل العناد فانهم يقولون ان اصل العبودية معرفة الربوبية وجمعية الباطن والتحلة بالاخلاق الحميدة فلا عبرة للاعمال البدنية كذبوا والله كذبوا الله ورسوله فضلوا كثيرا والقول ما قال المشايخ رحمهم الله الظاهر عنوان الباطن وقال النبى صلى الله عليه وسلم » لا يستقيم ايمان احدكم حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ولا يستقيم لسانه حتى يستقيم اعماله « يعنى اركان الشريعة تسرى الى الباطن عند استعماله الشريعة فى الظاهر وان الله تعالى اودع النور فى الشرع والظلمة فى الطبع وانما بعث الانبياء ليخرجوا الخلق من ظلمات الطبع الى نور الشرع(5/402)
وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31)
{ ولا اقول لكم } حين ادعى النبوة { عندى خزائن الله } اى عندى رزق الله وامواله حتى تستدلوا بعدمها على كذبى بقولكم وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين فان النبوة اعز من ان تنال باسباب دنيوية ودعواها بمعزل عن ادعاء المال والجاه
قال سعدى المفتى يعنى لا ادعى وجوب اتباعى بكثرة المال والجاه حتى تنكروا فضلى وانما ادعى وجوبه لانى رسول من الله وقد جئت بينة تشهد على ذلك { ولا اعلم الغيب } اى لا ادعى فى قولى انى لكم نذير مبين انى اخاف عليكم عذاب يوم اليم العلم على الغيب حتى تسارعوا لى الانكار والاستبعاد
وقال سعدى المفتى الظاهر انهم حين ادعى النبوة سألوه عن المغيبات وقالوا ان كنت صادقا فى دعواك فاخبرنا عن كذا وكذا فقال انا ادعى النبوة وقد جئتكم بآية من ربى ولا اعلم الغيب الا باعلامه ولا يلزم من ان يكون سؤالهم مذكورا فى النظم ان سؤال طردهم كذلك { ولا اقول } لكم { انى ملك } حتى تقولوا ما نراك الا بشرا مثلنا فان البشرية ليست من موانع بالنبوة بل من مباديها . يعنى انكم اتخذتم فقدان هذه الامور الثلاثة ذريعة الى تكذيبى والحال انى لا ادعى شيأ من ذلك ولا الذى ادعيه يتعلق بشيء منها وانما يتعلق بالفضائل النفسانية التى تتفاوت مقادير البشر { ولا اقول } مساعدة لكم كما تقولون { للذين تزدرى اعينكم } زراه اذا عابه واستصغره اى لاجل المؤمنين الذين تزدريهم اعينكم لفقرهم وفى شانهم ولو كانت اللام للتبليغ لكان القياس لن يؤتيكم بكاف الخطاب واسناد الازدراء الى الاعين للمبالغة والتنبيه على انهم استرذلوهم بادى الرؤية من غير روية وبما عاينوا من رثاثة حالهم وقلة منالهم دون تأمل فى معانيهم وكمالاتهم : قال السعدى
معانيست درزير حرف سباه ... جودر برده معشوق ودرميغ ماه
بسنديده ونغز بايد خصال ... كه كاه آيد وكه رود جاه ومال
يقول الفقير الظاهر ان اسناد الازدراء الى الاعين انما هو بالنسبة الى ظهوره فيها كما يقال فلان نظر الى فلان يعين التحقير دون عين التعظيم وهذا لا ينافى كونه من صفات القلب فى الحقيقة { لن يؤتيهم الله خيرا } فى الدنيا او فى الآخرة فعسى الله ان يؤتيهم خير الدارين وقد وقع كما قال فى نطق الانبياء عليهم السلام انما هو من الوحى والالهام حيث اورثهم الله ارضهم وديارهم بعد عزتهم { الله اعلم بما فى انفسهم } من الايمان والمعرفة ورسوخهم فيه { انى اذا } اى اذ قلت ذلك { لمن الظالمين } لهم بحط مرتبتهم ونقص حقوقهم او من الظالمين لانفسهم بذلك فان وباله راجع الى انفسهم . وفيه تعريض بانهم ظالمون فى ازدرائهم واسترذالهم
وعن ابى هريرة رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { المسلم اخو المسلم } المراد اخوة الاسلام { لا يظلمه } بنقصه حقه او بمنعه اياه { ولا يخذله } بترك الاعانة والنصرة اذا استعان به فى دفع ظالم ونحوه { ولا يحقره } اى لا يحتقره ولا يستكبر عليه .(5/403)
والاحتقار بالفارسية [ خوارداشتن ] ( التقوى ههنا التقوى ههنا التقوى ههنا ) ويشير الى صدره واصل التقوى الاجتناب والمراد ههنا اجتناب المعاصى وكان المتقى يتخذ له وقاية من عذاب الله تعالى بترك المخالفة . وقوله ههنا اشارة الى ان الاعمال الظاهرة لا تحصل بها التقوى وانما تحصل بما يقع من عظمة الله تعالى وخشيته ومراقبته فمن كانت التقوى فى قلبه فلا ينظر الى احد بعين الحقارة ( بحسب امرئ من الشر ان يحقر اخاه المسلم ) يعنى يكفيه من الشر احتقاره اخاه المسلم ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله ) العرض موضع المدح والذم من الانسان كما فى فتح القريب
وقال ابن الملك عرض الرجل جانبه الذى يصونه(5/404)
قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32)
{ قالوا يا نوح قد جادلتنا } خاصمتنا { فاكثرت جدالنا } اى اطلته . والمجادلة روم احد الخصمين اسقاط كلام صاحبه وهو من الجدل وهو شدة الفتل { فائتنا بما تعدنا } اى تعدنا من العذاب المعجل { ان كنت من الصادقين } فى الدعوى والوعيد فان مناظرتك تؤثر فينا(5/405)
قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33)
{ قال انما يأتيكم به الله ان شاء } عاجلا او آجلا وليس موكولا الىّ ولا مما يدخل تحت قدرتى . وفيه اسارة الى وقوع العذاب بمشيئة الله لا بالاعمال الموجبة للوقوع { وما انتم بمعجزين } بالهرب او بالمدافعة كما تدافعون فى الكلام
قال الامام فان احدا لا يعجزه اى يمنعه مما اراد يفعله والمعجز هو الذى يفعل ما عنده فيتعذر به مراد الغير فيوصف بانه اعجزه فقوله تعالى { وما انتم بمعجزين } اى لا سبيل لكم الى ان تفعلوا ما عندكم فيمتنع على الله تعالى ما يشاء من العذاب ان اراد انزاله بكم(5/406)
وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34)
{ ولا ينفعكم نصحى } النصح كلمة جامعة لكل ما يدور عليه الخير من فعل او قول وحقيقته الخاصة ارادة الخير والدلالة عليه ونقيضه الغش وقيل هو اعلام موضع الغى ليتقى وموضع الرشد ليقتفى { ان اردت ان انصح لكم } شرط حذف جوابه للدلالة ما سبق عليه والتقدير ان اردت ان انصح لكم ينفعكم نصحى وهذه الجملة دالة على ما حذف من جواب قوله تعالى { ان كان الله يريد ان يغويكم } والتقدير ان كان الله يريد ان يغويكم فان اردت ان انصح لكم لا ينفعكم نصحى . وفيه اشارة الى ان نصح الانبياء ودعوتهم لا تفيد الهداية مع ارادة الله الغواية والكل بيد الله تعالى : قال الحافظ
مكن بجشم حقارت نكاه برمن مست ... كه نيست معصيت وزهدبى مشيت او
يقول الفقير قد سبق ان نوحا عليه السلام وصفهم بالجهل والجاهل لا ينفع فيه النصح والوعظ كما فى المثنوى
بند كفتن باجهول خوابناك ... تخم افكندن بود درشوره خاك
جاك حمق وجهل نبذبرد رفو ... تخم حكمت كم دهش اى بندكو
{ هو ربكم } خالقكم والمتصرف فيكم وفق ارادته { واليه ترجعون } فيجازيكم على اعمالكم لا محالة(5/407)
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35)
{ ام يقولون } قوم نوح { افتريه } الضمير المستتر المرفوع لنوح عليه السلام والبارز للوحى الذى بلغه اليهم { قل } يا نوح { ان افتريته } بالفرض البحث فهو لا يدل على انه كان شاكا بل هو قول يقال على وجه الانكار عند اليأس من القبول { فعلىّ اجرامى } اى وبال اجرامى وهو كسب الذنب فالمضاف محذوف وان كنت صادقا فكذبتمونى فعليكم عقاب ذلك التكذيب فحذف لدلالة قوله تعالى { وانا بريئ مما تجرمون } عليه اى من اجرامكم فى اسناد الافتراء الىّ فلا وجه لاعراضكم عنى ومعاداتكم لى . وفيه اشارة الى ان ذنوب النفس لا تنافى صفاء الروح ولا يتدكر الروح بها ما دام متبرئا منها لكن كل من القوى يتكدر بما قارفه من ذنوب نفسه فالجهل يكدر الروح والميل الى ما سوى الله تعالى يكدر القلب والهوى يكدر النفس والشهوة تكدر الطبيعة
فعلى العاقل تجلية هذه المرائى وتصقيلها له تعالى والتوجه الى الحضرة العلياء والعمل على وفق الهدى وترك المشتهيات
قال حضرة شيخنا العلامة ابقاه الله بالسلامة الانسان . وهم الذين غلب عليهم اوصاف النفس واحوال الشيطنة . واما ملكى وهم الذين غلب عليهم اوصاف الطبيعة والنفس ووصف الملكية والروح . واما رحمانى وهم الذين غلب عليهم وصف السر وحاله ثم الثلاثة الاول من يخرج منهم بالايمان من الدنيا فهم يدخلون الجنة بالفضل او بعد اقامة العدل وهم اصحاب اليمين وارباب الجمال ومن يخرج من الدنيا بلا ايمان فيدخلون الجحيم بالعدل وهم اصحاب الشمال وارباب الجلال والرابع من يخرج منهم بالايمان فهم اهل الاعراف والخامس هم ارباب الكمال السابقون المقربون وما منا الاله مقام معلوم ورزق مقسوم ثم الحيوانيون بعدما خرجوا من الدنيا يحشرون مع الشياطين والملكيون يحشرون مع الملائكة واصحاب الجانبين يحشرون بين الطرفين والرحمانيون يحشرون مع قرب الرحمن قال عليه السلام « تموتون كما تعيشون وتحشرون كما تموتون » انتهى كلامه
قال يحيى بن معاذ الرازى الناس ثلاثة اصناف . رجل شغله معاده عن معاشه . ورجل شغله معاشه عن معاده . ورجل مشتغل بهما جميعا فالاول درجة الفائزين والثانى درجة الهالكين والثالث درجة المخاطرين وفى الحديث « ان خواص يسكنهم الرفيع من الجنان كانوا عقل الناس » قالوا يا رسول الله كيف كانوا اعقل الناس قال « كان نهمتهم المسابقة الى ربهم والمسارعة الى ما يرضيه وزهدوا فى الدنيا وفى رياستها وفى فضولها ونعيمها فهانت عليهم فصبروا قليلا واستراحوا طويلا »
ناكى غم دنياى جنى اى دل دانا ... حيفست زخزبى كه شود عاشق زشتى(5/408)
وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)
{ واوحى الى نوح انه لن يؤمن من قومك } اى المصيرين على الكفر وهو اقناط عليه السلام من ايمانهم واعلام لكونه كالمحال الذى لا يصح توقعه { الا من قد آمن } الا من قد وجد منه ما كان يتوقع من ايمانه وقد للتوقع وقد اصابت محزها
وقال المولى ابو السعود رحمه الله هذا الاستثناء على طريقة قوله تعالى { الا ما قد سلف } وقد سبق فى اواخر سورة النساء
وقال سعدى المفتى ان قيل من قد آمن لا يحدث الايمان بل يستمر عليه فكيف صح اتصال الاستثناء قلنا قد تقرر ان لدوام الامور المستمرة حكم الابتداء ولهذا لو حلف لا البس هذا الثوب وهو لابسه فلم ينزعه فى الحال يحنث ومبنى الايمان على العرف
وقال القطب العلامة { الا من قد آمن } قد استعد للايمان وتوقع منه ولا يراد الايمان بالفعل والا لكان التقدير الا من قد آمن فانه يؤمن { فلا تبتئس بما كانوا يفعلون } هو تفتعل من البؤس ومعناه الحزن فى استكانة وهى الخضوع اى لا تحزن حزن بائس مستكين ولا تغتم بما كانوا يتعاطون من التكذيب والايذاء فى هذه المدة الطويلة فقد انتهى افعالهم وحان وقت الانتقام منهم وعن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال « ان نوحا كان اذا جادل قومه ضربوه حتى يغشى عليه فاذا افاق قال اللهم اهد قومى فانهم لا يعلمون » انتهى
ولما حاء هذا الوحى من عند الله تعالى دعا عليهم فقال { رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا } وفى المثنوى
ناحمولى انبيارا از امردان ... ورنه حمالست بدرا حلمشان
طبع را كشتند اندر حمل بد ... ناحمولى كركند ازحق بود
قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر اول ما يتخلق المتخلق بعدم التأذى باذى الانام باحتماله صبرا ووساطته ان لا يجدهم مؤذين لانه موحد فيستوى عنده المسيئ والمحسن فى حقه وخاتمته ان يرى المسيء محسنا اليه فانه عالم بالحقائق متحقق بالتجلى الالهى وهى بداية التحقيق
والاشارة فى الآية ان نوح الروح لا يؤمن من قومه الا القلب والسر والبدن وجوارحه فاما النفس فانها لا تؤمن ابدا اللهم الا نفوس الانبياء وخواص الاولياء فانها تسلم احيانا دون الايمان وحال النفوس كاحوال الاعراب كقوله تعالى { قالت الاغراب ىمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان فى قلوبكم } قال معدن الايمان القلوب ومظهر الاسلام النفوس لان الاسلام الحقيقى الذى قال تعالى فيه { أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه } هو ضوء قد انعكس من مرآة القلب المنور بنور الايمان فاما اسلام الاعراب اذ قال تعالى لهم ولما يدخل الايمان فى قلوبكم لم يكن ضوأ منعكسا من مرآة القلب المنور ولكن هو ضوء منعكس من النور المودع فى كلمة التوحيد والاعمال الصالحة عند اتيانها بالصدق علم ان ايمان الخواص ينزل من الحق تعالى بنظر عنايته على القلوب القابلة للفيض الآلهى بلا واسطة وايمان العوام يدخل فى قلوبهم من طريق الاقرار باللسان والعمل بالاركان { فلا تبتئس } على نفوس السعداء { بما كانوا يفعلون } من اعمال الشر فانها لهم كالجسد للاكسير ينقلب ذهبا مقبولا عند طرح الروح فلذلك تنقلب اعمال الشر خيرا عند طرح التوبة عليها كما قال تعالى(5/409)
{ اولئك يبدله الله سيآتهم حسنات } { ولا تبتئس } على نفوس الاشقياء { بما كانوا يفعلون } لانها حجة الله على شقاوتهم وبتلك السلاسل يسحبون فى النار على وجوههم كذا فى التأويلات النجمية(5/410)
وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37)
{ واصنع الفلك } [ جون فائده دعوت ازايشان منقطع كشته زمان نزول عذاب دررسيد حكم شد كه اى نوح ميان اجتهاد دربندوبساز كستى را ] والامر للوجوب اذ لا سبيل الى صيانة الروح من الغرق الا به فيجب كوجوبها . واللام اما للعهد بان يحمل على ان هذا مسبوق بالوحى اليه انه سيهلككم بالغرق وينجيه ومن معه بشيئ سيصنعه بامره تعالى ووحيه من شانه كيت وكيت واسمه كذا واما للجنس والصنعة بالفارسية [ كاركردن ] والمراد ههنا نجرا الخشب اى نحته ليتحصل منه صورة السفينة { باعيننا } العين ليست من الآلات التى يستعان بها على مباشرة العمل بل هى سبب لحفظ الشيء فعبر عنه مجازا وجمع العين لجمع الضمير والمبالغة والكثرة اسباب الحفظ والرعاية فالاعين فى معنى محفوظا على انه حال من فاعل اصنع اى اصنعه محفوظا من ان يمنعك احد من اعدائك عن ذلك العمل واتمامه ومن ان تزيغ فى صنعته عن الصواب
وقال الكاشفى [ باعيننا بنكاه داشتن ما يا با عين ملائكة كه مدد كار وموكل تواند ] يقول الفقير الاول انسب لما فى سورة الطور من قوله تعالى { واصبر لحكم ربك فانك باعيننا } اى فى حفظنا وحمايتنا بحيث نراقبك ونكلؤك واتحاد القضية ليس بشرط { ووحينا اليك كيف نصنعها وتعليمنا والهامنا اى موحى اليك كيفية صنعها
قال ابن عباس رضى الله عنهما لم يعلم كيف صنعة الفلك فاوحى الله اليه ان يصنعها مثل جؤجؤ الطائر بالفارسية [ جون سينه مرغ وبراو ] فاخذ القدوم وجعل يضرب ولا يخطئ [ ود اخبار آمده كه نوح عليه السلام جوب كشتى بطلبيد فرمان برسيد تادرخت ساج بكاشت ودرمدت بيست سال كه درخت برسيد مطلقا هيج فرزند متولد نشد تا اطفال قوم بالغ شدند وايشان نيز متابعت آبا كرده از قبول دعوت نوح ابا كردند بس نوح بساختن كشتى اشتغال فرمود ] ونحتها في سنتين واستأجر اجراء ينحتون معه وقيل فى اربعمائة سنة
ومن الغرائب ما فى الحيوان من ان اول من اتخذ الكلب للحراسة نوح عليه السلام قال يا رب امرتنى ان اصنع الفلك وانا فى صناعته اصنع اياما فيجيئون بالليل فيفسدون كل ما عملت فمتى يلتئم لى ما امرتنى به قد طال علىّ امرى فاوحى الله تعالى اليه يا نوح اتخذ كلبا يحرسك فاتخذ نوح كلبا وكان يعمل بالنهار وينام بالليل فاذا جاء قومه ليفسدوا بالليل ينبحهم الكلب فينتبه نوح عليه السلام فيأخذ الهراوة ويثب اليهم فينهزمون منه فالتأم ما اراد وفعل السفينة برشاد : وفى المثنوى
قابل تعليم وفهمست اين خرد ... ليك صاحب وحى تعليمش دهد
جملة حرفتها يقين از وحى بود ... اول او ليك عقل آنرا فزود
هيج حرفت را ببين كين عقل ما ... ماند او آموختن بى اوستا
كرجه اندر فكرموى اشكاف بد ... هيج بيشه رام بى اوستا نشد(5/411)
وكان طول السفينة ثلاثمائة ذراع والذراع الى المنكب وعرضها خمسين ذراعا وسمكها اى رتفاعها فى الهواء ثلاثين ذراعا وبابها فى عرضها او كان طولها الفا ومائتى ذراع وعرضها ستمائة ذراع كما قيل ان الحواريين قالوا لعيسى عليه السلام لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة يحدثنا عنها فانطلق بهم حتى انتهى الى كثيب من تراب فاخذ كفا من ذلك التراب فقال أتدرون من هذا قالوا الله ورسوله اعلم قال هذا كعب بن حام فضرب بعصاه وقال قم باذن الله فاذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه وقد شاب فقال له عيسى أهكذا هلكت قال لا مت وانا شاب ولكنى ظننت انها الساعة ثمن ثم شبت فقال حدثنا عن سفينة نوح قال كان طولها الفا ومائتى ذراع وعرضها ستمائة ذراع وكانت ثلاث طبقات طبقة للدواب والوحش وطبقة للاتس وطبقة للطير ثم قال عد باذن الله تعالى كما كنت فعاد ترابا
قال فى الكواشى وطلاها بالقار فلما اتمها انطقها الله فقالت لا اله الا الله فى الاولين والآخرين انا السفينة التى من ركبنى نجا ومن تخلف عنى هلك ولا يدخلنى الا اهل الايمان والاخلاص فقال قومه يا نوح هذا قليل من سحرك { ولا تخاطبنى فى الذين ظلموا } اى لا تراجعنى فيهم ولا تدعنى فى استدفاع العذاب عنهم . وفى وضع المظهر موضع المضمر تسجيل عليهم بالظلم ودلالة على انه انما نهى عن الدعاء لهم بالنجاة لتصميمهم على الظلم وان العذاب انما لحقهم لذلك { انهم مغرقون } محكوم عليهم بالاغراق قد مضى به القضاء وجف القلم فلا سبيل الى كفه ولزمتهم الحجة فلا يبق الا ان يجعلوا عبرة للمعتبرين ومثلا للآخرين
ويقال للذين ظلموا يعنى ابنه كنعان كما فى تفسير ابى الليث وزاد فى التبيان امرأنه والعة او واعلة بالعين المهملة وهى ام كنعان
يقول الفقير لعله هو الاصوب لانه روى ان الارض صاحت وقال يا رب ما احلمك على هؤلاء الكفرة يمشون على ظهرى ويأكلون رزقك ويعبدون غيرك ثم نطقت السباع كذلك فلما اشتد الامر وعلم نوح انه لا يؤمن من قومه احد بعد دعا عليهم بالهلاك فكيف يخاطب الله فيهم وفى نجاتهم . واما كنعان وامه فهما وان كانا كافرين لكن لا يسوى بينهما وبينهم من حيث ان الشفقة على الاهل والاولاد اشد وكان من شأنه المخاطبة فى حقهم ولذلك نهى عنها وسيجيء زيادة البيان فى ذلك
قال فى التأويلات النجمية { ولا تخاطبنى فى الذين ظلموا } اى النفوس فان الظلم من شيمتها انه كان ظلوما جهولا لانها تضع الاشياء فى غير موضعها تضع عبادة الحق فى هواها والدنيا وشهواتها وفى هذا الخطاب حسم مادة الطمع عن ايمان النفوس وفيه حكم يطول شرحها منها ترقى اهل الكمالات لى الابد فافهم جدا وان النفس مكمن مكر الحق حتى لا تأمن منها ومن صفاتها انهم مغرقون فى طوفان الفتن الا من سلمه الله منه والسلامة فى ركوب سفينة الشريعة فان نوح الروح ان لم يركبها كان من المغرقين انتهى .(5/412)
وفى الحديث « مثلة ومثل امتى كمثل سفينة نوح من تمسك بها نجا ومن تخلف عنها غرق » وفى المثنوى
بهر اين فرمود بيغمبر كه من ... همجو كشتى ام بطوفان زمن
ماواصحابيم جون كشتئ نوح ... هركه دست اندر زند يابد فتوح
جونكه باشيخى تودور از زشتئ ... روز وشب سيارى ودر كشتئ
مكسل از بيغمبر ايام خويش ... تكيه كم كن برفن وبركام خويش
كرجه شيرى جون روى ره بى دليل ... خويش روبه در ضلاى وذليل(5/413)
وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38)
{ ويصنع الفلك } ينجرها وهى حكاية حال ماضية لاستحضار صورتها العجيبة { وكلما } اى يصنعها والحال انه كلما { مر عليه ملأ } اشراف ورؤساء { من قومه سخروا منه } استهزؤا به لعمله السفينة اما لانهم ما كانوا يعرفونها ولا كيفية استعمالها والانتفاع بها فقالوا يا نوح ما تصنع قال اصنع بيتا يمشى على الماء لتعجبوا من قوله وسخروا منه واما لانه كان يصنعها فى برية بهماء فى ابعد موضع من الماء فى وقت عزته عزة شديدة وكانوا يتضاحكون ويقولون يا نوح صرت نجارا بعدما كنت نبيا ويقولون أتجعل للماء اكافا فاين الماء او لانه كان ينذرهم الغرق فلما طال مكثه فيهم ولم يشاهدوا منه عينا ولا اثرا عدوه من باب المحال ثم لما رأوا اشتغاله باسباب الخلاص من ذلك فعلوا ما فعلوا ومدار الجميع انكار ان يكون لعمله عاقبة حميدة مع ما فيه من تحمل المشاق العظيمة
من اكرنيكم وبدتو برو وخودرا باش ... هر كسى ىن درود عاقبت كاركه كشت
قوله كلما ظرف وما مصدرية ظرفية تقديره وفى كل وقت مرور سخروا منه والعامل سخروا منه { قال } استئناف كأن سائلا سال فقال فما صنع نوح عند بلوغ اذاهم الغاية فقيل قال { ان تسخروا منا } [ اكر سخريه وافسوس ميكنيد باما ] { فانا نسخر منكم كما تسخرون } سخرية مثل سخريتكم اذا وقع عليكم الغرق فى الدنيا والحرق فى الآخرة
قال المولى ابو السعود رحمه الله اى نعاملكم معاملة من يفعل ذلك لان نفس السخرية مما لا يكاد يليق بمنصب النبوة انتهى
يقول الفقير المقصود من هذه السخرية اصابة جزاء السخرية وكل احد انما يجازى من جنس عمله لا من خلاف جنسه الا ترى الى قوله تعالى فى حق الصائمين { كلوا واشربوا هنيئا بما اسلفتم فى الايام الخالية } فانه يقال لهم يوم القيامة كلوا يا من جوعوا بطونهم واشربوا يا من عطشوا اكبادهم ولا يقال كلوا يا من قطعوا الليل واشربوا يا من ثبتوا يوم الزحف اذ ليس فيه المناسبة بين العمل وجزائه فالآية نظير قوله تعالى { ان الذين اجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون } الا ترى الى ما قال فى الجزاء { فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون } ثم تمم بقوله { هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون } وفى الآية اشارة الى ان اهل النفس وتابعى هواها يستهزئون بمن يستعمل اركان الشريعة الظاهرة ويضحكون منهم فى اتعابهم بها نفوسهم اذهم بمعزل عن اسرارها وانوارها فان سخروا منهم بجهلهم لفائدة هذه السفينة فسوف يسخر بهم من ركبها اذ نجوا وهلكوا
قال شيخنا العلامة ابقاه الله بالسلامة فكما ان العالم الغير العامل والجاهل الغير العامل سواء فى كونهما مطروحين عن باب الله تعالى فكذلك العارف الغير العامل والغافل الغير العامل سواء فى كونهما مردودين عن باب الله تعالى لان مجرد العلم والمعرفة ليس سبب القبول والفلاح ما لم يقارن العمل بالكتاب والسنة بل كون مجردهما سبب الفلاح مذهب الحكماء الغير الاسلامية فلا بد معهما من العمل حتى يكونا سببا للنجاة كما هو مذهب اهل السنة والحكماء الاسلامية انتهى كلامه المقبول المفيد
كارى كنيم ورنه حجالت برآود ... روزى كه رخت جان بجهان دكركثيم
قال السعدى قدس سره
كنون كوش كآب از كمر دركذشت ... در وقت سيلابت از سر كذشت(5/414)
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39)
{ فسوف تعلمون من } عبارة عنهم وعى اما استفهامية فى حيز الرفع او موصولة فى محل النصب يتعلمون وما فى حيزها ساد مسد المفعولين
قال سعدى المفتى من موصولة ويعدى تعلمون الى واحد استعمالا لها استعمال عرف فى التعدية الى واحد { يأتيه عذاب } وهو عذاب الغرق { يخزيه } يهنيه ويذله وصف العذاب بالاخزاء لما فى الاستهزاء والسخرية من لحوق الخزى والعار عادة { ويحل عليه } حلول الدسن الذى لا انفكاك عنه ففى الكلام استعارة مكنية حيث شبه العذاب الاخروى الذي قضى الله تعالى به حقهم بالدين المؤجل الواجب الحلول واثبت له الحلول الذى هو من لوازمه { عذاب مقيم } دائم هو عذاب النار(5/415)
حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40)
{ حتى اذا جاء امرنا } للتنور بالفوران او للحساب بالارسال وحتى هى التى يبتدأ بها الكلام دخلت على الجملة الشرطية وهى مع ذلك غاية لقوله ويصنع فان كونها حرف ابتداء لا ينافى كونها ما بعدها غاية لما قبلها . والمعنى وكان يصنعها لى ان جاء وقت الطوفان { وفار التنور } [ وبجوشيد آب از تنور ] والتنور اسم اعجمى عربته العرب لان اصل بنائه تنر وليس فى كلام العرب ون قبل راء ذكره القرطبى اى نبع منه الماء وارتفع بشدة كما يفور القدر بغليانها . والتنور تنور الخبز لاهله وهو قول المهور -روى- انه قيل لنوح اذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب ومن معك فى السفينة فلما نبع الماء اخبرته امرأته فركب وقيل كان تنور آدم وكان من حجارة فصا الى نوح وانما نبع منه وهو ابعد شيئ من الماء على خرق العادة واختلفوا فى مكان التنور ايضا فقيل كان فى الكوفة فى موضع مسجدها عن يمين الداخل مما يلى باب الكنيسة وكان عمل السفينة فى ذلك الموضع وفى القاموس الغارقون مسجد الكوفة لان الغرق كان فيه وفى زاوية له فار التنور وقيل فى الهند وقيل فى موضع بالشام يقال له عين وردة وقيل التنور وجه الارض او اشرف موضع فى الارض اى اعلاه وعن على رضى الله عنه فار التنور طلع الفجر { قلنا } جواب اذا وان جعلت حتى جارة متعلقة بيصنع فاذا ليست بشرطية بل مجرورة بحتى وقلنا استئناف { احمل فيها } الضمير راجع الى الفلك والتأنيث باعتبار السفينة { من كل } اى من كل نوع من الحيوانات لا بد منه فى الارض { زوجين اثنين } فعول احمل واثنين صفة مؤكدة له وزيادة بيان كقوله تعالى { لا تتخذوا آلهين اثنين } والزوجان عبارة عن كل اثنين لا يستغنى احدهما عن الآخر ويقال لكل واحد منهما زوج يقال زوج خف وزوج نعل
قال فى الارشاد الزوج ماله مشاكل من نوعه فالذ كرزوج للانثى كما هى زوج له وقد يطلق على مجموعهما فيقابل الفرد ولازالة ذلك الاحتمال قيل اثنين كل منهما زوج الآخر وقدم ذلك على اهله وسائر المؤمنين لانه انما يحمل بماشرة البشر وهم انما يدخلونها بعد حملهم اياه -روى- ان نوحا قال يا رب كيف احمل من كل زوجين اثنين فحشر اليه السباع والطير فجعل يضرب يديه فى كل جنس فيقع الذكر فى يده اليمنى والانثى فى اليسرى فيجعلهما فى السفينة
قال الحسن لم يحمل فى السفينة الا ما يلد ويبيض واما ما يتولد من التراب كالحشرات والبق والبعوض فلم يحمل منه شيأ
قال الشيخ السمرقندى فى بحر الكلام واول ما حمل نوح الذرة وآخر ما حمله الحمار فلما دخل صدره تعلق ابليس بذنبه فلم يستقل رجلاه نوح يقول ويحك ادخل فينهض فلا يستطيع حتى قال نوح ادخل والشيطان معك فلما قالها نوح خلى الشيطان سبيله فدخل ودخل الشيطان معه فقال نوح ما ادخلك علىّ يا عدو الله ألم تقل ادخل والشيطان معك قال اخرج عنى يا عدو الله قال مالك بدّ من ان تحملنى معك وكان فيما يزعمون فى ظهر الفلك انتهى
وقال فى التبيان ابليس اراد ان يدخل السفينة فلم يكن ان يدخل من غير اذن فتعلق بذنب حمار وقت دخوله فى السفينة فلم يدخل الحمار فى السفينة فالح عليه نوح عليه السلام فقال نوح للحمار ادخل يا ملعون فدخل الحمار السفينة ودخل معه ابليس فلما كان بعد ذلك رأى نوح ابليس فى السفينة فقال له دخلت السفينة بغير امرى فقال له ابليس ما دخلت الا بأمرك فقال له فانا ما امرتك فقال امرتنى حين قلت للحمار ادخل يا ملعون ولم يكن ثمة ملعون الا انا فدخلت فتركه وفى الحديث(5/416)
« اذا سمعتم نهاق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فانها رأت شيطانا واذا سمعتم صياح الديك فاسألوا الله من فضله فانها رأت ملكا » قالوا صوت كل حيوان تسبيح منه الا الحمار فان صوته من رؤية الشيطان وذلك يدل على ان كمال دناءته فى نفسه ولذا تعلق الشيطان بذنبه وجاء صديقا له واما الديك فهو عدو له لانه يصيح فى اوقات الصلاة عند استماع صوت ديك العرش ولا بعد فى تفاوت الحيوانات العجم كالانسان وقد صح ان البغال كانت اسرع الدواب فى نقل الحطب لنار ابراهيم عليه السلام ولذلك دعا عليها فقطع الله نسلها وان الوزغ كان ينفخ فى ناره ولذا ورد « من قتل وزغة فى اول ضربة كتبت له مائة حسنة »
قال فى حياة الحيوان اذا ذبح الديك الابيض الافرق احد لم يزل ينكب فى اهله وماله
وعن سالم بن عبد الله عن ابيه قال لما ركب نوح عليه السلام فى السفينة رأى فيها شيخا لم يعرفه فقال له نوح ما ادخلك قال لما ركب نوح عليه السلام فى السفينة رأى فيها شيخا لم يعرفه فقال له نوح ما ادخلك قال دخلت لاصيب قلوب اصحابك فيكون قلوبهم معى وابدانهم معك قال نوح اخرج يا عدو الله فقال ابليس خمس أهلك بهن الناس وسأحدثك منهن بثلاث ولا أحدثك باثنتين فاوحى الى نوح انه لا حاجة بك الى الثلاث مره يحدثك بالثنتين قال الحسد وبالحسد لعنت وجعلت شيطانا رجيما والحرص ابيح لآدم الجنة فاصبت حاجتى منه بالحرص : وفى المثنوى
حرص توددكار بدجون آنشست ... اخكر ازرنك خوش آنش خوشست
ىن سياهئ فحم در آتش نهان ... جون شد آتش آن سياهى شد عيان
اخكراز حرص توشد فحم سياه ... حرص جون شد ماند آن فحم تباه
آن زمان آن فحم احكر مينمود ... آن نه حسن كارنار حرص بود
حرص كارت را بيارا ئيده بود ... حرص رفت وماند كار توكبود(5/417)
وقيل ان الحية والعقرب اتيا نوحا فقالتا احملنا فقال انتما سبب الضرر والبلاء فلا احملكما قالتا احملنا فنحن نضمن لك ان لا نضر احدا فمن قرأ حين خاف مضرتهما { سلام على نوح فى العالمين } ما ضرتاه
وعن وهب بن منبه امر نوح بان يحمل من كل زوجين اثنين قال يا رب كيف اصنع بالاسد والبقرة وبالعناق والذئب وبالحمام والهرة قال يا نوح من القى بينهم العداوة قال انت يا رب قال فانى اؤلف بينهم حتى يتراضوا
وعن ابن عباس رضى الله عنهما اكثر الفار فى السفينة حتى خافوا على حبال السفينة فأوحى الله تعالى الى نوح ان امسح جبهة الاسد فمسحها فعطس فخرج منها سنوران فأكلا الفار وكثرت العذرة فى السفينة فشكوا الى نوح فأوحى الله تعالى ان امسح ذنب الفيل فمسحه فخرج منه خنزيران فاكلا العذرة وفى خبر آخر خنزير واحد ودل خبر وهب على ان الهرة كانت من قبل وهذا الخبر على انها لم تكن من قبل الا ان يقال ان قصة التأليف وعت بعد خروج الهرة من انف الاسد والله اعلم { واهلك } عطف على زوجين والمراد امرأته المؤمنة فانه كان له امرأتان احدهما مؤمنة والاخرى كافرة اهى ام كنعان وبنوه ونساؤهم { الا من سبق عليه القول } بانه من المغرقين بسبب ظلمهم والمراد به ابنه كنعان وامه واعلة فانهما كانا كافرين والاستثناء منقطع ان اريد بالاهل الاهل ايمانا وهو الظاهر لقوله تعالى { انه ليس من اهلك } او متصل ان اريد به الاهل قرابة ويكفى فى صحة الاستثناء المعلومية عند المراجعة الى احوالهم والتفحص عن اعمالهم وجيء بعلى لكون السابق ضارا لهم كما جيء باللام فيما هو نافع لهم فى قوله تعالى { ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين } وقوله { ان الذين سبقت لهم منا الحسنى } { ومن آمن } عطف على واهلك اى واحمل اهلك والمؤمنين من غيرهم وافراد الاهل منهم للاستثناء المذكور { وما آمن معه الا قليل } [ وايمان نياورده بودند وموافقت نكرده بانوح مكراندكى ازمردمان ] -روى- عن النبى عليه السلام انه قال ثمانية نوح واهله وبنوه الثلاثة ونساؤهم
قال العتبى قرات فى التوراة ان الله تعالى اوحى اليه ان اصنع الفلك وادخل انت وامرأتك وبنوك ونساء بنيك ومن كل شيء من الحيوان زوجان اثنان فانى منزل المطر اربعين يوما وليلة فأتلف كل شيء خلقته على وجه الارض
وعن مقاتل كانوا اثنين وسبعين رجلا وامرأة واولاد نوح ونساؤهم فالجميع ثمانية وسبعون نصفهم رجال ونصفهم نساء
وعن ابن عباس رضى الله عنهما كان فى سفينة نوح ثمانون رجلا وامرأة احدهم جرهم يقال ان فى ناحية الموصل قرية يقال لها قرية الثمانين سميت بذلك لانهم لما خرجوا من السفينة بنوها فسميت بهم
والاشارة { حتى اذا جاء امرنا } وهو حد البلاغة التى يكون العبد مأمورا بالركوب على سفينة الشريعة { وفار التنور } اى يفور ماء الشهوة من تنور القالب { قلنا احمل فيها } فى سفينة الشريعة { من كل } صفة من صفات النفس { زوجين اثنين } اى كل صفة وزوجها كالشهوة وزوجها العفة .(5/418)
والحرص وزوجه القناعة . والبخل وزوجه السخاوة والغضب وزوجه الحلم . والحقد وزوجه السلامة . والعداوة وزوجها المحبة . والتكبر وزوجه التواضع والتأنى وزوجه العجلة { واهلك } اى واحمل معك اهلك صفات الروح { الا من سبق عليه القول } من النفس { ومن آمن } اى آمن معك من القلب والسر { وما آمن معه } غالبا { الا قليل } من صفات القلب فيه اشاره الى ان كل ما كان من هذه الصفات وازواجها فى معزل عن سفينة الشريعة فهو غريق فى طوفان الفتن وهذا رد علىلفلاسفة والاباحية فانهم يعتقدون ان من اصلح اخلاقها الذميمة وعالجها بضدها من الاخلاق الحميدة فلا يحتاج الى الركوب فى سفينة الشرع ولا يعلمون ان الاصلاح والعلاج اذا صدرا من طبيعة لا يفيد ان النجاة لان الطبيعة لا تعلم كيفية الاصلاح والعلاج ولا مقدار تزكية النفس وتحليتها وان كانت الطبيعة واقفة على صلاح النفس وفسادها لعالجتها فى ابتداء امرها وما كانت النفس محتاجة الى طبيب عالم بالامراض ومعالجتها وهم الانبياء عليهم السلام حيث قال « هو الذى بعث فى الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته » ليعلموا المرض من الصحة والداء من الدواء { ويزكيهم ويعلمهم الكتاب } والحكمة فبالتزكية عن الصفات الطبيعية يستحقون تحلية اخلاق الشريعة الربانية كذا فى التأويلات النجمية(5/419)
وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)
{ وقال } اى نوح لمن معه من المؤمنين بعد ادخال ما امره بحمله فى الفلك من الازواج
قال الكاشفى [ نوح ايشانرا بنزديك كشتى آورد وسربوشى كه ترتيب داده بود بالاى كشتى بوشيد واز زمين آب عذاب جوشيدن كرفت واز آسمان آب بلا فرود آمدن آغار كرد ] -وروى- انه حمل معه تابوت آدم وجعله معترضا بين الرجال والنساء { اركبوا فيها } اى فى السفينة وهو متعلق باركبوا وعدى بى لتضمنه معنى ادخلوا وصيروا فيها راكبين
قال فى الارشاد الركوب العلو على الشيء المتحرك ويتعدى بنفسه واستعماله هنا بكلمة فى ليس لان المأمور به كونهم فى جوفها لا فوقها كما ظن فان اظهر الروايات انه عليه السلام جعل الوحوش والسباع والهوام فى البطن الاسفل من الطبقات الثلاث للسفينة والانعام والدواب فى الاوسط وركب هو ومن معه ما يحتاجون اليه من الزاد فى الاعلى بل رعاية لجانب المحلية والمكانية فى الفلك والسر فيه ان معنى الركوب العلو على شيء له حركة اما ارادية كالحيوان او قسرية كالسفينة والعجلة ونحوهما فاذا استعمل فى الاول يوفر له حظ الاصل فيقال ركبت الفرس وان استعمل فى الثانى يلوح لمحلية المفعول بكلمة فى فيقال ركبت فى السفينة قيل انهم ركبوا السفينة يوم العاشر من رجب وكان يوم الجمعة فاتت السفينة البيت فطافت اسبوعا فسارت بهم مائة وخمسين يوما واستقرت بهم على الجودى شهرا وكان خروجهم من السفينة يوم عاشوراء من محرم { بسم الله } متعلق باركبوا حال من فاعله اى ركبوا مسمين باسم الله وهو تأويل مسمين الله وقائلين بسم الله وعلى التقديرين فهو حال مقدرة لان وقت الجرى والارساء بعد الركوب { مجريها } بفتح الميم من جرى وبكسر الراء على الامالة نصب على الظرفية اى وقت جريها { ومرسيها } اى وقت ارسائها وحبسها وثبوتها
وقال فى الكواشى بسم الله مجراها خبر ومبتدأ ومرساها عطف عليه اى بسم الله اجراؤها وارساؤها فكان عليه السلام اذا اراد ان تجرى قال بسم الله فجرت وان اراد ان ترسو قال بسم الله فرست ومجراها ضما وفتحا مصدر اجريته وجريت به لغتان بمعنى كاذبته وذهبت به ومرساها بضم الميم من ارست السفينة ترسى وقفت انتهى
{ ان ربى لغفور } للذنوب والخطايا { رحيم } لعباده ولهذا نجاكم من هذه الداهية ولولا ذلك لما فعله
وفيه دلالة على ان نجاتهم ليست بسبب استقاقهم لها بل يمحض فضل الله وغفرانه ورحمت على ما عليه رأى اهل السنة -حكى- ان عجوزا مرت على نوح وهو يصنع السفينة وكانت مؤمنة به فسألته عما يصنعه فقال ان الله تعالى سيهلك بالكفار بالطوفان ويجيء المؤمنين بهذه السفينة فاوصت ان يخبرها نوح اذا جاء وقتها لتركب فى السفينة من المؤمنين فلما جاء ذلك الوقت اشتغل نوح بحمل الخلق فيها ونسى وصية العجوز وكانت بعيدة منه ثم لما وقع ما وقع من اهلاك الكفار ونجاة المؤمنين وخرجوا من السفينة جاءت اليه تلك العجوز فقالت يا نوح انك قلت لى سيقع الطوفان ألم يأن ان يقع قال قد وقع وكان امر الله مفعولا وتعجب من امر العجوز فان الله تعالى قد انجاها فى بيتها من غير ركوب السفينة ولم تر الطوفان قط وهكذا حماية الله تعالى لعباده المؤمنين(5/420)
وقد صح عن بعض اهل الكشف ان موضع الجامع الكبير فى بلدة بروسه كان بيتا للعجوز المذكورة كما فى الواقعات المحمودية : وفى المثنوى
كاملان از دور نامت بشنوند ... تابقعر باد وبودت درروند
بلكه بيش از زادن توسالها ... ديده باشندت ترا باحالها
هركسى اندازه روشن دلى ... غيب را بيند بقدر صيقلى
والاشارة الى ان السفينة الشريعة معمولة للنجاة لراكبيها من طوفان فتن النفس والدنيا والامر بالركوب فى قوله تعالى { اركبوا فيها } يشير الى كشف سر من اسرار الشريعة وهو ان من ركب سفينة الشرع بالطبع وتقليد الآباء والاستاذين لم ينفعه للنجاة الحقيقية كما ركب المنافقون بالطبع لا بالامر فلم ينفعهم وكما ركب ابليس فى سفينة نوح فلم ينفعه وانما النجاة لمن ركب فيها بالامر وحفظا لادب المقام قال { بسم الله مجريها ومرسيها } اى يكون مجريها من الله ومرساها الى الله كقوله { ان الى ربك المنتهى } { ان ربى لغفور } بالنجاة لمن ركبها { رحيم } لمن ركبها بالامر لا بالطبع كذا فى التأويلات النجمية(5/421)
وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42)
{ وهى } اى الفلك { تجرى } حكاية حال ماضية { بهم } حال من فاعل تجرى اى وهم فيها ملتبسة بهم ولك ان تجعل الباء للتعدية يقال اجريته وجريت به كأذهبته وذهبت به فالمعنى بالفارسية [ همى برد ايشانرا ] والجملة عطف على محذوف دل عليه الامر بالركوب اى فركبوا فيها مسمين وهى تجرى بهم { فى } خلال { موج } يعنى موج الطوفان والطوفان من كل شيء ما كان كثيرا مطيفا بالجماعة كالمطر الغالب فى هذا المقام . والموج جمع موجة وهو ما ارتفع من الماء اذا اشتد عليه الريح { كالجبال } شبه كل موجة من ذلك بالجبل فى عظمتها وارتفاعها على الماء وتراكمها وظاهره يدل على ان السفينة تجرى داخل الموج ولكن المراد ان الامواج لما احاطت السفينة من الجوانب شبهت بالتى تجرى فى داخل الامواج
فان قلت ان الماء ملأ ما بين السماء والارض واذا كذلك لم يتصور الموج فيه فما معنى جريها فيه
قلت هذا الجريان كان من قبل ان يغمر الطوفان الجبال ثم كانت السفينة تجرى فى جوف الماء كما تسبح السمكة كما قالوا ولا يلزم الغرق لان الله قادر على امساك الماء على الدخول فى السفينة الا ترى الى الحوت الذى اتخذ سبيله فى البحر سربا [ يعنى هرجاكه ما هى ميرفت اب بالاى ومرتفع ايستاد ] ومثله من الخوارق فلق البحر لموسى عليه السلام وقومه وجعله تعالى فى الماء كوى متعددة { ونادى } [ وآوازداد ] { نوح ابنه } قيل اسم ابنه كنعان وقيل يام واختلفوا ايضا فى انه كان ربيبه او ابنه لظهره فذهب اكثر علماء الرسوم الى الاول لان ولد الرسول المعصوم يستبعد ان يكون كافرا ولقراءة على رضى الله عنه ابنها على ان يكون الضمير لامرأته واعلة بالعين المهملة او والعة كما فى التبيان ولقوله { ان ابنى من اهلى } دون ان يقول منى . وذهب بعضهم وجمهور علماء الحقيقة قجس الله اسراهم الى الثانى لقوله تعالى { ابنه } وقول نوح { يا بنى }
يقول الفقير اما قولهم ولد الرسول يستبعد ان يكون كافرا فمنقوض بابن آدم وهو قابيل والله تعالى يخرج من الميت ويخرج الميت من الحى وعلى هذا تدور حكمته فى مظاهر جلاله وجماله واذا ثبت ان وادلى الرسول ووالد ابراهيم عليهما الصلاة والسلام كانوا كافرين فكيف يبعد ان يكون ولد نوح كافرا . واما قراءة على رضى الله عنه قال فانما اسند فيها الابن الى الام لكونها كافرة مثله عادلة عن طريقة نوح فحق ان ينسب الكافر الى الكافر لا الى المؤمن لا لانه اى عليا اعتبر قوله { انه ليس من اهلك } فانه وهم . واما قوله { ان ابنى من اهلى } فلمواقفة قوله تعالى { واهلك } كما لا يخفى(5/422)
فان قيل انه عليه السلام لما قال { رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا } كيف ناداه مع كفره
اجيب بان شفقة الابوة لعلها حملته على ذلك النداء والذى تقدم من قوله { الا من سبق عليه القول } كان كالمجمل فلعله جوز ان لا يكون هو داخلا فيه كذا فى حواشى ابن الشيخ { وكان } ابنه { فى معزل } مكان منقطع عن نوح وعن دينه لكونه كافرا كما فى الكواشى
وقال فى الارشاد اى فى مكان عزل فيه نفسه عن ابيه واخوته وقومه بحيث لم يتناوله الخطاب باركبوا واحتاج الى النداء المذكور وهو فى محل النصب على انه حال من ابنه والحال يأتى من المنادى لانه مفعول به . والمعزل بكسر الزاى اسم لمكان العزل وهو التنحية والابعاد يقال عزله عنه اذا ابعده [ بس ازفرط شفقت كفت ] يا بنى اركب معنا } بادغام الباء فى الميم لتقاربهما فى المخرج [ اى بسرك من سوار شودر كشتى باما تا ايمن شوى ] ولم يقل اركب فى الفلك لتعينها مع اغناء المعية عن ذكرها { ولا تكن مع الكافرين } فتهلك مثلهم اى لا تكن معهم فى المكان وهو وجه الارض خارج الفلك لا فى الدين وان كان ذلك مما يوجبه كما يوجب ركوبه معه كونه معه فى الايمان لانه عليه السلام بصدد التحذير عن المهلكة فلا يلائمه النهى عن الكفر كذا فى الارشاد
يقول الفقير الذى يلوح ان المعنى وكان فى معزل اى بمكان عزل فيه نفسه عن ابيه بناء على ظن ان الجبل يعصمه من الغرق يا بنى اركب معنا بان تؤمن بالله ونعوت جماله وجلاله ولا تكن مع الكافرين اى منهم لانه اذا كان معهم مصاحبا لهم فقد كان منهم وبعضهم كقوله تعالى { وكونوا مع الصادفين } فان قلت قوله تعالى { واوحى الى نوح انه لن يؤمن من قومك الا من قد آمن } يقطع رجاء الايمان فكيف نادى نوح ابنه فى ايمانه
قلت ذلك ليس بنص فى حق ابنه مثل قوله { الا من سبق عليه القول } مع ان من شان الكمل انه لا يستحيل عندهم مطلوب الى ان يخبرهمالحق بخبار مخصوص فحينئذ يصدقون ربهم ويحكمون باستحالة حصول ذلك المطلوب كحال موسى عليه السلام فى طلب الرؤية لما اخبر بتعذر ذلك تاب وآمن(5/423)
قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)
{ قال } ابنه { سآوى } اصير والتجئ { الى جبل } من الجبال { يعصمنى } يمنعنى بارتفاعه { من الماء } فلا اغرق ولا اومن ولا اركب السفينة زعما منه ان ذلك كسائر المياه والسيول المعتادة التى ربما يتقى منها بالصعود الى الربى وجهلا بان ذلك انما كان لاهلاك الكفرة ان لا محيص من ذلك سوى الالتجاء الى ملجأ المؤمنين { قال } نوح { لا عاصم } ذاتا وصفة { اليوم } زاد اليوم تنبيها على انه ليس كسائر الايام التى تقع فيها الوقائع التى ربما يخلص من ذلك بالالتجاء الى بعض الاسباب { من امر الله } اى عذابه الذى هو الطوفان
وفيه تنبيه لابنه على خطاه فى تسميته ماء وتوهمه انه كسائر المياه التى يتفصى منها بالهرب الى بعض الامكنة المرتفعة وتمهيد لحصر العصمة فى جنابه عز جاره بالاستثناء كأنه قيل لا عاصم من امر الله الا هو وانما قيل { الا من رحم } اى الا الراحم وهو الله تعالى تفخيما لشأنه الجليل بالابهام ثم التفسير وبالاجمال ثم التفصيل واشعارا بعلية رحمته فى ذلك بموجب سبقها على غضبه فهو استثناء متصل وعاصم على معناه
وقيل بمعنى المعصوم كقوله تعالى { من ماء دافق } او مدفوق وعيشة راضية بمعنى مرضية اى لا معصوم من عذاب الله الا من رحم الله
وقيل لا عاصم بمعنى لاذا عصمة على حذف المضاف على ان يكون بناء النسبة وذو عصمة يطلق على عاصم وعلى معصوم والمراد هنا المعصوم فهو مصدر من عصم المبنى للمفعول ويكون من رحم بمعنى المرحومين والاستثناء متصلا كالاولين لان المرحوم من جنس المعصوم { وحال } [ وحائل شد ] { بينهما الموج } اى بين نوح وبين ابنه فانقطع ما بينهما من المجاوبة { فكان من المغرقين } من المهلكين بالماء
وفيه دلالة على هلاك سائر الكفرة على ابلغ وجه فكان ذلك امرا مقرر الوقوع غير مفتقر الى البيان وفي ايراد كان دون صار مبالغة فى كونه منهم : وفى المثنوى
همجو كنعان كآشنا ميكرد او ... كه نخواهم كشتئ نوح عدو
هين بيا در كشتى بابا نشين ... تانكردى غرق طوفان اى مهين
كفت نى من آشنا آموختم ... من بجز شمع تو شمع افروختم
هيم مكن كين موج طوفان بلاست ... دست وباى آشنا امروز لاست
باد قهرست وبلاى شمع كش ... جزكه شمع حق نمى بايد خمش
كفت مى رفتم بران كوه بلند ... عاصمست آن مرا ازهر كزند
هين مكن كه كوه كاهست اين زمان ... جز حبيب خويش راندهدامان
كفت من كى بند تو بشنوده ام ... كه طمع كردى كه من زين دوده ام
خوش نيامد كفت توهر كزمرا ... من برى ام ازتو درهر دوسرا
اين دم سردتو در كوشم نرفت ... خاصه اكنون كه شدم دانا وزفت
كفت باباجه زيان دارد اكر ... بشنوى يكبار توبند بدر
همجنين مى كفت اوبند لطيف ... همجنان ميكفت او دفع عنيف
تى بدر از نصح كنعان سير شد ... نى دمى دركوش ان ادبير شد
اندرين كفتن بدند وموج تيز ... بر سر كنعان زد وشد ريزريز(5/424)
وقيل انه بنى قبة فى اعلى الجبل وسدها عليه حتى لا يدخل فيها ماء فجاءه البول فبال داخل القبة فما برح البول يتزايد حت غرق فيه والكفار غرقوا بالماء -روى- عن ابن عباس انه قال امطرت السماء اربعين يوما وليلة وخرج ماء الارض كذلك وذلك قوله تعالى { ففتحنا ابواب السماء بماء منهمر وفجرنا الارض عيونا فالتقى الماء على امر قد قدر } فارتفع الماء على اطول جبل فى الارض بخمسة عشر ذراعا او بثلاثين او باربعين وطافت بهم السفينة الارض كلها فى خمسة اشهر لا تستقر على شيء حتى انت الحرم فلم تدخله ودارت حول الحرم اسبوعا وقد اعتق الله البيت من الغرق كما فى بحر العلوم
وقال فى تفسير ابى الليث ورفع البيت الذى بناه آدم عليه السلام الى السماء السادسة وهو البيت المعمور واستودع الحجر الاسود ابا قبيس الى زمن ابراهيم عليه السلام وسمى ابا قبيس باسم رجل من جرهم اسمه قبيس هلك فيه كما فى انسان العيون
قال الحكيم خرج قوس قزح بعد الطوفان امانا لاهل الارض من ان يغرقوا جميعا وسمى به لانه اول ما رؤى فى الجاهلية على قزح جبل بالمزدلفة او لان قزح هو الشيطان ومن ثمة قال على رضى الله عنه لا تقل قوس قزح هو الشيطان ولكنها قوس الله هى علامة كانت بين نوح وبين ربه تعالى وهى امان لاهل الارض من الغرق كما فى الصواعق لابن حجر
قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره تأثير طوفان نوح يظهر فى كل ثلاثين سنة مرة واحدة لكن على الخفة فيقع مطر كثير ويغرق بعض القرى والبيوت من السيل وفى الحديث « سالت ربى ثلاثا » اى ثلاث مسائل « فاعطانى اثنتين ومنعنى واحدة سألت ربى ان لا يهلك امتى بالسنة » اى القحط اراد به قحطا يعم امته « فاعطانيها وسالته ان لا يجعل بأسهم بينهم » اراد بها الحرب والفتن « فمنعنيها »
وفى التأويلات النجمية { وهى تجرى } يعنى سفينة الشريعة { بهم } بمن ركبها بالامر { فى موج } اى موج الفتن { كالجبال } من عظمتها { ونادى نوح } الروح { ابنه } كنعان النفس المتولدة بينه وبين القلب { وكان فى معزل } من معرفة الله وطلبه { يا بنى اركب معنا } سفينة الشريعة { ولا تكن مع الكافرين } من الشياطين المتمردة والا بالسنة الملعونة المطرودة { قال } يعنى كنعان النفس { سآوى الى جبل } اى جبل العقل { يعصمنى من الماء } من ماء الفتن { قال لا عاصم اليوم من امر الله } يعنى اذا نبع ماء الشهوات من ارض البشرية ونزول ماء ملاذ الدنيا وفتنها من سماء القضاء لا يتخلص منه بسفينة الشريعة فلا عاصم منه غيرها وذلك قوله { الا من رحم } اى يرحمه الله بالتوفيق للاعتصام بسفينة الشريعة { وحال بينهما الموج } اى بين كنعان النفس المعتصم بجبل العقل وبين العقل موج لشهوات النفسانية الحيوانية وفتن زخارف الدنيا { فكان من المغرقين } يعنى كل نفس لا تعتصم بسفينة الشريعة وتريد ان تعتصم بجبل العقل لتتخلص به من طوفان الفتن المهلكة كما هو حال الفلاسفة لا يتهيأ له متمناه وهو من الهالكين : وفى المثنوى(5/425)
بس بكوشى وباخر از كلال ... خود بخود كوئى كه العقل عقال همجو آن مرد مفلسف روزمرك
عقل را مى ديدى بس بى بال وبرك ... بى غرض ميكرد آن دم اعتراف
كز زكاوت را ندايم اسب از كزاف ... از غرورى سر كشيديم از رجال
آشنا كريدم در بحر خيال ... آشنا هيجشت اندر بحر روح
نيست آنجا جاره جز كشتئ نوح ... همجو كنعان سوى هركوهى مرو
از نبى لا عاصم اليوم شنو ... مى نمايد بست آن كشتى زبند
مى نمايد كوه فكرت بس بلند ... در بلندى كوه فكرت كم نكر
كه يكى موجش كند زير وزبر ... كرتو كنعانى ندارى باورم
كردو صد جندين نصيحت آورم ... كوش كنعان كى بذيرد اين كلام
كه براو مهر خدايست وختام ... آخر اين اقرار خواهى كرد هين
هم زاول روز آخررا ببين ... هركه آخر بين بود مسعود بود
نبودش هر دم بره رفتن عثور ... كر نخوائى هردمى اين خفت وخيز
كن زخاك باى مردى جشم تيز ... وقال الحافظ
يار مردان خداباش كه در كشتئ نوح ... هست خاكى له بابى نخرد طوفانرا
ومن اللطائف المناسبة لهذا المحل ما قال خسرو دهلوى
زردياى شهادت جون نهنك لابرآردسر ... نيم فرض كردد رادر وقت طوفانش
قوله [ زدرياى شهادت ] هو قول المؤمنين اشهد [ جون نهنك لابر آرد سر ] هو ارتفاع لا والمراد من التميم الضربتان ضربة والا وضربة الله . والمراد من نوح اللسان ومن الفم السفينة وطوفائه تلفظه بان لا اله الا الله واذا قال اشهد ان لا اله الا الله رفع لا رأسه من بحر الشهادة ووقع الطوفان على اللسان فوجب عليه هاتان الضربتان فاذا ضربهما نجا وان لم يضربهما ووقف ساعة غرق فى بحر الطوفان والوقف كفر كذا شرحه حضرة الشيخ بالى الصوفيوى شارح الفصوص قدس سره(5/426)
وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)
{ وقيل } بنى على المفعول كأخواته لتعين الفاعل وهو الله تعالى اذ لا يقدر احد غيره على مثل هذا القول البدايع والفعل العجيب اى قال الله تعالى بعد مدة الطوفان تنزيلا للارض والسماء منزلة من له صلاحية النداء { يا ارض } قدم امر الارض على امر السماء لابتداء الطوفان منها { ابلعى } اى انشفى فان البلع حقيقة ادخال الطعام فى الحلق بعمل الجاذبة فهو استعارة لغور الماء فى الارض ووجه الشبه الذهاب الى مقرّ خفى يقال نشف الثوب العرق بكسر الشين اى شربه . وفيه دلالة على انه ليس كالنشف المعتاد التدريجى { ماءك } اى ما على وجهك من ماء الطوفان دون المياه المعهودة فيها من العيون والانهار وانما لم يقل ابلعى بدون المفعول لئلا يستلزم تركه ما ليس بمراد من تعميم الابتلاع للجبال والتلال والبحار وساكنات الماء باسرهن نظرا الى مقام ورود الامر الذى هو مقام عظمة وكبرياء كذا فى المفتاح
يقول الفقير تفسير الارشاد يدل على ان الماء المضاف الى الارض مجموع الماء الذى خرج من بطنها ونزول من السماء والظاهر الذى لا محيص عنه انه ماء الارض بخصوصه فانها لما نشفته صار ما نزل من السماء هذه البحور على ما فى تفسير التيسير ثم رأيت فى بعض الكتب المعتبرة ما يوافق هذا وان الله تعالى لما انزل الطوفان على قوم نوح عليه السلام انزل عليهم المطر من السماء اربعين يوما بمياه كثيرة وامر عيون الارض فانفجرت فكان الماء آن سواء فى اللين غير ان ماء السماء كان مثل الثلج بياضا وبردا وماء الارض مثل الحميم حرارة حتى ارتفع الماء على اعلى جبل فى الدنيا ثمانين ذراعا ثم امر الارض فابتلعت ماءها وبقى ماء السماء لم تبتلعه الارض فهذه البحور التى على وجه الارض منها واما البحر المحيط فغير ذلك بل هو جزر عن الارض حيث خلق الله الارض من زبده انتهى { ويا سماء اقلعى } اى امسكى عن ارسال المطر يقال اقلع الرجل عن عمله اذا كف واقلعت السماء اذا انقطع مطرها فاقلاع يشترك بين الحيوانات والجمادات
قال العلماء قيل مجاز مرسل من الارادة كأنه قيل اريد ان يرتد ما انفجر من الارض الى بطنها وان ينقطع طوفان السماء وذلك بعد اربعين يما وليلة -روى- انه لا ينزل من السماء قطرة من ماء الا بكيل معلوم ووزن معلوم الا ما كان يوم الطوفان فانزل بغير كيل ووزن . واصل الكلام قيل يا ارض ابلعى ماءك فبلغت ماءها ويا سماء اقلعى عن ارسال الماء فاقلعت عن ارساله وغيض الماء النازل من السماء فغاض وترك ذكره لظهور انفهامه من الكلام { وغيض الماء } اى نقص ما بين السماء والارض من الماء فظهرت الجبال والارض
والغيض النقصان يقال غاض الماء قل ونضب وغاضه الله نقصه يتعدى ويلزم وهو فى الآية من المتعدى لان الفعل لا يبنى للمفعول بغير واسطة حرف الجر الا اذا كان متعديا بنفسه { وقضى الامر } اى انجز الموعود من اهلاك الكافرين وانجاء المؤمنين فالقضاء ههنا بمعنى الفراغ كأنه قيل ثم امرهم وفرغ من اهلاكهم واغراقهم
قال فىلمفتاح قيل الامر دون ان يقال امر نوح لقصد الاختصار والاستغناء بحرف التعريف عن ذلك
قال السيد امالان اللام بدل من المضاف اليه كما هو مذهب الكوفية واما لانها تغنى غناء الاضافة فى الاشارة الى المعهود { واستوت } واستقرت الفلك واختير استوت على سويت اى اقرت مع كونه انسب باخواته المبنية للمفعول اعتبارا لكون الفعل المقابل للاستقرار اعنى الجريان منسوبا الى السفينة على صيغة المبنى للفاعل فى قوله وهى تجرى بهم مع ان استوت اخصر من سويت { على الجودى } هو جبل بالجزيرة يقرب الموصل او بالشام اوبآمد -وروى- فى الخبر ان الله تعالى اوحى الى الجبل انى انزل السفينة على جبل فتشامخت الجبال وتواضع الجودى لله تعالى فارست عليه السفينة : قال السعدى قدس سره(5/427)
طريقت جزاين نيست درويش را ... كه افكنده داردتن خويش را
بلنديت بايد تواضع كزين ... كه آن نام را نيست راهى جزاين
والتواضع آخر مقام ينتهى اليه رجال الله تعالى وحقيقته اعلم بعبودية النفس ولا يصح مع العبودية رياسة اصلا لانها ضد لها ولهذا قال المشايخ قدس الله اسرارهم وآخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرياسة ولا تظن ان هذا التواضع الظاهر على اكثر الناس وعلى بعض الصالحين تواضع وانما هو تملق لسبب غاب عنك وكل يتملق على قدر مطلوبه والمطلوب منه فالتواضع سر من اسرار الله تعالى لا يهبه على الكمال الا لنبى او صديق كما فى المواقع
وعن على رضى الله اشد الخلق الجبال الرواسى والحديد اد منها اذ نيحت به الجبل والنار تغلب الحديد والماء يطفى النار والسحاب يحمل الماء والريح تحمل السحاب والانسان يغلب الريح بالبنيان والنوم يغلب الانسان والموت يغلب الكل
وذكر اهل الحكمة ان مجموع ما عرف فى الاقاليم السبعة من الجبال مائة وثمانية وسبهون جيلا
وفى زهرة الرياض ستة آلاف وستمائة وثلاثة وسبعون جيلا سوى التلول منها ما طوله عشرون فرسخا ومنها فرسخ الى فرسخ
وفى اسؤلة الحكم جعل الله الجبال كراسى انبيائه كاحد لنبينا والطور لموسى وسرنديب لآدم والجودى لنوح عليهم السلام وكفى بذلك شرفا وانها بمنزلة الرجال فى الاكوان يقال للرجل الكامل جبل
واختلفوا فى ان اى الجبال افضل فقيل ابو قبيس لانه اول جبل وضع على الارض وقيل عرفة وقيل جبل موسى وقيل قاف(5/428)
وقال السيوطى افضل الجبال جبل واحد وهو جبل من جبال المدينة وسمى بذلك لتوحده وانفراده عن غيره من الجبال التى هى هناك وهذا الجبل يقصد لزيارة سيدنا حمزة رضى الله عنه ومن فيه من الشهداء رضى الله عنهم وهوعلى نحو ميلين او على نحو ثلاثة من المدينة واستدل على افضليته بانه مذكور فى القرآن باسمه فى قراءته من قرأ { اذ تصعدون ولا تلوون على احد } اى بضم الهمزة والحاء بقوله عليه السلام « احد ركن من اركان الجنة » اى جانب عظيم من جوانبها وقوله « الآخر ان احدا هذا جبل يحبنا ونحبه فاذا مررتم فه فكلوا من شجره ولو من عضاهه » وهى كل شجرة عظيمة لها شوك والقصد الحث على عدم اهمال الاكل من شجرة تبركابه ولا مانع ان تكون المحبة من الجبل على حقيقتها وضع الحب فيه كما وضع فى التسبيح فى الجبال مع داود عليه السلام وكما وضعت الخشية فى الحجارة قال الله تعالى { وان منها لما يهبط من خشية الله } كما فى انسان العيون
يقول الفقير للجمادات حياة حقانية عند اهل الله تعالى كما قال فى المثنوى
بادرا بى جشم اكر بينش نداد ... فرق جون ميكررد اندر قوم عاد
كر نبودى نيل را آن نورديد ... ازجه قبطى را زسبطى ميكزيد
كرنه كوه سنك باديدار شد ... بس جرا داور دراو يار شد
اين زمين كرنبودى جشم جان ... ازجه قارونرا فرخوردى جنان
ومن هذا عرفت النداء فى قوله تعالى يا ارض ويا سماء حقيقة عند العلماء بالله وكذا مقاله تعالى المنفعهم من قوله وقيل
وقال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر وكما نقول تجلى الله تعالى فى صورة كما يليق بجلاله كذلك نقول تكلم بحرف وصوت كما يليق بجلاله وكلام الله تعالى عين المتكلم ف مرتبة ومعنى قائم به فى الاخرى كالكلام النفسى ومركب من الحروف ومتعين بها فى عاملى المثالى والحس . بحسبهما كما فى الدرة الفاخرة للمولى الجامى رحمه الله
ثم ان نوحا هبط من السفينة الى الجودى يوم عاشوراء
وعن قتادة استقلت بهم السفينة لعشر خلون من رجب وكانت فى الماء خمسين ومائة يوم واستقرت بهم على الجودى شهرا وذلك ستة اشهر وهبطت بهم يوم عاشوراء وسيأتى ما يتعلق بذلك { وقيل بعدا للقوم الظالمين } قولا بعدا مصدر مؤكد لفعله المقدر اى بعدوا بعدا اى هلكوا من قولهم بعدا وبعدا اذا ارادوا البعد البعيد من حيث الهلاك والموت . والمعنى الدعاء عليهم بذلك وهو تعليم من الله تعالى لعباده ان يدعوا على الظالمين به اى ليبعد القوم بعدا وليهلكوا وهو بالفارسية [ دورى وهلاكى باد مرقوم ستمكارانرا ] واللام فى للقوم لبيان من دعى عليهم كاللام فى هيت لك وسقيا لك متعلق بالفعل المحذوف او بقوله قيل اى لاجلهم هذا القول والتعرض لوصف الظلم للاشعار بعليته للهلاك وفيه تعريض بان سالكى مسالكهم فى الظلم والتكذيب يستحقون مثل هذا الاهلاك والدعاء عليهم
قال فى المفتاح وختم الكلام وختم اظهار لمكان السخط وجهة استحقاقهم اياه لان لدعاء بالهلاك بعد هلاكهم .(5/429)
قيل ما نجا من الكفار غير عوج بن عنق كان فى الماء الى حجزته وهو مقعد الازار وكان طوله ثلاثة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين ذراع وقد عاش ثلاثة آلاف سنة وقد سبق فى سورة المائدة وكان سبب نجاتع ان نوحا عليه السلام احتاج الى خشب ساج للسفينة فلم يمكنه نقلها فحملها عوج اليه من الشام فنجاه الله من الغرق بذلك
وقد ثبت ايضا ان واحدا من آل فرعون كان يلبس قلنسوة مثل قلنسوة موسى عليه السلام وبسخر منه وقد نجاه الله تعالى من الغرق فى بحر القلزم بمجرد تشبهه الصورى ولو تاب من جنايته لنجا من عذاب الدارين
وعن ابى العالية قال لما رست سفينة نوح عليه السلام اذا هو بابليس على كوثل السفينة اى مؤخرتها فقال له نوح ويلك قد غرق اهل الارض من اجلك قد اهلكتهم قال له ابليس فما اصنع قال تتوب قال فسل ربك هل لى من توبة فدعا نوح ربه فاوحى الله تعالى اليه ان توبته ان يسجد لقبر آدم عليه السلام فقال له نوح قد جعلت لك قال وما هى قال تسجد لقبر آدم تركته حا واسجد له ميتا
وفيه اشارة الى ان السجدة لآدم وهو مقبور كالسجدة له وهو غير مقبور اذ الانبياء عليهم السلام احياء هند ربهم وكذا كمل الاولياء قدس الله اسرارهم كما قال الصائب
مشومبرك زامداد اهل دل نوميد كه خواب مردم آكاه عين بيداريست
والشيطان الرجيم غفل عن هذا فنكا عن قبول الحق الصريح ومثله من ينكر الاولياء او زيارة قبورهم والاستمداد منهم نسأل الله العصمة ونعوذ به من الخذلان
اعلم ان القرآن بجميع سوره وىياته معجز فى غاية طبقات الفصاحة والبلاغة لكن بين بعض اجزائه تفاوت بحسب الاشتمال على الخواص والمزايا فان بعض المقام لا يتحمل ما تحمله مقام كلام فوقه من اللطائف والخفايا فمن المرتفع شأنه فى الحسن والقبول هذه الاية الكريمة وهى قوله تعلاى { وقيل يا ارض ابلعى } الى آخره ولذا لما سمعها من تبوأ اسرّة الفصاحة القحطانية وركب تن البلاغة فى بدوّ الخطب العدنانية من العرب العرباء ومصاقع الخطباء سجدوا لفصاحتها وتططأوا دون سرادقات احاطتها ونسوا قصائدهم المعلقة ورجعوا عن منشآتهم المقررة المحققة ولقد احسن من نبه على التفاوت المذكور وقال على ما هو المشهود
دربيان ودر فصاحت كى بودى يكسان سخن كرجه كوينده بودجون جاحظ وجون اصمعى
از كلام ايزد بيجون كه وحى منزلست كى بود تبت يدا جون قيل يا ارض ابلعى
ألا ترى ان الله سبحانه وتعالى جعل الانبياء عليهم السلام متساوية الاقدام فة درجة النبوة وجعل استعدادات اممهم مختلفة فاختلافهم انما هو لمعنى فى نفسهم لا لمعنى فى الذى ارسل اليهم فلما كانت الآيات البينات المندرجة فى مصحف القرآن كذلك اذ هو جامع لحقائق جميع النسخ الوجوبية والامكانية موافق لما فصله الكتب العلمية والاعيانية والله درشأن التنزيل فى الاشارة الى المراتب والله الغالب
قال فى التأويلات النجمية { وقيل يا ارض ابلعى ماءك } اى يا ارض البشرية ماء شهواتك ويا سماء القضاء اقلعى عن انزال مطر الآفات { وغيض الماء } ماء الفتن اى نقصت ظلمتها بنور الشرع وسكنت سورتها { وقضى الامر } اى انقضى ما كان مقدرا من كوفان الفتن للابتلاء { واستوت } اى سفينة الشريعة { على الجودى } وهو مقام التمكين يعنى ايام الطوفان كانت من مقامات التلوين فى معرض الآفات والهلاك فلما مضت تلك الايام آل الامر الى مقام التمكين وفيه النجاة والثبات ونيل الدرجات { وقيل بعدا } اى غرقة وهلاكا { للقوم الظالمين } الذين ظلموا انفسهم بالتقاعد عن ركوب سفينة الشريعة انتهى(5/430)
وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)
{ ونادى نوح ربه } [ وبخواند بروردكارمن ] { ان ابنى } كنعان وسمى الابن ابنا لكونه بناء ابيه اى مبنى ابيه { من اهلى } وقد وعدتنى نجاءهم فى ضمن الامر بحملهم فى الفلك ومن تبعيضية لانه كان ابنه من صلبه على ما هو الارجح او كان ربيبا له فهو بعض اهله والاهل يفسر بالازواج والاولاد وبالعبيد والاماء وبالاقارب وبالاصحاب وبالمجموع كما فى شرح المشارق لابن ملك
قال ابن الكمال الكمال الاهل خاصة الشيء وما ينسب اليه ومنه قوله تعالى { ان ابنى من اهلى } { وان وعدك } ذلك والوعد عبارة عن الاخبار بايصال المنفعة قبل وقوعها { الحق } الثابت الذى لا يتطرق اليه اللف ولا يشك فى انجازه والوفاء به والظاهر ان هذا النداء كان قبل غرق ابنه فان الواو لا تدل على الترتيب والمقصود منه طلب نجاته لا طلب الحكمة فى عدم نجاته حين حال الموج بينهما ولم يعلم بهلاكه اما بتقريبه الى الفلك بتلاطم الامواج او بتقريبها اليه ومجرد حيلولة الموج بينهما لا يستوجب هلاكه فضلا عن العلم به لظهور امكان عصمة الله اياه برحمته والله تعالى على كل شيء قدير زيؤيده ما فى بحر الكلام ان ذكر المسألة اى فى قوله تعالى { فلا تسألن } كما يستاتى دليل على ان النداء كان قبل ان يغرق حتى يخاف عليه { وانت احكم الحاكمين } الا اعلم الحكام واعدلهم اذ لا فضل الحاكم على غيره الا بالعلم والعدل ورب جاهل ظالم من متقلدى الحكومة فى زمانك لقد لقب اقضى القضاة ومعناه احكم الحاكمين فاعتبر واستعبر قال جار الله
قضاة زماننا صاروا لصوصا ... عموما فى القضايا لا خصوصا
خشينا منهمو لو صافحونا ... للصوا من خواتمنا فصوصا
وفى الحديث « القضاة ثلاثة واحد فى الجنة واثنان فى النار فاما الذى فى الجنة فرجل عرف الحق فقضى به واما الآخران فرجل عرف الحق فجار فى الحكم فهو فى النار ورجل قضى للناس على جهل فهو فى النار » اى لا يعرف الحق فيخلط الحلال بالحرام : قال الشيخ السعدى
مها زورمندى مكن بركهان ... كه بريك نمط نماند جهان
لب خشك مظلوم را كوبخند ... كه دندان ظالم بخواند كند(5/431)
قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)
{ قال } الله تعالى { يا نوح انه } اى ابنك { ليس من اهلك } الذين غمهم الوعد بالانجاء لخروجه منهم بالاستثناء فان مدار الاهليى هو القرابة الدينية ولا علاقة بين المؤمن والكافر
وعن ابن عباس ومجاهد وعكرمة انه ابنه غير انه خالفه فى العمل
قال بعض الحكماء الابن اذا لم يفعل ما فعل الاب انقطع عنه والامة اذا لم يفعلوا ما فعل نبيهم اخاف ان ينقطعوا عنه فظهر ان لا فائدة فى نسب من غير علم وعمل وفى فخر بمجرد الآباء : قال السعدى قدس سره
جو كنعانرا طبيعت بى هنر بود ... بميبر زاده كى قدرش نيفزود
هنر بنماى اكر دارى نه كوهر ... كل از خارست وابراهيم از آزر
وفى الحديث « يا بنى هاشم لا يأتينى الناس باعمالهم وتأتونى بانسابكم » والغرض تقبيح الافتخار لديه عليه السلام بالانساب حيث يأتى الناس بالاعمال
وما ينفع الاصل من هاشم ... اذا كانت النفس من باهله
وهي تقبيلة معروفة بالدناءة لانهم كانوا يأكلون نقى العظام الميتة { انه عمل غير صالح } اصله انهما متلازمان للايذان بان النجاة انما كانت بسبب الصلاح
يقول الفقير لاح لى حين المطالعة معنى آخر وهو ان العمل بمعنى الكشب والفعل ولا يبعد ان يكون المعنى انه كسب غير صالح من غير احتياج الى تقدير مضاف وقد ورد فى الحديث تسمية الولد كسبا فى قوله « ان اطيب ما يأكل الرجل من كسبه وان ولده من كسبه » وفى قوله « انت ومالك لابيك »
قيل لحكيم وهو يواقع زوجته ما تعمل قال ان تم فانسانا { فلا تسألن } سمى نداؤه سؤالا لما فيه من السؤال والطلب اى اذا وقفت على جلية الحال فلا تطلب منى { ما ليس لك به علم } اى مطلبا لا تعلم يقينا ان حصوله صواب وموافق للحكمة { انى اعظك } [ بندميدهم ترا ] { ان تكون } اى كراهة ان تكون { من الجاهلين } عبر عن ترك الاولى بالجهل لان استثناء من سبق عليه القول قد دله على الحال واغناء عن السؤال اشغله حب الولد عنه حتى اشتبه الامر عليه فعوتب على ان اشتبه عليه ما يجب ان لا يشتبه(5/432)
قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47)
{ قال } عند ذلك قبلت يا ربى هذا التكليف فلا اعود اليه الا انى لا اقدر على الاحتراز منه الا باعانتك وهدايتك فلهذا بدأ اولا بقوله { رب انى اعوذ بك ان اسألك } اى من اطلب منك من بعده { ما ليس لى به علم } اى مطلوبا لا اعلم ان حصوله مقتضى الحكمة يعنى احفظنى بعد اليوم من المعاودة الى مثل السؤال وكانعلى قدم الاستغفار لى ان توفى وهذه عادة الصالحين انهم اذا وعظوا اتعظوا واذا نبهوا للخطأ استغفروا وتعوذوا وحكى تعالى ما كان من الانبياء عليهم السلام ليقتدى بهم فى الاستغفار وان لا يقطع الرجاء من رحمة الله تعالى وقد قبل الله تعالى توبة نوح عليه السلام كما يدل عليه قوله تعالى { قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات } ثم حقيقة التوبة تقتضى امرين احدهما العزم على ترك الفعل فى المستقبل واليه الاشارة بقوله { انى اعوذ بك الخ } والآخر الندم والاستغفار لما مضى واليه الاشارة بقوله { والا } مركب من ان ولا ثم ادغم احدهما فى الآخر { تغفر لى } اى وان لم تغفر لى ما صدر منى من السؤال المذكور { وترحمنى } بقبول توبتى { اكن من الخاسرين } اعمالا بسبب ذلك فان الذهول عن شكر الله لا سيما عند وصول مثل هذه النعمة الجليلة لتى هى النجاة وهلاك الاعداء والاشتغال بما لا يعنى خصوصا بمبادى خلاص من قيل فى شأنه انه غير صالح والتضرع الى الله تعالى فى امره معاملة غير رابحة وخسران مبين
واعلن ان التوبة والاستغفار والالتجاء الى الملك الغفار ورد لا ينقطع الى الموت وفعل يستمر الى زمان الفوت لان المؤمن لا يزل متقلبا بين التنزلات والترقيات والسالك لا يبرح مبتلى بالاستتار والتجليات والكامل لا ينفك يتدرج الى غايات مراتب السير فى عوالم الصفات والذات . وهذا نوح قد سأل ما سأل ثم تاب . وهذا موسى قد طلب ما طلب ثم اناب والكل جار بقضاء الله وقدره فانه اذا جاء يتعطل العبد عن قواه وقدره : وفى المثنوى
اين هم از تأثير حكمست وقدر ... جاء مى بينى ونتوا بى حذر
نيست خودازمرغ يران اين عجب ... كو نبيند دام وافتد در عطب
اين عجب كه دام بيند هم وتد ... كر بخواهد ورنخواهد مى فتد
جشم باز وش باز ودام بيش ... سوى دامى مى برد بابر خويش
ألا ترى الى نوح عليه السلام فانه لما ابتدر الى سؤال ابنه نبه على تركه مرات
والاشارة { ونادى نوح } اى نوح الروح { ربه فقال رب ان ابنى من اهلى } اى النفس المتولدة من ازدواج الروح والقالب من اهلى { وان وعدك الحق } ذلك ان الله تعالى لما اراد حكمته ان ينزل الارواح المقدسة العلوية من اعلى عليين جواره وقربه الى اسفل سافلين القالب قال ارواح الانبياء والاولياء وخواص المؤمنين يا ربنا والهنا تنزلنا ان اعلى مقامات قربك الى اسفل دركات بعدك ومن عالم البقاء الى عالم الفناء ومن جار السرور واللقاء الى دار الحزن والبلاء ومن منزل التجرد والتواصل الى منزل التوالد والتناسل ومن رتبة الاصطفاء والاجتباء الى رتبة الاجتهاد والابتلاء فوعدهم الله من عواطف احسانه بان ينجيهم واهليهم من ورطات الهلاك فكما ان من قضية حكمته ان يكون لنوح اربعة بنين ثلاثة منهم مؤمنون واحد كافر فكذلك حكمته اقتضت ان يكون للروح اربعة بنين ثلاثة منهم مؤمنون وهم القلب والسر والعقل وواحد كافر وهو النفس فكما كان ثلاثة من بنى نوح معه فى السفينة وكان واحد فى معزل منه فكذلك ثلاثة من بنى الروح معه كانوا فى سفينة الشريعة وكان واحد وهو كافر النفس فى معزل منه ومن الدين والشريعة فلما اشرف ولده الكافر على العرق فى بحر الدنيا وطوفان الفتن قال رب ان ابنى من اهلى وان وعدك الحق(5/433)
{ وانت اكم الحاكمين } يعنى فان انجيته او اغرقته اتت اعدل العادلين فيما تفعله لانك حكيم واحكم الحكماء لا تخلو افعالك من عدل وحكمة انت اعلم بها { قال } اى الرب تعالى للروح { يا نوح انه ليس من اهلك } اى من اهل دينك وملتك والاهلية على نوعين اهلية القرابة والدين وما نفى اهلية القرابة لتولدها من الروح ثم اظهر علة نفى الاهلية الدينية فقال ( انه عمل غير صالح ) اى خلق للامارية بالسوء وهذه سيرتها ابدا ثم دب الروح آداب اهل القربة فقال { فلا تسألن ما ليس لك به علم } اى علم حقيقى بان يجوز اهل القربة على ابساط القرب هذا الانبسا ام لا { لانى اعظك } يا روح القدس { ان تكون } على البساط بهذا الانبساط { من الجاهلين } اى من النفوس الجاهلة الظالمة . وفيه اشارة الى ان الروح العالم العلوى يصير بمتابعة النفس وهواها جاهل سفلىّ الطبع دنئ الهمة { قال } اى الروح { رب انى اعوذ بك ان اسألك ما ليس لى به علم } من التماس نجاة النفس الممتحنة بآفات الدنيا وشهواتها من طوفان الفتن { والا تغفر لى } تؤدينى بانورا المغفرة { وترحمنى } على عجزى عن الاهتداء بغير هداك { اكن من الخاسرين } يشير الى الرحمة هى المانعة للروح من الخسران كذا فى التأويلات النجمية(5/434)
قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)
{ قيل } القائل هو الله تعالى { يا نوح اهبط } هبط لازم ومتعد الا ان مصدر اللازم الهبوط ومصدر المتعدى الهبط كالرجوع والرجع والمراد هنا الاول والهبوط بالفارسية [ فرود آمدن ] اى انزل من الفلك الى جبل الجودى الذى استقرت السفينة عليه شهرا او من الجودى الى الارض المستوية { بسلام } ملتبسا بسلامة من المكاره كائنة { منا } فسلام بمعنى السلامة حال من فاعل اهبط ومناصفة له دالة على تعظيمه وكماله لان ما كان من الله العظيم عظيم او بسلام وتحية منا عليك كما قال { سلام على نوح فى العالمين } فالسلام بمعنى التسليم والاول اوجه لان المقام مقام النجاة من الغرق { وبركات عليك } اى خيرات نامية فى نسلك وما يقوم به معاشك ومعاشهم من انواع الارزاق { وعلى امم } ناشئة { ممن معك } متشعبة منهم فمن ابتدائية . والمراد الامم المؤمنة المتناسلة ممن معه من اولاده الى يوم القيامة فهو من اطلاق لعام وارادة الخاص هذا على رواية من قال كان معه فى السفينة اولاده وغيرهم مع الاختلاف فى العدد فمات غير الاولاد اى بعد الهبوط ولم ينسل وهو الارجح . واما على وراية من قال ما كان معه فى السفينة اولاده وغيرهم مع الاختلاف فى العدد فمات غير الاولاد اى بعد الهبوط ولم ينسل وهو الارجح . واما على رواية من قال ما كان معه فى السفينة الا اولاده ونساؤهم على ان يكون المجموع ثمانية فلا يحتاج الى التأويل وايا ما كان فنوح ابو الخلق كلهم ولذا سمى آدم الثانى وآدم الاصغر لانه لم يحصل النسل الا من ذريته وقد اخرج الله الكثير من القليل بقدرته كما اخرج من صلب زين العابدين الكثير الطيب وذلك انه قتل مع سلطان الشهداء الحسين رضى الله عنه عامة اهل بيه ولم ينج الا ابنه زين العابدين على انه رضى الله عنه اصغرهم فانمى الله تعالى ذريته السادة
قال فى نفائس المجالس لما ارتفع الطوفان قسم نوح الارض بين اولاده الثلاثة فاما سام فاعطاه بلاد الحجاز واليمن والشام فهو ابو العرب واما حام فاعطاه بلاد السودان فهو ابو السودان واما يافث فاعطاه بلاد المشرق فهو ابو الترك
قل فى اسولة الحكم اما ممالك الاقاليم السبعة التى ضبط عددها فى زمن المأمون فثلاثمائة وثلاث واربعون مملكة منها ثلاثة ايام وهى اضيقها وثلاثة اشهر وهى اوسعها ووجدت مملكة فى خط الاستواء لها ربيعان وصيفان وخريفان وشتا آن فى سنة واحدة وفى بعضها ستة اشهر ليل وستة اشهر نهار وبعضها حر وبعضها برد واما جميع مدائن الاقاليم فهو اربعة آلاف مدينة وخمسمائة وست وخمسون وقيل غير ذلك وما العمران فى الخراب الا كخردلة فى كف احدكم وفى الخبر(5/435)
« ان لله دابة فى مرج من مروجه رزقها كل يوم بقدر رزق العالم باسره » فانظر الى سعة رحمة الله وبركاته و تغتم لاجل الرزق : وفى المثنوى
جمله را رزاق روزى ميدهد ... قسمت هركس كه بيشش مينهد
سالها خوردى وكم نامد زخور ... ترك مستقبل كن وماضى نكر
{ وامم } مبتدأ { سنمتعهم } صفة والخبر محذوف وهم منهم اى ليس جميع من تشعب منهم مسلما ومباركا عليهم بل منهم امم سنمتعهم فى الدنيا معناه بالفارسية [ زود باشدكه برخوردارى دهيم ايشانرا دردنيا بفراخئ عيش وسعت رزق ] { ثم يمسنا منا } [ بس برسد ايشانرا ازما ] { عذاب اليم } [ عذابى دردناك ] اما فى الآخرة وفى الدنيا ايضا وهم الكفار واهل الضقاوة يشير سبحانه وتعالى لى ان اكون كل الناس سعداء او اشقياء مخالف لحكمته فانه اودع فيهم جماله وجلاله على مقتضى تدبيره فلا بد من ظهور آثار كل منهما كما قال الحافظ
دركار خانه عشق ازكفرنا كزيرست ... آتش كرابسوزد بولهب نباشد
-حكى- فى التفاسير انه لما رست السفينة على الجودى كشف نوح الطبق الذى فيه الطير فبعث الغراب لينظر هل غرقتالبلاد كما فى حياة الحيوان او كم بقى من الماء فيأتيه بخبر الارض كما فى تفسير ابى الليث فابصر جيفة فوقع عليها واشتغل بها فلم يرجع ولذا قالوا فى المثل ابطأ ن غراب نوح ثم ارسل الحمامة فلم تجد موضعا فى الارض فجاءت بورق لزيتون فى منقارها فتعرف نوح ان الماء قد نقص وظهرت الاشجار ثم ارسها فوقعت على الارض فغابت رجلاها فى الطين قدر حمرتهما فجاءت الى نوح وارته فعرف ان الارض قد ظهرت فبارك على الحمامة وطوقها الخضرة التى فى عنقها ودعا لهما بالامان فمن ثم تألف البيوت ودعا الى الغراب بلخوف فلذلك لا يالف البيوت وتشاءم العرب بالغراب واستخرجوا من اسمه الغربة قالوا غراب البين لانه بان عن نوح
واعلم ان نوحا عليه السلام هبط بمن معه فى السفينة يوم عاشوراء فصام وامر من معه بصيامه شكرا لله تعالى وقد فرغت ازوادهم فجاء هذا بكف حنطة وهذا بكف عدس وهذا بكف حمص الى ان بلغت سبعة حبوب فطبخها نوح عليه السلام لهم فامطروا عليها وشبعوا جميعا ببركات نوح وكان اول طعام طبخ على وجه الارض بعد الطوفان هذا فاتخذه الناس سنة يوم عاشوراء وفيه اجر عظيم لمن يفعل ذلك ويطعم الفقراء والمساكين
وذكر ان الله عز وجل يخرق ليلة عاشوراء زمزم الى سائر المياه فاغتسل يومئذ أمن من المرض فى جميع السنة كما فى الروض الفائق ومن وسع فيه على عياله فى النفقة وسع الله له سائر سنته
قال ابن سيرين جربناه ووجدناه كذلك كما فى الاسرار المحمدية
قل فى عقد الدرر واللآلئ المستحب فى ذلك يوم فعل الخيرات من الصدقة الصوم والذكر وغيرها ولا ينبغى للمؤمن ان يتشبه بيزيد الملعون فى بعض الافعال وبالشيعة والروافض والخوارج ايضا يعنى لا يجعل ذلك اليوم يوم عيد او يوم مأتم فمن اكتحل يوم عاشوراء فقد تشبه بيزيد الملعون وقومه وان كان للاكتحال فى ذلك اليوم اصل صحيح فان ترك السنة سنة اذا كانت شعارا لاهل البدعة كالتختم بليمن فانه فى الاصل سنة لكنه لما كان شعار اهل البدعة والظلمة صارت السنة ان يجعل الخاتم فى خنصر اليد اليسرى فى زماننا كما فى شرح القهستانى ومثله تقصير الثياب وتطويلها اللهم الا ان يفعل بعض الافعال كالاغتسال وزيارة الاخوان وتوسيع النفقة ونحوها من غير ان يطر بباله التشبيه وعدمه كما اذا خرج بطريق الاتفاق او بمصلحة داعية اليه من غير ان يخطر بقلبه الموافقة فانه لا بأس به(5/436)
ومن قرأ يوم عاشوراء وأوائل لمحرم مقتل الحسين رضى الله عنه فقد تشبه بالروافض خصوصا اذا كان بالفاظ مخلة بالتعظيم لاجل تخزين السامعين
وفى كراهية القهستانى لو اراد ذكر مقتل الحسين ينبغى ان يذكر اولا مقتل سائر الصحابة لئلا يشابه الروافض انتهى
قال حجة الاسلام الغزالى يحرم على الواعظ وغيره راوية مقتل الحسين وحكايته وما جرى بين الصحابة من التشاجر والتخاصم فانه يهيج بغض الصحابة والطعن فيهم وهم اعلام الدين وما وقع بينهم من المنازعات فيحمل على محامل صحيحة ولعل ذلك لخطأ فى الاجتهاد لا لطلب الرياسة والدنيا كما لا يخفى
وقال عز الدين بن عبد السلام فى فصل آفات اللسان الخوض فى الباطل هو الكلام فى المعاصى كحكاية احول الوقاع ومجالس الخمور وتجبر الظلمة وكحكاية مذاهب اهل الاهواء وكذا حكاية ما جرى بين الصحابة رضى الله عنهم انتهى
قال فى عقد الدرر ويح قاتل الحسين كيف حاله مع ابويه وجده وانشدوا
لا بد ان ترد القيامة فاطم وقميصها بدم الحسين ملطخ
ويل لمن شفعاؤه خصماؤه والصور فى يوم القيامة ينفخ
وفى الحديث « قاتل الحسين فى تابوت من نار عيله نصف عذاب اهل الدنيا »
قال فى انسان العيون ارسل اهل الكوفة الى الحسين ان ياتيهم ليبايعوه فاراد الذهاب فنهاه ابن عباس وبين لهم غدرهم وقتلهم لابيه وخذلانهم لاخيه الحسن فأبى الا ان يذهب فبكى ابن عباس رضى الله عنهما وقال واحسيناه ولم يبق بمكة الا من حزن على مسيره وقدم امامه الى الكوفة مسلم بن عقيل فبايعه من اهل الكوفة للحسين اثنا عشر الفا وقيل اكثر من ذلك ولما شارف الكوفة جهز اليه اميرها من جانب يزيد وهو عبد الله بن زياد عشرين الف مقاتل وكان اكثرهم ممن بايع لاجل السحت العاجل على الخير الآجل فلما وصلوا ليه ورأى كثرة الجيوش طلب منهم احدى ثلاث اما ان يرجع من حيث جاء او يذهب الى بعض الثغور او يذهب الى يزيد يفعل فيه ما اراد فابوا وطلبوا منه نزوله على حكم ابن زياد وبيعته ليزيد فابى فقاتلوه الى ان اثخنته الجراحة فسقط الى الارض فخروا رأسه وذلك يوم عاشوراء عام احدى وستين ووضع ذلك الرأس بين يدى عبد الله بن زياد(5/437)
قل فى روضة الاخيار قبر الحسين رضى الله عنه بكربلاء وهى من ارض العراق ورأسه بالشام فى مسجد دمشق على رأس اسطوانة وقد رأى النبى صلى الله عليه وسلم بعض الصالحين فى النوم فقال يا رسول الله بابى انت وامى ما ترى فتن امتك فقال زادهم الله فتنة قتلوا الحسين ولم يحفظونى ولم يراعوا حقى فيه
وعن الشعبى مر على ر ضى الله عنه بكربلاء عند مسيره الى صفين فوقف وسأل عن اسم هذه الارض فقيل كربلاء فبكى حتى بل الارض من دموعه ثم قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكى فقال « كان عندى جبريل آنفا واخبرنى ان ولدى الحسين يقتل بشاطئ الفرات بموضع يقال له كربلاء ثم قبض جبريل قبضة من تراب اشمنى اياها فلم املك عينى ان فاضتا » -روى- ان تلك التربة جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قارورة وقال لاسم سلمة رضى الله عنها « ان هذا من تربة الارض التى يقتل بها الحسين فمتى صار دما فاعلمى انه قد قتل » قالت ام سلمة فلما كان ليلة قتل الحسين سمعت قائلا يقول
ايها القاتلون جهلا حسينا ... أبشروا بالعذاب والتذليل
قد لعنتم على لسان ابن داو ... دو موسى وحامل الانجيل
قال فبكيت وفتحت القارورة فاذا التربة قد جرت دما . حكى ان السماء احمرت لقتله
قال ابن سيرين والحمرة التى مع الشفق لم تكن حتى قتل الحسين وحكمته على ما قال ابن الجوزى ان غضبنا يؤثر حمرة الوجه والحق منزه عن الجسمية فاظهر تاثير غضبه على من قتل الحسين بحمرة الافق اظهارا لعظيم الجناية ولم يرفع حجر فى الدنيا يوم قتله الا وجد تحته دم عبيط
واخرج ابو الشيخ ان جمعا تذاكروا انه ما من اعان على قتل الحسين الا اصابه بلاء قبل ان يموت فقال شيخ انا اعنت وما اصابنى شيء فقام ليصلح السراج فاخذته النار فجعل ينادى النار النار وانغمس فى الفرات ومع ذلك لم يزل ذلك به حتى مات . وبعضهم ابتلى بالعطش فكان يشرب راوية ولا يروى . وبعضهم عوقب بالقتل او العمى او سواد الوجه او زوال الملك فى مدة يسيرة وغبر ذلك فاذا عرفت فكن على جانب ممن يعادى اهل البيت ومن صحبتهم فان موالاتهم معاداة لاهل البيت وبغض لهم واحفظ الحرمة يحفظك الله وفى الحديث « ان لله تعالى ثلاث حرمات فمن حفظهن حفظ الله دينه ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله تعالى دينه ولا دنياه حرمة الاسلام وحرمتى وحرمة رحمى ومن لم يعرف حتى عترتى والانصار والعرب فهو لاحدى ثلاث اما منافق واما لزنية واما حملت به امه فى غير طهر »
دركار دين زمردم بى دين مدد مخواه ... ازماه منخسف مطلب صبحكاه
اللهم احفظنا من الانقطاع عن الوسائل الحقة والحقنا فى الدنيا والآخرة بالطائفة المحقة(5/438)
تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)
{ تلك } اشارة الى قصة نوح عليه السلام ومحلها الرفع بالابتداء وخبرها قوله { من انباء الغيب } اى بعض اخباره فانه لتقادم عهده لم يبق علمه الا عند الله تعالى { نوحيها } اى تلك القصة بواسطة جبريل خبر ثان { اليك } ليكون لك هداية واسوة فيما لقيه غيرك من الانبياء عليهم السلام { ما كنت تعلمها انت ولا قومك } خبر آخر اى مجهولة عندك تنبيه على انه عليه السلام لم يتعلمه اذ لم يخالط غيرهم وانهم مع كثرتهم لم يسمعوه فكيف يؤخذ منهم
قال سعدى المفتى اعلمناهم بها ليكون لهم مثالا وتحذيرا ان يصيبهم اذا كذبوك ما اصاب اولئك { فاصبر } متفرع على الايحاء اى واذ قد اوحيناها
وفى تفسير ابى الليث يعنى ان لم يصدقوك فاصبر على مشاق تبليغ الرسالة واذية قومك وتكذيبهم كما صبر نوح فى هذه المدة المتطاولة { ان العاقبة } اى آخلا الامر بالظفر فى الدنيا وبالفوز فى الآخرة { للمتقين } اى المؤمنين الموحدين الصابرين كما شاهدته فى نوح وقومه ولك فيه اسوة حسنة . وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين : قال الحافظ
سروش عالم غيبم بشارتى خوش داد ... كه كس هميشة كرفتار غم نخواهد ماند
قال الكاشفى [ بير طريقت فرمودكه صبر كليد همه بستكيها است وشكيبايى علاج همه خستكيها است نتيجه شكيبايى ظفراست وكار بى صبر ازهر روز بترست
صبراست كليد كنج مقصود ... بى صبر درمراد نكشود
كر صبر كنى مراد يابى ... وزباى در افتى از شتابى
-روى- عن خباب بن الارت قال اتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو متوسد بردائه فى ظل الكعبة فشكونا اليه فقلنا يا رسول الله ألا تدعو الله لنا وتستنصرنا فجلس محمارا لونه ثم قال « ان من كان قبلكم ليؤتى بالرجل فيحفر له فى الارض حفرة فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه » وفى الحديث « يؤتى يوم القيامة بانعم اهل الارض فينغمس فى النار غمسة فيخرج اسود محترقا فيقال له هل مر بك نعيم قط او كنت فيه فيقول لا لم ازل فى هذا البلاء منذ خلقنى الله تعالى ويؤتى باشد اهل الدنيا بلاء فينغمس فى الجنة غمسة » يعنى يدخل فيها ساعة « فيخرج كأنه القمر ليلة البدر فيقال له هل مر بك شدة قط فيقول لا لم ازل فى هذا النعيم منذ خلقنى الله تعالى »
يقول الفقير هذا اذا صبر ولم يظفر ببغيته فى الدنيا مع ان من الظفر والنصر الموت على ما قاله بعض العلماء فى قوله تعالى { ألا ان نصر الله قريب } فان الميت اما مستريح او مستراح منه ولكن غالب العادة الالهية انزال النصر للعاجز ولقد شاهدت فى عصرى كثيرا من مواد هذا الباب .(5/439)
منها انى كنت فى الاسكوب من الديار الرومية انهى عن المنكر فلقبنى من القوم فى مدة ست سنين ما يضيق نطاق البيان عنه حتى آل الامر الى الهجرة من تلك البلدة فاخرجونى من بينهم فانقلب الابتلاء الى مقاساة شدائد الهجرة مع الاهل والاولاد حتى اذا دخلت مدينة بروسة باشارة حضرة الشيخ قدس سره ووجدت فيها الراحة العظمى استولى الكفار على البلاد الرومية واحرقوا الاسكوب وجعل الله من فيها من المستكبرين كأن لم يكن شيأ مذكورا . ومنها ان ابراهيم الوزير فى اواخر دولة السلطان محمد الرابع نفى حضرة شيخنا الاجل الذى جعله الله آية من آيات الدولة القمرية الى بلدة المعروفة بشمنى وكان حين النفى متمكنا فى القسطنطينية فلم يلبث حتى نفاه الله اى الوزير ثم قتل ثم لما آلت الوزارة الى مصطفى المعروف بابن كوبريلى فى دولة السلطان سليمان الثانى اخرج حضرة الشيخ ايضا لغرض فاسد الى جزيرة قبرص فما مضى سنة الا قتل الوزير وجعل عبرة للمعتبرين ومثلا للآخرين وكنت اتحزن فى امر حضرة الشيخ حين كان فى الجزيرة المذكورة فبينما انا فى تفكره يوما اذوردلى كتاب من جنابه مندرج فيه قوله تعالى { ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يؤون ما يوعدون لم يلبثوا الا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك الا القوم الفاسقون } فصادف قتل الوزير وهو من كراماته العجيبة حفظه الله سبحانه ومتعنا بعلومه الالهية ووارداته الربانية(5/440)
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50)
{ والى عاد } قبيلة من العرب بناحية اليمن فهو امر متعلق بمضمر معطوف على قوله تعالى ارسلنا فى قصة نوح وهو الناصب لقوله { اخاهم } وتقديم المجرور على المنصوب ههذنا للحذار من الاضمار قبل الذكر . والمعنى وارسلنا الى عاد اخاهم اى واحد منهم فى النسب من قولهم ويا اخا العرب يا اخا بنى تميم يريدون يا واحدا منهم { هودا } وكان عليه السلام من جملتهم فانه هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عوص بن ارم بن سام بن نوح . وقيل هود بن شالخ بن افخشد بن سام بن نوح ابن عم ابى عاد
قال الكاشفى [ عاد جهارم بدر هودست وعاد بسر عوص بن ارم بن سام بن نوح است وبرين قول از ابناء عم عاد باشد ] قال بعضهم عاد هو اسم القبيلة وهى الفروع المنشعبة من اصل واحد فيكون اسم الاب الكبير فى الحقيقة والتعبير باخص الاوصاف التى هى الاخوة بمعنى انتساب شخصين الى صلب واحد او رحم واحد او الى صلب ورحم معا ككونه كذلك بالنسبة الى اتحاد الاب . وقال بعضهم هو اسم ملكهم وانما جعل واحدا منهم لانهم افهم لقوله واعرف بحاله فى صدقه وامانته وارغب فى اقتفائه
قيل ان هودا مكث فى ديار قومه اربعين سنة يعبد الله ويتجنب اصنامهم فنزل عليه جبريل بالرسالة الى بنى عاد فذهب هود اليهم وهم بالاحقاق متفرقون وهى الرمال والتلال وجعل يدعوهم الى عبادة الله تعالى وترك عبادة الاصنام كما قال تعالى { قال } استئناف بيانى كأنه قيل ماذا قال لهم فقيل قال { يا قوم } [ اى كروه من ] { اعبدوا الله } وحده لانه { ما لكم من اله غيره } فخصوه بالعبادة ولا تشركوا به شيأ وغيره بالرفع صفة لاله باعتبار محله { ان انتم الا مفترون } اى ما انتم باتخاذكم الاصنام شركاء الا مفترون على الله الكذب
قال فى التأويلات النجمية يشير بهود الى القلب وبعاد الى النفس وصفاتها فان القلب اخو عاد النفس كما ارسلنا نوح الروح الى قومه وبهذا المعنى يشير الى ان القلب قابل لفيض الحق تعالى كما ان الروح قابل لفيضه قال يا قوم اعبدوا الله يشير الى النفس وصفاتها ان يتوجهوا لعبودية الحق وطلبه ما لكم من اله غيره اى شيء دونه لاستحقاق معبوديتكم ومحبوبيتكم ومطلوبيتكم ان انتم الا مفترون فيما تتخذون الهوى والدنيا معبودا ومطلوبا(5/441)
يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (51)
{ يا قوم لا اسألكم عليه } اى على تبليغ الرسالة { اجرا } يعنى جعلا ورشوة ومعناه لست بطامع فى اموالكم { ان اجرى الا على الذى فطرنى } خلقنى جعل الصلة فعل الفطرة لكونه اقدم النعم الفائضة من جناب الله تعالى المستوجبة للشكر { أفلا تعقلون } اى أتغفلون عن هذه القصة فلا تعقلونها
واعلم ان المال والجاه وثناه الخلق وغيرها من مشارب النفس عند اله الله تعالى ولذا قالوا ما من رسول الا خاطب قومه بهذا القول ازاحة للتهمة وتمحيضا للنصيحة فانها لا تنجع ولا تنفع الا اذا كانت خالصة غير مشوبة بشيء من المطامع
طمع بند ودفتر زحكمت بشوى ... طمع بكسل وهرجه خواهى بكوى
كما روى عن بعض المشايخ انه كان له سنور وكان يأخذ من قصاب شيأ من الغدد لسنوره فرأى القصاب منكرا فدخل الدار فاخرج السنور اولا ثم جاء واحتسب على القصاب فقال له القصاب لا اعطيك بعد اليوم لسنورك شيأ فقال ما احتسب عليك الا بعد اخراج السنور وقطع الطمع منك والطمع سكون القلب الى منفعة مشكوكة
مكن سعديا ديده بردست كس ... كه بخشنده برورد كارست وبس
طمع آب روى موقر بريخت ... براى دوجو دامن دريخت
وساحة قلوب الانبياء عليهم السلام وكذا الاولياء قدس سرهم مطهرة من دنس التعلق بغير الله فى دعوتهم وارشادهم وانما يريد اهل الارشاد من هذه الامة تعظيم جاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بتكثير اتباعه لا المال والمنافع الدنيوية فان الآخرة خير وابقى . وفى المثل اجهل من داعى ثمانين من الضأن . قال ابن خالويه انه رجل قضى للنبى عليه السلام حاجة فقال ائتنى بالمدينة فاتاه فقال « ايما احب اليك ثمانون من الضأن او ادعو الله ان يجعلك معى فى الجنة » قال بل ثمانون من الضأن قال « اعطوه اياها » ثم قال « ان صاحبة موسى عليه كانت اعقل منك » وذلك ان عجوزا دلته على عظام يوسف عليه السلام فقال لها موسى ايما احب اليك اسأل الله ان تكونى معى فى الجنة او مائة من الغنم قالت الجنة ولكمال المحافظة لم يقبل العلماء المتقدمون اجرة على الوعظ والتعليم والامامة والخطابة والتأذين وغيرها
زيان ميكند مرد تفسير دان ... كه عل وادب ميفروشد بنان(5/442)
وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52)
{ ويا قوم استغفروا ربكم } آمنوا به { ثم توبوا اليه } من عبادة غيره لان التوبة لا تصح الا بعد الايمان كما فى بحر العلوم واللائح للبال ان المعنى اطلبوا مغفرة الله تعالى لذنوبكم السالفة من الشرك والمعاصى بان تؤمنوا به فان الايمان يجب ما قبله اى يقطع ثم ارجعوا اليه بالطاعة فان التحلية بالمهملة بعد للتخلية بالمعجمة فيكون ثم على بابها فى التراخى ايضا { يرسل السماء عليكم } اى المطر { مدرارا } من ابنية مبالغة الفاعل يستوى فيه المذكر والمؤنث واصله من در اللبن درورا وهو كثرة وروده على الحالب يقال سحاب مدرار ومطر مدرار اذا تتابع منه المطر فى اوقات الاحتياج اليه . والمعنى حال كونه متتابعا دائما كلما تحتاجون
وقال الكاشفى [ تابفر ستد از آسمان بارانى بيوسته ] { ويزدكم } [ وبيفزايد وزياده كند ] { قوة } مضافة منضمة { الى قوتكم } اى يضاعفها لكم وانما رغبهم فى الايمان بكثرة المطر وزيادة القوة لانهم كانوا اصحاب زروع وبساتين وعمارات حراصا عليها اشد الحرص فكانوا احوج شيء الى الماء وكانوا مدلين بما اوتوا من شدة القوة والبطش والبأس والنجدة ممنوعين بها من العدو مهيبين فى كل ناحية
وقال الكاشفى [ آورده اندكه عاديان دعوت هود قبول نكردند وحق سبحانه وتعالى بشآ مت آن سه سال باران ازايشان باز كرفت وزنان ايشانرا عاقره وعقيمه ساخت وجون اصحاب زراعت بودند ودشمنان نيزداشتند براى زراعت به باران وبرأى دفع اعادى باولاد محتاج شدند هود عليه السلام فرمودكه { يا قوم استغفروا } الخ فيكون معنى قوله { ويزدكم قوة الى قوتكم } قوتى باقوت شما يعنى فرزندان دهد شمارا تابمدد ايشان بر دفع اعادى قادر شويد ]
وعن الحسن بن على انه وفد على معاوية لما خرج تبعه بعض حجابه فقال انى رجل ذو مال ولا يولد فعلمنى شيأ لعل الله يرزقنى ولدا فقال عليك بالاستغفار فكان يكثر الاستغفار حتى ربما استغفر فى يوم واحد سبعمائة مرة فولد له عشرة بنين فبلغ ذلك معاوية فقال هلا سألته مم قال ذلك فوفد وفدة اخرى فسأله الرجل فقال ألم تسمع قول هود { ويزدكم قوة الى قوتكم } وقول نوح { ويمددكم باموال وبنين } { ولا تتولوا } ولا تعرضوا عما ادعوكم اليه وارغبكم فيه { مجرمين } اى حال كونكم مصرين على الاجرام والآثام والاجرام كسب الجرم كالاذناب بكسر الهمزة كسب الذنب(5/443)
قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53)
{ قالوا } استئناف بتقدير سؤال سائل كأنه قيل ما قال له قومه بعد ان امرهم ونهاهم فقيل قالوا { يا هود ما جئتنا ببينة } اى بحجة تدل على صحة دعواك وانما قالوه لفرط عنادهم وعدم اعتدادهم بماء جاءهم من المعجزات كما قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم لولا انزل عليه آياته من ربه مع فوات آيات الحصر { وما نحن بتاركى آلهتنا } اى بتاركى عبادتهم واصله تاركين سقطت النون بالاضافة { عن قولك } حال من الضمير فى تاركى كأنه قيل وما نترك آلهتنا صادرين عن قولك اى صادرا تركنا عن ذلك باسناد حال الوصف الى الموصوف ومعناه التعليل على ابلع وجه لدلالته على كونه علة فاعلية ولا يفيده الباء واللام
قال السعدى المفتى قد يقال عن للسببية كما فى قوله تعالى { الا عن موعدة وعده اياه } فيتعلق بتاركى اى بقولك المجرد عن حجة { وما نحن لك بمؤمنين } اى بمصدقين فيما تدعونا اليه من التوحيد وترك عبادة الآلهة وهم اقناط له من الاجابة والتصديق(5/444)
إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54)
{ ان نقول الا اعتريك } قوله اعتراك جملة مفسرة لمصدر محذوف تقديره ما نقول فى شأنك الا قولنا اعتراك اى اصابك من عراه يعره اذا اصابه { بعض آلهتنا بسوء } الباء للتعدية . والمعنى بالفارسية [ مكر آنكه رسانيده اند بتو برخى ازخدايان ما رنجى وكزندى وعلتى ] اى بجنون لسبك اياها وصدك عنها وعداوتك مكافاة لك منها على سوء فعلك بسوء الجزاء فمن ثم تتكلم بكلام المجانين وتهذى بهذيان المبرسمين { قال } هود { انى اشهد الله واشهدوا } اى واقول اشهدوا لئلا يلزم عطف الانشاء على الخبر { انى بريئ } تنازع فيه اشهد الله واشهدوا اى على انى بريئ { مما تشركون } اى من اشراككم(5/445)
مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55)
{ من دونه } اى من دون الله او مما تشركون من آلهة غير الله فما موصولة واشهاد الله تعالى حقيقة واشهادهم استهزاء بهم واستهانة اذ لا يقول احد لمن يعاديه اشهدك على انى بريء منك الا وهو يريد عدم المبالاة ببراءته والاستهانة بعداوته
واعلم انهم لما سمعوا اصنامهم آلهة واثبتوا لها الضرر نفى هود بقوله انى اشهد الله الآية كونهم آلهة رأسا ثم نفى الضرر بقوله { فكيدونى } الكيد ارادة مضرة الغير خفية وهو من الخلق الحيلة السيئة ومن الله التدبير بالحق لمجازاة اعمال الخلق اى ان صح ما تفوهتم به من كون آلهتكم مما تقدر على اضرار من يسبها ويصد عن عبادتها فانى بريئ منها فكونوا أنتم وآلهتكم { جميعا } حال من ضمير كيدونى على قصد اهلاكى بكل طريق { ثم لا تنظرون } لا تمهلونى ولا تسامحونى فى ذلك فالفاء لتفريع الامر على زعمهم فى قدرة آلهتهم على ما قالوا وعلى البراءة كليهما كما فى الارشاد
وفيه اشارة الى النفس وصفاتها والشيطان والهوى والدنيا فى كيد القلب على الدوام والقلب المؤيد بالتأييد الربانى لا يناله كيدهم
جملة عالم اكر دريا شود ... جون تو باحق ترنكردد باى تو(5/446)
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)
{ انى توكلت علىلله ربى وربكم } يعنى انكم والهتكم لا تقدرون على ضررى فانى متوكل على الله القادر القوى وهو مالكى ومالك كل شيء اذ { ما من دابة } نسمة تدب على الارض { الا هو } اى رب تعالى { آخذ بناصيتها } الناصية عند العرب منبت الشعر فى مقدس الرأس ويسمى الشعر النابت هناك ايضا ناصية تسمية له باسم منبته والاخذ بناصيته الانسان عبارة عن قهره والغلبة عليه وكونه فى قبضة الآخذ بحيث يقدر على التصرف فيه كيف يشاء والعرب اذا وصفوا انسانا بالذلة والخضوع لرجل قالوا ما ناصيته الا بيد فلان اى انه مطيع له لان كل من اخذت بناصيته فقد قهرته واخذ الله بناصية الخلائق استعارة تمثيلية لنفاذ قدرته فيهم . والمعنى الا وهو مالك لها قادر عليها يصرفها على ما يريد بها والغرض من هذا الكلام الدلالة على عظمته وجلالة شأنه وكبرياء سلطانه وباهر قدرته وان كل مقدور وان عظم وجل فى قوته وجثته فهو مستصغر الى جنب قدرته مقهور تحت قهره وسلطانه منقاد لتكوينه فيه ما يشاء غير ممتنع عليه { ان ربى على صراط مستقيم } يعنى انه على الحق والعدل فى ملكه لا يفوته ظالم ولا يضيع عنده معتصم به
وفى التأويلات النجمية { ما من دابة } تدب فى طلب الخير والشر { الا هو آخذ بناصيتها } يجرا بها الى الخير والشر وهى فى قبضة قدرته مذللة له { ان ربى على صراط مستقيم } فى اصلاح حال اهل الخير وافساد حال اهل الشر
وفيه اشارة اخرى ان ربى على صراط مستقيم يدل طالبيه به عليه يقول من طلبه فليطلبه على صراط مستقيم الشريعة على اقدام الطريقة فانه يصل اليه بالحقيقة وايضا يعنى الصراط المستقيم هو الذى ينتهى اليه لا الى غيره كقوله { وان الى ربك المنتهى } [ ودر نقد النصوص قدس سر جامعه مذكور است درباب احديث افعال وبيان تأثيرات ومؤثرات كه آن ذات متعاليه كه فى الحقيقة مصدر جميع افعال ومؤثر درتمام منفعلا تست بحكم تربيت هريكى را بحسب قابليات بسوى حضرت خود مى كشاند انيست سر آخذ بناصيتها ان ربى على صراط مستقيم ]
كش كشاند مى كشد كانا اليه راجعون ... جوروى جاى دكر فكر غلط باشد جنون
وازين مقوله ها است قول قائل
جون همه راه اوست ازجب وراست ... توبهرره كه ميرى اوراست
جون از بود ابتداى همه ... هم بدو باشد انتهاى همه(5/447)
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57)
{ فان تولوا } فان تولوا بحذف احدى التاءين اى وان تستمروا على التولى والاعراض فلا تفريط منى { فقد ابلغتكم ما ارسلت به اليكم } اى لانى قد اديت ما علىّ من الابلاغ والزام الحجة وكنتم محجوجين بان بلغكم الحق فابتم الا التكذيب والجحود فالمذكور دليل الجزاء { ويستخلف ربى قوما غيركم } كلام مستأنف اى ويهلككم الله ويجيئ بقوم آخرين يخلفونكم فى دياركم واموالكم { ولا تضرونه } بتوليكم واعراضكم { شيأ } من ضرر قط لانه لا يجوز عليه المضار والمنافع وانما تضرون انفسكم { ان ربى على كل شيء حفيظ } رقيب فلا يخفى عليه اعمالكم ولا يغفل عن مجازاتكم
واعلم انه بين وجوب التوكل على الله وكونه حفيظا حصينا اولا بان ربوبيته عامة لكل واحد ومن يرب يدبر امر المربوب ويحفظه فلا يحتاج حفظ الغير وثانيا بان كل ذى نفس تحت قهره اسير عن الفعل والتأثير فى غيره فلا حاجة الى الاحتراز منه وثالثا بانه على طريق العدل فى عالم الكثرة الذى هو ظل وحدته فلا يسلط احدا على احد الا عن استحقاق لذلك بسبب ذنب وجرم لا يعاقب احدا من غير زلة ولو صغيرة نعم قد يكون لتزكية ورفع درجة فالمستفاد فى ضمن ذلك كله نفى القدرة عنهم وعن آلهتهم فلا حول ولا قوة الا بالله والله تعالى لا يظلم الناس مثقال ذرة وما يرى فى صورة الظلم فمن خفأ سره وحكمته والعارف ينظر الى الاسرار الآلهية ويحمل الوقائع على الحكم -حكى- انه كان رجل سقاء بمدينة بخارى يحمل الماء الى دار صائغ مدة ثلاثين سنة وكان لذلك الصائغ زوجة صالحة فى نهاية الحسن والبهاء فجاء السقاء على عادته يوما واخذ بيدها وعصرها فلما جاء زوجها من السوق قالت ما فعلت اليوم خلاف رضى الله تعالى فقال ما صنعت فالحت فقال جاءت امرأة الى دكانى وكان عندى سوار فوضعته فى ساعدها فاعجبنى بياض يدها فعصرت فقالت الله اكبر هذه حكمة خيانة السقاء اليوم فقال الصائغ ايتها المرأة انى تبت فاجعلينى فى حل فلما كان من الغد جاء السقاء وتاب وقال يا صاحبة المنزل اجعلينى فى حل فان الشيطان قد اضلنى فقالت امض فان الخطأ لم يكن الا من الشيخ الذى فى الدكان فاقتص الله منه فى الدنيا وامثال ذلك من عدل الله تعالى فليكن العباد على العدالة وخصوصا الحكام والسلاطين فان العدل ينفع فى الدنيا والآخرة -حكى- ان ذا القرنين سأل من ارستطا ليس اى شيء أفضل للملوك الشجاعة ام العدل فقال اذا عدل السلطان لم يحتج الى الشجاعة فمن آمن بالملك الديان وخشى من عذابه كل آن فقد عدل واحترز عن الظلم والطغيان وفاز بالدرجات فى اعلىلجنان والا فقد عرض نفسه لعذاب النيران ولعذاب الدنيا ايضا على اشد ما كان ألا ترى الى قوله تعالى حكاية { ويستخلف ربى قوما غيركم } مع ماله من انواع اللعنة : قال السعدى قدس سره
نماند ستمكار بد روزكار ... بماند برو لعنت بإيدار
خنك روز محشر تن دادكر ... كه در سايه عرش داردمقر(5/448)
وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58)
{ ولما } [ آن هنكام كه ] { جاء امرنا } اى عذابنا فيكون واحد الامور اوامرنا بالعذاب فيكون مصدر امر { نجينا هوجا والذين آمنوا معه } وكانوا اربعة آلاف { برحمة } عظيمة كائنة { منا } اى نجيناهم بمجرد رحمة وفضل لا باعمالهم لانه لا ينجو احد ان اجتهد فى الاعمال والعمل الصالح الا برحمة الله تعالى كما هو مذهب اهل السنة { ونجيناهم من ذعاب غليظ } شديد وهو تكرير لبيان ما نجيناهم منه اى كانت تلك التنجية تنجية من عذاب غليظ وهى السموم التى كانتى تدخل انوف الكفرة وتخرج من ادبارهم فتقطعهم اربا اربا وقد سبق تفصيل القصة فى سورة الاعراف فارجع اليها
وفيه اشارة الى ان العذاب نوعان خفيف وغليظ فالخفيف هو عذاب الشقاوة المقدرة قبل خلق الخلق والغليظ هو عاب الشقى بشقاوة معاملات الاشقياء لتى تجرى عليه مع شقامته المقدرة له قبل الوجود كما فىلتأويلات النجمية -روى- ان الله تعالى لما اهلك عادا ونجى هودا والمؤمنين معه اتوا مكة وعبدوا الله تعالى فيها حتى ماتوا
قال فى انسان العيون كل نبى من الانبياء كان اذا كذبه قومه خرج من بين اظهرهم واتى مكة يعبد الله تعالى حتى يموت وجاء ( ما بين الركن اليمانى والركن الاسود روضة من رياض الجنة ) وان قبر هود وشعيب وصالح واسماعيل عليهم السلام فى تلك البقعة وفى فتوح الحرمين
هيج نبى هيج ولى هم نبود ... كونه برين دررخ اميد سود
كعبه بود نوكل مشكين من ... تازه از وباغ دل ودين من(5/449)
وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)
{ وتلك } القبيلة يا قوم محمد { عاد } قال العلامة الطيبى كأنه تعالى اذن بتصوير تلك القبيلة فى الذهن ثم اشار اليها وجعلها خبرا للمبتدأ لمزيد الابهام فيحسن التفسير بقوله { جحدوا بآيات ربهم } كل الحسن لمزيد الاجمال والتفصيل انتهى
ويجوز ان تكون اشارة الى قبورهم وآثارهم كأنه تعالى قال سيروا فى الارض فانظروا اليها واعتبروا ففى الكلام مجاز حذف اما قبل المبتدأ اى اصحاب تلك واما قبل الخبر اى قبور عاد كفروا بآيات ربهم بعد ما استيقنوها يعنى انهم كانوا يعرفون انها حق لكنهم جحدوا كما يجحد المودع الوديعة ويستمر على جحوده ولا يرعوى { وعصوا رسله } لانهم عصوا رسولهم ومن عصى رسوله فقد عصى الكل لاتفاق كلمتهم على التوحيد واصول الشرائع . قيل لم يرسل اليهم الا هود وحده وهذا الحجود والعصيان شامل لكل فرد منهم اى لرؤسائهم واسافلهم(5/450)
وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60)
{ واتبعوا } اى الاسافل { امر كل جبار } [ فرمان هرسر كشى ] { عنيد } [ ستيزه كاررا ]
قال فى التبيان الجبار المتعظم فى نفسه المتكبر على العباد والعنيد الذى لا يقول الحق ولا يقبله
وقال القاضى اى من كبرائهم الطاغين
قال سعدى المفتى اشار الى ان الجبار بمعنى المتكبر فانه يأتى بمعنى المتكبر الذى لا يرى لاجد عليه حقا ويقال اذا طغى . والمعنى عصوا من دعاهم الى الايمان وما ينجيهم واطاعوا من دعاهم الى الكفر وما يرديهم { واتبعوا } اى التابعون والرؤساء { فى هذه الدنيا لعنة } اى ابعادا عن الرحمة وعن كل خير اى جعلت تابعة لهم ولازمة تكبهم فى الذعاب كمن ياتى خلف شخص فيدفعه من خلفه فيكبه وانما عبر عن لزوم اللعنة لهم بالتبعية للمبالغة فكأنها لا تفارقهم وان ذهبوا كل مذهب بل تدور معهم حيثما داروا ولوقوعه فى صحبة اتباعهم فى يوم القيامة ايضا لعنة وهى عذاب النار المخلد حذفت لدلالة الاولى عليها { الا ان عادا كفروا ربهم } جحدوه كأنهم كانوا من الدهرية وهم الذين يرون محسوسا ولا يرون معقولا وينسبون كل حادث الى الدهر
قال فى الكواشى كفر يستعل متعديا ولازما كشكرته وشكرت له { ألا بعد العاد } [ بدانديكه دوريست مرعاديانرا يعنى ازرحمت دورند ] كما قال فى التبيان وعاد ارم الحديث وانما كرر ألا ودعاءه عليهم واعاد ذكرهم تهويلا لامرهم وتفظيعا له وحثا على الاعتبار بهم والحذر من مثل حالهم : وفى المثنوى
بس سباس اوراكه مارا درجهان كرد بيدا از بس بيشينيان ... تاشنيديم آن سياستهاى حق
بر قرون ماضيه اندر سبق ... استخوان وبشم آن كركان عيان
بنكريد ويند كيريد اى مهان ... عاقل از سر بنهد اين هستى وباد
جون شنيد انجام فرعونان وعاد ... ورنه بنهد ديكران از حال او
عبرتى كيرند از اضلال او ... ثم قوله { ألا بعدا لعاد قوم هود } دعاء عليهم بالهلاك اى ليبعد عاد بعدا وليهلكوا والمراد به الدلالة على انهم كانوا مستوجبين لما نزل عليهم بسبب ما حكى عنهم وذلك لان الدعاء بالهلاك بعد هلاكهم ففائدته ما ذكر ثم اللام تدل ايضا على الاستحقاق وعلى البيان كأنه قيل لمن فقيل لعاد
قال سعدى المفتى ويجوز ان يكون دعاء عليهم باللعن
وفى القاموس البعد والبعاد اللعن انتهى
وفى الكفاية شرح الهداية اللعن على ضربين . احدهما الطرد من رحمة الله تعالى وذلك لا يكون الا للكافر . والثانى الابعاد عن درجة الابرار ومقام الصالحين وهو المراد بقوله عليه السلام « المحتكر ملعون » لان اهل السنة والجماعة لا يخرجون احدا من الايمان بارتكاب الكبيرة وجاء فى اللعن العام « لعن الله من لعن والديه ولعن الله لغير الله من آوى محدثا ولعن الله من غير منار الارض »(5/451)
قوله محدثا بكسر الدال معناه الآتى بالامر المنكر مما نهى عنه وحرم عليه اى من آواه وحماه وذب عنه ولم يكن ينكر عليه ويردعه . ومنار الارض العلامات التى تكون فى الطرق والحد بين الاراضى وفى الحديث « لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده والواشمة والموشومة ومانع الصدقة ولمحلل والمحلل له » الوشم هو الزرقة الحاصلة فى البدن بغرز الابرة فيه وجعل النيلة او الكحل فى موضعه . والواشمة الفاعلة . والموشومة المفعول بما فى ذلك وفى الحديث « لعن الله الراشى والمرتشى والرائش » اى الذى يسعى بينهما وفى الحديث « لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها وللمحمولة ليه واكل ثمنها » ويكره للمسلم ان يؤجر نفسه من كافر لعصر العنب كما فى الاشباه ويجوز بيع العصير لمن يتخذه خمرا لان عين العصير عار من المعصية وانما يلحقه الفساد بعد تغيره بخلاف بيع السلاح فى ايام الفتنة لان عينه آلة بلا تغيير يعنى يكره بيع السلاح ايام الفتنة اذا علم ان المشترى من اهل الفتنة لانه يكون سببا للمعصية واذا باع مسلم خمرا وقبض الثمن وعليه دين كره لرب الدين اخذه منه لان الخمر ليست بمال متقوم فى حق الذمى فملك الثمن فحل الاخذ منه وفى الحديث « لعن المسلم كقتله »
قال ابن الصلاح فى فتاواه قاتل لحسين رضى الله عنه لا يكفر بذلك وانما ارتكب ذنبا عظيما وانما يكفر بلقتل قاتل نب من الانبياء
ثم قال والناس فى يزيد ثلاث فرق . فرقة تتولاه وتحبه . وفرقة تسبه وتلعنه . وفرقة متوسطة فى ذلك لا تتولاه ولا تلعنه وتسلك به مسالك سائر ملوك الاسلام وخلفائهم غير الراشدين فى ذلك وهذه الفرقة هى المصيبة ومذهبها هو اللائق بمن يعرف سير الماضين ويعلم قواعد الشريعة المطهرة انتهى
وقال سعد الدين التفتازانى
اللعن على يزيد فى الشرع يجوز ... واللاعن يجزى حسنات ويفوز
قد صح لدى انه معتل ... واللعن مضاعف وذلك مهموز
وباقى البحث فيه قد سبق فى سورة البقرة ألا لعنة الله على الظالمين
قال فى حياة الحيوان ان الله تعالى لم يجعل الدنيا مقصودة لنفسها بل جعلها طريقة موصولة الى ما هو المقصود لنفسه وانه لم يجعلها دار اقامة ولا جزاء وانما جعلها دار رحلة وبلاء وانه ملكها فى الغالب الجهلة والكفرة وحماها الانبياء والاولياء والابدال وحسبك بها هوانا انه سبحانه صغرها وحقرها وابغضها وابغض اهلها ومحبها ولم يرض لعاقل فيها الا بالتزويد للارتحال عنها وفى الحديث « الدنيا ملعونة ملعون ما فيها الا ذكر الله ومن والاه وعالما واو متعلما » ولا يفهم من هذا اباحة لعن الدنيا وسبها مطلقا كما روى ابو موسى الاشعرى ان النبى صلى الله عليه وسلم قال(5/452)
« لا تسبوا الدنيا فنعمت مطلية المؤمن عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر ان العبد اذا قال لعن الله الدنيا قالت الدنيا لعن الله من عصى ربه » وهذا يقتضى لمنع من سبب الدنيا ولعنها . ووجه الجمع بينهما ان المباح لعنه من الدنيا ما كان منها مبعدا عن الله تعالى وشاغلا عنه كما قال السلف كل ما شغلك عن الله سبحانه من مال وولد فهو مشئوم عليك واما ما كان من الدنيا يقرب من الله ويعين على عبادته فهو المحمود بكل لسان المحبوب لكل لسان فمثل هذا لا يسب بل يرغب ويحب واليه الاشارة حيث قال « الا ذكر الله ومن والاه او عالما او متعلما » وهو المصرح به فى قوله « نعمت مطية المؤمن » الخ وبهذا يرتفع التعارض بين الحديثين
واعلم ان حقيقة اللعن هو الطرد عن الحضرة الآلهية الى طلب شهوات الدنيا وتعب وجدانها وتعب فقدانها فهو اللعنة الدنيوية واما اللعنة يوم القيامة فبالبعد والخسران والحرمان وعذاب النيران فلنفس اذا لم تقبل نصيحة هود القلب وتركت مشارب القلب الدينية الباقية من لوامع النورانية وطوامع الروحانية وشواهد الربانية واقبلت على المشارب الدنيوية الفانية من الشهوات والمستلذات الحيوانية وثناء الخلق عندهم وامثال هذا فقد جاء فى حقها ألا بعدا اى طردا وفرقة وقطيعة وحسرة لها عصمنا الله واياكم من مكايد النفس الامارة وشرفنا بصلاح الحال الى آخر الاعمار والآجال(5/453)
وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61)
{ والى ثمود } اى وارسلنا الى ثمود وهى قبيلة من العرب سموا باسم ابيهم الاكبر ثموج بن عاد بن ارم بن سام . وقيل انما سموا بذلك لقلة مائهم من الثمد وهو الماء القليل . فى تفسير ابى الليث انما لم ينصرف لانه اسم قبيلة وفى الموضع الذي ينصرف جعله اسما للقوم { اخاهم } اى واحدا منهم فى النسب { صالحا } عطف بيان لاخاهم وهو صالح بن عبيد بن آسف بن ماسخ بن عبيد بن خاور ابن ثمود { قال } استئناف بيانى كأن قائلا قال فما قال لهم صالح ارسل اليهم فقيل قال { يا قوم } [ اى قوم من ] { اعبدوا الله } وحده لانه { ما لكم من اله غيره } [ نيست شمارا معبودى جزوى ] { هو } لا غيره لانه فاعل معنوى وتقديمه يدل على القصر { انشأكم } كونكم وخلقكم { من الارض } من لابتداء الغاية اى ابتداء انشاءكم منها فانه خلق آدم من التراب وهو انموذج منطو على جميع ذرياته التى ستوجد الى يوم القيامة انطواء اجماليا لان كل واحد منهم مخلوق من المنى ومن دم الطمث والمنى انما يتولد من الدم والدم انما يتولد من الاغذية وهى اما حيوانية او نباتية والنباتية انما تتولد من الارض والاغذية الحيوانية لا بد ان تنتهى الى الاغذية النباتية المتولدة من الارض فثبت انه تعالى انشأ الكل من الارض { واستعمركم فيها } من العمر يقال عمر الرجل يعمر عمرا بفتح العين وسكون الميم اى عاش زمانا طويلا واستعمره الله اى اطال بقاءه ونظيره بقى الرجل واستبقاه الله من البقاء اى ابقاء الله فبناه استفعل للتعدية . والمعنى عمركم واستبقاكم فى الارض وبالفارسية [ وزند كانى وبقاداد شمارا درزمين . درمدارك مذ كورست كه سال عمر هريك از ثمود از سيصد تاهزار بوده ] ويجوز ان يكون من العمارة بالفارسية [ آبادان كردن ]
قال كعب قوله تعالى { واستعمركم فيها } يدل على وجوب عمارة الارض لان الاستعمار طلب العمارة والطلب المطلق منه تعالى يحمل على الامر والايجاب . والمعنى امركم بالعمارة فيها واقدركم على امارتها كما قال فى الكاشفى [ شما قدرت داد برعمارت زمين تامنازل نزه ساختيد وبر حفر انهار وغرس اشجار اشتغال نموديد ] { فاستغفروه } فاطلبوا مغفرة الله بالايمان يعنى [ ايمان أريد تا شمارا بيامرزد ] فان ما فصل من فنون الاحسان داع الى الاستغفار { ثم توبوا اليه } من عبادة غيره لان التوبة لا تصح الا بعد الايمان وقد سبق تحقيق « ثم » هذه غير مرة { ان ربى قريب } اى قريب الرحمة لقوله تعالى { ان رحمة الله قريب من المحسنين } { مجيب } لمن دعاء وسأله
قال سعدى المفتى والذى يلوح للخاطر ان قوله تعالى قريب ناظر لتوبوا ومجيب لاستغفروا اى ارجعوا الى الله فانه قريب ما هو بعيد واسألوا مه المغفرة فانه مجيب لسائله لا يخيبه(5/454)
محالست اكر سربرين در نهى ... كه باز آيدت دست حاجت تهى
وحفظ العبد من الاسم المجيب ان يجيب ربه فيما امره ونهاه ويتلقى عباده بلطف الجواب واسعاف السؤال والعبد اذا اجاب ربه فالله تعالى يجيبه كما قال ابو طالب لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ما اطوع ربك فقال عليه السلام « وانت يا عم لو اطعنه لاطاعك »
قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر الدعاء يوذن بالبعد وهو تعالى يوذن بالبعد وهو تعالى القريب واذا كان القريب فلم تدعو وان سكت قال لك لم تدعو هل استكبرت فلم تبق الغبطة الا للاخرس وهو البكم صم بكم عمى طوبى لهم وحسن مآب انتهى
وهذا وصف العلماء بالله وهم الذين قيل فيهم من عرف الله كل لسانه
جو بيت المقدس درون بر قباب ... رها كرده ديوار بيرون خراب
بخود سرفروبرده همجون صدف ... ند ماند زدريا بر آورده كف
واعلم ان عمارة الظاهر بافعال الشريعة من اسباب عمارة الباطن باخلاق الربانية . قال العلماء العمارة متنوعة الى واجب ومندوب ومباح وحرام
فالواجب مثل سد الثغور وبناء القناطر على الانهر المهلكة وبناء المسجد الجامع فى المصر وغير ذلك
والمندوب كبناء القناطر على الانهر الصغيرة والمساجد والمدارس والرباطات وحو ذلك تيسيرا للناس والمباح كالزوايا والخانقات والبيوت التى تقى الحر والبرد وربما تكون الاخيرة واجبة
قال فى الاسرار المحمدية الغرض من المسكن دفع المطر والبرد واقل الدرجات فيه معلوم وما زاد عليه فهو من الفضول والاقتصار على الاقل والادنى يمكن فى الديار الحارة واما البلاد البادرة فى غلبة البرد ونفوذه من الجدران الضعيفة حتى كاد يهلك او يمرض فالبناء بالطين واحكامه لا يخرجه عن حد الزاهدين كذا فى ايام لصيف عند اشتداد الحر واستضراره واستضرار اولاده بالبيت الشتوى السفلى لعدم نفوذ الهواء البارد فيه ومن براغيثه فى الليل المزعجات عن النوم وانواع الحشرات فيه فلا يجوز حملهم على الزهد بان يتركهم على هذه الحال بل عليه ان يبنى لهم صيفيا علويا لما روينا عن النبى عليه السلام « من بنى بنيانا فى غير ظلم ولا اعتداء او غرس غرسا فى غير ظلم ولا اعتداء كان له اجرا جاريا ما انتفع به احد من خلق الرحمن » انتهى
والحرام كابنية الجهلة الذين بنوا للمباهاة وابنية الظلمة وغير ذلك مما ليس به حاجة . وفى الخبر « من بنى فوق ما يكفيه جاء يوم القيامة وهو حامله على عنقه » وفى الحديث « الدنيا ملعونة ملعون ما فيها الا ما كان منا لله تعالى » وكان ملوك فارس قد اكثروا من حفر الانهار وغرس الاشجار وعمروا الاعمار الطوال مع ما كان فيهم من عسف الرعايا فسأل نبى من انبياء زمانهم ربه عن سبب تعميرهم غاوحى اليه انهم عمروا بلادى فعاش فيها عبادى(5/455)
وعن معاوية انه اخذ فى احياء الارض فى آخر امره فقيل له فقال ما حملنى عليه الا قول القائل
ليس الفتى بفتى يستضاء به ولا يكون له فى الارض آثار
والمراد بهذه الآثار ما يتناول العمارة الواجبة والمندوبة : قال سعدى قدس سره
نمرد آنكه ماند بس ازوى بجاى ... بل ومسجد وخان ومهمان سراى
هر آن كو نماند ازبسش ياد كار ... درخت وجودش نياورد بار
وكر رفت آثار خيرش نماند ... نشايد بس از مرك الحمد خواند(5/456)
قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62)
{ قالوا } اى قوم صالح بعد دعوتهم الى الله تعالى وعبادته { يا صالح قد كنت فينا } فيما بيننا { مرجوا } مأمولا { قبل هذا } الوقت وهو وقت الدعوة كانت تلوح فيك مخايل الخير وامارات الرشد والسداد فكنا نرجوك ان تكون لنا سيدا ننتفع بك ومستشارا فى الامور ومسترشدا فى التدابير فلما سمعنا منك هذا القول انقطع رجاؤنا عنك وعلمنا ان لا خير فيك كما يقول بعض اهل الانكار لبعض من يسلك طريق الارادة والطلب ان هذا قد فسد بل جن وكان قبل هذا رجلا صالحا عاقلا فلا يرجى منه اليخر : وفى المثنوى
عقل جزوى عشق را منكربود ... كرجه بنمايد كه صاحب سربود
قال الحافظ
مبين حقير كدايان عشق را كين قوم ... شهان بى كمر وخسروان بى كلهند
غلام همت دردى كشان يك رنكيم ... نه زين كروه كه ازرق رداودل سيهند
{ أتنهينا } معنى الهمزة الانكار اى أتمنعنا من { ان نعبد ما يعبد آباؤنا } اى عبدوه والعدل الى صيغة المضارع لحكاية الحال الماضية { واننا } من قال انا اسقط النون الثانية من ان دون كناية المتكلمين ن وهو المختار { لفى شك مما تدعونا اليه } من التوحيد وترك عبادة الاوثان { مريب } موقع فى الريبة اى قلق النفس وانتفاء الطمأنينة : يعنى [ كمانى كه نفس را مرب ميسازد ودل آرام نمى دهد وعقل را شوريده مى كرداند ] من ارابه اى اوقعه فى الريبة واسناد الارابه الى الشك وهو ان يبقى الانسان متوقفا بين النفى والاثبات مجازى لان الريب هو انتفاء ما يرجح احد طرفى النسبة او تعارض الادلة لا نفس الشك
وقال سعدى المفتى يجوز ان يعتقدوا ان الشك يوقع فى القلق والاضطراب فيكون الاسناد حقيقيا وان كان الموقع عند الموحدين هو الله تعالى(5/457)
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63)
{ قال } صالح { يا قوم أرأيتم } اى اخبرونى { ان كنت } فى الحقيقة { على بينة } حجة ظاهرة وبرهان وبصيرة { من ربى } مالكى ومتولى امرى { وآتينى منه } من جهته { رحمة } نبوة وانما اتى بحرف الشك مع انه متيقن انه على بينة وانه نبى لا خطابه للجاحدين وهو على سبيل الفرض والتقدير كأنه قال افرضوا وقدروا انى على بينة من ربى وانى نبى بالحقيقة وانظروا ان تابعتكم وعصيت ربى فيما امرنى { فمن ينصرنى من الله } اى فمن يمنعنى من عذاب الله ففيه تضمين ينصر معنى يمنع وتقدير المضاف قبل اللفظة الجليلة
وقال فى الارشاد فمن ينصرنى منجيا من عذابه تعالى { ان عصيته } فى تبليغ رسالته والنهى عن الاشراك به { فما تزيدوننى } اذا باستتباعكم اياى كما ينبئ عنه قولهم { قد كنت فينا مرجوا قبل هذا } اى لا تفيدوننى اذ لم يكن فيه اصل الخسران حتى يزيدوه { غير تخسير } اى غير ان تجعلونى خاسرا بابطال اعمالى وتعريضى سخط الله تعالى او فما تزيدوننى بما تقولون لى وتحملوننى عليه غير ان انسبكم الى الخسران واقول لكم انكم لخاسرون فالزيادة على معناها وصيغة التفعيل للنسبة يقال فسقه وفجره اذا نسبه الى الفسق والفجور فكذا خسره اذا نسبه الى الخسران
وفى الآية اشارة الى ان لا رجوع عن الحق بعدما استبان فانه ماذا بعد الحق الا الضلال والخذلان والخسران
قال اوحد لمشايخ فى وقته ابو عبد الله الشيرازى قدس سره رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام وهو يقول من عرف طريقا الى الله فسلكه ثم رجع عنه عذبه الله بعذاب لم يعذب به احدا من العالمين
وقال الجنيد قدس سره لو اقبل صديق على الله الف سنة ثم اعرض عنه لحظة فان ما فاته اكثر مما ناله
وفى شرح التجليات البيعة لازمة الى ان يلقى الله تعالى ومن نكث الاتباع فحسبه جهنم خالدا فيها لا يكلمه الله ولا ينظر اليه وله عذاب اليم هذا كما قال ابو سليمان الدارانى قدس سره حظه فى الآخرة
واما الدنيا فقد قال ابو يزيد البسطامى قدس سره فى حق تلميذه لما خالفه دعوا من سقط من عين الله فرؤى بعد ذلك مع المخنثين وسرق فقطعت يده هذا لما نكث اين هو ممن وفى بيعته مثل تلميذ الدارانى قيل له الق نفسك فى التنور فالقى نفسه فعاد عليه بردا وسلاما وهذا نتيجة الوفاء
واعلم ان المبايع فى الحقيقة وهو معطى البيعة هو الله تعالى لكن خلق الوسائط والوسائل ليسهل الاخذ والعهد فجعل الانبياء والشيوخ الورثة والسلاطين اللاحقين بالشيوخ مبايعين فهم معصومون محفوظون لا يأمرون بمعصية اصلا ولا يتصور منهم نكث العهد قطعا فبقى الاتباع فمن لزم منهم الباب استسعد بحسن المآب ومن رجع القهقرى ونعوذ بالله الله واخزاه : فى المثنوى(5/458)
مرسكانرا جون وفا آمد شعار ... روسكانرا ننك بدنامى ميار
بى وفائى جون سكانرا عاربود ... بى وفائى جون روا دارى نمود
فعلى العاقل ان لا يكون فى تردد وشك مما دعا اليه الانبياء والاولياء من التوحيد وحقائقه بل يتبع الحق الى ان يصل لى دقائقه فان التردد والشك من اوصاف الكفرة والقلق والاضطراب من احوال الفجرة
اين تردد عقبه راه حقست ... اى خنك آنراكه بايش مطلقست
بى تردد مى رود برراه راست ... ره نمى دانى بجوكامش كجاست
كام آهورا بكيرو رومعاف ... تارسى ازكام آهو تابناف
كركران وكر شتابنده بود ... عاقبت جوينده يابنده بود
وقد رأينا فى زماننا اشخاصا يطلبون شيوخا ورثة عم على بينة من ربهم فلا يجدونهم لان فى الطلب ضعفا وترددا وفى الاعتقاد والهمة توزعا وتفرقا فاذا لم يكن الطالب على بصيرة من الامر لا يجد اهل البصيرة وان كانوا نصب عينيه بل تزداد خسارته ونعم ما قيل الشمس شمس وان لم يرها الضرير ألا ترى الى طغاة الامم السالفة كيف انكروا الانبياء مع ظهور حججهم وبراهينهم اللهم انا نسألك العصمة والتوفيق(5/459)
وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64)
{ ويا قوم } -روى- عن النبى عليه السلام انه قال ان صالحا لما دعا قومه الى الله تعالى كذبوه فضاق صدره فسأل ربه ان يأذن له فى الخروج من عندهم فاذن له فخرج وانتهى الى ساحل البحر فاذا رجل يمشى على الماء فقال له صاح ويحك من انت فقال انا من عباد الله كنت فى سفينة قومها كفرة غيرى فاهلكهم الله ونجانى منهم فخرجت الى جزيرة اتعبد هناك فاخرج احيانا واطلب شيأ من رزق الله ثم ارجع الى مكانى فمضى صالح فانتهى الى تل عظيم فرأى رجلا فانتهى اليه وسلم عليه فرد عليه السلام فقال له صالح من انت قال كانت ههنا قرية كان اهلها كفارا غيرى فاهلكهم الله تعالى ونجانى منها فجعلت على نفسى ان اعبد الله تعالى ههنا الى الموت وقد انبت الله لى شجرة رمان واظهر عين ماء آكل من الرمان واشرب من ماء العين واتوضأ منه فذهب ثالح وانتهى الى قرية كان اهلها كفارا كلهم غير اخوين مسلمين يعملان عمل الخوص فضرب النبى عليه السلام مثلا فقال لو ان مؤمنا دخل قرية فيها الف رجل كلهم كفار وفيهم مؤمن واحد فلا يسكن قلبه مع احد حتى يجد المؤمن ولو ان منافقا دخل قرية فيها الف رجل كلهم مؤمنون وفيهم منافق واحد فلا يسكن قلب المنافق مع احد ما لم يجد المنافق فدخل صالح وانتهى الى الاخوين فمكث عندهما اياما وسأل عن حالهما فاخبرا انهما يصبران على اذى المشركين وانهما يعملان عمل الخوص ويمسكان قوتهما ويتصدقان بالفضل فقال صالح الحمد لله الذى ارانى فى الارض من عباده الصالحين الذين صبروا على اذى الكفار فانا ارجع الى قومى واصبر على اذاهم فرجع اليهم وقد كانوا خرجوا الى عيد لهم فدعاهم الى الايمان فسألوه آية فقال أية آية تريدون فاشار سيدهم جندع بن عمرو الى صخرة منفردة يقال لها الكاثبة وقال له اخرج من هذه الصخرة ناقة واسعة الجوف كثيرة الوبر عشراء اى اتت عليها من يوم ارسل لفحل عليها عشرة اشهر فان فعلت صدقناك فاخذ عليهم مواثقهم لئن فعلت ذلك لتؤمنن فقالوا نعم فصلى ودعا ربه فتمخضت الصخرة تمخض النتوج بولدها فانشقت عن ناقة عشراء جوفاء وبراء كما وصفوا فقال يا قوم { هذه ناقة الله } الاضافة للتشريف والتنبيه على انها مفارقة لسائر ما يجانسها من حيث الخلقة ومن حيث الخلق لان الله تعالى خلقها من الصخرة دفعة واحدة من غير ولادة وكانت عظيمة الجثة جدا { لكم آية } معجزة دالة على صدق نبوتى فآمن جندع به فى جماعة وامتنع الباقون وانتصاب آية على الحال من ناقة الله وعاملها ما فى اسم الاشارة من معنى الفعل اى اشير اليها آية ولكم حال من آية متقدمة عليها لكونها نكرة لو تأخرت لكانت صفة لها فلما تقدمت انتصبت حالا { فذروها } اى خلوها وشأنها { تأكل فى ارض الله } ترع نباتها وتشرب ماءها فهو من قبيل الاكتفاء نحو تقيكم الحر والمراد انه عليه السلام رفع عن القوم مؤونتها يعنى [ روزئ اوبر شمانيست ونفع اورا شماراست ] كما روى انها كانت تعى الشجرة وتشرب الماء ثم تفرج بين رجليها فيحلبون ما شاؤا حتى تمتلئ اوانيهم فيشربون ويدخرون وهم تسعمائة اهل بيت ويقال الف وخمسمائة ثم انه عليه السلام لما خاف عليها منهم لما شاهد من اصرارهم على الكفر فان الخصم لا يحب حجة خصمه بل يسعى فى اخفائها وابطالها باقصى ما يمكن من السعى فلهذا احتاط وقال { ولا تمسوها بسوء } [ ومرسانيدبوى آزارى ] فالباء للتعدية بولغ فى النهى عن التعرض لها بما يضرها حيث نهى عن المس الذى هو من مبادئ الاصابة ونكر السوء ليشمل جميع انواع الاذى من ضرب وعقر ذلك اى لا تضربوها ولا تطردوها ولا تقربوها بشيء من الاذى فضلا عن عقرها وقتلها { فيأخذكم عذاب قريب } اى قريب النزول وكانت تصيف بظهر الوادى فتهرب منها انعامهم الى بطنه وتشتو ببطنه فتهرب مواشيهم الى ظهره فشق عليهم ذلك(5/460)
فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65)
{ فعقروها } عقرها قدار بامرهم ورضاهم وقسموا لحمها على جميع القرية . والعقر قطع عضو يؤثر فى النفس وقدار كهمام بالدال المهملة اسم رجل وهو قدار بن سالف وتفصيل القصة سبق فى سورة الاعراف
قال الكاشفى [ صالح عليه السلام دران وقت درميان قوم نبود وجون بيامد حال با تقريد كردند ] { فقال } لهم صالح { تمتعوا } اى عيشوا { فى داركم } فى بلدكم ومنازلكم وتسمى البلاد الديار لانه يدار فيها اى تصرف يقال دياربكر لبلادهم وتقول العرب الذين حوالى مكة نحن من عرب لدار يريدون من عرب البلد كما فى بحر العلوم { ثلاثة ايام } الاربعاء والخميس والجمعة فانهم عقروها ليلة الارعاء واهلكوا صبيحة يوم السبت كما فى التبيان قيل قال لهم تصبح وجوهكم غذا مصفرة وبعد غد محمرة واليوم الثالث مسودة ثم يصبحكم العذاب وكان كما قال { ذلك } اشارة الى ما يدل عليه الامر بلتمتع ثلاثة ايام من نزول العذاب عقيبها { وعد غير مكذوب } اى غير كذب كالمجلود بمعنى الجلد الذى هو الصلابة والجلادة او غير مكذوب فيه فحذف حرف الجر فاتصل الضمير باسم المفعول باقامته مقام المفعول به توسعا كما يقال شهدناه والاصل عهدنا فيه فاجرى الظرف مجرى المفعول وذلك لان الوعد انما يوصف بكونه غير مكذوب اذا كان من شأنه ان يكون مكذوبا وليس كذلك لان المصدوق والمكذوب من كان مخاطبا بالكلام المطابق للواقع وغير الواقع وقلما يوصف بها الا الانسان الصالح للخطاب
والاشارة ان القوم انما فعلوا ذلك جهلا منهم بحقيقة الامر ولاداء ادوأ من الجهل والدنيا مسكن النفس ومقرها والتمتع فيها ثلاثة ايام اليوم الاول هو يوم الجهل وفيه تصفر الوجوه واليوم الثانى هو يوم الغفلة وفيه تحمر الوجوه واليوم الثالث هو يوم الرين ولختم على القلوب وفيه تسود الوجوه فلا يبقى الا العذاب
فعلى العاقل ان يزيل حجاب الجهل بمعرفة الله تعالى والغفلة بليقظة قبل حصول الرين فانه عند حصوله لا يوجد له العلاج فانه الداء العضال ونعوذ بالله تعالى وكما تتلون الوجوه بنار الجلال كذلك تتلون بنور الجمال كما قال ذو النون المصرى بينما انا فى طريق البصرة اذ سمعت قائلا يقول يا شفيق يا رفيق ارفق بنا فطلبت الصوت فاذا انا بجارية متطلعة من قصر مشرف فقلت اراك مسفرة بغير خمار فقالت ما يصنع بالخمار وجه قد علاه الصفار وقلت ومم الصفار قالت من الخمار قلت يا جارية عساك تناولت من الشراب قالت نعم شربت البارحة بكأس الودّ مسرورة فاصبحت غذاة صباحى هذا من شوقه مخمورة قلت اراك حكيمة فعظينى قالت عليك بالسكوت ولزوم خدمته فى ظلم البيوت حتى يتوهم الناس انك مبهوت وارض من الله بالقوت واستعد ليوم تموت لكى يبنى لك بيت فى الملكوت اساسه من الزبرجد والياقوت : وفى الثنوى
روح همجون صالح وتن ناقه است ... روح تندر وصل وتن در فاقه است
روح صالح قابل آفات نيست ... زخم بر ناقه بود بر ذات نيست
روح صالح قابل آزار نيست ... نوريزدان سغبه كفار نيست
جسم كاخىرا بدو بيوسته جان ... ا بيازارند و بينند امتحان
بى خبر كازار اين آزار اوست ... آب اين خم متصل باآب جوست
ناقه جسم ولى را بنده باش ... تاشوى باروح صالح خواجه تاش(5/461)
فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66)
{ فلما جاء امرنا } [ بس آن هنكام كه آمد فرمان ما بعذاب ايشان ] { نجينا } التنجية [ نجات دادن ] { صالحا والذين آمنوا معه } متعلق بنجينا وبآمنوا وهو الاظهر اذا المراد آمنوا كما آمن صالح واتبعوه فى ذلك لا ان زمان ايمانهم مقارن لزمان ايمانه فان ايمان الرسول مقدم على ايمان من اتبعه من المؤمنين { برحمة } اى ملتبسين بمجرد رحمة عظيمة { منا } وفضل لا باعمالهم كما هو مذهب اهل السنة قال فى التأويلات النجمية هى توفيقاعمال النجاة
وقال فى الارشاد هى بالنسبة الى صالح النبوة والى المؤمنين الايمان { ومن خزى يومئذ } عطف على نجينا اى ونجيناهم من خزى يومئذ اى من زلة ومهانته وفضيحته ولا خزى اعظم من خزى من كان هلاكه بغضب الله وانتقامه
قال ابن الشيخ كرر نجينا لبيان ما نجاهم منه وهو هلاكهم يومئذ اى يوم اذا جاء امرنا فان اذ مضافة الى جملة محذوفة وعوض عنها التنوين او هو الذل والهوان الذى نزل بهم فى ذلك اليوم ولزمهم بحيث بقى ما لحقهم من العار بسببه مأثورا عنهم ومنسوبا اليهم الى يوم القيامة فان معنى الخزى العيب الذى تظهر فضيحته ويستحيى من مثله
واعلم ان ظرف الزمان اذا اضيف الى مبنى جاز فيه البناء والاعراب فمن قرأ بفتح الميم بناه لاضافته الى مبنى وهو اذ الغير المتمكن ومن قرأ بكسرها اعربه لاضافة الخزى اليه والقراءة الاولى لنافع والكسائى والثانية لغيرهما { ان ربك } يا محمد { هو القوى } القادر على كل شيء { العزيز } الغالب عليه لا غيره
وقال الكاشفى { هو القوى } [ اوست توانا بنجات مؤمنان { العزيز } غالب بردشمان برهلاك ايشان } ولكون الاخبار بتنجية الاولياء لا سيما عند الانباء بحلول العذاب اهم ذكرها اولا ثم اخبر بهلاك الاعداء(5/462)
وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67)
{ واخذ الذين ظلموا } انفسهم { الصيحة } اى صيحة جبرائيل عليه السلام وهو فاعل اخذ والموصول مفعول والصيحة فعلة تدل على المرة من الصياح وهو الصوت الشديد يقال صاح يصيح صياحا اى صوت بقوة وفى سورة الاعراف { فاخذتهم الرجفة } اى الزلزلة ولعلها وقعت عقيب الصيحة المستتبعة لتموج الهواء
قال الكاشفى [ در زاد المسير آورده كه در آن سه روز كه وعده حيات داشتد درخانها خود ساكن شده قبرها كنديدند ومنتظر عذاب مى بودند جون روزجهارم آفتاب طالع شده وعذاب نيامد ازمنازل بيرون آمده يكديكررا مى خواندند واستهزا ميكردندكه تاكاه جبرائيل برصورت اصل خويش بايش برزمين وسر بر آسمان برهاى خويش نشر كرده از مشرق تا مغرب بايهاى وى زرد وبالهايش سبز ودندانهاى سفيد وبراق وبيشانى باجلا ونورانى ورخساى برافروخته وموى سروى سرخ برنك مرجان ظاهر شده واوفق را بيوشيد وقوم ثمود آن حالرا مشاهده نمودند وروى بمساكن نهاده بقبور درآمدند جبرائيل نعره زدكه موتوا عليكم لعنة الله بيكبار همه مردند وزلزله درخانها افتاده سقفها برايشان فرود آمد ] { فاصبحوا } اى صاروا { فى ديارهم } فى بلادهم او فى مساكنهم { جاثمين } خامدين ميتين لا تحركون والمراد كونهم كذلك عند ابتداء نزول العذاب بهم من غير اضطراب وحركة كما يكون ذلك عند الموت المعتاد . ولا يخفى ما فيه من الدلالة على شدة الاخذ وسرعته اللهم انا نعوذ بك من حلول غضبك . وجثومهم سقوطهم على وجوههم او الجثوم السكون يقال للطير اذا باتت فى اوكارها جثمت ثم ان العرب اطلقوا هذا اللفظ على ما لا يتحرك من الموت
قال فى بحر العلوم يقال الناس جثم اى قعود لا حراك بهم ولا ينسبون بهم ولا ينسبون بنسبة ومنه المجثمة التى نهى الشرع عنها وهى البهيمة تربط وتوجمع قوائمها لترمى : وفى المثنوى
شحنة قهر خدا ايشان بجست ... خونبهاى اشترى شهرى درست
جون همه درنا اميدى سرزدند ... همجو اشتر دردو زانو آمدند
در نبى آورد جبريل امين ... شرح اين زانو زدن را جاثمين
زانو آندم زن كه تعليمت كنند ... وز جنين زاتو زدن بيمت كنند(5/463)
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68)
{ كأن لم يغنوا فيها } اى كأنهم لم يقيموا فى ديارهم ولم يكونوا احياء مترددين متصرفين وهو فى موقع الحال اى اصبحوا جاثمين مماثلين لمن لم يوجد ولم يقم فى مقام قط . والمغنى المنزل والمقام الذى يقيم الحى به يقال غنى الرجل بمكان كذا اى اقام به وغنى اى عاش { ألا } [ بدانيد ] { ان ثمود كفروا ربهم } جحدوا بوحدانية الله تعالى فهذا تنبيه وتخويف لمن بعدهم { الا بعدا } [ دورى وهلاك ] { لثمود } فقوله بعدا مصدر وضع موضع فعله فان معناه بعدوا اى هلكوا واللام لبيان من دعى عليهم وفائدة الدعاء عليهم بعد هلاكهم الدلالة على استحقاقهم عذاب الاستئصال بسبب كفرهم وتكذيبهم وعقرهم ناقة الله تعالى
وعن جابر رضى الله عنه ان رسول الله لما نزل الحجر فى غزوة تبوك قام فخطب الناس فقال « يا ايها الناس لا تسألوا نبيكم الآيات هؤلاء قوم صالح سالوا نبيهم ان يبعث لهم الناقة فكانت ترد من هذا الفج فتشرب ماءهم يوم وردها ويحلبون من لبنها مثل الذى كانوا يشربون من مائها يوم غبها فعتوا عن امر ربهم فقال تمتعوا فى داركم ثلاثة ايام وكان وعدا من الله غير مكذوب ثم جاءتهم الصيحة فاهلك الله من كان فى مشارق الارض ومغاربها منهم الا رجلا كان فى حرم الله فمنعه حرام الله من عذاب الله يقال له ابورغال » قيل له يا رسول الله من ابو رغال قال « ابو ثقيف »
الاشارة فيه انه اشار الى اهلاك النفس وصفاتها بعذاب البعد وصاعقة القهر الا ما كان فى حرم الله تعالى وهو الشريعة يعنى النفس وصفاتها ان لم تكن آمنت ولكن التجأت الى حرم الشريعة ىمنت من عذاب البعد فتكون بقدر التجائها فى القرب وجوار الحق وهو الجنة ولهذا قال تعالى للنفس المطمئنة { فادخلى فى عبادى وادخلى جنتى } كما فى التأويلات النجمية . والناس فى القرب والبعد والسلوك والترك على طبقات . فمنهم من اختار الله له فى الازل البلوغ اليه بلا كسب ولا تعمل فوقع مفطورا على النظر اليه بلا اجتهاد بدفع غيره عن مقتضى قصده . ومنهم من شغلته الاغيار عن الله زمانا فلم يزل فى علاج وجودها بتوفيق الله تعالى حتى افناها ولم يبق له سواه سبحانه . ومنهم من بقى فى الطريق ولم يصل الى المقصد الاقصى لكون نشأته غير حاملة لما اراده . ومنهم من لم يدر ما الطريق وما الدخول فيها فبقى فى مقامه الطبيعى : قال الحافظ
قومى بجدوجهد خريدند وصل دوست ... قومى دكر حواله بتقدير ميكنند
اما الاول فاخذوا بقوله تعالى { والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا } فالوصل اذا مما للكسب مدخل فيه فيكون كالوزارة الممكن حصولها بالاسباب . واما الثانى فجعلوا الوصل من الاختصاصات الالهية التى ليس للكسب مدخل فيها عند الحقيقة فهو كالسلطنة قال الله تعالى { قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء } وقال { يؤتى الحكمة من يشاء } وقال { وما يمسك فلا مرسل له } هكذا لاح للخاطر والله اعلم بالبواطن والظواهر(5/464)
وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)
{ ولقد جاءت رسلنا ابراهيم } اى وبالله لقد جاء جبريل وجمع من الملائكة معه فى صورة الغلمان الذين يكونون فى غاية الحسن والبهاء والجمال الى ابراهيم عليه السلام { بالبشرى } اى ملتبسين بالبشارة بالولد من سارة بدليل ذكره فى سورا اخرى ولانه اطلق البشرى هنا وقيد فى قوله { فبشرناها باسحق } والمطلق محمول على المقيد { قالوا } استئناف بيانى { سلاما } اى سلمنا عليك سلاما او نسلم . وبالفارسية [ سلام ميكنيم برتو سلام كردنى ] { قال } ابرهيم عليكم { سلام } حياهم باحسن من تحيتهم لان الجملة الفعلية دالة على التجدد والحدوث والاسمية دالة على الثبات والاستمرار
قال الكافى [ ابراهيم عليه السلام ندانست كه فرشتكانند ايشانرا درمهما نخانه نشانيد ] { فما } نافية { لبث } مكث ابراهيم { ان جاء بعجل } ولد البقرة { حنيذ } يعنى [ بس درنك نكرد تا آنكه آورد كوساله بريان كرده برسنك كرم ] والنيذ هو المشوى فى حفرة من الارض بالحجارة المحماة بغير تنور ومن غير ان تمسه النار كفعل اهل البادية فانهم يشوون فى الاخدود بالحجارة المحماة
وفى الكواشى حنيذ مشوى فى حفيرة يقطر دسما من خذت الفرس اذا وضعت اليه جلاله ليسيل عرقه
وفى التأويلات النجمية { قالوا سلاما } اى نبلغك سلاما قولا من رب رحيم { قال سلام } اى علينا سلام الجليل وهذا كما كان حال الحبيب ليلة اسرى به قال ( السلام عليك ايها النبى ورحمة الله وبركاته ) قال الحبيب « السلام علينا وعلى عبادنا الصالحين » والفرق بين الحبيب والخليل ان سلام الحبيب بلا واسطة وسلام الخليل بواسطة الرسل وفى سلام الحبيب والخليل ان سلام الحبيب بلا واسطة وسلام الخليل بواسطة الرسل وفى سلام الحبيب زيادة رحمة الله وبركاته { فما لبث ان جاء بعجل حنيذ } تكرمه لسلام الخليل واعزازا لرسله انتهى
قاصد دلبر كه آرد يك بيام ... از حبيب من كه أمديك سلام
مزدكانه مال وجانم مى دهم ... هرجه ميدارم براهش مة نهم(5/465)
فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70)
{ فلما رأى ايديهم لا تصل اليه } لا يمدون الى العجل ايديهم للاكل { نكرهم } انكر ذلك منهم ولم يعرف سبب عدم تناولهم منه وامتناعهم عنه { واوجس } الايجاس الادراك . وفى التهذيب [ بيم دردل كرفتن ] اى احس وادرك { منهم } من جهتهم { خيفة } لما وقع فى نفسه انهم ملائكة وان نزولهم لامر انكره الله عليه او لتعذيب قومه
قال فى التأويلات النجمية ما كان خوف ابراهيم خوف البشرية بان حاف على نفسه فانه حين رمى بالمنجنيق الى النار ما خاف على نفسه وقال اسلمت لرب العالمين وانما كان خوفه خوف الرحمة والشفقة على قومه يدل عليه { قالوا الا تخف انا ارسلنا } بالعذاب { الى قوم لوط } خاصة ما ارسلنا الى قومك فكن طيب النفس وكان اخا سارة او ابن اخى ابراهيم عليهما السلام(5/466)
وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)
{ وامرأته } سارة بنت هاران بن ناخور وهى ابنة عمه { قائمة } وراء الستر بحيث تسمع محاوراتهم او على رؤسهم للخدمة وكانت نساؤهم لا تحجب كعادة الاعراب ونازلة البوادى والصحراء ولم يكن التبرج مكروها وكانت عجوزا وخدمة الضيفان مما يعد من مكارم الاخلاق والجملة حال من ضمير قالوا اى قالوا لابراهيم لا تخف فى حال قيام امرأته { فضحكت } سرورا بزوال الخوف { فبشرناها باسحق } اى عقبنا سرورها بسرور اتم منه على ألسنة رسلنا واسحاق بالعبرانية الضحاك { ومن وراء اسحق } الوراء فعال ولامه همزة ولامه همزة عند سيبويه وابى على الفارسى وياء عند العامة وهو من ظروف المكان بمعنى خلف وقدام فهو من الاضداد وقد يستعار للزمان كما فى هذا المكان . ولمعنى وهبنا لها بعد اسحاق { يعقوب } فهو من عطف جملة على جملة ولا يكون يعقوب على هذا مبشرا به
وقال فى التبيان اى بشروها بانها تلد اسحاق وانها تعيش الى ان ترى ولد الولد وهو يعقوب بن اسحاق والاسمان يحتمل وقوعهما فى البشارة كيحيى حيث سمى فى البشارة قال الله تعالى { انا نبشرك بغلام اسمه يحيى } ويحتمل وقوعهما فى احكاية بعد ان ولد فسميا باسحاق ويعقوب وتوجيه البشارة اليها لا اليه مع انه الاصل فى ذلك للدلالة على ان الولد المبشر به يكون منها ولانها كانت عقيمة حريصة على الولد وكان لابراهيم ولده اسماعيل من هاجر لان المرأة اشد فرحا بالولد
وقال ابن عباس ووهب فضحكت تعجبا من ان يكون لها ولد على كبر سنها وسن زوجها وعلى هذا تكون الآية من التقديم والتاخير تقديره وامرأة قائمة فبشرناها باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب فضحكت كما فى بحر العلوم وتفسير ابى الليث
وقال فى التأويلات النجمية هذه البشارة لها ما كانت بشارة تتعلق ببشريتها وحيوانيتها وما كان ضحكها للسرور بحصول الابن الذى هو من زينة الدنيا وانما كان ضحكها لسرور نجاة القوم من العذاب زكانت بشارتها بنبوة ابنها اسحاق بعد ابراهيم ومن وراء اسحاق يعقوب اى بعد اسحاق يكون يعقوب نبيا وتكون النبوة فى عقبهم الى عهد خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم فانه يكون من عقب اسماعيل
قال الكاشفى عند قوله تعالى { بالبشرى } [ در حقايق آورده كه مزده بود بظهور حضرت سيد انبياء از صلب وى بآنكه خاتم بيغمبران وصاحب لواء حمداست وجه بشارت در مقابله اين تواند بودكه بدريرا جنين يسر باشد ]
خوش وقت آن بدركه جنين باشدش بسر ... ساباش ازان صدف كه جنين برورد كهر
آبا ازو مكرم وابنا ازو عزيز ... صلوا عليه ما طلع الشمس والقمر(5/467)
قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)
{ قالت } كأنه قيل فما ذا قالت اذ بشرت بذلك فقيل قالت { يا ويلتا } اى يا عجبا اصله يا ويلتى فابدل من الياء الالف ومن كسرة التاء الفتحة لان الالف مع الفتحة اخف من الياء مع الكسرة واصل هذه الكلمة فى الشر لان الشخص ينادى ويلته وهى هلكته يقول ها تعالى واحضرى فهذا او ان حضورك ثم اطلق فى كل امر عجب كقولك يا سبحان الله وهو المراد هنا
قال سعدى المفتى اصل الدهاء بالويل ونحوه فى التفجع لشدة مكروه يدهم النفس ثم استعمل فى عجب يدهم النفس { ءالد } [ ايا من بزايم ] { وانا عجوز } بنت تسعين او تسع وتسعين سنة لم الد قط { وهذا } الذى تشاهدونه { بعلى } اى زوجى واصله القائم بالامر { شيخا } ابن مائة سنة او مائة وعشرين ونصبه على الحال والعامل معنى الاشارة
قال فى الكواشى كأنها اشارت الى معروف عندهم اى هذا المعروف بعلى ثم قالت شيخا اى اشير اليه فى حال شيخوخته ولو لم يكن معروفا عندهم لكان يجب ان يكون بعلها مدة شيخوخته ولم يكن بعلها مدة شبيبته ونحوه هذا زيد قائما ان اخبرت من يعرفه صح المعنى وان اخبرت من لا يعرفه لا يصح لانه انما يكون زيدا ما قام فاذا ترك القيام فليس بزيد وقدمت بيان حالها على بيان حال بعلها لان مباينة حالها لما ذكر من الولادة اكثر اذ ربما يولد للشيوخ من الشواب ولا يولد للعجائز من الشبان { ان هذا } اى حصول الولد اكثر اذ ربما يولد للشيوخ من الشواب ولا يولد للعجائز من الشبان { ان هذا } اى حصول الولد من هرمين مثلنا { لشيء عجيب } بالنسبة الى سنة الله المسلوكة فيما بين عباده ومقصدها استعظام نعمة الله عليها فى ضمن الاستعجاب العادى لا استبعاد ذلك بالنسبة الى قدرة الله تعالى لان التعجب من قدرة الله يوجب الكفر لكونه مستلزما للجهل بقدرة الله تعالى(5/468)
قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)
{ قالوا } منكرين عليها { اتعجبين من امر الله } اى من شأن الله تعالى بايجاد الولد من كبيرين
قال الكاشفى [ ازكاوخداى تعالى هيج عجيب نيست كه از صنع آلت واز فضل بى علت ازميان دو بير فرزندى بيرون آرد
قدرتى راكه بركمال بود ... كى جنينها از ومحال بود
قال سعدى المفتى اخذ جبريل عمودا من الارض يابسا فدلكه بين اصبعيه فاذا هى شجرة تهتز فعرفت انه من الله تعالى
وفى التأويلات النجمية { من امر الله } اى من قدرة الله تعالى فان لله تعالى سنة وقدرة فيجرى امر العوام بسنته وامر الخواص اظهارا للآية والاعجاز بقدرته ومثلها امرأة عمران وهى حنة كانت عاقرا لم تلد الى ان عجزت اى صارت عجوزا ثم حملت بمريم وقد سبق فى آل عمران فاذا كان هذا الحمل بقدرة الله تعالى خارقا للعادة لم يحتج الى الحيض ايضا فى كبر السن كما فسر بعض العلماء قوله تعالى { ضحكت } بحاضت قيل لما صلب الحجاج عبد الله بن الزبير جاءته امه اسماء بنت ابى الصديق فلما رأته حاضت مع كبر سنها وقد بلغت مائة سنة وخرج اللبن من ثدييها وقالت حنت اليه مراتعه ودرت عليه مراضعه { رحمة الله } التى وسعت كل شيء واستبقت كل خير { وبركاته } خيراته النامية المتكاثرة فى كل باب التى من جملتها هبة الاولاد حالتان { عليكم } لازمتان لكم لا تفارقاكم يا { اهل البيت } ارادوا ان هذه وامثالها مما يكرمكم به رب العزة ويخصكم بالانعام به يا اهل بيت النبوة فليست بمكان عجب . والجملة مستأنفة فقيل خبر وهو الاظهر وقيل دعاء وقيل الرحمة النبوة والبركات الاسباط من نبى اسرائيل لان الانبياء منهم وكلهم من ولد ابراهيم عليه السلام ومثله قصة نوح عليه السلام { قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك } وقد سبق { انه } اى الله تعالى { حميد } فاعل ما يستوجب به الحمد من عباده لا سيما فى حقها { مجيد } كثير الخير والاحسان الى عباده خصوصا فى ان جعل بيتها مهبط البركات
وفى التأويلات النجمية { حميد } على ما يجرى من السنة والقدرة { مجيد } فيما ينعم به على العوام والخواص واصل المجد فى كلامهم السعة
قال ابن الشيخ المجد الكرم والمجيد صيغة مبالغة منه
وقال الامام الغزالى رحمه الله المجيد الشريف ذاته الجميل لفعاله الجزيل عطاؤه ونواله فكان شريف الذات اذا قارنه حسن الفعال سمى مجيدا(5/469)
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74)
{ فلما ذهب عن ابراهيم الروع } اى زال الخوف والفزع الذى اصابه لما لم يأكلوا من العجل واطمأن قلبه بعرفانهم بحقيقتهم الملكية وعرفان سبب مجيئهم { وجاءته البشرى } بنجاة قومه كما { قالوا لا تخف انا ارسلنا الى قوم لوط } او بالولد اسحاق كما قال { فبشرناها باسحق } وابراهيم اصل فى التبشير كما قال فى سورة اخرى { وبشرناه بغلام حليم } { يجادلنا } اى جادل وخاصم رسلنا لانه صرح فى سورة العنكبوت بكون المجادلة مع الرسل وجيئ بجواب لما مضارعا مع انه ينبغى ان يكون ماضيا لكونها موضوعة للدلالة على وقوع امر فى الماضى لوقوع غيره فيه على سبيل الحكاية الماضية { فى قوم لوط } فى شانهم وحقهم لرفع العذاب جدال الضعيف مع القوى لا جدال القوى مع الضعيف بل جدال المحتاج الفقير مع الكريم الغنى وجدال الرحمة والمعاطفة وطلب النجاة للضعفاء والمساكين الهالكين وكان لوط ابن اخيه وهو لوط بن آزور بن آزر وابراهيم بن آزر ويقال ابن عمه وسارة كانت اخت لوط فلما سمعا بهلاك قوم لوط اغتما لاجل لوط فطفق ابراهيم يجادل الرسل حين قالوا انا مهلكوا اهل هذه القرية فقال أرأيتم لو كان فيها خمسون رجلا من المؤمنين أتهلكونها قالوا لا نقول فاربعون قالوا لا قال فثلاثون قالوا لا حتى بلغ خمسة قالوا لا قال أرأيتم ان كان فيها رجل واحد مسلم اتهلكونها قالوا لا فعند ذلك قال فيها لوطا قالوا نحن اعلم بمن فيها لننجيه واهله(5/470)
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75)
{ ان ابراهيم لحليم } غير عجول على الانتقام ممن اساء اليه { اواه } كثير التأوه على الذنوب والتأسف على الناس
وفى ربيع الابرار معنى التأوه الدعاء الى الله بلغة توافق النبطية { منيب } راجع الى الله تعالى بما يجب ويرضى اى كان جداله بحلم وتأوه عليهم فان الذى لا يتعجل لفى مكافأة من يؤذيه يتأوه اى يقول أوه وآه اذا شاهد وصول الشدائد الى الغير وانه مع ذلك راجع الى الله فى جميع احواله اى مان بعض احواله مشوبا بعلة راجعة الى حظ نفسه بل كان كله لله فتبين ان رقة القلب حملته على المجادلة فيهم رجاء ان يرفع عنهم العذاب ويمهلوا لعلهم يحدثون التوبة والانابة كما حملته على الاستغفار لابيه
يقول الفقير دلت الآية على ان المجادلة وقعت فى قوم لوط ودلت التفاسير على انها وقعت فى لوط نفسه والمؤمنين معه ولا تنافى بينهما فان عموم الرحمة التى حملته عليها نشأة الانبياء عليهم السلام لا يميز بين شخصين وشخص فان الامة بالنسبة الى النبى كالاولاد بالنسبة الى الاب وكفرهم لا يرفع الرحمة فى حقهم ويدل عليه حال نوح مع ابنه كنعان كما وقفت عليه فيما سبق وانما مجيئ البشرى فى حق قومه فقط فبقى الالم فى حق الغير على حاله واتصال القرابة بين ابراهيم ولوط يقتضى ان يكون قوم لوط فى حكم قوم ابراهيم فافهم(5/471)
يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)
{ يا ابراهيم } على ارادة القول اى قالت الملائكة يا ابراهيم { اعرض عن هذا } الجدال بالحلم والرحمة على غير اهل الرحمة { انه } اى الشان رقد جاء امر ربك } قدره بمقتضى قضائه الازلى بعذابهم وهو اعلم بحالهم والقضاء هو الارادة الازلية والعناية الالهية المقتضية لنظام الموجودات على ترتيب خاص والقدرة تعلق الارادة بالاشياء فى اوقاتها { وانهم آتيهم عذاب غير مردود } غير مصروف عنهم بجدال ولا بدعاء ولا بغير ذلك وانك مأجور مثاب فيما جادلتنا لنجاتهم وهذا كما كان النبى صلى الله عليه وسلم يقول « شفعوا تؤجروا وليقصنّ الله على لسان نبيه ما شاء » قال ابن الملك فى شرح الحديث لا يخفى ان مطلق الشفاعة لا يكون سببا للاجر فيحمل على ان تكون الشفاعة لارباب الحوائج المشروعة كدفع ظلم وعفو عن ذنب ليس فيه حد انتهى
والحد واجب فى اللواطة عند الامامين لانهما الحقاها بالزنى . وعند ابى حنيفة يعزر فى ظاهر الرواية وزاد فى الجامع الصغير ويودع فى السجن حتى يتوب . وروى عنه الحد فى دبر الاجنبية ولو فعل هذا بعبده او امته او منكوحته لا يحد بلا خلاف
وفى الشرح الاكملى والظاهر ان ما ذهب اليه ابو حنيفة انما هو استعظام لذلك الفعل فانه ليس فى القبح بحيث يجازى بما يجازى القتل او الزنى وانما التعزير الفتنة الناجزة كما انه يقول فى اليمين الغموس انه لا يجب فيه الكفارة لانه لعظمه لا يستتر بالكفارة
يقول الفقير الظاهر ان اتيان العذاب الغير المردود لاصرارهم على الكفر والتكذيب بعد استبانة الحق واللواطة من جملة اسباب الاتيان كالعقر لناقة الله بالنسبة الى قوم صالح -روى- ان الرسل الذين بشروا ابراهيم خرجوا بعد هذه المجادلة من عنده وانطلقوا الى قرية لوط سدوم وما بين القريتين اربعة فراسخ فانتهوا اليها نصف النهار فاذاهم بجوار يستقين من الماء فابصرتهم ابنة لوط وهى تستقى الماء فقالت لهم ما شأنكم واين تريدون قالوا اقبلنا من مكان كذا ونريد كذا فاخبرتهم عن حال اهل المدينة وخبثهم فاظهروا الغم من انفسهم فقالوا هل احد يضفنا فى هذه القرية قالت ليس فيها احد يضيفكم الا ذاك الشيخ فاشارت الى ابيها لوط وهو قائم على بابه فاتوا اليه
وقال الكاشفى [ جون نزديك شهر سدوم رسيدندكه لوط در انجا مى بودنكاه كردند ديدندكه وى درزمين كار ميكرد بيش وى رفتند وسلام كردند ] فلما رىهم وهيئتهم ساءه ذلك وهو قوله تعالى(5/472)
وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77)
{ ولما جاءت رسلنا لوطا سيئ بهم } [ اندوهكين شد بديشان ] وهو فهل مبنى للمفعول والقائم مقام الفاعل ضمير لوط من قولك ساءنى كذا اى حصل لى منه سوء وحزن وغم وبهم متعلق به اى بسببهم . والمعنى ساءه مجيئهم لا لانهم جاؤا مسافرين وهو لا يود الضيف وقراه فحاشى بيت النبوة عن ذلك بل لانهم جاؤا فى صورة غلمان حسان الوجوه فحسب انهم اناس فيخاف عليهم ان يقصدهم قومه فيعجز عن مقاومتهم ومدافعتهم
وفيه اشارة الى عروض الهمّ والحزن له لهلاك قومه بالعذاب فانظر الى التفاوت بين ابراهيم ولوط وبين قومهما حيث كان مجيئهم لابراهيم للمسرة وللوط للمساءة مع تقديم المسرة لان رحمة الله سابقة على غضبه -وروى- ان الله تعالى قال لهم لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط اربع شهادات فلما اتوا اليه قال لهم أما ابلغكم امر هذه القرية قالوا وما امرها قال اشهد بالله انها لشر قرية فى الارض عملا يقول ذلك اربع مرات فدخلوا منزله ولم يعلم بذلك احد فاذاع خبرهم امرأته الكافرة كما ستقف عليه { وضاق بهم ذرعا } [ وتنك دل شد بجهت ايشان ] وذرعا نصب على التمييز اى ضاق بمكانهم صدره او قلبه او وسعه وطاقته وهو كناية عن شدة الانقباض للعجز عن مدافعة امكروه والاحتيال فيه يقال ضاق ذرع فلان بكذا اذا وقع فى مكروه ولا يطيق الخروج منه . وفى الاخترى ضاق به ذرعا اى طاقة وضاق بالامر اى لم يطقه ولم يقو عليه وكان مد اليه يده فلم تنله . قال الازهرى الذرع يوضع موضع الطاقة والاصل فيه البعير يذرع عن ذلك فضعف ومد عنقه وجعل ضيق الذرع عبارة عن قلة الوسع والطاقة فيقال مالى به ذرع ولا ذراع اى مالى به طاقة { وقال هذا يوم عصيب } اى شديد علىّ وهو لغة جرهم كما فى ربيع الابرار ثم قال لوط لامرأته ويحك قومى اخبزى ولا تعلمى احدا وكانت امرأته كافرة منافقة فانطلقت لطلب بعض حاجاتها فجعلت لا تدخل على احد الا اخبرته وقالت ان فى بيت لوط رجالا ما رأيت احسن وجوها منهم ولا انظف ثيابا ولا اطيب رائحة فلما علموا بذلك جاؤا الى باب لوط مسرعين(5/473)
وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78)
قوله تعالى { وجاءه } اى لوطا وهو فى بيته مع اضيافه { قومه } والحال انهم { يهرعون اليه } يسرعون اليه كأنما يدفعون دفعا طلبا للفاحشة من اضيافه غافلين عن حالهم جاهلين بمآلهم والاهراع والاسراع
قال فى التهذيب الهرع [ براندن سخت وشتابانيدن ] يقال اهرع القوم وهرعوا { ومن قبل كانوا يعملون السيآت } الجملة ايضا من قومه اى جاؤا مسرعين والحال انهم كانوا من قبل هذا الوقت وهو وقت مجيئهم الى لوط منهمكين فى عمل الفواحش [ عملهاى بد از لواطه وكبوتر بازى وصفير زدن درمجالس وبراى استهزا نشستن برسرراهها ] فتمرنوا بها اى تعودوا واستمروا حتى لم تعب عندهم قباحتها ولذلك لم يستحيوا مما فعلوا من مجيئهم مهرعين مجاهرين
وفى التأويلات النجمية كانوا يعملون السيآت الموجبة للهلاك والعذاب فجاوا مسرعين مستقبلى العذاب وطلبوا من بيت النبوة من اهل الطهارة معاملة ساءتهم بخباثة نفوسهم بذلك كمال الشقاوة وسرعة العذاب انتهى
ودل ما ذكر ان جهار الفسق فوق اخفائه ولذا رد شهادة الفاسق المعلن وفى الحديث « كل تمتى معافى الا المجاهرون » اى لكن المجاهرون بالمعاصى لا يعافون بل يؤخذون فى الدنيا ان كانت مما يتعلق بالحدود واما فى الآخرة فمطلقا : قال السعدى قدس سره
نه هركز شنيدم درين عمر خويش ... كه بد مردرا نيكى آمد بيبش
نه ابليس بدكرد ونيكى نديد ... بر باك نايد زتخم بليد
{ قال يا قوم } [ اى قوم من ] { هؤلاء } مبتدأ خبره قوله { بناتى } الصلبية فتزوجوهن وكانوا يطلبونهن من قبل ولا يجيبهم لخبثهم وعدم كفاءتهم لا لعدم مشروعيته فان تزويج المسلمات من الكفار كان جائزا فى شريعته وهكذا فى اول الاسلام بدليل انه عله السلام زوج ابنتيه من ابى العاص بن وائل وعتبة بن ابى لهب قبل الوحى وهما كافران ثم نسخ ذلك بقوله تعالى { ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } وقيل لهم سيدان مطاعان فاراد ان يزوجهما ابنتيه واياما كان فقد اراد به وقاية ضيفه وذلك غاية فى الكرم { هن } مبتدأ خبره قوله { اطهر لكم } هذا لا يدل على ان اتيان الذكور كان طاهرا كما لا يدل قولك النكاح اطهر من الزنى على كون الزنى طاهرا لانه خبث ليس فى شيء من الطهارة لكن هؤلاء القوم اعتقدوا ذلك طهارة فبنى ذلك على زعمهم الفاسد واعتقادهم الباطل وهو مثل ما قال النبى عليه السلام لعمر رضى الله عنه « الله اجل واعلى » جوابا لابى سفيان حيث قال اعل هبل اعتقد علو صنمه وذلك اعتقاد فاسد لا شبهة فيه
يقول الفقير عرض عليهم اولا بناته لكى يرغبوا فيهن فينسد باب الفتنة ففيه حسن دفع لهم من اول الامر وبناته وان لم تف للجميع لكثير لانه على ما روى كان له بنتان لكنه اذا رضى بهن البعض ممن كان مكاعا انقطع عرق النزاع منالاتباع ولئن سلم انه لم يكن فيهم مطاع فلقد شاهدنا اندفاع شر كثير بخير يسير ثم حكم بكونهن اطهر وهو للزيادة لمطلقة على ما ذهب اليه الرازى فى الكثير تأكيدا فانه اذا كان المحيض اذى وقذرا يجب التجنب عنه مع كون المحل مباح الاصل فلأن يكون الجزاء كذلك اولى مع كون المحل حرام الاصل { فاتقوا الله } بترك الفواحش او بايئارهن عليهم { ولا تحزون } [ مرا رسواى نكنيد ] { فى ضيفى } فى حقهم وشأنهم فان اخزآء ضيف الرجل اخزاؤه كما ان اكرام من يتصل به اكرامه .(5/474)
والضيف مصدر فى الاصل يكون للقليل والكثير { أليس منكم رجل رشيد } رجل واحد يهتدى الى الحق ويرعوى عن القبيح
وقال الكاشفى [ آيانيست ازشما مردى راه يافته كه شمارا بند دهد واز عملهاى بد باز دارد ]
وفى التأويلات النجمية رجل رشيد يقبل نصحى ويتوب الى الله بالصدق فينجيكم من العذاب ببركته انتهى
وذلك لان الواحد على الحق كالسواد الاعظم وكالاكسير(5/475)
قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79)
{ قالوا لقد علمت ما لنا فى بناتك من حق } من حاجة اى لا رغبة لنا فيهن فلا ننكحهن ومقصودهم ان نكاح الاناث ليس من عاداتنا ومذهبنا ولذا قالوا علمت فان لوطا ان يعلم ذلك ولا يعلم عدم رغبتهم فى بناته بخصوصهن ويؤيده قوله { وانت لتعلم ما نريد } وهو اتيان الذكور وهو فى الحقيقة طلب ما اعد الله لهم فى الازل من قهره يعنى الهلاك بالعذاب ولما يئس من ارعوائهم عماهم عليه من الغى(5/476)
قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80)
{ قال لو ان لى بكم قوة } لو للتمنى وهو الانسب بمثل هذا المقام فلا يحتاج الى الجواب وبكم حال من قوة اى بطشا والمعنى بالفارسية [ كاشكى مرا باشد بدفع شما قوتى ] { او آوى الى ركن شديد } عطف على ان لى بكم لما فيه من معنى الفعل الركن بسكون الكاف وضمها الناحية من الجبل وغيره اى لو قويت على دفعكم ومقاومتكم بنفسى او التجأت الى ناصر عزيز قوى استند اليه واتمنع به فيحميني منكم شبه بركن الجبل فى الشدة والمنعة
وقال الكاشفى [ يابناه كيرم وباز كردم بركنئ سخت يعنى عشيره وقبيله كه بديشان منع شماتوانم كرد ] وكان لوط رجلا غريبا فيهم ليس له عشيرة وقبيلة يلتجئ اليهم فى الامور الملمة والغريب يعينه احد غالبا فى اكثر البلدان خصوصا فى هذا الزمان : قال الحافظ
تيمار غريبان سبب ذكر جميلست ... جانا مكر اين قاعده درشهر شمانيست
وانما تمنى القوة لان الله تعالى خلق الانسان من ضعف كما قال { خلقكم من ضعف } والعارف ينظر الى هذا الضعف ذوقا وحالا ولذا قيل ان العارف التام المعرفة فى غاية العجز والضعف عن التأثير والتصرف لانقهاره تحت الوحدة الجمعية وقد قال تعالى { فاتخذه وكيلا } والوكيل هو المتصرف فان الهم التصرف بجزم تصرف وان منع امتنع وان خير اختار ترك التصرف الا ان يكون ناقص المعرفة : وفى المثنوى
ماكه باشيم اى تومار جان جان ... تاكه ما باشيم باتو درميان
دست نى تادست جنباند بدفع ... نطق نى تادم زند از ضر ونفع
بيش قدرت خلق جمله باركه ... عاجزان جون بيش سوزن كاركه
وفى الحديث « رحم الله اخى لوطا كان يأوى لى ركن شديد » وهو نصر الله ومعونته
واختلف فى معناه
فقال الكاشفى يعنى [ بخداى بناه كرفت وخداى اورايارى دادكه ملجأ درماندكان جزدركاه اونيست ]
آستانش كه قبله همه است ... دربناهش زماهى تايمه است
هركه دل در حمايتش بستست ... ازغم هردو كون وارستست
وقال ابن الشيخ اى كان يريد ويتمنى ان يأوى الى ركن شديد وفى قوله { رحم الله } اشارة الى ان هذا الكلام عن لوط ليس مما ينبغى من حيث انه يدل على قنوط كلى ويأس شديد من ان يكون له ناصر ينصره والحال انه لا ركن اشد من الركن الذى كان ياوى اليه أليس اله بكاف عبده انتهى
وعن ابن عباس رضى الله عنهما ما بعث الله نبيا بعد لوط الا فى عز من قومه يعنى استجيب دعوته ضرورة وكان صلى الله عليه وسلم يحميه قبيلته كأبى طالب فانه كان يتعصب للنبى ويذب عنه دائما وانما اضطر الى الهجرة بعد وفاته -روى- ان لوطا اغلق بابه دون اضيافه حين جاؤا واخذ يحاولهم من وراء الباب فتسوروا الجدار فلما رأت الملائكة ما بلوط من الكرب(5/477)
قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)
{ قالوا يا لوط انا رسل ربك لن يصلوا اليك } بضرر ولا مكروه ولن يخزوك فينا وان ركنك شديد فافتح الباب ودعنا واياهم ففتح الباب فدخلوا فاستأذن جبرائيل ربه تعالى فى عقوبتهم فاذن الله فقام فى الصورة لتى يكون فيها فنشر جناحه وله جناحان وعليه وشاح من در منظوم وهو براق الثنايا فضرب بجناحه وجوههم فطمس اعينهم واعمالهم كما قال تعالى { فطمسنا اعينهم } فصاروا لا يعرفون الطريق فخرجوا وهم يقولون النجاء النجاء قال فى بيت لوط سحرة وهددوا لوطا وقالوا مكانك حتى نصبح { اسر باهلك } الاسراء بالفارسية [ رفتن بشب ] وهو لازم ومتعد وكذا السرى فان معناه [ رفتن بشب ] والمصدر على فعل خص به المعتل كما فى التهذيب والمعنى كما قال الكاشفى [ ببركشان خودرا ] { بقطع من الليل } القطع فى آخر الليل
وقال ابن عباس بطائفة من الليل والمعنى [ ببار شب يعنى بعد از كذشتن برخى ازشب ] فالباء فى باهلك للتعدية ويجوز ان تكون للحال اى مصاحبا بهم وفى قوله بقطع الحال اى مصاحبين بقطع على ان المراد به ظلمة الليل وقيل الباء فيه بمعنى فى اى اخرجوا ليلا لتستبقوا نزول العذاب الذى موعده الصبح { ولا يلتفت منكم احد } منك ومة اهلك اى لا يتخلف ولا ينصرف عنى امتثال المأثور به اولا ينظر الى ورائه فالظاهر على هذا انه كان لهم فى البلد اموال واقمشة واصدقاء فالملائكة امروهم بان يخرجوا ويتركوا تلك الاشياء ويقطعوا تعلق قلوبهم كما قال فى التأويلات النجمية { ولا يلتفت منكم احد } الى ما هم فيه من الدنيا وزينتها ومتاعها اراد به تجرد الباطن عن الدنيا وما فيها فان النجاة من العذاب والهلاك منوط به انتهى وفى الحديث « اللهم امض لاصحابى هجرتهم ولا تردهم على اعقابهم » اى انفذها وتممها لهم ولا تمسهم فى بلدة هاجروا منها لئلا ينتقض الثواب بالركون الى الوطن
قال ابو الليث فى تفسيره جمع لوط اهله وابنتيه ريثا ورعورا فحمل جبريل لوطا وبناته وماله على جناحه الى مدينة زغر وهى احدى مدائن لوط وهى خمس مدائن وهى على اربع فراسخ من سدوم ولم يكونوا على مثل عملهم انتهى ويخالفه الامر بالاسراء كما لا يخفى
وقال فى بحر العلوم وانما نهوا على الالتفات كناية عن مواصلة السير وترك التوقف لان من يلتفت الى ما وراءه لا بدله من ادنى وقفة { الا امرأتك } استثناء من قوله تعلاى { فأسر باهلك } { انه } اى الشان { مصيبها ما اصابهم } من العذاب
بابدن ياركشت همسر لوط ... خاندان نبوتش كم شد
يعنى وقعت اهل بيت نبوته فى الضلالة فهلكت والمراد امرأته فانها مع تشرفها بالاضافة الى بيت النبوة لما اتصلت باهل الضلالة صارت ضالة وادّى ضلالها وكفرها الى الهلاك معهم ففيه تنبيه على ان لصحبة الاغيار ضررا عظيما { ان موعدهم الصبح } اى موعد عذابهم وهلاكهم وهو تعليل للامر بالاسراء والنهى عن الالتفات المشعر بالحث على الاسراع كما فى الارشاد -وروى- انه قال للملائكة متى موعدهم قالوا الصبح فقال اريد اسرع من ذلك فقالوا { أليس الصبح بقريب } [ ىيانيست صبح نزديك نفى نزديكست ] وانما جعل ميقات هلاكهك الصبح لانه وقت الدعة والراحة فيكون حلول العذاب حينئذ حلول العذاب حينئذ افظع ولانه انسب بكون ذلك عبرة للناظرين(5/478)
وفيه ارة الى ان صبح يوم الوفاة قريب لكل احد فاذا ادركه فكأنه لم يلبث فى الدنيا الا ساعة من نهار : قال السعدى قدس سره
جرا دل برى كاروان مى نهيم ... كه ياران برفتند وما بررهم
بس اى خاكساركنه عن قريب ... سفر كرد خواهى بشهر غريب
برين خاك حيندان صبا بكذرد ... كه هرذره از ما بجابى برد(5/479)
فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82)
{ فلما جاء امرنا } اى وقت عذابنا وموعده وهوالصبح { جعلنا } بقدرتنا الكاملة { عاليها } اى عالى قرى قوم لوط وهى التى عبر عنها بالمؤتفكات وهى اربع مدائن فيها اربعمائة الف او اربعة آلاف
قال الكاشفى [ درهريكى صد هزار مرد شمشيررن ] وهى سدوم وعامورا وكادوما ومذوايم كانت على مسيرة ثلاثة ايام من بيت المقدس { سافلها } اى قلبناها على تلك الهيآت . وبالفارسية [ نكون ساختيم ] -روى- ان جبريل جعل جناحه فى اسفلها فاقتلعها من الماء الاسود ثم رفعا الى السماء حتى سمع اهل السماء نباح الكلاب وصياح الديكة لم يكفأ اناء ولم ينتبه نائم ثم قلبها عليهم فاقبلت تهوى من السماء الى الارض { وامطرنا عليها } على اهل المدائن من فوقهم [ اى بعد از سرنكون شدن ] وكان حقه جعلوا وامطروا اى الملائكة المأمورون به فاسند الى نفسه من حيث انه المسبب تعظيما للامر وتهويلا للخطب { حجارة من سجيل } من طين متحجر كقوله حجارة من طين واصله [ سنك كل ] فعرب { منضود } نضد فى الارسال بتتابع بعضه بعضا كقطار الامطار . والنضد وضع الشيء بعضه على بعض وهو نعت لسجيل(5/480)
مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)
{ مسومة } نعت حجارة اى معلمة لا تشبه حجارة الدنيا او باسم صاحبها الذى تصيبه ويرمى بها { عند ربك } اى جاءت من عند ربك
قال الكاشفى [ آماده كشته درخزائن بروردكار تو يراى عذاب ايشان ] -روى- ان الحجر اتبع شذاذهم اينما كانوا فى البلاد ودخل رجل منهم الحرم وكان الحجر معلقا فى السماء اربعين يوما حتى خرج فاصابه فاهلكه [ در تفسير زاهدى آورده كه سنك كلان اوبرابرخمى بود وخردى مساوى اسبوى ] يقول الفقير لعل الامطار على نلك القرى بعد القلب انما هو لتكميل العقوبة كالرجفة الواقعة بعد الصيحة لقوم صالح ولتحصيل لهلاك لمسافريهم الخارجين من بلادهم لمصالحهم وهو الظاهر والله اعلم { وما هى } اى الحجارة الموصوفة { من الظالمين } من كل ظالم فهو بسبب ظلمهم ستحقون لها ملابسون بها { بعيد } تذكيره على تأويل الحجارة بالحجر . وفيه وعيد لاهل الظلم كافة وعنه عليه السلام انه سأل جبرائيل فقال يعنى ظالمى امتك ما من ظالم الا وهو بعرضة حجر يسقط من ساعة الى ساعة يقال فلان عرضة للناس لا يزالون يقعون فيه وجعلت فلانا عرضة لكذا اى نصبته فلا تظن الظالمين انهم يتخلصون ويسلمون من هذه الحجارة جل تسقط عليهم وقت وفاتهم وحصولهم الى صباح موتهم ونظيره ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قاعدا مع اصحابه فى المسجد فسمعوا هدّة عظيمة وهى صوت انهدام الحائط فارتاعوا اى خافوا وفزعوا فقال عليه السلام « أتعرفون ما هذ الهدة » قالوا الله ورسوله اعلم قال « حجر القى من اعلى جهنم منذ سبعين سنة الآن وصل الى قعرها وكان وصوله الى قعرها وسقوطه فيها هذه الهدة » فما فرغ من كلامه الا والصراخ فى دار منافق من المنافقين قد مات وكان عمره سبعين سنة فلما مات حصل فى قعرها قال الله تعالى { ان المنافقين فى الدرك الاسفل من النار } فكان سماعهم تلك الهدة التى اسمعهم الله ليعتبروا وفى الخبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ليلة اسرى بى الى السماء رأيت فى السماء الثالثة حجارة موضوعة فسألت عن ذلك جبريل فقال لا تسأل عنها فلما انصرفت وقفت على تلك الحجارة وقلت اخبرنى عن الحجارة فقال هذه الحجارة فصلت من حجارة قوم لوط خبئت للظالمين من امتك ثم تلا وما هى من الظالمين ببعيد » كذا فى زهرة الرياض
جون عالم ازتمكر ننك دارد ... عجب نبودكه بروى سنك بارد
وفى التبيان والبعيد الذى ليس بكائن ولا يتصور وقوعه وكل ما هو كائن فهو قريب
وعن محمد بن مروان قال صرت الى جزيرة النوبة فى آخر ممرنا فامرت بالمضارب فخرج النوب يتعجبون واقبل ملكهم رجل طويل اصلع حاف عليه كساء فسلم وجلس على الارض فقلت له مالك لا تقعد على البساط قال انا ملك وحق لمن رفعه الله ان يتواضع له اذا رفعه(5/481)
تواضع زكردن فرازان نكوست ... كدا كرتواضع كند خوى اوست
ثم قال ما بالكم تطاون الزرع بدوابكم والفساد محرم عليكم فى دينكم قلت اشياعنا فعلوه بجهلهم قال فما بالكم تلبسون الديباج وتتحلون بالذهب والفضة وهى محرمة عليكم على لسان نبيكم قلت فعل ذلك اعاحم من خدمنا كرهنا الخلاف عليهم فجعل ينظر فى وجهى ويكرر معاذرى على وجه الاستهزاء ثم قال ليس كما تقول يا ابن مروان ولكنكم قوم ملكتكم فظلمتم وتركتم ما امرتم فاذاقكم الله وبال امركم ولله فيكم نعم لم تحص وانى اخشى ان ينزل بك وانت فى ارضى مصيبة فتصيبنى معك فارتحل عنى
واعلم ان الظلم من نتائج القساوة التى تمطر على كل قلب مقدار ما قدره فلا يزال يزداد ظلم المرء بحسب ازدياد قساوة قلبه فاذا احاطت بمرىة قلبه قساوته ابعد من ان يكون مرجوا نجاته وكان من المهلكين بحجر القساوة النازلة من سماء القهر والجلال عصمنا الله واياكم من البغى والفساد وارشدنا الى العدل والصلاح انه ولى الارشاد(5/482)
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84)
{ والى مدين } هو اسم ابن ابراهيم عليه السلام ثم صار اسما للقبيلة او اسم مدينة بناها مدين فسميت باسمه اى وارسلنا الى قبيلة مدين او ساكنى بلدة مدين { اخاهم } اى واحدا منهم فى النسب { شعيبا } عطف بيان له وهو ابن ميكيل بن يشجر بن مدين { قال } استئناف بيانى { يا قوك } [ اى كروه من ] { اعبدوا الله } وحده لا تشركوا به شيأ من الاصنام لانه { ما لكم من اله غيره } اى ليس لكم اله سوى الله تعالى وكانت كلمة جميع الانبياء فى التوحيد واحدة فدعوا الى الله الواحد وعبادته فامرهم شعيب بالتوحيد اولا لانه ملاك الامر وقوامه ثم نهاهم عما اعتادوه من النقص فى الكيل والوزن لانه يورث الهلاك فقال { ولا تنقصوا المكيال والميزان } اى آلة الوزن والكيل وكان لهم مكيالان وميزانان احدهما اكبر من الآخر فاذا اكتالوا على الناس يستوفون بالاكبر واذا كالوهم او وزنوهم يخسرون بالاصغر والمراد لا تنقصوا حجم المكيال عن المعهود وكذا الصنجات كى تتوسلوا بذلك الى بخس حقوق الناس ويجوز ان يكون من ذكر لمحل وارادة الحال . والمعنى بالفارسية [ مكاهيد وكم مكنيد بيمانه را دريمودن مكيلات وترازورا در سنجيدن موزونات ] وكل من البخسين شائع فى هذا الزمان ايضا كأنه ميراث من الكفرة الخائنين { انى ارايكم بخير } علة للنهى اى ملتبسين بثروة وسعة تغنيكم عن التطفيف . يعنى [ درمانده ومحتاج نيستيدكه داعى باشد شمارا بخيانت بلكه منعم وتوانكريد رسم حق كزارى آنست كه مردم را از مال خود بهره مند كنيد نه آنكه از حقوق ايشان باز كيريد ] { وانى اخاف عليكم } وان لم ترجعوا عن ذلك النقص { عذاب يوم محيط } لا يشذ منه احد منكم . والمراد منه عذاب يوم القيامة او عذاب الاستئصال ووصف اليوم بالاحاطة وهى حال العذاب لاشتماله عليه ففيه اسناد ومجازى واصل العذاب فى كلام العرب من العذب من معاودة مثل جرمه ويمنع غيره من مثل فعله(5/483)
وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85)
{ ويا قوم اوفوا المكيال والميزان } ايفاء الحق اعطاؤه تاما كاملا اى اسعوا فى اعطاء الحق على وجه التمام والكمال بحيث يحصل لكم اليقين بالخروج عن العهدة { بالقسط } حال من فاعل او فوا اى ملتبسين بالعدل والتسوية من غير زيادة ولا نقصان فان الزيادة فى الكيل والوزن وان كانت تفضلا مندوبا اليه لكنها فى الآلة محظورة كالنقص فلعل الزائد للاستعمال عند الاكتيال والناقص للاستعمال وقت الكيل كذا فى الارشاد . وصرح بالايفاء بعد النمهى عن ضده لان النهى عن نقص حجم المكيال وصنجات الميزان والامر بايفاء المكيال والميزان حقهما بان لا ينقص فى الكيل والوزن وهذا الامر بعد مساواة المكيال والميزان للمعهود فلا تكرار فى الآية كما فى حواشى سعدى المفتى { ولا تبخسوا الناس اشياءهم } مطلقا اى سواء كانت من جنس المكيل والموزون او من غيره وسواء كانت جليلة او حقيرة وكانوا يأخذون من كل شيء يباع شيأ كما يفعل السماسرة ويمكنون الناس وينقصون من اثمان ما يشترون من الاشياء { ولا تعثوا فى الارض مفسدين } العثى اشد الفساد اى ولا تتمادوا فى الفساد فى حال فشادكم لانهم كانوا متمادين فيه فنهوا عن ذلك ومن الفساد نقص الحقوق ومن الافساد قص الدراهم والدنانير وترويج الزيوف ببعض لاسباب وغير ذلك(5/484)
بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86)
{ بقيت الله } اى ما ابقاه الله لكم من الحلال بعد ترك الحرام فهى فعيلة بمعنى المفعول واضافتها للتشريف كما فى بيت الله وناقة الله فان ما بقى بعد ايفاء الكيل والوزن من الرزق الحلال يستحق التشريف { خير لكم } مما تجمعون بالبخس والتطفيف فان ذلك هباء منثور بل شر محض وان زعمتم ان فيه خيرا كما قال تعالى { يمحق الله الربا ويربى الصدقات } قال فى شرح الشرعة ولا يخون احد فى مبايعته بالحيل والتلبيس فان الرزق بل تزول بركته فمن جمع المال بالحبل حبة حبة يهلكه الله جملة قبة قبة وييقى عليه وزره ذرة كرجل كان يحلط اللبن بالماء ليرى كثيرا فجاء السيل وقتل بقره فقالت صبيته يا ابت قد اجتمع المياه التى جعلتها فى اللبن وقتلت البقر { ان كنتم مؤمنين } بشرط ان تؤمنوا وانما شرط الايمان فى خيرية ما بقى بعد الايفاء لان فائدته وهى حصول الثواب والنجاة من العقاب انما تظه مع الايمان فان الكافر مخلد فى عذاب النيران ومحروم من رضوان وثواب الرحمن سواء اوفى الكيل والميزان او سلك سبيل الخوّان ان كنتم مصدقين لى فى مقالتى لكم { وما انا عليكم بحفيظ } اى ما بعثت لاحفظكم عن المعاصى والقبائح وانما بعثت مبلغا ومنبها على الخير وناصحا وقد بلغت
من آنجه شرط بلاغست باتو ميكويم ... توخواه از سخنم بند كير وخواه ملال
اعلم ان العدل ميزان الله فى الارض سواء كان فى الاحكام او فى المعاملات والعدول عنه يؤدى الى مؤاخذة العباد فينبغى ان يجتنب اظلم والمراد بالظلم ان يتضرر به الغير والعدل ان لا يتضرر منه احد بشيء ما قال عكرمة اشهد ان كل كيال ووزان فى النار قيل له فمن اوفى الكيل والميزان قال ليس رجل فى المدينة
يكيل كما يكتال ولا يزن كما يتزن والله تعالى يقول { ويل للمطففين } وقال سعيد بن المسيب اذا اتيت ارضا يوفون المكيال والميزان فاطل المقام فيها واذا اتيت ارضا ينقصون المكيال والميزان فاقل المقام فيها وفى الحديث « ما ظهر الغلول فى قوم الا القى فى قلوبهم الرعب ولا فشا الزنى فى قوم الا كثر فيهم الموت ولا نقص قوم المكيال والميزان الا قطع الله عنهم الرزق ولا حكم قوم بغير حق الافشا فيهم الدم ولا ختر قوم بالعهد الا سلط الله عليهم العدو » قوله ولا ختر اى غدر ونقض العهد كما فى الترغيب
وفى التأويلات النجمية { ولا تنقصوا المكيال والميزان } اى مكيال المحبة وميزان الطلب فان للمحبة مكيالا ووهو عداوة ما سوى الله تعالى كما قال الخليل عند اظهار الخلة فانهم عدولى الارب العالمين فانك ان تحب احدا وشيأ مع الله فقد نقصت فى مكيال محبة الله وان للطلب ميزانا وهو السير على قدمى الشريعة والطريقة كما قيل خطوتان وقد وصلت فان خطوت خطوتين دونهما فقد نقصت من الميزان انتهى(5/485)
فعلى السالك ان يتأدب بآداب الاولياء والانبياء ويضع القدم فى هذا الطريق الاولى كما امر به وشرط له ولا بد من الامانة والاستقامة وايتاء كل ذى حق حقه قائما بالعدل والقسط القويم وازنا بالقسطاس المستقيم كائلا بالكيل السليم فعند ذلك يتفضل له المولى بالقبول والمدح فى الدنيا والثواب والانعام فى الآخرة فيعيش سعيدا واما اذا غدر وظلم وخان واستكبر واصر يعدل له المولى بالرد والذم فى الدنيا والعقاب والانتقام فى الآخرة ان لم يتداركه الفضل والعفو فيعيش شقيا ويموت شقيا ويحشر شقيل : وفى المثنوى
جون ترازوى توكثر بود ودغا ... راست جون جوئى ترازوى جزا
جونكه باى جب بود درغدر وكاست ... نامه جون آيد ترادر دست راست
جون جزا سايه است اى قد توخم ... سايه توكز فتد در بيش هم(5/486)
قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87)
{ قالوا يا شعيب } [ آورده اندكه انبيا بردوقسم بوده اند بعضى آنكه ايشانرا فرمان حرب بود جون موسى وسليمان عليهم السلام وبرخى آنكه ايشانرا بحرب نفر مودند وشعيب ازان جمله بودكه رخصت حرب نداشت قوم خودرا موعظه ميكفت وخود همه شب نمازمى كرد كفتند قوم اوكه اى شعيب ] { أصلوتك } [ آيانمازتو ] { تأمرك } اسندوا الامر الى صلاته قصدا الى الاستهزاء فمرادهم السخرية لا حقيقة الاستفهام . والمعنى أصلاتك تدعوك الى امرنا { ان نترك ما يعبد آباؤنا } من الاوثان وقد توارثنا عبادتها ابا عن جد اجابوا بذلك امره عليه السلام اياهم بعبادة الله حده المتضمن لنهيهم عن عبادة الاوثان { او ان نفعل فى اموالنا ما نشؤاء } جواب عن امره بايفاء الحقوق ونهيه عن البخس والنقصمعطوف على ما وأو لان ما كلفهم به شعيب هو مجموع الامرين لاحدهما . والمعنى ان نترك ان نفعل فى اموالنا ما نشاء من التصرفات
وقال بعضهم كان ينهاهم عن تقطيع اطراف الدراهم والدنانير وقصها فارادوا به ذلك . والمعنى ما نشاء من تقطيعها
واعلم ان اول من استخرج الحديد والفضة والذهب من الارض « هوشنك » فى عصر ادريس عليه السلام وكان ملكا صالحا داعيا الى الاسلام . واول من وضع السكة على النقدين الضحاك وافساد السكة بأى وجه كل افساد فى الارض
وسئل الحجاج عما يرجو به النجاة فذكر اشياء منها ما افسدت النقود على الناس { انك لانت الحليم الرشيد } الاحمق السفيه بلغة مدين كما فى ربيع الابرار
وقال فى الكواشى تتعاطى الحلم والرشد ولست كذلك اى ما انت بحليم ولا رشيد فيما تأمرنا وترشدنا اليه
وقال اكثر اهل التفسير ارادوا السفيه الضال الغاوى فتهكموا به كما يتهكم بالشحيح فيقال لو ابصرك حاتم لتعلم منك الجود . وبالمستجهل والمستخف فيقال يا عالم يا حليم فهو اذا من قبيل الاستعارة التبعية نزلوا التضاد منزلة التناسب على سبيل الهزؤ فاستعاروا الحلم والرشد للسفه والغواية ثم سرت لاستعارة منهما الى الحليم الرشيد(5/487)
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)
{ قال } شعيب { يا قوم أرأيتم } اخبرونى { ان كنت } ايراد حرف الشك باعتبار حال المخاطبين { على بينة من ربى } اى حجة واضحة وبرهان نير من مالك نير من مالك امرى عبر بهما عمّا اتاه الله تعالى من النبوة والحكمة ردا على مقالتهم الشنعاء فى جعلهم امره ونهيه غير مستند الى سند { ورزقنى منه } اى من لدنه { رزقا حسنا } هو النبوة والحكمة ايضا عبر عنهما بذلك تنبيها على انهما مع كونهما بينة رزق حسن كيف لا وذلك مناط الحياة الا بدية له ولامته
وقال بعضهم هو ما روقه الله من المال الحلال من غير شائبة حرام اى من غير بخس وتطفيف وكان كثير المال وجواب الشرط محذوف لان اثباته فى قصة نوح ولوط دل على مكانه ومعنى الكلام ينادى عليه . والمعنى اخبرونى ان كنت على حجة واضحة ويقين من ربى وكنت نبيا على الحقيقة فهل يصح لى ان اتبعكم واشوب الحلال بالحرام ولا آمركم بتوحيد الله وترك عيادة الاصنام والكف عن المعاصى والقيام بالقسط والانبياء لا يبعثون الا لذلك { وما اريد } بنخى اياكم عن التطفيف { ان اخالفكم } حال كونى مائلا { الى ما انهيكم عنه } يقال خالفت زيدا لى كذا اذا قصدته وهو مول عنه وخالفته عنه اذا كان الامر بالعكس اى لا انهى عن شيء وارتكبه من نقصان الكيل والوزن اى اختار لكم ما اختار لنفسى فانه ليس بواعظ من يعظ الناس بلسانه دون عمله
قال فى الاحياء اوحى الله تعالى الى عيسى عليه السلام يا ابن مريم عظ نفسك فان اتعظت فعظ الناس والا فاستحى منى : قال الحافظ
واعظان كين جلوه در محراب ومنبر ميكنند ... جون بخلوت ميروند آن كار ديكر ميكنند
مشكلى دارم زدانشمند مجلس باز برس ... توبه فرمايان جراخود توبه كمتر ميكنند
{ ان اريد } اى ما اريد بما اباشره من الامر والنهى { الا الاصلاح } الا ان اصلحكم بالنصيحة والموعظة { ما استطعت } اى مقدر ما استطعته من الاصلاح
قال فى بحر العلوم ما مصدرية واقعة موقع الظرف اى مدة استطاعتى الاصلاح وما دمت متمكنا منه لا اترك جهدى فى بيان ما فيه مصلحة لكم : قال السعدى قدس سره
بكوى آنجه دانى سخن سومند ... وكر هيج كس را نيايد بسند
{ وما توفيقى } مصدر من المبنى للمفعول اى كونى موفقا لتحقيق ما اقصده من اصلاحكم { الا بالله } الا بتأييده ومعونته بل الاصلاح من حيث الخلق مستند اليه وانما انا من مباديه الظاهرة . والتوفيق يعدى بنفسه وباللام وبالباء وهو تسهيل سبل الخير واصله موافقة فعل الانسان القدر فى الخير والاتفاق اختصاص العبد بعناية ازلية ورعاية ابدية { عليه توكلت } اعتمدت فى ذلك معرضا عما عداه فانه القادر على كل مقدور وما عداه عاجز محض فى حد ذاته بل معدوم ساقط عن درجة الاعتبار بمعزل عن رتبة الاستمداد به فى الاستظهار { واليه انيب } اى ارجع فيما انا بصدده فى جميع امورى ويجوز ان يكون المراد وما كونى موفقا لاصابة الحق والصوابفى كل ما اتى وما اذر الا بهدايته ومعونته عليه توكلت وهو اشارة الى معرفة المعاد والتوكل على ثلاثة اوجه .(5/488)
توكل المبتدى وهو ترك الاسباب فى طلب المعاش . وتوكل المتوسط هو ترك طلب المعاش فى طلب العيش مع الله . وتوكل المنتهى وهو استهلاك الوجود فى وجود الله وافناء الاختيار فى اختيار الله ليبقى فى هويته بلا هو متصرفا فى الاسباب وان لا يرى التصرف والاسباب الا لمسبب الا سباب
قال فى التأويلات القاشانية اول مراتب التوحيد توحيد الافعال ثم توحيد الصفات ثم توحيد الذات فان الذات محجوبة بالصفات والصفات بالافعال والافعال بالآثار والاكوان . فمن تجلت عليه الافعال بارتفاع حجب الاكوان توكل . ومن تجلت عليه الصفات بارتفاع حجب الافعال رضى وسلم . ومن تجلت عليه الذات بانكشاف حجب الصفات فهو فى الوحدة فصار موحدا مطلقا انتهى
تاخوانى « لا » و « الا الله » را ... درنيابى منهج اين راه را
عشق آن شعله است كوجون برفروخت ... هرجه جز معشوق باق جملة سوخت
تيغ « لا » در قتل غير حق براند ... درنكر آخر كه بعد از « لا » جه ماند
ماند « الا الله » وباقى جملة رفت ... شادباش اى عشق شركت سوز ورفعت
فعلى العاقل ان يجتهد فى طريق الحق بالاذكار النافعة والاعماتل الصالحة الى ان يصل الى مقام التوحيد الحقيقى ثم اذا وصل اليه اقتفى باثر الانبياء وكمل الاولياء فى طريق النصح والدعوة ولم يرد الا الاصلاح تكثيرا للاتباع المحمدية وتقويما لاركان العالم بالعدل ونظما للناس فى سلك الرشاد والله ولى الارشاد وهو المبدأ واليه الرجوع والمعاد(5/489)
وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89)
{ ويا قوم } [ اى كروه من ] { لا يجرمنكم } يقال جرم زيد ذنبا اى كسبه وجرمته ذنبا اى كسبه وجرمته ذنبا اى اكسبته اياه فهو يتعدى الى واحد والى اثنين والاول فى الآية الكاف والميم . والمعنى لا يكسبنكم { شقاقى } فاعل لا يجرمن اى شقاقكم وعداوتكم اياى { ان يصيبكم } اى ينالكم وهو الثانى من مفعولى لا يجرمنكم ويقال جرمنى فلان على ان صنعت كذا اى حملنى فيقدر حرف الجر بعد ان . والمعنى لا يحملنكم بغضكم اياى على ان يصيبكم
قال الكاشفى [ شما بران نداد ودشمنى وستيزه كارى بامن كه برسد شمارا ] { مثل } فاعل ان يصيب مضاف الى قوله { ما اصاب قوم نوح } من الغرق { او قوم هود } من الريح { او قوم صالح } من الصيحة { وما قوم لوط } قال الجوهرى الثوم يذكر ويؤنث { منكم ببعيد } يعنى انهم اهلكوا بسبب الكفر والمعاصى فى عهد قريب من عهدكم فهم اقرب الهالكين منكم فان لم تعتبروا بمن قبلهم ن الامم المعدودة فاعتبروا بهم ولا تكونوا مثلهم كيلا يصيبكم مثل ما اصابهم
والاشارة ان فى طبيعة الانسان مركوزا من صفات الشيطنة الاباء والاستكبار ومن طبعه انه حريص على ما منع كما ان آدم عليه السلام لما منع من اكل الشجرة حرص على اكلها فلهاتين الصفتين اذا امر بشيء ابى واستكبر واذا نهى عن كل شيء حرص على اتيانه لا سيما اذا صدر الامر والنهى عن انسان مثله فان طاعة الله هينة القبول بالنسبة الى طاعة المخلوق لان فى الطاعة ذلة ووانا وكسرا للنفس وان ما يحتمل المخلوق من خالقه اكثر مما يحتمله من مخلوق مثله ولهذا السر بعث الله الانبياء وامر الخلق بطاعتهم وقال { اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولى الامر منكم } فمن كان موفقا من الله تعالى بالعناية الازلية يأتمر بما امر به وينتهى عما نهى عنه ويطيع الرسل فما جاءوا به اخرجته الطاعة من ظلمات صفاته المخلوقة الى نور صفاته الخالقية ومن سبقته الشقاوة فى الازل تداركه الخذلان ووكل الى نفسه وطبعه فلا يطيع الله ورسوله ويثمرد عن قبول الدعوة ويستكبر على الرسول ويعاديه بمعاداته ما أمره الله فيصيبه قهر الله وعذابه { مثل ما اصاب قوم نوح او قوم هود او قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد } اى وما معاملة قوم لوط من معاملتكم وذنوبكم من ذنوبكم ببعيد لان الكفر كله من جنس واحد وصفات الكفر قريب بعضها من بعض كذا فى التأويلات النجمية : قال فى المثنوى
بس وصيت كرد وتخم وعظ كاشت ... جون زمين شان شوره بدسودى نداشت
كرجه ناصح را بود صد داعيه ... بندرا اذنى ببايد واعيه
توبصد تلطيف وبندش ميدهى ... اوز بندت ميكند بهلوتهى
بك كس ن مستمع زاستيز ورد ... صد كس كوينده را عاجز كند
زانبيا ناصحتر وخوش لهجه تر ... كى بودكه رفت دمشان در حجر
زانجه كوه وسنك دركار آمدند ... مى نشد بدجت را بكشاده بند
آنجنان دلها كه بدشان ما ومن ... تعتشان شد بل اشد قسوة(5/490)
وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90)
{ واستغفروا ربكم } بالايمان { ثم توبوا اليه } مما انتم عليه من المعاصى وعبادة الاوثان لان التوبة لا تصح الا بعد الايمان او استغفروا بالايمان ثم ارجعوا اليه بالطاعة او استغفروا بالاعمال الصالحة وتوبوا بالفناء التام
قال فى التأويلات النجمية واستغفروا من صفات الكفر ومعاملاته كلها وبدلوها بصفات الاسلام ومعاملاته فانها تزكية النفوس عن الصفات الذميمة ثم ارجعوا اليه على قدمى الشريعة والطريقة سائرين منكم اليه ليحليكم تحلية الحقيقة وهى الفناء عنكم والبقاء به { ان ربى رحيم } عظيم الرحمة للمؤمنين والتائبين { ودود } فاعل بهم من اللطف والاحسان كما يفعل البليغ المودة بمن يوده
قال فى المفاتيح الودود مبالغة الواد ومعناه الذى يحب الخير لجميع الخلائق ويحسن اليهم فى الاحوال كلها . وقيل المحب لاوليائه وحاصله يرجع الى ارادة مخصوصة وحظ العبد منه ان يريد للخلق ما يريد لنفسه ويحسن اليهم حسب قدرته ووسعته ويحب الصالحين من عباده واعلى من ذلك من يؤثرهم على نفسه كمن قال منهم اريد ان اكون جسرا على النار يعبر عليه الخلق ولا يتأذون بها كما فى المقصد الاسنى للغزالى
قال الكاشفى فى تفسيره [ قطب الابرار مولانا يعقوب جرخى قدس سره در شرح اسماء الله تعالى معنى الودودرا برين وجه آورده است كه دوست دارنده نيكى بهمه خلق ودوست دردلهاى بحق يعنى اونيك را دوست ميدارد ونيكان اورا دوست ميدارند وفى الحقيقة دوستى ايشان فرع دوستى اوست زيراكه جون بنظر تحقيق درنكر نداصل حسن واحسان كه سبب محبت مى باشد غيراورا ثابت نيست بسرخود خودرا دوست ميداردوازين باب نكتة جنددرآيت { يحبهم ويحبونه } برمنظر عيان جلوه نمود وللوالد الاعز زيدت حقائقه
اى حسن توداده يوسفانرا خوبى ... وز عشق توكرده عاشقان يعقوبى
كرنيك نظر كندكسى غير تونيست ... در مرتبة محبى ومحبوبى
واعلم ان الله تعالى لو لم يكن له ود لما هدى ولما فرح بتوبة عبده المؤمن كما قال صلى الله عليه وسلم « لا لله افرح بتوبة عبد المؤمن من رجل نزل فى ارض دوية مهلمة معه راحلة عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ وقد ذهب راحلته فطلبها حتىشتد عليه الحر والعطش قال ارجع الى مكانى الذى كنت فيه فانام حتى اموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ فاذا راحلته عنده عليها زاده وشرابه فلا لله اشد فرحا بتوية العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده » فمن اضاع راحلته فى برية الهوى بغلبة الغفلة فعليه الرجوع الى مكانه الاول اعنى الفطرة الاولى بالتسليم واموت الاختيارى حتى يجد ما اضاعه . وفى الحديث اشارة الى الطريق من البداية الى النهاية فبقوله عليه السلام ليموت لان الفناء غاية السير الى اله ثم ان قوله فاستيقظ فاذا راحلته عنده اشارة الى البقاء بعد الفناء والرجوع الى البشرية
ثم اعلم ان التوبة على مراتب اعلاها الرجوع عن جميع ما سوى الله تعالى الى الله سبحانه وهذا المقام يقتضى نسيان المعصية والتوبة عن التوبة فان وقت الصفاء يقتضى نسيان الجفاء وايضا اذا تجلى الحق للسالك ورأى كل شيء هالكا الا وجهه فنى الذوات كلها فما ظنك بالاعمال والله تعالى تواب يقبل التوبة الا ان يكون العبد كذوبا -يحكى- ان مالك ابن دينار مر بشابين يلهوان فوعظهما فقال احدهما انا اسد من الاسود فقال مالك سيأتيك اسد تكون عنده ثعلبا فمرض الشاب وعاده مالك فبكى الشاب وقال قد حاء الاسد الذى صرت عنده ثعلبا فقال مالك تب الى الله تعالى فانه تواب فنودى من زاوية البيت جربناه مرارا فوجدناه كذوبا : وفى المثنوى(5/491)
توبه آرند وخدا توبه بذير ... امر او كيرند او نعم الامير(5/492)
قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91)
{ قالوا } استئناف بيانى { يا شعيب ما نفقه } الفقه معرفة غرض المتكلم من كلامه اى لا نعرف ولا نفهم { كثيرا مما تقول } اى كل ما تقول من التوحيد ومن ايفاء الكيل والوزن وغير ذلك كما فى قوله تعالى { وما يتبع اكثرهم الا ظنا } اى كلهم على احد الوجهين وذلك استهانة بكلامه واحتقارا به كما يقول الرجل لصاحبه اذا لم يعبأ بحديثه ما ندرى ما نقول والا فشعيب كان يخاطبهم بلسانهم وهم يفهمون كلامه لكن لما كان دعاؤه الى شيء خلاف ما كانوا عليه وآباؤهم قالوا وما قالوا { وانا لنريك فينا } اى فيما بيننا { ضعيفا } هو فى المشهور من ليس له قوة جسمانية اى لا قوة لك فتمتنع منا ان اردنا بك سوءا او مهينا لاعزلك وهذا لا يتعلق بالقوة الجسمانية فان ضعيف الجسم قد يكون وافر الحرمة بين الناس وهو الظاهر لان الكفرة كانوا يزدرون بالانبياء وباتباعهم المؤمنين
وفى التأويلات النجمية { ضعيفا } هو فى المشهور من ليس له قوة جسمانية اى لا قوة لك فتمتنع منا ان اردنا بك سوءا او مهينا لاعزلك وهذا يتعلق بالقوة الجسمانية فان ضعيف الجسم قد يكون وافر الحرمة بين الناس وهو الظاهر لان الكفرة كانوا يزدرون بالانبياء وباتباعهم المؤمنين
وفى التأويلات النجمية { ضعيفا } اى ضعيف الرأى ناقص العقل وذلك لانه كما يرى العاقل السفيه ضعيف الرأى يرى السفيه العاقل ضعيف الرأى { ولولا رهطك } ولولا حرمة قومك ومراعاة جانبهم وقالوا ذلك كرتمة لقومه لانهم كانوا على دينهم لا خوفا منهم لان الرهط من الثلاثة الى السبعة او التسعة او العشرة وهم الوف فكيف يخافون من رهطه { لرجمناك } لقتلناك برمى الحجارة وقد يوضع الرجم موضع القتل وان لم يكن بها
قال عمر رضى الله عنه تعلموا انسابكم تعرفوا بها اصولكم وتصلحوا بها ارحامكم . قالوا ولو لم يكن فى معرفة الانساب الا الاحتراز بها من صولة الاعداء ومنازعة الاكفاء لكان تعلمها من احزم الرأى وافضل الصواب ألا ترى الى قول قوم شعيب ولولا رهطك لرجمناك فابقوا عليه لرهطه يقال ابقيت على فلان اذا ارعيت عليه ورحمته { وما انت علينا بعزيز } مكرم محترم حتى تمنعنا عزتك من رجمك بل رهطك هم الاعزة علينا لكونهم من اهل ديننا فانما نكف عنك للمحافظة على حرمتهم وهذا ديدن السفيه المحجوج يقابل الحجج والآيات بالسب والتهديد وتقديم الفاعل المعنوى لافادة الحصر والاختصاص وان كان الخبر صفة لا فعلا وعلينا متعلق بعزيز وجاز لكون المعمول ظرفا والباء مزيدة
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان كل من كان على الله بعزيز فانه ليس على الجاهل بعزيز انتهى
اقول وذلك لان العزة والشرف عند الجهلاء بالجاه والمال بالدين والكمال وقد قال النبى عليه السلام « ان الله لا ينظر الى صوركم واموالكم بل ينظر الى قلوبكم واعمالكم » يعنى اذا كانت لكم قلوب واعمال صالحة تكونون مقبولين مطلقا سواء كانت لكم صور حسنة واموال فاخرة ام لا والا فلا : وفى المثنوى
وقت بازة كودكان را زاختال ... مى نمايد اين خرفتها زرو مال
عارفانش كيميا كر كشته اند ... تاكه شد كانها بريشان ونزند
باغها وقصرها وآب رود ... بيش جشم از عشق كلخن مى نمود(5/493)
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92)
{ قال } شعيب فى جوابهم { يا قوم أرهطى } [ ايا عشيرة وقوم من ] وهمزة الاستفهام للانكار والتوبيخ { اعز عليكم } [ عزيز ترند برشما ودوسترند نزدشما ] { من الله } كان الظاهر ان يقال منى الا انه قيل من الله للايذان بان تهاونهم به وهو نبى الله تهاون بالله تعالى وانما انكر عليهم اعزية رهطه منه تعالى مع ان ما اثبتوه انما هو مطلق عزة رهطه لا اعزيتهم منه تعالى مع الاشتراك فى اصل العزة لتكرير التوبيخ حيث انكر عليهم اولا بترجيح جنب الله تعالى وثانيا بنفى العزة بالمرة . والمعنى أرهطى اعز عليكم من الله تعالى فانه مما لا يكاد يصح والحال انكم لم تجعلوا له حظا من العزة اصلا { واتخذتموه } اى الله تعالى { وراءكم } [ ازبس بشت خود ] { ظهريا } [ همجو مرد فراموش شده ] اى شيأ منبوذا وراء الظهر منسيا لا يبالى به اى جعلتموه مثله باشراككم به والاهانة برسوله فلا تبقون على الله وتبقون على رهطى اى فلا تحفظوننى ولا ترحموننى لله وتراعون نسبة قرابتى الى الرهط وتضيعون نسبتى الى الله بالنبوة فكأنكم زعمتم ان القوم اعز من الله حيث تزعمون انكم تركتم قتلى اكراما لرهطى والله اولى بان يتبع امره كأنه يقول حفظكم اياى فى الله اولى منه فى رهطى والعرب تقول لكل مالا يعبأ بامره قد جعل فلان هذا الامر بظهره فالظهرى منسوب الى الظهر والكسر لتغيير النسب كقولهم فى النسبة الى امس امسى بكسر الهمزة والى الدهر دهرى بضم الدال { ان ربى بما تعملون } من الاعمال السيئة التى من جملتها عدم مراعاتكم لجانبه { محيط } لا يخفى عليه منها خافية وان جعلتموه منسيا فيجازيكم عليها والاحاطة ادراك الشيء بكماله واحاطة الله بالاعمال مجاز(5/494)
وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93)
{ ويا قوم اعملوا عللا مكانتكم } مصدر من مكن مكانة فهو مكين اذا تكن ابلغ التمكن والجار والمجرور فى موقع النصب على الحال . والمعنى اعملوا حال كونكم موصوفين بغاية الممكنة والقدرة كل ما فى وسعكم وطاقتكم من ايصال الشرور الى او بمعنى المكان كمقام ومقامة فاستعيرت من العين للمعنى كما يستعار حيث للزمان وهو المكان . والمعنى على ناحيتكم وجهتكم التى انتم عليها من الشرك والعداوة لى { انى } ايضا { عامل } على مكانتى فحذف للاختصار اى عامل بقدر ما آتانى الله من القدرة وعلى حسب ما يؤتينى الله من النصرة والتأييد فكأنهم قالوا ماذا يكون اذا عملنا على قوتنا فقال { سوف تعلمون من } استفهام اى اينا او موصولة اى تعرفون الذى { يأتيه عذاب يخزيه } يذله ويهينه { ومن هو كاذب } عطف على من يأتيه لما اوعدوه وكذبوه اراد ان يدفع ذلك عن نفسه ويلحقه بهم فسلك سبيل ارخاء العنان لهم وقال { سوف تعلمون } من المعذب والكاذب منى ومنكم واينا الحانى على نفسه والمخطئ فى فعله يريد ان المعذب والكاذب انتم لا انا { وارتقبوا } اى انتظروا مآل ما اقول لكم سيظهر صدقه { انى معكم رقيب } منتظر فعيل بمعنى الراقب وكان شعيب عليه السلام يسمى خطيب الانبياء لحسن محاورته مع قومه وكمال اقتداره فى مراجعته جوابهم وكان كثير البكاء حتى عمى ثم رد الله عليه عليه السلام بصره فاوحى اليه يا شعيب ما هذا البكاء أشوقا الى الجنة ام خوفا من النار فقال الهى وسيدى انك تعلم انى ما ابكى شوقا الى الجنة ولا خوفا من النار ولكن اعتقدت حبك بقلبى فاذا نظرت اليك فما ابالى ما الذى تصنع بى فاوحى الله تعالى يا شعيب ان يكن ذلك حقا فهنيئا لقائى يا شعيب لذلك اخدمتك موسى بن عمران كليمى : قال المولى الجامى
زهاد خلد خواهد واوباش عيش نقد ... ماخود بدولت غمت ازهر دورسته ايم
وهذه حال المقربين فانهم جعلوا الله تعالى بين اعينهم وجعلوا الخلق وراء ظهورهم خلاف ما عليه اهل الغفلة فلم يلتفتوا الى شيء من الكونين حبا لله تعالى وقصرا للنظر عليه وهم العبيد الاحرار والناس فى حقهم على طبقات فاما اهل الشقاء فلم يعرفوهم من هم ولم يروهم اصلا لانطماس بصيرتهم وعدم استعدادهم لهذا الانكشاف ألا ترى الى قوم شعيب كيف حجبهم كونه اعمى فى الصورة عن رؤية جمال نبوته وظنوا ان لهم ابصارا ولا بصر له ولذا عدوه ضعيفا ولم يعرفوا انهم عمى فى الحقيقة وان ابصارهم الظاهرة لا تستجلب لهم شرفا وان الحق مع اهل الحق سواء ساعده الاسباب الصورية والآلات الظاهرة اولا فان الناس مشتركون فيما يجرى على ظواهرهم من انواع الابتلاء مفترقون فيما يرد على بواطنهم من اصناف النعماء والله تعالى ارسل الانبياء عليهم السلام الى الناس الغافلين ليفتحوا عيون بواطنهم من نوم الغفلة ويدعوهم الى الله تعالى ووصاله ولقاء جماله فمن كان له منهم استعداد لهذا الانفتاح رضى بالتربية والارشاد وقام فى طريق الحق بالسعى والاجتهاد ومن لم يكن له منهم ذلك ابى واستكبر عن تخذ التلقين وامتنع عن الوصول الى حد اليقين فبقى فى الظلمات كالاعمى لا يدرى اين ذهب فيا ايها الاخوان ارجعوا الى ربكم مع القوافل الروحانية فعن قريب ينقطع الطريق ولا يوجد الرفيق ونعم ما قال من قال(5/495)
خيزد لامست شواز مى قدسى ازانك ... ما نه درين تيره جام بهر نشست آمديم(5/496)
وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94)
{ ولما جاء امرنا } الذى قدرناه فى الازل من العذاب والهلاك لقوم شعيب فالامر واحد الامور { نجينا شعيبا } قدم تنجيته ايذانا بسبق الرحمة التى هى مقتضى الربوبية على الغضب الذى يظهر اثره بموجب الجرائم { والذين آمنوا معه } اى ونجينا الذين اتبعوا شعيبا فى الايمان وآمنوا كما آمن هو { برحمة } ازلية صدرت { منا } فى حقهم ومجرد فضل لا بسبب اعمالهم كما هو مذهب اهل السنة . وقال بعضهم هى الايمان الذى وقفناهم له
يقول الفقير وجه هذا القول ان العذاب والهلاك الذى من باب العدل قد اضيف الى الكفر والظلم فاقتضى ان يضاف الخلاص والنجاة الذى هو من باب الفضل الى الايمان ولما كان الايمان والعمل الصالح امرا موقوفا على التوفيق كان مجرد فضل ورحمة فافهم { واخذت الذن ظلموا } انفسهم بالاباء والاستكبار عن قبول دعوة شعيب { الصيحة } فاعل اخذت والمراد صيحة جبرائيل عليه السلام بقوله موتوا جميعا . وفى سورة الاعراف { فاخذتهم الرجفة } اى الزلزلة ولعلها من روادف الصيحة المستتبعة لتموج الهواء المفضى اليها
عن ابن عباس رضى الله عنهما لم يعذب الله امتين بعذاب واحد الا قوم شعيب وصالح وذلك انه اصابهم حر شديد فخرجوا الى غيضة لهم فدخلوا فيها فظهرت لهم شحابة كهيئة الظلة فاحدقت بالاشجار واخذت فيها النار وصاح بهم جبريل ورجفت بهم الارض فماتوا كلهم واحترقوا فذلك قوله تعالى { فاصبحوا } اى صاروا { فى ديارهم } بلادهم او مساكنهم { جاثمين } ميتين لازمين لاماكنهم لابراح لهم منها اى لا زوال(5/497)
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)
{ كأن لم يغنوا فيها } اى لم يقيموا فى ديارهم احياء متصرفين مترددين { ألا بعدا لمدين } اى هلاكا لاهل مدين
واعلم ان بعدا وسحقا ونحوهما مصادر قد وضعت مواضع افعالها التى لا يستعمل اظهارها . ومعنى بعدا بعدوا اى هلطوا . وقوله لمدين بيان لمن نبه عليه بالبعد نحو هيت لك
قال الكاشفى [ بدانيدكه هلا كيست قوم مدين را ودورى از رحمت من ] { كما بعدت ثمود } اى هلكت شيه هلاكهم بهلاكهم لانهما اهلكتا بنوع من العذاب وهو الصيحة كما مر آنفا . والجمهور على كسر العين من بعدت على انها اهلكتا بوع من العذاب وهو الصيحة كما مر آنفا . والجمهور على كسر العين من بعدت على انها من بعد يبعد بكسر العين فى الماضى وفتحها فى المضاوع بمعنى هلك يهلك ارادت العرب ان تفرق بين البعد بمعنى الهلاك وبين البعد الذى هو ضد القرب ففرقوا بينهما بتغيير البناء فقالوا بعد بالضم فى ضد القرب وبعد بالكسر فى ضد السلامة والبعد بالضم والسكون مصدر لهما والبعد بفتحتين انما يستعمل فى مصدر مكسور العين
وفى الآية اشارة الى ان الكفرة واهل الهوى افسدوا الاستعداد الروحانى الفطرى فى طلب الدنيا واستيفاء شهواتها والاستكبار عن قبول الحق والهدى وادى تمردهم عن الحق وتماديهم فى الباطل الى الهلاك صورة ومعنى . اما صورة فظاهر . واما معنى فلانهم ابعدوا عن جوار الله وطيب العيش معه الى اسفل سافلين القطيعة فبقوا فى نار الفرقة لا يحيون ولا يموتون وما انتفعوا بحياتهم فصاروا كالاموات وكما ان الصيحة من جبرائيل اهلكتهم فكذا النفخة من شعيب احيت المؤمنين لان انفاس الانبياء والاولياء كنفخ اسرافيل فى الاحياء اذا كان المحل صالحا لطرح الروح فيه كجسد الا كسير : قال فى المثنوى
سازد اسرافيل روزى ناله را ... جان دهد بوسيده صد ساله را
هين كه اسرافيل وقتند اوليا ... مرده را زيشان حياتست ونما
جان هر يك مرده از كور تن ... برجهد زآواز شان اندر كفن
سركشى از بندكان ذو الجلال ... وانكه دارند از وجود توملال
كهربا دارند جون بيدا كنند ... كاه هستى ترا شيدا كنند
كهرباى خويش جون بنهان كنند ... زود تسليم ترا طغيان كنند
قد سبق ان قوم شعيب عدوه ضعيفا فيما بينهم وما عرفوا ان الله القوى معه
كرتو بيلى خصم تو از تو رميد ... نك جزا طيرا ابابيلت رسيد
كر ضعيفى درزمين خواهد امان ... غلغل افتد در سمباه آسمان
كر بدندانش كزى برخون كنى ... درد دندانت بكيرد جون كنى
هر ييمبر فرد آمد در جهان ... فرد بود وصد جهانش درنهان
ابلهان كفتند مردى بسش نيست ... واى آن كو عاقبت انديش نيست(5/498)
فعلى المصالحين ان يعتبروا بحوال الصالحين فانهم قد اخذوا الدنيا وآثروها على الآخرة ثم سلبهم الله اموالهم وديارهم كأن لم ينتفعوا بشيء ولم يقيموا فى دار
وعن جابر بن عبد الله انه قال شهدت مجلسا من مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ اتاه رجل ابيض الوجه حسن الشعر واللون عليه ثياب بيض فقال السلام عليك يا رسول الله فقال عليه السلام « عليك السلام » فقال يا رسول الله ما الدنيا قال « هى حلم المنام واهلها مجازون ومعاقبون » قال يا رسول الله وما الآخرة قال « عيش الابد فريق فى الجنة وفريق فى السعير » فقال يا رسول الله فما الجنة قال « بذل الدنيا لطالبها نعيمها لاهلها ابدا » قال فما جهنم قال « بذل الآخرة لطالبها لا يفارقها اهلها ابدا » قال فما خير هذه الامة قال « الذى يعمل بطاعة الله » قال فكيف يكون الرجل فيها قال « مشمرا كطالب القافلة » قال فكم القرار بها قال « كقدر المتخلف عن القافلة » قال فكم ما بين الدنيا والآخرة قال « غمضة عين » قال فذهب الرجل فلم ير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « هذا جبريل اتاكم ليزهدكم فى الدنيا ويرغبكم فى الآخرة » كذا فى تنبيه الغافلين : قال السعدى قدس سره
يكى بر سركور كل ميسر شت ... كه حاصل كندزان كل كورخشت
بانديشه لختى فرو رفت بير ... كه اى نفس كوته نظر بند كير
جه بندى درين خشت زرين دلت ... كه يك روز خشتى كند از كلت
تو غافل در انديشه سود ومال ... كه سرمايه عمر شد بإيمال
دل اندر دلارام دنيا سبند ... كه ننشست باكس كه دل برنكند
بر مرد هشيار دنيا خسست ... كه هر مدتى جاى ديكر كسست(5/499)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96)
{ ولقد ارسلنا } اى وبالله لقد ارسلنا { موسى } حال كونه ملتبسا { بآياتنا } التسع التى هى العصا واليد البيضاء والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ونقص الاموال والانفس { وسلطان } برهان { مبين } واضح ه من قبيل عطف الصفة مع اتحاد الموصوف اى ولقد ارسلنا موسى بالجامع بين كونه آياتنا وبين كونه سلطانا له على صدق نبوته واضحا فى نفسه او موضحا اياها فان ابان جاء لازما ومتعديا كقوله تعالى { ولقد آتينا موسى الكتاب والفرقان } اى التوراة الجامعة بين كونها كتابا وحجة تفرق بين الحق والباطل ويجوز ان يراد بسلطان مبين الغلبة والاستيلاء كقوله تعالى { ونجعل لكم سلطانا }(5/500)
إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97)
{ الى فرعون وملائه } اى اشراف قومه ورؤسائه . وتخصيص ملئه بالذكر مع عموم رسالته لقومه كافة لاصالتهم فى الرأى وتدابير الامور واتباع غيرهم لهم فى الورود والصدور { فاتبعوا امر فرعون } اى امره بالكفر بما جاء به موسى من البينات واطاعوا قوله حيث قال لهم ما علمت لكم من اله غيرى وخالفوا امر موسى بالتوحيد وقبول الحق وانما لم يصرح بكفر فرعون بآيات الله للايذان بوضوح حاله فكان كفره امر ملئه بذلك محقق الوجود غر محتاج الى الذكر صريحا وانما المحتاج الى ذلك شأن ملته المترددين بين هاد الى الحق وداع الى الضلال وايراد الفاء للاشعار بمسارعتهم الى الاتباع لم يتراخ من الارسال والتبليغ بل وقعا فى وقت واحد { وما امر فرعون برشيد }
قال الكاشفى [ نبود كارفرعون برنهج رشد وصواب ] وقال غيره الرشيد مستعمل فى كل ما يحمد ويرتضى كما استعمل الغى فى كل ما يذم ويتسخط فهو ضد الغى الرشيد بمعنى المرشد والاسناد مجازى . والمعنى وما هو مرشد الى خير وهوعى محض وضلال صريح وانما يتبع العقلاء من يرشدهم ويهديهم لا من يضلهم ويغويهم فيه تجهيل لمتبعيه(6/1)
يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98)
{ يقدم } فى الصحاح قدم بالفتح يقدم قدما اى تقدم وهو استئناف لبيان حاله فى الآخرة { قومه } جميعا من الاشراف وغيرهم { يوم القيمة } اى يتقدمهم يوم الآخرة الى النار وهم خلفه ويقودهم الى النار كما كانوا يتبعونه فى الدنيا ويقودهم الى الضلال { فاوردهم النار } اى يوردهم ويدخلهم فيها . وايثار صيغة الماضى للدلالة على تحقق الوقوع لا محالة لان الماضى متيقن الوجود
واعلم ان الورود عبارة عن المجيء الىلماء والايراد احضار الغير والمورد الماء فشبه فرعون بالفارط الذى يتقدم الواردة الى الماء واتباعه بالواردة والنار بالماء الذى يردونه ثم قيل { وبئس الورد المورود } اى بئس المورد الذى يردونه النار لان الورد انما يورد لتسكين العطش وتبريد الاكباد والنار على ضد ذلك(6/2)
وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)
{ واتبعوا } اى الملأ الذين اتبعوا امر فرعون { فى هذه } اى فى الدنيا { لعنة } لغة عظيمة حيث لعنهم من بعدهم من الامم { ويوم القيمة } اى حيث يلعنهم اهل الموقف قاطبة فهى تابعة لهم حيثما ساروا دائرة معهم اينما داروا فكما اتبعوا امر فرعون اتبعتهم اللعنة فى الدارين جزاء وفاقا او يلعنون ويطردون من رحمة الله تعالى فى الدنيا بالغرق والآخرة بما فيها من عذاب فان كل معذب ملعون مطرود من الرحمة كما ان كل مخذول حروم من التوفيق والعناية كذلك واكتفى ببيان حالهم الفظيع عن بيان حال فرعون اذ حين كان حالهم هكذا فما ظنك بحال من اغواهم والقاهم فى هذا الضلال البعيد وحيث كان شان الاتباع ان تكون اعوانا للمتبوع جعلت اللعنة رفدا لهم على طريقة التهكم فقيل { بئس الرفد المرفود } الرفد قد جاء بمعنى العون وبمعنى العطية والملائم هنا هو الاول
قال الزجاج كل شيء جعلته عونا لشيء واسندت به شيأ فقد رفدته . والمعنى بئس العون المعان رفدهم وهى اللعنة فى الدارين وذلك ان اللعنة فى الدنيا رفد للعذاب ومدد له وقد رفدت باللعنة فى الآخرة . وفى الآية بيان شقاء فرعون وانه لم ينفعه ايمانه حين الغرق ولو نفعه لما كان قائد قومه الى النار
وفى الفتوحات فى الباب الثانى والستين المجرمون اربع طوائف كلها فى النار لا يخرجون منها وهم المتكبرون على الله تعالى كفرعون وامثاله ممن ادغى الربوبية لنفسه ونفاها على الله تعالى فقال { يا ايها الملأ م علمت لكم من اله غيرى } وقال { انا ربكم الاعلى } يريد انه ليس فى السماء اله غيرى وكذلك نمرود وغيره
وقال فى الفتوحات فى موضع آخر وهوة معتقدى وغير هذا قلت على سبيل البحث والاستكشاف انتهى
وعلى هذا يحمل ما فى فصوص الحكم من كونه مقبوضا على الطهارة فتدبر وامسك لسانك عن الشيخ فان لكلمات الكبار محامل كثيرة والقرآن لا ينقضى عجائبه وهى بكر بالنسبة الى ارباب الرسوم هدانا الله واياكم الى حقيقة العلم والعمل وارشدنا واياكم الى طريق الكمل
وفى الآية أيضا ذم لاتباع اهل الهوى وصحبة اهل الفسق فان العرق دساس والطبع جذاب والمقارنة مؤثرة والامراض سارية
اى فغان ازيارنا جنس اى فغان ... همنشين نيك وئيد اى مهان
وفى الحديث « لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم فمن ساكنهم او جامعهم فهو منهم وليس منا » اى لا تسكنوا مع المشركين فى المسكن الواحد ولا تجتمعوا معهم فى المجلس الواحد حتى لا يسرى اليكم اخلاقهم الخبيثة وسيرهم القبيحة بحكم المقارنة فقوم فرعون لما اتبعوا فرعون اوردهم النار ولو اتبعوا موسى لاورهم الجنة : وفى المثنوى
اى خنك آن مرده كز خودرسته شهد ... در وجود زنده بيوسته شد
سيل جون آمد بدريا بحر كشت ... دانه جون آمد بمزرع كشت كشت
جون تعلق يافت نان بأبو البشر ... نان مرده زنده كشت وباخبر
موم وهيزم جون فداى نارشد ... ذات ظلمانئ او انوار شد
سنك سرمه جونكه شد در ديدكان ... كشت بينائى شد آنجا ديده بان
واى آن زنده كه بامرده نشست ... مرده كشت وزندكى ازوى بجست(6/3)
ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100)
{ ذلك } اى الخبر السابق با محمد { من انباء القرى } بعض انباء القرى المهلكة بما جنت ايدى اهلها { نقصه عليك } خبر بعد خبر اى مقصوص عليك ليكون فيه دلائل نبوتك { منها } اى من تلك القرى { قائم } باق اثره وجدرانه كالزرع القائم على ساقه مثل ديار عاد وثمود { وحصيد } مبتدأ حذف خبره اى ومنها عافى الاثر كالزرع المحصود مثل بلاد قوم نوح ولوك
وقال الكاشفى [ قائم باقيست وآبادان وحصيد مفقوداست يا خراب ]
وفى التأويلات النجمية من الاجساد ما هو قائم قابل لتدارك مافات عنها واصلاح ما افسد النفس منها ومنها ما هو محصود بمحصد الموت مأيوس من التدارك(6/4)
وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101)
{ وما ظلمناهم } باهلاكنا اياهم والضمير الى الاهل المحذوف المضاف الى القرى { ولكن ظلموا انفسهم } بارتكاب ما يوجب الهلاك من الشرك وغيره فانهم اكلوا رزق الله وعبدوا غيره وكذبوا رسله . وفيه اشارة الى انه تعالى اعطاهم استعدادا روحانيا وآلة لتحصيل كمالات لا يدركها الملائكة المقربون فاستعملوا تلك الآلة وفق الطبيعة لاعلى حكم الشريعة فعبدوا طاغوت الهوى ووثن الدنيا واصنام شهواتها فجاءهم الهلاك من ايدي الاسماء الجلالية { فما اغنت عنهم } ما نافية اى فما نفعتهم ولا قدرت ان ترد بأس الله عنهم { آلهتهم التى يدعون } اى يعبدون وهى حكاية حال ماضية وانما اريد بالدعاء العبادة لانه منها ومن وسائطها ومنه قوله عليه السلام « الدعاء هو العبادة » { من دون الله } اى حال كونهم متجاوزين عبادة الله { من شيء } فى موضع المصدر اى سيأ من الاغناء وهو القليل منه رلما جاء امر ربك } منصوب باغنت اى حين مجيئ عذابه ونقمته وهى المكافاة بالعقوبة { وما زادوهم } الضمير المرفوع للاصنام والمنصوب بعبدتها وعبر عن الاصنام بواو العقلاء لانهم نزلوها منزلة العقلاء فى عبادتهم اياها واعتقادهم انها تنفع { غير تتبيب } من تب اذا هلك وخسر وتبه غيره اذا اهلكه اواقعه فى الخسران اى غير اهلاك وتخسير فانهم انما هلكوا وخسروا بسبب عبادتهم لها وكانوا يعتقدون فى الاصنام جلب المنافع ودفع المضار فزال عنهم بسبب ذلك الاعتقاد منافع الدنيا والآخرة وذلك من اعظم الهلاك واشد الخسران(6/5)
وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)
{ وكذلك } الكاف فى محل الرفع على انها خبر مقدم للمصدر المذكور بعده اى مثل ذلك الاخذ الذى مر بيانه { اخذ ربك اذا اخذ القرى } اى اهلها وانما اسند اليها للاشعار بسريان اثره اليها { وهى ظالمة } حال من القرى وهى فى الحقيقة لاهلها لكنها لما اقيمت مقامهم فى الاخذ اجريت الحال عليها وفائدتها الاشعار بانهم اخذوا بظلمهم وكفرهم ليكون ذلك عبرة لكل ظالم { ان اخذه اليم شديد } اى عقوبة مؤلمة شديدة صعبة على المأخوذ والمعاقب لا يرى منها الخلاص
وعن ابى موسى رضى الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ان الله ليملى للظالم حتى اذا اخذه لم يفلته ثم قرأ وكذلك اخذ ربك » الآية
كسى كر صرصر ظلمش دمادم ... جراغ عيش مظلومان بميرد
نميترسد ازان كايزد تعالى ... اكرجه دير كيرد سخت كيرد
والله تعالى لا يجير الظالم ولكن يمهله ويكله الى نفسه يظلم على نفسه وعلى نفس غيره فيؤاخذه الله تعالى بظلمه عدلا منه ولكنه اذا نظر بفضله ورحمته الى عبد بنظر العناية يزيل بنور العناية ظلمات امارية نفسه فتصير نفسه مأمورة لامر الشريعة فلا يعمل الا للنجاة من عذاب الآخرة ونيل الدرجات والقربات فعلى كل من اذنب ان يحذر اخذ ربه فيبادر الى التوبة ويترك التسويف فانه ورد ( هلك المسوفون )
قبول توبة بر رب كريمست ... فعجل ان فى التأخير آفات(6/6)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103)
{ ان فى ذلك } اى فيما نزل بالامم الهالكة بذنوبهم او فيما قصه الله من قصصهم { لآية } لعبرة بينة وموعظة بالغة { لمن خاف عذاب الآخرة } اى اقربه وآمن لانه يعتبر به حيث يستدل بما حاق من العذاب الشديد بسبب ما عملوا من السيآت على احوال عذاب الآخرة واما من انكر الآخرة واحال فناء العالم ولم يقل بالفاعل النختار وجعل تلك الوقائع لاسباب فلكية اتفقت فى تلك الايام لا لذنوب المهلكين فهو بمعزل من هذا الاعتبار تبا لهم ولما لهم من الافكار : قال الحافظ
سير سهر ودور قمر راجه اختيار ... دركردشند بر حسب اختيار دوست
{ ذلك } اشارة الى يوم القيامة المدلول عليه بذكر الآخرة { يوم مجموع له الناس } اى يجمع له الاولون والآخرون للمحاسبة والجزاء واستعمال اسم المفعول حقيقة فيما تحقق فيه وقوع الوصف وقد استعمل ههنا فيما لم يتحقق مجازا تنبيها على تحقق وقوعه { وذلك } اى يوم القيامة مع ملاحظة عنوان جمع الناس له { يوم مشهود } اى مشهود فيه حيث يشهد فيه اهل السموات والارضين للموقف لا يغيب عنه احد فالمشهود هو الموقف والشاهدون اى الحاضرون والخلائق والمشهود فيه اليوم فاتسع فيه اجراء للظرف مجرى المفعول به واليوم كما يصح ان يوصف بانه مشهود فيه بمعنى يشهد فيه الخلائق من كل ناحية لامر له شأن او لخطب يهمهم كيوم الجمعة والعيد وعرفة وايام الحروب وقدوم السلطان كذلك يصح ان يوصف بانه مشهود اى مدرك كما تقول ادركت يوم فلان فاريد فى هذا المقام اليوم المشهود فيه لما فيه من تهويل ذلك اليوم لا اليوم المشهود لان سائر الايام كذلك(6/7)
وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104)
{ وما نؤخره } اى وما نؤخر احدا فى ذلك اليوم الملحوظ بعنوانى الجمع والشهود { الا لاجل معدود } الا لانقضاء مدة قليلة بحذف المضاف
قال الكاشفى [ مكر از براى كذشتن مدتى شمرده يعنى تاوقت وى در نرسد قائم نكردد ] حسما يقتضيه الحكمة . وفى الآيات تهديد وتخويف من الله وحث على تصحيح الحال وتصفية البال وتزكية الاعمال ومحاسبة النفوس قبل بلوغ الآجال فان العبد لا يحصد الا ما يزرع ولا يشرب الا بالكأس التى يسقى وفى الحديث القدسى « يا عبادى انى حرمت من الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرما فلا تظلموا . يا عبادى كلكم ضال الا من هديته فاستهدونى اهدكم . يا عبادى كلكم جائع الا من اطعمته فاستطعمونى اطعمكم . يا عبادى كلكم عار الا من كسوته فاستكسونى اكسكم . يا عبادى انكم تخطئون بالليل والنهار وانى اغفر الذنوب جميعا فاستغفرونى اغفر لكم . يا عبادى انكم لن تبلغوا ضرى فتضرونى ولن تبلغوا نفعى فتنفعونى . يا عبادى لو ان اولكم وآخركم وجنكم واتسكم قاموا فى صعيد واحد فسألنى كم واحد منكم مسأة واعطيته ما نقص ذلك مما عندى الا كما ينقص المخيط اذا غمس فى البحر غمسى واحدة . يا عبادى انما هى اعمالكم احصيها لكم واوفيكم اياها يوم القيامة فمن وجد خيرا فليحمد الله تعالى من وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه » فعلى العاقل ان يتدارك ما فات ولا يضيع الاوقات : قال المولى الجامى قدس سره
هردم از عمر كرامى هست كنج بى بدل ... ميرود كنج جنين هر لحضه باد آخ آخ
وقد خسر من فات عنه نفس فى طلب غير الله فكيف يكون حال من اضاع انفاسه فى هواه(6/8)
يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105)
{ يوم يأت } اى حين يأتى ذلك اليوم المؤخر بانقضاء اجله وهو يوم القيامة فلا يلزم ان يكون للزمان زمان وذلك لان الحين مشتمل على ذلك اليوم وغيره من الاوقات ولا محذور فى كونه الزمان جزأ من زمان آخر ألا ترى ان الساعة جزء من اليوم واليوم من الاسبوع والاسبوع من الشهر وعلى هذا ويأت بحذف الياء اجتزاء عنها بالكسرة كما قالوا لا ادر ولا ابال وهو كثير فى لغة هذيل -روى- عن عثمان رضى الله عنه انه عرض عليه المصحف فوجد فيه حروفا من اللحن فقال لو كان الكاتب من ثقيف ولمملى من هذيل ما وجد فيه هذه الحروف فكأنه مدح هذيلا بالفصاحة والناصب للظرف قوله { لا تكلم نفس } لا تتكلم بما ينفع وينجى من جواب او شفاعة { الا باذنه } اى باذن الله تعالى كقوله تعالى { لا يتكلمون الا من اذن له الرحمن وقال صوابا } وقوله { من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه } ويوم القيامة يوم مقداره الف سنة من سنى الدنيا ففيه مواقف وازمنة واحوال مختلفة يتكلمون فى بعضها ويتساءلون كما قال { يوم تأتى كل نفس تجادل عن نفسها ولا يتكلمون } فى بعضها لشدة الهول والفزع وظهور سطوة آثار القهر او لعدم الاذن لهم فى الكلام كما قال { هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون } ويختم فى بعضها على افواههم وتتكلم ايديهم وتشهد ارجلهم
وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال النبى صلى الله عليه وسلم « تمكثون الف عام فى الظلمة لا تتكلمون » قال السعدى قدس سره
[ اكر تيغ قهر بركشد ولى وبنى سردر كشد وكر غمزه لطف بجنباند بدارنرا بنيكان رساند ]
كر بمحشر خطاب قهر بود ... ابيارا جه جاى معذرتست
برده از لطف كوبردار ... كاشقيارا اميد مغفرتست
{ فمنهم } اى من الناس المذكور فى قوله مجموع له الناس او من اهل الموقف المدلول عليهم بقوله لا تكلم نفسى { شقى } وجبت له النار بموجب الوعيد { وسعيد } اى ومنهم سعيد وجبت له الجنة بمقتضى الوعد . وتقديم الشقى على السعيد لان المقام مقام التحذير والانذار
قال فى التبيان علامة الشقاوة خمسة اشياء قساوة القلب وجمود العين والرغبة فى الدنيا وطول الامل وقلة الحياء . وعلامة السعادة خمسة اشياء لين القلب وكثرة البكاء والزهد فى الدنيا وقصر الامل وكثرة الحياء
وفى التأويلات النجمية { شقى } محكوم عليه بالشقاوة فى الازل { وسعيد } محكوم عليه بالسعادة فى الازل . وعلامة الشقاء الاعراض عن الحق وطلبه الاصرار على المعاصى من غير ندم عليها والحرص على الدنيا حلالها وحرامها واتباع الهوى والتقليد والبدعة . وعلامة السعادة الاقبال علىلله وطلبه والاستغفار من المعاصى والتوبة الى الله والقناعة باليسير من الدنيا وطلب الحلال منها واتباع السنة واجتناب البدعة ومخالفة الهوى انتهى [ شيخ ابو سعيد خراز قدس سره فرموده كه حق سبحانه وتعالى درين سوره دوكار عظيم بيان فرموده يكى سياست جبارى وسطوت قهارى كه دمار از روز كار كفار بر آورده ديكر حكم ازلى كه بشقاوت وسعادت خلق شرف نفاذ يافته وحضرت رسالت از هيبت آن خبر وسطوت اين حكم فرموده كه ( شيبتنى سورة هود ) ](6/9)
آن يكى را ازازل لوح سعادت بركنار ... وين يكى را تا ابد داغ شقاوت برجبين
عدل اوميرانداين را سوى اصحاب شمال ... فضل او ميخواند انرا نزد اصحاب يمين
قال ابن الشيخ فى حواشيه قوله تعالى { فمنهم شقى وسعيد } ظاهره يدل على ان اهل الموقف لا يخرجون عن هذين القسمين اللذين . احدهما مخلد فى النار ابدا الا ما شاء ربك . وثانيهما مخلد فى الجنة ابدا الا ما شاء ربك فيلزم ان يكون اطفال المشركين والمجانين الذين لم يعلموا صالحا غير خارجين عنهما فان قلت انهم من اهل الجنة فبلا ايمان وان قلت انهم من اهل النار فبلا ذنب فاعلم ان امرهم فيما يتعلق بالامور الدنيوية تبع لاشراف الابوين وفيما يتعبق بامر الآخرة من الثواب والعقاب معلوم مما روى عن ابى هريرة رضى الله عنه انه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اطفال المشركين أهم من اهل الجنة ام من اهل النار فقال عليه السلام « الله اعلم بما كانوا عاملين من الكفر والايمان ان عاشوا وبلغوا » وتحقيق هذا المقام ان الله تعالى يحشر يوم القيامة اصحاب الفترات والاطفال الصغار والمجانين فى صعيد واحد لاقامة العدل والمؤاخذة بالجريمة والثواب للعمل فى اصحاب الجنة فاذا حشروا فى صعيد واحد بمعزل عن الناس بعث فيهم نبى من افضلهم وتمثل لهم نار يأتى بها هذا النبى المبعوث فى ذلك اليوم فيقول لها انا رسول الله اليكم فيقع عند بعضهم التصديق به ويقع التكذيب عند بعضهم ويقول لهم اقتحموا هذه النار لانفسكم فمن اطاعنى نجا ومن عصانى وخاف امرى هلك وكان من اهل النار فمن امتثل ارمه منهم ورمى بنفسه فيها سعد ونال ثواب العمل ووجد تلك النار بردا وسلاما ومن عصاه استحق العقوبة ودخل النار ونزل فيها بعمله المخالف ليقوم العدل من الله تعالى فى عباده هكذا ورد فى صحيح الاخبار(6/10)
فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106)
{ فاما الذين شقوا } اى سبقت لهم الشقاوة وقضى لهم بالنار { ففى النار } اى مستقرون فى جهنم كأن سائلا قال ما شأنهم فيها فقيل { لهم فيها زفير وشهيق } الزفير اخراج النفس بقوة وشدة والشهيق رده واستعمالهما فى اول ما ينهق الحمار ما يفرغ من نهيقه وفيه استعارة تصريحية فان المراد تشبيه صراخهم باصوات الحمير فكما ان الحمير لها اصوات منكرة كذلك لهم اصوات منكرة فى جهنم كما يشاهد ذلك فى اهل الابتلاء فى الدنيا لا سيما عند الصلب او الخنق او ضرب العنق او قطع اليد او نحوها فان لبعض المجرمين حينئذ خوارا كخوار البقر يتغير صوته كما يتغير لونه وحال الآخرة اشد من حال الدنيا الف مرة(6/11)
خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)
{ خالدين فيها } مقيمين دائمين فيها حال مقدرة من ضمير الاستقرار فى الظرف وهو قوله فى النار هذا ان اريد حدوث كونهم فى النار
وقال بعضهم لا حاجة هنا الى جعل الحال مقدرة كما ف قوله تعالى { فادخلوها خالدين } لان الخلود بعد الدخول وهى ههنا حال من استقر فيها فلا حاجة مقام الظرف . والمعنى مدة دوامهما وهو عبارة عن التاييد ونفى الانقطاع على عادة العرب وذلك انهم اذا وصفوا شيأ بالابد والخلود قالوا ما دامت السموات والارض لانهما باقيتان ابد الآباد على زعمهم فمثلوا ما قصد تأبيده بهما فى عدم الزوال فورد القرآن على هذا المنهاج وان اريد تعليق قرارهم فيها بدوام السموات والارض فالمراد سموات الآخرة وارضها وهى دائمة مخلدة ويدل عليه قوله { يوم تبدل الارض غير الارض والسموات } وقوله { واورثنا الارض نتبوأ من الجنة حيث نشاء } وان اهل الآخرة لا بد لهم من مظل ومقل اما سماء يخلقها الله فتظلهم او يظلهم العرش وكل ما علاك فهو سماء وكل ما استقرت عليه قدمك فهو ارض ولا فساد فى التشبيه بما لا يعرف اكثر الخلق وجوده ولا مانع ونظيره تشبيه الشيء بالكيمياء او بمدينة ارم وغير ذلك [ حضرت شيخ قدس سره درفتوحات آورده كه دوام آسمان وزمين از حيثيت جوهر ايشان مرادست نه از حيثيت صورت ايشان ] وقال اهل التأويل سموات الارواح والقلوب وارض النفوس والبشرية { الا ما شاء ربك } استثناء من الخلود فى النار لان بعض اهل النار وهم فساق الموحدين يخرجون منها وذلك كافة فى صحة الاستثناء لان زوال الحكم عن الكل يكفيه زواله عن البعض ويجوز اجتماع الشقاوة والسعادة فى شخص والسعادة فى شخص واحد باعتبارين كما قال فى التأويلات النجمية { الا ما شاء ربك } من الاشقياء وذلك لان اهل الشقاوة على ضربين شقى واشقى فيكون من اهل التوحيد شقى بالمعاصى سعيد بالتوحيد فالمعاصى تدخله النار والتوحيد يخرجه منها ويكون من اهل الكفر والبدعة اشقى يصليه كفره وتكذيبه النار فيبقى خالدا مخلدا انتهى
وعن ابن مسعود رضى الله عنه ليأتين على جهنم زمان ليس فيها احد بعد ما يلبثون فيها احقابا
وعن ابى هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص مثله ومعناه عند اهل السنة ان لا يبقى فيها احد من اهل الايمان فتبقى طبقتهم خالية واما مواضع الكفار فممتلئة ابدا : قال الحافظ
دلا طمع مبراز لطف بى عنايت دوست ... كه ميرسد همه را لطف بى نهايت او
وفى هذا البيت اشارة الى سر خفى لا يدركه الا اهل الالهام
قال بعض الكبار الترقى والتدلى انما يجرى فى هذا العالم واما فى الآخرة فلا ترقى فيها
فان قلت فقد ترقى المعاصى الى مرتبة الجنة بعد الخروج من النار
قلت ذلك الترقى كان فى الدنيا بسبب الايمان غير ان ظهوره كان فى الآخرة فعذب اوّلا ثم دخل الجنة { ان ربك فعال لما يريد } منتخليد البعض كالكفار واخراج البعض كالفساق من غير اعتراض عليه .(6/12)
وانما قيل فعال لان ما يريد ويفعل فى غاية الكثرة
وقال المولى ابو السعود { الا ما شاء ربك } استثناء من الخلود على طريقة قوله تعالى { لا يذوقون فيها الموت الا الموتة الاولى } وقوله { ما نكح آباؤكم من النساء الا ما قد سلف } وقوله { حتى يلج الجمل فى سم الخياط } غير ان استحالة الامور المذكورة معلومة بحكم العقل واستحالة تعلق المشيئة بعدم الخلود معلومة بحكم النقل يعنى انهم مستقرون فى النار فى جميع الازمنة الا فى زمان مشيئة الله تعالى لعدم قرارهم فيها واذلا امكان لتلك المشيئة ولا لزمانها بحكم النصوص القاطعة الموجبة للخلود فلا امكان لانتهاء مدة قرارهم فيها ولدفع ما عسى يتوهم من كون استحالة تعلق المشيئة بطريق الوجوب على الله تعالى قال { ان ربك فعال لما يريد } يعنى انه فى تخليد الاشقياء فى النار بحيث يستحيل وقوع خفه فعال بموجب ارادته قاض بمقتضى مشيئته الجارية على سنن حكمته الداعية الى ترتب الاجزئة على افعال العباد ولك ان تقول انهم ليسوا بمخلدين فى العذاب الجسمانى بل لهم من العقوبات والآلام الروحانية ما لا يعلمه ا الله تعالى وهذه العقوبات وان كانت تعتريهم وهم فى النار لكنهم ينسون بها عذاب النار ولا يحسون بها ألا ترى ان من دهمه الغم المفرط وادهشه خطب جليل فانه لا يحس بقرص النملة والبرغوث ونحوهما وقس عليه الحال فى جانب السرور كما سيأتى(6/13)
وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)
{ واما الذين سعدوا } من سعد بمعنى اسعد لغتان حكاهما الكسائى اى قدر لهم السعادة وخلقوا لها { ففى الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والارض الا ما شاء ربك }
قال قتادة الله اعلم بثنياه
وقال الضحاك الا ما مكثوا فى النار حتى ادخلوا الجنة فان التأبيد من مبدأ معين كما ينقص باعتبار الانتهاء فكذلك باعتبار الابتداء
وقال المولى ابو السعود فى تفسيره ان حمل على طريقة التعليق بالمحال فقوله { عطاء غير مجذوذ } نصب على المصدرية من معنى الجملة لان قوله { ففى الجنة خالدين فيها } يقتضى اعطاء وانعاما فكأنه قيل يعطيهم اعطاء غير مقطوع بل ممتدا لا الى نهاية وهو ما اسم مصدر اعطاء وانعاما فكأنه قيل يعطيهم اعطاء غير مقطوع بل ممتدا لا الى نهاية وهو ما اسم مصدر هو الاعطاء او مصدر بحذف الزوائد كقوله تعالى { انبتكم من الارض نباتا } وان حمل على ما اعد الله لعباده الصالحين من النعيم الروحانى الذى عبر عنه ( ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطرت على قلب بشر ) فهو نصب على الحالية من المفعول المقدر للمشيئة
قال بعض الكبار اهل الجنة يبقى فى مرتبة الجنة واهل الترقى يتجاوز ويترقى الى ما فوقها
وتحقيقه على ما فى التأويلات النجمية ان اهل السعادة على ضربين سعيد واسعد فالسعيد من يبقى فى الجنة ودرجاتها وغرفاتها الى العليين بحسب العبادة والعبودية والاسعد من يدخل الجنة ويعبر عن درجاتها وغرفاتها الى مقامات القربة بحسب المعرفة والتقوى والمحبة كقوله تعالى { ان المتقين فى جنات ونهر فى مقعد صدق عند مليك مقتدر } وقال صلى الله عليه وسلم « ان اهل الجنة ليرون اهل العليين كما يرى احدكم الكوكب الدرى فى افق السماء وان ابا بكر وعمرو منهم فى انعم مكان فمن كان من اهل الجنة واهل العليين فلهم خلود فى الجنة ومن كان فى مقام مقعد الصدق فهو فى انعم مقام من الجنة فلهم الخروج من الجنة من بجذبات العناية الى عالم الوحدة » والسر فى هذا ان السالك يسلك بقدم المعاملات الى اعلى مقام الروحانية من حضيض البشرية وهو بعد فى مقام الاثنينية وهو سدرة المنتهى عندها جنة المأوى فلا عبور عن هذا المقام للملك المقرب ولا للنبى المرسل الا برفوف جذبة العناية فانها توازى عمل الثقلين وبها يصل العبد الى عالم الوحدة فلفهم جدا
فما ابقى هناك الدخول والخروج والاستثناء بقوله { الا ما شاء ربك } راجع الى هذا المقام ولهذا قال { عطاء غير مجذوذ } لانه لا انقطاع له ولا تغيير فيه انتهى
يقول الفقير على ما تلقف من فم حضرة الشيخ العلامة ابقاه الله بالسلامة ان اهل الجنة يصلون بمقتضى الاستثناء الذ هو قوله تعالى { الا ما شاء ربك } الى مقام لا يشابه ما قبله اصلا وذلك بعد تطاول الزمان وتباعد التنغم فى الجنان وعند ذلك يظهر سر الازل فى مرآة الابد فكما ان مبدأ التعينات وهو شئونات الغيبية ازل الازال كذلك مقام هذا التجلى المخصوص ابد الآباد فالأبد المضاف هو ما بعد هذا التجلى المخصوص ابد الآباد فالأبد المضاف هو ما بعد هذا التجلى لا الى نهاية والمضاف اليه ما كان قبله مذ دخولهم الجنة وكذا الازل فان ما فوق المبدأ المذكور هو الازل المضاف وما تحته هو الازل المضاف اليه ونظير هذا هو ما يصل اليه اهل الفناء الكلى فى الدنيا وذلك انهم استوفوا حظهم من الارزاق المعنوية بحيث لم يبق لهم بحسب مرتبتهمخ وتعينهم الخاص شيء لم يصلوا اليه من اسرار الافعال والصفات والذات فى جميع المراتب والتعينات فعند ذلك يتجلى الله لهم بصورة اخرى لا تشابه ما قبلها اصلا فيحيون حياة ابدا باقية .(6/14)
ثم السر المذكور المنسوب الى اهل الجنة والعليين جار على اهل النار لكنهم اهل الجلال ومقامهم مقام الفردية ولذا لا تزوج لهم ولا تنعم بما يتنعم به اهل الجنان واهل الجنة اهل الجمال ومقامهم مقام الصفة ومقتضاه التنعم والتلذذ . فالفرق بين اهل الجنة واهل النار ان لاهل الجنة ظهورا بالصفات وفى الظهور بطون وهو سر الذات وان لاهل النار بطونا وليس فى البطون ظهور ولاهل الكمال احاطة وسعة بحيث لا توصف وذلك فى الدارين فالمقربون واقفون على احوال الابرار ومكاشفون عن مقاماتهم ومواطنهم وهم محجوبون عن المقربين فى ذلك وكذا الابرار واقفون على احوال اصحاب المشأمة وهم محجوبون عن الابرار فقس على حال الدنيا البرازخ والآخرة ولذا قال بعض الكبار ان الروح بعد خلاصه من حبس البدن ان كان علويا بعضه يقطع برزخا وبعضه اكثر ان يسموا البرازخ فكلما قطع برزخا ازداد احاطة حتى يصل الى المحيط الحقيقى فهناك يضمحل الكل فهو محيط الكل واما اذا كان سفليا فانه فى البلاء والعياذ بالله تعالى
ثم ان العلم الالهى انما يستكمل بعد اربعين سنة من اول المكاشفة والظهور كما ان العقل انما يستكمل فى سن الاربعين يعنى ان الوصول الى منتهى المراتب انما يحصل فى تلك المدة وقد اجرى الله عادته على ذلك فلا يطمع احد فيه قبلها فان العلم يزداد الى ذلك الحد ثم يحصل التحقق وتصير الاوصاف الطبيعية والنفسانية كلها تحت تسخيره وفى يده غالبا عليها باذن الله تعالى وعونه فانظر الى طول الطريق وعزة المطلب فاختر لك دليلا الى ان تصل الى الله الله الرب : وفى المثنوى
بيررا بكزين بى بير اين سفر ... هست ره برآفت وخوف وخطر
آن رهى كه بارها تورفته ... بى قلاوز اندر آن آشفته
بس رهى راكه ند يدستى توهيج ... هين مروتنها زرهبر سرمييج
كرنباشد سايه بيرا يفضول ... بس تراسر كشته دارد بانك غول
اللهم خذ بايدينا وجد علينا كل حين(6/15)
فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109)
{ فلا تك } اصله لا تكن حذفت النون لكثرة الاستعمال اى اذا تبين عندك ما قصصت عليك من قصص المتقدمين وسوء عاقبتهم فلا تكن { فى مرية } اى فى شك { مما يعبد هؤلاء } ما مصدرية اى من جهة عبادة هؤلاء الحاضرين من المشركين وكن على يقين فى انها ضلال سيئ العاقبة كأنه قيل لم لا اكون فى شك فاجيب لانهم { ما يعبدون الا كما } كان { يعبد آباؤهم من قبل } اى حالهم كحال آبائهم من غير تفاوت فهم على الباطل والتقليد على الحق والتحقيق
وفيه اشارة الى ان اهل الفترة الذين عبدوا الاصنام من اهل النار فان الذى ينادى على ذلك { وانا لموفوهم } توفية الشيئ تأديته واعطاؤه على وجه التمام والضمير لهؤلاء الكفرة { نصيبهم } اى حظهم المتبعين لهم من العذاب الدنيوى والاخروى كما وفينا آباءهم انصباءهم المقدرة حسب جرائمهم فسيلحقهم مثل ما لحق بآبائهم فان التماثل فى المسببات
فان قيل لا سبب عندنا الا الله
قلنا يكفينا السببية العادية وهو ما يفضى الى الشيء بحسب جريان العادة { غير منقوص } حال مؤكدة من النصيب كقوله { هو الحق مصدقا } وفائدته مع دفع توهم التجوز تقرير ذى الحال اى جعله مقررا ثابتا لا يظن انه غيره
وفى الآية ذم للتقليد وهو قبول قول الغير بلا دليل وهو جائز فى الفروع والعمليات ولا يجوز فى اصول الدين والاعتقاديات بل لا بد من النظر والاستدلال لكن ايمان المقلد صحيح عند الحنفية والظاهرية وهو الذى اعتقد جميع ما وجب عليه من حدوث العالم ووجود الصانع وصفاته وارسال الرسل وما جاؤا به حقا من غير دليل لان النبى صلى الله عليه وسلم قبل ايمان الاعراب والصبيان والنسوان والعبيد والاماء من غير تعليم الدليل ولكنه يأثم بترك النظر والاستدلال لوجوبه عليه ولا يحصل اليقين الا بترك التقليد وبالوصول الى عين التوحيد : قال المولى الجامى قدس سره
سيراب كن زبحر يقين جان تشنه را ... زين بيش خشنك لب منشين برسر آب ريب
ثم ان اهل التقليد وارباب الطبيعة انما يعبدون الدنيا والهوى فى الحقيقة فلا بد من ترك الهوى واتباع الهدى
يقال لما وقع الازدواج بين آدم وحواء وقع الازدواج بين ابليس والدنيا فتولد من الازدواج الاول نوع البشر ومن الثانى الهوى فجميع الاديان الباطلة والاخلاق المذمومة من تأثير ذلك الهوى
قال بعض المحققين لما جعل الله سلطان الروح ملكا فى ملك البدن وجعل العقل وريره جعل النفس خليلة الروح فمالت النفس الى الهوى فسئل الوزير عن حالها فقال وزير العقل ايها الملك ان ههنا مسمى بالهوى قد اضل النفس فتوجه الروح الى الله تعالى بلتضرع والابتهال فانقادت النفس للروح بالصلاح وحسن الحال فمن اراد اصلاح نفسه فليرجع الى القادر المتعال
يقال ان ضرر البدعة والهوى اكثر من ضرر المعصية فان صاحب المعصية يعلم قبحها فيستغفر ويتوب بخلاف صاحب البدعة والهوى
ثم ان البدعة والهوى عندنا معاشر الصوفية خلال العمل بسنة النبى عليه السلام وسنة الاصحاب العظام وسنة المشايخ الكرام والاتباع بالعقل الجزئى والطبع فى كل فعل وترك . فعلى السالك ان لا يخالف السنن مطلقا ولا يخرج عن آثار الاخيار ولا يلتفت الى طعن الاغيار فان الحق احق ان يتبع
دين ما عشقست اى زاهد مكوبيهوده بند ... ما بترك دين خود كفتن تخواهيم ازكذاف(6/16)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110)
{ ولقد } اى وبالله لقد { آتينا موسى الكتاب } اى التوراة وهو اول كتاب اشتمل على الاحكام والشرائع واما ما قبله من الكتب فانما كانت مشتملة على الايمان بالله وتوحيده ومن ثمة قيل لها صحف واطلاق الكتب عليها مجاز { فاختلف فيه } اى فى شأنه وكونه من عند الله وآمن به قوم وكفر به آخرون فلا تبال يا محمد باختلاف قومك فيما آتيناك من القرآن واصبر على تكذيبهم كما صبر موسى على تكذيب قومه . ففيه تسلية له صلى الله عليه وسلم ولما قسم صلى الله عليه وسلم غنائم الطائف واطال بعض المنافقين الكلام فى انه لم يعدل فى القسمة قال عليه السلام « من يعدل اذا لم يعدل الله ورسوله رحمه الله على اخى موسى لقد اوذى باكثر من هذا فصبر » يعنى ان موسى اصابه الكثير من جهة قومه فصبر على اذاهم فلم يجزع فانا احق بالصبر منه لان الجمعية الكمالية فى ذاته عليه السلام اتم فحظه من الصفات الالهية والاخلاق الحميدة الربانية اكثر واوفر : قال المولى الجامى قدس سره فى نعته
بر دفتر جلال تو تورات يك رقم ... وزمصحف جمال توانجيل يك ورق
{ ولولا كلمة سبقت من ربك } هى كلمة القضاء بانظارهم الى يوم القيامة
قال سعدى المفتى الا ظهر ان لا تقيد بيوم القيامة فان اكثر طغاتهم نزل بهم العذاب يوم بدر وغيره { لقضى بينهم } اى لا وقع القضاء بين المخفلين من قومك بانزال العذاب الذى يستحقه المبطلون ليتميزوا به عن المحقين { وانهم } اى وان كفار مكة اريد به بعض من رجع اليهم ضمير بينهم للامن من الالباس { لفى شك } عظيم { منه } اى من القرآن وان لم يجر له ذكر فان مقام التسلية ينادى على ذلك نداء غير خفى { مريب } وصف لشك يقال اراد به اوقعه فى الريبة . يعنى [ نفس را مضطرب ودل را شوريده كننده ](6/17)
وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111)
{ وان كلا } التنوين عوض عن المضاف اليه اى وان كل المختلفين فيه المؤمنين منهم والكافرين { لما يوفينهم ربك اعمالهم } اللام الاولى موطئة للقسم والثانية جواب للقسم المحذوف ولما بتشديد الميم اصله لمن بكسر الميم على انها من الجارة دخلت على ما الموصولة او الموصوفة فلما اجتمعت النون ساكنة مع ميم ما وجب ادغامها فقلبت ميما فاجتمع فى اللفظ ثلاث ميمات فحذفت احداهن اولاهن كانت المحذوفة ام وسطاهن على اختلاف الاقوال . والمعنى ان جميعهم لمن الذى او لمن خلق او لمن فريق والله ليوفينهم ربك اعمالهم من الايمان وسائر الحسنات والكفر وسائر السيآت اى ليعطينهم ويؤدينهم جزاء اعمالهم خيرا او شرا تاما وافيا كاملا { انه } اى الله تعالى { بما يعملون } اى بما يعمله كل فرد من المختلفين من الخير والشر { خبير } بحيث لا يخفى عليه شيء من جلائله ودقائقه فيجازى كلا بحسب عمله وتوفية جزاء الطاعات وعد عظيم وتوفية جزاء المعاصى وعيد عظيم
فعلى العاقل ان ينتبه من الغفلة ويجانب ما يخالف امر الله تعالى فان الله تعالى لا يفوته منه شيء
بهمه كار بنده دانا اوست ... بمكافات او توانا اوست
واعلم ان الكلمة الالهية الازلية سبقت بسعادة اهل الايمان وشقاوة اهل الكفر فهم فى قبضتى الكفر والقهر وامهالهم وتأخيرهم انما هو لاستكمال السعادة والشقاوة لنفوسهم ولغيرهم فكتاب الله تعالى هو محك النفوس فمن آمن به وعمل باحكامه فقد كملت سعادته ومن كفر به وترك العمل باحكامه فقد كملت شقاوته وكل واحد من الفريق الاول اهل يقين ونجاة وكل واحد من الفريق الثانى اهل شك وهلاك وعادة الله تعالى جارية على تسليط اهل الانكار على اهل القرار لاستخراج ما فى معادن نفوسهم من جواهر اوصافه الشريفة كالصبر على الاذى والتحمل على البلاء والحلم على السفهاء والعفو عن الجهلاء والصفح عمن ليس له حياء لكى يتخلقوا باخلاق الله تعالى ويظهر بها صدق عبوديتهم وتفاوت درجاتهم فان المراتب ليست بالدعاوى والامانى بل بالحقائق والمعانى : قال المولى الجامى
بى رنج كسى جون نبردره بسر كنج ... آن به كه بكوشم بتمنا ننشينم
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام قدس سره مبانى طريق الصوفية على اربعة اشياء وهى اجتهاد وسلوك وسير وطير فالاجتهاد التحقق بحقائق الايمان والسير التحقق بحقائق الاحسان والطير الجذبة بطريق الجود والاحسان الى معرفة الملك المنان فمنزلة الاجتهاد من السلوك منزلة الاستنجاء من الوضوء فمن لا استنجاء له لا وضوء له فكذا من لا اجتهاد له لا سلوك له ومنزلة السلوك من السير منزلة الوضوء من الصلاة فمن لا وضوء له لا صلاة له فكذا من لا سلوك له لا سير وبعده الطير وهو الوصول وادنى الانتساب فى هذا الباب محبة اهل الاجتهاد وتصديق الواصلين الى سر المبدأ والمعاد ورعاية جانب المتحققين بحقائق القرآن دون العداوة والبغض والشنآن وفى الحديث القدسى « من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب » اى اعلمته انى محارب له حيث كان محاربا لى بمعاداة اوليائى فاذا كان معادى الولىّ ورافض علومه محاربا لله تعالى فما ظنك بمعادى النبى وتارك كتابه ولا يفلح احد ممن حارب الله تعالى ورسوله ووارث رسوله فان الله تعالى ذو البطش الشديد فاذا اخذه لم يفلته نسأل الله العافية والوفاء والصفاء ونعوذ به من الخذلان واهل الجفاء(6/18)
فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112)
{ فاستقم كما امرت } يقول الفقير اى اذا تبين عندك يا محمد احوال القرون الاولى وان اخوانك الانبياء ومؤمنيهم تحملوا من قومهم الاذى من قومهم الاذى وصبروا واستقاموا على طريقتهم المثلى لى ان يأتى ارم الله تعالى فدم انت ايضا على الاستقامة على التوحيد والدعوة اليه كما امر الله تعالى { ومن تاب معك } معطوف على المستكن فى فاستقم من غير تأكيد بالمنفصل لوجود الفاصل القائم مقامه اى ومن تاب من الشرك والكفر وشاركك فى الايمان هو المعنى بالمعية والا فليس لهم مصاحبة له فى التوبة عما ذكر اذ الانبياء معصومون عن الكفر وكذا فى تعمد الكبائر قبل الوحى وبعده بالاجماع لكن الظاهر ان الاشتراك فى نفس التوبة يكفى فى الاصطحاب ولا يلزم الاشتراك فى المتوب عنه وقد كان عليه السلام يستغفر الله كل يوم اكثر من سبعين مرة على ما ورد فى الحديث كذا فى حواشى سعدى المفتى
يقول الفقير لعل التوبة فى مثل هذا المقام هر الرجوع عن الحالة الاولى ومفارقتها سواء صدر فيها الكفر كسجود الصنم وغيره وهو حال اكثر المؤمنين او لم يصدر وهو حال الاقلين ومنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صح انه عليه السلام شهد بان عليا رضى الله عنه لم يكفر بالله قط طرفة عين مع قوله له فى دعوة الاسلام ( وادعوك الى الكفر باللات والعزى ) فان هذا القول لا يقتضى كفره رضى الله عنه اذ قد يدعى الرجل الى كفر ما لم يتصف به اذا كان من شأنه الكفر به والانكار عليه { ولا تطغوا } اى ولا تنحرفوا عما حد لكم بافراط وتفريط فان كلا طرفى قصد الامور ذميم . وانما سمى ذلك طغيانا وهو تجاوز الحد تغليظا او تغليبا لحال سائر المؤمنين على حاله . وفى سورة شورى { واستقم كما امرت ولا تتبع اهواءهم } والنهيان متقاربان اذا المراد عدم الاتباع لاهواء اهل الكفر لان فى الاتباع الطغيان وفى عدمه الاستقامة المحضة { انه } اى الله تعالى { بما تعملون بصير } عالم لا يخفى عليه شيء فيجازيكم على ذلك فاتقوه فى المحافظة على حدوده وهو فى معنى التعليل للامر والنهى
وعن بعض الصلحاء وهو ابو على السنوسى رضى الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى النوم فقلت له روى عنك انك قلت « شيبتنى سورة هود » فقال نعم فقلت فما الذى شيبك منها أقصص الانبياء وهلاك الامم قال لا ولكن قوله فاستقم كما امرت وذلك لان حقيقة الاستقامة هى الوفاء بالعهود كلها وملازمة الصراط المستقيم برعاية حد التوسط فى كل الامور من الطعام والشراب واللباس فى كل امر دينى ودنيوى ترغيب او ترهيب او حال او حكم او صفة او معاملة وذلك هو الصراط المستقيم فى الآخرة والتمشى على هذا الصراط الذى يقال لها الاستقامة الاعتدالية عسير جدا كما قال فى بحر العلوم والاستقامة على جميع حدود الله على الوجه الذى امر الله بالاستقامة عليه مما يكاد يخرج عن طوق البشر ولذلك قال عليه السلام(6/19)
« سيبتنى سورة هود » ولن يطيق مثل ههذ المخاطبة بالاستقامة الا من ايد بالمشاهدات القوية والآثار الصادقة ثم بالتثبت كما قال { لولا ثبتناك } ثم حفظ وقت المشاهدة ومشافهة الخطاب ولولا هذه المقدمات لتفسخ دون هذا الخطاب ألا تراه كيف قال للامة « استقيموا ولن تحصوا » اى لن تطيقوا الاستقامة التى امرت بها
قيل لمحمد بن فضل حاجة العارفين الى ماذا قال حاجتهم الى الخصلة التى كملت بها المحاسن كلها ألا وهى الاستقامة التى امرت بها
قيل لمحمد بن فضل حاجة العارفين الى ماذا قال حاجتهم الى الخصلة التى كملت بها المحاسن كلها ألا وهى الاستقامة فكل من كان اتم معرفة كان اتم استقامة
قال ابن عطاء فاستقم اى افتقر الى الله مع تبريك من الحول والقوة
وفى التفسيرالفارسى للامام القشيرى [ فرمودكه مستقيم آنكس است كه از راه حق بازنكردد تابسر منزل وصال برسد . وشيخ ابو على دقاق كفته استقامت آنست كه سرخودرا از ما سوى محفوظ دارى . وخواجه بخارى درصفت اهل استقامت فرموده ]
كسى را دانم اهل استقامت ... كه باشد برسر كوى ملامت
زا اوصاف طبيعت باك برده ... باطلاق هويت جان سبرده
تمام از كردتن دامن فشانده ... برفته سايه وخوشيد مانده
وقال ابو على الجرجانى كن كالب الاستقامة لا طالب الكرامة فان نفسك متحركة فى طلب الكرامة ويطلب منك الاستقامة فالكرامة الكبرى الاستقامة فى خدمة الخالق باظهار الخوارق
قال حضرة الشيخ الشهير بالهدائى قدس سره فى نفائس المجالس لا تتيسر الاستقامة الا بايفاء حق كل مرتبة من الشريعة والطريقة والمعرفة والحقيقة فمن رعاية حق الشريعة العدالة فى الاحكام فالاستقامة فى مرتبة الطبيعة برعاية الشريعة وفى مرتبة النفس برعاية الطريقة وفى مرتبة الروح برعاية المعرفة وفى مرتبة السر برعاية المعرفة والحقيقة فمراعاة تلك الامور فى غاية الصعوبة ولذلك قال عليه السلام « شيبتنى سورة هود » فالكمال الانسانى بتكميل تلك المراتب لا باظهار الخوارق كما حكى انه قيل للشيخ ابى سعيد ان فلانا يمشى على الماء قال ان السمك والضفدع كذلك وقيل ان فلانا يطير فى الهواء فقال ان الطيور كذلك فقيل فما الكمال عندك قال ان تكون فى الظاهر مع الخلق وفى الباطن مع الحق
واعلم ان النفوس جبلت على الاعوجاج عن طريق الاستقامة الا ما اختص منها بالعناية الازلية والجذبة الالهية : قال المولى الجامى قدس سره
سالكان بى كشش دوست بجايى نرسند ... سالها كرجه درين راه تك وبوى كنند(6/20)
وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113)
{ ولا تركنوا } الركون هو الميل اليسير والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين اى لا تميلوا ادنى ميل { الىلذين ظلموا } اى الى الذين وجد منهم الظلم فى الجملة { فتمسكم } بسبب ذلك وهو منصوب باضمار ان فى جواب النهى يعنى بشما برسد ] { النار } [ آتش درزخ ] واذا كان الركون الى من صدر منهم ظلم مرة فى الافضاء اى مساس النار هكذا فما ظنك بالركون الى من صدر منهم ظلمة مرة فى الافضاء الى مساس انار هكذا فما ظنك بالركون الى من صدر منهم الظلم مرارا ورسخوا فيه ثم بالميل اليهم كل الميل { وما لكم من دون الله من اولياء } اى من انصار ينقذونكم من النار على ان يكون مقابلة الجمع بالجمع بطريق انقسام الآحاد على الآحاد . والجملة نصب على الحالية من مفعول فتمسكم النار وانتم على هذه الحالة وهى انتفاء ناصركم { ثم لا تنصرون } جملة فعليه معطوفة على الاسمية قبلها . وكلمة ثم لاستبعاد نصرة الله تعالى اياهم مع استحقاقهم العذاب بسبب ركونهم ثم لا ينصركم الله اذ سبق فى حكمه ان يعذبكم ولا يبقى عليكم . والآية ابلغ ما يتصور فى النهى عن الظلم والتهديد عليه والعجب من قوم يقرأون هذه الآية ويرون ما فيها ثم لا يرتدعون عن الظلم والميل الى اهله ولا يتدبرون انهم مؤاخذون غير منصورين :
قال السعدى قدس سره
كرازى بجاه اندر افتاده بود ... كه ازهول اوشير نرمانده بود
بد انديش مردم بجز بدنديد ... بيفتادو عاجز تر ازخود نديد
همه شب زفرياد وزارى نخفت ... يكى برسرش كوفت سنكى وكفت
تو هركز رسيدى بفرياد كس ... كه ميخواهى امروز فرياد رس
كه برريش جانت نهد مرهمى ... كه دلهى زدردت بنالد همى
تومارا همى جاه كندى براه ... بسر لاجرم درفتادى بجاه
اكربد كنى جشم نيكى مدار ... كه هر كزنيارد كزا نكور بار
وفى الحديث « اياكم والظلم فانه يخرب قلوبكم » وفى تخريب القلب تخريب سائر الجسد فالظالم يظلم على نفسه حيث يخرب اعضاءه الظاهرة والباطنة وعلى الله حيث يخرب بنيان الله ويغيره ويفسده ولانه اذا ظلم غيره وآذاه فقد ظلم على الله ورسوله وآذاه . والدليل عليه قوله عليه السلام « انا من الله والمؤمنون منى فمن آذى مؤمنا فقد آذانى ومن آذانى فقد آذى الله تعالى » ودخل فى الركون الى الظالمين المداهنة والرضى باقوالهم واعمالهم ومحبة مصاحبتهم ومعاشرتهم ومد العين الى زهرتهم الفانية وغبطتهم فيما اوتوا من القطوف الدانية والدعاء لهم بالبقاء وتعظيم ذكرهم واصلاح دواتهم وقلمهم ودفع القلم او الكاغد الى ايديهم والمشى خلفهم والتزيى بزيهم والتشبه بهم وخياطة ثيابهم وحلق رؤوسهم .(6/21)
وقد امتنع بعض السلف عن رد جواب الظلمة فى السلام
وقد سئل سفيان عن ظالم اشرف على الهلاك فى برية هل يسقى شربة ماء فقال لا فقيل له يموت فقال دعه فانه اعانه للظالم وقال غيره يسقى الى ان يثوب الى نفسه ثم يعرض عنه وفى الحديث « العلماء امناء الرسل على عباد الله لم يخالطوا السلطان فاذا فعبوا ذلك فقد خانوا الرسل فاحذروهم واعتزلوهم » فاذا علمت هذا فاعلم ان الواجب عليك ان تعتزل عنهم بحيث لا تراهم ولا يرونك اذ لا سلامة الا فيه وان لا تفتش عن امورهم ولا تتقرب الى من هو من حاشيتهم ويتصل بهم من امامهم ومؤذنهم فضلا عن غيرهم من عمالهم وخدمهم ولا تتأسف على ما يفوت بسبب مفارقتهم وترك مصاحبتهم واذكر ان كثيرا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم « اذا قرأ الرجل القرآن وتفقه فى الدين ثم اتى باب السلطان تملقا اليه وطمعا لما فى يديه خاض بقدر خطاه فى نار كهنم » والحديث كأنه مأخوذ من الآية فهما متطابقان معنى كما لا يخفى -وروى- ان الله تعالى اوحى الى يوشع بن نون انى مهلك من قومك اربعين الفا من خيارهم وستين الفا من شرارهم فقال ما بال الاخيار فقال انهم لم يغضبوا لغضبى فكانوا يواكلونهم ويشاربونهم وبهذا تبين ان بغض الظلمة والغضب عليهم لله واجب وانما ظهر الفساد فى الرعايا وجميع اقطار الارض برا وبحرا بفساد الملوك وذلك بفساد العلماء اولا اذ لولا القضاة والعلماء السوء لقل فساد الملوك بل لو اتفق العلماء فى كل عصر على الحق ومنع الظلم مجتهدين فى ذلك مستفرغين مجهودهم لما اجترأ الملوك على الفساد ولاضمحل الظلم من بينهم راسا وبالكلية ومن ثم قال النبى عليه السلام « لا تزال هذه الامة تحت يد الله وكنفه ما لم يمالئ قرّاؤها امراءها » وانما ذكر القراء لانهم كانوا هم العلماء وما كان علمهم الا بالقرآن ومعانيهم الا بالسنة وما وراء ذلك من العلوم انما احدثت عدهم كذا فى بحر العلوم للشيخ على السمرقندى قدس سره
يقول الفقير اصلحه الله القدير ذكر فى الاحياء ان من دخل على السلطان بلا دعوة كان جاهلا ومن دعى فلم يجب كان اهل بدعة
وتحقيق المقام ان الركون فى الآية اسند الى المخاطبين ولمخالطة وايان الباب والممالأة الى العلماء والقراء فكل منها انما يكون مذموما اذا كان من قبل العلماء واما اذا كان من جانب السلاطين والامراء بان يكونوا مجبورين فى ذلك مطالبين بالاختلاط لاجل الانتفاع الدينى فلا بأس حينئذ بالمخالطة لان امجبور المطالب مؤيد من عند الله تعالى خال عن الاغراض النفسانية بخلاف ما اذا كان مقارنا بالاغراض النفسانية فيكون موكولا الى نفسه فتختطفه الشياطين نعوذ بالله تعالى(6/22)
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)
{ واقم الصلوة } فى الامر بافعال الخير جاء موحدا موجها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الظاهر وان كان المامور به من حيث المغنى عاما وفى النهى عن المحظورات موجها الى غير الرسول مخاطبا به امته فهذا من جليل البلاغة القرآنية ولمراد باقامة الصلاة اداؤها وانما عبر عنه اشارة الى ان الصلاة عماد الدين { طرفى النهار } اى غدوة وعشية وانتصابه على الظرفية لكونه مضافا الى الوقت فيعطى حكم المضاف اليه { وزلفا من الليل } منصوب على الظرفية لعطفه على طرفى النهار اى ساعات من الليل وهى الساعات القريبة من النهار فانه من ازلفه اذا قربه جمع زلفة كغرف جمع غرفة . والمراد بصلاة الغدوة صلاة الفجر . وبصلاة العشية الظهر والعصر لان من بعد الزوال عشى . وبصلاة الزلف المغرب والعشاء وفيه دلالة بينة على اطلاق بينة على اطلاق لفظ الجمع وهو الزلف على الاثنين فالآية مشتملة على الصلوات الخمس ونظيرها قوله تعالى فى سورة ق { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس } اى بصلاة الصبح { وقبل الغروب } اى بصلاة العصر والظهر فالعصر اصل فى ذلك الوقت والظهر تبع لها كما فى تفسير المناسبات { ومن الليل } فى بعض اوقاته { فسبحه } بصلاتى المغرب والعشاء وفسر بعضهم طرفى النهار بالصبح والمغرب وزلف الليل بالعشاء والتهجد فانه كان واجبا عليه فيوافق قوله { ومن الليل فتهجد به } اى الوتر على ما ذهب اليه ابو حنيفة او مجموع العشاء والوتر والتهجد على ما يقتضيه ظاهر صيغة الجمع فى زلفا { ان الحسنات } على الاطلاق لا سيما الصلوات الخمس { يذهبن السيآت } اى يكفرن الصغائر يعنى لا انها تذهب السيآت نفسها اذ هى قد وجدت بل ما كان يترتب عليها وفى الحديث « الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان مكفرات لما بينهن اذا اجتنب الكبائر » ويمنعن من اقترافها كقوله تعالى { ان الصلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر } -روى- فى سبب النزول ان ابا اليسر الانصارى كان يبيع التمز فاتته امرأة فاعجبته فقال لها فى البيت اجود من هذا التمر فذهب الى نحو بيته وضمها الى نفسه وقبلها وفعل بها كل شيء الا الجماع فقالت له اتق الله فتركا وندم فاتى ابو بكر رضى الله عنه فاخبره فقال استر على نفسك وتب الى الله تعالى فلم يصبر فاتى عمر رضى الله عنه فقال له مثل ذلك فلم يصبر ثم اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبره بما فعل فقال « انتظر امر ربى فاستر على نفسك » فلما صلى صلاة العصر نزلت هذه الآية فقال عليه السلام « صليت العصر معنا » قال نعم فقال « اذهب فانها كفارة لما فعلت » فقال الحاضرون من الصحابة « هذا له خاصة ام للناس عامة »(6/23)
قال « بل للناس كافة » وفى الحديث « أرأيتم لو ان نهرا بباب احدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من دونه شيء » قالوا لا قال « فذلك مثل صلاة الخمس يمحو ها الخطايا »
واعلم ان الذنوب كلها نجاسات والطاعات مطهرات وبماء اعضاءالوضوء تتساقط الاوزار ولذا كانت الغسالة فى حكم النجاسة . ومن هنا اخذ بعض الفقهاء كراهة والصلاة بالخرقة التى يتمسح بها اعضاء الوضوء وقال الله تعالى لموسى عليه السلام { يا موسى يتوضأ احمد وامته كما امرتهم واعطيهم بكل قطرة تقطر من الماء جنة عرضها كعرض السماء } فانظر الى ما سلبه الوضوء وجلبه : قال الحافظ
خوشا نماز ونياز كسى كه ازسر درد ... بآب ديده وخون جكر طهارت كرد
واحسن الحسنات وافضل الطاعات العلم بالله وطريقة التوحيد وخلاف هوى النفس فبذكر الله يتخلص العبد من لذنوب وبه يحصل تزكية النفوس وتصفية القلوب وبه يتقوى العبد على طاعة الرحمن ويتخلص من كيد الشيطان قالوا يا رسول الله لا اله الا الله من الحسنات قال « هى احسن الحسنات » وفى الآية اشارة الى ادامة الذكر والطاعة والعبادة فى الليل والنهار الا ان يكون له ضرورة من الحاجات الانسانية فيصرف بعض الاوقات اليها كطلب المعاش فى النهار والاستراحة فى الليل فانه يحصل للقوى البشرية والحواس كلال فيلزم دفعه بالمنام ليقوم فى اثناء الليل نشيطا للذكر والطاعة { ان الحسنات يذهبن السيآت } اى ان انوار الحسنات وهى الاعمال الصالحة والذكر والمراقبة طرفى النهار وزلفا من الليل يذهبن ظلمات سيآت الاوقات التى تصرف فى قضاء الحوائج النفسانية الانسانية وما يتولد من الاشتغال بها
واعلم ان تعلق الروح النورانى العلوى بالجسد الظلمانى السفلى موجب لخسران الروح الا ان تتداركه انوار الاعمال الصالحة الشرعية فتربى الروح وترقيه من حضيض البشرية الى ذروة الروحانية بل الى الوحدانية الربانية وتدفع عنه ظلمة الجسد السفلى كما ان القاء الحبة فى الارض موجب لخسران الحبة الا ان يتداركها الماء فيربيها الى ان تصير الحبة الواحدة الى سبعمائة حبة والله يضاعف لمن يشاء
فعلى العاقل ان يصبر على مشاق الطاعات والعبادات فان له فيها انوار او حياة باقية مده براحت فانى حيات باقى را بمحنت دوسه روز ازغم ابد بكريز
{ ذلك } اي المذكور من الاستقامة والاقامة وغيرهما { ذكرى للذاكرين } اى موعظة للمتعظين فمن امتثل الى امر الله تعالى فاستقام واقام فقد تحقق بحقيقة الحال والمقام
قل بعض الحكماء علامة الذى استقام ان يكون مثله كمثل الجبل لان الجبل له اربع علامات . احداها ان لا يذيبه الحر . والثانية ان لا يجمده البرد . والثالثة ان لا تحركه الريح . والرابعة ان لا يذهب به السيل فكذا المستقيم اذا احين اليه انسان لا يحمله احسانه على ان يميل ليه بغير الحق كما يفعله ارباب الجاه والمناصب فى هذا الزمان فانهم بالشيء اليسير من الدنيا الواصل اليهم من يد رجل او امرأة يتخطون الحد ويتركون الاستقامة وليس الاتعاظ وقبول النصيحة من شأنهم .(6/24)
والثانى اذا اساء اليه انسان لا يحمله ذلك على ان يقول بغير الحق . والثالث ان هوى نفسه لا يحوله عن امر الله تعالى . والرابع ان حطام الدنيا لا يشغله عن طاعة الله : فقال الحافظ
ببال وبرمر وازره كه تير برتابى ... هواكرفت زمانى ولى بخاك نشست
يعنى لا تخرج بالقدرة الدنيوية والممكنة المالية على حد الطريق المستقيم فان لكل ترق تنزلا الا ترى الى حل السهم كيف صعد الى جور السماء زمانا ثم سقط على الارض فالانسان لا بد وان يسقط على الارض فى آخر امره ونهاية عمره(6/25)
وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)
{ واصبر } يا محمد على مشاق الاوامر ويدخل فيه الامة بالتبعية وقد كانت العادة القرآنية على اجراء اكثر خطابات الاوامر على النبى عليه لسلام واكثر خطابات النهى على الامة اعتبارا للاصالة فى الاتصاف والتنزه والاجتناب فافهم { فان الله لا يضيع اجر المحسنين } فى اعمالهم صلاة كانت او صبرا او غيرهما من فرائض الاسلام ومندوبات الاعمال ومكارم الاخلاق ومحاسن الشيم اى يوفيهم اجور اعمالهم من غير بخس اصلا وانما عبر عن ذلك بنفى الاضاعة مع ان عدم اعطاء الاجر ليس باضاعة حقيقة كيف لا والاعمال غير موجبة للثواب حتى يلزم من تخلفه عنها ضياعها لبيان كمال نزاهته تعالى عن ذلك بتصويره بصورة ما يمتنع صدوره عنه سبحانه من القبائح وابراز الاثابة فى معرض الامور الواجبة وهو تعليل للامر بالصبر . وفي ايماء الى ان الصبر من باب الاحسان وهو ان تعبد الله كأنك تراه لانه اذا قدر المرء على هذه المشاهدة هان عليه الصبر من باب الاحسان وهو ان تعبد الله كأنك تراه لانه اذا قد المرء على هذه المشاهدة هان عليه الصبر وغيره من مر الاحكام ولا يكون هذا الاحسان الا بالاخلاص واخلاص السريرة
كر نباشد نيت خالص جه حاصل از عمل ... وكان اهل الخير يكتب بعضهم الى بعض بثلاث كلمات من عمل لآخلاته كفاه الله امر دنياه ومن اصلح سريرته صلح الله علانيته . ومن اصلح فيما بينه وبين الله اصلح الله ما بينه وبين الناس
واعلم ان الله تعالى امر ونهى ومراده اطاعة عباده له فى كل ما يأتون وما يدرون فان فلاحهم فى ذلك ولا يرضى الله منهم الا بالطاعة والتسليم والقبول : قال الحافظ
مزن زجون وجرا دمكه بنده مقبول ... قبول كرد بجان هر سخن كه جانان كفت
وعن ابى بكر الوراق قال طلبنا اربعة اشياء سنين فوجدناها فى اربعة . طلبنا رضى الله تعالى فوجدناه فى طاعته . وطلبنا سلامة الدين فوجدناها فى حفظ اللسان . وطلبنا نور القبر فوجدناه فى صلاة الليل
فعلى العاقل السعى فى طريق الطاعات وتنوير القلب بنور العبادات
وفى التأويلات النجمية { واصبر } ايها الطالب الصادق والعاشق الوامق على صرف الاوقات فى طلب المحبوب بدوام الذكر ومراقبة القلب وترك لشهوات ومخالفة الهوى والطبيعة { فان الله لا يضيع اجر المحسنين } اى سعى الطالبين كما قال { ألا من طلبنى وجدنى } لان من سنة كرمه قوله { من تقرب الى شبرا تقربت اليه ذراعا } والمقصود من الحديث لقدسى بيان سعة فيضه وجوده على عباده والتقرب الى الله تعالى انما يكون بقطع التعينات ورفع حجب الكثرة عن وجه الوحدة الذاتية الا ان ذلك مشروط بشرائط ومربوط بالاسباب فى الصورة الظاهرة ولا تقيد ذلك الشرائط والاسباب الا بالجذبة الالهية والدعوة الربانية فمن دعاه وازال الموانع عن طريقه فقد وصل والا فقد انقطع دونه الطريق وبقى متحيرا مبهوتا
داد حق را قابليت شرط نيست ... بلكه شرط قابليت داد اوست
اللهم ارحمنا فان ذنوبنا قد جلت وحجبنا قد كثفت وحيلنا قد انقطعت وما بقى الا التوفيق منك والعفو والغفران واللطف والكرم والاحسان انك انت المحسن فى كل زمان ومكان(6/26)
فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116)
{ فلولا كان } لولا بمعنى هلا وكان بمعنى وجد . والمعنى بالفارسية [ بس جرا نبود ] { من القرون } الهالكة الكائنة { من قبلكم } على رأى من جوز حذف الموصول مع بعض صلته او كائنة من قبلكم على ان يكون حالا وكل اهل عصر قرن لمن بعدهم لانهم يتقدمونهم
قال فى القاموس القرن مائة سنة وهو الاصح لقوله عليه السلام لغلام « عش قرنا » فعاش مائة سنة وكل امة هلكت فلم يبق منها احد { اولوا بقية } اصحاب فضل وخير وسمى الفضل والجودة بقية على ان يكون الهاء للنقل كالذبيحة لان الرجل انما يستبقى مما يكسبه عادة اجوده وافضله فصار مثلا فى الجودة والفضل يقال فلان من بقية القوم اى من خيارهم ومنه ما قيل فى الزوايا خبايا وفى الرجال بقايا { ينهون } المفسدين نعت لاولوا { عن الفساد فى الارض } الواقع منهم حسبما حكى عنهم ومعناه جحد اى لم يكن فيهم اولوا بقية ينهون حتى لا ينزل العذاب بهم { الا قليلا ممن انجينا منهم } استثناء منقطع اى لكن قليلا ممن انجينا من القرون نهوا عن الفساد وهم اتباع الانبياء وسائرهم تاركوا النهى . ومن فى ممن للبيان لا للتبعيض لان جميع الناجين ناهون { واتبع الذين ظلموا } عطف على مضمر دل عليه الكلام اى لم ينهوا عن الفساد واتبع الذين ظلموا بمباشرة الفساد وترك النهى عنه فيكون العدول الى المظهر لادراج المباشرين معهم فى الحكم والتسجيل عليهم بالظلم وللاشعار بعلية ذلك لما حاق بهم من العذاب { ما اترفوا فيه } الاتراف الانعام من الترف وهو النعمة اى انعموا فيه من الشهوات واللذات وآثروها على امر الآخرة . ويقال اترفته النعمة اى اطغته . فالمعنى ما اطغوا فيه على ان يكون فيه للسببية والمراد هو الاموال والاملاك قال الله تعالى { ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى } يعنى اهتموا بكسبها وبذلوا وسعهم فى تحصيلها وجمعها واعرضوا عما وراءها . اما المباشرون فظاهر . واما المتساهلون فلما فى ذلك من نيل حظوظهم الفاسدة { وكانوا مجرمين } عطف على اتبع وهذا بيان لسبب استئصال الامم المهلكة وهو ترك الامر بالمعروف والنهى عن المنكر واتباع الشهوات وفى الحديث « ان الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على ان ينكروا فلا ينكرون فاذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة فكل قوم لم يكن فيهم آمر بالمعروف وناه عن المنكر من ارباب الصدق وهم مجتمعون على الفساد اولا يأتمرون بالامر بالمعروف ولا ينتهون بالنهى عن المنكر غانهم هالكون » قال السعدى
كرت نهى منكر برآيد ز دست ... نشايد جو بى دست وبابان نشست
بكو ىنجه دانى سخن سودمند ... وكر هيج كس را نيايد بسند
جو دست وزبانرا نماند مجال ... بهمت نمايند مردى رجال(6/27)
وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)
{ وما كان ربك ليهلك اهل القرى } اللام لام الجحود عند البصريين وينتصب الفعل بعدها باضمار ان وهى متعلقة بخبر كان المحذوف اى مريدا لاهلاك اهل القرى وقال الكوفيون يهلك خبر كان زيدت اللام دلالة على التأكيد { بظلم } حال من الفاعل اى ظالما لها بغير ذنب واستحقاق للهلاك بل استحال ذلك فى الحكمة { واهلها مصلحون } غير ظالمين حال من المفعول . والمراد تنزيه الله تعالى عن الظلم بالكلية بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه تعالى والا فلا ظلم فيما فعل الله بعباده كائنا ما كان . وقيل قوله { بظلم } متعلق بالفعل المتقدم والمراد به الشرك . والمعنى ليهلك القر بسبب شرك اهلها وبمجرده وهم مصلحون فيما بينهم لا يضمون الى شركهم فسادا آخر وذلك لفرط رحمته ومسامحته فى حقوقه ولهذا قال الفقهاء حقوق الله تعالى مبنية على المساهلة وحقوق العباد مبنية على المضايقة وقدموا عن تزاحم الحقوق حقوق العباد
والحاصل ان عذاب الاستئصال لا ينزل لاجل كون القوم معتقدين للشرك والكفر بل انما ينزل ذلك العذاب اذا خانوا فى المعاملات وسعوا فى اذى الخلق وظلمهم وانما لم يهلكهم بمجرد شركهم لان مكافاة الشرك انار لا ما دونها وانما يهلكهم بمعاصيهم زيادة على شركهم مثل قوم صالح بعقر الناقة وقوم لوط بالافعال الخبيثة وقوم شعيب بنقصان الكيل والوزن وقوم فرعون بايذائهم موسى وبنى اسرائيل
قال بعضهم فى الملك يبقى مع الشرك ولا يبقى مع الظلم
واشتهر انوشروان بالعدل اشتهار حاتم بالجود حتى صار العادل لقباله فلفظ العادل انما يطلق عليه لعدم جوره وظهور عدله لا لمجرد المدح والثناء عليه
واما سلاطين الزمان فلظهور جورهم وعدم اتصافهم بالعدل منعوا عن اطلاق العادل عليهم اذ اطلاقه عليهم حينئذ يكون بمجرد المدح لهم والثناء عليهم فيكون كذبا وكفرا -جكى- ان انوشروان لما مات كان يطاف بتابوته فى جميع مملكته وينادى مناد من له علينا حق فليأت فلم يوجد احد فى ولايته له عليه حق من درهم
شه كسرى از ظلم ازان ساده است ... كه در عهد او صطفى زاده است
وذكر عن ابى ميسرة قال اتى الى رجل فى قبره بعد ما دفن ونكير فقالا له انا ضارباك مائة سوط فقال الميت انى كنت كذا وكذا فتشفع حتى عطا عنه عشرة ثم لم يزل بهما حتى حطا عنه عشرة اخرى الى ان صار الة ضربة واحدة فقالا انا ضارباك ضربة فضربناه واحدة فالتهب القبر نارا فقال لم ضربتمانى فقالا مررت برجل مظلوم فاستغاث بك فلم تغثه فهذه حال الذى لم يغث المظلوم فيكف يكون حال الظالم . فعلى السلاطين والحكام العدل على كافة الانام وتفتيش احوال الاسلام
نيايد بنزديك دانا بسند ... شبان خفته وكرك در كوسفند
مكن تاتوانى دل خلق ريش ... وكرميكنى ميكنى بيخ خويش(6/28)
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118)
{ ولو شاء ربك } مشيئة قسر كما فى الكواشى { لجعل الناس امة واحدة متفقة على الحق ودين الاسلام بحيث لا يكاد يختلف فيه احد كما كانوا قبل الاختلاف قال الله تعالى { وما كان الناس الا امة واحدة فاختلفوا } وكما يكونون بعد الاختلاف فى آخر الزمان فى عهد عيسى عليه السلام على ما فى بعض الروايات ولكن لم يشأ ذلك لما علم انهم ليسوا باهل لذلك فلم يكونوا امة متفقة على الحق
يقول الفقير وقع الاتفاق فى اول النشأة الانسانية ثم آل الامر الى الاختلاف بمقتضى الحكمة الالهية الى عهد عيسى عليه السلام ويعوذ فى زمانه على ما كان عليه قبل . ففيه اشارة الى اتحاد سر الازل والابد فلفهم جدا . واما الاختلاف الواقع قبل آدم فغير معتبر لكونه من جنس الناس وكذا بعد عيسى عليه السلام لكونه بعد انقطاع الولاية المطلقة وانتقالها الى نشأة اخرى رولا يزالون } اى الناس { مختلفين } فى الحق ودين الاسلام اى مخالفين له كقوله تعالى { وما اختلف فيه الا الذين اوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم } او على انبيائهم كما قال عليه السلام « ان الله بعثنى رحمة للعالمين كافة فادوا عنى رحمكم الله ولا تختلفوا كما اختلف الحواريون على عيسى فانه دعاهم الى الله مثل ما ادعوكم اليه »
وفى الآية اثبات الاختيار للعبد لما فيها من النداء على انهم صرفوا قدرتهم وارادتهم الى كسب الاختلاف فى الحق فان وجود الفعل بلا فاعل محال سواء كان موجبا اولا وهو جبر متوسط وقول بين القولين وذلك لان الجبرية اثنتان متوسطة تثبت كسبا فى الفعل كالاشعرية من اهل السنة ولجماعة وخالصة لا تثبته كالجهمية وان القدرية يزعمون ان كل عبد خالق لفعله لا يرون الكفر والمعاصى بتقدير الله تعالى فنحن معاشر اهل السنة نقول العبد كاسب والله خالق اى فعل العبد حاصل بخلق الله اياه عقيب ارادة العبد وقصده الجازم بطريق جرى العادة بان الله يخلقه عقيب قصد العبد ولا يخلقه بدونه فالمقدور الواحد داخل تحت القدرتين المختلفتين لان الفعل مقدور الله من جهة الايجاد ومقدور العبد من جهة الكسب
يقول الفقير قوله تعالى { وما رميت اذ رميت } ونحوه لا ينافى الاختيار لان ذلك بالنسبة الى فناء العبد فى الحق ولا كلام فى ان المؤثر على كل حال هو الله تعالى : كما قال المولى الجامى قدس سره
حق فاعل وهرجه جز حق آلات بود ... تأثير زآلت از محالات بود
هستى مؤثر حقيقى است يكيست ... باقى همه اوهام وخيالات بود(6/29)
إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)
{ الا من رحم ربك } استثناء متصل من الضمير فى مختلفين وان شئت من فاعل لا يزالون اى الا قوما هداهم الله بفضله الى الحق فاتفقوا عليه ولم يختلفوا فيه اى لم يخالفوه { ولذلك } اى وللرحمة بتأويل ان مع الفعل { خلقهم } الضمير لمن قاله ابن عباس اى خلق اهل الرحمة للرحمة كما خلق اهل الاختلاف للاختلاف : وفى المثنوى
جون خلقت الخلق كى يربح على ... لطف توفرمود اى قيوم وحى
لا لان تربح عليهم جودتست ... كه شود زو جمله ناقصها وحى
لا لان تربح عليهم جودتست كه شود زو جمله ناقصها درست عفو كن زين بند كان تن برست ... عفو از درياى عفو اوليترست
{ وتمت كلمة ربك } اى وجب من عصاتها اجمعين او منهما اجمعين لا من احدهما فهو لتأكيد العموم للنوعين والثلان هما النوعان المخلوقان للاختلاف فى دن الله الموصوفان بكفران نعم الله ونسيان حقه وهما سيان فى الحكم فلاشقياء الجن ما لاشقياء الانس من العقاب
واعلم ان الناس فى الاديان على اربعة اقسام سعيد . بالنفس والروح فى لباس السعادة وهم الانبياء واهل الطاعة . والثانى شقى بالنفس فى لباس الشقاوة وهم الكفرة المصرون . والثالث شقى بالنفس فى لباس السعادة مثل بلعم بن باعورا وبرصيصا وابليس . والرابع سعيد بالنفس فى لباس الشقاوة كبلال وصهيب وسليمان فى اوائل امرهم ثم بدل الله لباسهم بلباس التقوى والهداية فاصل الاصول هو العناية الازلية والهداية الالهية والسعادة الاصلية
قال فى الاحياء المانع من الوصول عدم السلوك والمانع من السلوك عدم الارادة والمانع من الارادة عدم الايمان وسبب عدم الايمان عدم الهداية انتهى
قرب توبا سباب وعلل نتوان يافت بى سابقه فضل ازل نتوان يافت
قال فى التأويلات النجمية { ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة } فى طلب الحق { ولا يزالون } الخلق { مختلفين } فى الطلب فمنهم من طلب الدنيا ومنهم من طلب الآخرة ومنهم من طلب الحق { الا من رحم ربك } فاخرجهم بنور رحمته من ظلمة طبيعتهم الجسمانية والروحانية الى نور طلب الربوبية فلا يكونون طلابا للدنيا والعقبى بل يكونون طلاب جمال الله وجلاله { ولذلك خلقهم } اى ولطلب الله تعالى خلقهم واكرمهم بحسن استعداد الطلب ورحمهم على توفيق الطلب وفضلهم على العالمين بفضيلة الوجدان { وتمت كلمة ربك } فى الازل اذ قال { هؤلاء فى الجنة ولا ابالى وهؤلاء فى النار ولا ابالى } { لاملأن جهنم من الجنة } اى من الارواح المستهلكة المتمردة وهم ابليس واتباعه { والناس } وهم النفوس الامارات بالسوء { اجمعين } كلهم من الفريقين المعرضين عن الله تعالى وطلبه انتهى : قال المولى الجامى قدس سره
يا من ملكوت كل شيء بيده ... طوبى لمن ارتضاه ذخر الغدة
اين بس كه دلم جز تونداردكامى ... توخواه بده كام دلم خواه مده
وقال المغربى قدس سره
نيست درباطن ارباب حقيقت جز حق ... جنت اهل حقيقت بحقيقت اينست
فاذا عرفت حقيقة احال وسر هذا الكلام فجرد همتك من لباس علاقة كل حال ومقام وصر واصلا الى الله حاصلا عنده وهو غاية المرام(6/30)
وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)
{ وكلا } مفعول به لنقص وتنوينه وض عن المضاف اليه المحذوف اى كل نبأ وخبر { نقص عليك } نخبرك به { من انباء الرسل } بيان لكل اوصفة لما اضيف اليه كل لكلا لان الفصيح وصف المضاف اليه ومن للتبعيض { ما نثبت به فؤادك } بدل من كلا او صفة لما اضيف اليه والا ظهر ان يكون المضاف اليه المحذوف فى كلا المفعول المطلق اى كل اقتصاص اى كل اسلوب من اساليبه نقص عليك من انباء الرسل . وقوله ما نثبت به فؤادك مفعول نقص اى ما نشد به قلبك حتى يزيد يقينك ويطيب به نفسك وتعلم ان الذى فعل بك قد فعل بالانبياء قبلك والانسان اذا ابتلى بمحنة وبلية فرأى جماعة يشاركونه فيها خف على قلبه بليته كما يقال البلية اذا عمت خفت وطابت
قال القاشانى رحمه الله فى شرح التائية للقلب وجه الى الروح يسمى فؤادا وهو فى محل الشهود كما قال سبحانه { ما كذب الفؤاد ما رأى } ووجه الى النفس يسمى صدرا وهو محل صور العلوم والقلب عرش الروح فى عالم الغيب كما ان العرش قلب الكائنات فى عالم الشهادة انتهى { وجاءك فى هذه } السورة على ما فسره ابن عباس رضى الله عنهما فى منبر البصرة وعليه الاكثر { الحق } ما هو حق وبيان صدق وتخصيصها بالحكم بمجيئ الحق فيها مع ان ما جاءه فى جميع السور حق يحق تدبره واذعانه والعمل بمقتضاه تشريفا لها ورفعا لمنزلتها { وموعظة } ونصيحة عظيمة { وذكرى } وتذكرة { للمؤمنين } لانهم هم المنتفعون بالموعظة والتذكير بايام الله وعقوبته
قال فى الارشاد اى الجامع بين كونه حقا فى نفسه وكونه موعظة وذكرى للمؤمنين ولكون الوصف الاول حالا له فى نفسه باللام دون ما هو وصف له بالقياس الى غيره وتقديم الظرف اعنى فى هذه الفاعل لان المقصود بيان منافع السورة لا بيان ذلك فيها لا فى غيرها(6/31)
وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122)
{ وقل للذين لا يؤمنون } بهذا الحق ولا يتعظون به ولا يتذكرون من اهل مكة وغيرهم { اعملوا على مكانتكم } اى حالكم وجهتكم التى هى عدم الايمان { انا عاملون } على حالنا وهو الايمان به والاتعاظ والتذكير به { وانتظروا } بنا الدوائر والنوائب على ما يعدكم الشيطان { انا منتظرون } ان ينزل بكم ما نزل بامثالكم من الكفرة على ما وعد الرحمن فهذا تهديد لهم لا ان الآية منسوخة بآية السيف
واعلم ان تثبيت القلوب على الدين والطاعة الى الله تعالى لا الى غيره لانه تعالى اسنده الى ذاته الكريمة وان التثبت يكون منه بالواسطة وبغير الواسطة فاما بالواسطة فههنا كما قال { ما نثبت به } اى بالانباء عن اقاصيص الرسل كقوله تعالى { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت } واما غير الواسطة فكقوله تعالى { ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيأ قليلا } وهذا التثبيت من انزال السكينة فى قلبه بغير واسطة كقوله { فانزل سكينته على رسوله } وكقوله { هو الذى انزل السكينة فى قلوب المؤمنين ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم } واعلم انه كما يزداد الايمان بالسكينة فكذلك يزداد اليقين على اليقين باستماع قصص الانبياء والامم السالفة كما قيل حكايات الصالحين جند من جنود الله تعالى وهذا لم يثبت الله بقلبه لا لمن يزداد شكه على الشك وكفره على الكفر كأبى جهل ونحوه لان الله تعالى اودع فى كل شيء لطفه وقهره فمن فتح عليه باب لطفه اغلق عليه باب قهره ومن فتح عليه باب قهره اغلق عليه باب لطفه : قال فى المثنوى
ماهيانرا بحر نكذارد برون ... خاكيانرا بحر نكذارد درون
اصل ما هى زاب وحيوان از كاست ... حيله وتدبير اينجا باطلست
قفل رفتست وكشاينده خدا ... دست در تسليم زن اندر رضا
ومن فتح الله عليه باب لطفه جاء الحق من هذا الباب كما قال الله تعالى { وجاءك فى هذه الحق } اى انك لست بقادر ان تجيئ فى هذه بالحق لان ابواب اللطف والقهر مغلوقة والمفتاح بيد الفتاح لا يقدر غير المفتاح ان يفتحه فاذا هو الذى يفتح باب لطفه فى كل شيء على العبد ويجيئ بكرمه فيه اليه بلا كيف ولا اين { وموعظة وذكرى للمؤمنين } ليطلبوا الحق من باب لطفه فى كل شيء ولا يطلبوا من باب قهره
اطلبوا الارزاق من اسبابها ... ادخلوا الابيات من ابوابها
{ وقل للذين يؤمنون } يطلب الحق ووجدانه { اعملوا على مكانتكم } فى طلب المقاصد من باب قهر الحق تعالى { انا عاملون } فى طلب الحق من باب قهره { انا منتظرون } وجد ان الحق من باب لطفه وقد ثبت ان اهل التحقيق ان الوجود العينى تابع لعلم الله تعالى وهو تابع للمعلوم الذى هو عين ثابتة لكل فرد من افراد الانسان وهم قد سألوا بلسان الاستعداد فى تلك المرتبة اى حين كونهم اعيانا ثابتة كل مالهم وعليهم فسلوكهم فى هذه النشأة الى طريق الاعمال القهرية ودقهم باب الجلال الالهى انما هو من نتائج استعدادتهم ومقتضيات اسئلتهم السابقة وقس عليه اهل اللطف والجمال وكما ان الله تعالى نصر انبياءه كذلك ينصر اولياءه وصالح المؤمنين ويفتح عليهم ابواب لطفه وكرمه ويؤيدهم ويثبتهم ويحفظهم من تزلزل الاقدام بحسب مراتبهم ويدفع عن قلوبهم الألم وانما الألم من فقدان العيان -يحكى- ان شابا ضرب تسعة وتسعين سوطا فما صاح ولا استغاث الا فى واحدة بعدها فتبعه الشبلى رحمه الله فسأله عنامره فقال ان العين التى ضربت من اجلها كانت تنظر الىّ فى التسعة والتسعين وفى الواحدة حجبت عنى : وفى المثنوى(6/32)
هركجا باشد شه مارا بساط ... هست صحرا كربود سم الخياط
هركجا يوسف رخى باشد جوماه ... جنتست آن كرجه باشد قعرجام
فالكلام انما هو فى كون المرء مع الحق وشهوده فى كل وقت(6/33)
وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)
{ ولله } اللام للاختصاص { غيب السموات والارض } الغيب فى الاصل مصدر واضافة المصدر من صيغ العموم والاضافة بمعنى فى اى يختص به ما اب فيهما عن العباد وخفى عليهم علمه فكيف يخفى عليه اعمالكم { واليه } تعالى وحده { يرجع الامر كله } بضم الياء وفتح الجيم بمعنى يرد وبفتح الياء وكسر الجيم بمعنى يعود عواقب الامور كلها يوم القيامة فيرجع امرك يا محمد وامر الكفار اليه فينتقم لك منهم { فاعبده } اى اطعه واستقم على التوحيد { وتوكل عليه } فوض اليه جميع امورك فانه كافيك وعاصمك من شرهم فعليك تبليغ ما اوحينا اليك بقلب فسيح غير مبال بعداوتهم وعتوهم وسفههم وفى تأخير الامر بالتوكل على الامر بالعبادة اشعار بانه لا ينفع بدونها { وما ربك بغافل عما تعملون } وكل عمل تعمله انت وهم اى الكفار فالله تعالى عالم به غير فاعل عنه لان الغفلة والسهو لا يجوزان على من لا يخفى عليه شيء فى السماوات والارض فيجاوى كل منك ومنهم بموجب الاستحقاق
وعن كعب الاحبار ان فاتحة التوراة سورة الانعام وخاتمتها هذه الآية وهى { ولله غيب السموات والارض } الخ
اعلم ان علم الغيوب بالذات مختص بالله تعالى واما اخبار الانبياء والاولياء صلوات الله عليهم اجمعين فبواسطة الوحدة والالهام وتعليم الله تعالى . ومن هذا القبيل اخباره عليه السلام عن حال العشرة المبشرة . وكذا عن حال بعض الناس
وعن محمد بن كعب انه قال قال رسول الله صلى الله عليه « ان اول من يدخل من هذا الباب رجل من اهل الجنة » فدخل عبد الله ابن سلام فقام اليه الناس من اصحاب رسول الله فاخبروه بذلك قالوا لو اخبرتنا باوثق عمل ترجو به فقال انى ضعيف ومن اوثق ما ارجو به سلامة الصدر وترك ما لا يعنى . وكذا اخباره عليه السلام عن اشراط الساعة وما يظهر فى آخر الزمان من غلبة البدع والهوى واماتة الصلاة واتباع الشهوات
وعن سيد الطائفة جنيد البغدادى رحمه الله قال لى خالى سرى السقطى تكلم على الناس وكنت اتهم نفسى فى استحقاق ذلك ورأيت النبى عليه السلام وكان ليلة الجمعة فقال تكلم على الناس فانتبهت واتيت بابه العامى فقال لم تصدقنا حتى قيل لك فقعدت من غد للناس اى بطريق العظة والتذكير فقعد على غلام نصرانى متنكرا وقال ايها الشيخ ما معنى قوله عليه السلام « اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله » قال فاطرقت رأسى ورفعت فقلت اسلم فقد حان وقت اسلامك فاسلم الغلام فمثل هذا العلم والوقوف على احوال الناس لا يحصل الا باخبار الله تعالى والا فكل ولى متحير فى امره وامر غيره كما قال المولى الجامى(6/34)
اى دل توكه آن فضولى وبو العجبى ... ازمن جه نشان عافيت مى طلبى
سركشته بود خواه ولى خواه نبى ... در وادى وما أدرى ما يفعل بى
ثم ان التوكل عبارة عن الاعتصام به تعالى فى جميع الامور ومحله القلب وحركة الظاهر لا تنافى توكل القلب بعد ما تحقق عند العبد ان التقدير من قبل الله تعالى ويعتمدوا عليه كل الاعتماد لا على الجاه والعقل والاموال والاولاد فان الله تعالى خالق كل مخلوق وزارق كل مرزوق وفى الحديث « ما من زرع على الارض ولا ثمر على الاشجار الا وعليه مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم ها رزف فلان ابن فلان » وفى الحديث « خلق الله الارزاق قبل الاجساد بالف عام فبسطها بين السماء والارض فضربتها الرياح فوقعت فى مشارق الارض ومغاربها فمنهم من وقع رزقه فى الف موضع ومنهم من وقع فى مائة ومنهم من وقع فى مائة ومنهم من وقع على باب داره يغدو ويروح حتى يأتيه » قال المولى الجامى قدس سره
حرص جه ورزى كه نبودت اوسود ... هيج دوشش كرد دوهشت تونه
رنج طلب راهمه برخود مكير ... يطلبك الرزق كما تطلبه
وافضل العبادات فى مقام التوكل هو التوكل وفى مقام الرضى وفى مقام الفناء هوالفناء وعلى هذا ثم ان العبادة وان كثرت انواعها ولكن العبادة فى الحقيقة ترك العادات ومخالفة النفس بالمجاهدات والانقطاع عما سوى الله تعالى حتى يترقى العبد من مقام العبادة الى مقام العبودية ولا يحصل ذلك الا بكمال التوحيد وكمال التوحيد لا يحصل الا بالمداومة للعبادات والملازمة الى ذكر الله تعالى فى جميع الحالات
يا رب ز دوكون بى تيازم كردان ... واز افسر فقر سر فرازم كردان
درراه طلب مجرم رازم كردان ... زان ره كه نه سوى تست بازم كردان
والله ولى التوفيق واليه تعود العواقب على التحقيق
تمت سورة هود بفضل الله الودود فى سحر ليلة السبت الرابع والعشرين من شهر ربيع الاول من سنة ثلاث ومائة والف(6/35)
الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1)
{ الر } اى انا الله ارى واسمع سؤالهم اياك عنهه القصة ويقال انا الله ارى صنيع اخوة يوسف ومعاملتهم معه . ويقال انا الله ارى ما يرى الخلق وما لا يرى الخلق . ويقال الر تعديد للحروف على سبيل التحدى فلا محل له من الاعراباو خبر مبتدأ محذوف اى هذه السورة الراى مسماة بهذا الاسم
يقول الفقير اصلحه الله القدير الحروف المقطعة من الاسرار المكتومة التى يحرم افشاؤها لغير اهلها . وقول بعضهم هذه الحروف من المتشابهات القرآنية لا يعلم معانيها الا الله سلوك الى الطريق الاسلم وتسليم للامر الى اهله وليس ببعيد من كرم الله تعالى الى ان يفيض معانيها على قلوب الكمل لكنهم انما يرمزون بها ويشيرون بغير تصريح بحقائقها صونا للعقول الضعيفة وحفظا للعهد المأخوذ منهم
قدر كوهر جوكوهرى داند ... جه نهى در دكان خرده فروش
قال الحافظ
قيمت در كرانما به جه دانند عوام ... حافظا كوهر يكدانه مده جز بخواص
وعن على رضى الله عنه لو حدثتكم ما سمعته من فم ابى القاسم لخرجتم من عندى وتقولون ان عليا اكذب الكذابين وافسق الفاسقين كما فى شرح المثنوى : قال حضرة الشيخ العطار قدس سره
دلى بر كوهر اسرار دائم ... ولى اندر زبان مسمار دارم
وقال حضرة مولانا قدس سره
هركه را اسرار كار آموختند ... مهر كردند ودهانشى دوختند
وكون هذه الحروف المبسوطة مما ليس لها وضع لغوى او عرفى معلوم لا ينافى ان يكون لها معان حقيقية فة الحقيقة فان الواضع هو الله تعالى فيحتمل انه وضع لها معانى معلومة لخص عباده بل الاحتمال مرفوع حيث ان نزول حرف التهجى على ابينا آدم عليه السلام يحقق موضعيتها فقول العلماء انها تعديد على نمط التحديد ليس له كثير معنى فالهم جدا وفى الحديث « سألنى ربى » اى ليلة المعراج « فلم استطع ان اجيبه فوضع يده بين كتفى بلا تكييف ولا تحديد » اى يد قدرته لانه سبحانه منزه عن الجارحة « فوجدت بها بردها فاورثنى علوم الاولين والآخرين وعلمنى علوما شتى فعلم اخ علىّ كتمانه اذا علم انه لا يقدر على حمله غيرى وعلم خيرنى فيه واعلم امرنى بتبليغه الى العام والخاص من امتى » وهى الانس والجن والملك كما فى انسان العيون { تلك } السورة واشير اليها بما يشير الى البعيد لانه وصل من المرسل الى المرسل فصار كالمتباعد او لان الاشارة لما كانت الى الموجود فى الذهن اشير بما ايماء الى بعده عن حيز الاشارة لما انها تكون بمحسوس مشاهد وهو مبتدأ خبره قوله { آيات الكتاب } اى القرآن { المبين } من ابان بمعنى بان اى وضح وظهر اى الظاهر امره فى كونه من عند الله تعالى وفى اعجازه او بمعنى بين واضح اى المبين لما فيه من الاحكام والشرائع وخفايا الملك والملكوت واسرار النشأتين وغير ذلك من الحكم والمعارف والقصص
وفى بحر العلوم الكتاب المبين هو اللوح وابانته انه قد كتب وبين كل ما هو كائن فهو يبينه للناظرين فيه ابانة ولما وصف الكتاب بما يدل على الشرف الذاتى عقب ذلك بما يدل على الشرف الاضافى(6/36)
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)
فقيل { انا انزلناه } اى الكتاب المتضمن قصة يوسف وغيرها فى حال كونه { قرآنا عربيا } بلغتكم فعربيا نعت لقرآنا نعت نسبة لا نعت لزوم لنه كان قرآنا قبل نزوله فلما نزل بلغة العرب نسبة اليها كما فىلكواشى . وقرآنا حال موطئة اى توطئة للحال التى هى عربيا لانه فى نفسه لا يبين الهيئة وانما بينها للغير وهى ما يتبعها من الصفة فان الحال الموطئة اسم جامد موصوف بصفة هى الحال فى الحقيقة فكانالاسم الجامد وطأ الطريق لما هو حال الحقيقة بمجيئه قبلها موصوفا بها كما فى شرح الكافية للعلامة { لعلكم تعقلون } اى لكى تفهموا معانيه وتحيطوا بما فيه وتطلعوا على انه خارج عن طوق البشر منزل من عند خلاق القوى والقدر والعقل ادراك معنى الكلام والعلة على التشبيه والاستعارة فان افعال الله تعالى لا تعلل بالاغراض عند اهل السنة
وقال فى بحر العلوم لعل مستعار لمعنى الارادة لتلاحظ العرب معناه او معنى الترجى اى انزلنا قرآنا عربيا ارادة ان تعقله العرب ويفهموا منه ما يدعوهم اليه فلا يكون لهم حجة على الله ولا يقولوا لنبيهم ما خوطبنا به كما قال { لو جعلناه قرآنا اعجميا لقالوا لولا فصلت آياته } وفى التأويلات النجمية { الر } يشير بالف الى الله وباللام الى جبريل وبالراء الى الرسول اى ما انزل الله تعالى على لسان جبريل على قلب الرسول دلالات الكتاب من المحبوب الى المحب ليهتدى المحب بالبيان طريق الوصول الى المحبوب انا كسوناه للقراءة كسوة العربية { لعلكم تعقلون } حقائق معانيه واسراره ومبانيه واشاراته بما اذهى لغتكم كما انزلنا التوراة على اهلها بلغة العبرى والانجيل بلغة السريانى يشير به الى ان حقيقة كلام الله تعالى مزهة فى كلاميته عن كسوة الحروف والاصوات واللغات ولكن الخلق يحتاجون فى تعقل معانيه الى كسوة الحروف واللغات
وفى الآيات دليل على شرف اللسان العربى وفى كلام الفقهاء العرب اولى الامم لانهم المخاطبون اولا والدين عربى وفى الحديث « احب العرب لثلاث لانى عربى والقرآن عربى وكلام اهل الجنة عربى » وفى الحديث « ان لواء يوم القيامة بيدى وانا اقرب الخلق من لوائى يومئذ العرب » وفى الحديث « اذا ذلت العربى ذل الاسلام » وفى الحديث « ان الله حيث خلق الخلق بعث جبريل فقسم الناس قسمين قسم العرب قسما وقسم العجم قسما وكانت خيرة الله فى العرب ثم قسم العرب قسمين قسم اليمن قسما وقسم مضر قسما وكانت خيرة الله فى مضر وقسم مضر قسمين فكانت قريش قسما وكانت خيرة الله فى قريش ثم اخرجنى من خير من انا منه »
تازئ يثربى لقب مكئ هاشمى نسب ... معتكف سراى وحى امئ امتى سراى
يقوال الفقير ولكون رسول الله صلى الله عليه وسلم عربيا جاء وارثه الاكمل من العرب وهو حضرة الشيخ الاكبر والمسك الاذفر والكبريت الاحمر محى الدين بن عربى قدس الله نفسه الزاكية وانما قلت بكونه الوارث الا كمل لكونه خاتمة الولاية الخاصة المحمدية فهو من اكمل مظاهر هذه المرتبة وفيه ظهر التفضيل الذى لم يظهر فى غيره ومن عداه طفيلى مائدته فى هذا الباب وبهذا المعنى تصرح به ولا نكنى وليميت المنكر بغيظه وغضبه ونعوذ بالله من سوء الاعتقاد(6/37)
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)
{ نحن نقص عليك } نخبرك ونحدثك . وبالفارسة [ ماميخوانيم برتو ] من قصى اثره اذا اتبعه لان من يقص الحديث ويرويه يتبع ما حفظ منه شيأ فشيأ كم يقال تلا القرآن اذا قرأه لان من يتلو يتبع ما حفظ منه آية بعد آية { احسن القصص } مفعول به لنقص على ان يكون القصص مصدرا بمعنى المقصوص اى نبين لك احسن ما يقص من الانباء والاحاديث وهو قصة آل يعقوب والظاهر انه احسن ما يقص فى بابه كقولك فلان اعلمل الناس وافضلهم تريد فى فنه كما فى بحر العلوم اى فلا يلزم ان يكون احسن من قصة سيد الكونين والمرسلين صلوات الله عليهم اجمعين ويمكن ان يقال قد يراد بافعل الزيادة من وجه كما فى قوله تعالى { اكبر من اختها } كما فى حواشى سعدى المفتى قال محيى السنة سمى الله قصة يوسف احسن القصص لما فيها من العبر والحكم والنكت والفوائد التى تصلح للدين والدنيا من سير الملوك والمماليك ومكر النساؤ والصبر على اذى الاعداء والتجاوز عنهم بعد الاقتدار وغير ذلك من الفوائد
وقال بعضهم لان يوسف عليه السلام كان احسن ابناء بنى اسرائيل ونسبه احين الانساب كما قال صلى الله عليه وسلم « ان الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم » والكرم اسم جامع لكل ما يحمد به واجتمع فى يوسف مع كونه ابن ثلاثة انبياء متراسلين شرف النبوة وحسن الصورة وعلم الرؤيا ورياسة الدنيا وحياطة الرعايا فى القحط والبلايا فاى رجل اكرم من هذا
وقال بعضهم لان دعاءه كان احسن الادعية توفنى مسلما والحقنى بالصالحين وهو اول من تمنى لقاء الله تعالى بالموت
غافلان ازموت مهلت خواستند ... عاشقان كفتند نى نى زود باش
وتزويجه احسن التزويج وفى قصة تزويجه صقف فرقة ووصلة وصلة وغربة وتلطيف وتعنيف وعشق وعاشق ومعشوق وحبس وخلاص وقيد وعبودية وعتق وتعارف وتناكر واقبال وفرار ونفخة وجذبة واشارة وبشارة وتعبير وتفسير وتعسير وتيسير واودع فى قصته ما لم يودع فى غيرها من اللطائف وانواع المعاملات مما يروح الارواح ويهيج الاشباح
يقول الفقير لا يبعد ان يقال ان قصة يوسف احسن الاقاصيص السالفة فى سورة هود فى باب تسلية النبى صلى الله عليه وسلم وفى نفسها ايضا اذ ما يتعلق بالمحبوب محبوب وما ينبئ عن الاحسن احسن كما قال المولى الجامى
بس دلكش است قصة خوبان وزان ميان تو يوسفى وقصة احسن القصص
وسيجيئ ذكر الملاحقة المتعلقة بجناب يوسف وحضرة الرسالة عليهما السلام
وقال بعضهم هى اول قصة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى اوجز لفظا واجمع معنى مترجمة فى الحقيقة عن اسرار الوراثة والخلافة والروح والقلب والقوى وتصفية النفس الامارة التى ظهرت اولا فى صورة زليخا ثم اسلمت وتزكت وصفت الى ان وصلت الى مقام الرضى والامتنان بعد همها باماريتها ثم اجتمعت بالروح اليوسفى بعد انقياد قواها فى صورة الاخوة(6/38)
قال فى التأويلات النجمية انما كانت احسن القصص لان اول مناسبة ومشابهة باحوال الانسان ورجوعه الى الله ووصوله اليه وذلك لانها تشير الى معرفة تركيب الانسان من الروح والقلب والسر والنفس وحواسه الخمس الظاهرة وقواء الست الباطنة والبدن وابتلائه بالدنيا وغير ذلك الى ان يبلغ الانسان اعلى مراتبه فاشار يوسف الى القلب ويعقوب الى الروح وراحيل الى النفس واخوة يوسف الى القوى والحواس ثم ان القرآن مع اشتماله على مثل هذه القصة البديعة وغيرها من عجائب البيان طعن فيه الكفار لكونهم من غير اولى الابصار : وفى المثنوى
جون كتاب الله بيامد هم بران ... اينجنين طعنه زدند آن كافران
كه اساطير است وافسانه نزند ... نيست تعميقى وتحقيقى بلند
ذكر يوسف ذكر زلف زبرجمش ... ذكر يعقوب وزليخاى غمش
ونعم ما قال حضرة الشيخ السعدى قدس سره
كسى بديده انكار نكاه كند ... نشان صورت يوسف دهدبناخوبى
وكربجشم ارادت نكه كند درديو ... فرشته اش بنمايد بجشم كروبى
{ بما اوحينا } متعلقة بنقص وما مصدرية اى بايحائنا { اليك هذا القرآن وان } مخففة من الثقيلة اى وان الشان { كنت من قبله } اى من قبل ايحائنا اليك هذا القرآن { لمن الغافلين } الغفلة عن الشيء هى ان لا يخطر ذلك بباله اى لمن الغافلين عن هذه القصة لم تخطر ببالك ولم تقرع سمعك قط وهو تعليل لكونه موحى والتعبير عن عدم العلم بالغفلة لا جلال شأنه عليه السلام كما فى الارشاد فليست هى الغفلة المتعارفة بين الناس ولله ان يخاطب حبيبه بما شاء ألا ترى الى قوله { ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الايمان } وقوله { ووجدك ضالا } ونحوهما ان مثل هذا التعبير انما هو بالنسبة الى الله تعالى وقد تعارفه العرب من غير ان يخطر ببالهم نقص ويجب علينا حسن الاداء فى مث هذا المقام رعاية للادب فى التعبير وتقرير الكلام مع ان الزمان واهله قد مضى وانقضت الايام والانام اللهم اجعلنا فيمن هديتهم الى لطائف البيان ووفقتهم لما هو الادب فى كل امر وشان انك انت المنان(6/39)
إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)
{ اذ قال يوسف } اى اذكر يا محمد وقت قول يوسف وهو اسم عبرى ولذا لم ينصرف للعجمة والتعريف ولو كان عربيا لانصرف والعبرى والعبرانى لغة ابراهيم عليه السلام كما ان السريانى هى اللغة التى تكلم بها آدم عليه السلام
قال السيوطى السريانى منسوب الى سريانة وهى ارض الجزيرة التى كان نوح وقومه قبل الغرق فيها وكان لسانهم سريانيا الا رجلا واحدا يقال له جرهم وكان لسانه عربيا
قال فى انوار المشارق من اللطائف الاتفاقية ان الاسف فى اللغة الحزن والاسيف العبد وقد اتفق اجتماعهما فى يوسف { لابيه } يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم
قال بعض من مال الى الاشتقاق فى هذه الاسماء انما سمى يعقوب لان يعقوب وعيصا كانا توأمين فاقتتلا فى بطن امى فلا قتلنها فتأخر يعقوب فخرج عيص فاخذ يعقوب بعقب عيص فخرج بعده فلذا سمى به وسمى الآخر عيصا لما عصى وخرج قبل يعقوب وكان عيص رجلا اشعر وكان يعقوب اجرد وكان عيص احبهما الى ابيه وكان يعقوب احبهما الى امه وكان عيص صاحب صيد وكان يعقوب صاحب غنم فلما كبر اسحاق وعمى قال لعيص يوما يا بنى اطعمنى لحم صيد واقترب منى ادع لك بدعاء دعالى به ابى هو دعاء النبوة وكان لكل نبى دعوة مستجابة وىخر رسولنا صلى الله عليه وسلم دعاءه للشفاعة العظمى يوم القيامة فخرج عيص لطلب صيد فقالت امه ليعقوب يا بنى اذهب الى الغنم فاذح منها شاة ثم اشوها والبس جلدها وقدمها الى ابيك قبل اخيك وقال له انا ابنك عيص يدعو لك ما وعده لاخيك فلما جاء يعقوب بالشواء قال يا ابت كل قال من انت قال ابنك عيص فمسه فقال المس مس عيص والريح ريح يعقوب
يقو الفقير والاسلم ان يقال ان امه احضرت الشواء بين يدى اسحاق وقالت ان ابنك جاءك بشواء فادع له فظن اسحاق انه عيص فاكل منه ثم دعا لمن جاء به ان يجعل اللهفى ذريته الانبياء والملوك فذهب يعقوب ولما جاءه عيص قالت يا ابت قد جئتك بالصيد الذى اردت فعلم اسحاق الحال وقال يا بنى قد سبقك اخوك ولكن بقيت لك دعوة فهلم ادعو لك بها فدعا ان يكون ذريته عدد التراب فاعطى الله له نسلا كثيرا وجملة الروم من ولده روم وكان اسحاق متوطنا فى كنعان واسماعيل مقيما فى مكة فلما بلغ اسحاق الى مائة وثمانين من العمر وحضرته الوفاة وصى سرا بان يخرج يعقوب الى خاله فى جانب الشام حذرا من ان يقتله اخوه عيص حسدا لانه اقسم بالله فى قصة الشواء ان يقتل يعقوب فانطلق الى خاله ليا بن ناهز واقام عنده وكان لخاله بنتان احداهما لايا وهى كبراهما والاخرى راحيل وهى صغراهما فخطب يعقوب الى خاله بان يزوجه احداهما فقال له خاله هل هلك مال قال لا ولكن اعمل لك فقال نعم صداقها ان تخدمنى سبع سنين فقال يعقوب اخدمك سبع سنين على ان تزوجنى راحيل قال ذلك بينى وبينك قرعى له يعقوب سبع سنين فزوجه الكبرى وهى لايا قال له يا يعقوب انك خدعتنى انما اردت راحيل فقال له خاله انا لا ننكح الصغيرة قبل الكبيرة فهلم فاعمل سبع سنين اخرى فازوجك اختها وكان الناس يجمعون بين الاختين الى ان بعث الله موسى عليه السلام فرعى له سبع سنين اخرى فزوجه راحيل فجمع بينهما وكان خاله حين جهزها دفع الى كل من واحدة منهما تخدمها اسم احداهما زلفة والاخرى بلهة فوهبتا الامتين ليعقوب فولدت لايا ستة بنين وبنتا واحدة روبيل .(6/40)
شمعون . يهودا . لاوى . يسجر . زيالون . دنية
وولدت زلفة ابنين دان . يغثالى
وولدت بلهة ايضا ابنين جاد . آشر وبقيت راحيل عاقرا سنين ثم حملت وولدت يوسف وليعقوب من العمر احدى وتسعون سنة واراد يعقوب ان يهاجر الى موطن ابيه اسحاق بكل الحواشى وكان ليوسف خال له اصنام من ذهب فقالت لايا ليوسف اذهب واسترق منه صنما لعلنا نستنفق منه فذهب يوسف فأخذ صنما
يقول الفقير والاسلم ان خاله وهو ابو امرأته جهزه كما فى بعض الكتب فخرج وقد رفع الله ما فى قلب عيص من العداوة
كفر ايمان كشت وديواسلام يافت آن طرف كان نور بى اندازه يافت
فلما التقيا تعانقا وكانا على المصافاة وفى سنة الهجرة حملت راحيل بنيامين وماتت فى نفاسها ويوسف ابن سنتين وكان احب الاولاد الى يعقوب وحين صار ابن سبع سنين رأى فى المنام ان احدى عشرة عصا طوالا كانت مركوزة فى الارض كهيئة الدائرة واذا عصا صغيرة تثب عليها حتى اقتلعتها وغلبتها فوصف ذلك لابيه فقال اياك ان تذكر هذا لاخوتك ثم رأى ليلة الجمعة وكانت ليلة القدر وهو ابن ثنتى عشرة سنة او سبع عشرة ما حكى الله تعالى عنه بقوله { يا ابت } [ كويند يوسف دركنار بدر در خواب بود ناكاه سراسيمه از خواب در آمد بس يعقوب كفت اى بسر تراجه رسيد كفت ] يا ابت واصله يا ابى فعوض عن الياء تاء التأنيث لتناسبهما فى ان كل واحدة زيادة مضمومة الى آخر الاسم او لان التاء تدل فى بعض المواضع على التفخيم كما فى علامة ونسابة والاب والام مظنتا التفخيم كما اختاره الرضى . والمعنى بالفارسية [ اى بدر خواب عجب ديدم ] { انى رأيت } فى المنام فهو من الرؤيا لا من الرؤية لقوله { لا تقصص رؤياك }(6/41)
قال فى الكواشى الرؤيا فى المنام والرؤية فى العين والرأى فى القلب { احد عشر كوكبا والشمس والقمر } [ ومن برسر كوهى بلند بودم كه حوالئ او نهار جارى واشجار سبزبود ] وعطف الشمس والقمر على كوكبا تخصيصا اى لاظهار شرفهما على سائر الطوالع كعطف الروح على الملائكة ثم استأنف على تقدير كيف رأيت فقال { رأيتم لى ساجدين } [ اين ستار كان وتيرين فرود آمدند ومن در ايشان نكرستم ديدم مرا سجود كنند كان ] اى سجدة تحية لا سجدة عبادة
قال ابن الشيخ لفظ السجود يطلق على وضع الجبهة على الارض سواء كان على وجه التعظيم والاكلام او على وجه العبادة ويطلق ايضا علىلتواضع والخضوع وانما اجريت مجرى العقلاء فى الضمير لوصفها بوصف العقلاء اعنى السجود -روى- عن جابر ان يهوديا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اخبرنى يا محمد عن النجوم التى رآهن يوسف فسكت النبى عليه الصلاة والسلام فنزل جبريل فاخبره بذلك فقال عليه السلام « اذا اخبرتك بذلك هل تسلم » قال نعم قال عليه السلام « جريان والطارق والذيال وقابس وعمودان والفليق والمصبح والضروح والفرغ ووثاب وذو الكفتين رآها يوسف والشمس والقمر نزلن من السماء وسجدن له » فقال اليهودى اى والله انها لا سماؤها
واعلم ان يوسف رأى اخوته فى صورة الكواكب لانه يستضاء بالاخوة ويهدى كما يهدى بالكواكب ورأى اباه وخالته ليا فى صورة الشمس والقمر وانما قلنا خالته لان امه ماتت فى نفاس بنيامين كما مر وسجودهم له دخولهم تحت سلطنته وانقيادهم كما سيأتى فى آخر القصة قال فى الارشاد ولا يبعد ان يكون تاخير الشمس والقمر اشارة الى تأخر ملاقاته لهما من ملاقاته لاخوته
والاشارة بالاحد عشر كوكبا الى الحواس الخمس الظاهرة من السمع والبصر والشم والذوق واللمس والقوى الست الباطنة من المفكرة والمذكرة والحافظة والمخيلة والواهمة والحس المشترك فان كل واحدة ومن هذه الحواس والقوى كوكب مضيء يدرك به معنى مناسب له وهو اخوة يوسف القلب لانهم تولدوا بازدواج يعقوب والروح واحيل النفس كلهم بنوا اب واحد
والاشارة بالشمس والقمر الى الروح والنفس ومقام كمالية الانسان ان يكون للقلب سلطان يسجد له الروح والنفس والحواس والقوى كما سجد الملائكة لآدم اى تنقاد وتصير مسخرة مقهورة تحت يده وهذا هو الفتح المطلق الى اشارت ليه سورة النصر وليس لوارث هذا المقام بقاء فى الدنيا غالبا اى بعد ان تحقق بحقيقته فافهم جدا وكان شيخنا الاجل الا كمل من هذا القسم روح الله روحه وافاض علينا فتوحه وهم يختارون المقام عند ربهم اذا وصلوا الى نهاية مطالبهم كما قال المولى الجامى
اكركنند بمن عرض دنيى وعقبى ... من آستان تربرهرد وجاى بكزينم
والموت انسب لكونهم فى مقام العندية لكون التفصيل البرزخى اكثر من التفصيل الدنيوى والا فهم ليسوا فى الدنيا ولا فى العقبى فى حياتهم ومماتهم
ثم اعلم الن الرؤيا عبارة عن ارتسام صورة المرئى وانتقاشها فى مرآة القلب فى النوم دون اليقظة فالرؤيا من باب العلم ولكل علم معلوم ولكل معلوم حقيقة وتلك الحقيقة صورته والعلم عبارة عن وصول تلك الصورة الى القلب وانطباعها فيه سواء كان فى النوم او فى اليقظة فلا محل له غير القلب ولما كان عالم الروح متقدما بالوجود والمرتبة على عالم الاجسام وكان الامداد الربانى الواصل الى الاجسام موقوفا على توسط الارواح بينها وبين الحق وتدبير الاجسام مفوض الى الارواح وتعذر الارتباط بين الارواح والاجسام للمباينة الذاتية الثابتة بين المركب البسيط فان الاجسام كلها مركبة والارواح بسيطة فلا مناسبة بينهما فلا ارتباط وما لم يكن ارتباط وما لم يكن ارتباط لا يحصل تأثير ولا تأثر ولا امداد ولا استمداد فلذلك خلق الله عالم المثال برزخا جامعا بين عالم الارواح وعالم الاجسام ليصح ارتباط احد العالمين بالآخر فيتأتى حصول التأثر والتأثير ووصول الامداد والتدبير وهكذا شان روح الانسان مع جسمه الطبيعى العنصرى الذى يدبره ويشتمل عليه علما وعملا فانه لما كانت المباينة ثابتة بين روحه وبدنه وتعذر الارتباط الذى يتوقف عليه التدبير ووصول المدد اليه خلق الله نفسه الحيوانية برزخا بين البدن والروح المفارق فنفسه الحيوانية من حيث انها قوة معقولة هى بسيطة تناسب الروح المفارق ومن حيث انها مشتملة بالذات على قوى مختلفة متكثرة منبثة فى اقطار البدن متصرفة بتصرفات مختلفة ومحمولة ايضا فى البخار الضبابى الذى فى التجويف الايسر من القلب الصنوبرى تناسب المزاج المركب من العناصر فحصل الارتباط والتأثر والتأثير وتأتى وصول المدد
واذا وضح هذا فاعلم ان القوة الخالية لتى فى نشأة الانسان من كونه نسخة من العالم بالنسبة الى العالم المثالى المطلق كالجزء بالنسبة الى الكل وكالجدول بالنسبة الى النهر الذى هو مشرعه وكما ان طرف الجدول الذى يلى النهر متصل به كذلك عالم الخيال الانسانى من حيث طرفه الاعلى متصل بعالم المثال
والمثال نوعان مطلق ومقيد .(6/42)
فالمطلق ما حواه العرش المحيط من جميع الآثار الدنيوية والاخروية . والمقيد نوعان نوع هو مقيد بالنوع ونوع غير مقيد بالنوم مشروط بحصول غيبة وفتور ما فى الحس كما فى الواقعات المشهورة للصوفية واول ما يراه الانبياء عليهم السلام انما هو لصور المثالية المرئية فى النوم والخيال ثم يترقون الى ان يروا الملك فى المثال المطلق او المقيد فى غير حال النوم لكن مع نوع فتور فى الحس وكونهم ماخوذين عن الدنيا عند نزول الوحى انما هو مع بقاء العقل والتمييز ولذا لا ينتقض حينئذ وضوؤهم ولانهم تنام اعينهم ولا تنام قلوبهم لكون بواطنهم محلاة بصفات الله متخلقة باخلاقه مطهرة عن اوصاف البشرية من الحرص والعجز والامل والضعف وغير ذلك مما فيه نقص ظاهرة بالاضافة الى ذروة الكمال فضلا عن النوم لان النوم عجز وضعف وآفة ولو حلت الآفة قلب النبى لجاز ان يحله سائر الآفات من توهم فى الوحى وغفلة عنه وسآمة منه وفزع يمنعه عن واجب عليه
قال بعضهم ان الله قد وكل بالرؤيا ملكا يضرب من الحكمة الامثال وقد اطلعه الله سبحانه على قصص ولد آدم من اللوح المحفوظ فهو ينسخ منها ويضرب لكل قصة مثلا فاذا نام يمثل له تلك الاشياء على طريق الحكمة لتكون بشارة له او نذارة او معاتبة ليكونوا على بصيرة من امرهم وفى شرح الشرعة ان اللوح المحفوظ فى المثال كمرآة ظهر فيها الصور ولو وضع مرآة فى مقابلة اخرى ورفع الحجاب بينهما كانت صورة تلك المرآة تتراءى فى تلك والقلب مرآة تقب رسوم العلوم واشتغاله بشهواته ومقتضى حواسه كأنه حجاب مرسل بينه وبين مطالعة اللوح الذى هو من عالم الملكوت فان هبت ريح الرحمة حرك هذا الحجاب ورفع فيتلألأ فى مرىة القلب شيء من عالم الملكوت كالبرق الخاطف وقد يثبت ويدوم وما دام متيقظا فهو مشغول بما يورده الحس عليه من عالم الشهادة الا من شاء الله تعالى من المؤيدين من عند الله تعالى فاذا ركدت الحواس عند النوم وتخلص القلب من شغلها ومن الخيال وكان صافيا فى جوهوه وارتفع الحجاب وقع فى القلب من اللوح بحسب صفاته الا ان النوم لا يمنع الخيال عن عمله وحركته فما وقع فى القلب من اللوح يبتدره الخيال فيحاكيه بمثال يقاربه وتكون التخيلات اثبت فى الحفظ من غيرها فاذا انتبه من النوم لا يتذكر الا الخيال فيحتاج الرائى الى معبر لينظر بفراسته ان هاذ الخيال حكاية أى معنى من المعانى ولهذا السرّ كان من السنة لمن يرى فى منامه شيأ ان يقصه على عالم ناصح
والريا ثلاثة .(6/43)
احدها حديث النفس كمن يكون فى امره او حرفة يرى نفسه فى ذلك الامر وكالعاشق يرى معشوقه ونحو ذلك . وثانيها تخويف الشيطان بان يلعب الانسان فيريه ما يحزنه ومن لعبه به الاحتلام الموجب للغسل وهذان لا تأويل لهما . وثالثها بشرى من الله تعالى بان يأتيك ملك الرؤيا من نسخة ام الكتاب يعنى من اللوح المحفوظ وهو الصحيح وما سوى ذلك اضغاث احلام(6/44)
قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5)
{ قال } استئناف مبنى على سؤال من قال فماذا قال يعقوب بعد سماع هذه الرؤيا العجيبة فقال قال { يا بنى } تصغير ابن صغره للشفقة والمحبة وصغر السن فاذا كان ابن ثنتى عشرة سنة كما مر واصله يا بنيا الذى اصله يا بنى فابدلت ياء الاضافة الفا كما قيل فى يا غلامى يا غلاما بناء على ان الالف والفتحة اخف من الياء والكسرة
قال فى الارشاد ولما عرف يعقوب من هذه الرؤيا ان يوسف يبلغه تعالى مبلغا جليلا من الحكمة ويصطفيه للنبوة وينعم عليه بشرف الدارين كما فعل بآبائه الكرام خاف عليه حس الاخوة وبغيهم فقال صيانة لهم من ذلك ولهم معاناة المشاق ومقاساة الاحزان وان كان واثقا من الله تعالى بان سيتحقق ذلك لا محالة وطمعا فى حصوله بلا مشقة { لا تقصص } [ مخوان وبيدا مكن ] { رؤياك } كلا او بعضا { على اخوتك } وهم بنوا علاته العشرة كما هو المشهور اذ عدّ دنية من الرجال سهو غفان الاصح انها بنت ليا كما سبق فقوله فى تفسير الارشاد المراد باخوته ههنا الذين يخشى معرته ولم يكن معهم معدودا فى الرؤيا اذ لم يكن معهم فى السجود ليوسف انتهى ليس بوجيه بل ليس بسديد اذ ليس في الاخوة من يسمى دنية كما فى حواشى سعد المفتى ولا يلزم من عدم كون بنيامين داخلا معهم فى الرؤيا ان لا يكون منهم باعتبار التغليب فهو حادى الاحد عشر { فكيدوا } نصب باضمار ان اى يفعلوا { لك } اى لاجلك ولا لهلاكك { كيدا } خفيا عن فهمك لا تقدر على مدافعته وهذا اوفق بمقام التحذير وان كان يعقوب يعلم انهم ليسوا بقادرين على تحويل ما دلت الرؤيا على وقوعه والكيد الاحتيال للاغتيال او طلب ايصال الشر بالغير وهو غير عالم به { ان الشيطان للانسان عدو مبين } استئناف كأن يوسف قال كيف يصدر ذلك عن اخوتى الناشئين فى بيت النبوة فقيل ان الشيطان ظاهر العداوة للانسان او مظهرها قد بانت عداوته لك ولابناء جنسك اذا خرج ابويكم آدم وحواء من الجنة ونزع عنهما لباس النور وحلف انه ليعلمن فى نوع الانسان كل حيلة وليأتينهم من كل جهة وجانب فلا يزال مجتهدا فى اغواء اخوتك واضلالهم وحملهم على الاضر فبه علم انهم يعبمون تأويلها فقال ما قال
قال بعض العارفين برأ ابناءه من ذلك الكيد فالحقه بالشيطان لعلمه ان الافعال كلها من الله تعالى . ولما كان الشيطان مظهرا لاسم المضل اضاف الفعل السبى اليه وهذه الاضافة ايضا كيد ومكر فان الله تعالى هو الفاعل فى الحقيقة لا المظهر الشيطانى
حق فاعل وهرجه جز حق آلات بود ... تأثير زآلت از محالات بود(6/45)
وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)
{ وكذلك } اى مثل اجتبائك واختيارك من بين اخوتك لمثل هذه الرؤيا العظيمة الدالة على شرف وعز وكبرياء شأنك فالكاف فى محل النصب على انه صفة مصدر محذوف { يجتبيك ربك } يختارك ويصطفيك لما هو اعظم منها كالنبوة ويبرز مصداق تلك الرؤيا فى عالم الشهادة اذ لا بد لكل صورة مرئية فى عالم المثال حقيقة واقعة فى عالم الشهادة وان كانت الدنيا كلها خيالا كما سيتأتى تحقيقه
خيال جملة جهانرا بنور جشم يقين ... بجنب بحر حقيقت سراب مى بينم
{ ويعلمك } كلام مبتدأ داخل فى حكم التشبيه كأنه قيل وهو لا يعلمك لان الظاهر ان يشبه الاجتباء بالاجتباء والتعليم غير الاجتباء فلو كان داخلا فى حكم التشبيه كان المعنى وبعلمك تعليما مثل الاجتباء بمثل هذه الرؤيا وظاهر سماجته فان الاجتباء وجه الشبه بين المشبه والمشبه به ولم يلاحظ فى التعليم ذلك كذا قالوا
يقوال الفقير هذا هو منهما نعمة جسيمة من الله تعالى كما يدل عليه مقام الامتنان فلا سماجة { من تأويل الاحاديث } اى ذلك الجنس من العلوم فتطلع على حقيقة ما اقول فان من وفقه الله تعالى لمثل هذه الرؤيا لا بد من توفيقه لتعبيرها فان علم التعبير من لوازم الاجتباء غالبا
والمراد بتأويل الاحاديث تعبير الرؤى جمع الرؤيا اذ هى اما احاديث الملك ان كانت صادقة او احاديث النفس والشيطان ان لم تكن كذلك وتسمتها تأويلا لانه يؤول امرها اليه اى يرجع الى ما يذكره المعبر من حقيقتها . والاحاديث اسم جمع للحديث ومنه احاديث الرسول والحديث فى اللغة الجديد وفى عرف العامة الكلام وفى عرف المحدثين ما يحدث عن النبى عليه السلام فكأنه لوحظ فيه مقابلة القرآن اذ ذاك قديم وها حادث . وفى الصحاح الحديث ضد القديم ويستعمل فى قليل الكلام وكثيره لانه يحدث شيأ فشيأ { ويتم نعمته عليك } يا يوسف يجوز ان يتعلق بقوله يتم وان يتعلق بنعمته اى بان يضم الى النبوة المستفادة من الاجتباء الملك ويجعله تتمة لها وتوسيط التعليم لرعاية الوجود الخارجى { وعلى } كرر على ليمكن العطف على الضمير المجرور { آل يعقوب } الآل وان كان اصله الاهل الا انه لا يستعمل الا فى الاشراف بخلاف الاهل وهم اهله من بيته وغيرهم فان رؤية يوسف اخوته كوامب تهدتى بانوارها من نعم الله عليهم لدلالتها على مصي امرهم الى النبوة فيقع كل ما يخرج من القوة الى الفعل اتماما التك النعمة
وقال سعدى المفتى غاية ما تدل رؤيتهم على صور الكواكب الى نبوتهم لان الفرد الكامل للهداية ان يكون ذلك بالنبوة ولذلك قد قال الله تعالى فى حق الانبياء { وجعلناهم ائمة يهدون بامرنا } فاعرف ذلك { كما اتمها على ابويك } نصب على المصدرية اى ويتم نعمته عليك اتماما ككائنا كاتمام نعمته على ابويك وهى نعمة الرسالة والنوبة { من قبل } اى من قبل هذا الوقت او من قبلك { ابراهيم واسحق } عطف بيان لابويك والتعبير عنهما بالاب مع كونهما ابا جده وابا ابيه للاشعار بكمال اررتباطه بالانبياء الكرام
قال فى الكواشى الجد اب فى الاصالة يقال فلان بن فلان وبينهما عدة آباء انتهى
اما اتمامها على ابراهيم فباتخاذه خليلا وبانجائه من النار ومن ذبح الولد .(6/46)
واما على اسحاق فباخراج يعقوب والاسباط من صلبه وكل ذلك نعم جليلة وقعت تتمة لنعمة النبوة ولا يجب في تحقيق التشبيه كون ذلك في جانب المشبه به مثل ما وقع في جانب المشبه به مثل ما وقع في جانب المشبه من كل وجه
والاشارة ان اتمام النعمة على يوسف القلب بان يتجلى له ويستوى عليه اذ هو عرش حقيقى للرب تعالى دون ما سواه كما قال تعالى { لا يسعنى ارضى وسمائى وانما يسعنى قلب عبدى المؤمن }
دردل مرمن بكنجم اى عجب ... كرمرا جوئى دران دلها طلب
ولهذا الاستحقاق كان يويف القلب مختصا بكمال الحسن واذا تجلى الله تعالى للقلب تنعكس انوار التجلى من مرآة القلب على جميع المتولدات من الروح كالحواس والقوى وغيرهما من آل يعقوب الروح { ان رربك } اى يفعل ما ذكر لان ربك { عليم } اى عليم { حكيم } اى حيكم وهو معنى مجيئهما نكرتين اى واسع العلم باهر الحكمة يعلم من يحق له الاجتباء ولا يتم نعمته الا على من يستحقها او يفعل كما يفعل على مقتضى الحكمة والصواب
اعلم ان الله تعالى قدم فى بعض المواضع الاسم الحكيم على الاسم العليم وعكس فى بعضها كما فى هذا المقام . اما الاول فهو باعتبار حضرة العين لان الحكمة فى تعلقه فى الاعيان والحقائق العلمية تابع للحكمة وذلك عبارة عن كونه تابعا للعلوم حيث تعلق به فى تلك الحضرة على وجه ما اعطاه اياه من نفسه . واما الثانى فهو اعتبار حضرة العين لان الحكمة فى تعلقها بالتعينات والصور المعينة تابعة للعلم وهذا عبارة عن كونه المعلوم تابعا للعلم حيث انما تعلقت بها فى هذه الحضرة على وجه ما اعطاه العلم اياها من نفسه على الوجه الاول فلا جرم ان المتبوع فى أية مرتبة كان له التقدم والتابع كذلك له التأخر جدا ولا شك ان المعتبر انما هو تقدم المعلومات على تعلق العلم بالذات فى الحضرة الاولى وتأخرها عنه فى الثانية والحكمة انما هى ترتب تلك المعلومات فى مراتبها ووضعها فى مواضعها فى اية حضرة كانت وهذا الترتيب والوضع فى اية مرتبة كان اذا وقع من الحكيم العليم والعليم الحكيم بحسب اقتضاآت استعداداتها الكلية الازلية وبقدر استعدعاآت قابليتها الجزئية الابدية فى النشاآت الدنيوية والبرزخية والنشرية والحشرية والنيرانية والجنانية والجسمانية والروحانية وغير ذلك من سائر النشاآت فافهم هداك الله الى الفهم عن الله كذا فى بعض تحريرات شيخنا الاجل ومرشدنا الاكمل قدس الله نفسه الزاكية وروح روحه فى جميع المواطن كلها آمين(6/47)
لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7)
{ لقد كان فى يوسف واخوته } اى بالله قد كان فى صة يوسف وحكاية اخوته الاحد عشر { آيات } علامة عظيمة الشأن دالة على قدرة الله القاهر وحكمته الباهرة { للسائلين } لكل من سأل عن قصتهم وعرفها فان كبار اولاد يعقوب بعدما اتفقوا على اذلال اصغر اولاده يوسف وفعلوا به ما فعلوا قد اصطفاه الله للنبوة والملك وجعلهم خاضعين له منقادين لحكمه وان وبال حسدهم له قد انقلب عليهم وهذا من اجل الدلائل على قدرة الله القاهرة وحكمته الباهرة
وفى التفسير الفارسى [ آورد اندكه جون يوسف خواب مذكوررا بايدر تقرير كرد ويعقوب بكتمان آن وصيت فرمود وباجتباء واتمام نعمت او مرده داد بعض اززنان برادران اوشنودند ونمارشام كه ايشان بخانه باز آمدند صورت حال را بازنموند ايشانرا عرق حسد درحركت آمد بتدبير مهم مشغول شدند
وقال يهودا وروبيل وشمعون ما رضى ان يسجد له اخوته حتى يسجد له ابواه فدبروا لاخراجه من البين كما حكى الله عنهم بقوله(6/48)
إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8)
{ اذ قالوا } [ يادكن آنراكه كفتند برادران يوسف بايكديكر ] { ليوسف } [ هرآينه يوسف } فلام الابتداء لتحقيق مضمون الجملة وتأكيده اى ان زيادة محبته لهما امر محقق ثابت لا شبهة فيه { واخوه } اى شقيقه بنيامين والشقيق الاخ من الاب والام وقد يقال للاخ لاب شقيق كأنه شق معك ظهر ابيك وللاخ من الام لانه شق معك بطن امك وفى القاموس الشقيق كامير الاخ كأنه شق نسبه من نسبه انتهى
وانما لم يذكر باسمه تلويحا بان مدار المحبة اخوته ليوسف من الطرفين الاب والام فالمآل الى زيادة الحب ليوسف ولذلك دبروا لقتله وطرحه ولم يتعرضوا لبنيامين { احب الى ابينا منا } احب فعل تفضيل مبنى من المفعول شذوذا وحد الخبر مع تعدد المبتدأ لان افعل من كذا لا يفرق فيه بين الواحد وما فوقه ولا بين المذكر والمؤنث لان تمامه بمن ولا يثنى اسم التفضيل ولا يجمع ولا يؤنث قبل نمامه
قال بعض العارفين مال يعقوب الى يوسف لظهور كمال استعداده الكلى فى رؤياه حين رأى احد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدان فعلم ابوه من رؤياه انه يرث اباه وجده ويجمع استعدادات اخوته فكان يضمه كل ساعة الى صدره ولا يصبر عنه فتبالغ حسدهم حتى حملهم على التعرض له . وقيل لان الله تعالى اراد ابتلاءه بمحبته اليه فى قلبه ثم غيبه عنه ليكون البلاء اشد عليه لغيرة المحبة الآلهية اذ سلكان المحبة لا يقبل الشركة فى ملكه والجمال والكمال فى الحقيقة لله تعالى فللا يحتجب احد بما سواه ولا كيد اشد من كيد الولد الا ترى ان نوحا عليه السلام دعا على الكفار فاغرقهم الله تعالى فلم يحترق قليه فلما بلغ ولده الغرق صاح ولم يصبر وقال { ان ابنى من اهلى } { ونحن عصبة } اى والحال انا جماعة قادرون على الحل والعقد احقاء بالمحبة وما معنى اختيار صغيرين ضعيفين على العشرة الاقوياء والعصبة والعصابة العشرة من الرجال فصاعدوا سموا بذلك لان المور تعصب بهم وتشتد والنفر ما بين الثلاثة الى الخمسة والرهط ما بين الخمسة الى العشرة { ان ابانا } فى ترجيهما علينا فى المحبة مع فضلنا عليهما وكونهما بمعزل من الكفاية بالصغر والقلة { لفى ضلال } اصل الضلال العدول عن القصد اى ذهاب عن طريق التعديل اللائق وتنزيل كل منا منزلته { مبين } ظاهر الحال نظروا الى صورة يوسف ولم يحيطوا علما بمعناه فقالوا ما قالوا ولم يعرفوا ان يوسف اكبر منهم بحسب الحقيقة : وفى المثنوى
عارفى برسيد ازان بير كشيش ... كه تواى خواجه مسن ترياك ريش
كفت نى من بيش ازو زائيده ام ... بى زريشى بس جهانرا ديسده ام
كفت ريشت شدسفيد از حال كشت ... خوى زشت تونكر ديده است وشت
او بس ازتو زاد وازتو بكذريد ... توجنين خشكى زسوداى ثريد
توبدان رنكى كه اول زاده ... يك قدم زان بيشتر ننهاده
همجنان دوغى ترش در معدنى ... خود نكردى زو مخلص روغنى
قال فى الكواشى لا وقف من السائلين الى صالحين لان الكلام جملة محكية عنهم انتهى
اى للتعلق المعنوى بين مقدم الكلام ومؤخره الا ان يكون مضطرا بان ينقطع نفسه فحينئذ يجب عليه ان يرجع الى ما قبله ويوصل الكلام بعضه ببعض فان لم يفعل اثم كما فى بعض شروح الجزرى وقرئ مبين(6/49)
اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9)
{ اقتلوا يوسف } بكسر وضم والمشهور الكسر وجه الضم التبعية لعين الفعل وهى مضمومة
فان قلت الحسد من امهات الكبائر لا سيما وقد اقدموا بسبب ذلك على القتل ونحوه وكل ذلك ينافى العصمة والنبوة
قلت النعتبر عصمة الانبياء فى وقت حصول النبوة فلن ما قبلها فذلك غير واجب كذا اجاب الامام
وفى شرح العقائد الانبياء معصومون من الكفر قبل الوحى وبعده بالاجماع وكذا من تعمد الكبائر انتهى [ در تيسير آورده كه جون شيطان اين كلمات از ايشان استماع كرد بصورت بيرى بريشان ظاهر شد وكفت يوسف ميخواند كه شمارا ببندكى كيرد كفتنداى بر تدبير جيست كفت اقتلوا يوسف ] { واطرحوه ارضا } منكورة مجهولة بعيدة من العمران ليهلك فيها او يأكله السباع وهو معنى تنكيرها وابهامها لا ان معناه اى ارض كانت ولذلك نصبت نصب الظروف المبهمة وهى ما ليس له حدود تحصره ولا اقطار تحويه وفيه اشارة الى ان التغريب يساوى القتل كما فى قوله تعالى { ولولا ان كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم فى الدنيا } فسلاطين الزمان كأنهم قاتلون العلماء لا سيما المشايخ منهم بتغريبهم واقصائهم الى البلاد البعيدة وتفريقهم من اولادهم واتباعهم وذلك لكونه من غير سبب موجب غالبا اصلحنا الله تعالى واياهم { يخل } بالجزم جواب للامر اى يخلص { لكم وجه ابيكم } فيقبل عليكم بكليته ولا يلتفت عنكم الى غيركم وتتوفر محبته فيكم فذكر الوجه لتصوير معنى اقباله عليهم لان الرجل اذا اقبل على الشيء اقبل بوجهه ويجوز ان يراد بالوجه بالذات { وتكونوا } بالجزم عطف على من يخل { من بعده } من بعد يوسف اى من بعد الفراغ من امره { قوما صالحين } صلحت حالكم عند ابيكم او تائبين الى الله تعالى مما جئتم [ واين نيز زمكائد ابليس بودكه ناشكيبان باديه آرزورا ازروى تسويف ميكويد مصراع امروز كنه كنيد وفردا توبه آخر تأمل ميكندكه عذر فردارا عمر فردا مى بايد وبر عمر اعتمادى نيست ]
كار امروز بفردا نكذارى زنهار ... كه جو فردا برسد نوبت كارد كرست
يقول الفقير اما قول بعض الحكماء هكذا يكون المؤمن يهيئ التوبة قبل المعصية فمعناه ان يصمم التوبة على ما سيصدر عنه من الزلات سهوا بحسب غلبة البشرية والا فلا معنى لتلويث لباس طاهر ثم تطهيره ورب ملسوع يموت قبل ان يصل الى للترياق فأكل السم على ظن ان الترياق يدفع مضرته ليس من ديدن اهل القلب السليم والعقل المستقيم(6/50)
قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10)
{ قال } استئناف مبنى على سؤال من سأل وقال اتفقوا على ما عرض عليهم من الامرين ام خالفهم فى ذلك احد فقيل قال { قائل منهم } وهو يهودا وكان احسنهم فيه رأيا حيث جوزوا قتله ولم يساعدهم عليه { لا تقتلوا يوسف } فان قتله عظيم لكونه من غير جرم ولا تطرحوه ارضا لكونه فى حكم القتل { والقوه } يعنى بدل الطرح { فى غيابة الجب } فى قعره وغوره وما اظلم منه من اسفله سمى به لغيبته عن عين الناظر والجب البئر التى لم تطو بعد لانه ليس فيها غير جب الارض وقطعها فاذا طويت فهو بئر { يلتقطه } يأخذه على وجه الصيانة من الضياع والتلف فان الالتقاط اخذ شيء مشرف على الضياع { بعض السيارة } جمع سيار وهو بناء المبالغة اى بعض طائفة تسير فى الارض . والفارسية [ بعضى ازاره كذريان كه بداتجا رسندو وببرندش بنا حيتى ديكروشما ازوباز رهيد ] { ان كنتم فاعلين } [ بمشورتى يعنى جون غرض شمابودن اوست برين وجه مبايد كرد ] ولم يبت القول عليهم انما عرض ذلك عليهم تأليفا لقلبهم وتوجيها لهم الاى رأيه وحذرا من نسبتهم له الى التهكم والافتيات اى الاستبداد والتفرد
قال سعدى المفتى انما قال هذا القائل ذلك لكونه اوجه مما ذكروه فى التدبير فان من التقطه من السيارة يحمله الى موضع بعيد ويحصل المقصود بلا احتياج الى الحركة بانفسهم فربما لا يأذن لهم ابوهم وربما يطلع على قصدهم انتهى
فانظر الى هؤلاء الاخوان الذين ارحمهم له لا يرضى الا بالقاء يوسف فى اسفل الحجب وهكذا اخوان الزمان وابناؤه فان السنتم دائرة بكل شر ساكتة عن كل خير
جامى ابناى زمان از قول حق صمند وبكم ... نام ايشان نيست عند الله بجز شر الدواب
درلباس دوستى سازندكار دشمنى ... حسل الامكان واجبست ازكيدايشان اجتناب
شكل ايشان شكل انسان فعلشان فعل سباع ... هم زئاب فى ثياب او ثياب فى ذئاب
وفى الآية اشارة الى ان الحواس والقوى تسعى فى قتل يوسف القلب بسكين الهوى فان موت القلب منشأة الهوى وهو السم القاتل للقلب او تسعى فى طرحه فى ارض البشرية فانه بعد موت القلب يقبل الروح بوجهه الى الحواس والقوى لتحصيل شهواتها ومراداتها وتكون هى بعد موته قوما صالحين للتنعم الحيوانى والنفسانى قال قائل منهم وهو يهودا التفكرة لا تقتلوا يوسف والقوة فى غيابة جب القالب وسفل البشرية يلتقطه سيارة الحوادث النفسانية ان كنتم فاعلين ساعين به كذا فى التأويلات النجمية
فالحياة الحقيقة انما هى فى حياة القلب والقلب بيت الله ومحل استوائه عليه
قال الشيخ ابو عبد الله محمد بن الفضل العجب ممن يقطع الاودية والمفاوز والقفار ليصل الى بيته وحرمه لان فيه آثار انبيائه كيف لا يقطع بالله نفسه وهواه حتى يصل الى قلبه فان فيه آثار مولاه وكذر الله تعالى هو طريق الوصول
قال الشيخ ابو عبد الله محمد بن على الترمذى الحكيم رضى الله عنه ذكر الله يرطب القلب ويلينه فاذا خلا عن الذكر اصابته حرارة النفس ونار الشهوات فقسا ويبس وامتنعت الاعضاء من الطاعة فاذا مددتها انكسرت كالشجرة اذا يبست لا تصلح الا للقطع وتصير وقودا للنار اعاذنا الله منها(6/51)
قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11)
{ قالوا } [ اورده اندكه برادران يوسف برقول يهودا متفق شدند ونزد بدر آمده كفتند فصل بهار رسيده وسبزها از زمن زمديده جه شودكه يوسف را باما بصحرا فرستى تاروزى بتماشا وتفرج بكذارند يعقوب فرمودكه از هجر حسن بهار رخسار يوسف جون بلبل خزان ديده خواهم بود روامداريدكه شما دركلزار باشيد ومن درخانه بخار هجر كرفتار باشم ]
حريفان دربهار عيش خندان ... من اندر كنج غم جون دردمندان
[ فرزندان يعقوب ن اميد شده بيش يوسف آمدند واز تماشاى سبزه وصحرا شمه باوى درميان آورده وكفتند
موسم كل دوسه روزيست غنيمت دانيد ... كه دكر نوبت ناراج خزان خواهد بود
يوسف جون نام تماشا شنيد خاطر مباركش متوجه صحرا شد وبا برادران بيش بدر آمده التماس اجازت نمود ومضمون ابن مقال بربان حال بعرض رسانيده ]
زين تنكناى خلوتم خاطر بصحرا مى كشد ... كزبزستان باد سحر خوش ميدهد بيغامرا
[ يعقوب درفكر دور ودراز افتاد ] وعند ذلك قالوا { يا ابانا } خاطبوه بذلك تحريكا لسلسة النسب بينهى وبينهم واكذيرا لرابطة الاخوة بينهم وبين يوسف ليتسببوا بذلك الى استنزاله عن رأيه فى حفظه منهم لما احس مهم بامارات الحسد والبغى فكانهم قالوا { مالك لا تأمنا } اى أى عذر لك فى ترك الا من اى فى الخوف { على يوسف } مع انك ابونا ونحن بنوك وهو اخونا . قوله لا تأمنا حال معنى الفعل فى مالكل كما تقول مالك قائما بمعنا ما تصنع قائما { وانا لناصحون } الواو للحال من مفعول لا تأمنا اى والحال انا لمريدون له الخير ومشفقون عليه ليس فينا ما يخل بالنصيحة والمقة
وبالفارسية [ نيك خواهانيم وبغايت بروى مهربان ](6/52)
أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12)
{ ارسله معنا غدا } الى الصحراء { يرتع } اى يتسع فى اكل الفواكه ونحوها فان الرتع هو الاتساع فى الملاذ { ويلعب } بالاستباق والتناضل ونحوهما مما يكون الغرض منه تعلم المحاربة مع الكفار وانما سموه لعبا لانه فى صورته وايضا لم يكونوا يومئذ انبياء وايضا جاز ان يكون المراد من اللعب الاقدام على المباحات لاجل انشراح الصدر كما روى عنه عليه السلام انه قال لجابر رضى الله عنه « فهلا بكرا » اى فهلا تزوجت بكرا « تلاعبها وتلاعبك »
قال ابو الليث لم يريدوا به اللعب الذى هو منهى عنه وانما ارادوا به المطايبة فى المزاح فى غير مأثم . وفيه دليل على انه لا بأس بالمطايبة قال امير المؤنين على رضى الله عنه لا بأس بفكاهة يخرج بها الانسان من حد العبوس -روى- انه أتى رجل برجل الى على فقال ان هذا زعم انه احتلم على امى فقال اقمه فى الشمس واضرب ظله { وانا له لحافظون } من ان يناله مكروه ثم استأنف عمن يسأله ويقول فماذا قال يعقوب(6/53)
قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13)
{ قال انى ليحزننى ان تذهبوا به } [ آنكه شمابيريداورا از بسش من ] وذلك لشدة مفارقته علىّ وقلة صبرى عنه
فان قيل لام الابتداء تخلص المضارع للحال عند جمهور النحاة والذهاب ههنا مستقبل فيلزم تقدم الفعل على فاعله مع انه اثره
قلنا ان التقدير قصدان تذهبوا به والقصد حال او تصور ذهابكم وتوقعه والتصور موجود فى الحال كما فى العلة الغائية { و } مع ذلك { اخاف ان يأكله الذئب } لان الارض كانت مذابة واللام للعهد الذهنى والحزن الم القلب بفوت المحبوب والخوف انزعاج النفس لنزول المكروه ولذلك اسند الاول الى الذهاب به المفوت لاستمرار مصاحبته ومواصلته ليوسف والثانى الى ما يتوقع نزوله من اكل الذئب -وروى- انه رأى فى المام كأنه على رأس جبل ويوسف فى صحراء فهجم عليه احد عشر ذئبا فغاب يوسف بينهن ولذا حذرهم من اكل الذئب ومع ذلك فقد دفعه الى اخوته لانه اذا جاء القضاء عمى البصر
اين هم از تأثير حكمست وقدر ... جاه مى بينى ونتواى حذر
{ وانتم عنه غافلون } [ از بيخبران باشيد بسبب تماشا ]
ازان ترسم كزو غافل نشينيد ... زغفلت صورت حالش نبينيد
درين دبرينه دشت محنت انكيز ... كهن كركى برودندان كندتيز(6/54)
قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (14)
{ قالوا } والله { لئن اكله الذئب ونحن عصبة } [ وحال آنكه ما كروهى توانا وقوى هيكلم كه هريكى ازمابا ده شير در محار به مقاومت ميتواند كرد ] { انا اذا } [ بدرستى كه ما آن وقت كه برادررا بكرك دهيم ] { لخاسرون } [ هر آيينه زيانكاران باشيم ] من الخسار بمعنى الهلاك اى لها لكون ضعفا وخورا وعجزا
وفى الكواشى مغبونون بترك حرمة الوالد والاخ وانما اقتصروا على جواب خوف يوسف من اكل الذئب ولم يجيبوا عن الاعتذار الاول لانه السبب القوى فى المنع دون الحزن لقصر مدته بناء على انهم يأتون به عن قريب
وعن بعض الصحابة رضى الله عنهم انه قال لا ينبغى للرجل ان يلقن الخصم الحجة لان اخوة يوسف كانوا لا يعلمون ان الذئب يأكل الناس الى ان قال ذلك يعقوب ولقنهم العلة فى كيد يوسف وفى الحديث « البلاء موكل بالمنطق ما قال عبد لشيء والله لا افعله الا ترك للشيطان كل شيء فولع به حتى يوشمه » وفى الحديث « انى لأجد نفسى تحدثنى بالشيء فما يمنعنى ان اتكلم به الا مخافة ان ابتلى به » -يحكى- ان ابن السكيت من ائمة اللغة جلس على المتوكل يوما فجاء المعتز والمؤيد ابنا المتوكل فقال ايما احب اليك ابناى ام الحسن والحسين قال والله ان قنبر خادم على رضى الله عنه خير منك ومن ابنيك فقال سلوا لسانك من قفاه ففعلوا فمات فى تلك الليلة ومن العجب انه انشد قبل ذلك الى المعتز والمؤيد وكان يعلمهما فقال
يصاب الفتى من عثرة بلسانه ... وليس يصاب المرء من عثرة الرجل
فعثرته فى القول تذهب رأسه ... وعثرته فى الرجل تبرا على مهل
والاشارة ان القلب ما دام فى نظر الروح مراقبا له غير مشغول باستعمال الحواس والقوى من الروح ان يرسل يوسف القلب معهم الى مراتعهم الحيوانية ليتمتعوا به فى غيبة يعقوب الروح وهو لا يأمنهم عليه لانه واقف فى مكيدتهم وانهم يدعون نصحه وحفظه من الآفات والقلب اذا بعد من الروح ونظره يقرب منه ذئب الشيطان ويتصرف فيه ويهلكه وخسران جميع اجزاء الانسان فى هلاك القلب وربحها فى سلامته فعلى العاقل ان لا يلعب بالدنيا كالصبيان ويحترز عن فتنتها وآفاتها ولا يرى ترك عنان النفس حذرا من الوقوع فى بئر الهوى ويجتهد فى قمع الهوى ودفع الميل الى ما سوى الله تعالى
وصل ميسر نشود جز بقطع ... قطع نخست ازهمه ببريد نست
عصمنا الله اياكم من الاستماع الى حديث النفس والشيطان وجعلنا واياكم محفوظين من موجبات القطيعة والخذلان انه هو الكريم المنان المحسان(6/55)
فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15)
{ فلما ذهبوا به } متصل بمحذوف اى فاذن له وارسله معهم فلما ذهبوا اليه [ بس ىن هنكام كه كرادران ببردند يوسف را ] والجواب محذوف وهو فعلوا به من الاذية ما فعلوا
وتفصيل المقام ان يعقوب عليه السلام لما رأى الحاح اخوة يوسف فى خروجه معهم الى الصحراء ومبالغتهم بالعهد واليمين ورأى ايضا ميل يوسف الى التفرج والتنزه رضى بالقضاء فاذن فامر ان يغسل بدن يوسف فى طست كان اتى به جبريل الى ابراهيم حين مجيئ الفداء فاجرى فيه دم الكبش وان يرجل شعره ويدهن بدهن اسماعيل الذى جاء به جبريل من الجنة وان يكحل ففعلوا ويروى ان ابراهيم عيله السلام حين القى فى النار وجرد عن ثيابه اتاه جبريل بقميص من حرير الجنة فالبسه اياه فدفعه ابراهيم الى اسحاق واسحاق الى يعقوب فجعله يعقوب فى تميمة وعلقها فى عنق يوسف
وقال الكاشفى [ جون تعويذى بربازويش بست وبمشايعه فرزندان تا شجرة الموداع بردرووازه كنعان بود بيرون آمد ويوسف رادر كنار كرفته كريه كنان اغازوداع كرد ]
ذل نمى خواست حدايى زتوا ماجه كنم ... دور ايام نه بر قاعده دلخوانت
تجرى الرياح بما لا تشتهى السفن ... [ يوسف كفت اى بدر سبب كريه جيست كفت اى يوسف ازين رفتن تورايحه اندوهى عظيم بمشام دل من ميرسد ونمى دانم كه سر انجام كار بكجا خواهد كشيد بارى لا تنسانى فانى لا انساك مرافراموش مكن كه من ترانيز فراموش نخواهم كرد ] فراموشى نه شرط دوستانست [ بس فرزندانرا درباب محافظه يوسف مبالغة بسيار فرمود ] وهم جعلوا يحملونه على عواتقهم اكراما له وسرورا به فذهبوا به [ يعقوب درايشان مينكريست وازشوق لقاى فرزند ارجمند مى كريست ]
هنوز سرو روانم زجشم ناشده دور ... دل از تصور دورى جوبيد لرزانست
[ جون فرزندان از بيش نظروى غائب شدند روى بكنعان نهاد ] فلما بعدوا عن العيون تركوا وصايا ابيهم فالقوه على الارض وقالوا يا صاحب الرؤيا الكاذبة اين الكواكب التى رأيتهم لك ساجدين حتى يخلصوك منى ايدينا اليوم فجعلوا يؤذونه ويضربونه وكلما لجأ الى واحد منهم ضربه ولا يزدادون عليه الا غلظة وحنقا وجعل يبكى بكاء شديدا وينادى يا ابتاه ما اسرع ما نسوا عهدك وضيعوا وصيتك لو تعلم ما يصنع بابنك اولاد الاماء
قال الكاشفى [ درخاك خوارى كرسنه وتشنه بروى مى كشيدند تابهلاك نزديك رسيد ] وقال بعضهم فاخذه روبيل فجلد به الارض ووثب على صدره واراد قتله ولوى عنقه ليكسرها فنادى يوسف يا يهودا وكان ارفقهم به اتق الله وجعل بينى وبين من يريد قتلى فاخذته رقة ورحمة فقال يهودا ألستم قد اعطيتمونى موثقا ان لا تقتلوه قالوا بل قال ادلكم على ما خير لكم من القتل القوه فى الجب فسكن غضبهم وقالوا نفعب { واجمعوا ان يحعلوه فى غيابة الجب } وعزموا على القاء يوسف فى قعر الجب وكان على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب بكنعان التى هى من نواحى الاردن وحفر شداد حبن عمر بلاد الاردن وكان اعلاه ضيقا واسفله واسعا(6/56)
وقال الكاشفى [ هفتاد كزعمق يافت يازياده ] فأتوا به الى رأس البئر فتعلق بثيابهم فنزعوها من يديه فدلوه بها بحبل مربوط على وسطه فتعلق بشفيرها فربطوا يديه ونزعوا قميصه لما عزموا عليه من تلطيخه بالدم الذكب احتيالا لابيه فقال يا اخوتاه ردوا على قميصى اتوارى به فى حياتى ويكون كنقا بعد مماتى فلم يفعلوا فلبما بلغ نصفها قطعوا الحبل والقوه ليموت وكان فى البئر ماء فسقط فيه ثم اوى الى صخرة بجانب البئر فقام عليها وهو يبكى فنادوه وظن انها رحمة ادركتهم فاجابهم فارادوا ان يرضخوه فمنعهم يهودا
قال الكاشفى [ از حضرت ملك على خطاب مستطاب بطائر آشيان سدرة المنتهى رسيدكه ( ادرك عبدى جيريل ) بيش ازانكه يوسف به تك جاه رسد بوى رسيد واورا بانجه مقدسه خود كرفت وبربالاى صحره كه درتك جاه بود بنشانيد واز طعام وشراب بهشت بوى داد بيراهن خليلكه تعويذوار بربازوداشت اورا بوشانيد ] قال الحسن القى يوسف فى الجب وهو ابن ثنتى عشرة سنة ولقى اباه ثمانين سنة وقيل كان يوسف ابن سبع عشرة سنة وقيل ابن ثمانى عشرة سنة -وروى- ان هوام البئر قال بعضها لبعض لا تخرجن من مساكنهن فان نبيا من الانبياء نزل بساحتكن فانجرحن الا الافعى فانها قصدت يوسف فصاح بها جبريل فصمت وبقى الصمم فى نسلها ولما القى فى الجب قال يا شاهدا غير غائب ويا قريبا غير بعيد ويا غالبا غير مغلوب اجعل لى من امرى فرجا ومخرجا -وروى- اجعل لى فرجا مما انا فيه فما بات فيه
قال الكواشى لبث فى البئر ثلاثة ايام او خرج من ساعته انتهى وعلم جبريل يوسف هذا الدعاء اى فى البئر ( اللهم يا كاشف كل كربة ويا مجيب كل دعوة ويا جابر كل كسير ويا ميسر كل عسير ويا صاحب كل غريب ويا مؤنس كل وحيد يا لا اله الا انت سبحانك اسألك ان تجعل لى فرجا ومخرجا وان تقذف حبك فى قلبى حتى لا يكون لى هم ولا ذكر غيرك ان تحفظنى وترحمنى يا ارحم الراحمين ) -روى- ان يوسف لما القى فى الجب ذكر اسم الله باسمائه الحسنى فسمعه الملائكة فقالوا يا رب نسمع صوتا حسنا فى الجب فامهلنا ساعة فقال الله ألستم قلتم { أتجعل فيها من يفسد فيها } فحفته الملائكة فانس بهم وكذلك اذا اجتمع المؤمنون على ذكر الله تعالى يقول الملائكة الهنا انظرنا نستأنس بهم فيقول الله تعالى ألستم قلتم(6/57)
{ أتجعل فيها من يفسد فيها } فلآن تتمنون الاستئناس بهم فعلم ان الملائكة المقربين تنزل لشرف الذكر كما فى نفائس المجالس
ذره ذره كاندرين ارض وسماست ... جنس خودراهريكى دون كهرباست
ضدرا باضد ايناس ازكجا ... با امام الناس نسناس از كجا
اين قدر كفتيم باقى فكر كن ... فكرا كر جامد بودروذكر كن
ذكر آرد فكررا در اهتزاز ... ذكررا خورشيد اين افسرده ساز
كما فى المثنوى { واوحينا اليه } تبشيرا له بما يؤول اليه امره وازاله . لوحشته وايناسا له وكان وحى نبوة ورسالة كما عليه المحققون وقد صح ان الله تعالى اوحى الى يحيى وعيسى عليهما السلام قبل ادراكهما وذلك لان الله تعالى قد فتح باب الولاية الخاصة لبعض الآحاد فى صغرهم كالشيخ سهل قدس سره فلان يكون باب النبوة مفتوحا اولى لكمال استعداد الانبياء عليهم السلام فامر الولاية والنبوة لا يتوقف على البلوغ وعلى الاربعين وان استتبئ اكثر الانبياء بعد الاربعين على ما جرى عليه عادة الله الغالبة هكذا لاح بالبال
قال الكاشفى [ وما وحى فرستاديم سوى اوكه اندو هناك مباش بيرون زحضيض جاه رسانيم وبرار انرا بحاجتمندى نزديك توآريم ] { لتنبئنهم } لتحدثن اخوتك فيما يستقبل { بامرهم هذا } بما فعلوه لك { وهم لا يشعرون } بانك يوسف لتباين حاليك حالك هذه وحالك يومئذ لعلو شأنك وكبرياء سلطانك وبعد حالك عن اوهامهم ولطول المبدل للاشكال والهيآت وذلك انهم حين دخلوا عليه ممتارين فعرفهم وهم له منكرون دعا بالصواع فوضعه على يده ثم نقره فطن فقال انه ليخبرنى هذا الجام انه كان اخ لكم من ابيكم يقال له يوسف وكان يدنيه دونكم وانكم انطلقتم به والقيتموه فى غيابة الجب وقلتم لابيكم اكله الذئب
والاشارة ان من خصوصية تعلق الروح بالقالب ان يتولد منها القلب العلوى والنفس السفلية والقوى والحواس فيكون ميل الروح والقلب ونزاعهما الى عالم الروحانية وميل النفس والقوى والحواس الى عالم الحيوانية فان وكل الانسان الى طبعه تكون الغلبة للنفس والبدن على الروح والقالب وهذا حال الاشقياء وان ايد القلب بالوحى فى غيابة جب القلب اذا سبقت له العناية الازلية تكون الغلبة للروح والقلب على النفس والبدن وها حال السعداء فالانبياء وكذا الاولياء مؤيدون من عند الله تعالى بالوحى والالهام والصبر والاحتمال وان كانوا فى صورة الجفاء والجلال وقد قضى الله تعالى على يعقوب ويوسف ان يوصل اليهما تلك الغموم الشديدة والهموم العظيمة ليصبرا على مرارتها ويكثر رجوعهما الى الله تعالى وينقطع تعلق فكرهما عما سوى الله تعالى فيصلا الى درجة عالية لا يمكن الوصول اليها الا بتحمل المحن العظيمة كما قال بعض الكبار سبب حبس يوسف فى السجن اثنتى عشرة سنة تكميل ذاته بالخلوة والرياضة الشاقة والمجاهدات مما تيسر له عند ابيه من هذا المقام اغترب الانبياء والاولياء عن اوطانهم : قال المولى الجامى(6/58)
بصبر كوش دلا روز هجر فائده جيست ... طبيب شربت تلخ ازبراى فائده ساخت
وقال بعضهم ابتلى ابوه بفراقه لما فى الخبر اذا ذبح جديا بين يدى امه فلم يرض الله تعالى ذلك منه وارى دا بدم وفرقة بفرقة لهظمة احترام شأن النبوة ومن ذلك المقام حسنات الابرار سيآت المقربين
وقال بعضهم استطعمه يوما فقير فما اهتم باطعامه فانصرف الفقير حزينا وفيه نظر كما قال البعض لان ذلك لا يليق باخلاق النبوة
وقال بعضهم لما ولد يوسف اشترى يعقوب له ظئرا ةكان لها ابن رضيع فباع ابنها تكثير اللبن على يوسف فبكت وتضرعت وقالت يا رب ان يعقوب فرق بينى وبين ولدى ففرق بينه وبين ولده يوسف فاستجاب الله دعاءها فلم يصل يعقوب الى يوسف الا بعد ان لقيت تلك الجارية ابنها وفى الحديث « لا توله والدة بولدها » اى لا تجعل والهة بتفريقه منها وذلك فى السبايا كما فى الجوهرى ومن احاديث المقاصد الحسنة « من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين احبته يوم القيامة » ومثل هذا وان كان بعيدا بالنسبة الى الانبياء عليهم السلام الا ان القضاء يفعل ما يفعل
قال حضرة الشيخ الامبر قدس سره اذا شاء الحق انفاذ قوله تعالى ةكان امر الله قدرا مقدورا على عموم الافعال فى العبد بايفاء زلة منه يجرى عليه القدر بما اراده ثم يرده الى مقامه ان كان من اهل العناية والوصول قيل لابى يزيد قدس سره أيعصى العارف فقال وكان امر الله قدرا مقدورا : قال الحافظ
جايى كه برق عصيان بر آدم صفى زد ... ماراجه كونه زيبد دعوئ بى كناهى
هذا بالنسبة الى حال يعقوب وابتلائه
واما بالنسبة الى يوسف فقد حكى انه اخذ يوما مرآة فنظر الى صورته فاعجبه حينه وبهاؤه فقال لو كنت عبدا فباعونى لما وجد لى ثمن فابتلى بالعبوجية وبيع بثمن بخس وكان ذلك سبب فراقه من ابيه
وفيه اسارة الى ان الجمال والكمال كله لله تعالى واذا اضيف الى العبد مجازا فلا بد للعبد ان يجتهد الى ان يصبر حرا عما سوى الله تعالى واذا اضيف الى العبد مجازا فلا بد للعبد ان يجتهد الى ان يصير حرا عما سوى الله تعالى ويتخلص من الاضافات والقيود ويرى الامر كله لله تعالى ويكون عبدا محضا حقا لله تعالى : قال المولى الجامى
كسوت خواجكى وخلعت شاهى جه كند ... هر كرا غاشيه بند كيت بر دوش است
وبالجملة ان طريق التصفية طريقة صعبة ومن اسبابها الادب والمحنة ولذلك ورد « ما اوذى نبى مثل ما اوذيت » اى ما صفى نبى مثل ما صفيت
وذرة من محنة هه الطريقة العلية اعلى من كثير من الكشف والكرامات وما ابتلى الله احدا بمثل ما ابتلى به اصفياءه الا اختاره لذاته ولعبوديته فلفهم والله الهادى الى الحقائق(6/59)
وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16)
{ وجاءوا اباهم عشاء } طرف اى فى آخر النهار فان العشاء آخر النهار الى نصف الليل
وفى تفسير ابى الليث بعد العصر
قال فى الكواشى وانما جاؤا ليقدموا على المبالغة فى الاعتذار { يبكون } حال اى متباكين . والتباكى بالفارسية [ كريستن بيدا كردن ] -روى- ان امرأة خاصمت زوجها الى شريح فبكت فقال له الشعبى يا ابا امية اظنها مظلومة اما تراها تبكى فقال شريح قد جاء اخوة يوسف يبكون زهم ظلمة لا ينبغى ان يقضى الا بما امر ان يقضى به من السنة المرضية : وفى المثنوى
زارئ مضطر نشسته معنويست ... زارئ نزد دروغ آن غويست
كريه اخوان يوسف حيلتست ... كه درو نشان برزرشك وعلتست
-روى- انه لما سمع صوتهم فزع وقال ما لكم يا بنى هل اصابكم فى غنمكم شيء قالوا الامر اعظم قال فما هو واين يوسف(6/60)
قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17)
{ قالوا يا ابانا اذا ذهبنا نستبق } متسابقين فى العدو او الرمى يقال استبق الرجلان وتسابقا اذا عارضا فى السبق طلبا للغاية كما يقال انتضلا وتناضلا اذا عارضا فى الرمى طلبا للغلبة { وتركنا يوسف } [ وبكذاشتيم يوسف راتنها ] { عند متاعنا } اى ما نتمتع به من الثياب والازواد وغيرهما فان المتاع فى اللغة كل ما انتفع به واصله النفع الحاضر وهو اسم من متع كالسلام من سلم والمراد به فى قوله تعالى { ولما فتحوا متاعهم } واعية الطعام { فاكله الذئب } عقيب ذلك من غير مضى ومان يعتاد فه التفقد والتعهد { ما انت بمؤمن لنا } بمصدق لنا فى مقالتنا { ولو كنا } عندك فى اعتقادك { صادقين } موصوفين بالصدق والثقة لفرط محبتك ليوسف فكيف وانت سيء الظن بنا غير واثق بقولنا . والصدق هو الاخبار عن الشيء على ما هو به والكذب لا على ما هو به والتصديق باللسان الاخبار بكون القائل صادقا وبالقلب الاذعان والقبول لذلك والتكذيب بخلاف ذلك(6/61)
وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)
{ وجاؤا } [ آمدند ] { على قميصه } محله النصب على الظرفية من قوله { بدم } اى جاؤا فوق قميصه بدم او على الحالية منه والخلاف فى تقدم الحال على المجرور فيما اذا لم يكن الحال ظرفا { كذب } مصدر وصف به الدم مبالغة كأن مجيئهم من الكذب نفسه كما يقال للكذاب هو الكذب بعينه والزور بذاته او مصدر بمعنى المفعول اى مكذوب فيه لانه لم يكن دم
يوسف وقرأت عائشة رضى الله عنها بغير المعجمة اى كدب بمعنى كدر اةو طرّى -روى- انهم ذبحوا سخلة ولطخوه بدمها وزل عنهم ان يمزقوه فلما سمع يعقوب بخبر يوسف صاح باعلى صوته فقال اين القميص فاخذه والقاه على وجهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص قال تالله ما رأيت كاليوم ذئبا احلم من هذا اكل ابنى ولم يمزق عليه قميصه قال كأنه قيل ما قال يعقوب هل صدقهم فيما قالوا فقيل { قال } لم يكن ذلك { بل سولت لكم انفسكم } اى وينت وسهلت قاله ابن عباس رضى الله عنهما . والتسويل تقدير شيء فى الانفس مع الطمع فى اتمامه
قال الازهرى كان التسويل تفعيل من سؤال الاشياء وهى الامنية التى يطلبها فيزين لطالبها الباطل وغيره { امرا } من الامور منكرا لا يوصف ولا يعرف فصنعتموه بيوسف استدل يعقوب على انهم فعلوا بيوسف ما ارادوا وانهم كاذبون بشيئين بما عرف من حسدهم الشديد وبسلامة القميص حيث لم يكن فيه خرق ولا اثر ناب فقوله بل سولت در لقولهم اكله الذئب وبل للاعراض عما قبله واثبات ما بعده على سبيل التدارك نحو جاء زيد بل عمرو كما فى بحر العلوم { فصبر جميل } اى فامرى صبر جميل وهو الذى لا شكوى فيه الى الخلق والا فقد قال يعقوب ( انما اشكو بثى وحزنى الى الله ) : قال الكنال الخجندى
بوصل صحبت يوسف عزيز من مشتاب ... جمال يار نبينى مكر بصبر جميل
قال شيخنا الاجل الاكمل روح الله روحه
اعلم ان الصبر اذا لم يكن فيه شكوى الى الخلق يكون جميلا واذا كان فيه مع ذلك شكوى الى الخالق يكون اجمل لما فيه من رعاية حق العبودية ظاهرا حيث امسك عن الشكوى الى الخلق وباطنا حيث قصر الشكوى على الخالق والتفويض جميل والشكوى اليه اجمل انتهى : قال الشيخ عمر بن الفارض قدس سره فى تائيته
ويحسن اظهار التجلد للقوى ... ويقبح العجز عند الاحبة
اى لا يحسن اظهار التجلد والصبر على صدمات المحن مطلقا بل يحسن للاعادى كما اظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم للكفار فى غزواته ومناسكه . واما عند الاحبة فلا يحسن الا العجز لان اظهار التجلد عندهم قبيح جدا كما اظهره سمنون فى بعض مناجاته وقال(6/62)
وليس لى فى سواك حظ ... فكيفما شئت فاختبرنى
فادب بتسليط عسر البول عليه فاعترف بعجزه وطاف فى سكك بغداد يستأجر الصبيان وبأمرهم ان ادعو عمكم الكذاب فقير وخسته بدركاهت آمدم رحمى وقال بعضهم الصبر الجميل تلقى البلاء بقلب روحه ووجه مستبشر
وقيل لا اعايشكم على كآبة الوجه بل اكون لكم كما شئت وذلك لان الموحد الحقيقى يطوى بساط الوسائط والاسباب فلا يرى التأثير الا من عند الله تعالى فى كل باب مع ان التغافل من اخلاق الكرام والعفو والصفح وقبول العذر من ديدن الاخيار
اقبل معاذير من يأتيك معتذرا ... ان بر عندك فيما قال او فجرا
{ والله المستعان } اى المطلوب منه العون وهو انشاء الاستعانة المستمرة { على ما تصفون } على اظهار حال ما تصفون من شأن يوسف وبيان كونه كذبا واظهار سلامته كأنه علم منهم الكذب قال تعالى { سبحان ربك ربالعزة عما تصفون } قال البيضاوى هذه الجريمة كانت قبل استنبائهم ان صح انتهى وذلك لانهم قالوا لا دليل على امتناع صدور الكبيرة من الانبياء قبل الوحى وقوله ان صح يدل على الشك فى صحة استنبائهم واصاب فى ذلك لان الانبياء محفوظون قبل نبوتهم كما انهم معصومون بعدها من الامور الموجبة للنفرة الغير اللائقة بشأنهم وليس همّ يوسف كما سيأتى من قبيل كما صدر من اخوته من الحسد وضربه والقائه فى الجب بالفعل والكذب عمدا من غير تأويل . واما قوله تعالى { ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب } فلا يدل على نبوة غيره من الاخوان الموجودين اذ يكفى فى اتمام النعمة على آل يعقوب ان لا تنقطع سلسلة النبوة من اعقابهم كما قال تعالى فى كلمة التوحيد كلمة باقية فى عقبه فانه لا ينافى وجود الشرك من بعض الاحفاد كما لا يخفى . وكذا تمثلهم فى صورة الكواكب لا يدل على نبوتهم لانه اذا كان يعقوب بمنزلة الشمس التى تعينه بالنبوة ودعوة الخلق وهدايتهم الى الله تعالى كان اولاده بمنزلة الكواكب التنى تتبع الشمس والقمر ولو كان كلهم انبياء لاستدعى ان يكون محبة يعقوب لهم على السوية اى من اول الامر بناء على وراثة كلهم لنبوته . ولما ظهر ما ظهر من تقضيل يوسف عليهم فيوسف من بينهم كشيث من بين بنى آدم عليه السلام هذكا لاح ببال الفقير ايده الله القدير
وفى الآيات اشارات الى تزوير الحواس والقوى وتلبيسها وتمويهاتها وتخيلاتها الفلسفية وكذباتها وحيلها ومكرها وكيدها وتتوهماتها وتسويلاتها المجبولة عليها وان كانت للانبياء وان الروح المؤيد بنور الايمان يقف على النفس وصفاتها وما جبلت الحواس والقوى عليه ولا يقبل منها تمويهاتها وتسويلاتها ويرىلامور كلها من عنج الله واحكامه الازلية فيصبر عليها صبرا جميلا وهو الصبر على ظهور ما اراد الله فيها بالارادة القديمة والتسليم لها والرضى بها وبقوله { والله المستعان على ما تصفون } يشير الى الاستعانة بالله على الصبر الجميل فيما يجرى من قضائه وقدره كذا فى التأويلات النجمية نفعنا الله تعالى بها(6/63)
وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19)
{ وجاءت سيارة } جماعة يسيرون من جهة مدين الى مصر فنزلوا قريبا من جب يوسف وكان ذلك بعد ثلاثة ايام من القائه فيه
قال الكاشفى { روزجهارم مزده نجات بوى رسيد ]
قال السمرقندى فى بحر العلوم كان الجب فى قفرة بعيدة من العمران لم يكن الا للرعاة فاخطأوا الطريق فنزلوا قريبا منه انتهى
فهذا يخالف قوله تعالى { يلتقطه بعض السيارة } فانه يقتضى كون الجب فى الامن والجادة والسير هو السير المعتاد { فارسلوا } اى الى الجب { واردهم } اى الذى يرد الماء اى يحضره ليستقى لهم وكان ذلك مالك بن دعر الخزاعى
قال فى القاموس مالك بن دعر بالدال المهملة { فادلى دلوه } الادلاء بالفارسية [ فروهشتن دلو ] اى ارسلها الى الجب ليملأها فاوحى الى يوسف بالتعلق بالحبل
اى يوسف آخر بهرتست اين دلو در جاه آمده ... [ در معالم آورده كه ديوارهاى جاه برفراق يوسف بكريستند ] وذلك لان للجمادات حياة حقانية لا يعرفها الا العلماء بالله فلها انس الذكر والتوحيد والتسبيح ومجاورة اهل الحق وقد صح ان الجوع الذى كان يعتمد عليه رسول الله صلةى الله عليه وسلم حين الموعظة للناس ان انين بنى آدم لما فارقه رسول الله وذلك بعد ان عمل له المنبر : قال فى المثنوى
استن حنانه از هجر رسول ... ناله مى زد همجو ارباب عقول
كفت بيغمبر جه خواهى اى ستون ... كفت جانم ازفراقت كشت خون
فلما خرج يوسف اذا هو بغلام احسن ما يكون وقد اعطى شطر الحسن فلما رآه مالك { قال } مبشرا نفسه واصحابه { يا بشرى هذا غلام } [ اى مزده وشادمانى ] كأنه نادى البشرى وقال تعالى وهدا اوانك حيث فاز بنعمة نادرة وأى نعمة مكان ما يوجد مباحا من الماء وقيل هو اسم صاحب له ناداه ليعينه على اخراجه كما قال الكاشفى [ اورا آوزداد وزكفت اين بسريست كه دلورا كران ساخته بس بمدد كارئ او يوسف را ازجاه برآورده ]
جون آن ماه جهان أرا برآمد ... زجانش بانك يا بسرى برآمد
بشارت كز جنين تاريك جاهى ... برآمد بس جهان افروز ماهى
وذلك لان ماء الحياة لا يوجد الا فى الظلمات كما ان العلم الالهى انما يوجد فى ظلمات ها القلب والقالب
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان القلب كماله بشارة من تعلق الجذبة وخلاصه من الجب فكذلك للجذبة بشارة فى تعلقها بالقلب وخلاصه من الجب وهى من اسرار { يحبهم ويحبونه } { واسروه } اى اخفاء الوارد واصحابه عن بقية الرفقة لئلا يطلبوا بالشركة فيه { بضاعة } حال كونه بضاعة اى متاعا للتجارة فانها قطعة من المال بصعت منه اى قطعت للتجارة { والله عليم بما لا يعلمون } لم يخف عليهم اسرارهم(6/64)
وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20)
{ وشروه } اى قاعوه وهو من الاضداد والضمير للوارد واصحابه
يقول الفقير ايده الله القدير جعلوه عرضة للابتذال بالبيع والشراء لانهم لم يعرفوا حاله اما لان الله تعالى اغفلهم عن السؤال ليقضى امرا كان مفعولا او لانهم سألوا عن حاله ولم يفهموا لغته لكونها عبرية . وههنا روايات واهية بعيدة ينبغى ان لا يلتفت اليها وان ذهب اليها الجم الغفير من المفسرين ولله در المولى ابى السعود فى ارشاده { بثمن بخس } زيف ناقص العيار
قال الكاشفى [ ببهاى اندك وبى اعتبار ] وهو بمعنى المبخوس لان الثمن لا يوصف بالمعنى المصدرى ووصف بكونه مبخوسا اما لرداءته وغشه او لنقصان وزنه من بخسه حقه اى نقصه كما فى حواشى ابن الشيخ . وقال بعضهم بثمن بخس اى حرام منقوص لان ثمن الحر حرام انتهى حمل البخس على المعنى لكونه الحرام ممحوق البركات والقول الاول هو الاصح { دراهم } بدل من ثمن اى لا دنانير { معدودة } اى غير موزونة فهو بيان لقلته ونقصانه مقدارا بعد بيان نقصانه ى نفسه لانهم كانوا يزنون الاوقية وهى اربعون درهما وبعدون ما دونها . فعن ابن عباس انها كانت عشرين درهما . وعن السدى اثنين وعشرين درهما
قيل ان الصبيان اخذوا النبى عليه السلام فى طريق المسجد وقالوا كن لنا جملا كما تكون للحسن والحسين قال لبلال اذهب الى البيت وائت بما وجدته لاشترى نفسى منهم فاتى بثمانى جوزات فاشترى بها نفسه وقال ( اخى يوسف باعوه بثمن بخس دراهم معدودة وباعونى بثمانى جوزات ) كذا فى روضة الاخبار { وكانوا } اى البائعون { فيه } فى يوسف { من الزاهدين } الزهد والزهادة قلة الرغبة فى الشيء اى من الذين لا يرغبون فيما بايدهم فلذلك باعوه بما ذكر من الثمن البخس وسبب ذلك انهم التقطوه والملتقط للشيء متهاون به او غير واثق بامره يخاف ان يظهر له مستحق فينتزعه منه فيبيعه من اول مساوم باوكس ثمن هذا مع الجمال الظاهر
وفيه اشارة الى ان الجمال الظاهر لا خطر له عند الله تعالى وانما الجمال هو الجمال الباطن وفى الحديث « ان الله لا ينظر الى صوركم واموالكم بل الى قلوبكم واعمالكم » يعنى ان كانت لكم قلوب واعمال صالحة تكونون مقبولين مطلقا سواء كانت لكم صور حسنة واموال فاخرة ام لا والا فلا وليس بيع يوسف بثمن بخس باعجب من بيعك نفسك بادنى شهوة فلا بد من الامساك والاحتماء والقناعة : قال المولى الجامى قدس سره
هر آنكه كنج قناعت بكنج دنيا داد ... فروخت يوسف مصرى بكمترين ثمنى
[ كويند كه نافع مولاى عبد الله بن عمر كه ايتاد امام شافعى بود آنكاه كه مرد كفت اين جايكه را بكنيد بكنيدند بيست وده هزاردرم درسبوى بديد آمد كفت آنكاه كه ازجنازه من باز امده باشيد اين بدرويش دهيد اورا كفتند ياشيخ جون توسكى درم نهد كفت بحق اين وقتك شك زكاة وى بر كردن من نيست وهركز عيالان خودرا بسختى نداشتم لكن هركاه كه مرا آرزويى بودى آنجه بدان آرزو بايستى دادن درين سؤال افكندمى تا اكر مرا روز سختى بيش آيد بدر سفله نبايد رفتن ] ففى هذه الحكاية ما يدل على المجاهدة النفسية والطبعية .(6/65)
اما الاولى فلانه ما كتم المال وادخره لاجل الكنز بل لاجل البذل . واما الثانية فلانه منع عن طبيعته مقتضاها وشهواتها والحواس والقوى لا تعرف قدر القلب وتبيعه بادنى حفظ نفس فان لانها مستعدة للاحتظاظ بالتمتعات الدنيوية الفانية والقلب مستعد للاحتظاظ بالتمتعات الاخروية الباقية بل هو مستعد للاحتظاظ بالشواهد الربانية وانه اذا سقى بشراب طهور تجلى الجمال والجلال يهريق سؤره على ارض النفس والقوى والحواس فيحتظون به فانه للارض من كأس الكرام نصيب(6/66)
وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)
{ وقال الذى اشتريه من مصر } وهو العزيز الذى كان على خزائن مصر وصاحب جنود الملك واسمه قطفير وكان يقال له العزيز
قال فى القاموس العزيز الملك لغلبته على اهل مملكته ولقب من ملك مصر مع الاسكندرية انتهى
وبيان كونه من مصر للاشعار بكونه غير من اشتراه من الملتقطين مما ذكر من الثمن البخس كما فى الارشاد
وقال الكاشفى [ وكفت آنكس كه خريد يوسف را ازاهل مصر ] يعنى عزيز انتهى
وكان الملك يومئذ الريان بن الوليد من العماليق مات فى حياة يوسف بعد ان آمن به وملك بعده قابوس بن مصعب فدعاه الى الاسلام فابى
قال فى القاموس قابوس ممنوع للعجمة والمعرفة معرب كاووس انتهى وهذا غير قابوس الذى قيل فى خطه هذا خط قابوس ام جناح طاووس فان كان ملكا عظسما مات فى ثلاث واربعمائة كما فى الروضة . وكان فرعون موسى من اولاد فرعون يوسف فقوله تعالى { ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات } من قبيل خطاب الاولاد باحوال الآباء
قال الكاشفى [ جون خبر كاروان مدين بمصر آمد وكماشتكان عزيز بسرراه كاروان آمده يوسف را ديدند ازلمعه جمال او شيفته وحيران بازكشته خبر بعزيز مص بردند واو عاشق يوسف بود از كوش ]
والاذن تعشق قبل العين احيانا ... فالتمسوا من مالكه عرض يوسف للبيع فزينه واخرجه الى السوق فلما رآه اهل مصر افتتنوا به
اراسته آن يارنبا زار بر آمد ... فرياد وفغان ازدر وديوار برآمد
وعرض فى بيع من يزيد ثلاثة ايام فزاد الناس بعضهم على بعض حتى بلغ ثمنه شيأ لا يقدر عليه احد
خريداران ديكر لب به بستند ... بس زانوى خاموشى نشستند
فاشتراه عزيز مصر بوزنه مرة مسكا ومرة لؤلؤا ومرة ذهبا ومرة فضة ومرة حريرا وكان وزنه اربعمائة رطل -وحكى- ان عجوزا احضرت شيأ من الغزل وارادت ان تشترى به يوسف والى هذا يشير المولى الجامى بقوله
بى سر عرفان متن تار فكرت ... خريدار يوسف مشوزين كلابه
وفيه اشارة الى انه ينبغى لكل احد بذل ما فى ملكه مما قدر عليه فى طريق المطلوب فانه من علامات العاشق
هركسى ازهمت والاى خويش ... سود برد درخوركالاى خويش
وكان سن يوسف اذ ذاك سبع عشرة سنة واقام فى منزل العزيز مع ما مر عليه من مدة لبثه فى السجن ثلاث عشرة سنة واستوزره الريان وهو ابن ثلاثين وآتاه الله العلم والحكمة وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وتوفى وهو ابن مائة وعشرين سنة وهو اول من عمل القراطيس { لامرأته } اللام المتعلقة بقال لا باشترى اى قال لامرأته راعيل بنت رعاييل او بنت هيكاهروان كما فى التبيان ولقبها زليخا بضم الزاى المعجمة وفتح اللام كما فى عين المعانى والمشهور فى الالسنة فتح الزاى وكسر اللام { اكرمى مثويه } اجعل محل اقاكته كريما حسنا مرضيا والمعنى احسنى تعهده فى المطعم والمشرب وغيرهما فهو كناية عن اكرام نفسه واحسان تعهده كما يقال المقام العالى ويكنى عن السلطان
قال الامام الغزالى رحمه الله يكنى عن الشريف بالجناب والحضرة والمجلس فيقال السلام على حضرته المباركة ومجلسه الشريف والمراد به السلام عليه لكن يكنى عنه بما يتعلق به نوع التعلق اجلالا انتهى { عسى ان ينفعنا } فيما نحتاج اليه ويكفينا بعض المهمات .(6/67)
وبالفارسية [ شايد آنكه سود رساند مارا دركار ضياع وعقار وسر انجام مصالح روز كارما ] { او نتخذه ولدا } اى نتبناه ونقيمه مقام الولد وانه لم يكن لها ولد وقد تفرس فيه الرشد فقال ذلك ولذلك قيل افرس الناس ثلاثة عزيز مصر وابنة شعيب التى قالت { يا ابت استأجره } وابو بكر استخلف عمر رضى الله عنه ان تفرس فى عمرو ولاه من بعده { وكذلك مكنا ليوسف فى الارض } اى جعلنا له فيها مكانا والمراد ارض مصر وهى اربعون فرسخا فى اربعين فرسخا وذلك اشارة الى مصدر الفعل المؤخر على ان يكون عبارة عن التمكين فى قلب العزيز او فى منزله وكون ذلك تمكينا فى الارض بملابسة انه عزيز فيها لا عن تمكين آخر يشبه به فالكاف مقحم للدلالة على فخامة شأن المشار اليه اقحاما لا يترك فى لغة العرب ولا فى غيرها ومن ذلك قولهم مذل لا يبخل اى مثل ذلك التمكين البديع مكنا ليوسف فى الارض وجعلناه محبا فى قلب العزيز ومكرما فى منزله ليترتب عليه ما ترتب بما جرى بينه وبين امرأة العزيز { ولنعلمه من تأويل الاحاديث } اى نوفقه لتعبير بعض المنامات التى عمدتها رؤيا الملك وصاحبى السجن لقوله تعالى { ذلكما مما علمنى ربى } فيؤدى ذلك الى الرياسة العظمى
وفى تفسير ابى الليث من تأويل الاحاديث يعنى عبير الرؤيا وغير ذلك من العلوم { والله غالب على امره } الهاء راجعة الى الله اى على امر نفسه لا يرده شيء ولا ينازعه احد فيما شاء ويحكم فى امر يوسف وغيره بل انما امره اذا اراد شيأ ان يقول له كن فيكون { ولكن اكثر الناس لا يعلمون } ان الامر كذلك فيأتون ويذرون زعما منهم ان لهم من الامر شيأ وانى لهم ذلك
بود هركسى را دكر كونه راى ... نباشد مكر آنجه خواهد خداى
وجاء فى بعض الآثار ان الله تعالى يقول { ابن آدم تريد واريد ولا يكون الا ما اريد فان سلمت لى فيما اريد اعطيتك ما تريد } وان نازعتنى فيما اريد اتعبتك فيما تريد ثم لا يكون الا ما اريد } فالادب مع الله تعالى ان يستسلم العبد لما اظهره الله تعالى فى الوقت ولا يريد احداث غيره
وفى التأويلات النجمية لما اخرجوه من جب الطبيعة ذهبوا به لى مصر الشريعة { وقال الذى اشتريه من مصر } وهو عزيز مصر الشريعة اى الدليل والمربى على جادة الطريقة ليوصله الى عالم الحقيقة { لامرأته } وهى الدنيا { اكرمى مثواه } اخمى له فى منزل الجسد بقدر حاجته الماسة { عسى ان ينفعنا } حيث يكون صاحب الشريعة وملكا من ملوك الدنيا يتصرف فينا با كسير النبوة فتصير الشريعة حقيقة والدنيا آخرة { او نتخذه ولدا } نربيه بلبان ذديى الشريعة والطريقة والفطام عن الدنيا الدنية { وكذلك مكنا ليوسف فى الارض } يشير الى تميكن يوسف القلب فى ارض البشرية انما هو ليعلم علم تأويل الرؤيا وهو علم النبوة كما قال { ولنعلمه من تأويل الاحاديث } فكما ان الثمرة على الشجرة انما تظهر اذا كان اصل الشجرة راسخا فى الارض فكذلك على شجرة القلب انما تظهر ثمرات العلوم الدينية والمشاهدة الربانية اذا كان قدم القلب ثابتا فى طينة الانسانية { والله غالب على امره } بمعنيين احدهما .(6/68)
ان يكون الله غالبا على امر القلب اى يكون الغالب على امره ومحبة الله وطلبه والثانى ان يكون الغالب علىمر القلب جذبات العناية لتقيمه على صراط مستقيم الفناء منه والبقاء بالله فيكون تصرفاته بالله ولله وفى الله لانه باق بهويته فانى عن انانية نفسه { ولكن اكثر الناس لا يعلمون } انهم خلقوا مستعدين لقبول هذه الكمالية يصرفون استعدادهم فيما يورثهم النقصان والخسران انتهى ما فى التأويلات
ثم ان الله تعالى مدح العلم فى هذه الآية وذم الجهل . اما الاول فلان الله تعالى ذكر العلم فى مقام الامتنان حيث قال { ولنعلمه } واما اثلانى فلانه قال { ولكن اكثر الناس لا يعلمون } وعلم منه ان اقلهم يعلمون . والعلم علمان على الشريعة وعلم الحقيقة ولكل منهما فضل فى مقامه وفى الخبر قيل يا رسول الله أى الاعمال افضل فقال « العلم بالله » قيل أى الاعمال يزيد مرتبة قال « العلم بالله » فقيل نسأل عن العمل تجيب عن العلم فقال « ان قليل العمل ينفع مع العلم وان كثير العمل لا ينفع مع الجهل » والعلم بالله لا يتيسر الا بتصفية الباطن وتجلية مرآة القلب وكان مطمح نظر الاكابر فى اصلاح القلوب والسرائر دون القوالب والظواهر لان الظواهر مظهر نظر الخلق والبواطن مظهر نظر الحق واصلاح ما يتعلق بالحق اولى من اصلاح ما يتعلق بالخلق
كعبه بنياد خليل آز رست ... دل نظركاه جليل اكبرست
نسأل الله التوفيق(6/69)
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)
{ ولما بلغ } يوسف { اشده } قال فى القاموس اى قوته وهو ما بين ثمانى عشرة سنة الى ثلاثين . واحد جاء على بناء الجمع كأنك ولا نزير لهما او جمع لا واحد له من لفظه
وقال اهل التفسير اى منتهى اشتداد جسمه وقوته واستحكام عقله وتمييزه وهو سن الوقوف ما بين الثلاثين الى الاربعين
والعقلاء ضبطوا مراتب اعمار الناس فى اربع . الاولى سن النشور والنماء ونهايته الى ثلاثين سنة . والثانية سن الوقوف وهو سن الشباب ونهايته الى ان تتم اربعون سنة من عمره . والثالثة سن الكهولة وهو سن الانحطاط اليسير الخفى وتمامه الى ستين سنة . والرابعة سن الشيخوخة وهو سن الانحطاط العظيم الظاهر وتمامه عند الاطباء الى مائة وعشرين سنة . والاشد غاية الوصول الى الفطرة الاولى بالتجرد عن غواشى الخلقة التى يسميها الصوفية بمقام الفتوة
قال فى التعريفات الفتوة فى اللغة والسخاء والكرم وفى اصطلاح اهل الحقيقة هى ان تؤثر الخلق على نفسك بالدنيا والآخرة { آتيناه حكما } كمالا فى العلم والعمل استعد به الحكم بين الناس بالحق ورياستهم
قال القشيرى من جملة الحكم الذى آتاه الله نفوذ حكمه على نفسه حتى غلب شهوته فامتنع عما راودته زليخا عن نفسه ومن لا حكم له عل نفسه لم ينفذ حكمه على غيره
قال الامام نقلا عن الحسن كان نبيا من الوقت الذى القى فيه فى غيابة الجب لقوله تعالى { ولما بلغ اشده آتيناه } واذا لم يقل ههنا ولما بلغ اشده واستوى كما قال فى قصة موسى لان موسى اوحى اليه عند منتهى الاشد الاستواء وهو اربعون سن واوحى الى يوسف عند اوله وهو ثمان عشرة سنة { وعلما } قالوا المراد من الحكم الحمكة العملية ومن العلم الحكمة النظرية وذلك لان اصحاب الرياضات والمجاهدات يصلون اولا الى الحكمة العملية ثم يترقون منها الى الحكمة النظرية . واما اصحاب الافكار والانظار العقلية فانهم يصلون اولا الى الحكمة النظرية ثم ينزلون منها الى الحكمة النظرية ثم ينزلون منها الى الحكمة العملية وطريقة يوسف عليه السلام هى الاول لانه صبر على المكاره والبلاء والمحن ففتح الله له ابواب المكاشفات : قال الحافظ
مكن زغصه شكايت طكه در طريق طلب ... براحتى نرسيد آنكه زحمتى نكشيد
وقال
جه ورها كه كشيدند بلبلان ازدى ... ببوى آنكه دكر نوبهار باز آمد
والحاصل ان طريقة يوسف طريقة السالك المجذوب لا طريقة المجذوب السالك والاولى هى سنة الله الغالبة فى انبيائه واوليائه ففى قوله { حكما وعلما } اشارة الى استكمال النفس فى قوتها العملية والنظرية
وعن الحسن من احسن عبادة ربه فى شبيبته آتاه الله الحكمة فى اكتهاله وفيه اشارة الى ان المطيع تفتح له ينابيع الحكمة وتنبيه على ان العطية الالهية تصل الى العبد وان طال العهد اذا جاء اوانها فلطالب الحق ان ينتظر احسان الله تعالى ولا ييأس منه وفى الحديث(6/70)
« افضل اعمال امتى انتظارهم فرج الله »
قال النصر لما عقل يوسف عن الله او امره ونواهيه واستقام معه على شروط الادب اعطاه حكما على الغيب فى تعبير الرؤيا وعلما بنفسه فى مخالفة هواها
قال بعض الاكابر الكمال العلمى افضل من الكمال العملى والتقصير من جهة العلم اشد من التقصير من جهة العمل فان حسن العقيدة وصفاء القريحة بسبب العلم والكمال ولشرفه امر الله تعالى سيد الانبياء صلوات الله عليه وعليهم وسلامة بطلب الزيادة منه فقال { وقل رب زدنى علما } وقد ذكر اهل الاشارة ان آدم عليه السلام وصل الى رياسة سجود الملائكة بعلم الاسماء وسليمان الى الملك العظيم بالفهم وعلم منطق الطير ويوسف الى النجاة والشرف والعز بعلم التعبير فالعالم بعلم التوحيد كيف لا ينجو من الجحيم وينال شرف لقاء الله تعالى فى دار النعيم { وكذلك } اى مثل الجزاء العجيب الذى جزينا يوسف { نجزى المحسنين } كل من يحسن فى عمله وفى تعليق الجزاء المذكور وبالمحسنين اشعار بعلية الاحسان له وتنبيه على انه سبحانه انما ىتاه الحكم والعلم لكونه محسنا فى اعماله متقيا فى عنفوان امره هل جزاء الاحسان الا الاحسان
قال بعض الاكابر نجزى المحسنين الذين يحسنون لانفسهم فى الطلب والارادة والاجتهاد والرياضة فمن ادخل نفسه فى زمرة اهل الاحسان جزاه الله باحسن الجزاء واحبه كما قال الله تعالى { والله يحب المحسنين } فمن احبه الله نال سعادة الدارين وفى الحديث « اذا احب الله العبد نادى جبريل ان الله يحب فلانا فاحبه فيحبه جبريل فينادى فى اهل السماء ان الله يحب فلانا فاحبوه فيحبه اهل السماء ثو يوضع له القبول فى اهل الارض »
وفى التأويلات النجمية { ولما بلغ } يوسف القلب { اشده } مبلغ كمالية استعداده لقبول فيض الالوهية { ىتيناه حكما وعلما } افضنا عليه سجال الحكمة الآلهية والعلم اللدنى وكما افضنا على القلب ما هو مستحقه من الحكمة والعلم بفضلنا { و } كرمنا { كذلك نجزى المحسنين } الاعضاء الرئيسة والجوارح اذا احسنوا الاعمال والاخلاق على قاعدة الشريعة والطريقة خير الجزاء وهو التبليغ الى مقام الحقيقة انتهى
ثم ان الجزاء ينبغى ان يكون مترتبا على انقضاء العمل فتارة يظهر بعد تمام الاعمال كلها وتارة يظهر لكل عمل منقض جزاء وهكذا الى الوصول الى غاية الاجزية فعلم تعبير رؤيا الملك وصاحبى السجن اوتى يوسف فى السجن وتمامه مع انضمام العلوم الكلية بعد انتهاء الابتلاء فافهم المقام وكن على بصيرة من ادراك دقائق الكلام(6/71)
وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)
{ وراودته التى هو فى بيتهما عن نفسه } المراودة المطالبة من راد يرود اذا جاء وذهب لطلب شيء وهى مفاعلة من واحد ولكن لما كان سبب هذا الفعل صادرا من الجانب المقابل لجانب فاعله فان مراودتها انما هى لجمال يوسف كمداواة الطبيب انما هى للمرض الذى هو من جانب المريض عبر عنه بالمسبب وجيء بصيغة المفاعلة وتعديتها بعن لتضمنها معنى المخادعة . فالمعنى خادعت زليخا يوسف عن نفسه لتنال غرضها اى فعلت ما يفعل المخادع لصاحبه عن شيء لا يريد اخراجه عن يده وهو يحتال ان يأخذه منه ونهى عبارة عن التمحل فى مواقعته اياها والمحل طلب بحيلة وتكلف كما فى القاموس وايراد الموصول لتقرير المراودة فان كونه فى بيتها مما يدعو الى ذلك . قيل لواحدة ما حملك على ما انت عليه مما لا خير فيه قالت قرب الوساد وطول السواد ولاظهار كمال نزاهته فان عدم ميله اليها مع دوام مشاهدته لمحاسنها وامتناعه منها مع كونه تحت مملكتها ينادى بكونه فى اعلى معارج العفة والنزاهة -حكى- ان زليخا كانت من اجمل النساء وكانت بنت سلطان المغرب واسمه طيموس فرأت ذات ليلة فى المنام غلاما على احسن ما يكون من الحسن والجمال فسألت عنه فقال انا عزيز مصر فلما استيقظت افتتنت بما رأت فى الرؤيا وادى ذلك الى تغر حالها ولكنها كتمت حالها عن الاغيار دهرا
نهان ميداشت رازش دردل تنك ... جوكان لعلى ولعل اندر دل سنك
ثم تفطن من فى البيت من الجوارى وغيرها ان بها امرا فقال بعض ما باصابة العين وبعض باصابة السحر وبعض بمس الجن وبعض بالعشق
صح عند الناس انى عاشق ... غير ان لم يعرفوا عشقى لمن
ففتش عن امرها فما وجد من غير العشق
زليخا عشق را بوشيده مى داشت ... بسينه تخم را بوشيده ميكاشت
ولى سر ميزد آن هردم زجايى ... همى كرد از برون نشو ونمايى
خوشست از بخردان اين نكته كفتن ... كه مشك عشق را نتوان نهفتن
اكر برمشك كردربرده صد توى ... كند غمازى ازصد برده اش بوى
وقد كان خطبها ملوك الاطراف فابت الا عزيز مصر فجهزها ابوها بما لا يحصى من العبيد والجوارى والاموال وارسلها مع حواشيه الى جانب مصر فاستقبلها العزيز بجمع كثير فى زينة عظيمة فلما رأته زليخا علمت انه ليس الذى رأنه فى المنام فاخذت تبكى وتتحسر على ما فات من المطلوب
نه آنست آنكه من درخواب ديدم ... بجست وجويش اين محنت كشيدم
خدا را اى فلك بر من ببخشاى ... برورى من درى از مهر بكشاى
مسوز ازغم من بى دست وبارا ... مده بركنج من اين ازدهارا
فسمعت من الهاتف لا تحزنى يا زليخا فان مقصودك انما يحصل بواسطة هذا(6/72)
زليخا جون زغيب اين مرده بشنود ... بشكرانه سرخود برزمين سود
ثم لما دخلوا مصرا انزلوا زليخا فى دا العزيز بالعز والاحترام وهى فى نفسها على الفراق والآلام
بظاهر باهمه كفت وشنوداشت ... ولى دل جاى ديكر دركرو داشت
نهى صد دسته ريحان بيش بلبل ... نخواهد خاطرش جزنكهت كل
وكانت هذه الحال سنين وبقيت بكرا لان العزيز كان عنينا لا يقدر على المواقعة
بيا جامى كه همت بركماريم ... ز كنعان ماه كنعانرا بر آريم
زليخا بادل اميد وارست ... نظر برشاهراه انتظارست
فكان ما كان من حسد الاخوان ووصول يوسف الى مصر بالعبودية فلما رأته زليخا علمت انه الذى رأته فى المنام وقالت
بخوابم روى زيباوى نمودست ... شكيب ازجان شيداوى ربودست
درين كشور زسودايش فتادم ... بدين شهر از تمنايش فتادم
[ جون يوسف بخانه عزيز درآمد سلطان عشق رخت بخانه زليخا فرستادولشكر حسنش متاع صبر وسكون اورا بيغماداد ]
زليخا جون برويش ديده بكشاد ... بيك ديدارش افتاد آنجه افتاد
زحسن صورت ولطف شمائل ... اسيرش شدبيك دل نى بصددل
بمعشوقان جو يوسف كس نبوده ... جمالش ازهمه حوبان فزوده
نبوداز عاشقان كش جون زليخا ... بعشق از جملة بودافزون زليخا
زطفلى تابه بير عشق ورزيد ... بشاهى واسيرى عشق ورزيد
[ بعد آزانكه عشق بنايت كشيد وشوق بنهايت آنجاميد صورت حال بميان آورد بايوسف ]
-روى- ان يوسف كان يأوى الى بستان فى قصر زليخا يعبد الله فيه وكان قد قسم نهاره ثلاثة اقسام ثلثا لصلواته وثلثا يبكى فيه وثلثا يسبح الله فيه ويذكره فلما ادرك يوسف مبالغ الرجال جعلت زليخا تراوده عن نفسها وهو يهرب منها الى البستان فلما طال عليها ان تبنى له بيتا مزينا بكل ما تقدر عليه من الزينة والطيب ليكون وسيلة الى صحبة يوسف ولما فرغ الصناع من عمله دعت العزيز فدخل فاعجبه لكونه على اسلوب عجيب وقال لها سميه بيت السرور ثم خرج فاستدعت يزسف فزينوه بكل ما يمكن من الزينة زتزينت هى ايضا وكانت بيضاء حسناء بين عينيها خال يتلألأ حسنا ولها اربع ذوائب قد نظمتها بالدر والياقوت وعليها سبع خلل وارسلت قلائدها على صدرها
بزيورها نبودش احتياجى ... ولى افزود ازان خودرا رواجى
بخوبى كل بيستانها سمرشد ... ولى از عقد شبنم خو بترشد
فجاؤا يوسف
در آمد ناكهان ازدر جوماهى ... عطارد حشمتى خورشيد جاهى
وجودى از خواص آب وكل دور ... جبين طلعتى نور على نور
فلما دخل عليها فى القسم الاول من البيت اغفلته واغلقته وراودته عن نفسه بكل حيلة ثم ادخلته فى الذى يليه فاغلقته وراودته بكل ما يمكن فلم يساعدها يوسف فدفعها بما قدر عليه ثم وثم الى ان انتهى الى البيت السابع فاغلقته وذلك قوله تعالى { وغلقت الابواب } عليها وعليه وكانت سبعة ابواب ولذلك جاء الفعل بصيغة التفعيل الدالة على التكثير روقالت هيت لك } اسم فعل معناه اقبل وبادر .(6/73)
وبالفارسية [ بشتاب بيش من آى كه من ترا ام ] واللام للبيان متعلقة بمحذوف اى لك اقول هذا -روى- عن ابن عباس انه قال كان يوسف اذا تبسم رأيت النور فى ضواحكه واذا تكلم رأيت شعاع النور فى كرمه يذهب من بين يديه ولا يستطيع آدمى ان ينعت نعته . فقالت له يا يوسف انما صنعت هذا البيت المزين من اجلك . فقال يوسف يا زليخا انما دعيتنى للحرام وحسبى ما فعل بى اولاد يعقوب البسونى قميص الذل والحزن يا زليخا انى اخشى ان يكون هذا البيت الذى سميته بيت السرور بيت الاحزان والثبور وبقعة من بقاع جهنم . فقالت زليخا يا يوسف ما احسن عينيك . قال هما اول شيء يسيلان الى الارض من جسدى . قالت ما احسم وجهك . قال هو للتراب يأكله . قالت ما احسن شعرك . قال هو اول ما ينتشر من جسدى . قالت ان فراش الحرير مبسوط فقم فاقض حاجتى . قال اذا يذهب نصيبى من الجنة . قالت ان طرفى سكران من محبتك فارفع طرفك الى حسنى وجمالى . قال صاحبك احسن بحسنك وجمالك منى قالت هيت لك { قال معاذ الله } هو من جملة المصادر التى ينصبها العرب بافعال مضمرة ولا يستعمل اظهارها كقولهم سبحان الله وغفرانك وعونك اى اعوذ بالله معاذا مما تدعوننى اليه من العصيان والخيانة ثم علل الامتناع بقوله { انه } اى الشأن الخطير هذا وهو { ربى } اى سيد العزيز الذى اشترانى { احسن مثواى } اى احسن تعهدى ورعايتى حيث اكرمك باكرامى فما جزاؤه ان اسيئ اليه بالخيانة فى حرمه
وفيه ارشاد لها الى رعاية حق العزيز بالطف وجه { انه لا يفلح الظالمون } اى لا يدخل فى دائرة الفلاح والظفر كل ظالم كائنا من كان فيدخل فى ذلك المجازون للاحسان بالاساءة والعصيان لامر الله تعالى [ واز زبان حال يوسف كه بازليخا خطاب مى كرد كفته اند ]
زهى خجلت كه در روزقيامت ... كه افتد برزنا كاران غرامت
جزاى آن جفا كيشان نويسند ... مرا سر دفتر ايشان نويسند
وفى الآية دليل على ان معرفة الاحسان واجب لان يوسف امتنع لاجل شيئين لاجل المعصية والظلم ولاجل احسان الزوج اليه : قال الجامى
كه جون نوبت بهفتم خانه افتاد ... زليخا از جان بر خاست فرياد
مراتا كى درين محنت بسندى ... كه جشم رحمت ازرويم ببندى
بكفا مانع من اين دو جيزست ... عتاب ايزد وقهر عزيزست
زليخا كفت زان دشمن مينديش ... كه جون روز طرب بنشسته ام بيش
دهم جامى كه با جانش ستيزد ... زمستى تا قيامت بر نخيزد
توميكويى خداى من كريمست ... هميشه بركنهكاران رحيمست
مرا از كوهر وزر صد خزينه ... درين خلوت سرا باشد دفينه
فدا سازم همه بهر كناهت ... كه تاباشد زايزد عذر خواهت
بكفت آنكس نيم كافتد بسندم ... كه آيد بركس ديكر كزندم
خداى من كه نتوان حقكزاريش ... برشوت كى توان آمرز كاريش
زليخا در تقاضا كرم يوسف ... همى انكيخت اسباب توقف
دلش ميخواست درسفتن بالماس ... ولى ميداشت حكم عصمتش باس(6/74)
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)
كما قال تعالى { ولقد همت به } الهم عقد القلب على فعل شيء قبل ان يفعل من خير او شر وهو القصد والمراد همت بمخالطته ومجامعته اذا لهم لا يتعلق بالاعيان اى قصدتها وعزمت عليها عزما جازما بعد ما باشرت مباديها وفعلت ما فعلت من المراودة وتغليق الابواب ودعوته الى نفسها بقولها هيت لك ولعلها تصدت هنالك لافعال اخر من بسط يدها اليه وقصد المعانقة وغير ذلك مما يضطره الى الهرب نحو الباب والتأكيد لدفع ما عسى يتوهّم من اختصاص اقلاعها عما كانت عليه بما فى مقالته من الزواجر { وهمّ بها } بمخالطتها اى مال اليها بمقتضى الطبيعة البشرية وشهوة الشباب ميلا جبليا لا يكاد يدخل تحت التكليف لا قصدا اختياريا لانه كما انه بريء من ارتكاب نفس الفاحشة والعمل الباطل كذلك بريء من الهمّ المحرم وانما عبر عنه بالهمّ لمجرد وقوعه فى صحبة همها فى الذكر بطريق المشاكلة لا لشبهة به ولقد اشير الى تباينهما بانه لم يقل ولقد هما بالمخالطة او هم كل منهما بالآخر
قال حضرة الشيخ افتاده قدس سره { وهمّ بها } اى هجم للطبيعة فقمع مقتضاها ولم يعط حكمها فان عدم تقاضيها نقصان بل الكمال ان لا يعطى لها حكمها مع غاية التوقان فيترقى به الانسان وينال المراتب العالية عند الرحمن الا ترى ان العينين لا يمدح عن ترك الجماع : وفى المثنوى
هين مكن خودرا خصى رهبان مشو ... زانكه عفت هست شهوترا كرو
بى هوا نهى ازهوا ممكن نبود ... هم غزابا مرد كان نتوان نمود
قال الشافعى اربعة لا يعبأ الله بهم يوم القيامة زهد خصى وتقوى جندى وامانة امرأة وعبادة صبى وهو محمول على الغالب كما فى المقاصد الحسنة -وروى- فى الخبر انه ليس من نبى الا وقد اخطأ وهم بخطيئة غير يحيى بن زكريا ولكنهم كانوا معصومين من الفواحش . فمن نسب الى الانبياء الفواحش كالعزم على الزنى ونحوه الذى يقوله الحشوية فى يوسف كفر لانه شتم لهم كذا فى القنية
قال بعض ارباب الاحوال كنت بمجلس بعض القصاص فقال ما سلم احد من هوى ولا فلان وسمى من لا يليق ذكره فى هذا المقام العظم الشأن فقلت اتق الله فقال ألم يقل ( حبب الىّ ) فقلت ويحك قال حبب ولم يقل احببت ثم قال خرجت بالهمّ فرأيت النبى عليه السلام فقال لا تهتم فقد قتلناه قال فخرج ذلك القاص الى بعض القرى فقتله بعض قطاع الطريق { لولا ان رأى برهان ربه } اى حجته الباهرة الدالة على كمال قح الزنى . والمراد برؤيته لها كمال ايقانه ومشاهدته لها مشاهدة واصلة الى مرتبة عين اليقين التى تتجلى هناك حقائق الاشياء بصورها الحقيقة وتنخلع عن صورها المستعارة التى بها تظفر فى هذه النشأة على ما نطق به قوله عليه السلام(6/75)
« حفت الجنة بالمكاره وخفت النار بالشهوات » وكأنه قد شاهد الزنى بموجب ذلك البرهان النير على ما هو عليه فى حد ذاته اقبح ما يكون . وجواب لولا محذوف يدل عليه الكلام اى لولا مشاهدته برهان ربه فى شأن الزنى لجرى على موجب ميله الجبلى لعدم المانع الظاهر ولكنه حيث كان شاهدا له من قبل استمر على ما هو عليه من قضية البرهان وفائدته هذه الشرطية بيان ان امتناعه لم يكن لعدم مساعدة من جهة الطبيعة بل يمحض العفة والنزاهة مع وفور الدواعى الداخلية وترتب المقدمات الخارجية الموجبة لظهور الاحكام الطبيعية هذا
وقد نص ائمة الصناعة على ان لو فى امثال هذه المواقع جار من حيث المعنى لا من حيث الصيغة مجرى التقييد للحكم المطلق كما فى مثل قوله تعالى { ان كاد ليضلنا عن الهتنا لولا ان صبرنا عليها } فلا تتحقق هناك همّ اصلا وقالوا البرهان ما رأى فى جانب البيت مكتوبا ولا تقربوا الزنى او قال له ملك تهمّ بفعل السفهاء وانت مكتوب فى ديوان الانبياء او انفرج له سقف البيت فرأى يعقوب عاضا على يديه وبه كان يخوف صغيرا او رأى شخصا يقول له يا يوسف انظر الى يمينك فنظر فرأى ثعبانا اعظم ما يكون فقال هذا يكون فى بطن الزانى غذا { كذلك } لكاف منصوب المحل وذك اشارة الى الاراءة المدلول عليها بقوله تعالى { لولا ان رأى برهان ربه } اى مثل ذلك التبصير والتعريف عرفناه برهاننا فيما قبل { لنصرف عنه السوء } خيانة الشيد { والفحشاء } والزنى لانه مفرط فى القبح . وفيه آية بينة وحجة قاطعة على انه لم يقع منه هم بالمعصية ولا توجه اليها قط والا لقيل لنصرفه عن السوء والفحشاء وانما توجه اليه ذلك من خارج فصرفه تعالى عنه بما فيه من موجبات العفة والعصمة كما فى الارشاد { انه من عبادنا المخلصين } الذين اخلصهم الله لطاعة بان عصمهم مما هو قادح فيها
وفيه دليل على ان الشيطان لم يجد الى اغوائه سبيلا ألا يرى الى قوله { فبعزتك لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين } قال فى بحر العلوم واعلم انه تعالى شهد ببراءته من الذنب ومدحه بانه من المحسنين وانه من عباده من المخلصين فوجب على كل احد ان لا يتوقف فى نزاهته وطهارة ديله وعفته وتثبته فى مواقع العثار
قال الحسن لم يقص الله عليكم ما حكى من اخبار الانبياء تعبيرا لهم لكن لئلا تقنطوا من رحمته لان الحجة للانبياء الزم فاذا اقبلت توبتهم كان قبولها من غيرهم اسرع وعدم ذكر توبة يوسف دليل على عدم معصيته لانه تعالى ما ذكر معصيية عن الانبياء وان صغرت الا وذكر توبتهم واستغفارهم منها كآدم ونوح وداود وابراهيم وسليمان عليهم السلام(6/76)
وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25)
{ واستبقا الباب } بحذف حرف الجر اى تسابقا الى الباب البرانى الذى هو من المخرج من الدار ولذلك وحد بعد الجمع فيما سلف اما يوسف فللفرار منها واما هى فلتصده عن الخروج والفتح { وقدت قميصه من دبر } اى اجتذبته من ورائه وخلفه فانشق طولا نصفين وهو القد كما ان الشق عرضا هو القط { والفيا } وجدا وصادفا { سيدها } زوجها وهو قطفير تقول المرأة لزوجها سيدى ولم يقل سيدهما لان ملك يوسف لم يصح فلم يكن له سيداه على الحقيقة { لدى الباب } اى عند الباب البرانى مقبلا ليدخل او كان جالسا مع ابن عم لزليخا يقال له يمليحا -روى- عن كعب انه لما هرب يوسف جعل فراش القفل يتناسر ويسقط حتى خرج من الابواب كما قال المولى الجامى
جوكش اندر دويدن كام تيزش ... كشاد ازهر درى راه كريزش
بهر دركامدى بى در كشايى ... بريدى قفل جايى بره جايى
زليخا جون بديدان از عقب جست ... بوى در آخرين دركاه بيوست
نى باز آمدن دامن كشيدش ... زسوى بشت بيراهن در يدش
برون رفت از كف آن غم رسيده ... بسان غنجه بيراهن دريده
برون آمد بيش آمد عزيزش ... كروهى از خواص خانه نيزش
{ قالت } كانه قيل فماذا كان حين الفيا العزيز عند الباب فقيل قالت منزهة نفسها { ما جزاء من اراد باهلك سوأ } من الزنى ونحوه وما نافية اى ليس جزاؤه { الا ان يسجن او عذاب اليم } الا السجن او العذاب الاليم مثل الضرب بالسوط ونحوه او استفهامية اى اى شيء جزاؤه غير ذلك كما تقول من فى الدار الازيد
قال العزيز من اراد باهلى سوأ قالت زليخا كنت نائمة فى الفراش فجاء هذا الغلام العبرانى وكشف عن ثيابى وراودنى عن نفسى
جو دزدان بر سربالينم آمد ... بقصد حرمن نسرينم آمد
خيالش آنكه من ازوى ته آكاه ... بحرم كلستانم آورد راه
باذن باغبان ن كشته محتاج ... برد تا سنبل وكل رابتاراج
فالتفت العزيز اليه وقال يلا غلام هذا جزائى منك حيث احسنت اليك وانت تحزننى
ثمى شايد درين دبر برآفات ... جز احسان اهل احسانرا مكافاة
زكوى حقزارى رخت بستى ... نمك خودردى نمكدانرا شكستى
كأنه قيل فماذا قال يوسف حينئذ والاشارة ان يوسف القلب وان بلغ اعلى مراتبه فى مقام الحقيقة وفنائه عن صفات الانانية واستغراقه فى بحر صفات الهوية لا ينقطع عن تصرفات زليخا الدنيا ما دام هو فى بيتها وهو الجسد فان الجسد للقلب بيت دنيوى . فالمعنى انه { وراودته } يوسف القلب زليخا الدنيا { التى هو } يوسف القلب { في بيتها } اى فى الجسد الدنيوي اى { عن نفسه } لما رأت فى نفسه لتعلقه بالجسد داعية الاحتظاظ من الحظوظ الدنيوية ليحتظ منها وتحتظ منه(6/77)
{ وغلقت الابواب } وهى ابواب اركان الشريعة يعنى اذا فتحت الدنيا على القلب ابواب شهواتها وحظوظها غلقت عليه ابواب الشريعة التى تدخل منها انوار الرحمة والهداية ونفحات الالطاف والعناية { وقالت } اى الدنيا { هيت لك } اقبل الى واعرض عن الحق { قال } يعنى القلب الفانى عن نفسه الباقى بربه { معاذ الله } اى عياذى بالله مما سواه { انه ربى } الذى ربانى بلبان الطاف ربوبيته { احسن مثواى } اى مقامى فى عالم الحقيقة فلا اعرض عنه { انه لا يفلح الظالمون } الذين يقبلون على الدنيا ويعرضون عن المولى { ولقد همت به } اى همت الدنيا بالقلب لما ترى فيه من الحاجة الضرورية الانسانية اليها { وهم بها } اى هم القلب بها فوق الحاجة اليها لمشاركة النفس الحريصة على الدنيا ولذاتها { لولا ان رأى } القلب { برهان ربه } وهو نور القناعة التى من تنائج نظر العناية الى قلوب الصادقين { كذلك لنصرف عنه } عن القلب بنظر العناية { السوء } هو الحرص على الدنيا { والفحشاء } وهو يصرف حب الدنيا فيه { انه } قلب كامل { من عبادنا } لا من عباد الدنيا وغيرها { المخلصين } مما سوانا اى المخلصين من جنس الوجود المجازى الموصلين الى الوجود الحقيقى وهذا مقام كمالية القلب ان يكون عبد الله حرا عما سواه فانيا عن اوصاف وجوده باقيا باوصاف ربه كذا فى التأويلات النجمية -حكى- عن على بن الحسن انه كان فى البيت صنم فقامت زليخا وسترته ثوب فقال لها يوسف لم فعلت هذا قالت استحييت منه ان يرانى على المعصية
درون برده كردم جايكاهش ... كه تانبود بسوى من نكاهش
زمن آيين بى دينى نبيند ... درين كارم كه مى بينى نبيند
فقال يوسف أتستحين ممن لا يسمع ولا يبصر ولا يفقه وانما احق ان استحيى من ربى الذى خلقنى فاحسن خلقى
قال فى التبيان ان يوسف لما رأى البرهان قام هاربا مبادرا الى الباب فتبعته زليخا وذلك قوله تعالى { واستبقا الباب } وهو الموت فان الموت باب بين الدنيا والآخرة وكل الناس داخله فمن زحزح عن باب دار الدنيا دخل باب الدار الآخرة لان من مات قامت قيامته فتعلقت زليخا الدنيا بيد شهواتها بذيل قميص بشرية يوسف القلب قبل خروجه من باب الموت الحقيقى { وقدت قميصه } فقدت قميص بشريته { من دبر } فلما خرج يوسف القلب من باب موت البشرية والصفات الحيوانية واتبعته زليخا الدنيا { والفيا سيدها لدى الباب } وهو صاحب ولاية تربية يوسف القلب وزوج زليخا الدنيا وانما سمى سيدها لان اصحاب الولايات هم سادة الدنيا والآخرة وهم الرجال الحقيقية المتصرفون فى الدنيا كتصرف الرجل فى امرأته { قالت ما جزاء من اراد باهلك سوأ } ما جزاء قلب المتصرف الذميمة النفسانية { او عذاب اليم } اى يعذب بالم البعد والفراق(6/78)
قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26)
فقيل { قال } دفعا عن نفسه وتنزيها لعرضه { هى راودتنى عن نفسى } طالبتنى للمواقعة لا انى اردت بها سوأ كما قالت
زليخا هرجه ميكويد دروغست ... دروغ او جراغ بى فروغست
زن از بهلوى جب شد آفريده ... كس از جب راستى هركزنديده
فقال العزيز ما اقبل قولك الا ببرهان وفى رواية نظر العزيز الى ظاهر قول زليخا وتظلمها فامر ان يسجن يوسف وعند ذلك دعا يوسف بانزال البراءة وكان لزليخا خال له ابن فى المهد ابن ثلاثة اشهر او اربعة او ستة على اختلاف الروايات فهبط جبريل الى ذلك الطفل واجلسه فى مهده وقال له اشهد ببراءة يوسف فقام الطفل من المهد وجعل يسعى حتى قام بين يدى العزيز وكان فى حجرانه
فغان زد كاى عزيز آهسته ترباش ... زتعجيل عقوبت برحذر باش
سزاوار عقوبت نيست يوسف ... بلطف ومرحمت او ليست يوسف
هزيزاز كفتن كودك عجب ماند ... سخن با او بقانون ادب راند
كه اى ناشسته لب زالايش شير ... خدايت كرد تلقين حسن تفرير
بكوروشن كه اين آتش كه افروخت ... كزانم برده عز وشرف سوخت
كما قال الله تعالى { وشهد شاهد من اهلها } اى ابن خالها الذى كان صبيا فى المهد وانما القى الله الشهادة على لسان من هو من اهلها ليكون اوجب للحجة عليها واوثق لبراءة يوسف وانفى للتهمة عنه
وفى الارشاد ذكر كونه من اهلها لبيان الواقع اذ لا يختلف الحال فى هذه الصورة بين كون الشاهد من اهلها او من غيرهم
واعلم انه تكلم فى المهد جماعة . منهم شاهد يوسف هذا . ومنهم نبينا صلى الله عليه وسلم فان تكلم فى المهد فى اوائل ولادته واول كلام تكلم به ان قال « الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة واصيلا » ومنهم عيسى عليه السلام تكلمه فى سورة مريم ومنهم مريم . والدة عيسى عليهما السلام . ومنهم يحيى عليه السلام . ومنهم ابراهيم الخليل عليه السلام فانه لما سقط على الارض استوىقائما على قدميه وقال لا اله الا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد الحمد لله الذى هدانا لهذا . ومنهم نوح عليه السلام فانه تكلم عقيب ولادته فان امه ولدته فى غار خوفا على نفيها وعليه فلما وضعته وارادت الانصراف قالت وانوحاه فقال لا تخافى احدا علىّ يا اماه فان الذى خلقتنى يحفظنى . ومنهم موسى عليه السلام فانه لما وضعته امه استوى قاعدا وقال يا اماه لا تخافى اى من فرعون ان الله معنا . وتكلم يوسف عليه السلام فى بطن امه فقال انا المفقود والمغيب عن وجه ابى زمانا طويلا فاخبرت امه والده بذلك فقال لها اكتمى امرك .(6/79)
واجاب واحد امّه بالتشميت وهو فى بطنها حين عطست وسمع الحاضرون كلهم صوته من جوفها . ومنهم ابن المرأة التى مرعليها بامرأة يقال انها زنت فشهد بالبراءة . ومنهم طفل لذى الاخدود . ومنهم ابن ماشطة بنت فرعون
عن ابن الجوزى ان ماشطة بنت فرعون لما اسلمت اخبرت الابنة اباها بالسلامها فامر بالقائها والقاء اولادها فى النقرة المتخذة من النحاس المحماة فلما بلغت النوبة الى آخر ولدها وكان مرضعا قال اصبرى يا اماه فانك على الحق . ومنهم مبارك اليمامة قال بعض الصحابة دخلت دارا بمكة فرأيت فيها رسول الله وسمعت منه عجبا جاءه رجل بصبى يوم ودله وقد لفه فى خرقة فقال النبى عليه السلام « يا غلام من انا » قال الغلام بلسان طلق انت رسول الله قال « صدقت بارك الله فيك » ثم ان الغلام لم يتكلم بشيء فكنا نسميه مبارك اليمامة وكانت هذه القصة فى حجة الوداع . ومنهم صاحب جريج الراهب قصته ان جريجا كان يتعبد فى صومعة فقالت بنية من بنى اسرائيل لافتنته فعرضت له نفسها فلم يلتفت اليها فمكنت نفسها من راعى غنم كان يأوى بغنمه الى اصل صومعته فولد غلاما وقالت انه من جريح فضربوه وهدموا صومعته فصلى جريح وانصرف الى الغلام ووضع يده على رأسه فقال بحق الذى خلقك ان تخبرنى من ابوك فتكلم باذن الله تعالى ان ابى فلان الراعى فاعتذروا الى جريج وبنوا صومعته . ومنهم ما ذكره الشيخ محيى الدين ابن العربى قدس سره قال فلت لبنتى زينب مرة وهى فى سن الرضاعة قريبا عمرها من سنة ما تقولين فى الرجل يجامع حليلته ولم ينزل فقالت عليه الغسل فتعجب الحاضرون من ذلك ثم انى فارقت تلك البنت وغبت عنها سنة فى مكة وكنت اذنت لوالدتها فى الحج وجاءت مع الحج الشامى فلما خرجت لملاقاتها رأتنى من فوق الجمل وهى ترضع فقالت قبل ان ترانى امها هذا بى وضحكت ورمت نفسها الىّ كما فى انسان العيون { قال } يوسف القلب واظهر عداوة زليخا الدنيا بعد ان تخرق قميص بشريته وخرج من باب الموت عن صفاتها { هى داودتنى عن نفسى } لانها كانت مأمورة بخدمتى كما قال ( يا دنيا اخدمى من خدمنى ) وانى كنت فارا منها لقوله { ففروا الى الله } { وشهد شاهد من اهلها } اى حكم بينهما حاكم وهو العقل الغريزى دون العقل المجرد فان الغريزى دنيوى والمجرد اخروى . فالمعنى ان حاكم العقل الغريزى الذى هو من اهل زليخا حكم { ان كان قميصه قد من قبل } اى ان كان قميص بشرية يوسف القلب قد من قبل يدل على ان التابع كان يوسف القلب على قدمى الهوى والحرص فعدل عن الصراط المستقيم العصمة وقد قميص بشريته من قبل { فصدقت } زليخا الدنا انها متبوعة { وهو من الكاذبين } فى دعواه انها راودتنى عن نفسى واتبعتنى(6/80)
وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27)
{ ان كان قميصه قد من قبل } الشرطية محكية على ارادة القول كأنه قيل وشهد شاهد من اهلها فقال ان كان قميصه وجمع بين ان الذى هو للاستقبال وبين كان لان المعنى ان يعلم ان قميصه قد من قبل اى من قدام فالشرط وان كان ماضيا بحسب اللفظ لكنه فى تأويل المضارع
فان فلت كيف اطلق الشهادة على تقوّل هذه الشرطية مع ان الشهادة فى عرف الشرع عبارة عن الاخبار بثبوت حق الغير على غيره بلفظ اشهد
قلت هذه الشرطية تقوم مقام الشرطية وتؤدى مؤداها من حيث انها ثبت به صدق يوسف وبطل قولها { فصدقت } اى فقد صدقت زليخا فى قولها { وهو من الكاذبين } فى قوله لانه اذا طلبها دفعته عن نفسها فشقت قميصه من قدام او يسرع خلفها ليدركها فيتعثر بذيله فينشق جيبه { وان كان قميصه قد من دبر } من خلف { فكذبت } فى قولها { وهو من الصادقين } لانه يدل على انها تبعته فاجتذبت ثوبه فقدته { وان كان قميصه قد من دبر فكذبت } زليخا الدنيا انها متبوعة { وهو من الصادقين } يعنى يوسف القلب صادق فى ان زليخا الدنيا راودته عن نفسه واتبعته وانه متبوع(6/81)
فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)
{ فلما رأى } العزيز { قميصه قد من دبر } وعلم براءة يوسف وصدقه كما قال الجامى
عزيز از طفل جون كوش اين سخن كرد ... روان تفتيش حال بيرهن كرد
جو ديد ازيس دريده بيرهن را ... ملامت كردآن مكاره زن را
{ قال انه } اى الامر الذى وقع فيه التشاجر { من كيدكن } من جنس حيلتكن ومكركن ايتها النساء لا من غيركن فخجلت زليخا وتعميم الخطاب للتنبيه على ان ذلك خلق لهن عريق { ان كيدكن عظيم } فانه الصق واعلق بالقلب واشد تأثيرا فى النفس اى من كيد الرجال فعظم كيد النساء على هذا بالنسبة الى كيد الرجال ولان الشيطان يوسوس مسارقة وهن يواجهن به الرجال فالعظم بالنسبة الى كيد الشيطان
وعن بعض العلماء انا اخاف من النساء ما لا اخاف من الشيطان فانه تعالى يقول { ان كيد الشيطان كان ضعيفا } وقال للنساء { ان كيدكن عظيم }
زكيدزن دل مردان دونيمست ... زنانرا كيدهاى بس عظيمست
عزيزانرا كند كيد زنان خوار ... بكيد زن بود دانا كرفتار
زمكر زن كسى عاجز مبادا ... زن مكاره خود هركز مبادا
{ فلما رأى قميصه قد من دبر } ميز حاكم العقل ان يد تصرف زليخا الدنيا لا تصل الى يوسف القلب الا بواسطة قميص بشريته { قال انه } اى التعلق بقميص بشريته يوسف القلب { من كيدكن } اى من كيد الدنيا وشهواتها { ان كيدكن عظيم } لأنكن تكدن فى امر عظيم وهو قطع طريق الوصول الى الله العظيم على القلب السليم(6/82)
يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)
{ يوسف } اى قال العزيز يا يوسف { اعرض عن هذا } الامر وعن التحديث به واكتمه حتى لا يشيع فيعيرونى
قدم ازراى غمازى بدرنه ... كه باشدبرده بوش ازبر ده دربه
{ واستغفرى } انت يا زليخا { لذنبك } الذى صدر عنك وثبت عليك { انك كنت } بسبب ذلك { من الخاطئين } من جملة القوم الذن تعمدوا للخطيئة والذنب يقال خطئ اذا اذنب عمدا والتذكير لتغليب الذكور على الاناث وفى الحديث « كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون » وكان العزيز رجلا حليما فاكتفى بهذا القدر فى مؤاخذتها كما قال المولى الجامى
عزيز اين كفت وبيرون شد زخانه ... بخوش خوبى سمؤ شد درزمانه
تحمل دلكش است اما نه جندين ... نكر خويى خوشست امانه جندين
جومر داززن بخوش خويى كشدبار ... زخوش خويى ببد رويى كشدكار
مكن باكارزن جندان صبورى ... كه افتد رخنه درسد غيورى
وقيل كان قليل الغية -وروى- انه حلف ان لا يدخل عليها الا اربعين يوما واخرج يوسف من عندها وشغله فى خدمته وبقيت زليخا لا ترى يوسف
دريغ آن صيد كزدامم برون رفت ... دريغ آن شهد كزكامم برون رفت
عزيمت كرد روزى عنكبوتى ... كه بهر خود كند تحصيل قوتى
بجابى ديد شهبازى نشسته ... زقيد دست شاهان بازرسته
بكرد اوتنيدن كرد آغار ... كه بندد بال وبرش را زبرواز
زمانى كار در بيكار او كرد ... لعاب خودهمه دركاروا كرد
جون آن شهباز كرد ازوى كناره ... نماند غير تارى جند باره
منم آن عنكبوت زارو رنجور ... فتاده ازمراد خويشتن دور
رك جانم كسسته همجو تارش ... نكشته مرغ اميد شكارش
كسسته تارم از هركار وبارى ... بدستم نيست جز بكسسته تارى
والاشارة الى ان يوسف القلب لما رأى برهان ربه وهو نظر نور العناية التى من نتائجها القناعة وهرب من زليخا وما انخدع من زينتها وشهواتها اتبعته زليخا الدنيا { يوسف اعرض عن هذا } اى يا يوسف القلب اعرض عن زليخا الدنيا { انك كنت } بزينتك وشهواتك قاطعة طريق الله تعالى على يوسف القلب وانت فى ذلك { من الخاطئين } الذين ضلوا عن الطريق واضلوا كثيرا كذا فى التأويلات النجمية نفعنا الله بحقائقها(6/83)
وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)
{ وقال نسوة } اى جماعة من النساء وكن خمسا امرأة الخباز وامرأة الساقى وامرأة صاحب الدواب وامرأة صاحب السجن وامرأة الحاجب
والنسوة اسم مفرد لجميع المرأة وتأنيثه غير حقيقى ولذا لم يلحق فعله تاء التأنيث
وقال الرضى النسوة جمع لانها على وزن فعلة فيقدر لها مفرد وهو نشاء كغلام وغلامة لا انها اسم جمع [ آورده اندكه اكرجه عزيز اين قصهر ا تسكين داد اما سخن عشق نهان كى ميماند شمه ازين واقعه در السنة عوام افتاد ]
زليخا جو بشكفت آن كل راز ... جهانى شد بطغش بلبل آواز
[ وبعض از خواتين مصر زبان ملامت برزليخا دراز كردند وهر آيينه عشق را غوغاى ملامت دركارست نه سوداى سلامت ] : قال الحافظ
من ازان حسن روزا فزون كه يوسف داشت دانستم ... كه عشق ازبرده عصمت برون آرد زليخارا
وقال الجامى
نسازد عشق راكنج سلامت ... خوشا رسوايى وكويى ملامت
غم عشق ازملامت تازه كردد ... وزين غوغا بلند آوازه كردد
{ فى المدينة } ظرف لقال اى اشعن الامر فى مصر اوصفة للنسوة
وقال الكاشفى [ بايكديكر نشسته كفتند در شهر مصر بموضعى كه عين الشمس مضمون سخن ايشان آنكه ] { امرأة العزيز } والعزيز بلسان العرب الملك والمراد به قطفير وزين الريان بامرأته زليخا ولم يصر باسمها على ما عليه عادة الناس عند ذكر السلطان والوزير ونحوهما وذكر من يتبعهم من خواص حرمهم
وقال سعدى المفتى صرحن باضافتها الى العزيز مبالغة للتشنيع لان النفوس اقبل الى سماع اخبار ذوى الاخطار وما يجرى لهم { تراود فتيها } اى تطالب غلامها بمواقعته لها وتحتال فى ذلك وتخادعه { عن نفسه } والفتى من الناس الشاب ويستعان للملوك وان كان شيخا كالغلام وهو المراد هنا وفى الحديث « لا يقول احدكم عبدى وامتى كلكم عبيد الله وكل نسائكم اماء الله ولكن ليقل غلامى وجاريتى وفتاى وفتاتى » قال ابن الملك انما ذكره النبي عليه السلام ان يقول السيد عبدى لان فيه تعظيما لنفسه ولان العبد فى الحقيقة انما هو لله قيل انما يكره اذا قاله على طريق التطاول على الرقيق والتحقير لشأنه والا فقد جاء القرآن به قال الله تعالى { والصالحين من عبادكم وامائكم } { قد شغفها حبا } [ بدرستى كه بشكافته است غلاف دل اواز جهت دوستى يعنى محبت يوسف بدرون او در آمده ] وهو بيان لاختلال احوالها القلبية كاحوالها القالبية خبر ثان وحبا تمييز منقول من الفاعلية اى شق حبه شغاف قلبها حتى وصل الى فؤادها . والشغاف حجاب القلب وقرئ شعفها بالعين المهملة يقال شعفة الحب احرق قلبه كما فى الصحاح
اعلم ان المحبة هوة الميل الى امر جميل وهو اذا كان مفرطا يسمى عشقا وهو اذا كان مفرطا يسمى سكر او هيمانا وصاحب العشق المفرط معذور غير معلوم لانه آفة سماوية كالجنون والمرض مثلا والمحبة اصل الايجاد وسببه كما قال تعالى(6/84)
{ كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف } قال القاشانى العشق اخص لانه محبة مفرطة ولذلك لا يطلق على الله لانتفاء الافراط عن صفاته انتهى
قال الجنيد قالت النار يا رب لو لم اطعك ها كنت تعذبنى بشيء هو اشد منى قال نعم كنت اسلط عليك نارى الكبرى قالت وهل نار اعظم منى قال نعم نار محبتى اسكنها قلوب اوليائى المؤمنين كذا فى فتح القريب
قال يحيى بن معاذ لو وليت خزائن العذاب ما عذبت عاشقا قط لانه ذنب اضطرار لا ذنب اختيار وفى الحديث « من عشق فعف وكتم ثم مات مات شهيدا » قال الحافظ
عاشق شوارنه روزى كارجهان سرآيد ... ناخوانده نقش از كاركاه هستى
وعشق زليخا وان كان عشقا مجازيا لكن لما كان تحققها به حقيقة وصدقا جذبها الى المقصود وآل الامر من المجاز الى الحقيقة لانه قنطرتها : قال العطار فى منطق الطير
هركه او درعشق صادق آمدست ... بر سرش معشوق آمدست
كر بصدقى عشق بيش آيد ترا ... عاشقت معشوق خويش آيد ترا
{ انا لنريها } اى نعلمها علما مضاهيا للمشاهدة والعيان فيما صنعت من المراودة والمحبة المفرطة مستقرة { فى ضلال } فى خطأ وبعد عن طريق الرشد والصواب { مبين } واضح لا يخفى كونه ضلالا على احد او مظهر لامرها فيما بين الناس وانما لم يقلن انهخا لفى ضلال مبين اشعارا بان ذلك الحكم غير صادر عنهن مجازفة بل عن علم ورأى مع التلويح بانهن متنزهات عن امثال ما هى عليه ولذا ابتلاهن الله تعالى بمارين به الغير لانه ما عير احد اخاه بذنب الا ارتكبه قبل ان يموت وهذه اعنى ملامة الخلق وتضليلهم علامة كمال المحبة ونتيجته لان الله تعالى اذا اصطفى عبدا لجنابه رفع محبته الذاتية عن قلوب الاغيار غيرة منه عليه ولذا ترى ارباب الاحوال واصحاب الكشوف مذكورين غالبا بلسان الذم والتعبير اذ هم قد تجاوزوا احد الجمهور فكانوا كالمسك بين الدماء فكما ان المسك خرج بذلك الوصف الزائد عن كونه جنس الدم فكذا العشاق خرجوا بما هم عليه من الحالة الجمعية الكمالية عن كونهم من جنس العباد ذوى التفرقة والنقصان والجنس الى الجنس يميل لا الى خلافه فافهم حقيقة الحال وهو اللائح بالبال
{ فلما سمع بمكرهن } باعتيابهن وسوء قولهن وقولهن امرأة العزيز عشقت عبدها الكنعانى وهو مقتها وتسميته مكرا لكونه خفية منها كمكر الماكر وان كان ظاهرا لغيرها { ارسلت اليهن } تدعوهن للضيافة اكراما لهن ومكرا بهن ولتعذر فى يوسف لعلمها انهن اذا رأينه دهشن وافتتن به . قيل دعت اربعين امرأة منهن الخمس المذكورات { واعتدت } اى احضرت وهيأت { لهن متكأ } اى ما يتكئن عليه من النمارق والوسائد وغيرها عند الطعام والشراب كعادة المترفهين ولذلك نهى عن الاكل بالشمال او متكأ .(6/85)
وقرئ متكأ وهو الاترج او الزماورد بالضم وهو طعام من البيض واللحم معرب والعامة تقول البزماورد كما فى القاموس { وآتت كل واحدة منهن } بعد الجلوس على المتكأ { سكينا } لتستعمله فى قطع ما يعهد فيما تقدم بين ايديهن وقرب اليهن من اللحوم والفواكه ونحوها وقصدت بتلك الهيئة وهى قعودهن متكئات والسكاكين فى ايديهن ويبهتن عند رؤيته ويشغلن عن نفوسهن فيقع ايديهن فيقطعنها لان المتكئ اذا بهت لشيء وقعت على يده -روى- انها اتخذت لهن ضيافة عظيمة من الوان الاطعمة وانواع الاشربة بحيث لا توصف
روان هر سو كنيزان وغلامان ... بخدمت همجو طاوسان خرامان
برى رويان مصرى حلقه بسته ... بمسندهاى زركش خوش نشسته
جوخوان برداشتند از بيش آنان ... زليخا شكر شكويان مدح خوانان
نهاد از طبع حيلت ساز برفن ... ترنج وكزلكى بردست هر زن
{ وقالت } ليوسف وهن مشغولات بمعالجة السكاكين واعمالها فيما بايديهن من الفواكه واضرابها { اخرج } يا يوسف { عليهن } اى ابرز لهن : قال المولى الجامى
بباى خود زليخا سوى او شد ... دران كاشانه هم زنواى اوشد
بزارى كفت كاى نور دو ديده ... تمناى دل محنت رسيده
فتادم در زبان مردم از تو ... شدم رسوا ميان مردم از تو
كرفتم آنكه درجشم تو خوارم ... بنزديك تو بس بى اعتبارم
مده زين خوارى وبى اعتبارى ... زخاتونان مصرم شر مسارى
شد ازافسون آن افسونكركرم ... دل يوسف به بيرون آمدن نرم
بى تزيين او جون باد برخاست ... جوسر وازحله سبزش بياراست
فرود آويخت كيسوى معنبر ... به بيش حله اش جون عنبر تر
ميانش راكه بامو همسرى كرد ... ززرين منطقه زيور كرى كرد
بسر تاج مرصع از جواهر ... زهر جوهر هزارش لطف ظاهر
بيا نعلينى از لعل وكهر بر ... برو بسته دوال از رشته در
{ فلما رأينه } عطف على مقدر فحرج عليهن
ز خلوت خانه آن كنج نهفته ... برون آمد كلزار شكفنه
فرأينه فلما رأينه { اكبرنه } عظمنه وهبن حسنه الفائق وجماله الرائق فان فضل جماله على جمال كل جميل كان كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وسيأتى مزيد البيان فى هذا الشأن او حضن ليوسف من شدة الشبق على حذف اللام . والشبق شدة شهوة الضراب والمرأة اذا اغتلمت واشتدت شهوتها سال دم حيضها من اكبرث المرأة اذا حاضت لانها تدخل الكبر بالحيض او امنين لتوقهن اليه كما فى الكواشى
وفى الشرعة ويستحب من اخلاق الزوجة ما قال على بن ابى طالب « خير نساؤكم العفيفة الغليمة المطيعة لزوجها » { وقطعن ايديهن } اى جرحنها بالسكاكين لفرط وحشتهن وخروج حركات جوارحهن عن منهج الاختيار والاعتياد حتى لم يعلمن ما فعلن أو ابنها كما فى التبيان
وقال وهب ماتت جماعة منهن كما قال المولى الجامى(6/86)
جوهر يك را دران ديدار ديدن ... تمنا شد ترنج خود بريدن
نداسته ترنج از دست خود باز ... زدست خود بريدن كرد آغار
يكى از تيغ انكشتان قلم كرد ... بدل حرف وفاى او رقم كرد
يكى برساخت از كف صفحة سيم ... كشيدش جدول از سرخى حو تقويم
بهر جدول روانه سيلى از خون ... ز حد خود نهاده باى بيرون
كروهى زان زنان كف بريده ... زعقل وصبر وهوش ودل رميده
زتيغ عشق يوسف جان نبردند ... ازان مجلس نرفته جاد سبردند
كروهى از خرد بيكانه كشتتند ... زعشق آن يرى ديوز=وانه كشتتند
كروهى آمدند آخر بخود باز ... ولى با ددر وسوز عشق دمساز
جمال يوسف آمد خمى از مى ... بقدر خود نصيب هركس ازوى
{ وقطعن ايديهن } لدهشتهن والمدهوش لا يدرك ما يفعل ولم تقطع زليخا يديها لان حالها انتهت الى التمكين فى المحبة كاهل النهايات وحال النسوة كانت فى مقام التلوين كاهل البدايات فلكل مقام تلون وتمكن وبداية ونهاية
قال القاشانى خرج يوسف بغتة على النسوة فقطعن ايديهن لما اصابهن من الحيرة لشهود جماله والغيبة عن اوصافهن كما قيل
غابت صفات القاطعات اكفها ... فى شاهد هة فى البرية ابدع
ولا شك ان زليخا كانت ابلغ فى محبته منهن لكنها لم تغب عن التمييز بشهود جماله لتمكن حال الشهود فى قلبها انتهى
در حقائق سلمى [ مذكوراست كه حق تعالى بدين آيت مدعيان محبت را سرزنش ميكندكه مخلوقى دررؤيت مخلوقى بدان مرتبه ميرسدكه احساس الم قطع نميكند شمادر شهود بذير جمال خالق بايدكه بهرهيج كس ازبلا وعنا متألم نشويد ]
كربا تودمى دست دراغوش توان كرد ... بيداد توسهلست فراموش توان كرد
وقال فى شرح الحكم العطائية ما تجده القلوب من الهموم والاحزان يعنى عند فقدان مرادها وتشويش معتادها فلاجل ما منعت من وجود العيان اذ لو عاينت جمال الفاعل جمل عليها الم البعد كما اتفق فى قصة النسوة اللاتى قطعن ايديهن انتهى
{ وقلن حاش لله } [ با كست خداى تعالى از صفت عجز درآ فريدن جنين مخلوقى ] واصله حاشا حذفت الالف الاخيرة تخفيفا وهو حرف جر يفيد معنى التنزيه فى باب الاستثناء تقول اساء القوم حاشا زيد فوضع موضع التنزيه والبراءة فمعناه تنزيه الله وبراءة الله واللام لبيان المبرأ والمنزه كما فى سقيا لك والدليل فى وضعه موضع المصدر قراءة ابى السماك حاشاً لله بالتنوين { ما هذا بشرا } اى آدميا مثلنا لان هذا الجمال غير معهود للبشر { ان } نافية بمعنى ما { هذا الا ملك كريم } يعنى على ربه فى تفسير ابى الليث وهو من باب قصر القلب لقلبه حكم السامعين حيث اعتقدوا انه بشر لا ملك وقصرنه على الملكية مع علمهن انه بشر لانه ثبت فى النفوس لا اكمل ولا احسن خلقا من الملك عنى ركز فى العقول من ان لاحى احسن من الملك كما ركز فيها ان الا اقبح من الشيطان ولذلك لا يزال يشبه بهما كل متناه فى الحسن والقبح وغرضهن وصفه باقصى مراتب الحسن والجمال(6/87)
جوديد ندش كه جز زالا كهرنيست ... برآمد بانك كين هذا بشر نيست
نه جون آدم زآب وكل سرشتست ... زبالا آمده قدسى فرشتست
قال بعضهم ان من لطف الله بنا عدم رؤيتنا للملائكة على الصورة التى خلقوا عليها لانهم خلقوا على احسن صورة فلو كنا نراهم لطارت اعيننا وارواحنا لحسن صورهم ولذا ابتدئ رسول الله بالرؤيا تأنيسا له اذا القوى البشرية لا تتحمل رؤية الملك فجأة وقد رأى جبريل فى اوائل البعثة على صورته الاصلية فخر مغشيا عليه فنزل اليه فى صورة الآدميين كما فى انسان العيون
قالوا كان يوسف اذا سار فى ازقة مصريرى تلألؤ وجهه كما يرى نور الشمس من السماء عليها وكان يسبه آدم يوم خلقه ربه وكانتامه راحيل وجدته سارة جميلتين جدا
جه كويم كان جه حسن ودلبرى بود ... كه بيرون ازحد حور وبرى بود
مقدس نورى ازقيد جه وجون ... سر از جلباب جون آورده بيرون
جون آل بيجون درين جون كرد آرام ... بى رو بوش كرده يوسفش نام
زليخايى كه رشك حور عين بود ... بمغرب برده عصمت نشين بود
ز خورشيد رحمش ناديده تابى ... كرفتار جمالش شد بخوانى
قال الكاشفى فى تفسيره الفارسى صاحب وسيط باسناد خود از جابر انصارى نقل ميكندكه حضرت رسالت صلى الله عليه وسلم فرمود كه جبرائيل بر من فرود آمد وكفت خداى تعالى ترا سلام ميرساند وميكويد حبيب من حسن روى يوسف را ازنو كرسى كنوت دادم وكسوت حين ترا ازنور عرش مقدرّر كردم وما خلقت خلقا احسن منك يوسف را جمال بود وان حضت را كمال در شهود جمال يوسف دستها بريده شد در ظهور كمال محمدى زنارها قطع يافت
از حسن روى يوسف دست بريده سهلست ... ددباى دلبر من سرها بريده باشد
[ از عايشة صديقه نقل ميكنندكه درصفت جمال حضرت رسالت بناه فرمودكه ]
لوائم زليخا لورأين جبينه ... لآثرن فى القطع القلوب على اليد
انان مصر بهنكام جلوه يوسف ... زروى بيخودى ازدست خويش ببريدند
مقر راست كه دل باره ميكردند ... اكر جمال تواى نورديده ميديدند
وفى الحديث « ما بعث الله نبيا الا حسن الوجه حسن الصوت وكان نبيكم احسنهم وجها واحسنهم صوتا » .
يقول الفقير ايده الله القدير الظاهر ان بعض الانبياء مفصل على البعض فى بعض الامور وان الحسن بمعنى بياض البشرة مختص بيوسف وان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اسمر اللون لكن مع الملاحة التامة وهو لا ينافى الحسن واليه يشير قول الحافظ(6/88)
آن سيه جرده كه شيرينى عالم با اوست ... جشم ميكون لب خندان رخ خرم با اوست
وقول المولى الجامى
دبير صنع نوشتست كرد عارض تو ... بمشكناب كه الحسن والملاحة لك
فالحسن امر والملاحة امر آخر وبالملاحة يفضل النبى عليه السلام على يوسف وعليه يحمل قول الجامى
ز خوبئ توبهرجا حكايتى كفتند ... حديث يوسف مصرى فسانه باشد
وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « لى جبريل ان اردت ان تنظر من اهل الارض شبيها بيوسف فانظر الى عثمان بن عفان » وجاء « هو اشبه الناس يجدك ابراهيم وابيك محمد » والخطاب لرقية بنت رسول الله زوجة عثمان وكانت رقية ذات جمال بارع ايضا وم ثم كان النساء تغنيهما بقولهن احسن شيء يرى انسان رقية وبعلها عثمان وجاء فى حق رومان ام عائشة رضى الله عنها بضم الراء وفتحها « من اراد ان ينظر الى امرأة من الحور العين فلينظر الى رومان » وفيه بيان حسنها وكونها من اهل الجنة كما لا يخفى
والاشارة { وقال نسوة } صفات البشرية النفسانية من البهيمة والسبعية والشيطانية { فى المدينة } فى مدينة الجسد { امرأة العزيز } وهى الدنيا { تراود فتاها عن نفسه } تطالب عبدها وهو القلب كان عبدا للدنيا فى البداية للحجة اليها فى التربية فلما كمل القلب وصفا وصقل عن دنس البشرية واستاهل للنظر الالهى فتجلى له الرب تعالى فتنور القلب بنور جماله وجلاله احتاج اليه كل شيء وسيجد له حتى الدنيا { قد شغفها حبا } اى احبته الدنيا غاية الحب لما ترى عليه آثار جمال الحق ولما لم يكن لنسوة صفات البشرية اطلاع على جمال يوسف القلب كن يلمن الدنيا على محبته فقلن { انا لنراك فى ضلال مبين فلما سمعت } زليخا الدنيا { بمكرهن } فى ملامتها { ارسلت } الى الصفات وهيأت اطعمة مناسبة لكل صفة منها { وآتت كل واحدة منهن سكينا } سكين الذكر { وقالت } زليخا الدنيا ليوسف القلب { اخرج عليهن } وهو اشارة الى غلبات احوال القلب على الصفات البشرية { فلما رأينه } فغلما وقفن على جماله وكماله { اكبرنه } اكبرن جماله ان يكون جمال البشر { وقطعن ايديهن } بسكين الذكر عن تعلق ما سوى الله { وقلن حاش لله ما هذا بشرا } اى جمال بشر { ان هذا الا } جمال { ملك كريم } وهو الله تعالى بقراءة من قرأ ملك بكسر اللام(6/89)
قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (32)
{ قالت فذلكن } كن للنسوة واذ ليوسف ولم تقل مع انه حاضر رفعا لمنزلته فى الحسن واسم الاشارة مبتدأ والموصول خبره وهو { الذى لمتننى فيه } فى شأنه فالآن علمتن من هو وما قولكن فينا
قال الكاشفى [ واكنون دانستيدكه ] حق بطرف من بود ] : قال سعدى
ملامت كن مرا جندانكه خواهى ... كه نتون شستن از زنكى سياهى
وقال فى كتاب كلستان [ يكى را ازملزك عرب حديث ليلى ومجنون بكفتند وشورش حال اوكه با كمال فضل وبلاغت سر در بيابان نهاده است وزمام اختيار ازدست داده بفومودش تا حاضر آوردند وملامت كردن كرفت كه درشرف نفس انسانى جه خلل ديديكه خوى حيوانى كرفتى وترك عيش آدمى كفتى مجنون بناليد وكفت
ورب صديق لامنى فى ودادها ... ألم يرها يوما فيوضح لى عذرى
كاش كانانكه عيب من جستند ... رويت اى دلستان بديدندى
تابجاى ترنج در نظرت ... بيخبر دستها بريدندى
[ تا حقيقت معنى برصورت دعوى كواهى دادى كه ] قوله تعالى { فذلك الذى لمتننى فيه } وفى القصيدة البردية
يا لائمى فى الهوى العذرى معذرة ... منى اليك ولو انصفت لم تلم
والهوى العذرى عبارة عن الحب الشديد الفرط نسبة الى بنى عذرة بضم العين وسكون الذال المعجة قبيلة فى اليمن مشهورة بالابتلاء بداء العشق وكثير من شبانهم يهلكون بهذا المرض كما يحكى ان واحدا سأل منهم عن سبب انهماكهم فى اودية المحبة والمودة وموجب هلاكهم من شدة المحبة فاجابوا بان فى قلوبنا خفة وفى نسائنا عفة [ اصمعى كفت وقت ازاوقات دراثناء اسفار بقبيله بنى عذرة نزول كردم ودر وثاقى كه بودم دخترى ديدم درغايت حسن وجمال روزى از سبيل تفرج ىز آنجا بيرون آمدم وطوفى ميكردم جوانى را ديدم ضعيف تر از هلالى اين ابيات ميخواند وقطرات عبرات از ديد كان مى راند ]
فلا عنك لى صبر ولا فيك حيلة ... ولا منك لى بد ولا منك مهرب
فلو كان لى قلبان عشت بواحد ... وافردت قلبا فى هواك يعذب
ولى الف باب قد عرفت طريقه ... ولكن بلا قلب الى اين اذهب
[ از آن جماعت برسيدم كه اين جوان كيست وحال او جيست كفتند او بدان دختركه دران خانه كه تو نزول كرده عاشقست ةبا آنكه بنت عم اوست ده سالست تايكديكر را نديده اند اصمعى ميكويدكه بخانه باز كشتم وخال آن جوان با اين دختر تقرير كردم وكفتم شك نيست كه مهمان غريب را درعرب حرمتى هرجه تمامترست التماس آنست كه امروز جمال خود را بدو نمايى دختر صلاح او درين نيست اصمعى كفت بنداشتم كه بخل ميكند ودفع ميدهد كفتم از براى دل مهمان يك دو قدم بردار تا از مشاهده جمال راحتى بايد كفت مرا رحمت وشفقت در حق عم زاده بيش از آنست اميد(6/90)
قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33)
{ قال } مناجيا لربه { رب السجن } الذى اوعدتنى بالالقاء فيه وهو بالفارسية [ زندان ] { احبّ الى مما يدعوننى اليه } اى آثر عندى من موافقتها لان للاول حسن العاقبة دون الثانى
عجب درمانده ام دركار اينان ... مرازنداد به از ديدار اينان به از صد سال در زندان نشينم
كه يكدم طلعت اينان به بينم ... بنا محرم نظر دلرا كند كور
زدو لتخانه قرب افكند دور ... وعند ذلك بكت الملائكة رحمة له وهبط اليه جبريل فقال له يا يوسف يقرئك السلام ويقول لك اصبر فان الصبر مفتاح الفرج وعاقبته محمودة واسناد الدعوة اليهن جميعا لانهن تنصحن له وخوفنه من مخالفتها او لانهن جميعا دعونه الى انفسهن كما ذكر
قال بعض الحكماء لو قال رب العافية احب الىّ لعافاه الله ولكن لما نجا بدينه لم يبال ما اصابه فى الله والبلاء موكل بالمنطق
وعن معاذ سمع النبى صلى الله عليه وسلم رجلا يقول اللهم انى اسألك الصبر قال « سألت البلاء فاسأل العافية »
قال الشيخ سعدى [ فى كتاب الكلستان بارسايى را ديدم كه بركنار دريا زحم بلنك داشت وبه هيج دارو به نمى شد ومدتها دارن رنجورى بودومدام شكر خدا مى كزاريد برسيدندش كه جه شكر كنى كفت شكر آنكه بمصيبتى كرفتارم نه بمعصيتى بل مردان خدا مصيبت بر معصيت اختيار كنند نه بينى كه يوسف صديق دران حالت جه كفت قال رب السجن الآية ]
كرمى بكشتن دهد آن يار عزيز ... تانكويى كه دران دم غم جانم باشد
كويم از بنده مسكين جه كنه صادر شد ... كودل أزرده شد ازمن غم آنم باشد
{ والا } وان لم { تصرف عنى كيدهن } [ واكر نكردانى از من مكر وفريب ايشانرا يعنى مرا در بناه عصمت نكيرى ] { اصب اليهن } امل الى جانبهن على قضية الطبيعة وحكم القوة الشهوية اى ميلا اختياريا قصديا والصبوة الميل الى الهوى ومنه الصبا لان النفوس تصبو اليها لطيب تسميتها وروحها . وهذا فزع منه الى الطاف الله جريا على سنن الانبياء والصالحين فى قسر نيل الخيرات والنجاة من الشرور على جناب الله وسلب القوى والقدر عن انفسهم ومبالغة فى استدعاء لطفه فى صرف كيدهن باظهار ان لا طاقة له بالمدافعة كقول المستغيث ادركنى والا هلكت لانه يطلب الاجبار والالجاء الى العصمة والعفة وفى نفسه داعية تدعوه الى هواهن { واكن من الجاهلين } اى الذين لا يعلمون بما يعلمون لان من لم يعمل بعلمه هو الجاهل سواء او من السفهاء بارتكاب ما يدعوننى اليه لان الحكيم لا يفعل القبيح
وفيه دلالة بينة على ان ارتكاب الذنب والمعصية على جهل وسفاهة وان من زنى فقد دخل من جملة الكاذبين فى الجهل(6/91)
فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)
{ فاستجاب له ربه } دعاءه الذى تضمنه قوله { والا تصرف عنى كيدهن } الخ فيه استدعاء لصرف كيدهن والاستجابة تتعدى الى الدعاء بنفسها نحو استجاب الله تعالى دعاءه والى الداعى باللام ويحذف الدعاء اذا عدى الى الداع فى الغالب فيقال استجاب له ولا يكاد يقال استجاب له دعاءه كما فى بحر العلوم { فصرف عنى كيدهن } حسب دعائه وثبته على العصمة والعفة حتى وطن نفسه على مقاساة السجن ومحنته واختارها على اللذة المتضمنة للمعصية { انه هو السميع } لدعاء المتضرعين اليه { العليم } باحوالهم وما يصلحهم
وعن الشيخ ابى بكر الدقاق قدس سره قال بقيت بمكة عشرين سنة وكنت اشتهى اللبن فغلبتنى نفسى فخرجت الى عسفان وهو كعثمان موضع على مرحلتين من مكة قاستضفت حيا من احياء العرب فوقعت عينى على جارية حسناء اخذت بقلبى فقالت يا شيخ لو كنت صادقا لذهبت عنك شهوة اللبن فرجعت الى مكة وطفت بالبيت فاريت فى منامى يوسف الصديق عليه السلام فقلت له يا نبى الله اقر الله عينك بسلامتك من زليخا فقال يا مبارك بل اقر الله عينك بسلامتك من العصفانية ثم تلا يوسف ولمن خاف مقام ربه جنتان وانشدوا
وانت اذا ارسلت طرفك رائدا ... لقلبك يوما اتبعتك المناظر
رايت الذى لاكله انت قادر ... عليه ولا عن بعضه انت صابر
قال بعضهم لا يمكن الخروج من النفس بالنفس وانما يمكن الخروج عن النفس بالله
وقال الشيخ ابو تراب النخشبى قدس سره من شغل مشغولا بالله عن الله ادركه المقت فى الوقت فليس للعصمة شيء يعادلها
والاشارة ان القلب اذا لم يتابع امر الدنيا وهوى نفسه ولم يجب الى ما تدعوه دواعى البشرية يكون مسجونا فى سجن الشرع والعصمة من الله تعالى والقلب وان كان فى كمالية قلب نبى من الانبياء لو خلى وطبعه ولم يعصمه الله من مكايد الدنيا وآفات دواعى البشرية وهو اوجس النفس ووساوس الشيطان يميل الى ما يدعونه اليه ويكون من جملة النفوس الظلومة الجهولة كما فى التأويلات النجمية : قال الحافظ
دام سخت است مكر لطف خدا يارشود ... ورنه نبرد صرفه ز شيطان رجيم
نسأل الله القوة والغلبة على الاعداء الظاهرة والباطنة انه هو المعين(6/92)
ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)
{ ثم بدا لهم } اى ظهر للعزيز واصحابه المتصدين للحل والعقد رأى وثم يدل على تغير رأيهم فى حقه { من بعد ما رأوا الآيات } اى الشواهد على براءة يوسف كشهادة الصبى وقد القميص وغيرهما { ليسجننه } [ هر آينه در زندان كنند اورا ] اى قائلين والله ليسجننه { حتى حين } حتى جارة بمعنى الى اى الى حين انقطاع قالة الناس وهذا بادى الرأى عند العزيز وخواصه واما عندها فحتى يذلله السجن ويسخره لها ويحسب الناس النه المجرم فلبث فى السجن خمس سنين او سبع سنين والمشهور انه لبث اثنتى عشرة سنة كما سيأتى عند قوله تعالى { فلبث فى السجن بضع سنين } وقال ابن الشيخ لا دلالة فى الآية على تعيين مدة حبسه وانما القدر المعلوم انه بقى محبوسا مدة طويلة للقوله تعالى { وادّكر بعد امة } والحين عندد اهل اللغة وقت وقت من الزمان غير محدود ويقع على القصير منه والطويل واما عند الفقهاء فو حلف والله لا اكلم فلانا حينا او زمانا بلانية على شيء من الوقت فهو محمول على نصف سنة ومع نية شيء معين من الوقت فما نوى من الوقت . وفى الآية محذوف والتقدير لما تغير رأيهم فى حقه ورأوا حبسه حبسوه وحذف لدلالة قوله { ودخل معه السجن فتيان } وذلك ان زوج المرأة قد ظهر له براءة يوسف فلا جرم لم يتعرض له واحتالت المرأة فى طريق آخر فقالت لزوجها هذا العبد العبرانى فضحنى فى الناس
درين قولند مرد وزن موافق ... كه من بروى بجانم كشته عاشق
كما قال هى راودتنى عن نفسى وانا لا اقدر على اظهار عذرى فارى ان الاصح ان تحبسه لينقطع عن الناس ذكر هذا الحديث . وكان العزيز مطاعا لها وجملا ذلولا زمامه فى يدها فاغتر بقولها ونشى ما عاين من الآيات وعمل برأيها والحاق به كما اوعدته به
وقال الكاشفى { آورده اندكه بعد از نوميدئ زنان ازوى زليخا كفتند صلاح آنست كه اور ادوسه روزى برندان بازجارى شايد بسبب رياضت رام كردد زقدر نعمت وراحت را دانسته سر تسليم را برخط فرمان نهد ]
جو كوره ساز زندانرا برو كرم ... بود زان كوره كردد آهنش نوم
جو كردد كرم زآتش طبع فولاد ... از جيزى تواند ساخت استاد
نه كرمى نرم اكر نتواندش كرد ... جه حاصل رانكه كوبد آهن جانان
براى راحت خود رنج او خواست ... دران ويران اميد كنج او خواست
جونبود عشق عاق را كمالى ... نه بندد جز مراد خود خيالى
طفيل خويش خواهد يار خودرا ... بكام خويش خواهد كار خودرا
ببوى يك كل ازبستان معشوق ... زند صد خار غم برجان معشوق
وكان للعزيز ثلاثة سجون سجن العذاب وسجن القتل وسجن العافية .(6/93)
وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)
{ ودخل معه السجن فتيان } اى دخل يوسف السجن واتفق ان ادخل حينئذ آخران من عبيد الملك الاكبر وهو ريان بن الوليد احداهما شرابيه واسمه ابروها اويونا والآخر خبازه واسمه غالب او مخلب -روى- ان جماعة من اهل مصر ضمنوا لهما ما ليسما الملك فى طعامه وشرابه فاجابهم الى ذلك ثم ان الساقى نكل عن ذلك ومضى عليه الخباز فسم الخبز فلما حضر الطعام قال الساقى لا تأكل ايها الملك فان الخبز مسموم فلم يضره وقال للخباز كله فابى فجربه بدابة فهلكت فامر بحبسهما فاتفق ان دخلاه معه وكأنه قيل ماذا صنعا بعد ما دخلا معه السجن فاجيب بان { قال احدهما } وهو الشرابى { انى ارينى } فى المنام كأنى فى بستان فاذا انا باصل حبلة حسنة فيها ثلاثة اغصان عليها ثلاثة عناقيد من عنب فجنيتها وكان كأس الملك بيدى فعصرتها فيه وسقيت الملك فشربه وذلك قوله تعالى { اعصر خمرا } اى عنبا سماه بما يؤول اليه لكونه المقصود من العصر { وقال الآخر } وهو الخباز رانى ارينى } كأنى فى مطبخ الملك { احلم فوق رأسى خبزا } فوق بمعنى على اى على رأسه ومثله { فاضربوا فوق الاعناق } كما فى التبيان قم وصف لخبز بقوله { تأكل الطير منه } يعنى كأن فوق رأسى ثلاث سلال فيها خبز والوان الاطعمة وارى سباع الطير يأكلن من السلة العليا
واختلف فى انهما هل رأيا رؤيا ولم يريا شسيأ فتحا لما اختبارا ليوسف لانه لما دخل السجن قال لاهله انى اعبر الاحلام ورأى احدهما وهو الناجى وكذب الآخر وهو المطلوب { نبئنا بتأويله } اى اخبرنا بتفسير ما ذكر من الرؤيين وما يؤول اليه امرهما وعبارة كل واحد منهما نبئنى بتأويله مستفسرا لما رآه مستفسرا لما رآه وصيغة المتكلم مع الغير واقعة فى الحكاية دون المحكى على طريقة قوله تعالى { يا ايها الرسل كلوا من الطيبات } فانهم لم يخاطبوا بذلك دفعة بل خوطب كل منهم فى زمانه بصيغة مفردة خاصة به { انا نريك } يجوز ان يكون من الرؤية بالعين وان يكون من الرؤية بالقلب كما فى بحر العلوم { من المحسنين } الذين يجيدون عبارة الرؤيا لما رأياه يقص عليه بعض اهل السجن رؤياه فيؤولها له تأويلا حسنا ويقع الامر على ما عبر به او من المحسنين الى اهل السجن اى فاحسن الينا بكشف غمتنا ان كنت قادرا على ذلك كما قال المولى الجامى
جو زندان بركرفتاران زندان ... شد از ديدار يوسف باغ خندان
همه از مقدم اوشاد كشتند ... زبند دردورنج آزاد كشتند
بكردن غلشان شد طوق اقبال ... بيا زنجير شان فرخنده خلخال
اكر زندانئ بيمار كشتى ... اسير محنت وتيمار كشتى
كمر بستى بى بيمار داريش ... خلاصى دادى از تيمار داريش
اكر جابر كرفتارى شدى تنك ... سوى تدبير كارش كردى آهنك
كشاده روشدى اورا دوا جوى ... زتنكى دركشاد آورديش روى
وكر بر مفلسى عشرت شدى تلخ ... زنا دارى نموده غره اش سلخ
ززرداران كليد زركرفتى ... زعيشش قفل تنكى بر كرفتى
وكر خوابى بديدى تنك بختى ... بكر داب بلا افتاده رختى
شنيدى ازلبش تعبير آن خواب ... بخشكى آمدى رختش زكرداب(6/94)
وكان فى السجن ناس قد انقطع رجاؤهم وطال حزنهم فجعل يقول ابشروا واصبروا تؤجروا
صبورى مايه اميدت آرد ... صبورى دولت جاويدت آرد
فقالوا بارك الله عليك ما احسن وجهك وما احسن خلقك لقد بورك فى جوارك فمن انت يا فتى قال انا يوسف ابن صفى الله يعقوب ابن ذبيح الله اسحاق ابن خليل الله ابراهيم عليهم السلام فقال له عامل السجن لو استطعت خليت سبيلك ولكنى احسن جوارك فكن فى اى بيوت السجن شئت -وروى- ان الفتيين قلا له انا لنحبك من حين رأيناك فقال انشد كما بالله ان لا تحبانى فوالله ما احبنى احد قط الا دخل علىّ من حبه بلاء ثم احبنى زوجة صاحبى فدخل علىّ من حبها بلاء فلا تحبانى بارك الله فيكما
قال بعضهم ابتلى يوسف بالعبودية والسجن ليرحم المماليك والمسجونين اذا صار خليفة وملكا فى الارض وابتلى بجفاء الاقارب والحساد ليعتاد الاحتمال من القريب والبيد وابتلى بالغربة ليرحم الغرباء وفى الخبر « يجاء بالعبد يوم القيامة فيقال له ما منعك ان تكون عبدتن فيقول ابتليتنى فجعلت على اربابا فشغلونى فيجاء بيوسف عليه السلام فى عبوديته فيقال انت اشد ام هذا فيقول بل هذا فيقال لم لم يمنعه ذلك ان عبدنى ويجاء بالغنى فيقال ما منعك ان تكون عبدتنى فيقول بل هذا فيقول لم لم يمنعه ذلك ان عبدنى ويجاء بالمريض فيقال له ما منعك ان تعبدنى فيقول رب ابتليتنى فيجاء بايوب عليه السلام فيقال انت اشد ضرا وبلاء ام هذا فيقول بل هذا فيقال لم لم يمنعه ذلك ان عبدنى ويجاؤء بيائس من رحمة الله بسبب عصيانه فيقال لم يئست من رحمتى فيقول لكثرة عصيانى فيجاء بفرعون فيقال ءانت كنت اكثر عصيانا ام هذا فيقول بل هذا فيقال له ما هو يائس من الرحمة التى وسعت كل شيء » حيث اجرى كلمة التوحيد على لسانه عند الغرق . فيوسف حجة على من ابتلى بالرق والعبودية اذا قصر فى حق الله تعال . وسليمان حجة على الملوك والاغنياء . وايوب حجة على اهل البلاء . وفرعون حجة على اهل اليأس نعوذ برب الناس اى بالنسبة الى ظاهر الحال عند الغرق وان كان كافرا فى الحقيقة باجماع العلماء وليس ما جرى على الانبياء والاولياء من المحن والبلايا عقوبات لهم بل هى تحف وهذايا وفى الحديث(6/95)
« اذا احب الله عبدا صب عليه البلاء صبا »
جاميا دل بغم ودردنه اندرره عشق ... كه نشد مردره آنكس كه نه اين درد كشيد
والاشارة انه لما دخل يوسف القلب سجن الشريعة ودخل معه السجن فتيان وهما ساقى النفس وخباز البدن غلامان لملك الروح احدهما صاحب شرابه والآخر صاحب طعامه فالنفس صاحب شرابه تهيئ لملك الروح ما يصلح له شربه منه فان الروح العلوى الاخروى لا يعمل عملا فى السفلى البدنى الا بشرب يشربه النفس والبدن صاحب طعامه الذى يهيئ من الاعمال الصالحة ما يصلح لغذاء الروح والروح لا يبقى الا بغذاء روحانى باق كما ان الجسم لا يبقى الا بغذاء جسمانى وانما حبسا فى سجن الشريعة لانهما مهمام بان يجعلا السم فى شراب ملك الروح وطعامه فيهلكاه وهو سم الهوى والمعصية فاذ كانا محبوسين فى سجن الشريعة امن ملك الروح من شرهما والنفس والبدن كلاهما دنيوى واهل الدنيا نيام فاذا ماتوا انتبهوا وكل عمل يعمله اهل الدنيا هو بمثابة الرؤيا التى يراها النائم فاذا انتبه بالموت يكون لها تأويل يظهر لها فى الآخرة ويوسف القلب بتأويل مقامات اهل الدنيا عالم لانه من المحسنين اى الذين يعبدون الله على الرؤية والمشاهدة بقلوب حاضرة عند مولاهم وجوه ناضرة الى ربها ناظرة وكل حكم صدر من تلك الحضرة فهم شاهدوه فى الغيب كما قبل نزوله الى عالم الغيب فكسته القوة المتخيلة عند عبوره عليها كسوة خيالية تناسب معناه فصاحب الرؤيا كان عالما بلسان الخيال يعبره ولا يعرضه على المعبر ليكون ترجمانا له فيترجم له بلسان الخيال فيخبره عن الحكم الصادر من الحضرة الالهية فلهذا كانت الرؤيا الصالحة جزأ من اجزاء النبوة لانها فرع من الوحى الصادر من الله وتأويل الرؤيا جزء ايضا من أجزاء النبوة لانه علم لدنى يعلمه الله من يشاء من عباده(6/96)
قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)
{ قال } يوسف اراد ان يدعو الفتيين الى التوحيد الذى هو اولى بهما واوجب عليهما مما سألا منه ويرشدهما الى الايمان ويزينه لهما قبل ان يسعفهما ب1لك كما هو طريقة الانبياء والعلماء الصالحين فى الهداية والارشاد والشفقة على الخلق فقدم ما هو معجزة من الاخبار بالغيب ليدلهما على صدقه فى الدعوة والتعبير { لا يأتيكما طعام ترزقانه } تطعمانه فى مقامكما هذا حسب عادتكما المطردة { ألانبأتكما بتأويله } استثناء مفرغ م اعم الاحوال اى لا يأتيكما طعام فى حال من الاحوال الا حال ما نبأتكما به بان بنيت لكما ماهيته من أى جنس هو ومقداره وكيفيته من اللون والطعم وسائر احواله واطلاق التأويل بالنظر الى ما رؤى فى المنام وشبيه له { قبل ان يأتيكما } قبل ان يصل اليكما وكان يخبر بما غاب مثل عيسى عليه السلام كما قال { وانبئكم بما تأكبون وما تدخرون فى بيوتكم } وفى المثنوى
اين طبيبان بدن دانشورند ... برسقام تو زتو واقفترند
تاز قاروره همى بنند حال ... كه ندانى توازان رو اعتدال
هم زنبض وهم رزنك زهم زدم ... بوبرند ازتو بهر كونه سقم
بس طبيبان الهى درجهان ... جون ندانند از توبى كفت دهان
هم زنبضت هم زجمشت هم زرنك ... صد سقم بينند درتو بى درنك
اين طبيبان نوآموزند خود ... كه بدين آياتشان حاجت بود
كاملان ازدور نامت بشنوند ... تابقعر تارو بودت درروند
بلكه بيش اززادن توسالها ... ديده باشندت ترا باحالها
{ ذلكما } اى ذلك التأويل والاخبار بالمغيبات ايها الفتيان { مما علمنى ربى } بالوحى والالهام وليس من قل التهكن والتنجم وذلك انه لما نبأهما اليهما من الطعام فى السجن قبل ان يأتيهما ويصفه لهما ويقول اليوم يأتيكما طعام من صفته كيت وكيت وكم تأكلان فيجدان كما اخبرهما قالا هذا من فعل العرافين والكهان فمن اين لك هذا العلم فقال ما انا بكاهن وانما ذلك العلم ما علمنى ربى وفيه دلالة على ان له علوما جمة ما سمعناه قطعة من جملتها وشعبة من دوحتها وكأنه قيل لماذا علمك ربك تلك العلوم البديعة فقيل { انى } اى لانى { تركت } رفضت { ملة قوم } أى قم كان من قوم مصر وغيره { لا يؤمنون بالله } والمراد بتركها الامتناع عنها رأسا لا تركها بعد ملامستها وانماعبر عنه بذلك لكونه ادخل بحسب الظاهر فى اقتدائهما به عليه السلام { وهم بالآخرة } وما فيها من الجزاء { هم كافرون } على الخصوص دون غيرهم لافراطهم فى الكفر
قال فى بحر العلوم هذالتعليل من ابين دليل على ان افعال الله معللة بمصالح العباد بمصالح العباد كما هو راى الحنفية مع ان الاصلح لا يكن واجبا عليه قالوا وما ابعد عن الحق قول من قال انها غير معللة بها فان بعثة الانبياء لاهتداء الخلق وظهار المعجزات لتصديقهم وايضا لو لم يفعل لغرض يلزم العبث تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا انتهى
قال فى التأويلات النجمية يعنى لما تركت هذه الملة علمنى ربى وفيه اشارة الى ان القلب مهما ترك ملة النفس والهوى والطبيعة علمه الله علم احقيقة وملته انهم قوم لا يؤمنون بالله لا النفس تدعى الربوبية كما قال نفس فرعون انا ربكم الاعلى والهوى يدعى الالوهية كما قال تعالى { أفرأيت من اتخذ الهه هواه } والطبيعة هى التى ضد الشريعة(6/97)
وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38)
{ واتبعت ملة آبائى ابراهيم واسحق ويعقوب } عرف شرف نسبه وانه من اهل بيت النبوة لتتقوى رغبتهما فى الاستماع منه والوثوق عليه وكان فضل ابراهيم واسحاق ويعقوب امرا مشهورا فى الدنيا فاذا طهر انه ولدهم عظموه ونظروا اليه بعين الاجلال واخذوا منه ولذلك جوز للعالم اذا جهلت منزلة فى العلم ان يصف نفسه ويعلم الناس بفضله حتى يعرف فيقتبس منه وينتفع به فى الدين وفى الحديث « ان الله يسأل الرجل عن فضل علمه كما يسأل عن فضل ماله » وقدم ذكر ترك ملة الكفرة على ذكر اتباعه لملة آبائه لان التخلية بالمعجمة متقدمة على التحلية متقدمة على التحلية بالمهملة . وفيه اشارة الى ان الاتباع سبب للفوز بالكمالات والظفر بجميع المرادات والاشارة ان ملة ابراهيم السر واسحاق الخفاء ويعقوب الروح التوحيد والمعرفة { ما كان } اى ما صح وما استقام فضلا عن الوقوع { لنا } معاشر الانبياء لقوة نفوسنا ووفور علومنا { ان نشرك بالله من شيء } أى شيء كان من ملك اوجنى او انسى فضلا عن الجماد الذى لا يضر ولا ينفع { ذلك } التوحيد المدلول عيله بقوله ما كان لنا الخ ناشئ { من فضل الله علينا } بالوحى يعنى [ بوحى مارا آكاعى داده ] { وعلى الناس } كافة بواشطتنا وارسالنا لارشادهم اذ وجود القائد للاعمى رحمة من الله أية رحمة { ولكن اكثر الناس } المبعوث اليهم { لا يشكرون } هذا فيعرضون عنه ولا ينتهون ولما كان الانبياء وكمل الاولياء وسائط بين الله وخلقه لزم شكرهم تأكيدا للعبودية وقياما بحق الحكمة(6/98)
يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39)
{ يا صاحبى السجن } الاضافة بمعنى فى اى يا صاحبى فى السجن لما ذكر ما هو عليه من الدين القويم تلطف فى حسن الاستدلال على فساد ما عليه قوم الفتيين من عبادة الاصنام فناداهما باسم الصحبة فى المكان الشاق الذى يخلص فيه المودة ويتمحض فيه النصيحة { ارباب متفرقون } الاستفهام الاستنكارى [ آيا خدايان براكنده كه شما داريد اززر ونقره وآهن وجوب وسنك ] او من صغير وكبير ووسط كما فى التبيان { خير } لكما { ام الله } المعبود بالحق { الواحد } المنفرد بالالوهية { القهار } الغالب الذى لا يغالبه احد . وفيه اشارة الى ان الله يقهر بوحدته الكثرة وان الدنيا والهوى والشيطان وان كان لها خيرية بحسب زعم اهلها لكنها شر محض عند الله تعالى لكونها مضلة عن طريق طلب اعلى المطالب واشرف المقاصد(6/99)
مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40)
{ ما تعبدون } الخطاب لهما ولمن على دينهما { من دونه } اى من دون الله شيأ { الا اسماء } مجردة لا مطابق لها فى الخارج لان ما ليس فيه مصداق اطلاق الاسم عليه لا وجود له اصلا فكانت عبادتهم لتلك الاسماء فقط { سميتموها } جعلتموها اسماء { انتم وآباؤكم } بمحض جهلكم وضلالتكم { ما انزل الله بها } اى بتلك التسمية المستتبعة للعبادة { من سلطان } من حجة تدل على صحتها { ان الحكم } فى امر العبادة المتفرعة على تلك التسمية { الا الله } لانه المستحق لها بالذات اذ هو الواجب بالذات الموجد للكل والمالك لامره فكأنه قيل فماذا حكم الله فى هذا الشأن فقيل { امر } على ألسنة الانبياء { ان لا تعبدوا } اى بان لا تعبدوا { الا اياه } الذى دلت عليه الحجج { ذلك } تخصيصه تعالى بالعبادة { الدين القيم } اى الثابت او المستقيم وهو دين الاسلام الذى لا عوج فيه وانتم لا تميزون الثابت من غيره ولا المعوج من القويم قال تعالى { ان الدين عند الله الاسلام } وهو باعتبار الاصول واحد وباعتبار الفروع مختلف ولا يقدح الكثر العارضة بحسب الشرائع المبنية على استعدادات الامم فى وحدته { ولكن اكثر الناس لا يعلمون } فيخبطون فى جهالتهم
واعلم ان ما سوى الله تعالى ظل زائل والعاقل لا يتبع الظل بل يتبع من خلق الظل وهو الله تعالى ةاتباعه به هو تدينه بما امر به من جملته قصر العبادة له بالاجتناب عن الشرك الجلى والخفى وهو الاخلاص التام الموصل الى الله الملك العلام
قال بعض الفضلاء الرغبة فى الايمان والطاعة لا تنفع الا اذا كانت تلك الرغبة رغبة فيه لكونه ايمانا وطاعة واما الرغبة فيه لطلب الثواب وللخوف من العقاب فغير مفيد انتهى
-وحكى- ان امرأة قالت لجماعة ما السخاء عندكم قالوا بذل المال قالت هو سخاء اهل الدنيا والعوام فما سخاء الخواص قالوا بذل المجهود فى الطاعة قالت ترجون الثواب قالوا نعم قالت تأخذون العشرة بواحد لقوله تعالى { من جاء بالحسنة فله عشر امثالها } فأين السخاء قالوا فم عندك قالت العمل لله تعالى لا للجنة ولا للنار ولا للثواب وخوف العقاب وذلك لا يمكن الا بالتجريد والتفريد والوصول الى حقيقة الوجود وبمثل هذا العمل يصل المرء الى الله تعالى ويجد الله اطوع له فيما اراد ولا تزال العوالم فى قبضته باذن الله تعالى فيحكم بحكم الله تعالى ويعلم بعلم الله تعالى فيخبر عن المغيبات كما وقع ليوسف عليه السلام
قال ابو بكر الكتانى قال لى الخضر كنت بمسجد صنعاء وكان الناس يستمعون الحديث من عبد الرزاق وفى زاوية المسجد شاب فى المراقبة فقلت له لم لا تسمع كلام عبد الرزاق قال انا اسمع كلام الرزاق وانت تدعونى الى عبد الرزاق فقلت له ان كنت صادقا فاخبرنى من انا فقالت انت الخضر فلله عباد قد بدلوا الحياة الفانية بالحياة الباقية وذلك ببذل الكل وافنائه فى تحصيل الوجود الحقانى وعملوا لله فى الله باسقاط ملاحظة الدارين فكوشفوا عن صور الاكوان وحقائق المعانى(6/100)
وعن قدوة العارفين الشيخ عبد الله القرشى رحمه الله قال دخلت مصر فى ايام الغلاء الكبير فعزمت ان ادعو الله لرفعه فنوديت بالمنع فسافرت الى الشام فلما جنوت من قبر خليل الله تلقانى الخليل عليه السلام فقلت يا خليل الله اجعل ضيافتى الدعاء لاهل مصر فدعالهم ففرج الله عنهم
فقال الامام اليافعى قول الشيخ تلقانى الخليل حق لا ينكره الا جاهل بمعرفة ما يرد عليهم من الاحوال التى يشاهدون فيها ملكوت السموات
ثم اعلم ان جميع الانبياء امروا بالايمان واخلاص العبادة والايمان يقبل البلى كما دل عليه قوله عليه السلام « جددوا ايمانكم بقول لا اله الا الله » وذلك بزوال الحب فلا بد من تجديد عقد القلب بالتوحيد وكلمة التوحيد مركبة من النفى والاثبات فتنفى ما سوى المعبود وتثبت ما هو المقصود ويصل الى الموحد الى كمال الشهود وحصول ذلك بنور التلقين والكينونة مع اهل الصدق واليقين واقل الامر ملازمة المجالس وربط القلب بواحد منهم نسأل الله تعالى ان يوفقنا لتحصيل المناسبة المعنوية بعد المجالسة وربط القلب بواحد منهم نسال الله تعالى ان يوفقنا لتحصيل المناسبة المعنوية بعد المجالسة الصورية انه وهاب العطايا فياض المعانى والحقائق(6/101)
يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41)
{ يا صاحبى السجن } الاضافة بمعنى فى كما سبق . والمعنى باللفارسية [ اى ياران زندان ] { اما احد كما } وهو الشرابى ولم يعينه لدلالة التعبير عليه { فيسقى } [ بياشاماند ] { ربه } سيده { خمرا } كما كان يسقيه قبل -روى- انه عليه السلام قال له اما رايت من الكرمة وحسنها فهو الملك وحسن حالك عنده او قال له ما اسحن ما رأيت اما حسن الحبلة وهى اصل من اصول الكرم فهو حسن حالك وسلطانك وعزك واما القضبان الثلاثة فثلاثة ايام تمضى فى السجن ثم يوجه الملك اليك عند انقضائهن فيردك الى عملك فتصير كما كنت بل احسن { واما الآخر } وهو الخباز { فيصلب فتأكل من المطبخ فخروجك من عملك واما السلال الثالث فثلاثة ايام تمر ثم يوجه الملك اليك عند انقضائهن فيصلبك فتأكل الطير من رأسك
وفى الكواشى اكل الطير من اعلاها اخراجه فى اليوم الثالث { قضى الامر } فرغ منه واتم واحكم وهو ما رأياه من الرؤيين واسناد القضاء اليه مع انه من احوال مآله وهو نجاة احدهما وهلاك الآخر لانه فى الحقيقة غير ذلك المآل وقد ظهر فى عالم المثال بتلك الثورة { الذى فيه تستفتيان } تطلبان فتواه وتأويله -روى- انه لما عبر رؤياهم جحدا وقالا ما راينا شيأ فاخبر ان ذلك كائن صدقتما او كذبتما ولعل الجحود من الخباز اذ لا داعى الى جحود الشرابى الا ان يكون ذلك لمراعاة جانبه فكان كما عبر يوسف حيث اخرج الملك صاحب الشراب ورده الى مكانه وخلع عليه واحسن اليه لما تبين عنده حاله فى الامانة واخرج الخباز ونزع ثيابه وجلده بالسياط حتى مات لما ظهر عنده خيانته وصلبه على قارعة الطريق واقبلت طيور سود فاكلت من رأسه وهو اول من استعمل الصلب ثم استعمله فرعون موسى كما حكى عنه من قوله { لاصلبنكم فى جذوع النخل } -روى- ان النبى صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة بدر الى المدينة ومر بعرق الظبية وهى شجرة يستظل لها امر فصلب عقبة بن ابى معيط من الاسارى وهو اول مصلوب من الكفار فى الاسلام وكان يفترى على رسول الله فى مكة وبزق مرة فى وجهه والصلب اصعب انواع اسباب الهلاك لانحباس النفس فى البدن ويفعله الحاكم بحسب ما رأى فى بعض المجرمين تشديدا للجزاء وليكون عبر للناس
والاشارة اما النفس فسقى الروح خمرا وهو ما خامر العقل مرة من شراب الشهوات واللذات النفسانية وتارة باقداح المعاملات والمجاهدات شراب الكشوف والمشاهدات الربانية وهى باقية فى خدمة ملك الروح ابدا واما البدن فيصلب بحبل الموت فتأكل طير اعوان الملك من رأسه الخيالات الفاسدة التى جمعت فى ام دماغه
واعلم ان الموت اشد شيء وان المرء ينقطع عنده كل شيء ولا يبقى معه الا ثلاث صفات صفاء القلب وانسه بذكر الله وحبه لله ولا يخفى ان صفاء القلب وطهارته عن ادناس الدنيا لا تكون الا مع المعرفة والمعرفة لا تكون الا بدوام الذكر والفكر وخير الاذكار التوحيد وفى الحديث « ذكر الله علم الايمان وبراءة من النفاق وحصن من الشيطان وحرز من النار » قال المولى الجامى
دلت آيينه خداى نماست ... روى آيينه توتيره جراست
صيقلى دارى صيقلى ميزن ... باشد آيينه ات شود روشن
صيقل آن اكرنه آكاه ... نيست جز لا اله الا الله(6/102)
وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42)
{ وقال } يوسف { للذى ظن } يوسف { انه ناج منهما } [ ازان هردو يعنى ساقيرا ] اى وثق وعلم لان الظن من الاضداد يكون شكا ويقينا فالتعبير بالوحى كما ينبئ عنه قوله { قضى الامر } اذ لو بنى جوابه على التعبير لما قال قضى لان التعبير على الظن والقضاء هو الالزام الجازم والحكم القاطع الذى لا يصح ابتناؤه على الظن { اذكرنى عند ربك } اى سيدك وقل له فى السجن غلام محبوس ظلما طال حبسه لعله يرحمنى ويخلصنى من هذه الورطة
بكوهست انداران زندان غريبى ... زعدل شاه دوران بى نصيبى
جينيش به كنه ميسند رنجور ... كه هست اين از طريق معدلت دور
[ اما جون تقرب برسيد واز ساغر جاه ودولت سرخوش كرديد از زدان وزاراهل آن غافل شد ] { فانسيه الشيطان } اى اسنى الشرابى بوسوسته والقائه فى قلبه اشتغالا تعوقه عن الذكر والا فالانساء فى الحقيقة الله تعالى والفاء للسببية فان توصيته عليه السلام المتضمنة للاستعانة بغيره تعالى كانت باعثة لما ذكر من الانساء { ذكر ربه } اى ذكر الشرابى له عليه السلام عند الملك والاضافة لادنى ملابسة . يعنى ان الظاهر ان يقال ذكره لربه على اضافة المصدر الى مفعول لان الشائع فى اضافته ان يضاف الى الفاعل او المفعول به الصريح الا انه اضيف الى غير الصريح للملابسة : قال المولى الجامى
جنان رفت آن وصيت از خيالش ... كه برخاطر نيامد جند سالش
نهال وعده اش مأيوسى آورد ... بزندان بلا محبوسى آورد
بلى أنراكه ايزد بركزيند ... بصدر عز معشوق نشيند
ره اسباب درويشى به بندد ... رهين اين وآنش كم بسندد
نخواهد دست او در دامن كس ... اسيردام خويشش خواهد وبس
وفى القصص ان زليخا سالت العزيز ان يخرج يوسف من السجن فلم يفعل وانساهم الله امر يوسف فلم يذكره { فلبث } يوسف بسبب ذلك الانساء او القول { فى السجن بضع سنين } نصب على حرف الزمان اى سبع سنين بعد الخمس لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال « رحم الله اخى يوسف ولم يقل اذكرنى عند ربك لما لبث فى السجن سبعا بعد الخمس »
قال فى الفتح لبث يوسف فى السجن اثنتى عشرة سنة عدد حروف اذكرنى عند ربك فصاحباه اللذان دخلا معه السجن بقيا محبوسين فيه خمس سنين ثم رأيا رؤياهما قبل انقضاء تلك المدة بثلاثة ايام وفى هذا العدد كمال القوة والتأثير كالائمة الاثنى عشر على عدد البروج الاثنى عشر وملائكة البروج الاثنى عشر وملائكة البروج الاثنى عشر ائمة العالم والعالم تحت احاطتهم وفى الخبر اشارة الى قوة هذا العدد معنى اذ اثنا عشر الفا لن يغلب عن قلة ابدا ولذلك وجب الثبات على العسكر اذا وجد العدد المذكور ولا اله الا الله اذنا عشر حرفا وكذا محمد رسول الله ولكل حرف الف باب فيكون للتوحيد اثنا عشر باب
يقول الفقير حبس الله تعالى يوسف فى السجن اثنى عشر عاما لتكميل وجوده بكمالات اهل الارض والسماء ففى العدد المذكور اشارة اليه مع اخوته الاحد عشر فله القوة الجمعي الكمالية فافهم
قال بعضهم فانساه الشيطان ذكر ربه اى انسى يوسف ذكر الله حتى استعان بغيره وليس ذلك من باب الاغواء حتى يخالف الا عبادك منهم المخلصين فان معناه الاضلال بل هو من ترك الاولى
وفى بحر العلوم والاستعانة بغير الله فى كشف الشدائد وان كانت محمودة فى الجملة لكنها لا تليق بمنصب الانبياء الذين هم افضل الخلق واهل الترقى فهى تنزل من باب ترك الاولى والافضل ولا شك ان الانبياء يعاتبون على الصغائر معاتبة غيرهم على الكبائر كما فى الكواشى .(6/103)
وليس ما روى عن عائشة رضى الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأخذه النوم ليلة من الليالى وكان يغلب من يحرسه حتى جاء سعد فسمعت غطيطه مخالفا اذ ليس فيه استعانة فى كشف الشدة النازلة بغير الله بل هو استئناس كما فى حواشى سعد المفتى -وحكى- ان جبريل دخل على يوسف فى السجن فلما رآه يوسف عرفه فقال له يا اخا المنذرين مالى اراك بين الخاطئين فقال له جبريل يا طاهر الطاهرين ان الله كرمنى بك وبآبائك وهو يقرئك السلام ويقول لك اما استحييت منى اذ استعنت بغيرى وعزتى لالبثنك فى السجن بضع سنين قال يا جبريل وهو عنى راض قال نعم اذا لا ابالى وكان الواجب عليه ان يقتدى بجده ابراهيم فى ترك الاستعانة بالغير كما روى انه قال له جبريل حين رمى به فى النار هل لك حاجة فقال اما اليك فلا قال فسل ربك قال حسبى من سؤالى علمه بحالى
وعن مالك بن دينار لما قال يوسف للشرابى اذكرنى عند ربك قال الله تعالى يا يوسف اتخذت من دونى وكيلا لاطلين حبسك فبكى يوسف وقال يا رب أقسى قلبى كثرة الاحزان والبلوى فقلت كلمة ولا اعود
وعن الحسن انه كان يبكى اذا قرأها ويقول نحن اذا نزل بنا امر فزعنا الى الناس : قال الكمال الحجندى
كيست درخوركه سد دوست بفرياد دلش ... آنكه فرياد زجور وستم اونكند
بارسا بشت فراغت ننهد برمحراب ... كركند تكيه جرا بر كرم او نكند
والاشارة وقال يوسف القلب المسجون فى حبس الصفات البشرية للنفس اذكرنى عند الروح يشير الى ان القلب المسجون فى بدء امره يلهم النفس بان يذكره بالمعاملات الروحانية مستمدا من الالطاف الربانية والشيطان بوساوسه يمحو عن النفس اثر الهامات القلب لينسى النفس ذكر الروح بتلك المعاملات
وفيه معنى آخر وهوان الشيطان انسى القلب ذكر ربه يعنى ذكر الله حتى استغاث بالنفس ليذكره عند الروح ولو استغاث بالله لخلصه فى الحال { فلبث فى السجن بضع سنين } يشير الى الصفات البشرية السبع التى بها القلب محبوس وهى الحرص والبخل والشهوة والحسد والعداوة ولغضب والكبر كما فى التأويلات النجمية(6/104)
وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)
{ وقال الملك } اى ملك مصر وهو الريان بن الوليد { انى ارى } فى المنام { سبع بقرات } جمع بقرة بالفارسية [ كاو ] { سمان } جمع سمينة نعت لبقرات { يأكلهن سبع عجاف } [ هفت كاو لاغر ] اى سبع بقرات عجاف جمع عجفاء والقياس غجف لان افعل وفعلاء لا يجمع على فعال لكنه حمل على نقيضه وهو سمان والهجف الهزال والاعجف المهزول -روى- انه لما قرب خروج يوسف من السجن جعل الله لذلك سببا لا يخطر بالبال
بسا قفلا كه نابيدا كليدست ... برو راه كشايش ن بديد ست
زنا كه دست صنعى در ميان نى ... بفتحش هيج صانع را كمان نى
بديد آيد زغيب آنرا كشادى ... وديعت در كشادش وهو مرادى
جو يوسف دل زحيلتهاى خود كند ... بريد از رشته تدبير بيوند
بجز ايزد نماند اورا بناهى ... كه باشد در نوائب تكيه كاهى
ز بندار خودى وبخردى رست ... كرفتش فيضى فضلى ايزدى دست
وذلك ان الملك اكبر كان يتخذ فى كل سنة عيدا على شاطئ النيل ويحش الناس اليه فيطعمهم اطيب الطعام ويسقيهم الذ الشراب وهو جالس على سريره ينظر اليهم فرأى ليلة الجمعة فى منامه سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس او من البحر كما فى الكواشى وخرج عقيبهن سبع بقرات مهازيل فى غاية الهزال فابتلعت العجاف السمان فدخلن فى بطونهن فلم ير منهن شيء { وسبع } اى وارى سبع { سنبلات } جمه سنبلة { خضر } جمع خضراء نعت لسنبلات والمعنى بالفارسية بهفت خوشه سبزوتازه كه دانهاى ايشان منعقد شده بود ] { واخر } اى سبعا اخر { يابسات } قد ادركت احصاد والتوت على الخضر حتى غلبن عليها وانما استغنى عن بيان حالها بما قص من حال البقرات فلما استيقظ من منامه بسبب انه شاهد ان الناقص الضعيف استولى على الكامل القوى فشهدت فطرته بان هذه الرؤيا صورة شر عظيم يقع فى المملكة الا انه ما عرف كيفية الحال فيه فاشتاق ورغب فى تحصيل المعرفة بتعبير رؤياه فجمع اعيان مملكته من العلماء والحكماء فقال لهم { يا ايها الملأ } فهو خطاب للاشراف من العلماء والحكماء او للسحرة والكهنة والمنجمين وغيرهم
كما قال الكاشفى [ اى كروه كاهنان ومعبران واشراف قوم ] رافتونى فى رؤياى } هذه اى عبروها وبينوا حكمها وما يؤول اليه من العاقبة . وبالفارسية [ فتودى دهيد يعنى جواب كوييد مرا ] { ان كنتم للرؤيا تعبرون } اى تعلمون عبارة جنس الرؤيا علما مستمرا وهى الانتقال من الصور الخيالية المشاهدة فى المنام الى ما هى صور امثلة لها من الامور الآفاقية والانفسية الواقعة فى الخارج فالتعبير والعبارة الجواز من صورة ما رأى الى امر آخر من العبور وهة المجاوزة وعبرت الرؤيا اثبت من عبرتها تعبيرا واللام للبيان كأنه لما قيل كنتم تعبرون قيل لأى شيء فقيل للرؤيا وهذه اللام لم تذكر فى بحث اللامات فى كتب النحو
واعلم ان الرؤيا تطلب التعبير لان المعانى تظهر فى الصورة الحسية منزلة على المرتبة الخيالية .(6/105)
واما ابراهيم عليه السلام فقد جرى على ظاهر ما ارى فى ذبح ابنه لان شأن مثله ان يعمل بالعزيمة دون الرخصة ولو لم يفعل ذلك لما ظهر للناس تسليمه وتسليم ابنه لامر الحق تعالى -وحكى- ان الامام تقى ابن مخلد صاحب المسند فى الحديث رأى النبى صلى الله عليه وسلم فى المنام وقد سقاه لبنا فلما استيقظ استقاء وقاء لبناء اى ليعلم حقيقة هذه الرؤيا وتحقيق قوله عليه السلام « من رآنى فى المنام فقد رآنى فى اليقظة فان الشيطان لا يتمثل على صورتى » ولو عبر رؤياه لكان ذلك اللبن علما فحرمه الله علما كثيرا على قدر ما شرب من اللبن ثم قال ووجه كون اللبن علما انه اول ما يظهر بصورة الحياة ويغتذى به الحيوان فيصير حيا كما ان العلم اول ما يتعين به الذات فيظهر عالما ثم ان رآه عليه السلام احد فى المنام بصورته التى مات عليها من غير نقصان من اجزائه ولا تغير فى هيئته فانه يأخذ عنه جميع ما يأمره به اة ينهاه عنه او يخبره من غير تعبير وتأويل كما كان يأخذ عنه من الاحكام الشرعية لو ادركه فى الحياة الدنيا الا ان يكون اللفظ مجملا فانه يؤوله فان اعطاه شيأ فى المنام فان ذلك الشيء هو الذى يدخله التعبير فان خرج فى الحس كما كان فى الخيال فتلك الرؤيا لا تعبير لها -وحكى- ان رجلا من الصلحاء رأى فى المنام انه لطم النبى عليه السلام فانتبه فزعا وهاله ما رأى مع جلالة النبى عليه السلام عنده فاتى بعض الشيةخ فعرض عليه رؤياه فقال له الشيخ اعلم انه عليه السلام اعظم من ان يكون عليه يدلك عليه يدلك او لغيرك والذى رأيته لم يكن النبى عليه السلام انما هو شرعه قد ادخلت بحكم من احكامه وكون اللطم فى الوجه يدلك على انك ارتكبت امرا محرما من الكبائر وكان من اهل الدين ولم يتهم الشيخ فى تعبيره لعلمه باصابته فيما كان يعبره فرجع الى بيته حزينا فسألته زوجته عن سبب حزنه فاخبرها برؤياه وتعبير الشيخ فتعجبت الزوجة واظهرت التوبة وقالت اما اصدقك كنت حلفت انى ان دخلت دار فلان احد معارفك فانى طالق فعبرت على بابها فحلفوا علىّ فاستحييت من الحاحهم فدخلت اليهم وخشيت ان اذكر لك ما جرى فكتمت الحال فتاب الرجل واستغفر وتضرع الى الحق واعتدت المرأة ثم جدد العقد عليها
ومن رأى الحق تعالى فى صورة يردها الدليل لزم ان يعبر تلك الصورة التى توجب النقصان ويردها الى الصورة الكمالية الكمالية التى جاء بها الشرع فما لم يكن عليه لا ينسب اليه تعالى كما فى الاسماء فما لم يطلق الشرع عليه ما لنا ان ننسبه اليه وتلك الصورة التى ردها الدليل وجعلها مفتقرة الى التعبير ما فى حق حال الرائى يحسب مناسبته لتلك الصورة المردودة والمكان الذى يراه فيه او فى حقهما معا -حكى- ان بعض الصالحين فى بلاد الغرب راى الحق تعالى فى المنام فى دهليز بيته فلم يلتفت اليه فلطمه فى وجهه فلما استيقظ قلق قلقا شديدا فاخبر الشيخ الاكبر قدس سره بما راى وفعل فما رأى الشيخ ما به من القلق العظيم قال له اين رأيته قال فى بيت لى قد اشتريته قال الشيخ ذلم الموضع مغصوب وهو حق للحق المشروع اشتريته وم تراع حاله ولم تف بحق الشرع فيه فاستدركه فتفحص الرجل عن ذلك فاذا هو وقف المسجد وقد بيع بغصب ولم يعلم الرجل ولم يلتفت الى امره فلما تحقق رده الى وقف المسجد واستغفر الله ولعل الشيخ علم من صلاح الرائى وشدة قاقه انه ليس من قبيل الرائى فسأله عن المكان الذى رأى فيه فمثل هذا اذا رؤى يجب تأويله .(6/106)
واما اذا كان التجلى فى الصورة النورية كصورة الشمس او غيرها من صور الانوار كالنور الابيض والاخضر وغير ذلك ابقينا تلك الصورة المرئية على ما رأينا كما نرى الحق فى الآخرة فان تلك الرؤية تكون على قدر استعدادنا فانهم المراتب والمواطن حتى لا تزل قدمك على رعاية الظاهر والباطن
وقد جاء فى الحديث « ان الحق يتجلى بصورة النقصان فينكرونه ثم يتحول ويتجلى بصورة الكمال والعظمة فيقبلونه ويسجدون له » فمن صورة مقبولة ومن صورة مردودة فما يحتاج الى التعبير ينبغى ان لا يترك على حاله فان موطن الرؤيا وهو عالم المثال يقتضى التعبير ولذا قال ملك مصر { افتونى فى رؤياى ان كنتم للرؤيا تعبرون }(6/107)
قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44)
{ قالوا } استئناف بيانى فكأنه قيل فماذا قال الملأ للملك فقيل قالوا هى { اضغاث احلام } تخاليطها اى اباطيلها واكاذيبها من حديث نفس او وسوسة شيطان فان الرؤيا ثلاث رؤيا من الله ورؤيا تخزين من الشيطان ورؤيا مما حدث المرء نفسه على ما ورد فى الحديث . والاضغاث جمع ضغث
قال فى القاموس الضغث بالكسر قبضة حشيش مختلطة الرطب باليابس واضغاث احلام لا يصح تأويلها لاختلاطها انتهى .
والاحلام جمع حلم بضم اللام وسكونها وهر الرؤيا الكاذبة لا حقيقة لها لقوله عليه السلام الرؤيا من الله والحلم من الشيطان واضافة الاضغاث الى الاحلام من قبيل لجين الماء وهو الظاهر كما فى حواشى سعد المفتى وجمعوا الضغث مع ان الرؤيا واحدة مبالغة فى وصفها بالبطلان فان لفظ الجمع كما يدل على كثرة الذوات يدل ايضا على المبالغة فى الاتصاف كما تقول فلان يركب الخيل لمن لا يركب الا فرسا واحد او لتضمنها اشياء مختلفة من السبع السمان والسبع العجاف والسنابل السبع الخضر والآخر اليابسات فتأمل حسن موضع الاضغاث مع السنابل فللعه در سأن التنزيل { وما نحن بتأويل الاحلام } اى المنامات الباطلة التى لا اصل لها { بعالمين } لا لان لها تأويلا ولكن لا نعلمه بل لانه تأويل لها وانما التأويل للمنامات الصادقة ويجوز ان يكون ذلك اعترافا منهم بقصور علمهم وانهم ليسوا بنحارير فى تأويل الاحلام مع ان لها تأويلا فكأنهم قالوا هذه الرؤيا مختلطة من اشياء كثيرة والانتقال فيها من الامور المخيلة الى الحقائق العقلية الروحانية ليس بسهل وما نحن بمتبحرين فى علم التعبير حتى نهتدى الى تعبير مثلها ويدل على قصورهم قول الملك ان كنتم للرؤيا تعبرون فانه لو كان متبحر لبت القول بالافتاء ولم يعلقه بالشرط وهو اللائح بالبال وعلى تقدير تبحرهم عمى الله عليهم واعجزهم عن الجواب ليصير ذلك سببا لخلاص يوسف من الحبس وظهور كماله(6/108)
وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45)
{ وقال الذى نجا منهما } اى من صاحبى يوسف وهو الشرابى { وادكر } اصله اذ تكر فقلبت التاء دالا والذال دالا وادغمت والمعنى تذكر يوسف وما قاله { بعد امة } اى مدة طويلة حاصلة من اجتماع الايام الكثيرة وهى سبع سنين كما ان الامة انما تحصل من اجتماع الجمع العظيم فالمدة طويلة كأنها امة من الايام والساعات والجملة حال من الموصول
قال الكاشفى [ ملك ريان وليد از جواب ايشان متحير كشته در درياى تفكر غوطه خورده كه آيا اين مشكل من كه كشايد وراه تعبير اين واقعه كه بمن نمايد ]
يا رب اين خواب بريشان مرا تعبير جبست ... [ ساقى كه ملك را متفكر ديد از حال يوسفش ياد آمدى ] اى تذكر الناجى يوسف وتأويله رؤياه ورؤيا صاحبه وطلبه ان يذكره عند الملك فجثا بين يدى الملك اى جلس على ركبيته فقال { انا انبئكم بتأويله } اى اخبركم به خاطبا بلفظ الجماعة تعظيما { فارسلون } فابعثون الى السجن فيه فيه حكيما من آل يعقوب يقال له يوسف يعرف تعبير الرؤيا قد عبر لنا قبل ذلك
بود بيدار در تعبير هر خواب ... دلش از غوص ايد دريا كهرياب
اكر كويى برو بكشايم اين راز ... وزو تعبير خوابت آورم باز
بكفتا اذن خواهى جيست ازمن ... جه بهتر كور را از جشم روشن
مراجشم خرداين لحظه كورست ... كه از دانستن اين راز دورست
فارسلوه اغلى يوسف فاتاه فاعتذر اليه(6/109)
يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46)
وقال يا { يوسف ايها الصديق } البليغ فى الصدق وانما وصفه بذلك لانه جرب احواله وعرف صدقه فى تاويل رؤياه صاحبه { افتنا فى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر واخر يابسات } اى فى رؤيا ذلك فان الملك قد رأى هذه الرؤيا ففى قوله أفتنا مع ان المستفتى واحد اشعار بان الرؤيا ليست له بل لغيره ممن له ملابسة بامور العامة وانه فى ذلك سفير ولم يغير لفظ الملك واصاب فيه اذ قد يكون بعد عبارات الرؤيا متعلقة باللفظ { لعلى ارجع الى الناس } [ تا باشد كه بازكردم بآن جواب تمام بسوى مردمان يعنى ملك وملازمان او ] { لعلهم يعلمون } [ تا باشدكه ايشان ببركت تو بدانند تأويل اين واقعه را ] كأنه قيل فماذا قال يوسف فىلتأويل(6/110)
قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47)
فقيل { قال تزرعون سبع سنين دأبا } مصدر دأب فى العمل اذا جدّ فيه وتعب وانتصابه على الحالية من فاعل تزرعون بمعنى دائبين مستمرين على الزراعة على عادتكم بجد واجتهاد والفرق بين الحرث والزرع ان الحرث القاء البذر وتهيئة الارض والزرع مراعاته وانباته ولهذا قال { افرأيتم ما تحرثون ءانتم تزرعونه ام نحن الزارعون } فاثبت لهم الحرث ونفى عنهم الزرع فالزرع اعم لانه يقال زرع اى طرح البذر وزرع الله اى انبت كما فى القاموس اخبرهم انهم يواظبون سبع سنين على الزراعة ويبالغون فيها اذ بذلك يتحقق الخصب الذى هو مصداق البقرات السمان وتأويلها ودلهم فى تضاعيف ذلك على امر نافع لهم فقال { فما حصدتم } [ بس آنجه بدرويد ازغلات در هر سال ] { فذروه فى سنبله } الا تركوه فيه ولا تذروه كيلا يأكله السوس كما هو شأن غلال مصر ونواحيها ولعله استدل على ذلك بالسنبلات الحضر وانما امرهم بذلك اذ لم يكن معتادا فيما بينهم وحيث كانوا معتادين للزراعة لم يأمرهم بها وجعلها امرا محقق الوقوع وتأويلا للرؤيا ومصداقا لما فيها من البقرات السمان { الا قليلا } [ مكراندكى بقدر حاجت ] { ما تأكلون } فى تلك السنين فأنتم تدرسون وقت حاجتكم اليه . وفيه ارشاد منه عليه السلام لهم الى التقليل فى الاكل والاقتصار على استثناء المأكول دون البذر لكون ذلك معلوما من قوله قال تزرعون سبع سنين وبعد اتمام ما امرهم به شرع فى بيان بقيية التأويل التى يظهر منها حكمة الامر المذكور(6/111)
ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48)
فقال { ثم ياتى من بعد ذلك } اى من بعد السنين المذكورات وهو عطف على تزرعون { سبع شداد } جمع شديدة اى سبع سنين صعاب على الناس لان الجوع اشد من الاسر والقتل { يأكلن ما قدمتم لهن } اى يأكلن اهلهن ما ادخرتم من الحبوب المتروكة فى سنابلها . وفيه تنبيه على ان امره بذلك كان لوقت الضرورة واسناد الاكل اليهن مع انه حال الناس فيهن مجاز كما فى نهاره صائم . وفيه تلويح بانه تأويل لاكل العجاف السمان واللام فى لهن ترشيح لذلك فكأن ما ادخر فى السنابل من الحبوب شيء قد هيئ وقدم لهن كالذى يقدم للنازل والا فهو فى الحقيقة مقدم للناس فيهن { الا قليلا مما تحصنون } تحرزون وتدخرون للبذر(6/112)
ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)
{ ثم يأتى من بعد ذلك } اى من بعد السنين الموصوفة بما ذكر من الشدة واكل الغلال المدخرة { عام فيه } سالى درو ] { يغاث الناس } من الغيث اى يمطرون فيكون بناؤه من ثلاثى والفه مقلوبة من الياء يقال غاثنا الله من الغيث وبابه باع ويجوز ان يكون من الغوث اى ينقذون من الشدة فيكون بناؤه من رباعى تقول اغاثنا من الغوث فالالف مقلوبة من الواو { وفيه يعصرون } اى ما شانه ان يعصر من العنب والقصب والزيتون والسمسم ونحوها من الفواكه لكثرتها وتكرير فيه لان الغيث والغوث من فعل الله والعصر من فعل الناس واحكام هذا العام المبارك ليست مستنبطة من رؤيا الملك وانما تلقاه من جهة الوحى فبشرهم بها اول البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخصبة . والعجاف واليابسات بسنين مجدبة وابتلاع العجاف للسمان باكل ما جمع فى السنين المخصبة فى السنين المجدبة وبيانه ان البقر فى جنس الحيوانات هو المخصوص بالعجافة وتناول النباتات حلوها ومرها وشرب المياه صافيها وكدرها كما ان السنة هى التى تسع الامور كلها مرغوبها ومكروهها وتأتى بالحوادث حسنها وسيئتها وايضا المعتبر فى امر التنعبير هو عبارة الرآئى وقد عبر الملك عن رؤياه ببقرات وسنبلات فاستشعر يوسف من الاول بالاشتقاق الكبير على ما هو المعول عليه عند الاكابر ىت قرب ومن الثانى سنة بلاء ثم ان البلاء مشترك بين الخير والشر والخضر فيه حرفان من الخير مع ظهور ضاد الضوء بها واليابس هو البائس كذا فى شرح القصوص للشيخ مؤيد الدين الجندى قدس سره
يقول الفقير اصلحه الله القدير وجه تخصيص البقرات والسنابل ان البقر عليه فى الاكل والحنطة معظم معاش الناس فاشارت الرؤيا الى ان الناس يقعون فى ضيق معاش من جهة الحنطة التى هى اول مأكولاتهم ومعظم اغذيتهم ولا ينافيه وجود قحط آخر من سائر الانواع
والاشارة ان السبع البقرات السمان صفات البشرية السبع التى هى الحرص والبخل والشهوة والحسد والعداوة والغصب والكبر والعجاف صفات الروحانية السبع التى هى اضداد صفات البشرية وهى القناعة والسخاء والعفة والغبطة والشفقة والحلم والتواضع والملك الروح وهو ملك القالب والملأ الاعضاء والجوارح والحواس والقوى وليس التصرف فى الملكوت ومعرفة شواهج من شأنها والناجى هى النفس الملهمة وهى اذا ارادت ان تعلم شيأ مما يجرى فى الملكوت ترجع بقوة التفكر الى القلب فتستخبر منه فالقلب يخبرها لانه يشاهد الملكوت ويطالع شواهده وهو واقف بلسان القلب وهو ترجمان بين الروحانيات والنفس فيما يفهم من لسان الغيب الروحانى يؤول للنفس ويفهمها تارة بلسان الخيال زتارة بالفكر السليم وتارة بالالهام وقوله { تزرعون سبع سنين دأبا } يشير الى تربية صفات البشرية السبع بالعادة والطبيعة وذلك فى سنى اوان الطفولية قبل البلوغ وظهور العقل وجريان قلم التكليف عليه(6/113)
{ فما حصدتم } من من هذه الصفات عند كماله فلا تستعملوه { فذروه } فىماكنه { الا قليلا } مما تعيشون به وهو بمنزلة الغذاء لمصالح قيام القالب الى ان تبلغوا حد البلاغة ويظهر نور العقل فى مصباح السر عن زجاجة القلب كأنه ككب درىّ ونور العقل اذا ايد بتأييد انوار تكاليف الشرع بعد البلوغ وشرف بالهام الحق فى اظهار فحور النفس وهو صفات البشرية السبع وتقواها وهو الاجتتاب بالتزكية عن هذه الصفات والتحلية بصفات الروحانية السبع وكان السبع العجاف قد اكلن السبع السمان وانما سمى السبع العجاف لانها من عالم الارواح وهو لطيف وصفقات البشرية من عالم الاجساد تنشأ وهو كثيف فسميت السمان ولا يبقى من صفات البشرية عند غلبات صفات الروحانية واضمحلال صفات البشرية يظهر مقام فيه يتدارك السالك جذبات العناية وفيه يتبرا العبد من معاملاته وينجو من حبس وجوده وحجب انانيته وكان حصنه وملجأه الحق تعالى كذا فى التأويلات النجمية : قال الكمال الخجندى
جامه بده جان ستان روى مبيج اززيان ... عاشق بى مايه را عين زيانست سود
سر فنا كوش كن جام بقا نوش كن ... حاجت تقرير نيست كزعدم آمدوجود
اللهم اجعلنا من اصحاب الفناء والبقاء وارباب اللقاء(6/114)
وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50)
{ وقال الملك } اى ملك مصر وهو الريان { ائتونى به } اى بيوسف وذلك ان الساقى لما رجع بتعبير الواقعة من عندج يوسف الى الملك وفى محضره الاشراف اعجب به تعبيره وعلم ان له علما وفضلا فاراد ان يكرمه ويقربه ويستمع التعبير المذكور من فمه بالذات
سخن كزدوست آرى شكراست آن ولى كرخود بكويد خوشتراست آن
ولذا قال ائتونى به فعاد الساقى { فلما جاءه } اى يوسف { الرسول } وهو الساقى ليخرجه
كه اى سرو رياض قدس بخرام سوى بستان سراى شاه نه كام
وقال ان الملك يدعوك فابى ان يخرج معه { قال } للرسول { ارجع الى ربك } اى سيدك { فاسأله } ليسأل ويتفحص { ما بال النسوة اللاتى } [ كه جه حال بود حال آن زنان كه ] { قطعن ايديهن } فى مجلس زليخا كما سبق مفصلا
بكفتا من جه آيم سوى شاهى ... كه جون من بيكسى را بى كناهى
بزندان سالها محبوس كردست ... زآثار كرم مأيوس كردست
اكر خواهد كه من بيرون نهم باى ... ازين غمخانه كو اول بفرماى
كه آنانى كه جون رويم بديدند ... زحيرت دررحم كفها بريدند
كه جرم من جه بوداز من جه ديدند ... جرا رختم سوى زندان كشيدند
بودكين سرشود بر شاه روشن ... كه باكست خيانت دامن من
مرابه كرزنم ثقب خزائن ... كه باشم درفراش خانه خائن
ولم يذكر سيدته تأدبا ومراعاة لحقها واحترازا عن مكرها حيث اعتقدها مقيمة فى عدوة العداوة واما النسوة فقد كان يطمع فى صدعهن بالحق وشهادتهن باقرارها بانهار راودته عن نفسه فاستعصم
قال العلماء انما ابى يوسف عليه السلام ان يخرج من السجن الا عد ان يتفحص الملك عن حاله مع النسوة لتنكشف حقيقة الحال عنده لا سيما عند العزيز ويعلم انه سجن ظلما فلا يقدر الحاسد الى تقبيح امره وليظهر كمال عقله وصبره ووقاره فان من بقى فى السجن ثنتى عشرة سنة اذا طلبه الملك وامر باخراجه ولم يبادر الى الخروج وصبر الى ان تتبين براءته من الخيانة فى حق العزيز واهله دل ذلك على براءته من جميع انواع التهم وعلى ان كل ما قيل فيه كان كذبا وبهتانا وفيه دليل على انه ينبغى ان يجتهد فى نفى التهمة ويتقى مواضعها وفى الحديث « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعن مواقع التهم » منه قال عليه السلام للمارين به فى معتكفه وعنده بعض نسائه « هى فلانة » نفيا للتهمة
وروى عن النبى عليه السلام انه استحسن حزم يوسف وصبره حيث دعا الملك فلم يبادر الى الخروج حيث قال عليه السلام « لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان ولو كنت مكانه ما اخبرتم حتى اشترطت ان يخرجونى ولقد عجبت حين اتاه ارسول فقال ارجع الى ربك الآية ولو كنت مكانه ولبثت فى السجن ما لبث لأسرعت الاجابة وبادرتهم الباب وما ابتغيت العذر انه كان حليما ذا اناة »(6/115)
الحلم بكسر الحاء تاخير مكافاة الظالم . والاناة على وزن القناة التأنى وترك العجلة
قال ابن الملك هذا ليس اخبارا عن نبينا عليه السلام بتضجره وقلة صبره بل فيه دلالة على مدح صبر يوسفوترك الاستعجال بالخروج ليزول عن قلب الملك ما كان متهما به من الفاحشة ولا ينظر اليه بعين مشكوكة انتهى
وقال الطيبى هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل التواضع لا انه كان مستعجلا فى الامور غير متأن والتواضع لا يصغر كبيرا ولا يضع رفيعا بل يوجب لصاحبه فضلا ويورثه جلالا وقدرا { ان ربى } ان الله { بكيدهن } بمكرزنان وفريب ايشان { عليم } حين قلن لى اطع مولاتك . وفيه استشهاد بعلم الله على انهن كدنه وانه بريئ من التهمة كأنه قيل احمله على التعرف يتبين له براءة ساحتى فان الله يعلم ان الله كان كيدا منهن
جوانمرد اين سخن جون كفت باشاه ... زنان مصررا كردند آكاه
كه بيش شاه يكسر جمع كشتند ... همه بروانه آن شمع كشتند(6/116)
قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51)
فلما حضرن { قال } الملك لهن { ما خطبكن } اى شأنكن العظيم { اذا راودتن } ظاهر الآية يدل على انهن جميعا قد راودن لا امرأة العزيز فقط فلا يعدل عنه الا بدليل والمراودة المطالبة { يوسف } وخادعتنه { عن نفسه } هل وجدتن منه ميلا اليكن
كزان شمع حريم جان جه ديديد ... كه بروى تيغ بدنامى كشيديد
زرويش در بهار وباغ بوديد ... جراره سوى زندانش نموديد
بتى كازار باشد برتنش كل ... كى ازدانا سزد بر كردنيش غل
كلى كش نيست تاب باد شبكير ... ببايش جون نهد جزآب زنجير
{ قلن } اى جماعة النساء مجيبة للملك { حاش لله } اصله حاشا بالالف فحذفت للتخفيف وهو فى الاصل حرف وضع هنا موضع المصدر اى التنزيه واللام لبيان من يبرأ وينزه وقد سبق فى هذه السورة فهو تنزيه له وتعجب من قدرته على خلق عفيف مثله . والمعنى بالفارسية [ با كست خداى تعالى آزانكه عاجز باشد از آفريدن مرد باكيزه جو يوسف ] { ما علمنا عليه من سوء } من ذنب وخيانة
زيوسف ما يجز باكى نديديم ... بجز عز وشرفنا كى نديديم
نباشددر صدف كوهر جنان باك ... كه بود ارتهمت ن جان جهان باك
{ قالت امرأة العزيز } اى زليخا وكانت حاضرة فى المجلس
قال الكاشفى [ جون زليخا ديدكه جزراستى فائده ديكر نيست وى نيز بباكى يوسف اقرار كرد ] { الآن } ارادت بالآن زمان تكلمها بهاذ الكلام لا زمان شهادتهن { حصص الحق } اى وضح وانكشف وتمكن فى القلوب والنفوس { انا راودته عن نفسه } [ مى جستم يوسف را از نفس او وآرزوى وصال كردم ] لا انه راودنى عن نفسى { وانه لمن الصادقين } اى فى قوله هى راوتندى عن نفسى : قال المولى الجامى
بجرم خويش كرد اقرار مطلق ... برأمد زوصداى حصحص الحق
بكفتا نيست يوسف را كناهى ... منم در عشق اوكم كرده راهى
نخست اورا بوصل خويش خواندم ... جوكام من نداد از بيش راندم
بزندان از ستمهاى من افتاد ... دران غمها زغمهاى من افتاد
غم من جون كذشت ازحدوغايت ... بجانش كرد حال من سرايت
جفايى كر رسيد اورا زجافى ... كنون واجب بود اورا تلافى
هر احسان كايد از شاه نكوكار ... بصد جندان بود يوسف سزاوار
قال ابن الشيخ لما علمت زليخا ان يوسف راعى جانبها حيث قال { ما بال النسوة اللاتى قطعن ايديهن } فذكرهن ولم يذكر اياها مع ان الفتن كلها انما نشأت من جانبها وجزمت بان رعايته اياها انما كانت تعظيما لجانبها واخفاء للامر عليها فارادت ان تكافئه على هذا الفعل الحسن فلذلك اعترفت بان الذنب كله كان من جانبها وان يوسف كان بريئا من الكل -روى- ان امرأة جاءت بزوجها الى القاضى وادعت عليه المهر فامر القاضى بان تكشف عن وجهها حت يتمكن الشهود من اداء الشهادة على وجهها فقال الزوج لا حاجة الى ذلك فانى مقر بصدقها فى دعواها فقالت المرأة لما اكرمتنى الى هذا الحد فاشهدوا انى ابرأت ذمتك عن كل حق كان لى عليك(6/117)
قال فى الارشاد فانظرا ايها المتصف هل ترى فوق هذه المرتبة نزاهة حيث لم تتمالك الخصماء عدم الشهادة بها والفضل ما شهدت به الخصماء
قال بعض ارباب التأويل ان قول نسوة القوى { حاش لله } وقول امرأة العزيز التى هى النفس الامارة { الآن حصحص الحق } اشارة الى تنور النفس والقوى بنور الحق واتصافها بصفة الانصاف والصدق وحصول ذلك انما هو بتكميل الاسناء السبعة او الاثنى عشر فى سجن الخلوة فان القلب بهذه الخلوة والتكميل يصل الى نور الوحدة ويحصل للنفس التزكية والاطمئنان والاقرار بفضيلة القلب وصدفه وبراءته فان من كمال اطمئنان النفس اعترافها بالذنب واستغفارها مما فرط منها حالة كونها امارة والصدق فى الاعمال كونها موافقة لرضى الله تعالى وخالية عن الاغراض وفى الاحوال كونها على وفق رضى الله تعالى وطاهرة عن الصفات النفسانية(6/118)
ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)
{ ذلك } من كلام يوم يوسف اى طلب البراءة او ذلك التثبت والتشمر لظهور البراءة
قال الكاشفى [ ملك يوسف راببغام دادكه زنان بكناه معترف شدند بياتا بحضورتو ايشانرا عقوبت كنم يوسف فرمودكه غرض من قوبت نبود اين خواست براى آن كردم كه ] { ليعلم } اى العزيز { انى لم اخنه } فى حرمه لان المعصية خيانة { بالغيب } بظهر الغيب وهو حال من الفاعل اى لم اخنه وانا غائب عنه فخفى على عينه او من المفعول اى وهو غائب عنى خفى عن عينى او ظرف اى بمكان الغيب اى وراء الاستار والابواب المغلقة { وان الله } اى وليعلم ان الله { لا يهدى كيد الخائنين } اى لا ينفده ولا يسدده بل يبطله ويزهقه كما لم يسدد كيد امرأته حتى اقرت بخيانة امانة زوجها وسمى فعل الخائن كيدا لان شانه ان يفعل بطريق الاحتيال والتلبيس فمعنى هداية الكيد اتمامه وجعله مؤديا الى ما قصديه . وفيه تعريض بامرأة العزيز فى خيانتها امانته وبنفس العزيز فى خيانة امانة الله حين ساعدها على حبس يوسف بعد ما رأوا آيات نزاهته ويجوز ان يكون ذلك لتأكيد امانته وانه لو كان خائنا لما هدى الله امره واحسن عاقبته . وفيه اشارة الى ان الله تعالى يوصل عباده الصادقين بعد الغم الى السرور ويخرجهم من الظلمات الى النور
قال بعضهم كنت اقرأ الحديث من الشيخ ابى حفص وكان بقربنا حانوت عطار فجاء رجل فاخذ منه العطر بعشرة دراهم فسقط من يده ففزع الرجل فقلنا تفرزع على يسير من الدنيا قال لو فزعت على الدنيا لفزعت حين سقط منى ثلاثة آلاف دينار مع جوهرة قيمتها كذاك ولكن الليلة ولد ولد لى فكلفت بلوازمه ولم يكن له غير هذه العشرة وقد ضاعت فلم يبق لى غير الفرار ففزعى لفراق الاهل والاولاد فسع جندى قوله فاخرج كيسا فيه الدنانير والجوهرة بالعلامة التى اخبر بها الرجل ولم يؤخذ منه شيء فسبحان من ابتلى عبده اولا بالشدائد ثم انجاه : قال المولى الجامى
درين دهر كهن رسميست ديرين ... كه بى تلخى نباشد عيش شيرين
خورد نه ماه طفلى در رحم خود ... كه آيد بارخ جون ماه بيرون
بسا سختى كخ بيند لعل درسنك ... كه خورشيد در خشانش دهدرنك
وفى الآية دلالة على ان الخيانة من الصفات الذميمة كما ان الامانة من الخصائل المحمودة فالصلاة والصوم والوزن والكيل والعبيد والاماء والودائع كلها امانات وكذا الامامة والخطابة والتأذين ونحوها امانات يلزم على الحكام تأديتها بان يقلدوها ارباب الاستحقاق ثم فى الوجود الانفسى امانات مثل السمع والبصر واليد والرجل ونحوها وكل اولئك كان عنه مسئولا والقلب امانة فاحفظه عن الميل الى ما سوى المولى : قال الصائب
ترا بكوهر دل كرده اند اما نتدار ... زدزدامانت حق رانكاه دار مخسب
فمن تيقن انه تعالى حاضر لديه ناظر عليه لم يجترئ على سوء الادب بموافقة النفس التى هى منبع القباحة والخيانة وحكى- ان شابا كان له رائحة طيبة فقيل له لك مصرف عظيم فىتلك الرائحة وثيابى بالنجاسة فخلتنى بظن الجنون فاعطانى الله تعالى تلك الرائحة ورأى الشاب فى المنام يوسف الصديق فقال له طوبى خلصك الله من تلك المرأة بدون هم منك وقد صدر منى هم اى هجوم الطبيعة البشرية وان لم يكن هناك وجود مقتضاها نسأل الله العصمة والتوفيق فى الدارين(6/119)
وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)
{ وما ابرئ نفسى } من كلام يوسف عليه السلام اى لا انزهها عن السوء ولا اشهد لها بالبراءة الكلية قاله تواضعا لله تعالى وهضما لنفسه الكريمة لا تزكية لها وعجبا بحالة فى الامانة ومن هذا القبيل قوله عليه السلام « انا سيد ولد آدم ولا فخر لى » او تحديثا بنعمة الله تعالى عليه فى توفيقه وعصمته اى لا انزهها عن السوء من حيث هى هى ولا اسند هذه الفضيلة اليها بمقتضى طبعها من غير توفيق من اللخ تعالى { ان النفس } اللام للجنس اى جميع النفوس التى من جملتها نفسى فى حد ذاتها { لامارة بالسوء } تأمر القبائح والمعاصى لانها اشد استلذاذا بالباطل والشهوات واميل الى انواع المنكرات ولولا ذلك لما صارت نفوزس اكثر الخلق مسخرة لشهواتهم فى استنباط الحيل لقضاء الشهوة وما صدرت منها الشرور اكثر ومن ههنا وجب القول بان كل من كان اوفر عقلا واجل قدرا عند الله كان ابصر بعيوب نفسه ومن كان ابصر بعيوبها كان اعظم اتهاما لنفسه واقل اعجابا { الا ما رحمم ربى } من النفوس التى يعصمها من الوقوع فى المهالك ومن جملتها نفسى ونفوس سائر الانبياء ونفوس الملائكة اما الملائكة فانه لم تركب فيهم الشهوة واما الانبياء فهم وان ركبت هى فيهم لكنهم محفوظون بتأييد الله تعالى معصومون فما موصولة بمعنى من . وفيه اشارة الى ان النفس من حيث كالبهائم والاستثناء من النفس او من الضمير المستتر فى امارة كأنه قيل ان النفس لامارة بالسوء الا نفسا رحمها ربى فانها لا تأمر بالسوء او بمعنى الوقت اى هى امارة بالسوء فى كل وقت الا وقت رحمة ربى وعصمته لها ودل على عموم الاوقات صيغة المبالغة فى امارة يقال فى اللغة امرت النفس بشيء فهى آمرة واذا اكثرت الامر فهى امارة { ان ربى غفور } عظيم المغفرة لما يعترى النفوس بموجب طباعها { رحيم } مبالغ فى الرحمة لها بعصمتها من الجريان بمقتضى ذلك
قال فى التأويلات النجمية خلقت النفس على جبلة الامارية بالسوء طبعا حين خليت الى طبعها لا بأتى منها الا الشر ولا تأمر بالسوء ولكن اذا رحمها ربها ونظر اليها بنظر العناية يقلبها من كبعها ويبدل صفاتها ويجعل اماريتها مبدلة بالمأمورية وشريرتها بالخيرية فاذا تنفس صبح الهداية فى ليلة البشرية واضاء افق سماء القلب صارت النفس لوامة تلوم نفسها على سوء فعلتها وندمت على ما صدر عنها من الامارية بالسوء فيتوب الله عليها فان الندم توبة واذا طلعت شمس العناية من افق الهداية صارت النفس ملهمة اذ هى تنورت بانوار شمس العناية فالهمها نورها فجورها وتقواها واذا بلغت شمس العناية وسط سماء الهداية واشرقت الارض بنور ربها صارت النفس مطمئنة مستعدة لخطاب وبها بحذبة ارجعى الى ربك راضية مرضية انتهى يقول الفقير سلوك الانبياء عليهم السلام وان كان من النفس المطمئنة الى الراضية والمرضية والصافية الا ان طبع النفوس مطلقا اى سواء كانت نفوس الانبياء او غيرهم على الامارية وكون طبعها عليها لا يوجب ظهور آثار الامارة بالنسبة الى الانبياء ولذا لم يقل يوسف عليه السلام ان نفسى لامارة بالسوء بعد ما قال وما ابرئ نفسى بل اطلق القول فى الامارية واستثنى النفوس المعصومة فلولا العصمة لوقع من النفس ما وقع ولذا قال عليه السلام(6/120)
« رب لا تكلنى الى نفسى طرفة عين ولا اقل من ذلك » فالدليل على امارية مطلق النفوس هذه الآية
وقد قال ابن الشيخ فى هذه السورة عند قوله تعالى { ولما بلغ اشده آتيناه حكما وعلما } يحتمل ان يكون المراد من الحكم صيرورة نفسه المطمئنة حاكمة على نفسه الامارية مستعلية عليها قاهرة لها انتهى فاثبت الامارية لنفس يوسف
وقال سعدى المفتى عند قوله تعالى { اصب اليهن } فى هذه السورة ايضا على قول البيضاوى اى امل الى جانبهن او الى انفسهن بطبعى ومقتضى شهوتى قوله بطبعى اى بسبب طبعى ونفسى الامارة بالسوء انتهى
وقال حضرة الشيخ نجم الدين دايه قدس سره عند قوله تعالى فى سورة الانعام { وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الانس والجن } فشيطان الانس نفسه امارة بالسوء وهى اعدى الاعداء انتهى
وصرح ايضا بذلك فى مواضع اخر من تأويلاته وهكذا ينبغى ان يفهم ها المقام فانه من مزالق الاقدام وقد رأيت من تحير فيه وزلق ووقع فى هاوية الاضطراب والقلق مع شهرته التامة والعامة فى الافواه القائلة بمكاشفاته ووصوله الى الله فليجتهد العبد مع النفس الامارة حتى يصل الى الاطمئنان فبتخلص من كيدها والتوحيد اقوى الامور فى هذا الباب لانه اشد تأثيرا فى تزكية النفس وطهارتها من الشرك الجلى والخفى
قال فى نفائس المجالس النفس منبع العناد والخيانة ومعدن الشر والجناية فهى منشأ الفتن فى الانفس والآفاق وسبب ظهور الظلم على الاطلاق فلو حصل بين سلطان الروح ووزير العقل ومفتى القلب اتفاق لارتفع من القوى النفسانية والطبيعية خلاف وشقاق -وحكى- ان ثلاثة اثوار احدها اصفر والثانى ازرق والالث اسود استولت على جبل باتفاق منها بحيث لم يقدر غيرها ان يرعى فى ذلك الجبل فتشاور الحيوانات يوما فى ذلك فقال اشدانا اتدارك بحيث لم يقدر غيرها ان يرعى فى ذلك الجبل فتشاور الحيوانات يوما فى ذلك فقال اسدانا اتدارك الامر فجاء الى سفح الجبل فلما هجم الاثوار لمنعه قال الاسد يا اخوتى الاثوار اتركننى حتى اكون معكن فانه يحصل بسببى زيادة قوة فرضين باخوته وكونه بينهن فيوما قال للثور الاصفر والازرق ايها الاخوان ألا تريان ان لا مناسبة بيننا وبين الاسود فلو دبرنا فيه لكان خيرا قالا ماذا نفعل قال افعل ما ارى ان سامحتما وسكتتما قاللا فافعل ما شئت فأتاه الاسد واكله ثم بعد زمان قال للاصفر يا اخى شعرك يشابه شعرى فبينى وبينك مناسبة تامة ولكن اى مناسبة فى ان يكون هذا الازرق بيننا فتعال حتى نرفعه من البين ويخلو لنا الجبل فقال افعل ما شئت فاتاه وهو يرعى فلما اراد ان يتعرض له خار واستمد من اخيه فلم يرفع له اخوه رأسا فاكله ثم بعد زمان قال للاصفر تهيأ فانى آكلك فان أى مناسبة فى ان يكون بيننا اخوة واتفاق فتضرع ولكن لم يسمعه الاسد فقال الثور قد كنت اتصور مجيئ هذا الى رأسى منذ ما جاء الى رأس اخى الثور الاسود ما جاء فافترسه واكله فالنفس مثل ها الاسد اذا ظهرت فى جبل الوجود غلبت على القوى واكلتها وفى هذا التمثيل مواعظ كثيرة لمن تأمل فيه : قال المولى جلال الدين الرومى قدس سره(6/121)
بيت من بيت نيست اقليمست ... هزل من هزل نيست تعليمست(6/122)
وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)
{ وقال الملك } [ آودره اندكه جون باملك مصر سخنان يوسف باز كفتند آروزمندئ وى بديدار يوسف زياده شد ] { ائتونى به } [ بياريد يوسف را بيش من ] { استخلصه } اجعله خالصا { لنفسى } وخاصا بى
قال سعدى المفتى كان استدعاء الملك يوسف اولا بسبب علم الرؤيا فلذلك قال ائتونى به فقط فبما فعل يوسف ما فعل وظهرت امانته وصبره وهمته وجودة نظره وتأنيه فى عدم التسرع اليه باول طلب عظمت منزلته عنده وطلبه ثانيا بقوله ائتونى به استخلصه لنفسى { فلما كلمه } اى فاتوا به فلما كلمه يوسف اثر ما اتاه فاستنطقه وشاهد منه ما شاهد من الرشد والدهاء وهو جودة الرأى { قال } له ايها الصديق { انك اليوم لدنيا } عندنا وبحضرتنا { مكين } ذو مكانة ومنزلة رفيعة { امين } مؤتمن على كل شيء واليوم ليس بمعيار لمدة المكانة بل هو آن التكلم والمراد تحديد مبدأهما احترازا عن احتمال كونهما بعد حين -روى- ان الرسول اى الساقى جاء الى يوسف فقال اجب الملك : قال الحافظ
ماه كنعانى من مسند مصر آن توشد ... كاه آنست كه بدرود كنى زندانرا
قال المولى الجامى
شب يوسف بكذشت از درازى ... طلوع صبح كردش كار سازى
جو شد كوه كران برجانش اندوه ... برآمد آفتابش از بس كوه
فخرج من السجن ووودع اهل السجن ودعالهم وقال لهم اعطف قلوب الصالحين عليهم ولا تستر الاخبار عنهم فمن تقع الاخبار عن اهل السجن قبل ان تقع عند عامة الناس وكتب على باب السجن هذه منازل البلوى وقبور الاحياء وشماتة الاعداء وتجربة الاصدقاء ثم اغتسل وتنظف من درن السجن ولبس ثيابا جددا [ در تيسير آورده كه ملك هفتاد حاجب را باهفتاد مركب آراسته با تاج ولباس ملوكانه بزندان فرستاد ]
جو يوسف شد سوى خسرو روانه ... بخلعتهاى خاص خسروانه
فراز مركبى از باى تا فرق ... جوكوهى كشته دردرو كهر غرق
بهر جا طبلهاى مشك وعنبر ... زهر سو بدرهاى زر وكوهر
براه مركب اة مى فشاندند ... كدا را از كدايى مى رهاندند
[ وجون نزديك ملك رسيد اورا احترام تمام نموده استقبال فرمود ]
زقرب مقدمش شه جون خبر يافت ... باستقبال او جون بخت بشتافت
كشيدش دركنار خويشتن تنك ... جو سرو كلرخ وشمشاد كلرنك
به بهلوى خودش برتخت بنشاند ... به بر سشهاى خوش با او سخن راند
-روى- انه لما دخل على الملك قال اللهم انى اسألك بخيرك من خيره واعوذ بعزتك وقدرتك من شره ثم سلم عليه ودعا له بالعبرانية وكان يوسف بتكلم باثنين وسبعين لسلنا فلم يفهمها الملك فقال ما هذا اللسان قال لسان آبائى ابراهيم واسحاق ويعقوب ثم كلمه بالعربية فلم يفهمها الملك فقال ما هذا اللسان قال لسان عمى اسماعيل وكان الملك يتكلم بسبعين لسانا فكلمه بها فأجابه بجميعها فتعجب منه .(6/123)
وفيه اشارة الى حال اهل الكشف مع اهل الحجاب فان اصحاب الحقيقة يتكلمون فى كل مرتبة شريعة كانت او طريقة او معرفة او حقيقة واما ارباب الظاهر فلا قدرة لهم على التكلم الا فى مرتية الشريعة وعلمان خير من علم واحد . وقال الملك ايها الصديق انى احب ان اسمع رؤياى منك فحكاها فعبرها يوسف على وجه بديع واجاب لكل ما سأل باسلوب عجيب
جوابى دلكشن ومطبوع كفتش ... جنان كامدازان كفتن شكفتش
وفى الآية اشارتان . الاولى ان الروح يسعى فى خلاص القلب من سجن صفات البشرية ليكون خالصا له فى كشف حقائق الاشياء ولم يعلم انه خلق لصالح جميع رعايا مملكته روحانية وجسمانية كما قال عليه السلام « ان فى جسد ابن آدم لمضغة اذا صلحت صلح بها سائر الجسد واذا فسدت فسد بها سائر الجسد ألا وهى القلب » والثانية ان الله استحسن من الملك احسانه مع يوسف واستخلاصه من السجن فاحسن اليه بان رزقه الايمان واستخلصه من سجن الكفر والجهل وجعله خالصا لحضرته بالعبودية وترك الدنيا وزخارفها وطلب الآخرة ودرجاتها
قال مجاهد اسم الملك على يده وجمع كثير من الناس لانه كان مبعوثا الى القوم الذين كان بين اظهرهم
يقول الفقير ايده الله القدير اذا كان الاحسان الى يوسف والاكرام له سببا للايمان والعرفان فما ظنك بمن آسى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذب عنه ما دام حيا وهو ابن عمه ابو طالب فالاصح انه ممن احياه الله للايمان كما سبق فى الجلد الاول
واعلم ان اللطف والكرم من آثار السعادة الازلية فلو صدر من الكافر يرجى ان ذلك يدعوه الى الايمان والتوحيد ويصير عاقبته الى الفلاح والنجاح ولو صدر من اهل الانكار اداه الى الاستسعاد بسعادة التوفيق الخاص كما لا يخفى على اهل المشاهدة(6/124)
قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)
{ قال } يوسف { اجعلنى على خزائن الارض } اى ارض مصر فاللام للعهد اى ولنى امرها من الايراد والصرف [ يعنى مرا برآنجه حاصل ولايت مصر باشد از نقود واطعمه خازن كردان ] { انى حفيظ } لها عمن لا يستحقها { عليم } بوجوه التصرف فيها
وذلك انه لما عبر رؤيا الملك واخبر باتيان السنين المجدبة قال له فما ترى يا يوسف قال ترزع زرعا كثيرا وتأخذ من الناس خمس زروعهم فى السنين المخصبة وتدخر الجميع فى سنبله فيكفيك واهل مصر مدة السنين المجدبة
وفى بحر العلوم قال له من حقك ان تجمع الطعام فى الاهراء فيأتيك الخلق من النواحى ويمتارون منك ويجتمع لك من الكنوز ما لم يجتمع لاحد قبلك فقال الملك ومن لى بذاك فقال { اجعلنى } الآية
ولى هركاررا بايد كفيلى ... كه از دانش بود باوى دليلى
بدانش غايت آن كار داند ... جو داند كاررا كردن تواند
زهر جيزى كه دلا عالم توان يافت ... جو من دانا كفيلى كم توان يافت
بمن تفويض كن تدبير اين كار ... كه نابد ديكرى جون من بديدار
وذلك لانه علم فى الرؤيا التى رآها الملك ان الناس يصيبهم القحط فخاف عليهم القحط والتلف فاحب ان تكون يداه على الخزانة ليعينهم وقت الحاجة شفقة على عبادة الله وهى من اخلاق الخلفاء وكانت خدمته معجزة لفراعنة مصر ولهذا قال فرعون زمانه حبن بنى الفيوم له هذ من ملكوت السماء وهو اول من دون الدفاتر وعين علوم الحساب والهندسة بانواع الاقلام والحروف
وفى الآية دليل على جواز طلب الولاية اذا كان الطالب ممن يقدر على اقامة العدل واجراء احكام الشريعة
قال العلماء سؤال تولية الاوقاف مكروه كسؤال تولية الامارة والقضاء -روى- ان قوما جاؤا الى النبى عليه السلام فسألوه ولاية فقال « انا لن تستعمل على عملنا من اراده » وذلك لان الله تعالى يعين المجبور ويسدده ويكل الطالب الى نفسه والولاية امور ثقيلة فلا يقدر على رعاية حقوقها واذا تعين احد للقضاء او الامارة او نحوهما لزمه القبول لانها من فروض الكفاية فلا يجوز اهمالها ويوسف عليه السلام كان اصلح من يقوم بما ذكر من التدبير فى ذلك الوقت فاقتضت الحال تقلده وتطلبه اصلاحا للعالم
وفى الآية دلالة ايضا على جواز التقلد من يد الكافر والسلطان الجائر اذا علم انه لا سبيل الى الحكم بامر الله ودفع الباطل واقامة الحق الا بالاستظهار به وتمكينه وقد كان السلف يتولون القضاء من جهة البغاة ويرونه -وحكى- الشيخ العلامة ابن الشحنة ان تيمور لنك ذكروا عنه كان يتعنت عن العلماء فى الاسئلة ويجعل ذلك سببا لقتلهم وتعذيبهم مثل الحجاج فلما دخل حلب فتحها عنوة وقتل واسر كثيرا من المسلمين وصعد نواب المملكة وسائر الخواص الى القلعة وطلب علماءها وقضاتها فحضرنا اليه واوقفنا ساعة بين يديه ثم امرنا بالجلوس فقال لمقدم اهل العلم عنده وهو المولى عبد الجبار ابن العلامة نعمان الدين الحنفى قل لهم انى سائلهم عن مسألة سألت عنها علماء سمرقند وبخارى وهراة وسائر البلاد التى افتتحتها ولم يفصحوا عن الجواب فلا تكونوا مثلهم ولا يجاوبنى الا اعلمكم وافضلكم وليعرف ما يتكلم به فقال لى عبد الجبار سلطاننا يقول بالامس قتل منا ومنكم فمن الشهيد قتيلنا ام قتبلكم ففتح الله علىّ بجواب جين بديع فقلت جاء اعرابى الى النبى عليه السلام فقال الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل للذكر والرجل يقاتل ليرى مكانه فى سبيل الله ومن قتل منا ومنكم لاعلاء كلمة الله فهو الشهيد فقال تيمور لنك « خوب خوب » وقال عبد الجبار ما احسن ما قلت وانفتح باب المؤانسة فتكررت الاسئلة والاجوبة وكان آحر ما سأل عنه ما تقولون فى على معاوية ويزيد فقلت لا شك ان الحق كان مع على وليس معاوية من الخلفاء فقال قل علىّ على الحق ومعاوية ظالم ويزيد فاسق قلت قال صاحت لهداية يجوز تقليد للقضاء من ولاة الجور فان كثيرا من الصحابة والتابعين تقلدوا القضاء من معاوية وكان الحق مع على فى توبته فسر لذلك واحسن الينا والى من يتعلق بنا فى البلدة -وروى- ان الملك لما عين يوسف عليه السلام لامر الخزائن توفى قطفير فى تلك الليالى كما قال المولى الجامى(6/125)
جو يوسف را خدا داد اين بلندى ... بقدر اين بلندى ار جمندى
عزيز مصررا دولت زبون كشت ... لواى حشمت او سر نكون كشت
دلش طاقت نياورد اين خلل را ... بزودى شد هدف تير اجل را
زليخا روى در ديوار غم كرد ... زبار هجر يوسف بشت خم كرد
نه از جاى عزيزش خانه آباد ... نه ازاندوه يوسف خاطر آزاد
فلك كودير مهر وتيز كين است ... درين حرمان سرا كاروى اينست
يكى را بركشد جون خور بلاك ... يكى را افكندجون سايه برخاك
خوش آن دانا بهر كارى وبارى ... كه از كارش بكيرد اعتبارى
نه از اقبال اة كردن فرازد ... نه از ادبار او جانش كدازد
-حكى- ان زليخا بعد ما توفى قطفير انقطعت عن كل شيء وسكنت فى خرابة من خرابات مصر سنين كثيرة وكانت لها جواهر كثير جمعت فى زمان زوجها فاذا سمعت من واحد خبر يوسف او اسمه بذلت منها محبة له حتى نفذت ولم يبق لها شيء
وقال بعضهم اصاب زليخا ما اصاب الناس من الضر والجوع فى ايام القحط فباعت حليها وحللها وجميع ما كانت تملكه وذهب نعمتها وبكت بكاء الشوق ليوسف وهرمت(6/126)
جوانى تيره كشت از جرخ بيرش ... برنك شير موى حو قيرش
برآمد صبح وشب هنكامه برجيد ... بمشكستان او كافور باريد
به بشت خم آزان بودى سرش بيش ... كه جستى كم شده سرمايه خويش
ثم لما غيرها الجهد واشتد حالها بمقاساة شدائد الخلوة فى تلك الخرابة اتخذت لنفسها بيتا من القصب على قارعة الطريق التى هى ممر يوسف وكان يوسف يركب فى بعض الاحيان وله فرس يسمع صهيله على ميلين ولا يصهل الا وقت الركوب فيعلم الناس انه قد ركب فتقف زليخا على قارعة الطريق فا مر بها يوسف تناديه باعلى صوتها فلا يسمع لكثرة اختلاط الاصوات
زبس بر كوشها ميزد زهرجا ... صهيل مركبان لاد بيما
زبس برآسمان ميشد زهر سوى ... نفير جاوشان طرقوا كوى
كس از غوغا بحال اونيفتاد ... بحالى شد كه اوراكس مبيناد
جوكردى كوش آن حيران ومهجور ... زجاووشان صداى دور شودور
زدى افغان كه من عمريست دورم ... بصد محنت دران دورى صبورم
زجانان تابكى مهجور باشم ... همان بهتركه از خود دور باشم
بكفتى اين وبيهوش اوفتادى ... زخود كرده فراموش اوفتادى
فاقبلت يوما على صنمها الذى كانت تعبده ولا تفارقه وقالت له تبا لك ولمن يسجد لك أما ترحم كبرى وعماى وفقرى وضعفى فى قواى فانا اليوم كافرة بك
بكفت اين را بزد برسنك خاره ... خليل آسا شكستش باره باره
تضرع كرد ورو بر خاك ماليد ... بدركاه خداى باك ناليد
اكر رو دربت آوردم خدايا ... بآن بر خود جفا كردم خدايا
بلطف خود جفاى من بيامرز ... خطا كردم خطاى من بيامرز
زبس راه خطا بيمايى از من ... ستاندى كوهر بينايى ازمن
جو آن كرد خطا ازمن فشاندى ... بمن ده باز آنجه از من ستاندى
بود دل فارغ ازداغ تأسف ... بجينم لاله ازباغ يوسف
فآمنت برب يوسف وصارت تذكر الله تعالى صباحا ومساء فركب يوسف يوما بعد ذلك فلما صهل فرسه علم الناس انه ركب فاجتمعوا لمطالعة جماله ورؤية احتشامه فسمعت زليخا الصهيل فخرجت من بيت القصب فلما مر بها يوسف نادت باعلى صوتها سبحان من حغل الملوك عبيدا بالمعصية وجعل العبيد ملوكا بلطاعة فامر الله تعالى الريح فالقت كلامها فى مسامع يوسف فاثر فيه فبكى ثم التفت فرآها فقال لغلامه اقض لهذه المرأة حاجتها فقال لها ما حاجتك قالت ان حاجتى لا يقضيها الا يوسف فحملها الى دار يوسف فلما رجع يوسف الى قصر نزع ثياب الملك ولبس مدرعة من الشعر وجلس في بيت عبادته يذكر الله تعالى فذلك العجوز فقال انها زعمت ان حاجتها لا يقضيها غيرك فقال ائتنى بها فاحضرها بين يديه فسلمت عليه وهو منكس الرأس فرق لها ورد عليها السلام وقال لها يا عجوز انى سمعت منك كلاما فاعيديه فقالت انى قلت سبحان الله من جعل العبيد ملوكا بالطاعة وجعل الملوك عبيدا بالمعصية فقال نعم ما قلت فما حاجتك قال يا يوسف ما اسرع ما نسيتنى فقال من انت ومالى بك معرفة(6/127)
بكفت آنم كه جون روى توديدم ... ترا از جمله عالم بر كزيدم
فشاندم كنج وكوهر در بهايت ... دل وجان وقف كردم درهوايت
جوانى درغمت بر باد دادم ... بيدن بيرى كه مى بينى فتادم
كرفتى شاهد ملك اندر آغوش ... مرا يكبار تو كردى فراموش
أما انا زليخا فقال يوسف لا اله الا الله الذى يحيى ويميت وهو حى لا يموت وانت بعدت فى الدنيا يا رأس الفتنة واساس البلية فقالت يا يوسف أبخلت علىّ بحياة الدنيا فبكى يوسف وقال ما صنع حسنك وجمالك ومالك قالت ذهب به الذى اخرجك من السجن واورثك هذا الملك فقال لها ما حاجتك قالت او تفعل قال نعم وحق شيبة ابراهيم فقالت لى ثلاث حوائج الاولى والثانية ان تسأل الله ان يرد علىّ بصرى وشبابى وجمالى فانى بكيت عليك حتى تذهب بصرى ونحل جسمى فدعا لها يوسف فرد الله بصرها وشبابها وحسنها
سفيدى شد زمشكين مهره اش دور ... در آمد در سواد نركسش نور
جوانى بيريش را كشت هاله ... بس از جل سالكى شد هزده ساله
وقال بعضهم كان عمرها يومئذ تسعين سنة والحاجةوالثالثة ان تتزوجنى فسكت يوسف واطرق رأسه زمانا فاتاه جبريل وقال له يا يوسف ربك يقرأك السلام ويقول لك لا تبخل عنها بما طلبت
كه ما عجز زليخا جو ديديم ... بتو عرض نيازش را شنيديم
دلش ار تيغ نوميدى نخستيم ... بتو بالاى عرشش عقد بستيم
فتزوج بها فانها زوجتك فى الدنيا والاخرة
جو فرمان يافت يوسف از خداوند ... كه بندد با زليخا عقد وبيوند
دعال سلطان مصر وجميع الاشراف وضاف لهم
بقانون خليل ودين يعقوب ... بر أيين جميل وصورت خوب
زليخارا بعقد خود در آورد ... بعقد خويش يكتا كوهر آورد
ونزلت عليه الملائكة تهنئة بزواجه بها وقالوا هناك الله بما اعطاك فهذا ما وعدك ربك وانت فى الجب فقال يوسف الحمد لله الذى انعم على واحسن الىّ وهوارحم الراحمين ثم قال الهى وشيدى اسألك ان تتم هذه النعمة وترينى وجه يعقوب وتقر عينه بالنظر الىّ وتسهل لاخوتى طريقا الى الاجتماع بى فانك سميع الدعاء وانت على كل شيء قدير وارسلت زليخا الى بيت الخلوة فاستقبلتها الجوارى بانواع الحلى والحلل فتزينت بها فلما جن الليل ودخل يوسف عليها قال لها أليس هذا خيرا مما كنت تريدين فقالت ايها الصديق لا تملنى فانى كنت امرأة حسناء ناعمة فى ملك ودنيا وكان زوجى عنينا لا يصل الى النساء وكنت كما جعلك الله فى صورتك الحسنة فغلبتنى نفسى
شكيبايى نبود از تو حد من ... بكش دامان عفوى از بد من
زجرمى كز كمال عشق خيزد ... كجا معشوق با عاشق ستيزد(6/128)
فلما بنى بها يوسف وجدها عذراء واصابها وفك الخاتم
كليد حقه او ياقوت ترساخت ... كشادش قفل دروى كوهر انداخت
فحملت من يوسف وولدت له ابنين فى بطن احدهما افراييم والآخر ميشا وكانا كالشمس والقمر فى الحسن والبهاء وباهى الله بحسنهما ملائكة السموات السبع واحب يوسف زليخا حبا شديدا وتحول عشق وليخا وحبها الاول اليه حتى لم يبق له بدونها قرار
جو صدقش بود بيرون از نهايت ... در آخر بر يوسف سرايت
وحول الله تعالى عشق زليخا المجازى الى العشق الحقيقى فجعل ميلها الى الطاعة والعبادة وراودها يوسف يوما ففرت منه فتبعتها وقد قميصها من دبر فقالت فان قدت قميصك من قبل فقد قددت قميصى الآن فهذا بذاك
درين كار از تفاوت بى هراسيم ... به بيراهن درى رأسا برأسيم
جو يوسف روى اورد بندكى ديد ... وزان نيت دلش را زندكى ديد
بنام او ز زر كشاشنه ساخت ... نه كاشانه عبادت خانه ساخت
ووضع فى البيت الذى بناه سريرا مرصعا بالجواهر فاخذ بيدها واجلسها عليه وقال
درو بنشين بى شكر خدايى ... كزو دارى بهرمويى عطايى
توانكر ساخنت بعد از فقيرى ... جوانى داد بعد از ضعف بيرى
بجشم نور رفته نور دادت ... وزان بررو در رحمت كشادت
بس از عمرى كه زهر غم جشاندت ... بترياك وصال من رساندت
زليخاهم بتوفيق الهى ... نشسته بر سرير بادشاهى
دران خلوت سرامى بود خرسند ... بوصل يوسف وفضل خداوند
وسيأتى وفاتهما فى آخر السورة فانظر ايها المنصف ان الدنيا ما شغلتهما عن الله تعالى فاستعملا الاعضاء والجوارح فى خدمة الله تعالى
والاشارة قال يوسف القلب لملك الروح { اجعلنى على خزائن الارض } ارض الجسد فان الله تعالى فى كل شيء وعضو من اعضاء ظاهر الجسد وباطنه خزانة من القهر واللطف فيها نعمة اخرى كالعين فيها نعمة البصر فان استعملها فى رؤية العين ورؤية الآيات والصنائع فيجد اللطف وينتفع به وان استعملها فى مستلذاتها وشهوات النفس ولم يحفظ نفسه منها فيجد القهر ويضره ذلك فقس الباقى على هذا المثال ولهذا قال يوسف { انى حفيظ عليم } اى حافظ نفسى فيها عما يصرها عليم بنفعها او ضرها واستعمالها فيما ينفع ولا يضر(6/129)
وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56)
{ وكذلك } الكاف منصوبة بالتمكين وذلك اشارة الى ما انعم الله به عليه من انجائه من غم الحبس وجعل الملك الريان اياه خالصا لنفسه { مكنا ليوسف } اى جعلنا له مكانا { فى الارض } اى ارض مصر ةكانت اربعين فرسخا فى اربعين كما فى الارشاد
وقال فى المدارك التمكين الاقدار واعطاه القدرة
وفى تاج المصادر مكنه فى الارض بوأه اياها يتعدى بنفسه واللام كنصحته ونصحت له
وقال ابو على يجوز ان يكون على حد ردف لكم { يتبوأ منها } حال من يوسف اى ينزل من بلادها { حيث يشاء } ويتخذه مباءة ومنزلا وهو عبارة عن كمال قدرته على التصرف فيها ودخولها تحت سلطانه فكأنها منزله يتصرف فيها كما يتصرف الرجل فى منزله وفى الحديث « رحم الله اخى يوسف لو لم يقل اجعلنى على خزائن الارض لاستعمله من ساعته ولكنه اخر ذلك سنة » وعن ابن عباس رضى الله عنهما لما انصرمت السنة من يوم سأل الامارة دعاه الملك فتوجه وختمه بخاتمه وردّاه بسيفه ووضع له سريرا من ذهب مكللا بالدر والياقوت وطول السرير ثلاثون ذراعا وعرضه عشرة اذرع عليه ثلاثون فراشا فقال يوسف اما السرير فاشدّ به ملكك واما الخاتم فادبر به امرك واما التاج فليس من لباسى ولا لباس آبائى فقال الملك فقد وضعته اجلالا لك واقرارا بفضلك فجلس على السرير واتت له الملوك وفوض اليه الملك امره كما قال المولى الجامى
جوشاه ازوى بديد اين كار سازى ... بملك مصر دادش سرفرازى
سبه را بنده فرمان او كرد ... زمين را عرصه ميدان او كرد
ونعم ما قيل
بيرست جرخ واختر بخت تو نو جوان ... آن به كه بير نوبت خود باجوان دهد
وكان يوسف يومئذ ابن ثلاثين سنة كما فلا التبيان واقام العدل فى مصر واحبته الرجال والنساء وامر اهل كل قرية وبلدة بالاشتغال بالزرع وترك غيره فلم يدعوا مكانا الا زرعوه حتى بطون الاودية ورؤوس الجبال مدة سبع سنين وهو يأمركم ان يدعوه فى سنبله فاخذ منهم الخمس وجعله فى الاهراء وكذا ما وزعه السلطان ثم اقبلت السنون المجدبة فحبس الله عنهم القطر من السماء والنبات من الارض حتى لم ينبت لهم حبة واحدة فاجتمع الناس وجاؤا له وقالوا له يا يوسف قد فنى ما فى بيوتنا من الطعام فبعنا مما عندك فامر يوسف بفتح الاهراء وباع من اهل مصر فى سنى القحط الطعام فى السنة الاولى بالدراهم والدنانير وفى الثانية بالحلى والجواهر وفى الثالة بالدواب وفى الرابعة بالعبيد والاماء وفى الخامسة بالضياع والعقار وفى السادسة باولادهم وفى السابعة برقابهم حتى استرقهم جميعا فقالوا ما رأينا ملكا اجل واعظم منه فقال يوسف للملك كيف رأيت صنع ربى فيما خولنى فما ترى فقال ارى رأيك ونحن لك فقال انى اشهد الله واشهدك انى قد اعتقت اهل مصر عن آخرهم ورددت عليهم املاكهم(6/130)
قال الكاشفى [ حكمت درين آن بود كه مصر يان يوسف را بوقت خريد وفروخت درصورت بندكى ديده بودند قدرت ازلى همه را طوق بندكى او در كردن نهاد تاكسى راكه درباره او سختى بى ادبانه نرسد ] وكان لا يبيع من احد من الممتارين اكثر من حمل بعير تقسيطا بين الناس وكان لم يشبع مدة القحط مخافة نسيان الجياع : قال السعدى قدس سره
آنكه در راحت وتنعم زيست ... اوجه داندكه حال كرسنة جيست
حال درماندكى كسى داند ... كه باحوال خود فروماند
{ نصيب برحمتنا } [ ميرسانيم برحمت خود از نعيم دينى ودنيوى وصورى ومعنوى ] فالباء للتعدية { من نشاء } كل من نريد له ذلك لا يمنعنا منه شيء { لا نضيع اجر المحسنين } عملهم بل نوفيه بكماله فى الدنيا والآخرة -روى- عن سفيان بن عيينة المؤمن يثاب على حسناته فى الدنيا والآخرة والفاجر يعجل له الخير فى الدنيا وماله فى الآخرة من خلاق وتلا هذه الآية وفى الحديث « ان للمحسنين فى الجنة منازل حتى المحسن الى اهله واتباعه » والاحسان وان كان يعم امورا كثيرة ولكن حقيقته المشاهدة والعيان وهى ليت رؤية الصانع بالبصر وهو ظاهر بل هو المراد بها حالة تحصل عند الرسوخ فى كمال الاعراض عما سوى الله تعالى وتمام توجهه الى حضرته بحيث لا يكون فى لسانه وقلبه وهمه غير الله تعالى وسميت هذه الحالة مشاهدة لمشاهدة البصيرة اياه تعالى كما اشار اليها بعض العارفين بقوله
خيالك فى عينى وذكرك فى فمى ... وحبك فى قلبى فاين تغيب(6/131)
وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57)
{ ولاجر الآخرة } اى اجرهم فى الآخرة فالاضافة للملابسة وهو النعيم المقيم الذى لا نفاد له { خير } لانه افضل فى نفسه واعظم وادوم { للذين آمنوا وكانوا يتقون } الكفر والفواحش [ جون يوسف باحسان وتقوى ازقعر جاه تبخت وجاه رسيد ]
بدنيى وعقبى كسى قدر يافت ... كه او جانب صبر وتقوى شتافت
وفى الآية اشارة الى ان غير المؤمن من المتقى لا نصيب له فى الآخرة
قال بعض العارفين لو كانت الدنيا ذهبا فانيا والآخرة خزفا باقيا لكانت الآخرة خيرا من الدنيا خذف فان والآخرة ذهب باق
وعن ابى هريرة قال قلنا يا رسول الله مم خلق الجنة قال « من الماء » قلنا اخبرنا عن بنائها قال « لبنة من فضة ولبنة من ذهب وملاطها المسك الاذفر وترابها الزعفران وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ومن يدخلها ينعم ويخلد ولا يموت ولا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه وان اهل الجنة ليزدادون كل يوم جمالا وحسنا كما يزدادون فى الدنيا هرما » ولا بد من الطاعات فانها بذر الدرجات واجرة الجنات -حكى- ان ابراهيم بن ادهم اراد ان يدخل الحمام فمنعه الحمامى ان يدخله بدون الاجرة فبكى ابراهيم وقال اذا لم يؤذن ان ادخل فى بيت الشيطان مجانا فكيف لى بالدخول فى بيت النبيين والصديقين
يقول الفقير فان كان المراد ببيت النبيين الجنة فلا بد من دخولها من صدق الاعمال وان كان المراد القلب فلا بد فى دخوله من صدق الاحوال وعلى كلا التقديرين لا بد من العبودية لانها مقتضى الحكمة ولذا قال { للذين آمنوا وكانوا يتقون } فمن لا عبودية له لم تكن الآخرة عنده خيرا من الدنيا اذ لو علم خيريتها لاجتهد فى العبودية لله تعالى والامتثال بالامر ةالاجتناب عن النهى وقد جعل التصرف فى عالم الملك والملكوت فى العمل على وفق الشرع وخلاف الطبع اذ فيه المجاهدة التى هى حمل النفس على المكاره وترك الشهوات ألا ترى ان يوسف عليه السلام لما خالف الطبع ومقتضاه ونهى النفس عن الهوى ورضى بما قسم المولى وصبر على مقاساة شدائد الجب والسجن والعبودية جعله الله تعالى سلطانا فى ارض مصر ففسح له فى مكانه فكان مكافاة لضيق الجب والسجن وسخر له اهل مصر مجازاة للعبودية وزوجه زليخا بمقابلة كف طبعه عن مقتضاه
والتقوزى لا بد منها لاهل النعمة والمحنة اما اهل النعمة فتقواهم الشكر لانه وقاية من الكفران وجنة منه واما اهل المحنة فتقواهم الصبر لانه جنة من الجزع والاضطراب
فعلى العاقل ان يتمسك بعروة التقوى فانها لا انفصام لها ولها عاقبة حميدة واما غيرها من العرى فلها انفصام وانقطاع وليس لها نتيجة مفيدة كما شوهد مرة بعد اخرى اللهم اعصمنا من الزلل فى طريق الهدى واحفظنا عن متابعة النفس والهوى واجعلنا من الذين عرفوك فوقفوا عند امرك وتوجهوا اليك فرفضوا علاقة المحبة لغيرك(6/132)
وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58)
{ وجاء اخوة يوسف } [ آورده اندكه اثر قحط بكنعان وبلاد شام رسيده كار بر اولاد يعقوب تنك كرديد وكفتند اى بدر درشهر مصر ملكيست كه همه قحط زدكانرامى نوازد وكار غربا وابناء سبيل بدلخواه ايشان مى سازد ]
زا حسانش آسوده بر ناوبير ... وزوكشته خوش دل غريب وفقير
ببخشش زابر بهارى فزون ... صفات كمالش زغايت برون
[ اكرفرمايى برويم وطعامى جهت كرسنكان كنعان بياريم يعقوب اجارت فرمود وبنيامين را جهت خدمت خود باز كرفت وده فرزند ديكر هريك باشترى وبضاعتى كه داشتند روى براه آوردند ويك شترجهت بنيامين يا بضاعت او همراه بردند ] وقال بعضهم لما اجدبت بلاد الشام وغلت اسعارها جمع يعقوب بنيه وقال لهم يا بنى أما ترون ما نحن فيه من القحط فقالوا يا ابانا وما حيلتنا قال اذهبوا الى مصر واشتروا منها طعاما من العزيز قالوا يا نبى الله كيف يطيب قلبك ترسلنا الى فراعنة الارض وانت تعلم عداوتهم لنا ولا نأمن ان ينالنا منهم شر وكانت تسمى ارض مصر بارض الجبابرة لزيادة الظلم والجور فقال لهم يا بنى قد بلغنى انه ولى مصر ملك فاذهبوا اليه واقرئوه منى السلام فانه يقضى حاجتكم ثم جهز اولاده العشرة وارسلهم فذلك قوله تعالى { وجاء اخوة يوسف } اى ممتارين قالوا لما دنا ملاقاة يعقوب بيوسف وتحول الحال من الفرقة الى الوصلة ومن الالم الى الراحة ابتلى الله الخلق ببلاء القحط ليكون ذلك وسيلة الى خروج ابناء يعقوب لطلب المعاش وهو الى المعارفة والمواصلة وكانت بين كنعان ومصر ثمانى مراحل لكن ابهم الله تعالى ليعقوب عليه السلام مكان يوسف ولم يأذن فى تعريف حاله له الى مجيئ الوقت المسمى عند الله تعالى فجاؤا بهاذ السبب الى يوسف فى مصر { فدخلوا عليه } اى على يوسف وهو فى مجلس حكومته على زينة واحتشام { فعرفهم } فى بادئ الرأى واول النظر لقوة فهمه وعدم مباينة احوالهم السابقة لحالهم يومئذ لمفارقته اياهم وهم رجال وتشابه وهيآتهم وزيهم فى الحالين وليكون همته معقودة بهم وبمعرفة احوالهم لا سيما فى زمان القحط وقد احبره الله حين ما القاء اخوته فى الجب لتنبئتهم بامرهم هذا وهم لا يشعرون فعلم بذلك انهم يدخلون عليه البتة فلذلك كان مترصدا لوصولهم اليه فلما رآهم عرفهم { وهم لهم منكرون } اى والحال انهم منكرون ليوسف لطول العهد لما قال ابن عباس رضى الله عنهما انه كان بين ان قذفوه فى البئر وبين ان دخلوا عليه اربعون سنة ومفارقته اياهم فى سن الحداثة ولاعتقادهم انه قد هلك ولذهابه عن اواهامهم لقلة فكرهم فيه ولبعد حاله التى رأوه عليها من الملك والسلطان عن حاله التى فارقوه عليها طريحا فى البئر مشريا بدراهم معدودة وقلة تأملهم فى حلاه من الهيبة والاستعظام
وفى التأويلات النجمية عرفهم بنور المعرفة والنبوة { وهم له منكرون } لبقاء ظلمة معاصيهم وحرمانهم من نور التوبة والاستغفار ولو عرفوه حق المعرفة ما باعوه بثمن بخس(6/133)
وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59)
{ ولما جهزهم بجهازهم } اى اصلحهم بعدتهم وهى عدة السفر من الزاد وما يحتاج اليه المسافر واوقر ركائبهم اى اثقل بما جاؤا لاجله من الميرة وهى بكسر الميم وسكون الياء طعام يمتاره الانسان اى يجلبه من بلد الى بلد { قال ائتونى باخ لكم من ابيكم } [ بياريد بمن برادرى كه شماراست ازبدر شما يعنى علاتيست نه اعيانى ] والعلة الضرة وبنوا العلات بنوا امهات شتى من رجل لان الذى تزوجها على الاولى قد كانت قبلها تأهل ثم عل من هذه وبنوا الاعيان اخوة لاب وام وبنوا الاخياف اخوة امهم واحدة والآباء شتى ولم يقل باخيكم مبالغة فى اظهار عدم معرفته لهم فانه فرق بين مررت بغلامك ومررت بغلام لك فانك فى التعريف تكون عارفا بالغلام وفى التنكير انت جاهل به ولعله انما قاله لما قيل من انهم سألوه حملا زائدا على المعتاد لبنيامين فاعطاهم ذلك وشرطهم ان يأتوا به ليعلم صدقهم وكان يوسف يعطى لكل نفس حملا لا غير تقسيطا بين الناس
وقال الكاشفى [ هريك را يك شتر بار كندم دادند كفتنديك شتروار ديكر بجهت برادر ما كه خدمت بدر است بدهيد يوسف كفت من شمار مردم ميدهم نه بشمار شتر ايشان مبالغه نمودند قال ائتونى ] الآية
وقال فى بحر العلوم لا بد من مقدمة سبقت له معهم حتى اجترأ القول هذه المسئلة -روى- انه لما رآهم وكلموه بالعبرانية قال لهم اخبرونى من انتم وما شأنكم فانى انكركم قالوا نحن قوم من اهل الشام رعاة اصابنا الجهد فجئنا نمتار فقال لعلكم جئتم عيونا تنظرون عورة بلادى قالوا معاذ الله نحن اخوة بنوا اب واحد وهو شيخ صديق نبى من الانبياء اسمه يعقوب قال كم انتم قالوا كنا اثنى عشر فهلك منا واحد قال فكم انتم ههنا قالوا عشرة قال فاين الآخرة الحادى عشر قالوا عند ابيه ليتسلى به من الهالك قال فمن يشهد اكم انكم لستم بعيون وان الذى تقولون حتى قالوا انا ببلاد لا يعرفنا فيها احد فيشهد لنا قال فدعوا بعضكم عندى رهينة وائتونى باخيكم من ابيكم وهو يحمل رسالة من ابيكم حتى اصدقكم فاقترعوا بينهم فاصابت القرعة شمعون فخلفوه عنده { الا ترون } [ ايانمى بينيد ] { انى اوفى الكيل } اتمه لكم
قال الكاشفى [ من تمام مى بيمايم بيمانه را وحق كسى بازنمى كيرم ] { وانا خير المنزلين } والحال انى فى غاية الاحسان فى انزالكم وضيافتكم وقد كان الامر كذلك [ يعنى درانزال مهمانان واكرام واحسان با ايشان دقيقة فرونميكذاريم ] ولم يقله عليه السلام بطريق الامتنان بل لحثهم على تحقيق ما امرهم به(6/134)
فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60)
{ فان لم تأتونى به } [ بس اكرنياريد بمن آن برادررا ] { فلا كيل لكم عندى } من بعد اى فى المستقبل فضلا عن ايفائه والمقصود عدم اعطاء الطعام كيلا { ولا تقربون } بدخول بلادى فضلا عن الاحسان فى الانزال والضيافة
قالوا الله امره بطلب اخيه ليعظم اجر ابيه على فراقه وهو ما انهى او نفى معطوف على الجزاء كأنه قيل فان لم تأتونى به تحرموا ولا تقربوا يعنى انه سواء كن خبرا او نهيا يكون داخلا فى حكم الجزاء معطوفا عليه لكن جزمه على الثانى بلا الناهية وعلى الاول بالعطف على ما هو محل الجزم
قال فى الارشاد وفيه دليل على انهم كانوا على نية الامتياز مرى بعد اخرى وان ذلك كان معلوما له عليه السلام(6/135)
قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61)
{ قالوا سنراود عنه اباه } سنخادعه عنه ونحتال فى انتزاعه من يده ونجتهد فى ذلك وزفيه تنبيه على عزة المطلب وصعوبه مناله { وانا لفاعلون } ذلك غير مفرطين ولا متوانين عبروا بما يدل على الحال تنبيها على تحقق وقوعه كما فى قوله تعالى { وان الدين لواقع } وفيه اشارة الى ان لطائف الحيل وسائل فى الوصول الى المراد وان الانخداع كما انه من شأنه العامة كذلك هو من شأن خواص العباد بموجب البشرية التى ركبها الله على السوية بين الافراد [ أورده اندكه جهار كس درباغى رفتند بى اجازت مالك وبخوردن ميوه مشغول كشتند . يكى ازان جمله دانشمندى بود . ودوم علوى . وسوم لشكرى . وجهارم بازارى خداوند باع در آمد جون ديدكه دست خيانت دراز كرده اند وميوه بسيار تلف شده باخود انديشه كردكه اكرنه بنوع از فريب ومكر وحيلت دربيش آيم با ايشان برنيايم . اول روى بمرد عالم آورد وكفت تومرد ددانشمندى ومقتداى مايى ومصالح معاش ومعاد ما ببركت اقلام وحركت اقدام شمامنوطست واين بزرك ديكر ازخاندان نبوت واراهل فتوت است وما از جمله جاكران خاندان وييم ودوستى ايشان برماواجبست جنانكه حق تعالى ميفر مايد { قل لا اسألكم عليه اجرا الا المودة فى القربى } واين عزيز ديكر مرد لشكريست وخانمان وجان ما بتيغ بران وسعى وتدبير ايشان آبادان وباقيست شما اكر درباغ من آييد وتمام ميوها بمصلحت خود صرف كنيد جان ما وباغ ما فداى شما باد اين مرد بازارى كيست واورا حجت جيست وبجه سبب درباغ من آمده است ودست دراز كرده كريبان وى بكرفت واورا دست بردى تمام نمودكه آواز باى در آمد ودست وبايش محكم ببست وبينداخت بعد ازان روى بلشكرى نهادو كفت من بنده سادات وعلما ام توندانسته كه من خراج اين باغ بسلطان داده ام اكر سادات وائمه بجان ما حكم فرمايند حاكم باند اما بكوى كه توكيستى وبجه سبب درباغ من آمدى اورانيز بكرفت وكوشمالى تمام بتقديم رسانيد واورا نيز محكم دربست بعد ازان روى بدانشمند آوردكه همه عالمان بندكان ساداتند وحرمت داشتن ايشان برهمه كس واجبست اما توكه مرد عالمى اين قدر ندانى كه در ملك ديكران لى اجازت نبايد رفت ومال مسلما نان بغصب نبايد برد جان من وخانمان من فداى سادات باد هر جاهل كه خودرا دانشمند خواند وهيج نداند درخور تأديب ومستحق تعذيب باشد اورا نيزتمام برنجانيد ومقيد كردانيد بعد ازان روى بعلوى آورد وكفت اى لا سيد مكار واى مدعى نابكار اى ننك سادات عظام واى عاروشينشرفاء كرام بجه سبب درباغ من آمده وبكدام دل وزهره اين دليرى نموده رسول فرموده است كه مال امت من بر لا علويان حلالست اورانيز ادب بليغ بتقديم رسانيد ومحكم دست وباى وى دربست وبلطف حيل هر جاررا تأديب كرد وبهاى ميوه كه خورده بودند ازايشان بستاد وبشفاعت ديكران دست ازايشان بداشت اكر حيلة درامور دنيوى نبودى صاحب باغ كه بك تن بود تأديب جهار مرد نتوانستى كرد ومقصود او بحصول موصول نكشتى ] فاذا انقطع اسباب الحيل يلزم حينئذ الغلظة فى المعاملة ان اقتضت الحال ذلك والايسكت ويسلم
جو دست ازهمه حيلتى در كسست ... حلالست بردن بشمشير دست(6/136)
وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62)
{ وقال } يوسف { لفتيانه } غلمانه الكيالين اى الموكلين على خدمة الكيل جمع فتى وهو المملوك شابا كان او شيخا { اجعلوا بضاعتهم فى رحالهم } دسوها فى جواليقهم وذلك بعد اخذها وقبولها واعطاء بدلها من الطعام . والبضاعة من البضع بمعنى الشق والقطع لانها قطعة من المال . والرحل الوعاء ويقال لمنزل الانسان ومأواه رحل ايضا ومنه نسى الماء فى رحله وكل بكل رحل من يعى فيه بضاعتهم التى شروا بها الطعام وكانت نعالا وادما وقيل فى دراهم فان نقابلة الجمع بالجمع تقتضى انقسام الآحاد بالآحاد وانما فعله عليه السلام تفضلا عليهم وخوفا من ان لا يكون عند ابيه ما يرجعون به مرة اخرى { لعلهم يعرفونها } اى يعرفون حق ردها وحق التكرم باعطاء البدلين { اذا انقلبوا } اى رجعوا { الى اهلهم } وفتحوا اوعيتهم فالمعرفة مقيدة بالرجوع وتفريغ الاوعية { لعلهم يرجعون } لعل معرفتهم بذلك تدعوهم الى الرجوع الينا مرة اخرى باخيهم بنيامين فان التفضل عليهم باعطاء البدلين ولا سيما عند اعادة البضاعة من اقوى الدواعى الى الرجوع(6/137)
فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63)
{ فلما رجعوا } من مصر { الى ابيهم } فى كنعان { قالوا } قبل ان يستغلوا بفتح المتاع { يا ابانا منع منا الكيل } مصدر كلت الطعام اذا اعطيته كيلا ويجوز ان يراد به المكيال ايضا على طريقة ذكر المحل وارادة الحال اى منع ذلك فيما بعد فى المستقبل وفيه ما لا يخفى من الدلالة على كون الامتيار مرة بعد اخرى معهودا فيما بينهم وبينه عليه السلام
قال الكاشفى [ يعنى ملك كصر حكم كردكه ديكر طعام برمانه بيمانند اكر بنيامين را نبريم ] وذكروا له احسانا وقالوا انا قدمنا على خير رجل انزلناه واكرمنا بكرامة لو كان رجلا من آل يعقوب ما اركمنا كرامته وذكروا انه ارتهن شمعون { فارسل معنا اخانا } بنيامين الى مصر وفيه ايذان بان مدار المنع عدم كونه معهم { نكتل } بسببه ما نشاء من الطعام من الاكتيال يقال اكتلت عليه اى اخذت منه كيلا { وانا له لحافظون } من ان يصيبه مكروه ضامنون برده(6/138)
قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64)
{ قال } يعقوب { هل آمنكم عليه } استفهام فى معنى النفى وآمن فعل مضارع والامن والائتمان بمعنى وهو بالفارسية [ امين داشتن كسى را ] { الا كما امنتكم على اخيه } منصوب على انه نعت مصجر منصوب اى الا امنا كامنى اياكم على اخيه يوسف { من قبل } وقد قلتم فى حقه ما قلتم ثم فعلتم به ما فعلتم فلا اثق بكم ولا بحفظكم وانما افوض الانر الى الله تعالى { فالله خير } منى ومنكم { حافظا } تمييز او حال مثل لله دره فارسا { وهو ارحم الراحمين } من اهل السموات والارضين فارجو ان يرحمنى بحفظه ولا يجمع علىّ مصيبتين وهذا كما ترى ميل منه الى الاذن والارسال لما رأى فيه من المصلحة
قال كعب لما قال يعقوب فالله خير حافظا قال الله تعالى وعزتى لاردنّ عليك كليهما بعد ما توكلت علىّ فينبغى ان يتوكل على الله ويعتمد على حفظه دون حفظ ما سواه فان ما سواه محتاج فى حفظه الى الاسباب والآلات والله تعالى غنى بالذات مستغن عن الوسائط فى كل الامور وفى جميع الحالات ولذا حفظ يوسف فى الجب وكذا دانيال عليه السلام فان بخت نصر طرحه فى الجب والقى عليه اسدين فلم يضراه وجعلا يلحسانه ويتبصبصان اليه فاتاه رسول فقال يا دانيال فقال من انت قال انا رسول ربك اليك ارسلنى اليك بطعام فقال الحمد لله الذى لا ينسى من ذكره
ومن حفظه تعالى ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا اراد الحاجة ابعد فذهب يوما تحت شجرة فنزع خفيه قال ولبس احدهما فجاء طائر فاخذ الخف الآخر فحلق به فى السماء فانفلت منه اسود سالخ وهو نوع من الافعوان شديد السواد وسمى بلك لانه يسلخ جلده كل عام فقال النبى عليه السلام « هذه كرامة اكرمنى الله بها اللهم انى اعوذ بك من شر من يمشى على رجلين ومن شر من يمشى على اربع ومن شر من يمشى على بطنه »
ومن لطائف الاخبار ما ذكر فى انيس الوحدة بالفارسية [ مردى رازنى بود صاحب جمال واوازغايت غيرت كه از لوازم محبت است طاقتى نداشتى كه باد برسرزلف او كذر يا فتى يا أفتاب جهان تاب دروى تافتى
بادرا كر خبر ازغيرت عاشق بودى ... بر سر سنبل زلفش نكذشتى ازييم
اطراف وجوانب خانه جنان محفوظ ومضبوط كردانيده كه از نظر دائما مصون ومستور بودى زن جون روزى جند دران خانه ضيق بماند بتنك آمد شوهررا كفت مراتا اين غايت جرادر بند ميدارى
در قفص طلبد هركجا كرفتاريست ... بيش ازين مرا كرفتار مدارزن اكربد دار ونابكار باشد هيج أفريده اورا نكاه نتواند داشت وندارد واكر بارسا وعفيفه ونيكو كار باشد سر بهركه درجهان بلكه بمان آسمان فرونيارد ازين بندو حبس دست بدار ومرا بامستورى من سباركه عفت من مرا حافظى بى مثل وراقبى بى نظيرست ازين نوع جند انكه كفت درنكرفت بلكه در محافظت اوبيشترمى كوشيد زن خواست كه اورا برهانى نمايد درجوار اوزالى بودكه كاه كاهى ازشكاف دربا او سخن كفتى روزى اورابخواند وبجوانى كه دران همسايه بود فرستاد وكفت مدتى است تادر عشق كرفتارم وبى تو عاشق زارم وخواهان دولت مواصلت وآرزومند سعادت ملاقات زال تبليغ رسالت كرد جوان جون وصف حسن وجمال اوشنيده بود ازشادى در طرب واهتزاز آمد واز مسرت وابتهاج در هواى عشق جون باز بيرواز جواب فرستاد كه(6/139)
جانا بز بان من سخن ميكويى ... باخود سخن از زبان تو ميكويى
كيست آنكس كه نخواهد كه توجانش باشى ... من بعد در سراين كارم وعشق ترا بجان خريدار اما شوهر مردى عظيم غيورست وتمناى وصالت انديشه دور كفت
راه وصل ما بباي عاشقان ... كر ترا رغبت بود كامى بود
مصلحت آنست كه بعزم سفر آوازه دراندازى وصندوقى بزرك بشازى وبشوهر من فرستى كه بسفر ميروم وصندوقى بر از متاع دارم وبجز ازتو بهيج كس اعتماد ندارم ميخزاهم كه بخانه ثو آرم وبامانت بسبارم اكر قبول كنى لطفى بموقع خود بود ورهين منت كردم اورا وداع كنى وبروى وبعد ازان درين صندوق روى وغلامت بخانه ما آرد وهركاه كه شوهرم بيرون رود
تو ز صندوق خويش بيرون آى ... وز جمالم هميشه مى آساى
جوانرا اين تدبير خوش آمد وبران موجب كار بيش كرفت جون صندوق را بخانه آن فرستاد وموضعى معين كرد كه صندوق بنهد زن بيش شوهر آمد وكفت اين جيست وصندوق كيست شوهر حال باز كفت زن كفت ميدانيكه در صندوق جيست كفت نمى دانم كفت از عقل دور باشدكه صندوقى مقفل بخانه آرى وندانيكه درانجا جيست اكر فردا خصا بيايد وكويد درابحا انواع جواهر ولآلى بود وخلاف آن باشد جون از عهده آن بيرون آيى صواب آن باشد كه يكى را ازخانه او بيارى وجمعى از محلت حاضر كردانى تاسر صندوق بكشايند وهرجه در آنجا باشد بنمايند تادر وقت مطالبت امانت طرق قيل وقال مسدود باشد مردجون سخن مقبول شنيد صلاح درين ديد غلام آن مرده وجماعتى جند حاضر كردانيد وسر صندوق بكشادند وجوانرا ديدند در آنجا جون مغزدر بسته نشسته وازغاريت خجالت وشر مسارى زيان نطق بسته شوهر زن صاحب جمال نيك متحير ومتغير شد زن كفت اى خواجه اين جوانرا هيج كناهى نيست اين كارمنست وبيشه من غرض آن بود كه جون بيوسته مرا مقيد ومعذب ميداشتى خواستم كه باتو نمايم كه زنانرا هركز نكاه نتوان داشت زن بايدكه خود مستور ونيك نام بود اكرجه از آنجه احتراز ميكردى مرا بدان ميل والتفاتى بودى يا نه عفت من مانع آن حالت كشتى تو بدست خود يارى آورده بودى اما غرض من نمودن برهانست واظهار عفت خود اكنون مرا باعفت خود سبار ودست از محافظت ومراقبت من بدار مردجون آن حال مشاهده كرد دست ازرعايت او بداشت و بيش ازان اورا مقيد نداشت وبحفظ حق حواله كرد ](6/140)
وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65)
{ ولما فتحوا متاعهم } الذى حملوه من مصر وهواسم من متع كالكلام والسلام من كلم وسلم وهو فى الاصل كل ما انتفع به هو والمراد به هنا اوعية الطعام مجازا اطلاقا للكل على بعض مسمياته ويسمى بعضهم هذا النوع من المجاز اعنى اطلاق الكل على البعض حقيقة قاصرة { وجدوا بضاعتهم } [ يافتند بضاعت حودرا كه تسليم ملك كرده بودند ] { ردت اليهم } تفضلا وقد علموا لك بدلالة الحال كأنه قيل ماذا قالوا حينئذ فقيل { قالوا } لابيهم ولعله كان حاضرا عند الفتح كما فى الارشاد ويؤيده ما فى القصص من ان يعقوب قال لهم يا بنى قدموا احمالكم لادعو لكم فيها بالبركة فقدموا احمالهم وفتحوها بين يديه فرأوا بضاعتهم فى رؤس احمالهم فقالوا عند ذلك { يا ابانا ما نبغى } ما استفهامية منصوبة ينبغى وهو من البغى بمعنى الطلب اى أى شيء نطلب وراء هذا من الاحسان { هذه بضاعتنا } [ تينست بضاعت ماكه غله بدين بضاعت بما فروخته اند ] { ردت الينا } اى حال كونها مردودة الينا تفضلا من حيث لا ندرى بعد ما من علينا بالمنن العظام هل من مزيد على هذا فنطلبه ارادوا الاكتفاء به فى استيجاب الامتثال لامره والالتجاء اليه فى استجلاب المزيد { ونمير اهلنا } اى نجلب اليهم الطعام من عند الملك وهو معطوف على مقدر اى ردت الينا فنستظهر بها ونمير اهلنا فى رجوعنا الى الملك يقال مار اهله يميرهم ميرا اذا اتاهم بالميرة وهى الطعام المجلوب من بلد الى بلد ومثله امتار { ونحفظ اخانا } من الجوع والعطش وسائر المكاره { ونزداد } [ وزياده بستانيم بواسطه او ] { كيل بعير } اى حمل بعير يكال لنا من اجل اخينا لانه كان يعطى باسم كل رجل حمل بعير كأنه قيل اى حاجة الى الازدياد فقيل { ذلك } اى ما يحمله باعرنا { كيل يسير } اى مكيل قليل لا يقوم باودنا اى قوتنا(6/141)
قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66)
{ قال } ابوهم { لن ارسله معكم } بعد ما عاينت منكم ما عاينت { حتى تؤتون } [ تابدهيدمرا ] { موثقا من الله } اى عهدا موثوقا به اى متعمدا مؤكدا بالحلف وذكر الله وهو مصدر ميمى بمعنى الثقة استعمل فى الآية بمعنى اسم المفعول اى الموثوق به وانما جعله موثقا منه تعالى لان توكيد العهود به مأذون فيه من جهاته تعالى فهو اذن منه تعالى { ليأتينى به } جواب القسم اذ المعنى حتى تحلفوا بالله لتأتننى به فى كل الاوقات { الا ان يحاط بكم } الا وقت الاحاطة بكم وكونهم محاطا بهم اما كناية عن كونهم مغلوبين مقهورين بحيث لا يقدرون على اتيانه البتة وعن هلاكهم وموتهم جميعا واصله من العدو فانه من احاط به العدو يصير مغلوبا عاجزا عن تنفيذ مراده او هالكا بالكلية ولو صدقت هذه القصة المثل السائر وهو قولهم البلاء موكل بالمنطق فان يعقوب عليه السلام قال اولا فى حق يوسف { واخاف ان يأكله الذئب } فابتلى من ناحية هذا القول حيث قالوا اكله الذئب وقال ههنا { لتأتينى به الا ان يحاط بكم } فابتلى ايضا بذلك واحيط بهم وغلبوا عليه كما سياتى
قال الكاشفى [ درتبيان فرموده كه اورا بشما ندهم تا سوكند خوريد بحق محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وسيد المرسلين ايشان قبول نموده بمنزلت حضرت بيغمبرما سوكند خوردند كه درمهم بنيامين غدر نكنند ] { فلما آتوه موثقهم } عهدهم من الله حسبما اراد يعقوب { قال الله على ما نقول وكيل } اى على ما قلنا فى اثناء طلب الموثق وايتائه من الجانبين وكيل مطلع رقيب يريد به عرض ثقته بالله وثهم على مراعاة ميثاقهم
وفيه اشارة الى ان التوكل بعد التوكيد كقوله تعالى { فاذا عزمت فتوكل على الله } وفى الكواشى فى قول يعقوب { لن ارسله معكم } الآية دليل على جواز التعلق بالاسباب الظاهرة مع صحة التوكل : وفى المثنوى
كر توكل ميكنى در كار كن ... كشت كن بس تكيه بر جباركن
فينبغى للانسان ان يجمع بين رعاية الاسباب المعتبرة فى هاذ العالم وبين ان لا يعتمد عليها وان لا يراعيها الا لمحض التعبد بل يربط قلبه بالله وبتقديره ويعتمد عليه وعلى تدبيره ويقطع رجاه عن كل شيء سواه وليس الشأن ان لا تترك السبب بل الشأن ان تترك السبب وارادتك الاسباب مع اقامة الله اياك فى التجريد انحطاط عن الهمة العلية لان التجريد حال الآخذ من الله بلا واسطة فالمنجرد فى هذه الحالة كمن خلع عيله الملك خلعة الرضى فجعل يتشوق لسياسة الدواب
قال بعض المشايخ مثل التجرد والمتسبب كعبدين للملك قال لاحدهما اعمل وكل من عمل يدك وقال للآخر الزم انت حضرتى وانا اقوم لك بقسمتى فمتى خرج واحد منهما عن مراد السيد منه فقد اساء الادب وتعرض لاسباب المقت والعطب والاسباب على انواع(6/142)
فقد قيل من وقع فى مكان بحيث لم يقدر على الطعام والشراب فاشتغل باسم الصمد كفاه والصمدية هى الاستغناء عن الاكل والشرب
وعن بعضهم انه سافر للحج على قدم التجريد وعاهد الله سبحانه ان لا يسأل احدا شيأ فلما كان فى بعض الطريق مكث مدة لا يفتح عليه شيء فعجز عن المشيء ثم قال هذا حال ضرورة تؤدى الى تهلكة بسبب الضعف المؤدى الى الانقطاع وقد نهى الله عن الالقاء الى التهلكة ثم عزم على السؤال فلما همّ بذلك انبعث من خاطره رده عن ذلك العزم ثم قال اموت ولا انقض عهدا بينى وبين الله تعالى فمرت القافلة وانقطع واستقبل القبلة مضجعا ينتظر الموت فبينما هو كذلك اذا هو بفارس قائم على رأسه معه اداوة فسقاه وازال ما به من الضرورة فقال له أتريد القافلة فقال واين منى القافلة فقال قم وسار معه خطوات ثم قال قف هنا والقافلة تأتيك فوقف واذا بالقافلة مقبلة من خلفه فانظر ان البقاء فرع الفناء فما دام لم يحصل للمرء الفناء عن الوجود لم يجد البقاء من الله ذى الفيض والجود
يكجو از خر من هستى نتواند برداشت ... هركه در كوى فنا درره حق دانه نكشت(6/143)
وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67)
{ وقال } يعقوب ناصحا لبنيه لما ازمع على ارسالهم جميعا { يا بنى لا تدخلوا } مصر { من باب واحد } وكان لها اربعة ابواب { وادخلوا من ابواب متفرقة } اى من طرق شتى وسكك مختلفة مخافة العين فان العين والسحر حق اى كائن اثرهما فى المعين والمسحور وصاهم بذلك فى هذه الكرة لانهم كانوا ذوى جمال وهيئة حسنة مشتهرينفى مصر بالقربة عند الملك فخاف عليهم ان دخلوا جماعة واحدة ان يصابوا بالعين ولم يوصهم فى الكرة لانهم كانوا مجهولين حينئذ مغمورين بين الناس غير متجملين تجملهم فى الثانية وكان الداعى اليها خوفه على بنيامين [ در لطائف آورده كه يعقوب در اول مهر بيدا كرد وآخر عجز بندكى آشكار كرد كه كفت ] { وما اغنى عنكم } اى لا انفعكم ولا ادفع عنكم بتدبيرى { من الله } وقضائه { من } من رائدة لتأكيد النفى { شيء } اى شيأ فان الحذر لا يمنع القدر
من جهد نى كنم قضا ميكويد ... بيرون زكفايت توكار دكرست
ولم يرد به الغاء الحذر بالمرة كيف لا وقد قال تعالى { ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة } وقال { خذوا حذركم } بل اراد بيان ان ما وصاهم به ليس مما يستوجب المراد لا محالة بل هو تدبير فى الجملة وانما التأثير وترتب المنفعة عليه من العزيز القدير وان ذلك ليس بمدافعة للقدر بل هو استعانة بالله وهرب منه اليه { ان الحكم } اى ما الحكم مطلقا { الا الله } لا يشاركه احد ولا يمانعه شيء فلا يحكم احد سواه بشيء من السوء وغيره { عليه } لا على احد سواه { توكلت } فى كل ما آتى واذر . وفيه دلالة على ان ترتيب الاسباب غير مخل بالتوكل { وعليه } دون غيره { فليتوكل المتوكلون } الفاء لافادة التسبب فان فعل الانبياء سبب لا يقتدى بهم
قال سهل بن عبد الله التسترى قدس سره للعباد على ثلاثة اشياء تكليفهم وآجالهم والقيام بامرهم ولله على العباد ثلاثة التوكل عليه واتباع نبيه والصبر على ذلك الى الموت . ومعنى ذلك ان الثلاثة الاول دخول العبد فيها تكلف اذ لا يتصور وجودها بسبب منه لولا يجب على الله شيء . والثلاثة الاخر لا لد من قيام العبد بها اذ لا بد من تسببه فيها واعلم انه قد شهدت باصابة العين تجاريب العلماء من الزمن الاقدم وتطابق السنة الانبياء على حقيتها : قال الكمال الخجندى عقل باطل شمردجشم توهر خون كه كند ظاهرا بى خبر ازنكته العين حقست وفى الحديث « ان العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر » وعن على رضى الله عنه ان جبريل اتى النبى صلى الله عليه وسلم فوافقه مغتما فقال يا محمد ما هذا الغم الذى اراه فى وجهك فقال « الحسن والحسين اصابهما عين » فقال يا محمد صدقت فان العين حق وتحقيقه ان الشيء لا بعان الا بعد كماله وكل كامل فانه يعقبه النقص بقضاء ولما كان ظهور القضاء بعد العين اضيف ذلك اليها فالتأثير الحاصل عقبيه هو فعل الله على وفق اجراء عادته اذلا تأثير للعين حقيقة على ماهو مذهب اهل السنة وقال بعضهم تأثير المؤثر فى غيره لا يجب ان يكون مستندا الى القوى الحسمانية بل قد يمون التأثير نفسانيا محضا ويدل عليه ان اللوح الذى يكون قليل العرض اذا كان موضوعا على الرض يقدر الانسان على المشى عليه ولو كان موضوعا فيما بين جدارين عاليين يعجز عن المشى عليه وما ذلك الا لان خوفه من السقوط يوجب سقوطه منه فعلمنا ان التأثيرات النفسانية موجودة من غير ان يكون للقوى الجسمانية مدخل لها وايضا اذا تصور الانسان كون فلان مؤذيا له حصل فى قلبه غضب يسخن بذلك مزاجه جدا فمبدأ تلك السخونة ليس الاذاك التصور النفساني ولن مبدأ الحركات البدنية ليس الا التصورات النفسانية فلما ثبت ان تصور النفس يوجب تغير بدنه الخاص لم يبعد ايضا ان يكون بعض النفوس بحيث تتعدى تأثراتها الى سائر الابدان فثبت انه لا يمتنع فى العقل ان يكون بعض النفوس مؤثرا في سائر الابدان فان جواهر النفس مختلفة بالماهية فجاز ان يكون بعض النفوس بحيث يؤثر فى تغيير بدن حيوان آخر بشرط ان يراه ويتعجب منه زقال بعضهم وجه اصابة العين ان الناظر اذا نظر على شىء واستحسنه ولم يرجع الى الله والى رؤية صنعه قد يحدث الله فى المنظور علة بجناية نظره على غفلة ابتلاء من الله لعباده ليقول المحق انه من الله وغيره من غيره فيواخذ الناظر لكونه سببا وقال بعضهم صاحب العين اذا شاهد الشىء واعجب به كانت المصلحة له فى تكليفه ان يغير الله ذلك الشىء حتى لا يبقى قلب المكلف متعلقا به وقال بعضهم لا يستبعد ان يبعث من عين بعض الناس جواهر لطيفة غير مرئية فتتصل بالمعين فيتضرر بالهلاك والفساد كما قيل مثل ذلك في بعض الحيات فلن من انواع الافاعى ما اذا وقع بصرها على عين انسان مات من ساعته والتأثير غير موقوف على الاتصالات الجسيمة بل بعضها بالمقابلة والرؤية وبعضها لا يحتاج غلى المقابلة بان يتوجه الروح اليه ونحوه .(6/144)
ومن هذا القبيل شر الحسود المستعاذ منه حتى قال بعضهم ان بعض العائنين لا يتوقف عينهم على الرؤية بل ربما يكون اعمى فيوصف له الشئ فتؤثر نفسه بالوصف من غير رؤية قال القزويني ويختص بعض النفوس من الفطرة بامر غريب لا يوجب مثله لغيرها كما ذكر ان فى الهند قوما ما اذا اهتموا بشئ اعتزلوا عن الناس وصرفوا عمتهم الى ذلك الشئ فيقع على وفق اهتمامهم .(6/145)
ومن هذا القبيل ذكر ان السلطان محمود غزا بلاد الهند اذا صرفوا همتهم الى ذلك يقع المرض على وفق ماهتموا فاشار اليه بعض اصحابه بدق الطبول ونفخ البوقات الكثيرة لتشويش همتهم ففعل ذلك فزال المرض واستخلصوا المدينة فهذا تاثير الهمة . واما تأثير المحبة فقد حكى ان بعض الناس كان يهوى شابا يلقب ببدر الدين فاتفق انه توفى فى ليلة البدر فلما اقبل الليل وتكمل البدر لم يتمالك محبة رؤيته من شدة الحزن وانشد يخاطب البدر شقيقك غيب فى لحجه وتطلع يا بدر من بعده فهلا خسفت وكان الخسوف لباس الحداد على فقده فخسف القمر من ساعته لانظر على صدق هذه المحبة وتأثيرها فى القمر وصدق من قال ان المحبة معناطيس القلوب وتأثير الارواح فى الاجسام امر مشاهد محسوس فالتأثير للارواح ولشدة الاتباطها بالعين نسبت اليها قال بعض الحكماء ودليل ذلك ان ذوات السموم اذا اقتلت بعد لسعها خف اثر لسعها لان الجسد تكيف بكيفية السم وصار قابلا للانحراف فما دامت حلة فان نفسها تمده بامتزاج الهواء بنفسها وانتشاق الملسوع به وهذا مشاهد ولا اقول ان خاصية قتلها منحصرة فيها فقط بل هى احدى فوائدها المنقولة عنها واصل ذلك كله من اعجاب العائن بالشئ فيتبعه كيفية نفسه الخبيثة فيستعين على تنفيذ سميتها بعينه وقد يعين الرجل نفسه بغير ارادة منه وهذا ارجى ما يكون وينبغى ان يعلم ان ذلك لا يختص بالانس بل قد يكون فى الجن ايضا وقيل عيونهم انفذ من اسنة الرماح وعن ام سلمة رضى الله عنها ان النبى عليه السلام رأى فى بيتها جارية وفى وجهها صفرة فقال استرقوا لها فان بها النظرة واراد بها العين اصابتها من الجن قال الفقهاء من عرف بذلك حبسه الامام واجرى له النفقة الى الموت لما كان اصل ذلك استحسانه قال عثمان رضى الله عنه لما رأى صيبا مليحا دسموا نونته للا تصيبه العين اى سودوا نقرة ذقته قالوا ومن هذا القبيل نصب عظام الرؤس فى الموارع والكرو ووجهه ان النظر الشؤم يقع عليه اولا فتكسر سورته فلا يظهر اثره وقد جعل الله لكل داء دواء ولكل شئء ضدا فالدعوات والانفاس الطيبة تقابل الاثر الذى حصل من النفوس الخبيثة والحواس الفاسدة فتزيله - وروى - عن عبادة بن الصامت رضى الله عنه قال دخلت على رسول الله صلى الله غليه وسلم فى اول النهار فرايته شديد الوجع ثم عدت اليه آخر النهار فرأيته معافى فقال « ان جبريل عليه السلام اتانى فرقانى وقال بسم الله ارقيك من كل شئ يؤذيك ومن كل عين وحاسد الله يشفيك قال عليه السلام فافقت » وفيه فيما ذكر من حديث ام سلمة دلالة على جواز الاسترقاء وعليه عامة العلماء هذا عذا كانت الرقى من القرآن او الاذكار المعروفة اما الرقى التي لا يعرف معناها فمكروهة وعن عائشة رضى الله عنها انها قالت له صلى الله عليه وسلم « هلا تنشرت » اى تعلمت النشرة وهى الرقية قال بعضهم وفيه دليل على عدم كراهية استعمال النشرة حيث لم ينكر عليه السلام ذلك عليها وكرهها جمع واستدلوا بحديث فى سنن ابى داود مرفوعا « النشرة من عمل الشيطان » وحمل ذلك على النشرة التي تصحبها العزائم المشتملة على الاسماء التي لا تفهم كما قال المطرزى فى المغرب انما تكره الرقية اذا كانت بغير لسان العرب ولا يدرى ما هو ولعله يدخل فيه سحرا وكفرا واما ما كان من القرآن وشئ من الدعوات فلا بأس به واما تعليق التعويذ وهو الدعاء المجرب والآية المجربة ار بعض اسماء الله لدفع البلاء فلا باس به ولكن ينزعه عند الخلاء والقربان الى النساء كذا في التتار خانية وعند البعض يجوز عدم النزع اذا كان مستورا بشئ والاولى النزع .(6/146)
وكان عليه السلام يعوذ الحسن والحسين رضى اللع عنهما فيقول « اعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة فعوذوا بها اولادكم فان ابراهيم كان يعوذ بها اسماعيل واسحاق » رواه البخارى فى صحيحه . وكلمات الله كتبه المنزلة على انبيائه او صفات الله كالعزة والقدرة وغيرهما وكونها تامة لعرائها عن النقص والانفصام . وكان احمد بن حنبل يستدل بقوله بكلمات الله التامة على ان القرآن غير مخلوف ويقول ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستعيذ بمخلوق وما من كلام مخلوق الاوفية نقص فالموصوف منه بالتمام غير مخلوق وهو كلام الله تعالى يوقل الفقير جاءت الاستعاذة بمخلوق فى قول على رضى الله عنه اذا كنت بواد تخاف فيه السبع فقل اعوذ بدانيال وبالحب من شر الاسد وذلك ان دانيال وبالحب من شر الاسد وذلك ان دانيال لما ابتلى بالسباع كما ذكرناه عند قوله تعالى { فالله خير حافظا وهو ارحم الراحمين } جعل الله الاستعاذة به فى ذلك تمنع شر الذى لا يستطاع كما فى حياة الحيوان قال بعضهم هذا مفام من بقى له التفات الى غير الله فاما من توغل فى بحر التوحيد حيث لا يرى فى الوجود الا الله لم يستعذ غلا بالله ولم يلتجئ الا الى الله والنبى عليه السلام ولما ترقى عن هذا المقام قال « اعوذ بك منك » والهامة احدى الهوام وهى حشرات الارض وقال الخطابة ذوات السموم كالحية والعقرب ونحوهما واما حديث ابن عجرة « أيؤذيك هوام رأسك » فالمراد بها القمل على الاستعارة واللامة الملمة من الميت به اى نزلت وجيئ على فاعلة ولم يقل ملمة للازدواج بهامة ويجوز ان يكون على ظاهرها بمعنى جامعة للشر على المعيون من لمه يلمه اذا جمعه يقال ان ادراك قلم الناس اي تجمعهم وفى القتوحات المكية ان التأثير الحاصل من الحروف واسماء الله تعالى من جنس الكرامات اي اظهار الخواص بالكرامة فان كل احد لا يقدر استخراج خواص الاشياء وعن عائشة رضى الله عنها يؤمر العائن ان يتوضأ ثم يغتسل منه المعين وهو الذى اصيب بالعين وعن الحسن دواء اصابة العين ان تقرأ هذه الآية { وان يكاد الذين كفروا ليزلقونك بابصارهم بماس معوا الذكر ويقولون انه لمجنون وما هو الا ذكر للعالمين } وليس فى الباب انفع من هذه الآية لدفع العين وعن عائشة رضى الله عنها ان النبي عليه السلام اذا أوى الى فراشه كل ليلة جمع كفيه فقرأ قل هو الله احد والمعوذتين فنفث فيهما ثم يمسح بهما ماس استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه يفعل ذللك ثلاث مرات وقد قيل ان ذلك امان من السحر والعين والهوام وسائر الامراض والجراحات والسنة لمن رأى شيئا فاعجبه فخاف عليه العين ان يقول ما شاء الله لا قوة الا بالله ثم يبرك علهي تبريكا فيقول بارك الله فيك وعليك وذكر ان اعجب ما فى الدنيا ثلاثة .(6/147)
البوم لا تظهر بالنهار خوف ان تصيبها العين لحسنها كما قال فى حياة الحيوان ولما تصور فى نفسها انها احسن الحيوان لم تظهر الا بالليل . والذانى الكركى لا يشبع من الماء خشية ان يفنى فيموت عطشا . ونظيره ان دودا بطبرستان يكون بالنهار من المثقال الى الثلاثة يضئ فى الليل كضوء الشمع ويطير بالنهار فيرى له اجنحة وهى خضراء ملساء لا جناحين له فى الحقيقة غذاؤه والتراب لم يشبع قط منه خوفا من ان يفنى تراب الارض فيهلك جوعا يقول الفقير ذلك الطائر وهذا الدود اشارة الى اهل الحرص والبخل من اهل الثروة فانهم لا يشبعون من الطعام بل من الخبز خوفا من نفاذ اموالهم مع كثرتها ونعوذ بالله وقد التقطت الى هنا من انسان العيون وشرح المشارق لابن الملك وشرح الشرعة لابن السيد على انوار المشارق وشرح الطريقة لمحمد الكرديى والاشرار المحمدية ولغة المغرب وحياة الحيوان وشرح الحكم وحواشى ابن الشيخ وحواشى سعد المفتى(6/148)
وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68)
{ لما دخلوا } [ آن هنكام كه در آمدند اولاد يعقوب ] { من حيث امرهم ابوهم } من الابواب المتفرقة فى البلد والجار والمجرور فى موضع الحال اى دخلوا متفرقين { ما كان يغنى عنهم } رأى يعقوب ودخولهم متفرقين { من الله } من جهته تعالى { من شئ } اى شيئا مما قصله عليهم والجملة جواب لما { الا حاجة فى نفس يعقوب قضيها } حاجة منصوبة بالالكونها بمعنى لكن وقضاها بمعنى اظهرها ووصى بها خبر لكن . والمعنى ان رأى يعقوب فى حق بنيه وهو ان يدخلوا من الابواب المتفرقة واتباع بنيه له فى ذلك الرأى ما كان يدفع عنهم شيئا مما قضاه الله عليهم ولكن يعقوب اظهر بذلك الرأى ما فى نفسه من الشفقة والاحتراز من ان يعانوا اي يصابول بالعين ووصى به اى لم يكن للتدبير فائدة سوى دفه الخاطر من غير اعتقاد ان للتدبير تأثيرا في تغيير التقرير واما اصابة العين فانما لم تقع لكونها غير مقدرة عليهم لا لانها اندفعت بذلك مع كونها مقتضية عليهم : قال فى المثنوى
كرشود درات عالم حيلة بيج ... باقضاة آسمان هيجست هيج
هرجه آيدز آسمان سوى زمنين ... فى مقر دارد نه جاره نه كمين
{ وانه } اي يعقوب { لذو علم } جليل { لما علمناه } بالوحى ونصب الادلة وذلك قال { وما اغنى عنكم من الله من شئ } لان العين لو قدر ان تصيبهم اصابتهم وهم متفرقون كما تصيبهم وهم مجتمعون { ولكن اكثر الناس لا يعلمون } اسرار القدر ويزعمون ان يغنى الحذر
تذبير كند بنده وتدبير نداند ... تقدير خداوند يتدبير نماند
وفي التاويلات النجمية { ولكن } ارباب الصورة { لا يعلمون } ان ما يجري على خواص العباد انما هو بوحينا والهامنا وتعليمنا فهم يعلمون بما نامرهم ونحن نفعل ما نشاء بحكمتنا(6/149)
وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69)
{ ولما دخلوا على يوسف } [ وآن وقت كه أمدند اولاد يعقوب بر يوسف بباركاه او رسيدند يوسف بر تخت نشسته بود ونقاب فرو كذاشته برسيدكه جه خواستيم وبعهد وبيمان لآورديم ] فقال لهم اسحنتم وستجدون ذلك عندى فاجلسوا فجلسوا على حاشية البساط فاكرمهم ثم اضافهم واجلسهم مثنى مثنى اى كل اثنين منهم على قصعة
وفي التبيان على خوان
قال الكاشفى [ يوسف فرمودكه هر برادر كه ازيك يدر ومادرند بريك خوان طعام خورند هردوكس بريك خوان بنشستد بنيامين تنها مانده بكريه درآمد وميكريست تابيهوش شد يوسف بفرمود تا كلاب بروى او زدند جون بهوش آمد برسيدكه اى جوان كنعانى تراجه شدكه بيهوش شدى كفت اى ملك حكم فرموديدكه هركس بابرادر اعيانى طعام خورد مرا برادرى ازمادر وبدر كه يوسف نام داشت بياد آمد باخوذ كفتم لو كان اخى يوسف حيا لاجلسنى معه ازشوق اين حال بى طاقت شدم سيب كريه وبيهوشئ من ابن لود كفت بياتا من برادر توباشم وباتوبريك خوان نشيئم بس بفرمود تا خوان وبرابر اشتتد ودربس برده أوردند واورانيز طليبده وبدين بهانه ] { اوى اليه } فى الطعام { اخاه } بنيامين وكذا فى المنزل والميت وانزل كل اثنين منهم بيتا ثم قال له هل تزوجت قال نعم ولى عشرة بنين اشتققت اسماءهم من اسم اخ لى هلك
وفى القصص وزقت ثلاثة اولاد ذكور قال فما اسماؤهم قال اسم احدهم ذئب فقال له يوسف انت ابن نبى فكيف تسمى ولدك لاسماء الوحوش فقال ان اخوتى لما زعموا ان اخى اكله الذئب سميت ابنى ذئبا حتى اذا سحت به ذكرت اخى فابكى فبكى يوسف وقال ما اسم الآخر قال دم ولم سميت بهذا الاسم فقال اخوتى جاؤوا بقنيص اخى متضمخا بالدم فسميته بذلك حتى اذا صحت به ذكرت اخى يوسف فابكى فبكى يوسف وقال ما اسم الثالث قال يوسف سيمت به حتى اذا اراه بهذا الحزن فكيف يكون حال الشيخ يعقوب اللهم اجمع بينى وبينه قب فراق الدنيا ثم ثال له اتحب ان اكون الخاك بدل اخيك الهالك قال من يجد اخا مثلك ولكن لم يدلك يعقوب ولاراحيل فبكى يوسف وقام اليه وعانقه وتعرف اليه وعند ذلك { قال اني انا اخوك } يوسف
قال الكاشفى [ يوسف نقاب بسته دست بطعام كردجون بنيامين را نظر بردست يوسف افتاد بكريست يوسف اورا برسيدكه اين جه كريه است كفت اى ملك جه مانندست دست توبدست برادرم يوسف كه اين كلمه راشنيد طاقتش تماند نقاب ازجهره برادشت وبنيامين راكفت منم برادرتو ]
وفى القصص جعل بنيامين يأكل ويغص باكله ويطيل النظر غلى يوسف فقال له يوسف اراك تطيب النظر على فقال ان اخى الذى اكله الذئب يشبهك فقال له يوسف أنا اخوك { فلا تبتئس } فلا تحزن
قال فى تهذيب المصادر [ الابتئاس : اندو هكين شدن ] { بما كانوا يعملون } بنا فيما مضى فان الله قد احسن غلينا وجمعنا بخير وامره ان لا يخبرهم بل يخفى الحال عنهم .(6/150)
وفيه تنبيه على ان اخفاء المرام وكتمه مما يستحب فى بعض المكان ويعين على تحصيل المقاصد ولذلك ورد فى الاثر « استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان » وايضا فى الضيافة المذكورة اشارة الى ان الطعام الطعام من سنن الانبياء العظام كان ابراهيم عليه السلام مضيافا لا يأكل طعاما بلا ضيف
وعن جابر رضى الله عنه قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال « ألا احدثكم بغرف الجنة » قلنا بلى يا رسول الله بابينا وامنا قال « ان فى الجنة غرفا من اصناف الجواهر يرى ظاهرها من باطنها من ظاهرها وفيها من النعيم واللذات والسرور ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر » قال قلت لمن هذه الغرف يا رسول الله « لمن افشى السرم واطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام »
ثم ان فى قوله { فلا تبتئس بما كانوا يعملون } اشارة الى ان الله تعالى لا يهدى كيد الحادسين بل النصر الآلهى والتأييد الرباني مع القوم الصالحين ولذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم لصاحبه فى الغار « لا تحزن ان الله معنا » لا ترى الى ما فعل اولاد يعقوب فى حق يوسف واخيه من الحسد والاذى فما وصلوا الى ما املوا بل الله تعالى جمع بينهما الا الاخوين ولو بعد حيم وكذا بين يعقوب ويوسف(6/151)
فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70)
{ فلها جهزهم بجهازهم } الجهاز المتاع وهو كل ما ينتفع به اى كال كيلهم واعطى كل واحد منهم حمل بعير واصلحهم بعدتهم وهى الزاد في السفر
وفى القصص قال يوسف لاخوته أتحبون سرعة الرجوع الى أبيكم قالوا نعم فامر الكيال بكيل الطعام وقال له زدهم وقر بعير ثم جهزهم باحسن جهاز وامرهم بالمسير - روى - ان يوسف لما تعرف الى اخيه بنيامين [ از هوش برفت وباخوذ آمده دست دركردن يوسف اغكند وبزيان حال كفت
اين كه مى بينم بيداريست يارب يابخواب ... خويشتين رادرجنين راحت بس ازجندين عذاب
آنكه دست در دامن زد ] قائلا له فانا لا افارقك قال يوسف قد علمت اغتمام والدى بى فاذا حبستك ازداد غمه ولا سبيل الى ذلك الا ان اشهرك بامر فظيع قال لا ابالي فافعل ما بدالك قال ادس صاعى في رحلك ثم انادى عليك بانك سرقه ليتهيأ لى ردك بعد تسريحك معهم قال افعل فلما جهزهم بجهازهم { جعل السقاية } هى مشربة بكسر الميم اى اناء يشرب منه جعلت صواعا يكال به وكانت من فضة وكان الشرب فى اناء الفضة مباحا في الشريعة الاولى او من بلور لو زمردة خضراء لو ياقوتة حمراء تساوى مائتى الف دينار ويشرب يوسف منها وقال في الكواشى كانت من ذهب مرصعة بالجواهر كال بها لاخوته اكراما لهم
وقال الكاشفى [ ملك ازان آل خوردى دوين وقت بجهت عزت ونفاست طعام آنرا بيمانة ساخنة بود ] { فى رحل اخيه } بنيامين ولما تنفصلوا عن مصر نحو الشام ارسل يوسف من الستوقفهم فوقفوا { ثم اذن مؤذن } اى نادى مناد من فتيان يوسف واسمه افراييم { ايتها العير } [ اى كاروانيان ] وهى الابل التى عليها الاحمال لانها تعير اى تذهب وتجتئ والمراد اصحاب الابل { انكم لسارقون } قال بعضهم هذا الخطاب بامر يوسف فلعله اراد بالسرقة اخذهم له من ابيه ودخول بنيامين فيه يطريق التغليب وهو من قبيل المبالغة فى التشبيه اى اخذتم يوسف من ابيه على وجه الخيانة كالسراق وقد صار التعريض والتورية من الانبياء عليهم السلام - روى - ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل قريبا من بدر ركب هو وابو بكر حتى وقفا على شيخ من العرب يقال له سفيان فسأله عليه السلام عن قريش وعن محمد واصحابه وما بلغه عنهم فقال لا اخبركما حتى تخيراني من انتما فقال له عليه السلام اذا اخبرتنا اخبرناك فاخبر الشيخ حسبما بلغه خبرهم فلم ا فرغ قال من انتما فقال عليه السلام « نحن من ماء دافق » واوهم انه من ماء العراق ففيه تورية واضيف الماء الى العراق لكثرته به - وروى - ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج من الغار وتوجه الى المدينة كان ابو بكر رضى الله عنه رديفا له واذا سأله اى ابا بكر سصائل من هذا الذى معك يقول هذا الرجل يهدينى الطريق يعنى طريق الخير كذا فى انسان العيون(6/152)
قال فى حواشى سعدى المفتى الكذب اذا تضمن مصلحة يرخص فيه [ دروغ مصلحت آميز به رزراست فتنه انكيز ] وقال بعضهم هذا الخطاب من قبل المؤذن بناء على زعمه وذلك ان يوسف وضع الشقاية بنفسه فى رحل اخيه واخفى الامر عن الكل او امر بذلك بعض خواصه
قال فى القصص انه ابنه وامره باخفاء ذلك عن الكل ثم ان اصحاب يوسف لما طلبوا السقاية وما وجدوها وما كان احد غير الذين ارتحلوا غلب على ظنهم انهم هم الذين اخذوها فنادى المنادى من بينهم على حسب ظنه انكم لسارقون(6/153)
قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71)
{ قالوا } اى الاخوة { واقبلوا عليهم } جملة حالية من قالوا بها للدلالة على ازعاجهم مما سمعوه لما بينته لحالهم اى وقد اقبلوا على طالبى السقاية { ماذا تفقدون } اى تعدمون تقول فقدت الشئ اذا عدمته بان ضل عنك لا بفعلك والمأل ما الذي ذاع منكم(6/154)
قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72)
{ قالوا } فى جوابهم { نفقد صواع المل } وصيغة المضارع فى كلا المحلين لاستحضار الصورة ثم قالوا تربية لما تلقوه من قبلهم واراءة لاعتقاد انه انما بقى فى رحلهم اتفاقا { ولمن جاء به } من عند نفسه مظهرا له من قبل التفتيش
وفى البحر ولمن دل على سارقه وفضحه { حمل بعير } من البر جعلا له { وانا به زعيم } كفيل أؤديه الى من جاء به ورده لان الملك يتهمنى فى ذلك وهو قول المؤذن
فى التأويلات النجمية فيه اشرة الى ان من يكون مستأهلا لحمل البعير الذى هو علف الدواب متى يكون مستحقا لمشربة هى من مشارب الملوك(6/155)
قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73)
{ قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا فى الارض } قسم فيه معنى العجب مما اضيف اليهم والجمهور على ان التاء بدل من الواو مختصة باسم الله تعالى . والمعنى ما اعجب حالكم انتم تعلمون علما جليا من ديانتنا وفرط امانتنا اننا بريئون مما تنسبون الينا فكيف تقولون لنا انكم لسارقون . وقوله لنفسد اى لنسرق فانه من اعظم انواع الفساد { وما كنا سارقين } اى ما كنا نوصف بالسرقة فقط وانما حكموا بعلمهم ذلك لان العلم بحوالهم الشاهدة يستلزم العلم باحوالهم الغائبة(6/156)
قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74)
{ قالوا } اى اصحاب يوسف { فما جزاؤه } على حذف المضاف اى فما جزاء سرقة الصواع عندكم وفى شريعتكم { ان كنتم كاذبين } في جحودكم ونفى كون الصواع فيكم(6/157)
قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75)
{ قالوا جزاؤه من وجد } اى اخذ من وجد الصواع { فى رحله } واسترقاقه وكان حكم السارق فى شرع يعقوب ان يسترق سنة بدل القطع فى شريعتنا { فهو جزاؤه } تقرير لذلك الحكم اى فاخذه جزاؤه { كذلك } اى مثل ذلك الجزاء الادنى { نجزى الظالمين } بالسرقة تأكيد للحكم المذكور غب تأكيد وبيان بقبح السرقة ولقد فعلوا ذلك ثقة بكمال براءتهم منها وهم عمل فعل بهم غافلون(6/158)
فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)
{ فبدأ } يوسف بعد ما رجعوا اليه التفتيش { باوعيتهم } باوعية الاخوة العشرة اى بتفتيشها { قبل } تفتيش { وعاء اخيه بنيامين لنفى التهمة -روى- ان اصحاب يوسف قالوا انيخوا نفتش رجالكم فاناخوا واثقين ببراءتهم ففتشوا رحل الاخ الاكبر ثم الذى يليه ثم وثم الى ان بلغت النوبة الى رحل بنيامين فقال يوسف ما اظن اخذ هذا شيأ فقالوا والله لا نتركه حتى ننظر فى رحله فانه اطيب لنفسك وانفسنا فلما فتحوا متاعه استخرجوه منه وذلك قوله { ثم استخرجها } اى الصواع لانه يذكر ويؤنث { من وعاء اخيه } فلما وجد الصاع مدسوسا فى رحل بنيامين واستخرج منه نكسوا رؤسهم وانقطعت ألسنتهم فاخذوا بنيامين مع ما معه من الصواع وردوه الى يوسف واخذوا يستمونه بالعبرانية وقالوا له يا لص ما حملك على سرقة صاع الملك ولا يزال ينالنا منك بلاء كما لقينا من ابن راحيل فقال بنيامين بل ما لقى ابنا راحيل البلاء الا منكم فاما يوسف فقد عملتم به ما فعلتم واما انا فسرّقتمونى اى نسبتمونى الى السرقة قالوا فمن جعل الاناء فى متاعك أليس قد خرج من رحلك قال ان كنتم سرقتم بضاعتكم الاولى وجعلتموها فى رحالكم فكذلك انا سرقت الصاع وجعلته فى رحلى فقال روبيل والله لقد صدق واراد بنيامين ان يخبرهم بخبر يوسف فذكر وصيته له فسكت { كذلك } نصب على المصدرية والكاف مقحمة للدلالة على فخامة المشار اليه وكذا ما فى ذلك من معنى البعد اى مثل ذلك الكيد العجيب وهو عبارة عن ارشاد الاخوة الى الافتاء المذكور باجرائه على ألسنتهم وبحملهم عليه بواسطة المستفتين من حيث لم يحتسبوا فمعنى قوله تعالى { كدنا ليوسف } ضعنا له ودبرنا لاجل تحصيل غرضه من المقدمات التى رتبها من دس الصواع وما يتلوه فاللام ليست كما فى قوله { فيكيدوا لك كيدا } فانها داخلة على المتضرر على ما هو الاستعمال الشائع . والكيد فى الاصل عبارة عن المكر والخديعة وهو ان توهم غيرك خلاف ما تخفيه { ما كان } يوسف { ليأخذ اخاه فى دين الملك } استئناف وتعليل لذلك الكيد وصنعه كانه قيل لماذا فعل يوسف ذك فقيل لانه لم يكم ليأخذ اخاه بما فعل فى دين ملك مصر فى امر السارق اى فى حكمه وقضائه الا به لان جزاء السارق فى دينه انما كان ضربه وتغريمه ضعف ما اخذ دون الاسترقاق والاستعباد كما هو فى شريعة يعقوب فلم يتمكن بما صنعه من اخذ اخيه بالسرقة التى نسبها اليه فى حال من الاحوال رالا ان يشاء الله } اى الا حال مشيئته التى هى عبارة عن ارادته لذلك الكيد والا حال مشيئته للاخذ بذلك الوجه
قال الكواشى لولا شريعة ابيه لما تمكن من اخذ اخيه انتهى
قال فى بحر العلوم وحكم هذا الكيد حكم الحيل الشرعية التى يتوصل بها الى مصالح ومنافع دينية كقوله لايوب(6/159)
{ وخذ بيدك ضغثا } ليتخلص من جلدها ولا يحنث وكقول ابراهيم { هى اختى } لتسلم من يد الكافر وما الشرائع كلها الا مصالح وطرق الى التخلص من الوقوع فى المفاسد وقد علم الله فى هذه الحيلة التى لقنها يوسف مصالح عظيمة فجعلها سلما وذريعة اليها فكانت حسنة جميلة وانزاحت عنها وجوه القبح { نرفع درجات } اى رتبا كثيرة عالية من العلم وانتصابها على المصدرية او الظرفية او على نزع الخافض اى الى درجات والمفعول قوله تعالى { من نشاء } اى نشاء رفعه حسبما تقتضيه الحكمة وتستدعيه لمصلحة كما رفعنا يوسف { وفوق كل ذى علم } من الخلق { عليم } ارفع درحة منه فى العلم يعنى ليس من عالم الا وفوقه اعلم منه حتى ينتهى العلم الى الله تعالى
دست شد بالاى دست اين تاكجا ... تا بيزدان كه اليه المنتهى
كان يكى درياست بى غور وكران ... جمله درياها جوسيلى بيش آن
وعن محمد بن كعب ان رجلا سال عليا رضى الله عنه عن مسالة فقال فيها قولا فقال الرجل ليس هو كذا ولكنه كذا وكذا فقال على اصبت واخطأت وفوق كل ذ علم عليم
وفى التأويلات النجمية { نرفع درجات من نشاء } من عبادنا ان نؤتيه على الصعود من حضيض البشرية الى ذروة العبودية بتوفيق الربوبية { وفوق كل ذى علم } آتيناه علم الصعود { عليم } يجذبه من المصعد الذى يصعد اليه بالعلم المخلوق الى مصعد لا يصعد اليه الا بالعلم القديم وهو السير فى الله بالله الى الله وهذا صواع يسعه اوعية الانسانية انتهى كلام التأويلات(6/160)
قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77)
{ قالوا } ان الصواع لما خرج من رحل بنيامين افتضح الاخوة ونكسوا رؤسهم حياء فقالوا تبرئة لساحتهم { ان يسرق } بنيامين فلا عجب { فقد سرق اخ له من قبل } يريدون به يوسف
واختلف فيما اضافوا الى يوسف من السرقة فقيل كان اخذ فى صباه صنما كان لجده ابى امه لانه كان يعبد الاصنام بحران وهى بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء قرية فى جانب دمشق فقالت راحيل لابنها يوسف خذ الصنم واكسره لعله يترك عباجة الصنم فاخذه يوسف وكسره والقاه بين الجيف فى الطريق وهو الاصح لما ذكر فى الفردوس ان النبى صلى الله عليه وسلم قال « سرق يوسف صنما لجده ابى امه من فضة وذهب فكسره والقاه على الطريق » وعيره اخوته بذلك
وفيه اشارة الى ان الانسان الكامل قابل لتهمة الشرقة فى بدء الامر وهى الاستراق من الشهوات الدنيوية النفسانية ويخلص فى النهاية للامور الاخروية الروحانية فبين اول الامر وآخره فرق كثير
وقيل كانت للابراهيم منطقة يتوارثها اكابر ولده فورثها اسحاق ثم وقعت الى ابنته وكانت اكبر اولاده فحضنت يوسف وهى عمته بعد وفاة امه راحيل وكانت تحبه حبا شديدا بحيث لا تصبر عنه فلما اراد يعقوب ان ينزعه منها فاحتالت بان شدت المنطقة على وسط يوسف تحت ثيابه وهو نائم وقالت فقدت منطقة اسحاق فانظروا من اخذها ففتشوا فوجدوها مشدودة على يوسف تحت ثيابه فقالت انه سرقها منى فكان سلما لى وكان حكمهم انه من سرق يسترق فتوسلت بهذه الحيلة الى امساكه عند نفسها فتركه يعقوب عندها الى ان ماتت { فاسرها يوسف } اى اكن الحزازة الحاصلة مما قالوا والحزاز وجع فى القلب من غيظ ونحوه كما فى القاموس
وقال فى الكواشى فاسرها اى كلمتهم انه سرق { فى نفسه } لا انه اسرها فى بعض اصحابه كما فى قوله { واسررت لهم اسرارا } { ولم يبدها لهم } اى لم يظهرها لهم لا قولا ولا فعلا صفحا عنهم وحلما كأنه قيل فماذا قال فى نفسه عند تضاعيفه ذلك الاسرار فقيل { قال انتم شر مكانا } اى منزلة حيث سرقتم اخاكم من ابيكم ثم طفقتم تقترون على البريئ
وعن ابن عباس رضى الله عنهما عوقب يوسف بثلاث حيث همّ بزليخا فسجن وحيث قال اذكرنى عند ربك فلبث فى السجن بضع سنين وحين قال انكم لسارقون فردوا عليه وقالوا فقد سرق اخ له من قبل { والله اعلم بما تصفون } اى عالم علما بالغا الى اقصى المراتب بان الامر ليس كما تصفون من صدور السرقة بل منا انما هو افتراء علينا فالصيغة لمجرد المبالغة لا لتفضيل علمه على علمهم كيف لا وليس بذلك من علم(6/161)
وفى البحر اعلم بما تصفون منكم لانه عالم بحقائق الامور وكيف كانت سرقة اخيه الذى احلتم سرقته عليه انتهى
فاعلم على ما قرره على معناه التفضيلى فان قيل لم يكن فيهم علم والتفضيل يقتضى الشركة فقلنا يكفى الشركة بحسب زعمهم فانهم كانوا يدعون العلم لانفسهم الا يرى الى قولهم فقد سرق اخ له من قبل على سبيل الجزم كما فى الحواشى السعدية -روى- انهم كلموا العزيز فى اطلاق بنيامين فقال روبيل ايها الملك لتردنّ الينا اخانا اولا صيحة تضع منها الحوامل فى مصر وقامت شعور جسده فخرجت من ثيابه وكان بنوا يعقوب اذا غضبوا لا يطاقون خلا انه اذا مس من غضب واحد منهم سكن غضبه فقال يوسف لابنه قم الى جنبه فمسه ويروى خذ بيده فمسه فسكن غضبه فقال روبيل ان هنا لبذرا من بذر يعقوب وروى انه غضب ثانيا فقام اليه يوسف فركضه برجله واخذ بتلابيبه فوقع على الارض فقال انتم معشر العبرانيين تطنون ان لا احد اشد منكم
خدايى كه بالا وبست آفريد ... زبردست هردست دست آفريد
قال السعدى
كرجه شاطر بودخروس بجنك ... جه زند بيش باز رويين جنك
كربه شيرست در كرفتن موش ... ليك موشست در مصاف بلنك
ولما رأوا ان لا سبيل لهم الى تخليصه خضعوا حيث(6/162)
قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78)
{ قالوا } مستعطفين ريا ايها العزيز ان له ابا شيخا كبيرا } فى السن لا يكاد يستطيع فراقه [ وبعد از هلاك بسرخود يوسف بدو انس والفت دارد ] { فخذ احدنا مكانه } بدله على وجه الاسترهان او الاستراق فلسنا عنده بمنزلته من المحبة والشفقة { انا نريك من المحسنين } الينا فى الكيل والضيافة فاتمم احسانك بهذه النعمة(6/163)
قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79)
{ قال } يوسف { معاذ الله } من اضافة المصدر الى المفعول به اى نعوذ بالله معاذا من { ان ناخذ الا من وجدنا متاعنا عنده } غير من وجد الصواع فى رحله لان اخذنا له انما هو بقضية فتواكم فليس لنا الاخلال بموجبها { انا اذا } اى اذا اخذنا غير من وجد متاعنا عنده ولو برضاه { لظالمون } فى مذهبكم ومالنا ذلك
قال فى بحر العبوم واذا جواب لهم وجزاء لان المعنى ان اخذنا بدله ظلمنا هذه زاهره واما باطنه فهو ان الله امرنى بالوحى ان آخذ بنيامين لمصالح علمها الله فى ذلك فلو اخذت غيره لكنت ظالما وعاملا بخلاف الوحى
وفيه اشارة الى ان العمل بخلاف الالهام ايضا ظلم لان كل وارد يرد من الله تعالى لا بد ان يعمل به النبى والولى ويضعه فى المحل الذى عينه فالانبياء والاولياء منتظرون لامر الله فى كل حادثة فما لم يأمروا به ولم يخبروا لا يصدقونه ولا يتبعونه
وكان لسرى تلميذة ولها ولد عند المعلم فبعث به المعلم الى الرحى فنزل الصبى فى الماء فغرق فاعلم المعلم سريا بذلك فقال السرى قوموا بنا الى امه فمضوا اليها وتكلم السرى عليها فى علم الصبر ثم تكلم فى علم الرضى فقال يا استاذ وأى شيء تريد بها فقال لها ان ابنك قد غرق فقال نعم قالت ان الله تعالى ما فعل هذا ثم عاد السرى فى كلامه فى الصبر والرضى فقالت قوموا بنا فقاموا معها حتى انتهوا الى النهر فقالت اين غرق قالوا ههنا فصاحت ابنى محمد فاجابها لبيك يا اماه فنزلت واخذت بيده فمضت به الى منزلها فالتف السرى الاى الجنيد وق أى شيء هذا فقال اقول قال قل قال ان المرأة مراعية لما عليها وحكم من كان مراعيا لما لله عليه ان لا تحدث حادثة حتى يعلم بها فلما تكن تعلم هذه الحادثة انكرت فقالت ان ربى ما فعل هذا
ثم ان الظلم على انواع فالحكم بغير ما حكم الله به ظلم وطلب الظلم ظلم والصحبة بغير المجانس ظلم زمن ابتلى بالظلم وسائر الاوزار فعليه التدارك بالتوبة والاستغفار
قال سهل اذا احب الله عبدا جعل ذنبه عظيما وفى نفسه وفتح له بابا من التوبة الى رياض انسه واذا غضب على عبد جعل ذنبه صغيرا فى عينيه فكلما ادبه لا يتعظ نسال الله التوبة(6/164)
فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)
{ فلما استيأسوا منه } يئسوا غاية اليأس بدلالة صيغة الاستفعال
قال الكاشفى [ بس آن وقت كه نوميد شدند از يوسف ودانستند كه برادررا بديشان نمى دهد ] { خلصوا } اعتزلوا وانفردوا عن الناس خالصين لا يخالطهم غيرهم { نجيا } متناجين فى تدابير امرهم على أى صفة يذهبون وماذا يقولون لابيهم فى شان اخيهم
قال فى الكواشى جماعة يتناجون سرا لان النجى من تساره وهو مصدر يعم الواحد والجمع والذكر والانثى { قال كبيرهم } فى السن وهو روبيل او فى العقل وهو يهودا او رئيسهم وهو شمعون وكانت له الرياسة على اخوته كأنهم اجمعوا عند التناجى على الانقلاب جملة ولم يرض فقال منكرا عليهم { ألم تعلموا } اى قد علمتم يقينا { ان اباكم قد اخذ عليكم موثقا من الله } عهدا وثيقا وهو حلفهم بالله وكرنه من الله لاذن فيه
وقال الكاشفى [ وشما سوكند خوريد بمحمد آخر زمان كه درشان وى غدر نكنيدا اكنون اين صورت واقع شد ] { ومن قبل } اى من قبل هذا وهو متعلق بالفعل الآتى { ما } مزيدة { فرطتم فى يوسف } اى قصرتم فى شأنه ولم تحفظوا عهد ابيكم وقد قلتم وانا لناصحون وانا له لحافظون فنحن متهمون بواقعة يوسف فليس لنا مخلص من هذه الورطة رفلن ابرح الارض } ضمن معنى المفارقة فعدى الى المفعول اى لن افارق ارض مصر ذاهبا منها فلن ابرح تامة لا ناقصة لان الارض لا تحمل على المتكلم { حتى يأذن لى ابى } فى العود اليه وكأن ايمانهم كانت معقودة على عدم الرجوع بغير اذن يعقوب { او يحك الله لى } بالخروج منها على وجه لا يؤدى الى نقض الميثاق او بخلاص اخى بسبب من الاسباب { وهو خير الحاكمين } اذ لا يحكم الا بالحق والعدل
قال الكاشفى [ وميل ومداهنه درحكم او نيست ](6/165)
ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81)
{ ارجعوا } انتم { الى ابيكم فقولوا يا ابانا ان ابنك سرق } على ظاهر الحال { وما شهدنا } عليه بالسرقة { الا بما علمنا } وشاهدنا ان الصواع استخرج من وعائه { وما كنا للغيب } اى باطن الحال { حافظين } فما ندرى أحقيقة الامر كما شاهدنا ام هى بخلافه : يعنى [ بظاهر دزدى اوديدم اما از نفس الامر خبر نداريم كه بروتهمت كردند وصاع را درباراو نهادند ياخود مباشر اين امر بوده ] ثم انهم لما كانوا متهمين سبب واقعة يوسف امرهم كبيرهم بان يبالغوا فى ازالة التهمة عن انفسهم(6/166)
وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82)
ويقولوا { واسأل القرية التى كنا فيها } اى وقولوا لابيكم ارسل الى اهل مصر واسالهم عن كنه القصة لتبين لك صدقنا { والعير التى اقبلنا فيها } العير الابل التى عليها الاحمال اى اصحاب العير التى توجهنا فيهم وكنا معهم وكانوا قوما من كنعان من جيران يعقوب { وانا لصادقون } ثم رجع كبيرهم فدخل على يوسف فقال له لم رجعت قال انك اتخذت اخى رهينة فخذنى فجعله عند اخيه واحين اليهما كأنه قيل فماذا كان عند قول المتوقف لاخوته ما قال(6/167)
قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)
فقيل { قال } يعقوب عندما رجعوا اليه فقالوا له ما قاله لهم اخوهم { بل } اضراب عما يتضمن كلامهم من ادعاء البراءة من التسبب فيما نزل به وانه لم يصدر منهم ما يؤدى الى ذلك من قول او فعل كأنه قيل لم يكن الامر كذلك بل وانه لم يصدر منهم ما يؤدى الى ذلك من قول او فعل كأنه قيل لم يكن الامر كذلم بل { سولت لكم } زينت وسهلت { انفسكم امرا } من الامور اردتموه ففعلتموه وهو فتواكم ان جزاء السارق ان ؤخذ ويسترق والا فما ادرى الملك ولولا فتواكم وتعلمكم لما حكم الملك بذلك ظن يعقوب عليه السلام سوأ بهم كما كان فى قصة يزسف قبل فاتفق ان صدق ظنه هناك ولم يتحقق هنا
قال السعدى [ دروغ كفتن بضربت لازب ماند كه اكر نيز جراحت درست شود نششان بماند جون برادران يوسف بدروغى موسوم شدند بر راست كفتن ايشان نيز اعتماد نماند ] قال الله تعالى { بل سولت لكم } الآية
كسى را كه عادت بزد راستى ... خطا كر دند در كذارند ازو
وكر نامور شد بناراستى ... دكر راست باور ندارند ازو
{ فصبر جميل } اى فامرى صبر جميل وهوان لا يكون فيه شكوى الى الخلق
وعن ابى الحسن قال خرجت حاجا الى بيت الله الحرام فبينا انا اطوف واذا بامرأة قد اضاء حسن وجهها فقلت والله ما رأيت الى اليوم قط نضارة وحسنا مثل هذه المرأة وماذ ذاك الا لقلة الهم والحزن فسمعت ذلك القول منى فقالت كيف قلت يا هذا الرجل والله انى لوثيقة بالاحزان مكلومة الفؤاد بالهموم والاشجان ما يشركنى فيها احد فقلت وكيف ذلك قال ذبح زوجى شاه ضحينا بها ولى ولدان صغيران يلعبان وعلى يدى طفل يرضع فقمت لاصنع لها طعاما اذ قال ابنى الكبير للصغير ألا اريك كيف صنع ابى بالشاة قال بلى فاضطجعه وذبحه وخرج هاربا نحو الجبل فاكله ذئب فانطلق ابوه فى طلبه فادركه العطش فمات فوضعت الطفل وخجرت الى الباب انظر ما فعل ابوهم فدب الطفل الى البرمة وهى على النار فالقى يده فيها وصبها الى نفسه وهى تغلى فانتشر لحمه من عظمه فبلغ ذلك ابنة لى كانت عند زوجها فرمت بنفسها الى الارض فوافقت اجلها فافردنى الدهر من بينهم فقلت لها فكيف صبرك على هذه المصائب العظيمة فقالت ما من احد ميز الصبر والجزع الا وجد بينهما منهاجا متفاوتا فاما الصبر بحسن العلانية فمحمود العاقبة واما الجزع فصاحبه غير معوض ثم اعرضت وهى تنشدنى
صبرت وكان الصبر غير معول ... وهل جزع يجدى علىّ فاجزع
صبرت على ما لو تحمل بعضه ... جبال غرور أصبحت تتصدع
ملكت دموع العين حتى رددتها ... الى ناظرى فالعين فى القلب تدمع(6/168)
{ عسى الله ان ياتينى بهم جميعا } [ شايدكه خداى تعالى آورد همه ايشانرا بمن ] اى بيوسف واخيه والمتوقف بمصر فانهم حين ذهبوا الى البادية اول مرة كانوا اثنى عشر فضاع يوسف وبقى احد عشر ولما ارسلهم الى مصر فى الكرة الثانية عادوا تسعة لان بنيامين حبسه يوسف واحتبس ذلك الكبير الذى قال فلن اربح الارض فلما بلغ الغائبون ثلاثة لاجرام اورد صيغة الجمع { انه هو العليم } بحال فى الحزن والاسف { الحكيم } الذى لم يبتلنى الا لحكمة بالغة
واعلم ان البلاء على ثلاثة اضرب . منها تعجيل عقوبة للعبد . ومنها امتحان ليبرز ما فى ضميره فيظهر لخلقه درجته اين هو من ربه . ومنها كرامة ليزداد عنده قربة وكرامة . واما تعجيل العقوبة فمثل ما نزل بيوسف عليه السلام من لبثه فى السجن بالهم الذى هم به ومن لبثه بعد مضى المدة فى السجن بقوله { اذكرتى عند ربك فاسناه الشطان ذكر ربه فلبث فى السجن بضع سنين } ومثل ما نزل بيعقوب كما قال وهب اوحى الله الى يعقوب أتدرى لما عاقبتك وحبست عنك يوسف ثمانين سنة قال لا الهى قال لانك شويت عناقا وقترت على جارك واكلت ولم تطعمه -وروى- ان سبب ابتلاء يعقوب انه ذبح عجلا بين يديه امه وهو يخور
وقيل اشترى جارية مع ولدها فباع ولدها فبكت حتى عميت -وروى- انه اوحى اليه انما وجدت عليكم لانكم ذبحتم شاة فقام ببابكم مسكين فلم تطعموه منها شيأ . واما الامتحان فمثل ما نزل بايوب عليه السلام قال تعالى { انا وجدناه صابرا نعم العبد انه اواب } واما الكرامة فمثل ما نزل بيحيى بن زكريا عليهما السلام ولم يعمل خطئية قط ولم يهم بها فذبح ذبحا واهدى رأسه الى بغى من بغايا بنى اسرائيل وفى الكل عظم الاجر والثواب بالصبر وعدم الاضطراب
وقام بعضهم ليقضى ورده من الليل فاصابه من شدته فجازت عليه سنة فقال له قائل ما جزاء ان انمناهم واقمناك الا ان تبكى علينا فانتبه واستغفر
قال ابو القاسم القشيرى سمعت الاستاذ ابا على الدقاق يقول فى آخر عمره وقد اشتدت به العلة من امارات التأييد حفظ التوحيد فى اوقات الحكم ثم قال كالمفسر لفعله مفسرا لما كان فيه من حاله وهو ان يقرضك بمقاريض القدرة فى امضاء الاحكام قطعة قطعة وانت ساكن خامد : قال الحافظ
عاشقانرا كردر آتش مى بسندد لطف يار ... تنك جشم كرد نظر جشمه كوثركنم(6/169)
وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)
{ وتولى عنهم } ارعض يعقوب عنهم كراهة لما سمع منهم
قال الكاشفى [ بس يعقوب ازغايت ملال توجه به بيت الاحزان فرمود ] قال الجامى
رواى همدم تودر زم طرب بادوستان خوش زى ... مرا بكذار تاتنها درين بيت الحزن ميرم
{ وقال يا اسفى على يوسف } الاسف اشد الحزن والحسرة واصله يا اسفى باضافة الاسف الى ياء المتكلم فقلبت الياء الفا طلبا للتخفيف لان الفتحة والالف اخف من الكسرة والياء نادى اسفه وقال يا اسفا تعالى واحضر فهذا اوانك : قال الجامى
كرجو يوسف زما شوى غائب ... همجو يعقوب ما ويا أسفا
وقال الحافظ
يوسف عزيزم رفعت اى برادران رحمى ... كز غمش عجب ديدم حال بير كنعانى
وانما تأسف على يوسف مع ان الحادث مصيبة اخويه بنيامين والمحتبس والحادث اشد على النفس دلالة به على تمادى اسفه على يوسف وان زرأه ا مصيبته مع تقادم عهده كان غضا عنده طريا ولان زرأ يوسف كان قاعدة المصيبات ولانه كان واثقا بحياتهما عالما بمكانهما طامعا فى ايابهما واما يوسف فلم يكن فى شأنه ما يحرك سلسلة رجائه سوى رحمة الله وفضله وفى الحديث « لم تعط امة من الامم انا لله وانا اليه راجعون عند المصيبة الا امة محمد صلى الله عليه وسلم » الا يرى الى يعقوب حين اصابه ما اصابه لم يسترجع بل قال يا اسفا على يوسف
وعن ابى ميسرة قال لو ان الله ادخلنى الجنة لعاتبت يوسف بما فعل بابيه حيث لم يكتب كتابا ولم يعلم حاله ليسكن ما به من الغم انتهى
يقول الفقير هذا كلام ظاهرى وذهول عما سيأتى من الخبر الصحيح ان هذا كان بمر جبرائيل عن امر الله تعالى والا فكيف يتصور من الانبياء قطع الرحم وقد كان بين مصر وكنعان ثمانى مراحل { وابيضت عيناه من الحزن } الموجب للبكاء فان العبرة اذا كثرت محقت سواد العين وقلبته الى بياض وقد تعميها كما اخبر عن شعيب عليه السلام فانه بكى من حب الله تعالى حتى عمر فرد الله عله بصره وكذابكى يعقوب حتى عمى وهو الاصح لقوله تعالى { فارتد بصيرا } قال الكمال الخجندى
زكريه برسر مردم يقين كه خانه جشم ... فرو رود شب هجران وبس كه بارانست
-روى- انه ماجفت عينا يعقوب من يوم فراق يوسف الى حين لقائه ثمانين سنة وما على وجه الارض اكرم على الله من يعقوب
فان قلت لم ذهب بصر يعقوب بفراقه واشتياقه الى يوسف
قلت لئلا يزيد حزنه النظر الى اولاده ولسر شهود الجمال لما ورد فى الخبر النبوى يرويه عن جبريل عن ربه قال « يا جبريل ما جزاء من سبت كريمتيه » يعنى عينيه قال « سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا قال تعالى جزاؤه الخلود فى دارى والنظر الى وجهى وفى الخبر اول من ينظر الى وجه الر بتعالى الاعمى »(6/170)
قال بعض الكبار اورث ذلك العمى بذهاب بصره النظر الى الجمال اليوسفى الذى هو مظهر من مظاهر الجمال المطلق لان الحق تعالى تجلى بنور الجمال فى الكجلى اليوسفى فاحبه ابوه وابتلى بحبه اهل مصر من وراء الحجاب
وفيه اشارة الى انه ما لم يفن العارفين العين الكونى الشهادى لا يصل الى شهود الجمال المطلق
هر محنتى مقدمة راحتى بود ... شد همزبان حق جو زبان كليم سوخت
فالعارف يشاهد الجمال المطلق بعين السر فى مصر الوجود الانسانى وينقاد له القوى والحواس جميعا
واستدل بالآية على جواز التاسف والبكاء عند النوائب فان الكف عن ذلك مما لا يدخل تحت التكليف فانه ان قل من يملك نفسه عند الشدائد
قال انس رضى الله عنه دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابى سيف القين وكان ظئرا لابراهيم ولده عليه السلام فاخذ رسول الله ارباهيم فقبله وشمه ثم دخلنا عليه بعد ذلك وابراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف وانت يا رسول الله قال « يا ابن عوف انها رحمة » ثم اتبعها اخرى اى دمعة اخرى فقال « ان العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول الا ما يرضى ربنا ون بفراقك يا ابراهيم لمحزنون »
قال فى الروضة وابراهيم نبى النبى عليه السلام مات فى المدينة وهو ابن ثمانية عشر شهرا انتهى
وانما الذى لا يجوز ما يفعله الجهلة من الصياح والنياحة ولطم الحدود والصدور وشق الجيوب وتمزيق الثياب
وعنه عليه السلام انه بكى على ولد بعض بناته وهو يجود لنفسه فقيل يا رسول الله تبكى وقد نهيتنا عن البكاء فقال « ما نهيتكم عن البكاء وانما نهيتكم عن صوتين احمقين صوت عند الفرح وصوت عند الترنح » قال فى المغرب الحمق نقصان العقل وانما قيل لصوتى النياحة والترنم فى اللعب احمقان لحمق صاحبهما
والبكاء على ثلاث اوجه من الله وعلى الله والى الله فالبكاء من توبيخه وتهديده والبكاء اليه من شوقه ومحبته والبكاء عليه من خوف الفراق وفرق الله بين يوسف وابيه لميله اليه ومحبته عليه والمحبوب يورث المحنة
والعميان من الانبياء اسحاق ويعقوب وشعيب
ومن الاشراف عبد المطلب بن هاشم وامية بن عبد شمس وزهرة بن كلاب ومطعم بن عدى
ومن الصحابة سواء كان اعمى فى عهده او حدث له بعد وفاته عليه السلام البراء بن عازب وجابر بن عبد الله وحسان بن ثابت والحكم بن ابى العاص وسعد بن ابى وقاص وسعيد بن يربوع وصخر بن حرب ابو سفيان والعباس بن عبد المطلب وعبد الله بن الارقم وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله عمير وعبد الله بن ابى اوفى وعتبان بمن مالك وعتبة بن مسعود الهذلى وعثمان بن عامر ابو قحافة وعقيل بن ابى طالب وعمرو بن ام مكتوم المؤذن وقتادة بن النعمان { فهو كظيم } مملوء من الغيظ على اولاده ممسك له فى قلبه
در ديست درين سينه كه كفتن نتوانيم ...(6/171)
قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85)
{ قالوا تالله تفتؤا } اى لا تفتأ ولا تزال وحذفت لا لعدم الالتباس لانه لو كان اثباتا للزمه اللام والنون او احداهما { تذكر يوسف } تفجعا عليه { حتى تكون حرضا } مريضا مشرفا على الهلاك { او تكون من الهالكين } اى الميتين
وفيه اشارة الى انه لا بد للمحب من ملامة الخلق فاول ملامتى فى العالم آدم عليه السلام حين طعن فيه الملائكة { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها } ولو امعنت النظر رأيت او لملامتى على الحقيقة حضرة الربوبية لقولهم { اتجعل فيها } وذلك لانه تعالى كان اول محب ادعى المحبة وهو قوله { يحبهم } فطالما يلوم اهل السلوّ المحين ومن علامة المحب انلا يخاف فى الله لومة لائم
ملامت كن مرا جندانكه خواهى ... كه نتوان شستن اززنكى سياهى(6/172)
قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)
{ قال انما اشكو بثى } البث اصعب الهم الذى لا يصبر عليه صاحبه فيبثه الى الناس اى ينشره فكأنهم قالوا له ما قالوا بطريق التلسية والاشكاء فقال لهم انى لا اشكو ما بى اليكم او الى غيركم حتى تتصدوا للتسلى وانما اشكو همى { وحزنى الى الله } ملتجأ الى جنابه تضرعا لدى بابه فى دفعه
رازكويم بخلق وخوار شوم ... باتو كويم بزر كوار شوم
والحزن اعم من البث فاذا عطف على الخاص يراد به الافراد الباقية فيكون المعنى لا اذكر الحزن العظيم والحزن القليل الا مع الله
فان قيل لم قال يعقوب فصبر جميل ثم قال يا اسفا على يوسف وقال انما اشكة بثى وحزنى الى الله فكيف يكون الصبر مع الشكوى
قل ليس هذا الا شكاية من النفس الى خالقها وهو جائز الا ترى ان ايوب عليه السلام قال { رب انى مسنى الضر وانت ارحم الراحمين } وقال تعالى مع شكواه الى ربه فى حقه { انا وجدنا صابرا نعم العبد } لانه شكا منه اليه وبكى منه عليه فهو المعذور لديه لان حقيقة الصبر ومعناه الحقيقى حبس النفس ومنعها عن الشكوى الى الغير وترك الركون الى الغير وتحمل الاذى والابتلاء لصدوره من قضائه وقدره كما قيل بلسان الحقيقة
كل شيء من المليح مليح ... لكن الصبر عنه غير مليح
وقيل
والصبر عنك فمذموم عواقبه ... والصبر فى سائر الاشياء محمود
وذلك لان المحب لا يصبر عن حضرة المحبوب فلا يزال يعرض حاله وافتقاره الى حضرته ولسان العشق لسان التضرع والحكاية لا لسان الجزع والشكاية كما اشار العاشق
بشنوازنى جون حكايت ميكند ... از جداييها شكايت ميكند
يعنى شكاية العارف الواقف فى صورة الشكوى كاية حاله وتضرعه وافتقاره الى حبيبه
وعن انس رضى الله عنه رفعه الى النبى عليه الصلاة والسلام « ان رجلا قال ليعقوب ما الذى اذهب بصرك وحنى ظهرك قال اما الذى اذهب بصرى فالبكاء على يوسف واما الذى حنى ظهرى فالحزن على اخيه بنيامين فاتاه جبريل فقال أتشكو الى غير الله انما اشكو بثى وحزنى الى الله قال جبريل الله اعلم بما قلت منك قال ثم انطلق جبريل ودخل يعقوب بيته فقال اى رب اما ترحم الشيخ الكبير اذهبت بصرى وحنيت ظهرى فرد على ريحانتى فاشمهما شمة واحدة ثم اصنع بى ما شئت فاتاه جبريل فقال يا يعقوب ان الله يقرئك السلام ويقول ابشر فانهما لو كانا ميتين لنشر تهما لك لاقر بهما عينك ويقول لك يا يعقوب أتدرى لم اذهب بصرك وحنيت ظهرك ولم فعل اخوة يوسف بيوسف ما فعلوه قال لا قال انه اتاك يتيم مسكين وهو صائم جائع وزبحت انت واهلك شاه فطعمتموها ولم تطعموه ويقول انى لم احب من خلق شيأ حبى اليتامى والمساكين فاصنع طعاما وادع المساكين »(6/173)
قال انس قال عليه السلام « فكان يعقوب كلما امسى نادى مناديه من كان صائما فليحضر طعام يعقوب واذا اصبح نادى مناديه من كان مفطرا فليفطر على طعام يعقوب » ذكره فىلترغيب والترهيب : قال السعدى قدس سره
نخواهى كه باشى برا كندل دل ... برا كندكانرا زخاطر مهل
كسى نيك بيند بهر دو سراى ... كه نيكى رساند بخلق خداى
{ واعلم من الله } من لطفه ورحمته { ما لا تعلمون } فارجو ان يرحمنى ويلطف بى ولا يخيب رجائى او اعلم من الله بنوع من الالهام ما لا تعلمون من حياة يوسف -وروى- انه راى ملك الموت فى منامه فسأله عنه فقال هو حى وقيل علم من رؤيا يوسف انه لا يموت حتى يخروا له سجدا -وروى- ان يوسف قال لجبريل ايها الروح الامين هل لك علم بيعقوب قال نعم وهب الله لك الصبر الجميل وابتلاه بالحزن عليك فهو كظيم قال فما قدر حزنه قال حزن سبعين ثكلى قال فما له من الاجر قال اجر مائة شهيد وما ساء ظنه بالله ساعة قط
وقال السدى لما اخبره ولده بسيرة الملك احست نفسه فطمع وقال لعله يوسف(6/174)
يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)
فقال { يا بنى اذهبوا } الى مصر { فتحسسوا من يوسف واخيه } اى تعرفوا من خبرهما بحواسكم فان التحسس طلب الشيء بالحاسة
قال فى تهذيب المصادر [ التحسس مثل التجسس : آكاهى جستن ] وفى الاحياء بالجيم فى تطلع الاخبار وبالحاء فى المراقبة بالعين
وقال فى انسان العيون ما بالحاء ان يفحص الشخص عن الاخبار بنفسه وما بالجيم ان يفحص عنها بغيره وجاء تحسسوا ولا تجسسوا انتهى
والمراد باخيه بنيامين ولم يذكر الثالث وهو الذى قال فلن ابرح الارض واحتبس بمصر لان غيبته اختيارية لا يعسر ازالتها
قال ابن الشيخ فان قلت كيف خاطبهم بهذا اللطف وقد تولى عنهم فالجواب ان التولى التجاء الى الله الشكاية اليه والاعراض عن الشكاية الى احد منهم ومن غيرهم لا ينافى الملاطفة والمكالمة معهم فى امر آخر انتهى
قالوا له بنيامين فلا نترك الجهد فى امره واما يوسف فانه ميت وانا لا نطلب الاموات فانه اكله الذئب منذ زمان فقال لهم يعقوب { ولا تيأسوا من روح الله } لا تقنطا من فرجه وتنفيسه واليأس والقنوط انقطاع الرجاء
وعن الاصمعى ان الروح ما يجد الانسان من نسيم الهواء فيسكن اليه وتركيب الراء والواو والحاء يفيد الحركة والاهتزاز فكل ما يلتذ الانسان ويهتز بوجوده فهو روح
قال فى الكواشى اصله استراحة القلب من غمه . والمعنى لا تقنطوا من راحة تاتيكم من الله انتهى
وقرئ من روح الله بالضم اى من رحمته التى يحيى بها العباد { انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون } لعدم علمهم بالله وصفاته فان العارف لا يقنط فى حال من الاحوال اى فى الضراء والسراء ويلاحظ قوله تعالى { ان مع العسر يسرا } فصنع الله عجيب وفرج الله قريب وفى الحديث « الفاجر الراجى اقرب الى الله من العابد القانط » -وروى- ان رجلا مات فاوحى الله تعالى الى موسى عليه السلام مات ملى من اوليائى فاغسله فجاء موسى عليه السلام فوجده قد طرحه الناس فى المزابل لفسقه فقال يا موسى انت تسمع مقالة الناس فى حقه فقال تعالى يا موسى انه تشفع عند موته بثلاثة اشياء لو سال بها جميع المذنبين لغفرت . الاول انه كان قال يا رب انت تعلم انى وان كنت ارتكبت المعاصى بفعل الشيطان والقرين السوء ولكنى كنت اكرهها بقلبى . والثانى انى وان كنت مع الفسقة بارتكابالمعاصى ولكن الجلوس مع الصالحين كان احب الى . والثالث لو استقبلنى صالح وفاجر كنت اقدم حاجة الصالح
وفى رواية وهب ب منبه قال يا رب لو عفوت عنى لفرح انبياؤك واولياؤك وحزن عدوك الشيطان ولو عذبتنى لكان الامر بالعكس ولا ريب ان فرح الاولياء احب اليك من فرح الاعداء فارحمنى وتجاوز عنى قال الله تعالى فرحمته فانى غفور رحيم خاصة لمن اقر بالذنب
فعلى العاقل ان لا يقنط من رحمة ربه فانه تعالى يكشف الشدائد فى الدنيا والآخرة -حكى- ان رجلا بقى فى جزير بلا زاد فقال بطريق اليأس(6/175)
اذا شاب الغراب اتيت اهلى ... وصار القار كاللبن الحليب
فسمع قائلا يقول
عسى الكرب الذى امسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب
فلما نزر رأى سفينة فوصل بها الى اهله
قال فى التاويلات النجمية فى الاية اشارة الى ان الواجب على كل مسلم ان يطلب يوسف قلبه وبنيامين سره ولا ييأس ان يجد روح الله اى ريحه منهما بل من وجد قلبه وجد فيه ربه اذ هو سبحانه متجل لقلوب اوليائه المؤمنين وقد وعد الله بوجدانه الطالبين فقال { الا من طلبنى وجدنى } والسر فيه ان طلب الحق تعالى يكون بالقلب لا بالقالب ووجدانه ايضا يكون فى القلب كما قال موسى عليه السلام الهى اين اطلبك قال { انا عند المنكسرة قلوبهم من اجلى } اى من محبتى وفى قوله { انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون } اشارة الى ان ترك طلب اليأس من وجدانه كفر انتهى : وفى المثنوى
كركران وكر شتابنده بود ... آنكه جويندست يابنده بود
در طلب زن دائما توهر دودست ... كه طلب درراه نيكو رهبرست
لنك ولوك وخفته شكل بى ادب ... سوى اومى غيثر واورامى طلب
كه بكفت وكه بخاموشى وكه ... بوى كردن كير هرسو بوى شه
كفت آن يعقوب با اولاد خويش ... جستن يوسف كنيد ازحد بيش
هرخسى خودرا درين جستن بجد ... هر طرف رانيد شكل مستعد
كفت از روح خدا لا تيأسوا ... همجوكم كرده بسر رو سوبسو
ازره حس دهان برسان شويد ... كوش را بر جار راه اونهيد
هرجكا بوى خوش آيد بوبريد ... سوى آن سركاشناى آن سريد
هرجكا لطفى ببينى ازكسى ... سوى اصل لطف ره يابى عسى
اين همه خوشها زدرياييست زرف ... جزورا بكذار وبركل دار طرف(6/176)
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)
{ فلما دخلوا عليه } -روى- ان يعقوب امر بعض اولاده فكتب بسم الله الرحمن من يعقوب اسرائيل الله ابن اسحاق ذبيح الله ابن ابراهيم خليل الله الى عزيز مصر اما فانا اهل بيت موكل بنا البلاء اما جدى ابراهيم فانه ابتلى بنار النمرود فصبر وجعلها الله عليه بردا وسلاما وانا ابى اسحاق فابتلى بالذبح فصبر ففداه الله بذبح عظيم واما انا فابتلانى الله بفقد ولدى لذى امسكته عندك وزعمت انه سارق وانا اهل بيت لا نسرق ولا نلد سارقا فان رددته علىّ والا دعوت عليك دعوة تدرك السابع من ولد السلام [ بس نامه بفرزندان داد واندك بضاعتى ازبشم وروغن وامثال آن ترتيب نموده ايشانرا بمصر فرستاد ايشان بمصر آمده برادريرا كه آنجا بود ملاقات كردند وباتفاق روى بباركاه يوسف نهادند بس آن هنكام درآمدن برادران يوسف بروى ] { قالوا يا ايها العزيز } اى الملك القادر الغالب { مسنا } اصابنا { واهلنا } وهم من خلفوهم { الضر } الفقر والحاجة وكثرة العيال وقلة الطعام { وجئنا ببضاعة } [ وآورده ايم بضاعتى ] { مزجية } [ اندك وبى اعتبار ] اى مردودة مدفوعة يدفعها كل تاجر رغب عنها واحتقارا لها من ازجيته اذا دفعته وطردته وكانت بضاعتهم من متاع الاعراب صوفا وسمنا وقيل هى الصنوبر والحبة الخضراء وهى الفستق او دراهم زيوف لا تؤخذ الا بنقصانها { فاوف لنا الكيل } فاتم لنا الكيل الذى هو حقنا
قال بعضهم اعطنا بالزيوف كما تبيع بالدراهم الجياد ولا تنقصنا شيأ { وتصدق علينا } تفضل بالمسامحة وقبول المزجاة فان التصدق التفضل مطلقا واختص عرفا بما يبتغى به ثواب الله ولذا لا يقال فى العرف اللهم تصدق على لانه لا يطلب الثواب من العبد بل يقال اعطنى او تفضل علىّ وارحمنى
ثم هذا اى حمل التصدق على المساهلة فى المعاملة على قول من يرى تحريم الصدقة على جميع الانبياء واهليهم اجمعين واما على قول من جعله مختصا بنبينا عليه السلام فالمراد حقيقة الصدقة { ان الله يجزى المتصدقين } يثيب المتفضلين احسن الجزاء والثواب
قال الضحاك لم يقولوا ان الله يجزيك لانهم لم يعلموا انه مؤمن
يقول الفقير دخل يوسف فى لفظ الجمع سواء شافهوه بالجزاء اولا مع ان الجزاء ليس بمقصور على الجزاء الاخروى بل قد يكون دنيويا وهو اعم فافهم
ومن آثار الثواب الدنيوى ما حكى عن الشيخ ابى الربيع انه قال سمعت ارمأة فى يعض القرى اكرمها الله بشاة تحلب لبنا وعسلا فجئت اليها وحلبت الشاة فوجدتها كما سمعت وسألت عن سببها قلت لنا شاة نتقوّت بلبنها فنزلت علينا ضيف وقد امرنا باكرامه فذبحنا له لوجه الله تعالى فعوضنا الله تعالى هذه الشاة ثم قالت انها ترعى فو قلوب المريدين يعنى الخالصة وطيب الخاطر لها تأثير عظيم -حكى- ان السلطان محمود مر على ارض قوم يكثر فيها قصب السكر وكان لم ير بعد فقشعر له بعض القصبات فلما مص منه السكر استحسنه والتذ منه فى الغاية فخطر بباله ان يضع فيه شيأ من لرسوم كالباج والخراج حتى يحصل له من هذا القصب فى كل سنة كذا وكذ فبما مص بعد هذه الخاطرة وجد قصبا يابسا خاليا عن السكر فسمعه من تلك القبيلة شيخ عتيق وقال قدهم الملك بان يفعل بدعة وظلما فى مملكته او فعلها فلذلك نفد سكر القصب فاستتاب السلطان فى نفسه ورجع عما خطر بباله فلما مصه ثانيا بعد ذل وجده مملوأ من السكر كما كان فهذا من تأثير النية والهمة(6/177)
ثم ان للصدقة لا تختص بالمال بل كل معروف صدقة ومنها العدالة بين الاثنين والاعانة والكلمة الطيبة والمشى الى الصلاة واماطة الاذى عن الطريق ونحوها وكذا النوافل لا تختص عند اهل الاشارة بالصلوات بل تعم كل خير زائد وفى الحديث القدسى « لا يزال عبدى يتقرب الىّ بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه وبصره » فعلى العاقل الاشتغال بنوافل الخيرات من الصدقات وغيرها : قال السعدى قدس سره
يكى دربيابان سكى تشنه يافت ... برون ازرمق در حياتش نه يافت
كله دلو كرد آن بسنديده كيش ... جو حبل اندران بست دستار خويش
به خدمت ميان بست وبازو كشاد ... سك ناتوان را دمى آب داد
خبر داد بيغمبر از حال مرد ... كه داور كناهان او عفو كرد
ألاكر جفا كارا انديشه كم ... وفاييش كيرو كرم بيشه كن
كسى باسكى نيكوى كم نكرد ... كجاكم شود خير بانيك مرد
كرم كن جنان كت برآيدزدست ... جهانبان در خير بركس نبست
كرت در بيانان نباشد جهى ... جراغى بنه در زيارتكهى
به قنطار رزربخش كردن زكنج ... نباشد جو قيراطى ازدست رنج
بردهر كسى بار درخوردزور ... كرانست باى ملخ بيش مور
ثم فى قوله { وجئنا ببضاعة مزجية } الآية اشارة الى ان طالب الحق ينبغى له عرض الحاجة والفقر والافتقار ورؤية تقصيره فان الفناء محبوب المحبوب وطريق حسن لنيل المطلوب ولذلك لما سمع يوسف كلامهم هذا ادركته الرحمة فرفع الحجاب وخلصهم من ألم الفرقة والاضطراب
ومن هذا المقام ما قيل لابى يزيد البسطامى قدس سره خزائننا مملوءة بالاعمال فأين العجز والافتقار والتضرع والسؤال ولا يلزم من ها ترك العمل فانه لا بد منه فى مقامه ألا ترى ان الاخوة انما قالوا ما قالوا بعد ان جاؤا ببعض الامتعة فللطالب ان يعمل قدر طاقته ولكن لا يعتر بعلمه بل يتقرب اليه بالفناء وترك الرؤية ليكون ذلك وسيلة الى المعرفة والقربة والوصلة : قال ابو يزيد البستامى قدس سره
جار جيز آورده ام شاها كه در كنج تو نيست ... نيستى وحاجت وعجز ونياز آورده ام
-قال- لما رأى يوسف تمسكن اخوته رق لهم فلم يتمالك من ان عرفهم نفسه
قال الكاشفى [ آن نامه يعقوب بركوشه تخت نهادند يوسف نامه را بخواند كريه بروى غلبه كرد عنان تمالك ازدست داده كفت اى برادران ](6/178)
قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89)
{ هل علمتم ما فعلتم بيوسف واخيه } اى هل تبتم عن ذلك بعد علمكم بقبحه فهو سؤال عن الملزوم والمراد لازمه وفعلهم باخيه بنيامين افراده عن يوسف واذاه بانواع الاذى واذلاله حتى كان لا يقدر ان يكلمهم الا بعجز وذلة { اذا انتم جاهلون } [ جه آن وقت نادان بوديد بقبح آن ] فلذلك اقدمتم على ذلك او جاهلون بما يؤول اليه امر يوسف وانما كان كلامه هذا شفقة عليهم وتنصحا لهم فى الدين وتحريضا على التوبة لا معاتبة وتثريبا ايثارا لحق الله على حق نفسه -روى- انه لما قرأ الكتاب بكى وكتب اليه ( بسم الله الرحمن الرحيم الى يعقوب اسراءيل الله من ملك مصر ما بعد ايها الشيخ فقد بلغنى كتابك وقرأته واحطت به علما وذكرت فيه آباءك الصالحين وذكرت انهم كانوا اصحاب البلايا فانهم ان ابتوا وصبروا ظفروا فاصبر كما صبروا والسلام فلما قرأ يعقوب الكتاب قال والله ما هذا كتاب الملوك ولكنه كتاب الانبياء ولعل صاحب الكتاب هو يوسف )
قال الكاشفى [ آنكه نقاب افكند وتاج ازسر برداشت ايشانرا نظر بران شكل وشمائل افتاد ](6/179)
قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)
{ قالوا أئنك لانت يوسف } استفهام تقرير [ يعني البتة توبى يوسف كه بابن جمال وكمال ديكرى نتواند بود ]
كه دارد ازهمه خوبان رخى جنين كه تو دارى ... تبارك الله ازين روى نازنين كه تودارى
{ قال انا يوسف وهذا اخى } من ابى وامى ذكره مبالغة فى تعريف نفسه وتفخيما لشأن أخيه وادخالا له فى قوله { قد منّ الله علينا } فكأنه قال هل علمتم ما فعلتم بنا من التفريق والاذلال فانا يوسف وهذا اخى قد انعم الله علينا بالخلاص لما ابتلينا به والاجتماع بعد الفرقة والانس بعد الوحشة { انه } اى الشأن { من } [ هركه ] { يتق } اى يفعل التقوى فى جيمع احواله اويق نفسه عما يوجب سخط الله وعذابه { ويصبر } على المحن كمفارقة الاوطان والاهل والعشائر والسجن ونحوها او على مشتقة الطاعات او عن المعاصى التى تستلذها النفس { فان الله يضيع اجر المحسنين } اى اجرهم وانما وضع المظهر موضع المضمر للتنبيه على ان المحسن من جمع بين التقوى والصبر [ جون برادران يوسف را بشناختند در كنار كرفت ](6/180)
قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91)
{ قالوا تالله لقد آثرك الله علينا } اختارك وفضلك علينا بالجمال والكمال والجاه والمال { وان } اى وان شأننا وحالنا { كنا لخاطئين } يقال خطئ فعل الاثم عمدا واخطأ فعله غير عمد اى لمتعمدين بالذنب اذ فعلنا بك ما فعلنا ولذلك اعزك واذلنا وفيه اشارة بالتوبة والاستغفار(6/181)
قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)
ولذلك { قل لا تثريب عليكم اليوم } [ هيج سرزنش نيست برشما امروز ومن هركز ديكر كناه شمارا باروى شمانيارم ] وهو تفعيل من الثرب وهو الشحم الذى يغشى الكرش ومعناه ازالة لثرب فكان التعبير والاستقصاء فى اللوم يذيب جسم الكريم وثربه لشدته عليه كما فى الكواشى
وقال ابن الشيخ سمى التقريع تثريبا تشبيها له بالتثريب فى اشتمال كل منهما على معنى التمزيق فان التقريع يمزق العرض ويذهب ماء الوجه . واليوم منصوب بالتثريب اى لا تثريب عليكم اليوم الذى هو مظنة التثريب فما ظنكم بسائر الايام باليوم لزمان مطلقا ثم ابتدأ فقال { يغفر الله لكم } فدعا لهم بمغفرة ما فرط منهم او منصوب بيغفر وذلك ان يوسف صفح عن جريمتهم يومئذ فسقط حق العبد وتابوا الى الله فلم يبق حق الله لان الله تعالى يقبل التوبة عن عباده فلذلك قال { يغفر الله لكم }
وفى التأويلات النجمية اخبر بصنيعهم فى البداية ولكنه كان سبب رفعة منزلته ونيل مملكته فى النهاية فلذلك قال { يغفر لالله لكم } انتهى
ومن كرم يوسف ان اخوته ارسلوا اليه انك تدعونا الى طعامك بكرة وعشيا ونحن نستحيى منك بما يفرط منا فيك فقال ان اهل مصر وان ملكت فيهم كانوا ينظرون الىّ بالعين الاولى ويقوبون سبحان من بلغ عبدا بيع بعشرين درهما ما بلغ ولقد شرفت بكم الآن وعظمت فى العيون حيث علم الناس انكم اخوتى وانى من حفدة ابراهيم عليه السلام -وروى- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اخذ بعضادتى باب الكعبة يوم الفتح فقال لقريش « ما تروننى فاعلا بكم » قالوا نظن خيرا اخ كريم وابن اخ كريم وقد قدرت فقال « اقول ما قال اخى يوسف لا تثريب عليكم اليوم » -وروى- ان ابا سفيان لما جاء ليسلم قال له العباس اذا أتيت الرسول فاتل عليه { لا تثريب عليكم اليوم } ففعل فقال عليه السلام « غفر الله لك ولمن علمك » { وهو ارحم الراحمين } لان رحمة الراحمين ايضا برحمته او لان رحمتهم جزء من مائة جزء من رحمته تعالى والمخلوق اذا رحم فكيف الخالق
بآهى بسوزد جهانى كناه ... بأشكى بشويد درون سياه
بدر ماندهه تحت شاهى دهد ... بدر ماند كان هر جه خواهى دهد
قال السعدى قدس سره
نه يوسف كه جندان بلاديد وبند ... جو حكمش روان كشت وقدرش بلند
كنه عفو كرد آل يعقوب را ... كه معنى بود صورت خوب را
بكر دار بدشان مقيد نكرد ... بضاعات مرجات شان رد نكرد
ز لطف همين جشم داريم نيز ... درين بى بضاعت ببخش اى عزيز
بضاعت نياوردم الا اميد ... خدايا ز عقوم مكن ن اميد(6/182)
قال فى بحر العلوم الذنب للمؤمن سبب للوصلة والقرب من الله فانه سبب لتوبته واقباله على الله
قال ابو سليمان الدارانى ما عمل داود عليه السلام عملا انفع له من الخطيئة ما زال يهرب منها الى الله حتى اتصل
وقال فى التأويلات النجمية فو قوله { وهو ارحم الراحمين } اشارة الى انه ارحم من ان يجرى على عبد من عباده المقبولين امرا يكون فيه ضرر لعبد آخر فى الحال وانفع فى المآل ثم لا يوفقه لاسترضاء الخصم ليعفو عنه ما جرى منه ويستغفر له حتى يرحمه الله وايضا انه تعالى ارحم للعبد المؤمن من والديه وجميع الرحماء انتهى
-حمى- انه اعتقل لسان فتى عن الشهادة حيث اشرف على الموت فاخبروا النبى صلى الله عليه وسلم فدخل عليه وعرض الشهادة فاضطرب ولم يعمل لسانه فقال عليه السلام « أما كان يصلى أما كان يزكى أما كان يصوم » قالوا بلى قال « فهل عق والديه » قالوا نعم قال « هاتوا بامه » فجاءت وهى عجوز عوراء فقال عليه السلام « هلا عفوت أللنار حملته تسعة اشهر أللنار ارضعته سنين فأين رحمة الام » فعند ذلك انطلق لسانه بالكلمة والنكتة انها كانت رحيمة لا رحمانة فللقليل من رحمتها ما جوزت احراقه بالنار فالرحمن الرحيم الى لا يتضرر بجناية العباد كيف يستجيز احراق المؤمنين المواظب على كلمة الشهادة سبعين سنة(6/183)
اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)
{ اذهبوا } لما عرفهم يوسف نفسه وعرفوه سألهم عن أبيه فقال ما فعل ابى بعدى قالوا اذهب عيناه فاعطاهم قميصه وقال اذهبوا يا اخوتى { بقميصى هذا } حال والباء للملابسة والمصاحبة وبجوز ان تكون للتعدية . فالمعنى بالفارسية بيريد اين بيراهن مرا ] وهو القميص المتوارث كما روى عن انس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « اما قوله اذهبوا بقميصى هذا فان نمرود الجبار لما القى ابراهيم فى النار نزل الله جبريل بقميص من الجنة وطنفسة من الجنة فالبسه القميص واقعده على الطنفسة وقعد معه يحدثه فكسا ابراهيم ذلك القميص اسحاق وكساه اسحاق يعقوب وكساه يعقوب فجعله فى قصبة من فضة وعلقها اى للحفظ من العين وغيرها »
وفى التبيان مخافة من اخوته عليه فالقى فى الجب والقميص فى عنقه وكان فيه ريح الجنة لا يقع على مبتلى او سقيم الاصح وعوفى
وفى التأويلات النجمية فيه اشارة الى ان قميص يوسف القلب من ثياب الجنة وهو كسوة كساه الله تعالى من انوار جماله اذا القى على وجه يعقوب الروح الاعمى يرتد بصيرا ومن هذا السر ارباب القلوب من المشايخ يلبسون المريدين خرقتهم لتعود بركة الخرقة الى ارواح المريدين فيذهب عنهم العمى الذى حصل على من حب الدنيا والتصرف فيها انتهى
قال بعض الحفاظ من الكذب قول من قال ان عليا البس الخرقة الحسن البصرى فان ائمة الحديث لم يثبتوا للحسن من على سماع فضلا عن ان يلبسه الخرق انتهى
يقول الفقير هذا من سنة المشايخ قدس الله اسرارهم فانهم لبسوا الخرقة والبسوها تبركا وتيمنا وهم قد فعلوا ذلك بالهام من الله تعالى واشارة فليس لاحد ان يدعى انه من الزيادات والبدع القبيحة
وزرت فى بلدة قونية مرقد حضرة الشيخ صدر الدين قدس سره وله فى حجرة الكتب خرقة لطيفة محفوظة يقال انها من البسة الجنة وغسلت طرفا من ذيلها فى طست له يستشفى بمائه وشربت على نية زوال الامراض الظاهرة والباطنة والحمد لله { فالقوه على وجه ابى يأت بصيرا } يصير بصيرا كقولك جاء البناء محكما بمعنى صار ويشهد له فارتد بصيرا ويأت الىّ حال كونه بصيرا ذاهبا بياض عينه وراجعا اليها الضوء وينصره قوله { وائتونى } [ وبياييد بمن ] اى انتم وابى ففيه تغلب المخاطبين { باهلكم اجمعين } بنسائكم وذراريكم ومواليكم فان الاهل يفسر بالازواج واولاد وبالعبيد والاماء وبالاقارب وبالاصحاب وبالمجموع -روى- ان يهودا حمل القميص وقال انا احزنته بحمل القميص الملطخ بالدم اليه فافرحه كما احزنته فحمله وهو حاف حاسر من مصر الى كنهان ومعه سبعة ارغفة لم يستوف اكلها حتى اتاه وكانت المسافة ثمانين فرسخا
قال الكاشفى [ ببراهن بوى داد واسباب راه جهت بدر ومتعلقان مهياسا خته بردران تسليم كرد ](6/184)
وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94)
{ ولما فصلت العير } يقال فصل من البلد فصولا اذا انفصل منه وجاوز حيطانه وعمرانه
قال الكاشفى [ وآن وقت كه جدا شد يعنى بيرون آمد كاروان از عمارت مصر وبفضاء صحرا رسيده ] { قال ابوهم } يعقوب لمن عنده من ولد ولده وغيرهم { انى لاجد ريح يوسف } اوجده اى جعله واجد اريح ما عبق اى لزق ولصق من ريح يوسف من ثمانين فرسخا حين اقبل به يهودا
ايها السالون قوموا واعشقوا ... تلك ر يا يوسف فاستنشقوا
قال فى المثنوى
بوى ببراهان يوسف را ثديد ... آنكه حافظ بود يعقوبش كشيد
وهذا البيت اشارة الى حال اهل السلوك والسكر واصحاب الزهد والعشق وذلك لان الزاهد ذاهل عما عنده كالحمار الغافل عما استصحبه من الكتب فكيف يعرف ما عنده غيره والعاشق يستنشق من كل مظهر ريح سر من الاسرار ويدخل فى خيشومه من روائح النفس الرحمانى ما لو عاش الزاهد الف سنة على حاله ماشم شيأ منها
قال اهل المعانى ان الله اوصل اليه رائحة يوسف عند انقضاء المحنة ومجيئ وقت الروح والفرح من المكان البعيد ومنع من وصول خبره اليه مع قرب احدى البلدتين من الاخرى وذلك يدل على ان كل سهل فهو فى زمان المحنة صعب وكل صعب فهو فى زمان الاقبال سهل
وذكر أن ريح الصبا استأذنت ربها فى ان تأتى بعقوب بريح يوسف قبل ان يأتيه البشير بالقميص فأذن لها فأتته بها : قال المولى الجامى
ديرمى جنبد بشير اى باد بر كنعان كذر ... مزده ببراهن يوسف ببر يعقوب را
ولذلك يستروح كل محزون بريح الصبا ويتنسمها المكروبون فيجدون لها روحا وهى التى تأتى من ناحية المشرق وفيها لين اذا هبت على الابدان نعمتها ولينتها وهيجت الاسواق الى الاحباب والحنين الى الاوطان قال الشاعر
أيا جبلى نعمان بالله خليا ... نسيم الصبا يخلص الى نسيمها
فان الصبا ريح اذا ما تنفست ... على نفس مهموم تجلت همومها
قال الحافظ
باصبا همراه بفرست ازرحت كلدسته ... بوكه بويى بشنويم ازخاك بستان شما
وفى التبيان هاجت الريح فحملت ريح القميص من مسافة ثمانين فرسخا واتصلت بيعقوب فوجد ريح الجنة فعلم انه ليس فى الدنيا من ريح الجنة الا ما كان من ذلك القميص انتهى
يقول الفقير هذا موافق لما ذكر من انه كان فى القميص ريح الجنة لا يقع على مبتلى الا صح فالخاصية فى ريح الجنة لا فى ريح يوسف كما ذهب اليه البيضاوى
واما الاضافة فى قوله { ريح يوسف } فللملابسة كما لا يخفى
قال الامام الجلدكى فى كتاب الانسان من كتاب البرهان لعمرى كلما كثفت طينة الانسان وزادت كثافتها نقصت حواسه فى مدركاتها لحجب الكثافة الطارية على اذت الانسان من اصل فطرته واما جوهر ذات الانسان اذا لطف وتزايدت لطافته فان جميع حواسه تقوى ويزيد ادراكها وكثير من اشخاص النوع الانسانى يدركون بحاسة الشم الروائح العطرة من بعد المسافة على مسافة ميل او اكثر من ذلك على مسيرة اميال ولعل من تزايدت لطافته يدرك رائحة ما لا رائحة له من الروائح المعتادة كما قال الله تعالى حكاية عن يعقوب { انى لاجد ريح يوسف } وهذه الحاسة مخصوصة باهل الكشف لا بغيرهم من الناس انتهى : وفى المثنوى(6/185)
بود واى جشم باشد نور ساز ... شد زبويى ديده ديده يعقوب باز
بوى بد مرديده را تارى كند ... بوى يوسف ديده را بارى كند
بوى كل ديدى كه انجا كل نبود ... جوش مل ديدى كه انجامل نبود
آن شنيدى داستان بايزيد ... كه زحال بو الحسن بيشين جه ديد
روزى آن سلطان تقوى ميكذشت ... بامريدان جانب صحرا ودشت
بوى خوش آمد مراورا ن كهان ... از سوادرى زسوى خارقان
هم بر انجا ناله مشتاق كرد ... بوى را ازباد اشتنشاق كرد
جون در و آثار مستى شد بديد ... يكك مريد اورا ازان دم بر رسيد
بس بيرسيدش كه اين احوال خوش ... كه برونست از حجاب بنج وشش
كاه سرخ وكاه زرد وكه سبيد ... مى شود رويت جه حالست ونويد
مى كشى بوى وبظاهر نيست كل ... بى شك از غيبست واز كلزار كل
كفت بوى بو العجب آمد بمن ... همجانكه مصطفى را از يمن
كه محمد كفت برست صبا ... از يمن آيدم بوى خدا
از اويس واز قرن بوى عجب ... مر نبى را مست كرد وبر طرب
كفت ازين سوبرى يارى مى رسد ... اندرين ده شهريارى مى رسد
بعد جندين سال مى زايد شهى ... مى زند بر آسمانها خر كهى
رويش از كلزار حق كلبون بود ... از من او اندر مقام افزون بود
جيست نامش كفت نامش بو الحسن ... حليه اش واكفت از كيسو ذقن
قد او ورنك او وشكل او ... يك بيك واكفت از كيسو ورو
حليهاى روح اورا هم نمود ... از صفات واز طريق وجا وبود
{ لولا ان تفندون } اى تنسبونى الى الفند وهو الخرف ونقصان العقل وفساد الرأى من هرم يقال شيخ مفند ولا يقال عجوز ممفندة اذ لم تكن فى شبيبتها ذات رأى فتفند فى كبرها اى نقصان عقلها ذاتى لا حادث من عارض الهرم وجواب لولا محذوف تقديره لولا تفنيدكم لصدقتمونى
واعلم ان الخرف بالفارسية [ فرتوت شدن ] لا يطرأ على الانبياء والورثة لانه نوع من الجنون الذى هو من النقائص وهم مبرأون مما يشين بهم من الآفات(6/186)
قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95)
{ قالوا } اى الحاضرون عنده { تالله انك لفى ضلالك القديم } [ درهمان حيرت قديمى در افراط محبت يوسف وبسيارئ ذكر او توقع ملاقات او بعد از جهل سال يا هشتاد سال ] وكان عندهم قد مات وفيه اشار الى انه لا بد للعاشق من لائم
يا عاذل العاشقين دع فئة ... اضلها الله كيف ترشدها
مكن بنامه سياهى ملامت من مست ... كه آكهست كه تقدير برسرش جه نوشت(6/187)
فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96)
{ فلما ان } ان صلة اى زائدة لتأكيد الفعلين واتصالهما حتى كأنهما وجدا فى جزء واحد من الزمان من غير وقت { جاء البشير } [ مزده دهنده ] وهو يهودا { القيه على وجهه } طرح البشير القميص على وجه يعقوب { فارتد } الارتداد انقلاب الشيء الى حال كان عليها وهو من الافعال الناقصة اى عاد ورجع { بصيرا } بعدما كان قد عمى ورجعت قوته وسروره بعد الضعف والحزن
داشت در بيت حزن جامى جاى ... جاءه منك بشيرا فنجا
قال فى التأويلات النجمية { فلما ان جاءه البشير } من حذرة يوسف القلب الى يعقوب الروح بقميص انوار الجمال { القيه على وجهه فارتد بصيرا } يشير الى ان الروح كان بصيرا فى بدوة الفطرة ثم عمى لتعلقه بالدنيا وتصرفه فيها ثم ارتد بصيرا بوارد من القلب
ورد البشير بما اقر الاعينا ... وشفى النفوس فنلن غايات المنى
وتقاسم الناس المسرة بينهم ... قسما فكان اجلهم حظا انا
وفيه اشارة الى ان القلب فى بدو الامر كان محتاجا الى الروح فى الاستكمال فلما كمل وصلح لقبول الحق بين الاصبعين ونال مملكة الخلافة بمصر القربة فى النهاية صار الروح محتاجا اليها لاستنارته بانوار الحق وذلك لان القلب بمثابة المصباح فى قبول نار الالهية والروح بمثابة الزيت فيحتاج المصباح فى البداية الى الزيت فى قبول النار ولكن الزيت يحتاج الى المصباح وتركيبه فى النهاية ليقبل بواسطته النار فان الزيت بلا مصباح وآلاته ليس قابلا للنار فافهم جدت { قال ألم اقل لكم اني اعلم ما لا تعلمون } اي ألم اقل لكم يا لنى حين ارسلتكم الى مصر وامرتكم بالتجسس ونهيتكم عن اليأس من روح الله انى اعلم من الله ما لا تعلمون من حياة يوسف وانزال الفرج - وروى - انه سأل البشير كيف يوسف فقال هو ملك مصر قال ما اصنع بالملك وعلى أي دين تركته قال على دين الاسلام قال الآن تمت النعمة(6/188)
قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97)
{ قالوا يا ابانا استغفر لنا ذنوبنا } [ آمرزش طلب براى ما ازخدا عز وجل ] { انا كنا خاطئين } متعمدين للخطيئة والاثم مذنبين بما فعلنا بك وبيوسف وبنيامين ومن حق شفقتك علينا ان تستغفر لنا ذنوبنا فانه لولا ذلك لكنا هالكين(6/189)
قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)
{ قال سوف استغفر لكم ربى انه هو الغفور الرحيم } سوف وعسى ولعل فى وعد الاكابر والعظماء يدلا على صدق الامر وجده ووقوع ذلك منهم موقع القطع والبت وانما يعنون بذلك اظهار وقارهم وترك استعجالهم فعلى ذلك جرى وعد يعقوب كأنه قال انى استغفر لكم لا محالة وان تأخر كما فى بحر العلوم
وعن شعبى قال { سوف استغفر لكم ربى } قال اسأل يوسف ان عفا عنكم واستغفر لكم ربى فان عفو المظلوم شرط المغفرة فاخلا الاستغفار الى وقت الاجتماع بيوسف فلما قدموا عليه فى مصر قام الى الصلاة فى السحر ليلة الجمعة وكانت ليلة عاشوراء فلما فرغ رفع يديه وذال اللهم اغفر جزعى على يوسف وقلة صبري عنه واغفر لولدى ما اتوا به اخاهم وقام يوسف خلفه يؤمن وقام اخوته خلفهما اذلة خاشعين فاوحى الله اليه ان الله قد غفر لك ولهم اجمعين ثم لم يزل يدعو لهم كل ليلة جمعة فى نيف وعشرين سنة الى ان حضره الوفاة
والتحقيق فى هذا المقام ما قاله حضرة شيخى وسندى قدس الله سره فى بعض تحريراته وهو انه تعالى قال فى حكاية قول يوسف عليه السلام { يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين } وقال فى حكاية قول يعقوب عليه السلام { سوف استغفر لكم ربى انه هو الغفور الرحيم } وذلك لانه انبعث من غيب قلب يوسف النظر الى ما نال اليه بسبب اخوته من النعماء والآلاء وانبعث ايضا من غيب قلبه النية والارادة للاستغفار لهم فقال بلا توقف ولا تأخر { يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين } اى وهو ارحم بكم منى ومن ابى ومنكم ومن سائر الراحمين وهو يرحمكم ويغفر لكم بسبب استغفاري لكن قدر ما نلت اليع بسبب ابتلائى بكم بل فوقه اذ لولا رحمته ومغفرته لكم لما ابتلانى بكم ولما انالنى الى ما رأيتم من السلطنة الظاهرة والباطنة والنعمة التامة الكاملة ولم ينبعث من غيب قلب يعقوب عليه السلام ذلك بل انبعث النظر الى ما وصل اليه بسببهم من العناء والمحن ولم تنبعث النية للاستغفار لهم بل توقف وتأخر الى انبعاث النية من جانب الغيب حتى يستغفر لهم بالنية الصادقة المأذونة من قبل الحق تعالى فقال اشارة الى هذا وتنبيها لهم عليه { سوف استغفر لكم } ربى حين تنبعث نية الاستغفار الى قلبى من قبل العزيز الغفار ولا تستعجلوا { انه هو العفور الرحيم } لانه كما انزل على هذه المنح فى صورة المحن من قبلكم يرحمكم ويغفر لكم ولولا ارادته الرحمة والمغفرة لكم لما ابتلاكم بهذا البلاء ولكن هذه الوقعة نعمة فى صورة النقمة ورحمة فى صورة الغضب الحمد لله على ما انعم وهو الاكرم والارحم واصل ذلك ارادة الحق سبحانه ان يتحلى لهم بالقبض والجلال من جانب اليهم وبالبسط والجمال من جانب اخيهم حتى ينالوا الى مرتبة الصبر بالتجلى الاول ويصلوا الى مرتبة الشكر التجلى الثانى وتكون تربيتهم بالقبضتين واليدين ومرتبتهم جامعة بين المرتبتين فلو كان التجلى من كلا الجانبين بالقبضة واليد الواحدة لكان مخالفا لسنته القديمة فانه لا يتجلى لاحد من مجليين الابصورتين مختلفتين وكذا لا يتجلى لشخصين من مجليين الابصورتين ألا ترى انه لا يوجد شخصان فى صورة واحدة وان كانا من اب واحد لان فى اتحاد التجلى فيهما تحصيل حاصل وهو نوع عبث تعلاى شأنه عن العبث علوا كبيرا(6/190)
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99)
{ فلما دخلوا على يوسف } - روى - ان يوسف وجع الى ابيه جهازا كثيرا ومائتى راحلة وسأله ان يأتيه باهله اجمعيم فتهيأ يعقوب للخروج الى مصر : قال الخدندى
كرد شيرين دهن ما خبر يار عزيز ... كه زمصرت دكرا ينك شكرى مى آيد
فتوجه مع اولاده واهاليهم الى مصر على رواحلهم فلما قربوا من مصر اخبر بذلك يوسف
صبا زدوست بيامى بسوى ما آورد ... بهمدمان كهن دوستى بجا آورد
براى جشم ضعيف رمد كرفئة ما ... زخاك مقدم محبوب توتيا أورد
فاستقبله يوسف والملك الريان فى اربعة آلافغ من الجند او ثلاثمائة الف فارس والعظماء واهل مصر باجمعهم ومع كل واحد من الفرسان جنة من فضة وراية من ذهب فتنزينت الصحراء بهم واصطفوا صفوفا وكان الكل غلمان يوسف ومراكبه ولما صعد يعقوب تلا ومعه اولاده وحفدته اى اولاد اولاده ونظر الى الصحراء مملوءة من الفرسان مزينة بالالواننظر اليهم متعجبا فقال له جبريل انظر الى الهواء فان الملائكة قد حضرت سرورا بحالكم كما كانوا محزونين مدة لاجلك . يعنى [ ازين لشكر وتجمل عجب ميدارة ببالا نكر جنود ملك از زمين تا فلك بتفرج آمده بشادئ تو مبتهج ومسرورند جنانجه درين مدت ازاندوه تومخرون ورنجور بوجند ] ثم نظر يعقوب الى الفرسان فقال ايهم ولدى يوسف فقال جبريل هو ذاك الذى فوق رأسه ظلة فلم يتمالك ان اوقع نفسه من البعير فجعل يمشى متوكئا على يهودا
راه نزديك وبماندم سخت دير ... سير كشتم زين سوارى سيرير
سرنكون خودرا زاشتردرفكند ... كيف سوزندم زغم تاجند جند
فقال جبريل يا يوسف ان اباك يعقوب قد نزل فانزل له فنزل من فرسه وجعل كل واحد منهما يعدى الى الآخر فلما تقربا قصد يوسف ان يبدأ بالسلام فقال جبريل لا حتى يبدأ يعقوب به لانه افضل واحق قابتدأ به وقال السلام عليك يا مذهب الاحزان
جه جورها كه كشيدند بلبلان ازدى ... ببوى آنكه دكر نو بهار باز آيد
فتعانقا وبكيا سرورا وبكت ملائكة السموات وماج الفرسان بعضهم فى بعض وصهلت الحيول وسبحت الملائكة وضرب بالطبول والبوقات فصار كأنه يوم القيامة
جه خوش حاليست روى دوست ديدن ... بس از عمرى بيك ديكر رسيدن
بكام دل زمانى آرميدن ... بهم كفتن سخن وزهم شنيدن
قال يوسف يا ابت بكيت على حتى ذهب بصرك ألم تعلم ان القيامة تجمعنا فقال بلى ولكن حشيت ان يسلب ديتك فيحال بينى وبينك نسأل الله الثبات على الايمان انه الكريم المنان
عروسى بود نوبت ماتمت ... كرت نيك روزى بود خاتمت
{ آوى اليه ابويه } الجمهور على ان المراد بابويه ابوه وخالته ليا لان امه راحيل كانت قد ماتت فى ولادة بنيامين ولذلك سمى بنيامين فان يامين وجع الولادة بلسانهم كما فى تفسير ابى الليث .(6/191)
والرابة وهى موطوءة الال تدعى اما لقيامها مقام الام او لان الخالة ام كما ان العم اب . والمعنى ضمهما الى نفسه فاعتنقهما وكأنه عليه السلام حين استقبلهم نزلهم فى خيمة او بيت كان له هناك فدخلوا عليه فى ذلك البيت او الخيمة وضمهما اليه
وقال الكاشفى [ يس در مزديك مصر موضعى بود ازان يوسف وقصر رفيع در آنجا ساختة بودند يوسف درانجا نزول فرمود بس آن هنكام كه در آمدبر يوسف دران منزل لآوى اليه ابويه جاى داد بسوى خود بدر وخاله خودرا كه بجاى مادرش بود وديكر باره برادران را دركنار كرفت خالته رابرسش فرمود وبرادر زادكانرا نوازش كرد ] { وقال } لهم قبل ان يدخلوا مصر { ادخلوا مصر ان شاء الله آمنين } من الجوع والخوف وسائر المكاره قاطبة لانهم كانوا قبل ولاية يوسف يخافون ملوك مصر ولا يدخلونها الا باجازتهم لكونهم جبابرة والمشيئة متعلقة بالدخول والامن معا كقولك للغازى ارجع سالما غانما ان شاء الله فالمشيئة متعلقة بالسلامة والغنم معا والتقدير ادخلوا مصر آمنين وذو الحال هو فاعل ادخلوا(6/192)
وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)
{ ورفع ابويه } عند نزولهم بمصر وكانوا اثنين وسبعين رجلا وامرأة وكانوا حين خرجوا منها مع موسى عليه السلام ستمائة الف وخمسمائة وبضعا وتسعين او سبعين رجلا سوى الذرية والهرمى وكانت الذرية الف الف ومائتيى الف { على العرش } وهو السرير الذى كان يجلس عليه يوسف وهو بالفارسية [ تخت ] اى اجلسهما معه على سرير الملك تكرمة لهما فوق ما فعله لاخوته واشتركوا فى دخول دجار يوسف لكنهم تباينوا فى الايواء فانفرد الابوان بالجلوس معه على سرير الملك لبعدهما من الجفاء كذا غدا اذا وصلوا الى الغفران يشتركون فيه فى دخول الجنة ولكنهم يتباينون فى بساط القربة فيختص به اهل الصفاء دون من اتصف اليوم بالالتواء
هركسى ازهمت والاى خويش ... سود برد در خور كالاى خويش
{ وخروا له } [ وبروى درافتادند بدر وخاله وبرادران مرورا ] { سجدا } حال مقدرة لان السجود بعد الخرور يكون اى حال كونهم ساجدين تحية وتكرمة له فانه كان السجود عندهم جاريا مجرى التحية والتكرمة كالقيام والمصافحة وتقبيل اليد ونحوها من عادات الناس الناشئة فى التعظيم والتوفير والرفع مؤخر عن الخرور اذ السجود دله كان قبل الصعود على السرير فى اول الملاقاة لان ذلك هو وقت التحية الا انه قدم لفظا للاهتمام بتعظيمه لهما والترتيب الذكرى لا يجب كونه على وقف الترتيب الوقوعى وليصل به ذكر كونه تعبير الرؤيا
قال الكاشفى [ يوسف كه آن حال مشاهدة نمود اظهار مسرت وبهجت فرمود ] { وقال يا ابت } [ اى بدر من ] { وهذا } [ اين سجده كردن شمارا ] { تأويل رؤياى } التى رأيتها وقصصتها عليك { من قبل } فى زمن الصبى يريد قوله { انى رأيت احد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين } { وقد جعلها ربى حقا } صدقا فى اليقظة واقعا بعينها
قال بعضهم وقعت رؤيا يوسف بعد اربعين سنة واليها ينتهى الرؤيا
يقول الفقير فيكون القول بان الاجتماع كان بعد ثمانين سنة مرجوحا
واعلم ان السبب فى تأخير ظهور المنامات الجيدة وسرعة الرديئة هو آن القدرة الالهية المظهرة لهذه المنامات تعجل البشارة بالخيرات الكامنة قبل اوانها بمدة طويلة لتكون مدة السرور اطول وتؤخر الانذار بالشرور الكامنة الى زمان يقرب من حصولها ليقصر زمان الهم والحزن
قال الشيخ صدر الدين الفتوى قدس سره فى شرح قوله عليه السلام « اصدق المنامات ما رؤى فى السحر » اعلم ان السحر هو زمان اواخر الليل واستقبال اول النهار والليل مظهر الغيب والظلمة والنهار هو زمان الكشف والوضوح ومنتهى سير المغيبات والمقدرات الغيبية فى العلم الالهى ثم عاد المعانى والارواح ولما كان السحر هو مبدأ زمان السحر هو مبدأ زمان استقبال كمال الانكشاف والتحقق لزم ان الذى يرى اذ ذاك يكون قريب الظهور والتحقق والى ذلك اشار يوسف بقوله هذا { تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا } اى ما كملت حقية الرؤيا الا بظهورها فى الحس فان فيه ظهر المقصود من تلك الصورة الممثلة واينعت ثمراتها انتهى(6/193)
وقال حضرة الشيخ الا كبر قدس سره الاطهر { هذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقها } اى اظهرها فى الحس بعد ما كانت فى صورة الخيال فقال النبى عليه السلام « الناس نيام » اى جعل النبى عليه السلام اليقظة ايضا نوعا من انواع النوم لغفلة الناس فيها عن المعانى الغيبية والحقائق الالهية كما يغفل النائم عنها فكان قول يوسف { قد جعلها ربى حقا } بمنزلة من رأى فى نومه انه استيقظ من رؤيا رآها ثم ذكرها وعبرها ولم يعلم انه فى النوم عينه ما برح فاذا استيقظ يقول رأيت كذا ورأيت كأنى استيقظت واولتها بكذا هذا مثل ذلك كما قال فى المثنوى
اين جهانرا كه بصورت قائمست ... كفت بيغنبر كه حلم نائمست
او كمان برده كه ابن دم خفته ام ... بى خبرزان كوست درخواب دوم
فانظر كم بين ادراك محمد وبين ادراك يوسف عليهما السلام فى آخر امره حين قال { هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربى حقا } معناه ثابتا حسا اى محسوسا وما كان الا محسوسا فان الخيال لا يعطى ابدا الا المحسوسات ليس له غير ذلك فالنبى عليه السلام جعل الصورة الحسية حقا ثابتا والصور الخيالية غير ذلك فصار الحس عنده مجالى للحق والمعانى الغيبية دون الخيال فانظر ما اشرف علم ورثة سيد الانبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليه وعليهم اجمعين وهم اى الورثة الاولياء الكاملون المطلعون على هذه الاسرار
والاشارة ان يعقوب هو الروح وزوجته النفس واولاده اوصاف البشرية والقوى والحواس ويوسف هو القلب والقلب بمثابة العرش وهو على الحقيقة عرش الرحمن والسجدة كانت على الحقيقة لرب العرش لا للعرش وقوله ان شاء الله لانه لا يصل الى مصر حضرة الملك العزيز احد الابجذبة مشيئته وقوله آمنين اى من الانقطاع عن تلك الحضرة فانها منزهة عن الاتصال والانفصال والانقطاع عنها
فعلى العاقل ان يجتهد فى طريق الوصول الى ان تنفتح بصيرته ويتخلص من الظلمة ولا يقول اين هو كما قال فى المثنوى
اين جهان بر آفتاب ونورماه ... اوبهشت سرفرو برده بجاه
كه اكر حقست بس كوروشنى ... سر زجه بردار وبنكراى دنى
جمله عالم شرق وغرب آن نوريافت ... تاتودر جاهى نخواهد برتوتافت
وصحبة هذا النور انما تحصل بالصبر على المعاصى والشرور واصلاح الطبيعة والنفس بالشريعة والطريقة وحبس الوجود فى ظلمة بيت الخلوة الى اشراق نور الحقيقة ألا ترى الى قول الحافظ الشيرازى
آنكه بيرانه سرم صحبت يوسف بنواخت ... اجر صبريست كه در كلبه احزان كردم(6/194)
اللهم اجعلنا من الواصلين { وقد احسن بى } قال فى الكواشى المفعول محذوف تقديره احسن بى صنععه والمشهور استعمال الاحسان بالى وقد يستمل بالباء ايضا كما فى قوله { وبالوالدين احسانا } والمعنى بالفارسية [ وبدرستى كه نيكويى كرده است بمن آفرين كارمن ] { اذا اخرجنى من السجن } [ جون بيرون آورد مرا اززندان ] ولم يذكر الجب لئلا يستحيى اخوته ومن تمام الصفح والعفو ان لا يذكر ما تقدم من الذنب ولانه كان فى السجن مع الكفار وفى الجب مع جبرائيل ولانه كان فى وقت دخول الجب صغيرا ولا يجب الشكر على الصبيان ولان عهده بالسجن اقرب من الجب فلذا ذكره والوجه الاول ارجح وقد سبق مثله فى حق زليخا ايضا حيث قال { ارجع الى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتى قطعن ايديهن } ولم ذكر زليخا
قال لقمان رضى الله عنه خدمت اربعة آلاف نبى واخترت من كلامهم ثمانى كلمات . ان كنت فى الصلاة فاحفظ قلبك . وان كنت فى بيت الغير فاحفظ عينيك . وان كنت بين الناس فاحفظ لسانك . واذكر اثنين . وانس اثنين . اما اللذان تذكرهما فالله والموت . واما اللذان تنساهما احسانك فى حق الغير واساءة الغير فى حقك
وفى التأويلات اخرجنى من سجن الوجود ولهذا لم يقل من الجب جب البشرية ونعمة اخراجه من سجن الوجود اكبر من نعمة اخراجه من جب البشرية { وجاء بكم } [ وآورد شمارا ] { من البدو } قال فى القاموس والبدو والبادية خلاف الحضر لكون الصحراء بادية على العين اى ظاهرة سميت بها وكانوا اصحاب المواشى والعمد اى الاخيبة ينتقلون فى الماء والمرعى
وقال الكاشقى [ وآن موضعى بود اززمين فلسطين درزمين شام كه يعقوب آنجانشستى وآن نزديك كنعان بود يوسف جهت شكر نعمت فرمودكه حق سبحانه وتعالى مرا اززندان تبخت رسانيد وشمارا ازباديه نزديك من آورد تابايكديكر برنشينيم ] { من بعد ان نزغ الشيطان بينى وبين اخوتى } اى افسد بيننا وحرش واغرى من نوغ الرائض الدابة اذا نخسها وحملها على الجرى والحركة ولقد بالغ فى الاحسان حيث نسب ذلك الى الشيطان
يقول الفقير الادب ان يسند الشر الى النفس والشيطال لانهما معدنه ومنشأه وان كان الكل بخلق الله تعالى { ان ربى لطيف لما يشاء } اى لطيف التدبير لاجله رفيق حتى يجيئ على وجه الحكمة والصواب ما من صعب الا وهو بالنسبة الى تدبيره سهل
وقال فى الكواشى ذو لطف بمن يشاء واللطف الاحسان الخفى
قال الامام الغزالى رحمه الله انما يستحق هذا الاسم من يعلم دقائق المصالح وغوامضها وما دق منها وما لطف ثم يسلك فى ايصالها الى المستصلح سبيل الرفق دون العنف واذا اجتمع الرفق فى الفعل واللطف فى الادراك تم معنى اللطف ولا يتصور كما فى العلم والفعل الا لله تعالى وحفظ العبد من هذا الوصف الرفق بعباد الله تعالى والتلطف بهم فى الدعوة الى الله والهداية الى سعادة الآخرة من غير ازراء وعنف ومن غير تعصب وخصام واحسن وجوه اللطف فيه الجذب الى قبول الحق بالشمائل والسير المرضية والاعمال الصالحة فانها اوقع والطف من الالفاظ المزينة : وفى المثنوى(6/195)
بند فعلى خلق را جذابتر ... كه رسددرجان هربا كوش كر
{ انه هو العليم } بليغ العلم بوجود المصالح والتدابير { الحكيم } الذى يفعل كل شيء على قضية الحكمة وقد سبق فى اوائل هذه السورة سر التقدم والتأخر بين اسمى العليم والحكيم -روى- ان يوسف اخذ بيد يعقوب فطاف به فى خزائنه فادخله فى خزائن القراطيس وهو اول من عملها قال يا بنى ما اعقك عندك هذه القراطيس وما كتبت الىّ على ثمانى مراحل
صد بارشد از عشق توام حال دكر كون ... يكبار نكفتى فلان حال توجون شد
قال امرنى جبريل قال أو ما تسأله قال انت ابسط اليه منى فاسأله قال جبريل الله امرنى بذلك لقولك اخاف ان يأكله الذئب قال فهلا خفتنى : قال المولى الجامى
زليخا جون زيوسف كام دل يافت ... بوصل دائمتش آرام دل يافت
تمادى يافت ايام وصالش ... دران دولت زجل بكذشت سالش
بيايى داد آن نخل برومند ... بر فرزند بل فرزند فرزند
مرادى درجهان دردل نبودش ... كه برخوان امل حاصل نبودش
وولد ليوسف من راعيل اى زليخا افراييم وميشا وخمة امرأة ايوب عليه السلام وولد لافراييم نون ولنون يوشع فتى موسى ولما نزل يعقوب فى قصر يوسف جاء اولاد يوسف فوقفوا بين يدى يعقوب ففرح بهم وقبلهم وحدثه يوسف بحديثه مع زليخا وما كان منه ومنها واخبره ان هؤلاء اولاده منها فاستدعاها يعقوب فحضرت وقبلت يده وسألته زليخا ان ينزل عندها فقال لا ارضى بزينتكم هذه ولكن اصنعوا لى عريشا من البردى والقصب مثل عريشى بارض كنعان فصنعوا له عريشا كما اراد ونزل فيه فى اتم سرور وغبطة
قال السهيلى كان مساكن نبينا صلى الله عليه وسلم مبنية من جريد النخل عليه طين وبعضها من حجارة مرصوصة وسقفها كلها من جريد
وعن الحسن البصرى كنت وانا مراهق ادخل بيوت ازواج النبى عليه السلام فى خلافة عثمان رضى الله عنه فاتناول سقفها بيدى وهدمها عمر بن عبد العزيز بعد موت ازواجه عليه السلام وادخلها فى المسجد
قال بعضهم ما رأيت باكيا اكثر من ذلك اليوم وليتها تركت ولم تهدم حتى يقصر الناس عن البناء ويرضون بما رضى الله لنبيه عليه السلام ومفاتيح خزائن الارض بيده عليه السلام اى فان ذلك مما يزهد الناس فى التكاثر والتفاخر فى البنيان وفى الحديث « ان شر ما ذهب فيه مال المرء المسلم البنيان »
وكتب بهلول على حائط من حيطان قصر عظيم بناه اخوه الخليفة هارون يا هارون رفعت الطين ووضعت الدين رفعت الجص ووصعت النص ان كان من مالك فقد اسرفت ان الله لا يحب المسرفين وان كان من مال غيرك ظلمت ان الله لا يحب الظالمين(6/196)
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)
{ رب } - روى - ان يعقوب اقام مع يوسف اربعا وعشرين سنة واوصى ان يجفنه بالشام الى جنب ابيه اسحاق فنقله يوسف بنفسه فى تابوت من ساج فوافق يوم وفاة عيص فدفنا فى قبر واحد وكانا فى بطن واحد وكان عمرهما مائة وسبعا واربعين سنة كما فى تفسير ابى الليث ثم عاد الى مصر وعاش بعد ابيه ثلاثا وعشرين سنة وكان عمره مائة وعشرين سنة فلما جمع الله شمله وانتظمت اسبابه واطردت احواله ورأى امره على الكمال علم انه اشرف على الزوال وان نعيم الدنيا لا يدوم على كل حال قال قائلهم
اذا تم امردنا نقصه ... توقع زوالا اذا قيل تم
فسأل الله الموت بحسن العاقبة
قال الكاشفى [ يوسف بدررا بخواب ديدكه ميكويد اى يوسف بغايت مشاق لقاى بشتاب تاسه روز ديرنزد من آبى يوسف ازخواب درآمد وبرادرانرا ووصيتها كرد ويهودا ولى عهد ساخنة فرزندانرا بروسبرد وبطريق مناجات كفت اى بروردكار من ] { وقد آتيتنى من الملك } اى اعطيتني بعضا منه عظيما وهو ملك مصر اذ لم يكن له ملك كل الدنيا
قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده قدس سره كان فى وجود يوسف عليه السلام قابلية السلطنة واما سلطان الأنبياء صلى الله عليه وسلم فقد افتى جميع ما فى ملك وجوده من جهة الافعال والصفات فلم يبق شئ فظهر مكانه شئ لا يوسف بحيث وقع تجلى الذات فملكه وسلطانه لايداينه شئ ولذا لو قال احد على وجه التحقير انه كان فقير ايكفر
شمع سراجه ابيت اختر برج لودنوت ... تارك دينئ دنى مالك ملكت دنا
{ وعلمتتنى من تأويل الاحاديث } [ وبياموختى مراز تعبير خوابها ] ومن للتبعيض ايضا لانه لم يؤت علم كل التأويل على التفصيل وان جاز ان يؤتى ملكته ويقال من هنا لابانة الجنس لا للتبعيض
قال ابن الكمال الاحاديث مبنى على واحدة المستعمل وهو الحديث كأنهم جمعوا حديثا على احداثه ثم جمعوا الجمع على احاديث كقطيع واقعة واقاطيع والمراد بالاحاديث الرؤى جمع الرؤيا وتأويلها بيان ما تؤول هى اليه فى الخارج وعلم التعبير من العلوم الجليلة لكنه من لوازم النبوة والولاية فقد يعطيه الله بعض خواسه على التفصيل ولعضهم على الاجمال { فاطر السموات والارض } اي خالقهما موجدهما من العدم الى الوجود
قال ابن عباس رضى الله عنهما كان معنى الفاطر غير ظاهر الى ان تقدم رجلان من العرب يدعى كل منهما الملكية فى بئر احدهما انا فاطرتها اي ابتدأت حفرها فلاعفت ذلك { انت وليى } سيدي وانا عبدك
وقال الكاشفى [ تويى يار من ومتولئ كارمن } اى القائم بامرى { فى الدنيا والآخرة } [ درين سراى ودران سراى ] واعلم ان من عرض له حاجة فاراد ان يدعو فعليه ان يقدم الثناء على الله تعالى ولذا قدم يوسف عليه السلام الثناء ثم قال داعيا { توفنى مسلما } وهو طلب للوفاة على حال الاسلام لانها تمام النعمة ونحوه(6/197)
{ ولا تموتن الا وانتم مسلمون } ويجوز ان يكون تمنيا للموت اى اقبضنى اليك مخلصا بتوحيدك
قيل ما تمنى الموت نبى قبله ولا بعده الا هو : وفى المثنوى
يس رجال ازنقل عالم شادمان ... وزبقا اش شادمان اين كودكان
همجنين باد اجل بر عارفان ... نرم وخوش همجون نسيم يوسفان
أتش ابراهيم را دندان نزد ... جون كزيده حق بود جونش كزد
وفى الحديث « الموت تحفة المؤمن » لان الدنيا سجنه لا يزال منها فى عناء بمقاساة ورياضتها فى شهواتها ومدافعة شيطانه فالموت اطلاقه واستراحته كما قيل موت الامراء فتنة وموت العلماء مصيبة وموت الاغنياء محنة وموت الفقراء راحة وفى الحديث « من احب لقاء الله احب لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه » وقالوا يا رسول الله كلنا نكوه الموت قال « ليس ذلك بكراهة للموت ولكن المؤمن اذا احتضر جاء البشير من الله بما يرجع اليه فليس شئ احب اليه من لقاء الله لقاءه وان الفاجر او الكافر اذا احتضر جاءه النذير بما هو صائر اليه من الشر فكره لقاء الله فكره الله لقاءه » ومعنى محبة الله افاضة فضله على المؤمن واكثار العطايا له ومعنى كراهته تبعيد الكافر عن رحمته وارادة نقمته
وانما دعا يوسف بهذا الدعاء وهو التوفى مسلما ليقتدى به قومه ومن بعده ممن ليس بآمن على ختمه فلا يترك الدعاء امتثالا له لان ظواهر الانبياء عليهم السلام كانت لنظر الامم اليهم ليعلموا موضع الشكر من موضع الاستغفار { والحقنى بالصالحين } اى بآبائى المرسلين فى الجنة او بعامة الصالحين فى النعمة والكرامة وهو اسم للانبياء لكمال حالهم واستجماع خصال الخير فيهم قال تعالى { وادخلناهم فى رحمتنا انهم من الصالحين } قال سعدى المفتى فيه بحث فان يوسف من اكابر الانبياء والصلاح اول درجات المؤمنين فكيف يليق به ان بطلب اللحاق بمن هو فى البداية ثم قال ويمكن ان يقال سبيله سبيل الاستغفار عن نبينا عليه السلام فان امثاله تصدر عن الانبياء هضما للنفس انتهى
يقول الفقير هذا معنى ساقط ذهول عن حقيقة الحال وكأنه ذهب بوهمه الى ترتيب قوله تعالى { فاولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين } ولم يعرف ان مرتبة الصلاح مرتبة عظيمة جامعة لجميع المراتب ان الصالح اذا ترقى من مقامه يسمى شهيدا ثم صديقا ثم نبيا ويزم منه ان لا يتصف الشهيد مثلا بالصلاح فان تسميته شهيدا انما هى باعتبار صفة غالبة كتسمية الانسان اميرا ثم وزيرا باعتبار تفاوت درجات ولايته مع كونه انسانا فى نفسه ان ارباب البداية يسمون صلحاء كذلك اصحاب النهاية بشهادة الله تعالى كما قال(6/198)
وقال فى القصص ماتت زليخا قبله فحزن عليها ولم يتزوج بعدها ولما دنت وفاة يوسف وصى الى ولده افراييم ان يسوس الناس وقال ان يوسف خرج باهله واولاده واخوته ومن آمن معه من مصر ونزل عليه جبريل فخرق له من النيل خليجا الى الفيوم ولحق به كثير من الناس وبنوا هناك مدينتين وسموهما الحرمين فكان يوسف هناك سنين الى ان مات فتخاصم المصريون فى مدفنه من جانبى النيل كل طائفة ارادت ان يدفن يوسف فى جانبه وسمته تبركا بقبره الشريف وجلبا للخصب حتى هموا بالقتال ثم تصالحوا على ان يدفن سنة فى جانب مصر وسنة فى جانب آخر من البدو فدفن فى الجانب المصرى فاخصب ذلك الجانب واجدب الجانب الآخر من البدو ثم نقل الى الجانب البدوي فاخصب ذلك الجانب واجدب الجانب الآخر المصري ثم اتفقوا على دفنه فى وسط النيل وقدروا ذلك بسلسلة وعملوا له صندوقا من مرمر
شكاف سنك قيراندى كردند ... ميان قعر نيلش جاى كردند
يكى شد غرق بحر آشنايى ... يكى لب تشنه در بر جدايى
به بين حيله كه جرخ بى وفا كرد ... كه بعد مركش ازيوسف جدا كرد
نمى دانم بايشان جه كين داشت ... كه زيرخا كشان آسوده نكذاشت
وعن عروة بن الزبير رضى الله عنهما قال ان الله تعالى حين امر موسى عليه السلام بالسير ببنى اسرائيل امره ان يحمل معه عظام يوسف وان لا يخلفها بارض مصر وان يسير بها حتى يضعها فى الارض المقدسة اى وفاء بما اوصى به يوسف فقد ذكر انه لما ادركته الوفاة اوصى ان يحملب الى مقابر آبائه فمنع اهل مصر اولياءه من ذلك فسأل موسى عمن يعرف موضع قبر يوسف فما وجد احد يعرفه الا عجوزا فى بنى اسرائيل فقالت له يا بنى انا اعرف مكانه وادلك عليه ان انت اخرجتنى معك ولم تخلفنى بارض مصر قال افعل . وفى لفظ انها قالت اكون معك فى الجنة فكأنه ثقل عليه ذلك فقيل له اهطها طلبتها فاعطاها وقد كان موسى وعد بنى اسرائيل ان يسير بهم اذا طلع القمر فدعا ربه ان يؤخر طلوع القمر حتى ارته اياه فى ناحية من النيل .(6/199)
وفى لفظ فى مستنقعة ماء اى وتلك المستنقعة فى ناحية من النيل فقالت لهم انضبوا عنها الماء اى ارفعوا عنها ففعلوا فقالت احفروا فحفروا واخرجوه . وفى لفظ انها انتهت به الى عمود على شاطئ النيل اى فى ناحية منه فلا يخالفه ما سبق فى اصله سكة من حديد فيها سلسلة . ويجوز ان يكون حفرهم الواقع فى تلك الرواية كان على اظهار تلك السلسلة فلا مخالفة ووجده فى صندوق من حديد فى وسط النيل فى الماء استخرجه موسى وهو فى صندوق من مرمر اى داخل ذلك الصندوق الذى من الحديد فاحتمله
وفى انيس الجليس ان موسى قم معى الى والدتك فقال الرجل ودخل منزلته واتى بقعة فيها والدته فقال لها ألك علم بقبر يوسف قالت نعم ولا ادلك على قبره الا ان دعوت الله ان يرد علىّ شبابى الى سبع عشرة سنة ويزيد فى عمرى مثل ما مضى فدعا لها موسى لها وقال لها كم عمرك قالت تسعمائة سنة فعاشت الفا وثمانمائة سنة فارته قبر يوسف وكان فى وسط نيل مصر ليمر النيل عليه فيصل الى جميع مصر فيكونوا شركاء فى بركته فاخصب الجانبان وكان بين دخول يوسف مصر الى يوم خروج موسى اربعمائة سنة وهو اى يوسف اول نبىّ من بنى اسرائيل
قال فى بحر العلوم ولقد توارثت الفراعنة من العمالقة بعده مصر ولم تزل بنوا اشرائيل تحت ايديهم على بقايا دين يوسف وآبائه الى ان بعث الله موسى فنجاهم من الفراعنة بعونه وتيسيره
وعن عمر بن عبد العزيزان ميمون بن مهران بات عنده فرآه كثير البكاء والمسألة للموت فقال صنع الله على يديك خيرا كثيرا احييت سننا وامت بدعا وفى حياتك خير وراحة للمسلمين فلا افلا اكون كالعبد الصالح لما اقر الله عينه وجمع له امره قال توفنى مسلما والحقنى بالصالحين
كرت ملك جهان زير نكين است ... بآخر جاى تو زير زمين است(6/200)
ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102)
{ ذلك } المذكور من نبأ يوسف يا محمد { من انباء الغيب } من الاخبار التى غاب عنك علمها { نوحيه اليك } على لسان جبريل هوهو خبر ثان لقوله ذلك { وما كنت } حاضرا { لديهم } اى عند اخوة يوسف { اذا جمعوا امرهم } حين عزموا الى القائه فى غيابة الجب فان الاجماع العزم على الامر يقال اجمعت الامر وعليه { وهم يمكرون } به وبابيه ليرسله معهم وانما نفى الحضور وانتفاؤه معلوم بغير شبهة تهكما بالمنكرين للوحى من قريش وغيرهم لانه كان معلوما عند المكذبين علما يقينا انه عليه السلام ليس من جملة هذا الحديث واشباهه ولا قرأ على احد ولا سمع منه وليس من علم قومه اذا اخبر به لم يبق شبهة فى انه من جهة الوحى لا من عنده فاذا انكروه تهكم بهم
وقيل لهم قد علمتم يا مكابرين انه لا سماع له من احد ولا قراءة ولا حضور ولا مشاهدة لمن مضى من القرون الخالية -روى- ان كفار قريش وجماعة من اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف على سبيل التعنت فلما اخبرهم عن موافقة التوراة لم يسلموا فحزن النبى عليه السلام فعزاه الله(6/201)
وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)
بقوله { وما اكثر الناس } عام لاهل مكة وغيرهم { ولو حرصت } على ايمانهم وبالغت فى اظهار الآيات لهم والحرص طلب شيء باجتهاد فى اصابته { بمؤمنين } لعنادهم وتصميمهم على الكفر وهذا فى الحقيقة من اسرار القدر لان عدم ايمانهم من مقتضيات استعداداتهم الازلية الغير المجعولة واحوال العيانهم الثابتة
فان قلت فما فائدة التكليف والامر بما يعلم عدم وقوعه
قلت فائدته تمييز من له استعداد ذلك لتظهر السعادة والشقاوة واهلهما
فان قلت لم كان الكفرة اكثر من الله تعالى خلق الخلق للعبادة
فان المقصود ظهور الانسان الكامل وهو واحد كالف(6/202)
وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104)
{ وما تسألهم عليه } اى على الانباء والارشاد بالقرآن { من اجر } ما يعطونك كما يفعله حملة الاخبار والمراد انا ارخينا العلة فى التكذيب حيث بعثناك مبلغا بلا اجر { ان هو } اى ما القرآن { الا ذكر } عظة من الله وانذار { للعالمين } عامة بعثا لهم على طلب النجاة
وفيه اشارة الى ان الدعوة والارشاد وسائر افعال الخير لا يطلب فيها المنفعة من الناس فانها لله تعالى وما كان لا يجوز ان يشوبه شيء من اغراض الدنيا والآخرة : وفى المثنوى
عاشقانرا شادمانى وغم اوست ... دست مزدواجرت خدمت هم اوست
وفى التأويلات النجمية يشير الى اللاهوتية غير محتاجة الى الناسوتية وان دعنها الى الاستكمال لانها كاملة فى ذاتها مكملة لغيرها(6/203)
وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)
{ وكأين } قال المولى الجامى فى شرح الكافية من الكناية كاين وانما بنى لان كاف التشبيه دخلت على أى وأى كان معربا لكنه انمحى عن الجزءين معناهما الافرادى فصار المجموع كاسم مفرد بمعنى كم الخبرية فصار كأنه اسم مبنى على السكون آخره نون ساكنة كما فى من لا تنوين تمكن ولهذا يكتب بعد الياء نون مع ان نون التنوين لا صورة لها فى الخط اه { من آية } اى كثير من الآيات الدالة على وجود الصانع وتوحيده وصفاته من العلم والقدرة وغير ذلك { فى السموات والارض } صفة آية كالشمس والقمر والنجوم والمطر والشجر والدواب والبحار والانهار { يمرون عليها } خبر كأين اى يمرون على الايات ويشاهدونها { وهم عنها معرضون } لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها والقرآن هو المبين لتلك الآيات فمن لم يكن متصفا باخلاقه اذا قرأ القرآن ناداه الله مالك ولكلامى وانت معرض عنى دع عنك كلامى ان لم تتب الىّ ولما سمع المشركون قوله وكأين من آية الآية قالوا انا نؤمن بالله الذى خلق هذه الاشياء فانزل الله(6/204)
وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)
{ وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون } حيث يثبت له شريكا فى المعبودية تقول العرب فى تلبيتهم لبيك لا شريك لك الا شريك هولك تملكه وما مالك ويقول اهل مكة الله ربنا وحده لا شريك له والملائكة بناته فلم يوحدوه ب اشركوا ويقول عبدة الاصنام الله ربنا وحده والاصنام شركاؤه فى استحقاق العبادة وقالت اليهود ربنا اله وحده وعزيز ابن الله وقالت النصارى ربنا الله وحده والمسيح ابنه
وفى التأويلات { وما يؤمن اكثرهم } اكثر الخلق { بالله } وطلبه { الا وهم مشركون } برؤية الايمان والطلب انهما منهم لا من الله فان من يرى السبب فهو مشرك ومن يرى المسبب فهو موحد وان كل شيء هالك فى نظر الموحد الا وجهه انتهى
ولما دخل الواسطى نسابور سال اصحاب الشخ ابى عثمان المغربى بم يأمركم شيخكم قالوا يأمرنا بالتزام الطاعة ورؤية التقصير عنها فقال امركم بالمجوسية المحضة هلا امركم بالغيبة عنها بشهود منشأها ومجراها(6/205)
أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107)
{ أفأمنوا } يعنى المشركون { ان تأتيهم غاشية من عذاب الله } عقوبة تغشاهم وتشملهم { او تأتيهم وتشملهم { او تأتيهم الساعة بغتة } مصدر فى موضع الحال بالفارسية [ ناكاه ] اى فجأة من غير سابقة علامة { وهم لا يشعرون } باتيانها غير مستعدين لها
فان قيل اما يؤدّى وله بغتة مؤدّى قوله وهم لا يشعرون فيستغنى عنه
قيل لا فان معنى قوله وهم لا يشعرون وهو غافلون لاشتغالهم بامور دنياهم كقوله تأخذهم وهم يخصمون وفى الحديث « موت الفجأ اخذة السيف » بكسر السين اى غضبان يعنى موت الفجأة اثر غضب الله على العبد والفجاءة بالمد مع الضم وبالقصر مع فتح الفاء هى البغتة دون تقدم مرض ولا سبب وفى الحديث « اكره موتا كموت الحمار » قيل وما موت الحمار قال « موت الفجأة » وانما كره لئلا يلقى المؤمن ربه على غفلة من غير ان يقدم لنفسه عذرا ويجدد توبة ويرد مظالمه -وروى- ان ابراهيم وداود وسليمان عليهم السلام ماتوا فجأة ويقال ان موت الصالحين وحمل الجمهور الاول على من له تعلقات يحتاج الى الايصاء اما المنقطعون المستعدون فانه تخفيف ورفق بهم كذا فى شرح الترغيب المسمى بالفتح القريب
ذكر بعض السلف ان الخضر عليه السلام هو الذى يقتل الذين يموتون فجأة كما فى انسان العيون
قال فى التأويلات النجمية فى الحقيقة يشير بالساعة الى عشق ومحبة من الله بلا سبب من الاسباب وقيل العشق عذاب الله والعشق اخص من المحبة لانه محبة مفرطة والعشق عبارة عن هيجان القلب عند ذكر المحبوب والشوق عبارة عن انزعاج القلب الى لقاء المحبوب
وقال حكيم الشوق نور شجرة المحبة والعشق ثمرتها
وقال بعض اهل الرياضة الشوق فى قلب المحب كالفتيل فى المصباح والعشق كالدهن : قال المولى الجامى
اسير شوق كىزاد باشى ... غمش برسينه نه تاشاد باشى
نى عشقت دهد كرمى وهستى ... دكر افسر دكى وخود برستى(6/206)
قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)
{ قل هذه سبيلى } اى هذه السبيل التى هى الدعوة الى الايمان والتوحيد اى طريقى وهما يذكران ويؤنثان ثم فسرها بقوله { ادعو الى الله } الى دينه وطاعته وثوابه الموعود يوم البعث { على بصيرة } بيان وحجة بصيرة اى واضحة مرشدة الى المطلوب فان الدليل اذا كان بصيرا يتمكن من الارشاد والهداية بخلاف ما اذا كان اعمى { انا } تأكيد للمستتر فى ادعو { ومن اتبعنى } عطف عليه اى ادعو اليه انا ويدعو اليه من اتبعنى { وسبحان الله } اسممن التسبيح منصوب بفعل مضمر وهو اسبح اى اسبح الله تسبيحا او انزهه تنزيها من الشركاء { وما انا من المشركين } عطف على وسبحان الله عطف الجملة على الجملة
وفى نفائس المجالس قل هذه سبيلى اى الدعوة الى التوحيد الذاتى طريقى المخصوصة بى ثم فسر السبيل بقوله ادعو الى الله الى الذات الاحدية الموصوفة بجميع الصفات على بصيرة انا ومن اتبعنى فكل من يدعو الى ذلك السبيل فهو من اتباعى : قال فى المثنوى
اين جنين فرمود آن شاه رسل ... كه منم كشتى درين درياى كل
باكسى كودر بصير تعاى من ... شد خايفه راستى برجاى من
كشتى نوحيم در درياكه ن ... رو نكردانى زكشتى اى فتا
وكان الانبياء قبله عليه السلام يدعون الىلمبدأ والمعاد والى الذات الواحدية الموصوفة ببعض الصفات الالهية الا ابراهيم عليه السلام فانه قطب ولذا امر الله نبينا عليه السلام باتباعه بقوله { ثم اوحينا اليك ان اتبع ملة ابراهيم حنيفا } فهو من اتباع ابراهيم باعتبار الجمع دون التفصيل اذ لا متمم لتفاصيل الصفات الا هو ولذا لم يكن غيره خاتما { وسبحان الله } انوه عن اشتراك الغير بل هوالداعى الى ذاته { وما انا من المشركين } المثبتين للغير فى مقام التوحيد
قال بعضهم الداعى الى الله يدعو الخلق به والداعى الى سبيله يدعوهم بنفسه ولذلك كثرت الاجابة الى الثانى لمشاركته الطبع ثم للاتباع على الظاهر كما هو حال العامة وللاتباع على الحقيقة كما هو حال الخاصة ولا سبيل الى الدعوة على بصيرة الا بعد الاتباع قولا وفعلا وحالا وهو النتيجة من الاتباع على الظاهر -جكى- ان فقيها قصد الى زيارة ابى مسلم المغربى فسمعه يلحن فى القرآن فقال فى نفسه قد ضاع سعيى ثم سلط اسدين على الفقيه حيث خرج للوضوء وقت التهجد فهرب وصاح ودفعهما ابو مسلم ثم قال للفقيه ان كنت لحنت فى القرآن فقد لحنت فى الايمان فنحن نسعى فى نصحيح الباطن فيخاف منا المخلوق وانتم تسعون فى الظاهر فتخافون الخلق -وحكى- ان ابن الرشيد اختار البقاء على الفناء فعيره ابوه يوما وقال لحقنى لعار منك بين الملوك فدعا طيا فاجابه ثم قال لابيه ادع انت فدعاه فلم يجب فقال لحقنى العار بين اولياء الله لانك كنت اسير الدنيا والبصيرة قوة للقلب المنور بنور القجس يرى بها حقائق الاشياء وبواطنها بمثابة البصر للنفس يرى به صور الاشياء وظواهرها وهى التى يسميها الحكماء العاقلة النظرية والقوة القدسية وجميع قلوب بنى آدم فى الاصل مائلة للبصيرة بحسب الفطرة لكنها لاشتغالها بالذات والشهوات والاعراض عن الطاعات والعبادات اظلمت وبنور البصيرة والتوفيق آمنت بلقيس وسحرة فرعون ونحوهم(6/207)
واعلم ان اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم باب النجاة وطريق السعادة العظمى
قال سهل محب الله على الحقيقة يكون افتداؤه فى احواله واقواله وافعاله بالنبى عليه السلام
قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده قدس سره سأل امام ابراهيم باشا منى يوما عن تأويلات السلمى لاجل الاذية فقلت له نخلى ذلك فاننا لسنا من اهله ولكن نفتح المثنوى بنيتك ففتحت فجاء
رهرو راه طريقت اين بود ... كاو باحكام شريعت ميرود
فتعجب المرحوم وترك الانكار بعد ذلك على اولياء الله تعالى(6/208)
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109)
{ وما ارسلنا من قبلك الا رجالا } لا ملائكة فهو رد لقولهم لو شاء ربنا لا نزل ملائكة قالوا ذلك تعجبا وانكارا لنبوته فقال تعالى كيف يتعجبون من ارسلناك اياك والحال ان من قبلك من الرسل كانوا على مثل حالك لان الاستفاضة منوطة بالجنسية وبين البشر والملك مباينة من جهة اللطافة والكثافة ولو ارسل ملك لكان فى صورة البشر كما قال تعالى { ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا } وقس عليه الجن فلا يكون من الجن رسول الى البشر وفى عبارة الرجال دلالة على ان الله تعالى ما بعث رسولا الى الخلق من النوسان لان مبنى حالهن على التستر ومنهتى كمالهن هى الصديقية لا النبوة فمنها آسية ومريم وخديجة وفاطمة وعائشة رضى الله عنهن اجمعين
قال الكاشفى [ ودر باب سجاج كاهنه كه دعوئ نبوت مى كرده كفته اند ]
اصحت نبيتنا انثى نطوف بها ... ولم تزل انبياء الله ذكرانا
{ نوحى اليهم } على لسان الملك كما نوحى اليك { من اهل القرى } من اهل الامصار دون اهل البوادى لغلبة الجهل والقسوة والجفاء عليهم . والمراد بالقرية الحضلا خلاف البادية فتشمل المصر الجامع وغيره اى ما يسمى بالفارسية [ ده وشهر ] لكنه فرق كثير بين المصر الجامع وغيره ولذا قال عليه السلام « لا تسكنوا الكفور فان ساكنى الكفور ساكنوا القبور » والكفور القرى واحدها كفر يريديها القرى النائية البعيدة عن الامصار ومجتمع اهل العلم لكون الجهل عليهم اغلب وهم الى التبدع اسرع : وفى المثنوى
ده مرو ده مر درا احمق كند ... عقل را بى نور وبى رونق كند
قول بيغمبر شنو اى مجتبى ... كور عقل آمد وطن درروستا
هركه درر ستابود روزى وشام ... تا بماهى عقل او نبود تمام
تامباهى احمق با او بود ... از حشيش ده جزاينها جه درود
وانكه ماهى باشد اندر روستا ... روز كارى باشدش جهل وعمى
فان قيل فما تقول فى قوله تعالى { وجاء بكم من البدو } قلنا لم يكن يعقوب وبنوه من اهل البادية بل خرجوا اليها لمواشيهم
وفى التأويلات النجمية ان الرسالة لا تستحقها الا الرجال البالغون المستعدون للوحى من اهل قرى الملكوت والارواح لا من اهل المدائن الملك والاجساد ولذا قيل الرجال من القرى انتهى : وفى المثنوى
ده جه باشد شيخ واصل ناشده ... دست در تقليد درحجت زده
بيش شهر عقل كلى اين حواس ... جون خران جشم بسته در خراس
{ أفلم يسيروا فى الارض } آياسير نمى كنند كافران درزمين شام ويمن وبرديار عاد وثمود نميكذرند يعنى بايدكه بكذرند ] { عاقبة الذين من قبلهم } من المشركين المكذبين الذين اهلكوا بشؤم اشراكهم وتكذيبهم فيحذروهم وينتهوا عنهم والا يحيق بهم مثل ما حاق بهم لان التماثل فى الاسباب يوجب التماثل فى المسببات { ولدار الآخرة } [ وهر آيينه سراى آخرت يعنى بهشت ونعمت او ] وهو من اضافة الموصوف الى صفته واصله وللدار الاخرة كما ف قوله تعالى { تلك الدار الآخرة } { خير } بهتراست ازلذات فانيه دنيا ] { للذين اتقوا } الشرك والمعاصى { أفلا تعقلون } تستعملون عقولكم لتعرفوا انها خير(6/209)
جه نسبت جاه سفلى را بنزهتكا روحانى ... جه ماند كلخن تيره بكاشنهاى سلطانى
-روى- ان عيسى عليه السلام قال لاصحابه لا تجالسوا الموتى فتموت قلوبكم قالوا ومن الموتى قال الراغبون فى الدنيا والمحبون لها
وقال بعض الصحابة رضى الله عنهم لصدر التابعين انكم اكثر اعمالا واجتهادا من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم كانوا خيرا منكم قيل ولم ذاك قال كانوا ازهد منكم فى الدنيا وارغب فى الآخرة(6/210)
حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)
{ حتى اذا استيأس الرسل } حتى غاية محذوف دل عليه الكلام اى لا يغررهم تمادى ايامهم فان من قبلهم امهلوا حتى ايس الرسل من النصر عليهم فى الدنيا او من ايمانهم لانهماكهم فى الكفر مترفهين متمادين من غير رادع { وظنوا انهم قد كذبوا } بتخفيف الذال وبناء الفعل للمفعول والمكذوب من كان مخاطبا بالكلام الغير المطابق للواقع حتى القى خبر كاذب . وظنوا انهم حين ضعفوا وغلبوا انهم قد اخلفوا ما وعدهم الله من النصر وقال كانوا بشرا وتلا قوله { وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه نصر الله } فاراد بالظن ما يخطر بالبال ويهجس فى القلب من شبه الوسوسة وحديث النفس على ما عليه البشرية دون ترجح احد الجائزين على الآخر لان ذلك غير جائز على المسلمين فما بال رسل الله الذين هم اعرف الخلق بربهم وانه متعال على خلف الميعاد { جاءهم نصرنا } فجاة من غير احتساب . والمعنى ان زمان الامهال قد تطاول عليهم حتى توهموا ان لا نصر لهم فى الدنيا فجاءهم نصرنا بغتة بغير سبق علامة { فنجنى } بنون واحدة وتشديد الجيم وفتح الياء { من نشاء } قائم مقام الفاعل وهم الانبياء والمؤمنون التابعون لهم وانما لم يعينهم للدلالة على انهم الذين يستاهلون ان شأن نجاتهم لا يشاركهم فيه غيرهم { ولا يرد بأسنا } عذابنا { عن القوم المجرمين } اذا نزل بهم
قال فى التأويلات النجمية وفى قوله تعالى { اذا استيأس الرسل وظنوا انهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجى من نشاء } اشارة الى ان النصر كان للرسل منجيا من الابتلاء وللامم المكذبة مهلكا بالعذاب ثم اكد هذا المعنى بقوله { ولا يد بأسنا عن القوم المجرمين } اى المكذبين . والمعنى ويرد بأسنا عن القوم المطيعين(6/211)
لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)
{ لقد كان فى قصصهم } الضمير للرسل واممهم اى اخبارهم . وقرئ بكسر القاف جمع قصة { عبرة } اسم من الاعتبار وهو الاتعاظ حقيقته تتبع الشيء بالتأمل { لاولى الالباب } لذوى العقول المبرأة من شوائب الالف والركون الى الحس
قال فى بحر العلوم اى عظة يتعظ بها ذووا العقول بعدهم فلا يجترئون على نحو ما اخبر هؤلاء من اسباب بأس الله والاهلاك بل يجتنبون عن مثلها لانهم ان اتوا بمثلها يترتب على فعلهم مثل ذلك الجزاء ويسعون فى اسباب النصرة والنجاة اذا سمعوا بحال الامم الماضية وهم انهم على الله
والحاصل ان فى قصص اخوة يوسف فكرة وتدبرا لاولى الالباب وذلك ان من قدر على اعزاز يوسف وتمليكه مصر بعد ما كان عبدا لبعض اهلها قادر على ان يعز محمدا وينصره
قال الكاشفى [ سلمى از جعفر صادق نقل ميكند كه مراد از اولى الالباب ارباب اسرارست بس اعتبار ازين قصها ارباب باشد وحقائق الكلام در آيينه دل بى غل ايشان روى نمايد ]
ولى در يابد اسرار معانى ... كه روشن شد بنور جاودانى
{ ما كان } القرآن وماذ كرفيه { حديثا يفترى } يتقوله بشر { ولكن تصديق الذى بين يديه } اى ولكن كان تصديق ما تقدمه من الكتب السماوية المنزلة على الانباء ودليل صحتها لانه معجزة وتلك ليست بمعجزات فهى مفتقرة الى شهادته على صحة ما فيها افتقار المجتمع عليه الى شهادة الحجة { وتفصيل كل شيء } وتبيين كل شيء من امور الدين لاستنادها كلها اليه على التفصيل او الاجمال اذ ما من امر منها الا وهو مبتنى على الكتاب والسنة او الاجماع او القياس والثلاثة الاخيرة مستندة اليه بوسط او بغير وسط { وهدى } من الضلالة { ورحمة } من العذاب { لقوم يؤمنون } من آمن وايقن وانتصاب الاربعة بعد لكن للعطف على خبر كان
واعلم ان القرآن جامع لجميع المراتب ففيه تفصيل ظاهر الدين وباطنه . فالاول للمؤمن بالايمان الرسمى البرهانى . والثانى للمؤمن بالايمان الحقيقى العيانى . وايضا هو هدى على العموم والخصوص ورحمة من عذاب جهنم وعذاب الفرقة والقطيعة فان من اهتدى الى انواره واطلع على اسراه دخل جنة الذوق والحضور والشهود وامن من بلاء البشرية والوجود ولله تعالى عباد لهم تجلى حقائق الآفاق ثم تجلى حقائق الانفس ثم تجلى حقائق القرآن فهذه نسخ ثلاث لا بد للواصل من تلاوة آياته واصل تك النسخ الثلاث ومبدأها نسخة حقائق الرحمن والى تلك النسخ الاربع الاشارة بالكتب الاربعة الالهية
فعلى العاقل ان يتعظ بمواعظ القرآن ويهتدى الى حقائقه ويتخلق باخلاقه ولا يقتصر على تلاوة نظمه وانشد ذو النون المصرى
منع القرآن بوعده ووعيده ... مقل العيون بليلها لا تهجع
فهموا عن الملك العظيم كلامه ... فهما تذل له الرقاب وتخضع
اللهم اجل القرآن خلق الجنان وسائر الاركان(6/212)
المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (1)
{ المر } فى كلام الشيخ محيى الدين بن العربى قدس سره فى قوله تعالى { وما علمناه الشعر وما ينبغى له } ان الشعر محل للاجمال واللغر والتورية اى وما رمزنا لمحمد صلى الله عليه وسلم شيأ ولا لغزنا ولا خاطبناه بشيء ونحن نريد شيأ ولا اجملنا له الخطاب حيث لم يفهمه واطال فى ذلك ولا يشكل على ذلك الحروف المقطعة فى اوائل السور ولعله رضى الله عنه لا يرى ان ذلك من المتشابه ليس مما استأثر الله بعلمه كذا فى انسان العيون
قال ابن عباس معناه ان الله اعلم وارى ما لا يعلم الخلق وما لا يرى من فوق العرش الا ما تحت الثرى فتكون الالف واللام مختصرين من انا الله الدالين على الذات والميم والراء من اعلم وارى الدالين على الصفة
وقال الكاشفى [ الف آلاى اوست ولام لطف بى منتهاى او ميم ملك بى زوال وراء رأفت بركمال ] فتكون كل واحدة منها مختصرة من الكلمات الدالة على الصفات الالهية
وفى التبيان الالف الله واللام جبريل والميم محمد والراء الرسل ى انا الله الذى ارسل جبريل الى محمد بالقرآن والى الرسل بغيره من الكتب الالهية والصحف الربانية
وقال ابن الشيخ الظاهر ان { المر } كلام مستقل والتقدير هذه السورة مسماة بالمر { تلك } اى آيات هذه السورة { آيات الكتاب } اى القرآن
وفى التأويلات النجمية ان حروف { المر } آيات القرآن . فبالالف يشير الى قوله { الله لا اله الا هو الحى القيوم لا تاخذه سنة ولا نوم } الآية . وباللام يشير الى قوله { له مقاليد السموات والارض } وبالميم الى قوله { مالك يوم الدين } وبالراء الى قوله { رب السموات والارض } كما ان ق اشارة الى { قل هو الله احد } وهو مرتبة الاحدية التى هى التعيين الاول . وص اشارة الى { الله الصمد } وهو مرتبة الصمدية التى هى التعين الثانى { والصافات صفا } اشارة الى التعيينات التابعة له { والذى انزل اليك من ربك } اى القرآن وهو مبتدأ خبره قوله { الحق } ليس كما يقول المشركون انك تاتى به من قبل نفسك باطلا فالايمان به والعمل باحكامه واجب فمن اعتصم به وهو حبل الله ينجيه من الاسفل الذى هبط اليه بقوله { اهبطوا منها } واعلم ان المنزل من عند الله اعم من الحكم المنزل صريحا كالاحكام الثابتة بصريح نص القرآن ومن الحكم المنزل ضمنا كالتى تثبت بالسنة والاجماع والقياس فالكل حق رولكن اكثر الناس لا يؤمنون } بالقرآن ويجحدون بحقيته وانه حبل من الله يوصل المعتصم به اليه لافراطهم فى العناد وخروجهم عن طريق السداد وعدم تفكرهم فى معانيه واحاطتهم بما فيه وكفرهم به لا ينافى كونه حقا منزلا من عند الله تعالى فان الشمس شمس وان لم يرها الضرير والشهد شهد وان لم يجمعه المرور والتربية انما تفيد المستعد والقابل دون المنكر والباطل : قال المولى الجامى
هيج سودى نكند تر بيت ن قابل ... كرجه برتر نهى از خلق جهان مقدارش
سبز وخرم نشود از نم باران هركز ... خار خشكى كه نشانى بسر ديوارش
ثم بين دلائل ربوبيته واحديته بقوله(6/213)
اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)
{ الله } مبتدأ خبره قوله { الذى رفع السموات } خلقها مرفوعة بينها وبين الارض مسيرة خمسمائة عام لا ان تكون موضوعة فرفعها { بغير عمد } بالفتح جمع عماد او عمود وهو بالفارسية [ استون ] حال من السموات اى رفعها خالية من عمد واساطين { ترونها } الضمير راجع الى عمد والجملة صفة لها اى خيالية من عمد مرئية وانتفاء العمد المرئية يحتمل ان يكون لانتفاء العمد والرؤية جميعا اى لا عمد لها فلا ترى ويحتمل ان يكون لانتفاء الرؤية فقط بان يكون لها عماد غير مرئى وهو القدرة فنه تعالى يمسكها مرفوعة بقدرته فكأنها عماد لها او العدل لان العدل قامت السموات اى العلويات والسفليات
آسمان وزمين بعدل بباست ... شد زشاهان بغير عدل نخاست
كرنباشد ستون خيمه بجاى ... كى بود خيمه بى ستون برباى
ويجوز ان يكون ترونها جملة مستأنفة فالضمير راجع الى السموات كأنه قيل ما الدليل على ان السموات مرفوعة بغير عمد فاجيب بانكم ترونها غير معمودة { ثم استوى على العرش } ثم لبيان تفاضل الخلقين وتفاوتهما فان العرش افضل من السموات لا للتراخى فى الوقت لتقدمه عليها والاستواء فى اللغة بالفارسية [ راست بيستادن ] والعرش سرير الملك وهو هنا مخلوق عظيم موجود هو اعظم المخلوقات وتحته الماء العذب كما قال تعالى { وكان عرشه على الماء } وهو بحر عظيم لا يعلم مقدار عظمته الا الله . والمعنى على ما فى بحر العلوم ثم اوفى على العرش يقال او فى على الشيء اذا اشرف عليه اى اطلع عليه من فوق وفى الحديث « ان الله كبس عرصة جنة الفردوس بيده ثم بناها لبنة من ذهب مصفى ولبنة من مسك مذرى وغرس فيها مكن كل طيب الفاكهة وطيب الريحان وفجر فيها انهارا ثم اوفى ربنا على عرشه فنظر اليه فقال وعزتى وجلالى لا يدخلك مدمن مر ولا مصرّ على زنى ولا ديوث ولا قتات ولا قلاع ولا جياف ولا ختار »
وقال البيضاوى { ثم استوى على العرش } بالحفظ والتدبير فالاستواء على العرش عبارة عن الاستيلاء على الملك والتصرف فيما رفعه بلا عمد يقال استوى فلان على العرش اذا ملك وان لم يقعد عليه البتة
قال ابن الشيخ الظاهر ان كلمة ثم لمجرد العطف والترتيب مع قطع النظر عن معنى التراخى لان استيلاءه تعالى على التصرف فيما رفعه ليس بمتراخ عن رفعه والتحقيق ان المراد بهذا الاستواء استواؤه سبحانه لكن لا باعتبار نفسه وذاته تعالى علوا كبيرا عما يقول الظالمون بل باعتبار امره الا يجادى وتجليه الحبى الاحدى وانما كان العرش محلى ها الاستواء لان التجليات التى هى شروط التجليات المتعينة والاحكام الظاهرة والامور البارزة والشئون المتحققة فى السماء والارض وفيما بينهما من عالم الكون والفساد بالامر الالهى والايجاد الازلى انما تمت باستيفاء لوازمها واستكمال جوانبها واستجماع اركانها الاربعة المستوية فى ظهور العرش بروحه وصورته وخركته الدورية لانه لا بد فى استواء تجليات الحق فى هذه العوالم بتجليه الحبى وامره الايجادى من الامور الاربعة التى هى من هذه التجليات الحبية والايجادية الحسية هى حركة العرش وهى بمنزلة الحد الاكبر ولما استوى امر تمام حصول الاركان الاربعة الموقوف عليها بتوقيف الله التجليات الايجادية الامرية المتنزلة بين السموات السبع والارضين السبع بحسب مقتضيات استعدادات اهل العصر وموجبات قابليات اصحاب الرزمان فى كل يوم بل فى كل آن كما اشير اليه بقوله تعالى(6/214)
{ يتنزل الامر بينهن } وقوله { كل يوم هو فى شأن } فى العرش كان العرش مستوى الحق بهذا الاعتبار واستواء الامر الايجادى على العرش بمنزلة الامر التكليفى الارشادى على الشرع وكل منهما نقلوب الآخر كذا فى الابحاث البرقيات لحضرة شيخنا الاجل قدس الله سره { وسخر الشمس والقمر } ذللهما لما يراد منهما وعو انتفاع الخلق بهما كما قال فى بحر العلوم معينى تسخيرهما نافعتين للناس حيث يعلمون عدد السنين والحساب بمسير الشمس والقمر وينوران لهم فى الليل والنهار ويدر آن الظلمات ويصلحان الارض والابدان والاشجار والنباتات { كل } منهما { يجرى لاجل مسمى } اللام بمعنى منهما يغرب كل ليلة فى منزل ويطلع فى منزل حتى ينتهى الى اقصى المنازل { يدبر الامر } يقضى ويدبر امر ملكوته من الاعطاء والمنع والاحياء والاماتة ومغفرة الذنوب وتفريج الكروب ورفع قوم ووضع آخرين وغير ذلك
وفى التأويلات { يدبر الامر } امر العالم وحه وهو يدل على ان الاستواء اى العلو على العرش بالقدرة لتدبير المكونات لا للتشبيه { يفصل الايات } يبين البراهين الدالة على التوحيد والبعث وكمال القدرة والحكمة لعلكم [ شايدكه شما ] { بلقاء ربكم } [ بديدار بروردكار خود يعنى بديدن جزا كه خواهد داد در قيامت ] { توقنون } [ بى كمان كرديد ودانيدكه هركه قادرست برآفريدن اين اشيا قدرت دارد براعاده واحيا ]
قال فى بحر العلوم لعل مستعار لمعنى الارادة لتلاحظ معناها ومعنى الترجى اى يفصل الايات ارادة ان تتأملوا فيها وتنظروا فتستدلوا بها عليه ووحدته وقدرته وحكمته وتتيقنوا ان من قدر على خلق الشموات والعرش وتسخير الشمس والقمر مع عظمها وتدبير الامور كلها كان على خلق الانسان مع مهانته وعلى اعادته وجزائه اقدر
واعلم انه كان ما كان من ايجاد عالم الامكان ليحصل للناس المشاهدة والاطمئنان والايقان : قال المولى الجامى
سير آب كن زبحر يقين جان تشنه را ... زين بيش خشك لب منشين برسر آب ريب
وعن سيدنا على رضى الله عنه لو كشفت الغطاء ما ازددت يقينا وذلك ان اهل المكاشفة وصلوا من علم اليقي الى عين اليقين الذى يحصل لاهل الحجاب يوم القيامة فلو ارتفع الغطاء وهو جار الدنيا وظهرت الآخرة ما ازدادوا يقينا بل كانوا على ما كانوا عليه فى الدنيا بخلاف اهل الحجاب فان علمهم انما يكون عين اليقين يوم القيامة ويدل عليه قوله عليه السلام(6/215)
« الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا » اى ماتوا موتا اختياريا او اضطراريا حصل لهم اليقظة فعلى العاقل تحصيل اليقين والنظر بالعبرة فى آيات رب العالمين
قال الفقيه لاغنية المؤمن عن ست خصال . اولاها علم يدل على الآخرة والثانية رفيق يعينه على طاعة الله ويمنعه عن معصية الله . والثالثة معرفة عدوه والحذر منه . والرابعة عبرة يعتبر بها فى آيات الله وفى اختلاف الليل والنهر . والخامسة انصاف الخلق لكيلا يكون له يوم القيامة خصماء . والسادسة الاستعداد للموت ولقار الرب قبل نزوله كيلا يكون مفتضحا يوم القيامة(6/216)
وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3)
{ وهو الذى } [ اوست آن قادر مطلق كه ] { مدّ الارض } بسطها طولا وعرضا ووسعها لتثبت عليها الاقدام ويتقلب الحيوان اى انشأها ممدودة لا انها كانت مجموعة فى مكان فبسطها وكونها بسيطة لاينا فى كريتها لان جميع الارض جسم عظيم والكرة اذا كانت فى غاية الكبر كان كل قطعة منها يشاهد كالسطح
وفى تفسير ابى الليث بسطها من تحت الكعبة على الماء وكانت تكفأ باهلها كما تكفأ السفينة باهلها فارساها بالجبال الثقال
وفى بعض الآثار ان الله تعالى قبل ان يخلق السموات والارض ارسل على الماء ريحا هفافة فصفقت الرح الماء اى ضرب بعضه بعضا فابرز منه خشفة بالخاء المعجة وهى حجارة يبست بالارض فى موضع البيت كأنها قبة وبسط الحق سبحانه من ذلك الموضع جميع الارض طولها والعرض فهى اصل الارض وسرتها فى الكعبة وسط الارض اللمسكونة واما وسط الارض كلها عامرها وخرابها فهى قبة الارض وهو مكان تعتدل فيه الازمان فى الحر والبرد ويستوى الليل والنهار فيه ابدا لا يزيد احدهما على الآخر ولا ينقص واصل طينة رسول الله صلى الله عليه وسلم من سرة الارض بمكة ولا تموج اماء رمى بتلك الطينة الى محل مدفنه بالمدينة فلذلك دفن عليه السلام فيها
قال بعضهم الارض مضجعنا وكانت امنا فيها معايشنا وفها نقبر { وجعل فيها رواسى } من رسا الشيء اذا ثبت جمع راسية والتاء للمبالغة كما فى علامة لا للتأنيث اذ يقال جبل راسية . والمعنى وجعل فيها جبالا ثابتة اوتادا للارض لئلا تضطرب فتستقر ةيستقر عليها ةكان اضطرابها من عظمة الله تعالى قال ابن عباس رضى الله عنهما كان ابو قبيس اول جبل وضع على الارض
قال فى القاموس ابو قبيس جبل بمكة سمى برجل حداد من مذحج كمجلس لانه اول من بنى فيه وكان يسمى الامين لان الركن كان مستودعا فيه قل فى انسان العيون وكان اول جبل وضع عليها ابا قبيس وحينئذ كان ينبغى ان يسمى ابا الجبال او ان يكون افضلها مع ان افضلها كما قال السيوطى احد لقوله عليه السلام « احد يحبنا ونحبه » وهو بضمتين جبل بالمدينة . ذكر اهل الحكمة ان مجموع ما عرف فى الاقاليم السبعة من الجبال مائة وثمانين وسبعون جبلا منها ما طوله عرون فرسخا ومنها مائة فرسخ الى الف فرسخ ويقال ستة آلاف وستمائة وثلاثة وسبعون جبلا سوى التلول وليس فيها جبل الا وله عروق من جبل قاف فاذا اراد الله تعالى ان يزلزل الارض اوحى الى جبل قاف فيحرك ذلك العرق من الجبل فتزلزل : وفى المثنوى
رفت ذو القرنين سوى كوه قاف ... ديدكه را كز زمرد بود صاف
كرد عالم حلقه كشته او محيط ... ماند حيران اندران خلق بسيط
كفت تو كوهى دكرها جبستند ... كه به بيش عظم توباز ايستند
كفت ركهاى منند آن كوهها ... مثل من نبود در حسن وبها
من به شهرى ركى دارم نهان ... برعروقم بسته اطراف جهان
حق جو خواهد زلزلةه شهرى مرا ... كويد ام من برجهانم عرق را
بس بجنبانم من آن رك را بقهر ... كه بدان رك متصل كشتست شهر
جون بكويدبس شود ساكن ركم ... اسكتم وز روى فعل اندرتكم
همجو مرهم ساكن وبس كاركن ... جون خردسا كن و زوجنبان سخن
نزد انكس كه نداند عقلش اين ... زلزله هست از يخارت زمين(6/217)
{ وانهارا } جارية ضمها الى الجبال وعلق بهما فعلا واحدا من حيث ان الجبال اسباب لتولدها وذلك ان الحجر جسم صلب فا تصاعدت الابخرة من قعر الارض ووصلت الى الجبل احتبست هناك فلا تزالل تتزاحم وتتضاف حتى تحصل بسبب الجبل مياه عظيمة ثم انها لكثرتها وقوتها تنقب الجبل وتخرج وتسيل على وجه الارض وفى الملكوت ان الله يرسل على الارض التلوج والامطار فتشربها الارض حتى يعدلها فى طبعها ومشربها فتصير عيونا فى عروق الارض ثم تنشق الارض عنها فى المكان الذى يؤمر بالانشقاق فيه فتظهر على وجه الارض منفعة للخلائق والملك الموكل بذلك ميكائيل واعوانه
ومن الانهار العظيمة الفرات وهو نهر الكوفة ودجلة وهو نهر بغداد وسيحان بفتح السين المهملة نهر المصيصة وسيحون وهو نهر بالهند وجيحان بفتح الجيم نهر اذنه فى بلاد الارمن وجيحون وهو نهر بلخ والنيل وهو نهر مصر
يقال ان واحدا من الملوك جمع قوما وهيا لهم السفن ومكنهم من زاد سنة وامرهم ان يسيروا فى النيل حتى يقفوا على آخره فخرجوا ستة اهر ولم يصلوا الى آخره الا انهم رأوا هناك قبة فيها خلق على صورة الآدميين خضر الابدان فاصطادوا منه ليحملوه فلم يزل يضطرب عليهم حتى مات فعالجوه وملحوه واحتملوه ليراه الناس
وفى الواقعات المحمودية ان ذا القرنين طلب رأس النيل فلم يجد -وحكى- انهم وصلوا الى جبل فكل من نظر وراءه ولم يأت فربطوا فى وسط شخص حبلا فبعد ان نظر جبوه وسألوا منه فلم ينطق حتى مات
قال بعضهم لولا دخول بحر النيل فى الملح الذى يقال له البحر الاخضر قبل ان يصل الى بحيرة الزنج ويختلط بملوحته لما قدر احد على شربه بشدة حلاوته ولذا يقال ان النيل نهر العسل فى الجنة ومن الانهار نهر ارس كما قال الشاعر
ارس را در بيابان جوش باشد ... بدريا جون رسد خاموش باشد
{ ومن كل الثمرات } متعلق بقوله { جعل فيها زوجين اثنين } اثنين تأكيد للزوجين كما هو دأب العرب فى كرمهم اى وخلق فيها من جميع انواع الثمرات زوجين زوجين كالحلو والحامض والاسود والابيض والاصفر والاحمر والصغير والكبير { يغشى الليل النهار } اى يجعل الليل غاشيا يغشى النهار بظلمته فيذهب بنور النهار اى يجعله مستورا بالليل ويغطيه بظلمته ولم يذكر العكس اكتفاء باحد الضدين
قال البيضاوى يلبسه مكانه فيصير الجوّ مظلما بعد ما كان مضيئا يعنى ان الاغشاء الباس الشيء الشيء ولما كان الباس الليل النهار وتغطية النهار به غري معقول لانهما متضادتان لا يجتمعان واللباس لا بد ان يجتمع مع اللابس قدر المضاف وهو مكانه ومكان النهار هو الجو وهو الذى يلبس ظلمة الليل شبه احداث الظلمة فى الجو الذى هو مكان الضوء بالباسها اياه وتغطيته بها فاطلق عليه اسم الاغشاء والالباس فاشتق منه لفظ يغشى فصار استعارة تبعية { ان فى ذلك } اى فى كل من الارض والجبال والانهار والثمار والملوين { لآيات } تدل على الصانع وقدرته وحكمته وتدبيره
اما فى الارض فمن حيث هى ممدودة مدحوة كالبساط لما فوقها وفيها المسالك والفجاج للماشين فى مناكبها وغير ذلك مما فيها من العيون والمعادن والدواب مثلا
واما الجبال فمن جهة رسوها وعلوها وصلابتها وثقلها وقد ارسيت الارض بها كما يرسى البيت بالاوتاد
واما الانهار فحصولها فى بعض جوانب الجبال دون بعض لا بد ان يستند الى الفاعل المختار الحكيم
واما الثمار فالحبة اذا وقعت فى الارض واثرت فيها نداوة الارض ربت وكبرت وبسبب ذلك ينشق اعلاها واسفلها فتخرج من الشق الاعلى الشجرة الصاعدة وتخرج من الشق الاسفل العروق الغتئصة فى اسفل الارض وهذا من العجائب لان طبيعة تلك الحبة واحدة وتأثير الطبائع والافلاك والكواكب فيها واحد ثم انه خرج من احد جانبى تلك الحب واحدة وتأثير الطبائع والافلاك والكواكب فيها واحد ثم انه خرج من احد جانبى تلك الحبة جرم صاعدا الى الهواء ومن الجانب الآخر منها جرم غائص فى الارض ومن المحال ان يتولد من طبيعة واحدة طبيعتان متضادتان فعلمنا ان ذلك انما كان بسبب تدبير المدبر الحكيم ثم ان الشجرة النابتة من تلك الحبة بعضها يكون خشبا وبعضها يكون ثمرة ثم ان تلك الثمرة ايضا يحصل فيها اجسام مختلفة الطبائع فالجوز له اربعة انواع من القشور قشره الاعلى وتحته القشرة الخشبية وتحته القشرة المحيطة باللب وتحت تلك القشرة قشرة اخرى فى غاية الرقة تمتاز عما فوقها حال كون الجوز واللوز رطبا وايضا قد يحصل فى الثمرة الواحدة الطبائع المختلفة فالعنب مثلا وعجمه باردان يابسان ولحمه وماؤه حاران رطبان فتولد هذه الطبائع المختلفة من الحبة الواحدة مع تساوى تأثيرات الطبائع وتأثيرات الانجم والافلاك لا بد وان يكون لاجل تدبير الحكيم القدير .(6/218)
واما الملوان فلا يخفى ما فى اختلافهما ووجودهما من الاية اى الدلالة الواضحة { لقوم يتفكرون } فيستدلون والتفكر تصرف القلب فى طلب معانى الاشياء وكما ان فى العالم الكبير ارضا وجابلا ومعادن وبحارا وانهارا وجداول وسواقى فكذلك فى الانسان الذى هو العالم الصغير مثله فجسده كالارض وعظامه كالجبال ومخه كالمعادن وجوفه كالبحر وامعاؤه كالانهار وعروقه كالجداول ةشحمه كالطين وشعره كالنبات ومنبت الشعر كالتربة الطيبة وانسه كالعمران وظهره كالمفارز ووحشته كالخراب وتنفسه كالرياح وكلامه كالرعد واصواته كالصواعق وبكاؤه كالمطر وسروره كضوء النهار وحزنه كظلمة الليل ونومه كالموت ويقظته كالحياة وولادته كبدء سفره وايام صباه وشبابه كالصيف وكهولته كالخريف وشخيوخته كالشتاء وموته كانقضاء مدة سفره والسنون من عمره كالبلدان والشهور كالمنازل والاسابيع كالفراسخ وايامه كالاميال وانفاسه كالخظى فكلما تنفس نفسا كان يخطو حطوة من اجله فلا بد من التفكير فى هذه الامور
ويقال اخلاق الابدال عشرة اشياء .(6/219)
سلامة الصدور . وسخاوة فى المال . وصدق اللسان . وتواضع النفس . والصبر فى الشدة . والبكاء فى الخلوة . والنصيحة للخلق . والرحمة للؤمنين ، والتكير فى الاشياء ، وعبرة من الاشياء وعن النبى عليه السلام انه مر على قوم يتفكرون فقال لهم « تفكروا فى الخلق ولا تتفكروا فى الخالق » كذا فى تنبيه الغافلين : وفى المثنوى
بى تعلق نيست مخلوقى بدو ... آن تعلق هست بيجون اى عمو
اين تعلق را خرج جون ره برد ... بسته وصلست وفصلست اين خرد
زين وصيت كرد مارا مصطفى ... بحث كم جوئيد درذات خدا
آنكه درذاتش تفكر كرد نيست ... در حقيقت آن نظر درذات نيست
هست آن بندار اوزيرا براه ... صد هزاران برده آمد تا اله
هريكى دربرده موصول جوست ... وهم او آنست كان خود عين هوست
بس بيمبر دفع كرد اين وهم ازو ... تانباشد درغلط سودا بز او(6/220)
وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)
{ وفى الارض } خبر مقدم لقوله { قطع } جمع قطعة بالفارسية [ باره ] { متجاورات } اى بقاع متلاصقات بعضها طيبة تنبت شيأ وبعضها سبخة لا تنبت وبعضها قليلة الريع وبعضها صلبة وبعضها كثيرة الريع وبعضها رخوة وبعضها يصلح للزرع دون الشجر وبعضها بالعكس ولولا تخصيص قادر على موقع لافعاله على وجه دون وجه لم يكن كذلك لاشتراك تلك القطع وانتظامها فى جنس الارضية { وجنات } عطف على قطع اى بساتين { من اعناب } جمع عنبة بالفارسية [ انكور ] وسمت العرب العنب الكرم لكرم ثمرته وكثرة جمله وتذلله للقطف ليس بذى شوك ولا بشاق المصعد ويؤكل غضبا ويابسا واصل الكرم الكثرة والجمع للخير وبه سمى الرجل كرما لكثرة خصال الخير فيه
واعلم ان قلب المؤمن لما فيه من نور الايمان اولى بهذا الاسسم ولذا قال عليه السلام « لا يقولن احدكم الكرم فانما الكرم قلب المؤمن » قال ابن الملك سبب النهى ان العرب كانوا يسمون العنب وشجرته كرما لان الخمر المتخذة منه تحمل شاربها على الكرم فكره النبى صلى الله عليه وسلم هذه التسمية لئلا يتذكروا به الخمر ويدعوهم حسن الاسم الى شربها وجعل المؤمن وقلبه احق ان يتصف به لطيبه وذكائه والغرض منه تحريض المؤمن على التقوى وكونه اهلا لهذه التسمية { وزرع } بالرفع عطف على جنات وتوحيده لانه مصدر فى اصله { ونخيل } نعت لنخيل جمع صنو وهى النخلة لها رأسان واصلهما واحد اى نخلات يجمعهن اصل واحد . وبالفارسية [ جند شاخ ازيك اصل رسته ] وفى الحديث « لا تؤذونى فى العباس فانه بقية آبائى وان عم الرجل صنو ابيه » قال فى القاموس ما زاد فى الاصل الواحد كل واحد منهما صنو ويضم ويقال هو عام فى جميع الشجر { وغير صنوان } ومتفرقات مختلفة الاصول وفى الحديث « اكرموا عمتكم النخلة فانها خلقت من فضله طينة آدم وليس من الشجر شجرة اكرم على الله من شجرة ولدت تحتها مريم ابنة عمران فاطعموا نساءكم الولد الرطب فان لم يكن رطب فتمر » - وحكى - المسعودى ان آدم عليه السلام لما هبط من الجنة خرج ومعه ثلاثون قضيبا مودعة اصناف الثمر فيها
منها عشرة لها قشر الجوز واللوز والفستق والبندق والشاه بلوط والصنوبر والرمان والنارنج والموز والخشخاش
ومنها عشرة لا قشر لها ولثمرها نوى الرطب والزيتون والمشمش والخوخ والاجاص والعناب والغبيراء والدوابق والزعرور والنبق
ومنها عشرة ليس لها قشر ولا نوى التفاح والكمثرى والسفرجل والتين والعنب والاترج والخرنوب والقثاء والخيار والبطيخ وهذا لا ينافى كون هذه الثمرات مخلوقة فى الارض كما لا يخفى { يسقى } المذكور من القطع والجنات والزرع والنخيل { بماء واحد } والماء جسيم رقيق مائع به حياة كل نام { ونفضل } بنون العظمة اى ونحن نفضل { بعضها على بعض فى الاكل } فى الثمر شكلا وقدرا وطعما ورائحة فمنها بياض وسواد وصغير وكبير وحلو ومر وحامض وجيد ورديئ وذلك ايضا مما يدل على لصانع الحكيم وقدرته فان انبات الاشجار بالثمار المختلفة الاصناف والاشكال والالوان والطعوم والروائح مع اتحاد الاصول والاسباب لا يكون الا بتخصيص قادر مختار لانه لو كان ظهور الثمار بالماء والتراب لوجب فى القياس ان لا يختلف الالوان والطعوم ولا يقع التفاضل فى الجنس الواحد اذا نبت فى مغرس واحد بماء واحد .(6/221)
والاكل بضم الكاف وسكونها ما يتهيأ للاكل ثمرا كان او غيره كقوله تعالى فى صفة الجنة { اكلها دائم } فانه عام فى جميع المطعومات واطلاق الثمر على الحب لا يصح الا باعتبار التغليب فان الثمر حمل الشجر على ما فى القاموس
قال الكاشفى [ درتبيان آورده كه اين مثل بنى آدم در اختلاف الوان واشكال وهيآت واصوات باوجود آنكه بدر همه يكيست . درمدارك كفته كه مثل اختلاف قلوبست در آثار وانوار واسرار وهردلى را صفتى وهر صفت را تيجة دمى باشد موصوف بانكار واستكبار كه { قلوبهم منكرة وهم مستكبرون } وباز دمى آرميده بذكر حضرت بروردكاركه { وتطمئن قلوبهم بذكر الله }
ببين تفاوت كز كجاست تابكجا ... قال بعض الكبار العلم الحاصل لاهل الله كالماء فان الماء حياة الاشباح والعلم حياة والارواح واختلاف العلم مع كونه حقيقة واحدة باختلاف الجوارح والاشخاص كاختلاف الماء فى الطعوم باختلاف البقاع مع كونه حقيقة واحدة فمن الماء عذب فرات كعلم الموحد العارف بالله ومنه ملح اجاج كعلم الجاهل المحجوب بالسوى والغير فانه شاب اللطيفة العلمية عند مروره عليها بما يكفيها ويغيرها عن لطفها الطبيعى : قال الحافظ
باك وصافى شو وازجاه طبيعت بدرآى ... كه صفايى ندهد آب تراب آلوده
وقال المولى الجامى
نكته عرفان مجو از خاطر آلودكان ... كوهر مقصورا دلهاى باك آمد صدف
{ ان فى ذلك } المذكور { لآيات } لدلالات واضحة { لقوم يعقلون } يعملون على قضية عقولهم وان من قدر على خلق الثمار المختلفة والاشكال والالوان والطعوم والروائح من الارض والماء ولا تناسب بين التراب والماء وقدر على احياء الارض بالماء وجعلها قطعا متجاورات وحدائق ذات بهجة قدر على اعادة ما ابدأه بل هذا ادخل فى القدرة من ذلك واهون فى القياس
والاشارة فى ارض الانسانية قطع من النفس والقلب والروح والسر والخفى متقاربات بقرب الجوار مختلفات فى الحقائق فمنها حيوانية منها ملكوتية ومنها روحانية ومنها جبروتية ومنها عظموتية وبالجنات يشير الى هذه الاعيان المستعدة لقبول الفيض عند قبولها وتثميرها من اعناب وهى ثمرة النفس فمن الصفات ما تدل على الغفلة والحماقة والسهو والهو فانها اصل السكر وزره وهو ثمرة القلب فان القلب بمثابة الارض الطيبة للزرع من بذر الصفات الروحانية والنفسانية فبأى بذر صفة من الصفات آزدرعت يتجوهر القلب بجوهر تلك الصفة فتارة يصير بظلمات النفس ظلمانيا وتارة يصير بنور الروح نورانيا وتارة يصير بنور الرب ربانيا كما قال(6/222)
{ اشرقت الارض بنور ربها } { ونخيل } وهو الروح ذو فنون من الاخلاق الحميدة الروحانية كالكرم والجود والسخاء والشجاعة والقناعة والحلم والحياء والتواضع والشفقة { صنوان } وهو السر الجبروتى وبه يكشف اسرار الجبروت التى بين الرب والعبد ولها مثل ومثال ويحكى عنها { وغير صنوان } وهو الخفى المكاشف بحقائق العظموت التى لا مثل لها ولا مثال ولا يحكى عنها كما قال { فاوحى الى عبده ما اوحى } وكما قيل بين المحبين سر ايس ييفشيه { يسقى بماء واحد } وهو ماء القدرة والحكمة { ونفضل بعضها على بعض فى الاكل } فى الثمرات والنتائج فى اثناء السلوك { ان فى ذلك لآيات لقوم يعقلون } الذين يلتمسون من القرآن اسرارا وآيات تدلهم على السير الى الله وتهديهم الى الصراط المستقيم اليه كما فى التأويلات النجمية(6/223)
وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (5)
{ وان تعجب } اى ان يقع منك عجب وتعجب من شيء يا محمد او ايها السامع { فعجب قولهم } خبر ومبتدأ اى فليكن ذلك العجب من قول المشركين { ءاذا كنا ترابا } [ آيا آن وقت كه ما باشيم خاك يعنى بعد ازمرك كه ما خاك باشيم ] والجملة الاستفهامية منصوبة المحل على انها محكية بالقول واذا ظرف محض ليس فيها معنى الشرط والعامل محذوف دل عليه قوله { أئنا } [ اياما ] { لفى خلق جديد } [ باشيم در آفرينش نو ] والتقدير اذا كنا ترابا أنبعث ونخلق لا كنا لانه مضاف اليه فلا يعمل ولا خلق جديد لان ما بعد اداة الاستفهام وكذا ان لا يعنل فيما قبله
وقال بعضهم وان تعجب من انكار المشركين البعث وعبادتهم الاصنام بعد اعترافهم بالقدرة على ابتداء الخلق فحقيق بان تتعجب منه اى فقد وضغت التعجب فى موضعه لكنه جديرا لان يتعجب منه فان من قدر على ابتداء ههذ المخلوقات قدر على اعادتها
آنكه بيدا ساختن كارش بود ... زندى دادن جه رشوارش بود
والتعجب حالة انفعالية تعرض للنفس عند ادراك ما لا يعرف سببه فهو مستحيل فى حق الله تعالى فكان المراد ان تعجب فعجب عندك
قال فى التأويلات النجمية { وان تعجب } اى تعلم انك يا محمد لا تعجب شيأ لانك ترى الاشياء منا ومن قدرتنا وانك تعلم انى على كل شيء قدير ولكن ان تعجب على عادة اهل الطبيعة اذا رأوا شيأ غير معتاد لهم او شيأ ينافى نظر عقولهم { فعجب قولهم } اى فتعجب من قولهم { ءاذا كنا ترابا } اى صرنا ترابا بعد الموت { أئنا لفى خلق جديد } اى بعود تراب اجسادنا اجسادا كما كان وتعود اليها ارواحنا فنحيى مرة اخرى . معنى الآية انهم يتعجبون من قدرة الله لان الله هو الذى خلقهم من لا شيء فى البداية اذ لم تكن الارواح والاجساد ولا التراب فالآن اهون عليه ان يخلقهم من شيء وهو التراب والارواح ولكن العجب تعجبهم بعد أن رأوا ان الله خلقهم من لا شيء من ان يخلقهم مرة اخرى من شيء { اولئك } { آن كروه كه منكرينند ] { الذين كفروا بربهم } لانهم كفروا بقدرته على البعث
وفى التأويلات { كفروا بربهم } انه خلقهم من لا شيء اذا انكروا انه لا يخلقهم من شيء { اولئك الاغلال فى اعناقهم } [ وآن كروهندكه غلها دركردنهاى ايشانست ] اى مقيدون بالكفر والضلال ر يرجى خلاصهم يقال للرجل هذا غل فى عنقك للعمل الرديئ ومعناه انه لازم لك لا يرجى خلاصك منه والغل طوق يقيد به اليد الى العنق
وفى التأويلات هى اغلال الشقاوة التى جعلها التقدير الازلى فى اعناقهم كما قال { وكل انسان الزمناه طائره فى عنقه }(6/224)
ويجوز ان يكون على حقيقته اى يغلون يوم القيامة [ يعنى روز قيامت غل آاتشين بركردن ايشان نهند وعلامت كفار در دوزخ اين باشد ] وفى الحديث « ينشئ الله سحابة سوداء مظلمة فيقال يا اهل النار أى شيء تطلبون فيذكرون بها سحابة الدنيا فيقولون يا ربنا الشراب فتمطرهم اغلالا تزيد فى اغلاقهم وسلاسل تزيد فى سلاسلهم وجمرا يلتهب عليهم » { واولئك اصحاب النار هم فيها خالدون } توسيط ضمير الفصيل وتقديم فيها يفيد الحصر اى هم الموصوفون بالخلود فى النار لا غيرهم وان خلودهم انما هو فى النار لا فى غيرها فثبت ان اهل الكبائر لا يخلدون فى النار
وفى التأويلات هم الذين قال الله تعالى فيهم فى الازل وهؤلاء فى النار ولا ابالى فآل امرهم لى ان يكونوا اصحاب النار الى الابد فالشرك والانكار من اعظم المعاصى والاوزار وعن النبى عليه السلام مخبرا عن الله تعالى انه قال « عبدى ما عبدتنى رجوتنى ولم تشرك بى شيأ غفرت لك على ما كان منك ولو استبلتنى بملئ الارض خطايا وذنوبا لاستقبلتك بملئها مغفرة واغفر لك ولا ابالى » اى ان لم تشرك بى شيأ غفرت لك على ما كان منك من نفى جميع الاشراك لان النكرة اذا وقعت فى سياق النفى تفيد العموم وهذا لا يحصل الا بعد اصلاح النفس فالمرء اسير فى يد نفسه والهوى كالغل فى عنقه وهذا الغل الملازم له فى دنياه معنوى وسيصير الى الحس يوم القيامة اذا الباطن يصير هناك ظاهرا -كما حكى- عن بعض العصاة انه مات فلما حفروا قبره وجدوا فيه حية عظيمة فحفورا له قبرا آخر فوجدوها فيه ثم كذلك قبرا بعد قبر الى ان حفروا نحوا من ثلاثين قبرا وفى كل قبر يجدونها فلما رأوا انه لا يهرب من الله هارب ولا يغلب الله غالب دفنوه معها وهذه الحية هى عمله : قال الشعدى قدس سره
برادر زكار بدان شرم دار ... كه درروى نيكان شوى شر مسار
ترا خود بماند سراز ننك بيش ... كه كرت برآيد عملهاى خويش(6/225)
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6)
{ ويستعجلونك } الاستعجال طلب تعجيل الامر قبل مجيئ وقته اى يطلب مشركوا مكة منك العجلة { بالسيئة } باتيان العقوبة المهلكة وسميت العقوبة سيئة لانها تسوؤهم { قبل الحسنة } متعلق بالاستعجال طرف له او بمحذوف على انه حال مقدرة من السيئة اى قبل العافية والاحسان اليهم بالامهال ومعنى قبل العافية قبل انقضاء الزمان المقدر لعافيتهم وذلك انه عليه السلام كان يهدد مشركى مكة تارة بعذاب القيامة وتارة بعذاب الدنيا وكلما هددهم بعذاب القيامة انكروا القيامة والبعث وكلما هددهم بعذاب الدنيا استعجلوه وقالوا متى تجيئنا به فيطلبون العقوبة والعذاب والشر بدل العافية والرحمة والخير استهزاء منهم واظهار ا ان الذى يقوله لا اصل له ولذا قالوا { اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم } والله تعالى صرف عن هذه الامة عقوبة الاستئصال واخر تعذيب المكذبين الى يوم القيامة فذلك التأخير هو الحسنة فى حقهم
واعلم ان فى استعجالهم بالسيئة قبل الحسنة استعجالهم بالكفر والمعاصى قبل الايمان والطاعات فان منشأ كل سعادة ورحمة هو الايمان الكامل والعمل الصالح ومنشأ كل شقاوة وعذاب هو الكفر والشرك والعمل الفاسد { وقد خلت } حال من المستعجلين اى مضت رمن قبلهم المثلات } اى عقوبات امثالهم من المكذبين كالخسف والمسخ والرجفة فما لهم لم يعتبروا بها فلا يستهزئوا
نرود مرغ سوى دانه فراز ... جون دكر مرغ بيند اندر بند
بند كير مصائب دركران ... تانكيرند ديكران زتة بند
جمع مثلة بفتح الثاء وضمها وهى العقوبة لانها مثل المعاقب عليه وهو الجريمة_@_ وفى التبيان اى العقوبات المهلكات يماثل بعضها بعضا { وان ربك لذو مغفرة } سترو تجاوز { للناس على ظلمهم } اى مع ظلمهم انفسهم بالذنوب والا لما ترك على ظهر الاض من دابة
بس برده بيند عملهاى بد ... هم او برده يوشد بآلاى خود
وكر برجفا بيشه بشتافتى ... هميشه زقهرش امان يافتى
وهو حال من الناس اى حال اشتغالهم بالظلم كما يقال رأيت فلانا على اكله والمراد حال اشتغاله بالاكل
فدلت الآية على جواز العقوبة بدون التوبة فى حق اهل الكبيرة من الموحدين
قال فى التأويلات النجمية هم الذين قال الله فيهم { هؤلاء فى الجنة ولا ابالى } { وان ربك لشديد العقاب } لمن شاء من العصاة
وفى التأويلات لمن قال فيهم { هؤلاء فى النار ولا ابالى } -روى- انها لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لولا عفو الله وتجاوزه لما هنأ احد العيش ولولا وعيده وعقابه لاتكل كل احد » وبالفارسية [ اكر عفو خداى نبود عيش هيج احدى كوارنده نشدى واكر وعيد حق نبودى همه كس تكيه برعفو كرده از عمل بازماندى
زحق مى ترس تا غافل نكردى ... مشو نوميد تابد دل نكردى(6/226)
محققان بر آنندكه تمهيد قواعد خوف ورجا درين آيت است ميفر مايدكه آمر زنده است تا ازرحمت او نوميد نشوند عقوبت كننده استنا ازهيبت او ايمن نباشد ] ونظير الآية قوله تعالى { نبئ عبادى انى انا الغفور الرحيم وان عذابى هو العذاب الاليم } لقى يحيى عيسى عليهما السلام فتبسم عيسى على وجه يحيى فقال مالى اراك لاهيا كأنك آمن فقال الآخر مالى اراك عابسا كأنك آيس فقال لا نبرح حتى ينزل علينا الوحى فاوحى الله تعالى احبكما الىّ احسنكما ظنا بى
يقال الخوف ما دام الرجل صحيحا افضل واذا مرض فالرجل افضل يعنى اذا كان الرجل صحيحا كان الخوف افضل حتى يجتهد فى الطاعات ويجتنب المعاصى فاذا مرض وعجز عن العمل كان الرجاء له افضل
واوحى الله تعالى الى داود عليه السلام يا داود بشر المذنبين وانذر الصديقين قال يا رب كيف ابشر المذنبين وانذر الصديقين قال بشر المذنبين اتى لا يتعاظمنى ذنب الا اغفره وانذر الصديقين ان لا يعجبوا باعمالهم وانى لا اضع عدلى وحسابى على احد الا هلك
كر بمحشر خطاب قهر كند ... انبيارا جه جاى معذرتست
برده ازروى لطف كو بردار ... كاشقيارا اميد مغفر تست
واعلم ان الله تعالى ركب فى الانسان الجمال والجلال فرجاؤه ناظر الى الجمال وخوفه ناظر الى الجلال والى كليها الاشارة بالجسم والروح لكن رحجمته وهو الروح وحاله سبقت على غضبه وهو للجسد وما يتبعه والحكم للستبق لا اللاحق فعليك بالرجاء مع العمل الى حلول الاجل(6/227)
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)
{ ويقول الذين كفروا لولا انزل } حرف تحضيض . والمعنى بالفراسية [ جرافر وفرستاده نمى شود ] { عليه } محمد { آية من ربه } التنوين للتعظيم اى آية جلية يستعظمها من يدركها فى بادئ نظره وعلامة ظاهرة يستدل بها على صحة نبوته وذلك لعدم اعتدادهم بالآيات المنزلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتهاونهم فاقترحوا عليه آيات تعنتا لا استرشادا والا لاجيبوا الى مقترحهم وذلك مثل ما اوتى موسى وعيسى وصالح من انقلاب العصا حية واحياء الموتى وخروةج الناقة من الصخرة فقيل لرسول الله { انما انت منذر } مرسل الانذار والتخويف لهم من سوء العاقبة كغيرك من الرسل وما عليك الا الاتيان بما تصح به نبوتك من جنس المعجزات لا بما يقترح عليك وصحة ذلك حاصلة بأية آية كانت ولو اجيب الى كل ما اقترحوا لادى الى اتيان ما لا نهاية له لانه كلما اتى بمعجزة جاء واحد آخر فطلب منه معجزة اخرى وذلك يوجب سقوط دعوة الانبياء { ولكل قوم هاد } اى ولكل قوم نبى مخصوص بمعجزة من جنس ما هو الغالب عليهم يهديهم الى الحق ويدعوهم الى الصواب . ولما كان الغالب فى زمان موسى هو السحر جعل معجزته ما هو اقرب الى طريقهم . ولما كان الغالب فى ايام عيسى الطب جعل معجزته ما يناسب الطب وهو احياء الموتى وابراء الابرص والاكمه . ولما كان الغالب فى زمان نبينا صلى الله عليه وسلم الفصاحة والبلاغة جعل معجزته فصاحة القرآن وبلوغه فى باب البلاغة الى حد خارج عن قدرة الانسان فلما لم يؤمنوا بهذه المعجزة مع انها اقرب الى طريقهم واليق بطباعهم فان لا يؤمنوا عند اظهار سائر المعجزات اولى
والمراد بالهادي هو الله اى انما انت منذر وليس لك هدايتهم ولكل قوم من الفريقين هاد يهديهم هاد لاهل العناية بالايمان والطاعة الى الجنة وهاد لاهل الخذلان بالكفر والعصيان الى النار كما فى التأويلات النجمية
قال الغزالى فى شرح الاسماء الحسنى الهادى هو الذى هدى خواص عباده اولا الى معرفة ذاته حتى استشهدوا على الاشياء به وهدى عوام عباده الى مخلوقاته حتى استشهدوا بها على ذاته وهدى كل مخلوق الى ما لا بد منه فى قضاء حاجاته فهدى الطفل الى التقام الثدى عند انفصاله والفرخ الى التقاط الحب عند خروجه والنحل الى بناء بيته على شكل التسديس لكونه اوفق الاشكال لبدنه والهداة من العباد الانبياء عليهم السلام ثم العلماء الذين ارشدوا الخلق الى السعادة الاخروية وهدوهم الى صراط الله المستقيم بل الله الهادى لهم على ألسنتهم وهم مسخرون تحت قدرته وتدبيره
وفى تفسير الكواشى او المنذر محمد والهادى على رضى الله عنه احتجاجا بقوله عليه السلام(6/228)
« فوالله لان يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من ان يكون لك حمر النعم » والغرض من الارشاد اقامة جاه محمد عليه السلام : بتكثير اتباعه الكاملين وفى الحديث « تناكحوا تناسلوا فانى مكاثر بكم الامم » وهذا التناكح والتناسل يشمل فى امته مهدى يحكم بشريعته فان السلسة ممدودة من الطرفين الى آخر الزمان وسيخرج فى امته مهدى يحكم بشريعته وينفى تحريف المائلين وزيغ الزائغين فى خلافته عن ملته
واخرج الطبرانى انه عليه السلام قال لفاطمة رضى الله عنها « نبينا خير انبياء وهو ابوك وشهيدنا خير الشهداء وهو عم ابيك حمزة ومنا من له جناحان يطير بهما فى الجنة حيث شاء وهو ابن عم ابيك جعفر ومنا سبطا هذه الامة الحسن والحسين وهما ابناك ومنا المهدى »
وروى أبو داود فى سننه انه من ولد الحسن وكان سر ترك الحسن الخلافة لله تعالى شفقة على الامة فجعل الله القائم بالخلافة الحق عند شدة الحاجة اليها من ولده ليملأ الارض عجلا وظهوره يكون بعد ان يكسف القمر فى اول ليلة من رمضان وتكسف الشمس فى النصف منه فان ذلك لم يوجد منذ خلق الله السموات والارض عمره عشرون سنة وقيل اربعون ووجهه كوكب دري على خده الايمن خال اسود ومولده بالمدينة المنورة ويظهر قبل الدجال بسبع سنين ويخرج الدجال قبل طلوع الشمس من مغربها بعشر سنين وقبل ظهور المهدى اشراط وفتنت : قال الحافظ
توعمر خواه وصبورى كه جرخ شعبده باز ... هزار بازى ازين طرفه تر برانكيزد
حفظنا الله واياكم من الا كدار وجعلنا فى خير الدار وحسن الجوار(6/229)
اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)
{ الله } وحده { يعلم ما تحمل كل انثى } اى حملها على ان ما مصدرية والحمل بمعنى المحمول او ما تحمله من الولدان ذكر او انثى تام او ناقص حسن او قبيح طويل او قصير سعيد او شقى ولى او عدو جواد او بخيل عالم او جاهل عاقل او سيفه كريم او لئيم حسن الخلق او سيءالخلق الى غير ذلك من الاحوال الحاضرة والمترقبة فما موصولة والعائد محذوف كما فى قوله { وما تغيض الارحام وما تزداد } اى نقض جميع الرحام وزيادتها او ما تغيضه وما تزداده فان كلا من غاض وازداد يستعمل لازما ومتعديا . يقال غاض الماء بغيض غيضا اذا قل ونضب وغاضه الله ومنه قوله { وغيض الماء } ويقال زدته فزاد بنفسه وازداد واخذت منه حقى وازددت منه كذا فان كان لازما فالغيوض والزيادة لنفس الارحام فى الظاهر ولما فيها الحقيقة وان كان متعديا فهما لله تعالى وعلى كلا التقديرين فالاسناد مجازى . والارحام جمع رحم وهو مبيت للولد فى البطن ووعاؤه
واعلم ان رحم المرأة عضلة وعصب وعروق ورأس عصبها فى الدماغ وهى على هيئة الكيس ولها فم بازاء قبلها ولها قرنان شبه الجناحين تجذب بهما النطفة وفيها قوة الامساك لئلا ينزل من المنى شيء وقد اودع الله فى ماء الرجل قوة الفعل وفى ماء المرأة قوة الانفعال فعند الامتزاج يصير منى الرجل كالانفحة الممتزجة
بالبن واختلفوا فيما تغيضه الرحام وما تزداده فقيل هو جثة الولد فانه قد يكون كبيرا وقد يكون صغيرا وقد يكون تام الاعضاء وقد يكون ناقصها وقيل هو مدة ولادته فان اقلها ستة اشهر عند الكل وقد تكون تسعة اشهر وازيد عليها الى سنتين عند ابى حنيفة والى اربع عند الشافعى والى خمس عند مالك - روى - ان الضحاك بن مزاحم التابعى مكث فى بطن امه سنتين وان مالكا مكث فى بطن امه ثلاث سنين على ما فى المحاضرات للجلال السيوطى واخبر مالك ان جارة له ولدت ثلاثة اولاد فى اثنتى عشرة سنة تحمل اربع سنين وهرم ابن حبان بقى فى بطن امه اربع سنين ولذلك تسمى هرما
وعن الحسن الغيوضة ان تضع لثمانية اشهر او اقل من ذلك والازدياد ان تزيد على تسعة اشهر
وعنه الغيض الجنين الذى يكون سقطا لغير تمام والازدياد ما ولد لتمام
وفى انسان العيون وقع الاختلاف فى مدة حمله صلى الله عليه وسلم فقيل بقى فى بطن امه تسعة اشهر كملا وقيل عشرة اشهر وقيل ستة اشهر وقيل سبعة اشهر وقيل ثمانية اشهر فيكون ذلك آية كما ان عيسى عليه السلام ولد فى الشهر الثامن كما قيل به مع نص الحكماء والمنجمين على ان من يولد فى لشهر الثامن لا يعيش بخلاف التاسع والسابع والسادس الذى هو اقل مدة حمل
وقد قال الحكماء فى بيان سبب ذلك ان الولد عند استكماله سبعة اشهر يتحرك للخروج حركة عنيفة اقوى من حركته فى الشهر السادس فان خرج عاش وان لم يخرج استراح فى البطن عقيب تلك الحركة المضعفة فلا يتحرك فى الشهر الثامن ولذلك تقل حركته فى البطن فى ذلك الشهر فاذا تحرك للخروج وخرج فقد ضعف غاية الضعف فلا يعيش لاستيلاء حركتين مضعفتين له مع ضعفه
وفى كلام الشيخ محيى الدين ابن العربى قدس سره لم ار للثمانية صورة فى نجوم المنازل ولهذا كان المولود اذا ولد فى الشهر الثامن يموت ولا يعيش وعلى فرض ان يعيش يكون مغلولا لا ينتفع بنفسه وذلك لان الشهر الثامن يغلب فيه على الجنين البرد واليبس وهو طبع الموت انتهى
وقيل هو عدة الولد فان الرحم قد يشتمل على ولد واحد على اثنين وثلاثة واربعة -روى- ان شريكا التابعى وهو احد فقهاء المدينة كان رابع اربعة فى بطن امه
وقال الشافعى اخبرنى شيخ باليمن ان امرأته ولدت بطونا فى كل بطن خمسة وقيل هو دم الحيض فانه يقل ويكثر وقيل غيض الارحام فى الرحم فاذا اهراقت الدم ينتقص الغذاء فينتقص الولد واذا لم تحض يزداد الولد ويتم النقصان نقصان خلقة الولد بخروج الدم والزيادة تمام خلقته باستمساك الدم { وكل شيء عنده } تعالى بمقدار [ باندازه است كه ازان زياده وكم نشود ]
وفى بحر العلوم مقدر مكتوب فى اللوح معلوم قبل كونه قد علم حاله وزمانه ومتعلقه
وفى التبيان اى بحد لا يجاوزه من رزق واجل(6/230)
عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9)
{ عالم الغيب } خبر مبتدأ محذوف واللام للاستغراق اى هو تعالى عالم كل ما يطلق عليه اسم الغيب وهو ما غاب عن الحس فيدخل فه المعلومات والاسرار الخفية والآخرة
قال بعضهم ما ورد فى القرآن من اسناد علم الغيب الى الله تعالى انما هو بالنسبة الينا اذ لا غيب بالنسبة الى الله تعالى
وقال بعض سادات الصوفية قدس الله اسرارهم لما سقطت جميع النسب والاضافات فى مرتبة الذات البحت والهوية الصرفة انتفت النسبة العلمية فانتفى لعلم بالغيب يعنى بهذا الاعتبار واما باعتبار التعينات واثبات الوجودات فى مرتبة الصفات وهر مرتبة الذات الواحدية فالعلم على حاله فافهم
برو علم يك ذره يوشيده نيست ... كه بيدا وبنهان بنزدش يكيست
{ والشهادة } اى كل ما يطلق عليه اسم الشهادة وهو ما حضر للحس فيدخل فيه الموجودات المدركة والعلانية والدنيا { الكبير } العظيم الشأن الذى لا يخرج عن علمه شيء { المتعال } المستعلى على كل شيء بقدرته
وفى الكواشى عن صفات المخلوقات وقول المشركين
وفى التأويلات { الله يعلم ما تحمل كل انثى } ذرة من ذرات المكونات من الآيات الدالة على وحدانيته لانه اودعه فيها وقال { سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى انفسهم } وقال الشاعر
ففى كل شيء له آية ... تدل على انه الواحد
وقال
جهان مرآت حسن شاهد ماست ... فشاهد وجهه فى كل من ذرات
وايضا يعلم ما اودع فيها من الخواص والطبائع { وما تغيض الارحام } ارحام الموجودات بحيث تبقى فى الارحام ولا تخرج منها { وما تزداد } اى وما تخرج منها { وكل شيء عنده بمقدار } اى وكل شيء مما يخرج من ارحام الموجودات والمعدومات وما يبقى فيها عند علمه وحكمته بمقدار معين موافق لحكمة خروج ما خرج وبقاء ما بقى لانه { عالم الغيب والشهادة } اى عالم بما غاب عن الوجود والخروج بحكمته وبما شاهد فى الوجود والخروج { الكبير المتعال } ذى ذاته واحاطة علمه بالموجودات والمعدومات وبما فى ارحامهما المتعال فى صفاته بانه متفرد بها
وفى شرح الاسماء الحسنى الكبير هو ذو الكبرياء والكبرياء عبارة عن كمال الذات واعنى بكمال الذات كمال الوجود وكمال الوجود يرجع الى شيئين احدهما دوامه ازلا وابدا وكل موجود مقطوع بعدم سابق او لاحق فهو ناقص ولذلك يقال للانسان اذا طالت مدة وجوده انه كبير اى كبير السن طويل مدة البقاء ولا يقال عظيم السن فكبير يستعمل فيما لا يستعمل فيه العظيم وان كان ما طالت مدة وجوده مع كونه محدود مدة البقاء كبيرا فالدائم الازلى الابدى الذى يستحيل عليه العدم اولى بان يكون كبيرا والثانى ان وجوده هو الوجود الذى يصدر عنه وجود كل موجود فان كان الذى تم وجوده فى نفسه كاملا وكبيرا فالذى اض منه الوجود لجميع الموجودات اولى بان يكون كاملا كبيرا والكبير من العباد هو الكامل الذى لا يقتصر عليه صفات كمال بل ينتهى الى غيره ولا يجالسه احد الا ويفيض عليه من كماله شيء وكمال العبد فى عقله وورعه وعلمه فالكبير هو العالم التقى المرشد للخلق الصالح لان يكون قدوة يقتبس من انواره وعلومه ولهذا قال عيسى عليه السلام من علم وعمل وعلم فذلك يدعى عظيما فى ملكوت السماء والمتعال بمعنى العلى الا ان فيه نوع مبالغة وهو الذى لا رتبة فوق رتبته والعبد لا يتصور ان يكون عليا مطلقا اذ لا ينال درجة الا ويكون فى الوجود ما هو فوقها وهى درجات الانبياء والملائكة نعم يتصور ان ينال درجة لا يكون فى جنس الانس من يفوقه وهى درجة نبينا عليه السلام ولكنه قاصر بالاضافة الى العلو المطلق لان علوه بالاضافة الى بعض الموجودات والآخر علوه بالاضافة الى الموجودات لا بطريق الوجوب بل يقارنه امكان وجود انسان فوقه فالعلى المطلق هو الذى له الفوقية لا بالاضافة وبحسب الوجود لا بحسب الوجود الذى يقارنه امكان نقيضه(6/231)
سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10)
{ سواء منكم من اسرّ القول ومن جهر به } من مبتدأ خبره سواء ومنكم حال من ضمير سواء لانه بمعنى مستو ولم يثن الخبر مع انه خبر عن شيئين لانه فى الاصل مصدر وان كان هنا بمعنى مستو والاستواء يقتضى شيئين وهما الشخصان المرادان بمن . والمعنى مستو فى علم الله تعالى من اضمر القول فى نفسه ومن اظهره بلسانه منكم ايها الناس { ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار } الاستخفاء [ بنهان شدن } والسروب [ برفتن بروز ] كما فى تهذيب المصادر . والسرب بفتح السين وسكون الراء الطريق كما فى القاموس وسارب معطوف على من فيتحقق شيآن ومن موصوفة كأنه قيل سواء منكم انسان وهو مستتر ومتوار فى الظلمات وآخر ظاهر فى الطرقات كما قال فى بحر العلوم . وسارب اى ذاهب فى سربه بارز وبالنهار يراه كل احد
وقال الكاشفى [ وهركه طلب خفاء ميكند ومى يوسد عمل خودرا بشب وهركه ظاهرست وآشكارا ميكند عمل خودرا بروز يعنى مطلقا هيج جيز از قول وفعل سر وعلانيه برو بوشيده نيست ](6/232)
لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)
{ له } اى لله تعالى او للانسان الموصوف بما ذكر { معقبات من بين يديه ومن خلفه } جمع معقبة والتاء للمبالغة كما فى علامة لا للتأنيث فان الملك لا يوصف بالذكورة ولا بالانوثة وصيغة التفعيل للمبالغة والتكثير كما فى قولك طوف البيت لا للتعدية . والتعقيب [ در عقب كسى بيامدن ] كما فى التهذيب يقال عقبه تعقيبا جاء بعقبه . والمعقبات ملائكة الليل والنهار كما فى القاموس . وقيل للملائكة الحفظة معقبات لكثرة تعاقب بعضهم بعضا فى النزول الى الارض بعضهم بالليل وبعضهم بالنهار اذا مضى فريق خلفه فريق اى يعقب ملائكة الليل وملائكة النهار وملائكة النهار ملائكة الليل ويجتمعون فى صلاة الفجر والعصر . والمعنى له ملائكة يتعاقب بعضهم بعضا كائنون من امام الانسان ووراء ظهره اى يحيطون من جوانبه { يحفظونه من امر الله } من بأسه ونقمته اذا ذنب بدعائهم له ومسألتهم ربهم ان يمهله رجاء ان يتوب من ذنبه وينيب او يحفظونه من المضار التى امر الله بالحفظ منها
قال مجاهد ما من عبد الاله ملك موكل به يحفظه فى نومه ويقظته من الجن والانس والهوام فما يأتيه منهم شئ يريده الا قال وراءك الا شئ يأذن الله فيه فيصيبه - وروى - عن عمرو بن ابى جندب قال كنا جلوسا عند سعيد بن قيس بصفين فاقبل على رضى الله عنه يتوكأ على عنزة له بعدما اختلط الظلام فقال سعيدا امير المؤمنين قال نعم قال أما تخاف ان يغتالك احد قال انه ليس من احد الا ومعه من الله حفظة من ان يتردى فى بئر او يخر من جبل او يصيبه حجر او تصيبه دابة فاذا جاء القدر خلوا بينه وبين القدر
قال فى اسئلة الحكم اختلف العلماء فى عدد الملائكة التى وكلت على كل انسان فقيل عشرون ملكا وقيل اكثر والاول اصح لان عثمان رضى الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فذكر عشرين ملكا وقال ملك عن يمينك على حسناتك وهو أمير على الملك الذى عن يسارك كما قال تعالى { عن اليمين وعن الشمال قعيد } وملكان بين يديك ومن خلفك لقوله تعالى { له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله } وملك قائم على ناصيته اذا تواضع لله رفعه واذا تجبر على الله قصمه وملكان على شفتيك يحفظان عليك الصلاة على النبى عليه السلام وملك على فيك لا يدع الحية تدخل فيك وملكان على عينيك فهؤلاء عشرة املاك على كل آدمى فنزل ملائكة الليل على ملائكة النهار فهؤلاء عشرون ملكا على كل آدمى وابليس بالنهار واولاده بالليل
قال بعض الائمة ان قلت الملائكة التى ترفع عمل العبد فى اليوم هم الذين يأتون ام غيرهم قلت الظاهر انهم هم وان ملكى الانسان لا يتغيران عليه ما دام حيا فاذا مات قالا يا رب قد قبضت عبدك فالى اين نضهب قال تعالى(6/233)
{ سمائى مملوءة من ملائكتى وارضى مملوءة من خلقى يطيعوننى اذهبا الى قبر عبدى فسبحانى وحمدانى وهللانى وكبرانى ومجدانى وعظمانى واكتبا ذلك كله لعبدى اللى يوم القيامة } وقيل المعقبات اعوان السلطان فهو توبيخ الغافل المتمادى فى غروره والتهكم به على اتخاذه الحراس بناء على توهم انهم يحفظونه من امر الله وقضائه كما يشاهد من بعض الملوك والسلاطين
والعاقل يعلم ان القضايا الالهية والنوازل المقدرة مما لا يمكن التحفظ منه فانظروا رأيهم وما ذهبوا اليه
از كمان قضا جوتير قدر ... بدر آمد نشد مفيد سير
ويقال للمؤمنين طاعات وصدقات يحفظونه من عذاب الله عند الموت وفى القبر وفى القيامة
قال بعض السلف اذا احتضر المؤمن يقال للملك ثم رأسه فيقول اجد فى رأسه القرآن فيقال شم قلبه فيقول اجد فى قلبه الصيام فيقال شم قدميه فيقول اجد فى قدميه فيقول اجد فى قدميه القيام فيقال حفظ نفسه حفظه الله { ان الله لا يغير ما بقوم } من العافية والنعمة { حتى يغيروا ما بانفسهم } حتى يتركوا الشكر وينقلبوا من الاحوال الجميلة الى القبيحة
كرت هواست معشوق نكساد بيوند ... نكاه دار سر رشته تانكه دارد
وفى التأويلات النجمية { ان الله لا يغير ما بقوم } من الوجود والعدم { حتى يغيروا ما بانفسهم } باستدعاء الوجود والعدم بلسان الاستحقاق للوجود والعدم على مقضتى حكمته ووفق مشيئة انتهى
وفى الآية تنبيه لجميع الناس ليعرفوا نعمة الله عليهم ويشكروا له كيلا تزول فدوران اللسان بالذكر والجنان بالفكر من الامور الجميلة فاذا تحول المرء من الذكر الى النسيان فقد تحول الى الحالة القبيحة فاذا لا يجد من الفيض الالهى ما يجده قبل وقد غير الله بشؤم المعصية اشياء كثيرة غير ابليس وكان اسمه عزرائيل فسماه ابليس
قال ابراهيم بن ادهم مشيت فى زرع انسان فنادانى صاحبه يا بقر فقلت غير اسمى بزلة فلو كثرت لغير الله معرفتى وكذا غير اسمى هاروت وماروت وكان اسمهما قبل افتراق الذنب عزا وعزايا وكذا غير لون حام بن نوح اذ نظر الى عورة ابيه وكان نائما فاخبر نوح بذلك فدعا عليه فسوده الله فالهند والحبشة من نسله وقيل ان نوحا قال لاهل السفينة وهى تطوف بالبيت العتيق انكم فى حرم الله وحول بيته لا يمس احد امرأة وجعل بينهم وبين النساء حاجزا فتعدى ولده حام ووطئ زوجه فدعا الله عليه بان يسود لون بنيه فاجاب الله دعاءه وغير الصورة على داود بزلة واحدة وغير الصورة على قوم موسى لاخذهم الحيتان فصيرهم قردة وعلى قوم عيسى فصيرهم خنازير وغير المال والبساطين على آل القطروس حيث منعوا الناس عنها فاحرقتها نار وكذلك هلاك اموال القبط بدعاء موسى(6/234)
{ ربنا اطمس على اموالهم } الآية فصار ماؤهم دما واموالهم حجرا وغير العلم على امية بن ابى الصلت كان نائما فاتاه طائر وادخل منقاره فى فيه فلما استيقظ نسى جميع علومه وكان من بلغاء قريش وكان يرجو ان يكون هو نبى آخر الزمان او وعد الايمان به فلما بعث نبينا صلى الله عليه وسلم انكره وغير المكان على آدم بزلة واحدة وخسف بقارون الارض حيث منع الزكاة : قال الحافظ
كنج قارون فروميرود ازقهر هنوز ... خوانده باشى كه هم ازغيرت دوريشانست
وغير اللسان على رجل بسبب العقوق نادته والدته فلم يجبها فصار اخرس وغير الايمان على برصيصا بعد ما عبد الله مائتين وعشرين سنة ولم يعص الله فيها طرفة عين لانه لم يشكر يوما على نعمة الاسلام
شكر نعمت نعمتت افزون كند ... كفر نعمت از كفت بيرون كند
{ واذا اراد الله بقوم سوأ } عذابا وهلاكا { فلا مرد له } فلا رد له والعامل فى اذا ما دل عليه قوله فلا مرد له وهو لا يرد واذا عند نجاة البصرة حقيقة فى الظرف وقد تجئ للشرط من غير سقوط معنى الظرف نحو اذا قمت اى اقوم وقت قيامك تعليقا لقيامك بقيامه بمنزلة تعليق الجزاء بالشرط ودخوله اما فى امر كائن متحقق فى الحال نحو
اذا ارى الدنيا وابناءها ... استعصم الرحمن من شرها
اوامر منتظر لا محالة مثل { اذا وقعت الواقعة } و { اذا الشمس كورت } فهى ترد الماضى الى المستقبل لتها حقيقة فى الاستقبال وعند الكوفيين يجئ للظرف والشرط نحو
واذا يحاس الحيس يدعى جندب ... ونحو
واذا تصبك خصاصة فتحمل ... { ومالهم } اى لمن اراد تعالى هلاكه { من دونه } سوى الله تعالى { من وال } ممن يلي امرهم ويدفع عنهم السوء . والوالى من اسماء الله تعالى وهو من ولى الامور وملك الجمهور والولاية تنفيذ القبول على الغير شاء الغير او ابى
وفيه دليل على ان خلاف مراد الله محال فانه المتفرد بتدبير الاشياء المنفذ للتدبير ولا معقب لحكمه(6/235)
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12)
{ هو } تعالى وحده { الذى يريكم البرق } هو الذى يلمع من السحاب من برق الشئ بريقا اذا لمع { خوفا } اى ارادة خوف او اخافة من الصاعقة وخراب البيوت { وطمعا } اى ارداة طمع او اطماعا فى الغيث ورجاء بركته وزوال المشقة والمطر يكون لبعض الاشياء ضررا ولبعضها رحمة فيخاف منه المسافر ومن فى خزينته التمر والزبيب ومن له بيت لا يكف ويطمع فيه المقيم واهل الزرع والبساتين ومن البلاد ما لا ينتفع اهله بالمطر كاهل مصر فان انتفاعم انما هو بالنيل وبالمطر يحصل الوطر
وفيه اشارة الى ان فى باطن جمال الله تعالى جلالا وفى باطن جلاله جمالا واسندا لاراءة الى ذاته لنه الخالق فى الابصار نورا يحصل به الرؤية للخلائق وهذه الاراءة اما متعلقة بعالم الملك وهى ظاهرة وما متعلقة بعالم الملكوت فمعناها ان الله تعالى اذا ارى السائر برقا من لمعان انوار الجلال يغلب عليه خوف الانقطاع واليأس واذا اراه برقامن تلألؤ انوار الجمال يغلب عليه الرجاء والاستثناء { وينشئ السحاب } اي يبتدئ انشاء السحاب اى خلقه وفيه دلالة على ان السحاب يعدمه الله تعالى ثم يخلقه جديدا والسحاب اسم جنس والواحدة سحابة ولذا وصف بقوله { الثقال } بالماء جمع
واختلف فى ان الماء ينزل من السماء الى السحاب او يخلقه الله فى السحاب فيمطر
وفى حواشى ابن الشيخ السحاب جسم مركب من اجزاء رطبة مائية ومن اجزاء هوائية وهذه الاجزاء المائية المشوبة بالاجزاء الهوائية انما حدثت وتكونت فى جو الهواء بقدرة المحدث القادر على ما شاء والقول بان تلك الاجزاء تصاعدت من الارض فلما وصلت الى الطبقة الباردة من الهواء بردت فثقلت فرجعت الى الارض باطل لان الامطار مختلفة فتارة تكون قطراتها كبيرة وتارة تكون صغيرة وتارة متقاربة وتارة متباعدة وتارة تدوم زمانا طويلا وتارة لا تدوم فاختلاف الامطار فى هذه الصفات مع ان طبيعة الارض واحدة وكذا طبيعة الشمس المسخنة للبخارات واحدة لا بد ان يكون بتخصيص الفاعل المختار
وايضا فالتجربة دلت على ان للدعاء والتضرع فى نزول الغيث اثرا عظيما ولذلك كان صلاة الاستسقاء مشروعة فعلمنا ان المؤثر فيه هو قدرة الفاعل لا الطبيعة والخاصية
يقول الفقير ان المردود هو اسناد الحوادث الى الكون من غير ملاحظة تأثير الله تعالى فيها واما اذا اسندت الى الاسباب مع ملاحظة المسبب فهو مقبول لان هذا العالم عالم الاسباب والحكمة وما هو ادخل فى القدرة الالهية فهو اولى بالاعتبار(6/236)
وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13)
{ ويسبح الرعد } اختلف العلماء فنه والتحقيق انه اسم ملك خلق من نور الهيبة الجلالية والرعد صوته الشديد ايضا يسوق السحاب بصوته كما يسوق الحادى الابل بحدائه فاذا سبح اوقع الهيبة على الخلق كلهم حتى الملائكة
يقول الفقير لعل الرعد صوت ذلك الملك واسناد التسبيح الى صوته لكمال فيه { بحمده } فى موقع الحال اى حامدين له وملتبسين بحمده ] عنى تسبيح را باتحميد مقترن ميسازد ] فيصبح سبحان الله والحمد لله وفى الحديث « البرق والرعد وعيد لاهل الارض فاذا رأيتموه فكفوا عن الحديث وعليكم بالاستغفار » واذا اشتد الرعد قال عليه السلام « لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك » { والملائكة من خيفته } من عطف العام على الخاص اى ويسبح الملائكة من خوف الله وخشيته وهيبته وجلاله وذلك لانه اذا سبح الرعد وتسبيحه ما يسمع من صوته لم يبق ملك الا رفه صوته بالتسبيح فينزل القطر والملائكة خائفون من الله وليس خوفهم كخوف ابن آدم فانه لا يعرف احدهم من على يمينه ومن على يساره ولا يشغله عن عبادة الله طعام ولا شراب ولا شئ اصلا وعن ابن عباس رضى الله عنهما من سمع الرعد فقال سبحان الذى يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وهو على كل شئ قدير فاصابته صاعقة فعلى ديته { ويرسل الصواعق } جمع صاعقة وهى نار لا دخان لها تسقط من السماء وتتولد فى السحاب وهى اقوى نيران هذا العالم فانها اذا نزلت من السحاب فربما غاصت فى البحر واحرقت الحيتان تحت البحر وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان اليهود سألت النبى عليه السلام عن الرعد ما هو فقال « ملك من الملائكة وهو موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله » قالوا فما الصوت الذى يسمع « قال زجره السحاب فاذا شدت سحابة ضمها واذا اشتد غضبه طارت من فيه نار هى الصاعقة » والمخاريق جمع مخراق وهو فى الاصل ثوب يلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضا والمراد به ههنا آلة يسوق بها الملك السحاب { فيصيب بها } الباء للتعددية . والمعنى بالفارسية [ يس ميرساندآنرا ] { من يشاء } اصابته فيهلكه والصاعقة تصيب المسلم وغيره ولا تصيب الذاكر
يقول الفقير لعل وجهه ان الصاعقة عذاب عاجل ولا يصيب الا الغافل واما الذاكر غهو مع الله ورحمته وبين الغضب والرحمة تباعد وقولهم تصيب المسلم بشير الى ان المصاب بالصاعقة على حاله من الايمان والاسلام ولا اثر لها فيه كما فى اعتقاد بعض العوام { وهم } اى هؤلاء الكفار مع ظهور هذه الادلائل { يجادلون فى الله } حيث يكذبون رسوله فيما يصفه من العظمة والتوحيد والقدرة التامة والجدال التشدد فى الخصومة من الجدل وهو الفتل { وهو شديد المحال } اى شديد المكر والكيد لاعدائه يهلكم من حيث لا يحتسبون من محل بفلان اذا كاده وسعى به الى السلطان ومنه تحمل لكذا اذا تكلف فى استعمال الخيلة واجتهد فيه
قال فى اسباب النزول ان رسول الله عليه السلام بعث رجلا مرة الى رجل من فراعنة العرب قال « فاذهب فادعه لى » فقال يا رسول الله انه اعتى من ذلك(6/237)
« فاذهب فادعه لى » قال فذهبت اليه فقلت يدعوك رسول الله فقال وما الله أمن ذهب هو أمة فضة أو من نحاس قال الراوى وهو انس فرجع الى رسول فاخبره وقال قد أخبرتك انه اعتى من ذلك قال لى كذا وكذا قال « فارجع اليه الثانية فادعه » فرجع اليه فاعاد عليه مثلا الكلام الاول ورجع الى النبى عليه السلام فاخبره فقال « ارجع اليه » فرجع اليه الثالثة فاعاد مثل ذلك الكلام فبينما هو يكلمه اذ بعث الله سحابة حيال رأسه فرعدت فوقع منها صاعقة فذهبت بقحف رأسه فانزل الله تعالى { ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون فى الله وهو شديد المحال } وقال ابن عباس رضى الله عنهما نزلت هذه الآية والتى قبلها فى عامر بن الطفيل واربد بن قيس وهو امولبيد بن ربيعة الشاعر لامه وذلك انهما اقبلا يريدان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل من اصحابه يا رسول الله هذا عامر بن الطفيل قد اقبل نحوك فقال « دعه فان يرد الله به خيرا هداه » فاقبل حتى قام عليه قال يا محمد ما لى ان اسلمت قال « لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم » قال تجعل لى الامر بعدك قال « لا ليس ذلك لى انما ذاك الى الله تعالى يجعله حيث شاء » قال اسلم على ان لك المدر ولى الوبر يعنى لك ولاية القرى ولى ولاية البوادى قال « لا » قال فماذا تجعل لى قال « اجعل لك اعنة الخيل تغزو عليها » قال اوليس ذلك الى اليوم وكان اوصى الى اربد اذا رأيتنى اكلمه قدر من خلفه فاضربه بالسيف فجعل يخاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويراجعه فدار اربد خلفه عليه السلام ليضربه فاخترط من سيفه شبرا ثم حبسه الله فلم يقدر على سله وجعل عامر يومى اليه فالتفت رسول الله فرأى اربد وما يصنع بسيفه فقال « اللهم اكفينهما بما شئت » فارسل على اربد صاعقة فى يوم صائف صاحى فاحرقته وولى عامر هاربا فقال يا محمد دعوت ربك فقتل اربد والله لاملأن عليك الارض رجالا الفا اشعر والفا امرد فقال عليه السلام « يمنعك الله من ذلك وابناء قبيلة »(6/238)
يريد الاوس والخزرج فنزل عامر بيت امرأة سلولية فلما اصبح ضم اليه سلاحه وخرج وهو يقول واللات لئن اصحر محمد الى وصاحبه يعنى ملك الموت لانفذنهما برمحى
صعوه كاو باعقاب سازد جنك ... دهدازخون خودبرش رارنك
فلما رأى الله ذلك منه ارسل ملكا فلطمه بجناحه فاذراه بالتراب وخرجت على ركبته غدة فى الوقت عظيمة فعاد الى بيت السلولية وهو يقول غدة كغدة البعير وموت فى بيت سلولية ثم مات على ظهر فرسه فانزل الله تعالى فى هذه القصة قوله { سواء منكم من اسر القول او جهر به } حتى بلغ { وما دعاء الكافرين الا فى ضلال } فالواو فى قوله { وهم يجادلون فى الله } على هذا الحال اى يصيب بالصاعقة من يشاء فى حال جداله فى الله فان اريد وكذا فرعون العرب فى الرواية الاولى لما جادل فى الله احرقته الصاعقة . وقوله غدة كغدة البعير اى اصابتنى غدة كغدة البعير وموت فى بيت سلولية وسلول قبيلة من العرب اقلهم وارذلهم قال قائل فى حقهم
الى الله اشكو اننى بت طاهرا ... فجاء سلولى فبال على نعلى
فقلت اقطعوها بارك الله فيكمو ... فانى كريم غير مدخلها رجلى
كأن عامرا يقول ابتليت بامرين كل واحد منهما شر من الآخر احدهما ان غدتى غدة مثل غدة البعير وان موتى موت فى بيت ارذل الخلائق والغدة الطاعون للابل وقلما يسلم منه يقال اغد البعير اى صار ذا غدة وهى طاعونة
وفى الآية اشارة الى ان اهل الجدال فى ذات الله وفى صفاته مثلا الفلاسفة والحكماء واليونانية الذين لم يتابعوا الانبياء وما آمنوا بهم وتابعوا العقل دون ادلة السمع . وبعض المتكلمين من اهل الاهواء والبدع هم الذين اصابهم صواعق القهر واحترقت استعداداتهم فى قبول الايمان فظلوا يجادلون فى الله هل هو فاعل مختالا او موجب بالذات لا بالاختيار ويجادلون فى صفات الله هل لذاته صفات قائمة به او هو قادر بالذات ولا صفات له ومثل هذه الشبهات المكفرة المضلة عن سبيل الرشاد والله تعالى شديد العقوبة والاخذ لمن جادل فيه بالباطل كذا فى التأويلات النجمية(6/239)
لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14)
{ له } [ مرخدايراست ] وتقديم الخبر لافادة التخصيص { دعوة الحق } اى الدعاء الحق على ان يكون من باب اضافة الموصوف الى الصفة والدعوة بمعنى العبادة والحق بمعنى الحقيق اللائق الغير الباطل . والمعنى ان الدعوة التى هى التضرع والعبادة قسمان ما يكون حقا وصابا وما يكون باطلا وخطأ فالتى تكون حقا منها مختصة به تعالى لا يشاركه فيها غيره او له الدعوة المجابة على ان يكون الحق بمعنى الثابت الغير الضائع الباطل فانه الذي يجيب لمن دعاه دون غيره
قال فى المدارك المعنى ان الله يدعى فيستجيب الدعوة ويعطى السائل الداعى سؤاله فكانت دعوة ملابسة لكونه حقيقيا بان يوجه اليه الدعاء بخلاف ما لا ينفع دعاؤه
فرومائد كائرا برحمت قريب ... تضرع كنانزا بدعوت مجيب
{ والذين يدعون من دونه } اى والاصنام الذين يدعونهم الكفار متجاوزين الله فى الدعاء الى الاصنام فحذف الراجع او و الكفار الذين يدعون الاصنام من دونه تعالى فحذف المفعول { لا يستجيبون } اى لا يجيب الاصنام وضمير العقلاء لمعالملتهم اياها معاملة العقلاء { لهم } اى الكفار { بشئ } من مراداتهم { الا كباسط كفيه الى الماء } استثناء مفرغ من اعم عالم المصدراى الا استجابة مثل استجابة ماد يديه اى كاستجابة الماء من بسط طفيه اليه
قال الكاشفى [ مكر همجون اجابت كسى كه بكشاده هردوكف خودرا بسوى آب يعنى تشنه كه بر سر جاهى رسد وباو دلورسنى نبود هردودست خودبسوى جاه بكشايد وبفرياد وزارى آب رامى طلبد ] { ليبلغ فاه } [ تابدهن اوبرسد ] اى يدعو الماء بلسانه ويشير اليه بيده ليصل الى فمه فالام متعلق بباسط ففاعل يبلغ هو الماء { وما هو } اى كالماء { ببالغه } ببالغ فيه لانه جماد لا يشعر ببسط كفيه ولا بعطشه وحاجته اليه ولا يقدر ان يجيب دعاءه ويبلغ فاه وكذا ما يدعونه جماد لا يحس بدعائهم ولا يستطيع اجابتهم ولا يقدر على نفعهم والتشبيه من المركب التمثيلي شبه حال الاصنام مع من دعاءهم من المشركين وهو عدم استجابتهم دعار المشركين وعدم فوز المشركين من دعائهم الاصنام شيأ من الاستجابة والنفع بحال الماء الواقع بمأى من العطشان الذي يبسط اليه كفيه يطلب منه اى يبلغ فاه وينفعه من احتراف كبده ووجه الشبه عدم استطاعة المطلوب منه اجابة الدعاء وخيبة الطالب عن نيل ما هو احوج اليه من المطلوب وهذا الوجه كما ترى منتزع من عدة امور { وما دعاء الكافرين } يعنى لاصنامهم { الا فى ضلال } فى ضياع وخسار وباطل لان الآلهة لا تقدر على اجابتهم واما دعاؤهم له تعالى فالمذهب جوازا استجابته كما فى كتب الكلام والفتاوى وقد اجاب الله دعاء ابليس وغيره ألا ترى ان فرعون كان ثدعو الله فى مكان خال عند نقصان النيل فيستجيب الله دعاءه ويمده فاذا كان الله لا يضيع دعاء الكافرين فما ظنك بالمؤمن والماء وان كان من طبعه التسفل ولكن الله تعالى اذا اراد يحركه من المركز الى جانب المحيط على خلاف طبعه بطريق خرق العادة كما وقع لبعض اولياء الله تعالى فانهم لوصولهم الى المسبب قد لا يحتاجون الى الاسباب - حكى - عن الشيخ ابى عبد الله بن حفيف رضى الله عنه قال دخلت بغداد قاصد الحج وفى رأسى نخوة الصوفية يعنى حدة الارادة وشدة المجاهدة واطراح ما سوى الله تعالى قال ولم آكل اربعين يوما ولم ادخل على الجنيد وخرجت ولم اشرب وكنت على طهارتى فرأيت ظبيا فى البرية على رأس بئر وهو يشرب وكنت عطشان فلما دنوت من البئر ولى الظبى واذا الماء فى اسفل البئر فمشيت وقلت يا سيدى مالى عندك محل هذا الظبى فسمعت من خلفى يقال جربناك فلم تصبر ارجع فخذ الماء ان الظبى جاء بلا ركوة ولا حبل وانت جئت ومعك الركوة والحبل فرجعت فاذا البئر ملآن فملأت ركوتى فكنت اشرب منها واتطهر الى المدينة ولم ينفد الماء فلما رجعت من الحج دخلت الجامع فلما وقع بصر الجنيد علىّ قال لو صبرت لنبع الماؤ من تحت قدمك(6/240)
والاشارة فى الآية ان لله تعالى دعاة يدعون الخلق بالحق الى الحق والذين يدعون لغير الحق لا يقبلون النصح اذا خرج من القلب الساهى ولا يتأثر فيهم كمن بسط يده الى الماء اراءة للخلق بان يريد شربه وما هو ببالغه اى فمه فلا يحصل الشرب على الحقيقة وان توهم الخلق انه شارب وهذا مثل ضربه الله للدعاة من اهل الاهواء والبدع يدعون الخلق الى الله لغير الله فلا يستجابون على الحقيقة وان استجيبوا فى الظاهر لانهم استجابوا لهم على الضلال يدل عليه قوله { وما دعاء الكافرين الا فى ضلال } الخلق عن الحق كما فى التأويلات النجمية
ترسم نرسى بكعبه اى اعرابى ... كاين ره كه توميروى بتر كستانست(6/241)
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (15)
{ ولله يسجد } حقيقة وهو بوضع الجبهة على الارض { من فى السموات } يعنى الملائكة وارواح الانبياء والاولياء واهل الدرجات من المؤمنين { والارض } من الملائكة والمؤمنين من الثقلين { طوعا } حال اى طائعين حالتى الشدة والرخاء { وكرها } اى كالكارهين حالة الشدة والضرورة وذلك من الكافرين والمنافقين والشياطين ويقال من ولد فى الاسلام طوعا ومن سبى من دار الحرب كرها وفى الحديث « عجب ربك من قوم يساقون الى الجنة بالسلاسل » وفيه اشارة الى ان من اهل المحبة والوفاء من يطلب لدخول الجنة فيأبى ذلك طلبا للقيام بالخدمة فتوضع فى اعناقهم السلاسل من الذهب فيدخلون بها الجنة : قال الكمال الخنجدى
نيست ماراغم طوبى وتمناى بهشت ... شيؤه مردم ناهل بودهمت بست
{ وظلالهم } على حذف الفعل اى ويسجد ظلال اهل السموات والارض بالعرض اى تبعا لذى الظل ويجوز ان يراد بالسجود معناه المجازى وهو انقيادهم لاحداث ما اراده الله فيهم شاؤوا او كرهوا وانقياد ظلالهم لتصريفه اياها بالمد والتقليص ونقلها من جانب الى جانب فالكل مذلل ومسخر تحت الاحكام والتقدير { بالغدو والآصال } الغدو جمع غداة وهى البكرة والآصال جمع اصيل وهو العشى من حين زوال الشمس الى غيبوبتها كما فى بحر العلوم
وقال فى الكواشى وغيره الاصيل ما بين العصر وغروب الشمس والباء بمعنى فى ظرف ليسجد اى يسجد فى هذين الوقتين والمراد بهما الدوام لان السجود سواء اريد به حقيقته او الاتقياد والاستسلام لا اختصاص له بالوقتين وتخصيصهما مع ان انقياد الظلال وميلانها من جانب الى جانب وطولها بسبب انحطاط الشمس وقصرها بسبب ارتفاعها لا يختص بوقت دون وقت بل هى مستسلمة منقادة لله تعالى فى عموم الاوقات لان الظلال انما تعظم وتكثر فيها
قال فى التأويلات النجمية وظلالهم اى نفوسهم فان النفوس ظلال الارواح وليس السجود بالطوع من شأن النفوس لان النفس امارة بالسوء الا ما رحم الرب تعالى لتسجد طوعا والاكراه على السجود بتبعية الارواح وايضا ولله يسجد من فى السموات اى سموات القلوب والارواح والعقول طوعا والارض اى من فى ارض النفوس من صفات النفس والحيوانية والسبعية والشيطانية كرها لانه ليس من طبعهم السجود والانقياد اه
قال فى بعض الكبار من اسرار هذا العالم انه ما من حادث الا وله ظل يسجد لله تعالى سواء كان ذلك الحادث مطيعا او عاصيا فان كان من اهل الموافقة فهو ساجد مع ظلاله وان كان من اهل المخالفة فالظل نائب منابه فى الطاعة [ وحقيت آنست كه طوع ورغبت صفت آنهاست كه لطف ازل نهال ايمان در زمين دل ايشان نشانده ونفرت وكراهيت خاصيت آنانكه قهر لم يزل تخم خذلان در مزرعه نفس نفرمان ايشان فشانده ](6/242)
برآن زخمى زندكين بى نيازيست ... برين مرهم نهدكين دلنوازيست
قال الكاشفى [ اين سجده دوم است ازسجدات قرآنى وحضرت شيخ رضى الله عنه در سفر سابع ازفتوحات كه ذكر سجده قرآنى ميكند اين را سجود الظلال وسجود العام كفته وفرموده كه لازم است بنده تصديق كند خدايرا درين خبر وسجده آرد ] وقد سبق فى آخر الاعراف ما يتعلق بسجدة التلاوة فارجع
واما سجدة الشكر وهى ان يكبر ويخر ساجدا مستقبل القبلة فيحمده تعالى ويشكره ويسبح ثم يكبر فيرفع رأسه فقد قال الشافعى يستحب سجود الشكر عند تجدد النعم كحدوث ولد أو نصر على الاعداء ونحوه وعند رفع نقمة كنجاة من عدو او غرق ونحو ذلك وعن ابى حنيفة ومالك ان سجود الشكر مكروه ولو خضع فتقرب لله تعالى بسجدة واحدة من غير سبب فالارجح انه حرام قال انووى ومن هذا ما يفعله كثير من الجهلة الضالين من السجود بين يدى المشايخ فان ذلك حرام قطعا بكل حال سواء كان الى القبلة او لغيرها وسواء قصد السجود لله او غفل وفى بعض صوره ما يقتضى الكفر كذا فى الفتح القريب(6/243)
قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)
{ قل } يا محمد للمشركين { من } [ كيست ] { رب السموات والارض } خالقهما ومالكهما ومتولى امرهما { قل } فى الجواب { الله } اذ لا جواب لهم سواه لانه البين الذي لامراء فيه فكأنه حكاية لاعترافهم به { قل } الزاما لهم { أفاتخذتم من دونه اولياء } الهمزة للانكار والفاء للاستبعاداى أبعد اقراركم هذا وعلمكم بانه تعالى صانع العالم ومالكه اتخذتم من دونه تعالى اصناما وهو منكر بعيد من مقتضى العقل { لا يملكون } اى وتلك الاولياء { لانفسهم نفعا ولا ضرا } لا يستطيعون لانفسهم جلب نفع اليها ولا دفع ضرر عنها واذا عجزوا عن جلب النفع الى انفسهم ودفع الضرر عنها كانوا عن نفع الغير ودفع الضر عنه اعجز ومن هو كذلك فكيف يعبد ويتخذ وليا وهذا تجهيل لهم وشهادة على غباوتهم وضلالتهم التي ليس بعدها
والاشارة قل من رب سموات القلوب وارض النفوس ومن دبر فيهما درجات الجنان لالاخلاق الحميدة ودركات النيران بالاخلاق الذميمة وجعل مشاهدة القلوب مقامات القرب وشواهد الحق ومراتع النفوس شهوات الدنيا ومنازل البعد قل الله اى اجب عن هذا السؤال لان الاجانب منه بمعزل قل للاجانب أفاتخذتم من دونه اولياء من الشياطين والدنيا والهوى لا يملكون لانفسهم ولا لكم نفعا ولا ضرا فى الدنيا والآخرة لانهم مملوكون والمملوك لا يملك شيئا { قل هل يستوى الاعمى والبصير } وارد على التشبيه اي فكما لا يستوى الاعمى والبصير فى الحس كذلك لا يستوى المشرك والجاهل بعظمة الله وثوابه وعقابه وقدرته مع الموحد العالم بذلك
قال فى التأويلات النجمية الاعمى من يرى غير الهله مالكا ومتصرفا فى الوجود والبصير من لا يرى مالكا ولا متصرفا فى الوجود غير الله وايضا الاعمى هو النفوس لانها تتعلق بغير الله وتحب غيره والبصير القلوب لانها تتعلق بالله وتحبه فالاعمى من عمى بالحق وابصر بالباطل والبصير من ابصر بالحق وعمى بالباطل وايضا الاعمى من ابصر بظلمات الهوى والبصير من ابصر بانوار المولى { ام هل تستوى الظلمات والنور } هذا وارد على التشبيه ايضا فكما لا تستوى الظلمات والنور كذلاك لا يستوى الشرك والانكار والتوحيد والمعرفة وعبر ذلك عن الشرك بصيغة الجمع لان انواع شرك النصارى وشرك اليهود وشرك عبدة الاوثان وشرك المجوس وغيرها بخلاف التوحيد
وفى التأويلات هل يستوى المستكن فى ظلمات الطبيعة والهوى ومن هو مستغرق فى بحر جمال المولى فالاول كالعمى اذ لا يقدر ان يرى الملكوت من ظلمات الملك والثانى كالبصير فكما ان المستغرق فى البحر والغائص فيه لا يرى غير الماء فكذا لا يرى اهل البصيرة سوى الله : قال المولى الجامى
عاشق اندر ظاهر وباطن نه بيند غير دوست ... بيش اهل باطن اين معنى كه كفتم ظاهرست(6/244)
{ ام جعلوا لله شركاء } بل اجعلوا فأم منقطعة والهمزة للانكار بمعنى لم يكن . والمعنى بالفارسية [ با آيا كافران شاختند براى خداى انبازى كه ] { خلقوا كخلقه } صفة شركاء داخلة فى حكم الانكار يعنى انهم لم يتخذوا لله شركاء خالقين مثل خلق الله { فتشابه الخلق عليهم } حتى يتشابه ويلتبس عليهم خلق الله وخلقهم فيقولوا هؤلاء قدروا على الخلق كما قدر الله عليه فاستحقوا العبادة كما استحقها ولكنهم اتخذوا شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه اقل خلق الله واذله واصغره واحقره فضلا على ان يقدروا على ما يقدر عليه الخالق { قل الله خالق كل شيء } من الاجسام والاعراض لا خالق غير الله فيشاركه فى العبادة جعل الخلق موجب العبادة ولازم استحقاقها ثم نفاه عمن سواه ليدل على قوله { وهو الواحد القهار } يحتمل ان يكون هذا القول داخلا تحت الامر بقل ويحتمل ان يكون استئنافا اخبترا منه تعالى بهذين الوصفين اى المتوحدين بالالوهية الغالب على كل شيء فما سواه نقهور مغلوب له ومن الاشياء آلهتهم فهو يغلبهم فكيف يتوهم ان يكونوا له اولياء وشركاء
نرد خدمت جون بنا موضع بباخت ... شير سنكين را شقى شيرى شناخت
قال المولى الجامى
مده بعشوة صورت عنان دل جامى ... كه هست دربس اين برده صورت آرايى
وفى التأويلات النجمية الواحد فى ذاته وصفاته القهار لمن دونه اى هو الواحد فى خلق الاشياء وقهرها لا شريك له فيه ولا فى المطلوبية والمحبوبية فالعارف لا يطلب غير اللع ولا يرى فى مرآة الاشياء الا الله
شهود يار در اغيار مشرب جاميست ... كدام غيركه لا شيء فى الوجود سواه
والآية اشارة الى انه تعالى خالق الخير والشر -روى- عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده قال بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ اقبل ابو بكر وعمر فى جماعة من الناس فلما دنوا سلموا على رسول الله فقال بعض القوم يا رسول الله قال ابو بكر الحسنات من الله والسيآت منا وقال عمر الحسنات والسيآت كلها من الله تعالى فتابع بعض القوم ابا بكر وبعض القوم عمر فقال عليه السلام « ما اقضى بينكما الا كما قال اسرافيل بين جبرائيل وميكائيل اما جبرائيل فقال مثل مقالتك يا عمر واما ميكائيل فقال مثل مقالتك يا ابا بكر فقال جبرائيل اذا اختلف اهل السماء اختلف اهل الارض فهلم تتحاكم الى اسرافيل فقصا عليه القصة فقضى بينهما ان القدر خيره وشره من الله تعالى » ثم قال النبى عليه السلام « فهذا قضائى بينكما » قال « يا ابا بكر لو شاء الله ان لا يعصى فى الارض لم يخلق ابليس » قال الحافظ
دركار خانه عشق در كفرنا كزيرست ... آتش كرا بسوزد كربو لهب نباشد
نسأل الله التوفيق الى الخير والفلاح والرشاد(6/245)
أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17)
{ انزل } اى الله تعالى { من السماء ماء } اى مطرا ينحدر منها الى السحاب ومنه الى الارض وهو رد لمن زعم انه يأخذه من البحر ومن زعم ان المطر انما يتحصل من ارتفاع ابخرة رطبة من الارض الى الهواء فينعقد هناك من شدة برد الهواء ثم ينزل مرة اخرى وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان تحت العرش بحر ينزل منه ارزاق الحيوانات يوحى الله اليه فيمطر ما شاء من سماء الى سماء الدنيا ويوحى الى السحاب ان غربله فيغربله فليس من قطرة تقطر الا ومعها ملك يضعها موضعها ولا ينزل من السماء قطرة الا بكيل معلوم ووزن معلوم الا ما كان يوم الطوفان من ماء فانه نزل بغير كيل ولا وزن
يقول الفقير هذه الرواية ادل على قدرة الله تعالى مما ذهب اليه الحكماء كما لا يخفى فقول من قال فى التفسير اى من السماء نفسها فان مبادئ الماء منها ففى لفظة من مجاز تضييق للامر وعدول عن الحقيقة من غير وجه معتد به والله على كل شيء قدير { فسالت } من ذلك الماء والسيلان الجريان { اودية } جمع واد كاندية حمع ناد وهو الموضع الذى يسيل الماء فيه بكثرة والمراد ههنا الانهار بطريق ذكر المحل وارادة الحال ونكرها لان المطر يأتى على طريق المناوبة بين البقاء فيسيل بعض اودية دون بعض { بقدرها } بفتح الدال وسكونها صفة لا ودية او متعلق بسالت والضمير راجع الى المعنى المجازى للاودية اى بمقدارها الذى علم الله انه نافع للمطور عليهم غير ضار اى بالقدر الذى لا يتضرر الناس به . وبالفارسية [ باندازه كه خداى تعالى مقرر كرده كه آن سود رساند وزيان نكند ] وذلك لانه ضرب المطر مثلا للحق فوجب ان يكون مطرا خالصا للنفع خاليا من المضرة ولا يكون كبعض الامطار والسيول الجواحف ويجوز ان يكون الضمير راجعا الى المعنى الحقيقى لها على طريق الاستخدام اى بمقدارها فى الصغر والكبر اى ان صغر الوادى قل الماء وان اتسع الوادى كثر الماء . وبلفارسية [ بقدرها باندازه خود يعنى هر وادى بمقدار خود درجزوى وبزركى زتنكى وفراخى برادشت ] { فاحتمل السيل } اى حمل ورفع { زبدا } هو اسم لكل ما علا وجه الماء من رغوة وغيرها سواء حصل بالغليان او بغيره . وبالفارسية [ كف ] واصله كل شيء تولد من شيء مع مشابهته له ومنه الزبد { رابيا } عاليا فوق الماء { ومما يوقدون عليه فى النار } خبر مقدم لقوله زبد مثله وعليه متعلق بيوقدون . والايقاد جعل النار تحت الشيء ليذوب وفى النار حال من الضمير فى عليه اى ومن الذى يوقد الناس عليه يعنى [ ميكذارند ] حال كونه ثابتا فى النار وهو يعم الفلزات والفلز بكسر الفاء واللام وشد الزاى جوهر الارض اى الاجساد السبعة المعدنية التى تاب وهى الذهب والفضة والحديد والنحاس والآنك والزئبق والصفر { ابتغاء حلية } مفعول له اى طلب زينة فان اكثر الزين من الذهب والفضة { او متاع } عطف على حلية وهو ما يتمتع به اى ينتفع به كالنحاس والحديد والرصاص يذاب فيتخذ منه الاوانى وآلات الحروب والحرث { زبد مثله } قوله مثله صفة زبد اى ومنه ينشأ زبد مثل زبد الماء يعلو عليه اذا اذيب وهو الخبث على ان تكون من ابتدائية او بعضه زبد مثله على ان تكون تبعيضية { كذلك } فى محل النصب اى مثل ذلك الضرب والبيان والتمثيل { يضرب الله الحق والباطل } اى بينهما ويمثلهما فانه تعالى مثل الحق فى الثبات والنفع بالماء النافع وبالفلز الذى ينتفعون به فى صوغ الحلى منه واتخاذ الامتعة المختلفة وشبه فى سرعة زواله وقله نفعه بالزبد الضائع اى بزبد السيل الذى يرمى به وبزبد الفلز الذى يطفو فوقه اذا اذيب فالزبد وان علا الماء فهو ينمحق وكذا الباطل وان علا الحق فى بعض الاحوال فان الله سيمحقه ويبطله بجعل العاقبة للحق واهله كما قيل للحق دولة وللباطل صولة : قال الحافظ(6/246)
سحر با معجزه بهلو نزند ايمن باش ... سامرى كيست كه دست از يد بيضا ببرد
وبين وجه الشبه وهو الذهاب باطلا مطروحا والثبات نافعا مقبولا بقوله { فاما الزبد } [ اما كف روى آب وخبث بالاى فلز ] وبدأ بالزبد مع تأخره فان ذلك الزبد ويتأخر وجوده الاستمرارى } فيذهب جفاء } قال فى القاموس الجفاء كغراب الباطل وهو حال اى باطلا مرميا به { واما ما ينفع الناس } كالماء وخلاصة الفلز { فيمكث فى الارض } اى يبقى ولا يذهب فينتفع به الناس اما الماء فيثبت بعضه فى منافعه ويسلك بعضه فى عروق الارض الى العيون والقنى والآبار واما الفلز فيبقى ازمنة متطاولة { كذلك } [ همجنين كه ذكر كرده شد ] { يضرب الله الامثال } ويبينها لايضاح المشتبهات . والمثل القول الدائر بين الناس والتمثيل اقوى وسيلة الى تفهيم الجاهل الغبى وهو اظهار للوحشى فى صورة المألوف
قال الكاشفى [ بعضى بدانند كه مراد ازين آب قر آنست كه حيات دل اهل ايمانست واوديه دلها انكه فراحور استعداد خود ازان فيض ميكيرند وزبد هو اجس نفسانى ووساوس شيطانى است ]
وقال ابو الليث فى تفسيره شبه الباطل بالزبد يعنى احتملت القلوب على قدر هواها باطلا كثيرا فكما ان السيل يجمع كل قذر فكذلك الهوى يحتمل الباطل وكما ان الزبد لا وزن له فكذلك الباطل لا ثواب له والايمان واليقين ينتفع به اهله فى الآخرة كما ينتفع بالماء الصافى فى الدنيا والكفر والشك لا ينتفع به فى الدنيا والآخرة
وفى التأويلات النجمية { انزل من السماء } من سماء القلوب { ماء } المحبة { فسالت اودية } النفوس { بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا } من الاخلاق الذميمة النفسانية والصفات البهيمية الحيوانية وانزل من سماء الارواح ماء مشاهدات انوار الجمال فسالت اودية القلوب بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا من انانية الروحانية وانزل من سماء الجبروت ماء تجلى صفة الالوهية فسالت اودية الاسرار بقدرها فاحتمل السيل زبد الوجود المجازى : قال فى المثنوى
جون تجلى كرد اوصاف قديم ... بس بسوزد وصف حادث را كليم(6/247)
لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18)
{ للذين استجابوا لربهم } خبر مقدم لقوله { الحسنى } اى للمؤمنين الذين اجابوا فى الدنيا لى ما دعا الله اليه من التوحيد والطاعة المثوبة الحسنى فى الآخرة وهى الجنة وسميت بذلك لانها فى نهاية الحسن لكونها من آثار الجمال الصفاتى واما الاحسن فهو الله تعالى وحسنه الازلى من ذاته لا من غيره فقد علم من هذا ان الداعى الى الحسنى هو الله تعالى والمجيب الى تلك الدعوى الالهية هو المؤمنون والجنة ونعيمها هى الضيافة العظمى وقد ورد « اللهم انى اسألك الجنة وما قرب اليها من قول وعمل واعوذ بك من النار وما قرب اليها من قول وعمل »
قال بعض الكبار من احب رؤية الله احب الجنة لانها محلها
يقول الفقير فيه تصريح بان الجنة محل الرؤية لا محل الله تعالى حتى يلزم اثبات المكان له ولا يلزم من كونها محل الرؤية كونها محله تعالى لان التقيد بالمكان حال الرائى لا حال المرئى والدنيا والآخرة سواء بالنسبة الى الرائى كما انهما سيان بالنسبة الى المرئى اذ لو رؤى فى الدنيا بحسب ارتفاع الموانع لكان لا يضر اطلاقه وتنزهه وكذا لو رؤى فى الجنة وقد ثبت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه فى الدنيا فجعلت الدنيا ظرفا لرؤيته مع ان الله تعالى على تنزه الازلى واذا عرفت ها عرفت ضعف قول الفقهاء لو قال ارى الله فى الجنة يكفر لانه يزعم ان الله تعالى فى الجنة والحق ان يقال نرى الله فى الجنة انتهى قولهم
مجرد بابيش ز اطلاق وتقييد ... اكر جلباب هستى را كنى شق
{ والذين لم يستجيبوا له } وهم الكافرون بالله الخارجون عن الطتعة وهو مبتدأ خبره قوله { لو ان لهم } [ اكر باشد مرا ايشانرا ] { ما فى الارض جميعا } من نقودها وامتعتها وضيلعها { ومثله معه } وضعفه معه [ يعنى آن قدر كه نقود واقمشه دينى هست با آن اضافت كنند وهمه در تصرف كافران باشد روز قيامت ] { لافتدوا به } جعلوه فداء انفسهم من العذاب ولو فادوا به لا يقبل منهم
يقول الفقير سر هذا انهم بسبب الدنيا غفلوا عن الله تعالى وحين الانتباه بالموت والبعث صغر فى اعينهم الدناي وما فيها فلو قدروا لبذلوا الكل واخذوا الله تعالى بدلا منه فقد قصروا فى وقت القبول وتمنوا ما تمنوا حين لا درهم ولا دينار
مده براحت فانى حيات باقى را ... بمحنت دوسه روز ازغم ابد بكريز
{ اولئك } [ آن كروه ] { لهم سوء الحساب } هو المناقشة بان يحاسب الرجل بذنبه ولا يغفر منه شيء
وعن عائشة رضى الله عنها ان رسول الله عليه السلام قال « ليس احد يحاسب يوم القيامة الا هلك »(6/248)
قلت او ليس بقول الله { فسوف يحاسب حسابا يسيرا } فقال { انما ذلك العرض ولكن من نوقش فى الحساب يهلك } والمناقشة الاستقصاء فى الحساب بحيث لا يترك منه شيء يقال ناقشه الحساب اذا عاسره فيه واستقصى فلم يترك قليلا ولا كثيرا . ومعنى الحديث ان المناقشة فى الحساب وعدم المسامحة مفض الى الهلاك ودخول النار ولكن الله يعفو ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء
قال النووى وهذا لمن لم يحاسب نفسه فى الدنيا فبناقش بالصغيرة والكبيرة فاما من تاب وحاسب نفسه فلا يناقش كما فى الفتح القريب
نريزد خدا آب روى كسى ... كه ريزد كناه آب جشمش بسى
{ ومأويهم } مرجعهم بعد المناقشة { جهنم }
فان قلت هلا قيل مأواهم النار
قلت لان فى ذكر جهنم تهويلا وتفظيعا ويحتمل ان يكون جهنم هى ابعد النار قعرا من قولهم بئر جهنم بعيدة القعر
قال بعضهم جهنم معرب وكأنه فى الفرس [ جه نم ] { بئس المهاد } [ وبد جايكاهست دوزخ ] وهو بمعنى الممهود المبسوط يقال مهدت الفراش مهدا اى بسطته اطلق ههنا بمعنى المستقر مطلقا اى بئس موضع القرار جهنم -وروى- احمد انه عليه السلام قال لجبريل « مالى لا ارى ميكائيل ضاحكا » فقال ما ضحك مذ خلقت النار -وروى- ان موسى عليه السلام ناجى ربه فقال يا رب خلقت خلقا وربيتهم بنعمتك ثم تجعلهم يوم القيامة فى نارك قال فى المثنوى
مستفيدى اعجمى شد آن كليم ... تاعجميانرا كند زين سر عليم
فاوحى الله تعالى اليه ان يا موسى قم فازرع زرعا فزرعه فسقاه وقام عليه وحصده وداسه فقال له ما فعلت بزرعك يا موسى قال قد رفعته قال فما تركت منه شيأ قال يا رب تركت ما لا خير فيه ثال يا موسى فانى ادخل النار ما لا خير فيه وهو الذى يستنكف ان يقول لا اله الا الله وفى المثنوى
جونكه موسى كشت وشد كشتش تمام ... خوشهايش يافت خوبى ونظام
داس بكرفت ومران را مى بريد ... بس ندا از غيب دركوشش رسيد
كه جرا كشتى كنى ويرورى ... جون كمالى يافت آنرا مى برى
كفت يا رب زان كنم ويران وبست ... كه دراينجا دانه هست وكاه هست
دانه لايق نيست در انبار كاه كاه در انبار كندم هم تباه ... نيست حكمت اين دورا آميختن
فرق واجب مى كند در بيختن ... كفت اين دانش تو از كه يا فتى
كه بدانش بيدرى برساختى ... كفت تمييزم تودادى اى خدا
كفت بس تمييز جون نبود مرا ... درخلايق روحهاى باك هست
روحهاى تيره وكلناك هست ... اين صدفها نيست در يك مرتبه
در يكى دراست ودرديكر شبه ... واجبست اظهار اين نيك وتباه
همجنا كاظهار كندمها زكاه ...(6/249)
أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19)
{ أفمن يعلم } [ آيا كسى ميداندكه ] { ان ما انزل اليك من ربك } [ آنكه هرجه فرو فرستاده اند بسوى تو از بروردكار تو ] { الحق } [ درست وراستست ] يعنى يعلم ان القرآن الذى انزل الله تعالى هو الحق وهو حمزة بن عبد المطلب او عمار { كمن هو اعمى } قلبه فينكر القرآن وهو ابو جهل اى لا يستوى من يبصر الحق ويتبعه ومن لا يبصره ولا يتبعه وهذا عام فيمن كان كذلك : وفى المثنوى
در سرور در كشيده جادرى ... رونهان كرده زجشمت دلبرى
شاه نامه يا كليله بسش تو ... همجنان باشد كه قرآن ازعتو
فرق آنكه باشد ازحق ومجاز ... كه كند كحل عنايت جشم باز
ورنه بشك ومشك بيش اخشمى ... هردو يكسانست جون نبود شمى
كفت يزدان كه ترا هم ينظرون ... نقش حمامند هم لا يبصرون
{ انما يتذكر اولوا الالباب } اى لا يقبل نصح القرآن ولا يعمل به الا ذووا العقول الصافية من معارضة الوهم
قال فى التأويلات هم المستخرجة . عقولهم من قشور آفات الحواس والوهم والخيال المؤيدة بتجلى انوار الجمال والجلال
اعلم ان طالب الحق لا بد له فى التزكية من التفكر قم التذكر وبينهما فرق فان التذكر فوق التفكر فان التفكر طلب والتذكر وجود يعنى ان التفكر لا يكون الا عند فقدان المطلوب لاحتجاب القلب بالصفات النفسانية فتلتمس البصيرة مطلوبة واما التذكر فعند رفع الحجاب وخلوص الخلاصة الانسانية من قشور صفات النفس والرجوع الى الفطرة الاولى فيتذكر ما انطبع فى النفس فى الازل من التوحيد والمعارف بعد النسيان
قال فى حياة الارواح التذكر لا يكون الا الذى لب قد خلص من قشر غواشى النشأة قال تعالى { وما يتذكر الا اولوا الالباب } والنسيان انما يحصل بسبب الغواشى كما قال تعالى { ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسى } وقد امر الله باحكام الشريعة لا زلة هذه الغواشى والملابس وعدد الاعضاء المكلفة ثمانية وهى العين والاذن واللسان واليد والبطن والفرج والرجل والقلب فعلى كل واحد من هذه الاعضاء تكليف يحصه من انواع الاحكام الشرعية او افعال المحمدة عند الله فالمحمدة كالصلاة والصوم وما اشبه ذلك والمذمة كضربك نفسك بسكين لتقتلها ومنها ما لا يلحقك فيه مذمة ولا محمدة كصنف المباح ولا يجوز لك هذا الفعل الا فى ذاتك واما فى غيرك فلا الا بشرط فالذى لذاتك كنظرك على عورتك والذى هو مع غيرك ثمانية اصناف المال والولد والزوجة وملك اليمين والبهيمة والجار والاجير والاخ الايمانى والطينى(6/250)
الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20)
{ الذين } الموصولات مع صلاتها مبتدأة خبرها قوله { اولئك لهم عقبى الدار } { يوفون بعهد الله } عهد الله مضاف الى مفعوله اى بمقدوره على انفسهم من الشهادة والاعتراف بربوبيته حين قالوا بلى شهدنا وبالفارسية [ آنانكه وفاميكنند به بيمان خداى تعالى كه درروز ميثاق بسته اند ] { ولا ينقصون الميثاق } اى ذلك العهد بينهم وبين الله وكذا عهودهم بينهم وبين الناس فهو تعميم بعد تخصيص(6/251)
وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21)
{ والذين يصلون } [ وآنانكه بيوند ميكنند ] { ما امرهم الله به ان يوصل } المفعول الاول محذوف تقديره ما امرهم الله به ان يوصل بدل من الضمير المجرور اى يوصله
وهذه الآية يندرج فيها امور
الاول صلة الرحم واختلف فى حد الرحم التى يجب صلتها
فقيل كل ذى رحم محرم بحيث لو كان احدهما ذكرا والآخر انثى حرمت منا كحتهما فعلى هذا لا يدخل اولاد الاعمام والعمات واولاد الخال والخالات
وقيل وهو عام كل ذى رحم محرما ما كان او غير محرم وارثا كان او غير وارث وهذا الثول هو الصواب
قال النووى وهذا اصح والمحرم من لا يحل له نكاحها على التأييد لحرمتها . فقولنا على التأبيد احتراز عن اخت الزوجة . وقولنا لحرمتها احتراز عن الملاعنة فان تحريمها ليس لحرمتها بل للتغليظ
واعلم ان قطع الرحم حرام والصلة واجبة ومعناها التفقد بالزيارة والاهداء والاعانة بالقول والفعل وعدم النسيان واقله التسليم وارسال السلام المكتوب ولا توقيت فيها فى الشرع بل العبرة بالعرف والعادة كذا فى شرح الطريقة . وصلة الرحم سبب لزيادة الرزق وزيادة العمر وهى اسرع اثرا كعقوق الوالدين فان العاق لهما لا يمهل فى الاغلب ولا تنزل الملائكة على قوم فيهم قاطع رحم
والثانى الايمان بكل الانبياء عليهم السلام فقولهم نؤمن ببعض ونكفر ببعض قطع لما امر الله ان يوصل
والثالث موالاة المؤمنين فانه يستحب استحبابا شديدا زيارة الاخوان والصالحين والجبران والاصدقاء والاقارب واكرامهم وبرهم وصلتهم وضبط ذلك يختلف باختلاف احوالهم ومراتبهم وفراغهم وينبغى للزائر ان تكون زيارته على وجه لا يكرهون وفى وقت يرتضون فان رأى اخاه يحب زيارته ويأنس به اكثر زيارته والجلوس عنده وان رآه مشتغلا بعبادة او غيرها او رآه يحب الخلوة يقل زيارته حتى لا يشغله عن عمله . وكذا عائد المريض لا يطيل الجلوس عنده الا ان يستأنس به المريض . ومن تمام المواصلة المصافحة عند الملاقاة ويستحب مع المصافحة البشاشة بالوجه والدعاء بالمغفرة وغيرها : قال الحافظ
يارى اندركس نمى بنييم يارانراجه شد ... دوستى كى آخر آمدودوستدارنراجه شد
كس نمى كويدكه يارى داشت حق دوستى ... حق شناسانراجه حال افتادويارا نراجه شد
والرابع مراعاة حقوق كافة الخلق حتى الهرة والدجاجة
وعن الفضيل ان جماعة دخلوا عليه بمكة فقال من اين انتم قالوا من اهل خراسان قال اتقوا الله وكونوا من حيث شئتم واعلموا ان العبد لو احسن الاحسان كله كانت له دجاجة فاساء اليها لم يكن من المحسنين - وروى - ان امرأة عذبت فى هرة حبستها فلم تطعمها الى ان ماتت وامرأة رحمها الله وغفر لها بسبب ان سقت كلها عطشان بحفها
وكان اويس القرنى يقتات من المزابل ويكتسى منها فنبحه يوما كلب على مزبلة فال له اويس كل مما يليك وانا آكل مما يلينى ولا تنبحنى فان جزت الصراط فانا خير منك والا فانت خير منى
يقول الفقير وذلك ان الانسان السعيد خير البرية والشقى شر البرية والكلب داخل فى البرية وهذا كلام من مقام الانصاف فان اهل الحق لا يرون لانفسهم فضلا ولذا كانوا يعدون من سواهم اياما كان خيرا .(6/252)
منهم وورد « رب بهيمة خير من راكبها » وهذا العلم اعطاهم مراعاة الحقوق مع جميع الحيوانات { ويخشون ربهم } اى وعيده عموما { ويخافون سوء الحساب } خصوصا فيحاسبون انفسهم قبل ان يحاسبوا
وقال ابو هلال العسكرى الخوف يتعلق بالمكروه ومنزل المكروه يقال خفت زيدا وخفت المرض كما قال تعالى { يخافون ربهم من فوقهم } وقال { ويخافون سوء الحساب } والخشية تتعلق بمنزل المكروه ولا يسمى الخوف من نفس المكروه خشية ولهذا قال { ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب } انتهى
وسوء الحساب سبق قريبا والخوف من اجل المنازل وانفعها للقلب وهو مرفوض على كل واحد
هركه ترسد مرورا ايمن كنند ... مر دل ترسنده را ساكن كنند(6/253)
وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22)
{ والذين صبروا } على ما تكرهه النفوس من انواع المصائب ومخالفة الهوى من مشاق التكاليف { ابتغاء وجه ربهم } طلبا لرضاه من غير ان ينظروا الى جانب الخلق رياء وسمعة ولا الى جانب النفس زينة وعجبا
واعلم ان مواد الصبر كثيرة منها . الصبر على العمى وفى الحديث القدسى « اذا ابتليت عبدى بحبيبتيه » اى العينين وسميتا بذلك لانهما احب الاشياء الى الشخص « فصبر على البلاء راضيا بقضاء الله تعالى عوضته منها الجنة » والاعمى اول من يرى الله تعالى يوم القيامة . ومنها الصبر على الحمى وصداع الرأس وموت الاولاد والاحباب وغير ذلك من انواع الابتلاء . ومنها الصوم فان فيه صبرا على ما تكرهه النفس من حيث انها مألوفة بالاكل والشرب والصوم ربع الايمان بمقتضى قوله عليه السلام « الصوم نصف الصبر والصبر نسف الايمان » قال الحافظ
ترسم كزين جمن نبرى آستين كل ... كز كلشنش تحمل خازى نميكنى
رى - ان شقيق بن ابراهيم البلخى دخل على عبد الله بن المبارك متنكرا فقال له عبد الله من اين اتيت فقال من بلخ قال وهل تعرف شقيقا قال نعم قال كيف طريقة اصحابه فقال اذا منعوا صبروا واذا اعطوا شكروا فقال عبد الله طريقة كلا بنا هكذا فقال وكيف يتبغى ان يكون الامر فقال الكاملون هم الذين اذا منعوا شكروا وان اعطوا آثروا
قال حضرة شيخى وسندى روح الله روحه فى بعض مناجاته اللهم انى احمدك فى السراء والضراء واقول فى السراء الحمد لله المنعم المفضل نظرا الى النعمة الظاهرة والمنحة الجلية فى السراء واقول فى الضراء الحمد لله على كل حال نظرا الى النعمة الباطنة والمنحة الخفية فى الضراء لكن اشكرك فى السراء واقول الشكر لله طمعا فى زيادة النعمة والمنحة بمقتضى وعدك فى قولك لئن شكرتم لازيدنكم فاذا دفعت عنى البلية ورفعت المحنة فاشكرك مطلقا كما احمدك كذلك واقول الشكر لله مطلقا كما اقول الحمد لله كذلك انتهى
وهذا كلام لم ار مثله من المتقدمين حقيق بالقبول والحفظ فرضى الله عن قائله { واقاموا الصلوة } المفروضة اى داوموا على اقامتها { وانفقوا مما رزقناهم } اى بعضه الذى وجب عليهم انفاقه فمن للتبعيض والمراد بالبعض المتصدق بالزكاة المفروضة لاقترانه بالصلاة التى هى اخل الزكاة وشقيقتها او مطلق ما ينفق فى سبيل الله نظرا الى اطلاق اللفظ من غر قرينة الخصوص { سرا } لمن لا يعرف بالمال يتناول النوافل لانها فى السر افضل { وعلانية } لمن عرف به يشمل الفرائض لوجوب المجاهرة بها نفيا للتهمة وانتصابها على الحال اى ذوى سر وعلانية بمعنى مسرين ومعلنين او على الظرف اى وقتى سر وعلانية او على المصدر اى انفاق سر وعلانية .(6/254)
والمعنى اسرار النوافل من الصدقات والاعلان بالفرائض
ومن الانفاق الواجب الانفاق على الابوين اذا كانا فقيرين
قال الفقهاء تقدم الام على الاب فى النفقة اذا لم يكن عند الولد الا كفاية احدهما لكثرة تعبها عليه وشفقتها وخدمتها ومعاناة المشاق فى حمله ثم وضعه ثم ارضاعه ثم تربيته وخدمته ومعالجة اوساخه وتمريضه وغير ذلك كما فى الفتح القريب
قال الشيخ عز الدين الواجب قسمان واجب بالشرع وواجب بالمروءة والسخى هو الذى لا يمنع واجب الشرع ولا واجب المروءة فان منع واجبا منهما فهو بخيل ولكن الذى يمنع واجب الشرع ابخل كالذى يمنع اداء الزكاة والنفقة الواجبة او يؤديها بمشقة فانه بخيل بالطبع متسخ بالتكلف او كان بحيث لا يطيب له ان يعطى من اطيب ماله او من اوسطه فهذا كله بخل واما واجب المروءة المضايقة والاستقاصء في المحقرات ذان ذلك مستقبح واستقباحه يختلف بالاحوال والاشخاص فمن كثر ماله يستقبح منه ما لا يستقبح من الفقير من المضايقة ما لا يستقبح اقل منه فى المبالغة والمعاملة فيختلف ذلك بما فيه المضايقة من ضيافة او معاملة وبما به المضايقة من طعام او ثوب فالبخيل هو الذى يمنع حيث ينبغى ان لا يمنع اما بحكم الشرع واما بحكم المروءة وجاء فى وصف البخيل
لو عبر البحر بامواجه ... فى ليلة مظلمة بارده
وكفه مملوءة خردلا ... ما سقطت من كفه واحده
وفيه
خواجه درماهتاب نان ميخورد ... در سرايى كه هيج خلقى نبود
سايه خويش را كسى بنداشت ... كاسه از بيش خويشتن بربود
واعلم ان الله تعالى اسند الانفاق اليهم واعطاء الرزق الى ذاته تعالى تنبيها على انهم امناء الله فيما اعطاهم ووكلاؤه والوكيل دخيل فى التصرف لا اصيل فينبغى له ان يلاحظ جانب الموكل لا جانب نفسه ولا جانب الخلق وقد قالوا من طمع فى شكر او ثناء فهو يباع لا جواد فانه اشترى المدح بماله والمدح لذيذ مقصود فى نفسه والجود هو بذل الشئ من غير غرض
كرم ولطف لى غرض بايد ... تازان مردمتهم نبود
از كرم جون جزا طمع دارى ... آن تجارت بود كرم نبود
ومن الكرم ضيافة الاخوان فى شهر رمضان وفى الحديث « يا اصحابى لا تنسوا امواتكم فى قبورهم خاصة فى شهر رمضان فان ارواحهم يأتون بيوتهم فينادى كل احد منهم الف مرة من الرجال والنساء اعطفوا علينا بدرهم او برغيف او بكسرة خبز او بدعوة او بقراءة آية او بكسوة كساكم الله من لباس الجنة » كذا فى ربيع الابرار فاذا كان الرغيف او الكسرة مفيدا مقبولا عند الله تعالى فما ظنك بما فوقه من اللذائذ وفى الحديث « من لقم اخاه لقمة حلوة صرف الله عنه مرارة الموقف يوم القيامة »(6/255)
{ ويدرأون بالحسنة السيئة } ويدفعونها بها فيجاوزون الاساءة بالاحسان والظلم بالعفو والقطع بالوصل والرحمان بالعطاء
كم مباش از درخت سايه فكن ... هركه سنكس زند ثمر بخشش
از صدف يادكير نكته حلم ... هركه زد برسرش كهر بخشش
او المعنى يتبعون الحسنة بالسيئة فتمحوها واحسن الحسنات كلمة لا اله الا الله اذ التوحيد رأس الدين فلا افضل منه كما ان الرأس افضل الجوارح
وعن ابن كيسان اذا اذنبوا تابوا فيكون المراد بالحسنة التوبة وبالسيئة المعصية
قال عبد الله بن المبارك هذه ثمان خصال مسيرة الى ثمانية ابواب الجنة { أولئك } [ آن كروه كه بدين صفات موصوفند ] { لهم عقبى الدار } عاقبة الدنيا ومرجع اهلها وهى العاقبة المطلقة التى هى الجنة واما النار فانما كانت عقبى الكافرين لسوء اختيارهم وليس كونها عاقبة دار الدنيا مقصودا بالذات بخلاف الجنه(6/256)
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23)
{ جنات عدن } بدل من عقبى الدار والعدن الاقامة يقال عدن بالبلد يعدن بالكسر اى اقام وسمى منبت الجواهر من الذهب ونحوه المعدن بكسر الدال لقرارها فيه اولان الناس يقيمون فيه الصيف والشتاء { يدخلونها } اى جنات يقيمون فيها ولا يخرجون منها بعد الدخول
وقيل هو وسط الجنان وافضلها واعلاها وهو مقام التجلى الالهى والانكشاف الالهى خلقه الله بيده من غير واسطة
يقول الفقير الوجه الثانى اوجه عندى لان الاقامة فى الجنة من شأن كل مؤمن كاملا كات او ناقصا واما الاقامة فى جنة عدن فانما هى من شأن المؤمن الكامل وليس الكمال الا باتيان هذه الخصال الثمان وليس كل احد يكفل بمؤونتها ويتصف بها الامن هداه الله من الخواص { ومن صلح من آبائهم } عطف على المرفوع فى يدخلونها وانما ساغ للفصل بالضمير
قال فى بحر العلوم وآبائهم جمع ابوى كل واحد منهم كأنه قيل من آبائهم وامهاتهمك والمعنى انه يلحق بهم الصلحاء من ابويهم { وازواجهم } جمع زوج . بالفارسية [ زن ] ويقال للمرأة الزوج والزوجة والزوج افصح { وذرياتهم } اولادهم وان لم يبلغوا مبلغ فضلهم تبعا لهم وتعظيما لشأنهم وتكميلا لفرحهم . ويقال من اعظم سرورهم ان يجتمعوا فيتذاكروا احوالهم فى الدنيا ثم يشكروا الله على الخلاص منها والفوز بالجنة وهو دليل على ان الدرجة تعلو بالشفاعة فانه اذا جاز ان تعلو بمجرد التبعية للكاملين فى الايمان تعظيما لشأنهم فلان تعلو بشفاعتهم اولى والتقييد بالصلاح دليل على ان النسب المجرد لا ينفع قيل
أتفخر باتصالك من علىّ ... واصل البولة الماء القراح
وليس بنافع نسب زكى ... يدنسه صنائعك القباح
اصل را اعتبار جندان نيست ... روى تركل زخار خندان نيست
مى زغوره شود شكرازنى ... عسل از نحل حاصلست بقى
{ والملائكة يدخلون عليهم من كل باب } من ابواب المنازل فانه يكون لمقامهم ومنازلهم ابواب فيدخلون عليهم من كل باب ملك(6/257)
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)
{ سلام عليكم } فى موقع الحال لان المعنى قائلين سلام عليكم يعنى سلمكم الله من العذاب سلامة وما تخافون منه وفى الحديث « ان للعبد من اهل الجنة لسبعين الف قهرمان اذ الملائكة يحبونه ويسلمون عليه ويخبرونه بما اعد الله تعالى »
قال مقاتل يدخلون عليم فى مقدار يوم وليلة من ايام الدنيا ثلاث كرات معهم الهدايا والتحف من الله يقولون سلام عليكم بشارة لهم بدوام السلامة { بما صبرتم } اى هذه الكرامة العظمى بسبب صبركم فى الدنيا على الفقر وملازمة الطاعة تلخيصه تعبتم ثمة فاسترحتم هنا [ در اخبار آمده كه حضرت رسالت عليه السلام بلال را كفت جنان فقير كن كه بخداى رسى نه غنى ]
كانجا فقرا از همه مقبولترند ... وعن انس رضى الله عنه قال بعث الفقراء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا فقال يا رسول الله انى رسول الفقراء اليك فقال « مرحبا بك جئت من عند قوم احب الى » فقال يا رسول الله ان الفقراء يقولون لك ان الاغنياء قد ذهبوا بالخير كله هم يحجون ولا نقدر عليه ويتصدقون ولا نقدر عليه ويعتقون ولا نقدر عليه واذا مرضوا بعثوا بفضل اموالهم ذخرا لهم فقال عليه السلام « بلغ الفقراء عنى ان لمن صبر واحتسب منهم ثلاث خصال ليس للاغنياء منها شئ . اما الخصلة الاولى فان فى الجنة غرقا من ياقون احمر ينظر اليها اهل الجنة كما ينظر اهل الدنيا الى النجوم لا يدخلها الا نبى فقير او شهيد او مؤمن فقير . والخصلة الثانية يدخل الفقراء الجنة قبل الاغنياء بنصف وهو مقدار خمسمائة عام . والخصلة الثالثة اذا قال الفقير سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر مخلصا وقال الغنى مثل ذلك لم يلحق الغنى بالفقير فى فضله وتضاعف الثواب وان انفق الغنى معها عشرة آلاف درهم وكذلك اعمال البر كلها » فرجع الرسول اليهم واخبرهم بذلك فقالوا رذينا يا رب { فنعم عقبى الدار } المخصوص بالمدح محذوف اى فنعم عقبى الدار جنات عدن واللام فى الدار للجنس لا غير كما فى بحر العلوم وقد وعدهم الله بثلاثة امور الاول الجنة والثانى ان يضم اليهم من آمن من اهلهم ولم يعلموا مثل عملهم والثالث دخول الملائكة عليهم من كل باب مبشرين لهم بدوام السلامة
وعن الشيخ عبد الواحد بن زيد رحمه الله قال كنت فى مركب فطرحتنا الريح الى جزيرة واذا فيها رجل يعبد صنما فقلنا له يا رجل من تعبد فاومأ الى الضم فقلنا له ان الهك هذا مصنوع عندنا من يصنع مثله ما هذا باله يعبد قال فانتم من تعبدون قلنا نعبد الذى فى السماء عرشه وفى الارض بطشه وفى الاحياء والاموات قضاؤه قال ومن اعلمكم بهذا قلنا وجه الينا رسولا كريما فاخبرنا بذلك قال فما فعل الرسول فيكم قلنا لما ادى الرسالة قبضه الله اليه وترك عندنا كتابا فاتيناه بالمصحف وقرأنا عليه سورة فلم يزل يبكى حتى ختمنا السورة فقال ينبغى لصاحب هذا الكلام ان لا يعصى ثم اسم وعلمناه شرائع الدين وسورا من القرآن فلما كان الليل صلينا العشاء واخذنا مضاجعنا فقال يا قوم هذا الاله الذى دللتمونى عليه ينام اذا جن الليل قلنا لا قال فبئس العبيد انتم تنامون ومولاكم لا ينام فاعجبنا كلامه فلما قدمنا عبادان قلت لاصحابى هذا قريب عهد بالاسلام فجمعنا له دراهم واعطيناه فقال ما هذا قلنا دراهم تنفقها فقال لا اله الا الله دللتمونى على طريق لم تسلكوها انا كنت فى جزائر البحر اعبد صنما من دونه فلم يضيعنى وانا لا اعرفه فكيف يضيعنى الآن وانا اعرفه فلما كان بعد ثلاثة ايام قيل لى انه فى الموت فاتيته فقلت له هل من حاجة قال قضى حوائجى من جاء بكم الى الجزيرة قال عبد الواحد فغلبتنى عيناى فنمت عنده فرأيت روضة خضراء فيها قبة وفى القبة سرير وعلى السرير جارية حسناء لم ير احسن منها وهى تقول بالله ألا ما عجلتم به الى فقد اشتد شوقى اليه فاستيقظت فاذا به قد فارق الدنيا فغسلته وكفنته وواريته فلما كان الليل رأيت فى منامى تلك الروضة وفيها تلك القبة وفى القبة ذلك السرير وعلى السرير تلك الجارية وهو الى جانبها وهو يقرأ هذه الآية(6/258)
{ والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } واعلم ان استماع سلام الملائكة ورؤيتهم فى الدنيا مخصوص بخواص اللبشر للطاقة جوهرهم كما قال الامام الغزالى رحمه الله فى المنقذ من الضلال ان الصوفية يشاهدون الملائكة فى يقظتهم اى لحصول طهارة نفوسهم وتزكية قلوبهم وقطعهم العلائق وحسمهم مواد اسباب الدنيا من الجاه والمال واقبالهم على الله بالكلية علما دائما وعملا مستمرا واما غيرهم فلا يراهم الا فى عالم المثال او فى النشأة الآخرة كما لا يخفى(6/259)
وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)
{ والذين } هم الكفار { ينقضون عهد الله } المأخوذ عليهم بالطاعة والايمان { من بعد ميثاقه } اى من بعد توكيد ذلك العهد بالاقرار والقبول وهو العهد الذى جرى بينهم اذا اخرجهم من ظهر آدم وعاهدهم على التوحيد والعبودية كقوله { ألم أعهد اليكم يا بنى آدم ان لا تعبدوا الشيطان } الآية فالعهد عهدان عهد على المحبة وهو للخواص وعهد على العبودية وهو للعوام فاهل عهد المحبة ما نقضوا عهودهم ابدا وهل عهد العبودية من كان عهدهم مؤكدا بعهد المحبة ما نقضوه ومن لم يكن عهدهم مؤكدا نقضوه وعبدوا غيره واشركوا به الاشياء واحبوها للهوى
واعلم ان هذا العهد يتذكره اهل اليقظة الكاملة المنسلخون عن كل لباس وغاشية كما قال ذو النون المصرى وقد سئل عن سر ميثاق ألست بربكم هل تذكره فقال نعم كأنه فى اذنى وكما قال بعضم مستقربا اى عادا لعهد ألست قريبا كأنه بالامس كان ولذا ما نسوه واما غيرهم وهم اهل الحجاب فاستعبدوه ولم يذكروا منه شيئا { ويقطعون ما امر الله به ان يوصل } سبق اعرابه اي يقطعون الارحام وموالاة المؤمنين وما بين الانبياء من الوصلة والاتحاد والاجتماع على الحق حيث آمنوا ببعضهم وكفروا ببعضهم { ويفسدون فى الارض } بالدعاء الى عبادة غير الله تعالى وبالظلم وتهييج الحروب والفتن وفى الحديث « الفتنة نائمة لعن الله من ايقظها » وهى ايقاع الناس فى الاضطراب والاختلال والاختلاف والمحنة والبلية بلا فائدة دينية وذلك حرام لنه فساد فى الارض واضرار المسلمين وزيغ والحاد فى الدين : قال السعدى قدس سره
زان همنشين تاتوانى كريز ... كه مرفتنه خفته را كفت خيز
فمن الفتنة ان يعزى الناس على البغى والخروج على السلطان وذلك لا يجوز وان كان ظالما لكونه فتنة وفسادا فى الارض وكذا معاونة المظلومين اذا ارادوا الخروج عليه وكذا المعاونة له لكونه اعانة على الظلم وذلك لا يجوز . ومنها ان يقول لناس ما لا تصل عقولهم اليه وفى الحديث « امرنا ان نكلم الناس على قدر عقولهم » ومنها ان يذكر للناس ما لا يعرفه بكهنه ولا يقدر على استخراجه فيوقعهم فى الاختلاف والاختلال والفتنة والبلية كما هو شأن بعض الوعاظ فى زماننا . ومنها ان يحكم ويفتى بقول مهجور او ضعيف او قوى يعلم ان الناس لا يعلمون به بل ينكرونه او يتركون بسببه طاعة اخرى كمن يقول لاهل القرى والبوادى والعجائز والعبيد والاماء لا تجوز الصلاة بدون التجويد وهم لا يقدرون على التجويد فيتركون الصلاة رأسا وهى جائزة عند البعض وان كان ضعيفا فالعمل به واجب وكمن يقول للناس لا يجوز البيع والشراء والاستقراض بالدراهم والدنانير الا بالوزن لان رسول الله صلى الله عليه وسلم نص عليها بالوزن فهو وزنى ابدا وان ترك الناس فيه الوزن فها القول قوى فى نفسه وهو قول الامام ابى حنيفة ومحمد مطلقا وقول ابى يوسف فى غير ظاهر الرواية وهى خروجها عن الوزنية بتعامل الناس الى العددية فهذه الرواية وان كانت ضعيفة فالقول بها واجب ولازم فرارا من الفتنة فيجب على القضاة والمفتين والوعاظ معرفة احوال الناس وعاداتهم فى القبول والرد والسعى والكسل ونحوها فيكلمونهم بالاصلح والاوفق لهم حتى لا يكون كلامهم فتنة للناس وكذا الامر بالمعروف والنهى عن المنكر فانه يجب على الآمر والناهى معرفة احوال الناس وعاداتهم وطبائعهم ومذاهبهم لئلا يكون فتنة للناس وتهييجا للشر وسببا لزيادة المنكر واشاعة المكروه { اولئك لهم اللعنة } فى الآخرة والجملة خير والذين ينقضون .(6/260)
واللعنة الابعاد من الرحمة والطرد من باب القرب { ولهم سوء الدار } اى سوء عاقبة الدنيا وهى جهنم فاللعنة وسوء العاقبة لاصقان بهم لا يعدو انهم الى غيرهم وفيه تنفير للمسلمين عن هذه الخصال الثلاث وان لا ترفع همتهم حول ذلك الحمى وفى الحديث « ما نقض قوم العهد الا كان القتل بينهم ولا ظهرت الفاحشة الا سلط الله عليهم الموت ولا منع قوم الزكاة الا حبس عنهم القطر » وفى الحديث « من اخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين لا يقبل منه يوم القيامة عدلا ولا صرفا » اي فريضة ونافلة كما فى الاسرار المحمدية
وفا وعهد نكو باشد ار بياموزى ... وكرنه همر كه توبينى ستمكرى داند
واعلم ان اللعنة لعنتان طرد عن الجنة وهو للكافرين وطرد عن ساحة القربة والوصلة وهو للمؤمنين الناقصين فمن قصر فى العبودية وسعى فى افساد الارض الاستعداد وقع فى دار القطيعة والهجران وان كان صورة فى الجنان ورب كامل فى الصورة ناقص فى المعنى وبالعكس : قال المولى الجامى
جه غم زمنقصت صورت أهل معنى را ... جوجان زروم بود كوتن از حبش مى باشى
ألا ترى ان ابراهيم عليه السلام اذا لقى فى النار كانت بردا وسلاما فلم يضره كونه فى صورة النار والنمرود كان فى صورة النعمة فلم ينفعه ذلك بل وجد فى النعمة نقمة نسأل الله تعالى ان يجعلنا من اهل الجنة والقربة والوصلة(6/261)
اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26)
{ الله } وحده { يبسط الرزق } يوسعه فى الدنيا { لمن يشاء } بسطه وتوسيعه { ويقدر } قال فى تهذيب المصادر . القدر [ تنك كردن ] وهو من باب ضرب اى يضيق الرزق لمن يشاء ويعطيه بقدر كفايته لا يفضل عنه شئ كأنه قيل لو كان من نقض عهد الله ملعونين فى الدنيا ومعذبين فى الآخرة لما فتح الله عليهم ابواب النعم واللذات فى الدنيا فقيل ان فتح باب الرزق فى الدنيا لا تعلق له بالكفر والايمان بل هو متعلق بمجرد مشيئة الله فقد يضيق على المؤمن امتحانا لصبره وتكفيرا لذنوبه ورفعا لدرجاته ومن هذا القبيل موقع لا كثر الاصحاب رضى الله عنهم من المضايقة ويوسع على الكافرين استدراجا ومنه ما وقع لا كثر كفار قريش من الوسعة ثم ان الله تعالى جعل الغنى لبعضهم صلاحا وجعل الفقر لبعضهم صلاحا وقد جعل فى غنى بعضهم فسادا كالفقر وفى الكل حكمة ومصلحة : قال الحافظ
ازين رباط دو درجون ضرور تست رحيل ... رواق طاق معيشت جه سربلندوجه بست
بهست ونيست مرنجان ضمير وخوش دل باش ... كه نيستيست سر انجام هر كمال كه هست
ببال وبرمرو ازره كه تير بر تابى ... هوا كرفت زمانى ولى بخاك نشست
{ وفرحوا } يعنى مشركى مكة . والفرح لذة فى القلب لنيل المشتهى { بالحيوة الدنيا } بما بسط لهم من الدنيا فرح بطر وأشر لافرح شكر وسرور بفضل الله وانعامه عليهم
وفيه دليل على ان الفرح بالدنيا حرام
افتخار ازرنك وبو و از مكان ... هت شادى وفريب كودكان
قال فى شرح الحكم عند قوله تعالى { قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا } انما لم يؤمر العبد برفض الفرح جملة لان ذلك من ضرورات البشر التى لا يمكن ورفعها بل ينبغى صرفها للوجه اللائق بها وكذا جميع الاخلاق كالطمع والبخل والحرص والشهوة والغضب لا يمكن تبدلها بل يصح ان تصرف الى وجه لائق بها حتى لا تتصرف الا فيه { وما الحيوة الدنيا فى الاخرة } ليست ظرفا للحياة ولا الدنيا لانهما لا يقعان فيه بل خى حال والتقدير وما الحياة القريبة كائنة فى جنب حياة الاخرة اى بالقياس اليها ففى المقايسة وهى الداخلة بين مفضول سابق وفاضل لاحق { الا متاع } الا شيء قليل يتمتع به كزاد الراعى وعجالة الراكب وهى ما يتعجل به من تميرات او شربة اونحو ذلك
قال الصاحب بن عباد سمعت امرأة فى بعض القبائل تسأل اين المتاع ويجيب ابنها الصغير بقوله جاء الرقيم اى الكلب وأخذ المتاع وهو ما يبل بالماء فيمسح به القصاع وفيه تقبيح لحال الدنيا
قال الكاشفى [ بامتاعى از امتعه كه وفايى وبقايى ندارد جون ادوات خانه ] مثل القصعة والقدح ينتفع بها ثم تذهب والعاقل لا يفرح بما يفارقه عن قريب ويورثه حزنا طويلا وان حدثته نفسه بالفرح به يكذبها(6/262)
ومن سره ان لا يرى ما يسوءه ... فلا يتخذ شيأ يخاف له فقدا
-حكى- انه حمل الى بعض الملوك قدح من فيروزج مرصع بالجوهر لم ير له نظير وفرح به الملك فرحا شديدا فقال لمن عنده من الحكماء كيف ترى هذا قال أراه فقرا حاضرا ومصيبة عاجلة قال وكيف ذلك قال انكسر كان مصيبة لا جبر لها وان سرق صرت فقيرا اليه وقد كنت قبل ان يحمل اليك فى امن من المصيبة والفقر فاتفق انه انكسر القدح يوما فعظمت المصيبة على الملك ةقال صدق الحكيم ليته لم يحمل الينا
قال فى الحكم العطائية ان اردت ان لا تعزل فلا تتول ولاية لا تدوم لك وكل ولايات الدنيا كذلك وان لم تعزل عنها بالحياة عزلت عنها بالممات قال وقد جعل الله الدنيا محلا للاغيار ومعدنا لوجود الاكدار تزهيدا لك فيها حتى لا يمكنك استناد اليها ولا تعريج عليها
وقد قيل ان الله تعالى اوحى الى الدنيا ( تضيقى وتشددى على اوليائى حتى لا يشتغلوا بك عنى فلا يتفرغوا لذكرى )
وفى التأويلات النجمية { الله يسبط الرزق } الكشوف والشهود { لمن يشاء } من عباده المحبين المحبوبين ويضيق لمن فتح عليهم ابواب الدنيا وشهواتها فارغقهم فيها { وفرحوا } بها { بالحيوة الدنيا } اى باستيفاء لذاتها وشهواتها { وما الحيوة الدنيا } بالنسبة الى من عبر عنها ولم يلتفت اليها فيجد فى آخرتها ما يجد الا تمتع ايام قلائل بادنى شيء خسيس فان : قال الكمال الخجندى
جهان وجمله لذاتش بزنبور وعسل ماند ... كه شير بسيارست وزان افزون شر وشورش
وقال المولى الجامى
مرد جاهل جاه كيتى را لقلب دولت نهد ... همجنا نكه آماس بيند طفل كويد فربه است(6/263)
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27)
{ ويقول الذين كفروا } ثبتوا واستمروا على كفرهم وعنادهم وهم كفار مكة { لولا } هلا وبالفارسية [ جرا ] { انزل عليه } على محمد { آية } عظيمة كائنة { من ربه } [ بران وجهى كه ميخواهيم ] مثل آيات موسى وعيسى عليهما السلام من العصا واحياء الموتى ونحوهما لكون دليلا وعلامة على صدقه { قل ان الله يضل من يشاء } اضلاله باقتراح الآيات تعنتا بعد تبين الحق وظهور المعجزات فلا تغنى عنه كثرة المعجزات شيأ اذا لم يهده الله { ويهدى اليه من اناب } من اقبل الى الحق ورجع عن العناد فضمير اليه راجع الى الحق
قال فى القاموس ناب الى الله تاب كاناب والاضلال خق الضلالة فى العبد والهداية خلق الاهتداء والدلالة على طريق يوصل الى المطلوب مطلقا وقد يسند كل منهما الى الغير مجازا بطريق السبب والقرآن ناطق بكلا المعنيين فيسند الاضلال الى الشيطان فى مرتبة الشريعة والى النفس فى مرتبة الطريقة والى الله فى مرتبة الحقيقة(6/264)
الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)
{ الذين آمنوا } بدل ممن اناب او خبر مبتدأ محذوف اى هم الذين آمنوا { وتطمئن قلوبهم } [ وآرام مى يابددلهاى ايشان ] { بذكر الله } اذا سمعوا ذكره الله احبوه واستأنسوا به ودل فى الذكر القرآن فالمؤمنون يستأنسون بالقرآن وذكر الله الذى هو الاسم الاعظم ويحبون استماعها والكفار يفرحون بالدنيا ويستبشرون بذكر غير الله كما قال تعالى { واذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة واذا ذكر الذين من دونه اذا هم يستبشرون } { ألا } [ بدانيدكه ] { بذكر الله تطمئن القلوب } قلوب المؤمنين ويستقر اليقين فيها فقلوب العوام تطمئن بالتسبيح والثناء وقلوب الخواص بحقائق الاسماء الحسنى وقلوب الاخص بمشاهدة الله تعالى
وفى التأويلات النجمية { ويقول الذين كفروا } اى ستروا الحق بالباطل { لولا انزل عليه } على من يدعو الخلق الى الحق { آية من ربه } ظاهرة من المعجزات والكرامات كما نزل على بعضهم ليستدلوا بها على صدق دعواهم { قل ان الله يضل من يشاء } ان يضله فى الازل بعين الآية ليراها سحرا ويحسبها باطلا ويرشد الى حضرة جلالة من يرجع اليه طالبا مشتاقا الى جماله
وفيه اشارة الى ان الطالب الصادق فى الطلب هو من اهل الهداية فى الهداية وليس ممن يشاء الله ضلالته فى الازل وهم الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله لا بذكر غيره يعنى اهل الهداية هم الذين آمنوا
واعلم ان القلوب اربعة . قلب قاس وهو قلب الكفار والمنافقين فاطمئنانه بالدنيا وشهواتها كقوله تعالى { رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها } وقلب ناس وهو قلب المسلم المذنب كقوله تعالى { فنسى ولم نجد له عزما } فاطمئنانه بذكر الله كقوله تعالى { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله } وقلب وحدانى وهو قلب الانبياء وخواص الاولياء فاطمئنانه بالله وصفاته كقوله تعالى لخليله عليه السلام فى جواب قوله { كيف تحيى الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى } باراءتك اياى كيفية احياء الموتى اذا تتجلى لقلبى بصفة محييك فاكون بك محيى الموتى ولهذا اذا تجلى الله لقلب العبد يطمئن به فينعكس نور الاطمئنان من مرىة قلبه الى نفسه فتصير النفس مطمئنة به ايضا فتستحق لجذبات العناية وهى خطاب ارجعى الى ربك فافهم جدا انتهى
قال فى نفائس المجالس الذكر صيقل القلوب وسبب سرور المحبوب فمن ذكر الله فالله يذكره كما قال تعالى { فاذكرونى اذكركم } فالمحجوبون تطمئن قلوبهم بذكرهم له تعالى واما الواصلون فاطمئنان قلوبهم بذكره تعالى -روى- ان النبى عليه السلام بعث بعثا قيل نجد فغنموا ورجعوا فقال ما رأينا رعثا افضل غنيمة واسرع رجعة من هذا البعث فقال عليه السلام « الا ادلكم على قوم افضل غنيمة واسرع رجعة قوم شهدوا صلاة الصبح ثم جلسوا يذكرون الله حتى طلعت الشمس » قال ابوسعيد خرج رسول الله يوما على حلقة من اصحابه فقال(6/265)