وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)
{ ولقد جئناهم بكتاب فصلناه } اى بيناه معانيه من العقائد والاحكام والمواعظ مفصلة والضمير للكفرة قاطبة والمراد بالكتاب الجنس او للمعاصرين منهم والكتاب هو القرآن { على علم } حال من فاعل فصلناه اى عالمين بوجه تفصيله حتى جاء حكيما او من مفعوله اى مشتملا على حكم كثيرة { هدى ورحمة } حال من هاء فصلناه اى حال كون ذلك الكتاب هاديا وذا رحمة(4/162)
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53)
فعلى العاقل ان يتدارك حاله ولا يطول آماله
قال الامام الغزالى قدس سره من زرع واجتهد وجمع بيدرا ثم يقول ارجو ان يحصل لى منه مائة قفيز فذلك منه رجاء والآخر لا يزرع زرعا ولا يعمل يوما فذهب ونام واغفل سنته فاذا جاء وقت البيادر يقول ارجو ان يحصل لى مائة قفيز فهو امنية بلا اصل فكذلك العبد اذا اجتهد فى عبادة الله تعالى والانتهاء عن معصية الله يقول ارجو ان يتقبل الله هذا اليسير ويتم هذا التقسير ويعظم الثواب ويعفو عن الزلل فهذا منه رجاء . واما اذا اغفل ذلك وترك الطاعات فارتكب المعاصى ولم يبال سخط الله ولا رضاه ووعده ووعيده ثم اخذ يقول انا ارجو من الجنة والنجاة من النار فذلك منه امنية لا حاصل تحتها ويبين هذا قوله عليه السلام « الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والفاجر من يتبع نفسه هواها ويتمنى على الله عز وجل » قال بعضهم ان الغموم ثلاثة . غم الطاعة ان لا تقبل . وغم المعصية ان لا تغفر . وغم المعرفة ان لا تسلب
قال يوسف بن اسباط دخلت على سفيان فبكى ليله اجمع فقلت بكاؤك هذا على الذنوب فحمل تبنا وقال الذنوب اهون على الله تعالى من هذا انما اخشى ان يسلبنى الله الاسلام فكل الرسل والابدال والاولياء مع كل هذا الاجتهاد فى الطاعة والحذر عن المعصية فأى شئ تقول اما كان لهم حسن الظن بالله قال بلى فانهم كانوا اعلم بسعة رحمة الله واحسن ظن بجوده منك ولكن علموا ان ذلك دون الاجتهاد امنية وغرور جعلنا الله واياكم من العالمين بكتابه والواصلين الى جنابه دون من نسى الله واتبع هواه آمين آمين الف آمين(4/163)
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)
{ ان ربكم } الخطاب لكفار مكة المتخذين اربابا . والمعنى [ بدرستى كه برورد كارشما ] على التحقيق { الله } [ خداييست ] جامع جميع صفات كمال { الذى خلق السموات والارض } لا على مثال سبق { فى ستة ايام } اى فى ستة اوقات ولو شاء لخلقها فى اسرع من لحظة ولكنه علم عباده التأنى فى الامور : وفى المثنوى
مكر شيطانست تعجيل وشتاب ... خوى رحمانست صبر واحتساب
باتأبى كشت موجود از خدا ... تابشش روز اين زمين وجرخها
ورنه قادر بود كزكن فيكون ... صد زمين وجرخ آوردى برون
اين تأنى از بى تعليم تست ... صبركن دركار دير آى ودرست
قالوا لا يحسن التعجيل الا فى التوبة من الذنوب وقضاء الدين بعد انقضاء مدته وقرى الضيف وتزويج البكر بعد بلوغها ودفن الميت والغسل من الجنابة
واعلم ان الله تعالى بالقادرية والخالقية اوجد السموات والارض وبالمدبرية والحكيمية خلقها فى ستة ايام وانما حصر فى الستة انواع المخلوقات الستة . وهى الارواح المجردة . والثانى الملكوتيات فمنها الملائكة والجن والشياطين وملكوت السموات ومنها العقول المفردة والمركبة . والثالث النفوس كنفوس الكواكب ونفس الانسان ونفس الحيوان ونفس النبات والمعادن . والرابع الاجرام وهى البسائط العلوية من اجسام اللطيفة كالعرش والكرسى والسموات والجنة والنار . والخامس الاجسام المفردة وهى العناصر الاربعة . والسادس الاجسام المركبة الكثيفة من العناصر فعبر عن خلق كل منها بيوم والا فالايام الزمانية لم تكن قبل خلق السموات والارض { ثم استوى على العرش } العرش يطلق على السرير الذى يجلس عليه الملوك وعلى كل ما علاك واظل عليك وهو بهذين المعنيين مستحيل فى حقه تعالى فجعل الاستواء على العرش كناية عن نفس الملك والعز والسلطنة على طريق ذكر اللازم وارادة الملزوم فالمعنى بعد ان خلق الله عالم الملك فى ستة ايام كما اراد استوى على الملك وتصرف فيه كيف شاء فحرك الافلاك وسير الكواكب وكور الليالى والايام ودبر امر مصنوعاته على ما تقتضيه حكمته . وهذا معنى قول القاضى استوى امره اى استقر امر ربوبيته وجرى امره وتدبيره ونفذ قدرته فى مصنوعاته وتخصيص العرش لانه اعظم المخلوقات فانه الجسم المحيط بجميع الاجسام فالاستواء عليه استواء على ما عداه ايضا من الجنة والنار والسموات والعناصر وغيرها
وفى التفسير الفارسى { ثم استوى } [ بس قصد كرد على العرش بآفرينش عرش ]
قال الحدادى ويقال ثم هنا بمعنى الواو على طريق الجمع والعطف دون التراخى فان خلق العرش كان قبل خلق السموات والارض وقد رود فى الخبر « ان اول شئ خلق الله القلم ثم اللوح فامر الله القلم ان يكتب ما هو كائن الى يوم القيامة ثم خلق العرش ثم خلق حملة العرش ثم خلق السموات والارض »(4/164)
قال شيخى العلامة ابقاه الله بالسلامة المراد بهذا الاستواء ما استواؤه سبحانه لكن لا باعتبار نفسه وذاته تعالى علوا كبيرا عما يقول الظالمون بل باعتبار امره الايجادى وتجليه التجلى الاحدى المعبر عنه فى القرآن بالحق واستواء الامر الارادى الايجادى على العرش بمنزلة استواء الامر التكليفى الارشادى على الشرع فكما ان كل واحد من الامرين قلب الآخر وعكسه المستوى السوى فكذلك كل واحد من العرش والشرع قلب الآخر وعكسه السوى المستوى انتهى باختصار
قال فى التأويلات النجمية لما اتم خلق المكونات من الانواع الستة استوى على العرش بعد الفراغ من خلقها استواء التصرف فى العالم وما فيه التدبر فى اموره من العرش الى تحت الثرى وانما خص العرش بالاستواء لانه مبدأ الاجسام اللطيفة القابلة للفيض الرحمانى وهذا الاستواء صفة من صفات الله تعالى لا يشبه استواء المخلوقين كالعلم صفة من صفاته لا يشبه علم المخلوقين اذ ليس كمثله شئ وهو السميع العليم ولو امعنت النظر فى خصوصية خلافتك الحق تعالى لعرفت نفسك فعرفت ربك وذلك ان الله تعالى لما اراد خلق شخصك من النطفة المودعة فى الرحم استعمل روحك بخلافته ليتصرف فى النطفة ايام الحمل فيجعلها عالما صغيرا مناسبا للعالم الكبير فيكون بدنه بمثابة الارض ورأسه بمثابة السماء وقلبه بمثابة العرش وسره بمثابة الكرسى وهذا كله بتدبير الروح وتصرفه خلافة عن ربه ثم استوى الروح بعد فراغه من الشخص الكالم على عرش القلب استواء مكانيا بل استوى ليتصرف فى جميع اجزاء الشخص ويدبر اموره بافاضة فيضه على القلب فان القلب هو القابل لفيض الحق تعالى الى المخلوقات كلها كما ان القلب مغتنم فيض الروح الى القالب كله فاذا تأملت فى هذا المثال تأملا شافيا وجدته فى نفى الشبيه عن الصفات المنزهة المقدسة كافيا وتحققت حقيقة من عرف نفسه فقد عرف ربه ان شاء الله تعالى
ثم انه تعالى لما ذكر استواءه على العرش واخبر بما اخبر من نفاذ امره واطراد تدبيره بين ذلك بطريق الاستئناف فقال { يغشى الليل النهار } اى يجعل الليل غاشيا يغشى النهار بظلمته فيذهب بنور النهار ويغطيه بظلمة الليل ولم يذكر العكس اكتفاء باحد الضدين
وفيه اشارة الى ليل ظلمات النفس عند استيلا صفاتها وغلبات هواها على نهار انوار القلب والى نهار القلب غلبات انواره واستيلاء المحبة عليه { يطلبه حثيثا } حال من الليل اى يجعل الليل غاشيا للنهار حال كون الليل طالبا له اى لمجيئه عقيب الليل سريعا . وحثيثا منصوب على انه صفة مصدر محذوف اى يطلبه طلبا حثيثا اى سريعا ولما كان كل واحد من الليل والنهار يعقب الآخر ويجئ بعده من غير ان يفصل بينهما بشئ صار كأنه يطلب الآخر على منهاج واحد { والشمس والقمر والنجوم مسخرات بامره } عطف على السموات اى خلق كل هذه المخلوقات حال كونها مستخرات بقضائه وتصرفه اى مذللت لما يراد منها من الطلوع والافول والحركات المقدرة والاحوال الطارئة عليها { ألا } تنبيه معناه اعلموا { له } اى لله تعالى والتقديم للتخصيص { الخلق والامر } فانه الموجد للكل والمتصرف فيه على الاطلاق
وفى التأويلات النجمية ما خلق بامره تعالى من غير واسطة امر وما خلق بواسطة خلق
وذكر الامام ان العالم وهو ما سوى الله تعالى منحصر فى نوعين عالم الخلق وعالم الامر وان المراد بعالم الخلق عالم الاجساد والجسمانيات وبعالم الامر عالم الارواح والمجردات وان قوله تعالى { ألا له الخلق والامر } اشارة الى هذين العالمين عبر عن العالم الاول بعالم الخلق لان الخلق عبارة عن التقدير وكل ما كان جسما او جسمانيا كان مخصوصا بمقدار معين فعبر عنه بعالم الخلق وكل ما كان مجردا عن الحجم والمقدار كان من عالم الارواح ومن عالم الامر مكونات بمجرد امركن فخص كل واحد منهما باسم مناسب له وقيل ألا له الخلق والامر انتهى كلام الامام
وقال حضرة شيخنا العلامة ابقاه الله بالسلامة الخلق عالم العين والكون والحدوث روحا وجسما والامر عالم العلم والالة والوجوب وعالم الخلق تابع لعالم الامر اذ هو اصله ومبدأه(4/165)
{ قل الروح من أمر ربى } والله غالب على امره { تبارك الله رب العالمين } اى تعالى بالوحدانية فى الالوهية وتعظم بالتفرد فى الربوبية
قال ابن الشيخ اى تعاظم الاله الواحد الموجد للكل المتصرف فيه بالربوبية رد به على الكفرة الذين كانوا يتخذون اربابا فدعاهم الى التوحيد بالحكمة والحجة وصدر الآية بان ردا لانكارهم فقال ان ربكم المستحق للربوبية ليس الا واحدا وهو الله الموجد للكل على الترتيب المحكم المتقن الدال على كمال العلم والحكمة والقدرة وهو الذى انشأ ملكه على ما يشاهد ثم اخذ فى تدبيره كالملك المتمكن فى مملكته بتدبير ملكه انتهى يروى ان الصاحب ابن عباد كان يتردد فى معنى الرقيم وتبارك والمتاع ويدور على قبائل العرب فسمع امرأة تسأل اين المتاع ويجيب ابنها الصغير بقوله جاء الرقيم هو ما يبل بالماء فيمسح به القصاع وان تبارك بمعنى صعد وتعالى وفى الحديث « من لم يحمد الله على عمل صالح وحمد نفسه فقد كفر وحبط عمله ومن زعم ان الله خلق للعباد من الامر سببا فقد كفر بما انزل الله على انبيائه » لقوله تعالى { ألا له الخلق والامر } قال الشاعر
الى الله كل الامر فى خلقه معا ... وليس الى المخلوق شئ من الامر(4/166)
ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)
{ ادعوا ربكم } بمعنى المربى من التربية وهى تبليغ الشئ الى كماله شيأ فشيأ وهو تعالى مربى الظواهر بالنعمة وهى النفوس ومربى البواطن بالرحمة وهى القلوب ومربى نفوس العابدين باحكام الشريعة ومربى قلوب المشتاقين بآداب الطريقة ومربى اسرار المحبين بانوار الحقيقة وهو اى الرب اسم الله الاعظم ولذلك كل اسم قلبته بطل معناه الا الرب فان مقلوبه البر وهو من اسمائه تعالى واليه يشير ما روى عن الخضر عليه السلام انه قال الاسم الاعظم ما دعا به كل نبى وولى وعدو اشار الى انه مقدمة دعوات الانبياء نحو { ربنا ظلمنا انفسنا } الآية ونحوه والصحابة نحو { ربنا ما خلقت هذا باطلا } الآيات والاعداد نحو { رب فأنظرنى } { ربنا ابصرنا وسمعنا فارجعنا } { تضرعا وخفية } التضرع [ زارى كردن ] كذا فى تاج المصادر يقال ضرع الرجل يضرع ضراعة من باب فتح اى خضع وذل هما حالان من فاعل ادعوا اى متضرعين متذللين مخفين الدعاء ليكون اقرب الى الاجابة لكون الاخفاء دليل الاخلاص والاحتراز عن الرياء روى عن الصحابة رضى الله عنهم انهم كانوا فى غزوة فاشرفوا على واد فجعلوا يكبرون ويهللون رافعى اصواتهم فقال عليه السلام لهم « اربعوا على انفسكم فانكم لا تدعون اصم ولا غائبا انكم تدعون سميعا بصيرا قريبا وانه لمعكم » اى بالعلم والاحاطة وفى الحديث استحباب الاخفاء فى ذكر الله لكن ذكر شارح الكشاف ان هذا بحسب المقام والشيخ المرشد قد يأمر المبتدى برفع الصوت لينقلع عن قلبه الخواطر الراسخة فيه كذا فى شرح المشارق لابن الملك
قال حسين الكاشفى فى الرسالة العلية [ اى درويش قومى كه كمين كاه نفس را ديدندودا نستند ذكر بجهر كفتن مناسب نديدند كه بريا انجامد ومخفى بذكر مشغول شدند وقول حق تعالى راكه ] { واذكر ربك فى نفسك تضرعا وخيفة } [ كاربستند وجمعى كه بمرتبة اخلاص رسيدند وباطن خودرا از ريا باك يافتند ذكر را بجهر كفتند وهريكى ار ازين وطائفه بر عمل خود دلائل است ] : وفى المثنوى
كفت ادعوا الله بى زارى مباش ... تابيايد فيضهاى دوست فاش
تا سقاهم ربهم آيد خطاب ... تشنه باش الله اعلم بالصواب
وعن عمر رضى عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا رفع يديه فى الدعاء لا يردهما حتى يمسح بهما وجهه وذلك ليصل شئ من البركة الفائضة على اليد الى الوجه كما قال تعالى { سيماهم فى وجوههم من اثر السجود } وذلك المسح فى الحقيقة رجوع الى الحقيقة الجامعة فان الوجه هو الذات كما قال فى الاسرار المحمدية ان الانسان حال دعائه متوجه الى الله تعالى بظاهره وباطنه ولذا يشترط حضور القلب فيه وصحة الاستحضار فسر الرفع والمسح ان اليد الواحدة مترجمة عن توجهه بظاهره واليد الاخرى عن توجهه بباطنه واللسان مترجم عن جملته ومسح الوجه هو التبرك والتنبيه على الرجوع الى الحقيقة الجامعة بين الروح والبدن لان وجه الشئ حقيقته والوجه الظاهر مظهرها وقال ايضا السنة للداعى فى طلب الحاجة له ان ينشرهما يعنى كفيه الى السماء وللمكروب ان ينصب ذراعيه حتى يقابل بكفيه وجهه واذا دعا على احد ان يقلب كفيه ويجعل ظهرهما الى السماء والسنة ان يخرج يديه حين الدعاء من كميه(4/167)
قال سلطان العارفين ابو يزيد البساطمى دعوت الله ليلة فاخرجت احدى يدى والاخرى ما قدرت على اخراجهما من شدة البرد فنمت فرأيت فى منامى ان يدى الظاهرة مملوءة نورا والاخرى فارغة فقلت ولم ذاك يارب فنوديت اليد التى خرجت ان يدى الظاهرة مملوءة نورا والاخرى فارغة فقلت ولم ذاك يا رب فنوديت اليد التى خرجت للطلب ملأناها والتى توارت حرمناها ورفع الايدى الى السماء والنظر اليها وقت الدعاء بمنزلة ان يشير سائل الخزانة السلطانية ثم بطلب من السلطان ان يفيض عليه سجال العطاء من هذه الخزانة قال تعالى { وفى السماء رزقكم وما توعدون } فالسماء قبلة الدعاء ومحل نزول البركات والافضل ان يبسط كفيه ويكون بينهما فرجة
وان قلت ولا يضع احدى يديه على الاخرى فان كان وقت عذر او برد فاشار بالمسبحة قام مقام بسط كفيه . والمستحب ان يرفع يديه عند الدعاء بحذاء صدره كذا روى ابن عباس رضى الله عنهما فعل النبى عليه السلام كذا فى القنية { انه لا يحب المعتدين } اى المجاوزين ما امروا به فى الدعاء وغيره نبه به على ان الداعى ينبغى ان لا يطلب ما لا يليق كرتبة الانبياء والصعود الى السماء وقيل هو الصباح فى الدعاء والاسهاب فيه
وعن النبى صلى الله عليه وسلم « سيكون قوم يعتدون فى الدعاء وحب المرء ان يقول اللهم انى اسألك الجنة وما قرّب اليها من قول وعمل واعوذ بك من النار وما قرّب اليها من قول وعمل ثم قرأ انه لا يحب المعتدين » فاللائق للداعى ان يدعو باهمّ الامور وهو الفوز بالجنة والنجاة من النار كما قال النبى عليه السلام للاعرابى الذى قال انى اسأل الله الجنة واعوذ به من النار انى لا اعرف دندنتك ولا دندنة معاذ وقال « حولهما ندندن » ومعناه انى لا اعرف ما تقول انت ومعاذ يعنى من الاذكار والدعوات المطولة ولكنى اختصر على هذا المقدار فاسأل الله الجنة واعوذ به من النار ومعنى قوله عليه السلام « حولهما ندندن » ان القصد بهذا الذكر الطويل الفوز بهذا الاجر الجزيل(4/168)
وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)
{ ولا تفسدوا فى الارض } بالكفر والمعاصى { بعد اصلاحها } ببعث الانبياء وشرع الاحكام
قال الحدادى وقيل معناه لا تعصوا فى الارض فيمسك المطر عنها ويهلك الحرث بمعاصيكم { وادعوه خوفا وطمعا } مصدران فى موقع الحال اى خائفين من الرد لقصور اعمالكم وعدم استحقاقكم وطامعين فى اجابته تفضلا واحسانا لفرط رحمته { ان رحمة الله قريب من المحسنين } وتذكير قريب مع انه مسند الى ضمير الرحمة لتأويل الرحمة بالرحم فان الرحم بضم الراء بمعنى الرحمة قال الله تعالى { واقرب رحما } قال الكسائى اراد ان اتيان رحمة الله قريب كقوله { وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا } اى لعل اتيانها والمعنى ان رحمة الله قريب من الداعين بلسان ذاكر شاكر وقلب حاضر طاهر وترجيح للطمع وتغليب لجانب الرحمة وتنبيه على وسيلة الاجابة اعنى الاحسان المفسر « بان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك » وفى الحديث « ادعوا الله وانتم موقنون بالاجابة » يعنى ليكن الداعى ربه على يقين بان الله يجيب لان رد الدعاء اما للعجز فى اجابته او لعدم كرم فى المدعو او لعدم علم المدعو بدعاء الداعى وهذه الاشياء منتفية عن الله تعالى فانه عالم كريم قادر لامانع له من الاجابة
قال سهل ما اظره عبد فقره الى الله تعالى فى وقت الدعاء فى شئ يحل به الا قال الله تعالى لملائكته لولا انه لا يحتمل كلامى لأجبته لبيك وحكى ان موسى عليه السلام مرّ برجل يدعو ويتضرع فقال موسى لو كانت حاجته بيدى لقضيتها فاوحى الله تعالى اليه انا ارحم به منك ولكنه يدعونى وله غنم وقلبه فى غنمه وانا لا اقبل دعوة عبد قلبه عند غيرى فذكر ذلك للرجل فتوجه الى الله بقلبه فقضيت حاجته فيلزم حضور القلب وحسن الظن بالله فى اجابة الدعاء وحكى عن بعض البله وهو فى طواف الوداع انه قال له رجل وهو يمازحه هل اخذت من الله براءتك من النار فقال الابله لا وهل اخذ الناس ذلك فقال نعم فبكى ذلك الابله ودخل الحجر وتعلق باستار الكعبة وجعل يبكى ويطلب من الله ان يعطيه كتابه بعتقه من النار فجعل اصحابه والناس يلومونه ويعرفونه ان فلانا مزح معك وهو لا يصدقهم بل بقى مستقرا على حاله فبينا هو كذلك اذ سقطت عليه ورقة من جهة الميزاب فيها مكتوب عتقه من النار فسرّ بها واوقف الناس عليها وكان من آية ذلك الكتاب ان يقرأ من كل ناحية على السواء لا يتغير كلما قلبت الورقة انقلبت الكتابة لانقلابها فلعم الناس انه من عند الله . قيل دعاء العامة بالاقوال . ودعاء الزاهدين بالافعال .(4/169)
ودعاء العارفين بالاحوال واذا وفق الله عبدا الى نطق بامر مّا فما وفقه اليه الا وقد اراد اجابته فيه وقضاء حاجته وعدم الدعاء بكشف الضر مذموم عند اهل الطريقة لانه كالمقاومة مع الله ودعوى التحمل لمشاقه كما قال الشيخ المحقق ابن الفارض قدس سره
ويحسن اظهار التجلد لعلدى ... ويقبح غير العجز عند الاحبة
قال الحافظ
فقير خسته بدركاهت آمدم رحمى ... كه جز دعاى توام نيست هيج دست آويز
[ ودر منا جات شيخ الاسلام است كه خدايا اكر وفاداران بتواميد دارند جفا كاران نيز بغير توبناهى ندارند ]
والاشارة ان التضرع ما يطلع عليه الخلق والخفية ما يطلع عليه الحق اى تضرعا بالجوارح وخفية بالقلوب والاعتداء فى الدعءا طلب الغير منه والرضى بما سواه ولا تفسدوا فى الارض اى فى ارض القلوب بعد اصلاحها اى بعد ان اصلحها الله برفع الوسائط بينه وبين القلوب فان فساد القلوب فى رؤية غير الحق وصلاحها فى رؤية الحق ويقال من افساد القلوب بعد اصلاحها ارسالها فى اودية المنى بعد امساكها عن متابعة الهوى ومن ذلك الرجوع الى الحظوظ بعد القيام بالحقوق وادعوه خوفا من الانقطاع وطمعا فى الاصطناع ان رحمة الله وهى بذل المتمنى قريب من المحسنين الذين يرون الله فى الطاعات اى يعبدونه طمعا فهي لامنه كذا فى التأويلات النجمية(4/170)
وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)
{ وهو الذى يرسل الرياح } كل ما كان فى القرآن من ذكر الرياح فهو للرحمة وما كان من ذكر الريح فهو للعذاب ويدل عليه انه عليه الصلاة والسلام كان يجثو على ركبتيه عند هبوب الرياح ويقول « اللهم اجعلها لنا رياحا ولا تحملها ريحا اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك » وفى الحديث « لا تسبوا الريح فاذا رأيتم ما تكرهون فقولوا اللهم انا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما امرت به نعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما امرت به »
قال بعض المشايخ لا تعتمد على الريح فى استواء السفينة وسيرها وهذا شرك فى تويحد الافعال وجهل بحقائق الامور ومن انكشف له امر العالم كما هو عليه يعلم ان الريح لا تتحرك بنفهسا بل لها محرك والمحرك له محرك الى ان ينتهى الى المحرك الاول الذى لا محرك له ولا يتحرك هو فى نفسه ايضا بل هو منزه عن ذلك وعما يضاهيه سبحانه { بشرا } تخفيف بشر بضمتين جمع بشير نحو رغيف ورغف اى مبشرات { بين يدى رحمته } اى قدام رحمته التى هى المطر فان الصبا تثير السحاب والشمال تجمعه والجنوب تدّره والدبور تفرقه . الصبا ريح تهب من موضع طلوع الشمس عند استواء الليل والنهار . والدبور ريح تقابل الصبا اى تهب من موضع غروب الشمس . والشمال بالفتح الريح التى تهب من ناحية القطب والجنوب الريح التى تقابل الشمال والجنوب تدر السحاب اى تستحلبه قال ابن عباس رضى الله عنهما يرسل الله الرياح فتحمل السحاب فتمريه كما يمرى الرجل الناقة والشاة حتى تدر وفى الآية اطلاق الرحمة على المطر فقول من قال انى افر من الرحمة محمول على المطر { حتى اذا اقلت } غاية لقوله يرسل { سحابا } اى حملته ورفعته باليسر والسهولة بان وجدته خفيفا قليلا يقال اقللت كذا اى حملته بالسهولة ومن حمل الشئ بسهولة لا شك انه يعده قليلا فلذلك اشتق هذا الفعل من القلة { ثقالا } جمع ثقيل اى بالماء جمعه مع كونه وصفا للسحاب لان السحاب اسم جنس يصح اطلاقه على سحابة واحدة وما فوقها فيكون بمعنى الجمع اى السحائب والسحاب هو الغيم الجارى فى السماء { سقناه } من السوق والضمير للسحاب والافراد باعتبار اللفظ والمعنى بالفارسية [ برانيم ما آن ابررا ] { لبلد ميت } اى لا حياء بلد لا نبات فيه والبلد يطلق على كل موضع من الارض سواء كان عامرا اى ذا عمارة او غير عامر خاليا او مسكونا والطائفة منها بلدة والجمع بلاد { فانزلنا به الماء } اى بالبلد والباء للالصاق اى التصق انزال الماء بالبلد { فاخرجنا به } اى سبب ذلك الماء { من كل الثمرات } اى من كل انواعها والظاهر ان الاستغراق عرفى { كذلك نخرج الموتى } الاشارة فيها الى اخراج الثمرات او الى احياء البلد الميت اى كما نحييه باحداث القوة النباتية فيه وتطريته بانواع النبات والثمرات نخرج الموتى من الاجداس ونحييها برد النفوس الى مواد ابدانها بعد جمعها وتطريتها بالقوى والحواس { لعلكم تذكرون } بطرح احدى التاءين اى تتذكرون فتعلمون ان من قدر على هذا من غير شبهة
قال ابن عباس وابو هريرة اذا مات الناس كلهم فى النفخة الاولى مطرت السماء اربعين يوما قبل النفخة الاخيرة مثل منى الرجال فينبتون من قبورهم بذلك المطر كم ينبتون فى بطون امهاتهم وكما ينبت الزرع من الماء حتى اذا استكملت اجسادهم نفخ فيها الروح ثم يلقى عليهم نومة فينامون فى قبورهم فاذا نفخ فى الصور النفخة الثانية وهى نفخة البعث جاشوا وخرجوا من قبورهم وهم يجدون طعم النوم فى رؤسهم كما يجده النائم اذا استيقظ من نومه فعند ذلك يقولون من بعثنا من مرقدنا فيناديهم المنادى هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون
والاشارة فى الآية ان الرياح رياح العناية والسحاب سحاب الهداية والماء ماء المحبة فيخرج الله تعالى بهذا الماء سمرات المشاهدات والمكاشفات وانواع الكمالات كذلك نخرج الموتى اى موتى القلوب من فبور الصدور لعلكم تذكرون اى تذكرون ايام حياتكم دون حياض الانس ورياض القرب عند حظائر القدس
واعلم ان العمدة هى العناية الازلية وهى تصل الى العباد فلا الخلا والملا حكى انه قيل لولى من اولياء الله تعالى اذهب الى دار الشكر فان فيها صديقا فكان ذلك الولى يقدر على الاختفاء فذهب الى دار المشركين فاسره مشرك وباعه لخادم كنيسة فخدم فيها زمانا بالصدق فجاء السلطان يوما الى الكنيسة فخلاها ثم صلى فاستتر الولى ثم ظهر للسلطان فقال من انت قال مسلم مثلك وقيل للولى هو الصديق ثم سأل الولى ذلك السلطان الصديق عن حاله فقال فى احسن الاحوال وارغد عيش آكل الرزق الحلال وابعد خالصا عن الرياء واقتل الكفار واعين المسلمين بحيث لو كنت سلطانهم ما قدرت ثم خرج من الكنيسة وقعد عند بابها فسأل عنى البطارقة والرهبان والخدام ثم قتل الكل وقال تتكبرون عن خدمة بيت الرب بانفسكم وتستخدمون غير اهل الملة ثم خلى سبيلى وفى هذه الحكاية اشارة الى ان الله تعالى اذا اراد اهلك العدو بادنى سبب من يحث لا يحتسب فان له الطافا خفية : قال الحافظ(4/171)
تيغى آسمانش ازفيض خوددهد آب ... تنها جهان بكيرد بى منت سباهى
وقال ايضا
دلاطمع مبراز لطف بى نهايت دوست ... كه ميرسدهمه را لطف بى نهايت او
فنظر اهل التوحيد وارباب البصيرة الى المؤثر الحقيقى والفيض الازلى لا الى الخلق والوسائط والاسباب نسأل الله تعالى ان يجعلنا من الذين فازوا بالسعادة الابدية والعناية السرمدية ويسلك بنا مسلك الحقيقة والطريقة الاحمدية انه هو البر الرحيم(4/172)
وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)
{ والبلد الطيب } اى الارض الكريمة التربة
وفى التفسير الفارسى [ وزمين باك ازسنك وريك كه شايسته وصالح زراعت باشد ] { يخرج نباته باذن ربه } بمشيئته وتيسيره ما اذن الله فى خروجه لا يكون الا احسن اكثر عزيز النفع { والذى خبث } والبلد الذى خبث ترابه كالحرة والسبخة الحرة ارض ذات حجارة سود كأنها احرقت بالنار والسبخة الارض المالحة التى لا تنبت شيئا { لا يخرج } نباته فى حال من الاحوال { الا } فى حال كونه { نكدا } قليلا عديم النفع فهو مستثنى مفرغ من اعم الاحوال . والنكد بكسر الكاف القليل الخير الممتنع عن افادة النفع على جهة البخل والضنة والمصدر النكد بفتحتين يقال نكد عيشهم بكسر الكاف ينكد بالفتح نكدا اذا اشتد عيشهم وضاق { كذلك } اى مثل ذلك التصريف البديع { نصرف الآيات } نرددها ونكررها { لقوم يشكرون } نعمة الله فيتفكرون فيها ويعتبرون بها وتخصيصهم بالذكر لانهم المنتفعون بها كقوله تعالى { هدى للمتقين } والآية مثل لارسال الرسل عليهم السلام بالشرائع الى هى ماء حياة القلوب الى المكلفين المنقسمين الى المقتبسين من انوارها والمحرومين من مغانم آثارها
وفى التفسير الفارسى [ هركاه كه باران مواعظ ازسحاب كلام رب الارباب بردل مؤمن بارد انوار طاعات وعبادات برجوارح او ظاهر كردد جون كافر استماع سخن كند زمين دلشن تخم نصحيت قبول نكند ازو هيج صفت كه بكار آيددر ظهور نيايد ] : قال السعدى قدس سره
زمين شوره سنبل برنيارد ... دروتخم عمل ضايع مكردان
وقال الحافظ قدس سره
كوهر باك بيايدكه شود قابل فيض ... ورنه هرسنك وكلى لؤلؤ ومرجان نشود
وعن عبدالله بن مهران قال حج الرشيد فوافى الكوفة فاقام بها اياما ثم امر بالرحيل فخرج الناس وخرج بهلول المجنون فيمن خرج فجلس بالكناسة والصبيان يؤذونه ويولعون به اذ اقبلت هوادج هارون فكف صبيان عن الولوع به فلما جاء هارون نادى باعلى صوته يا امير المؤمنين حدثنا ايمن بن نائل عن قدامة بن عبدالله العامرى قال رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يمضى على جمل وتحته رحل رث فلم يكن ضرب ولا طرد ولا اليك اليك وتواضعك فى سفرك هذا يا امير المؤمنين خير لك من تكبرك فبكى هارون حتى سقطت الدموع على الارض وقال يا بهلول زدنا يرحمك الله فقال
هب انك قد ملكت الارض طرا ... وان لك العباد فكان ما ذا
أليس غدا مصيرك جوف قبر ... ويحثو الترب هذا ثم هذا
فبكى هارون ثم قال احسنت يا بهلول هل غيره قال نعم يا امير المؤمنين رجل آتاه الله مالا وجمالا فانفق فى ماله وعف فى جماله كتب فى خالص ديوان الله من الابرار فقال احسنت يا بهلول ثم امر له بجائزة فقال اردد الجائزة الى من اخنتها منه فلا حاجة لى فيها قال يا بهلول ان يكن عليك دين قضيناه قال يا امير المؤمنين لا يقضى دين بدين اردد الحق الى اهله واقض دين نفسك يا امير المؤمنين انا وانت من عيال الله تعالى فمحال ان يذكرك وينسانى فاسبل هارون السجاف ومضى والمقصود من هذه الحكاية بيان استماع هارون الحق وقبوله وذلك لانه كان كالمكان الزاكى وقلبه حيا بالحياة الطيبة فلذا لم يخرج منه الا الاخلاق الحميدة واما ارض النفس الامارة التى هى البلد الخبيث فلا يخرج منها الا الاخلاق الذميمة والافعال الرديئة فمن كان قلبه حيا بنور الله انعكس نور قلبه على نفسه فتنورت النفس فتبدلت اوصافها باوصاف القلب وتلاشت ظلمتها بنور القلب فيطمئن الى ذكر الله وطاعته كما هو من اوصاف القلوب وان كان القلب ميتا والنفس حيه فظلمات صفات النفس تطل على القلب وتبدل صفاته بصفاتها عند استيلاء صفاتها عليه فيحصل اطمئنانه بالدنيا وما فيها نسأل الله تعالى ان يجعل اطمئناننا الى ذكره وفكره وشكره ويجعلنا من الذين يعرفون قدر نعمة الله وحق المنعم(4/173)
لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)
{ لقد ارسلنا نوحا الى قومه } جواب قسم محذوف تقديره والله لقد ارسلنا نوحا وهو ابن لمك بن متوشلخ بن اخنوخ وهو ادريس النبى بن يرد بن مهلا بيل بن قينان بن انوش بن آدم عليهم السلام ونوح اول نبى بعد ادريس بعد شيث وكان نوح نجارا بعثه الله الى قومه على رأس اربعين سنة وكان عمره الفا ومائتين واربعين سنة
وفى التفسير الفارسى { الى قومه } [ بسوى قوم او كه اكثر اولاد قابيل بودند وبت مى برستيدند ] وذلك ان قابيل لما قتل اخاه هابيل طرده آدم فسكن مع اولاده واتباعه فى اليمن وهو اول من عبد الصنم { فقال } اى نوح { يا قوم اعبدوا الله } وحده فان العبادة بالاشراك ليس من العبادة فى شئ { وما لكم من اله غيره } اى من مستحق للعبادة وغيره بالرفع صفة لاله باعتبار محله الذى هو الرفع على الابتداء ومن زائدة فى المبتدأ والخبر لكم { انى اخاف عليكم } اى ان لم تعبدوه حسبما امرت به وهو بيان للداعى الى عبادته { عذاب يوم عظيم } اى ع ذاب يوم القيامة او يوم الطوفان(4/174)
قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60)
{ قال الملأ من قومه } استئناف اى الرؤساء من قومه والاشراف الذين يملأون صدور المحافل باجرامهم والقلوب بجلالهم وهيبتهم والابصار بجمالهم وبهجتهم { انا لنراك } يا نوح { فى ضلال } ذهاب عن طريق الحق والصواب لمخالفتك لنا والرؤية قلبية { مبين } بين كونه ضلالا(4/175)
قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61)
{ قال } استئناف ايضا { يا قوم } ناداهم باضافتهم اليه استمالة لقلوبهم نحو الحق { ليس بى } الباء للملابسة او للظرفية { ضلالة } بالغ فى النفى حيث نفى عن نفسه ملابسة ضلاله واحدة اى ليس بى شئ من افراد الضلال وجزئياته فضلا عن ان يكون بى ضلال عظيم بين كما بالغوا فى الاثبات حيث جعلوه مستقرا فى الضلال الواضح كونه ضلالا { ولكنى رسول } اى رسول كائن { من رب العالمين } فمن لابتداء الغاية مجازا والرسالة يلزمها الهدى التام الغير القابل للضلال فاستدرك الملزوم ليكون كالبرهان على استدراك اللازم كأنه قال ولكنى على هدى كامل فى الغاية لانى رسول من رب العالمين(4/176)
أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62)
{ ابلغكم رسالات ربى } الرسالة صفة واحدة قائمة بذات الرسول متعلقة بالاضافة الى المرسل والمرسل اليه الا انها جمعت نظرا الى تعددها بحسب تنوع معانيها كالعقائد والمواعظ والاحكام او لان المراد بها ما اوحى اليه والى الانبياء قبله كصحف شيث وهى خمسون صحيفة وصحف ادريس وهى ثلاثون صحيفة { وأنصح لكم } زيادة اللام مع تعدى النصح بنفسه يقال نصحتك للدلالة على امحاض النصح لهم وانها لمنفعتهم ومصلحتهم خاصة فانه رب نصيحة ينتفع بها الناصح ايضا وليس الامر ههنا كذلك والفرق بين تبليغ الرسالة وتقرير النصيحة ان تبيلغ الرسالة معناه ان يعرف انواع تكاليف الله واحكامه والنصيحة المراد بها الترغيب فى الطاعة والتحذير من المعاصى والارشاد الى ما فيه مصالح المعاد
قال الحدادى النصح اخراج الغش من القول والفعل { وأعلم من الله ما لا تعلمون } اى اعلم من قدرته القاهرة وبطشه الشديد على اعدائه وان بأسه لا يرد عن القوم المجرمين ما لا تعلمونه قيل كانوا لم يسمعوا بقوم حل بهم العذاب قبلهم فكانوا غافلين آمنين لا يعلمون ما علمه نوح عليه السلام بالوحى(4/177)
أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63)
{ أو عجبتم ان جاءكم ذكر من ربكم } الهمزة للانكار والواو للعطف على مقدر اى استبعدتم وعجبتم من ان جاءكم وحى او موعظة من مالك اموركم ومربيكم { على رجل منكم } اى على لسان رجل من جنسكم فانهم كانوا يتعجبون من ارسال البشر ويقولون لا مناسبة بينه تعالى وبين البشر من حيث انه تعالى فى غاية التقدس والتنزه والبشر فى غاية التعلق والتكدر فانكر عليهم نوح عليه السلام لانه لا سبيل الى ان يكلف الله البشر بنفسه من غير واسطة لان حجاب العظمة والكبرياء يمنع من ان يتحقق بينهم الفيض والاستفاضة فتعين ان يكون التكليف بان يرسل بشرا ذا جهتين يستفيض من عالم الغيب بجهة تجرده وصفاء روحانيته ويفيض لبنى نوعه بجهة مشاركته لهم فى الحقيقة النوعية { لينذركم } علة للمجئ اى ليحذركم عاقبة الكفر والمعاصى { ولتتقوا } منها بسبب الانذار { ولعلكم ترحمون } اى ولتتعلق بكم الرحمة بسبب تقواكم وفائدة حرف الترجى التنبيه على عزة المطلب وان التقوى غير موجبة للرحمة بل هى منوطة بفضل الله تعالى وان المتقى ينبغى ان لا يعتمد على تقواه ولا يأمن من عذاب الله تعالى(4/178)
فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64)
{ فكذبوه } واستمروا على ذلك فى هذه المدة المتطاولة اذ هو الذى يعقبه الانجاء والاغراق لا مجرد التكذيب روى ان نوحا عليه السلام دعا بهلاك قومه فامره الله تعالى بصنع الفلك فلما تم دخل فيه مع المؤمنين فارسل الله الطوفان واغرق الكفار وانجى نوحا من المؤمنين فذلك قوله تعالى { فانجيناه والذين معه } من المؤمنين وكانوا اربعين رجلا واربعين امرأة { فى الفلك } متعلق بالاستقرار الذى تعلق به الظرف اى والذين استقروا معه فى الفلك { واغرقنا الذين كذبوا بآياتنا } اى استمروا على تكذيبها وليس المراد بهم الملأ المتصدين للجواب فقط بل كل من اصر على التكذيب منهم ومن اعقابهم . وتقديم ذكر الانجاء على الاغراق للايذان بسبق الرحمة التى هى مقتضى الذات وتقدمها على الغضب الذى يظهر اثره بمقتضى جرأتهم { انهم كانوا قوما عمين } اصله عميين جمع عم اصله عمى على وزن خضر فأعل كاعلال قاض
قال اهل اللغة يقال رجل عم فى البصيرة واعمى فى البصر والمعنى عمين قلوبهم عن معرفة التوحيد والنبوة والمعاد غير مستبصرين وهذا العمى مانع عن رؤية الآيات ومشاهدة البينات قال الحافظ :
جمال يار ندارد نقاب وبرده ولى ... غبار ره بنشان تا نظر توانى كرد
بخلاف اعمى البصر اذا كان مستعدا للنظر فانه كم من اعمى قادر على الرؤية من حيث الحقيقة قال الصائب :
دل جو بيناست جه غم ديده اكرنا بيناست ... خانه آيينه را روشنى از روزن نيست
وفى الآية اشارة الى نوح الروح الذى ارسله الله الى قومه ببلاد القالب وهو القلب وصفاته والنفس وصفاتها ومن صفة الروح العبودية والطاعة ودعوة القلب والنفس وصفاتهما الى الله وعبوديته ومن صفات النفس وشأنها تكذيب الروح ومخالفته والاباء عن قبول نصحه والروح يحذر قومه من عبادة الدنيا وزينتها لئلا يحرموا من مساعدة الرحمة فكذبه قومه من النفس وصفاتها فانجينا الروح من ظلمات النفس وتمردها والذين معه وهم القلب وصفاته الذين قبلوا دعوة نوح الرسول وركبوا معه فى الفلك وهو فلك الشريعة والدين فاغرقنا الذين كذبوا بآياتنا اى النفس وصفاتها فى بحر الدنيا وشهواتها انهم كانوا قوما عمين عن رؤية الله والوصول اليه هذه حال الانفس والآفاق واهليهما ولو اصغوا الى داعى الحق واجتنبوا عما ارتكبوا لنجوا كما حكى ان الشيخ بقا رضى الله عنه كان يوما جالسا على شط نهر الملك فمرت به سفينة فيها جند ومعهم خمر وفواكه ونساء متبرجات وصبيان ومغنى وهم فى غاية من اللهو والطغيان فقال الشيخ بقا للملاح اتق الله وقدم الى الله فلم يلتفتوا الى كلامه فقال ايها النهر المسخر خذ الفجرة فنما الماء عليهم حتى طلع الى السفينة فاشرفوا على الغرق فصاحوا بالشيخ واعلنوا بالتوبة فعاد الماء الى حاله وحسنت توبتهم وكانوا بعد ذلك يكثرون من زيارته : قال الحفاظ
امروز قدر بند عزيز ان شناختم ... يارب روان ناصح ما ازتوشاد باد
فعلى العاقل ان يقبل النصيحة ممن فوقه ودونه فان النصيحة سهلة والمشكل قبولها ونعم ما قال السعدى قدس سره
مردبايدكه كيرد اندر كوش ... ورنوشت است بند برديوار
اللهم اجعلنا ممن قبل دعوتك ودخل جنتك(4/179)
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65)
{ والى عاد } اى وارسلنا الى عاد وهم قوم من اهل اليمن وكان اسم ملكهم عادا فنسبوا اليه وهو عاد بن ارم بن سام بن نوح { اخاهم } اى واحدا منهم فى النسب لا فى الدين كقولهم يا اخا العرب { هودا } عطف بيان لأخاهم وهو هود بن عبدالله بن رياح بن خلود بن عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح وانما جعل الرسول من تلك القبيلة لانهم أفهم لكلامه واعرف بحاله فى صدقه واماننته واقرب الى اتباعه { قال } استئناف
وفى التفسير الفارسى [ قبيلة عاد مردم تن آور وبلند بالا بودند واز ايشان درتمام روى زمين دران زمان قبيلة عظيمة نبود ومردم بسيار بودند ومال فراوان داشتند وعمر در برستش بت مى كذرا نيدند حق سبحانه وتعالى هودرا بديشان فرستاد بس هود بميان قبيله آمد وايشانرا بحق دعوت كرد ] قال { يا قوم } ( اى قوم من ) { اعبدوا الله } وحده { ما لكم من اله غيره } غيره بالرفع صفة لاله باعتبار محله وهو الابتداء ومن زائدة فى المبتدأ ولكم خبره { أفلا تتقون } الهمزة للانكار والفاء للعطف على مقدر اى ألا تتفركون فلا تتقون عذاب الله تعالى(4/180)
قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66)
{ قال الملأ الذين كفروا من قومه } استئناف كما مر وانما وصف الملأ بالكفر اذ لم يكن كلهم على الكفر كملأ قوم نوح بل كان منهم من آمن به عليه السلام كمرثد بن سعد وكتم ايمانه ولم يظهر الا عند مجيء وقد عاد الى مكة يستغيثون كما سيجئ قال
عصت عاد رسولهمو فأمسوا ... عطاشا ما تبلهم السماء
لهم صنم يقال له صمود ... يقابله صداء والبهاء
فبصرنا الرسول سبيل رسد ... فأبصرنا الهدى وجلى العماء
وان اله هود هو الهى ... على الله التوكل والرجاء
والملأ اشراف القوم وهو فى الاصل بمعنى الجماعة { انا لنراك فى سفاهة } اى متمكنا فى خفة عقل راسخا فيها حيث فارقت دين آبائك . والسفاهة فى اللغة خفة الحلم والرأى { وانا لنظنك من الكاذبين } اى فيما ادعيت من الرسالة وفيه اشارة الى ان قلوب قوم هود وسخة خبيثة كقلوب قوم نوح لم يخرج منها الخبث الا نكدا فلما اراد هود عليه السلام ان يبذر فيها بذر التوحيد والمعرفة ولم تكن صالحة وقلما خرج منها الا نبت التسفيه والتكذيب سلكوا طريق سلفهم واخوانهم وصنعوا مثل حالتهم : وفى المثنوى
در زمين كرنى شكر ورخود نى است ... باز كويد ياتو انواع نبات
زانكه خاك اين زمين باثبات ... ترجمان هرزمين نبت وى است(4/181)
قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67)
{ قال } اى هود عليه السلام سالكا طريق حسن المجادلة مع ما سمع منهم من الكلمة الشنعاء الموجبة لتغليظ القول والمشافهة بالسوء وهكذا ينبغى لكل ناصح { يا قوم ليس بى سفاهة } اى شئ منها ولا شائبة من شوائبها والباء للملابسة او للظرفية { ولكنى رسول من رب العالمين } اى لكنى فى غاية الرشد والصدق لانى رسول رب العالمين فالاستدراك باعتبار ما يلزمه وهو كونه فى الغاية القصوى من الرشد والصدق . والرشد هو الاهتداء لمصالح الدين والدنيا وهو انما يكون بالعقل التام(4/182)
أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68)
{ ابلغكم رسالات ربى وانا لكم ناصح امين } معروف بالنصح والامانة مشهور بين الناس بذلك قد سبق فى القصة المقدمة سرّ جمع الرسالات ومعنى النصح والفرق بين تبليغ الرسالة وتقرير النصيحة وفى قوله { وانا لكم ناصح امين } تنبيه على انهم عرفوه بالامرين لان الجملة الحالية انما يؤتى بها لبيان هيئة ذى الحال والشئ لا يوصف الا بما يعلم المخاطب اتصافه به او لان فى جعل ذكر متعلق النصح والامانة من قبل المهجور دلالة على انه او حدى فيه موجد للحقيقتين كأنه صناعته(4/183)
أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69)
{ أوعجبتم ان جاءكم ذكر من ربكم } اى استبعدتم وعجبتم من ان جاءكم وحى من مالك اموركم ومربيكم { على رجل منكم } اى على لسان رجل من جنسكم { لينذركم } ويحذركم عاقبة ما انتم عليه من الكفر والمعاصى فمن فرط الجهالة وغاية الغباوة عجبوا من كون رجل رسولا ولم يتعجبوا من كون الصنم شريكا { واذكروا اذ جعلكم خلفاء } شروع فى بيان ترتيب احكام النصح والامانة والانذار وتفصيلها واذ منصوب باذكروا على المفعولية دون الظرفية اى اذكروا وقت استخلافكم
قال صاحب الفوائد يشكل هذا بقولهم اذ وانا وقوعهما ظرفين لازم
واجيب بان باب الاتساع واسع
قال المولى ابو السعود ولعله معطوف على مقدر كأن قيل لات عجبوا من ذلك وتدبروا فى اموركم واذكروا وقت جعله تعالى اياكم خلفاء { من بعد قوم نوح } اى فى مساكنهم او فى الارض بان جعلكم ملوكان فان شداد بن عاد ممن ملك معمورة الارض من رمل عالج الى شحر عمان
قال فى التأويلات النجمية جعل الله الخلق بعضهم خلفاء عن بعض وجعل الكل خلفاء فى الارض ولا يفنى جنسا منهم الا اقام قوما خلفاء عنهم من ذلك الجنس فاهل الغفلة اذا انقرضوا اخلف عنهم قوما واهل الوصلة اذا انقرضوا ودرجوا اخلف عنهم قوما { وزادكم فى الخلق } اى فى الابداع والتصوير بالفارسى [ وبيفزود شما ] او فى الناس { بصطة } قامة وقوة فان لم يكن فى زمانهم مثلهم فى عظم الاجرام كانت قامة الطويل منهم مائة ذراع وقامة الصغير ستين ذراعا
قال وهب كان رأس احدهم كالقبة العظيمة وكان عين احدهم يفرخ فيها السباع وكذلك مناخرهم
والاشارة كما ان الله تعالى زاد قوما على من تقدمهم فى بسطة الخلق زاد قوما على من تقدمهم فى بسطة الخلق فكما اوقع التفاوت بين شخص وشخص فيما يعود الى المبانى اوقع التباين بني قوم وقوم فيما يرجع الى المعانى قال الفرزدق
وقد تلتقى الاسماء فى الناس والكنى ... كثيرا ولكن فرقوا فى الخلائق
جمع الخليقة وهى الطبيعة وفى هذا المعنى قال الخاقانى
نى همه يك رنك دارد درنيساتها وليك ... ازيكى نى قند خيزد وزدكرنى بوريا
{ فاذكروا آلاء الله } جمع الى بمعنى النعمة وهو تعميم بعد تخصيص { لعلكم تفلحون } لكى يؤديكم ذلك اى ذكر النعم الى الشكر المؤدى الى النجاة من الكروب والفوز بالمطلوب ولما لم يبق للقوم جواب الا التمسك بالتقليد(4/184)
قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70)
{ قالوا } مجيبين عن تلك النصائح الجليلة { أجئتنا } يا هود { لنعبد الله وحده } اى لنخصه بالعبادة { ونذر ما كان يعبد آباؤنا } اى نترك الآلهة التى كان آباؤنا يعبدونها ومعنى المجئ فى اجئتنا اما المجئ من مكان اعتزل عن قومه يعبد فيه ربه كما كان يعبد رسول الله صلى الله لعيه وسلم بحراء فلما اوحى اليه جاء قومه يدعوهم واما من السماء كمجئ الملك منها استهزاء به عليه السلام لانهم كانوا يعتقدون ان الله تعالى لا يرسل الا الملك واما القصد على المجاز وهو ان يكون مرادهم بالمجئ مجرد قصد الفعل ومباشرته كأنهم قالوا أتريد منا ان نعبد الله وحده وتقصد ان تكلفنا بذلك كما يقال ذهب يشتمنى من غير ارادة معنى الذهاب { فائتينا بما تعدنا } من العذاب المدلول عليه بقوله تعالى { أفلا تتقون } { ان كنت من الصادقين } اى فى الاخبار بنزول العذاب(4/185)
قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71)
{ قال } هود عليه السلام { قد وقع عليكم } اى قد وجب فيكون مجازا من باب اطلاق المسبب على السبب فان نزول العذاب عليهم مسبب عن وجوب نزوله فى علمه تعالى { من ربكم } اى من جهته تعالى { رجس } عقاب من الارتجاس الذى هو الاضطراب { وغضب } ارادة انتقام { أتجادلوننى فى اسماء } عارية عن السمى جعل المجادل فيه اسماء مجردة عن المسميات لانهم كانوا يسمون الاصنام آلهة ويزعمون كونهم مستحقين للعبادة والحال انهم بمعزل عن الالوهية واستحقاق العبادة { سميتموها } اى سميتم بها { انتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان } اى حجة وبرهان فى عبادتها قوله سميتموها صفة للاسماء وكذا قوله ما انزل الله وقوله من سلطان مفعول انزل ومن مزيدة والمعنى أتجادلوننى فى مسميات لها اسم بدون ما يليق بها وتوجه الذم للتسمية الصرفة الخالية عن المعنى فلا يلزم ان يكون الاسم هو المسمى
قال فى التفسير الفارسى [ فى اسماء دركار اين نامها يعنى اين بتان كه هريك را نامى نهاده آيد بعضى را سائقه مى كفتند وكمان ايشان آن بودكه باران از ايشان مى بارد وبعضى را حافظه مى خواندند بمظنه آنكه نكهبان درسفر ايشانند وهمجنين رازقه وسالمه واين الافظ اسما بودند بى مسما جه اصنام راكه جمادات بودند قدرت برينها نبوده بس هود عليه السلام فرموده كه شما جدال ميكنيد بدين جيزها كه ازورى جهالت شما نام نهاده آيد ايشانرا ] { فانتظروا } مترتب على قوله تعالى قد وقع عليكم اى فانتظروا ما تطلبونه بقولكم فائتينا بما تعدنا { انى معكم من المنتظرين } لما يحل بكم من العذاب(4/186)
فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72)
{ فأنجيناه } الفاء فصيحة كما فى قوله تعالى { فانفجرت } اى فوقع فأنجينا هودا { والذين معه } اى فى الدين { برحمة منا } اى برحمة عظيمة كائنة من جهتنا عليهم وفيه اشارة ان هودا مع رتبة فى النبوة ودرجته فى الرسالة انما نجا برحمة من الله هو والذين آمنوا معه ليعلم ان النجاة لا تكون باستحقاق العمل وانما تكون ابتداء فضل من الله ورحمة فما نجا الا بفضل الحق سبحانه { وقطعنا دابر } القوم { الذين كذبوا بآياتنا } اى استأصلناهم اى اهلكناهم جميعا بان قطعنا عرقهم واصلهم لان دابر الشئ آخره فقطع دابر القوم اهلاكهم من اولهم الى آخرهم { وما كانوا مؤمنين } عطف على كذبوا داخل معه فى حكم الصلة اى اصروا على الكفر والتكذيب ولم يراعوا عن ذلك أبدا وفيه تنبيه على ان مناط النجاة هو الايمان بالله تعالى وتصديق آياته كما ان مدار البوار هو الكفر والتكذيب
وقصتهم ان عادا كانوا يسكنون اليمن بالاحقاف وهى رمال يقال رمل عالج ودهمان ومرين ما بين عمان الى حضرموت وكانوا قد فشوا فى الارض وقهروا اهلها بقوتهم الى اعطاها الله اياهم وكانت لهم اصنام يعبدونها صداء وصمود والهباء فبعث الله اليهم هودا نبيا من اوسطهم فى النسب وافضلهم فى الحسب فامرهم ان يوحدوا الله ولا يعبدوا غيره وان يكفروا عن ظلم الناس فابوا عليه وكذبوا وقالوا من اشد منا قوة ازدادوا عتوا وتجبرا فامسك الله عنهم القطر ثلاث سنين حتى جهدهم ذلك وكان النسا اذا نزل بهم بلاء وجهد مضوا الى البيت الحرام بمكة مسلمهم وكافرهم وسألوا الله الفرج وكان اهل مكة يومئذ العماليق اولاد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح وكان رئيس العماليق يومئذ بمكة رجلا يقال له معاوية بن بكر وكانت امه من عاد فلما قحط المطر من عاد وجهدوا قالوا جهزوا منكم وفدا الى مكة يستقسوا فجهزوا قيل بن عتر ومرثد بن سعد فى سبعين رجلا فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن كبر وهو فى خارج مكة فانزلهم واكرمهم وكانوا اخواله واصهاره فاقاموا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان وهما قينتان لمعاوية اسم احداهما وردة واسم الاخرى جرادة فغلبت جرادة على وردة فسميتا جرادتين فلما رأى معاوية طول مقامهم وقد بعثهم قومهم يتغوثون من البلاء الذى اصابهم شق ذلك عليه وقال قد هلك اخوالى واصهارى جهدا وعطشا وهؤلاء مقيمون عندى والله ما ادرى كيف اصنع بهم استحيى ان آمرهم بالخروج الى حاجتهم فيظنون ان ذلك لثقل مقامهم علىّ فشكا ذلك الى قينتيه الجرادتين فقالتا قل شعر تغنيهم به لا يدرون من قاله لعل ذلك يخرجهم فقال معاوية(4/187)
الا يا قيل ويحك قم فهينم ... لعل الله يسقينا غماما
فيسقى ارض عاد ان عادا ... قدامسو ما يبينون الكلاما
من العطش الشديد فليس ترجو ... به الشيخ الكبير ولا الغلاما
وقد كانت نساؤهمو بخير ... فقد امست نساؤهمو ايامى
وان الوحش تأتيهم جهارا ... فلا تخشى لعادى سهاما
وانت ههنا فيما اشتهيتم ... نهارمكو وليلكمو التماما
فقبح وفدكم من وفد قوم ... ولا لقوا التحية والسلاما
فلما غنتهم الجرادتان بهذا قال بعضهم لبعض يا قوم لقد ابطأتم على اصحابكم فقوموا وادخلوا الحرم واستسقوا لقومكم فقال لهم مرثد والله لا تسقون بدعائكم ولكن ان اطعتم نبيكم هودا وتبتم الى الله سقيتم واظهر اسلامه فقالوا لمعاوية احبس عنا مرثدا لا يقدمن معنا مكة فانه قد اتبع دين هود وترك ديننا ثم دخلوا مكة فقام قيل يستسقى فى المسجد قوال اللهم انى لم اجئ لمريض فاداوية ولا لاسير فافاديه اللهم اسقنا فانا قد هلكنا اللهم اسق عادا ما كنت تسقيهم وقال القوم اللهم اعط قيلا ما يسألك واجعل سؤلنا مع سؤله فانشأ الله تعالى سحابات ثلاثا بيضاء وحمراء وسوداء ثم ناداه مناد من السماء يا قيل اختر لنفسك ولقومك من هذا السحاب ما شئت فقال اخترت السوداء فانها اكثر السحاب ماء فنودى اخترت دمارا رمدا لا يبقى من آل عاد ولدا ولا شيوخا الا فصاروا همدا ثم ساق الله السحابة السوداء التى اختارها قيل بما فيها من النقمة والبلاء الى عاد حتى خرجت عليهم من واد لهم يقال له المغيث فلما رأوها فرحوا وقالوا هذا عارض ممطرنا يقول الله تعالى بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب اليم تدمر كل شئ بامر ربها اى كل شئ مرت به فجاءتهم من تلك السحابة ريح عقيم سخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية ايام حسوما اى دائما فكانت الريح تحمل الظعن ما بين السماء والارض وتدمغهم بالحجارة وكانوا قد حفروا لارجلهم فى الارض وغيبوها الى ركبهم فجعلت الريح تدخل اقدامهم وترفع كل اثنين وتضرب باحدهما الآخر فى الهواء ثم تلقيهما فى الوادى والباقون ينظرون حتى رفعتهم كلهم ثم رمت بالتراب عليهم فكان يمسع انينهم من تحت التراب فاعتزل هود ومن معه من المؤمنين فى حظيرة فما كان يصيبهم من الريح الا ما يلين جلودهم وتلذ به انفسهم قالوا ولما اراد الله ارسال الريح العقيم الى عاد اوحى الى الريح ان تخرج الى عاد فتنتقم منهم فخرجت على قدر منخر ثور حتى رجفت الارض ما بين المشرق والمغرب فقالت الخزان يا رب لن نطيقها ولو خرجت على حالها لاهلكت ما بين مشارق الارض ومغاربها فاوحى الله تعالى اخرجى على قدر خرق الخاتم فخرجت على قدر ذلك
قال السدى فلما بعث الريح اليهم ودنت منهم نظروا الى الابل والرحال تطير بهم الريح بين السماء والارض فتبادروا الى البيوت فاخرجتهم الريح من البيوت حتى اهلكتهم على ما ذكر وسبب هلاك الابل وغيرها من الحيوانات اتصالها بملك اهل الغضب والبلية اذا نزلت فانما تنزل عامة ولله تعالى حكم ومصالح جليلة فى كل ما يحكم ويريد ولما نجا هود ومن معه من المؤمنين اتوا مكة فعبدوا الله فيها الى ان ماتوا وهكذا فعل كل نبى هلك قومه ونجا هو مع المؤمنين ق لبعضهم بين الركن والمقام وزمزم تسعة وتسعون نبيا وان قبر هود وشعيب وصالح واسماعيل فى تلك البقعة وسبب الهجرة ان ارض اهل الكفر والمعاصى قد حل فيها غضب الله وذهب خيرها فاقتضى كمال الخشية من جلال الله تعالى الرحلة الى دار الامان كما قال تعالى(4/188)
{ ومن دخله كان آمنا } مع ان امكنة العبادات على طبقات مختلفة متفاوتة فى مراتب الثواب فعمل واحد بمكة خير من الف عمل فى غيرها اذ هى محل انفاس الانبياء ونفوسهم ومحط رحال الاولياء ورؤسهم كما ان حال الازمنة كذلك فطوبى لعبد هاجر من ارض اهل البدعة والهوى ونزل بارض اهل السنة والهدى لان نظر الله تعالى على اهل الخير والصلاح واما من اخلد الى ارضه طبيعته وزحزحه عن جنته واراد خسرانه فى تجارته والا فالمهتدى الى سبيل السلام لا يقيم مع الضالين مع وضوح البرهان التام
سعد يا حب وطن كرجه حديث است صحيح ... نتوان مرد بسختى كه من اينجا زادم
يقول الفقير اللهم انى هاجرت من ارض اهل البغى والفساد واخترت سلوك طريق اهل الرشاد فانتقلت من ديار الروم الى ما يلحق بارضك المقدسة اعنى بروسة المحروسة اللهم ثبت قدمى فى طريقك الحق فانا الحقى ارشدنى الى ما فى الهجرة من السر المطلق آمين يا معين(4/189)
وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)
{ والى ثمود } اى ارسلنا الى ثمود وهى قبلة من العرب سموا باسم ابيهم الاكبر ثمود بن عاد بن ارم ابن سام بن نوح وكانت مساكنهم الحجر بني الحجاز والشام الى ادى القرى وثمود فى كتاب الله مصروف وغير مصروف قال الله تعالى { ألا ان ثمودا كفروا ربهم الا بعدا لثمود } فمن صرفه جعله اسما للحى ومن لم يصرفه جعله اسما للقبيلة { اخاهم } من حيث النسب كهود عليه السلام كما تقدم { صالحا } عطف بيان لاخاهم وهو صالح بن عبيد بن آسف بن ماسح بن عبيد بن حاذر ابن ثمود { قال } استئناف { يا قوم } بحذف ياء المتكلم { اعبدوا الله } وحده { ما لكم من اله غيره } فيه اشارة الى ان الله تعالى وان غاير بين الرسل من حيث الشرائع الا انه جمع بينهم فى التوحيد حيث سلك كل واحد منهم فى الدعوة مسلك الآخر فقال نوح وهود وصالح يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره روى انه لما هلكت عاد عمرت ثمود بلادها وخلفوهم فى الارض وكثروا فى خصب وسعة فعتوا على الله وافسدوا فى الارض وعبدوا الاصنام فبعث الله اليهم صالحا وكانوا قوما عربا وصالح من اوسطهم نسبا فدعاهم الى الله تعالى حتى شمط وكبر فلم يتبعه الا قليل منهم مستضعفون فحذرهم وانذرهم فسألوه آية تكون مصداقا لقوله فقال أية آية تريدون قالوا تخرج معنا الى عيدنا فى يوم معلوم لهم من السنة فتدعو الهك وتدعو الهتنا فان استجيب لك اتبعناك وان استجيب لنا اتبعتنا فقال صالح نعم فخرج معهم ودعوا اوثانهم وسألوا الاستجابة فلم تجبهم الى سؤلهم ولم يظهر اثم الانجاح فافتضحوا ثم قال سيدهم جندع ابن عمرو واشار الى صخرة منفردة فى ناحية الجبل يقال لها الكاتبة اخرج لنا من هذه الصخرة ناقة مخدجة على خلقة الجمل فى الجسامة وغلظة العظام والقوائم شبيهة بالبختى جوفاء وبراء عشراء فان فعلت صدقناك واجبناك فاخذ عليهم صالح مواثيقهم لئن فعلت ذلك لتؤمنن ولتصدقن قالوا نعم فصلى ركعتين ودعا ربه فتمخضت الصخرة تمخض النتوج بولدها فانصدعت عن ناقة عشراء جوفاء وبراء كما وصفوا لا يعلم ما بين جنبيها الا الله وهم ينظرون ثم نتجت ولدا مثلها فى العظم فآمن به جندع ورهط من قومه ومنع الباقين من الايمان ذواب بن عمرو والجباب صاحب اوثانهم ورباب كاهنهم
بكى بنور عنايت ره هدايت يافت ... يكى بوادى خذلان بماند سر كردان
بكى بوسوسه ديورفت سوى سقر ... يكى زبيروى حق كرفت مالك جنان
فمكثت الناقة مع ولدها فى ارض ثمود ترعى الشجر وتشرب الماء فبعد ظهور هذه المعجزة قال لهم صالح { قد جاءتكم بينة } اى آية ومعجزة ظاهرة وشاهدة بنبوتى { من ربكم } متعلق بجاءتكم او بمحذوف هو صفة لبينة(4/190)
قال المولى ابو السعود وليس هذا الكلام منه عليه السلام اول ما خاطبهم اثر دعوتهم الى التوحيد بل انما قاله بعد ما نصحهم وذكرهم بنعم الله فلم يقبلوا كلامه وكذبوه ألا يرى الى ما فى سورة هود من قوله تعالى { هو انشأكم من الارض واستعمركم فيها } الى آخر الآيات { هذه ناقة الله لكم آية } استئناف كأنه قيل ما هذه البينة فقال هذه ناقة الله انبهكم عليها او اشير اليها فى حال كونها آية وعلامة دالة على صحة نبوتى واضافة الناقة الى الاسم الجليل لتعظيمها كما يقال بيت الله او لمجيئها من جهته تعالى بلا اسباب معهودة ووسائط معتادة يعنى كانت بالتكوين من غير اجتماع ذكر وانثى ولم تكن فى صلب ولا رحم ولم يكن للخلق فيها سعى ولكم بيان لمن هى آية له وخصوا بذلك لانهم هم الذين طلبوها وينتفعون بها لو تركوا العناد وطلبوا الاهتداء بالدليل والبرهان { فذروها } تفريع على كونها آية من آيات الله تعالى فان ذلك مما يوجب عدم التعرض لها اى دعوها { تأكل فى ارض الله } جواب الامر اى الناقة ناقة الله والارض ارض الله فاتركوهها ترتع ما ترتع فى ارض الحجر من العشب فليس لكم ان تحولوا بينها وبينها وعدم التعرض للشرب للاكتفاء عنه بذكر الاكل { ولا تمسوها بسوء } الباء للملابسة اى لا تمسوها ملتبسين بسوء ولا تتعرضوا لها بشئ مما يسوءها اصلا من قتل او ضرب او مكروه اكراما لآية الله تعالى والسوء اسم جامع لانواع الاذى ويجوز ان تكون الباء للتعدية والمعنى بالفارسية [ ومرسانيد بوى هيج بدى ] وفيه بمالغة حيث نهى عن المس الذى هو مقدمة الاصابة { فيأخذكم عذاب اليم } جواب اللنهى
قال فى التفسير الفارسى [ استحقاق عذاب نه بواسطة ضرر ناقه است بكله باقامت ايشان بركفر بعد ا زشهود معجزه وعقر ناقه دليل عتو ايشانست در كفر ]
والاشرة ان المعجزة للعوام ان يخرج لهم من حجارة الصخرة ناقة عشراء والمعجزة للخواص ان يخرج لهم من حجارة القلب ناقة السر بسقب سر السر وهو الخفى وناقة الله التى تحمل امانة معرفته وتعطى ساكنى بلد القالب من القوى والحواس لبن الواردات الالهية فذروها تأكل فى ارض الله اى ترتع فى رياض القدس وتشرب فى حياض الانس ولا تمسوها بسوء مخالفات الشريعة ومعارضات الطريقة فيأخذكم عذاب اليم بالانقطاع عن مواصلات الحقيقة(4/191)
وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)
{ واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد عاد } اى اذكروا وقت جعله تعالى اياكم خلفاء فى ارض الحجر او خلفاء لقوم عاد من بعد اهلاكهم فنصب اذا على المفعولية كما سبق فى القصة المتقدمة { وبوأكم فى الارض } اى انزلكم فى ارض الحجر بالفارسى [ جاى داد شمارا ]
قال ابو السعود اى جعل لكم مباءة ومنزلا فى ارض الحجر بين الحجاز والشام { تتخذون من سهولها قصورا } استئناف مبين لكيفية التبوئة اى تبنون فى سهولها قصورا رفيعة على ان من بمعنى فى كما فى قوله تعالى { اذا نودى للصلاة من يوم الجمعة } او سهولة الارض بما تعملون منها من اللبن والآجر { وتنحتون الجبال } اى الصخور والنحت نجر الشئ الصلب وانتصاب الجبال على المفعولية { بيوتا } حال مقدرة من الجبال كما تقول خط هذا الثوب قميصا قيل كانوا يسكنون السهول فى الصيف والجبال فى الشتاء وقيل انهم لطول اعمارهم كانوا يحتاجون الى ان ينحتوا من البجال بيوتا لان السقوف والابنية كانت تبلى قبل فناء اعمارهم { فاذكروا آلاء الله } اى احفظوا نعم الله عليمك فان حق آلائه تعالى ان تكشر ولا يغفل عنها { ولا تعثوا فى الارض مفسدين } العشى اشد الفساد فقيل هم لا تتمادوا فى الفساد حال كونكم مفسدين فالمراد بهذه الحال تعريفهم بانهم على الفساد لا تقييد العامل ولا لكان مفهومه مفيدا معنى تمادوا فى الفساد حال كونكم مصلحين وهذا غير جائز وقيل انما قيد به لما ان العشى فى الاصل مطلق التعدى وان غلب فى الفساد فقد يكون فى غير الفساد كما فى مقابلة غير الظالم المتعدى بفعله وقد يكون فيه صلاح راجح كقتل الخضر عليه السلام للغلام وخرقه السفينة فيكون التقييد بالحال تقييدا للعام بالخاص(4/192)
قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75)
{ قال } استئناف { الملأ } اى الاشراف والرؤساء { الذين استكبروا من قومه } اى تعظموا عن الايمان به { للذين استضعفوا } اللام للتبليغ اى للذين استضعفوهم واستذلوهم { لمن آمن منهم } بدل من الذين استضعفوا بدل الكل والضمير للقوم { أتعلمون } [ اياشما ميدانيد ] { ان صالحا مرسل من ربه } قالوه بطريق الاستهزاء بهم { قالوا } اى المؤمنون المستضعفون { انا بما ارسل به } من التوحيد والعبادة { مؤمنون } عدلوا عن الجواب الموافق لسؤالهم بان يقولوا نعم او نعلم انه مرسل منه تعالى تنبيها على ان ارساله امر معلوم مقرر عندهم حيث اوردوه صلة للموصول ومن المعلوم ان الصلة لا بد ان تكون جملة معلومة الانتساب الى ذات الموصول فكأنهم قالوا لا كلام فى ارساله لانه اظهر من ان يشك فيه عاقل ويخفى على ذى رأى لما اتى به من هذا المعجز العظيم الخارق وانما الكلام فى الايمان به فنحن مؤمنون به فهذا الجواب من اسلوب الحكيم وهو تلقى المخاطب بغير ما يترقب(4/193)
قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76)
{ قال الذين استكبروا انا بالذي آمنتم به كافرون } عدلوا عن الجواب المطابق وهو انا بما ارسل به كافرون لدلالته على ان ارساله معلوم مسلم عندهم كما دل عليه قول المؤمنين فكأنهم قالوا ليس ارساله معلوما لنا مسلما عندنا وليس هناك الا دعواه وايمانكم به ونحن بما آمنتم به كافرون فالمؤمنون فرعوا ايمانهم على الارسال الثابت والكفار فرّعوا كفرهم على ايمان المؤمنين
واعلم ان الله تعالى ذم الكفار بوجهين احدهما الاستكبار وهو رفع النفس فوق قدرها وجحود الحق والآخر انهم استضعفوا من كان يجب ان يعظموه ويبجلوه ومدح المؤمنين حيث ثبتوا على الحق والآخر انهم استضعفوا من كان يجب ان يعظموه ويبجلوه ومدح المؤمنين حيث ثبتوا على الحق واظهروه مع ضعفهم عن مقاومة الكفار كما دل عليه قوله { انا بما ارسل به مؤمنون }(4/194)
فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77)
{ فعقروا الناقة } اى نحروها وبالفارسى [ بس بى كردند وبكشتند ناقه را ] اسند العقر الى الكل مع ان المباشر بعضهم للملابسة او لان ذلك كان برضاهم فكأنه فعله كلهم -روى- ان الناقة كانت ترد الماء غبا فاذا كانت يومها وضعت رأسها فى البئر فما ترفعه حتى تشرب كل ما فيها لا تدع قطرة واحدة ثم تصدر من اعلى الفج الذى وردت منه لانها لا تقدر ان تصدر من حيث ترد لضيقه
قال ابو موسى الاشعرى اتيت ارض ثمود فذرعت مصدر الناقة فوجدته ستين ذراعا وكانوا اذا جاء يومهم وردوا الناء فيشربون ويسقون مواشيهم ويدخرون من الماء ما يكفيهم اليوم الثانى وكانت النق اذا وقع الحر تصيفت بظهر الوادى فيهرب منها انعامهم الى بطنه واذا وقع البرد تشتت ببطن الوادى فيهرب منه مواشيهم الى ظهره فشق ذلك عليهم وزينت عقرها لهم امرأتان عنيزة ام غنم وصدقة بنت المختار لما اضربت به من مواشيهما وكانتا كثيرتى المواشى
قال الحدادى كان فى ثمود امرأة يقال له صدوق كانت جميلة غنية ذات ابل وبقر وغنم وكانت من اشد الناس عداوة لصالح وكانت تحب عقر الناقة لاجل انها اضربت بمواشيها فطلبت ابن عم لها يقال له مصدع بن دهر وجعلت له نفسها ان عقر الناقة فاجابها الى ذلك ثم طلبت قدار بن سالف وكان رجلا احمر ازرق قصيرا يزعمون انه ولد زنى ولكنه ولد على فراش سالف فقالت يا قدار ازوجك أى بناتى شئت على ان تعقر الناقة وكان منيعا فى قومه فاجابها ايضا فانطلق قدار ومصدع فاستعووا عواة فاتاهم تسعة رهط فاجتمعوا على عقر الناقة فاوحى الله تعالى الى صالح ان قومك سيعقرون الناقة فقال لهم صالح بذلك فقالوا ما كنا لنفعل ثم تقاسموا بالله لنبيتنه واهله وقالوا نخرج فيرى الناس انا قد خرجنا الى سفر فنأتى الغار فنكون فيه حتى اذا كان الليل وخرج صالح الى مسجده قتلناه ثم رجعنا الى الغار فكنا فيه فاذا رجعنا قلنا ما شهدنا مهلك اهله وانا لصادقون اى يعلمون انا خرجنا فى سفر لنا وكا صالح لا ينام فى القرية وكان له مسجد خارج القرية يقال له مسجد صالح ببيت فيه فاذ اصبح اتاهم فوعظهم واذا امسى خرج الى المسجد فانطلقوا ودخلوا الغار فلما كان الليل سقط عليهم الغار فقتلهم فلما اصبحوا
رآهم رجل فصاح فى القرية فقال ما رضى صالح حتى قتلهم فاجتمع اهل القرية على عقر الناقة
وقال ابن اسحق انما اجتمع التسعة الذين عقروا الناقة فقالوا هلموا لنقتل صالحا فان كان صالح صادقا منعنا قتله وان كان كذبا الحقناه بناقته فاتوا ليلا فبيتوه فى اهله فدمغتهم الملائكة بالحجارة وقال بعضهم انطلق قدار ومصدع واصحابهما التسعة فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء وقد كمن له لها مصدع فى اصل صخرة اخرى فمرت على مصدع فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقها ثم خرج قدار فعقرها بالسيف فخرت ترغو ثم طعنها فى لبتها ونحرها وخرج اهل البلد واقتسموا لحمها فلما رآها سبقها كذلك رقى جبلا اسمه قارة فارغا ثلاثلا ودموعه تنحدر حتى اتى الصخرة التى خلق منها فانفتحت فدخلها فذلك قوله تعالى { فعقروا الناقة } { وعتوا عن امر ربهم } اى استكبروا عن امتثاله وهو ما بلغهم صالح من الامر بقوله فذروها ومن النهى بقوله ولا تمسوها واستكبروا عن اتباع امر الله وهو شرعه ودينه ويجوز ان يكون المعنى صدر عتوهم عن امر ربهم كان امر ربهم بترك الناقة كان هو السبب فى عتوهم ونجوا من هذه كما فى قوله وما فعلته عن امرى كذا فى الكشاف { وقالوا } مخاطبين له عليه السلام بطريق التعجيز والافحام { يا صالح ائتنا بما تعدنا } من العذاب على قتل الناقة { ان كنت من المرسلين } فان كونك من جملتهم يستدعى صدق ما تقول من الوعد والوعيد(4/195)
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)
{ فاخذتهم الرجفة } اى الزلزلة الشديدة لكن لا اثر ما قالوا بل بعد ما جرى عليهم ما جرى من مبادئ العذاب فى الايام الثلاثة كما سيجيء ورد فى حكاية هذه القصة { فاخذتهم الرجفة } وفى موضع { فاخذتهم الصيحة } وفى موضع { فاهلكوا بالطاغية } ولا تناقض لان الرجفة مترتبة على الصيحة لانه لما سيح بهم رجفت قلوبهم فماتوا فجاز ان يسند الاهلاك الى كل واحدة منهما
وقال الحدادى فأخذتهم الزلزلة ثم صيحة جبريل
وفى التفسير الفارسى [ بس فرا كرفت ايشانرا بسبب كشتن ناقه زلزله بعد از سفيدن صيحة عظيم ] واما قوله بالطاغية فالباء فيها سببية والطاغية مصدر بمعنى الطغيان كالعاقبة والتاء للمبالغة كما فى علامة ومعناه اهلكوا بسبب طغيانهم { فأصبحوا فى دارهم } اى صاروا فى اراضيهم وبلدهم او فى مساكنهم { جاثمين } اى خامدين موتى لا حراك بهم واصل الجثوم البروك يقال الناس جثوم اى قعود لا حراك بهم
قال ابو عبيدة الجثوم للناس والطير والبروك للابل والمراد كونهم كذلك عند ابتداء نزول العذاب بهم من غير اضطراب وحركية كما يكون عند الموت المعناد ولا يخفى ما فيه من شدة الاخذ وسرعة البطش اللهم انا بك نعوذ من نزول سخطك وحلول غضبك قيل حيث ذكرت الصيحة جمعت لان الصيحة كانت من السماء فبلوغها اكثر وابلغ من الزلزلة فقرن كل منهما بما هو أليق به -روى- انهم لما عقروا الناقة هرب ولدها الى جبل فرغا ثلاثا وكان صالح قال لهم بعد بلوغ خبر القتل اليه ادركوا الفصيل عسى ان يرفع عنكم العذاب فلم يقدروا عليه فانفجت الصخرة بعد رغائه فدخلها قال صالح لكل رغوة اجل يوم تمتعوا فى داركم اى فى بلادكم ثلاثة ايام ذلك وعد غير مكذوب وقد عقروا الناقة يوم الاربعاء فقال لهم صالح ابشروا بعذاب الله ونقمته فقالوا له وما علامة ذلك فقال تصبحون غداة يوم الخميس ووجوهكم مصفرة ثم تصبحون يوم الجمعة وجوهكم محمرة ثم تصبحون يوم السبت ووجوهكم مسودة ثم يصبحكم العذاب اول يوم الاحد فكان الامر كما وثف نبيهم حيث اصبحوا يوم الخميس كأن وجوههم طليت بالزعفران صغيرهم وكبيرهم ذكرهم واناثهم فيقنوا بالعذاب وعلموا ان صالحا قد صدق فطلبوه ليقتلوه فهرب منهم واختفى فى موضع فلم يجدوه فجعلوا يعذبون اصحابه باجمعهم وضجوا وبكوا وعرفوا ان العذاب قددنا اليهم وجعل كل واحد منهم يخبر الآخر بما يرى فى وجهه ثم اصبحةا يوم السبت ووجوههم مسودة كأنها طليت بالقار والنيل فصاحوا جميعا الا قد حضر العذاب فلما كان ليلة الاحد خرج صالح من بين اظهرهم ومن آمن به الى الشام فنزل رملة فلسطين فلما كان يوم الاحد وهو اليوم الرابع وارتفع الضحى تحنطوا بالصبر لئلا يتعرض لهم السباع لمرارته وتكفنوا بالانطاع والقوا نفوسهم على الارض يقلبون ابصارهم الى السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شيء له صوت ورجفة من الارض فتقطعت قلوبهم فى صدورهم فلم يبق منهم صغير ولا كبير الا هلك
فان قلت مشاهدة العلامات المذكورة تلجئ المكلف الى الايمان فهل يحتمل ان يبقى العاقل بعدها مصرا على كفره
قلت لما شاهدوا علامات نزول العذاب خرجوا عن حد التكليف فلم تقبل توبتهم بعد ذلك(4/196)
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)
{ فتولى عنهم } اثر ما شاهد ما جرى عليهم من الهلاك تولى مغتما متحسرا على ما فاتهم من الايمان متحزنا عليهم { وقال يا قوم لقد ابلغتكم رسالة ربى } [ بيغام برورد كار من كه باداء آن مامور ودم ] { ونصحت لكم } وقت الدعوة بالترغيب والترهيب وبذلت فيكم وسعى { ولكن لا تحبون الناصحين } صيغة المضارع حكاية حال ماضية اى شانكم الاستهزاء على بعض الناصحين لان قول الناصح ثقيل والحق مرّ وهما يفيدان البغضة كما قال قائلهم
وكم سقت فى آثاركم من نصيحة ... وقد يستفيد البغضة المتنصح
وذلك ايضا من خباثة ارض النفس الخبيثة لم تقبل بذر النصح ولم ينبت فيها -وروى- عن جابر ابن عبد الله انه قال لما امر النبى عليه السلام بالحجر فى غزوة تبوك يعنى مواضع ثمود قال لاصحابه « لا يدخلن احد منكم هذه القرية ولا تشربوا من مائها ولا تدخلوا على هؤلاء المعذبين الا ان تكونوا باكين ان يصيبكم مثل ما اصابهم » ثم قال « لا تسألوا رسولكم الآيات فان هؤلاء قوم صالح سألوا رسولهم الآية فبعث اليهم الناقة فكانت ترد من هذا الفج فتشرب ماءهم وردها واراهم مرتقى الفصيل حيث ارتقى » ثم اسرع رسول الله السير حتى جاوز الوادى وعنه عليه الصلاة والسلام انه قال لعلى « يا على أتدرى من اشقى الاولين » قال الله ورسوله اعلم قال « عاقر الناقة » ثم قال « أتدرى من اشقى الآخرين » قال الله ورسوله اعلم قال « قاتلك » وفى المثنوى
ناقه صالح بصورت بد شتر ... بى بريدندش زجهل آن قوم مر
ناقة الله آب خورد از جوى ميغ ... آب حق را داشتند از حق دريغ
شحنع قهر خدا زيشان بجست ... خونبهاى اشترى شهرى درست
صالح ازخلوت بسوى شهر رفت ... شهر ديد اندر ميان دود وتفت
زاسخوانها شان شنيد اوثالها ... اشك خون ازجان شان جون زالها
صالح آن بشنيد وكريه ساز كرد ... نوحه بر نوحه كنان آغار كرد
كفت اى قومى بباطن زيسته ... واز شما من بيش حق بكريسته
حق بكفته صبركن برجورشان ... بند شان ده بس نماند از دورشان
من بكفته بند شد بند از جفا ... شير بند از مهر جوشد وز صفا
بس كه كرديد از جفا برجاى من ... شير بند افرسد در ركهاى من
حق مرا كفته ترا لطفى دهم ... بر سر آن زخمها مرهم نهم
صاف كرده حق دلم را جون سما ... روفته از خاطرم جور شما
در نصيحت من شده بار دكر ... كفته امثال سخنها جون شكر
شير تازه از شكر انكيخته ... شير شهدى با سخن آميخته
درشما جون زهر كشته اين سخن ... زانكه زهرستان بديد از بيخ وبن
جون شوم غمكين كه غم شدسر نكون ... غم شما بوديد اى قوم حرون
هيج كس برمرك غم نوحه كند ... ريش سر جون شدكسى مو بركند
والاشارة الى ان صالح الروح ارسل بنفخة الحق الى بلد القلب وساكنيه ليدعوهم من الاوصاف الرديئة السفلية الظلمانية الحيوانية الى الاخلاق الحميدة العلوية النورانية الروحانية والنفس وصفاتها عقروا ناقة سر القلب بسكاكين مخالفات الحق والاستكبار وعتوا عن امر ربهم من التوحيد والمعرفة فصاروا الى الهلاك وبقوا فى اودية الجهل والانكار عصمنا الله واياكم من كل ما يسوء الروح ويمنع الفتوح(4/197)
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80)
{ ولوطا } اى وارسلنا لوطا وهو لوط بن هاران ابن تارخ فهو ابن اخى ابراهيم كان من ارض بابل العراق فهاجر مع عمه ابراهيم الى الشام ونزل الاردن وهو كورة بالشام فأرسله الله الى اهل سدوم بلد بحمص
قال فى التفسير الفارسى [ خداى تعالى ويرا بيغمبرى داد وباهل مؤتفكات فرستاد وآن بنج شهر بوده سدوم اعظم مداين بود وديكر عامه وداود وصابورا وصفود كويند درهر شهرى جهار باهزار هزار آدمى بودند لوط عليه السلام بسدوم آمد وخلق را بخجاى تعالى دعوت كرد بيست سال درميان ايشان بود وبخيرات مينمود وازفواحش نهى فرمود ويكى از فواحشها لواطه بود ] كما حكى الله تعالى بقوله { اذ قال لقومه } [ مرقوم سدوم را كه لوط عليه السلام درميان ايشان بود ] وهو ظرف لارسلنا المضمر اى ارسلنا لوطا الى قومه وقت قوله لهم
قيل الارسال قبل وقته القول لا فيه
واجيب بان هذا من قبيل قولك فى ظرف المكان زيد فى ارض الروم فهو ههنا غير حقيقى فيكفى وقوع المظروف فى بعض اجزائه { أتأتون الفاحشة } انكار وتفريغ على تلك الفعلة المتمادية فى القبح اى البالغة الى غاية القبح وهى اللواطة والمعنى أتفعلونها { ما سبقكم بها } ما فعلها قبلكم على ان الباء للتعدية كما فى قوله عليه السلام « سبقك بها عكاشة » من قولك سبقته بالكرة اى ضربتها قبله { من احد } من مزيدة لتأكيد لالنفى وافادة الاستغراق { من العالمين } من للتبعيض والجملة استئناف نحوى اى مبتدأة جئ بها تأكيدا للانكار السابق كأنه وبخهم اولا باتيان الفاحشة ثم باختراعها فانه اسوأ(4/198)
إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81)
{ انكم لتأتون الرجال } بيان لتلك الفاحشة . قرأ نافع وحفص انكم بطريق الخبر والباقون ائنكم بطريق الاستفهام يقال اتى المرأة اذا غشيها وفى اياد لفظ الرجال دون الغلمان والمردان ونحوهما مببالغة فى التوبيخ { شهوة } مفعول له وفى التقييد بها وصفهم بالبهيمية الصرفة وتنبيه على ان العاقل ينبغى ان يكون الداعى له الى المباشرة طلب الولد وبقاء النوع لاقضاء الشهوة { من دون النساء } اى متجاوزين النساء اللاتى اباح الله لكم { بل انتم قوم مسرفون } اضراب عن الانكار المذكور الى الاخبار بحالهم التى ادت بهم الى ارتكاب امثالها وهى اعتياد الاسراف فى كل شيء يعنى انهم قوم عادتهم الاسراف وتجاوز الحد فى كل شيء فمن ثمة اسرفوا فى باب قضاء الشهوة وتجاوزوا عما عين لها الى غيره(4/199)
وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82)
{ وما كان جواب قومه الا ان قالوا } استثناء مفرغ من اعم الاشياء اى ما كان جوابا من جهة قومه شيء من الاشياء الا قول بعضهم لبعض { اخرجوهم } اى لوطا ومن معه من المؤمنين { من قريتكم } اى الا هذا القول الذى يستحيل ان يكون جوابا لكلام لوط وليس المراد لم يصدر عنهم بصدد الجواب عن مقالات لوط ومواعظه الا هذه المقالة الباطلة كما هو المتسارع الى الافهام بل انه لم يصدر عنهم فى المرة الاخيرة من مرات المحاورات الجارية بينهم وبينه عليه السلام الا هذه الكلمة الشنيعة والا فقد صدر عنهم قبل ذلك كثير من الترهات حسبما حكة عنهم فى سائر السور الكريمة وهذا هو الوجه فى نظائره الواردة بطريق القصر وقوله { من قريتكم } اى من بلدكم فان العرب تسمى المدينة قرية والمراد بلدو سدوم رانهم اناس يتطهرون } اى يطلبون الطهارة من الفواحش قالوه على وجه الاستهزاء والسخرية بهم(4/200)
فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83)
{ فانجيناه } اى لوطا { واهله } ابنتيه رعوزا وريثا وسائر من آمن به فان الاهل يفسر بالازواج والاولاد وبالعبيد والاماء وبالاقارب وبالمجموع واهل الرجل خاصته الذين ينسبون اليه { الا امرأته } واهله فانه تسر الكفر وتغرى الكفار على انكار لوط وهو استثناء من اهله { كانت من الغابرين } استئناف بيانى كأنه قيل فماذا على حالها فقيل كانت من الغابرين اى الباقين فى جيارهم الهالكين فيها من الغبور بالفارسى [ باقى بماندن ] والتذكير مع ان الظاهر ان يقال من الغابرات مبنى على انه بقى فى ديارهم رجال ونساء فغلب الرجال فقيل فى حقها انها كانت منهم(4/201)
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84)
فان الطواف فى الآية الاولى وانما يدل على كونهم خدام اهل الجنة وان اهل الجنة يتلذذون بالنظر الى جمالهم وبهجتهم وهذا لا يقتضى التلذذ بالاستمتاع ايضا كما فى حق الحور . والاشتهاء فى الآية الثانية وان كان عاما لكنه يجوز ان لا تكون اللواطة مشتهاة لاهل الحنة للحكمة التى عليها مدار حرمتها فى جميع الاديان كالزنى بخلاف الخمر فانها كانت حلالا فى بعض الاديان ولذا صارت من نعيم الجنان ايضا ومطلق ارتفاع موانع الحرمة لا يقتضى الحل والجواز ألا ترى الى تستر اهل الجنة عند الوقاع فان اهليهم لا يظهرن لغير المحارم كما فى الواقعات المحمودية هذا
واما حكم الوطء بحسب الشرع فذهب الشافعى الى انه يقتل
وذهب بن حنبل الى انه يرجم وان كان غير محصن
قال فى شرح الوقاية ان من اتى دبر اجنبى او امرأة فعند ابى حنيفة لا يحد بل يعزر ويودع فى السجن حتى يتوب وعندهما يحد حد الزنى فيجلد ان لم يكن محصنا ويرجم ان كان محصنا قال قيدنا بدبر الاجنبى لانه لو فعل ذلك بعبده او امته او بمنكوحته لايحد اتفاقا لهما ان الصحابة اجمعوا على حده ولكن اختلفوا فى وجوهه فقال بعضهم يحبس فى انتن المواضع حتى يموت وقال بعضهم يهدم على الجدار لنتهى
وقد يقال يلقى من مكان عال كالمنارة
قال ابو بكر الوراق يحرق بالنار صرح بهم فى شرح المجمع
قال فى الزيادات والرأى الى الامام ان شاء قتله ان اعتاد ذلك وان شاء حبسه كما فى شرح الاكمل
والظاهر ان ما ذهب اليه ابو حنيفة انما هو استعظام لذلك الفعل فانه ليس فى القبح بحيث ان يجازى كالقتل والزنى وانما التعزير لتسكين الفتنة الناجزة كما انه يقول فى اليمين الغموس انه لا يجب فيه الكفارة لانه لعظمه لا يستتر بالكفارة
وفى كتاب الحظر والاباحة رجل وطء بهيمة
قال ابو حنيفة ان كانت البهيمة للواطء يقال له اذبحها واحرقها ان كانت مأكولة وان لم تكن مماتؤ كل تذبح ولا تحرق
قال فى ترجمة الجلد الاخير من الفتوحات الملكية [ وازنكاح بهايم اجتناب كن نه شرع است ونه دين ونه مروت شخصى بود صالح اما قليل العلم درخانه خود منقطع بود ناكاه بهيمه خريد وبادرا بدان حاجتى ظاهر نه بعد از جند سال كسى ازوى برسيد تواين را جه ميكنى وترابوى شغلى وحاجتى نيست كفت درسن خودرا باين محافظت ميكنم اوخود با آن بهيمه جمع مى آمده است تاززنا معصوم ماند اورا اعلام كردندكه آن حرامست وصاحب شرع نهى فرمود است بسيار كريست وتوبه كرد وكفت ندانستم بس برتو فرض عين است كه از دين خوم باز حويى وحلال وحرام را تمييز كنى تاتصرفات تو بطريق استقامت باشد انتهى كلام الترجمة ]
وفى الحديث « من لم يستطع فعليه بالصوم » استدل به بعض المالكية على تحريم الاستمناء لانه ارشد عنه العجز عن التزوج الى الصوم الذى يقطع الشهوة فلو كان الاسستمناء مباحا لكان الارشاد اليه اسهل وقد اباح الاستنماء طائفة من العملاء وهو عند الحنابلة وبعض الحنفية لاجل تسكين الشهوة جائز
وفى رواية الخاصة الصائم اذا عالج ذكره حتى امنى يجب عليه القضاء ولا كفارة عليه اللا يحل هذا الفعل خارج رمضان ان قصد قضاها الشهوة وان قصد تسكين شهوته ارجو ان لا يكون عليه وبال
وفى بعض حواشى البخارى والاستمناء باليد الحرام بالكتاب والسنة قال الله تعالى { والذين هم لفروجهم حافظون } الى قوله { فاولئك هم العادون } اى الظالمون المتجاوزون الحلال الى الحرام
قال البغوى فى الآية دليل على ان الاستنماء باليد حرام
قال ابن جريج سألت عطاء عنه فقال سمعت ان قوما يحشرون وايديهم حبالى واظنهم هؤلاء
وعن سعيعد بن جبير عذب الله امة كانوا يعبثون بمذاكيرهم والواجب على فاعله التعزيز كما قال ابن الملقن وغيره نعم يباح عند ابى حنيفة واحمد رحمهما الله اذا خاف على نفسه الفتنة وكذلك يباح الاستنماء بيد زوجته او جاريته لكن قال القاضى حسين مع الكراهة لانه فى معنى العزل وفى التارخانية قال ابو حنيفة حسبه ان ينجو رأسا برأس كذا فى انوار المشارق لمفتى حلب الشهباء والله اعلم(4/202)
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85)
{ والى مدين } اى وارسلنا الى قبيلة مدين وهم اولاد مدين بن ابراهيم خليل عليه السلام { اخاهم } فى النسب اى واحدا منهم { شعيبا } عطف بيان لاخاهم وهو شعيب بن ميكيل بن يشجر بن مدين الذى تزوج ريثا بنت لوط فولدت له وكثر نسله فصار مدين قبيلتهم قال الضحاك بكى شعيب من خشية الله حتى ذهب عيناه وصار اعمى وكان يقال له خطيب الانبياء لحسن مراجعته قومه وكانوا اهل بخس للمكاييل والموازين مع كفرهم { قال } استئناف بيانى { يا قوم اعبدوا الله } وحده { ما لكم من اله غيره } مر تفسيره { وقد جاءتكم بينة } معجزة { من ربكم } متعلق بجاءتكم او بمحذوف هو صفة لفاعله مؤكدة لفخامة الذاتية المستفادة من تنكيره بفخامته الاضافية اى بينة عظيمة كائنة من مالك اموركم ولم يذكر معجزته فى القرآن كما لم يذكر اكثر معجزات نبينا عليه السلام
قال فى التفسير الفارسى [ در قران معجزه شعيب مذكور نيست ودر احاديث نيز بنظر فقير نرسيده اما در آيات باهرات كه ذكر معجزات انبيا ميكنند ميكويدكه معجزه شعيب آن بودكه جون بكوه بلند برآمدى كوه سرفرود آوردى تا شعيب بآسانى بروى صعود كردى ] وذكر بعض معجزاته فى الكشاف فارجع اليه { فاوفوا الكيل } الكيل مصدر قولك كلت الطعام كيلا والمعنى المصدرى لا يمكن ايفاؤه لان النقص والا تمام من خواص الاعيان فحمله القاضى على حذف المضاف اى الآلة وان جاز كونه مصدرا كالميعاد فحمل الكيل على ما يكال به كما يطلق العيش على ما يعاش به وكان لهم مكيالان وميزانان احدهما اكبر من الآخر قال اكتالوا على الناس يستوفون بالاكبر واذا كالوهم او وزنوهم يخسرون بالاصغر والمعنى ادوا حقوق الناس بالمكيال والميزان على التمام { ولا تبخسوا الناس } اى لا انقصوا { اشياءهم } التى يشترونها بها متعمدين على تمامها أى شء كان وأى مقدار كان فانهم كانوزا يبخسون الجليل والحقير والقليل والكثير فالتعبير بالاشياء دون الحقوق للتعميم فان مفهوم الشيء اعم بالنسبة الى مفهوم الحق
واعلم ان بخس الناس اشياءهم فى المكيل والموزون من خساسة النفس ودناءة الهمة وغلبة الحرص ومتابعة الهوى والظلم وهذه الصفات الذميمة من شيم النفوس وقد ورد الشرع بتبديل هذه الصفات وتزكية النفس فان الله تعالى يحب معالى الامور ويبغض سفاسفها وفى الحديث « ما ذئبان جائعان ارسلا فى غنم بافسد لها من حرص المرء على المال والشرف » وفى الحديث « الصلاة امانة والوضوء امانة والوزن امانة والكيل امانة » -روى- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه « الكيل والوزن انتم قد وليتم امرا فيه هلكت الامم السالفة قبلكم » { ولا تفسدوا فى الارض } اى بالكفر والحيف { بعد اصلح امرها واهلها الانبياء وابتاعهم باجراء الشرائع { ذلكم } اشارة الى العمل بما امرهم به ونهاهم عنه { خير لكم } من التطفيف والبخس والافساد قيل خير ههنا ليس على بابه من التفضيل بل بمعنى نافع عند الله { ان كنتم مؤمنين } اى مصدقين بى فى قولى هذا(4/203)
وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86)
{ ولا تقعدوا بكل صراط } الباء للالصاق او المصاحبة لان القعود ملصق بالمكان وان القاعد ملابسه ويحتمل ان تكون بمعنى فى لان القاعد يحل بمكان قعوده وان تكون بمعنى على الاستيلاء القاعد على المكان { توعدون } حال من فاعل لا تقعدوا ولم يذكر الموعد به ليذهب الذهن كل مذهب . والمعنى ولا تقعدوا بكل طريق من طرق الدين موعودين اى مخوفين كالشيطان حيث قال لاقعدن لهم صراطك المستقيم وصراط الله وان كان واحدا لكنه يتشعب الى معارف وحدود احكام وكانوا اذا رأوا احدا يسعى فى شيء منها منعوه وقيل كانوا يجلسون على المرصد فيقولون لمن يريد شعيبا انه كذاب لا يفتننك عن دينك ويتوعدون من آمن به وقيل يقطعون الطريق { وتضلون } عطف على توعدون اى تمنعون وتصرفون { عن سبيل الله } اى السبيل الذى قعدوا عليه { من آمن به } اى بكل صراط وهو مفعول تصدون { وتبغونها } من باب الحذف والايصال والتقدير وتبغون لها انت ضمير السبيل لانه يذكر ويؤنث . والمعنى وتطلبون لسبيل الله رعوجا } زيغا وعدولا عن الحق بالقاء الشبه او بوصفها للناس بانها معوجة وهى ابعد شيء من شائبة الاعوجاج
وفيه اشارة الى الذين قطعوا طريق الوصول الى الله على الطالبين بانواع الحيل بالمكايد وطلبوا الاعوجاج فيه باظهار الباطل كما قطعوا على انفسهم قال فى شر المعاصى ما لا يكون لازما لصاحبه بل يكون متعديا عنه الى غيره لان ضرر التعدية عائد الى المبتدئ بقدر الاثر فى التعدى { واذكروا اذ كنتم قليلا فكثركم } بالبركة فى النسل والمال فصار ضعفكم قوة وفقركم غنى { وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين } من الامم الماضية كقوم نوح ومن بعدهم من عاد وثمود واضرابهم واعتبروا بهم واحذروا من سلوك مسالكهم(4/204)
وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87)
{ وان كان من طائفة منكم آمنوا بالذى ارسلت به } من الشرائع والاحكام { وان طائفة لم يؤمنوا } اى به
قال فى التفسير الفارسى [ قومى از مدين بشعيب عليه السلام ايمان آوردند جمعة ديكر انكار كردند وكفتند قوت وثروت ما راست نه مؤمنارا بس حق باما باشد واكر حق با ايشان بودى بايستى كه توانكرى ووسعت معاش ايشانرا بودى شعيب عليه السلام فرمودكه اكرجه شما دوكره شد ايد ] { فاصبروا } فتربصوا { حتى يحكم الله بيننا } اى الفريقين بنصر المحقين على المبطلين فهو وعد للمؤمنين ووعيد للكافرين { وهو خير الحاكمين } اذ لا معقب لحكمه ولا حيف فيه وهو اعدل القاضين(4/205)
قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88)
{ قال الملأ الذين استكبروا من قومه } بعدما سمعوا هذه المواعظ من شعيب عليه السلام وهو استئناف بيانى { لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا } عطف على الكاف فى لنخرجنك ويا شعي اعتراض بين المتعاطفين ونسبة الاخراج اليه اولا والى المؤمنين ثانيا تنبيه على اصالته فى الاخراج وتبعيتهم له فيه كما ينبئ عنه قوله تعالى { معك } فانه متعلق بالاخراج لا بالايمان . والمعنى والله لنخرجنك واتباعك { من قريتنا } بغضا لكم ودفعا لفتنتكم المرتبة علىلمساكنة والجوار
وفيه اشارة الى من شأن المتكبرين ودأب المتجبرين الاستعلاء وان يخرج الاعز الاذل وذلك لما فيهم من بطر النعم وطغيان الاستغناء وعمه الاستبداد ولما كان حب الدنيا رأس كل خطيئة وفتنتها اعظم من كل بلية جعل الله تعالى اهلها فى البلاد سببا للهلاك والفساد كما قال الله تعالى { اذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها } الاية : قال الحافظ
ايمن مشو زعشوه دنيا كه اين عجوز ... مكاره مى نشيند ومحتاله مى رود
{ او لتعودن فى ملتنا } العود هو الرجوع الى الحالة الاولى ومن المعلوم ان شعيبا لم يكن على دينهم وملتهم قد لان الانبياء لا يجوز عليهم من الصغائر الا ماليس فيه تنفير فضلا عن الكبائر فضلا عن الكفر الا انه اسند العود اليه والى من معه من المؤمنين تغليبا لهم عليه لان العود متصور فى حقهم . والمعنى والله ليكونن احد الامرين البتة على ان المقصد الاصلى هو العود وانما ذكر النفى والاجلاء كما يفصح عنه عدم تعرضه عليه السلام لجواب الاخراج كأنهم قالوا لا ندعكم فيما بيننا حتى تدخلوا فى ملتنا وانما لم يقولوا او لنعيدك على طؤيق ما قبله لما ان مرادهم ان يعودوا اليها بصورة الطواعية حذر الاخراج باختيار اهون الشرين لا اعادتهم بسائر وجوه الاكراه والتعذيب
وفيه اشارة الى ام اهل الخير كما لا يميلون الا الى اشكالهم فكذلك اهل الشر لا يرضون ممن رأوا الا بان يساعدهم على ما هم عليه من احوالهم والاوحد فى بابه من باين نهج اضرابه
همه مرغان كند باجنس برواز ... كبوتر با كبوتر باز باباز
{ قال } شعيب ردا لمقالتهم الباطلة وتكذيبا لهم فى ايمانهم الفاجرة { أو لو كنا كارهين } تقديره أنعود فيها ولو كنا كارهين اى كيف نعود فيها ونحن كارهون لها على ان الهمزة لانكار الوقوع ونفيه لا لانكار الواقع واستقباحه كالتى فى قوله تعالى { أولوجئتك بشيء مبين }(4/206)
قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)
{ قد افترينا على الله كذبا } عظيما { وان عدنا فى ملتكم } التى هى الشرك وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه اى ان عدنا فى ملتكم { بعد اذ نجينا الله منها } فقد افترينا على الله كذبا عظيما حيث نزعم حينئذ ان الله تعالى ندا وليس كمثله شيء وانه قد تبين لنا ان ما كان عليه من الاسلام باطل وان كنتم عليه من الكفر حق وأى افتراء اعظم من ذلك { وما يكون لنا } اى وما يصح وما يستقيم لنا { ان نعوذ فيها } فى حال من الاحوال او فى وقت من الاوقات { الا ان يشاء الله } اى الاحالة مشيئة الله تعالى لعودنا فيها وذلك مما لا يكاد يكون كما ينبئ عنه قوله { ربنا } فان التعرض لعنوان ربوبيته تعالى لهم مما ينبئ عن استحالة مشيئته تعالى لارتدادهم قطعا وكذا قوله تعالى { بعد اذ نجينا الله منها } فان تنجيته تعالى لهم منها من دلائل عدم مشيئته تعالى لعودهم فيها
وقيل معناه الا ان يشاء الله خذلاننا وفيه دليل على ان الكفر بمشيئة الله تعالى واياما كان فليس المراد بذلك بيان ان العود فيها فى حيز الامكان وخطر الوقوع بناء على كونه مشيئته تعالى كذلك بل بيان استحالة وقوعها كأنه قيل وما كان لنا ان نعوذ فيها الا ان يشاء ربنا وهيهات ذلك بدليل ما ذكر من موجبات عدم مشيئته تعالى له { وسع ربنا كل شيء علما } علما نصب على التمييز منقول عن الفاعلية تقديره وسع علم ربنا كل شيء كقوله { واشتعل الرأس شيبا } والمعنى احاطة علمه بكل ما كان وما سيكون من الاشياء التى من جملتها احوال عباده وعزائمهم ونياتهم وما هو اللائق بكل واحد منهم فمحال من لطفه ان يشاء عودنا فيها بعدما نجانا منها مع اعتصامنا به خاص حسبما ينطق قوله تعالى { على الله توكلنا } فى ان يثبتنا على الايمان ويخلصنا من الاشرار ثم اعرض عن المعاندين وتوجه الى مناجاة رب العالمين فقال { ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق } احكم بيننا وبينهم واقض بما يدل على انا الحق وهم على الباطل وافصل بما يليق بحال كل من الفريقين { وانت خير الفاتحين } والفاتح هو الحاكم بلغة اهل عمان سمى فاتحا لانه يفتح المشكلات ويفصل الامور ويجوز ان يكون من فتح المشكل اذا بينه . والمعنى اظهر امرنا حتى ينكشف ما بيننا وبينهم ويتميز المحق من المبطل
وفى التأويلات النجمية { احكم بيننا وبينهم } باظهار حقيقة ما قدرت لنا من خاتمة الخير واظهار ما قدرت لهم من خاتمة السوء(4/207)
وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90)
{ وقال الملأ الذين كفروا من قومه } عطف على قوله { قال الملأ الذين استكبروا } اى قال اشرافهم الذين اصروا على الكفر لاعقابهم بعد ما شاهدوا صلابة شعيب عليه السلام ومن معه من المؤمنين فى الايمان وخافوا ان يستتبعوا قومهم تثبيطا لهم عن الايمان وتنفيرا لهم منه على طريقة التوكيد القسمى والله { لئن اتبعتم شعيبا } ودخلتم فى دينه وتركتم دين آبائكم { انكم لخاسرون } اى فى الدين لاشترائكم الضلالة بهداكم او فى الدنيا لفوات ما يحصل لكم بالبخس والتطفيف(4/208)
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91)
{ فاخذتهم الرجفة } اى الزلزلة الشديدة وهكذا فى سورة العنكبوت وفى سورة هود { واخذت الذين ظلموا الصيحة } اى صحة جبريل ولعلها من مبادئ الرجفة فاسند هلاكهم الى السبب القريب تارة والى البعيد اخرى
قال ابن عباس رجفت بهم الارض واصابهم حر شديد فرفعت لهم سحابة فخرجوا اليها يطلبون الروح منها فلما كانوا تحتها سالت عليهم بالعذاب ومعه صيحة جبريل عليه السلام { فاصبحوا فى دارهم } اى صاروا فى مدينتهم وفى سورة هود { فى ديارهم } قال الحدادى اى بقرب دارهم تحا الظلة كما قال تعالى { فاخذهم عذاب يوم الظلة } { جاثمين } اى ميتين على وجوههم وركبهم لازمين لاماكنهم لا براح لهم منها -وروى- انهم احترقوا تحت السحابة فصاروا ميتين بمنزلة الرماد الجاثم اجساما ملقاة على الارض محترقة
وقال ابن عباس فتح الله عليهم بابا من جهنم فارسل عليهم منه حرا شديدا فاخذ بانفاسهم فدخلوا جوف البيوت فلم ينفعهم ماء ولا ظل وانضجهم الحر فبعث الله سحابة فيها ريح طيبة فوجدوا برد الريح وطيبها وظل السحابة فتنادوا عليكم بها فخرجوا نحوها فلما اجتمعوا تحتها رجالهم ونساؤهم وصبيانهم ألهلها الله عليهم نارا ورجفت بهم الارض فاحترقوا كما يحترق الجراد المقلى وصاروا رمادا وهو عذاب يوم الظلة
قال فى التأويلات النجمية من عنادهم رأوا الحق باطلا والباطل حقا والفلاح خسرانا والخسران فلاحا { فاخذتهم الرجفة } فصارت صورتهم تبعا لمعناهم { فانهم كانوا جاثمين } الارواح فى ديار الاشباح(4/209)
الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92)
{ الذين كذبوا شعيبا } استئناف لبيان ابتلائهم بشؤم قولهم فيما سبق { لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا } وعقوبتهم بمقابلته والموصول مبتدأ وخبره قوله تعالى { كأن لم يغنوا فيها } اى استأصلوا بالمرة وصاروا كأنهم لم يقيموا بقريتهم اصلا اى عوقبوا بقولهم ذلك وصاروا هم المخرجين من القرية اخراجا لا دخول بعده ابدا والمغنى المنزل والمغانى المنازل التى كانوا بها يقال غنينا بمكان كذا اى نزلنا فيه . وفيه اشارة الى ان المكذبين والمتكبرين وان كانت لهم علبة فى وقتهم ولكن تنقضى ايامهم بسرعة ويسقط صيتهم ويخمل ذكرهم ويضمحل آثارهم ويكون اهل الحق مع الحق غالبا فى كل امر والباطل زاهق بكل وصف : وفى المثنوى
يك مناره در ثناى منكران ... كودرين عالم كه تاباشد عيان
منبرى كوكه برانجا مخبرى ... ياد آرد روز كار منكرى
يا غالب شوكه تا غالب شوى ... يا مغلوبان مشوهين اى غوى
{ الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين } استئناف آخر لبيان ابتلائهم بعقوبة قولهم الاخير اى الذن كذبوه عليه السلام عوقبوا بمقالتهم الاخيرة فصاروا هم الخاسرين للدنيا والدين لا الذين اتبعوه وبهذا الحصر اكتفى عن التصريح بانجائه عليه السلام كما وقع فى سورة هود من قوله تعالى { فلما جاء امرنا نجينا هود والذين آمنوا معه } الآية(4/210)
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93)
{ فتولى عنهم وقال يا قوم لقد ابلغتكم رسالات ربى ونصحت لكم } قال عليه السلام بعد ما هلكوا تأسفا بهم لشدة حزنه عليهم ثم انكر على نفسه ذلك فقال { فكيف آسى } اى احزن حزنا شديدا وبالفارسية [ بس جه كونه اندوه خورم وغمناك شوم ] فهو مضارع متكلم من الاسى من باب علم وهو شدة الحزن { على قوم كافرين } مصرين على الكفر ليسوا أهل حزن لاستحقاقهم ما نزل عليهم بكفرهم او قاله اعتذارا من عدم تصديقهم له وشدة حزنه عليهم . والمعنى لقد بالغت فى الابلاغ والانذار وبذلت وسعى فى النصح والاشفاق فلم تصدقوا قولى فكيف آسى عليكم : وفى المثنوى
جون شوم غمكين كه غم شدسر نكون ... غم شما بوديد اى قوم حرون
كثر مخوان اى راست خواننده ببين ... كيف آسى خلف قوم ظالمين
قال فى التأويلات النجمية يعنى خرجت عن عهدة تكليف التبليغ فانه ما على الرسول الا البلاغ فانه وان نصحت لكم فما على من اقراركم وانكاركم شيء ان احسنتم فالميراث الجميل لكم وان اسأتم فالضرر بالتألم عائد عليكم ومالك الاعيان اولى بها من الاعيان فالخلق خلقه والملك ملكه ان شاء هداهم وان شاء اغواهم فكيف آسى على قوم كافرين فلا تأسف على نفى وفقد ولا اثر من كون ووجود لان الكل صادر من حكيم بالغ فى حكمته كامل فى قدرته انتهى قال الله تعالى { لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم } وهذا انما يحصل عند الفناء الكلى وهو للانبياء عليهم السلام وكمل الاولياء
واعلم ان كل اهل ابتلاء ليس بمحل للرحمة عند نظر الحقيقة لان الله تعالى ابتلاه بسبب جفائه اياه فقد اكتسبه بعلمه فكيف يترحم له ولذا كان اهل الحقيقة كالسيف الصارم مع كونهم رحم خلق الله تعالى ألا ترى الى قوله تعالى { ولا تأخذكم بهما رأفة } قال السعدى قدس سره
كراسرع فنوى دهد بر هلاك ... ألا تاندارى زكشتنش باك
والله تعالى غيور وعبده فى غيرته فالحلم والغضب بقدر ما اذن فيه الشرع من اخلاق الانبياء وهو وهو لا يقدح فى فراغ القلب عن كل وصف لان رعاية الاحكام الظاهرة لا تنافى التوغل فى الحقيقة فعلى العاقل ان يدور بالامر اللهى ويرفع على لسانه وقلبه لم لا وكيف فان الامر بيد الله تعالى لا بيده
قال ابراهيم بن ادهم لرجل أتحب ان تكون لله وليا قال نعم قال لا ترغب فى شيء من الدنيا والآخرة وفرغ نفسك لله واقبل بوجهك عليه ليقبل علك ويواليك فعلم من هذا ان من كان اقباله الى نفسه والى هواها لا يجد الحق واقباله وموالاته فى كل حالاته ومقاماته كما لا يخفى(4/211)
وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94)
{ وما ارسلنا فى قرية } [ در شهرى وديهمى ] { من } مزيدة { نبى } كذبه اهلها { الا } قد اخذنا اهلها } استثناء مفرغ من اعم الاحوال . والمعنى وما ارسلنا فى قرية من القرى المهلكة نبيا من الانبياء المكذبين فى حال من الاحوال الا فى كوننا آخذين اهلها { بالبأساء } بالبؤس والفقر { والضراء } بالضر والمرض لكن على معنى ان ابتداء الارسال مقارن للاخذ المذكور بل على انه مستتبع له غير منفك عنه بالآخرة لاستكبارهم عن اتباع نبيهم وتعززهم عليه { لعلهم يضرعون } كى يتضرعوا ويتذللوا ويحطوا أردية الكبر والعزة على اكتافهم فان الشدة خصوصا الجوع يؤدى الى التواضع والانقياد فى حق اكثر العباد . ومن بلاغات الزمخشرى المرص والحاجة خطبان امرّ من نقيع الخطبان وهم بضم الخاء نوع من ورق الحنظل اصفر وهو ابلغ فى المرارة(4/212)
ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95)
{ ثم بدلنا } عطف على اخذنا داخل فى حكمه { مكان السيئة } التى اصابتهم { الحسنة } اى اعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء والمحنة الرخاء والسعة لان تسوء الانسان كما سمى الرخاء حسنة لا يحسن اثره على الانسان والا فالسيئة هى الفعلة القبيحة والله تعالى لا يفعل القبيح والحسنة والسيئة من الالفاظ المستغنية عن ذكر موصوفاتها حالة الافراد والجمع سواء كانتا صفتين للاعمال او المثوبة او الحالة من الرخاء والشدة { حتى عفوا } كثروا عددا وعددا وابطرتهم النعمة يقال عند النبات اذا كثر وتكاثف ومنه اعفاء اللحى فى الحديث وهو « احفوا الشوارب واعفو اللحى » قال الشاعر
عفوا من بعد اقلال وكانوا ... زمانا ليس عندهمو بعير
{ وقالوا } غير واقفين على ان ما اصابهم فاثبتوا انتم على دينكم ولا تنتقلوا عنه { فاخذناهم } اثر ذلك { بغتة } فجأة اشد الاخذ وافظعه { وهم لا يشعرون } بنزول العقاب وهم لا يخطرون ببالهم شيأ من المكاره وهو اشد وحسرته اعظم لان المرء اذا رأى مقدمات الابتلاء يوطن نفسه عليها بخلاف حال الفجأة(4/213)
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)
{ ولو ان اهل القرى } اى القرى المهلكة المدلول عليها بقوله تعالى { من قرية } { آمنوا واتقوا } مكان كفرهم وعصيانهم { لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض } لوسعنا عليهم الخير ويسرناه لهم من كل جانب مكان ما اصابهم من فنون العقوبات التى بعضها من السماء وبعضها من الارض واكثر اهل التفسير على ان بركات السماء هى المطر وبركات الارض النبات والثمار { ولكن كذبوا } الرسل { فاخذناهم } هذا الاخذ عبارة عما فى قوله تعالى { فاخذناهم بغتة } { بما كانوا يكسبون } من انواع الكفر والمعاصى
وفى الآية دلالة على ان الكفاية والسعة فى الرزق من سعادة المرء اذا كان شاكرا او المراد بقوله لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة الكثرة التى تكون وبالا على من لا يشكر الله تعالى
قال فى التفسير الفارسى [ در حقايق سلمى فرموده كه اكر بندكان بكرديدندى بمواعد من وحذر كردندى از مخالفت يا بترسيدندى از تهديد من دلهاء ايشانرا بنور مشاهده خود روشنى دادمى كه ببركت سما اشارت بدانست وجوارح واعضاء ايشانرا بخدمت خود بيا راستمى كه بركت زمين عبارت از آنست
در زمين وآسمان درهاء جود ... مى كشايند ازبى اهل سجود
از زمين بر اطاعت باز كن ... بر سماى معرفت برواز كن(4/214)
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97)
{ أفأمن اهل القرى } الهمزة لانكار الواقع واستقباحه لا لانكار الوقوع ونفيه والفاء للعطف على قوله فاخذناهم بغتة . والمعنى ابعد ذلك الاخذ أمن اهل مكة ومن حولها من المكذبين لك يا محمد { أن يأتيهم بأسنا } عذابنا { بياتا } ليلا { وهم نائمون } فى فرشهم ومنازلهم لا يشعرون بالعذاب لغفلتهم(4/215)
أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98)
{ او أمن اهل القرى } [ يا ايمن شدند اهل شهرها ] { ان ياتيهم بأسنا ضحى } ضحوة النهار وبالفارسى [ دروقت جاشت ] وهو فى الاصل ضوء الشمس اذا ارتفعت { وهم يلعبون } اى يلهون من فرط الغفلة بصرف الهمم فيما لا ينفع لا فى امر الدين ولا فى امر الدنيا او يشتغلون بما لا ينفعهم من امور الدنيا فان من اشتغل بدنياه واعرض عن آخرته فهو كاللاعب [ ملخص سخن آنست كه بعد از تكذيب رسل از عذاب الهى ايمن نتوان بود نه بروز ونه بشب ](4/216)
أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)
{ أفأمنوا مكر الله } مكر الله استعارة لاستدراجه العبد واخذه من حيث لا يحتسب والمراد به اتيان بأسه تعالى فى الوقتين المذكورين
قال الحدادى انما سمى العذاب مكرا على جهة الاتساع والمجاز لان المكر ينزل بالمكمور من جهة الماكر من حيث لا يشعر واما المكر الذى هو الاحتيال للاظهار بخلاف الاضمار فذك لا يجوز على الله { فلا يأمن مكر الله } الفاء فاء جواب شرط محذوف اى اذا كان استدراجه واخذه على هذا الوجه فلا يأمن مكره بهذا المعنى { الا القوم الخاسرون } الذين ليسوا من القوم الرابحين قيل معنى الآية ولا يأمن عذاب الله من العصاة اولا يأمن عذاب الله من المذنبين والانبياء عليهم السلام لا يأمنون عذاب الله على المعصية ولهذا لا يعصون بانفسهم انتهى
قال فى التأويلات النجمية مكره تعالى مع اهل القهر بالقهر ومع اهل اللطف باللطف { فلا يأمن مكر الله } من اهل القهر { الا القوم الخاسرون } الذين خسروا سعادة الدارين ومن اهل اللطف الا الخاسرون الذين خسروا الدنيا والعقبى وربحوا المولى فعلى هذا اهل الله هم الآمنون من مكر الله لان مكر الله فى حقهم مكر باللطف دل عليه قوله { اولئك لهم الامن وهم مهتدون } ولهذا قال { وهو خير الماكرين } لان مكرهم مكر فى مستحقيه وغير مستحقيه بالقهر ومكره فى مستحقيه باللطف فافهم واعتبر جدا انتهى
واعلم ان الامن من مكر الله تعالى قد عد كفرا لكن هذا بالنسبة الى اهل المكر دون اهل الكرم فان كمل الاولياء مبشرون بالسلامة فى حياتهم الدنيوية كما قال تعالى { لهم البشرى فى الحياة الدنيا } فلهم سلامة دنيوية واخروية كما قال تعالى { لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } لكنهم يكتمون سلامتهم لكونهم مأمورين بالكتمان وعلمهم بسلامتهم يكفى لهم ولا حاجه لهم بعلم غيرهم واما الانبياء عليهم الصلاة والسلام فلهم ان يخبروا بسلامتهم لكونهم شارعين فى بد لغيرهم من العلم بسلامتهم حتى يؤمن ويقبل دعوتهم(4/217)
أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (100)
{ أو لم يهد للذين يرثون الارض من بعد اهلها } عدى فعل الهداية باللام لانها بمعنى التبيين والمفعول محذوف والفاعل قوله لو ان لو نشاء ومعنى يرثون الارض من بعد اهلها يخلفون من خلا قبلهم من الامم المهلكة ويرثون ديارهم والمراد بهم اهل مكة ومن حولها . والمعنى او لمة يبين ويوضح لهم عاقبة امرهم ان سلكوا طريق اسلافهم { ان } مخففة اى ان الشأن { لو نشاء اصبناهم بذنوبهم } اى بجزاء ذنوبهم وسيآتهم او بسبب ذنوبهم كما اصبنا من قبلهم
قال سعدى جلبى المفتى ويجوز ان يضمن معنى اهلكناهم فلا حاجة الى تقدير المضاف { ونطبع على قلوبهم } عطف على ما يفهم من قوله تعالى { أو لم يهد } كأنه قيل لا يهتدون ونطبع على قلوبهم اى نختم عليها عقوبة لهم { فهم لا يسمعون } اى اخبار الامم المهلكة فضلا عن التدبر والنظر فيها والاغتنام بما فى تضاعيفها من الهدايات
قال الكاشفى [ كوش دل استماع سخن حق فائده داردنه كوش آب وكل ]
اين سخن از كوش دل بايد شنود ... كوش كل اينجا ندارد هيج سود
كوش سربا جمله حيوان همدم است ... كوش سر مخصوص نسل آدم است
كوش سرجون جانب كوينده است ... كوش سر سهلت اكرا آكنده است(4/218)
تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101)
{ تلك القرى } يعنى قرى الامم المار ذكرهم فاللام للعهد { نقص عليك } [ خوانده ايم برتو ] { من انبائها } من للتبعيض اى بعض اخبارها التى فهيها عظة وتذكير { ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات } الباء متعلقة اما بالفعل المذكور على انها للتعدية واما بمحذوف وقع حالا من فاعله اى ملتبسين بالبينات . والمعنى وبالله لقد جاء كل امة من تلك الامم المهلكة رسولهم الخاص بهم بالمعجزات البينة المتكثرة المتواردة عليهم الواضحة للدلالة على صحة رسالته الموجبة للايمان حتما { فما كانوا ليؤمنوا } اى فما صح وما استقام لقوم من اولئك الاقوام ان يؤمنوا عند مجيء الرسل بها { بما كذبوا من قبل } الباء صلة لم يؤمنوا اى بما كذبوه من قبل مجيئ الرسل بل كانوا مستمرين على التكذيب فما كذبوه عبارة عن اصول الشرائع التى اجمعت عليها الرسل بل كانوا مستمرين على التكذيب فما كذبوه عبارة عن اصول الشرائع التى اجمعت عليها الرسل قاطبة ودعوا أممهم اليها مثل ملة التوحيد ولوازمها ومعنى تكذيبهم بها قبل مجيء رسلهم انهم ما كانوا فى زمن الجاهلية بحيث لم يسمعوا كلمة التوحيد قط بل كانت كل امة من اولئك الامم يتسامعون بها من بقايا من قبلهم فيكذبونها ثم كانت حالتهم بعد مجيء رسلهم كحالتهم قبل ذلك كان لم يبعث اليهم احد ويجوز ان يكون المراد بعدم ايمانهم المذكور اصرارهم على ذلك وبما اشير بقوله تعالى بما كذبوا من قبل تكذيبهم من لدن مجيء الرسل الى وقت الاصرار والعناد . فالمعنى حينئذ فما كانوا ليؤمنوا مدة عمرهم بما كذبوا عبارة عن جميع الشرائع التى جاء بها كل رسول اصولها وفروعها وعلى كلا التقديرين فالضمائر الثلاثة متوافقة فى المرجع . وقيل ضمير كذبوا راجع الى اسلافهم . والمعنى فما كان الابناء ليؤمنوا بما كذب به الآباء وحمله المولى ابو السعود على التعسف
يقول الفقير لو كانت الضمائر الثلاثة متوافقة فى المرجع ايضا وجعل التكذيب تكذيب الآباء فى الحقيقة وانما اسند الى الابناء ما حقه ان ينسب اليهم من حيث الاتصال بينهم ورضى بعضهم عن بعض فيما فعله لكان معنى لا تعسف فيه اصلا كما سبق امثاله فى البقرة فى مخاطبات اليهود المعاصرين الى رسول الله صلى الله عليه وسلم { كذلك } فى محل النصب على انه مفعول { يطبع } اى مثل ذلك الطبعالشديد المحكم يطبع { الله على قلوب الكافرين } اى من المذكورين وغيرهم فلا يكاد يؤثر فيها الآيات والنذر ويجوز ان يكون اشارة الى ما قبله مثل ذلك الطبع الذى طبع الله على قلوب كفار الامم الخالية يطبع على قلوب الكفرة الذين كتب عليهم ان لا يؤمنوا ابدا(4/219)
وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)
{ وما وجدنا لاكثرهم } لقينا فوجدنا بمعنى صادفنا { من عهد } من مزيدة فى المفعول والمضاف محذوف اذ لا وجه لنفس العهد اى ما وجدنا لاكثرهم من وفاء عهد فانهم نقضوا ما عاهدوا الله عليه عند مساس البأساء والضراء قائلين لان انجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين وتخصيص هذا الشان باكثرهم ليس لان بعضهم كانوا يفون بعهودهم بل لان بعضهم كانوا لا يعاهدون ولا يفون ويحتمل ان يكون وجدنا بمعنى علمنا ويكون من عهد مفعوله الاول ولاكثرهم مفعوله الثانى { وان } مخففة اى ان الشان { وجدنا اكثرهم } اى علمنا اكثر الامم { لفاسقين } خارجين عن الطاعة ناقضين للعهود
وفى ترجمة الجلد الاخير من الفتوحات الملكية
[ حق تعالى بموسى عليه السلام وحى كرد هركه باميدتون آيد اورا بى بهرة مكذار وهركه زينهار خواست اورا زينهاده موسى عليه السلام درسياحت بود ناكاه كبوترى بركتف نشست وبازى عقب او آمد وقصد ان كبوتر داشت بركتف ديكر فرود آمد آن كبوتر در آستين موسى عليه السلام در آمد وزينهار ميخواست وباز بزبان فصيح بموسى آوازدادكه اى يسر عمران مرا بى بهره مكذار وميان من ورزق من دايى ميكفن موسى عليه السلام كفت جه زود مبتلا شدم ودست كرد تا ازرانخود باره قطع كند براى طعمة باز تاحف عهد كرده باشد وبكار هردو فانموده كفتند يا ابن عمران تعجيل مكن كه مارسولا نيم وغرض آن بودكه صحت عهد توآز مايش كنيم ]
ايا سامعا ليس السماع بنافع ... اذا انت م تفعل فما انت سامع
اذا كنت فى الدنيا عن الخير عاجزا ... فما انت فى يوم القيامة صانع
ولا كلام فى وفاء الانبياء بعهودهم ونقض الفاسقين لمواثيقهم وانما الكلام فيمن ادعى الايمان والاستسلام ثم لم يف بعهده يوما من الايمان : قال الحافظ
وفامجو زكس ورسخن نمى شنوى ... بهرزه طالب سيمرغ وكيميا ميباش
وعن عبد الرحمن بن عوف بن مالك الاشجعى قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة او ثمانية او سبعة فقال « ألا تبايعون رسول الله » وكنا حديثى عهد بيتعته فقلنا قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك قال « ان تعبدوا الله ولا تشركوا به شيأ وتقيموا الصلوات الخمس وتطيعوا » واسر كلمة خفية « ولا تسألوا الناس » فقد رأيت بعض اولئك النفر يسقط سقوط احدهم ولم يسأل أحد يناوله اياه يعنى خوفا من نقض العهد واهتماما فى امر الوفاء فانظر الى هؤلاء الرجال ومبايعتهم ودخولهم فى طريق الحق ومسارعتهم فاذا احترزوا عن سؤال مناولة السوط الذى سقط من ايديهم فما ظنك فى الاحتراز عما فوقه من الاحوال المتواردة عليهم وانت يا رجل وكلنا ذلك الرجل تجول فى ميدان الخواطر الفاسدة ثم لا تقنع بذلك بل تطير الى جانب مرادك من الافعال الباطلة والاقوال الكاسدة ولعمرى هذا ليس فى طريق العوام فكيف فى طريق الصوفية الذين عقدوا على ان لا يخطر ببالهم سوى الله ولا يسألوا منه تعالى غير الوصول الى ذاته اين هم والله ان هذا زمان لم يبق من التصوف الا الاسم ولا من لباس التقوى الا الرسم نسال الله تعالى ان يوجهنا الى محراب ذاته ويسلك بنا الى طريق افعاله وصفاته ويفيض علينا من سجال بركاته ويشرفنا بالخاصة من هداياته انه هو الفياض من مشروع عناياته(4/220)
ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103)
{ ثم بعثنا من بعدهم موسى } اى ارسلنا من بعد انقضاء وقائع الرسل المذكورين وهو نوح وهود ولوط وصالح وشعيب عليه السلام والتصريح بذلك مع دلالة ثم على التراخى للايذان بان بعثه عليه السلام جرى على سنن السن الآلهية من ارسال الرسل تترى فان الله تعالى من كمال رحمته على خلقه يبعث عند انصرام كل قرن وانقراض كل قوم نبيا بعد نبى كما يخلف قوما بعد قوم وقرنا بعد قرن ويظهر المعجزات على يدى النبى ليخرجهم بظهور نور المعجزات من ظلمات الطبيعة الى نور الحقيقة فان اغلب اهل كان زمان وقرن واكثرهم غافلون عن الدين وحقائقه مستغرقون فى بحر الدنيا مستهلكون فى اودية الشهوات واللذات النفسانية الحيوانية ظلمات بعضها فوق بعض { بآياتنا } حال من مفعول بعثنا وهو موس عليه السلام ملتبسا بآياتنا وهى الآيات التسع المفصلات التى هى العصا واليد البيضاء والسنون ونقص الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم كما سيأتى { الى فرعون } هو لقب لكل من ملك مصر من العمالقة كما ان كسرى لقب لكل من ملك فارس . وقيصر لكل من ملك الروم . وخاقان لكل من ملك الصين . وتبع لكل من ملك اليمن . والقيل لكل من ملك العرب . والنجاشى لكل من ملك الحبش . والخليفة لكل من ملك بغداد . والسلطان لآل سلجوق واسمه قابوس وقيل الوليد بن مصعب بن ريان وكان من القبط وعمر اكثر من اربعمائة سنة { وملائه } اى اشراف قومه وتخصيصهم مع عموم رسالته للقوم كافى لاصالتهم فى تدبر الامور واتباع غيرهم لهم فى الورود والصدور { فظلموا بها } عدى بالباء لتضمين ظلموا معنى كفروا بالمعجزات وظلموا علها بان جعلوها سحرا فوضعوها فى غير موضعها { فانظر } بعين عقلك يا من من شانه النظر والتأمل { كيف كان عاقبة المفسدين } الى كيفية ما فعلنا بهم فكيف خبر كان وعاقبة اسمها والجملة فى محل النصب بنزع الخافض اذ التقدير فانظر الى كذا ووضع المفسدين موضع ضميرهم للايذان بان الظلم مسلتزم للافساد
وفى التفسير الفارسى [ حضرت موسى عليه السلام جون از مصر فرار نمود ودرمدين بصحبت شعيب عليه السلام رسيد ودختراو صفورا بعقد در آورده عزم مراجعت با مصر نمود دراثناى طريق بوادى ايمن رسيد وخلعت بيغمبرى يافت بمعجزة عصا ويد بيضا اختصاص بذيرفت حق سبحانه وتعالى فرمودكه بمصررو وفرعون را بخداى تعالى دعوت كن موسى بيامد وبعد از مدتى كه ملاقات فرعون دست داد آغار دعوت كرد ]
قال الحدادى نقلا عن ابن عباس كان طول موسى عشرة اذرع على طوله وكانت من آس الجنة يضرب بها الارض فيخرج بها النبات فيلقيها فاذا هى حية تسعى ويضرب بها الحجر فيتفجر وضرب بها باب فرعون ففزع منها فشاب رأسه فاستحى فخضب بالسواد واول من خضب بالسواد فرعون وهو حرام لا يجد فاعله رائحة الجنة
قال صاحب المحيط هذا فى حق غير الغزاة اما من فعله من الغزاة ليكون اهيب فى عين العدو لا للتزيين فغير حرام(4/221)
وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105)
{ وقال موسى } اى لما دخل على فرعون ومن معه اخوه هارون بعثهما الله اليه بالرسالة قال { يا فرعون انى رسول } اى اليك { من رب العالمين } ادعوك الى عبادة رب العالمين وانهاك عن دعوى الربوبية فقال له فرعون كذبت ما انت برسول فقال موسى { حقيق على ان لا اقول على الله الا الحق } اى جدير بان لا اقول على الله الا الحق فوضع على موضع الباء لافادة التمكن كقولك رميت علىلقوس وجئت على حالة حسنة اى رميت بالقوس وجئت بحالة حسنة او ضمن حقيق معنى حريص
وفى المدارك ويجوز تعلق على بمعنى الفعل فى الرسول اى انى رسول حقيق جدير بالرسالة ارسلت على لا اقول على الله الا الحق انتهى .
وقرأ نافع على بتشديد الياء
ثم ان موسى لما ادعى انه رسول من رب العالمين ذكر ما يدل على صحة دعواه فقال { قد جئتكم ببينة } اى بمعجزة ظاهرة كائنة { من ربكم } يعنى العصا واليد { فارسل معى بنى اسرائيل } فى فخلهم حتى يذهبوا معى الى الارض المقدسة التى هى وطن آبائهم وكان قد استعبدهم [ وسبب آن بودكه جون يعقوب عليه السلام باولاد واحفاد خود بمصر آمدند همانجا قرار كرفتند ونسل ايشان بسيار شد ويعقوب ويوسف بابرادران دركذشتند وملك ريان كه فرعون زمان يوسف بود وبمرد بسرش مصعب بنى اسرائيل را حرمت ميداشت ومتعرض ايشان نمى شد جون او بمرد وليدكه فرعون زمان موسى بود برتخت سلطنت نشست وزبان بلاف انا ربكم الاعلى بكشاد بنى اسرائيل دعوى او قبول نكردند كفت بدر شما در مخريده كشان ما بود وشما بنده زادكان ماييد بس ايشانرا ببندكى كرفت ] وكان يستعملهم فى الاعمال الشاقة مثل ضرب اللبن ونقل التراب وبناء المنازل واشباه ذلك فلما جاء موسى اراد ان يرجع بهم الى موطن آبائهم الذى هو الارض المقدسة وكان بين اليوم الذى دخل فيه يوسف مصر واليوم الذى دخل فيه موسى اربعمائة عام(4/222)
قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106)
{ قال } فرعون وهو استئناف بيانى { ان كنت جئت بآية } اى من عند من ارسلك كما تدعيه { فائت بها } قاحضرها عندى ليثبت به صدقك فان الاتيان والمجيئ وان كانا بمعنى واحدا لان بينها فرقا من حيث ان المجيئ هو جناب المرسل ومنتهى الاتيان هو المرسل اليه ران كنت من الصادقين } فى دعواك(4/223)
فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107)
{ فألقى عصاه } من يده { فاذا هى ثعبان } وهو الحية الصفراء الذكر اعظم الحيات لها عرف كعرف الفرس { مبين } اى ظاهر امره لا يشك فى كونه ثعبانا ولا يختلج ببال احد كونه من جنس العصا -روى- انه لما القاها صارت ثعبانا اشعر اى كان له على ظهره شعور سود مثل الرماح الطوال فاغرا على سور القصر ثم توجه نحو فرعون فهرب منه واحدث وانهزم الناس مزدحمين فمات منهم خمسة وعشرون الفا فصاح فرعون يا موسى انشدك بلذى ارسلك خذه وانا اؤمن بك وارسل معك بنى اسرائيل فاخذه فعاد عصا
والاشارة الى ان الله تعالى جعل عصاه ثعبانا لانه اضافها الى نفسه حين قال { هى عصاى } ثم جعلها محل حاجاته حيث قال { ولى فيها مآرب اخرى } ففيه اشارة الى ان كل شيء اضفته الى نفسك ورأيت حاجاتك فانه ثعبان يبتلعك ولهذا { فالقها يا موسى } يعنى لا تتمسك بها ولا تتوكأ عليها ولا كان قادرا على ان يجعلها فى يده ثعبانا كذا فى التأويلات النجمية
ثم قال له فرعون هل معك آية اخرى قال نعم(4/224)
وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108)
{ ونزع يده } اى اخرجها من جيبه او من تحت ابطه { فاذا هى بيضاء للناظرين } اى بيضاء بياضا نورانيا خارجا عن العادة ويجتمع عليها النظارة تعجبا من امرها وذلك ما يروى انه ارى فرعون يده وقال ما هذه فقال يدك ثم ادخلها جيبه وعليه مدرعة من صوف ونزعها فاذا هى بيضاء بياضا نورانيا غلب شعاعه شعاع الشمس وكان عليه السلام آدم شديد الادمة
وفيه اشارة الى ان الايدى قبل تعلقها بالاشياء كانت بيضاء فلما تمسكت بالاشياء سارت ظلمانية فاذا نزعت عنها تصير بيضاء كما كانت فافهم جدا
فلما شاهد فرعون هذه المعجزة تشاور مع اشراف قومه فى امر موسى(4/225)
قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110)
{ قال الملأ من قوم فرعون } اى الاشراف منهم وهم اصحاب مشورته { ان هذا لساحر } [ جادويست ] { عليم } مبالغ فى عالم السحر ماهر فيه ولما كان السحر غالبا فى ذلك الزمان ولا شك ان اهل كل صنعة على طبقات مختلفة بحسب الحذاقة والمهارة زعم القوم ان موسى كان حتذقا فى علم السحر بالغا فيه الى اقصى الغاية وانه جعل علمه وسيلة الى طلب الملك والرسالة فلذلك قالوا { يريد ان يخرجكم } بسحره { من ارضكم } مصر ويجعل الحكومة لبنى اسرائيل فلما سمع فرعون هذا قال { فماذا تأمرون } بفتح النون وما فى فماذا فى محل النصب على انه مفعول ثان لتأمرون بحذف الجار والاول محذوف والتقدير بأى شئ تأمروننى أى فاذا كان كذلك فماذا تشيرون(4/226)
قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111)
{ قالوا } لفرعون { ارجه } اصله ارجئه بهمزة ساكنة وهاء مضمومة والارجاء التأخير { واخاه } هارون وعدم التعرض لذكره قيل لظهور كونه معه حسبما تنادى به الآيات الاخر . والمعنى آخر امرهما ولا تعجل { وارسل فى المدائن } الجار متعلق بارسل . والمدائن جمع مدينة وهة البقعة المسورة المستولى عليها ملك والمدائن صعيد مصر وكان له مدائن فيها السحرة المعدة لوقت الحاجة اليهم . والمعنى وابعث الشرط الى هذه المدائن { حاشرين } مفعوله محذوف اى حاشرين السحرة . والمعنى ليحشروا ويجمعوا اليك من فيها من السحرة(4/227)
يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112)
{ يأتوك بكل ساحر عليم } اى ماهر فى السحر . والسحر فى اللغة لطف الحيلة فى اظهار الاعجوبة واصل ذلك من خفاء الامر ومن ذلك سمى آخر الليل سحرا لخفاء الشخص ببقاء ظلمته والسحر الرئة سميت بذلك لخفاء امرها بانتفاخها تارة وضمورها اخرى [ آورده اندكه بهيج قرن جندان ساحر نبوده كه قرن موس ورؤساء سحره باقصى مداين صعيد بودند در تفسير دمياطى آورده كه درمداين صعيد دو برادر بودندكه ايشانرا در فن سحر وقوفى تمام بود جون فرستاده فرعون بديشان رسيد مادرخودرا كفتند مارا بسر قبر بدرما بر جنان كرد وايشان بدر خود اواز دادنكه يا ابتا ملك مصر مارا طلبيده بجهت آنكه دوكس آمده اند بى شكر وسباه وكاربرو بد وننك آورده وايشانرا عصا بيست جون مى افكنند ازدرها ميشود وهرجه بيش او آيد مى خورد وفرعون داعيه نموده كه مارا با او معارضة فرمايد صاحب قبر جواب دادكه جون بمصر رسيد برسيدكه وقتى كه ايشان در خواب باشد اثر ندارد جون حال بدين منوال باشد نه شما وهيجكس از عالميان را قوت معارضه با ايشان نخواهد بود القصة برادران با شاكردان ومصاحبان كه دوازده هزار بودند ودرزاد المسير كويد هفتاد هزار بمصر آمدند وبنزد فرعون جمع شدند ] تهموا انهم بالتأخير وحسن التدبير وبذل الجهد والتشمير يغيرون شيأ من التقدير ولم يعلموا ان الحق غالب والحكم سابق وعند حلول الحكم فلا سلطان للعلم والفهم(4/228)
وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113)
{ وجاء السحرة فرعون } بعدما ارسل اليهم الحاشرين { قالوا } واثقين بغلبتهم { ان لنا لاجرا ان كنا نحن الغالبين } بطريق الاخبار بثبوت الاجر وايجابه كأنهم قالوا لا بد لنا من اجر عظيم حينئذ او بطريق الاستفهام التقريرى بحذف الهمزة وقولهم ان كنا لمجرد تعيين مناط ثبوت الاجر لا لترددهم فى الغلبة وتوسيط الضمير وتحلية الخبر باللام للقصر اى ان كنا نحن الغالبين لا موسى(4/229)
قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)
{ قال نعم } اى ان لكم لاجرا { وانكم } مع ذلك لمن المقربين عندى فى المنزلة
قال الكلبى قال لهم تكونون اول من يدخل مجلسى وآخر من يخرج منه
وفى التأويلات النجمية اجرى الله هذا على لسان فرعون حقا وصدقا بانهم صاروا من المقربين عند الله لا عند فرعون انتهى [ آورده اندكه مهتراين جماعت جهارتن بودند وآن دو برادركه شابور وغادور ميكفتند وديكر حطط ومصفى ودر لباب آورده كه اين جهارنيز مهترى بود شمعون نام جون بمصر آمدند وشابور وغادور واقعه سؤال وجواب بدر با قوم كفتند ايثان از قصه حواب وبيدارى موسى وازدرها شدن عصا استفسار بليغ نمودند معلوم شدكه هركاه موسى درخوابست عصا ازدرهاشده باسبانى ميكند ايشانرا ترددى بديد آمد ودغدغه درخاطر خطور كرد نهان ميداشتند تاوقتى كه فرعون موسى را طلبيده ومقرر شدكه جادوان مناظره كنند ومجلس معارضه انتظام يافت ساحران وعصا ورسنى جند بميدان آودند فرعون بالاى تخت بتفرج بنشست ومردم مصر بنظارة حاضر شدند هفتاد هزار ساحر بريك طرف وموشى وهارون بريك جانب بايستاند جادوان بطريق ادب بيش آمده ](4/230)
قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115)
{ قالوا يا موسى اما ان تلقى } اى عصاك اولا { واما ان نكون نحن الملقين } اى حبالنا وعصينا اوّلا خيروا موسى عليه السلام فكان ذلك سبب ايمانهم(4/231)
قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116)
{ قالوا القوا } ان قيل كيف القوا والامر بالسحر لا يجوز
اجيب يجوز القوا ان كنتم محقين على زعمكم ويجوز ان يكون امرهم بالالقاء لتأكيد المعجزة
قال القاضى قال القوا كرما وتسامحا وازدراء بهم ووثوقا على شانه يعنى ليس امرهم بالالقاء قبله من قبيل الاباحة للسحر والرضى بالكفر . والمعنى القوا ما تلقون { فلما القوا } ما القوا { سحروا أعين الناس } [ جادويى كردند برجشمهاى مردمان ] بان خيلوا اليهم ما لا حقيقة له
قال ابن الشيخ قلبوها وصرفوها على ان تدرك الشيء على ما هو عليه بسبب ما فعلوه من التمويهات { واسترهبوهم } استفعل ههنا بمعنى افعل والسينلتأكيد معنى الرهبة اى بالغوافى ارهابهم { وجاؤا بسحر عظيم } فى وقته -روى- انهم جمعوا حبالا غلاظا وخشبا طوالا كأنها حيات جسام غلاظ ولطخوا تلك الحبال بالزئبق وجعلوا الزئبق داخل تلك العصى فلما اثرت حرارة الشمس فيها تحركت والتوى بعضها على بعض وكانت كثيرة جدا تخيل الناس انها تتحرك وتلتوى باختيارها وصار الميدان كأنه ماء مملوء بالحيات(4/232)
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117)
{ واوحينا الى موسى ان الق عصاك فاذا هى حية تلقم وتبتلع من لقفف يلقف على وزن علم يعلم يقال لقفته القفه لقفا وتلقفته تلقفا اذا اخذته بسرعة فاكلته وابتلعته فكون اى يزورون من الافك وهو الصرف وقلب الشيء عن وجهه -روى- انها لنا تلقفت حبالهم وعصيهم وابتلعتها باسرها اقبلت على الحاضرين فهربوا وازدحموا حتى هلك جمع عظيم لا يعلم عددهم الا الله تعالى ثم اخذها موسى فصارت عصا كما كانت واعدم الله بقدرته القاهرة تلك الاجرام العظام او فرقها اجزاء لطيفة فقالت السحرة لو كان هذا سحرا لبقيت حبالنا وعصينا(4/233)
فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118)
{ فوقع الحق } اى ثبت وصدق موسى عليه السلام فى قوله انى رسول من رب العالمين حيث صدق الله تعالى بما اظهر على يده من المعجزة الباهرة { وبطل ما كانوا يعملون } اى ظهر بطلان ما كانوا مستمرين على عمله وهو السحر(4/234)
فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119)
{ فغلبوا } اى فرعون واتباعه { هنالك } اى فى مجلسهم { وانقلوا صاغرين } اى صاروا اذلاء مبهوتين فالانقلاب هنا بمعنى الصيرورة(4/235)
وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120)
{ والقى السحرة ساجدين } اى خروا سجدا كأنما القاهم ملق لشدة خرورهم كيف لا وقد بهرهم الحق واضطرهم الى ذلك . ففى الكلام استعارة تمثيلية حيث شبه حالهم فى سرعة الخرور وشدته حين شاهدوا المعجزة القاهرة بحال من القى على وجهه فعبر عن حالهم فى سرعة الخرور وشدته حين شاهدوا المعجزة القاهرة بحال من القى على وجهه فعبر عن حالهم بما يدل على حال المشبه به(4/236)
قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)
{ قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون } ابدلوا الثانى من الاول لئلا يتوهم ان مرادهم فرعون لان فرعون وان ربى موسى وهو صغير الا انه لم ير هارون قطعا قال ابن عباس آمنت السحرة واتبع موسة من بنى اسرائيل ستمائة الف
{ لأقطعن ايديكم وارجلكم من خلاف } اى من كل شق طرفا يعنى ايديكم اليمنى وارجلكم اليسرى { ثم لاصلبنكم اجمعين } على شاطئ نهر مصر على جذوع النخل تفضيحا لكم وتنكيلا لامثالكم
قيل هو اول من سن ذلك فشرعه الله تعالى لقطاع الطريق تعظيما لجرمهم ولذلك سماهم تعالى محاربة الله ورسوله
{ قالوا } ثابتين على ما احدثوا من الايمان وهو استئناف بيانى { انا الى ربنا منقلبون } راجعون اى بالموت لا محالة سواء كان ذلك من قبلك ام لا فلا نبالى بوعيدك وانا الى رحمة ربنا وثوابه منقلبون ان فعلت بنا ذلك كأنهم استطابوه شغفا على لقاء الله تعالى : وفى المثنوى
جانهاى بسته اندر آب وكل ... جون رهند از آب وكلها شاد دل
درهواى عشق حق رقصان شوند ... همجو قرص در بى نقصان شوند
جون نقاب تن برفت ازروى روح ... ازلقاى دوست دارد صد فتوح
ميزند جان در جهان آبكون ... نعره يا ليت قومى يعلمون
{ وما تنقم منا } اى وما تنكر وما تعيب منا { الا ان آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا } وهو خير الاعمال واصل المناقب ليس مما يتأتى لنا العدول عنه طلبا لمرضاتك
ثم فزعوا الى الله تعالى فقالوا { ربنا افرغ علينا صبرا } اى افض علينا من الصبر وعيد فرعون ما يغمرنا كما يغمر الماء فافراغ الماء اى صبه من فقبيل الاستعارة شبه الصبر على وعيد فرعون بالماء الغامر تشبيها مضمرا فى النفس وجعل نسبة الافراغاليه تخييلا للاستعارة بالكناية لان فراغ من لوازم الماء وملاثماته { وتوفنا مسلمين } ثابتين على ما رزقتنا من الاسلام غير مفتونين من الوعيد قيل لم يقدر عليهم لقوله تعالى { انتما ومن اتبعكما الغالبون }
وقال ابن عباس رضى الله عنهما فاخذ فرعون السحرة فقطعهم ثم صلبهم على شاطئ نيل مصر
وفى المثنوى
ساحران جون حق او بشناختند دست وبا در جرمها در باختند
وفى القصة اشارة الى ان فرعون النفس ايضا منكر على ايمان سحرة صفاتها ويقول { آمنتم به } اى بموسى الروح { من قبل ان آذن لكم } يعنى الايمان به { ان هذا لمكر مكرتموه } يا سحرة الصفات فى موافقة موسى الروح { فى المدينة } مدينة القالب والبدن { لتخرجوا منها اهلها } وهو اللذات والشهوات البدنية الجسمانية فان صفات النفس اذا آمنت ووافقت الروح وصفاته خرجت من البدن لذات الدنيا وشهواتها { فسوف تعلمون } حيلى ومكايدى فى ابطالكم واستيفاء اللذات والشهوات { لأقطعن ايديكم وارجلكم من خلاف } بسكين التسويل عن الاعمال الصالحة { ثم لاصلبنكم اجمعين } فى جذوع تعلقات الدنيا وزخارفها { قالوا انا الى ربنا منقلبون } لا الى الدنيا وما فيها { وما تنقم منا الا ان آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا افرغ علينا صبرا } على قطع تعلقات الدنيا { وتوفنا مسلمين } لعبوديتك(4/237)
وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)
{ وقال الملأ من قوم فرعون } -روى- ان فرعون بعد ما رأى من موسى عليه السلام ما رأى من معجزة العصا واليد البيضاء خافه اشد الخوف فلذلك لم يجب ولم يتعرض له بسوء بل خلى سبيله فلذلك قال له اشراف قومه { أتذر موسى وقومه } اى أتتركهم { ليفسدوا فى الارض } اى يفسدوا على الناس دينهم فى ارض مصر ويصرفوهم عن متابعتك { ويذرك } عطف على يفسدوا { وآلهتك } معبوداتك
قيل كان يعبد الكواكب والاصح كما فى تفسير الفارسى تنه صنع وقومه اصناما على صورته وارمهم بان يعبدوا تقربا اليه ولذلك قال لنا ربكم الاعلى { قال } فرعون مجيبا لهم { سنقتل ابناءهم } [ زود باشد كه بكشيم بسران ايشانرا ] { وتستحيى نساءهم } اى نتركهن احياء ولا نقتلهن بل نستخدمهن والمقصود سنعود الى قتل ابنائهم واستخدام نسائهم كما كنا نفعل وقت ولادة موسى ليعلم انا على ما كنا عليه من القهر والغلبة ولا يتوهم انه المولود الذى حكم المنجمون والكهنة بذهاب ملكنا على يديه { وانا فوقهم قاهرون } اى مستعلون عليهم بالقوة كما كنا لم يتغير حالنا اصلا وهم مقهوروون تحت ايدينا
{ قال موسى لقومه } تسلية لهم وعدة لحسن العاقبة حين سمعوا قول فرعون وعجزوا عنه { استعينوا بالله } [ يارى خواهيد ازخداى تعالى دردفع بلاى فرعون ] { واصبروا } على ما سمعتم من اقاويله الباطلة { ان الارض لله } اى ارض مصر { يورثها من يشاء من عباده } [ ميراث دهدهر كرا ميخواهد ازبندكان خود ] { والعاقبة } [ عاقبة نيكويا نصرت وظفر يابهشت ] { للمتقين } الذين انتم منهم لانه روى انه لما غلب سحرة فرعون وتبين نبوة موسى بسطوع حجته آمن بموسى من بنى اسرائيل ستمائة الف نفس واتقوا عن الشرك والعصيلن وفيه ايذان بان الاستعانة بالله تعالى والصبر من باب التقوى : قال الحافظ
آنكه بيرانه سرم صحبت يوسف بنواخت ... اجر صبريست كه در كلبه احزان كردم
{ قالوا } اى بنوا اسرائيل { اوذينا } اى من جهة فرعون { من قبل ان تأتينا } اى بالرسالة يعنون بذلك قتل ابنائهم قبل مولد موسى عليه السلام وبعده { ومن بعد ما جئتنا } اى رسولا يعنون به ما توعدهم به من اعادة قتل الابناء وسائر ما كان يفعل بهم لعداوة موسى عليه السلام من فنون الجور والظلم والعذاب { قال } اى موسى عليه السلام لما راى شدة جزعهم { مما يشاهدونه مسليا لهم بالتصريح بما لوح به فى قوله ران الارض لله } الآية { عسى ربكم ان يهلك عدوكم } اى يرجى ان ربكم قارب اهلاك عدوكم الذى فعل بكم ما فعل وتوعدكم باعادته . فعسى من العبد لطمع مضمون خبرها ومن الله تعالى اطماع وما اطمع الله فيه فهو واجب لان الكريم اذا طمع ووعد فيصير كانه اوجبه على نفسه { ويستخلفكم فى الارض } اى يجعلكم خلفاء فى ارض مصر وفى الارض المقدسة { فينظر } النظر قد يراد به الفكر المؤدى الى العلم وقد يراد به تقليب الحدقة نحو المرئى ليترتب عليه الرؤية وكل واحد من المعنيين مستحيل فى حقه تعالى فهو مجاز عن الرؤية التى هى غاية للنظر اى فيرى { كيف تعملون } أحسنا ام قبيحا فيجازيكم حسبما يظهر منكم من شكر وكفران وطاعة وعصيان وفى الحديث « ان الدنيا حلوة خضرة » يعنى حسنة فى المنظر تعجب الناظر والمراد من الدنيا صورتها ومتاعها وانما وصفها بالخضرة لان العرب تسمى الشيء الناعم خضرا او لتشبهها { وان الله مستخلفكم فيها } اى جاعلكم خلفاء فى الدنيا يعنى ان اموالكم ليست هى فى الحقيقة لكم وانما هى الله تعالى جعلكم فى التصرف فيها بمنزلة الوكلاء { فناظر كيف تعملون } اى تتصرفون قيل معناه جاعلكم خلفاء ممن كان قبلكم ومعطى ما فى ايديهم اياكم فناظر هل تعتبرون بحالهم وتتدبرون فى مآلهم : قال السعدى قدس سره(4/238)
نرود مرغ سوى دانه فراز ... جون دكر مرغ بيند اندر بند
بند كير از مصائب دكران ... تا نكيرند ديكران زتو بند
والاشارة ان فرعون النفس قال له قوم الهوى والغضب والكبر { أتذر } موسى الروح { وقومه } من القلب والسر والعقل { ليفسدوا فى الارض } فى ارض البشرية { ويذرك آلهتك } من الدنيا والشيطان والطبع لا تعبد { قال } فرعون النفس { سنقتل ابناءهم } وابناء ثات الروح والقلب والنفس اعمالهالصالحة اى نبطل اعمالهم بالرياء والعجب { ونستحيى نساءهم } اى الصفات التى منها تتولد الاعمال { وانا فوقهم قاهرون } بالمكر والخديعة والحيلة { قال موسى } الروح { لقومه } وهم القلب والعقل والسر { استعينوا بالله واصبروا } على جهاد النفس ومخالفاتها ومتابعة الحق { ان الارض } اى ارض البشرية { لله يورثها من يشاء من عباده } يورث ارض بشرية السعداء الروح وصفاته فيتصف بصفاته ويورث ارض بشرية الاشقياء النفس وصفاتها فتتصف بصفاتها { والعاقبة للمتقين } يعنى عاقبة الخير والسعادة للاتقياء والسعداء منهم { قالوا } يعنى قوم الروح له { اوذينا من قبل ان تاتينا } اى قبل ان تأتينا بالواردات الروحانية قبل البلوغ كنا نتأذى من اوصاف البشرية ومعاملاتها { ومن بعد ما جئتنا } بالواردات والالهامات الروحانية بعد البلوغ تتأذى من دواعى البشرية { قال } يعنى الروح { عسى ربكم ان يهلك عدوكم } النفس وصفاتها بالواردات الربانية ويدفع اذيته عنكم فيه يشير الى ان الواردات الروحانية لا تكفى لافناء النفس وصفاتها ولا بد فى ذلك من تجلى صفات الربوبية { ويستخلفكم } يعنى اذا تجلى الرب بصفة من صفاته لا يبقى فى ارض البشرية من صفات النفس صفة الا ويبدلها بصفات الروح والقلب ويستخلفها { فى الارض فينظر كيف تعلمون } فى اقامو العبودية واذا شكر نعم الربوبية كذا فى التأويلات النجمية(4/239)
وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)
{ ولقد اخذنا آل فرعون } اى قوم فرعون واهل دينه آل الرجل خاصته الذين يؤول امرهم اليهم وامرهم اليه { بالسنين } جمع سنة وهى فى الاصل بمعنى العام مطلقا الا انها غلبت على عام القحط لكثرة ما يذكر عنه ويؤرخ به حتى صارت كالعلم له كالنجم غلب علىلثريا { ونقص من الثمرات } باصابة العاهات زيادة فى القحط لات الثمار قوت الناس وغذاؤهم
وعن كعب يأتى على الناس زمان لا تحمل النخلة الا تمرة
قال ابن عباس اما السنون فكانت لباديتهم واهل ماشيتهم واما نقص الثمرات فكان فى امصارهم { لعلهم يذكرون } كى يتذكروا ويتعظوا بذلك ويتيقنوا ان ذلك لاجل معاصيهم وينزجروا عماهم عليه من العتو والعناد فلعل علة المأخذ اما ناء على تجويز تعليل افعاله تعالى باغراض راجعة الى العباد كما ذهب اليه كثير من اهل السنة . واما تنزيلا لترتب الغاية على ما هى ثمرة له منزلة ترتب الغرض له فان استتباع افعاله تعالى لغايات ومصالح متقنة جليلة من غير ان تكون هى علة غائية لها بحيث لولاها لما اقدم عليها ما نزاع فيه
دلت الآية على ان المحن والشدائد والمصيبات موجبات الانتباه والاعتبار ولكن لاهل السعادة واولى الابصار فاما اهل الشقاوة فلا ينبههم كثرة النعمة ولا يوقظهم شدة النقمة : قال الشيخ السعدى قدس سره
بكوشش نرويد از شاخ بيد ... نه زنكى بكرمايه كردد سفيد(4/240)
فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131)
{ فاذا جاءتهم الحسنة } اى السعة والخصب وغيرهما من الخيرات { قالوا لنا هذه } اى لاجلنا واستحقاقنا لها ولم يروا ذلك فضلا من الله { وان تصبهم سيئة } اى جدب وبلاء { يطيروا بموسى ومن معه } اى يتشاءموا بموسى واصحابه ويقولوا ما اصابتنا الا بشؤمهم واصله يتطيروا ادغمت التاء فى الطاء لقرب مخرجهما واشتقاق التطير من الطير كالغراب وشبهه سمى الشؤم ضد اليمن طيرا وطائرا تسمية للمدلول باسم ما يدل عليه فانهم يجعلون الطير والطائر امارة ودليلا على شؤم الامر وبناء التفعيل فيه للتجنب اى لبعد الفاعل عن اصلح كتحوب اى تجنب وتباعد من الحوب وهو الاثم وسيجيء تفصيل الطيرة
قال سعيد بن جبير كان ملك فرعون اربعمائة سنة فعاش ثلاثمائة سنة لا يرى مكروها ولوارى فى تلك المدة جوع يوم او حمى يوم او وجع ساعة لما الدعى الربوبية ولما قالوا سبب ما جاءنا من الخير والحسنة هو استحقاق انفسنا اياه وسبب ما اصابنا من السيئة والشر هو شأمة موسى ومن معه كذبهم الله تعالى فى كل واحد من الحكمين بقوله { ألا } اعلموا { انما طائرهم عند الله } اى سبب ما اصابهم من الخير والشر انما هو عند الله تعالى وصفة قائمة به وهى قضاؤه وتقديره ومشيئته وهو الذى أيهما شاء اصابهم به وليس بيمن احد ولا بشؤمه عبر عما عند الله تعالى بالطائر تشبيها له بالطائر الذى يستدل به على الخير والشر او سببه شؤمهم عند الله تعالى وهو اعمالهم السيئة المكتوبة عنده فانها التى ساقت اليهم ما يسوءهم لا ما عداها فالطائر عبارة عن الشؤم رولكن اكثرهم لا يعلمون } ان ما يصيبهم من الله تعالى او من شؤم اعمالهم فيقولون ما يقولون مما حكى عنهم واسناد عدم العلم الى اكثرهم للاشعار بان بعضهم يعلمون ذلك ولكن لا يعلمون بمقتضاه عنادا واستكبارا
واعلم ان الطير بمعنى التشاؤم والاسم منه الطيرة على وزن العنبة وهو ما يتشاءم به من الفأل الرديئ
والاصل فى هاذ ان العرب كانوا يتفاءلمون بالطير فان خرج احدهم الى مقصده واتى الطير من ناحية يمينه يتمين به ويتبرك ويسمسه سانحا وان اتى من ناحية شماله يتشاءم به ويسميه بارحا فيرجع الى بيته ثم كثر قولهم فى الطير حتى استعملوه فى كل ما تشاءموا به وابطل النبى عليه السلام الطيرة بقوله « الطير شرك » قاله ثلاثا وانما قال شرك لاعتقادهم ان الطيرة تجلب لهم نفعا او تدفع عنهم ضررا اذا عملوا بموجبها فكأنهم اشركوها مع الله تعالى
قال عبد اله من خرج من بيته ثم رجع لم يرجعه الا الطيرة رجع مشركا او عاصيا
وذكر فى المحيط اذا صاحت الحمامة فقال رجل يموت المريض كفر القائل عند بعض المشايخ .(4/241)
واذا خرج الرجل الى السفر فصاح العقعق فرجع من سفره فقد كفر عند بعض المشايخ
قال عكرمة كنا عند ابن عمر وعنده ابن عباس رضى الله عنهما فمر غراب يصيح فقال رجل من القوم خير خير فقال لا خير ولا شر وانما اختص الغراب غالبا بلتشاؤم به اخذا من الاغتراب بحيث قالوا غراب البين لانه بان عن نوح عليه السلام لما وجهه لينظر الى الماء فذهب ولم يرجع ولذا تشاءموا به واستخرجوا من اسمه الغربة
قال ابن مسعود لا تضر الطيرة الا من تطير ومعناه ان من تطير تطيرا منهيا عنه او يراه ما يتطير به حتى يمنعه مما يريده من حاجته فانه قد يصيبه ما يكره فاما من توكل على الله ووثق به بحيث علق قلبه بالله خوفا ورجاه وقطعه عن الالتفات الىلاسباب المخوفة وقال ما امر به من الكلمات ومضى فانه لا يضره فالمراد بالكلمات ما فى قوله عليه السلام « ليس عبد الا سيدخل قلبه الطيرة فاذا احس بذلك فليقل اللهم لا طير الا طيرك ولا خير الا خيرك ولا اله غيرك ولا حول ولا قوة الا بالله ما شاء الله كان لا يأتى بالحسنات الا الله ولا يذهب بالسيآت الا الله واشهد ان الله على كل شيء قدير » ثم يمضى الى حاجته اى كل ما اصاب الانسان من الخير والشر واليمين والشؤم ليس الا بقضائك وتقديرك وحكمك ومشيئتك وفى الحديث « الشؤم فى المرأة والفرس والدار » فشؤمى المرأة سوء خلقها غلاها مهرها . وقل ان لا تلد . وشؤم الفرس عدم انقياده او انه لا يغزى عليه . وشؤم الدار ضيقها او سوء جارها وهذا الحكم على وجه الغلبة لا القطع خص الثلاث بالذكر لان فيها يصل الضرر الكثير الى صاحبها او لانها اقرب الى الآفة فيما يبتلى به الانسان فمن تشاءم بالمذكورات فليفارقها واعترض عليه بحديث « لا طيرة » اجاب ابن قتيبة بان هذا مخصوص منه اى لا طيرة الا فى هذه الثلاث
وسمع فيلسوف صوت مغن بارد فقال يزعم اهل الكهانة ان صوت البوم يدل على موت الانسان فان كان ما ذكروه حقا فصوت هذا يدل على موت البومة
زيبقم در كوش كن تانشنوم ... ياردم بكشاى تا بيرون روم
وتساقطت النجوم فى ايام بعض الامراء فخاف من ذلك واحضر المنجمين والعلماء فما اجابوا بشيء فقال جميل الشاعر
هذى النجوم تساقطت ... لرجوم اعداء الامير
فتفاءل به وامر له بصلة حسنة ولا بأس بان يتفاءل بالفأل الحسن وكان النبى عليه السلام يجب الفأل ويكره الطيرة والفأل الحسن هى الكلمة الصالحة يسمعها من اخيه نحو ان يسمع احد وهو طالب امر يا واجد يا نجيح او يكون فى سفر فيسمع باراشد يعنى يا واجد الطريق المستقيم او مريضا فيسمع يا سالم فالتفاؤل بالامور المشروعة مشروع والطيرة منهى عنها(4/242)
والفرق بين الفأل والطيرة مع ان كل واحد منهما استدلال بالامارة على مىل الامر وعاقبته ان الارواح الانسانية اقوى واصفى من الارواح البهيمية والطيرية فالكلمة الحسنة التى تجرى على لسان الانسان يمكن الاستدلال بها على شيء من الاحوال
ويروى ان النبى عليه السلام حول رداءه فى الاستسقاء وذكر فى الهداية انه كان تفاؤلا يعنى قلب علينا الحال كما قلبنا رداءنا
وروى عن ابى هريرة رضى الله عنه انه قال قلت يا رسول الله انى اسمع منك حديثا كثيرا انساه فقال « ابسط رداءك » فبسطه ففرق بيديه ثم قال « ضمه » فضممته فما نسيت شيأ بعده وهذا البسط والفرق والضم ليس الا تفاؤلا والا فالعلم ليس مما يسقط على الرداء ويمكن فيه الفرق والضم ولكن التفاؤل يحصل به يعنى كما بسطت ردائى توقيا لما يسقط فيه كذلك اصغيت سمعى لما يقع فيه من الكلام وكما اعطيت شخصا كثيرا من الرزق يفرق بين اليدين فكذا اعطيته شيأ كثيرا من العلم وكما يؤمن بالضم من سقوط ما فى الرداء كذلك يؤمن من خروج ما فى السمع او نسيان ما فى الخاطر فبعض الاوضاع يدل على بعض الاحوال كما ان بعض الاسماء يدل على بعض الامور كما حكى ان عمر رضى الله عنه قال لرجل ما اسمك قال جمرة قال ابن من قال ابن شهاب قال من ابن قال من الخرقة قال اين تسكن فى الحرة وهى ارض ذات حجارة سود وكأنها احرقت فقال عمر ادرك اهلك فقد احترقوا فرجع فوجدهم قد احترقوا واراد عمر رضى الله عنه الاستعانة برجل فسأله عن اسمعه فقال ظالم بن شراق فقال تظلم انت ويسرق ابوك ولم يستعن ودل هذا على تبديل الاسماء القبيحة بالاسماء الحسنة فان فى الاسماء الحسنة التفاؤل ونظير ذلك ما يفهم من قوله عليه السلام « لا تمارضوا فتمرضوا » يعنى ان من اظهر المرض وقال انا مريض فهذا القول والفعل منه يثمر المرض ويؤاخذ به
كفت بيغمبركه رنجورى بلاغ ... رنج آرد تابميرد جون جراغ
والله الهادى الى الحسنات وهو دافع السيآت(4/243)
وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132)
{ وقالوا } اى فرعون وقومه بعد ما رأوا من شان العصا والسنين ونقص الثمرات { مهما } اسم شرط يجزم فعلين كقولك مهما تفعل افعل كأن قائلا قال لك لا تقدر على ان تفعل ما افعل فتقول له مهما تفعل افعل ومحله الرفع على الابتداء وخبره فما نحن لك بمؤمنين اى اى شيء وبالفارسية [ هرجيز كه ] { تأتنا به } تظهر لدينا وتحضره والضمير لمهما { من آية } بيان لمهما وانما سوها آية على زعم موسى لا لاعتقادهم { لتسحرنا بها } اى لتسحر بتلك الآية اعيننا وتسكرها { فما نحن لك بمؤمنين } اى بمصدقين لك ومؤمنين بنبوتك(4/244)
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133)
{ فارسلنا عليهم } -روى- ان القوم لما عالجهم موسى بالآيات الاربع العصا واليد والسنين ونقص الثمرات فكفروا ودعا وكان حديدا قال يا رب ان عبدك فرعون علا فى الارض وبغى وعتا وان قومه نقضوا عهدك فخذهم بعقوبة تجعلها عليهم نقمة ولقومى عظة ولمن بعدهم عبرة فارسل الله عليهم عقوبة لجرائمهم { الطوفان } اى الماء الذى طاف بهم واحاط وغشى اماكنهم وحرثهم من مطر او سيل { والجراد } فى التفسير الفارسى [ ملخ برنده ]
وفى حياة الحيوان الجراد البرى اذا خرج من بيضته يقال له الدباء فاذا بدت فيه الالوان واصفرت الذكور واسودت الاناث يسمى جرادا حينئذ وفى الحديث « لا تقتلوا الجراد فانه جند الله الاعظم » وهذا ان صح اراد به اذا لم يتعرض لافساد الزرع فان تعرض له جاز دفعه بالقتل وغيره ووقعت بين يدى النبى عليه السلام جرادة فاذا مكتوب على جناحيها بالعبرانية نحن جند الله الاكبر ولنا تسع وتسعون بيضة ولو تمت لنا المائة لاكلنا الدنيا وما فيها فقال النبى عليه السلام « اللهم اهلك الجراد اقتل كبارها وامت صغارها افسد بيضها وسد افواهها عن مخزارع المسلمين وعن معايشهم انك سميع الدعاء » فجاء جبرائيل عليه السلام فقال انه قد استجيب لك فى بعضه
وعن حسن بن على كنا على مائدة نأكل انا واخى محمد ن الحنفية وبنوا عمى عبد الله وقثم الفضل بنى العباس فوقعت جرادة على المائدة فاخذها عبد الله وقال لى مكتوب عليها انا الله لا اله انا رب الجراد ورازقها وان شئت بعثتها رزقا لقوم وان شئت بعثتها بالا على قوم فقال عبد الله هذا من العلم المكنون وليس فى الحيوان اكثر فسادا لما قتاته الانسان من الجراد
واجمع المسلمون على اباح اكله قال الاربعة يحل اكله سواء مات حتف انفه او بذكاة او باصطياد مجوسى او مسلم قطع منه شيء اولا والدليل على عموم حله قوله عليه السلام « احلت لنا ميتتان ودمان الكبد والطحال والسمك والجراد » واذا تبخر انسام بالجراد البرى نفعه من عسر البول
وقال ابن سينا اذا اخذنا منها اثنا عشر ونزعت رؤسها واطرافها وجعل معها قليل آس يابس وشرب للاستسقاء نفعه . واما الجراد البحرى فهو من انواع الصدف كثير بساحل البحر ببلاد المغرب ويأكلونها كثيرا مشويا ومطبوخا ولحمها نافع للجذام { والقمل } فى التفسير الفارسى [ ملخ بياده ] وقيل هو كبار القردان وهو جمع قراد يقال له بالتركى « كنه » مسلط على البعير وفى الامثال اسمع من قراد وذلك انه يسمع صوت اخفاف الابل من مسيرة يوم فيتحرك وقيل هو السوس الذى يخرج من الحنطة وقيل انه شيء فى الزرع وليس بجراد فيأكل السنبلة وهى غضة قبل ان تقوى فيطول الزرع ولا سنبل له وقرأ الحسن والقمل بفتح القاف وسكون الميم يريد به القمل المعروف الذى يقع فى بدن الانسان وثوبه واذا القيت القملة حية اورثت النسيان
قال الجاحظ وفى الحديث(4/245)
« اكل الحامض وسؤر الفار ونبذ القمل يورث النسيان » واذا اردت ان تعلم هل المرأة حامل بذكر او انثى فخذ قملة واحلب عليها من لبنها فى كف انسان فان خرجت من اللبن فهى جارية وان لم تخرج فهو ذكر وان حبس على انسان بوله فخذ قملة من قمل بدنه واجعلها فى احليله فانه يبول من ورقته والقمل المعروف يتولد من العرق والوسخ اذا اصاب ثوبا او ريشا او شعرا حتى يصير المكان عفنا
قال الجاحظ وربما كان للانسان قمل الطباع وان تنظف وتعطر وبدل الثياب كما عرض لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام حيث استأذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى لباس الحرير فاذن لهما فيه ولولا انهما كانا فى حد ضرورة لما اذن فى ذلك من التشديد فيجوز لبس الثوب الحرير لدفع القمل لانه لا يقمل بالخاصية
قال فى انوار المشارق والاصح ان الرخصة لا تختص بالسفر انتهى
وفى الواقعات المحمودية ان القمل يكون من البرودة ولذلك يكثر فى الشتاء ولا يكون فى الصيف
قال السيوطى ولم يقع على ثيابه عليه السلام ذباب قط ولا اذاه القمل { والضفادع } جمع ضفدع مثل خنصر وهو الاشهر الصحيح من حيث اللغة والانثى ضفدعة وناس يقولون بفتح الدال كدرهم وانكره الخليل حيث قال ليس فى الكلام فعلل الا اربعة احرف دررهم وهجدم وهبلع وبلعم وهواسم والضفادع انواع كثيرة ويكون من سفاد وغير سفاد فالذى من سفاد يبيض فى البر ويعيش فى الماء والذى من غير سفاد يتولد فى المياه القائمة الضعيفة الجرى ومن العفونات وغب الامطار الغزيرة حتى يظن انه يقع من السحاب لكثرة ما يرى منه على الاسطحة عقيب المطر والريح وليس ذلك عن ذكر وانثى وانما الله تعالى يخلقه فى تلك الساعة من طباع تلك التربة وهى من الحيوانات التى لا عظام لها وفيها ما ينق وفيها ما لا ينق منها يخرج صوته من قرب اذنه وتوصف بحده السمع اذا تركت النقيق وكانت خارج الماء واذا ارادت ان لا تنق ادخلت فكها الاسفل فى الماء ومتى دخل الماء فى فيها لا تنق وما اظرف قول بعض الشعراء وقد عوتب فى كلامه
قالت الضفدع قولا فسرته الحكماء
فى فمى ماء وهل ينطق من فى فيه ماء
قال سفيان يقال انه ليس شيء اكثر ذكر الله منه
قال الزمخشرى تقول فى نقيقها سبحان الملك القدوس -روى- ان داود عليه السلام قال لا سبحن الله الليلة تسبيحا ما سبحه احد من خلقه فنادته ضفدع من ساقيه فى داره يا داود أتفخر على الله تعالى بتسبيحك وان لى لسبعين سنة ما جف لى لسان من ذكر الله وان لى لعشر ليال ما طمعت خضراء ولا شربت كماء اشتغالا بكلمتين قال ما هما قالت يا مسبحا بكل لسان ومذكورا بكل مكان فقال دارد فى نفسه وما عسى ان اكون ابلغ من هذا وعن انس لا تقتلوا الضفادع فانها مرت بنار ابراهيم عليه السلام فحملت فى افواهها الماء وكانت ترشه على النار
وقال ابن سينا اذا كثرت الضفادع فى سنة وزادت على العادة يقع الوباء عقبيه
وفى الواقعات المحمودية تعبير الضفدع انه نقصان خفى فانه يذكر انه كان فى الاصل كيالا فلاجل نقصانه فى الكيل ادخل فيه .(4/246)
ومن خواصه انه اذا اخذت امرأة ضفدع الماء وفتحت فاه وبصقت فيه ثلاث مرات ورمته الى الماء فانها لا تحبل ودمه اذا طلى به الموضع الذى نتف شعره ولم ينبت ابدا وشحم الضفادع الاجامية اذا وضع على الاسنان قلعها من غير وجع
قال القزوينى ولقد كنت بالموصل ولنا صاحب فى بستان بنى مجلسا وبركة فتولدت فيها الضفادع وتأذى سكان المكان بنقيقها وعجزوا عن ابطاله حتى جاء رجل وقال اجعلوا طشتا على وجه الماء مقلوبا ففعلوا فلم يسمعوا الها نقيقا بعد ذلك { والدم } -روى- انهم مطروا ثمانية ايام فى ظلمة شديدة لا يستطيع ان يخرج واحد من بيته ودخل الماء بيوتهم حتى قاموا فيه الى تراقيهم وهى جمع ترقوة وهى العظم الذى بين ثغر النحر والعاتق وهو موضع الرداء من المنكب ولم يدخل بيوت بنى اسرائيل منه قطرة مع انها كانت مختلطة ببيوت القبط فاض النماء على ارضهم وركد فمنعهم من الحرث والتصرف ودام سبعة ايام فقالوا له عليه السلام ادرع لنا ربك يكشف عنا ونحن نؤمن بك فدعا فكشف عنهم فنبت من العشب والكلام ما لم يعهد مثله فقالوا هذا ما كنا نتمناه وما كان هذا الماء الا نعمة عليناع وخصبا فلا والله لا نؤمن بك يا موسى فنقضوا العهد واقاموا على كفرهم شهرا فبعث الله عليهم الجراد بحيث وقع على الارض بعضه على بعض ذراعا فاكل زروعهم وثمارهم وابوابهم وسقوفهم وثيابهم ولم يدخل بيوت بنى اسرائيل منه شيء ففزعوا اليه عليه السلام كما ذكر فخرج الى الصحراء واشار بعصاه نحو المشرق والمغرب فرجع الى النواحى التى جاء منها بعد ان اقام فى ارضهم سبعة ايام فلم يبق جرادة واحدة ثم نظروا فاذا فى بعض المواضع من نواحى مصر بقية كلاء وزرع فقالوا هذا يكفينا يقية عامنا هذا فلا والله لا نؤمن بك فسلط الله عليهم القمل فمكث فى ارضهم سبعة ايام فلم يبق لهم عودا اخضر ولحس جميع ما فى اراضيهم مما ابقاه الجراد وكان يقع فى اطعمتهم ويدخل بين ثيابهم وجلودهم فيمصها وينهشهم ويأكل شعورهم وحواجبهم واشفار عيونهم ومنعهم النوم والقرار وظهر بهم منه الجدرى
قال الحدادى فى تفسيره هم اول من عذبوا بالجدرى وبقى فى الناس الى الان ثم فزعوا اليه عليه السلام ثالثا فرفع عنهم فقالوا قد تحققنا الان انك ساحر قالوا وما عسى ربك ان يفعل بنا وقد اهلك كل شيء من نبات ارضنا فعلى اى شيء نؤمن بك اذهب فما استطعت ان تفعله فافعله ثم ارسل الله عليهم الضفادع بحيث لا ينكشف ثوب ولا طعام الا وجدت فيه وكانت تمتلئ منها مضاجعهم وتثب لى قدورهم وهى تغلى والى افواههم عند النكلم وكان بعضهم لا يسمع كلام بعض من كثرة صراخ الضفادع وكانوا اذا قتلوا واحدا منها خافوا ما حول محله حتى لا يستطيعون الجلوس فيه ففزعوا اليه رابعا وتضرعوا فاخذ عليهم العهود فدع فكشف الله عنهم بريح عظيمة نبذتها فى البحر فنقضوا العهد فارسل الله عليهم الدم فصارت مياههم وآبارها وانهارها دما احمر عبيطا حتى كان يجتمع القبطى والاسرائيلى على اناء فيكون ما يليه دما وما يلى الاسرائيلى ماء على حاله ويمص الماء من فم الاسرائيلى فيصير دما فيه(4/247)
قوم موسى شو بخور اين آب را ... صلح كن بامه ببين مهتاب را
ثم ان فرعون اجهده العطش وكانوا يأتونه باوراق الاشجار الرطبة فيمصها فتصير دما عبيطا او اجاجا وكانوا لا يأكلون ولا يشربون سبعة ايام الا الدم فقال فرعون اقسم بالهك يا موسى لئن كشفت عنا هذا الدم لنؤمنن لك فدعا فعذب ماؤهم فعادوا لكفرهم الى ان كان من امر الغرق ما كان { آيات مفصلات } حال من مفعول ارسلنا اى ارسلنا عليهم هذه الاشياء حال كونها آيات وعلامات مبينات لا يشكل على عاقل انها آيات الله ونقمته وقيل معنى مفصلات مفرقات ومنفصلات بان فصل بعضها عن بعض بزمان لامتحان احوالهم هل يعتبرون او يستمرون على المخالفة والعناد وما كان بين كل اثنين منها شهر وكان امتداد ك واحدة منها اسبوعا { فاستكبروا } اى تعظموا عن الايمان بها { كانوا قوما مجرمينؤ [ كروهى مجرم يعنى معانددر كفركه باوجود تظاهر آيات وتتابع آن ايمان نياوردند ](4/248)
وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134)
{ ولما وقع عليهم الرجز } اى العذاب المذكور من الطوفان وغيره اى كلما وقع عليهم عقوبة من تلك العقوبات { قالوا } فى كل مرة { يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك } الباء صلة لادع وما مصدرية والمراد بالعهد النبوة اى ادع لنا ربك يكشف عنا العذاب بحق ما عندك من عهد الله تعالى وهو النبوة فان حق النبوة ومقتضاها ان يدعو النبى لامته لدفع ما اصابهم من البلايا والمحن سميت النبوة عهدا للمبالغة فى كونها معهودا بها فانه تعالى لما بعثه رسولا واوصاه بتحمل اعباء الرسالة وميثاق التبليغ فقد جعلت النبوة مما اوصى به وعهده فجعلت نفس العهد للمبالغة فى كونها معهودا بها
وفى التفسير الفارسى { بما عهد عندك } [ بآنجه عهد كرده وآن عهد نزديك تست يعنى خداى تو باتو وعده كرده كه جون اورا بخوانى ابابت كند ] فما موصولة عبر بها عما يدعو به المتضرع الى الله تعالى فى طلب حاجته والباء ايضا صلة لادع { لئن كشفت } اى [ بازبرى وزائل كردانى ] { عنا الرجز } الذى وقع علينا { لنؤمنن لك ولنرسلن معك بنى اسرائيل } الى موطن آبائهم وهو الارض المقدسة ولنطلقنهم من التسخير والاعمال الشاقة(4/249)
فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135)
{ فلما كشفنا عنهم الرجز الى اجل هم بالغوه } اى الى حد من الزمان معذبون فيه او مهلكون وهو وقت الغرق والى اجل متعلق بقوله لما كشفنا وقوله هم بالغوه فى محل الجر على انه صفة لاجل { اذا هم ينكثون } جواب اى لما كشفنا عنهم فاجأوا النكث من غير تامل وتوقف والنكث بالفارسى [ عهد شكستن ](4/250)
فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136)
{ فانتقمنا منهم } الفاء لسببية النكث للانتقام والعقاب واريد بالانتقام نتيجته وهو الاهلاك ومثله الغضب لان التشفى فى حقه تعالى محال
قال ابن الشيخ الانتقام العقاب الواقع على مجازاة السيئة بالسيئة وانما اسند الانتقام الى ذاته الانبياء وكمل الاولياء كانوا فانين عما سوى الله باقين بالله فكان الله خليفتهم فى اخد الانتقام من اعدائهم . والمعنى فاردنا الانتقام منهم اى من فرعون وقومه لما اسلفوا من المعاصى والجرائم فانه قوله تعالى { فاغرقناهم } عين الانتقام منهم فلا يصح دخول الفاء بينهما فاطلق اسم المسبب على السبب تنبيها على ان الانتقام لم ينفك عن الارادة ويجوز ان يكون المراد مطلق الانتقام . والفاء تفسيرية كما فو قوله تعالى { ونادى نوح ربه فقال رب } الخ { فى اليم } اى فى البحر الذى لا يدرك قعره او فى لجته ولجة البحر معظم مائه
قال الحدادى فى اليم اى فى البحر يلبسان العبرانية وهى لغة اليهود
وفى التفسير الفارسى { فى اليم } [ در درياى قلزم بنزديك مصر ] وذلك ان الله تعالى امر موسى ان يخرج ببنى اسرائيل فاستعار نسوة بنى اسرائيل من نساء آل فرعون حليهم وقلن ان لنا خروجا الى عيد فخرج ببنى اسرائيل فى اول الليل وهم ستمائة الف من رجل وامرأة وصبى فبلغ الخبر فرعون فركب ومعه الف الف ومائتا الف فادركهم فرعون حين طلعت الشمس وانتهى
موسى الى البحر فضرب البحر فانفلق اثنى عشر طريقا وكانت بنو اسرائيل اثنى عشر سبطا فعبر عن كل سبط طريقا فاقبل اثنى عشر طريقا وكانت بنو اسرائيل اثنى عشر سبطا فعبر عن كل سبط طريقا فاقبل فرعون ومن معه فدخلوا بعدهم من حيث دخلوا فلما صاروا جميعا فى البحر امر الله البحر فالتطم عليهم فغرقوا { بانهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين } تعليل للاغراق اى كان اغراقهم بسبب تكذيبهم بالآيات التسع الاتى جاء بها موسى واعراضهم عنها وعدم تفكرهم فيها بحيث صالروا كالغافلين عنها بالكلية والفاء وان دلت على ترتيب الاغراق على ما قبله من النكث لكنه صرح بالتعليل ايذانا بان مدار جميع ذلك تكذيب آيات الله والاعراض عنها ليكون ذلك مزجرة للسامعين عن تكذيب الآيات الظاهرة على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم والاعراض عنها(4/251)
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137)
{ واورثنا } [ ميراث داديم ] { القوم الذين } يعنى بنى اسرائيل والقوم مفعول اول لاورثنا { كانوا يستضعفون } اى يستضعفهم القبط ويقهرونهم ويستذلونهم بدبح الابناء واستخدام النساء والاستعباد { مشارق الارض ومغاربها } مفعول ثان لاورثنا والارض ارض الشام ومشارقها ومغاربها جهاتها الشرقية والغربية ملكها بنو اسرائيل بعد الفراعنة والعمالقة وتمكنوا فى نواحيها { التى باركنا فيها } بالخصب وسعة الارزاق صفة للمشارق والمغارب { وتمت كلمة ربك الحسنى } المراد بالكلمة وعده تعالى اياهم بالنصر والتمكين وهو ما ذكره بقوله { ونريد ان نمن على الذين استضعفوا فى الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم فى الارض ونرى فرعون وهامان وجنود هما منهم ما كانوا يحذرون } وتمامها مضيها وانتهاؤها الى الانجاز لان العدة بالشيء التزام يقاعه بالعبارة واللسان وتمامها لا يكون الا بوقوع الموعود فى الخارج والعيان { على بنى اسرائيل بما صبروا } اى بسبب صبرهم على الشدائد التى كابدوها من جهة فرعون وقومه { ودمرنا } اى خربنا واهلكنا { ما كان يصنع فرعون وقومه } من العمارات والقصور اى ودمرنا الذى كان فرعون يصنعه على ان فرعون اسم كان ويصنع خبر مقدم والجملة الكونية صلة ما والعائد محذوف وقيل اسم ضمير عائد الى ما الموصولة ويصنع مسند الى فرعون والجملة خبر كان والعائد محذوف تقديره ودمرنا الذى كان يصنعه فرعون { وما كانوا يعرشون } اى يرفعون من الجنات اى الكروم والاشجار
قال فى زبدة التفاسير العرش سقف فى الكروم والاشجار واشارت الآية الى ان العزيز من اعزه الله والذليل من اذله الله ومن صبر على مقاساة الذل فى الله توجه بتاج العزة وجعل له حسن العاقبة والله تعالى كما وعد لبنى اسرائيل وانجز وعده فاستخلفهم فى مشارق الارض ومغاربها كذلك وعد لهذه الامة كما قال تعالى فى سورة النور { وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الارض كما استخلف الذين من قبلهم } والمراد بالارض ارض الكفار من العرب والعجم والمراد بالذين من قبلهم بنوا اسرائيل وفى الحديث « ان الله زوى لى الارض فرأيت مشارقها ومغاربها وان ملك امتى سيبلغ ما زوى لى منها » يقول ان الله تعالى جمع وضم هذه الارض ليلة المعراج او فى غير ذلك الوقت فرأيت جميع آفاق الارض من المشارق والمغارب ثم وعد امته بان الله تعالى يملأ الدنيا كلها عدلا وقسطا كما ملئت قبل ذلك جورا وظلما ويملك المؤمنين جميع الارض هذا على تقدير حمل اللام فى الارض على الاستغراق
وقيل اللام للعهد الخارجى كما اذا قيل اغلق الباب اذا كان مشاهدا ومن للتبيين ولا دليل على جمع جميع الارض ولم يبلغ ملك امته جميع اجزائها فأى موضع من الارض وقع نظره عليه السلام عليه كان دار الاسلام وأى مكان كان محجوبا عنه كان دار الكفر والله اعلم بحقيقة الحال ومنه الكرم والنوال واليه الرجوع والمآل(4/252)
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140) وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)
{ وجاوزنا ببنى اسرائيل البحر } فاعل بمعنى فعل يقال جاوز وجاز بمعنى واحد وجاوز الوادى اذا قطعه وجاوز بغيره البحر عبر به فالباء هنا معدية كالهمزة والتشديد فكأنه قال وجزنا ببنى اسرائيل البحر اى اجزناهم البحر وجوزناهم بالفارسية [ وبكذرانيديم بنى اسرائيل را از دريا بسلامت ] والمراد بحر القلزم واخطأ من قال انه نيل مصر
قال فى القاموس القلزم كقنفذ بلد بين مصر ومكة قرب جبل الطور واليه يضاف بحر القلزم لانه على طرفه او لانه يبتلع من ركبه لان القلزمة الابتلاع -روى- انه عبر بهم موسى عليه السلام يوم عاشوراء فصاموا شكرا لله تعالى { فأتوا } اى مروا { على قوم } كانوا من العمالقة الكنعانيين الذين امر موسى عليه السلام بقتالهم وقيل كانوا من لخم وهو حى من اليمن ومنهم كانت ملوك العرب فى الجاهلية
وعن الزمخشرى انه قبيل بمصر { يعكفون على اصنام لهم } اى يواظبون علىعبادتها ويلازمونها
قال فى تاج المصادر العكوف [ كرد جيزى در آمدن ودر جايى مقيم شدن ] يقال عكفه حبسه وعكف عليه اقبل عليه مواظبا { قالوا } عند ما شاهدوا احوالهم { يا موسى اجعل لنا آلها } مثالا نعبده ركما لهم آلهة } يعبدونها . والكاف متعلقة بمحذوف وقع صفة لآلها وما موصولة ولهم صلتها وآلهة بدل من ما والتقدير اجعل لنا آلها كائنا كالذى استقر هو لهم فالعائد محذزف وكانت اصنامهم تماثيل بقر وهو اول شأن العجل { قال انكم قوم تجهلون } وصفهم بالجهل المطلق حيث لم يذكر المفعول لبعد ما صدر عنهم عن العقل بعد ما شاهدوا من الآية الكبرى والمعجزة العظمى
{ ان هؤلاء } يعنى القوم الذين يعبدون تلك التماثيل { متبر } اسم مفعول من باب التفعيل يقال تبره تتبيرا اى كسره واهلكه والمعنى مكسر ومهلك { ما هم فيه } اى من الدين الباطل . يعنى ان الله تعالى يهدم دينهم الذى هم عليه عن قريب ويحطم اصنامهم ويجعلها رضاضا اى فتاتا . قوله ما هم فيه مبتدأ ومتبر خبر له ويجوز ان يكون ما هم فيه فاعل متبر لاعتماده على المسند اليه { وباطل } اى مضمحل بالكلية { ما كانوا يعملون } من عبادتهم وان كان قصدهم بذلك التقرب الى الله تعالى فانه كفر محض
{ قال } موسى { أغير الله } أغير المستحق للعبادة { أبغيكم } بحذف اللام اى ابغى لكم اى اطلب لكم { آلها } تمييز من غير او حال فانه مفعول ابغى والهمزة فيه للانكار والمنكر هو كون المبغى غيره تعالى { وهو فضلكم على العالمين } اى والحال انه تعالى خصكم بنعم لم يعطها غيركم وهى الآيات القاهرة والمعجزات الباهرة وانما لم يحصل مثلها لاحد من العالمين
قال الحدادى على عالمى زمانكم من القبط وغيرهم بعدما كنتم مستعبدين اذلاء وفيه تنبيه على سوء معاملتهم حيث قابلوا تخصيص الله اياهم من بين امثالهم بما لم يستحقوه تفضلا بان قصدوا الى اخس شيء من مخلوقاته تعالى فجعلوه شريكا له تعالى : قال الحافظ(4/253)
همايى جون توعالى قدر حرص استخوان تاكى ... دريغ آن سايه دولت كه برنا اهل افكندى
فتبا لمن لا يعرف قدره ويعلق همته بما لا ينبغى له
خلق نيست سيرت بدران ... همه برسيرت زمانه روند
ثم ذكر نعمة الانجاء وما يتبعه
قال تعالى { واذا انجيناكم من آل فرعون } اى واذكروا يا بنى اسرائيل صنيعة الله معكم فى وقت انجائكم وتخليصكم من ايدى آل فرعون باهلاكهم بالكلية ثم استأنف ببيان ما انجاهم منه فقال { يسومونكم سوء العذاب } اى يبغونكم اشد العذاب وافظعه من سام السلعة اذا طلبها ثم ابدل منه وبين فقال { يقتلون ابناءكم } اى يذبحونهم { ويستحيون نساءكم } اى يستبقونهن للاستخدام { وفى ذلكم } اى الانجاء او سوء العذاب { بلاء } اى نعمة او محنة فان البلاء يطلق على كل واحد منهما قال تعالى { وبلوناهم بالحسنات والسيآت } { من ربكم } من مالك اموركم فان النعمة والنقمة كلتيهما منه سبحانه وتعالى { عظيم } لا يقادر قدره . تقدم الكلام على الانجاء وفضيلة عاشوراء فى سورة البقرة فليطلب ثمة
والاشارة ان بنى اسرائيل صفات القلب كانتى معذبة فى مصر القالب وصفاتها فلما خلصها الله تعالى من بحر الدنيا وفرعون النفس { فأتوا على قوم } اى وصلوا الى صفات الروح { يعكفون على اصنام لهم } من المعانى المعقولة والمعارف الروحانية فاستحسنوها وارادوا العكحوف على عتبة عالم الاوراح { قالوا } الموسى الوارد الربانى الذى جاوزم بهم فى بحر الدنيا { يا موسى اجعل لنا آلها كمالهم آلهة } يشير الى انه لولا ان فضل الله ورحمته على العبد يثبته على قدم العبودية وصدق الطلب الى ان يبلغه الى المقصد الا على لكان العبد يركن الى كل شيء من حسائس الدنيا فضلا عن نفائس العقبى كقوله تعالى لسيد البشر عليه السلام { ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن الهم شيأ قليلا } { قال } لهم موسى الوارد الربانى عند ركونهم الى الروحانية { انكم قوم تجهلون } قدر الله وعنايته معكم { ان هؤلاء } يعنى صفات الروح { متبر ما هم فيه } من الركون والعكوف على استجلاء المعانى المعقولة والمعارف الروحانية { وباطل ما كانوا يعملون } فى غير طلب الحق والوصول الى المعارف الربانية { قال أغير الله ابغيكم آلها } اى انزلكم منزلا غير الوصول والوصال { وهو فضلكم على العالمين } من الحيوانات والجن والملك تفضيل العبور من الجسمانيات والروحانيات والوصول الى المعارف والحقائق الآلهيات { واذا انجيناكم من آل فرعون } يعنى من النفس وصفاتها { يسومونكم سوء العذاب } اى سوء عذاب البعد { ويقتلون ابناءكم } اى يبطلون اعمالكم الصالحة التى هى متولدات من صفات القلب بآفة الرياء والعجب النفسانى { ويستحيون نساءكم } يعنى صفات القلب لاستخدام النفس وصفاتها { وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم } يعنى فكان فى استخدام صفات القلب للنفس وصفاتها بان تعمل الصالحات رياء وسمعة لجلب المنافع الدنيوية لحظوظ النفس بلاء عظيم من ربكم فخلصكم منه لئلا تطلبوا غيره ولا تعبدوا سواه فلا تركنوا الى الروحانية والى المعقولات لكى تظفروا بمراتب الوصول ودرجات الوصال كذا فى التأويلات النجمية(4/254)
وعن بعض الكبار اول وصال العبد الحق هجرانه لنفسه واول هجران الحق العبج مواصلته لنفسه واول درجات القرب محو شواهد النفس واثبات شواهد الحق ومن طلب الدلالة فانها لا غاية لها ومن طلب الله عز وجل وحده باول خطوة يقصده بها : قال الحافظ
غرض زمسجد وميخانه ام مصال شماست ... جز اين خيال ندارم خدا كواه منست
قال بعض الصالحين عرضت على الدنيا بزينتها فاعرضت عنها ثم عرضت الاخرى بحورها وقصورها وزينتها فاعرضت عنها فقيل لو اقبلت على الاولى حجبناك عن الاخرى ولو اقبلت على الاخرى حجبناك عنا فها نحن لك وقسمتك فى الدارين تأتيك
وقال احمد بن حضرويه رأيت رب العزة فى المنام فقال لى يا احمد كل الناس يطلبون منى الا ابا يزيد فانه يطلبنى
وقال ابراهيم بن ادهم رأيت جبريل عليه السلام فى المنام وبيده قرطاش فقلت ما تصنع به قال اكتب اسما المحبين فقلت اكتب تحتهم محب المحبين ابراهيم بن ادهم فنودى يا جبريل اكتبه فى اولهم(4/255)
وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)
{ وواعدنا } الوعد عبارة عن الاخبار بايصال المنفعة قبل وقوعها { موسى } اسم اعجمى لا اشتقاق فيه واما موسى الحديد فهو مفعل من اوسيت رأسه اذا حلقته او فعلى من ماس يميس اذا تبختر فى مشيه فسميت موسى لكثرة اضطرابها وتحركها وقت الخلق { ثلاثين ليلة } [ سى شبانه روز جون مدار حساب شهور عرب برؤية هلالست وآن بشب مرئى ميشود تاريخ را بشب مقيد كرد ] وثلاثين مفعول ثان لواعدنا على حذف المضاف اى تمام او مكث ثلاثين
قال ابن لشيخ الموعود يجب ان يكون من فعل الواعد وتفس الثلاثين ليس كذلك فكأنه قيل وواعدنا موسى ما يتعلق بثلاثين ليلة وهو منا انزال عند اتمام صوم الثلاثين ومن موسى صوم تلك المدة واتيان الطور انتهى بتغيير عبارته فواعدنا ليس بمعنى وعدنا بلا على بابه بناء على تنزيل قبول موسى عليه السلام منزلة الوعد { وأتممناها بعشر } اى زدنا على تلك الثلاثين عشر ليال { فتم ميقات ربه } ما وقت له فى الوقت الذى ضرب له والفرق بين الميقات والوقت ان الميقات وقت لا تقدر لان يقع فيه عمل من الاعمال وان الوقت ما يقع فيه شيء سواه قدره مقدر لان يقع فيه ذلك الشيء ام لا { اربعين ليلة } حال من قوله ميقات ربه اى تم بالغا هذالعدد وهو مفعول تم لانه بمعنى بلغ -روى- ان موسى عليه السلام وعد بنى اسرائيل وهم بمصر ان اهلك الله عدوهم اتاهم بكتاب فيه بيان ما ياتون وما يذرن فلما هلك فرعون سال موسى ربه الكتاب فارمه بصوم ثلاثين وهو ذو القعدة بتمامه ليكلمه ريوحى اليه وبكرمه بما يتم به امر نبوته فصامهن موسى عليه السلام على طريق المواصلة بين ليلهن ونهارهن وانما لم يجع فى تلك المدة وصبر لم يصبر نصف يوم فى سفر الخضر حيث قال آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قيل لان سفر الحضر سفر التأديب والامتحان والابتلاء فزاد البلاء على الابتلاء حتى جاع فى نصف يوم فى صحبة المخلوق وحضوره الجبل وسفره اليه سفر اللقاء وصحبة الحق فانساه هيبة الموقف الطعام والشراب واغناه من غيره ثم لما اتم الثلاثين وانسلخ الشهر انكر خلوف فيه اى كره ان يكلم ربه وريح فمه ريح الصائم فتسوك بعود خرنوب وتناول شيأ من نبات الارض فمضغه فقالت الملائكة كنا نشم من فيك رائحة المسك فافسدته بالسواك
وقيل اوحى الله تعالى اليه اما علمت ان ريح فم الصائم اطيب عندى من ريح المسك ولذاكره التوسك عند الشافعى فى آخر نهار الصوم بناء على ان السواك يزيل الخلوف فامر الله تعالى بان يزيد عليها عشرة ايام من ذى الحجة ليعود فوه الى ما كان عليه فصم فتشرف بالوحى والكليم يوم النحر كذا قال اهل التفسير(4/256)
وفيه ان الوحى والتكليم اذا كان يوم النحر يلزم ان لا يكون ايام الصوم اربعين كملا وهو مخالف للنص اللهم الا ان تعتبر الليالى او كان صوم يوم النحر مشروعا فى شريعته هكذا لاح بالبال
ثم ان موسى علهي السلام لما اراد الانطلاق الى الجبل للمناجاة امره الله تعالى ان يختار سبعين رجلا من قومه من ذوى الحجى والعقل ليشهدوا له على ما يشاهدونه من كرامة الله تعالى اياه ففعل واستخلف هارون اخاه فى قومه كا قال تعالى { وقال موسى لاخيه هرون } قبل انطلاقه الى الجبل الذى امر بالعبادة فيه كما فى تفسير الحدادى وهارون وعطف بيان { اخلفنى } كن خليفتى وقم مقامى { فى قومى } وراقبهم فيما يأتون ويذرون { واصلح } ما يحتاج الى الاصلاح من امورهم وسرفيهم السيرة الصالحة التى لا فساد فيها وثبتهم على ما اخلفهم عليه من الايمان واخلاص العبادة { ولا تتبع سبيل المفسدين } اى ولا تتبع من سألك الافساد ولا تطع من دعاك اليه وذلك ان موسى عليه السلام كان يشاهد كثرة خلافهم حالا بعد حال فوصاه فى امرهم
فان قيل ان هارون كان شريك موسى فى النبوة قال تعالى خبرا عن موسى { واشركه فى امرى } فكيف استخلفه
قلنا المأموران بشيء لا ينفرد احدهما بفعله الا بمر صاحبه فلذلك قال اخلفنى ولأن موسى كان اصلا فيها وهارون معينا له قال موسى { فارسله معى ردئا يصدقنى } ولهذا كان هو المناجى على الخصوص والمعطى للالواح ولما امر بالذعاب الى فرعون سال الله ان يشرك معه هارون ولما ذهب الى الطور للمناجاة خلفه فى قومه واستخلفه وهو موضع الاعتراض فى الظاهر ولكن لا اعتراض على الاكابر لان حركاتهم الظاهرة انما تنبعث من دواعى قلوبهم وتلك الدواعى الهامات واردة من الله تعالى لاصنع لهم فيها فمن عرف دورانهم بامر الهى هان عليه التطبيق والتوفيق وسفقط عنه الاعتراض على اصحاب التحقيق مع ان درجات الانبياء متفاضلة كما قال تعالى { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض } فمن منع الرؤية عن موسى منع المناجاة عن هارون وكون هارون وشريكه فى الامر الظاهر لا يقتضى ان يكون رديفه فى الامر الباطن فان لكل مقام رجالا
رموز مصلحت ملك خسروان دانند ... كداى كوشه نشينى توحافظا مخروش
انظر ان موسى عليه السلام استخلف هارون واعتمد عليه فى حفظ قومه فعبدوا العجل فى العشر الذى زيد على الثلاثين ورسولنا صلى الله عليه وسلم قال الله خليفتى على امتى فثبتهم الله على الحق
واعلم ان ذا القعدة وذا الحجة من الاشهر الحرم ويكفى شرفا لهما ان الله تعالى امر موسى بصومهما وجعلهما محل قبول الحاجات وميقات المناجات وفى الحديث(4/257)
« صيام يوم من الاشهر الحرم يعدل شهرا وصيام يوم من غير الاشهر الحرم يعدل شهرا » وفى الحديث « من صلام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب الله له عبادة تسعمائة سنة » وقال كعب الاحبار اختار الله الزمان فاحيه اليه الاشهر الحرم وذو القعدة من الاشهر الحرم بغير خلاف وسمى ذا القعدة لقعودهم فيه عن القتال احتراما له
فعلى السالك ان يتهيأ فيه لمناجاته ربه بالصوم الظاهرى والامساك الباطنى فان موسى روحه متشوف لنوال الوصال ومتطلب لرؤية الجمال
والاشارة فى الآية ان الميعاد فى الحقيقة كان اربعين ليلة وانما اظهر الوعد ثلاثين ليلة لضعف البشرية ولئلا تستكثر النفس الاربعين وتسوّل له ان لا يقوى على ذلك فيداخله خوف البشرية فواعده ثلاثين ليلة ثم اتمها بالعشر وفيه ان للارعين خصوصية فى استحقاق استماع الكلام للانبياء كما ان لها اختصاصا فى ظهور ينابيع الحكمة من قلوب الاولياء كقوله عليه السلام « من اخلص لله اربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه »
قال اهل العرفان ان سر التربيع والاربعين الموسوية وكان بين خلفق آدم ونفخ روحه اربع جمع من جمع الآخرة فاكمل الاشكال تأثيرا صورة التربيع فى الآحاد والاعشار والمآت والالوف كما اشار صلى الله عليه وسلم بقوله « خير الاصحاب اربعة وخير السرايا اربعمائة »(4/258)
وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)
{ ولما جاء موسى لميقاتنا } اى لوقتنا الى وقتناه وعيناه وحددناه له وهو تمام الاربعين اى اختص مجيئه بميقاتنا كما فى قولك اتيته لعشر خلون من الشهر فاللام للاختصاص وليست بمعنى عند والميقات بمعنى الوقت وقد سبق الفرق بينهما فى المجلس المتقدم
ان قيل لم وعده الله بالكلام فى الجبل وفوق العلى وتحت الثرى واحد عند حضرته وهو منزه عن الجهات
قيل ان فى الجبل وصف الثبات والعلو والتفرد لان الارض ما استقرت بغير الجبال فاثبتها الحق بها واوتدها حكمة منه وعرض الامانة عليها لاتصافها بصفة التثبت والتمكن والتفرد والتعلى ولذلك فضل الجبال فى الامكنة وشرفها بمشهد الكلام وتعلق تجلى الجمال وعرض الامانة عليها وشرح الصدر المحمدى فيها ومناجاة موسى عليها فبدا من ذلك ان المقامات فاضلا ومفضولا
قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى البروسوى خير الجماعة جماعة الارواح وجماعتهم فى الجبال والمواضع الخالية وعلامة مجمعهم انه لا يذهب خضرة ذلك الموضع ونظارته فى الصيف والشتاء قال انما جئنا الى هذا المكان فى هذا الجبل بناء على مجيئتهم
يقول الفقير عنى به موضع زاويته المنيفة فى مدينة بروسة فى سفح الجبل المعروف هناك وقد زرته وزرت مرقده العالى فى داخل القلعة قدس الله سره
وقال وهب جاء الى طور سيناء ومعه جبريل فتطهر وطهر ثوبه وانزل الله الظلمة على سبعة فراسخ وطرد عنه الشيطان وطرد عنه هوام الارض ونحى عنه الملكين وكشط له السماء فرأى الملائكة قياما فى الهواء وراى العرش بارزا وسمع صرير القلم { وكلمه ربه } من غير واسطة وكيفية كما يكلم الملائكة وكان جبريل معه فلم يسمع ما كلمه ربه ولذا خص باسم الكليم لاختصاصه بذلك من بين البشر فان سائر الانبياء عليهم السلام انما يكلمهم الله بواسطة الكتاب والملك
فان قيل بأى شيء علم وموسى انه كلام الله
قيل لم ينقطع كلامه بالنفس مع الحق كما ينقطع مع المخلوق بل كلمه بمدد وحدانى غير منقطع شاهد نفسه بمنزلة الآلة عند الصانع والآلة يحركها الاستاذ كيف يشاء لانه ليس للآلة تصنع وتعمل
وقيل علم انه كلام الحق وميزه عن غيره بانه سمع الكلام من الجوانب الستة فصارت جميع جوارحه كسمعه فصار الوجود كله سمعا فوجد لذة الكلام بوجوده كما وجدها بسمعه
قال ابن الشيخ فى حواشيه كلامه تعالى صفة ازلية قائمة بذاته ليست من جنس هذه الحروف والاصوات وكما لا تبعد عن رؤيته تعالى مع ان ذاته ليست جسما ولا عرضا فكذلك لا يبعد سماع كلامه مع كونه ليس من جنس الحرف والصوت انتهى
وفى حل الرموز المؤمن فى الآخرة وجه محض وعين محض وسمع محض ينظر من كل جهة وبكل جهة وعلى كل جهة وكذا يسمع بكل عضو من كل جهة بغير جهة خاصة واذا شاهد الحق يشهده بكل وجه ليس فيه من الجهات ولا يحتجب سمعه وبصره بالجهات كما اشار سبحانه بقوله(4/259)
{ كنت سمعه وبصره } والكامل الواصل له حكم الآخرة فى الدنيا كما قال سيد الواصلين « موتوا قبل ان تموتوا وحاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا » انتهى
يقول الفقير هذا ليس بمحل الجرح والانكار لان الله تعالى وان خلق حاسة السمع لادراك الاصوات لكن يجوز ان يدرك بحاسة ما يدرك بحاسة اخرى كما ذهب اليه علماء الكلام لان ذلك الادراك يمحض خلق الله تعالى من غير تأثير للحواس فلا يمتنع ان يخلق عقيب صرف الباصرة ادراك الاصوات مثلا فثبت ان كل عضو من الاعضاء الانسانية يجوز ان يخلق الله تعالى فيه ما خلق فى السمع من ادراك الاصوات
ان قيل لم لم يكلم الله سائر الانبياء مشافهة الا موسى
قيل لانه لم يكن لهم من الاعداء ما لموسى كفرعون وهامان وقارون واليهود ولم يكن قوم اسوأ وكفر قوم من اليهود بعد مشاهدتهم معجزات كثيرة فايده الله بكلامه ليتحمل به ما امتحن به من البلايا فى قومه
يقول الفقير كون عدو موسى اقوى واشد وانما هو بالنسبة الى اعداء الانبياء غير نبينا صلى الله عليه وسلم فانه قد ثبت ان فرعون آمن عند الغرق واما ابو جهل فلا بل اظهر العداوة عند النزع فاعتبر منه قوة حاله وعلو مقامه صلى الله عليه وسلم فى المكالمة والرؤية ليلة المعراج وفى الحديث « ناجى موسى ربه بمائة الف واربعين الف كلمة فى ثلاثة ايام وصايا كلها » كذا فى الوسيط
وقال بعضهم كلم الله موسى اربعين يوما وليلة وهذا والله اعلم غير الاربعين المتقدمة على الوحى والتعليم
وعن فضيل بن عياض قال حدثنى بعض اشياخى ان ابليس جاء الى موسى وهو يناجى ربه فقال الملك ويلك ما ترجو منه وهو على هذه الحال يناجى ربه قال ارجو منه ما رجوت من ابيه آدم وهو فى الجنة
وكذا قال السدى لما كلم الله موسى غاص الخبيث ابليس فى الارض حتى خرج من بين يدى موسى فوسوس اليه ان مكلمك شيطان
يقول الفقير يرده ما سبق من ان الشيطان طرد عنه وقتئذ وهو الصحيح لان المقام لا يسع الشيطان وانما سلطانه على اهل الملك دون ارباب الملكوت وفرق بينه وهو مناج فى الطور وبين آدم وهو معاشر فى الجنة
فان قلت قوله تعالى فى سورة الحج { وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبى اذا اذا تمنى القى الشيطان فى امنيته } يدل على ان كل نبى مبتلى بذلك خصوصا وقت التلاوة وهى من انواع المناجاة(4/260)
قلت فرق بين التلاوة الظاهرة والمناجاة الباطنة الا ترى الى قوله عليه السلام « لى مع الله وقت يسعنى فيه ملك مقرب ولا تبى مرسل » فما ظنك بالشيطان المردود الى اسفل سافلين البعد كما لاح ببالى والله اعلم ولما سمع موسى كلام ربه غلب عليه الشوق الى رؤيته وقال هذه لذة الخبر فكيف لذة النظر مع ان الكل يعمل على شاكلته وشاكلة البشر وفطرته على طلب العلو والترقى اذا ظفر بشيء طلب ما هو اعلى منه ولا اعلى من تجلى الجمال وفيض الوصال فسال الرؤية
وفى التفسير الفارسى [ جون موسى كلام حق شنيد وازجام كلام ربانى جرعه ذوق محبت جشيد فراموش كردكه او در دنياست خيال بستكه درفردوس اعلاست وجون جنت جاى مشاهده لقاست ] { قال رب ارنى } ذاتك اى مكننى من رؤيتك { انظر اليك } ارك فالنظر بمعنى الرؤية الا ان المطلوب بقوله ارنى ليس ان يخلق الله تعالى رؤية ذاته المقدسة فى موسى حتى يلزم كون الشيء غاية ذاته المقدسة وتمكينه تعالى اياه من الرؤية سبب لرؤية موسى اياه تعالى فاطلق عليه اسم الرؤية المسببة عنه مجازا -روى- عن ابن عباس رضى الله عنهما قال لما قال موسى عليه السلام { ارنى انظر اليك } كشف الحجاب وابرز له الجبل { وقال انظر } فنظر فاذا امامه مائة الف نبى واربعة وعشرون الف نبى محرمين ملبين كلهم يقول ارنى ارنى
واعلم ان الاجساد تنمو بنماء الاقوات كذلك الاحوال تصفو بصفاء الاوقات فقوت جسدك ما غذيته من الطيبات وقوت روحك ما ربيت به من اقوات الطاعات فى اوقات الخلوات كما ذفت الاوانى جلت ما فيها من جواهر المعانى فاذا كان عين بصيرتك منطمسة وخيول همتك منحبسة فمالك والتطاول الى منازل قوم عيون قلوبهم منبجسة وسرائرهم لانوار معارفهم من جذور الغيب مقتبسة فلا تدع بما ليس فيك وحسبك كما يعلم الله منك ويكفيك فينبغى لك ان تقف وقوف الاصاغر وتتأدب بآداب الاكابر هذا كليم الله موسى لما كان طفلا فى حجر تربية الحق سبحانه ما تجاوز حده بل قال { رب انى لما انزلت الى من خير فقير } فلما بلغ مبلغ الرجال ما رضى بطعام الاطفال بل قال { رب ارنى انظر اليك } وهو حجة اهل السنة والجماعة على جواز رؤية الله تعالى كفر ومن جوز ذلك على موسى او على احد من الانبياء فهو كافر كما فى التيسير
قال حضرة الشيخ الكبير صدر الدين القنوى فى فك ختم الفص الداودى من شأن الكمل ان كل ما هو متعذر الحصول لاحد من الخلق وهو عندهم وبالنسبة الى كمال قابليتهم غير متعذر ولا يستحي الا ان يخبرهم الحق باخبار مخصوص خارج من خواص المواد والوسائط فحينئذ يصدقون ربهم ويحكمون باستحالته وحصول ذلك كحال موسى فى طلب الرؤية على وجه مخصوص فلما اخبر بتعذر ذلك تاب وآمن انتهى { قال } الله تعالى وهو استئناف بيانى { لن ترينى } لم يقل لن تنظر الى كقوله انظر اليك لان المطلوب هى الرؤية التى معها ادراك لا النظر الى هو عبادة عن تقليب الحدقة نحو المرئى لانه قد يتخلف عنه الادراك فى بعض الصور(4/261)
قال فى التفسير { لن ترينى } [ نتوانى ديد مرا در دنيا جه حكم ازلى برآن وجه واقع شده كه هر بشرى كه در دنيا بمن نظر كندبميرد ] وفى المدارك { لن ترينى } بالسؤال بعين فانية بل بالعطاء والنوال بعين باقية [ صاحب كشف الاسرار كويدكه مقام موسى دران ساعت كه خطاب لن ترانى شنيد عالى بود ازان وقتكه كفت ارنى زيرا اين ساعت درعين مراد حق بود وآن وقت درعين مراد خود قائم بمراد حق بود كاملترست ارقيام بمراد خود ]
لن ترانى ميرسد از طور موسى را جواب ... هرجه آن ازدوست آيدسربنه كردن متاب
وهو دليل لنا ايضا لانه لم يقل لن ارى ليكون نفيا للجواز ولو لم يكن مرئيا لا خبر بانه ليس بمرئى اذ الحالة حالة الحاجة الى البيان فهو لا يدل على امتناع رؤيته فى نفس الامر بل يدل على قصور الطالب عن رؤيته لتوقف الرؤية على حصول ما يستعد به الطالب لرؤيته وعدم حصول ذلك المعد فيه بعد فانه يجوز ان يبقى فيه حينئذ شيء من الخجاب المانع لرؤيته اياه لم يرتفع ذلك الحجاب بعد
يقول الفقير هذا ما عليه اكثر اهل التفسير وهو ليس بمرضى عندى الا اتيان الطور لم يكن فى اوائل حاله عليه السلام بل كان نظير المعراج الحمدى بالنسبة الى مرتبه والتحقيق بعيد عن درك اهل التقليد
وقد سألت حضرة شيخى العلامة ابقاه الله بالسلامة عن قولهم فى قوله تعالى { لن ترانى } اى ببشريتك ووجودك فقاتل ان البشرية تنافى الرؤية وموسى عليه السلام انما سأل الرؤية بالنسبة الى ظاهر البشرية والوجود الكونى وهى لا تمكن ابدا بل او تعلقت الرؤية بذات الله تعالى لتعلقت حالة الفناء فى الله واضمحلال حالة البشرية فقلت يرد عليه ما وقع ليلة المعراج من الرؤية بعين الرأس فقال انه حبيب الله رأى ربه فى تلك الليلة بالسر والروح فى صورة الجسم ولا جسم هناك لانه تجاوز فى سيره عن عالم الاجسام كلها بل عن عالم الارواح حتى وصل الى عالم الامر
فقلت يرد عليه ان الانبياء والاولياء مشتركون فى الرؤية بالبصيرة حالة الفناء الكلى فلا فرق بين موسى ومحمد عليهما السلام فأى فائدة فى قوله { لن ترينى } وايضا فى عروجه عليه السلام الى ما فوق العرش فان تلك الرؤية انما تحصل فى مقام العينية الجمعية القلبية لان فى مقام الغيرية الفرقية فقال ان امر الرؤية وان كان محتاجا الى الانسلاخ التام عن الاكوان مطلقا الا ان الانسلاخ بالقلب والقالب مختص بنبينا عليه السلام فان موسى وكذا غيره من الانبياء عليهم السلام انما يرون بالانسلاخ حين كون قوالبهم فى عالم العناصر .(4/262)
واما محمد صلى الله عليه وسلم فقد تجاوز عن عالم العناصر ثم عن عالم الطبيعة وذلك بالقلب والقالب جميعا فانى يكون هذا لغيره فافهم جدا انتهى ما جرى بينى وبين حضرة الشيخ من السؤال والجواب وما تحاورناه فى المجلس الخاص المفتوح بابه للاحباب لا للاغيار واهل الانكار والارتياب وقد كان ذلك كالقطرة من البحر الزاخر بالنسبة الى ما يحويه قلبه الحاضر قدس الله سره ورزقنى وجميع الاحباب شفاعته
قال مرجع طريقتنا الجلوتية بالجيم حضرة الشيخ الشهير بافتاده البروسوى كما ان للانسان عينين فى الظاهر كذلك له عينان فى قلبه فاذا انفتحتا يشاهد بهما تجلى الصفات ولهما ايضا حدقتان لكنهما فى غاية اللطافة وانما قلنا يشاهد بهما تجلى الصفات لان تجلى الذات لا يشاهد الا بعين معنوية وراء عين القلب لا حدقة لها ولا كما زعمت الملاحدة والعياذ بالله تعالى فان الممكن الحقيقى غير الواجب الحقيقى كيف والسالك الواصل اذا افنى وجوده يصير معدوما والمعدوم لا يحكم عليه بشيء فضلا عن الحلول والاتحاد بل اذا عبر بالاتحاد يراد به التقرب التام على وفق رضاه تعالى كما يراد ذلك فى قولهم فلان متحد مع فلان اذ لا شك انهما شخصان مستقلان حقيقة ومعنى كونه معدوما اذ ذاك انه يتلاشى ويغيب فى بحر الاستغراق وانوار التجلى بحيث يغيب عن نظره ما سوى الله تعالى حتى ينظر ولا يجد نفسه للتوجه التام الى جنابه والاعراض الكلى عما سوى الله تعالى كمن جعل نظره الى جانب السماء لا ترى له الارض ومن نظر الى المشرق لايرى له المغرب لا انه يعدم وجوده الخارجى ويضمحل والانبياء عليهم السلام وان تجلى لهم الات الا ان تعين نبينا فوق الكل حتى ان موسى لما سال ربه التجلى عن تعين نبينا قال تعالى { لن ترانى } كذا اوله بعضهم وليس بشيء لانه عالم بمرتبة المصطفى صلى الله عليه وسلم فكيف يطلبها فخاطب موسى { لن ترانى } لقطع طمع قومه حيث { قالوا ارنا الله جهرة } لانه اذا خوطب بذلك فهم اولى به فهذا فى الحقيقة ليس بالنسبة الى موسى عليه السلام فانه قد نال سعادة التجلى مرارا واصطفاه برسالته وبكلامه الى هنا كلام افتاده افندى كما فى الواقعات المحمودية
وقال الشيخ على دده فى اسئلة الحكم
فان قلت ما الحكمة الربانية فى منعة الرؤية فى الموطن الدنيوي
قيل لان الرؤية غاية الكرامة فى الدنيا وغاية الكرامة فيها لا كرم الخلق وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم صاحب المقام المحمود الذى شاهد ربه ليلة المعراج بعينى رأسه على هذا فابحث وقيل لو اعطاه الرؤية بالسؤال لكانت الرؤية مكافأة لسؤاله والرؤية فضل لا مكافأة وهى ربانية لا مدخل للسؤال والتعمل فيها فهى امتنان محض من الله تعالى(4/263)
قال الامام الواحدى كون كلمة لن مفيدة لتأبيد النفى دعوى باطلة علىهل اللغة لا يشهد لصحتها كتاب معتبر ولا نقل صحيح ويدل على فساده قوله تعالى فى صفة اليهود { ولن يتمنوه ابدا } مع انهم يتمنون الموت يوم القيامة ويقولون فيه { يا مالك ليقض ربك . ويا ليتها كانت القاضية } اى الموت فالاخبار بان موسى لا يرى الله لا يدل على انه لا يراه ابدا كما ذهبت اليه المعتزلة : قال المولى الجامى
جهان مرآت حسن شاهدماست ... فشاهد وجهه فى كل ذرات
قال الحافظ
جو مستعد نظر نيستى وصال مجوى ... كه جام جم نكندسود وقت بى بصرى
{ ولكن انظر الى الجبل } اى لا تطلب النظر الىّ فانك لا تطيقه ولكن اجعل بينى وبينك ما هو اقوى منك وهو الجبل الذى بحضرتك
قال الكلبى هو اعظم جبل بمدين يقال له زبير وفى القاموس زبير كامير الجبل الذى الله عليه موسى
وقال ابن الجوزى فى مرآة الزمان والاصح انما خوطب موسى على جبل الطور الذى بقرب بحر القلزم فلما سمعت الجبال تعاظمت رجاء ان يتجلى لها وجعل زبير او الطور يتواضع فلما رأى الله تواضعه رفعه من بينها وخصه بالتجلى كذا فى عقد الدرر واللآلئ : وفى المثنوى
اى خنك آنراكه ذلت نفسه ... واى آن كزسر كشى شد جون كه او
وقال اهل الاشارة ان موسى عليه السلام لما اراد الخروج الى الميقات جعل بين قومه وبين ربه واسطة وهى الجبل فقال { لن ترانى ولكن انظر الى الجبل } فقال ان لم اصلح لخلافتك دون اخيك فانك لا تصلح لرؤيتى دون الجبل { فان استقر مكانه } اى سكن وثبت { فسوف ترينى } فسوف تطيق ان تنظر الىّ فان الجبل مع صلابته لما تأثر من التجلى ولم يطق ذلك بل اندك وتفتت وتلاشى فكيف يطيق الانسان الذى يدهش عند مشاهدة الامور الهائلة فكيف عند مشاهدة ذى العظمة والجلال المطلق الذى لا يوصف جلاله وكبرياؤه وهو دليل لنا ايضا لانه علق الرؤية باستقرار الجبل وهو ممكن وتعليق الشيء بما هو ممكن يدل على امكانه كالتعليق بالممتنع يدل على امتناعه ألا ترى ان دخول الكفار الجنة لما استحال علقه بمستحيل قال { حتى يلج الجمل فى سم الخياط } والدليل على انه ممكن قوله { جعله دكا } ولم يقل اندك وما اوجده تعالى كان جائزا ان لا يوجد لانه مختار فى فعله ولانه تعالى ما ايأسه من ذلك ولا عاتبه عليه ولو كان ذلك محالا لعاتبه كما عاتب نوحا عليه السلام بقوله(4/264)
{ انى اعظك ان تكون من الجاهلين } حين سال انجاه ابنه من الغرق { فلما تجلى ربه للجبل } ظهر له عظمته وتصدى له اقتداره وامره ومعنى ظهور ذاته للجماد غير معقول
قال فى تفسير العيون كشف نوره من حجبه قدر ما بين الخنصر والابهام اذا جمعتهما اى اذا وضعت الابهام على المفصل الاعلى من الخنصر
وعن سهل بن سعد الساعدى ان الله اظهر من سبعين الف حجاب نورا قدر الدرهم
وفى التفسير الفارسى : يعنى [ ظاهر كردانيد ازنور خود يا ازنور عرش بمقدار سوفار سوزنى ]
وقال الشيخ ابو منصور معنى التجلى للجبل ما قال الاشعرى انه تعالى خلق فى الجبل حياة وعلما ورؤية حتى راى ربه وهذا ايضا فيه اثبات كونه مرئيا { جعله دكا } مصدر بمعنى المفعول اى صيره مدكوكا مفتتا واذا حل بالجبل ما حل مع عظم خلقه فما ظنك بابن آدم الضعيف كما فى تفسير الكواشى
قال بعض الكبار جعل الله الجبل فداء لموسى ولولا ان موسى كان مدهوشا لذاب كما ذاب الجبل قالوا عذب اذ ذاك كل ماء وافاق كل مجنون وبرئ كل مريض وزال الشوك عن الاشجار واخضرت الملائكة وجعل الجبل ينهدم وينهال ويضطرب من تحت موسى حتى اندق كله فصار ذرات فى الهواء والذر هو الذى يرى اذا دخل الشعاع فى الكوى بتلك الكوة
وفى بعض التفاسير صار لعظمته ستة اجبل وقعت ثلاثة بالمدينة احد ورقان ورضوى وثلاثة بمكة ثور وثبير وحراء
وفى تفسير الحدادى فصار ثمانى فرق اربع قطع منه وقعن بمكة ثور وثبير وحراء وغار ثور واربع قطع وقعن بالمدينة احد ورقان ورضوى والمهراس
وقال الحسن صار الجبل ثلاث فرق ساخت فرقة منه فى الارض وطارت فرقة فى البحر وطارت فرقة فوقعت بعرفان فهو شاحب مقشعر من مخافة الله تعالى
وفى التفسير الفارسى [ عجبت سريست كه كوه بآن عظمت تحمل ديدار نداشت ودل انسانرا بحكم { ولكن ينظر الى قلوبكم } طاقت آن نظر كوهرا ويران ساخت واين نظر كوهرا ويران ساخت واين نظر دلرا معمور سازد ]
والاشارة ان الجبل صورة الجسم الحجابى والجسم غير مستعد للتجلى ما لم يندك وينحل بالرياضة والفناء وانما التجلى للروح فى مقام القلب والجبل صورة التحيز الكونى والحصر الجمسانى ومشهد التجلى غير متحيز والسر فافهم وعليه فابحث كذا فى اسئلة الحكم { وخر موسى صعقا } اى سقط مغشيا عليه من هول ما رأى من عشية الخميس وهو يوم عرفة الى عشية يوم الدمعة وهو قول ابن عباس رضى الله عنهما
وقال قتادة ميتا وقول ابن عباس اظهر لان الله تعالى قال { فلما افاق } ولا يقال للميت افاق من موته ولكن يقال بعث من موته كما قال فى حديث السبعين { فلما افاق } ولا يقال للميت افاق من موته ولكن يقال بعث من موته كما قال فى حديث السبعين(4/265)
{ ثم بعثناكم من بعد موتكم } وفى المثنوى
جسم خاك از عشق بر افلاك شد ... كوه در رقص آمد وجالاك شد
عشق جان طور آمد عاشقا ... طور مست وخرّ موسى صعقا
قال حضرة الشيخ افتاده افندى قدس سره الجبل المذكور وانى احترق ظاهره ولكن له وجود معنوى كانذلك لعلا خالصا بانعكاس التجلى من موسى ولذلك رآه كالعلل وكالمه وذلك الجبل يدخل الجنة وان كان من الدنيا بسبب كونه مظهرا للتجلى كما ان الكعبة ومسجد المدينة وبيت المقدس تدخل الجنة { فلما افاق } من صعقته
قال المولى ابو السعود رحمه الله الافاقة رجوع العقل والفهم الى الانسان بعد ذهابهما بسبب من الاسباب { قال } تعظيما لما شاهده { سبحانك } اى تنزيها لك من انى اسألك بغير اذن منك { تبت اليك } اى من الجراءة والاقدام على السؤال بغير ازن او من السؤال فى الدنيا فانك انما وعدتها فى الآخرة { وانا اول المؤمنين } اى بعظمتك وجلالك واول من آمن بانك لا ترى فى الدنيا [ اى كه زيك لمعه ات كوه بصدد باره شد جه عجب ازمشت كل عاجز وبيجاره شد ]
قال وهب بن اسحق لما سأل موسى ربه الرؤية ارسل اليه الضباب والصواعق والظلمة والرعد والبرق واحاطت بالجبل الذى عليه موسى اربعة فراسخ من كل جانب وامر الله عز وجل ملائكة السموات وان يعرضوا على موسى فمرت به ملائكة السماء الدنيا كثيران البقر تنبع افواههم بالتسبيح والتقديس باصوات عظيمة كصوت الرعد الشديد ثم امر الله ملائكة السماء الثانية ان اهبطوا على موسى فهبطوا عليه امثال الاسود ولهم لجب بالتسبيح والتقديس ففزع موسى مما رأى وسمع واقشعرت كل شعرة فى رأسه وجسده ثم قال لقد ندمت على مسالتى فهل ينجينى من مكانى الذى انا فيه شيء فقال له خير الملائكة ورأسهم يا موسى اصبر لما سألت فقيل من كثير ما رأيت ثم امر الله ملائكة السماء الثالثة ان اهبطوا على موسى فهبطوا عليه امثال النسور لهم لجب شديد وافواههم تنبع بالتسبيح والتقديس كجلبة الجيش العظيم اولنهم كلهب النار ففزع موسى واشتد نفسه وايس من الحياة وقال له خير الملائكة مكانك يا ابن عمران حتى ترى ما لا تصبر عليه ثم امر الله ملائكة السماء الرابعة فهبطوا الوانهم كلهب النار وسائر خلقهم كالثلج الابيض اصواتهم عالية مرتفعة بالتسبيح والتقديس لا يشبههم شيء من الذين مروا به قبلخك فاصطكت ركبتاه وارتعد قلبه واشتد بكاؤه فقال له رئيس الملائكة اصبر يا ابن عمران لما سألت فقليل من كثير ما أريت ثم امر الله ملائكة السماء الخامسة فهبطوا ولهم سبعة الوان فلم يستطع موسى ان يتبعهم بصره ولم ير مثلهم ولم يسمع مثل اصواتهم فامتلأ جوفه خوفا واشتد حزنه وكثر بكاؤه فقال له خير الملائكة يا ابن عمران مكانك حتى ترى بعض ما لا تصبر عليه ثم امر الله ملائكة السماء السادسة فهبطوا وفى يد كل ملك منهم نار مثل النخلة الطويلة اشد ضوأ من الشمس ولباسهم كلهب النار كلهم يقولون بشدة اصواتهم سبوح قدوس رب العزة ابدا لا يموت فى رأس كل ملك منهم اربعة اوجه فجعل يسبح موسى معهم وهو يبكى ويقول رب اذكرنى ولا تنس عبدك فقال كبير الملائكة يا ابن عمران اصبر لما سالت ثم امر الله ان يحمل عرشه فى السماء السابعة وقال اروه اياه فلما بدا نور العرش انفرج الجبل من عظمة الرب ورفعت ملائكة السموات جميعا اصواتهم يقولون سبحان الله القدوس رب العزة ابدا لا يموت فاندك الجبل وكل شجرة كانت فيه وخر موسى على وجهه كهيئة القبة لئلا يحترق موسى ثم اقامه كما تقيم الام جنينها اذا وضعته فقام موسى يسبح الله تعالى ويقول آمنت بك رب وصدقت انه لا يراك احد فى الدنيا فيحيى من نظر الى ملائكتك انخلع قلبه فما اعظمك واعظم ملائكتك انت رب الارباب وملك الملوك لا يعد لك شيء ولا يقوم لك شيء تبت اليك الحمد لك لا شريك لك(4/266)
قال فى التيسير قدروى فى هذا احاديث فيها ذكر فيهخا ذكر نزول الملائكة والتعنيف على موسى بما سأل ولكن ليس ورودها على وجه يصح ولا يجوز قبولها لانها لا تليق بحال الانبياء انتهى
قال بعض المحققين من ارباب المكاشفة ان موسى عليه السلام طلب رؤية ذاته تعالى مع هوية نفسه حيث قال { رب ارنى انظر اليك } مشيرا الى هويته بصيغة المتكلم فرد الله تعالى بقوله { لن ترينى اى مع بقاء هويتك التى تخاطب بها { ولكن انظر الى الجبل } اى بذاتك وهويتك { فان استقر مكانه } ولم يكن فانيا { فسوف ترينى } بهويتك { فلما تجلى ربه للجبل } اى القى عليه من نوره فاضطرب بدنه من رهبته { جعله دكا وخر موسى صعقا } وفنى عن هويته فراى الحق بعين الحق { فلما أفاق قال سبحانك تبت } الان من مسألة الرؤية مع بقاء الهوية
وقال فى التأويلات النجمية { ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه } يعنى ولما حصل على بساط القرب تتابع عليه كاسات الشراب من صفو الصفات ودارت اقداح المكالمات واثر فيه لذا ذات الكلمات فطرب واضطرب اذ سكر من شراب الواردات وتساكر من سماع الملاطفات فى المخاطبات فطال لسان انبساطه عند التمكن على بساطه وعند استيلاء سلطان الشوق وغلبات دواعى المحبة فى الذوق { قال رب ارنى انظر اليك } قيل هيهات انت فى بعد الاثنينية منكوب وبحجب جبل الانانية محجوب وانك اذا نظرت بك الى { لن ترينى } لانه لا يرانى الا من كنت له بصرافبى يبصر { ولكن انظر } الى الجبل جبل الانانية { فان استقر مكانه } عند التجلى { فسوف ترينى } ببصرانانيتك { فلما تجلى ربه للجبل } جبل انانيته { جعله دكا } فانيا كان لم يكن { وخر موسى صعقاْ بلا انانية وكان ما كان بعد ان بان ما بان فاشرقت الارض بنور ربها وجاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا(4/267)
قد كان ما كان سرا لا ابوح به فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر
ولو لم يكن جبل انانية النفس بين موسى الروح وتجلى الرب لطاش فى الحال وما عاش ولولا القلب كان خليفته عند الفناء بالتجلى لما امكنه الافاقة والرجوع الى الوجود فافهم جدا ولو لم يكن تعلق الروح بالجسد لما استسعد بالتجلى تفهم ان شاء الله تعالى { فلما افاق } من غشية الانانية بسطوة تجلى الربوبية { قال } موسى بلا هوية { سبحانك } تنزيها لك من خلقك واتصال الخلق بك { تبت } من انانيتى { اليك } الى هويتك بك { وانا اول المؤمنين } بانك لا ترى بالانانية ولا ترى الا بنور هويتك بك انتهى
وقال القشيرى { ولما جاء موسى } مجيئ المشتاقين ومجيئ المغلوبين جاء موسى بلا موسى ولم يبق من موسى لموسى وآلاف آلاف رجال قطعوا مسافات وتحملوا مخافات فلم يذكرهم احد وهاذ موسى خطى خطوات والى يوم القيامة يقرأ الصبيان ولما جاء موسى لميقاتنا باسطه الحق بالكلام فلم يتمالك ان { قال رب ارنى انظر اليك } فان غلبات الوجد استنطقته بكمال الوصلة من الشهود وقالوا لا يؤاخذ المغلوب بما يقول وقالوا انه لا يشكر ثم ينكر قال واشد الخلق شوقا الى الحبيب اقربهم من الحبيب هذا موسى وقف فى محل المناجاة وحفت به الكرامات وكلة بلا واسطة ولا جهات { قال رب ارنى انظر اليك } كأنه غائب هو شاهد لكن ما ازداد القوم شربا الا ازدادوا عطشا ولا ازدادوا قربا الا ازدادوا شوقا وقال سأل موسى الرؤية بالكلام فاجيب { لن ترينى } بالكلام واسر المصطفى فى قلبه ما كان يرجوه من تحويل القبلة من ربه فقيل له { قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضاها } وقال انه سأل الله الرؤية فقال { لن ترينى } وقال للخضر { هل اتبعك على ان تعلمن مما علمت رشدا قال انك لن تستطيع معى صبرا } فصار جوابه لن من الحق ومن الخلق ليبقى موسى بلا موسى ويصفو موسى عن كل نصيب لموسى بموسى وانشد فى معناه فقيل
ابنى ابينا نحن اهل منازل ... ابدا غراب البين فينا يزعق
والبلاء الذى ورد عليه بقوله تعالى { فان استقر مكانه فسوف ترينى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا } اشد من قوله { لن ترينى } لانه صريح فى الرؤية وفى اليأس راحة وقوله { فان استقر مكانه فسوف ترينى } هذا اطماع فيما يمنعه فلما اشتد توقعه جعل الجبل دكا وكان قادرا على امساك الجبل لكنه قهر الاحباب وبه سبق الكتاب وفى قوله { انظر الى الجبل } بلاء شديد لموسى لانه منع عن رؤية مقصوده وامر برؤية غيره ولو امر بان يغمض عينيه لا ينظر الى شيء بعده لكان الامر اسهل عليه ولكنه قيل له { لن ترينى ولكن انظر الى الجبل } ثم اشد من ذلك ان الجبل اعطى التجلى ثم امر موسى عليه السلام بالنظر الى الجبل الذى قدم عيله فى هذا السؤال وهذا صعب شديد ولكن موسى رضى به وانقاد لحكمه وفى معناه انشدوا(4/268)
اريد وصاله ويريد هجرى ... فاترك ما اريد لما يريد
وقيل بل هو لطف به حيث لم يصرح برده بل علله عونا له على صبره
وقيل ققدنا اصبر قليلا قليلا ولما منع النظر رجع الى رأس الامر فقالت تبت اليك وان لم تكن الرؤية التى هى غاية الرتبة من رأس الامر وهو التوبة ثم هذا اناخه لعقوق العبودية وشرطها ان لا تبرح عن محل الخدمة ان حال بينك وبينى وجود القربة لان القربة حظ نفسك والخدمة حق ربك ولأن تكون بحق ربك اتم من ان تكون بحظ نفسك كذا فى تفسير التيسير نقد عن القشيرى
ذكر بعضهم ان رؤية الله تعالى ممكنة فى الدنيا
قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى الرؤية فى الآخرة موعودة واما فى الدنيا وان كانت فى حيز الامكان لكنها غري موعودة ولم تجر عادة الله عليها انتهى
وقد ذكرنا موانع الرؤية فى سورة البقرة وانواع الرؤية فى سورة الانعام
وفى الواقعات المحمودية سال بعض الكبار من العلماء وقال الذى لا زمان له ولا مكان فى أى مكان والادب فى السؤال ان يقال المنزه ذاته عن الزمان والمكان بأى وجه يطلب وبأى طريق يوجد ويوصل اليه وكذا الادب فى الجواب ان يقال من اراد رؤية جماله فلينظر فى قلوب اوليائه فان قلوبهم مظاهر ومرايا لجماله
واعلم ان المعتزلة انكروا رؤية الله تعالى حتى قال صاحب الكشاف تشنيعا وتقبيحا وتضليلا لاهل السنة والجماعة ثم تعجب من المتسمين بالاسلام المتسمين باهل السنة والجماعة كيف اتخذوا هذه العظيمة مذهبا ولا يغرنك تسترهم بالبلكفة فانه من مصوبات اشياخهم والقول ما قال بعض العدلية فيهم
لجماعة سموا هواهم سنة ... لكنهم حمر لعمرى مؤكفه
قد شبهوه بخلقه وتخوفوا ... شنع الورى فتستروا بالبكلفه
وقال بعضهم جوابا عنهم
عجبا لقوم ظالمين تلقبوا ... بالعدل ما فيهم لعمرى معرفه
قد جاءهم من حيث لا يدرونه ... تعطيل ذات الله مع نفى الصفة
قال المولى ابراهيم الاروسقى
رضينا كتاب الله للفصل بيننا ... وقول رسول الله اوضح فاصل
وتحريف آيات الكتاب ضلالة ... وليس بعدل رد نص الدلائل
وتضليل اصحاب الرسول وذمهم ... وتصويب آراء النظام وواصل
ولولا تكذيب الرسول عدالة ... فاعدل خلق الله عاص بن وائل
فلولاك جار الله من فرقة الهوى ... لكنت جديرا باجتماع الفضائل(4/269)
قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144)
{ قال } الله تعالى لموسى حين قال تبت اليك وانا اول المؤمنين { يا موسى } ان منعتك الرؤية لصلاح حالك وبقاء ذاتك فلا تكن مغمورا محزونا لذلك { انى اصطفيتك } اى اخترتك واتخذتك قوة وآثرتك { على الناس } اى الموجودين فى زمانك وهارون وان كان نبيا واكبر منه سنا كان مأمورا باتباعه وما كان كليما ولاصاحب شرع او على الناس جميعا لان الرسالة مع الكلام ولم يحصل هذا المجموع لغيره وانما قال على الناس ولم يقل على الخلق لان الملائكة قد سمعوا كلامه تعالى من غير واسطة كما سمعه موسى عليه السلام { برسالاتى } جمع الرسل وفى الاصل مصدر بمعنى الارسال والمراد به هنا الشيء المرسل به الى الغير وهو اسفار التوراة جمع سفر بمعنمى الكتاب يقال سفره اذا كتبه والواح التوراة اسفار من حيث انها كتبت فيها التوراة { وبكلامى } اى وبتكلمى اياك بلا واسطة وقيل المضاف محذوف اى وسماع كلامى وهذا يرد قول من يقول ان السبعين الذين اختارهم موسى سمعوا كلام الله تعالى لان فى الآية بيان الاصطفاء وهو تنصيص على التخصيص
واعلم ان كل نبى قد اصطفاه الله على الخلق بنوع او نوعين او انواع من الكمال عند خلقته وركب فى ذرة طينته استعداده لظهور ذلك النوع من الكمال حين خمر طينة آدم بيده فاصطفى موسى بالرسالة والمكالمة دون نوح وكمال الرؤية مخصوص بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وامته حتى استدعى موسى لنيل مقام رؤية ربه فقال اللهم اجعلنى من اصحابه -روى- انه لما كان كلم الله تعالى موسى عليه السلام يوم الطور كان على موسى جبة من صوف وخللة بالعيدان محزوم وسطه بشريط ليف وهو قائم على الجبل وقد اسند ظهره الى صخرة من الجبل فقال الله يا موسى انى قد اقمتك مقاما لم يقمه احد قبلك ولا يقومه احد بعدك وقربتك نجيا فقال موسى عليه السلام يا رب فلم اقمتنى هذا المقام قال لتواضعك يا موسى فلما سمع موسى لذاذة الكلام من ربه نادى الهى أقريب فاناجيك ام بعيد فاناديك قال يا موسى انا جليس من ذكرنى وكان موسى عليه السلام بعدما كلمه الله تعالى لا يستطيع احد ان ينظر اليه لما غشى وجهه من النور ولم يزل على وجهه برقع حتى مات -ويروى- ان امرأته قالت له انا ايم منك اى كأنى بلا زوج منذك كلمك ربك فكشف لها عن وجهه فاخذها مثل شعاع الشمس فوضعت يدها على وجهها ساعة وقالت ادع الله ان يجعلنى زوجتك فى الجنة قال ذاك ان لم تتزوجى بعدى فان المرأة لآخر ازواجها . وقيل ان الرجل اذا تبكر بالمرأة تزوجها فى الجنة . وقيل انها تكون لاحسن ازواجها خلقا ومن خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم تحريم ازواجه اللاتى توفى عنهن على غيره ابدا { فخذ ما آتيتك } اى اعطيتك من شرف النبوة والحكمة { وكن من الشاكرين } على النعمة
وفى التأويلات النجمية { فخذ ما آتيتك } يعنى ما ركبت فيك استعداده واصطفيتك به من الرسالة والمكالمة { وكن من الشاكرين } فان الشكر يبلغك الى ما سألت من الرؤية لان الشكر يستدعى الزيادة لقوله تعالى { لئن شكرتم لازيدنكم } والزيادة هى الرؤية لقوله تعالى { للذين احسنوا الحسنى وزيادة } وقال عليه السلام « الزيادة هى الرؤية والحسنى هى الجنة »(4/270)
وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)
{ وكتبنا } [ ونوشتيم ما يعنى قلم اعلى را فرموديم كه كتابت كرد يا جبريل را كفتيم كه بقلم ذكر امداد نهلا النور نوشت ] { له } [ براى موسى ] { فى الالواح } اى فى تسعة الواح من الزمرد الاخضر وهو الاصح وفيها التوراة كنقش الخاتم طول كل لوح عشرة اذرع
وفى القاموس اللوح كل صفيحة عريضة خشبا او عظما جمعه الواح -روى- ان سؤال الرؤية كان يوم عرفة واعطاء التوراة يوم النحر { من كل شيء } مما يحتاجون اليه من امور دينهم { موعظة وتفصيلا لكل شيء } بدل من الجار والمجرور لانه فى محل النصب على انه مفعول كتبنا ومن مزيدة لا تبعيضية اى كتبنا له كل شيء من المواعظ وتفصيل الاحكام
قال مقاتل كتب فى الالواح انى انا الله الرحمن الرحيم لا نشركوا بى شيأ ولا تقطعوا السبيل ولا تزنوا ولا تقعوا الوالدين { فخذها } على اضمار القول عطفا على كتبنا اى فقلنا خذها اى الالواح { بقوة } بجد وعزيمة { وائمر قومك } اى على طريق الندب والحث على اختيار الافضل { ياخذوا } اى ليأخذوا { باحسنها } الباء زائدة فى المفعول به . الاحسن العزائم والحسن الرخص يعنى ليعلموا ان ما هو عزيمة يكون ثوابه اكثر كالجمع بين الفرائض والنوافل والصبر بالاضافة الى الانتصار وغير ذلك
قال قطرب اى بحسنها وكلها حسن كقوله تعالى { ولذكر الله اكبر } { سأريكم } يا بنى اسرائيل { دار الفاسقين } دار فرعون وقومه بمصر خاوية على عروشها ومنازل عاد وثمود واضرابهم لتعتبروا فلا تفسقوا بمخالفة ما امرتم به من العمل باحكام التوراة او ارض مصر او ارض الجبابرة والعمالقة بالشام . ومعنى الاراءة الادخال بطريق الايراث فعلى الاول يكون وعيدا وترهيبا وعلى الثانى وعدا وترغيبا
وفى الآية اشارة الى ان طلب الآخرة كان احسن من طلب الدنيا كذلك طلب الله احسن من طلب الآخرة فعلى العاشق ان يختار الاحسن وقوله { سأريكم دار الفاسقين } يعنى الخارجين من طلب الآخرة فدارهم الجنة ودار الخارجين من طلب الآخرة الى طلب الله فى مقعد صدق عند مليك مقتدر : قال الحافظ
سايه طوبى ودلجويى حورولب حوض ... بهواى سركوى توبرفت ازيادم
نيست برلوح دلم جز الف قامت دوست ... جه كنم حرف دكر يادنداد استادم(4/271)
سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146)
{ سأصرف عن آياتى الذين يتكبرون فى الارض } المراد بالآيات ما كتب فى الواح التوراة من المواعظ والاحكام وغيرها من الآيات التكوينية التى من جملتها ما وعد اراءته من دار الفاسقين ومعنى صرفهم عنها الطبع على قلوبهم بحيث لا يكادون يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها لاصرارهم على ما هم عليه من التكبر والتجبر . والمعنى ساطبع على قلوب الذين يعدون انفسهم كبراء ويرون لهم على الخلق مزية وفضلا فلا ينتفعون بآياتى التنزيلية والتكوينية المنصوبة فى الانفس والآفاق ولا يغتنمون بمغانم آثارها فلا تسلكوا يا بنى اسرائيل مسلكهم فتكونوا امثالهم { بغير الحق } صلة للتكبر اى يتكبرون بما ليس بحق وهو دينهم الباطل وظلمهم المفرط
قال ابن الشيخ لما كان التكبر مؤديا الى الحرمان من الانتفاع بالات المذكورة وتضييعها كان المقصود من الآية تحذير بنى اسرائيل عن التكبر المفضى الى ان يصرفهم اله عن التفكر فى الآيات والاهتداء بها حتى يأخذوا احكام التوراة بجد ورغبة انتهى
فالآية متصلة بقصة بنى اسرائيل ويحتمل ان تكون كلاما معترضا خلال قصتهم اخبر به رسول الله انه حرم المتكبرين من ماته فهم معانى القرآن والتدبر فيها كما قيل ابى الله تعالى ان يكرم قلوب الظالمين بتمكينهم من فهم حكمة القرآن والاطلاع على عجائبه
حيفست جنين كنج دران ويرانه ... { وان يروا } يشاهدوا { كل آية } من الآيات كانت معجزة { لا يؤمنوا بها } اى كفروا بكل واحدة منها لعدم اجتلائها اياها كما هى { وان يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا } اى لا يتوجهون الى الحق ولا يسلكون سبيله اصلا لاستيلاء الشيطنة عليهم ومطبوعيتهم على الانحراف والزيغ { وان يروا سبيل الغى يتخذوه سبيلا } اى يختارونه لانفسهم مسلكا لا يكادون يعدلون عنه لموافقته لاهوائهم الباطلة وافضائه بهم الى شهواتهم { ذلك } اشارة الى ما ذكر من تكبرهم وعدم ايمانهم بشيء من الآيات واعراضهم عن سبيل الرشد واقبالهم التام على سبيل الغى { بانهم } اى حاصل بسبب انهم { كذبوا بآيتنا } الدالة على بطلان ما اتصفوا به من القبائح وعلى حقية اضدادها وهى الآيات المنزلة والمعجزة { وكانوا عنها غافلين } لا يتفكرون فيها والا لما فعلوه من الاباطيل فالمراد بالغفلة عنها عدم التفكر والتدبر فيها عبر عن عدم تدبر الآيات بالغفلة عنها تشبيها للمعرض عن الشيء بمن غفل عنه(4/272)
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)
{ والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة } من اضافة المصدر الى مفعوله والفاعل محذوف اى ولقائهم الدار الآخرة { حبطت اعمالهم } اى ظهر بطلان اعمالهم التى كانوا عملوها من صلة الارحام واغاثة الملهوفين ونحو ذلك فلا ينتفعون بها { هل يجزون } استفهام بمعنى النفى والانكار يعنى لا يجزون { الا ما كانوا يعملون } اى الاجزاء ما كانوا يعملون من الكفر والمعاصى
قال فى التأويلات النجمية يعنى لما حبطت اعمالنها عندهم من بعثة الانبياء وانزال الكتب واظهار المعجزات لتكبرهم عنها جازيناهم بان حبطت اعمالهم عندنا لكبريائنا وغنانا عن اهل الشرك وشركهم نظيره قوله تعالى { وجزاء سيئة سيئة مثلها } وفى الآية ذم التكبر وانه من اعظم اوصاف البشر حجبا لانه يزيد فى الانانية وما لعن من ابليس وطرد الا للتكبر
وصف بعض البلغاء متكبرا فقال كأن كسرى حامل غاشيته وقارون وكيل نفقته وبلقيس احد داياته وكأن يوسف لم ينظر الا بمقلته ولقمان لم ينطق الا بحكمته كأن الخضراء له عرشت والغبراء باسمه فرشت : وفى المثنوى
اين تكبر زهر قاتل دانكه هست ... ازمى برزهر شد آن كيج مست
جون ما بر زهر نوشد مدبرى ... از طرب يكدم بجنباند سرى
بعد يكرم زهر بر جانش زند ... زهر برجانش كند داد وستد
كرندارى زهريش را اعتقاد ... كرجه زهر آمد نكر در قوم عاد
جونكه شاهى دست يابد بر شهى ... بكشدش ياباز دارد در جهى
ودر بيابد خسته افتاده را ... مرهمش سازد شه وبدهد عطا
كه نه زهراست اين تكبر بس جرا ... كشت شه را بى كناه وبى خطا
وين دكر رابى زخدمت جون نواخت ... زين دو جنبش زهررا شايد شناخت
نردبان خلق اين ما ومنيست ... عاقبت زين نردبان افتاد نيست
هركه بالا تر رود ابله ترست ... كاستخوتن او بترخواهد شكست
اين فروعست واصولش آن بود ... كه ترفع ركت يزدان بود
جون نمردى ونكشتى زنده زو ... باغى باشى بشركت ملك جو
جون بدور زنده شدى آن خود دويست ... وحدت محض است آن شركت كى است
فعلى العاقل ان يزكى نفسه عن الكبر ويأخذ التواضع فى طريق الحق ويخلص العمل لله تعالى فان من اخلص فى العمل وان لم ينو ظهرت آثار بركته عليه وعلى عقبه الى يوم القيامة كما قيل انه لما هبط آدم عليه السلام الى الارض جاءت وحوش الفلاة تسلم عليه وتزوره فيدعو لكل جنس بما لا يليق به فجاءت طائفة من الظباء فدعا لهن ومسح على ظهورهن فظهر فيهن نوافج المسك فلما رأى بواقيها ذلك قلن من اين هذا لكن فقلت زرنا صفى الله آدم فدعا لنا ومسح على ظهورنا فمضى البواقى اليه فدعا لهن ومسح على ظهورهن فلم يظهر لهن من ذلك شيء فقالوا قد فعلنا كما فعلتم فلم نر شيأ مما حصل لك فقالوا انتم كان عملكم لتنالوا كما نال اخوانكم واولئك كان عملهم لله من غير شوب فظهر ذلك فى نسلهم وعقبهم الى يوم القيامة فظهر ان الخلق لا يجزون الا ما كانوا يعملون والجزاء لا بد وان يكون من جنس العمل نسأل الله تعالى دفع الكسل ورفع الزلل(4/273)
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148)
{ واتخذ قوم موسى من بعده } اى من بعد ذهابه الى الطور ومن للابتداء الغاية { من } للتبعيض { حليهم } جمع حلى كثدى وثدى وهو ما تزين به من الذهب والفضة واضاة الحلى اليهم مع انها كانت للقبط لادنى الملابسة حيث كانوا استعاروا من اربابها حين هموا بالخروج من مصر { عجلا } مفعول اول لقوله اتخذ لانه متعد الى اثنين بمعنى التصيير والمفعول ثانى محذوف اى صيروه آلها والعجل ولد البقر وابو العجل الثور والجمع العجاجيل والانثى عجلة سمى عجلا لاستعجال بنى اسرائيل عبادته وكانت مدة عبادتهم له اربعين يوما فعوقبوا فى التيه اربعين سنة فجعل الله تعالى كل سنة فى مقابلة يوم { جسدا } بدل من عجلا اى جثة ذادم ولحم او جسدا من ذهب لا روح معه فان الجسد اسم لجسم له لحم ودم ويطلق على جثة لا روح لها { له خوار } اى صوت البقر
وذلك ان موسى كان وعد قومه بالانطلاق الى الجبل ثلاثين يوما فلما تأخر رجوعه قال لهم السامرى رجل من قرية يقال لها سامرة وكان رجلا مطاعا من قوم موسى انكم اتخذتم الحلى من آل فرعون فعاقبهم الله بتلك الجناية ومنع موسى عنكم فاجمعوا الحلى حتى احرقها لعل الله يرد علينا موسى او سألوه آلها يعبدونه وقد كان لهم ميل الى عبادة البقر منذ مروا على العمالقة التى كانوا يعبدون تماثيل البقر وذلك بعد عبور النهر وقد مرت قصته فجعل السامر الحلى بعد جمعها فى النار وصاغ لهم من ذلك عجلا لانه كان صاغا والقى فى فمه ترابا من اثر فرس جبريل عليه السلام وكان ذلك الفرس فرس الحياة ما وضع حافره فى موضع الا اخضر وكان قد اتخذ ذلك التراب عند فلق البحر او عند وجهه الى الطور فانقلب ذلك الجسد لحما ودما وظهر فيه خوار وحركة ومشى فقال السامرى هذا آلهكم واله موسى فعبدوه الا اثنى عشر الفا من ستمائة الف وقيل انه جعل ذلك العجل مجوفا انابيب على شكل مخصوص وكان وضع ذلك التمثال على مهب الريح فكانت الريح تدخل فى تلك الانابيب فظهر منه صوت مخصوص يشبه خوار العجل فاوهم بنى اسرائيل انه حى يخور فزفنوا حوله اى رقصوا
نقل القرطبى عن الطرطوشى انه سئل عن قو يجتعون فى مكان يقرأون شيا من القرآن ثم ينشد لهم منشد شيأ من الشعر برقصون ويطربون ويضربون بالدف والشنانير هل الحضور معهم حلال اولا
قال مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة وما الاسلام الا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ز واما الرقص والتواجد فاول من احدثه اصحاب السامرى فلما اتخذوه عجلا جسدا له خوار قاموا يرقصون حوله ويتواجدون فهو دين الكفار وعباد العجل وانما كان يجلس النبى عليه السلام مع اصحابه كأنما على رؤسهم الطير من الوقار فينبغى للسلطان ونوابه ان يمنعهم من الحضور فى المساجد وغيرها ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر ان يحضر معهم ولا يعينهم على باطلهم هذا مذهب مالك والشافعى وابى حنيفة واحمد وغيرهم من ائمة المسلمين كذا فى حياة الحيوان
قال فى نصاب الاحتساب هل يجوز له الرقص فى السماع الجواب لا يجوز ذكر فى الذخيرة انه كبيرة ومن اباحه من المشايخ فذلك للذى صارت حركاته كحركات المرتعش وهل يجوز السماع الجواب ان كان السماع سماع القرآن او الموعظة يجوز وان كان السماع الغناء فهو حرام لان التغنى واستماع الغناء حرام ومن اباحه من مشايخ الصوفية فلمن تخلى عن الهوى وتحلى بالتقوى الى ذلك احتياج المريض الى الدواء
وله شرائط .(4/274)
احداها ان لا يكون فيهم امرد . والثانية ان لا يكون جمعيتهم الا من جنسهم ليس فيه فاسق ولا اهل دنيا ولا امرأة . والثالثة ان يكون نية القوال الاخلاص لا تخذ الاجرة والطعام . والرابعة ان لا يجتمعوا لاجل طعام او نظر الى فتوح والخامسة لا يقومون الا مغلوبين . والسادسة لا يظهرون الوجد الا صادقين
قال الشيخ عمر ابن الفارض فى القصيدة الموسومة بنظم الدر
اذهام شوقا بالمناغى وهمّ ان ... يطير الى اوطانه الاولية
يسكن بالتحريك وهو بمهده ... اذا ناله ايدى اللمربى بهزة
قال الامام القاشانى فى شرحه اذا هام الولى واضطرب شوقا الى مركزه الاصلى ووطنه الاولى بسبب مناغاة المناغى وهم طائر روحه الى ان يطير الى عشه ووكره الاولى تهزه ايدى من يربيه فى المهد فيسكن بسبب التحريك من قلقه وهمه بالطيران والمقصودمن ايراد هذا المعنى ان يشير الى فائدة الرقص والحركة فى السماع وذلك ان روح السامه يهم عند السماع ان يرجع الى وطنه المألوف ويفارق النفس والقالب فتحركه يد الحال وتسكنه عما يهم به بسبب التحريك الى حلول الاجل المعلوم وذلك تقدير العزيز العليم انتهى : قال السعدى قدس سره
مكن عيب درويش مدهوش ومست ... كه غرقست از آن مى زند با دوست
نكويم سماع اى برادر كه جيست ... مكر مستمع را بدانم كه كيست
كر از برج معنى برد طير او ... فرشته فروماند از سير او
اكر مرد بازى ولهوست ولاغ ... قوى تر شود ديوش اندر دماغ
جه مرد سماعست شهوت برست ... بآواز خوش خفته خيزد نه مست
قال السرورى [ جون سماع آواز خوش شنود دروحالتى بيدا شود ايني حالت را وجد كويند ] : وفى المثنوى
بس غداى عاشقان آمد سماع ... كه دراو باشد خيال واجتماع
قوتى كيرد خيالات ضمير ... بلكه صورت كردد ازبانك صفير
واعلم ان الرقص والسماع حال المتلون لا حال المتمكن ولذا تاب سيد الكائفة الجنيد البغدادى قدس سره عن السماع فى زمانه فمن الناس من هو متواجد ومنهم من هو اهل وجد ومنهم من هو اهل وجود .(4/275)
فالاول المبتدئ الذى له انجذاب ضعيف . والثانى المتوسط الذى له انجذاب قوى . والثالث المنتهى الذى له انجذاب قوى وهو مستغن عن الدوران الصورى بالدوران المعنوى بخلاف الاولين ولا بد من العشق فى القلب والصدق فى الحركة حتى يصح الدوران والعلماء وان اختلفوا فى ذلك فمن مثبت ومن ناف لكن الناس لكن الناس متفاوتون والجواز للاهل المستجمع لشرائطه لا لغيره
قال حضرة الشيخ افتاده افندى قدس سره ليس فى طريقنا رقص ولا فى طريق الشيخ الحاج بيرام ولى ايضا لان الرقص والاصوات كلها انما وضع لدفع الخواطر ولا شيء دفعها اشد تأثيرا من التوحيد ونبينا عليه الصلاة والسلام ولم يلقن الا التوحيد -ذكر- ان عليا قال يوما لا اجد لذة العبادة يا رسول الله فلقنه التوحيد ووصاه ان لا يكلم احدا بما ظهر من آثار التوحيد فلما امتلأ باطنه من انوار التوحيد واضطر الى التكلم جاء الى بئر فتكلم فيها فنبت منها قصب فأخذ راع وعمل منه المزمار وكان ذلك مبدأ لعلم الموسقى وقال قد يقال ان رجلا يقال له عبد المؤمن سمع صوت الافلاك فى دورها فأخذ مه العلم الموسقى ولذلك كان اصله اثنى عشر على عدد البروج ولكن صداها على طرز واحد فالانسان لقابليته الحق به زيادات كذا فى الواقعات المحمودية فقد عرفت من هذا البيان انه ليس فى الطريق الجلوتية بالجيم دور ورقص بل توحيد وذكر قياما وقعودا بشرائط وآداب وانما يفعله الخلوتية بالخاء المعجمة ما يتوارثون من اكابر اهل الله تعالى لكن انما يقبل منهم ويمدح اذا قارن شرائطه وآدابه كما سبق والا يرد ويذم وقد وجدنا فى زماننا اكثر المجالس الدورية على خلاف موضوعها فالعاقل يختار الطريق الاسلم ويجتنب عن القيل والقال وينظر الى قولهم لكل زمان رجال ولكل رجال مقام وحال
قال الشيخ ابو العباس من كان من فقراء هذا الزمان آكلا لاموال الظلمة مؤثرا للسماع ففيه نزغة يهودية قال الله تعالى { سماعون للكذب اكالون للسحت } وقال الحاتمى السماع فى هذا الزمان لا يقول به مسلم ولا يفتدى بشيخ يعمل السماع وقد عرفت وشاهدت فى هذا الزمان ان المجالس الدورية يحضرها المراد ان الملاح والنساء وحضورهم آفة عظيمة فانهم والاختلاط بهم والصحبة معهم كالسم القاتل ولا شيء اسرع اهلاكا للمرء فى دينه من صحبتهم فانهم حبائل الشيطان ونعوذ بالله من المكر بعد الكرم ومن الحور بعد الكور انه هو الهادى الى طريق وصاله وكاشف القناء عن ذاته وجماله والمواصل الى كماله بعد جماله وجلاله وهو الصاحب والرفيق فى كل طريق { ألم يروا } [ آيانديدند ونداستند ] { انه } اى العجل { يكلمهم } اى ليس فيه شيء من احكام الالوهية حيث لا يقدر على كلام ولا امر ولا نهى { ولا يهديهم سبيلا } اى ولا يرشدهم طريقا الى خير ليأتوه ولا الى شر لينتهوا عنه { اتخذوه } آلها ولو كان آلها لكلمهم وهداهم لان الاله لا يهمل عباده قوله اتخذوه تكرري للذم اى اتخذوه آلها وحسبوا انه خالق الاجسام والقوى والقدر { وكانوا ظالمين } اى واضعين الاشياء فى غير موضعها فلم يكن اتخاذ العجل بدعا منهم وفى التفسير الفارسى [ در لطائف قشيرى مذكورست كه جه دروست ميان امتى كه مصنوع خودرا برستند وامتى كه عبادت صانع خود كنند ](4/276)
آنراكه توخاستى نسازد كارت ... سازنده توست در دو عالم يا رب(4/277)
وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149)
{ ولما سقط فى ايديهم } كناية عن شدة ندمهم فان الذى يشتد ندمه وتحسره يعض يده مسقوط فيها كأنّ فاه وقع فيها . والمعنى ندموا على ما فعلوا من عبادة العجل غاية الندم وسقط مسند الى فى ايديهم { ورأوا انهم قد ضلوا } باتخاذ العجل آلها اى تبينوا بحيث تيقنوا بذلك حتى كأنهم رأوه باعينهم { لنكونن من الخاسرين } [ از زيانكاران وهلاك شد كان ] وما حكى عنهم من الندامة والرؤية والقول وان كان بعدما رجع موسى عليه السلام اليهم كما ينطق به الآيات الواردة فى سورة طه لكن اريد بتقديمه عليه حكاية موسى عليه السلام اليهم كما ينطق به الآيات الواردة فى سورة طه ولكن اريد بتقديمه عليه حكاية ما صدر عنهم من القول والفعل فى موضع واحد(4/278)
وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)
{ ولما رجع موسى } من جبل الطور { الى قومه } حال كونه { غضبان اسفا } اى شديد الغضب يقال آسفنى فاسفت اى اغضبنى فغضبت ومنه قوله تعالى { فلما آسفونا انتقمنا منهم } وهو يدل على انه عليه السلام كان عالما باتخاذهم العجل آلها قبل مجيئه اليهم بسبب انه تعالى اخبره فى حال المكالمة بما كان من قومه من عبادة العجل { قال بئسما خلفتمونى من بعدى } اى ساء ما عملتم خلفى ايها العبدة بعد غيبتى وانطلاقى الى الحبل لانه يقال خلفه بما يكره اذا عمل خلفه ذلك . وما نكره موصوفة مفسرة لفاعل بئس المستكن فيه والمخصوص بالذم محذوف تقديره بئس خلافة خلفتمونيها من بعد خلافتكم { أعجلتم امر ربكم } الهمزة للانكار اى اتركتموه غير تام كأنه ضمن عجل معنى سبق والا فعجل يتعدى بعن يقال عجل عن الامر اذا تركه غير تام ونفيضه تم عليه . والمعنى أعجلتم عن امر ربكم وهو انتظار موسى حافظين لعهده وما اوصاكم به الى ان يجيء . فالامر واحد الاوامر او انه بمعنى المأمور به . والعجلة العمل بالشيء قبل وقته ولذلك صارت مذمومة بخلاف السرعة فانها غير مذمومة كونها عبادة عن العمل بالشيء فى اول وقته
وفى التأويلات النجمية استعجلتم يا صفات الروح بالرجوع الى الدنيا وزينتها والتعلق بها قبل اوانه من غير ان يأمر به ربكم وفيه اشارة الى ان ارباب الطلب واصحاب السلوك لا ينبغى ان يلتفتوا الى شيء من الدنيا ولا يتعلقوا بها فى اثناء الطلب والسلوك لئلا ينقطعوا عن الحق اللهم الا اذا قطعوا مفاوز النفس والهوى ووصلوا الى كعبة وصال المولى فلهم ان يرجعوا الى الدنيا لدعوة الخلق الى المولى وتسليكهم فى طريق الدنيا والعقبى { والقى الالواح } التى كانت فيها التوراة من يده { واخذ برأس اخيه } اى بشعر رأس هارون حال كونه اى موسى { يجز اليه } [ بطرف خود كشيد اورا بطريق معاتبه نه ازروى اهانت ] توهما انه قصر فى كفهم وهارون كان اكبر منه بثلاث سنين وكان حمولا لينا ولذلك كان احب الى بنى اسرائيل { قال } اى هارون مخاطبا لموسى { ابن ام } بحذف حرف النداء واصله يا ابن اما حذفت الالف المبدلة من الياء اكتفاء بالفتحة زيادة فى التخفيف لطوله باشتماله على اضافة بعد اضافة وكان هارون اخاه لاب وام ولكنه ذكر الام ليرفقه عليه اى يحمله على الرفق والشفقة وعلى هذا طريق العرب { ان القوم استضعفونى وكادوا يقتلوننى } اواحة لتوهم التقصير فى حقه . والمعنى بذلت وسعى فى كفهم حتى قهرونى واستضعفونى وقاربوا قتلى { فلا تشمت بى الاعداء } اى فلا تفعل بى ما يكون سببا لشماتتهم بى وبالفارسى [ بس شادمان مكردان بمن دشمنانرا وجنان مكن كه آرزوى ايشان حاصل شود از اهانت من ] يقال شمت به يشمت شماتة من باب علم يعلم اذا فرح ببلية اصابت عدوه ثم ينقل الى باب الافعال للتعدية فالشماتة [ شادى كردن بمكر وهى كه دشمن رارسد ] ويعدى بالباء .(4/279)
والاشمات [ شاد كام كردن دشمن ] كما فى تاج المصادر وشماتة العدو اشد من كل بلية فلذلك قيل والموت دون شماتة الاعداء { ولا تجعلنى مع القوم الظالمين } اى معدودا فى عدادهم بالمؤاخذة او النسبة الى التقصير
والاشارة ان هارون القلب اخ موسى الروح والاعداء النفس والشيطان والهوى والقوم الظالمون هم الذين عبدوا عجل الدنيا ةهم صفات القلب يشير الى ان صفات القلب تتغير وتتلون بلون صفات النفس ورعوناتها ومن هنا يكون شنشنة الشطار من ارباب الطريقة ورعوناتهم وزلات اقدامهم ولكن القلب من حيث هو هو لا يتغير عما جبل عليه من محبة الله وطلبه وانما تتغير صفاته كما ان النفس لا تتغير من حيث هى هى عما جبلت عليه من حب الدنيا وطلبها وانما تتغير صفاتها من الامارية الى اللوامية والملهمية والمطمئنية والرجوع الى الحق ولو وكلت الى نفسها طرفة عين لعادت المشومة الى طبعها وجبلتها سنة الله التى قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا(4/280)
قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151)
{ قال } موسى وهو استئناف بيانى { رب اغفر لى } اى ما فعلت باخى من غير ذنب مقرر من قبله { ولاخى } اى ان فرط فى كفهم استغفر عليه السلام لنفسه ليرضى اخاه ويظهر للشامتين رضاه ئلا تتهم به ولاخيه للايذان بتنه محتاج الى الاستغفار حيث كان عليه ان يقاتلهم { وادخلنا فى رحمتك } بمزيد الانعام علينا بعد غفران ما سلف منا
قال الحدادى اى جنتك { وانت ارحمن الراحمين } وانت ارحم بنا منا على انفسنا ومن آبائنا وامهاتنا -حكى- انه اعتقل لسان فتى عن الشهادة حين اشرف على الموت فاخبروا النبى عليه السلام فدخل عليه وعرض الشهادة فاضطرب ولم يعمل لسانه فقال عليه السلام اما كان يصلى اما كان يزكى اما كان يصوم قالوا بلى قال فهل عق والديه قالوا نعم قالوا هاتوا بامه فجاءت وهى عجوز عوراء فقال عليه السلام هلا عفوت عنه فقالت لا اعفو جزاء لما عمل قالت عفوت اللنار حملته تسعة اشهر أللنار ارضعته سنتين فأين رحمة الام فعند ذلك انطلق لسانه بالكلمة والنكة انها كانت رحيمة الا رحمانة فللقليل من رحمتها ما جوزت احراقه بالنار فالله الذى لا يتضرر بجناية العباد كيف يستجيز احراق المؤمن المواظب على كلمة الشهادة سبعين سنة وهو ارحم الراحمين : قال الحافظ
لطف خدا بيشتر ازجرم ماست ... نكته سربسته جه دانى خموش
وقال
دلا طمع مبر از لطف بى نهايت دوست ... كه ميرسد همه را لطف بى نهايت او
قال بعض اهل التفسير ان قابيل لما قتل اخاه هابيل اشتد ذلك على آدم فقال الله تعالى يا آدم جعلت الارض فى امرك مرها فلتفعل ما تهوى بمكان ابنك قابيل فقال آدم عليه السلام يا ارض خذيه فاخذت الارض قابيل فقال قابيل يا ارض بحق الله ان تمهلينى حتى اقول قولى ففعلت فقال يا رب ان ابى قد عصاك فلم تخسف به الارض فقال الله نعم ولكنه ترك امرا واحدا وانت تركت امرى وامر ابيك وقتلت اخاك فقال آدم ثانيا يا ارض خذيه فقال قابيل بحرمة محمد عليه السلام ان تمهلينى حتى اقول قولى ففعلت فقال يا رب ان ابليس ترك امرك وعاداك ولم تخسف به الارض فاجاب الله تعالى مثل الاولى فقال الهى اليس لك تسعة وتسعون اسما فقال الله بلى فقال أليس الرحمن الرحيم من جملة ذلك قال بلى قال ألست سميت نفسك رحمانا رحيما لكثرة الرحمة قال بلى قال يا رب ان اردت اهلاكى فاخرج هذين الاسمين من بين اسمائك ثم اهلكنى لان اخذ العبد بجريمة واحدة لا يكون رحمة فامر الله الارض حتى خلت سبيله ةلم تهلكه فاعتبر اذا كانت رحمته بهذه المرتبة للكافر فما ظنك للمؤمن فينبغى للمقصر ان يرفع حاجته الى المولى ويستغفر من ذنبه الا خفى والا جلى مى يدخل فى الرحمة التى هى الفردوس الاعلى : قال الحافظ(4/281)
سياه نامه ترازخود كسى نمى بينم ... جكونه جون قلمم دوددل بسر نرود
وفى قوله تعالى { رب اغفر لى } الآية اشارة الى السير فى الصفات لان المغفرة والرحمة من الصفات فيشير الى ان لموسى الروح ولاخيه هارون القلب استعداد لقبول الجذبة الالهية التىتدخلهما فى عالم الصفات { وادخلنا فى رحمتك وأنت ارحم الراحمين } لان غيرك من الراحمين عاجز عن ادخال غيره فى صفاته وانت قادر على ذلك لمن تشاء ويدل عليه قوله { يدخل من يشاء فى رحمته } كذا فى التأويلات النجمية(4/282)
إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152)
{ ان الذين اتخذوا العجل } الا آلها واستمروا على عبادته كالسامرى واشياعه من الذين اشربوه فى قلوبهم { سينالهم } اى فى الآخرة { غضب } عظيم كائن { من ربهم } اى مالكهم لما ان جريمتهم اعظم الجرائم واقبح الجرائر والمراد بالغضب ههنا غايته وهى الانتقام والتعذيب لان حقيقة الغضب لا تتصور فى حقه تعالى { وذلة فى الحيوة الدنيا } هى ذلة الاغتراب والمسكنة المنتظمة لهم ولاولادهم والذلة التى اختص بها السامرى من الانفراد بالناس والابتلاء بلا مساس كما روى ان موسى عليه السلام هم بقتل السامرى فاوحى الله اليه لا تقتل السامرى فانه سخى ولكن اخرجه من عندك فقال له موسى فاذهب من بيننا مطرودا فان لك فى الحياة اى فى عمرك ان تقول لمن اراد مخالطتك جاهلا بحالك لا مساس اى لا يمسنى احد ولا امس احد وان مسه احدهما جميعا فى الوقت وروى ان ذلك موجود فى اولاده الى الآن وايراد ما نالهم فى حيز السين مع مضيه بطريق تغليب حال الاخلاف على حال الاسلاف { وكذلك نجزى المفترين } على اله ولا فرية اعظم من فريتهم هذا الهكم واله موسى ولعله لم يفتر مثلها احد قبلهم ولا بعدهم(4/283)
وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153)
{ والذين عملوا السيآت } أية سيئة كانت { ثم تابوا } من تلك السيآت { من بعدها } اى من بعد عملها { وآمنوا } ايمانا صحيحا خالصا واشتغلوا بما هو من مقتضياته من الاعمال الصالحة ولم يصروا على ما فعلوه كالطائفة الاولى { ان ربك من بعدها } اى من بعد تلك التوبة المقرونة بالايمان { لغفور } للذنوب وان عظمت وكثرت { رحيم } مبالغ فى افاضة فنون الرحمة الدنيوية والاخروية
والاشارة { ان الذين اتخذوا العجل } عجل الهوى آلها يدل علي قوله { أفرأيت من اتخذ آلهه هواه سيناله غضب من ربهم وذلة فى الحيوة الدنيا } يعنى عبادة الهوى موجبة لغضب الله تعالى دل عليه قول النبى عليه الصلاة والسلام « ما عبد فى الارض اله ابغض على الله من الهوى » وان عابد الهوى يكون ذليل شهوات النفس واسير صفاتها الذميمة من الحيوانية والسبعية والشيطانية ما دام يميل الى الحياة الدنيوية { وكذلك نجزى المفترين } يعنى وكذلك نجازى بالغضب والطرد والابعاد والذلة عباد الهوى المدعين الذين يفترون على الله انه اعطاها قوة لا تضربنا عبادة الهوى المدعين الذين يفترون على الله انه اعطانا قوة لا تضربنا عبادة الهوى والدنيا ومتابعة النفس وشهواتها { والذين عملوا السيآت } يعنى سيآت عبادة الهوى والدنيا والافتراء على الله تعالى { ثم تابوا من بعدها وآمنوا } بعبودية الحق تعالى وطلبه بلصدق { ان ربك من بعدها } اى من بعد ترك عبادة الهوى والرجوع الى طلب الحق { لغفور رحيم } يعنى يعفو عنهم تلك السيآت ويرحمهم بنيل القربات والكرامات كذا فى التأويلات النجمية
واعلم ان التوبة عند المعتزلة علة موجبة للمغفرة وعندنا سبب محض للمغفرة والتوبة الرجوع اذا وصف بها العبد كان المراد بها الرجوع عن المعصية واذا وصف بها البارى تعالى اريد بها الرجوع عن العذاب بالمغفرة
والتوبة على ضربين ظاهر وباطن . فالظاهر هو التوبة من الذنوب الظاهرة وهى مخالفات ظواهر الشرع وتوبتها ترك المخالفات واستعمال الجوارح بالطاعات . والباطن هو توبة القلب من ذنوب الباطن وهى الغفلة عن الذكر حتى يتصف به بحيث لو صمت لسانه لم يصمت قلبه وتوبة النفس قطع علائق الدنيا والاخذ باليسير والتعفف . وتوبة العقل التفكر فى بواطن الآيات وآثار المصنوعات . وتوبة الروح التحلى بالنعارف الآلهية . وتوبة السر التوجه الى الحضرة العليا بعد الاعراض عن الدنيا والعقبى : قال حضرة الدين الرومى قدس سره
كرسيه كردى تونامه عمر خويش ... توبه كن زانها كه كردستى توبيش
عمر اكر بكذشت بيخش اين دم است ... آب توبش ده اكر اوبى نم است
جون برآرند از بشيمانى انين ... عرش لرزد از انين المذنبين
والعبد اذا رجع عن السيئة واصلح عمله اصلح الله تعالى شأنه واعاد عليه نعمة الفائتة
عن ابراهيم بن ادهم بلغنى ان رجلا من بنى اسرائيل ذبح عجلا بين يدى امه فيبست يده فبينما هو جالس اذ سقط فرح من وكره وهو يتبصبص فاخذه ورده الى وكره فرحمه الله تعالى لذلك ورد عليه يده بما صنع فينبغى للمؤمن ان يسارع الى التوبة والعمل الصالح فان الحسنات يذهبن السيآت(4/284)
عن ابى ذر رضى الله عنه قال قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله علمنى عملا يقربنى الى الجنة ويباعدنى عن النار « قال اذا عملت سيئة فاعمخل بجنبها حسنة فانها عشر امثالها قال الله تالى من جاء بالحسنة فله عشر امثالها » فقلت يا رسول الله لا اله الا الله من الحسنات قال « هى احسن الحسنات »
كار نيكوتر بدان جز ذكر نيست ... والله الهادى(4/285)
وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)
{ ولما سكت عن موسى الغضب } اى ما سكن عنه الغضب باعتذار اخيه وتوبة القوم والسكوت قطع الكلام فرع ثبوته وهو لا يتصور قطعه ايضا فهو محمول على المعنى المجازى الذى و السكون شبه الغضب بانسان يغرى موسى عليه السلام ويقول له ان اخاك قصر فى كف قومك عن الكفر فاستحق اهانتك وعقوبتك خذ بشعر رأسه فجره الى نفسك وقل له كذا وكذا والق ما فى يدك من الالواح ثم يقطع الاغراء ويترك الكلام ففيه استعارة مكنية وسكت قرينة الاستعارة
قال الحدادى قيل معناه سكت موسى عن الغضب وهذا من المقلوب كما يقال ادخلت قلنسوة فى رأسى يريد ادخلت رأسى فى قلنسوة { اخذ الالواح } التى القاها وهو دليل على انها لم تتكسر حين القاها وعلى انه لم يرفع منها شيء كما ذهب اليه بعض المفسرين { وفى نسختها } اى والحال انه فيما نسخ فيها وكتب نقلا عن الاصل وهو اللوح المحفوظ فان النسخ عبارة عن نقل اشكال الكتابة وتحويلها من الاصل المنقول عنه فاذا كتبت كتابا آخر حرفا بعد حرف قلت نسخت هذا الكتاب من ذلك الكتاب اى نقلته منه { هدى } اى بيان للحق وهو مبتدأ وفى نسختها خبره { ورحمة } للخلق بارشادهم الى ما فيه الخير والصلاح كائنة { للذين هم لربهم يرهبون } اى يخشون واللام فى لربهم لتقوية عمل الفعل المؤخر كما فى قوله تعالى { ان كنتم للرؤيا تعبرون } يعنى انها دخلت جابرة للضعف العارض للفعل بسبب تأخره عن مفعوله وانما خص اهل الرهبة بالذكر لانهم هم المنتفعون بآيات الكتاب فالعبد اذا رغب الى الله بصدق الطلب والى الجنة بحسن العمل ورهب من اليم عذاب فرقته والانقطاع ومن دخول النار فقد اخذ بالخوف والرجاء ووصل بهما الى ما هوى
واعلم ان الخشية انما تنشأ عن العلم بصفات الحق سبحانه وعلامة خشية الله تعالى ترك الدنيا والخلق ومحاربة النفس والشيطان قالوا رهبوت خير من رحموت اى لان ترهب خير من ان ترحم وذلك لان التخلية قبل التحلية
ومن الترهيبات ما حكى عن يحي بن زكريا عليهما السلام انه شبع مرة من خبز شعير فنام عن حزبه تلك الليلة فاوحى الله اليه يا يحيى هل وجدت جارا خيرا لك من دارى او جوارا خيرا لك من جوارى وعزتى وجلالى لو اطلعت على الفردوس اطلاعه لذاب جسمك ولزهقت نفسك اشتياقا الى الفردوس الاعلى ولو اطعت على نار جهنم اطلاعة لبكيت الصديد بعد الدموع وللبست الحديد بعد المنسوج
قال الحسن البصرى الكلب اذا ضرب وطرد وجفى عليه وطرح له كسرة اجاب ولم يحقد على ما مضى وذلك من علامة الخاشعين فينبغى لكل مؤمن ان تكون فيه تلك الصفة : قال الحافظ
وفا كنيم وملامت كشيم وخوش باشيم ... كه در طريقت ما كافريست رنجيدن
وفى الحديث « من لم يخف الله خف منه » قال الامام السخاوى معناه معناه صحيح فان عدم الخوف من الله تعالى يوقع صاحبه فى كل محذور ومكروه : وفى المثنوى
لا تخافوا هست نزل خائقان ... هست درخور ازبراى خائف آن
هركه ترسد مرورا ايمن كنند ... مردل ترسنده را ساكن كنند
آنكه خوفش نيست جون كويى مترس ... درس جه دهى نيست او محتاج درس(4/286)
وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)
{ واختار موسى } الاختبار افتعال من لفظ الخير يقال اختار الشيء اذا اخذ خيره وخياره { قومه } اى من قومه بحذف الجار وايصال الفعل الى المجرور وهو مفعول ثان { سبعين رجلا } مفعول اول { لميقاتنا } اى للوقت الذى وقتناه له وعيناه ليأتى فيه بسبعين رجلا من خيار بنى اسرائيل ليعتذروا عن ما كان من القوم من عبادة العجل فهذا الميقات ميقات التوبة لان ميقات المناجاة والتكليم وكان قد اختار موسى عليه السلام عند الخروج الى كل من الميقاتين سبعين رجلا من قومه وكانوا اثنى عشر سبطا فاختار من كل سبطة ستة فزاد اثنان فقال موسى ليتخلف منكم رجلان فانى انما امرت بسبعين فتنازعوا فقال ان لمن قعد مثل اجر من خرج فقعد كالب ويوشع وذهب مع الباقين الى الجبل { فلما اخذتهم الرجفة } مما اجترأوا عليه من طلب الرؤية حيث قالوا { لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } والرجفة هى الارتعاد والحركة الشديدة المراد اخذتهم رجفة الجبل فصعقوا منها اى ماتوا واكثر المفسرين على انهم سمعوه تعالى يكلم موسى يأمره بقتل انفسهم توبة فطمعوا ى الرؤية وقالوا ما قالوه ويرده قوله تعالى { يا موسى انى اصطفيتك على الناس برسالاتى وبكلامى } كما ذهب الهي صاحب التيسير { قال } موسى { رب لو شئت اهلكتهم من قبل } اى حين فرطوا فى النهى عن عبادة العجل وما فارقوا عبدته حين شاهدوا اصرارهم عليها { واياى } ايضا حين طلبت منك الرؤية اى لو شئت اهلا كنا بذنوبنا لاهلكتنا حينئذ اراد به تذكر العفو السابق لاستجلاب العفو اللاحق { أتهلكنا } الهمزة لانكار وقوع الاهلاك ثقة بلطف الله تعالى اى لا تهلكنا { بما فعل السفهاء } حال كونهم { منا } من العناد والتجاسر على طلب الرؤية وكأن ذلك قاله بعضهم اىلا يليق بشأنك ان تهلك جما غفيرا بذنب صدر عن بعضهم الذى كان سفيها خفيف الرأى { ان هى } ا ما الفتنة التى وقع فيها السفهاء { الا فتنتك } اى محنتك وابتلاؤك حيث اسمعتهم كلامك فافتتنوا بذلك ولم يثبتوا فطمعوا فى الرؤية
يقول الفقير هذا يدل على انهم سمعوا كلامه تعالى على وجه الامتحان والابتلاء لا على وجه التكرمة والاجلال وذلك لا يقدح فى كون موسى عليه السلام مصطفى بالرسالة والكلام مع انه فرق كثير بين سماعهم وسماعه عليه السلام والله اعلم [ ودر فصل الخطاب مذكورست كه حق تعالى موسى عليه السلام را در مقام بسط بداشت تابكمال حال انس رسيده وازروى دلال بدين جراءت اقدام نمود ودلالة مرتبه محبوبيت است وحضرت مولوى قدس سره فرمودكه كه كستاخى عاشق ترك ادب نيست بلكه عين ادبست ]
كفت وكوى عاشقان دركار رب ... جوشش عشقست نه ترك ادب
هركه كردازجام حق يكجرعه نوش ... نه ادب ماند درونه عقل وهوش(4/287)
{ تضل بها } اى بسبب تلك الفتنة { من تشاء } ضلالة فيتجاوز عن حده بطلب ما ليس له { وتهدى من تشاء } هدايته الى الحق فلا يتزلزل فى امثالها فيقوى بها ايمانه { انت ولينا } اى القائم بامورنا الدنيوية والاخروية وناصرنا وحافظنا لا غي { فاغفر لنا } اى ما اقترفناه من المعاصى { وارحمنا } بافاضة آثار الرحمة الدنيوية والاخروية
قال ابن الشيخ المغفرة هى اسقاط العقوبة والرحمة ايصال الخير وقدم الاول على الثانى لان دفع المضرة مقدم من تحصيل المنفعة { وانت خير الغافرين } تغفر السيئة وتبدلها بالحسنة . وايضا كل من سواك انما يتجاوز عن الذنب اما طلبا للثناء الجميل او للثواب الجزيل او دفعا للقسوة من القلب واما انت فتغفر ذنوب عبادك لا لاجل غرض وعوض بل بمحض الفضل والكرم فلا جرم انت خير الغافرين وارحم الراحمين وتخصيص المغفرة بالذكر لانها الاهم بحسب المقام
{ واكتب لنا } اى اثبت واعين لنا وذكر الكتابة لانها ادوم { فى هذه الدنيا حسنة } حسن معيشة وتوفيق طاعة { وفى الآخرة } اى واكتب لنا فيها ايضا حينة وهى المثوبة الحسنة او الجنة { انا هدنا اليك } تعليل لطلب الغفران والرحمة من هاد يهود اذا رجع اى تبنا ورجعنا اليك عما صنعنا من المعصية العظيمة التى جئناك للاعتذار عنها وعما وقع ههنا من طلب الرؤية فبعيد من لطفك وفضلك ان لا تقبل توبة التائبين . قيل لما اخذتهم الرجفة ماتوا جميعا فاخذ موسى عليه السلام يتضرع الى الله حتى احياهم وقد تقدم فى سورة البقرة { قال } استئناف بيانى كأنه قيل فماذا قال الله تعالى عند دعاء موسى عليه السلام فقيل قال { عذابى } [ عذاب من وصفت او آنست كه ] { اصيب به } البا للتعدية معناه بالفارسية [ ميرسانم ] { من أشاء } تعذيبه من غير دخل لغيرى فيه { ورحمتى } [ ورحمت من وصفت او آنست كه ] { وسعت } فى الدنيا معناه { رسيده است } { كل شيء } المؤمن والكافر بل المكلف وغيره من كل ما يدخل الشيئية وما من مسلم ولا كافر الا وعليه آثار رحمته ونعمته فى الدنيا فيها يتعيشون وبها ينقلبون ولكنها تختص فى الآخرة بالمؤمنين كما قال تعالى { فاكتبها } اى اثبتها واعينها فى الآخرة { للذين يتقون } الكفر والمعاصى { ويؤتون الزكاة } خصها بالذكر لانها كانت اشق عليهم { والذين هم بآياتنا } جميعا { يؤمنون } ايمانا مستمرا فلا يكفرون بشيء منها
قال ابن عباس رضى الله عنهما لما انزلت هذه الآية تطاول لها ابليس فقال انا شيء من الاشياء فاخرجه الله تعالى من ذلك بقوله { فسأكتبها } الخ فقالت اليهود والنصارى نحن نتقى ونؤتى الزكاة ونؤمن بآيات ربنا فاخرجهم الله منها بقوله { الذين يتبعون الرسول } فى محل الجر انه صفة للذين يتقون او بدل منه يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم الى نوحى اليه كتابا مختصا به { النبى } اى صاحب المعجزة
وقال البياوى انما سماه رسولا بالاضافة الى نبينا وبالاضافة الى العباد { الامى } الذى ر يكتب ولا يقرأ وكونه عليه السلام اميا من جملة معجزاته فانه عليه السلام لو كان يحسن الخط والقراءة لصار متهما بانه ربما طالع فى كتب الاولين والآخرين فحصل هذه العلوم بتلك المطالعة فلما اتى بهذا القرآن العظيم المشتمل على علوم الاولين من غير تعلم ومطالعة كان ذلك من جملة معجزاته الباهرة(4/288)
نكار من كه بمكتب نرفت وخط ننوشت ... بغمزه كسأله آموز صد مدرس شد
من كان القلم الاعلى يخدمه واللوح المحفوظ مصحفه ومنظره لا يحتاج الى تصوير الرسوم
وقد وصف الله تعالى هه الامة فى الانجيل امة محمد اناجيلهم فى صدورهم ولو لم يكن رسم الخطوط لكانوا يحفظون شرائعه صلى الله وسلم بقلوبهم لكمال قوتهم وظهور استعداداتهم . والام الاصل وعند ام الكتاب { الذين يجدونه مكتوبا } باسمه وصفته { عندهم } متعلق بيجدون او بمكتوبا وكذا قوله { فى التورية والانجيل } اللذين تعبد بهما بنوا اسرائيل سابقا ولاحقا : وفى المثنوى
بيش ازانكه نقش احمد رونمود ... نعت اوهر كبررا تعويذ بود
سجده مى كردند كارى رب بشر ... درعيان آريش هرجه زودتر
نقش اومى كشت اندر راهشان ... دردل ودر كوش درافواه شان
اين همه تعظيم وتفخيم ووداد ... جون بديدندش بصورت بردباد
قلب آتش ديددردم شد سياه ... قلب را در قلب كى بودست راه
فان قيل الرحمة المذكورة لو اختص بها لزم ان لا تثبت لغيرهم من المؤمنين وليس كذلك
اجيب بان هذا الاختصاص بالاضافة الى بنى اسرائيل الموجودين فى زمان النبى الامى ولم يؤمنوا به لا بالاضافة الى جميع ما عداهم { يأمرهم بالمعروف } اى بالتوحيد وشرائع الاسلام { وينهيهم عن المنكر } اى عن كل ما يعرف فى شريعة ولا سنة { ويحل لهم الطيبات } التى حرمت عليهم بشؤم ظلمهم كالشحوم { ويحرم عليهم الخبائث } كالدم ولحم الخنزير . فالمراد بالطيبات ما يستطيبه الطبع ويستلذه . وبالخبائث ما يستخبثه الطبع ويتنفر منه فتكون الآية دليلا على ان الاصل فى كل ما يستطيبه الطبع الحرمة الا لدليل منفصل . ويجوز ان يراد بها ما طاب فى حكم الشرع . وما خبث كالربا والرشوة ومدلول الآية حينئذ ان ما يحكم الشرع بحله فهو حلال وما يحكم بحرمجته فهو حرام ولا حكم لاستطابة الطبع واستخباثه فيهما { ويضع عنهم اصرهم والاغلال التى كانت عليهم } اى يخفف عنهم ما كلفوا به من التكاليف الشاقة كتعين القصاص فى العمد والخطأ من غير شرع الدية وقطع الاعضاء الخاطئة وقرض موضع النجاسة من الجلد والثوب وعدم الاكتفاء بغسله واحراق الغنائم وتحريم العمل يوم السبت بالكلية شبهت هذه التكاليف الشاقة بالحمل الثقيل وبالاغلال التى تجمع اليد الى العنق واصل الاصر الثقل الى يأصر صاحبه اى يحبسه من الحراك لصقله { فالذين آمنوا به } اى بينوه الرسول النبى الامى واطاعوه فى اوامره ونواهيه { وعزروه } اى عظموه ووقروه واعانوا بمنع اعدائه عنه { ونصروه } على اعدائه عنه { ونصروه } على اعدائه فى الدين { واتبعوا النور الذى انزل معه } يعنى القرآن الذى ضياؤه فى القلوب كضياء النور فى العيون
قال صاحب الكشاف فان قلت ما معنى قوله انزل معه وانما انزل مع جبريل قلت انزل مع نبوته لان استتباءه كان مصحوبا بالقرآن مشفوعا به انتهى
فمعه متعلق بانزال حال من ضميره بتقدير المضاف اى انزل ذلك النور مصاحبت لنبوته { اولئك } المنعوتون بتلك النعوت الجلية { هم المفلحون } اى الفائزون بالمطلوب الناجون من الكروب لا غيرهم من الامم فيدخل فيهم قوم موسى خولا اوليا حيث لم ينجوا مما فى توبتهم من المشقة الهائلة وبه يتحقق التحقيق ويتأتى التوفيق والتطبيق بين دعائه عليه السلام وبين الجواب وهو من قوله عذابى الى هنا فقد علم ان اتباع القرآن وتعظيم النبى عليه السلام بعد الايمان سبب للفوز والفلاح عند الرحمن ونصرته عليه السلام على العموم والخصوص فالعموم للعامة من اهل الشريعة والخصوص للخاصة من ارباب الطريقة واصحاب الحقيقة وهم الواصلون الى كمال انوار الايمان واسرار التوحيد بالاخلاص والاختصاص
واعلم ان المقصود الالهى من ترتيب سلسلة الانبياء عليهم السلام هو وجود محمد صلى الله عليه وسلم فوجود الانبياء قبله كالمقدمة لوجود الشريف فهو الخلاصة والنتيجة والزبدة واشرف الانبياء والمرسلين كما قال عليه السلام(4/289)
« فضلت على الانبياء بست اعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب واحلت لى الغنائم وجعلت لى الارض مسجدا وطهورا وارسلت الى الخلق كافة وختم بى النبيون » وكذلك المقصود من الكتب الالهية السالفة هو القرآن الذى انزل على النبى عليه السلام فهو زبدة الكتب الالهية واعظمها ومصدق لما بين يديه لانه بلفظ قد اعجز البلغاء ان يأتوا بسورة من مثله وبمعناه الجامع لما فى الكتب السالفة من الاحكام والآداب والفضائل متضمن للحجج والبراهين والدلائل وكذا المقصود من الامم السالفة هو وجود الامة المرحومة اعنى امة محمد صلى الله عليه وسلم فهى كالنتيجة لما قبلها وهى الامة الوسط كما قال تعالى { وكذلك جعلناكم امة وسطا } وكذا المقصود من الملوك الماضية والسلاطين السالفة هو الملوك العثمانية فهو زبدة الملوك ودولتهم زبدة الدول حيث لا دولة بعدها لغيرهم الى ظهور المهدى وعيسى ويقاتلون من هم مبادى الدجال من الكفرة الفجرة من الافرنج والانكروس وغيرهم ولهم الجمعية الكبرى واليد الطولى والدولة العظمى فى الاقاليم السبعة واطراف البلاد من المغرب والمشرق ولم يعط هذا لواحد قبل دولتهم ويدل على هه الجمعية كون اسم جدهم الاعلى عثمان فان عثمان رضى الله عنه جامع القرآن فهم مظاهر لاسم الحق كما كان عمر رضى الله عنه كذلك حيث انه لما اسلم قال لنا يا رسول الله ألسنا على الحق قال عليه السلام(4/290)
« والذى بعثنى بالحق نبيا كلنا على الحق » قال انا والذى بعثك بالحق نبيا لا نعبد الله بعد اليوم سرا فاظهر الله الدين بايمانه فكان ظهور الدين مشروطا بايمانه فهذا اول الظهور ثم وثم الى ان انتهى الى زمن الدولة العثمانية ولذلك يقاتلون على الحق فالسيف الذى بيدهم قد ورثوه كابرا عن كابر ومجاهدا عن مجاهد -حكى- ان عثمان الغازى جد السلاطين العثمانية انما وصل الى ما وصل برعاية كلام الله وانعكس اليه ذلك وذهب ليشتكى من اهل القرية الى الحاج بكتاش او غيره من الرجال فنزل فى بيت رجل قد علق فيه مصحف فسأل عنه فقالوا هو كلام الله تعالى فقال ليس من الادب ان نقعد عند كلام الله فقام وعقد يديه مستقبلا اليه فلم تزل الى الصبح فلما اصبح ذهب الى طريقه فاستقبله رجل وقال انا مطلبك ثم قال له ان الله تعالى عظمك واعطاك وذريتك السلطنة بسبب تعظيمك لكلامه ثم امر بقطع شجرة وربط براسها منديلا وقال ليكن ذلك لواء ثم اجتمع عنده جماعة فجعل اول غزوته الى بلادك وفتح بعناية الله تعالى ثم اذن له السلطان علاء الدين فى الظاهر ايضا فصار سلطانا ثم بعد ارتحاله صار ولده اورخان سلطانا ففتح هو بروسة المحروسة بالعون الآلهى فالدولة العثمانية من ذلك الوقت الى هذا الآن على الازدياد بسبب تعظيم كلام الله القديم وكما ان الله تعالى اظهر لطفه للاولين وكذلك يظهر للآخرين وان كان فى بعض الاوقات بظهر القهر والحلال تأديبا وتنبيها فتحته لطف وجمال : قال السعدى قدس سره
زظلمت مترس اى بسنديده دوست ... كه ممكن بود كاب حيوان دروست
دل از يى مرادى بفكرت مسوز ... شب آبستن است اى برادر بروز
والاشارة فى الآيات ان الله تعالى امتحن موسى موسى عليه السلام قومه ليعلم ان المختار من الخلق من اختاره الله لا الذى اختاره الخلق وان الله الاختيار الحقيقى لقوله { وربك يخلق ما يشاء ويختار } وليس للخلق الاختيار الحقيقى لقوله { ما كان لهم الخيرة } ثم استخرج من القوم المختار ما كان موجبا للرجفة والصعقة والهلاك وهو سوء الادب قى سؤال الرؤية جهارا وكان ذلك مستورا عن نظر موسى متمكنا فى جبلتهم وكان الله المتولى للسرائر وحكم موسى بظاهر صلاحيتهم فاراه الله ان الذى اختاره يكون مثلك كقوله تعالى { وانا اخترتك فاستمع لما يوحى } والاذى تختاره يكون كالقوم فلما تحقق لموسى ان المختار من اختاره الله حكم بسفاهة القوم واظهر الاستكانة والتضرع والاعتذار والتوبة والاستغفار والاسترحام كما قال { فلما اخذتهم الرجفة قال رب لو شئت اهلكتهم من قبل واياى آتهلكنا بما فعل السفهاء منا } وفيه اشارة اخرى الى ان نار شوق الرؤية كما كانت متمكنة فى قلب موسى بالقوة وانما ظهرت بالفعل بعد ان مسع كلام الله تعالى من اصطكاك زناد الكلام وحجر القلب ظهر شرر نار الشوق فاشتعل منه كبريت اللسان والصدوق وشعلت شعلة السؤال فقال(4/291)
{ رب ارنى انظر اليك } كذلك كانت نار الشوق متمكنة فى احجار قلوب القوم فباصطكاك زناد سمع الكلام ظهر شرر الشوق فاشتعل منه كبريت اللسان ولما لم يكن اللسان لسان النبوة صعد منه دخان السؤال الموجب للصعقة والرجفة والسر فيه ان يعلم موسى وغيره ان قلوب العباد مختصة بكرامة ايداع نار المحبة فيها لئلا يظن موسى انه مخصوص به ويعذر غيره فى تلك المسألة فانها من غلبات الشوق تطرأ عند استماع كلام المحبوب ولذا قال عليه السلام « ما خلق الله من بنى آدم من بشر الا وقلبه بين اصبعين من اصابع الرحمن ان شاء اقامه وان شاء ازاغه » وبالاصبعين يشير الى صفتى الجمال والجلال وليس لغير الانسان قلب مخصوص بهذه الكرامة واقامة القلب وازاغته فى ان يجعله مرآة صفات الجمال فيكون الغالب عليه الشوق والمحبة لطفا ورحمة وفى ان يجعله مرآة صفات الجلال فيكون الغالب عليه الحرص على الدنيا والشهوة قهرا وعزة فالنكتة فيه ان قلب موسى عليه السلام لما كان مخصوصا بالاصطفاء للرسالة والكلام دون القوم كان سؤاله لرؤية شعلة نار المحبة مقرونا بحفظ الادب على بساط القرب بقوله { رب ارنى انظر اليك } قدم عزة الربوبية واظهر ذلة العبودية وكان سؤال القوم من القلوب الساهية اللاهية فان نار الشوق تصاعدت بسوء الادب فقالوا { لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } قدموا الجحود والانكار وطلبوا الرؤية جهارا فاخذتهم الصاعقة بظلمهم فشتان بين صعقه موسى وصعقة قومه فان صعقته كانت صعقة اللطف مع تجلى صفة الربوبية وان صعقتهم كانت صعقة القهر عند اظهار صفة العزة والعظمة ولما كان موسى عليه السلام ثابتا فى مقام التوحيد كان ينظر بنور الوحدة فيرى الاشياء كلها من عند الله فرأى سفاهة القوم وما صدر منهم من آثار صفة قهره فتنة واختبارا لهم فلما دارت كؤوس شراب المكالمات وسكر موسى باقداح المناجاة زل قدمه على بساط الانبساط فقال { ان هى الا فتنتك تضل بها من تشاء } باصبع صفة القهر { وتهدى من تشاء } اى تقيم قلب من تشاء باصبع صفة اللطف { انت ولينا } اى المتولى لامورنا والناصر فى هدايتنا { فاغفر لنا } ما صدر منا { وارحمنا } بنعمة الرؤية التى سألناكها { وانت خير الغافرين } اى خير من يستر على ذنوب المذنبين يعنى انهم يسترون النب ولا يعطون سؤلهم فانت الذى تستر الذنب وتبدله بالحسنات وتعطى سؤل اهل الزلات { واكتب لنا فى هذه الدنيا حسنة } يعنى حسنة الرؤية كما كتبت لمحمد عليه السلام ولخواص امته هذه الحسنة فى الدنيا وفى الآخرة يعنى خصنا بهذه الفضيلة فى الدنيا { وفى الآخرة انا هدنا اليك } رجعنا اليك فى طلب هذه الفضيلة فى السر لا بالعلانية وانت الذى تعلم الر والاخفى واجابهم الله تعالى سرا بسر واضمارا باضمار { قال عذابى اصيب به من اشاء } اى بصفة قهرى آخذ من اشاء وبقراءة من قرأ أساء فى الادب عند سؤال الرؤية حيث قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة آخذهم على سوء ادبهم فادبهم بتأديب عذاب الفرقة { ورحمتى وسعت كل شيء } نعمة وايجادا وتربية { فساكتبها } يعنة حسنة الرؤية والرحمة بها التى انتم تسألونها { للذين يتقون ويؤتون الزكاة } يعنى يتقون بالله عن غيره ويؤتون من نصاب هذا المقام الزكاة الى طلابه { والذين يتبعون الرسول النبى الامى } وفيه اشارة الى ان فى امته من يكون مستعدا ىتباعه فى هذه المقلمات الثلاثة وهى مقالات لارسالة والنبوة التى هى مشتركة بينه وبين الرسول والانبياء والمقام الامى الى هو مخصوص به صلى الله عليه وسلم من بين الانبياء والرسل عليهم والسلام ومعنى الامى انه ام الموجودات واصل المكونات كما قال(4/292)
« اول ما خلق الله روحى » وقال حكاية عن الله « لولاك لما خلقت الكون » فلما كان هو اول الموجودات واصلها سمى اميا لانه مبدأ الكتب واصلها فاما فى مقام الرسالة والنبوة فبان يأخذ ما آتاه الرسول وينتهى عما نهاه عنه كما قال تعالى { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } فان الرسالة تتعلق واحكام الظاهر والنبوة تتعلق باحوال الباطن فللعوام شركة مع الخواص فى الانتفاع من الؤسالة وللخواص اختصاص بالانتفاع من النبوة فمن ادى حقوق احكام الرسالة فى الظاهر يفتتح له بها احوال النبوة فى الباطن من مقام تنبئة الحق تعالى بحيث يصير صاحب الاشارات والالهامات الصادقة والرؤيا الصالحة والهواتف الملكية وربما يؤول حاله الى ان يكون صاحب المكالمة والمشاهدة والمكاشفة ولعله يصير مأمورا بدعوة الخلق الى الحق بالمتابعة لا بالاستقلال كما قال عليه السلام « علماء امتى كانبياء بنى اسرائيل » يشير الى هذا القوم بذلك وان المتقدمين من بنى اسرائيل فى زمن الانبياء عليهم السلام لما وصلوا الى مقام الانبياء اعطوا النبوة والله اعلم وكانوا مقررين لدين رسولهم حاكمين بالكتب المنزلة على رسلهم فكذلك هذا المقام كما قال تعالى { وجعلنا منهم ائمة يهدون بامرنا } الآية واما اتباعه فى مقام اميته صلى الله عليه وسلم فذلك مخصوص باخص الخواص من متابعيه وهو انه صلى الله عليه وسلم رجع من مقام بشريته الى مقام روحانيته الاولى ثم بجذبات الوحى انزل فى مقام التوحيد ثم اختطف بانوار الهوية عن انانيته الى مقام الوحدة كما قال تعالى { قل انما انا بشر مثلكم يوحى الى انما الهكم اله واحد } وكما قال { ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى }(4/293)
فقاب قوسين عبارة عن مقام التوحيد واوادنى عن مقام الوحدة تفهم ان شاء الله تعالى فمن رجع بالسير فى متابعته من مقام البشرية الى ان بلغ مقام روحانيته ثم بجذبات النبوة انزل فى مقام التوحيد ثم اختطف بانوار المتابعة عن انانيته الى مقام الوحدة فقد حظى بمقام اميته صلى الله عليه وسلم وبقوله تعالى { الذين يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والانجيل } يشير الى انه مكتوب عندهم والا فهو مكنون عنده مقعد صدق { يأمرهم بالمعروف } وهو طلب الحق والنيل اليه { وينهيهم عن المنكر } وهو طلب ما سواه والانقطاع عنه { ويحل لهم الطيبات } اى القربات الى الله وان الطيب هو الله { ويحرم عليهم الخبائث } وهى الدنيا وما يباعدهم عن الله { ويضع عنهم اصرهم والاغلال التى كانت عليهم } يعنى اصرهم من العهد الذى كان بين الله تعالى وبين حبيبه صلى الله عليه وسلم بان لا يصل احد الى مقام اميته وحبيبته الا امته واهل شفاعته بتبعيته كما قال تعالى { قل ان كنتم تحبون الله فاتبعونى } الآية وقال عليه السلام « الناس يحتاجون الى شفاعتى حتى ابراهيم » فكان من هذا العهد عليهم شدة واغلال تمنعهم من الوصول الى هذا المقام فقد وضع النبى عليه السلام عنهم هذا الاصر والاغلال بالدعوة الى متابعته ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى { فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه } اى وقروه باختصاص هذا المقام فانه مخصوص به من بين سائر الانبياء والرسل ونصروه بالمتابعة { واتبعوا النور الذى انزل معه } يعنى حين اختطف بانوار الهوية عن انانيته فاستفاد نور الوحدة قلم يبق من ظلمة انانيته شئ وكان نورا صرفا فلما ارسل الهوية عن انانيته فاستفاد نور الوحدة كما قال تعالى { قد جاءكم من الله نور } يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم وكتاب مبين يعنى القرآن فامروا بمتابعة هذا النور ليقتبسوا منه نور الوحدة فيفوزوا بالسعادة الكبرى والنعمة العظمى { أولئك هم المفلحون } فى حجب الانانية الفائزون بنور الوحدة كذا فى التأويلات النجمية(4/294)
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)
{ قل } يا محمد { يا ايها الناس انى رسول الله اليكم جميعا } الخطاب عام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعوثا الى الكافة من الثقلين الى من وجد فى عصره والى من سيوحد بعده الى يوم القيامة بخلاف سائر الرسل فانهم بعثوا الى اقوامهم اهل عصرهم ولم تستمر شرائعهم الى يوم القيامة واليكم متعلق بقوله رسول وجميعا حال من ضمير اليكم
قال الحدادى انى رسول الله اليكم كافة ادعوكم الى طاعة الله وتوحيده واتباعه فيما اؤديه اليكم
وفى آكام المرجان لم يخالف احد من طوائف المسلمين فى ان الله تعالى ارسل محمدا صلى الله عليه وسلم الى الجن والانس والعرب والعجم فان قلت فى بعثة سليمان عليه السلام مشاركة له لانه ايضا كان مبعوثا الى الانس والجن وحاكما عليهما بل جميع الحيوانات قلت ان سليمان لم يبعث الى الجن بالرسالة بل بالملك والضبط والسياسة والسلطنة لانه عليه السلام استخدمهم وقضى بينهم بالحق وما دعاهم الى دينه لان الشياطين والعفاريت كانوا يقومون فى خدمته وينقادون له مع انهم على كفرهم وطغيانهم كذا حققه والهى الاسكوبى
قال ابن عقيل الجن داخلون فى مسمى الناس لغة وهو من ناس ينوس اذا تحرك
قال الجوهرى وصاحب القاموس الناس يكون من الانس ومن الجن جمع انس اصله اناس جمع عزيز ادخل عليه ال { الذى } منصوب او مرفوع على المدح اى اعنى الله الذى او هو الذى { له ملك السموات والارض } [ مراوراست بادشاهى آسمانها وزمينها وتدبير وتصرف دران ] { لا اله الا هو } [ هيج معبودى نيست مستحق عبادت جزاو ] وهو بدل من الصلة النبى قبله وفيه بيان لهل لان من ملك العالم كان هو الاله المتفرد بالالوهية واسم هو ضمير غيبة وهو من اخص اسمائه تعالى اذا لغته الحقيقية انما هى له اذ لا تتصوره العقول ولا تحده الاوهام وهو اسم لحضرة الغيب الثانية التى هى اول تعينات الذات الذى هو برزخ جامع بين حكمى الاسم الباطن والظاهر وحيث تخفى فيه الواو فهو اسم لحضرة غيب الغيب وهى الحضرة الاولى من حضرات الذات وهو فاتحة الاسماء وام كتابها تنزل منزلة الالف من الحروف كذا فى ترويح القلوب لعبد الرحمن البسطامى قدس سره
واعلم ان المقربين لا يرون موجودا سوى الله تعالى فاذا قالوا هو اشاروا له الى الحق سبحانه سواء تقدم له مرجع اولا وتحقيقه فى حواشى ابن الشيخ فى سورة الاخلاص { يحيى ويميت } زيادة تقرير للالوخية لنه لا يقدر على الاحياء والاماتة الا الذى لا اله الا هو
قال الحدادى يحيى الخلق من النطفة ويمتهم عند انقضاء آجالهم لا يقدر على ذلك احد سواه وقيل معناه يحيى الاموات للبعث ويميت الاحياء فى الدنيا { فآمنوا بالله ورسوله } الفاء لتفريع الامر على ما تمهد وتقرر من رسالته عليه الصلاة والسلام { النبى الامى } مدح له عليه السلام ومعنى الامى لا يقرأ ولا يكتب فيومن من جهته ان يقرأ الكتب وينقل اليهم اخبار الماضين ولكن يتبع لما يوحى اليه { الذى يؤمن بالله وكلماته } اى ما انزل عليه من اخبار سائر الرسل ومن كتبه ووحيه وانما وصف به لحمل اهل الكتابين على الامتثال بما امروا به والتصريح بايمانه بالله تعالى للتنبيه على ان الايمان به تعالى لا ينفك عن الايمان بكلماته ولا يتحقق الا به { واتبعوه } اى فى كل ما يأتى وما يذر من امور الدين { لعلكم تهتدون } علةة للفعلين او حال من فاعليهما اى رجاء لاهتدائكم الى المطلوب اوراجين وفى تعليقه بهما ايذان بان من صدقه ولم يتبعه بالتزام احكام شريعته فهو بمعزل من الاهتداء مستمر على الغى والضلالة(4/295)
قال سيد الطائفة الجنيد قدس سره الطرق كلها مسدودة على الخلق الا على من اقتفى اثر رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبع سنته ولزم طريقته لان طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه وعلى المقتفين أثره والمتابعين سنته
قال الشيخ العارف الواصل الوارث الكامل محيى الدين ابن العربى قدس سره فى بيان السنة والسنى الانسان لا يخلو ان يكون واحدا من ثلاثة بالنظر الشرعى وهو اما ان يكون باطنيا محصنا وهو القائل بتجريد التوحيد عندنا حالا وفعلا وهذا يؤدى الى تعطيل احكام الشرائع وقلب اعيانها وكل ما يؤدى الى هدم قاعدة من قواعد الدين او سنة من سننه ولو فى العادات كالاكل والشرب والرقاع فهو مذموم بالاطلاق عصمنا الله واياكم من ذلك واما ان يكون ظاهريا محصنا متقلقلا بحيث ان يؤذيه ذلك الى التجسيم والتشبيه نعوذ بالله منهما فى باب الاعتقادات او يكون معتمدا على مذهب فقيه من الفقهاء اصحاب علوم الاحكام المحجوبة قلوبهم بحب الدنيا عن معاينة الملكوت فتراه خائفا من الخروج عن مذهبه فاذا سمع سنة من سنن النبى عليه السلام يحيلها على مذهب فقيه آخر فيترك العمل بها ولو اوردت الف حديث مأثور فى فضائلها فيتصامم عن سماعها بل يسئ الظن برواية المتقدمين من التابعين والسلف بناء على عدم ايراد ذلك الفقيه اياها فى كتابه فمثل ذلك ايضا ملحوق بالم شرعا والى الله نفزع ونلتجئ من ان يجعلنا واياكم منهم واما ان يكون جاريا مع الشريعة على فهم اللسان حيث ما مشى الشراع مشى وحيث ما وقف وقف قدما بقدم حتى فلا اقل شئ من الفضائل فى العبادات والعادات صارفا جل عنايته وباذلا كل مجهوده فى ان لا يفوته شئ من الافعال المحمدية فى عباداته وعاداته على حسب ما سنح له فى اثناء مطالعاته من كتب الاحاديث المعول عليها او القى فى اذنه من استاذه وشيخه المعتمد عليه ان لم يكن من اهل المطالعة فهذا هو الوسط وهو السنة والآخذ به هو السى وبهذا يصح محبة الله له - وحكى - ان الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر قال راعيت جميع ما صدر عن النبى عليه السلام سوى واحد وهو انه عليه السلام زوج بنته عليا رضى الله عنه وكان يبيت فى بيتها بلا تكلف ولم يكن لى بنت حتى افعل كذلك -وحكى-عن سلطان العارفين ابى يزيد البسطامى قدس سره انه قال ذات يوم لاصحابه قوموا بنا حتى ننظر الى ذلك الذى قد سهر نفسه بالولاية قال فمضينا فاذا بالرجل قد قصد فرمى بزاقه نحو القبلة فانصرف ابو زيد ولم يسلم عليه وقال هذا ليس بمأمون على ادب من آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يكون مأمونا على ما يدعيه من مقامات الانلياء والصديقين -وحكى- عن احمد بن حنبل رحمه الله قال كنت يوما ما مع جماعة تجر داود ودخلوا الماء فعملت بالحديث وهو(4/296)
« من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام الا بمئزر » ولم اتجرد فرأيت تلك الليلة قائلا يقول لى يا احمد ابشر فان الله قد غفر لك باستعمالك السنة وجعلك اماما يقتدى بك فقلت من انت قال جبريل عليه السلام
وعن عابس بن ربيعة قال رأيت عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقبل الحجر الاسود ويقول انى لا علم انك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا انى رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك
واتفق المشايخ على ان من القى زمامه فى يد كلب مثلا حتى لا يكون تردده بحكم طبعه أقوم لقبول الرياضة ممن جعل زمامه فى حكم نفسه يسترسل بها حيث شاء كالبهائم فالواجب عليك ان تكون تابعا لا مسترسلا
سك اصحاب كهف روزى جند ... بى مردم كرفت ومردم شد
فاذا اتبعت فاتبع سيد المرسلين محمدا صلى الله عليه وسلم الذى آدم ومن دونه من الانبياء والاولياء تحت لوائه فاذا اتبعت واحدا من امته فلا تتبعه لمجرد كونه رجلا مشهورا بين الناس مثبولا عند الامراء والسلاطين بل كان الواجب عليك ان تعرف اولا الحق ثم تزن الرجال به وفيه قال باب العلم الربانى على رضى الله عنه من عرف الحق بالرجال حار فى متاهات الضلال بل اعرف الحق تعرف اهله وبقدر متابعتك للنبى صلى الله عليه وسلم تستحكم مناسبتك به وتتأكد علاقة المحبة بينك وبينه كل ما يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه او زيارة قبره او جواب المؤذن والدعاء له عقيبه كنت مستحقا لشفاعته قالوا لو وضع شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم او عصاه او سوطه على قبر عاص لنجا ذلك العاصى ببركات تلك الذخيرة من العذاب وان كانت فى دار انسان او بلدة لا يصيب سكانها بلاء ببركاتها وان لم يشعروا بها ومن هذا القبيل ماء زمزم والكفن المبلول به وبطانة استار الكعبة والتكفن بها(4/297)
قال الامام الغزالى رحمه الله واذا اردت مثالا من خارج فاعلم ان كل من اطاع سلطانا وعظمه فذا دخل بلدته ورأى فيها سهما من جعبته او سوطا له فانه يعظم تلك البلدة واهلها فلاملائكة يعظمون النبى صلى الله عليه وسلم فاذا رأوا ذخائره فى دار او بلدة او قبر عظموا صاحبه وخففوا عنه العذاب ولذلك السبب ينفع الموتى ان توضع المصاحف على قبورهم ويتلى عليهم القرآن ويكتسب القرآن على القراطيس وتوضع فى ايدى الموتى كذا فى الاسرار المحمدية : قال فى المجلد الثالث من المثنوى
از انس فرزند مالك آمدست ... كه بمهانى او ضخصى شدست
او حكايت كرد كز بعد طعام ... ديد انس دستار خوانرا زردفام
جرك آلوده وكفت اى خادمه ... اندرا فكن درتنورش يكدمه
درتنور بر زآتش درفكند ... آن زمان دستار خوانرا هوشمند
جمله مهمانان دران حيران شدند ... انتظار دود كندورى بدند
بعد يكساعت برآورد ازتنور ... باك باك واسبيدو ازان اوساخ دور
قوم كفتند اى صحابى عزيز ... جون نسوزيد ومنقا كشت نيز
كفت زانكه مصطفى دست ودهان ... بس بماليد اندرين دستارخوان
اى دل ترسنده ازنار وعذاب ... باجنان دست ولبى كن اقتراب
جون جمادى راجنتيت تشريف داد ... جان عاشق راجها خواهد كشاد
اللهم اجعل حرفتنا محبته وارزقنا شفاعته(4/298)
وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159)
{ ومن قوم موسى } لما ذكر الله تعالى عبدة العجل ومن قالوا { لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } وهم الاشقياء اتبع ذكرهم بذكر اضدادهم السعداء فالمراد بالقوم بنوا اسرائيل الموجودن فى زمن موسى عليه السلام { امة } اى جماعة { يهدون } [ راه مينمايندخلق را ] فالمفعول محذوف { بالحق } ملتبسين به اى محقين { وبه } اى بالحق { ويعدلون } اى فى الاحكام الجارية بينهم وصيغة المضارع فى الفعلين لحكاية الحال الماضية والاشهر ان المراد بهذه الامة قوم وراء الصين باقصى المشرق وذلك بان بنى اسرائيل لما بالغوا فى العتو والطغيان بعد وفاة موسى ووفاة خليفة يوشع حتى اجترأوا على قتل انبيائهم ووقع الهرج والمرج تبرأ سبط منهم مما صنعوا واعتذروا وسألوا الله تعالى ان يفرق بينهم وبين اولئك الطاغين ففتح الله لهم وهم فى بيت المقدس نفقا فى الارض وجعل امامهم المصابيح لتضئ لهم بالنهار فاذا امسوا اظلم عليهم النفق فنزلوا فاذا اصبحوا اضاءت لهم المصابيح فساروا ومعهم نهر من ماء يجرى واجرى الله تعالى عليهم ارزاقهم فساروا فيه على هذا الوجه سنة ونصف سنة حتى خرجوا من وراء الصين الى ارض باقصى المشرق طاهرة طيبة فنزلوها وهم مختلطون بالسباع والوحوش والهوام لا يضر بعضهم وهم متمسكون بالتوراة مشتاقون الى الاسلام لا يعصون الله تعالى طرفة عين تصافحهم الملائكة وهم فى منقطع من الارض لا يصل اليهم احد منا ولا احد منهم الينا اما لان بين الصين وبينهم واديا جاريا من رمل فيمنع الناس من اتيانهم كما قال ابن عباس رضى الله عنهما او نهرا من شهد كما قال السدى وانهم كبنى اب واحد ليس لاحد منهم مال دون صاحبه يمطرون بالليل ويضحون بالنهار ويزرعون ويحصدون جميعا فيضعون الحاصل فى اماكن من القرية فيأخذ كل رجل منهم قدر حاجته ويدع الباقى - روى - ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبرائيل ليلة المعراج انى احب ان ارى القوم الذين اتى الله عليهم بقوله { ومن قوم موسى امة } الآية فقال ان بينك وبينهم مسيرة ست سنين ذهابا وست سنين ايابا ولكن سل ربك حتى يأذن لك فدعا النبى عليه السلام وامن جبريل فاوحى الله تعالى الى جبريل انه اجيب الى ما سأل فركب البراق فخطا خطوات فاذا هويين اظهر القوم فسلم عليهم وردوا عيه سلامه وسألوه من انت فقال « انا النبى الامى » قالوا انت الذى بشر بك موسى عليه السلام واوصانا بان قال لنا من ادرك منكم احمد عليه الصلاة والسلام فليقرأ عليه منى السلام فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم على موسى سلامه وقالوا فمن معك قال « أو ترون قالوا »(4/299)
نعم قال هو جبريل قال « فرأيت قبورهم على ابواب دورهم فقلت فلم ذلك » قالوا اجدر ان نذكر الموت صباحا ومساء فقال « ارى بنيانكم مستويا » قالوا ذلك لئلا يشرف بعضنا على بعض ولئلا يسد احد على احد الريح والهواء قال « فمالى لا ارى لكم قاضيا ولا سلطانا » قالوا انصف بعضنا بعضا واعطينا الحق فلم نحتج الى قاض ينصف بيننا قال « فمالى ارى اسواقكم خالية » وقالوا نزرع جميعا ونحصد جميعا ونحصد جميعا فيأخذ كل احد منا وما يكفيه ويدع الباقى لاخيه فلا نحتاج الى مراجعة الاسواق قال « فمالى ارى هؤلاء القوم يضحكون » قالوا مات لهم ميت فيضحكون سرورا بما قبضه فيغتمون لذلك قال « فاذا ولد لكم ذكر فماذا تصنعون » قالوا نصوم الله شكرا شهرا قال « فالانثى » قالوا نصوم لله شكرا شهرين قال « ولم » قالوا لان موسى عليه السلام اخبرنا ان الصبر على الانثى اعظم اجرا من الصبر على الذكر قال « أفتزنون » قالوا وهل يفعل ذلك احد لو فعل ذلك احد لحصبته السماء وخسفت به الارض من تحته قال « أفترابون » قالوا انما يرابى من لا يؤمن برزق الله قال « أفتمرضون » قالوا لا نمرض ولا نذنب أنما تذنب امتك فيمرضون ليكون ذلك كفارة لذنوبهم قال « هل فى ارضكم سباع وهوام » قالوا نعم تمر بنا وتمر بها ولا تؤذينا ولا نؤذيها فعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم شريعته والصلوات الخمس عليهم وعلمهم الفاتحة وسورا من القرآن
قال الحدادى اقرأهم عشر سور من القرآن نزلت بمكة ولم يكن يؤمئذ نزلت فريضة غير الصلاة والزكاة فامرهم بالصلاة والزكاة وان يتركوا تحريم السبت ويجمعوا وامرهم ان يقيموا مكانهم فهم اليوم هناك حنفاء مسلمون مستقبلون قبلتنا
يقول الفقير التجميع وهو بالفارسى [ نمار آذنيه آمدن وكزاردن آن ] انما شرع بعد الهجرة فتناقض اول الكلام مع آخره وكذا امر القبلة ولعل النبى عليه السلام علمهم اولا ما نزل بمكة من الشرائع والاحكام ثم اكمل لهم الدعوة بطريق آخر فان المعراج بالروح والجسد معاوان حصل له عليه السلام مرة واحدة بمكة وفى ليلته فرضت الصلاة على ما عليه الكل الا انه عليه السلام كان يصل جسده الشريف فى لمحة الى حيث يصلب اليه بصره وكان عنده القريب والبعيد على السواء هذا ما خطر بالضمير بعد ما رأيت من اهل التفسير ما يتنافى الاول منه بالاخير والله هو العليم الخبير
والاشارة فى الآية { ومن قوم موسى امة يهدون بالحق } يهنى خواصهم يهدون بالحق يرشدون الخلق بالكتاب المنزل بالحق على موسى عليه السلام { وبه يعدلون } اى به يحكمون بين العوام او شتان بين امة امية بلغوا اعلى مراتب الروحانية بالسير فى متابعة النبى الامى ثم اختطفوا عن انانية روحانيتهم بجذباب انوار المتابعة الى مقام الوحدة التى هى مصدر وجودهم فى بقاء الوحدة كما قال تعالى(4/300)
{ كنت له سمعا وبصرا ولسانا فبى يسمع وبى يبصر وبى ينطق } وبالرجوع الى هذا المقام سموا اميين فانهم رجعوا الى اصلهم الذين صدروا عنه ايجادا وبين امة كان نبيهم محجوبا بحجاب الانانية عند سؤال الرؤية بقوله { ارنى انظر اليك } فاجيب { لن تريني } لانك كنت بك لابى فانه لا يرانى الا من كان بى لا به فاكون بصره الذى يبصر به وهذا مقام الامة الامية فلهذا قال موسى عليه السلام اللهم اجعلنى من امة شوقا الى لقاء ربه فلفهم جدا كذا فى التأويلات النجمية
مصطفى را نبيا امت شدند ... جمله در زير لواء اوبدند
بابه اين امت مرحومه بين ... كى يقالوا بين ارباب اليقين
رفعتش بين الامم جون آفتاب ... درميان انجم اى عالى جناب
يبشه كن اى حقى شرع اين نبى ... تا نباشد فوت ازتو مطلبى(4/301)
وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160)
{ وقطعناهم } اى قوم موسى لا الامة المذكورة منهم { اثنتى عشرة } ثانى مفعولى قطع لتضمنه معنى التصيير والتأنيث للحمل على الامة او القطعة اى صيرناهم اثنتى عشرة امة او قطعة متميزا بعضها من بعض { اسباطا } بدل منه ولذلك جمع لان مميز احد عشر الى تسعة عشر يكون مفردا منصوبا واسباطا جمع فلا يصلح ان يكون مميزا له وهى جمع سبط والسبط من ولد اسحق كالقبيلة من ولد اسماعيل وهو فى الاصل ولد الولد { امما } بدل بعد بدل جمع امة وهى بمعنى الجماعة وانحصر فرق بنى اسرائيل فى اثنتى عشرة فرقة لانهم تشبعوا من اثنى عشر رجلا من اولاد يعفوب فانعم الله عليهم بهذا التقطيع والتمييز لتنظيم احوالهم ويتيسر عيشهم وكانوا اقواما متباغضة متعصبة { واوحينا الى موسى اذ استسقيه قومه } اى طلبوا منه الماء حين استولى عليهم العطش فى التيه الذى وقعوا فيه بسوء صنيعهم { ان } مفسرة لفعل الايحاء { اضرب بعصاك } كان عصاه من آس الجنة وكان آدم حملها معه من الجنة الى الارض فتوارثها الانبياء صاغرا عن كابر حتى وصلت الى شعيب فاعطاها موسى { الحجر } قد سبق فى البقرة على الاختلاف الواقع فيه
وقال فى التفسير الفارسى [ آن سنك راكه جون بتيه در آمدى باتو بسخن درآمدكه مرابرداركه ترابكار آيم وتوبراشتى وحالا درتوبره دارى موسى عليه السلام عصابران سمك زد ] { فانبجست } [ بس شكافته شد وكشاده كشت ] { منه } [ ازآن سنك ] { اثنتا عشرة عينا } [ دوازده جشمه ] بعدد الاسباط
قال الحدادى الا بنجاس خروج الماء قليلا والانفجار خروجه واسعا وانما قال فانبجست لان الماء كان يخرج من الحجر فى الابتداء قليلا يتسع فاجتمع فيه صفة الانبجاس والانفجار { قد علم كل اناس } كل سبط عبر عنهم بذلك ايذانا بكثرة كل واحد من الاسباط { مشربهم } اى عينهم الخاصة بهم وكان كل سبط يشربون من عين لا يخالطهم فيها غيرهم للعصبية التىلا كانت بينهم
قال ابن الشيخ كان فى ذلك الحجر اذنتا عشرة حفرة فكانوا اذا نزلوا وضعوا الحجر وجاء كل سبط الى حفرته فحفروا الجلد اول الى اهلهم فذلك قوله تعالى { قد علم كل اناس مشربهم } اى موضع شربهم { وظللنا عليهم الغمام } اى جعلناها بحيث تلقى عليهم ظلها تسير فى التيه بسيرهم وتسكن باقامتهم لتقيهم حر الشمس فى النهار وكان ينزل بالليل عمود من نار يسيرون بضوئه { وانزلنا عليهم المن } التربجين
قال فى القاموس المن كل طل ينزل من السماء على شجر او حجر ويحلو وينعقد عسلا ويجف جفاف الصمغ كالشير حشت والترنجبين { والسلوى } قال القزوينى وابن البيطار انه السمانى وقال غيرهما طائر قريب من السمانى
قال فى التفسير الفارسى [ مرغى بر شكل سمانى وآن طائر بست در طرف يمن از كنجشك يزركتر وازكبوتر خردتر ] وانما سمى سلوى لان الانسان يسلو به عن سائر الادام(4/302)
وفى الحديث « اطيب اللحم لحم الطير » وفى الحديث ايضا « سيد الادام فى الدنيا والآخرة اللحم وسيد الشراب فى الدنيا والآخرة الماء وسيد الرياحين فى الدنيا والآخرة الفاغية » ويدل على كون اللحم سيد الطعام ايضا قوله صلى الله عليه وسلم « فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام » قيل كان ينزل عليهم المن مثل الثلج من الفجر الى الطلوع لكل انسان صاع وتبعث الجنوب عليهم السمانى فيذبح الرجل منه ما يكفيه { كلوا } اى قلنا لهم كلوا { من طيبات ما رزقناكم } اى مستلذاته وما موصولة كانت او موصوفة عبارة عن المن والسلوى
قال فى التفسير الفارسى [ از باكيزها ىنجه بمحض عنايت روزى كرديم شمارا يعنى هرجه روزى ميرسد بخوريدوبراى خود ذخيره منهيد بس ايشان خرف كرده وذخيره مى نهادند همه متعفن ومتغير ميشد ] { وما ظلمونا } عطف على جملة محذوفة للايجاز اى فظلموا بان كفروا بتلك النعم الجليلة وما ظلمونا بذلك { ولكن كانوا انفسهم يظلمون } اذ لا يتخطاهم ضرره
قال الحدادى اى يضرون انفسهم باستيجابهم عذابى وقطع مادة الرزق الذى كان ينزل عليهم بلا كلفة ولا مشقة فى الدنيا ولا حساب ولا تبعة فى العقبى(4/303)
وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161)
{ واذ قيل لهم } اى واذكر لهم يا محمد وقت قوله تعالى لاسلافهم { اسكنوا هذه القرية } منصوبة على المفعولية يقال سكنت الدار وقيل على الظرفية اتساعا وهى بيت المقدس او اريحاء وهى قرية الجبارين بقرب بيت المقدس وكان فيها قوم من بقية عاد يقال لهم العمالقة رأسهم عوج بن عنق { وكلوا منها } اى من مطاعمها وثمارها { حيث شئتم } اى من نواحيها من غير ان يزاحمكم فيها احد { وقولوا حطة } اى مسألتنا حطة ذنوبنا عنا فعلة من الحط كالردة من الرد . والحط وضع الشيء من اعلى الى اسفل والمراد هنا بالحط المغفرة وحط الذنوب { وادخلوا الباب } اى باب القرية { سجدا } منحنين متواضعين او ساجدين شكرا على اخراجهم من التيه . ثم ان كان المراد بالقرية اريحاء فقد روى انهم دخلوها حيث سار اليها موسى عليه السلام بمن بقى من بنى اسرائيل او بذرياتهم على اختلاف الروايتين ففتحهما كما مر فى سورة المائدة . وان كان بيت المقدس فقد روى انهم لم يدخلوه فى حياة موسى فقيل المراد بالباب باب القبة التى كانوا يصلون فيها كذا فى الارشاد { نغفر لكم خطيئاتكم } ما سلف من ذنوبكم باستغفاركم وخضوعكم { سنزيد المحسنين } استئناف بيانى كأنه قيل فما ذالهم بعد الغفران فقيل سنزيد المحسنين احسانا وثوابا فالمغفرة مسببة عن الامتثال والاثابة محض تفضل(4/304)
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162)
{ فبدل الذين ظلموا منهم } ما امروا به من التوبة والاستغفار حيث اعرضوا عنه ووضعوا موضعه { قولا } آخر مما لا خير فيه -روى- انهم دخلوا زاحفين على استاهم وقالوا مكان حطة حنطة استخفافا بامر الله تعالى واستهزاء بموسى عليه السلام وعدولا عن طلب عفو الله تعالى ورحمته الى طلب ما يشتهون من اعراض الدنيا الفانية الدنية { غير الذى قيل لهم } نعت لقولا صرح بالمغايرة مع دلالة التبديل عليها قطعا تحقيقا للمخالفة وتنصيصا على المغايرة من كل وجه { فارسلنا عليهم } اى على الذين ظلموا اثر ما فعلوا من غير تأخر والارسال من فوق كالانزال { رجزا من السماء } عذابا كائنا منها والمراد الطاعون -روى- انه مات منهم فى ساعة واحدة اربعة وعشرون ألفا { بما كانوا يظلمون } بسب ظلمهم المستمر السابق واللاحق لا بسبب التبديل فقط كذا من لم يعرف قدر النعماء يقرع باب البلاء ليجرى عليه احكام القضاء فامتحن بانواع المحن والوباء
واعلم ان الذين ظلموا من بنى اسرائيل افسدوا عليهم النعمتين نعمة الدنيا وهى المن والسلوى وغيرهما ونعمة العقبى وهى المغفرة والاثابة وبعد فوت زمان التدارك لا ينفع نفسا ايمانها ولا تحسرها وندمها -حكى- ان اخوين فى الجاهلية خرجا مسافرين فنزلا فى ظل شجرة تحت صفاة فلما دنا الرواح خرجت لهما من تحت الصفاة حية تحمل دينارا فألقته اليهما فقالا ان هذا لمن كنز فاقاما عليه ثلاثة ايام كل يوم تخرج لهما دينارا فقال احدهما للآخر الى متى ننتظر هذه الحية الا نقلتها ونحفر عن هذا الكنز فنأخذه فنهاه اخوه فقال ما تدرى لعلك تعطب ولا تدرك المال فابى عليه فاخذ فأسا معه ورصد الحية حتى خرجت وضربها ضربة جرحت رأسها ولم تقتلها فبادرت الحية فقتلته ورجعت الى حجرها فدفنه اخوه واقام حتى اذا كان الغد خرجت الحية معصوبا رأسها ليس معها شيء فقال يا هذه انى والله ما رضيت بما اصابك ولقد نهيت اخى عن ذلك فهل لك ان نجعل الله بيننا لا تضرينى ولا اضرك وترجعين الى ما كانت عليه فقالت الحية لا فقال ولم قالت لانى اعلم ان نفسك لا تطيب لى ابدا وانت ترى قبر اخيك ونفسى لا تطيب لك وانا اذكر هذه الشحة كذا فى حياة الحيوان : قال فى المثنوى
بركذشته حسرت آوردن خطاست ... باز نايد رفته باد آن هباست
اللهم اجعلنا من المتيقظين قبل طلوع صبح الآخرة ولا تجعلنا غافلين عما يهمنا من الامور الباطنة والظاهرة ووفقنا كى نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا انك كنت بنا بصيرا وعن بواطننا خبيرا(4/305)
وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)
{ واسألهم } عطف على واذكر المقدر عند قوله { واذ قيل } والضمير البارز عائد الى اليهود المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس المقصود من السؤال استعلام ما ليس معلوما للسائل لانه عليه السلام كان قد علم هذه القصة من قبل الله تعالى بقديم كفرهم وتجاوزهم لحدود الله تعالى ومخالفتهم الانبياء على طريق التوارث من اسلافم وتقريعهم بذلك وان يظهر بذلك معجزة دالة على انه نبى حق اوحى اليه ما لا يعلم الا بتعليم او وحى فانه عليه السلام لما كان اميا ولم يخالط اهل الكتب السابقة وبين هذه القصة على وجهها من غير زيادة ولا نقصان تعيين انه علم ذلك بالوحى فكان بيانها على ما وقعت معجزة ظاهرة من جملة معجزاته عليه السلام { عن القرية } اى عن حالها وخبرها وما يجرى على اهلها من الداهية الدهياء وهى ايلة بين مدين والطور والعرب تسمى المدينة قرية { التى كانت حاضرة البحر } اى قريبة منه مشرفة على شاطئه { اذ يعدون فى السبت } اى يتجاوزون حدود الله تعالى بالصيد يوم السبت وهم منهيون عن الاشتعال فيه بغير العبادة واذ ظرف للمضاف المحذوف { اذ تأتيهم حيتانهم } ظرف ليعدون . والحيتان جمع حوت قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها كنون ونينان لفظا ومعنى . وكان على بن ابى طالب يقول سبحان من يعلم اختلاف النينان فى البحار الغامرات واضافتها اليهم لان المراد بالحيتان الكائنة فى تلك الناحية { يوم سبتهم } ظرف لتأتيهم اى تأتيهم يوم تعظيمهم لامر السبت فالسبت هنا مصدر سبتت اليهود اذا عظمت السبت بالتجرد للعبادة
وفى التفسير الفارسى [ روز شنبه ايشان ] فهو اسم لليوم { شرعا } جمع شارع من شرع عليه اذا دنا واشرف وهو حالهم من حيتانهم اى تأتيهم يوم سبتهم ظاهرة على وجه الماء قريبة من الساحل { ويوم لا يسبتون } اى لا يراعون امر السبت لكن بمجرد عدم المراعاة مع تحققق يوم السبت كما هو المتبادر بل مع انتفائهما معا اى لا سبت ولا مراعاة { لا تأتيهم } كما كانت تأتيهم يوم السبت حذارا من صيدهم فان الله تعالى قوى دواعيها الى الشروع فى يوم السبت معجزة بنبى ذلك الوقت وابتلاء لتلك التى فصلت بين يوم السبت وغيره من الايام { كذلك نبولهم } الكاف فى موضع النصب بقوله نبلوهم اى مثل ذلك البلاء العجيب الفظيع نعاملهم معاملة من يختبرهم ليظهر عدوانهم ونؤتخذهم به { بما كانوا يفسقون } اى بسبب فسقهم المستمر فى كل ما يأتون وما يذرون(4/306)
وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164)
{ واذ قالت } عطف على اذ يعدون { امة منهم } اى جماعة من صلحائهم الذين ركبوا فى عظمتهم متن كل صعب وذلول حتى يئسوا من احتمال القبول لآخرين لا يقلعون عن التذكير رجاء للنفع والتأثير مبالغة فى الاعذار وطمعا فى فائدة الانذار { لم تعظون } [ جرابند ميدهيد ] { قوما } [ كروهى را كه بى شبهة ] { الله مهلكهم } اى مستأصلهم ومطهر الارض منهم { او معذبهم عذابا شديدا } دون الاستئصال بالمرة . والمفهوم من بقية الآية كون المراد عذاب الدنيا قالوه مبالغة فى ان الوعظ لا ينجح فيهم لا انكارا لوعظهم ورضى بالمعصية منهم { قالوا } اى الوعاظ { معذرة الى ربكم } مفعول له اى نعظم معذرة اليه تعالى . والمعذرة اسم مصدر بمعنى العذر وهو بضم فسكون فى الاصل تحرى الانسان بما يمحو به ذنوبه بان يقول لم افعل او فعلت لاجل كذا او فعلت ولا اعود وهذا الثالث التوبة فكل توبة عذر بلا عكس وقيل المعذرة بمعنى الاعتذار يقال اعتذرت الى فلان من جرمى ويعدى بمن والمعتذر قد يكون محقا وغير محق كذا فى تاج المصادر : قال السعدى قدس سره
كر بمحشر خطاب قهر كند ... انييارا جه جاى معذر تست
برده از لطف كوك بردارد ... كاشقيارا اميد مغفرتست
{ ولعلهم يتقون } عطف على معذرة اى ورجاء لان يتقوا بعض التقاة ويتركوا المعصية لان قبول الحق الواضح يرجى من العاقل . واليأس لا يحصل الا بالهلاك وهذا صريح فى ان القائلين لم تعظون الخ ليسوا من الفرقة الهالكة والا لوجب الخطاب اى ولعلكم(4/307)
فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)
{ فلما نسوا ما ذكروا به } اى تركوا ما ذكرهم به صلحاؤهم ترك الناسى للشيء واعرضوا عنه اعراضا كليا بحيث لم يخطر ببالهم شيء من تلك المواعظ اصلا فيكون من ذكر المسبب وارادة السبب { انجينا الذين ينهون عن السوء } اى خلصنا الذين ينهون عن الاصطياد وهم الفريقان المذكوران
قال ابن عباس رضى الله عنهما نزل والله بالمداهن ما نزل بالمستحل
وقال الحسن نجت فرقتان وهلكت فقة وانكر القول الذى ذكره عن ابن عباس وقال ما هلك الا فرقة لانه ليس شيء ابلغ فى الامر بالمعروف والوعظ من ذكر الوعيد وقد ذكرت الفرقة الثالثة الوعيد فقالت لم تعظون قوما الله مهلكهم او معذبهم عذابا شديدا وقول الحسن اقرب الى ظاهر الآية كذا فى تفسير الحدادى { واخذنا الذين ظلموا } بالاعتداء ومخالفة الامر { بعذاب بئيس } اى شديد وزنا ومعنى { بما كانوا يفسقون } متعلقباخذنا كالباء الاولى ولا ضير فيه لاختلافهما معنى اى اخذناهم بما ذكر من العذاب بسبب تماديهم فى الفسق الذى هو الخروج عن الطاعة وهو الظلم والعدوان ايضا ولعله تعالى قد عذبهم بعذاب شديد دون الاستئصال فلبم يقلعوا عما كانوا عليه بل ازدادوا فى الغى فمسخهم بعد ذلك لقوله تعالى { فلما عتوا عن ما نهوا عنه } اى تمردوا وتكبروا وابوا عن ترك ما نهوا عنه قدر المضاف اذ التكبر والاباء من نفس المنهى عنه لا يذم فهو كقوله تعالى { وعتوا عن امر ربهم } اى عن امتثال امر ربهم والعاتى هو شديد الدخول فى الفساد المتمرد الذى لا يقبل الموعظة { قلنا لهم كونوا قردة خاسئين } صاغرين اذلاء بعداء عن الناس . فى القاموس خسأ الكلب كمنع طرده والكلب بعد . والقدة جمع قرد بالفارسى [ بوزينه ] والانثى قردة وجمعها قرد مثل قربة وقرب والمراد هو الامر النتكوينى لا القولى التكليفى لانهم لا يقدرون على قلب انفسهم قردة وتكليف العاجز غير معقول فليس ثمة قول ولا امر مأمور حقيقة وانما هو تعلق قدرة وارادة بمسخهم نعوذ بالله تعالى -روى- ان اليهود امروا باليوم اذى امرنا به وهو يوم الجمعة فتركوه واختاروا يوم السبت وهو المعنى بقوله تعالى { انما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه } فابتلوا به وحرم عليهم الصيد وامروا بتعظيمه فكانت الحيتان تاتهم يوم السبت كأنها المخاض والكباش البيض السمان تنتطح لا يرى وجه الماء لكثرتها ولا تأتيهم فى سائر الايام فكانوا على ذلك برهة من الدهر ثمجاء هم ابليس فقال لهم انما نهيتم عن اخذها يوم السبت فاتخذوا حياضا سهلة الورود صعبة الصدور ففعلوا فجعلوا يسوقون الحيتان اليها يوم السبت فلا تقدر على الخروج وياخذونها يوم الاحد واخذ رجل منهم حوتا وربط فى ذنبه حيطا الى خشبة فى الساحل ثم شواه يوم الاحد فوجد جاره ريح السمك فتطلع على تنوره فقال له انى ارى الله سيعذبك فلما لم ير عذاب اخذ فى السبت القابل حوتين فلما رأوا ان العذاب لا يعاجلهم استمروا على ذلك فصادوا واكلوا وملحوا وباعوا وكانوا نحوا م سبعين الفا فكان اهل القرية اثلاثا .(4/308)
ثلث استمروا على النهى . وثلث ملوا التذكير وشموه وقالوا للواعظين لم تعظون الخ . وثلث باشروا الخطيئة فلم ينتهوا قال المسلمون نحن لا نساكنكم فباعوا الدور والمساكن وخرجوا من القرية فضربوا الخيام خارجا منها او اقتسموا القرية بجدار للمسلمين باب وللمعتدين باب ولعنهم داود عليه السلام فاصبح الناهون ذات يوم فخرجوا من ابوابهم وانتشروا لمصالحهم ولم يخرج من المعتدين احد فقالوا لعل الخمر غلبتهم او ان لهم شأنا من خسف او مسخ او رمى بالحجارة فعلوا الجدر فنظروا فاذا هم قردة او صار الشبان قردة والشيوخ خنازير ففتحوا الباب ودخلوا عليهم فعرفت القردة انسابهم من الانس وهم لا يعرفونها فجعل القرد يأتى نسيبه فيشم ثيابه فيكى ويقول له نسيه ألم ننهكم فيقول القرد برأسه بلى ودموهم تسيل على خدودهم ثم ماتوا عن مكث ثلاثة ايام وعليه الجمهور . واما قوله عليه السلام « فقدت امة من بنى اسرائيل لا يدرى ما فعلت ولا اراها الا الفأر الا ترونها اذا وضع لها البان الابل لم تشربها واذا وضع لها البان غيرها شربتها » وما روى ان النب عليه السلام اتى بضب فابى ان يأكله وقال « لا ادرى لعله من القرون التى مسخت » فالجواب عنهما ان ذلك كان قبل ان يوحى اليه ان الله لم يجعل لممسوخ نسلا فلما اوحى اليه زال عنه ذلك المتخوف وعلم ان الضب والفأر ليسا مما مسخ فعند ذلك اخبرنا بقوله صلى الله عايه وسلم لمن شاله عن القردة والخنازير أهى مما مسخ الله فقال « ان الله لم يهلك قوما او يعذب قوما فيجعل لهم نسلا وان القردة والخنازير كانوا قبل ذلك وثبت النصوص باكمل الضب بحضرته وعلى مائدته ولم ينكره » كذا فى حياة الحيوان
وعن مجاهد انما مسخت قلوبهم فقط وردت افهامهم كافهام القردة وهذا قول تفرد به جميع المسلمين
يقول الفقير مسخ القلب مشترك بين عصاة جميع الامم وعادة الله تعالى فى النبوة الاولى تعجيل عقوبة الدنيا على اقبح وجه وافظعه لا عقوبة ادهى من تبديل الصورة الحسنة الانسانية الى صورة اخس الحيوانات وهى صورة القردة والخنازير القبيحة نعم مسخ القلب والمعنى سبب لمسخ القالب والصورة نعوذ بالله
وعن الحسن وايم الله ما حوت اخذه قوم فأكلوه اعظم عند الله من قتل رجل مسلم ولكن الله جعل ذلك موعدا والساعة ادهى وامر(4/309)
قال ابن انس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه سئل هل فى امتك خسف « قال نعم » قيل ومتى ذلك يا رسول الله قال « اذا لبسوا الحرير واستباحوا الزنى وشربوا الخمور وطففوا المكيال والميزان واتخذوا القينات والمعازف وضربوا بالدفوف واستحلوا الصيد فى الحرم »
والاشارة ان القرية هى قرية الجسد الحيوانى على شاطئ بحر البشرية واهل قرية الحس الصفات الانسانية وهى على ثلاث اصناف . منها صنف روحانى كصفات الروح . وصنف قلبى كصفات القلب . وصنف نفسانى كصفات النفس والامارة بالسوء وكل قد نهوا عن صيد حيتان الجواعى البشرية فى سبت محارم الله . فصنف امسك عن الصيد ونهى عنه وهو الصفات الروحانية وصنف امسك ولم ينه وهو الصفات القلبية . وصنف انتهك الحرمة وهو الصفات النفسانية
قال حضرة شيخنا العلامة ابقاه الله بالسلامة يوم هور النفس الامارة بالسوء يوم السبت لانقطاع اهله باتباع الطاغوت والجبت وشهره شهر المحرم لحرمانه من القرية والنيل والوصلة ونجمه القمر وفلكه فلك السماء الدنيا وآيته قوله تعالى { يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد } انتهى وتتوفر الدواعى البشرية فيما حرم الله باغراء الشيطان وتزيينه لان الانسان حريص على ما منع ولا يرغب فيما لم يحرم الله فمن كان الغالب عليه صفات الروح وقهر النفس وتبديل صفاتها بالتزكية والتحلية فان من اهل النجاة وارباب الدرجات واصحاب القربات . ومن كان الغالب عليه النفس وصفاتها فانه من اهل الهلاك وارباب الدركات واصحاب المباعدات : وفى المثنوى
نفس توتامست وتازه است وقديد ... دانكه روحت حاسه غيبى نديد
كه علاماتست زان ديدار نور ... التجافى منك عن دار الغرور
واى آنكه عقل او ماده بود ... نفس زشتش نرو آماده بود
لا جرم مغلوب باشد عقل او ... جزسوى خسران نباشد نقل او
وصف حيوانى بود بر زن فزون ... زانكه سوى رنك وبودارد ركون(4/310)
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167)
{ واذ تأذن ربك } بمعنى آذن مثل توعد بمعنى اوعد . والايذان الاعلام وبمعنى عزم لان من عزم على الامر وصمم نيته عليه يحدث به نفسه ويؤذنها بفعله وعزم الله تعالى على الامر عبارة عن تقرر ذلك الامر فى علمه وتعلق ارادته بوقوعه فى الوقت المقدر له . والمعنى واذكر يا محمد لليهود وقت ايجابه تعالى على نفسه { ليبعثن } البتة { عليهم الى يوم القيمة } متعلق بقوله ليبعثن واللام فيه لام جواب القسم لان قوله { واذ تأذن ربك } جار مجرى القسم كعلم الله وشهد الله من حيث دلالته على تأكد الخبر المؤذن به { من يسومهم } السوم [ رنج بخشانيدن ] كذا فى تاج المصادر فالمعنى [ كسى كه بخشاند ايشانرا ] { سوء العذاب } [ عذابى سخت ] كالاذلال وضرب الجزية وغير ذلك من فنون العذاب . وقد بعث الله تعالى عليهم بعد سليمان عليه السلام بخت نصر فخرب ديارهم وقتل مقاتليهم وسبى نساهم وذراريهم وضرب الجزية على من بقى منهم وكانوا يؤدونها الى المجوس حتى بعث الله محمدا صلى اله عليه وسلم ففعل ما فعل ثم ضرب الجزية فلا تزال مضروبة الى آخر الدهر
قال الحدادى وفى هذه الآية دلالة على ان اليهود لا ترفع لهم راية عز الى يوم القيامة { ان ربك لسريع العقاب } يعاقبهم فى الدنيا { وانه لغفور رحيم } لمن تاب وآمن منهم
وفى الآية اشارة الى ان الشيطان وهو المنظر الى يوم القيامة يبعث ليسوم الخلق سوء العذاب وهو الابعاد من القربة والاغراء فى الضلالة والاقعاد عن العبودية والاضلال عن الصراط المستقيم ان ربك لسريع العقاب يعاقبهم فى الدنيا وهى تورث العقوبة فى الآخرة وانه لغفور يغفر ذنوب من يرجع اليه ويتوب اى الارواح والقلوب لو رجعت عن متابعة النفس وهواها وتابت الى الله واستغفرت لغفر لها لانه رحيم يرحم من تاب اليه وفيه معنى آخر انه لسريع العقاب اى يعاقب المؤمنين فى الدنيا بانواع البلاء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات ويوفقهم الى الصبر على ذلك ليجعله كفارة لذنوبهم حتى اذا خرجوا من الدنيا خرجوا اتقياء لا يعذبون فى الآخرة انه لغفور رحيم لهم فى الآخرة
لقى يحيى عيسى عليهما السلام فتبسم عيسى فى وجهه فقال مالى اراك لاهي كأنك آمن فقال الآخر مالى اراك عابسا كانك آيس فقال لا نبرح حتى ينزل علينا الوحى فاوحى الله تعالى احبكما الى احسنكما ظنا بى : قال السعدى
نه يوسف كه جندان بلا ديد وبند ... جوحكمش روان كشت وقدرش بلند
كنه عفو كرد آل يعقوب را ... كه معنى بود صورت خوب را
بكردار بدشان مقيد نكرد ... بضاعات مزجات شان رد نكرد
ز لطفت همى جشم داريم نيز ... برين بى بضاعت بيخش اى عزيز(4/311)
فينبغى للعاقل ان يحسن الظن بربه ولا يتكاسل فى باب العبادة فان السفينة لا تجرى على اليبس
وعن مالك بن دينار رحمه الله تعالى قال دخلت جبانة البصرة فاذا انا بسعدون المجنون فقلت كيف حالك وكيف انت قال يا مالك كيف يكون حال من امسى واصبح يريد سفرا بعيدا بلا اهبة ولا زاد ويقدم على رب عدل حاكم بين العباد ثم بكى بكاء شديدا فقلت ما يبكبك قال والله ما بكيت حرصا على الدنيا ولا جزعا من الموت والبلى لكن بكيت ليوم مضى من عمرى لا يحسن فيه عمل ابكانى والله قلة الزاد وبعد المفازة والعقبة الكؤود ولا ادرى بعد ذلك اصير الى الجنة ام الى النار فسمعت منه كلام حكمة فقلت ان الناس يزعمون انك مجنون فقال وانت اغتررت بما اغتر به بنوا اسرائيل زعم الناس انى مجنون وما بى جنة ولكن حب مولاى قد خالط قلبى واحشائى وجرى بين لحمى ودمى وعظامى فانا والله من حبه هائم مشغوف فقلت يا سعدون فلم تجالس الناس وتخالطهم فانشا يقول
كن من الناس جانبا ... وارض بالله صاحبا
قلت الناس كيف شئ ... ت تجدهم عقاربا
كذا فى روض الرياحين لليافعى(4/312)
وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168)
{ وقطعناهم } اى فرقنا بنى اسرائيل { فى الارض } وجعلنا كل فرقة منهم فى قطر من اقطارها بحي لا تخلو ناحية منها منهم تتميما لجزاء ادبارهم واعراضهم عن الحق حتى لا يكون لهم شوكة بالاجتماع ابدا { امما } حال من مفعول قطعناهم اى حال كونهم جماعات او مفعول ثان لقطعنا باعتبار تضمنه معنى صيرنا { منهم الصالحون } صفة لامما وهم المتدينون بدين موسى { ومنهم دون ذلك } تقديره ومنهم ناس دون ذلك على ان دون ذلك صفة لموصوف محذوف مرفوع على الابتداء . وقوله منهم خبر قدم عليه
قال التفتازانى قد شاع فى الاستعمال وقوع المبتدأ والخبر ظرفين واستمر النحاة على جعل الاول خبرا والثانى مبتدأ بتقدير موصوف دون العكس وان كان ابعد من جهة المعنى والتأخير بالخبر اولى وكأنهم يرون المصير الى ان الحذف فى اوانه انتهى
وذلك اشارة الى الصلاح المدلول عليه بقوله الصالحون بتقدير المضاف ليصح المعنى اى ومنهم دون اهل ذلك الصلاح منحطون عنهم وهم كفرتهم وفسقتهم وجوز بمعنى اولئك فالاشارة الى الصالحين وقد ذكر النحويون ان اسم الاشارة المفرد قد يستعمل للمثنى والمجموع كذا فى حواشى سعدى جلبى { وبلوناهم } اى عاملناهم معاملة المبتلى المختبر { بالحسنات والسيآت } بالنعم والنقم حيث فتحنا عليهم تارة باب الخصب والعافية وتارة باب الجدب والشدائد { لعلهم يرجعون } ينتهون فيرجعون عما كانوا عليه من الكفر والمعاصى فان كل واحد من الحسنات والسيآت يدعو الى الطاعة اما الحسنات فللترغيب فيها واما السيآت فللترهيب عن المعصية
قال الكاشفى [ ايشانرا درنعمت شكر بايست كرد بطر واستغنا ظاهر كردند وكفتند ان الله فقير ونحن اغنياء ودر محنت صبرى بايست كرد آغار ناسزا كردند زكفتند يد الله مغلولة برمحك اختبار تمام عيار بيرون نيامدند ]
خوش بود كرمحك تجربة آيدبميان ... تاسيه روة شودهر كه دروغش باشد
وفى التأويلات النجمية { وبلوناهم بالحسنات } اى بكثرة الطاعات ورؤيتها والعجب بها كما كان حال ابليس { والسيآت } اى المعاصى ورؤيتها والندامة عليها والتوبة منها والخوف والخشية من ربهم كما كان حال آدم عليه السلام ورجع الى الله تعالى { وقال ربنا ظلمنا انفسنا }(4/313)
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169)
{ فخلف من بعدهم } من بعد المذكورين { خلف } اى بدل سوء وهم الذين كانوا فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم الذين خلفوا من اليهود الذين فرقهم الله فى الارض امما موصوفين بانهم منهم الصالحون ومنهم دون ذلك . والخلف مصدر نعت به ولذلك يقع على الواحد والجمع يقال خلف فلان فلانا اذا كان خليفته وخلفه فى قومه خلامة اى قام مقامه فى تدبير احوال قومه
قال الاعرابى الخلف بفتح اللام الصالح وباسكان اللام الطالح ومنه قيل لرديئ الكلام خلف
وقال محمد بن جرير اكثر ما جاء فى المدح بفتح اللام وفى الذم بتسكينها وقد يحرك فى الذم ويسكن فى المدح قال واحسبه فى الذم مأخوذا من خلف اللبن اذا حمض من طول تركه فى السقاء حتى يفسد ممهه قولهم خلف فم الصائم اذا تغيرت ريحه وفسدت فكان الرجل الفاسد مشبه به والحاصل ان كليهما يستعملان فى الشر والخير الا ان اكثر الاستعمال فى الخير بالفتح كذا فى تفسير الحدادى { ورثوا الكتاب } اى التوراة من اسلافهم يقرأونها ويقفون على ما فيها . والميراث ما صار للباقى من جهة الهالك وهو فى محل الرفع على انه نعت لقوله خلف { يأخذون عرض هذا الادنى } استئناف اى يأخذون حطام هذا الشيء الادنى يعنى الدنيا وهو من الدنو اى القرب سميت هذه الدار وهذه الحياة دنيا لدنوها وكونها عاجلة يقال دنوت منه دنوا اى قربت والدانى القريب او من الدناءة يقال دنا الرجل دناء اى صار دنيئا خسيسا لا خير فيه والمراد ما كانوا يأخذونه من الرشى فى الحكومات وعلى تحريف الكلام
قال الحدادى سمى متاع الدنيا عرضا لقلة بقائه كأنه يعرض فيزول قال الله تعالى { هذا عارض ممطرنا } يريدون بذلك السحاب { ويقولون سيغفر لنا } لا يؤاخذنا الله بذلك ويتجاوز عنه يقال غفر الله له ذنبه غطى عليه وعفا عنه . قوله سيغفر اما مسند الى الجار والمجرور بعده وهولنا واما الى ضمير الاخذ فى يأخذون كقوله { اعدلوا هو اقرب } اى سيغفر لنا اخذ العرض الادنى
وفى التأويلات النجمية من شأن النفوس ان يجعلوا المواهب الربانية والكشوف الروحانية ذريعة العروض الدنيوية ويصرفها ى تحصيل الماء والجاه واستيفاء اللذات والشهوات ويقولون سيغفر لنا لانا وصلنا الى مقام ورتبة يغفر لنا مثل الزلات والخطيآت كما هو مذهب اهل الاباحة جهالة وغرورا منهم وفيه معنى آخر وهوانهم يقولون سيغفر لنا اذا استغفرنا منها وهم يستغفرون باللسان لا بالقلب { وان يأتهم عرض مثله يأخذوه } حال من فاعل يقولون اى يأخذون الرشى فى الاحكام وعلى تحريف الكلم للتسهيل على العامة ويقولون انه تعالى لا يؤاخذنا باخذ ما اخذناه من عرض الدنيا ويتجاوز عنه والحال انهم مصرون على اخذه عائدون الى مثله غير تائبين عنه { ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب } اى العهد المذكور فى التوراة { ان لا يقولوا على الله الا الحق } عطف بيان للميثاق اى لا تفتروا على الله مثل القطع على المغفرة مع الاصرار على الذنب { ودرسوا ما فيه } [ وخوانده اند آنجه دروست واين حكم دروى نديده اند ] وهو معطوف على ألم يؤخذ من حيث المعنى فانه تقرير اى اخذ عليهم ميثا الكتاب ودرسوا ما فيه ولك ان تقول درسوا عطف على لم يؤخذ فالاستفهام لتقريرى متعلق بهما { والدار الآخرة } [ ورستكارى سراى ديكركه عقابست { خير } بهترست از عرض دنيا ] { للذين يتقون } المعاصى والشرك واكل الحرام والافتراء على الله تعالى { أفلا تعقلون } تعلمون لك فلا تستبدلوا الادنى المؤدى الى العقاب بالنعيم المخلد(4/314)
وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170)
{ والذين } اى وخير ايضا للذين { يمسكون بالكتاب } اى يتمسكون به فى امور دينهم يقال مسك بالشيء وتمسك به
قال مجاهد هم الذين آمنوا من اهل الكتاب كعبد الله بن سلام واصحابه تمسكوا بالكتاب الذى جاء به موسى عليه السلام فلم يحرفوه ولم يكتموه ولم يتخذوه مأكلة اى وسيلة وسببا لاكل موال الناس
وقال عطاء هم امة محمد عليه السلام فالمراد بالكتاب القرآن { واقاموا الصلاة } من قبيل ذكر الخاص بعد ذكر العام للتنبيه على شرف الخاص وفضله فان اقامة الصلاة اعظم العبادات وافضلها عد الايمان فافردت بالذكر لعلو قدرها بالنسبة الى سائر انواع التمسكات
خانه دين خويش راجوخدا ... بر ستون نماز كردبنا
بى شكى تاستون بجاى بود ... خانه دين حق بباى بود
{ اننا لا نضيع اجر المصلحين } اى نعطيهم اجرهم فى القول والعمل
قال الكاشفى [ مزدكار بصلاح آرند كان كردار خودرا بلكه بتمام بديشان رسانيم ]
والاصلاح اما اصلاح الظواهر واما اصلاح السرائر وذلك بالتقيد بالاعمال الظاهرة وتربية النفس الى ان تصلح لقبول فيض نور الله
واعلم ان الغالب فى آخر الزمان ترك العمل بالقرآن ولقد خلف من بعد السعداء اشقياء اطمأنوا الى زخارف الدنيا
قل الحسن رأي سبعين بدريا كانوا فيما احل الله لهم ازهد منكم فيما حرم الله عليكم وكانوا بالبلاء اشد منكم فرحا بالرخاء لو رأيتموهم قلتم مجانين ولو رأوا اخياركم قالوا ما لهؤلاء من خلاق ولو رأوا اشراركم حكموا بانهم ما يؤمنون بيوم الحساب اذا عرض عليهم الحلال من المال تركوه خوفا من فساد قلوبهم
قال هرم لاويس اين تأمرنى ان اكون فومأ الى الشأم فقال هرم كيف المعيشة بها قال اويس أف لهذه القلوب قد خالطها الشك فما تنفعها العظة قال من قال
خانه بركندم ويك جونفر ستاده بكور ... غم مركت جوغم برك زمستانى نيست
وهذا الشك لا يزول الا بالتوفيق الخاص الالهى ولا بد من تربية المرشد الكامل فانه اعرف بمصالح النفس ومفاسدها
زمن اى دوست اين يك بند ببذير ... بروفتراك صاحب دولتى كير(4/315)
وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)
{ واذ نتقنا الجبل فوقهم } النتق قلع الشيء من موضع الجبل وهو الطور الذى سمع موسى كلام الله واعطى الالواح وهو عليه او جبل من جبال فلسطين او الجبل الذى كان عند بيت المقدس وفوقهم منصوب بنتقنا باعتبار تضمنه لمعنى رفعنا كأنه قيل رفعنا الجبل فوق بنى اسرائيل بنتقه وقلعه من مكانه فالنتق من مقدمات الرفع وسبب لحصوله { كأنه ظلة } اى سقيفة وهى كل ما اظلك بالفارسية [ سايبان ] { وظنوا } اى تيقنوا { انه واقع بهم } اى ساقط عليهم لان الجبل لا يثبت فى الجو ولانهم كانوا يوعدون به على تقدير عدم قبولهم احكام التوراة -روى- ان موسى عليه السلام لما اتى بنى اسرائيل بالتوراة وقرأها عليهم وسمعوا ما فيها من التكاليف الشاقة ابوا ان يقبلوها ويندينوا بما فيها فامر الله الجبل فانقلع من اصله حتى قام على رؤوسهم بحيث حاذى معسكرهم جميعا ولم يبق منهم احد الا والجبل فوقه وكان معسكرهم فرسخا فى فرسخ وقيل لهم ان قبلتموها بما فيها والا ليقعن عليكم فلما نظروا الى الجبل خر كل رجل منهم ساجدا على جانبه الايسر وهو ينظر بعينه اليمنى الى الجبل خوفا من سقوطه فلذلك لا ترى يهوديا يسجد الاعلى جانبه الايسر ويقولون هى السجدة التى رفعت عنا العقوبة فقبلوها جبرا قيل من اتى بشيء جبرا ينكص على عقبيه حين يجد فرصة كذلك اهل التوراة لما قبلوها جبرا ما لبثوا حتى شرعوا فى تحريفها { خذوا } على اضمار القول اى قلنا خذوا { ما آتيناكم } من الكتاب { بقوة } بجد وعزم على تحمل مشاقه وهو حال من الواو { واذكروا ما فيه } بالعمل ولا تتركوه كالمنسى { لعلكم تتقون } بذلك قبائح الاعمال ورذائل الاخلاق
وفى الآية اشارة الى ان الانسان لو وكل الى نفسه وطبيعته لا يقبل شيا من الامور الدينية طبعا ولا يحمل اثقاله قطعا الا ان يعان على القبول والحمل بامر ظاهر او باطن فيضطر الى القبول والحمل فالله تعالى اعان ارباب العناية حتى حملوا اثقال المجاهدات والرياضات واخذوا ما آتاهم الله بقوة منه لا بقزتهم وارادتهم : وفى المثنوى
جشمها وكوشهارا بسته اند ... جزمر آنهارا كه از خود رسته اند
جز عنايت كه كشايد جشم را ... حز محبت كه نشايد خشم را
جهد بى توفيق خود كس را مباد ... درجهان والله اعلم بالرشاد
قال حضرة الشيخ افتاده افندى قدس سره مخاطبا لحضرة الهدايى ان كثيرا قد اجتهدوا ثلاثين سنة فلم يتيسر ما حصل لك فقال الهدايى ان بابنا الذى نخدم فيه اعلى مما خدموا فينبغى ان تكون لنا العناية بهذا القدر فتبسم حضرة الشيخ -يحكى- ان ابا يزيد البسطامى لم يأكل البطيخ الاخضر زمانا لعدم وقوفه على ان النبى عليه السلام بأى وجه قطعه والشمس التبريزى قال ان البسطامى كان فى الحجاب بسبب قصة البطيخ(4/316)
قال افتاده افندى كأنه اراد ان قوة زهد البسطامى جعلته محجوبا ولكن التحقيق ان كلا منهما على الكمال غايته ان ابا يزيد البسطامى وصل من طريق الرياضة والشمس التبريزى وصل من طريق المعرفة والطرق الى الله كثيرة ولكن طريق الرياضة اجكم واثبت فصاحب الزهد الغالب وان لم ينفتح له الطريق زمانا ولكنه اذا انفتح يكون دفعة وبذلم لم يقدر الحلاج على ضبطه لكماله فى الشريعة والطريقة فظهر حقيقة الحال على الاسلوب المذكور فعناية الله تعالى تهدى اولا الى القبول ثم الى الزهد والرياضة ثم الى العشق والحالة ثم الى عالم الحقيقة ولطرق الى الله تعالى بعدد انفاس الخلائق فكل احد يصل الى الله تعالى من طريق وهى غير متعينة وليس هى كما يزعمها الناس اذ ليست على الاسلوب الظاهر قال الله تعالى { وائتوا البيوت من ابوابها } فالمراد بها الطريق المناسب لكل احد وطريق الوصول هو التقوى والذكر
واعلم ان الكتب الالهية انما جاءت رحمة من عند الله تعالى وعناية وكذا الانبياء عليهم السلام فمن اتبعهم وقبل ما جاءوا به فقد نجا من العقبات وخرج من محبس هذا العالم وطار الى الملكوت الاعلى وللهمة تأثير عظيم -ذكر- ان فى الهند قوما اذا اهتموا بشيء اعتزلوا عن الناس وصرفوا همتهم الى ذلك الشيء فيقع على وفق اهتمامهم
ومن هاذ القبيل ما ذكر ان السلطان محمود غزا بلاد الهند وكانت فيها مدينة كلما قصدها مرض فسأل عن ذلك فقيل له ان عندهم جمعا من الهند اذا صرفوا همتهم الى ذلك يقع المرض على وفق ما اهتموا فاشار اليه بعض اصحابه بدق طبول الذكر وجهره وتشوش همّ النفس وخواطرها الفاسدة وتخلص مدينة القلب من يدها بعناية الله تعالى وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا سلم من صلاته قال بصوته الاعلى « لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير »
قال الشيخ ابو المنجيب السهروردى المراد بقوله تعالى { ان تبدوا الصدقات فنعما هى } الجهر بالذكر
وقال عمر النسفى والامام الواحدى فى تفسيريهما الذكر من جملة الفرائض واعلان الفرائض اولى واحب دفعا للتهمة والجهر يوقظ قلب الذاكر ويجمع همه الى الفكر ويصرف سمعه اليه ويطرد النوم ويزيد فى النشاط : وفى المثنوى
بادهان خويشتن را باك كن ... روح خودرا جابك وجالاك كن
ذكر حق باكست جون باكى رسيد ... رخت بربندد برون آيد بليد
مى كريزد ضدها از ضدها ... شب كريزد جون برافروزدضيا
جون در آيد نام باك اندر دهان ... نى بليدى ماندو نى اندهان
قوله تعالى { واذكروا ما فيه } يتناول الذكر اللفظى والحفظ الظاهرى وان كان العمدة هى العمل كما قال سعدى قدس سره [ مراد از نزول قرآن تحصيل سيرت خوبست نه ترتيل سوره مكتوب عامئ متعبد بياده رفتست وعالم متهاون سوار خفته ] ايقظنا الله واياكم من منام الغفلة والجهالة وختم عواقب امورنا باحسن الخاتمة والحالة آمين(4/317)
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172)
{ واذ أخذ ربك } اى واذكر يا محمد لبنى اسرائيل وقت اخذ ربك { من بنى آدم } اى آدم واولاده كأنه صار اسما للنوع كالانسان والبشر والمراد لهم كائنا من كان نسلا بعد نسل سوى من لم يولد له بسبب من الاسباب كالعقم وعدم التزوج والموت صغيرا { من ظهورهم } بدل من بنى آدم بدل البعض اى من اصلابهم وفيه تنبيه على ان الميثاق قد اخذ منهم وهم فى اصلاب الآباء ولم يستودعوا فى ارحام الامهات { ذريتهم } مفعول اخذ اى نسلهم قرنا بعد قرن يعنى اخرج بعضهم من بعض كما يتوالدون فى الدنيا بحسب الاصلاب والارحام والادوار والاطوار الى آخر ولد يولد { واشهدهم على انفسهم } اى اشهد كل واحد من اولئك الذريات المخصوصين المأخوذين من ظهور آبائهم على نفسه لا على غيره تقريرا لهم بربوبيته التامة وما تستتبعه من العبودية على الاختصاص وغير ذلك من احكامها { ألست بربكم } على ارلدة القول اى قائلا ألست بربكم ومالك امركم ومربيكم على الاطلاق من غير ان يكون لاحد مدخل فى شأن من شؤونكم { قالوا } استئناف بيانى كأنه قيل فماذا قالوا فقيل قالوا { بلى شهدنا } اى على انفسنا بانك ربنا والهنا لا رب لنا غيرك والفرق بين بلى ونعم ان بلى اثبات لما بعد النفى اى انت ربنا فيكون ايمانا ونعم لتقرير ما سبق من النفى اى لست بربنا فيكون كفرا وهذا تمثيل وتخييل نزل تمكينهم من العلم بربوبيته بنصب الدلائل الآفاقية والانفسية وخلق الاستعداد فيهم منزلة الاشهاد وتمكينهم من معرفتها والاقرار بها منزلة الاعتراف فلم يكن هناك اخذ واشهاد وسؤال وجواب وباب التمثيل باب واسع وارد فى القرآن والحديث وكلام البلغاء قال الله تعالى { ان تقولوا } مفعول له لما قبله من الاخذ والاشهاد اى فعلنا ما فعلنا كراهة ان تقولوا { يوم القيامة } عند ظهور الامر [ انا كنا عن هذا } اى عن وحدانية الربوبية واحكامها { غافلين } لم ننبه عليه بدليل فانهم حيث جبلوا على الفطرة ومعرفة الحق فى القوة القريبة من الفعل صاروا محجوبين عاجزين عن الاعتذار بذلك ولو لم تكن الآية على طريقة التمثيل بل لو اريد حقيقة الاشهاد والاعتراف وقد انسى الله تعالى بحكمته تلك الحال لم يصح قوله ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين كما فى حواشى سعدى جلى المفتى(4/318)
أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173)
{ أو تقولوا انما اشرك آباؤنا } عطف على ان تقولوا ولمنع الخلود دون الجمع اى اخترعوا الاشراك وهم سنوه { من قبل } من قبل زماننا { وكنا } نحن { ذرية من بعدهم } لا نهتدى الى السبيل ولا نقدر على الاستدلال بالدليل فاقتديناهم { أفتهلكنا } اى أتؤاخذنا فتهلكنا { بما فعل المبطلون } من آبائنا المضلين بعد ظهور انهم المجرمون نحن عاجزون عن التدبر والاستبداد بالرأى فان ما ذكر من استعدادهم الكامل يسد عليهم باب الاعتذار بهذا ايضا فان التقليد بعد قيام الدلائل والقدرة على الاستدلال بما مما لا مساغ له اصلا(4/319)
وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)
{ وكذلك } اشارة الى مصدر الفعل المذكور بعده ومحله النصب على المصدرية اى مثل ذلك التفصيل البليغ المستتبع للمنافع الجليلة { نفصل الآيات } المذكورة لا غير ذلك { ولعلهم يرجعون } وليرجعوا عماهم عليه من الاصرار على الباطل وتقليد الاباء نفعل التفصيل المذكور . قالوا وان ابتدأ يتان ويجوز ان تكون الثانية عاطفة على مقدر مرتب على التفصيل اى وكذلك نفصل الآيات ليقفوا على ما فيها ومن المرغبات والزواجر وليرجعوا الخ هذا والاكثر على ان المقاولة المذكورة فى الآية حقيقة لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما من انه لما خلق الله آدم عليه السلام مسح ظهره فاخرج منه كل نسمة هو خالقها الى يوم القيامة فقالت ألست بربكم قالوا بلى فنودى يومئذ جف القلم بما هو كائن الى يوم القيامة
وقد روى عن عمر رضى الله عنه انه سئل عن الآية الكريمة فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها فقال « ان الله تعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل اهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال هؤلاء للنار ويعمل اهل النار يعملون » فقال رجل ففيم العمل يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ان الله اذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل اهل الجنة حتى يموت على عمل من اعمال اهل الجنة فيدخله به الجنة واذا خلق العبد للنار استعمله بعمل اهل النار حتى يموت على عمل من اعمال اهل النار فيدخل به النار » وليس المعنى انه تعالى اخلاج الكل من ظهره عليه السلام بالذات بل اخرج من ظهره عليه السلام ابناءه الصليبة ومن ظهورهم ابناءهم الصليبة وهكذا الى آخر السلسلة لكن لما كان الظهر الاصلى ظهره عليه السلام وكان مساق الحديثين الشريفين بيان حال الفريقين اجمالا من غير ان يتعلق بذكر الوسائط غرض علمى نسب اخراج الكل اليه واما الآية الكريمة فحيث كانت مسروقة للاحتجاج على الكفرة المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان افادة الاعتذار باسناد الاشراك الى آبائهم اقتضى الحال نسبة اخراج كل واحد منهم الى ظهر ابيه من غير تعرض لاخراج الابناء الصليبة لآدم عليه السلام من ظهره قطعا كذا فى الارشاد
وقال الحدادى فان قيل كيف يكون الميثاق حجة على الكفار منهم وهم لا يذكرون ذلك حين اخرجهم من صلب آدم قيل لما ارسل الله الرسل فاخبروهم بذلك الميثاق صار قول الرسل حجة عليهم وان لم يذكروا ألا ترى ان من ترك من صلاته ركعة ونسى ذلك فذكرت له ذلك الثقات كان قولهم حجة عليه(4/320)
قال المولى ابو السعود على القول الثانى وهو ما ذهب اليه الاكثر من حقيقة المقاولة ان قوله تعالى { ان تقولوا } الخ ليس مفعولا له لقوله تعالى { واشهدهم } وما يتفرع عليه من قولهم { بلى شهدنا } حتى يجب كون ذلك الاشهاد والشهادة محفوظا لهم فى الزامهم بل لفعل مضمر ينسحب الكلام عليه والمعنى فعلنا ما فعلنا من الامر بذكر الميثاق وبيانه كراهة ان تقولوا ايها الكفرة يوم القيامة انا كنا غافلين عن ذلك الميثاق لم ننبه عليه فى دار التكليف والا لعلمنا بموجبه انتهى وقال الكاشفى [ اى درويش اين آيت مركز عهد ازلست بى جبران سركوجه غفلت را متنبه سازد والا هو شمندان ان بيدارد ازان سؤال وجواب غافل نيستند ] _@_ألست ازازل همجنانش بكوش_@_ بفرياد قالوا بلى در خروش_@_ [ در نفحات مذكورست كه على سهل اصفهانى را كفتند كه روز بلى را ياد دارى كفت جون ندارم كوئى دى بود شيخ الاسلام خوادجه انصارى فرمود كه درين سخن نقض است صوفى را دى وفردا جه بود آنروزرا هنوز شب در نيامده وصوفى در همان روزست ]
روز امروزاست اى صوفى وشان كى بود ازدى واز فردا نشان
آنكه از حق نييت غافل يكنفس ماضى ومستقبل وحالست وبس
وشئل ذو النون رضى الله عنه عن سر ميثاق مقام ألست بربكم هل تذكره فقال كأن الآن فى اذنى
واعلم ان لبعض ارواح الكمل تحقق الاتصاف بالعلم من قبل تعينه بهذا المزاج الجزئى العنصرى فى مرتبة العين والخارج من جهة كلية الروحانية المتعينة قبله فى مرتبة النفس الكلى بنفس تعيين الروح الالهى الاصلى فالروح الكلى اوصف والذات من ارواح الكمل يتعين فى كل مرتبة وعالم من المراتب والعوالم التى يمر عليها عند النزول والهبوط الى مرتبة الحسن الظاهر وعالم المزاج العنصرى الى حين اتصاله بهذه النشأة العنصرية تعينا يقتضيه حكم الروح الاصلى فى ذلك العالم وفى تلك المرتبة فيعلم حالتئذ اى حالة اذ تعين حين لاتصال بهذه النشأة العنصرية مما يعلم الروح الالهى الاصلى ما شاء الله ان يعلمه من علومه ومتى كشفت هذا السر عرفت قوله عليه السلام « كنت نبيا وآدم بين الماء والطين » وسر قول ذى النون كما سبق وان شئت زيادة تحقيق هذا المقام فارجع الى مطالعة مفتاح الغيب للصدر القنوى قدس سره
وقال فى التأويلات النجمية فى الآية اشارة الى ان اخذ المخلوقين يكون اخذ الشيء الموجود من الشيء الموجود وان اخذ الخالق تارة هو اخذ الشيء المعدوم من العدم كقوله { خلقتك من قبل ولم تك شيأ } وتارة هو اخذ الشيء المعدوم من الشيء المعدوم كقوله { واذ اخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم } فكان بنوا(4/321)
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175)
{ واتل } اقرأ يا محمد { عليهم } اى على اليهود { نبأ الذى آتيناه آياتنا } اى خبره الذى له شأن وخطر فان النبأ خبر عن امر عظيم ومعنى آتيناه آياتنا اى علمناه دلائل الوهيتنا ووحدانيتنا وفهمناه تلك الدلائل وفيه اقوال والانسب بمقام توبيخ اليهود ببهتانهم انه احد علماء بنى اسرائيل كما فى الارشاد اوهو بلعم بن باعورا كما فى منهاج العابدين للامام الغزالى وقولهم انه من الكنعانيين الجبارين انما هو لكونه ساكنا فى دارهم والمرء ينسب الى منشأه ومولده كما هو اللائح فافهم
والاسلم فى تقرري القصة ما ذكره الحدادى فى تفسيره نقلا عن ابن عباس وابن مسعود حيث قال كان عابدا من عباد بنى اسرائيل وكان فى المدينة التى قصدها موسى عليه السلام وكان اهل تلك المدينة كفارا وكان عنده اسم الله الاعظم فساله ملكهم ان يدعو على موسى بالاسم الاعظم ليدفعه عن تلك المدينة فقال لهم دينه ودينى واحد وهذا شيء لا يكون وكيف ادعو عليه وهو نبى الله ومعه الملائكة والمؤمنون وانا اعلم من الله ما اعلم وانى ان فعلت ذلك اذهبت دنياى وآخرتى فلم يزالوا به يفتنونه بالمال والهدايا حتى فتنوه فافتتن قيل كان لبلعم امرأة يحبها ويطيعها فجمع قومه هدايا عظيمة فأتوا بها اليها وقبلتها فقالوا لها قد نزل بناماترين فكلمى بلعم فى هذا فقالت لبلعم ان لهؤلاء القوم حقا وجوارا عليك وليس مثلك يخذل جيرانه عند الشدائد وقد كانوا محسنين اليك وانت جدير ان تكافئهم وتهتم بامرهم فقال لها لولا انى اعلم ان هذا الامر من عند الله لاجبتهم فلم تزل به حتى صرفته عن رأيه فركب اتانا له متوجها الى الجبل ليدعو على موسى فما سار على الاتان الا قليلا فربضت فنزلت عنها فضربها حتى كاد يهلكها فقامت فركبها فربضت فضربها فانطقها الله تعالى فقالت يا بلعم ويحك اين تذهب الا ترى الى هؤلاء الملائكة امامى يردوننى عن وجهى فكيف اريد ان تذهب لتدعو على نبى الله وعلى المؤمنين فخلى سبيلها وانطلق حتى وصل الى الجبل وجعل يدعو فكان لا يدعو بسوء الا صرف الله به لسانه على قومه ولا يدعو بخير الا صرف الله به لسانه الى موسى فقال له قومه يا بلعم انما انت تدعو علينا وتدعو له فقال هذا والله الذى املكه وانطق الله به لسانى ثم امتد لسانه حتى بلغ صدره فقال لهم قد ذهبت والله منى الآن الدنيا والآخرة فلم يبق الا المكر والحيلة فسأمكر لكم واحتال حلوا النساء وزينوهن واعطوهن الطبيب وارسلوهن الى العسكر وائمروهن لا تمنع امرأة نفسها من رجل ارادها فانهم ان زنى منهم رجل واحد كفيتموهم ففعلوا فلما دخلت النساء المعسكر مرت امرأة منهم برجل من عظماء بنى اسرائيل فقام اليها واخذ بيدها حين اعجبته بحسنها ثم اقبل بها الى موسى وقال انى لأظنك ان تقول هذه حرام قال نعم هى حرام عليك لا تقربها قال فوالله لا نطيعك فى هذا ثم دخل بها قبة فوقع عليها فارسل الله على بنى اسرائيل الطاعون فى الوقت وكان فخاض بن العيزار صاحب امر موسى رجلا له بسطة فى الخلق وقوة فى البطش وكان غائبا حين صنع ذلك الرجل بالمرأة ما صنع فجاء والطاعون يجوس فى بنى اسرائيل فاخبر الخبر فاخذ حربته وكانت من حديد كلها ثم دخل على القبة فوجدهما كتضاجعين فدفهما بحريته حتى انتظمهما بها جميعا فخرج بهما يحملهما بالحربة رافعا بهما الى السماء والحربة قد اخذها بذراعه واعتمد بمرفقه واسند الحربة الى لحيته وجعل يقول اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك فرفع الطاعون من حينئذ عنهم فحسب من هلك من بنى اسرائيل فى ذلك الطاعون فوجدهم سبعين الفا فى ساعة من نهار وهو ما بين ان زنى ذلك الرجل بها الى ان قتل ثم ان موسى عليه السلام افتاه يوشع بن نون حاربوا أهل تلك البلدة وغلبوهم وقتلوا منهم واسروا ببلعم ايرا فقتل فجاؤا بما قبل من العطايا الكثيرة وغنموها { فانسلخ منها } اى من تلك الآيات انسلاخ الجلد من الشاة والحية ولم يخطرها بباله اصلا { فاتبعه الشيطان } اتبع وتبع بمعنى واحد كاردف وردف .(4/322)
والمعنى ان الشيطان كان وراءه طالبا لاضلاله وهو يسبقه بالايمان والطاعة لا يدركه الشيطان ثم لما انسلخ من الآيات لحقه وادركه { فكان } [ بس كشت آن داننده آيات ] اى فصار { من الغاوين } من زمرة الضالين الراسخين فى الغواية بعد ان كان من المهتدين . والغى يذكر بمعنى الهلاك ويذكر بمعنى الخيبة وفى القاموس غوى ضل
قال الامام الغزالى كان بلعم بن باعورا بحيث اذا نظر رأى العرش ولم يكن له الا زلة واحدة مال الى الدنيا واهلها ميلة واحدة ولم يترك لولى من اوليائه حرمة واحدة فسلبه معرفته وكان فى اول امره بحيث يكون فى مجلسه اثنا عشر الف محبرة للمتعلمين الذين يكتبون عنه ثم صار بحيث كان اول من صنف كتابا ان ليس للعالم صانع نعوذ بالله من سخطه انتهى
فلا يأمن السالك المحق مكر الله ولو بلغ اقصى مقامات الانبياء والمرسلين فلا يغلق على نفسه والتمتع الدنيوى فى المأكل والمشرب والملبس والمنكح والمركب والمسكن لانه كما ان لله تعالى فى مكامن الغيب للسعداء الطافا خفية مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر كذلك له فيها بلايا لهم فليحترز السالك الصادق بل البالغ الواصل والكامل الحاذق من ان يتعرض لتلك البلايا بالتوسع فى الدنيا والتبسط فى الاحوال وتتبع الهوى كما فى التأويلات النجمية
قال الكاشفى [ شيخ الاسلام فرمود تاباد تقدير از كجا برآيد وجه بوالعجبى نمايدا اكراز جانب فضل وزد زنار بهرام كبررا كمر عشقبازى راه دين كرداند واكراز طرف عدل وزد توحيد بلعم را برانداخته باسك خسيس برابرى دهدى ]
انرا برى از صومعه بردير كبران افكنى ... وين راكشى از بتكده سر خلقه مردان كنى
جون وجرا دركار تو عقل زبونرا كى رسد ... فرمان ده مطلق تويى حكمى كه خواهى آن كنى(4/323)
وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)
{ ولو شئنا } رفعه { لرفعناه } الى منازل الابرار من العلماء { بها } اى بسبب تلك الآيات وملازمتها
وقال بعضهم هى صحف ابراهيم عليه السلام وكان بلعم قد قرأها او الكلمات التى اشتملت على الاسم الاعظم { ولكنه اخلد الى الارض } اى مال الى الدنيا فلم نشأ رفعه لمباشرته لسبب نقيضه . والاخلاد الى الشيء الميل اليه مع الاطمئنان وعبر عن الدناي بالارض لان ما فيها من العقار والرباع كلها ارض وسائر متاعها مستخرج من الارض والاخلاد الى الارض كناية عن الاعراض عن ملازمة الآيات والعمل بمقتضاها والكناية ابلغ من التصريح { واتبع هويه } فى ايثار الدنيا واسترضاه قومه فانحط ابلغ انحطاط وارتد اسفل سافلين والى ذلك اشير بقوله تعالى { فمثله } اى فصفته التى هى مثل فى الخسة والرذالة . والمثل لفظ مشترك بين الوصف وبين ما يضرب مثلا والمراد هنا الوصف كذا فى البحر { كمثل الكلب } اى كصفته فى اخس احواله وهو { ان تحمل عليه } [ اكر حمل كنى برو وبرانى اورا ] والخطاب لكل واحد ممن لا حظ له من الخطاب فانه ادخل فى اشاعة فظاعة حاله { يلهث } اللهث ادلاع اللسان اى اخراجه بالنفس الشديد { او تتركه يلهث } اى يلهث دائما سواء حمل عليه بالزجر والطرد او ترك ولم يتعرض له فان فى الكلاب طبعا لا تقدر على نفض الهواء السخن وجلب الهواء البارد بسهولة لضعف قلبها وانقطاع فؤادها بخلاف سائر الحيوانات فانها لا تحتاج الى التنفس الشديد ولا يلحقها الكرب والمضايقة الا عند التعب والاعياء فكما ان الكلب دائم اللهث ضيق الحال فكذا هذا الكافر از زجرته ووعظته لم ينزجر ولم يتعظ وان تركته لم يهتد ولم يعقل فهو متردد الى ما لا غاية وراءه فى الحسة والدناءة فانظر حب الدنيا وشؤمها ماذا يجلب للعلماء خاصة وفى الحديث « من ازداد علما ولم يزدد هدى لم يزدد من الله تعالى الا بعدا » والنعمة انما تسلب ممن لا يعرف قدرها وهو الكفور الذى لا يؤدى شكرها وكما ان الكلب لا يعرف الا كرام من الاهانة والرفعة والشرف من الحقارة وانما الكرامة كلها عندخ فى كسره يطعمها او عراق مائدة يرمى اليه سواء تقعده على سرير معك او فى التراب والقذر فكذا العبد السوء لا يعرف قدر الكرامة ويجهل حق النعمة فينسلخ عن لباس الفضل والكرم ويرتدى برداء القهر والمكر
قال فى التأيلات النجمية فلا يغترن جاهل مفتون بان اتباع الهزى لا يضره فان الله تعالى حذر الانبياء عن اتباه الهوى واوعدهم عليه بالضلال كقوله { يا داود انا جعلناك خليفة فى الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله } قال الحافظ
مباش غره بعلم وعمل فقيه مدام ... كه هيجكس زقضاى خداى جان نبرد
{ ذلك } اى ذلك المثل السيئ { مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا } وهم اليهود وكما ان بلعم بعدما اوتى آيات الله انسلخ منها ومال الى الدنيا حتى صار كالكلب كذلك اليهود بعدما اوتوا التوراة المشتملة على نعت الرسول صلى الله عليه وسلم وذكر القرآن المعجز وبشرى الناس باقتراب مبعثه وكانوا يستفتحون به انسلخوا ما اعتقدوا فى حقه وكذبوه وحرفوا اسمه { فاقصص القصص } [ بس بخوان برايشان اين خبررا ] والقصص مصدر سمى به المفعول كالسلب واللام للعهد { لعلهم يتفكرون } راجيا تفكرهم تفكرا يؤدى بهم الى الاتعاظ(4/324)
سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177)
{ ساء مثلا } ساء بمعنى بئس ومثلا تمييز من الفاعل المضمر فى ساء مفسر له { القوم } مخصوص بالذم بتقدير المضاف لوجوب التصادف بينه وبين الفاعل والتمييز اى شاء مثلا مثل القوم وبئس الوصف وصف القوم
قال الحدادى وهذا السوء انما يرجع الى فعلهم لا الى نفس المثل كأنه قال ساء فعلهم الذى جلب اليهم الوصف القبيح فاما المثل فهو من الله حكم وصواب { الذين كذبوا بآياتنا } بعد قيام الحجة عليها وعلمهم بها { وانفسهم كانوا يظلمون } اى ما ظلموا بالتكذيب الا انفسهم فان وباله لا يتخطاها(4/325)
مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178)
{ من يهد الله } اى يخلق فيه الاهتداء { فهو المهتدى } لا غير كائنا من كان وانما العظة والتذكير من قبيل الوسائط العادية فى حصول الاهتداء من غير تأثير لها فيه سوى كونها دواعى الى صرف العبد اختياره نحو تحصيله { ومن يضلل } بان لم يخلق فيه الاهتداء بل خلق الله فيه الضلالة لصرف اختياره نحوها { فاولئك هم الخاسرون } اى الكاملون فى الخسران لا غير
وفيه اشارة الى ان من ادركته العناية ولحقته الهداية اليوم لم ينزل عن المراتب العلوية الى المدارك السفلية فهم الذين اخطأهم ذلك النور الذى رش عليهم من نوره ومن خذله حتى اتبع هواه فاضله الهوى عن سبيل الله فهم الذين اخطأهم ذلك النور ولم يصبهم فوقعوا فى الضلالة والخسران
وكان سفيان الثورى يقول اللهم سلم سلم كأنه فى سفينة يخشى الغرق
ولما قدم البشير على يعقوب عليه السلام قال على اى دين تركته قال على دين الاسلام قال الآن تمت النعمة
وقيل ما من كلمة احب الى الله تعالى ولا ابلغ عنده فى الشكر من ان يقول العبد الحمد لله الذى انعم علينا وهدانا الى الاسلام واياك ان تغفل عن الشكر وتغتر بما انت عليه فى الحال من الاسلام والمعرفة والتوفيق والعصمة فانه مع ذلك لا موضع للامن والغفلة فان الامور بالعواقب
قال بعض العارفين ان بعض الانبياء عليهو السلام سال الله تعالى عن امر بلعم وطرده بعد تلك الآيات والكرامات فقال الله تعالى لم يشكرنى يوما من الايام على ما اعطيته لو شكرنى على ذلك مرة لما سلبته فمن كان له جوهر نفيس يمكنه ان يأخذ فى ثمنه الف الف دينار فباعه بفلس أليس يكون ذلك خسرانا عظيما وغبنا فظيعا ودليلا بينا على خسة الهمة وقصور العلم وضعف الرأة وقلة العقل فتيقظ حتى لا تذهب عنك الدنيا والآخرة وتنبه فان الامر خطير والعمر قصير وفى العمل تقصير والناقد بصير فان ختم الله بالخير اعمالنا وأقال عثراتنا فما ذلك عليه بعسير اللهم حقق رجاء عبدك الفقير(4/326)
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)
{ ولقد ذرأنا } اى وبالله قد خلقنا
قال فى القاموس ذرأ كجعل خلق والشيء اكثر ومنه الذرية مثلثة لنسل الثقلين { لجهنم } اى لدخولها والتعذيب بها وهى سجن الله فى الآخرة سميت جهنم لبعج قعرها يقال بئر جهنام اذا كانت بعيدة القعر وهى تحتوى على حرور وزمهرير ففيها الحر والبرد على اقصى درجاتهما وبين اعلاها وقعرها خمس وسبعون مائة من السنين { كثيرا } كائنا { من الجن والانس } يعنى المصرين على الكفر فى عالم الله تعالى فاللام فى لجهنم للعاقبة لان من علم الله ان يصر على الكفر باختياره فهم يصير من اهل النار . والجن اجسام هوائية قادرة على التشكل باشكال مختلفة لها عقول وافهام وقدرة على الاعمال الشاقة وهى خلاف الانس سميت بذلك لاستجنانهم واستتارهم عن العيون يقال جنه الليل ستره والانس كالانسان من آنس الشيء ابصره وقدم اجن على الانس لانهم اكثر عددا واقدم خلقا ولان لفظ الانس أخف بمكان النون الخفيفة ةالسين المهموسة فكان الاثقل اولى باولى الكلام من الاخف لنشاط المتكلم وراحته والاجماع على ان الجن متعبدون بهذه الشريعة على الخصوص وان نبينا صلى الله عليه وسلم مبعوث الى الثقلين ولا شك انهم مكلفون فى الامم الماضية كما هم مكلفون فى هذه الامة لقوله تعالى { اولئك الذين حق عليهم القول فى امم قد خلت من قبلهم من الجن والانس انهم كانوا خاسرين } وجمع الفريقين انما هو باعتبار استعدادهم الكامل الفطرى للعبادة والسعادة والالم يصح التكليف عليهم
فان قلت ما الحكمة فى ان الله تعالى جعل الكفار اكثر من المؤمنين
قلت ليريهم انه مستغن عن طاعتهم وليظهر عز المؤمنين فيما بين ذلك لان الاشياء تعرف باضدادها والشيء اذا قل وجوده عز
فان قلت ان رحمته غلبت غضبه فيقتضى الامر ان يكون اهل الرحمة امثر من اهل الغضب واهل الغضب تسع وتسعون وتسعمائة من كل الف وواحد يرخذ للجنة
قلت هذه الكثرة بالنسبة الى بنى آدم واما بالنسبة الى الملائكة واهل الجنة فكثير لان بنى آدم قيل بالنسبة الى الملائكة ولحور الغلمان فيكون اهل الرحمة اكثر من اهل الغضب وقيل اكثر الكفار بشارة للاخيار بكثرة الفداء لانه ورد فى الخبر الصحيح « ان كل مؤمن يأخذ كافرا بناصيته ويرميه الى النار فداء عن نفسه » وفى الحديث « ان الله لما زرأ لجهنم ما زرأ كان ولد الزنى ممن زرأ لجهنم »
قال فى المقاصد حديث « لا يدخل الجنة ولد زنية » ان صح فمعناه اذا عمل بمثل عمل ابويه واتفقوا على انه لا يحمل على ظاهره
وقيل فى تأويله ايضا ان المراد به من يواظب الزنى كما يقال للشهود نوا الصحف وللشجعان بنوا الحرب ولاولاد المسلمين بنوا الاسلام واتفق المشايخ من اهل الوصول ان ولد الزنى لا يكون اهلا للولاية الخاصة { لهم قلوب } فى محل النصب على انه صفة اخرى لكثيرا { لا يفقهون بها } فى محل الرفع على انه صفة لقلوب اى لا يعقلون بها اذ لا يلقونها الى معرفة الحق والنظر فى دلائله والقلب كالمرآة يصدأ من الانكار والغفلة وجلاؤه التصديق والانابة : قل السعدى قدس سره(4/327)
غبار هوا جشم عقلت بدوخت ... سموم هوا كشت عمرت بسوخت
بكن سرمه غفلت از جشم باك ... كه فرداشوى سرمه در جشم خاك
{ ولهم اعين لا يبصرون بها } اى لا ينظرون الى ما خلق الله نظر اعتبار
دوجشم ازبى صنع بارى نكوست ... وعيب برادر فروكيرو دوست
{ ولهم آذان لا يسمعون بها } الآيات والمواعظ سماع تأمل وتذكر
كذر كاه قرآن وبندست كوش ... به بهتان وباطل شنيدن مكوش
{ اولئك } الموصوفون بالاوصاف المذكورة { كالانعام } [ مانند جهار بايانند ] فى عدم الفقه والابصار للاعتبار والاستماع للتدبر او فى ان مشاعرهم وقواهم متوجهة الى اسباب لتعيش مقصورة عليها . والانعام جمع نعم بالتحريك وقد يسكن عينه وهى الابل والشاه او خاص بالابل كذا فى القاموس { بل هم اضل } بل للاضراب وليس ابطالا بل هو انتقال من حكم وهو التشبيه بالانعام الى حكم وهو كونهم اضل من الانعام طريقا فانها تدرك ما يمكن لها ان تدرك من المنافع والمضار وتجهد فى جلبها ودعها غاية جهدها وهو ليسوا كذلك وهى بمعزل من الخلود وهم يتركون النعيم المقيم ويقدمون على العذاب الخالد وقيل لانها لا تعرف صاحبها وتذكره وتطيعه وهؤلاء لا يعرفون ربهم ولا يذكرونهولا يطيعونه وفى الخبر « كل شيء أطوع لله من بنى آدم »
دريغ آدمى زاده برمحل ... كه باشد جوانعام بل هم اضل
{ اولئك هم الغافلون } عن امر الآخرة وما اعد فيها للعصاة وفى الانسان جهة روحانية وجهة جسمانية وقد ركب فيها عقل وشهوة فان كان عقله غالبا على هواه كان افضل من الملائكة وان كان مغلوبا للنفس والهوى كأن أخس وارذل من البهائم : ما قيل فى هذا المعنى
بهره از ملكت هست ونصيبى ازديو ... ترك ديويى كن وبكذر بفضيلت زملك
واعلم ان الله تعالى خلق الخلق اطوارا . فخلق طورا منها للقرب والمحبة وهم اهل الله وخاصته اظهارا للحسن والجمال وكانوا به يسمعون كلامه وبه يبصرون جماله وبه يعرفون كماله . وخلق طورا منها للجنة ونعيمها اظهارا للطف والرحمة فجعل لها قلوبا يفقهون بها دلائل التوحيد والمعرفة واعينا يبصرون بها آيات الحق . وخلق طورا منها للنار وجحيمها وهم اهل النار اظهارا للقهر والعزة اولئك كالانعام لا يحبون الله ولا يبطلونه بل هم اضل لانه لم يكن للانعام استعداد المعرفة والطلب وانهمكانوا مستعدين للمعرفة والطلب فابطلوا الاستعداد الفطرى للمعرفة واطلب بالركون الى شهوات الدنيا وزينتها واتباع الهوى فباعوا الآخرة بالاولى والدين بالدنيا وتركوا طلب المولى فصاروا أضل من الانعام لافساد الاستعداد اولئك هم الغافلون عن الله وكمالات اهل المعرفة وعزتهم كما قال فى التأويلات النجمية قدس الله سره(4/328)
وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)
{ ولله الاسماء الحسنى } تأنيث الاحسن اى الاسماء الاتى هى احسن الاسماء واجلها لانها دالة على معانى هى احسن المعانى واشرفها والمراد بها الالفاظ الدالة الموضوعة على المعانى المختلفة دل على ان الاسم غير المسمى ولو كان هذا المسمى لكان المسمى عدد الاسماء وهو محال
قال الامام الغزالى الحق ان الاسم غير التسمية وغير المسمى فان هذه ثلاثة اسماء متباينة غير مترادفة { فادعوه بها } فسموه بتلك الاسماء واذكروه بها وفى الحديث « ان لله تسعة وتسعين اسما مائة الا واحدا من احصاها دخل الجنة هو الله الذى لا اله الا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العيلم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلى الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوى المتين الولى الحميد المحصى المبدئ المعيد المحيى المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المؤخر الاول الآخر الظاهر الباطن الوالى المتعالى البر التواب المنتقم العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والاكرام المقسط الجامع الغنى المغنى المانع الضار النافع النور الهادى البديع الباقى الوارث الرشيد الصبور » واستحسن المشايخ المتقدمون ان يبدأ اولا ويقول اللهم انى اسألك يا رحمن يا يا رحيم الى آخره فيجيء بجميع الاسماء بحرف النداء ثم يقول فى آخر الكل ان تصلى على محمد وآله وان ترزقنى
وجميع من يتعلق بى بتمام نعمتك ودوام عافيتك يا ارحم الراحمين كما فى الاسرار المحمدية قال عبد الرحمن البسطامى فى ترويح القلوب ان العارفين يلاحظون فى الاسماء آلى التعريف واصل الكلمة . والملامية يطرحون منها آلة التعريف لانها زائدة على اصل الكلمة ومن السر المكنون فى الدعاء ان تأخذ حروف الاسماء التى تذكر بها مثب قولك الكبير المتعال ولا تأخذ الالف واللام بل تأخذ كبير متعال وتنظر كم لها من الاعداد بالجمل الكبير فتذكر ذلك العدد فى موضع خال من الاصوات بالشرائط المعتبرة عند اهل الخلوات لا تزيد على العدد ولا تنقص منه فانه يستجاب لك للوقت وهو الكبريت الاحمر باذن الله تعالى فان الزيادة على العدد المطلوب اسراف والنقص منه اخلال والعدد فى الذكر بالاسماء كأسنان الزيادة على العدد المطلوب اسراف والنقص منه اخلال والعدد فى الذكر بالاسماء كأسنان المفتاح لانها ان زادت او نقصت لا تفتح باب الاجابة البتة فافهم السر وحسن الدر
واعلم انه لما كانت المقامات الدنية ثلاثة . ومقام الايمان . ومقام الاحسان . ومراتب الجنان المرتبة على الاحصاء لاهل الدين ثلاثا .(4/329)
جنة الاعمال . وجنة الميراث . وجنة الامتنان لا جرم كانت انواع الاحصاء ثلاثة . التعلق فى مقام الاسلام . والتخلق فى مقام الايمان . والتحقق فى مقام الاحسان فاحصاؤها بالتعلق فى مقام الاسلام هو ان يتطلب السالك آثار كل اسم منها فى نفسه وبدنه وجمعي فواه واعضائه واجزائه وجزيئاته فى جميع حالاته وهيآته النفسانية والجسمانية وفى جملة تطوراته وانواع ظهوراته فيرى جميع ذلك من احكام هذه الاسماء وآثارها فيقاتل كل اثر بما يليق به كمقالة الانعام بالشكر والبلاء بالصبر وغير ذلك فبمثل هذا الاحصاء يدخل جنة الاعمال التى هى محل ستر الاغراض الزائلة بالاعيان الثابتة الباقية وهى التى اخبر عنها ابراهيم الخليل عليه السلام بانها قيعان وان غراسها سبحان الله والحمد لله واخصاؤها بالتخلق فى مقام الاسمان يكون بتطلع الروح الروحانية الى حقائق هذه الاسماء ومعانيها ومفهوماتها والتخلق بكل اسم منها على نحو ما امر به من قوله عليه السلام « تخلقوا باخلاق الله » بحيث يكون المتخلق هو عين ذلك الاسم اى ينفعل عنه ما ينفعل عن ذلك الاسم فبمثل هذا الاحصاء يدخل هذا المتخلق جنة الميراث التى هى اعلى من الجنة الاولى بل هى باطنها المنزل منها بمنزلة عالم الملكوت من عالم الملك وهى المشار اليها بقوله عليه السلام « ما منعكم من احد الاولة منزل فى الجنة ومنزل فى النار فاذا مات ودخل النار ورث منزله اهل الجنة وان شئتم فاقرأوا اولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون » واحصاؤها بالتحقق فى مقام الاحسان بالتقوى والانخلاع عما قام بك واظهر فيك من الصور والمعانى المتسمة بسمة الحدوث والاستتار بسبحات الحضرة الحقية والاحتجاب بسجف استارها واعيانها : كما قال
تسترت عن دهرى بظل جناحه ... بحيث ارى دخرى وليس يرانى
فلو تسأل الايام ما اسمى مادرت ... واين مكانى مادرين مكانى
فبمثل هذا الاحصاء يدخل المتحقق جنة الامتنان التى هى محل سر غيب الغيب المشار اليها بقوله عليه الصلاة والسلام « ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر » واليها الاشارة ايضا بقوله تعالى { ان المتقين فى جنات ونهر فى مقعد صدق عند مليك مقتدر } قال ابن ملك من احصاها اى من اطاق القيام بحق هذه الاسماء وعمل بمقتضاها بان وثق بالرزق اذا قال لارازق وعلى ان الخير والشر من الله تعالى اذا قال الضار النافع فشكر على المنفعة وصبر على المضرة وعلى هذا سائر الاسماء وقيل معناه من عقل معانيها وصدقها وقيل معناه من عدها كلمة كلمة تبركا واخلاصا
وقال البخارى المراد به حفظها وهذا هو الاظهر لانه جاء فى الرواية الاخرى من حفظها مكان من احصاها انتهى ولا يظن ان اسماء الله تعالى منحصرة فى هذا المقدار بل هى اشهر الاسماء ويجوز ان تتفاوت فضيلة اسماء الله تعالى بتفاوت معانيها كالجلال والشرف ويكون التسعة والتسعون منها تجمع انواعا للمعانى المنبئة عن الجلال لا يجمع ذلك غيرها فتختص بزيادة شرف ويدل على ان اسماء الله تعالى كثيرة قوله عليه السلام(4/330)
« ما اصاب احدا هم ولا حزن فقال اللهم انى عبدك وابن عبدك وابن امتك ناصيتى بيدك ماض فى حكمك اسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك وانزلته فى كتابك او علمته احدا من حلقك او اسأثرت به فى علم الغيب عندك ان تجعل القرآن ربيع قلبى ونور صدرى وجلاء حزنى وذهاب همى الا اذهب الله عنه كل همه وحزنه وابدل مكانه فرحا » وعن بريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول اللهم انى اسألك بانك انت الله لا اله الا انت الاحد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد فقال صلى الله تعالى عليه وسلم « دعا الله باسمه الاعظم الذى اذا سئل به اعطى واذا دعى به اجاب »
واعلم ان اسم الله اعظم الاسماء التسعة والتسعين لانه دال على الذات الجامعة لصفات الالهية كلها حتى لا يشذ منها شئ وسائر الاسماء لا يدل آحادها الا على آحاد المعانى من علم او قدرة او فعل او غيره ولانه اخص الاسماء اذ لا يطلقه احد على غيره لا حقيقة ولا مجازا وسائر الاسماء قد يسمى بها غيره كالقادر والعليم والرحيم وغيرها وقد جعل العلماء مة خصائص هذا الاسم انه ينسب جميع اسماء الحق اليه كما قال الله تعالى { ولله الاسماء الحسنى }
قال حضرة شيخنا العلامة ابقاه الله بالسلامة فى بعض تحريراته واعلم ان الهوية الآلهية السارية فى جميع المراتب تعينت اولا فى مرتبة الحياة تعين تلك المرتبة بالاولية الكبرى فتعينت نسبة عالم الغيب ثم فى مرتبة العلم تعينت تلك المرتبة ثانيا بالآخرية العظمى فتعينت نسبة عالم المعانى ثم فى مرتبة الارادة بصورة تلك المرتبة تعينت ثالثا بالظاهرية الاولى فتعينت نسبة عالم الارواح ثم فى مرتبة القدرة تعينت تلك المرتبة رابعا بالباطنية الاولى فتعينت نسبة عالم الشهادة هو الحى العليم المريد القدير وهو الاول والآخر والظاهر والباطن وبذلك السريان ظهرت الحقائق الاربع التى هى امهات جميع الحقائق والاسماء والاسماء الالهية الكلية التى هى تسع وتسعون او الف وواحد وتلك الحقائق الكلية تعينت من دوران تعين الامهات الاربع فى عوالمها الاربعة فبضرب الاربعة فى الاربعة كانت ستة عشر ثم باعتبار الظهور والبطون صارت اثنين وثلاثين ثم باعتبار احدية جمع الجميع كانت ثلاثا وثلاثين ثم باعتبار دوران تعينها بعالم السمع ورتبة البصر ورتبة الكلام فيها صارت تسعة وتسعين ثم باعتبار احدية جمع الجميع كانت مائة لذلك سن رسول الله عليه السلام فى دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين تسبيحة وثلاثا وثلاثين تحميدة وثلاثا وثلاثين تكبيرة ثم تمم المائة بقوله لا اله الا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ثم كانت الفا باعتبار تعيناتها فى الحضرات الخمس من جهة الظهور والبطون حاصلة من ضرب المائة فى العشرة الكائنة من تلك الحضرات الخمس باعتبار ظواهرها وبواطنها ثم باعتبار احدية جمع الجميع كانت الفا وواحدا فامهات لاسماء والحقائق سبع وكلياتها تسع وتسعون او الف وواحد وجزيئات تلك الاسماء الحسنى لا تعد ولا تحصى انتهى باختصار { وذروا الذين يلحدون فى اسمائه } الالحاد واللحد الميل والانحراف عن القصد اى واتركوا الذين يميلون فى شأنها عن الحق الى الباطل اما بان يسموه تعالى بما لم يسم به نفسه ولم ينطق به كتاب سماوى ولا ورد فيه نص نبوى او بما يوهم معنى فاسدا وان كان له محمل شرعى كما فى قول اهل البدو يا ابا المكارم يا ابيض الوجه فان ابا المكارم وان كان عبارة عن المستجمع لصفات الكمال الا انه يوهم معنى لا يصح فى شأنه تعالى وكذا ابيض الوجه وان كان عبادة عن تقدس ذاته عن النقائض المكدرة الا انه يوهم معنى فاسدا فالمراد بالترك المأمور به الاجتناب عن ذلك وباسمائه ما اطلقوه عليه تعالى وسموه به على زعمهم لا اسماؤه حقيقة واما بان يعدلوا عن تسميته تعالى ببعض اسمائه الكريمة كما قالوا وما الرحمن ما نعرف رحمان اليمامة .(4/331)
فالمراد بالترك الاجتناب ايضا . وبالاسماء اسماؤه تعالى حقيقة فالمعنى سموه تعالى بجميع الاسماء الحسنى واجتنبوا اخراج بعضها من البعض - روى - ان رجلا من الصحابة دعا الله تعالى فى صلاته باسم الله وباسم الرحمن فقال رجل من المشركين أليس بزعم محمد واصحابه انهم يعبدون ربا واحدا فما بال هذا الرجل يدعو ربين اثنين فانزل الله تعالى هذه الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ادعوا الله او ادعوا الرحمن رغما لا نوف المشركين » فان تعدد الاسم لا يستلزم تعدد المسمى { سيجزون ما كانوا يعملون } اى اجتنبوا الحادهم كيلا يصيبكم ما اصابهم فانه سينزل بهم عقوبة الحادهم فقوله { وذروا الذين } الخ معناه واتركوا تسمية الزائغين فيها بتقدير المضاف اذ لا معنى لترك نفس الملحدين
وقال بعض العلماء المراد بالاسماء الالحسنى الصفات العلى فان لفظ الاسم قد يطلق على ما يسمونه الذات من صفاتها العظام يقال طار اسمه فى الآفاق اى انتشرت صفته ونعته فكأنه قيل والله الاوصاف
قال فى التأويلات النجمية { ولله الاسماء الحسنى } يشير الى ان اسم الله له بمثابة اسم العلم للخلق وهو اسم ذاته بتارك وتعالى والباقى من الاسماء هو اسماء الصفات لانه قال ولله الاسماء الحسنى فاضاف الاسماء الى اسم الله واسماؤه كلها مشتقة من صفاته الا اسم الله فانه غير مشتق عندنا وعند الاكثرين لانه اسم الذات فكما ان ذاته تعالى غير مخلوق من شئ كذلك اسمه غير مشتق من شئ فان الاشياء مخلوقة فاسماء صفاته تعالى بعضها مشتق من الصفات الذاتية فهو غير مخلوق وبعضها مشتق من صفات الفعل فهو مخلوق لان صفات الذات كالحياة والسمع والبصر والكلام والعلم والقدرة والارادة والبقاء قديمة غير مخلوقة وصفات الفعل مخلوقة تضاف اليه عند الايجاد فلما اوجد الخلق واعطاهم الرزق سمى خالقا ورازقا الا انه تعالى كان فى الازل قادرا على الخالقية والرازقية فقوله ولله الاسماء الحسنى اى الصفات الحسنى { فادعوه بها } اى فادعوا الله بكل اسم مشتق من صفة من صفاته بان تتصفوا وتتخلقوا بتلك الصفة فالاتصاف بها بالاعمال والنيات الصالحات كصفة الخالقية فان الاتصاف بها بان تكون مناكحته للتوالد والتناسل بخلاف الخالق كما قيل لحكيم هو يواقع زوجته تعمل قال ان تم فانسان .(4/332)
والاتصاف بصفة الرازقية بان ينفق ما رزقه الله على المحتاجين ولا يدخر منه شيئا وعلى هذا فقس البواقى . واما التخلق بها فبالأحوال وذلك بتصفية مرآة القلب ومراقبته عن التعلق بما سموى الله والتوجه اليه ليتجلى له بتلك الصفات فيتخلق بها وهذا تحقيق قوله « كنت له سمعا وبصرا فبى يسمع وبى يبصر » { وذروا الذين يلحدون فى اسمائه } اى يميلون فى صفاته اى لا يتصفون بها وتسميته تعالى باسم لم يسم به نفسه ايضا من الالحاد كما يسمونه الفلاسفة بالعلة الاولى والموجب بالذات يعنون به انه تعالى غير مختار فى فعله وخلقه وايجاده تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا . ومن صفة تعالى بوصف او بصفة لم يرد بها النص فايضا الحاد { سيجزون ما كانوا يعملون } يعنى سيجزون الخذلان ليعلموا بالطبع والهوى ما كانوا يعملون بالالحاد فى الاسماء والصفات انتهى كلام . التأويلات
بيجده شود بباى هركس عملش ... قال الحافظ
دهقان سالخورده جه خوش كفت بابسر ... اى نور جشم من بجزاز كشه ندروى(4/333)
وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)
{ وممن خلقنا } اعلم ان الله تعالى كما جعل من قوم موسى ائمة هادين مهديين كما قال { ومن قوم موسى امه يهدون بالحق وبه يعدلون } جعل من هذه الامة المرحومة ايضا كذلك فقال وممن خلقنا ومحل الظرف الرفع على انه مبتدأ اما باعتبار مضمونة او تقدير الموصوف وما بعده خبره اى وبعض من خلقنا او وبعض ممن خلقنا { امة } اى طائفة كثيرة { يهدون } الناس ملتبسين { بالحق } اى محققين او يهدونكم بكلمة الحق ويدلونهم على الاستقامة { وبه } اى وبالحق { يعدلون } اى يحكمون فى الحكومات الجارية فيما بينهم ولا يجورون فيها
وعنه عليه الصلاة والسلام « ان امتى قوما على الحق حتى ينزل عيسى » والمراد لا يخلو الزمان منهم وفى الحديث « لا تقوم الساعة لا يقال فى الارض الله الله »
قال الشيخ الكبير صدر الدين الفنوى قدس سره اكده بالتكرار ولا شك ان لا يذكر الله ذكرا حقيقيا وخصوصا بهذا الاسم الاعظم الجامع المنعوت بجميع الاسماء الا الذى يعرف الحق بالمعرفة التامة واتم الخلق معرفة بالله فى كل عصر خليفة الله وهو كامل ذلك العصر فكأن يقول صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة وفى الارض انسان كامل وهو المشار اليه بانه العمد المعنوى الماسك وان شئت
قلت الممسك لاجله فاذا انتقل اشنقت السماء وكورت الشمس وانكدرت النجوم ونشرت الصحف وسيرت الجبال وزلزلت اللارض وجاءت القيامة انتهى كلامه فى الفكوك
ورووا عن ابن مسعود رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ان لله فى الارض ثلاثمائة قلوبهم على قلب آدم وله اربعون قلوبهم على قلب موسى وله سبعة قلوبهم على قلب ابراهيم وله خمسة قلوبهم على قلب جبريل وله ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل وله واحد قلبه على قلب اسرافيل فاذا مات الواحد ابدل الله مكانه من الثلاثة واذا مات من الثلاثة ابدل الله مكانه من الخمسة واذا مات من الخمسة ابدل الله مكانه من السبعة واذا مات من السبعة ابدل الله مكانه من الاربعين واذا مات من الاربعين ابدل الله مكانه من الثلاثمائة ابدل الله مكانه من العامة يدفع الله بهم البلاء عن هذه الامة » والواحد المذكور فى هذا الحديث هو القطب وهو الغوث ومكانه ومكانته من الاولياء كالنقطة من الدائرة التى هى مركزها به يقع صلاح العالم
ورووا عن ابى الدرداء انه قال « ان عبادا يقال لهم الابدال لم يبلغوا ما بلغوا بكثرة الصوم والصلاة والتخشع وحسن الحلية ولكن بلغوا بصدق الورع وحسن النية وسلامة الصدور والرحمة لجميع المسلمين اصطفاهم الله بعلمه واستخلصهم لنفسه وهم اربعون رجلا على مثل قلب ابراهيم لا يموت الرجل منهم حتى يكون الله قد انشأ من يخلقه »(4/334)
واعلم انهم لا يسبون شيأ ولا يلعنونه ولا يؤذون من تحتهم ولا يحقرونه ولا يحسدون من فوقهم اطيب الناس خبرا والينهم عربكة واسخاهم نفسا لا تدركهم الخيل المجراة ولا الرياح العواصف فيما بينهم ربين ربهم انما قلوبهم تصعد فى السقوف العلى ارتياحا الى الله تعالى فى استباق الخيرات اولئك حزب الله ألا ان حزب الله هم المفلحون انتهى كلامه فى روض الرياحين للامام اليافعى رحمه الله تعالى
واعلم ان اهل الحق انما نالوا ما نالوا بهدايتهم للناس وعدلهم فيما بين الخلق بعد ما كانوا مهدين وعادلين فى انفسهم - وروى - عن عبد الله بن المبارك انه كان يتجر ويقول لولا خمسة ما اتجرت السفيانان وفضيل وابن السماك وابن علية ليصلهم فقدم سنة فقيل له قدولى ابن علية القضاء فلم يأته ولم يصله بشء فاتاه ابن علية فلم يرفع رأسه اليه ثم كتب اليه ابن المبارك
يا جاعل العلم له بازيا ... يصطاد اموال المساكين
احتلت للدنيا ولذاتها ... بحيلة تذهب بالدين
فصرت مجنونا بها بعدما ... كنت دواء للمجانين
اين رواياتك فى سردها ... لترك ابواب السلاطين
ان قلت اكرهت فذا باطل ... زل حمار العلم فى الطين
فلما وقف اسماعيل بن علية على الابيات ذهب الى الرشيد ولم يزل به الى ان استعفاه من القضاء فاعفاه ونعم ما قيل
ابو حنيفة قضا نكرد وبمرد ... تو بميرى اكر قضا نكنى
وقيل
اعدل تكن من صروف الدهر ممتنعا ... فالصرف ممتنع للعدل فى عمر
والعدل من اسماء الله تعالى ومعناه العادل وهو الذى يصدر منه فعل العدل المضاد للجور والظلم ولن يعرف العادل من لم يعرف عدله ولا يعرف عدله من لم يعرف فعله وحظ العبد من العدل لا يخفى واول ما عليه من العدل فى صفات نفسه هو ان يجعل الشهوة والغضب اسيرين تحت اشارة العقل والدين ومهما جعل العقل خادنا للشهوة والغضب فقد ظلم نفسه هذا جملة عدله فى نفسه . وتفصيله مراعاة حدود الشرع كله وعدله فى كل عضو ان يستعمله على الوجه الذى اذن الشرع فيه . واما عدله فى اهله وذويه ثم فى رعيته ان كان من اهل الولاية فلا يخفى وربما ظن ان الظلن هو الايذاء والعدل هو ايصال النفع الى الناس وليس كذلك بل لو فتح الملك خزائنه المشتملة على الاسلحة والكتب وفنون الاموال ولكن فرق الاموال على الاغنياء ووهب الاسلحة للعلماء وسلم اليهم القلاع ووهب الكتب للاجناد واهل القتال وسلم اليهم المساجد والمدارس فقد نفع ولكنه قد ظلم وعدل عن العدل اذ وضع كل شئ فى غير موضعه اللائق به ولو آذى المريض بسقى الادوية والحجامة والفصد بالاجبار عليه وآذى الجناة بالعقوبة قتلا وقطعا وضربا كان عادلا لانه وضعها فى موشعها وحظ العبد دينا من هذا الوصف انه لا يعترض على الله تعالى فى تدبيره وحكمه وسائر افعاله وافق مراده او لم يوافق لان كل ذلك عدل وهو كما يبنغى وعلى ما ينبغى ولو لم يفعل لحصل منه امر آخر هو اعظم ضررا مما حصل كما ان المريض لو لم يحتجم ابصر ضررا يزيد على ألم الحجامة وبهذا يكون الله تعالى عدلا والايمان يقطع الانكار والاعتراض ظاهرا وباطنا .(4/335)
وتمامه ان لا يسب الاشياء الى الفلك ولا يعترض عليه كما جرت به العادة بل يعلم ان كل ذلك اسباب مسخرة وانها رتبت ووجهت الى المسببات احسن ترتيب وتوجيه باقصى وجوه العدل واللطف كذا فى المقصد الاقصى فى شرح معانى اسماء الله الحسنى للامام الغزالى عليه رحمة الملك المتعالى(4/336)
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182)
{ والذين كذبوا بآياتنا } اضافة الآيات الى نون العظمة لتشريفها واستعظام الاقدام على تكذيبها اى بآياتنا التى هى معيار الحق ومصداق الصدق والعدل { سنستدرجهم } اى سنقربهم البتة الى الهلاك على التدريج واصل الاستدارج اما الاستصعاد وهو النقل من سفل الى علو درجة درجة . واما الاستنزال وهو النقل من علو الى سفل كذلك والانسب هو النقل الى اعلى درجات المهالك ليبلغ اقصى مراتب العقوبة والعذاب { من حيث لا يعلمون } صفة لمصدر الفعل المذكور اى سنستدرجهم استدراجا كائنا من حيث لا يعلمون انه كذلك بل يحسبون انه اكرام من الله تعالى وتقريب منه اولا يعلمون ما نريد بهم وذلك ان يتواتر عليهم النعم فيظنوا انها لطف من الله بهم فيزدادوا بطرا وانهما كا فى الغى الى ان تحق عليهم كلمة العذاب على افظع حال واشنعها
مده خودرا فريب ازرنك وبويم ... كه هست ازخنده من كريه آميز
قال الحافظ
بمهلتى كه سيهرت دهد زراه مرو ... تراكه كفت كه اين زال ترك دستان كفت(4/337)
وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)
{ واملى لهم } الاملاء اطالة مدة احدهم بابقائه على ما هو عليه وعدم الاستعجال فى مؤاخذته
قال المولى ابو السعود عطف سنستدرجهم غير داخل فى حكم السين لما ان الاملاء وهو عبارة عن الامهال والاطالة وليس من الامور التدريجية كالاستدراج الحاصل فى نفسه شيأ فشيأ بل هو فعل يحصل دفعة وانما الحاصل بطريق التدريج آثاره واحكامه لا نفسه كما يلوح به تغيير التعبير بتوحيد الضمير { ان كيدى متين } اى ان اخذى شديد وانما سماه كيدا لان ظاهره احسان وباطنه خذلان
قال سعدى جلى المفتى الاولى ان يقول سماه كيدا لنزوله بهم من حيث لا يشعرون والكيد الاخذ بخفية_@_ وقال الحدادى الكيد هو الاضرار بالشئ من حيث لا يشعر به_@_ قال فى الحكم العطائية خف من وجود احسانه اليك ودوام اسائتك معه ان يكون ذلك استدراجا لك قال الله تعالى { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } قال سهل رضى الله عنه فى معنى هذه الآية نمدهم بالنعم وننسيهم الشكر عليها فاذا ركنوا الى النعمة وحجبوا عن المنعم اخذوا
وقال ابو العباس بن عطاء يعنى كلما احدثوا خطيئة جددنا لهم نعمة وانسيناهم الاستغفار من تلك الخطيئة
وقال الشيخ ابو القاسم القشيرى رحمه الله . الاستدراج تواتر المنة بغير خوف الفتنة الاستدراج انتشار الذكر دون خوف المكر . الاستدراج التمكن من المنية والصرف عن البغية . الاستدراج تعليل برجاء وتأميل بغير وفاء . الاستدراج ظاهر مضبوط وسر بالاغيار منوط انتهى . ومن وجوه الاستدراج ان يجهل المريد بنفسه ويحق ربه فيسئ الادب باظهار دعوى او تورط فى بلوى فتؤخر العقوبة عنه امهالا له فيظنه اهمالا فيقول لو كان هذا سوء ادب لقطع الامداد فقد يقطع المدد عنه من حيث لا يشعر ولو لم يكن من قطع المدد عنه من حيث لا يشعر الا منع المزيد لكان قطعا لان من لم يكن فى زيادة فهو فى نقصان
وكان احمد بن حنبل رضى الله عنه يوصى بعض اصحابه ويقول خف من سطوة العدل وارج الفضل ولا تأمن مكره ولو ادخلك الجنة وقع لابيك آدم ما وقع
فان قلت ما الحكمة فى امهال الله العصاة فى الدنيا
قلت ليرى العباد ان العفو والاحسان احب اليه من الاخذ والانتقام وليعلموا شفقته وبره وكرمه وان رحمته سبقت غضبه وامهاله تعالى من اخلاق كرمه وجوده . وقيل يمهل من يشاء حكمة ليأخذ الظالم اخذ عزيز مقتدر ويعجل عقوبة من يشاء رحمه منه وتخفيفا بالنسبة الى عذاب الآخرة
فعلى العاقل ان يخاف من المكر الالهى ويرى الفير والانكسار نعمة واكراما فان الله تعالى يحب الفقراء وهو عند المنكسرة قلوبهم وحال الدنيا ليس على القرار تسلب كما تهب وتهب كما تسلب : ونعم ما قيل
زمانه به نيك وبد آيستن است ... ستاره كهى دوست وكه دشمن است(4/338)
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184)
{ أو لم يتفكروا ما بصاحبكم من جنة } - روى - انه عليه الصلاة والسلام كان كثيرا ما يحذر قريشا عقوبة الله تعالى ووقائعه النازلة فى الامم الماضية فقام ليلا على الصفا وجعل يدعوهم الى عبادة الله تعالى قبيلة قبيلة يا بنى فلان يا بنى فلان الى الصباح يحذرهم بأس الله فقال قائلهم ان صاحبكم هذا يعنى محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم لمجنون بات يهوت الى الصباح فنزلت والهمزة للانكار والتعجب والتوبيخ والواو للعطف على مقدر وما ما استفهامية انكارية فى محل الرفع بالابتداء والخبر بصاحبهم واما انا نافية اسمها جنة وخبرها بصاحبهم والجملة معلقة لفعل التفكر لكونه من افعال القلوب ومحلها على الوجهين النصب على نزع الجار والجنة بناء نوع من الجنون ودخول من يدل على انه ليس به نوع من انواع الجنون . والمعنى أكذبوا بالآيات ولم يتفكروا فى أى شيء من جنون ما كائن بصاحبهم او فى انه ليس بصاحبهم شيء من جنة حتى يؤديهم التفكر فى ذلك الى الوقوف على صدقة وصحة نبوته فيؤمنوا به وبما انزل عليه من الآيات فالتصريح بنفى الجنون للرد على عظيمتهم الشنعاء والتعبير عليه الصلاة والسلام بصاحبهم وارد على شاكلة كلامهم مع ما فيه من الايذان بان طول مصاحبتهم له عليه السلام مما يطلعهم على نزاهته عليه السلام عن شائبة الجنة وقد كانوا يسمونه قبل اظهار النبوة محمدا الامين صلى الله تعالى عليه وسلم وسلم { ان هو } اى ما هو عليه السلام { الا نذير مبين } اى مبالغ فى الانذار مظهر له غاية الاظهار ابرازا لكمال الرأفة ومبالغة فى الاعذار(4/339)
أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)
{ أو لم ينظروا } الهمزة للانكار والواو للعطف على مقدر اى اكذبوا بها ولم ينظروا نظر تأمل واستدلال { فى ملكوت السموات والارض } فيما تدل عليه السموات والارض من عظم الملك وكمال القدرة فيعلموا انه لم يخلقهما عبثا ولم يترك عباده سدى
قال بعضهم ملكوت السموات النجوم والشمس والقمر وملكوت الرض البحور والجبال والشجر والملكوت الملك العظيم من الملك كالرهبوت من الرهب زيدت التاء للمبالغة يقال له ملكوت العراق اى الملك الاعظم متعلق به { وما خلق الله } عطف على ملكوت اى وفيما خلق الله { من شيء } بيان لما خلق مفيد لعد اختصاص الدلالة المذكورة بجلائل المصنوعات دون دقائقها اى من جليل ودقيق مما يقع عليه اسم الشيء من الاجناس التى لا يمكن حصرها اى ان كل فرد رد من الموجودات محل للنظر والاعتبار والاستدلال على الصلنع ووحدانيته كما قيل
وفى كل شيء له آية ... تدل على انه واحد
{ وان عسى ان يكون قد اقترب اجلهم } عطف على مكلوت وان مخففة من ان واسمها ضمير الشان والخبر قد اقترب اجلهم . والمعنى او لم ينظروا فى ان الشان عسى ان يكون الشان قد اقترب اجلهم لعلهم يموتون عن قريب فمالهم لا يسارعون الى طلب الحق والتوجه الى ما ينجيهم قبل مجيء الموت ونزول العذاب
زان بيش كاجل فرا رسد تنك ... وايام عنان ستاند ازجنك
برمركب فكر خويش نه زين ... مردانه در آى درره دين
{ فبأى حديث هو فى اللغة الجديد وفى عرف العامة الكلام { بعده } اى بعد القرآن { يؤمنون } اذا لم يؤمنوا به وهو النهاية فى البيان وليس بعده كتاب منزل ولا نبى مرسل وهو قطع لاحتمال ايمانهم ونفى له بالكلية والباء متعلقة بيؤمنون(4/340)
مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186)
{ من يضلل الله } [ هركرا كمراه كرداند خداى تعالى وبقرآن نكرود ] { فلا هادى له } [ بس هيج راه نماينده نيست كه اورابراه آرد ] { ويذرهم } بالياء والرفع على الاستئناف اى وهو تعالى يتركهم { فى طغيانهم } فى مجاوزتهم الحد فى كفرهم { يعمهون } حال من مفعول يذرهم اى حال كونهم مترددين ومتحيرين فى القاموس العمه محركة التردد فى الضلال والتحير فى منازعة او طريق او ان لا يعرف الحجة
وفى الآية حث على التفكر ودلالة على ان العاقل لو تفكر بالعقل السليم من آفات الوهم والخيال والتقليد والهوى فى حل النبى صلى الله عايه وسلم واخلاقه وسيره فضلا عن معجزاته لتحقق عنده انه النبى الصادق وان ما يدعوه اليه كله حق وصدق وانه لينجو بهذا التفكر من النار كما اخبر الله تعالى عن حال اهل النار بقوله { وقالوا لو كنا نسمع او نعقل ما كنا فى اصحاب السعير } وفى قوله تعالى { أو لم ينظروا } الخ اشارة الى ان المكونات على نوعين وع منها ما خلق من غير شيء وهو الملكوت الذى هو باطن الكون والكون به قائم بيد القدرة كقوله تعالى { فسبحان الذى بيده ملكوت كل شيء } ونوع منها ما خلق من شيء وهو الملك الذى هو ظاهر الكون فكما ان النظر الى الملك بحسن البصر فالنظر الى الملكوت بالعقل والقلب فنظر ارباب العقول فيه يفيد رؤية الآيات والاستدلال بها على معرفة الخالق واثبات الصانع ونظر اصحاب القلوب فيه يفيد شهود شواهد الغيب بالولوج ليصير ايمانه ايقانا بل عيانا كقوله { وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين } وهذه الاراءة سنة آلهية قديمة للحق سبحانه يرى بها كل من جعله نبيا او وليا ناسوت العالم وملكوته وجبروته ولاهوته سواء كان عالما صغيرا او عالما كبيرا ولا تزال تلك السنة باقية الى يوم القيامة ما دام لم ينقطع السير والسلوك الى الحق سبحانه فلولاها لنوع الانسان لكان كسائر الحيوان الا ان الله الرحمن من بها على نوع الانسان وسار وسلك بها من شاء من اهل عنايته الى قبل الملك المنان حتى ترقى عن جميع الاكوان ونال الشهود والعيان ووصل الى الحق المحسان واتاه كمال الايقان وتمام الاحسان ثم جاء نبيا او وليا لارشاد الاخوان فقام بالحكمة والبيان وبين الاسلام والايمان ودعا الى الله الحليم الحنان وبشر بالجنان وانذر بالنيران فمن اجاب نال اللطف والاحسان ومن لم يجب خسر خسرنا مبينا وقال عليه الصلاة والسلام عن عيسى « لن يلج ملكوت السموات والارض ومن لم يولد مرتين » فالولوج لاصحاب القلوب والمشاهدة والنظر لارباب العقول والاستدلال كذا فى التأويلات النجمية مع مزج من كلام شيخنا العلامة احياه الله بالسلامة [ روزى امام ابى حنيفة رحمه الله در مسجد نشسته بود جماعتى از زنادقة در آمدند وقصد هلاك او كردند امام كفت يك سؤال را جواب دهيد بعد ازان تيغ ظلم را آب دهيد كفتند مسئله جيست فت من سفينة ديدم بربار كران برورى دريا روان ى آنكه هيج ملاحى محافظت ميكرد كفتند اين محالست زيرا كه كشتى بى ملاح بريك نسق رفتن محال باشد كفت سبحان الله سير جمله افلاك وكواكب ونظام عالمى وسفلى ازسيريك سفينه عجبترست همه ساكت كشتند واكثر مسلمان شدند ] : قال الحافظ الشيرازى
درحشمت سليمان هركس كه شك نمايد ... برعقل ودانش او خندند مرغ وماهى(4/341)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)
{ يسألونك عن الساعة } اى عن القيامة وهى من الاسماء الغالبة فيها كالنجم فىلثريا وسميت القيامة ساعة لوقوعها بغتة اة لكون الحساب الواقع فيها يتم وينقضى فى ساعة يسيرة لانه تعالى لا يشغله شأن عن شأن او لانها على طولها عند الله تعالى كساعة من الساعات عند الخلق واصلها ساعة قيام الناس من الاجداث فلما غلبت تعينت فاستغنت عن الاضافة -روى- ان قوما من اليهود قالوا يا محمد اخبرنا متى الساعة ان كنت نبيا فانا نعلم متى هى وكان ذلك امتحانا منهم مع علهم انه تعالى قد استأثر بعلمها فنزلت { ايان مرسيها } ايان ظرف زمان متضمن لمعنى الاستفهام محله الرفع على انه خبر مقدم ومرساها مبتدأ مؤخر اى متى ارساؤها اى اثباتها وتقريرها فانه مصدر ميمى من ارساه اذا اثبته واقره ولا يكاد يستعمل الا فى الشيء الثقيل كما فى قوله تعالى { والجبال ارسيها } ولما كان اثقل الاشياء على الخلق هو الساعة سمى الله تعالى وقوعها وثبوتها بالارساء ومحل الجملة النصب بنزع الخافض فانها بدل من الجار والمجرور لا من المجرور فقط كأنه قيل يسألونك عن الساعة عن ايان مرسيها { قل انما علمها } لم يقل انما علم وقت ارسائها لان المقصد الاصلى من السؤال نفسها باعتبار حلولها فى وقتها المعين لا وقتها باعتبار كونه محلالها ولذلك اضاف العلم المطلوب بالسؤال الى ضميرها { عند ربى } خاصة قد استأثر به لم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا { لا يجليها } اى لا يظهر امرها من التجلية وهو اظهار الشيء والتجلى ظهوره رلوقتها } اى قى وقتها فاللام للتأقيت كاللام فى قوله { اقم الصلوة لدلوك الشمس } { الا هو } والمعنى انه تعالى يخفيها على غيره اخفاء مستمرا الى قوت وقوعها لا يظهرها الا فى ذلك الوقت الذى وقعت فيه بغتة بنفس الوقوع لا بالاخبار عنها لكون اخفائها ادعى الى الطاعة وازجر عن المعصية كاخفاء الاجل الخاص الذى هو وقت الموت كتم الله تعالى وقت قيام الساعة عن الخلق ليصير المكلف مسارعا الى التوبة والطاعة فى جميع الاوقات فانه لو علم وقت قيام الساعة لتقاصر الخلق عنها واخروها . وكذلك اخفى ليلة القدر ليجتهد المكلف فى العبادة فى ليالى الشهر كلها واخفى ساعة الاجابة من يوم الجمعة ليكون المكلف مجدا فى الدعاء فى جميع ساعاته { ثقلت فى السموات والارض } اى كبرت وشقت على اهلها من الملائكة والثقلين كل منهم اهمهم خفاؤها وخروجها عن دائرة المعقول
وقيل عظمت على اهلها خوفا من شدائدها وما فيها من الاهوال ومن جملة اهوالها فناء من فى السموات والارض وهلاكهم وذلك ثقيل على القلوب { لا تأتيكم الا بغتة } الا فجاء على غفلة فتقوم والرجل يسقى ماشيته والرجل يصلح حوضه والرجل يقوم سلعته فو سوقه والرجل يخفض ميزانه ويرفعه والرجل يهوى لقمة فى فمه فما يدرك ان يضعها فى فمه { يسألونك كأنك حفى عنها } اى عالم بها من حفى عن الشيء اذا بالغ فى السؤال عنه ومن استقصى فى تعلم الشيء وبالغ فى السؤال عنه لزمه ان يستحكم علمه به ويعلمه باقصى ما يمكن ويكون ماهرا فى العلم فلذلك كنى بقوله تعالى { كانك حفى عنها } عن كونه عليه السلام عالما باقصى ما يمكن والتعدية عن مع كونه بمعنى العالم وهو يتعدى بالباء لكونه متضمنا لمعنى بليغ فى للسؤال عنها احكمت علمها والجملة التشبيهية فى محل النصب على انها حال من الكاف اى يسألونك مشبها حالك عندهم بحال من هو حفى عنها اى مبالغ فى العلم بها { قل انما علمها عند الله } الفائدة فى اعادته رد المعلومات كلها الى الله تعالى فيكون التكرار على وجه التأكيد والتمهيد للتعريض بجهلهم بقوله { ولكن اكثر الناس لا يعلمون } اختصاص علمها به تعالى فبعضهم ينكرونها رأسا وبعضهم يعلمون انها واقعة البتة ويزعمون انك واقف على وقت وقوعها فيسألونك جهلا وبعضهم يدعون ان العلم بذلك من مواجب الرسالة فيتخذون السؤال عنها ذريعة الى القدح فى رسالتك(4/342)
قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)
{ قل لا املك لنفسى نفعا ولا ضرا } اى جلب نفع ولا دفع ضر فمن لا يعلم ان نفعه فى أى الاشياء ومضرته فى أيها كيف يعلم وقت قيام الساعة واللام متعلق باملك
قال سعدة جلبى المفتى والظاهر انه متعلق بنفعا ولا ضرا { الا ما شاء الله } ان املكه من ذلك بان يلهمنيه فيمكننى منه ويقدرنى عليه فالاستثناء متصل او لكن ما شاء الله من ذلك كائن فالاستثناء منقطع وهذا ابلغ فى اظهار العجز عن علمها { وان كنت عالم الغيب } اى جنس الغيب { لاستكثرت من الخير } اى لجعلت المال والمنافع كثيرا على ان يكون بناء استفعل للتعدية كما فى نحو استذله { وما مسنى السوء } من كيد العدو والفقر والضر وغيرها { ان انا الا نذير وبشير } اى ما انا الا عبد مرسل للانذار والبشارة شأنى ما يتعلق بهما من العلوم الدينية والدنيوية لا الوقوف على الغيوب التى لا علاقة بينها وبين الاحكام والشرائع وقد كشفت عن امر الساعة ما يتعلق به الانذار من مجيئها لا محالة واقترابها واما تعيين وقتها فليس مما يستدعيه الانذار بل هو مما يقدح فيه لما مر من ان ابهامه ادعى الى الانزجار عن المعاصى { لقوم يؤمنون } اما متعلق بهما جميعا لانهم ينتفعون بالانذار كما ينتفعون بالبشارة واما البشير فقط وما يتعلق بالنذير محذوف او نذير للكافرين اى الباقين على الكفر وبشير لقوم يؤمنون اى فى اى وقت كان ففيه ترغيب للكفرة ى احداث الايمان وتحذير عن الاصرار على الكفر والطغيان
قال الحدادى فى تفسيره فى الآية دلالة على بطلان قول من يدعى العلم بمدة الدنيا ويستدل بما روى ان الدنيا سبعة آلاف سنة لانه لو كان كذلك كان وقت قيام الساعة معلوما واما قوله صلى الله عليه وسلم « بعثت انا والساعة كهاتين » واشار الى السبابة والوسطى فمعناه تقريب الوقت لا تحديده كما قال تعالى { فقد جاء اشراطها } اى مبعث النبى عليه السلام من اشراطها انتهى
يقول الفقير رواية عمر الدنيا وردت من طرق شتى صحاح لكنها لا تدل على التحديد حقيقة فلا يلزم ان يكون وقت قيام الساعة معلوما لاحد ايا من كان من ملك او بشر
وقد ذهب بعض المشايخ الى ان النبى صلى الله عليه وسلم كان يعرف وقت الساعة باعلام الله تعالى وهو لا ينافى الحصر فى الآية كما لا يخفى
وفى صحيح مسلم عن حذيفة قال اخبرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو كائن الى ان تقوم الساعة وفى الحديث « ان لله ديكا جناحاه موشيان بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت جناح له بالمشرق وجناح له بالمغرب وقوائمه فى الارض السفلى ورأسه مثنى تحت العرش فاذا كان السحر الاعلى خفق بجناحيه ثم قال سبوح قدوس ربنا الله لا اله غيره فعند ذلك تضرب الديكة اجنحتها وتصيح فاذا كان يوم القيامة قال الله تعالى ضم جناحك وغض صوتك فيعلم اهل السموات والارض ان الساعة قد اقتربت »(4/343)
ومن اشراط الساعة كثرة السبى والتسرى وذلك دليل على استعلاء الدين واستيلاء المسلمين الدال على التراجع والانحطاط اذا بلغ الامر كماله . ومنها كون الغنم دولا يعنى اذا كان الاغنياء واصحاب المناصب يتداولون باموال الغنيمة ويمنعون عنها مستحقيها وكون الزكاة مغرما يعنى يشق عليهم اداء الزكاة ويعدونها غرامة وكون الامانة مغنما يعنى اذا اتخذ الناس الامانات الموضوعة عندهم مغانم يغتنمونها ومن الامانة الفتوى والقضاء والامارة والوزارة وغيرها فاذا آتوها الى غير اهاليها كما ترى فى زماننا فانتظر الساعة
وفى رواية عن ابى هريرة « لا تقوم الساعة حتى يكون الزهد رواية والورع تصنعا ولا تقوم الساعة الا على شرار الخلق »
فان قيل قد ورد فى الصحيح عن ابن عمر رضى الله عنهما « لا تزال طائفة من امتى ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة »
قيل معناه الى قريب قيام الساعة لان قريب الشيء فى حكمه
واعلم ان القيامة ثلاث حشر الاجساد والسوق الى المحشر للجزا وهى القيامة الكبرى وموت جميع الخلائق وهى والوسطى ولا يعلم وقته يقينا الا الله تعالى وانما يعلم بالعلامات المنقولة عن الرسول صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا بعذا منها وموت كل احد وهى الصغرى وفى الحديث « من مات فقد قامت قيامته » -وروى- ان النبى صلى الله عليه وسلم ذكر يوما احوال جهنم فقال واحد من الاصحاب رضى الله عنه ادع لى يا رسول الله ان ادخل فيها فتعجبوا من قوله فقال عليه الصلاة السلام « انه يريد ان يكون صاحب القيامة الكبرى » قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره نحن لا نعرف حقيقة مراده عليه السلام الا انا نوجهه بان يريد ان يشاهد القيامة الكبرى بان يصل الى مرتبة يتجلى فيها معنى قوله تعالى { كل شيء هالك الا وجهه } فان السالك اذا جاوز عن مرتبة الطبيعة والنفس والروح والسر بغيب عنه ما سوى الله تعالى فلا يرى غير الله تعالى فاضمحلال ما سواه وفناؤه هو القيامة الكبرى وهذه مرتبة عظمى لا يصل اليها الا اهل العناية : قال الحافظ
عنقا شكاركس نشوددام بازجين ... كانجا هميشه باد بدستست دام را
فعلى العاقل الاجتهاد وبذل المجهود ليرتقى الى ما ترقى اليه اهل الخير والجود
بال بكشا وصفير ازشجر طوبى زن ... حيف باشد جو تومرغى كه اسير قفسى
كاروان رفت وتودرراه كمين كاه بخواب ... وه كه بس بيخبرى زين همه بانك جرسى
ونعم ما قيل
عاشق شورانه روزى كارجهان سرآيد ... تاخوانده نقش مقصود از كاركاه هستى
نسأل الله تعالى ان يوفقنا لما يحب ويرضى ويداوى هذه القلوب المرضى وهو المعين على كل حال وفى كل حين(4/344)
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190)
{ هو } اى الله تعالى { الذى } اى العظيم الشأن الذى { خلقكم } جميعا وحده من غير ان يكون لغيره مدخل فى ذلك بوجه من الوجوه { من نفس واحدة } هو آدم عليه السلام فكما ان النفوس خلقت من نفس واحدة هى نفس آدم فكذا الارواح خلقت من روح واحد هو روح محمد صلى الله عليه وسلم فكان هو ابا الارواح كما كان آدم ابا البشر لقوله عليه السلام « انما انا لكم كالوالد لولده » وقوله « اول ما خلق الله روحى » فان اول كل نوع هو المنشأ منه ذلك النوع من الحيوان والنبات
كر بصورت من زآدم زاده ام ... من بمعنى جد جد افتاده ام
{ وجعل } انشأ { منها } اى من جنس تلك النفس الواحدة { زوجها } حواء او من جسدها لما يروى ان الله تعالى خلق حواء من ضلع من اضلاع آدم عليه السلام والاول هو الانسب اذ الجنسية هى المؤدية الى الغاية الآتية لا الجزئية { ليسكن } تلك النفس والتذكير باعتبار المعنى يعنى آدم { اليها } اى الى الزوج وهى حواء اى ليستأنس بها ويطمئن اليها اطمئنانا مصححا للازدواج { فلما تغشيها } لم يقل تغشتها باعتبار آدم ايضا والتغشى والتغشية التغطية بالفارسى [ جيزى بركسى بوشانيدن ] كنى به عن الجماع لان الرجل يغطى المرأة ويسترها حال الوقاع لاساعلائه عليها { حملت حملا خفيفا } فى مبادئ الامر فانه عند كونه نطفة او علقة او مضغة اخف عليها بالنسبة الى ما بعد ذلك من المراتب فانتصاب حملا على المصدرية او حملت محمولا خفيفا وهو ما فى البطن من النطفة ونفس الجنين فانتصابه على المفعول به كقوله حملت زيدا وهو الظاهر والمشهور ان الحمل بالفتح ما كان فى البطن او على رأس الشجر وبالكسر ما كان على ظاهر انسان او على الدابة { فمرت به } اى فاستمرت به كما كان من قبل حيث قامت وقعدت واخذت وتركت ولم تكترث بحملها فمرت من المرور بمعنى الذهاب والمضى لا من المر بمعنى الاجتياز والوصول يقال مر عليه وبه يمر مرا اى اجتاز ومر يمر مرا ومرورا اى ذهب واستمر مثله والسين فيه للطلب التقديرى كما فى استخرجته { فلما اثقلت } اى صارت ذا ثقل بكبر الولد فى بطنها { دعوا الله } اى آدم وحواء عليهما السلام لما دهمهما امر لم يعهداه ولم يعرفا مآله فاهتماما به وتضرعا اليه تعالى { ربهما } اى مالك امرهما الحقيق بان يخص به الدعاء ومتعلق الدعاء محذوف اى دعواه تعالى فى ان يؤتيهما ولدا صالحا ووعدا بمقابلته الشكر وقالا { لئن آتيتنا صالحا } اى ولدا سوى الاعضاء او صالحا فى امر الدين { لنكونن من الشاكرين } لك على هذه النعمة المجددة ووجه دعائهما بذلك ان آدم رأى حين اخذ الميثاق على ذريته ان منهم سوى الاعضاء وغير السوىّ وان منهم التقى وغير التقى فسألا ان يكون هذا الولد سوىّ الاعضاء او تقيا نقيا عن المعصية فلما اعطاهما صالحا شكرا لانهما ليسا بحيث يعدان من انفسهما بذلك ثم لا يفعلان ذلك يقال ان حواء كانت تلد فى كل بطن ذكرا او انثى ويقال ولدت لآدم خمسمائة بطن ألف ولد(4/345)
ثم شرع فى توبيخ المسلمين بقوله { فلما آتيهما صالحا } اى فلما اعطى اولادهما المشركين البالغين مبلغ الوالد ولدا صالحا سوىّ الاعضاء { جعلا } اى جعل هذان الابوان { له } اى لله تعالى { شركاء فيما آتيهما } بان سميا اولادهما بعيد العزى وعبد مناف ونحو ذلك وسجدا للاصنام شكرا على هذه النعمة والا ظهر تقرسر ابى السعود حيث قال فى تفسيره { فلما آتيهما صالحا } اى لما آتاهما ما طلباه اصالة واستتباعا من الولد وولد الولد ما تناسلوا جعلا اى جعل اولادهما له تعلاى { شركاء فيما آتيهما } اى فيما اتى اولادهما من الاولاد ففى الكلام حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه والالزم نسبتهما اى آدم وحواء الى الشرك وهما بريئان منه بالاتفاق ويدل على الحذف المذكور صيغة الجمع فى قوله تعالى { فتعالى الله } [ بس بزر كست خداى تعالى وباك ] { عما يشركون } اىعن اشراكهم وهو تسميتهم المذكورة ولو كان المراد بالآية آدم وحواء لقال عما يشركان(4/346)
أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191)
{ أيشركون } به تعالى { ما لا يخلق شيأ } اى لا يقدر على ان يخلق شيأ من الاشياء اصلا ومن حق المعبود ان يكون خالقا لعابده { وهم يخلقون } عطف على ما لا يخلق يعنى الاصنام وايراد الضميرين بجمع العقلاء مبنى على اعتقاد الكفار فيها ما يعتقدونه فى العقلاء وكانوا يصورونها على صورة من يعقل ووصفها بالمخلوقية بعد وصفها بنفى الخالقية لا بانه كمال منافاة حالها لما اعتقدوه فى حقها(4/347)
وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192)
{ ولا يستطيعون لهم } اى لعبدتهم اذا حزبهم امر مهم { نصرا } اى نصر اما بجلب منفعة او دفع مضرة { ولا انفسهم ينصرون } فيدفعون عنها ما يعتريها من الحوادث كما اذا اراد احد ان يكسرها او يلطخها بالالواث والارواث
قال الحدادى وكانوا يلطخون افواه الاصنام بالخلوف والعسل وكان الذباب يجتمع عليها فلا تقدر على دفع الذباب عن انفسها(4/348)
وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193)
{ وان تدعوهم } ايها المشركون { الى الهدى } الى ان يهدوكم الى ما تحصلون به مقاصدكم { لا يتبعوكم } الى مرادكم ولا يجيبوكم كما يجيبكم الله { سواء عليكم } ايها المشركون { أدعوتموهم } اىلاصنام { ام انتم صامتون } ساكتون اى مستوى عليمن فى عدم الافادة دعاؤكم له وسكوتكم فانه لا يتغير حالكم فى الحالين كما لا يتغير حالهم بجكم الجمادية ولم يقل ام صمتم لرعاية رؤوس الآى(4/349)
إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194)
{ ان الذين تدعون من دون الله } اى تعبدونهم من دونه تعالى من الاصنام وتسمونهم آلهة { عباد امثالكم } اى مماثلة لكم من حيث انها مملوكة لله تعالى مسخرة لامره عاجزة عن النفع والضر
وقال الحدادى سماها عبادا لانهم صوروها على صورة الانسان { فادعوهم } فى جلب نفع وكشف ضر { فليستجيبوا لكم } صيغته صيغة الامر ومعناه التعجيز { ان كنتم صادقين } فى زعمكم انهم قادرون على ما انتم عاجزون عنه(4/350)
أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195)
{ ألهم } الا للاصنام { ارجل يمشون بها } حتى يمكن استجابتهم لكم والاستجابة من الهياكل الجسمانية انما تتصور اذا كان لها محرك حياة وقوى محركة ومدركة وما ليس له شيء من ذلك هو بمعزل من الافاعيل بالمرة ووصف الا رجل بالمشى بها للايذان بان مدار الانكار هو الوصف { أم لهم ايد يبطشون بها } أم منقطعة مقدرة ببل والهمزة والبطش الاخذ بقوة . والمعنى بل ألهم ايد يأخذون بها ما يريدون اخذه بل للاضراب المفيد للانتقال من فنّ من التبكيت بعد تمامه الى فن آخر منه { أم لهم اعين يبصرون بها ام لهم آذان يسمعون بها } قدم المشى لانه حالهم فى انفسهم والبطش حالهم بالنسبة الى الغير . واما تقديمه على قوله { ام لهم اعين } الخ مع ان الكل سواء فى انها من احوالهم بالنسبة الى الغير فلمراعاة المقابلة بين الايدى والارجل . واما تقديم الاعين فلما انها اشهر من الآذان واظهر عينا واثرا ثم ان الكفار كانوا يخوفونه عليه السلام بآلهتهم قائلين نخاف ان يصيبكم بعض آلهتنا بسوء فقال الله تعالى { قل ادعوا } ايها المشركون { شركاءكم } واستعينوا بهم فى عداوتى { ثم كيدون } فبالغوا فيما تقدرون عليه من مكر وهى انتم وشركاؤكم فالخطاب فى كيدون للاصنام وعبدتها { فلا تنظرون } فلا تمهلون ساعة فانى لا ابالى بكم لوثوق على ولاية الله وحفظه
اكر هر دو جهانم خصم كردند ... نترسم جون نكهبا نم تو باشى(4/351)
إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196)
{ ان وليى الله الذى نزل الكتاب } تعليل لعدم المبالاة المنفهم من السوق انفهاما ما جليا قوله { وليى } بثلاث آيات . الاولى ياء فعيل وهى ساكنة . والثانية لا الفعل وهى مكسورة ادغمت فيها الباء الاولى . والثالثة ياء الاضافة وهى مفتوحة . والولى هنا بمعنى الناصر والحافظ اضيف الى ياء المتكلم . والمعنى ان الذى يتولى نصرتى وحفظى هو الذى اكرمنى بتنزيل القرآن وايحائه الىّ وايحاء الكتاب اليه يستلزم رسالته لا محالة { وهو يتولى الصالحين } اى ومن عادته0 تعالى ان يتولى الصالحين من عباده وينصرهم لا يخذلهم فضلا عن انبيائه(4/352)
وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197)
{ والذين تدعون } يا عبادة الاصنام { من دونه } اى متجاوزين الله تعالى ودعاءه ومضمون هذه الآية ذكر اوّلا لتقريع عبدة الاصنام وذكر ههنا اتماما لتعليل عدم مبالاته بهم فلا تكرار { لا يستطيعون نصركم } فى امر من الامور { ولا انفسهم ينصرون } اذا نابتهم نائبة(4/353)
وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)
{ وان تدعوهم } اى الاصنام { الى الهدى } الى ان يهدوكم الى ما تحصلون بله مقاصدكم من الكيد وغيره { لا يسمعوا } اى دعاءكم فضلا عن المساعدة والامداد وهذا بخلاف التوجه الى روحانية الانبياء والاولياء وان كانوا مخلوقين فان الاستمداد منهم والتوسل بهم والانتساب اليهم من حيث انهم مظاهر الحق ومجالى انواره ومرائى كمالاته وشفعاؤه فى الامور الظاهرة والباطنة له غايات جليلة وليس ذلك بشرك اصلا بل هو عين التوحيد ومطالعة الانوار من كطالعها ومكاشفة الاسرار من مصاحفها : قال الصائب
مشو بمرك زامداد اهل دل نوميد ... كه خواب مردم آكاه عين بيداريست
{ وتريهم } الرؤية بصرية والخطاب لكل واحد من المشركين اى وترى الاصنام ايها الرائى رأس العين { ينظرون اليك } حال من المفعول اى يشبهون الناظرين اليك ويخيل اليك انهم يبصرونك لما انهم صنعوا لها اعينا مركبة بالجواهر المضيئة المتلالئة وصوروها تصوير من قلب حدقته الى الشيء ينظر اليه { وهم لايبصرون } حال من فاعل ينظرون اى والحال انهم غير قادرين على الابصار وهو بيان عجزهم عن الابصار بعد بيان عجزهم عن السمع وقيل ضمير الفاعل فى تراهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وضمير المفعول للمشركين على ان التعليل قد تم عند قوله تعالى { لا يسمعوا } اى وترى المشركين يا محمد ينظرون اليك باعينهم وهم لا يبصرونك ببصائرهم اى كما انت عليه فهم غائبون عنك فى الحقيقة الا ان يقروا بالتوحيد وصدق الرسالة -ذكر- ان السطر الاول من خاتم سليمان عليه الصلاة والسلام كان بسم الله الرحمن الرحيم . والسطر الثانى لا اله الا الله . والسطر الثالث محمد رسول الله فلما ادخله جبريل فى اصبعه لم يقدر اصحابه ان يروه فتضرعوا فقال قولوا لا اله الا الله محمد رسول الله فلما ادخله جبريل فى اصبعه لم يقدر اصحابه ان يروه فتضرعوا فقال قولوا لا اله الا الله محمد رسول الله فلما قالوه رأوه . وسره انه احاط المهابة فلما اشتغلوا بالتوحيد حصل لهم الاستعداد والقدرة -وحكى- ان السلطان محمود الغازى دخل على الشيخ الربانى ابى الحسن الخرقانى قدس سره لزيارته وجلس ساعة ثم قال يا شيخ ما تقول فى حق ابى يزيد البسطامى فقال الشيخ هو رجل من رآه اهتدى واتصل بسعادة لا تخفى فقال محمود وكيف ذلك وابو جهل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانما رأى محمج بن عبد الله يتيم ابى طالب حتى لو كان رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم لخرج من الشقاوة ودخل فى السعادة ثم قال الشيخ ومصداق ذلك قول الله تعالى { وتريهم ينظرون اليك وهم لا يبصرون } فالنظر بعين الرأس لا يوجب هذه السعادة بل النظر بعين السر والقلب يورث ذلك فمن رأى ابا يزيد بهذه العين فاز بالسعادة(4/354)
براى ديدن روى تو جشم ديكرم باشد ... كه اين جشم كه من دارم جمالت را نمى شايد
وفى الحديث « طوبى لمن رآنى ولمن رأى من رآنى ولمن رأى من رأى من رآنى ولمن رأى من رأى من رأى من رآنى » كما فى الرسالة العلية للكاشفى : وفى المثنوى
كفت طوبى من رآنى مصطفى ... والذى يبصر لمن وجهى رأى
جون جراغى نور شمعى راكشيد ... هركه ديد آنرا يقين آن شمع ديد
همجنين تاصد جراغ ازنقل شد ... ديدن آخر لقاى اصل شد
خواه نور از وابسين بستان بجان ... هيج فرقى نيست خواه از شمع دان
وظهر من هنا ان رؤية الاولياء ايضا انما تفيد اذا كانت بالبصيرة ثم ان الرؤية تتناول ما فى اليقظة وما فى المنام قال بعضهم فى قوله عليه السلام « من رآنى فدق رأى الحق » من رآنى مطلقا اى سواه كانت الرؤية فى اليقظة او فى المنام فقد رأى الرسول الحق
وقال بعضهم من رآنى فى المنام فقد رأى الرؤيا الصادقة لا الرؤيا التى يلعب بها الشيطان
قال الشيخ الاكمل فى شرح المشارق المنام الحق هو الذى يريه الملك الموكل على الرؤيا فان الله تعالى قد وكل بالرؤيا ملكا يضرب من الحكمة والامثال وقج اطلعه الله سبحانه على قصص ولد آدم من اللوح المحفوظ فهو ينسخ منها ويضرب لكل قصة مثلا فاذا نام يمثل له تلك الاشياء على طريق الحكمة لتكون بشارة له او نذارة او معاتبة ليكونوا على بصيرة من امرهم كذا قيل انتهى
واعلم ان جميع الانبياء معصومون من ان يظهر شيطان بصورهم فى النوم واليقظة لئلا يشتبه الحق بالباطل
يقول الفقير اصلحه الله القدير سمعت من حضرة شيخى المتفرد فى زمانه بعلمه وعرفانه ان الشيطان لا يتمثل ايضا بصور الكمل من الاولياء الكرام كقطب الوجود فى كل عصر فانه مظهر تام للهدى سار فى سره سر النبى المصطفى صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا
فعلى العاقل ان يترك القيل والقال ويدع الاعتراض بالمقال والحال ويستسلم لامر الله الملك المتعال الى ان يبلغ الرجال ويتخلص من مكر الشيطان البعيد عن ساحة العز والاجلال ويكون هاديا بعج كونه مهديا ان كان ذلك امرا مقضيا اللهم اهدنا الى رؤية الحق وارنا الاشياء كما هى وخلصنا من الاشغال بالمناهى والملاهى انك انت الجواد لكل صنف من العباد منك المبدأ واليك المعاد(4/355)
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)
{ خذ العفو } -روى- انه صلى الله عليه وسلم سأل جبريل ( ما الاخذ بالعفو ) فقال لا ادرى حتى اسأل ثم رجع فقال يا محمد ان ربك امرك ان تعطى من حرمك وتصل من قطعك وتعفو عمن ظلمك وان تحسن الى من اساء اليك
هركه زهرت دهد بدوده قند ... وآنكه ازتو برد بدوبيوند
والعفو من اخلاقه تعالى
قال سعيد بن هشام دخلت على عائشة فسألتها عن اخلاق النبى عليه السلام قالت اما تقرأ القرآن قلت بلى قال كان خلق رسول الله القرآن وانما ادبه بالقرآن بمثل قوله تعالى { خذ العفو وائمر بالمعروف واعرض عن الجاهلين } وبقوله { واصبر على ما اصابك ان ذلك من عزم الامور } وبقوله { فاعف عنهم واصفح } وغير ذلك من الآيات الدالة على مكارم اخلاقه { وامر بالعرف } بالجميل المستحسم من الافعال لانها قريبة من قبول الماس من غير نكير
قال فى التيسير قالوا فى العرف تقوى الله صلة الارحام وصون اللسان عن الكذب ونحوه وغض البصر عن المحارم وكف الجواؤح عن المآثم { واعرض عن الجاهلين } ولا تكافئ السفهاء بمثل سفههم ولا تمارهم واحلم عنهم واغضض عما يسوءك منهم وذلك لانه ربما اقدم بعض الجاهلين عند الترغيب والترهيب على السفاهة والاذى والضحك والاستهزاء فلهذا السبب امر الله تعالى حبيبه فى آخر الآية بتحمل الاذى والحلم عمن جفا فظهر بهذا ان الآية مشتملة على مكارم الاخلاق فيما يتعلق بمعاملة الناس معه ولم يكن صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا صخابا فى الاسواق ولا يجزى السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح كذا فى الكواشى -روى- انه لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كيف يا رب والغضب » فنزل قوله تعالى { واما } كلمتان ان التى هى للشرط وما التى هى صلى زائدة { ينزغنك } النزغ والنخس الغرز يقال نزعه طعن فيه ونزع بينهم افسد واغرى ووسوس ونخس الدابة غرز مؤخرها او جنبها بعود ونحوه { من الشيطان نزغ } اى مازغ كرجل عدل بمعنى عادل وشبهت وسوسته ما على خلاف ما امرت بع من اعتراء غضب او نحوه { فاستعذ بالله } فالتجئ اليه تعالى من شره واعتصم { انه } تعالى { سميع } يسمع استعاذتك به قولا { عليم } يعلم تضرعك اليه قلبا فى ضمن القول او بدونه فيعصمك من شره
قال فى البحر وختم بهاتين الصفتين لان الاستعاذة التى تكون باللسان لا تجدى الا باستحضار معناها . فالمعنى سميع للاقوال سميع بما فى الضمائر واختلفوا هل المراد الشسطان او القرين فقط والظاهر انه فى حقنا القرين قال الله تعالى { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين } وفى حق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ابليس اما نحن فلان الانسان لايؤذيه من الشياطين الا ما قرن به وما بعده فلا يضر شيأ والعاقل لا يستعيذ ممن لا يؤذيه واما الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فان قرينه قد اسلم فلا يستعيذ منه فالاستعاذة حينئذ من غيره وغيره يتعين ان يكون ابليس او اكابر جنوده لانه قد ورد فى الحديث(4/356)
« ان عرش ابليس على البحر الاخضر وجنوده حوله واقربهم اليه اشدهم بأسا ويسأل كلا منهم عمله واغوائه ولا يمسى هو الا فى الامور العظام » والظاهر ان امر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من اهم المهمات عنده فلا يؤثر به غيره من ذريته كما ورد « ان عدو الله ابليس جاء بشهاب من نار ليجعله فى وجهى فقلت اعوذ بالله منك ثلاث مرات ثم قلت العنك بلعنة الله التامة فلم يستأخر ثلاث مرات ثم اردت اخذه والله لولا دعوة اخينا سليمان لاصبح موثقا يلعب به ولدان اهل المدينة » والدعوة قوله { رب اغفر لى وهب لى ملكا لا ينبغى لاحد من بعدى } وانما لم يشهده ولم يأخذن ولم يأخذه لان التسخير التام مختص بسليمان عليه السلام
فان قلت لم لم يمنع ابليس عن النبى صلى الله عليه زسلم كما منع به عن السماء الشياطين
قلت ان الله تعالى جعل اكثب الاشياء كذلك يمنع بها ولا يمنع عنها ألا ترى ان الليل يمنع النهار والنهار يمنع الليل ولا يمنع عنهما النور والظلمة وكذلك احياء الموتى لعيسى عليخ السلام ولم يمنع عنه الموت وايضا لما منع الشياطين عن السماء ظنوا انهم لا يقدرون على محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فسلطهم عليه ثم عصمه منهم ليعلموا انه ليس بايديهم شىء
وقال النيسابورى اراد ان يظهر لخلقه ام غيره مقهور غير معصوم ولا قاهر الا الله تعالى
وعن بعض العلماء ان الخطاب فى قوله { واما ينزغنك } وان كان للنبى عليه السلام الا ام المراد امته وتشريع الاستعاذة لهم
يقول الفقير حفطه الله القدير يعضده ما قال بعض الاولياء من امته وهو ابو سليمان الدارانى قدس سره ما خلق الله خلقا اهون على من ابليس لولا ان الله امرنى ام أتعوذ منه ما تعوذت منه ابدا وما قال البعض الآخر حين قيل له كيف مجاهدتك للشيطان وما الشيطان نحن قوم صرفنا هممنا الى الله فطفانا من دونه فاذا كان هذا حال الولى فما ظنك يحال النبى ويدل عليه ايضا كلمة ان الدالة على عد الجزم
واعلم ام الغضب لغير الله من نزغات الشيطان وانه بالاستعاذة يسكن -روى- انه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يخاصم اخاه قد احمر وجهه وانتفخت او داجه من الغضب فقاب عليه السلام « انى لاعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال اعوذ بالله من الشيطان لذهب عنه ما يجده »(4/357)
وفى الحديث « ان الغضب من الشيطان وان الشيطان من النار وانما تطفأ النار بالماء فاذا غضب احدكم فليتوضأ » وفى المثنوى
جون زخشم آتش تودر دلها زدى ... مايه نار جهنم آمدى
آتشت اينجاجه آدم سوز بود ... آنجه ازوى زاد مرد افروز بود
آتش توقصد مردم ميكند ... نار كزوى زاد برمردم زند
اين سخنهاى جومار وكزدست ... مار وكزدم كشت وميكردد دمت
خشم توتخم سعير ودوزخست ... هين بكش اين دوزراكين فخست
وفى الحديث « لما اراد الله ان يخلق لابليس نسلا وزوجة القى عليه الغضب فطارت منه شظية من نار فخلق منها امرأته » كذا فى حياة الحيوان
والاشارة { خذ العفو } اى تخلق بخلق الله فان العفو من اخلاقه تبارك وتعالى { وائمر بالعرف } اى بالمعروف وهو طلب الحق تعالى لانه معروف العارفين { وأعرض عن الجاهلين } يعنى عن كل ما يدعوك الى غير الله عمن يطلب ما سوى الله فان الجاهل هو الذى لا يعرف الله ولا يطلبه والعالم من يطلبه { واما ان ينزغنك من الشيطان نزغ } فى طلب غير الله { فاستعذ بالله } من غير الله بان تفر الى الله وتترك ما سواه { انه سميع } يسمه القول والاجابة لما تدعوه اليه { عليم } بما ينفعك ويضرك فيسمع ما ينفعك دون ما يضرك كذا فى التأويلات النجمية(4/358)
إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202)
{ ان الذين اتقوا } اى اتصفوا بوقاية انفسهم ما يضرها { اذا مسهم طائف من الشيطان } ادنى لمة منه وهى الوسوسة والمس . والطائف اسم فاعل من طاف يطوف اذا دار حول الشئ كأنها تطوف وتدول حولهم لتوقع بهم او من طاف به الخيال يطيف طيفا اى الم فالطائف بمعنى الجائى والنازل . وفى الصحاح طيف الخيال مجيئه فى النوم وطيف من الشيطان وطائف منه لمم منه والخيال فى الاصل اسم بمعنى التخيل وارتسام الصورة فى محل القوة المتخيلة ويطلق على نفس تلك الصورة وطيفه نزوله فى محل المتخيلة { تذكروا } اى ما امر به ونهى عنه
وقال المولى ابو السعود اى الاستعاذة به تعالى والتوكل عليه { فاذا هم } بسبب ذلك التذكر { مبصرون } مواقع الخطأ ومكائد الشيطان فيتحرزون عنها ولا يتبعونه فيها
{ واخوانهم } اى اخوان الشياطين وهم المنهمكون فى الغى المعرضون عن وقاية انفسهم عن المضمار فضميرا اخوانهم للشيطان والجمع لكون المراد به الجنس { يمدونهم فى الغى } اى يكون الشياطين مددا لهم فيه ويعضدونهم بالتزيين والحمل عليه والغى والضلال { ثم لا يقصرون } اى لا يمسكون عن الاغواء حتى يردونهم بالكلية يقال اقصر عن الشئ اذا كف عنه وانتهى
فعلى العاقل مباعدة أهل الطغيان ومجانبة وسوسة الشيطان - حكى - ان بعض الاولياء سأل الله تعالى ان يريه كيف يأتى الشيطان ويوسوس فاراه الحق تعالى هيكل الانسان فى صورة بلور وبين كتفيه خال اسود كالعش والوكر فجاء الخناس يتحسس من جميع جوانبه وهو فى صورة خنزير له خرطوم كخرطوم الفيل فجاء من بين الكتفين فادخل خرطومه قبل قلبه فوسوس اليه فذكر الله تعالى فخنس ورآه ولذلك سمى بالخناس لانه ينكص على عقبيه مهما حصل نور الذكر فى القلب ولهذا السر الالهى احتجم صلى الله تعالى عليه وسلم بين كتفيه وامر بذلك ووصاه جبريل بذلك لتضعيف مادة الشيطان وتضييق مرصده لنه يجرى وسوسته مجرى الدم ولذلك كان خاتم النبوة بين كتفيه عليه السلام اشارة الى عصمته عليه السلام من وسوسته لقوله عليه السلام « اعاننى الله عليه فاسلم » اى بالختم الالهى ايده وخصه وشرفه وفضله بالعصمة الكلية فاسلم قرينه وما اسلم قرين آدم فوسوس اليه لذلك
واعلم ان اصل الخواطر اثنان ما يكون بالقا الملك وما يكون بالقاء الشيطان والفرق ام كل ما يكون سببا للخير بحيث يكون مأمون الغائلة اى الآفة فى العاقبة ولا يكون سريع الانتقال الى غيره ويحصل بعده توجه تام الى الحق ولذة عظيمة مرغبة فى العبادة فهو ملكى وبالعكس شيطانى
قال بعضهم قد يلبس الشيطان ويرى الباطل فى صورة الحق فاجمع المشايخ على ان من كان قوته من الحرام لا يفرق بين الخواطر الملكية والشيطانية بل منهم من قال من كان قوته غير معلوم لا يفرق بينهما : وفى المثنوى(4/359)
طفل جان ازشير شيطان بازكن ... بعد ازانش باملك انبار كن
تاتو تارك وملول وتيره ... دانكه باديو لعيم همشيره
لقمه كان نور افزود وكمال ... آن بود آورده از كسب حلال
جون زلقمه توحسد بينى ودام ... جهل وغفلت زايد آنرادان حرام
زايد ازلقمه حلال اندر دهان ... ميل خدمت عزم رفتن آن جهان
قال حضرة شيخنا الفريد امده الله بالمزيد فى كتاب اللائحات البرقيات الملك الموكل بامر الله على قلوب اهل الحق يلقى اليهم دائما فاذا مسهم طائف من الشيطان فيذكرهم بذلك الطائف الشيطانى فهم يتذكرون ويبصرون ويمحون والشيطان المتسلط بخذلان الله على صدور اهل الباطل يلقى اليهم الباطل دائما فاذا هو مسهم طائف من الرحمن فينسيهم ذلك فهم لا يتذكرون ولا يبصرون ولا يمحون فالشان الرحمانى دائما اراءة الحق حقا والباطل باطلا والشان الشيطانى اراءة الحق باطلا والباطل حقا وهذا هو السر والحكمة فى كون عباد الرحمن هادين ومهديين وعباد الشيطان ضالين ومضلين لان الاراءة الاولى هى الهداية بعينها والثانية هى الاضلال بعينه والاضلال لا بد من انه يستلزم الضلال كما ان الهداية لا بد من انها تستلزم الاهتداء انتهى كلامه
قال فى التاويلات النجمية { ان الذين اتقوا } هم ارباب القلوب والتقوى من شان القلب كما قال عليه الصلاة والسلام « التقوى ههنا » واشار الى صدوره التقوى نور يبصرون به الحق حقا والباطل باطلا فلذا قال { اذا مسهم طائف من الشيطان } اى اذا طاف حول القلب التقى النقى نوع طيف من عمل الشيطان براه القلب بنور التقوى ويعرفه فيتذكر انه يفسده ويكدر صفاءه ويقيسه فيجتنبه ويحترز منه فذلك قوله { تذكروا فاذا هم مبصرون واخوانهم يمدونهم فى الغى } يعنى النفوس اخوان القلب فان النفس والقلب توأمان ولدا من ازدواج الروح والقالب فالقلب يمد النفس فى الطاعة ولولا ذلك ما صدر من القلب معصية لنه حبل على الاطمئنان بذكر الله وطاعته { ثم لا يقصرون } لا يسأم كل واحد منهما من فعله ولا يدع ما جبل عليه لئلا يأمن من ارباب القلوب من كيد النفوس ابدا ولا يقنط ارباب النفوس المسرفين على انفسهم من رحمة الله من اصلاح احوال قلوبهم(4/360)
وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)
{ واذا لم تأتهم } اى اهل مكة { بآية } من القرآن عند تراخى الوحى او بآياته مما اقترحوه كقولهم احى لنا فلانا الميت يكلمنا ويصدقك فيما تدعونا اليه ونحو ذلك { قالوا لولا اجتبيتها } اجتبى الشئ بمعنى حباه لنفسه اى جمعه . فالمعنى هلا جمعتها من تلقاء نفسك تقولا كسائر ما تقرأه من القرآن فانهم يقولون كله افك او هلا ميزتها واصطفيتها عن سائر مهماتك وطلبتها من الله تعالى فيكون الاجتباء بمعنى الاصطفاء { قل } ردا عليهم { انما اتبع } اى ما افعل الا اتباع { ما يوحى الى من ربى } لست بمختلق للآيات ولست بمقترح لها { هذا } القرآن { بصائر من ربكم } بمنزلة البصائر للقلوب بها تبصر الحق وتدرك الصواب اخبر عن المفرد بالجمع لاشتماله على سور وآيات { وهدى ورحمة لقوم يؤمنون } اذ هم المقتبسون من انواره والمغتنمون من آثاره والجملة من تمام القول المأمور به
وفى الآية اشارة الى انه كما ان النبى يتبع الوحى الالهى كذلك الولى يتبع الالهام الربانى فلا قدرة على تزكية النفوس الا بالوحى والالهام وايضا لو لم يتبع الهدى لكان اهل هوى غير صالح للارشاد وخائنا والخائن لا يكون امينا على اسرار النبوة والولاية
وعن بعض اهل العلم قال كنت بالمصطبة واذا برجلين يتكلمان فى الخلوة مع الله تعالى فلما ارادا ان ينصرفا قال احدهما للآخر تعال نجعل لهذا العلم ثمرة ولا يكون حجة علينا فقال اعزم على ما شئت فقال عزمت على ان لا آكل ما للمخلوق فيه صنع قال فتتبعها فقلت انا معكما فقالا على الشرط قلت على اى شرط شرطتما فصعدا جبل لكام ودلانى على كهف وقالا تعبد فيه وجعل كل واحد منهما يأتينى بما قسم الله تعالى وبقيت مدة ثم قلت الى متى اقيم ههنا اسير الى طرطوس وآكل من الحلال واعلم الناس العلم واقرأ القرآن فخرجت ودخلت طرسوس واقمت بها سنة واذا انا برجل منهما وقد وقف على وقال يا فلان خنت فى عهدك ونقضت الميثاق اما انك لو صبرت كما صبرنا لوهب لك ما وهب لنا قلت ما الذى وهب لكما قال ثلاثة اشياء طى الارض من المشرق الى المغرب بقدم واحد والمشى على الماء والحجبة اذا شئتما ثم احتجب عنى فقلت بالذى وهب لكما هذا الخال ألا ما ظهرت لى فقد شويت قلبى فظهر وقال سل فقلت هل لى الى ذلك الحال عودة فقال هيهات لا يؤمن الخائن : قال الحافظ
وفامجوى زكس ورسخن نمى شنوى ... بهرزه طالب سيمرغ وكيميا ميباش
وفى الحكاية اشارة الى ان الله تعالى يمن على من يشاء - حكى - ان الشيخ جوهر المدفون فى عدن كان مملوكا فعتق وكان يبيع ويشترى فى السوق ويحضر مجالس الفقراء ويعتقدهم وهو امى فلما حضرت قال الذى يقع على رأسه الطائر الاخضر فى اليوم الثالث من موتى عندما يجتمع الفقراء فلما توفى اجتمع الفقراء عند قبره ثلاثة ايام فلما كان اليوم الثالث وفرغوا من الذكر والقرآن قعدوا ينتظرون ما وعدهم الشيخ واذا بطائر اخضر وقع قريبا منه فبقى كل واحد من كبار الفقراء يترجى ذلك ويتمناه فيتمناهم كذلك اذا باطائر قد طار ووقع على رأس الشيخ جوهر ولم يكن يخطر له ولا لاحد من الفقراء يترجى ذلك ويتمناه فيتمناهم كذلك اذا بالطائر قد طار ووقع على رأس الشيخ جوهر ولم يكن يخطر له ولا لاحد من الفقراء ذلك فقام اليه الفقراء ليزفوه الى زاوية الشيخ وينزلوه منزلة المشيخة فبكى وقال كيف اصلح للمشيخة وانا رجل سوقى وانا لا اعرف طريق الفقراء وآدابهم وعلى تبعات وبينى وبين الناس معاملات فقالوا له هذا امر سماوى ولا بد لك منه والله يتولى تعليمك فقال امهلونى حتى امضى الى السوق وابرأ من حقوق الخلق فامهلوه فذهب الى دكانه ووفى كل ذى حق حقه ثم ترك السوق ولزم الزاوية ولازمه الفقراء فصار جوهر كاسمه : قال الحافظ(4/361)
طالب لعل وكهر نيست وكنه خورشيد ... همجنان در عمل معدن وكانست كه بود
وقال
كوهر باك ببايد كه شود قابل فيض ... ورنه هرسنك وكلى لؤلؤ ومرجان نشود
ولما عظم سبحانه وتعالى شأن القرآن { بقوله هذا بصائر للناس } اردفه بقوله { واذا قرئ القرآن } الذى ذكرت شؤونه العظيمة { فاستمعوا له } استماع قبول وعمل ما فيه فان شأنه يوجب الاستماع مطلقا ولما فى الافتعال من التصرف والسعى والاعتمال فى ذبك الفعل فرقوا بين المستمع والسامع بان المستمع من كانح قاصدا للسماع مصغيا اليه والسامع من اتفق سماعه من غير قصد اليه فكل مستمع سامع من غير عكس { وانصتوا } اى واسكتوا فى خلال القراءة وراعوها الى انقضائها تعظيما وتكميلا للاستماع والفرق بين الانصات والسكوت ان الانصات مأخوذ فى مفهومه الاستماع والسكوت فلا يقتصر فى معناه على السكوت بخلاف السكوت { لعلكم ترحمون } اى تفوزو بالرحمة التى هى اقصى ثمراته
قال ابن عباس رضى الله عنها كان المسلمون قبل نزول هذه الآية يتكلمون فى الصلاة ويأمرون بحوائجهم ويأتى الرحل الجماعة وهم يصلون فيسألهم كم صليتم وكم بقى فيقولون كذا فانزل الله تعالى هذه الآية وامرهم بالانصات عند الصلاة بقراءة القرآن لكونها اعظم اركانها
استدل الامام ابو حنيفة بهذه الآية على انصات واجب وان وان قراءة المأموم فلا يقرأ خلف الامام سواء اسر الامام ام جهر لانه تعالى اوجب عليه امرين الاستماع والانصات فاذا فات الاستماع بقى الانصات واجبا وجه الاستدلال ان المراد بالانصات المأمور به وان كان هو النهى عن الكلام لا عن القراءة لكن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب على ان جماعة من المفسرين قالوا ان هذه الآية نزلت فى الصلاة خاصة حين كانوا يقرأون القرآن خلفه عليه السلام وجعله الحدادى فى تفسيره اصح
قال فى الاشباه اسقط ابة حنيفة القراءة عن المأموم مكروهة كراهة التحريم وهو الاصح كما فى شرح المجمع لابن مالك قال رضى الله عنه من قرأ خلف الامام فقد اخطأ الفطرة اى السنة -يحكى- ان جماعة من اهل السنة جاؤا الى ابى حنيفة رضى الله عنه ليناظروه فى القراءة خلف الامام ويبكتوه ويشنعوا عليه فقال لا يمكننى مناظرة الجميع ففوضوا امر المناظرة الى اعلمكم لاناظره فاشاروا الى واحد فقال هذا اعلمكم فقالوا نعم قال والمناظرة معه مناظرة لكم قالوا نعم قال والالزام عليه كالالزام عليكم قالوا نعم قال وان ناظرته والزمته الحجة فقد لزمتكم الحجة قالوا نعم قال وكيف قالوا لانا رضينا به اماما فكان قوله قولنا فقال ابو حنيفة فنحن لما اخترنا الامام فى الصلاة كانت قراءته قراءة لنا وهو ينوب عنا فاقروا له بالالزام .(4/362)
قال الفقهاء المطلوب من القراءة التدبر والتفكر والعمل به ولا يحصل ذلك بالاستماع والانصات فيجب على المؤتم ذلك وهو كالخطبة يوم الجمعة لما شرعت وعظا وتذكيرا وجب الاستماع ليحصل فائدتها لا ان يخطب كل لنفسه بخلاف سائر الاركان لانها شرعت للخشوع ولا يحصل لهم الخشوع الا بالسجود معه والركوع
اعلم ان ظاهر النظم الكريم يقتضى وجوب الاستماع والانصات عند قراءة القرآن فى الصلاة وغيرها وعامة العلماء على استحبابها خارج الصلاة كما فى التفاسير
قال الحدادى ولا يجب على القوم الانصات لقراءة كل من يقرأ فى غير الصلاة
وقال الحلبى رجل يكتب الفقه ويجنبه رجل يقرأ القرآن ولا يمكن للكاتب الاستماع فالاثم على القارئ لقراءته جهرا فى مواضع اشتغال الناس باعمالهم وعلى هذا لو قرأ على السطح فى الليل جهرا والناس نيام يأثم كذا فى الخلاصة . صبى يقرأ فى البيت واهله مشغولون بالعمل يعذرون فى ترك الاستماع لن افتتحوا العمل قبل القراءة والا فلا . وكذا قراءة الفقه عند قراءة القرآن ولو كان القارئ فى المكتب واحدا يجب على المارين الاستماع وان اكثر ويقع الخلل فى الاستماع لا يجب عليهم . ويكره للقوم ان يقرأوا القرآن جملة لتضمنها وترك الاستماع والانصات . وقبل لا بأس به والاصل فيه ان الانصات والاستماع للقرآن فرض كفاية على ما حققه الحلبى فى الشرح الكبير
قال فى القنية ولا بأس باجتماهم على قراءة الاخلاص جهرا عند ختم القرآن ولو قرأ واحد واستمع الباقون فهو اولى . ورجل يكتب من الفقه او يكرر منه وغيره يقرأ القرآن لا يلزمه الاستماع لان النبى عليه السلام دخل على اصحابه وهم فى المسجد حلقتان حلقة فى مذاكرة الفقه وحلقة فى قراءة القرآن وجلس فى حلقة مذاكرة الفقه ولو لزم الاستماع لما فعل ذلك وفيه اشارة فضيلة الفقه ومذاكرته(4/363)
علم دين فقهست وتفسير وحديث ... هركه خواند غير ازين كردد خبيث
قال فى نصاب الاحتساب قراءة القرآن فى القبور تكره عند ابى حنيفة وعند محمد لا تكره ومشايخنا اخذوا بقول محمد لكن لا يقرأ جهرا اذا كان اهل المصيبة مشتغلين بالناس فان القراءة جهرا عند قوم مشاغيل مكروهة
ثم اعلم انه يدخل فى الآية الخطبة لانها ملتبسة بقراءة القرآن فنعمل بظاهره فى حق قراءة القرآن وفى حق الخطبة وينصت وان صلى الخطيب على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لان ذلك جزء من الخطبة فنعمل فيه ما نعمل فى الباقى اذا اذا قرأ صلوا عليه فيصلى المستمع سرا اى فى نفسه وقلبه ولا يحرك لسانه لانه توجه عليه امران صلوا عليه وقوله انصتوا فيصلى فى نفسه وينصت بلسانه حتى يكون آتيا بهما . واختلفوا فى البعيد عن المنبر والاحوط السكوت اقامة لفرض الانصات وان تعذر الاستماع ولان فيه تشبها بالمستعمعين ولان صوت كلامه قد يبلغ الصفوف التى امامه فيشغلهم ويمنعهم عن استماع الخطبة
قال فى التتارخانية اذا شرع الخطيب فى الدعاء لا يجوز للقوم رفع الايادى ولا ان يكون بلسانه وكذا فى الصلاة على النبى عليه الصلاة والسلام باللسان جهرا فان فعلوا اثموا ويجوز بالقلب ويجب على العلماء منهم فان لم يمنعوا اثموا
وقال فى نصاب الاحتساب ولا يتكلم حال الخطبة وام كان امرا بمعروف او نهيا عن منكر ولو لم يتكلم لكن اشار بيده او بعينه حين رأى منكرا الصحيح انه لا بأس به وفى الحديث « اذا قلت لصاحبك انصت يوم الجمعة والامام يخطب فقد لغوت » اى تكلمت بما لا ينبغى
قال النووى فيه نهى عن جميع انواع الكلام لان قوله انصت اذا كان لغوا مع انه امر بمعروف فغيره من الكلام اولى وانما طريق النهى هنا الانكار بالاشاره . وفى قوله والامام يخطب اشعار بان هذا النهى انا هو فى حال الخطبة وهو مذهب الشافعى وقال ابو حنيفة يجب الانصات بخروج الامام لقوله عليه السلام « اذا خرج الامام فلا صلاة ولا كلام » اى مطلقا سواء خطب او لم يخطب والترجيح للمحرم وقال لا بأس بالكلام اذا خرج الامام قبل ان يخطب واذا فرغ قبل ان يشتغل بالصلاة لان التكلم بما لا اثم فيه انما كره للاستماع اذ الكلام يخل بفرض استماعها ليقصر على حال الخطبة اذ لا استماع قبلها وبعدها
وفى القنية الكلام فى خطبة العيدين لقوله عليه السلام « يوم العيد من شاء منكم ان يخرج فليخرج » والحاصل انه اذا خرج الامام حرم كلام الناس والناقلة اما الفائتة فلا كراهة فى قضائها وقت الخطبة نص عليه فى النهاية وكذا التسبيح ونحوه جائز بالاتفاق(4/364)
قال فى الاشباه خرج الخطيب بعد شروعه متنفلا قطع على رأس الركعتين يعنى ان يصلى ركعة ضم اليها اخرى وسلم كما فى الكافى وان كان الشرع فى الشفع الثانى اتمه كما فى الاختيار ولو كان شرع فى سنة الجمعة يتمها اربعا على الصحيح كما فى الاشباه وغيره وعبارة الخروج واردة علىعادة العرب لانهم يتخذون للامام مكانا خاليا تعظيما لشانه فيخرج منه حين اراد الصعود الى المنبر واما القاطع عن الصلاة والكلام فى ديارنا فهو قيام الامام للصعود
قال فى التأويلات النجمية الانصات شرط فى حسن الاستماع وحسن الاستماع شرط فى الاسماع والاشارة { انصتوا } بألسنتكم الظاهرة لتستمعوا له بآذانكم الباطنة { لعلكم ترحمون } بالاستماع بالسمع الحقيقى وهو قوله « كنت له سمعا فبى يسمع » فمن سمع القرآن بسمع بارئه فقد سمع من قارئه وهذا سر { الرحمن علم القرآن } قال المولى الجامى كوينده سنائى غزنوى است
عجب نبودكه ازقر آن نصيب نيست جز حرفى ... كه ازخرشيد جز كرمى نبيند جشم نابينا(4/365)
وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205)
{ واذكر } يا محمد { ربك } ويجوز ان يكون المراد جميع الخلق والذكر طرد الغفلة ولذا لا يكون فى الجنة لانها مقام لحضور الدائم { فى نفسك } وهو الذكر بالكلام الخفى فان الاخفاء ادخل فى الاخلاص واقرب من الاجابة وهذا الذكر يعم الاذكار كلها من القراءة والدعاء وغيرها كما قال فى الاسرار المحمدية ليس فضل الذكر منحصرا فى التهليل والتسبيح والتكبير والدعاء بل كل مطيع لله فى عمل فهو ذاكر { تضرعا } مصدر واقع موقع الحال من فاعل اذكر اى متضرعا ومتذللا . والضراعة الخضوع والذل والاسكانة يقال تضرع الى الله اى ابتهل وتذلل والابتهال الاجتهاد فى الدعاء واخلاصه
قال بعض العارفين بالله الصلاة افضل الحركات والصوم افضل السكنات والتضبع فى هياكل العبادات يحل ما عقدته الافلاك الدائرات
لو لم ترد نيل ما ارجو واطلبه ... من فضل جودك ما علمتنى الطلبا
{ وخيفة } بكسر الخاء اصلها خوفه قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها اى وحال كونك خائفا
قال ابن الشيخ وهذا الخوف يتناول خوف التقصير فى الاعمال وخوف الخاتمة وخوف السابقة فان ما يكون فى الخاتمة ليس الا ما سبق به الحكم فى الفاتحة ولذلك قال عليه السلام « جف القلم بما هو كائن الى يوم القيامة » انتهى
يقول الفقير هذا بالنسبة الى ام يكون المراد بالخطال فى الآية هو الامة والا فالانبياء بل وكمل الاولياء آمنون به من خوف الخاتمة والفاتحة نعم لهم خوف لكن من نوع آخر يناسب مفامهم ولما كان اكمل احوال الانسان ان يظهر عزة ربوبية الله وذلة عبودية نفسه امر الله بالذكر ليتم المقصود الاول وقيده لاتضبع والخيفة ليتم المقصود الثانى
اى خنك آنراكه ذلت نفسه ... آنكسى راكه بردى رفسه
{ ودون الجهر من القول } صفة لمحذوف هو الحال اى ومتكلما كلاما هو دون الجهر فانه اقرب الى حسن التفكر فمن ام فى صلاة الجهر ينبغى له ان لا يجهر جهرا شديدا بل يقتصر على قدر ما يسمعه من خلفه
قال فلا الكشف لا يجهر فوق حاجة الناس والا فهو مسيئ . والفرق بين الكراهة والاساءة هو ان الكراهة افحش من الاساءة ولما رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عمر رضى الله عنه يقرأ رافعا صوته فسأله فقال اوقظ الوسنان واطرد الشيطان قال عليه السلام « اخفض من صوتك قليلا » واتى ابا بكر رضى الله عنه فوجده يقرأ خافضا صوته فسأله فقال قد اسمعت من ناجيت فقال عليه السلام « ارفع من صوتك قليلا » وقد جمع النووى بين الاحاديث الواردة فى استحباب الجهر بالذكر بالذكر والواردة فى استحباب الاسرار به بان الاخفاء افضل حيث خاف الرياء او تأذى المصلون او النائمون والجهر افضل فى غير ذلك لان العمل فيه اكثر ولان فائدته تتعدى الى السامعين ولانه يوقظ قلب الذاكر ويجمع همه الى الفكر ويصرف اليه ويطرد النوم ويزيد فى النشاط وبالجملة ان المختار عند الاخيار ان المبالغة والاستقصاء فى رفع الصوت بالتكبير فى الصلاة ونحوه مكروه والحالة الوسطى بين الجهر والاخفاء مع التضرع والتذلل الاستكانة الخالية عن الرياء جائز غير مكروه باتفاق العلماء كذا فى انوار المشارق وقد سبق من شارح الكشاف ان الشيخ المرشد قد يأمر المبتدى برفع الصوت لتنقلع من قلبه الخواطر الراسخة فيه { بالغدو والآصال } متعلق باذكر اى اذكره فى هذين الوقتين وهما البكرات والعشيات فان الغدو جمع غدوة وهى ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس .(4/366)
والآصال جميع اصيل وهو الوقت بعد العصر الى المغرب والعشى والعشية من صلاة المغرب الى العتمة وخص هذان الوقتان لان فيهما تتغير احوال العالم تغيرا عجيبا يدل على ان المؤثر فيه هو الاله الموصوف بالحكمة الباهرة والقدرة القاهرة فكل من شاهد هذه التغيرات ينبغى له ان يذكر المؤثر فيها بالتضرع والابتهال والخوف من تحويل حاله الى سوء الحال . وقيل الغدو والآصال عبارتان عن الليل والنهار اكتفى عن ذكرهما بذكر كرفيهما والمراد بذكره تعالى فيهما المواظبة عليه بقدر الامكان { ولا تكن من الغافلين } عن ذكر الله تعالى امر اولا بان يذكر ربه على وجه يستحضر فى نفسه معانى الاذكار التى يقولها بلسانه فان المراد بذكر الله فى نفسه يذكره تعالى عارفا بمعانى ما يقول لمن الاذكار ثم اتبعه بقوله { ولا تكن من الغافلين } للدلالة على ان الانسان ينبغى له ان لا يغفل قلبه عن استحضار جلال الله تعالى وكبريائه وفى الحديث « الا انبئكم بما هو خير لكم وافضل من ان تلقوا عدوكم فتضربوا رقابهم ويتضرعوا رقابكم ذكر الله » اى ما هو خير لكم مما ذكر ذكر الله سبحانه لان ثواب الغزو والشهادة فى سبيل الله حصول الجنة والذاكر جليس الحق تعالى كما قال « انا جليس من ذكرنى » والجليس لا بد ان يكون مشهودا فالحق مشهود الذاكر وشهود الحق افضل من حصول الجنة ولذلك كانت الرؤية بعد حصول الجنة وكمال تلك النعمة . والذكر المطلوب من العبدان يذكر الله باللسان ويكون حاضرا بقلبه وروحه وجميع قواه بحيث يكون بالكلية متوجها الى ربه فتنتفى الخواطر وتنقطع احاديث النفس عنه . ثم اذا داوم عليه ينتقل الذكر من لسانه الى قلبه ولا يزال يذكر بذلك حتى يتجلى له الحق من وراء استار غيوبه فينور باطن العبد بحكم { واشرقت الارض بنور ربها } ويعده الى التجليات الصفاتية والاسمائية ثم الذاتية فينفى العبد فى الحق فيذكر الحق نفسه بما لا يليق بجلاله وجماله فيكون الحق ذاكرا ومذكورا وذلك بارتفاع الثنوية وانكشاف الحقيقة الاحدية كذا فى شرح الفصوص لداود القيصرى فى الكلمة اليونسية(4/367)
جون تجلى كرد اوصاف قديم ... بس بسوزد وصف حادث را كليم
واعلم ان من اشتغل باسم من الاسماء وداوم فيه فلا ريب ان يحصل بينه وبين سر هذا الاسم المشتعل به وروحه بعناية الله تعالى وفضله مناسبة ما بقدر الاشتغال ومتى قويت تلك المناسبة وكملت بحسب قوة الاشتغال وكماله يحصل بينه وبين مدلوله من الاسماء الحقية بواسطة هذه المناسبة الحاصلة مناسبة بقدرها قوة وكمالا ومتى بلغت الى حد الكمال ايضا هذه المناسبة الثانية الحاصلة بينه وبين هذا الاسم بجد الحق سبحانه وعطائه يحصل بينه وبين مسماه الحق تعالى مناسبة بمقدار المناسبة الثانية من جهة القوة والكمال لان العبد بسبب هذه المناسبة يغلب قدسه على دنسه ويصير مناسبا لعالم القدس بقدر ارتفاع حكم الدنس فحينئذ يتجلى الحق سبحانه له من مرتبة ذلك الاسم بحسبها وبقدر استعداده ويفيض عليه ما شاء من العلوم والمعارف والاسرار الالهية والكونية حسبما يقتضيه الوقت ويسعه الموطن وتستدعيه القابلية فيطلع بعد ذلك على ما لم يطلع عليه قبله فيحصل له العلم والمعرفة بعد الجهل والغفلة كذا فى حواشى تفسير الفاتحة لحضرة شيخنا الاجل امدنا الله بمدده الى حلول الاجل واتفق المشايخ والعلماء بالله على من لا ورد له لا وارد له وانقطاعه عن بعض ورده بسبب من الاسباب سوى السفر والمرض والهرم والموت علامة البعد من الله تعالى والخذلان . فينبغى لمن كان له ورد ففاته ذلك ان يتداركه ويأتيه به ولو بعد اسبوع ومن هنا تقضى الصوفية التهجد مع انه ليس من الفرائض والسر فى هذا ان المراد من الاوراد بل من سائر العبادات تغيير صفات الباطن وقمع رذائل القلب وآحاد الاعمال يقال آثارها بل لا يحس بآثارها وانما يترتب الاثر على المجموع واذا لم يكن يعقب العمل الواحد اثر محسوسا ولم يردف بثان وثالث على القرب والتوالى انمحى الاثر الاول ايضا ولهذا السر قال صلى الله عليه وسلم « احب الاعمال الى الله ادومها وان قل » اى العمل
وقال ابن مالك وانما كان العمل الذى يداوم عليه احب لان النفس تألف به ويدوم بسببه الاقبال على الله تعالى ولهذا ينكر اهل التصوف ترك الاوراد كما ينكرون ترك الفرائض انتهى
قال بعض العلماء بالله لا يستحقر الورد الا جهول يعنى بحق ربه وحظ نفسه ووجهه وصوله اليهما ان الوارد يوجد فى الدار الآخرة على حسب الورد اذ جاء فى الحديث « ان الله تعالى يقول ادخلوا الجنة برحمتى وتفاسموا باعمالكم » والورد ينطوى بانطواء هذه الدار فيفوت ثوابه بحسب فواته اذ هو مرتب عليه . واولى ما يعتنى به عند العقلاء الاكياس ما لا يخلف وجوده ان تذهب فائدته فاذا تعللت نفسك بعدم طلب الثواب فقل لها الورد هو طالب ذكره منك اذ هو حق العبودية وان ركنت الى طلب العوض فقل والوارد انت تطلبينه منه لا من حظ نفسك واين ما هو طالبه منك من واجب حقه مما هو مطلبك منه من غرضك وحظم فطب نفسا بالعمل لمولاك وسلم له به يتولاك فقد قالوا كن طالب الاستقامة ولا تكن طالب الكرامة فان نفسك تهتز وتطلب الكرامة ومولاك يطالبك بالاستقامة ولان تكون بحق ربك اولى لك من ان تكون بحظ نفسك : قال الحافظ(4/368)
صحبت حور نخواهم كه بزود عين قصور ... باخيال توا اكر با دكرى بردازم
قال فى التأويلات النجمية { واذكر ربك فى نفسك } اى اذكره بالافعال والاخلاق والذات فى نفسك بان تبدل افعال تفسك بالاعمال التى امر الله بها وتبدل اخلاقها باخلاق الله ونفى ذاتها فى ذات الله وهذا كما قال { وان ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى } وهو سر قوله { فاذكرونى اذكركم } ألا ترى ان الفراش لما ذكر الشمعة فى نفسه بافناء ذاته فى ذاتها كيف ذكرته الشمعة بابقائه ببقائها على ان تلك الحضرة منزهة عن المثل والمثال { تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول } التضرع من باب التكلف اى بداية هذا الذكر بتبديل افعال النفس باعمال الشريعة تكون بالتكلف ظاهرة وسطه بالتخلق باخلاق الله وبآداب الطريقة يكون مخفيا باطنا ونهايته بافناء ذاتها فى ذاته بانوار الحقيقة تكون منهيا عن جهر القول بها وهذا حقيقة قوله عليه السلام « افشاء سر الربوبية كفر » { بالغدو والآصال } يشير الى غدو الازل وآصال الابد فان الذكر الحقيقى والذاكر والمذكور فى الحقيقة هو الله لازلى الابدى لانه تعالى قال فى الازل { فاذكرونى اذكركم } ففى الازل ذكرهم لما خاطبهم وكان هو الذاكر والمذكور على الحقيقة على انا نقول ما ذكره الا هو وهذا حقيقة قول يوسف بن حسين الرازى ما ذكر احد الله الا الله ولهذا قال تعالى { ولا تكن من الغافلين } الذين لا يعلمون ان الذاكر والمذكور هو الله فى الحقيقة انتهى ما فى التأويلات النجمية(4/369)
إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)
{ ان الذين } قال الكاشفى [ آورده اندكه كفار مكه تعظم ميكردند از سجده نمودن مرخدايرا وتنفر نموده ميكفتند { أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا } [ حق سبحانه وتعالى مبفرمايد اى محمدا اكركافران ازسجود من سركشى ميكنند بدرستى آنانكه ] { عند ربك } اى الملائكة المقربين لديه قرب الشرف والمكانة لا قرب المسافة والمكان { لا يستكبرون } [ كردن نمى كشند ] { عن عبادته } بل يؤدونها حسبما امروا به { ويسبحونه } اى ينزهونه عن كل ما لا يليق بجناب كبريائه { وله } تقديم الجار على الفعل للحصر { يسجدون } اى يخصونه بغاية العبودية والتذلل لا يشركون به شيأ وهو تعريض بسائر المكلفين ولذلك شرع السجود عند قراءتها
واعلم ان السجدة نهاية الخضوع وانما شرعت فى موضع جبرا للنقصان كسجود السهو وفى موضع لمخالفة الكفار والموافقة للمسلمين
قال الكاشفى [ سجده تلاوت جهارده موضع است درقرآن واختلاف دردوموضع است يكى در آخر سوره حج بمذهب امام شافعى وامام احمد سجده هست وبمذهب امام اعظم نيست ودوم درسوره ص بمذهب امام اعظم هست لان النبى عليه السلام قرأ سورة ص وسجد وبمذهب باقى ائمه نه ] لان المذكور فيها ركوع لا سجود واختلف فى موضع السجود فى فصلت فعند على رضى الله عنه هو قوله { ان كنتم اياه تعبدون } وبه اخذ الشافعى وعند عمر وابن مسعود رضى الله عنهما هو قوله { لا يسأمون } فاخذنا به احتياطا فان تأخير السجدة لازم لا تقديمها [ ونزدامام اعظم سجدة تلاوت برخواننده وشنونده درنماز وغير نماز واجبست درحال واكر فوت شود قضا لازمست وبمذهب ائمه ديكر سنت وقضا لازم نه ] ويكره تأخير السجدة من غير ضرورة ويستحب ان يقوم القاعد فيكبر ويسبح تسبيح الصلاة ويكبر ويقوم ثم يقعد لكون الخرور فيه اكمل . وقوله تسبيح الصلاة اى يقول « سبحان ربى الاعلى » ثلاثا وهو الاصح وقيل يقول « يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك وطاعتك » وهو مختار صاحب الاسرار المحمدية ويروى فيه عن نفسه سماع هاتف يأمره بالدعاء بذلك وكان صلى الله عليه وسلم يقول فى سجود التلاوة « سجد وجهى للذى خلقه وصوره فاحسن صورته وشق سمعه وبصره بحوله وقوته » يقولها مرارا ثم يقول « فتبارك الله احسن الخالقين الهم اكتب لى بها عندك اجرا وضع عنى بها وزرا واجعلها لى عندك ذخرا وتقبلها منى كما تقبلت من عبدك داود عليه الصلاة والسلام » قال ابن فخر الدين الرومى ان قرأ سجدة سبحان ضماليها ما ذكره سبحانه وتعالى عن الطائفة الساجدين واستحسن عنهم بقوله { سبحان ربنا ان كان وعد ربنا مفعولا } وان قرأ آية التنزيل والاعراف قال « اللهم اجعلنى من الساجدين لوجهك المسبحين بحمدك واعوذ بك ان اكون من المستكبرين عن امرك »(4/370)
وان رأ الم السجدة قال « اللهم اجعلنى من عبادك المنعم عليهم المهديين الساجدين لك الباكين عند تلاوة كتابك » وان قرأ سجدة والنجم قال « اللهم اجعلنى من الباكين اليك الخاشعين لك » وكذا فى غيره
قال المولى اخى جلبى وان لم يذكر فيها شيأ اجزأه لانها لا تكون اقوى من السجدة الصلاتية ويستحب للسامع ان يسجد مع التالى ولا يرفع رأسه قبل لانه بمنزلة امامه ويشترط نية السجود للتلاوة لا التعيين حتى لو كان عليه سجدات متعددة فعليه ان يسجد عددها وليس له ان يعين ان هذه السجدة لآية كذا وهذه لآية كذا ويستحب للتالى اخفاؤها اذا لم يكن السامع متهيئا للسجود تحرزا عن تأثيمه واذا كان متهيأ يستحب له ان يجهر حثالة على العبادة
قال الامام الخبازى فى حواشى الهداية يستحب ان يصلى على النبى عليه السلام كلما ذكر ولا تستحب السجدة كلما تليت الآية اذا كان المجلس واحدا والفرق ان الرسول عليه السلام محتاج والرب عز وجل غير محتاج
قال الامام محمد بن العربى قدس سره فى روح القدس له اعلم ان لاشيء انكأ على ابليس من ابن آدم فى جمبع احواله فى صلاته من سجوده لانه خطيئته فكثرة السجود وتطويله يحزن الشيطان معصيته فيحزن فيشتغل بنفسه عنك ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اذا قرأ ابن آدم السجد فسجد اعتزل الشيطان يبكى ويقول يا ويلتى امر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وامرت بالسجود فابيت فلى النار » فالعبد فى سجوده معصوم من الشيطان غير معصوم من النفس فخواطر السجود كلها اما ربانية او ملكية او نفسية وليس للشيطان عليه من سبيل فاذا قام من سجوده غابت تلك الصفة عن ابليس فزال حزنه فاستغل بك انتهى كلامه
يقول الفقير فيه اشارة الى ان الشيطان انما ابى عن السجود لاستكباره فكل من استكبر عنه كالكفار كان الشيطان قرينه فى جميع احواله وكل من تواضع فسجد كالمؤمنين اعتزل عنه الشيطان فى تلك الحال لان فى جميع الاحوال الا ان يزكى نفسه عن رذيلة الكبر يتخلص فى جميع احواله ويكون من العباد المخلصين
زينت تو بس كمر بندكى ... تاج تودر سجده سر افكندكى
شوم توبادا كه ببالاو بست ... سجده طاعت بردش هرجه هست
توكنى از سجده او سر كشى ... به كه ازين شيوه قدم در كشى
[ وحضرت شيخ الاسلام قدس سره فرمود سرى كه درو سجودى نيست سفجه به ازدست وكفى كه دروجودى نيست كفجه به ازدست ] ونعم ما قال
شرف نفس بجودست وكرامت بسجود ... هركه اين هردو ندارد عدمش به زوجود
قال فى التأويلات النجمية { ان الذين عند ربك } يعنى الذين افنوا افعالهم واخلاقهم وذواتهم فى اوامر الله واخلاقه وذاته فما بقوا عند انفسهم وانما بقوا ببقاء الله عنده { لا يستكبرون عن عبادته } لان الاستكبار من اخلاقهم وقد افنوها فى اخلاقه فما بقى لهم الاستكبار فكيف يستكبرون عن عبادته وقد افنوا افعالهم فى اوامر الله وهى عبادته فاعمالهم قائمة بالعبادة لا بالفعل وهم فى حال الفناء عن انفسهم والبقاء بالله { ويسبحونه } اى ينزهونه عن الحلول والاتصال والاتحاد عن ان يكون هو العبد او العبد اياه بل هو هو كما كان فى الازل لم يكن شيأ مذكورا { وله يسجدون } فى الوجود والعدم من الازل والابد سجدوا له من الازل فى العدم منقادين مسخرين قابلين لاحكام القدرة فى الايجاد للوجود وسجدوا له من الازل فى العدم منقادين مسخرين لاحكام القدرة فى الايجاد للوجود وسجدوا له الى الابد فى الوجود ببذل الموجود منقادين مسخرين قابلين لاحكام القدرة فى تصاريف الاعدام والايجاد والابقاء(4/371)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)
{ يسألونك عن الانفال } اى عن حكم الغنائم فالسؤال استفتائى ولهذا عدى بكلمة عن لا استعطائى كما يقال سألته درهما لان السؤال قد يكون لاقتضاء معنى فى نفس المسئول فيتعدى اذ ذاك كما قال سلى ان جهلت الناس عنى وعنهمو وقد يكون لاقتضاء مال ونحوه فيتعدى اذ ذاك الى المفعولين كالمثال المذكور . والنفل الزيادة وسميت الغنيمة به لانها عطية من الله زائدة على ما هو الاجر فى الجهاد من الثواب الاخروى وعلى ما اعطاه لسائر الامم حيث لم يحل لهم الغنائم وكانت تنزل نار من السماء فتأكلها والنافلة من الصلاة ما زاد على عطية له وزيادة على سهمه من الغنم -روى- ان المسلمين اختلفوا فى غنائم بدر وفى قسمتها فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تقسم والى اين تصرف ومن الذين يتولون قسمتها أهم المهاجرون ام الانصار أهم هم جميعا فنزلت فضمير يسألون لاصحاب بدر لتعينهم حال نزول الآية فلا حاجة الى سبق الذكر صريحا . والمعنى يستفتونك فى حكم الانفال { قل الانفال لله والرسول } اى امرها وحكمها مختص به تعالى يقسمها الرسول كيفما امر به من غير ان يدخل فيه رأى احد
قال الحدادى اضافة الغنائم الى الله على جهة التشريف لها واضافتها الى الرسول لانه كان بيان حكمها وتدبيرها اليه { فاتقوا الله } اى اذا كان امر الغنائم لله ورسوله فاتقوا الله تعالى واجتنبوا ما كنتم فيه من المشاجرة فيها والاختلاف الموجب لسخطه تعالى { واصلحوا ذات بينكم } ذات البين هى الاحوال التى تقع بين الناس كما ان ات الصدور هى المضمرات الكائنة فيها وذات الاناء هى ما حل فيه من الطعام والشراب ولما كان ما حل فى الشيء ملابسا له قيل انه صاحب محله وذوه مثل ان يقال اسقنى ذا انائك اى الماء الذى فيه اى واصلحوا ما بينكم من الاحوال بالمواساة والمساعدة فيما رزقكم الله تعالى وتفضل به عليكم وذلك لان المقاتلة قالوا لنا الغنائم وارادوا ان لا يواسوا الشيوخ والوجوه الذين كانوا عند الرايات
قال عبادة بن الصامت نزلت فينا معشر اصحاب بدرجين اختلفنا فى النفل وساءت فيه اخلاقنا فنزعه الله من ايدينا فجعله لرسوله فقسمه بين المسلمين على السواء { واطيعوا الله ورسوله } بتسليم امره ونهيه { ان كنتم مؤمنين } متعلق بالاوامر الثلاثة والمراد بالايمان كما له فان اصل الايمان لا يتوقف على التحلى بمجموع تلك الامور كلها بل يتحقق بمجرد الطاعة بقبول ما حكم الله ورسوله به والاعتقاد بحقيته . والمعنى ان كانت كاملى الايمان قال كمال الايمان يدور فى هذه الخصال الثلاث
واعلم ان كثرة السؤال توجب الملال ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(4/372)
« ان الله حرم عليكم عقوق الامهات ووأد البنات والمنع وهات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال واضاعة المال » ففى الحديث فوائد . منها النهى عن عقوق الوالدين لانه من الكبائر وانما اقتصر على الام اكتفاء بذكر احدهما كقوله تعالى { والله ورسوله احق ان يرضوه } او لان حقها اكثر وخدمتها اوفر . وفيه نهى عن وأد البنات وهو فعل الجاهلية كان الواحد منهم اذا ولد له ابن تركه واذا ولد له بنت دفنها حية وانما حملهم على ذلك خوف الاملاق ودفع العار والانفة عن انفسهم واراد واراد بالمنع الامتناع عن اداء ما يجب ويستحب . وبهات الاقدام على اخذ ما يكره ويحرم . وفيه نهى عن المقاولة بلا ضرورة وقصد ثواب فانها تقسى القلوب . وفيه نهى عن كثرة السؤال
قال ابن ملك يجوز ان يراد به سؤال الانسان عما لا يعنيه . وفيه نهى عن اضاعة المال وهى انفاقه فى المعاصى والاسراف به فى غيرها كالاسراف فى النفقة والبناء والملبوس والمفروس وتمويه الاوانى والسيوف بالذهب
قال فى التأويلات النجمية فلما اكثروا السؤال قال عليه السلام « ذرونى ما تركتكم فانه انما اهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على انبيائهم » ومن كثرة سؤالهم قوله تعالى { يسألونك عن الانفال } وانما سألوه ليكون الانفال لهم فقال على خلاف ما تمنوا { قل الانفال لله والرسول } يعملان فيها ما شا آلا كا شئتم لتتأدبوا ولا تعترضوا على الله والرسول بطريق السؤال وتكونوا مستسلمين لاحكامهما فى دينكم ودنياكم ولا تحرصوا على الدنيا لئلا تشوبوا اعمالكم الدينية بالاعراض الدنيوية { فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم } اى اتقوا بالله عن غير الله واصلحوا ما بينكم من الاخلاق الرديئة والهمم الدنيئة وهى الحرص على الدنيا والحسد على الاخوان وغيرهما من الصفات الذميمة التى يحجب بها نور الايمان عن القلوب { واطيعوا الله ورسوله } بالتسليم لاحكامهما والائتمار باوامرهما والانتهاء عن نواهيهما { ان كنتم مؤمنين } تحقيقا الا تقليدا فان المؤمن الحقيقى هو الذى كتب الله بقلم العناية فى قلبه الايمان وايده بروح منه فهو على نور من ربه : وفى المثنوى
بود كبرى در زمان با يزيد ... كفت او را يك مسلمان سعيد
كه جه باشد كرنو اسلام آورى ... تا بيابى صد نجات وسرورى
كفت اين ايمان اكرهست اى مريد ... آنكه دارد شيخ عالم بايزيد
من ندارم طاقت آن تاب آن ... كان فزون آمد زكو كوششهاى جان
كرجه در ايمان ودين ناموقنم ... ليك در ايمان او بس مؤمنم
مؤمن ايمان او يم در نهان ... كرجه مهرم هست محكم بردهان
باز ايمان كرخود ايمان شماست ... نى بدان ميلستم ونى اشتهاست
آنكه صد مبلش سوى ايمان بود ... جون شمارا ديد آن باطل شود
زانكه نامى بينهد ومعنيش نى ... جون بيابان مفازه كفتنى
اللهم اجعلنا متحققين بحقائق الايمان واوصلنا الى درجات العرفان والاحسان(4/373)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)
{ انما المؤمنون } اى انما الكاملون فى الايمان المخلصون فيه { الذين اذا ذكر الله } عندهم { وجلت قلوبهم } من هيبة الجلال وتصور عظمت المولى الذى لا يزال وهذا الخوف لازم لاهل كمال الايمان سواء كان ملكا مقربا او نبيا مرسلا او مؤمنا تقيا نقيا وهذا بخلاف خةف العقاب فانه لا يحصل بمجرد ذكر الله بل ملاحظة المعصية وذكر عقاب الله انتقاما من العصاة واين من يهم بمعصية فيقال له اتق الله فينزع عنها خوفا من عقابه ممن ينزع بمجرد ذكره من غير ان يذكر هناك ما يوجب النزع من صفاته وافعاله استعظاما لشأنه الجليل وتهيبا منه
واعلم ان شأن نور الايمان ان يرق القلب ويصفيه عن كدورات صفات النفس وظلماتها ويلين قسوته فيلين الى ذكر الله ويجد شوقا الى الله وهذا حال اهل البدايات واما حال اهل النهايات فالطمأنينة والسكون بالذكر ولما جاء قوم حديثوا عهد بالاسلام فسمعوا القرآن كانوا يبكون ويتأوّهون فقال ابو بكر رضى الله عنه هكذا كنا فى بداية الاسلام ثم قست قلوبنا يشير بذلك الى نهايته فى الاطمئنان { واذا تليت } قرئت { عليهم آياته } اى آيات الله يعنى القرآن امرا ونهيا وغير ذلك { زادتهم } اى تلك الآيات والاسناد مجازى { ايمانا } اى يقينا وطمأنينة نفس فان تظاهر الادلة وتعاضد الحجج والبراهين موجب لزيادة الاطمئنان وقوة اليقين
قال الفاضل التفتازانى وتبعه المولى ابو السعود فى تفسيره ان نفس التصديق مما يقبل الزيادة والنقصان للفرق الظاهر بين يقين الانبياء وارباب المكاشفات وبين يقين الامة ولهذا قال امير المؤمنين على رضى الله عنه « لو كشفت الغطاء ما ازددت يقينا » وكذا بين ما قام عليه دليل واحد من التصديقات وما قامت عليه ادلة كثيرة
قال الكاشفى [ در حقايق سلمى مذكورست كه بيركت تلاوت نور يقين در باطن ايشان ظاهر كردد وزيادتى طاعت برظاهر ايشان هويدا شود . ودر بحر الحقائق فرموده كه ايمان حقيقى نوريست كه بدقر سعت روزنه دل دروى مى تابد بس جون قرآن برارباب قلوب خوانند روزنه دل ايشان ببركت قرائت كشاده نركردد ونور اسمان بيشتر دروى افتد بس درنور جمال مستغرق كردند ] { وعلى ربهم } مالكهم ومدبر امورهم خاصة { يتوكلون } يفوضون امورهم ولا يخشون ولا يرجون الا اياه
قال فى التأويلات النجمية { على ربهم يتوكلون } لا على الدنيا واهلها فان من شاهد بنور الايمان الايمان جمال الحق وجلاله فقد استغرق فى بحر لجى من شهود الحق بحيث لا يتفرغ لغيره ويرى الاشياء مضمحلة ثحت صطوات جلاله فيكون توكلهم عليه لا على غيره
هركه او در بحر مستغرق شود ... فارغ از كشتى واز زورق شود
غرقه دريا بجز دريا نديد ... غير دريا هست بروى نابدبد
ولما ذكر اولا من الاعمال الحسنة اعمال القلوب من الخشية والوجل عند ملاحظة عظمة الله تعالى وجلاله والاخلاص والتوكل عقب بافعال الجوارح التى هى العيار عليها كالصلاة والصدقة فقال { الذين يقيمون الصلوة } بوضوئها وركوعها وسجودها فى مواقيتها وهو مرفوع على انه نعت للموصول الاول { ومما رزقناكم } اعطيناهم من الاموال { ينفقون } فى طاعة الله وانما خص الله الصلاة والزكاة لعظم شأنها وتأكيد امرهما(4/374)
أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)
{ اولئك } الجامعون لاعمال القلب والقالب { هم المؤمنون } ايمانا { حقا } لانهم حققوا ايمانهم بان ضموا اليه الاعمال الصالحة { لهم درجات } كائنة { عند ربهم } اى كرامة وزلفى وعلو مرتبة وقيل درجات عالية فى الجنة على قدر اعمالهم
قال فى انوار المشارق الدرجة ان كانت بمعنى المرقاة فجمعها درج وان كانت بمعنى المرتبة والطبقة فجمعها درجات { ومغفرة } لذنوبهم { وزرق كريم } [ وروى بزرك صافى باشد از كدّ اكتساب وخالى ازخوف حساب ] لا ينتهى ولا ينقطع كارزاق الدنيا
قال فى القاموس رزقا كريما كثيرا وقولا كثيرا وقولا كريما سهلا لينا واكرمه وكرمه عظمه ونزهه [ امام قشيرى قدس سره فرموده كه رزق كريم آنست كه مرزوق را ازشهود رازق باز ندارد ]
تو زروزى ده بروزى واممان ... از سبب بكذر مسبب بين عيان
از مسبب ميرسد هر خير وشر ... نيست زاسباب وسائط اى بدر
اصل بيند ديده جون اكمل بود ... فرع بيند ديده جون احول بود
قال فى المجالس المحمودية اعلم ان الصلاة اعظم الاعمال القالبية والصدقة خير العبادات المالية -وروى- ان فاطمة اعطت قميصها عليا ليشترى لها ما اشتهاه الحسن فباعه بستة دراهم فسأله سائل فاعطاه اياها فاستقبله رجل ومعه ناقة فاشتراها على المدة بستين دينارا ثم استقبله رجل فاشترى منه الناقة بستين دينارا او ستة دراهم ثم طلب بائع الناقة ليدفع له ثمنها فلم يجده فعرض القصة على النبى عليه السلام فقال عليه السلام « اما السائل فرضوان واما البائع فميكائيل واما المشترى فجبرائيل » وفى الحديث « يأتى يوم القيامة اربعة على باب الجنة بغير حساب الحاج الذى حج البيت بغير افساد والشهيد الذى قتل فى المعركة والسخى الذى لم يلتمس بسخاوته رياء والعالم الذى عمل بعلمه فيتنازعون فى دخول الجنة اولا فيرسل الله جبرائيل بسخاوته رياء والعالم الذى عمل بعلمه فيتنازعون فى دخول الجنة اولا فيرسل الله جبرائيل ليحكم بينهم بالعدل فيقول للشهيد ما فعلت فى الدنيا حتى تريد ان تدخل الجنة اولا فيقول قتلت فى المعركة لرضى الله تعالى فيقول ممن سمعت ان من قتل فى سبيل الله يدخل الجنة فيقول من العلماء فيقول احفظ الادب ولا تتقدم على معلمك ثم يسأل الحاج والسخى كذلك ثم يقول لهما احفظا الادب ولا تتقدما على معلمكما ثم يقول العالم الآلهى انت تعلم انى ما حصلت العلم الا بسخاوة السخى وانت لا تضيع اجر المحسنين فيقول الله صدق العالم يا رضوان افتح الباب وادخل السخى اولا » وفى ذلك اشارة الى ان المراد بالعالم هو الذى يعمل بعلمه فان الانصاف من شأنه اذ الانصاف لا يحصل الا بصلاح النفس ولا يمكن ذلك الا بالعمل فلا يغترّ اهل الهوى من علماء الظاهر بذلك فان كون العلم المجرد منجيا مذهب فاسد فان العالم الفاجر اشد عذابا من الجاهل با العالم هو الذى يعمل بعلمه ويصل الى العرفان بتصفية القلب ولا شك ان اكون من المذكورين فى الآية مؤمنين حقا بسبب خدمتهم لله تعالى بانفسهم واموالهم وتجردهم عن العلائق البدنية والمالية وبقائهم مع الله تعالى وايثارهم له على جميع ما سواه حتى على انفسهم فمن آثر الحق على ما سواه فقد وصل الى اقصى مراداته فلا بد ان الله تعالى يدبره امره ويقضى حاجاته(4/375)
كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6)
{ كما اخرجك ربك } المراد باخراج الله تعالى اياه كونه سببا آمر اله بالخروج وداعيا اليه فان جبرائيل عليه السلام اتاه وامره بالخروج { من بيتك } فى المدينة { بالحق } حال من مفعول اخرجك اى اخرجك ملتبسا بالحق وهو اظهار دين الله وقهره اعداء الله والكاف فى محل الرفع على انه مبتدأ محذوف تقديره هذه الحال وهى قسمة غنائم بدر بين الغزاة على السواء من غير تفرقة بين الشبان المقاتلين وبين الشيوخ الثابتين تحت الرايات كحال اخراجك يعنى ان حالهم فى كراهتهم لما رأيت فان فى طبع المقاتلة شيأ من الكراهة لهذه القسمة مع كونها حقا كحالهم فى كراهتهم لخروجك للحرب وهو حق { وان فريقا من المؤمنين لكارهون } اى والحال ان فريقا منهم كارهون للخروج اما لنفرة الطبع عن القتال او لعدم الاستعداد
قال سعدى جلبى المفتى الظاهر ان المراد هى الكراهة الطبيعية التى لا تدخل تحت القدرة والاختيار فلا يرد انها لا تليق بمنصب الصحابة رضى الله عنهم -روى- ان عير قريش اى قافلتهم اقبلت من الشأم وفيها تجارة عظيمة ومعها اربعون راكبا منهم ابو سفيان وعمرو بن العاص ومحرمة بن نوفل وكان فى السنة الثانية من الهجرة فاخبر جبريل رسول الله باقبالها فاخبر المسلمين فاعجبتهم تلقيها لكثرة المال وقلة الرجال فلما خرجوا سمعه ابو سفيان فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفارى فبعثه الى مكة وامره ان يأتى قريشا فيستفزهم ويخبرهم ان محمدا قد اعترض لعيركم فادركوها فلما بلغ اهل مكة هذا الخبر نادى ابو جهل فوق الكعبة يا اهل مكة النجاء النجاء على كل صعب وذلول عيركم واموالكم اى تداركوها ان اصابها محمد لن تفلحوا بعدها ابدا وفدرأت عاتكة اخت العباس بن عبد المطلب قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رؤيا فقالت لاخيها اتى رأيت عجبا كأن ملكا نزل من السماء فاخذ صخرة من الجبل ثم حلق بها اى رمى بها الى فوق فلم يبق بيت من بيوت مكة الا اصابه حجر من تلك الصخرة فحدث بها العباس صديقا له يقال له عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وذكرها عتبة لابنته ففشا الحديث فقال ابو جهل للعباس يا ابا الفضل ما يرضى رجالكم ان يتنبأوا حتى تنبأت نساؤكم فخرج ابو جهل باهل مكة وهم النفير فقيل له ان العير اخذت طريق الساحل ونجت فارجع بالناس الى مكة فقال لا والله لا يكون ذلك ابدا حتى تنحر الجزور وتشرب الخمور ونقيم القينات والمعازف ببدر فتتسامع جميع العرب بمخرجنا وان محمدا لم يصب العير وانا قد اغضضناه فمضى بهم الى بدر وبدر ما كانحت العرب تجتمع فيه لسوقهم يوما فى السنة فنزل جبريل فقال يا محمد ان الله وعدكم احدى الطائفتين اما العير واما قريشا فاستشار النيى عليه السلام اصحابه فقال(4/376)
« ما تقولون ان القوم قد خرجوا من مكة على كل صعب وذلول فالعير احب اليكم ام النفير » فقالوا بل العير احب الينا من لقاء العدو فتغير وجه رسول الله عليه وسلم ثم ردد عليهم فقال « ان العير قد مضت على ساحل البحر وهذا ابو جهل قد اقبل » يريد صلى الله عليه وسلم بذلك ان تلقى النفير وجهاد المشركين آثر عنده وانفع للمؤمنين من الظفر بالعير لما فى تلقى النفير من كسر شوكة المشركين واظهار الدين الحق على الاديان كلها فقالوا يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو فقام عند غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ابو بكر وعمر رضى الله عنهما فاحسنا الكلام فى اتباع مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قام سيد الخزرج سعد بن عبادة فقال انظر فى امرك وامض فوالله لو سرت الى عدن ابين ما تخلف عنك رجل من الانصار ثم قال المقداد ابن عمرو يا رسول امض لما امرك الله فقاتلا انا ههنا قاعدون ولكن اذهب انت وربك فقاتلا انا معكما مقاتلون ما دامت عين منا تطرف فتبسم رسول الله ثم قال « اشيروا على ايها الناس » وهو يريد الانصار اى بينوا لى ما فى ضميركم فى حق نصرتى ومعاونتى فى هذه المعركة وذلك لان الانصار كانوا عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة ان ينصروه ما دام فى المدينة واذا خرج منها لا يكون عليهم معاونة ونصرة فاراد عليه السلام ان يعاهدهم على النصرة فى تلك المعركة ايضا فقام سعد بن معاذ فكأنما تريدنا يا رسول الله قال « اجل » قال قد ظىمنا بك وصدقناك وشهدنا ان ما جئت به هو الحق واعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما اردت فوالذى بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل وما نكره ان تلقى بنا عدونا انا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء ولعل الله تعالى يربك منا ما تقربه عينك فسر بناع على بركة الله ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشطه قول سعد ثم قال « سيروا على بركة الله وابشروا فان الله وعدنى احدى الطائفتين والله لكأنى الآن انظر الى مصارع القوم » فالمعنى اخرجك من ربك من بيتك لان تترك التوجه الى العير وتؤثر عليه مقاتلة النفير فى حال كراهة فريق من اصحابك ما آثرته من محاربة النفير { يجادلونك فى الحق } الذى هو تلقى النفير لايثارهم عليه تلقى العير { بعد ما تبين } منصوب بيجادلونك وما مصدرية اى يخاصمونك بعد تبين الحق وظهوره لهم باعلامك انهم ينصرون اينما توجهوا ويقولون ما كان خروجنا الا للعير وهلا قلت لنا ان الخروج لمقاتلة النفير لنستعد ونتأهب فمن قال ذلك انما قال كراهة لاخراجه عليه الصلاة والسلام من المدينة وكراهتهم القتال { كأنما يساقون الى الموت } الكلف فى محل النصب على الحالية من الضمير فى لكارهون اى مشبهين بالذين يساقون بالعنف والصغار الى القتل { وهم ينظرون } حال من ضمير يساقون اى والحال انهم ينظرون الى اسباب الموت ويشاهدونها عيانا وما كانت هذه المرتبة من الخوف والجزع الا لقلة عددهم وعدم تأهبهم وكونه رجالة - وروى - انهم كانوا ثلاثمائة عشر رجلا ليس فيهم الا فارسان الزبير والمقداد ولهم سبعون بعير او ست ادرع وثمانية اسياف وكان المشركون اكثر عددا بالاضعاف(4/377)
والاشارة ان الله تعالى اخرج المؤمنين الذين هم المؤمنون حقا من اوطان البشرية الى مقام العندية بجذبات العناية { كما اخرجك ربك من بيتك } اى من وطن وجودك بالحق اى بمجيئ الحق من تجلى صفات جماله وجلاله { وان فريقا من المؤمنين لكارهون } اى القلب والروح يعنى للفناء عند التجلى فان البقاء محبوب والفناء مكروه وعلى كل ذى وجود يجادلونك اى الروح والقلب فى الحق اى مجيئ الحق من بعد ما تبين مجيئه لكراهة الفناء كأنما يساقون الى الموت وهم ينظرون يعنى كأنهم ينظرون الى الفناء ولا يزول البقاء بعد الفناء كمن يساق الى الموت كذا فى التاويلات النجمية : وفى المثنوى
شير دنيا جويد اشكارى وبرك ... شيرمولى جويد آزادى ومرك
جونكه اندرمرك بيند صد وجود ... همجو بروانه بسوزاند وجود
كل شئ هالك جز وجه او ... جون نه در وجه او هستى مجو
هركه اندر وجه ماباشد فنا ... كل شئ هالك نبود جزا
زانكه در « الا » ست اواز « لا » كذشت ... هركه در « الا » ست او فانى نكشت
واعلم انه كما لا اعتراض على الانبياء فى وحيهم وعياراتهم كذلك لا اعتراض على الاولياء فى ألهامهم واشاراتهم وان السعادة فى العمل والاخذ بآياتهم والوجود وان كان محبوبا لاهل الوجود لكن الفناء محبوب لاهل الشهود فعلى السالك ان ينقطع عن جميع اللذات الدنيوية ويطهر نفسه عن لوث الاغراض الدنية ويكون الرسول وامره احب اليه من نفسه الى ان ينفذ عمره_@_ روى البخارى عن عبد الله بن هشام انه قال كنا مع النبى عليه السلام وهو اخذ بيد عمر رضى الله عنه فقال عمر رضى الله عنه يا رسول الله انت احب الى من كل شئ الا نفسى فقال صلى الله عليه وسلم « لا والذى نفس محمد بيده حتى اكون احب اليك من نفسك »(4/378)
اى لا يكون ايمانك كاملا حتى تؤثر رضاى على رضى نفسك وان كان فيه هلاكك فقال عمر الآن زالله انت احب الى من نفسى فقال « الآن يا عمر » يعنى صار ايمانك كاملا
قال ابن ملك والمراد من هذه المحبة محبة الاختيار لا محبة الطبع لان كل واحد مجبول على حب نفسه اشد من غيرها النتهى . قوله محبة الاختيار رضى النبى عليه السلام على رضى نفسه فالمراد هو الايثار كما قال تعالى { ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة } فكما ان هذا الايثار لا يقتضى عدم احتياج المؤثر فكذلك ايثار رضى الغير لا يستدعى ان تكون المحبة له اشد من كل وجه هذا ولكن فوق هذا كلام فان من فنى عن طبيعته ونفسه بل عن قالبه وقلبه فقد فنى عن محبتها ايضا وتخلص من الاثنينية ووصل الى مقام المحبوبة الذى لا غاية وراءه رزقنا الله واياكم ذلك بفضله وكرمه(4/379)
وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7)
{ واذ يعدكم الله } اى اذكروا ايها المؤمنون وقت وعد الله تعالى واياكم { احدى الطائفتين } اى الفريقين احداهما بوسفيان مع العير والاخرى ابو جهل مع النفير { انهالكم } بدل اشتمال من احدى الطائفتين مبين لكيفية الوعد اى يعدكم ان احدى الطائفتين كائنة لكم مختصة بكم مسخرة لكم تتسلطون عليها تسلط الملاك على امكلاكهم وتتصرفون فيها كيف شئتم { وتودون } عطف على يعدكم \اخل تحت الامر بالذكر اى تحبون { ان غير ذات الشوكة تكون لكم } من الطائفتين لا ذات الشوكة وهى النفير ورئيسهم ابو جهل وهم الف مقاتل وغير ذات الشوكة هى العير اذ لم يكن فيها الا اربعون فارسا ورئيسهم ابو سفيان ولذلك يتمنونها . والشوكة الحدة اى السلاح الذى له حد كسنان الرمح والسيف ونصل السهم مستعار من واحدة الشوك والشوك نبت فى طرفه حدة كحدة الابرة { ويريد الله } عطف على تودون منتظم معه فى سلك التذكير اى اذكروا وقت وعده تعالى اياكم احدى الطائفتين وودادتكم لادناهما وقوله تعالى { ان يحق الحق } اى يثبته ويعليه { بكلماته } بامره لكم بالقتال { ويقطع دابر الكافرين } اى آخرهم ويستأصلهم بالمرة . والمعنى انكم تريدون ان تصيبوا مالا ولا تلقوا مكروها والله يريد اعلاء الدين واظهار الحق وما يحصل لكم فور الدارين(4/380)
لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)
{ ليحق الحق ويبطل الباطل } اللام متعلقة بفعل مقدر مؤخر عنها اى لهذه الغاية الجليلة وهى اظهار الدين الحق وابطال الكفر فعل ما فعل لا لشئ آخر وليس فيه تكرار اذ الاول مذكور لبيان تفاوت ما بين الارادتين ارادة الله وارادة المؤمنين والثانى لبيان الداعى الى حمل الرسول صلى الله عليه وسلم على اختيار التوجه الى ذات الشوكة ونصره عليها وقطع دابر المشركين ومعنى احقاق الحق اظهار حقيته لا جعله حقا بعد ان لم يكن كذلك وكذا حال ابطال الباطل { ولو كره المجرمون } اى المشركون ذلك اى احقاق الحق وابطال الباطل(4/381)
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)
{ اذ تستغيثون ربكم } اى اذكروا وقت استغاثتكم وهى طلب الفوز والنصر والعون وذلك انهم لما علموا انه لا بد من القتال جعلوا يدعون الله تعالى قائلين اى رب انصرنا على عدوك يا غياث المستغيثين اغثنا
وعن عمر رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نظر الى المشركين وهم الف والى اصحابه وهم ثلاثمائة وبضعة عشر فاستقبل القبلة ومد يديه يدعو « اللهم انجز لى ما وعدتنى اللهم ان تهلك هذه العصابة لا تعبد فى الارض » فما زال كذلك حتى سقط رداؤه فاخذه ابو بكر فالقاه على منكبه والتزمه من ورائه وقال يا نبى الله كفاك مناشدتك ربك فانه سينجز ما وعدك فهذه الاستغاثة كانت من النبى عليه السلام ومن المؤمنين واسناد الفعل الى الجماعة لا ينافى كونه من النبى عليه السلام لانه دعا وتضرع والمؤمنون كانوا يؤمنّون { فاستجاب لكم } اى اجاب عطف على تستغيثون داخل معه فى حكم التذكير { انى } بانى { ممذكم بالف من الملائكة مردفين } اى جاعلين غيرهم من الملائكة رديفا لانفسهم فالمراد رؤساؤهم المستتبعون لغيرهم حتى صاروا ثلاثة آلاف ثم خمسة آلاف(4/382)
وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)
{ وما جعله الله } عطف على مقدر اى فامدكم الله بانزال الملائكة عيانا وما جعل ذلك الامداد لشيء من الاشياء { الا بشرى } اى الا للبشارة لكم بانكم تنصرون فهو استثناء مفرغ من اعم العلل { ولتطمئن به } اى بالامداد { قلوبكم } فيزول ما بها من الوجل لقلتكم وذلتكم وفى قصر الامداد عليها اشعار بعدم مباشرة الملائكة للقتال وانما كان امدادهم بتقوية قلوب المباشرين وتكثير سوادهم ونحوه ولو بعثهم الله بالمحاربة لكان يكفى ملك واحد فان جبريل اهلك بريشة واحدة من جناحه سبعا من مدائن قوم لوط واهلك بصيحة واحدة جميع بلاد ثمود
قال الحدادى وهذا القول اقرب الى ظاهر الآية وقيل نزل جبرائيل فى خمسمائة من الملائكة على الميمنة وفيها ابو بكر رضى الله عنه ونزل ميكائيل فى خمسمائة على الميسرة وفيها على بن ابى طالب رضى الله عنه فقاتلوا وقيل قاتلوا يوم بدر ولم يقاتلوا يوم الاحزاب ويوم حنين -وروى- ان رجلا قال تبعت رجلا من المشركين لأضربه يوم بدر فوقع على رأسه بين يدى قبل ان يصل اليه سيفى { وما النصر } اى حقيقة النصر على الاطلاق { الا } كائن { من عند الله } من غير ان يكون فيه شركة من جهة الاسباب فان امداد الملائكة وكثرة العدد والاهب ونحوهما وسائط لا تأثير لها فلا تحسبوا النصر منها ولا تيأسوا منه بفقدها ونعم ما قيل
النصر ليس باجناد مجندة ... لكنه بسعادات وتوفيق
{ ان الله عزيز } لا يغالب فى حكمه ولا ينازع فى اقضيته { حكيم } يفعل كل ما يفعل حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة
واعلم ان للملائكة امدادا فى كل جيش حق وان لم يكونوا مرئيين ومشاهدين بحسب ابصارنا وهم فى الحقيقة اشارة الى القوى الروحانية الغالبة فانها اذا ظهرت فى وجود المجاهر بالجهاد الاكبر لا يقابلها شيء من القوى الانفسية الشريرة المغلوبة وكذا ما كان مظاهرها من كفار الظاهر وانما العمدة هى اليقين والاطمئنان -روى- ان نبى اسرائيل اعطوا السكينة وهى ريح ساكنة تخلع قلب العدو بصوتها رعبا اذا التقى الصفان وهى معجزة لانبيائهم وكرامة لملوكهم وللسكينة معنيان آخران . احدهما شيء من لطائف صنع الحق يلقى على لسان محدث الحكمة كما يلقى الملك الوحى على قلوب الانبياء مع ترويح الاسرار وكشف السر . وثانيهما ما انزل على قلب النبى عليه السلام وقلوب المؤمنين وهو شيء يجمع نورا وقوة وروحا يسكن اليه الخائف ويتسلى به الحزين وقد ورثه المجاهدون فى سبيل الله بعدهم الى قيام الساعة وانما لا يظهر فى بعض الاحيان والوقائع لحكمة اخفاها الله عن الغافلين
هر خلل كاندر عمل بينى زنقصان دلست ... رخنه كاندر قصر بينى از قصورست
وكل عصر على التنزل بالنسبة الى ما قبله ولهذا لا يظهر النصر فى بعض السرايا بل يقال يا ايها الكفرة اقتلوا الفجرة قيل لعلى رضى الله عنه ما بال خلافة عثمان مع خلافتك كانت متكدرة بخلاف خلافة الشيخين قال كنت انا وعثمان من اعوانهما وانت وامثالك من اعواننا فعلى المجاهدين ان يستغيثوا ربهم ويتضرعوا اليه كما تضرع الاصحاب رضى الله عنهم ومن يليهم لعل الله يظهر نصره(4/383)
دعاى ضعيفان اميدواره ... ز بازوى مردى به آيد بكار
ألا أيها المرء الذى فى عسره اصبح ... اذا اشتد بك الامر فلا تنس ألم نشرح
واعلم ان اصدق المقال قول الله تعالى وقول رسوله وقد وعد وامد فعليك بقوة الايمان واليقين
قال الشيخ محيى الدين بن العربى قدس سره فى وصايا الفتوحات ولقد ابتلى عندنا رجل من اعيان الناس بالجذام نعوذ بالله منه وقال الاطباء باسرهم لما ابصروه وقد تمكنت العلة فيه ما لهذا المرض دواء فرأه شيخ من اهل الحديث يقال له سعد السعود وكان عنده ايمان بالحديث عظيم فقال له يا هذا لم لا تطيب نفسك فقال له الرجل ان الاطباء والنبى عليه السلام احذق منهم وقد قال فى الحبة السوداء « انها شفاء من كل داء » وهذا الداء الذى نزل بك من جملة ذلك ثم قال على بالحبة السوداء والعسل فخلط هذا بهذا وطلى بهما بدنه كله ووجهه ورأسه الى رجليه وألعقه من ذلك وتركه ساعة ثم انه غسل فانسلخ من جلده ونبت له جلد آخر ونبت ما كان قد سقط من شعره وبرئ وعاد الى ما كان عليه فى حال عافيته فتعجب الاطباء والناس من قوة ايمانه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان رحمه الله يستعمل الحبة السوداء فى كل داء يصيبه حتى فى الرمد اذا رمدت عينه اكتحل بها فبرى من ساعته انتهى كلام الشيخ فقد عرفت ان الاطمئنان وقوة الايمان يجلب للمرء ما يهواه بعناية الملك المنان لكنه قليل اهله خصوصا فى هذا الزمان والله المعين(4/384)
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11)
{ اذ يغشيكم النعاس } قال جماعة من المفسرين لما امر الله النبى عليه السلام بالمسير الى الكفار سار بمن معه حتى اذا كان قريبا من بدر لقى رجلين فى الطريق فسألها هل مرت بكما العير قالا نعم مرت بنا ليلا وكان بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة من المسلمين فاخذوا الرجلين وكان احدهما عبدا للعباس بن عبد المطلب يقال له ابو رافع والآخر عبدا لعقبة بن ابى معيط يقال له اسلم كانا يسقيان الماء فدفع اسلم الى اصحابه يسألونه واخذ وهو يسأل ابا رافع عمن خرج من اهل مكة فقال ما بقى بها احد الا وقد خرج فقال عليه السلام تأتى مكة اليوم بافلاذ كبدها ثم قال هل رجع منهم احد قال نعم ابىّ بن سريق فى ثلاثمائة من بنى زهرة وكان خرج لمكان العير فلما اقبلت العير رجع فسماه النبى عليه السلام الا خنس حين خنس بقومه ثم اقبل على اصحابه وهم يسألون اسلم وكان يقول لهم خرج فلان وفلان وابو بكر يضر به بالعصا ويقول له كذبت أتجبن الناس فقال عليه السلام « ان صدقكم ضربتموه وان كذبكم تركتموه » فعلموا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عرف امرهم فساروا حتى نزلوا فى كثيب اعفر اى فى تل من الرمل الاحمر تسوخ فيه الاقدام اى تدخل وتغيب على غير ماء بالجانب الاقرب من المدينة من الوادى ونزل المشركون بجانبه الا بعد من المدينة الاقرب الى مكة والوادى بينهما ثم باتوا ليلتهم تلك وناموا ثم استيقظوا وقد اجنب اكثرهم وغلب المشركون على ماء بدر وليس معهم ماء فتمثل لهم الشيطان فوسوس اليهم وقال انتم يا اصحاب محمد تزعمون انكم على الحق وانكم اولياء الله وفيكم رسوله وانكم تصلون على غير وضوء وعلى الجنابة وقد عطشتم ولو كنتم على الحق ما سبقكم المشركون الى الماء وغلبوكم عليه وما ينتظرون الا ان يضعفكم العطش فاذا قطع اعناقكم مشوا اليكم فقتلوا من احبوا وساقوا بقيتكم الى مكة فحزنوا حزنا شديدا فاشفقوا فانزل الله عليهم المطر ليلا حنى سال الوادى وامتلأ من الماء فاغتسل المسلمون وتوضأوا وشربوا وسقوا دوابهم وبنوا على عدوته اى جانبه حياضا واشتد الرمل وتلبدت بذلك ارضهم واوحل ارض عدوهم حتى تثبت علينا الاقدام وزالت وسوسة الشيطان وطابت النفوس وقويت القلوب وتهيأوا للقتال من الغد فذلك قوله تعالى { اذ يغشيكم النعاس } اى اذكروا ايها المؤمنون وقت جعل النعاس وهو اول النوم قبل ان يثقل عاشيا لكم ومحيطا وملقى عليكم { امنة منه } منصوب على العلية بفعل مترتب على الفعل المذكور اى يغشيكم النعاس فتنعسون امنا كائنا من الله تعالى لا كلالا واعياء فيتحد الفاعلان لان ان من فعل النعاس(4/385)
قال فى التأويلات النجمية يشير الى ان النعاس فى المعركة عند مواجهة العدو والا من منه يدل الخوف انما هو من تقليب الحال الى ضده بامر التكوين كما قال تعالى للنار { يا نار كونى بردا وسلاما على ابراهيم } فكانت كذلك قال للخوف كن امنا على محمد واصحابه فكان انتهى
وعن ابن مسعود رضى الله عنه النعاس عند القتال امن من الله تعالى وهو فى الصلاة من الشيطان
قال الحسن ان للشيطان ملعقة ومكحلة فملعقته الكذب ومكحلته النوم عند الذكر { وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } اى بذلك الماء يعنى المطر من الحدث والجنابة { ويذهب عنكم رجز الشيطان } اى وسوسته وتخويفه اياكم من العطش ويقال اراد بالرجز الجنابة التى اصابتهم بالاحتلام فان الاحتلام انما يكون من رجز الشيطان اى تخييله ووسوسته ولذلك قال بعضهم من كتب اسم عمر على صدره لم يحتلم فان الشيطان كان يفر منه ويسلك فجا غير الفج الذى اقبل هو منه { وليربط على قلوبكم } الربط الشد والتقوية وعلى صلة . والمعنى ليربط قلوبكم ويشدها ويقويها بجعلها واثقة بلطف الله تعالى وكرمه وجيء بكلمة على للايذان بان قلوبهم امتلأت من ذلك الربط حتى كأنه علا عليها وارتفع فوقها { ويثبت به } اى بذلك الماء { الاقدام { حتى لا تسوخ فى الرمل ويجوز ان يكون الضمير للربط فان الاقدام انما تثبت فى الحرب بقوة القلب وتمكن الصبر والجراءة فيه
دلا در عاشقى ثابت قدم باش ... كه در اينره نباشد كار بى اجر
وبمثل الصدق والصبر وارتباط القلب وثبات الاقدام سادت الصحابة الكرام من عداهم الى يوم القيام ولا فضل لاحد على احد الا بالديانة والتقوى
قال الزهرى قدمت على عبد الملك بن مروان قال من اين قدمت يا زهرى قلت من مكة قال فمن خلفت فيها يسود اهلها قال قلت عطاء بن رباح قال فمن العرب ام من الموالى قلت من الموالى قال بم سادهم قلت بالديانة والرواية قال ان اهل الديانة والرواية ينبغى ان يسودوا الناس قال فمن يسود اهل اليمن قلت طاووس بن كيسان قال فمن العرب ام من الموالى قلت من الموالى قال فيم سادهم قلت بما ساد به عطاء قال من كان كذلك ينبغى ان يسود الناس قال فمن يسود اهل مصر قلت يزيد بن ابى حبيب قتل فمن العرب ام من الموالى قلت من الموالى فقال كما فى الاولين ثم قال فمن يسود اهل الشام قلت مكحول الدمشقى فقال من العرب ام من الموالى قلت من الموالى عبد نوبى اعتقته امرأة من هذيل فقال كما قال ثم قال فمن يسود اهل الجزيرة قلت ميمون بن مهران قال فمن العرب ام من الموالى قلت من الموالى فقال كم قال ثم قال فمن يسود اهل حرمنا قلت الضحاك بن مزاحم فقال من العرب ام من الموالى قلت من الموالى فقال كما قال فمن يسود اهل البصرة قلت الحسن بن ابى الحسن قال من العرب ام من الموالى قلت من الموالى قال ويلك فمن يسود أهل الكوفة قلت ابراهيم النخعى قال من العرب ام من الموالى قلت من العرب قال ويلك يا زهرى فرجت هنى والله ليسودن الموالى على الاكابر حتى يخطب لها على المنابر وان العرب تحتها قال قلت يا امير المؤمنين انما هو امر الله ودينه فمن حفظه ساد ومن ضيعه سقط(4/386)
وفى الآية بيان نعمة الماء وان الخوف من العطش وكذا من الجوع من الشيطان ووسوسته فان المرء اذا كان قوى التوكل يستوى عنده الفقد والوجود والله تعالى من اسمه الخالق والرازق قالوا وللاسد من الصبر على الجوع وقلة الحاجة الى الماء ما ليس لغيره من السباع ولا يأكل من فريسة غيره واذا شبع من فريسة تركها ولم يعد اليها واذا امتلأ بالطعام ارتاض ولا يشرب من ماء ولغ فيه كلب فينبغى للمؤمن ان لا يكون أدون من الاسد فى هذ الصفات
على المرء ان يسعى لتحسين حاله ... وليس عليه ان يساعده الدهر
والله تعالى قد سن الاعانة باعانته للمؤمنين فالمؤمن الكامل يساعد المؤمن حسب الطاقة -وحكى- ان فيروز بن بزدجرد بن بهرام من آل ساسان لما ملك عدل وانصف ولما مضى سبع سنين من ملكه ولم ينزل من السماء مطر ارسل الى كل بلد بان يقسم طعام كل بلد بين الاغنياء والفقراء واذا مات فقير من الجوع قتل من الاغنياء رجلا بدلا منه : قال الحافظ
توانكرا دل درويش خود بدست آور ... كه مخزن زر وكنج درم نخواهد ماند
اللهم احفظنا من البخل والكسل الى حلول الاجل(4/387)
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)
{ اذ يوحى ربك الى الملائكة } الوحى القاء المعنى الى النفس من وجه خفى . والمعنى اذكر يا محمد وقت ايحائه تعالى الى الملائكة { انى معكم } مفعول يوحى اى بالامداد والتوفيق فى امر التثبيت فليس القصد ازالة الخوف كما فى { لا تحزن ان الله معنا } اذ لا خوف للملائكة من الكفار حتى يقال لهم انى معكم فلا تخافوهم وما يشعر به دخول كلمة من متبوعية الملائكة انما هو من حيث انهم المباشرون للتثبيت صورة فلهم الاصالة من تلك الحيثية كما فى امثال قوله تعالى { ان الله مع الصابرين } { فثبتوا الذين آمنوا } بالبشارة وتكثير السواد ونحوهما مما تتقوى به قلوبهم والتثبيت عبارة عن الحمل على الثبات فى مواطن الحرب والجد فى مقاساة شدائد القتال { سألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب } اى سأقذف فى قلوبهم المخافة من المؤمنين وهو تلقين للملائكة ما يثبتونهم به كأنه قيل قولوا لهم قولى سألقى الخ { فاضربوا } ايها المؤمنون فلا دلالة فى الآية على قتال الملائكة { فوق الاعناق } اعاليها التى هى المذابح او الرؤس
قال الحدادى وانما امر الله بضرب الاعناق لان اعلى جلدة العنق هو المقتل { واضربوا منهم كل بنان } البنان فى اللغة هو الاصابع وغيرها من الاعضاء التى بها يكون قوام الانسان وحياته والمقصود اضربوهم فى جميع الاعضاء من اعاليها الى اسافلها . وقيل الوجه ان يراد بها المدافعة والمقاتلة وكذا قال التفتازانى(4/388)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13)
{ ذلك } الضرب والقتل والعقاب واقع عليهم { بانهم } اى بسبب انهم { شاقوا الله ورسوله } اى خالفوا وغالبوا من لا سبيل الى مغالبته اصلا
قال ابن الشيخ معنى شاقوا الله شاقوا اولياء الله واشتقاق المشاقة من الشق لما ان كلا من الشماقين فى شق خرف شق الآخر كما ان المحادة ان يصير احدهما فى حد غير حد الآخر
وفى الآية اشارة الى ان كل سعادة وشقاوة تصل للعبد فى الدنيا والآخرة يكون للعبدج فيها مدخل بالكسب { ومن يشاقق الله ورسوله } اى ومن يخالف اولياء الله ورسوله { فان الله شديد العقاب } له
قال الحدادى اما اظهار ظهار التضعيف فى موضع الجزم فى قوله { يشاقق الله } فهو لغة اهل الحجاز وغيرهم يدغم احد الحرفين فى الآخر لاجتماعهما من جنس واحد كما قال تعالى فى سورة الحشر { ومن يشاق الله } بقاف واحدة(4/389)
ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14)
{ ذلكم فذوقوه وان للكافرين عذاب النار } قوله ذلكم خبر مبتدأ محذوف وقوله وان الخ معطوف عليه . وقوله فذوقوه اعتراض والضمير لما فى ضمن المشار اليه من العقاب والتقدير حكم الله ذلكم اى ثبوت هذا العقاب لكم عاجلا وثبوت عذاب النار آجلا وانما قال فى عذاب الدنيا فذوقوه لان الذوق يتناول اليسير من الشئ فكل ما يلقى الكفار من ضرب او قتل او اسر او غيرها فى الدنيا فهو بالنسبة الى ما اعد لهم فى الآخرة بمنزلة ذوق المطعوم بالنسبة الى اكله
قال فى التأويلات النجمية { فذوقوه } اى ذوقوا العاجل منه صورة ومعنى اما صورة فبالقتل والاسر والمصائب والمكروهات واما معنى فبالبعد والطرد عن الحضرة وتراكم الحجب وموت القلب وعمى البصيرة وضعف الروح وقوة النفس واستيلاء صفاتها وغلبة هواها وما يبعده عن الحقويقربه الى الباطل
وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال سوى اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوفهم وقدموا راياتهم فوضعوها مواضعها فوقف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على بعير له يدعو الله ويستغيث فهبط جبريل عليه السلام فى خمسمائة على ميمنتهم وميكائيل عليه السلام فى خمسمائة على ميسرتهم فكان الملك يأتى الرجل من المسلمين على صورة رجل ويقول له دنوت من عسكر المشركين فسمعتهم يقولون والله لئن حملوا علينا لا نثبت لهم ابدا والقى الله فى قلوب الكفرة الرعب بعد قيامهم للصف فقال عتبة بن ربيعة يا محمد اخرج الينا اكفاءنا من قريش نقاتلهم اليهم فبنوا عفراء من الانصار عو ومعوذ اّمهم عفراء وابوهم الحارث فمشوا اليهم فقالوا لهم ارجعوا وارسلوا الينا اكفانا من بنى هاشم فخرج عليهم حمزة وعلى عبيدة بن الحارث فقال على مشيت الاى الوليد بن عتبة ومشى الى فضربته بالسيف اطرت يده ثم بركت عليه فقتلته فقام شيبة بن ابى ربيعة الى عبيدة بن الحارث فاختلفا بضربتين ثم ضرب عبيدة ضربة اخرى فقطع شاق شيبة ثم قام حمزة الى عتبة فقال انا اسد الله واسد الله رسوله ثم ضربه حمزة فقتله فقام ابو جهل فى اصحابه يحرضهم يقول لا يهولنكم ما لقى هؤلاء فانهم عجلوا فاستحقوا ثم حمل هو بنفسه ثم حمل المسلمون كلهم على المشركين فهزموهم باذن الله تعالى وفى حق هؤلاء السادات ورد « اطلع الله على اهل بدر » يعنى نظر اليهم بنظر الرحمة والمغفرة « فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم » المراد به اظهار العناية بهم والاعلاء رتبتهم لا الترخيص لهم فى كل فعل كما يقال للمحجوب اصنع ما شئت
فعلى العاقل ان يقتفى باثرهم فى باب المجاهدة مطلقا : قال الحافظ
درره نفس كزوسينه ما بتكده شد ... تيرآهى بكشاييم وغزايى بكنيم
وقال فى حق اهل الجزع
ترسم كزين جمن نبرى آستين كل ... كز كلشنش تحمل حارى نمكينى
اللهم اجعلنا من الصابرين(4/390)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15)
{ يا ايها الذين آمنوا اذا لقيتم الذين كفروا } لقيه اى رآه { زحفا } الزحف الدبيب يقال زحف من باب فتح اذا دب على استه قليلا قليلا سمى به الجيش الدهم المتوجه الى العدو لانه لكثرته وتكاثفه يرى كأنه يوحف وذلك لان الكل يرى كجسم واحد متصل فيحس حركته بالقياس اليه فى غاية البطئ وان كانت فى نفس الامر فى غاية السرعة ونصبه على انه حال من مفعول لقيتم بمعنى زاحفين نحوكم . والمعنى اذا لقيتموهم للقتال وهو كثير جم وانتم قليل { فلا تولوهم الادبار } فلا تولوهم ادباركم فضلا عن الفرار بل قابلوهم وقاتلوهم مع قلتكم فضلا عن ان تدانوهم فى العدد وتساووهم عدل عن لفظ الظهور الى لفظ الادبار تقبيحا لفعل الفار وتشنيعا لانهزامه والتولية جعل الشيء يلى غيره وهو متعمد الى مفعولين وولاه دبره اذا جعله اليه(4/391)
وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)
{ ومن يولهم يومئذ دبره } اى ومن يجعل ظهرهر اليهم وقت اللقاء والقتال فضلا عن الفرار فيومئذ هنا بمعنى حينئذ لان اليوم وان كان اسما لبياض النهار اذا اطلق لكنه اذا قرن به فعل لا يمتد يراد به مطلق الوقت { الا متحرفا لقتال } اما بالتوجه الى قتال طائفة اخرى اهم من هؤلاء واما بالكفر للكر بان يخيل لعدوه انه منهزم ليغره ويخرجه من بين اعوانه ثم يعطف عليه وحده او مع من فى المكمن من اصحابه وهو باب من خدع الحرب ومكايدها يقال انحرف وتحرف اذا مال من جانب الى جانب آخر والحرف الطرف والجانب وانتصابه على الخالية والتقدير ومن يولهم ملتبسا بحال من الاحوال اية حال كانت الا فى حال كذا راو متحيزا الى فئة } اى منحازا الاى جماعة اخرى من المؤمنين قريبة او بعيدة لينضم اليهم ثم يقاتل معهم العدو فالانهزام حرام الا فى هاتين الحالتين فان كل واحدة منهما ليست انهزاما فى الحقيقة بل من قبيل التهيئ والتقوى للحرب فمن ولى ظهره لغير احد هذين الغرضين { فقد باء } اى رجع { بغضب } عظيم كائن { من الله } تعالى { وماويه } فى الآخرة { جهنم } اى بدل ما اراد بفراره ان يأوى اليه من مأوى ينجيه من القتل والمألأوى المكان الذى يأولى اليه الانسان اى يأتيه { وبئس المصير } اى المرجع جهنم وهذا الوعيد وان كان بحسب الظاهر متناولا لكل من يولى دبره وقت ملاقاة الكفار الا انه مخصوص بما اذا لم يزد العدو على ضعف المسلمين لقوله تعالى فى آخر هذه السورة { الآن خفف الله عنكم وعلم ان فيكم ضعفا فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وان لم يكن منكم الف يغلبوا الفين باذن الله } قال ابن عباس رضى الله عنه من فر من ثلاثة لم يفر ومن فر من اثنين فقد فر اى ارتكب المحرم وهو كبيرة الفرار من الزحف : وفى المثنوى
اين جنين هوشى كه ازموشى بريد ... اندر آن صف تيغ جون خواهد كشيد
جالش است آن حمزه خوردن نيست اين ... تاتو بر مالى بخوردن آسيتن
نيست حمزه خودن انيجا تيغ بين ... حمزه بايد درين صف آرهنين
كار هر نازك دلى نبود قتال ... كه كريزد از خيالى جون خيال
كار تركانست نى تركان برو ... جاى تركان هست خانه خانه شو
وعد بعض العلماء الكبائر الى سبعين منها الفرار من الجيش فى الغزو اذا كان مثلا او ضعفا وكل ما كان شنيعا بين المسلمين وفيه هتك حرمة الله والدين فهى كبيرة تسقط العدالة فى الشهادة فعلى العاقل ان يقدم على الحرب بقلب جريء ويعلم ان الجبن لا يؤخر اجله وان الاقدام على القتال لا يعجل موته ويتشبه الغازى فى اوان المقاتلة باصناف من الخلق فيكون كقلب الاسد لا يجبن ولا يفر كما ان الاسد مقدام غير جبان وكرار غير فرار وفى كبر النمر بالفارسية [ بلنك ] لا يتواضع للعدو وفى شجاعة الدب يقاتل بجميع جوارحه وفى حملة الخنزير لا يولى دبره اذا حمل اى لا يعرض وجهه عما توجه اليه وفى اغارة الذئب اذا يئس من وجه اغار من وجه آخر والاغارة بالفارسية [ يغما كردن ] وفى حمل السلاح الثقيل كالنملة تحمل اضعاف وزن بدنها وفى الثبات كالحجر لا يزول عن مكانه وفى الصبر كالحمار وفى الوفاء كالكلب لو دخل سيده النار يتبعه وفى التماس الفرصة والظفر كالديك ويكون فى الصف ساكنا كالمصل الخاشع ويكون فى متابعة امير العسكر كمتابعة المأموم امامه فى الصلاة اى لا يخالفه اصلا ويغطى نفسه بالسلاح كتغطية البكر نفسها بالثياب اذا زفت اى ارسلت الى الزوج وفى تكثير قليل سلاحه وماله كالمرائى اذا قل ماله وعباداته ويكون فى المكر والخيلة اذا هزمه العدو اى غلب عليه كالثعلب اذا اضطره الكلب فان مدار الحرب على الخداع وفى التبختر والخيلاء بين الصفين كالعروس وفى الخفة فى تحريف القتال من جانب الى آخر كالصبى وفى صياحه اذا صاح بالعدو كالرعد وهو اسم ملك على قول وفى سةء ظنه اى فى الحذر عما يهلكه فى جميع احواله كالغراب الا بقع وهو الذى فيه سواد وبياض وفى حراسته والاحتراز عن المكاره كالكركى وهو طير معروف لا زوردى اللون يشابه اللقلق فى الهيئة بالفارسية [ كلتك ] ومن الحيوان الذى لا يصلح الا برئيس لان فى طبعه الحرس والتحارس والذى يحرس يهتف بصوت خفى كأنه يندر بانه حارس فاذا قضى ثوبته قام الذى كان نائما يحرس مكانه حتى يقضى كل ما يلزمه من الحراسة(4/392)
قال القزوينى والكركى لا يمشى على الارض الا باحدى رجليه ويعلق الاخرى وان وضعها وضعها خفيفا مخافة ان تخسف به الارض كذا فى حياة الحيوان
والاشارة ايها القلوب المؤمنة اذا لقيتم كفار النفوس وصفاتها مجتمعين على قهر القلوب وصفاتها فلا تنهزموا من سطوات النفوس وغلبات صفاتها بل اثبتوا بالصبر عند صدمات النفوس فان الصبر عند الصدمة الاولى كما روى ان النبى عليه السلام اتى على امرأة تبكى على صبى ميت لها فقال « اتقى الله واصبرى » فقالت وما تبالى على مصيبتى فلما ذهب عليه السلام قيل لها انه رسول الله فاخذها مصيبة مثل موت صبيها فجاءت بابه تستعذره وتقول لم اعرفك يا رسول الله فقال عليه السلام « الصبر عند الصدمة الاولى » الصدم ضرب الشئ الصلب بمثله والصدمة مرة منه يعنى الصبر يسر له ومن يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال او متحيزا الى فئة يعنى الا قلبا ينحرف ليهيئ اسباب القتال مع النفس او راجعا الى الاستمداد من الروح وصفاتها او الى ولاية الشيخ يستمد منها الى الحضرة الربانية فى قمع النفس وقهرها بطريق المجاهدة والرياضة { فقد باء بغضب من الله } يعنى بطرد وابعاد منه { ومأويه جهنم وبئس المصير } اى مرجعه جهنم البعد عن الحضرة ونار القطيعة وبئس المرجع والمعاد(4/393)
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)
{ فلم تقتلوهم } اى ان افتخرتم بقتل الكفار يوم بدر فاعلموا انكم لم تقتلوهم بقوتكم وقدرتكم { ولكن الله قتلهم } بنصركم وتسليطكم عليهم والقاء الرعب فى قلوبهم - روى - انه لما طلعت قريش من العقنقل وهو الكذيب الذى جاؤا منه الى الوادى قال عليه السلام « هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها يكذبون رسولك اللهم انى اسألك ما وعدتنى » فاتاه جبريل فقال خذ قبضة من تراب فارمهم بها فلما التقى الجمعان قال لعلى رضى الله عنه « اعطنى من حصباء الوادى » فرمى بها فى وجوههم وقال « شاهت الوجوه » اى قبحت فما من المشركين احد الا اصاب عينيه ومنخريه تراب فانهزموا وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم ثم لما انصرفوا من المعركة غالبين غانمين اقبلوا على التفاخر يقولون قتلت واسرت وفعلت وتركت فنزلت والظاهر ان قوله { فلم تقتلوهم } رجوع الى بيان بقية قصة بدر والفاء جواب شرط مقدر يستدعيه ما مر من ذكر امداده تعالى وامره بالتثبيت وغير ذلك كأنه قيل اذا كان الامر كذلك فلم تقتلوهم انتم كما هو محتار المولى ابى السعود فى تفسيره { وما رميت } يا محمد { اذ رميت } صورة ولا لكان اثر الرمى من جنس آثار الافاعيل البشرية { ولكن الله رمى } اتى بما هو غاية الرمى فاوصل اجزاء تلك القبضة الى عيون جميع المشركين حتى انهزموا وتمكنتم من قطع دابرهم فصورة الرمى صدرت منه عليه السلام الا ان اثرها انما صدر من الله تعالى اذ ليس فى وسع البشر ان يرمى كفا من الحصباء فى وجوه جيش فلا يبقى فيهم عين الا ويصيبها منه شئ . واللفظ يطلق على المسمى وعلى ما هو كماله والمقصود منه كاطلاق المؤمن على المؤمن الكامل
قال فى التأويلات النجمية ان الله نفى عن الصحابة القتل بالكلية واحاله الى نفسه لانه تعالى كان مسبب اسباب القتل من امداد الملائكة والقاء الرعب فى قلوب الكفار وتقوية قلوب المؤمنين وغير ذلك فالفعل يحال الى السبب كقولهم القلم يكتب مليحا والكاتب يكتب مليحا وهو المسبب للكتابة : قال فى المثنوى
هرجه خواهد آن مسبب آورد ... قدرت مطلق سببها بر درد
از مسبب ميرسد هر خبر وشر ... نيست اسباب ووسائط را اثر
اين سببها بر نظرها بردهاست ... كه نه هرديدار صنعش راسزاست
ديده بايد سبب سوراخ كن ... تاحجب رابر كند از بيخ وبن
تامسبب بيندج اندر لا مكان ... هرزه بيند جهد واساب ودكان
والفرق فيما بين النبى عليه السلام وبين الصحابة رضى الله عنهم ان الله تعالى نفى القتل عن الصحابة بالكلية واحاله الى نفسه فجعلهم سببا للقتل وهو المسبب وما نفى الرمى عن النبى عليه السلام بالكلية بل اسند اليه الرمى ولكن نفى وجوده بالكلية فى الرمى واثبته لنفسه تعالى اى ما ورميت بك اذ رميت بالله وذلك فى مقام التجلى فاذا تجلى الله لعبد بصفة من صفاته يظهر على العبد منه فلا يناسب تلك الصفة كما كان من حال عيسى عليه السلام لما تحل الله له بصفة الاحياء كان يحيى الموتى باذنه اى به وهذا كقوله تعالى(4/394)
« كنت له سمعا وبصرا » الحديث فلما تجلى الله للنبى عليه السلام بصفة القدرة كان قد رمى به حين رمى وكان يده يد الله وذلك كما كشف القناع عن هذه الحقيقة فى قوله تعالى { ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله ايديهم } واعلم ان الله اسند القتل الى داود عليه السلام فى قوله { وقتل داود جالوت } وفرق كثير بين عبدا ضيف فعله الى الله تعالى والله منزه عن الآفات والحوادث
ما رميت اذ رميت كفت حق ... كارحق بركارها دارد سبق
كر بيرانيم تيران نى زماست ... ما كمان وتير اندارش خداست
تانشد مغلوب كس اين سر نايفت ... كرتوخواهى آن طرف بايد شتافت
{ وليبلى المؤمنين منه } اى ليعيطهم من عنده تعالى وينعم عليهم { بلاء حسنا } اى عطاء جميلا ونعمة عظيمة بالنصر والغنيمة ومشاهدة الآيات غير مشوبة بمقاساة الشدائد والمكاره . والبلاء يطلق على النعمة وعلى المحنة لان اصله الاختيار وهو كما يكون بالمحنة لاظهار الصبر يكون بالنعمة ايضا لاظهار الشكر والاختبار من الله تعالى اظهار ما علم كما علم لا تحصيل علم ما لم يعلم لانه تعالى منزه عنه . واللام متعلقة بمحذوف مؤخر أى وللاحسان اليهم بالنصر والغنيمة والاجر العظيم فعل ما فعل لا لشئ غير ذلك مما لا يجديهم نفعا . واما برمى فالواو للعطف على علة محذوفة اى ولكن الله رمى ليمحق الكافرين وليبلى المؤمنين
قال ابن الشيخ والظاهر ان بلاء اسم مصدر ليبلى ابلاء حسنا والمتبادر من عبارة القاضى انه حمله على نفس الشئء المبلو به عن طريق اطلاق المصدر على المفعول حيث قال ولنعم عليهم نعمة عظيمة : قال الكاشفى [ در حقائق سلمى از امام جعفر صادق رضى الله عنه نقل ميكندكه بلاء حسنا آنست كه ايشانرا از نفوس ايثلن فأنى كرداند وبعد از فنا بهويت خود شان باقى سازد امام . قشيرى كويد بلاء حسن آنست كه مبتلى مشاهده كندميلى رادر عين بلا ]
جودانستى كه اين درد تواز كيست ... زرنج خويشتن مى باش خرم
كر او زهرت دهد بهتر زشكر ... وراوزحمت زند خوشترزمرهم
{ ان الله سميع } لاستغاثتهم ودعائهم { عليهم } بنياتهم واحوالهم الداعية الى الاجابة(4/395)
ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18)
{ ذلكم } اشارة الى البلاء الحسن ومحله الرفع على انه خبر مبتدأ محذوف وقوله تعالى { ان الله موهن كيد الكافرين } معطوف على ذلكم اى المقصود ابلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين وابطال حيلهم . والايهان [ سست كردن ] والنعت موهون كذا فى تاج المصادر . والوهن الضعف والكيد المكر والحيلة والحرب
وفى الآية اشارة الى ان التأثير من الله تعالى والعبد آلة فى البين فينبغى للمرء ان لا يعجب بنفسه وعمله ولذا قال الله تعالى { فلم تقتلوهم } واظهر منته عليهم والعجب استعظام العمل الصالح من غير ذكر التوفيق
قال المسيح عليه السلام يا معشر الحواريين كم من سراج قد اطفأته الريح وكم من عابد قد افسده العجب
واعلم ان الناس فى العجب ثلاثة اصناف . صنف هم معجبون بكل حال وهم المعتزلة والقدرية الذين لا يرون الله تعالى عليهم منة فى افعالهم وينكرون العون والتوفيق الخاص واللطف وتلك الشبهة استولت عليهم . وصنف هم الذاكرون المنة بكل حال وهم المستقيمون لا يعجبون بشئ من الاعمال وذلك لبصيرة اكرموا بها وتأييد خصوا به . والصنف الثالث المخلطون وهم عامة اهل السنة تارة ينتبهون فيذكرون منة الله تعالى وتارة يعفلون فيعجبون وذلك لمكان الغفلة العارضة والفترة فى الاجتهاد والنقص فى البصيرة فحق للعاقل ان يرى حقارة عمله وقلة مقداره من حيث هو وان يرى ان منة الله عليه اشرف من قدر عمله واعظم من جزائه وان يحذر على فعله من ان يقع على وجه لا يصلح لله تعالى ولا يقع منه موقع الرضى فتذهب عنه القيمة التى حصلت له ويعود الى ما كان فى الاصل من الثمن الحقير من دراهم او دوانق ومثاله ان العنقود من العنب او الاضبارة من الريحان تكون قيمته فى السوق دانقا فاذا اهداه واحد الى الملك دستجة فوقع منه موقع الرضى يهب له على ذلك الف دينار فصار ما قيمته حبة بالف دينار فاذا لم يرضه الملك اورده عليه رجع الى قيمته الخسيسة من حبة او دانق فكذلك ما نحن فيه
قال وهب كلن فيمن قبلكم رجل عبد الله سبعين سنة يفطر من سبت الى سبت فطلب من الله حاجة فلم يقض فاقبل على نفسه وقال لو كان عندك خير قضيت حاجتك فانزل الله تعالى ملكا فقال يا ابن آدم ساعتك التى ازريت بنفسك فيها خير من عبادتك التى مضت : ونعم ما قال الحافظ الشيرازى
در راه ما شكسته دلى ميخرند وبس ... بازار خودفروشى ازان سوى ديكرست
اللهم اجعلنا من اهل التوفيق ومن السالكين بطريق التحقيق_@_(4/396)
إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)
{ ان تستفتحوا } الخطاب لاهل مكة على سبيل التهكم بهم وذلك انهم حين ارادوا الخروج الى بدر تعلقوا باستار الكعبة وقالوا اللهم انصر اعلى الجندين واهدى الفئتين واكرم الحزبين وافضل الدين - وروى- ان ابا جهل قال يوم بدر اللهم انصر افضل الفريقين واحقهما بالنصر اللهم اينا اقطع للرحم وافسد للجماعة فاهلكه دعا على نفسه لغاية حماقته فاستجاب الله دعائه حيث ضربه ابناء عفراء عوذ ومعاذ واجهز عليه ابن مسعود رضى الله عنه . فالمعنى ان تستنصروا يا اهل مكة لا على الجندين { فقد جاءكم الفتح } حيث نصر اعلاهما وقد زعمتم انكم الاعلى فالتهكم فى المجئ او فقد جاءكم الهزيمة والقهر والخزى فالتهكم فى نفس الفتح حيث وضع موضع ما يقابله { وان تنتهوا } عن الكفر ومعاداة الرسول { فهو } اى الانتهاء { خير لكم } اى من الحراب الذي ذقتم غائلته لما فيه من السلامة من القتل والاسر ومبنى اعتبار اصل الخيرية فى المفضل عليه هو التهكم { وان تعودوا } لمحاربته { نعد } لنصره { ولن تغنى } اى لن ابدا { عنكم فئتكم } اى جماعتكم التى تجمعونهم وتستغيثون بهم { شيأ } اى من الاغناء فنصب شيأ على المصدر او من المضار فتصبه على المفعولية { ولو كثرت } فئتكم فى العدد { وان الله مع المؤمنين } اى ولان الله مع المؤمنين بالنصر والمعونة فعل ذلك
وفى الآية اشارة الى ان النجاة فى الايمان والاسلام والتسليم لامر الله الملك العلام وان غاية الباطل هو الزوال والاضمحلال وان ساعده الامهال : قال الحافظ
اسم اعظم بكند كار خوادى دل خوش باش ... كه بتلبيس وحيل ديو سليمان نشود
واعلم ان المحاربة مع الاولياء الكرام كالمحاربة مع الانبياء العظام وكل منهم منصور على اعدائه لان الله معهم وهو لا ينساهم ولا يتركهم بحال -حكى- ان دانيال عليه السلام طرح فى الجب والقيت عليه السباع تلحسه وتتبصبص اليه فاتاه رسول فقال يا دانيال فقال من انت قال انا رسول اليك بطعام فقال الحمد لله الذى لا ينسى من ذكره
واذا السعادة لاحظتك عيونها ... نم فالمخاوف كلهن امان
واصطد بها العنقاء فهى حبالة ... واقتد بها الجوزاء فهى عنان
-وحكى- الماوردى فى كتاب ادب الدنيا والدين ان الوليد بن يزيد بن عبد الله تفاءل يوما فى المصحف فخرج له قوله تعالى { واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد } فمزق المصحف وانشأ يقول
أتوعد كل جبار عنيد ... فها انحا ذاك جبار عنيد
اذا ما جئت ريك يوم حشر ... فقل يا رب مزقنى الوليد
فلم يلبث اياما حتى قتل شر قتلة وصلب رأسه على قصره ثم على سور بلده
جزم القاضى ابو بكر فى الاحكام فى سورة الكائدة بتحريم اخذ الفأل من المصحف . ونقله القرافى عن الطرطوشى واقره واباحه ابن بطة من الحنابلة .(4/397)
وقال بعضهم بكراهته كذا فى حياة الحيوان للامام الدميرى
والاشارة فى الآية { ان تستفحوا } ابواب قلوبكم بمفتاح الصدق والاخلاص وترك ما سوى الله تعالى فى طلب التجلى { فقد جاءكم الفتح } بالتجلى فان الله تعالى متجل فى ذاته ازلا وابدا فلا تغير له وانما التغير فى احوال الخلق فانهم عند انغلاق ابواب قلوبهم الى الله محرومون من التجلى وعند انفتاح ابوابها محفوفون به { وان تنتهوا } اى عن غير الله فى طلب الله فهو خير لكم مما سواه { وان تعودوا } الى الدنيا وطلب لذاتها وشهواتها وزخارفها والى ما سوى الله تعالى { نعد } الى خذلانكم الى انفسكم وهواها ودواعيها وغلبات صفاتها { ولن تغنى عنكم فئتكم شيأ } اى تقوم لكم الدنيا والآخرة وما فيهما مقام شئ من مواهب الله والطافه ولو كثرت يعنى وان كثرت نعم الله من الدنيوية والاخروية فلا توازى شيأ مما انعم الله على اهل الله وخاصته وان الله باصناف الطافه مع المؤمنين بهذه المقامات وطالبيها ليبلغهم اليها ورحمته لا بحولهم وقوتهم كذا فى التأويلات النجمية(4/398)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20)
{ يا ايها الذين آمنوا اطيعوا الله ورسوله ولا تولوا } بحذف احدى التاءين اى لا تتولوا والتولى الاعراض . وبالفارسية [ روى بكردانيدن ] { عنه } اى عن الرسول ولم يقل عنهما لان طاعة الله انما تكون بطاعة رسوله { وانتم تسمعون } اى والحال انكم تسمعون القرآن الناطق بوجوب طاعته والمواعظ الزاجرة عن مخالفته سماع فهم وتصديق(4/399)
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21)
{ ولا تكونوا } بمخالفة الامر والنهى { كالذين قالوا سمعنا } على جهة القبول ( وهم لا يسمعون } للقبول وانما سمعوا به للرد والاعراض عنه كالكفار الذين قالوا سمعنا وعصينا وكالمنافقين الذين يدعون السماع والقبول بألسنتهم ويضمرون الكفر والتكذيب : قال فى المثنوى
نبست راجه خوانده جه ن خوانده ... هست باى او بكل در مانده
كرسرش جنبدجنبد بسير باد رو ... توبسر جنبانيش غره مشو
آن سرش كويد سمعنا اى صبا ... باى او كويد عصينا خلنا(4/400)
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22)
{ ان شر الدواب } اى شر ما يدب على الارض فلفظ الدابة محمول على معناه اللغوى او شر البهائم فهو محمول على معناه العرفى والبهيمة كل ذات اربع من حيوانات البر والبحر { عند الله } اى فى حكم قضائه { الصم } الذين لا يسمعون { البكم } الذين لا ينطقون به { الذين لا يعقلون } الحق عدهم من البهائم ثم جعلهم شرها لابطالهم ما ميزوا به وفضلوا لاجله . وانام وصفهم بعدم العقل لان الاصم الابكم اذا كان له عقل ربما يفهم بعض الامور ويفهمه غيره بالاشارة ويهتدى بذلك الى بعض مطالبه . واما اذا كان فاقدا للعقل ايضا فهو الغاية فى الشريه وسوء الحال : قال السعدى
بهائم خموشند وكويا بشر ... براكنده كوى از بهائم بتر
بنطق است وعقل آدمى زاده فاش ... جوطومى سخن كوى ونادان مباش(4/401)
وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)
{ ولو علم الله فيهم خيرا } شيأ من جنس الخير الذى من جملته صرف قواهم الى تحرى الحق واتباع الهدة { لاسمعهم } سماع تفهم وتدبر ولوقفوا على حقيقة الرسول واطاعوه وآمنوا به ولكن لم يعلم فيهم شيأ من ذلك لخلوهم عنه بالمرة فلم يسمعهم لذلك لخلوه عن الفائدة وخروجه عن الحكمة
قال ابن الشيخ عبر عن عدم استقرار الخير فيهم بعدم علم الله تعالى بوجوده فيهم لان كل ما وقع واستقر يجب ان يعبم الله تعالى بحصوله ووجوده فعدم علم الله تعالى بوجود الشئ من لوازم عدمه فى نفسه فعبر باللازم عن الملزوم فقيل { لو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم } مقام ان يقال لو كان فيهم خيرا لأسمعهم لكونه ابلغ فى الدلالة على انعدام الخير فيهم لان نفى لازم الشئ نفى لنفس ذلك الشئ بينه فيكون ابلغ من نفى نفس ذلك الشئ { ولو اسمعهم } سماع تفهم وهم على هذه الحالة العارية عن الخير بالكلية { لتولوا } عما سمعوه من الحق ولم ينتفعوا به قط او ارتدوا بعد ما صدقوه وصاروا كأن لم يسمعوه اصلا { وهم معرضون } اى لتولوا على ادبارهم والحال انهم معرضون عما سمعوه بقلوبهم لعنادهم وفيه اشارة الى ان من قدر له الشقاوة فانه يتولى عن المتابعة فى اثناء السلوك ويعرض عن الله وطلبه ويقبل على الدنيا وزخارفها
واعلم ان الانسان خلق فى احسن تقويم قابلا للتربية والترقى مستعدا لكمال لا يبلغه الملك المقرب فهو فى بدء الخلقة دون الملك وفوق الحيوان فبتربية الشريعة يصير فوق الملك فيكون خير البرية وبمخالفة الشريعة ومتابعة الهوى يصير دون الحيوان فيكون شر البرية فيؤول حال من يكون خيرا من الملك الى ان يكون شر الدواب
فعل العاقل ان لا يخالف امر الرسول وشريعته فان الحيوان يستسلم لامره فكيف بالانسان - حكى - انه جاء رجل فى بعض اسفاره صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انه كان لى حائط فيه عيشى وعيش عيالى ولى فيه ناضحان والناضخ البعير الذى يستسقى عليه فمنعانى انفسهما وحائطى وما فيه فلا نقدر ان ندنو منهما فنهض النبى صلى الله عليه وسلم واصحابه حتى اتى الحائط فقال لصاحبه « افتح » قال امرهما عظيم قال « افتح » فلما حرك الباب اتيا ولهما جلبة فلما انفرج الباب نظرا الى النبى عليه السلام وبركا ثم سجدا فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤوسهما ثم دفعهما الى صاحبهما وقال « استعملهما واحسن اليهما » فقال القوم تسجد لك البهائم أفلا تأذن لنا فى السجود لك فقال صلى الله تعالى عليه وسلم « ان السجود ليس الا للحى القيوم ولو امرت احدا ان يسجد لاحد لامرت المرأة ان تسجد لزوجها »(4/402)
وكل ما امر به النبى عليه السلام او نهى عنه ففيه حكمة ومصلحة ولست بمأمور بالتفتيش عنها وانما يلزم عليك الاطاعة والانقياد فقط . أفرتضى لنفسك ان تصدق ابن البيطار فيما ذكره فى العقاقير والاحجار فتبادر الى امتثال ما امرك به ولا تصدق سيد البشر صلى الله تعالى عليه وسلم فيما يخبر عنه وتتوانى بحكم الكسل عن الاتيان بما امر به او فعل وانت تحقق انه عليه السلام مكاشف من العالم بجميع الاسرار والحكم كما اخبر عن نفسه وقال « فعلمت علم الاولين والآخرين » ولما اخرجك الله من صلب آدم فى مقام ألست رددت الى اسفل السافلين ثم منه دعيت لترتفع بسعيك وكسبك الى اعلى عليين حيث ما قدر لك على حسب قابليتك ولا يمكنك ذلك الا بأمرين . احدهما بمحبته صلى الله عليه وسلم وبان تؤثر حبه على نفسك واهلك مالك . والثانى بمتابعته صلى الله عليه وسلم فى جميع ما امر به ونهى عنه وبذلك تستحكم مناسبتك به وبكمال متابعتك يحصل لك الارتفاع الى اوج الكمال ومن علامات المحبة حب القرآن وحب تلاوته والا كان من المعرضين عن سلوك طريقته صلى الله عليه وسلم ومن تمتم محبته ايثار الفقر والزهد فى الدنيا
كين جهان جيفه است ومردار ورخيص ... برجنين مردار جون باشم حريص
اللهم اعصمنا من المهالك واجعلنا من السالكين الى خير المسالك(4/403)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
{ يا ايها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول } اى اجيبوا الله ورسوله بان تطيعوهما { اذا دعاكم } اى الرسول اذ هو المباشر لدعوة الله ودعاؤه بامر الله فهو دعاء الله تعالى ولذا وحد الفعل { لما يحييكم } اللازم بمعنى الى اى الذى يحييكم وهو انواع منها العلوم الدينية فانها حياة القلب والجهل موته : قال
لا تعجبن الجهول حلته ... فذاك ميت وثوبه كفن
وقال
جاهلى كان بعلم زنده نشت ... ميتش دان ومسكنش مدفن
از جنازه نشان جمازه او ... جامهاى تنش بجاى كفن
وفى الخبر ان الله تعالى ليحيى القلب الميت بالعلم كما يحيى الارض الميتة بوابل المطر والعلوم الدينية الشرعية هى التفسير والحديث والاصول والفقه والفرائض
علم دين فقهست وتفسير وحديث ... هركه خواند غير ازين كردد خبيث
ومنها العقائد والاعمال فانها تورث الحياة الابدية فى النعيم الدائم . ومنها الجهاد فانه سبب البقاء اذ لو تركوه لغلبهم العدو وقتلهم كما فى قوله تعالى { ولكم فى القصاص حيوة } ومنها الشهادة فان الشهادة احياء عند ربهم سواء كانوا مقتولين بسيف الكفار اوة بسيف الرياضات الشاقة والمجاهدات القوية
دانه مردن اشيرين شداست ... بل هم احياء لى من آمده است
اقتلونى يا ثقاتى لائما ... ان فى قتلى حياتى دائما
فالموت هو الفناء عن الكل والحياة هو البقاء بنور الله تعالى { واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه } قال فى القاموس كل ما حجز بين شيئين فقد حال بينهما وهو تمثيل لغاية قربه من العبد وهو اقرب الى قلبه منه لان ما حال بينك وبين الشيء فهو اقرب الى الشيء منك وتنبيه على انه مطلع من مكنونات القلوب على ما عسى يغفل عنه صاحبها
قال رضى الله عنه اللهو اغفر لى ما انت اعلم به منى او حث على المبادرة الى اخلاص القلوب وتصفيتها قبل ان يحول الله بينه وبين القلب بالموت او غيره من الآفات كأنه قيل بادر الى تكميل النفوس وتصفية القلوب باجابة الرسول المبعوث من علام الغيوب قبل فوات الفرصة فانها قد ثفوت بان يحدث الله اسبابا لا يتمكن العبد معها من تصريف القلب فيما يشاؤه من اصلاح امره فيموت غير مستجيب لله ورسوله ويحتمل ان يكون المراد بالحيلولة تصوير تملكه تعالى قلب العبد وغلبته عليه فيفسخ عزائمه ويغير نياته ومقاصده ولا يمكنه من امضائها على حسب ارادته فيحول بينه وبين الكفر ان اراد سعادته وبينه وبين الايمان ان قضى شقاوته وكان عليه السلام يقول كثيرا « يا مقلب القلوب والابصار ثبت قلبى على دينك » ويبدل بالامن خوفا وبالذكر نسيانا وما اشبه ذلك من الامور المعترضة المفوّتة للفرصة [ در كشف الاسرار فرموده كه علما دلرا بايند ولمن كان له قلب اشارت بدانست وعرفادلرا كم كنند يحول بين المرء وقلبه عبارت از آنست در بدايت از دل ن جارست ودر نهايت حجاب ديدارست ](4/404)
زيد بيش همى ديدمش اندر دل خويش ... دل نيز حجاب بود برداشت زبيش
فالله تعالى يحول بتجلى صفاته بين المرء وقلبه يعنى اذا تجلى الله على قلب المرء يحول بسطوات انوار جماله وجلاله بين مرآت قلبه وظلمه اوصافه { وانه } اى واعلموا ايضا ان الله تعالى { اليه } تعالى لا الى غيره { تحشرون } تبعثون وتجمعون فيجازيكم على حسب اعمالكم ان خيرا فخير وان شرا فشر فسارعوا الى طاعة الله وطاعة رسوله وبالغوا فى الاستجابة لهما
واعلم ان الاستجابة لله بالسرائر وللرسول بالظواهر وايضا الاستجابة لله اجلاة الاوراح للشهود واستجابة القلوب للشواهد واجابة الاسرار للمشاهدة واجابة الخفى للفناء فى الله والاستجابة للرسول بالمتابعة فى الاقوال والاحوال والافعال -وروى- انه عليه السلام مر على ابى وهو يصلى فدعاه فعجل فى صلاته ثم جاء فقال عليه السلام « ما منعك عن اجابتى » قال كنت اصلى « قال الم تخبر فيما اوحى الى استجيبوا لله وللرسول »
واختلف العلماء فى جواز قطع الصلاة لاجابة الداعى . فقال بعضهم انه مختص باستجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز قطع الصلاة اجابة غيره لانه قطعها ابطال لها وابطال العمل حرام . وقال بعضهم يجوز لكل مصل ان يقطع صلاته لامر لا يحتمل التأخير كما اذا خاف ان يسقط احد من سطح او تحرقه النار او يغرق فى الماء وجب عليه ان يقطع الصلاة وان كان فى الفريضة كذا فى غنية الفتاوى . ويجيب فى صلاة النافلة دعاء امه دون نداء ابيه اى يقطع الصلاة وان كان فى الفريضة كذا فى مثلا وذلك لان مشقة الام وتحملها التعب من الولد اكثر ولذا ورد « الجنة تحت اقدام الامهات » معناه ان التواضع للامهات سبب دخوله الجنة . وقال بعض المشايخ الاب يقدم على الام فى الاحترام والام فى الخدمة حتى ولو دخلا عليه يقوم للاب واجابة الدعوة من قبيل الخدمة غالبا
قال الطحاوى مصلى النافلة اذا ناداه احد ابويه ان علم انه فى الصلاة وناداه لا بأس ان يجيبه وان لم يعلم واما مصلى الفريضة اذا دعاه احد ابويه فلا يجيب ما لم يفرغ من صلاته الا ان يستغيثه لشيء فان قطع الصلاة لا يجوز الا للضرورة وكذا الافطار فى صوم النفل فانه اذا الحّ عليه احد بالافطار يجوز قبل الزوال واما اذا كان بعده فلا يفطر الا اذا كاتن فى ترك الافطار عقوق الوالدين او احدهما كذا فى شرح التحفة والوقاية . واما فى صوم القضاء فيكره الافطار مطلقا كذا فى الزاهدى
ثم اعلم ان استجابة الرسول يدخل فيها بطريق الاشارة استجابة الاولياء العلماء الادباء الامناء لانهم الورثة وطريقتهم طريقة النبى عليه السلام ولا بد لمن اراد الوصول الى الله تعالى من صحبة مرشد كامل عارف بالمقامات والمراتب وقبول ما دعا اليه سواء كان محبوبا له اولا فان هذا ليس طريق العقل بل طريق الكشف والالهام والمراتب وقبول ما دعا اليه سواء كان محبوبا له اولا فان هذا ليس طريق العقل بل طريق الكشف والالهام(4/405)
كردر سرت هواى وصالست حافظا ... بايد كه خاك دركه اهل نظر شوى
واهل الطريقة ثلاثة عباد ومريدون تخليص الباطن من الشوائب والنفور عن المشغلات وطريق العارفين تخليص القلب لله وبذل الدنيا والآخرة فى طلب رضاه اللهم اجعلنا من المستجيبين للدعوة الحقة واذقنا من حلاوة الاسرار المحققة آمين(4/406)
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)
{ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة }
قال الحدادى فى تفسيره نزلت فى عثمان وعلى رضى الله عنهما اخبر الله تعالى النبى صلى الله عليه وسلم بالفتنة التى تكون بسببهما انها ستكون بعدك تلقاها اصحابك تصيب الظالم والمظلوم ولا تكون للظلمة وحدهم خاصة ولكنها عامة فاخبر النبى عليه السلام بذلك اصحابه فكان بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم من الفتن بسبب وعثمان رضى الله عنهما ما لا يخفى على احد انتهى . والمعنى لا تختص اصابتها بمن يباشر الظلم منكم بل تعمه وغيره كاقرار المنكر بين اظهرهم والمداهنة فى الامر بالمعروف والنهى عن المنكر وافتراق الكلمة وظهور البدع والتكاسل فى الجهاد { واعلموا ان الله شديد العقاب } ولذلك يصيب بالعذاب من لم يباشر سببه وفيه تحذير من شدة العقوبة لمن اهاج الفتن وفى الحديث « الفتنة راتعة فى بلاد الله واضعة خطامها فالويل لمن اهاجها » وفى بعض الاخبار « الفتنة نائمة لعن الله من ايقظها » قال السعدى
ازان همنشين تاتوانى كريز ... كه مرفتنه خفته را كفت خيز
قال القرطبى فان قيل قال الله تعالى { ولا تزر وازرة وزر اخرى . وكل نفس بما كسبت رهينة . لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } وهذا يوجب ان لا يؤاخذ احد بذنب غيره وانما تتعلق العقوبة بصاحب الذنب فالجواب ان الناس اذا تظاهروا بالمنكر فمن الفرض على من رآه ان يغيره فان سكت عليه فكلهم عاص هذا بفعله وهذا برضاه وقد جعل الله فى حكمه وحكمة الراضى بمنزلة العامل فانتظم فى العقوبة قاله ابن العربى انتهى
قال حضرة الشيخ صدر الدين القنوى قدّس سره فى شرح الاربعين حديثا واحيانا تظهر سلطنة العمل الفاسد فيسرى حكمها فى حال ذى العمل الصالح فيتضرر بذلك وان لم يتعد الضرر الى اعماله والاشارة الى ذلك قوله تعالى { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا } الآية وليس هذا بمخالف للاصل المترجم عنه بقوله تعالى { ولا تزر وازرة وزر اخرى } فان هذا الاثر لا يقع ولا يسرى بحكم ما به امتاز الصالح من الطالح بل بموجب ما به يثبت الاتحاد والاشتراك بينهما وقوله { ولا تزر وازرة وزر اخرى } لسان غلبته حكم ما به الامتياز وايضا ففعل الحق من حيث صدوره من جنابه وحدانى كلى شامل لا تخصيص فيه بل التخصيص من القوابل المتأثرة وهذا عام فى الشر والخير ففى الشر ما ذكر فى قوله تعالى { واتقوا فتنة } الآية وفى الخبر ما اشار اليه عليه السلام فى الحديث المذكور فى حق الذين يجتمعون لذكر الله وكون الحق يباهى بهم الملائكة ويقول اشهدكم انى قد غفرت لهم وقول بعض الملائكة ان فيهم فلانا ليس منهم وانما اتاهم لحاجة فيقول الحق سبحانه وتعالى وله قد غفرت هم القوم لا يشقى جليسهم فهذا اثر عموم الحكم من جهة الحق وكليته واثر صلاح الحال الفاسد بمجاورة ذى الحال والعمل الصالح والحضور معه فتذكر انتهى كلام القنوى : فى المثنوى(4/407)
اى خنك آن مرده كزخودرسته شد ... دروجود زنده بيوسته شد
واى آن ونده كه بامرده نست ... مرده كشت وزندكى الزوى بجست
حق ذات باك الله الصمد ... كه بود به ماربد از يار بد
ماربد جانى ستاند از سليم ... ياربد آرد سوى نار مقيم
والاشارة فى الآية { واتقوا } يا ايها الواصلون { فتنة } يعنى ابتلاء بشئ من حظوظها الدنيوية والاخروية { لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } يعنى لا تصيب تلك الفتنة النفوس الظالمة فقط بل تصيب ظلمتها الرواح النورانية والقلوب الربانية فتجتذبها من حظائر القدس ورياض الانس الى خصائص صفات الانس كما قال تعالى { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } { واعلموا ان الله شديد العقاب } فيعاقب الواصلين بالانقطاع والاستدراج عن الالتفات الى ما سواه كذا فى التأويلات النجمية(4/408)
وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)
{ واذكروا } ايها المهاجرون { اذ انتم قليل } اى وقت كونكم قليلا فى العدد { مستضعفون } خير ثان اى مقهورون تحت ايدى قريش { فى الارض } اى ارض مكة { تخافون } خبر ثالث { ان يتخطفكم الناس } التخطف الاخذ والاستلاب بسرعة وهم كانوا يخافون ان يخرجوا من مكة حذرا من ان يستلبهم كفار قريش ويدهبوا بهم { فآويكم } اى جعل لكم مأوى ترجعون اليه وهو المدينة دار الهجرة { وايدكم بنصره } على الكفار { ورزقكم من الطيبات } من الغنائم التى لم تكن حلالا للامم السالفة على الكفار { ورزقكم من الطيبات } من الغنائم التى لم تكن حلالا للامم السالفة { لعلكم تشكرون } هذه النعم
قال الجنبد قدس سره كنت عند السرى وانا ابن سبع سنين وبين يديه جماعة يتكلمون فى الشكر فقال لى يا غلام ما الشكر فقلت ان لا تعصى الله بنعمه فقال يوشك ان يكون حظك من الله لسانك فلا زال ابكى على هذه الكلمة
واعلم ان الدولة العثمانية التى هى آخر الدول الاسلامية كانت على الضعف فى الاوائل واهلها قليلون مستضعفون تحت ايدى فارس والروم حتى قواهم الله بالعدد ونصرهم على اعدائهم فكانوا يستفتحون من مشارق الارض ومغاربها ويأوون الى الاماكن فى الاقطار الى ان آل الامر الى ما آل فكل ذلك نعم جسيمة وستعود هذه الحال الى ما كانت عليه فى الابتلاء فان الاسلام بدا غريبا وسيعود غريبا وما ذلك الا بالغرور والكفران وادعاء الاستحقاق من غير برهان قال السعدى قدس سره
ترا آنكه جشم ودهان داد وكوش ... اكر عاقلى در خلافش مكوش
مكن كردن ازشكر منعم ميبج ... كه روزى بسين سربر آرى بهيج
ثم اعلم ان الروح والقلب فى بدء الخلقة وتعلقهما بالقالب وكذا صفاتهما مستضعفون من غلبات النفس لاعواز التربية بألبان آداب الطريقة وانعدام جريان احكام الشريعة عليهم الى اوان البلوغ والتربية فى هذه المدة للنفس وصفاتها لاستحكام القالب لحمل اعباء تكاليف الشريعة وهما اعنى الروح والقلب يخافون ان تستلبهم النفس وصفاتها ويغتالهم الشيطان اعوانه فآواكم الى حظائر القدس وايدكم بنصره بالواردات الربانية { ورزقكم من الطيبات } اى من المواهب الطاهرة من لوث الحدوث { لعلكم تشكرون } فتستحقون المزيد
شكر نعمت نعمتت افزون كند ... كفر نعمت از كفت بيرون كند
والعمدة قلة الاكل وكثرة الشكر والطاعة . ويقال اربع فى الطعام فريضة . ان لا يأكل الا من الحلال . وان يعلم انه من الله تعالى . وان يكون راضيا . وان لا يعصى الله ما دامت قوة ذلك الطعام فيه . واربع سنة . ان يسمى الله فى الابتداء . وان يحمد الله فى الانتهاء . وان يغسل يديه قبل الطعام وبعده . وان يثنى رجله اليسرى وينصب اليمنى عن الجلوس . واربع آداب . ان يأكل مما يليه وان يصغر اللقمة . وام يمضغها مضغا ناعما . وان لا ينظر الى لقمة غيره . واثنان دواء . ان يأكل ما سقط من المائدة . وان يلعق القصعة . واثنان مكروهان . ان يشم الطعام . وان ينفخ فيه ولا يأكل حارا حتى يبرد فان اللذة فى الحار والبركة فى البارد
فعلى العاقل الساعى فى طلب مرضاة الله تعالى تحصيل القوت الحلال وكثرة شكر المنعم المفضال ولله على العبد نعم ظاهرة وباطنة والطاف جليلة وخفية(4/409)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)
{ يا ايها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول } اصل الخون النقص كما ان اصل الوفاء التمام واستعماله فى ضد الامانة لتضمنه اياه فانك اذا خنت الرجل فقد ادخلت عليه النقصان - روى - انه عليه السلام حاصر بنى قريظة احدى وعشرين ليلة فسألوه الصلح كما صالح اخوانهم بنى النضير على ان يسيروا الى اخوانهم باذرعات واريحا من الشام فأبى الا ان ينزلوا على حكم سعد بن معاذ رضى الله عنه فأبوا وقالوا ارسل الينا ابا لبابة بن عبد المنذر وكان مناصحا لهم لان عياله وماله كانت فى ايديهم فبعثه اليهم فقالوا ما ترى هل ننزل على حكم سعد فاشار الى حلقه بالذبح اى ان حكم سعد فيكم ان تقتلوا صبرا فلا تنزلوا على حكمه يقال فلان مقتول صبرا اذا صار محبوسا على القتل حتى يقتل قال ابو لبابة فما زالت قدماى من مكانهما حتى علمت انى قد خنت الله ورسوله وذلك لانه عليه السلام اراد منهم ان ينزلوا على حكم سعد ويرضوا بما حكم فيهم وهو صرفهم عنه فنزلت هذه الآية فشد نفسه على سارية من سوارى المسجد وقال والله لا اذوق طعاما ولا شرابا حتى اموت او يتوب الله على فمكث سبعة ايام حتى خر مغشيا عليه ثم تاب الله عليه فقيل له قد يب عليك فحل نفسك فقال والله لا احلها حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذى يحلنى فجاءه عليه السلام فحله فقال ان تمام توبتى ان اهجر دار قومى التى اصبت فيها الذنب وان انخلع من مالى فقال عليه السلام « يجزتك الثلث ان تتصدق به » { وتخونوا اماناتكم } فيما بينكم اى تخونوها فهو مجزوم معطوف على الاول { وانتم تعلمون } انكم تخونون يعنى ان الخيانة توجد منكم عن عمد ولا عن سهو ولما نهى عن الخيانة نبه على ان الداعى اليها انما هو حب المال والاولاد ألا يرى ان ابا لبابة انما حمله على ما فعل ماله واهله وولده الذين كانوا فى بنى قريظة لانه انما ناصحهم لاجلهم وخان المسلمين بسببهم فقال { واعلموا انما اموالكم واولادكم فتنة } الفتنة قد تطلق على الآفة والبلاء وقد تطبق على الابتلاء والامتحان فالمعنى على الاول انما اموالكم واولادكم اسباب مؤدية الى الوقوع فى الآفة التى هى ارتكاب المعىصية فى الدنيا والوقوع فى عقاب الآخرة وعلى الثانى انها اسباب لوقوع العبد فى محن الله تعالى واختباراته حيث يظهر من اتبع الهوى ممن آثر رضى المولى { وان الله عنده اجر عظيم } لمن آثر رضى الله وراعى حدوده فيهم فانيطوا فيهم فأنيطوا اى علقوا هممكم بما يؤديكم اليه ولا يحملنكم حبهما على الخيانة [ احمد انطاكى فرموده كه حق سبحانه وتعالى مال وفرزندانرا فتنه كفت تا ازفتنه بيكسورويم وما بيوسته بخلاف حكم خداوند آن فتنه را زيادت ميخواهيم ](4/410)
جوان وبيركه دربند مال وفرزندند ... نه عاقلندكه طفلان ناخر مندند
قال بعض السلف كل ما شغلك عن الله سبحانه وتعالى من مال وولد فهو مشؤوم عليك واما ما كان من الدنيا يقرب من الله ويعين على عبادته فهو المحمود بكل لسان المحبوب لكل انسان : قال فى المثنوى
جبست دنيا از خدا غافل بدن ... نى قماش ونقره وميزان وزن
مال راكز بهر دين باشى حمول ... نعم مال صالح خواندش رسول
آب دركشتى هلاك كشتى است ... آب اندر زير كشتى بشتى است
جونكه مال وملك را ازدل براند ... زان سليمان خويش جز مسكين نخواند
وفى الحديث « ان العبد اذا قال لعن الله الدنيا قالت الدنيا لعن الله من عصا ربه » فعلى العاقل ان لا يشتغل بسبب الدنيا ولعنها بل يلوم نفسه ولعنها فى حب الدنيا
قال ابو يزيد قدس سره جمعت فكرى واحضرت ضميرى ومثلت نفسى واقفا بين يدى رب فقال لى يا ابا يزيد بأى شيء جئتنى قلت يا رب بالزهد فى الدنيا . قال يا ابا انما كان مقدار الدنيا عندى مثل جناح بعوضة ففيم زهدت منها فقلت الهى وسيدى استغفرك من هذه الحالة جئت بالتوكل عليكم قال يا ابا يزيد ألم اكن ثقة فيما ضمنت لك حتى توكلت على قلت الهى وسيدى استغفرك من هاتين الحالتين جئتك بالافتقار اليك فقال عند ذلك قبلناك فهذه حال العافين بالله تعالى وفوا عهودهم فى طلبه فجعلهم الله امناء لاسراره
واعلم ان الخيانة على انواع فالفرائض والسنن اعمال ائتمن الله تعالى عليها عباده ليحافظوا على ادائها فى اوقاتها برعاية حدودها وحقوقها فمن ضيعها فقدخان الله تعالى فيها . والوجود وما يتبعه من الاعضاء والقوى امانات والاهل والاولاد والاموال امانات والاماء والعبيد وسائر الخدم امانات والسلطنة والوزارة والامارة والقضاء والفتوى وما يلحقها امانات وفى الحديث « من قلد انسانا عملا وفى رعيته من هو اولى منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المؤمنين » قال السعدى قدس سره
كسى راكه باخواجه تست جنك ... بد ستش جرا ميدهى جوب وسنك
سك آخر كه باشدكه خوانش نهند ... بفرماى تا استخوانش دهند
وفى الحديث « انا ثالث الشريكين ما لم يخن احدهما صاحبه فاذا خان خرجت من بينهما وجاء الشيطان » ففى كل ذلك يلزم العبد ان يكون امينا غير خائن والا فقد تعرض لسخط الله تعالى ونعوذ بالله منه
قال ابن عباس رضى الله عنهما كلب امير خير من صاحب خاءن
وكان للحارث بن صعصعة ندماء لا يفارقهم وكان شديد المحبة لهم فخرج فى بعض منتزهاته ومعه ندماؤه فتخلف منهم واحد فدخل على زوجته فاكلا وشربا ثم اصطجعا فوثب الكلب عليهما فلما رجع الحارث الى منزله وجدهما قتيلين فعرف الامر فانشد يقول(4/411)
وما زال يرعى ذمتى ويحوطنى ... ويحفظ عرشى والخليل يخون
فيا عجبا للخل تحليل حرمتى ... ويا عجبا للكلب كيف يصون
والاشارة فى الآياية { يا ايها الذين آمنوا } اى يا أيها الارواح والقلوب المنورة بنور الايمان المستعدة بسعادات العرفان { لا تخونوا الله } يما آتاكم من المواهب فتجعلوها شبكة الدنيا واصطياد اهلها { والرسول } يترك السنة والقيام بالبدعة { وتخونوا اماناتكم } فالامانة هى محبة الله وخيانتها تبديلها بمحبة المخلوقات يشير الى ارباب القلوب واصحاب السلوك اذا بلغوا الى اعلى مراتب الطاعات والقربات ثم التفتوا الى شيء من الدنيا وزينتها وخانوا الله بنوع من التصنع وخانوا الرسول بالتبدع وترك التتبع بتعدى الخيانة وآفاتها الى الامانة التى هى المحبة فتسلب منهم بالتدريج فيكون لهم ركونهم الى الدنيا وسكونهم الى جمع الاموال حرصا علىلاولاد { وانتم تعلمون } انكم تبيعون الدين بالدنيا والمولى بالاولى { واعلموا انما اموالكم واولادكم } التى تعرضون عن الله لها { فتنة } يختبركم الله بها لكى يتميز الموافق من المنافق والصديق من الزنديق فمن اعرض عن الدنيا وما فيها من صدق فى طلب المولى { وان الله عنده اجر عظيم } فمن ترك ما عنده فى طلب ما عند الله يجده عنده او ان الله عنده اجر عظيم والعظيم هو الله فى الحقيقة فيجد الله تعالى كذلك فى التأويلات النجمية(4/412)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
{ يا ايها الذين آمنوا ان تتقوا الله } اى فى كل ما تأتون وترون { يجعل لكم } بسبب ذلك { فرقانا } هداية فى قلوبكم تفرقون بها بين الحق والباطل او نصرا يفرق بين المحق والمبطل باعزاز المؤمنين واذلال الكافرين كما قال تعالى { يوم الفرقان يوم التقى الجمعان } واراد به يوم عز المؤمنين وخذلان الكافرين { ويكفر عنكم سيآتكم } اى يسترها والفرق بين السيئة والخطيئة ان السيئة قد تقال فيما يقصد بالذات والخطيئة تغلب فيما يقصد بالعرض لانها من الخطأ { ويغفر لكم ذنوبكم } بالعفو والتجاوز عنها { والله ذو الفضل العظيم } اى عظيم الفضل على عباده وهو تعليل لما قبله وتنبيه على ان وعد الله لهم على التقوى تفضل واحسان لا انه مما توجب التقوى كما اذا وعد السيد عبده انعاما على عمل
وفى الآية امور . الاول التقوى وهو فى مرتبة الشريعة ما اشير اليه بقوله تعالى { فاتقوا الله ما استطعتم } وفى مرتبة الحقيقة ما اشير اليه بقوله تعالى { واتقوا الله حق تقاته } [ متقى آنست كه حق سبحانه وتعالى را وقاية خود كرفته باشد در ذات وصفات وافعال فعل او در افعال حق فانى باشد وصفت اودر صفات حق مستهلك كشته ]
كم شده جون سايه نور آفتاب ... باجو بوى كل در اجزائ كلاب
قال ابن المبارك سألت الثورى من الناس فقال العلماء قلت من الاشراف قال المتقون قلت من الملوك قال الزهاد قلت من الغوغاء قال القصاص الذين يستأكلون اموال الناس بالكلام قلت من السفلة قال الظلمة . الثانى ان التقوى اسندت الى المخاطبين وجعل الفرقان الى الله تعالى فالله تعالى اذا اراد بالعبد خرا اصطفاه لنفسه وجعل فى قلبه سراجا من نور قدسه يفرق به بين الحق والباطل والوجود والعدم والحدوث والقدم ويتبصر به عيوب نفسه كما حكى عن احمد بن عبد الله المقدسى قال صحبت ابراهيم بن ادهم فسألته عن بداية امره وما كان سبب انتقاله من الملك الفانى الى الملك الباقى فقال لى يا اخى كنت جالسا يوما فى اعلى قصر ملكى والخواص قيام على رأسى فاشرفت من الطاق فرأيت رجلا من الفقراء جالسا بفناء القصر وبيده رغيف يابس فبله بالماء واكله بالملح الجريش وانا انظر اليه الى ان فرغ من اكله ثم شرب شيأ من الماء وحمد الله تعالى واثنى عليه ونام فى فناء القصر فالهمنى الله سبحانه وتعالى الفكر فيه فقلت لبعض مماليكى اذا قام ذلك الفقير فائتنى به فلما استيقظ من نومه قال له الغلام يا فقير ان صاحب هذا القصر يريد ان يكلمك قال بسم الله وبالله وتوكلت على الله لا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم وقام معه ودخل على فلما نظر الى سلم على فرددت عليه السلام وامرته بالجلوس فجلس فلما اطمأن قلت له يا فقير اكلت الرغيف وانت جائع فشبعت قال نعم قلت وشربت الماء على شهوة فرويت قال نعم قلت ثم نمت طيبا بلاهم وغم فاسترحت قال نعم فقلت فى نفسى وانا اعاتبها يا نفس ما اصنع بالدنيا والنفس تقنع بما رأيت وسمعت فقعدت التوبة مع الله تعالى فلما انصرم النهار واقبل الليل لبست مسحا من صوف وقلنسوة من صوف وخرجت حافيا سائحا الى الله تعالى وهذه احدى الروايتين فى بداية امره .(4/413)
والثالث ان المغفرة فضل عظيم من الله تعالى فلا بد للمؤمن حسن الظن بالله تعالى فانها ليست بمقطوعة
قيل اوحى الله تعالى الى موسى عليه السلام ( انى اعلمك خمس كلمات هن عماد الدين ما لم تعلم ان قد زال ملكى فلا تترك طاعتى )
همه تحت وملكى يذيرد زوال ... يجز ملك فرمانده لا يزال
( وما لم تعلم ان خزائنى قد نفذت فلا تهتم برزقك )
در دائره قسمت ما نقطه تسليم ... لطف أنجه توانديشى وحكم آنجه توفرمايى
( وما لم تعلم ان عدوك قد مات يعنى ابليس فلا تامن من مفاجأته ولا تدع محاربته )
كجاسر برآريم ازين عاروننك ... كه با او بصلحيم وباحق بجنك
( وما لم تعلم انى قد غفرت لك فلا تعب المذنبين )
مكن بنامه سياهى ملامت من مست ... كه آكه است كع تقدير برسرش جه نوشت
( وما لم تدخل جنتى فلا تأمن مكرى )
زاهد ايمن مشو از بازى غيرت زنهار ... كه ره از صومعة تادير مغان اين همه نيست
فعلى العاقل ان يجتهد الى آخر العمر كى يفكر الله عنه سيآت وجوده الفانى ويستره بانوار جماله وجلاله والله ذو الفضل العظيم لمن تجاوز عما عنده راغبا فيما عند الله والفضل العظيم هو البقاء بالله بعد الفناء فيه كما فى التاويلات النجمية(4/414)
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)
{ واذ يمكر بك الذين كفروا } تذكير لمكر قريش حين كان بمكة ليشكر نعمة الله فى خلاصه مة مكرهم واستيلائه عليهم
قال ابن اسحق لما رأوا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كانت له شيعة واصحاب من غيرهم بلدهم ورأوا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفوا انه قد اجمع لحربهم فاجتمعوا له فى در الندوة وهى الدار التى بناها قصىّ بن كلاب بمكة وكانت قريش لا تقضى امرا الا فيها وسميت دار الندوة لانهم ينتدون فيها اى يجتمعون للمشاورة والندىّ والندوة والنادى مجلس القوم ومتحدثهم فان تفرق القوم عنه لا يسمى نديا كما لا يسمى الظرف كأسا اذا لم يكن فيه شراب فتتشاوروا فى امر النبى عليه السلام منهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة وابو جهل وابو سفيان والنضر بن الحارث وابو البخترى بن هشام وابى بن خلف وزمعة بن الاسود وغيرهم من الرؤساء والاكابر فدخل عليهم ابليس فى صورة شيخ كبير عليه ثياب اطمار فجلس بينهم فقالوا مالك يا شيخ دخلت فى حلوتنا بغير اذننا فقال انا رجل من اهل نجد قدمت مكة فاراكم حسنة وجوهكم طيبة روائحكم فاححببت ان اسمع حديثكم فاقتبس منكم خيرا فدخلت وان كرهتم مجلسى خرجت وما جئتكم الا انى سمعت باجتماعكم فاردت ان احضر معكم ولن تعدموا منى رأيا ونصحا فقالوا ها رجل لا بأس عليكم منه فتكلموا فيما بينهم فبدأ عمر بن هشام فقال اما أنا فأرى ان تأخذوا محمدا فتجعلوه فى بيت تسدون عيله بابه وتشدون عليه وثاقه وتجعلون له كوة تدخلون عليه طعاما وشرابه فيكون محبوسا عندكم الى ان يموت فقال ابليس بئس الرأى يأتيكم من يقاتلكم من قومه ويخلصه من ايديكم فقالوا صدق والله الشيخ ثم تكلم ابو البحترى فقال ارى ان تحملوه على بعير فتشدوا وثاقه عليه ثم تخرجوه من ارضكم حتى يموت او يذهب حيث شاء فقال ابليس بئس الرأى تعمدون الى رجل افسد جماعتكم ومعه منكم طائفة فتجرجوه الى غيركم فيأتيهم فيفسد منهم ايضا جماعة بما يرون من حلاوة كلامه وطلاقة لسانه وتجتمع اليه العرب وتستمع الى حسن حديثه ثم ليأتينكم به فيخرجكم من دياركم ويقتل اشرافكم فقالوا صدق والله الشيخ فتكلم ابو جهل فقال ارى ان يجتمع من كل بطن منكم رجل ويأخذون السيوف فيضربونه جميعا ضربة رجل واحد فيتفرق دمه فى القبائل فلا يدرى قومه ومن يأخذونه ولا يقومون على حرب قريش كلهم فاذا طلبوا العقل عقلناه واسترحنا فقال ابليس صدق والله هذا الشاب وهو اجودكم رأيا القول قوله لا ارى غيره فتفرقوا على رأيه فنزل جبرائيل عليه السلام فاخبر النبى بذلك وامره ان لا يبيت فى مضجعه الذى كان يبيت فيه وامره بالهجرة الى المدينة فبيت عليا رضى الله عنه على مضجعه وخرج هو مع ابى بكر الصديق رضى الله عنه الى الغار .(4/415)
والمكر حيلة وتدبير فى اهلاك احد وافساد امره بطريق الخفية بحيث لا يعلم المرء الا عند وقوعه . والمعنى اذكر يا محمد وثت مكرهم بك { ليثبتوك } بالوثاق والحبس فان اثبات الشئ وتثبيته عبارة عن الزامه بموضع ومن شد فقد اثبت لانه لا يقدر على الحركة والمراد ما قال عمرو بن هشام { او يقتلوك } اى بسيوفهم المختلفة وهو ما قال ابو جهل { او يخرجوك } اى من مكة من بين اظهرهم الى غيرهم وهو ما قال ابو البحترى { ويمكرون ويمكر الله } اى يرد مكرهم عليهم والمكر وامثاله لا يسند اليه تعالى الا على طريق المقابلة والمشاكلة ولا يحسن ابتداء عند مكره
قال الحدادى لانه لا يمكر الا بالحق وصواب ومكرهم باطل وظلم
واعلم ان للخلق مكرا وللحق مكرا فمكر الخلق من الحيلة والعجز ومكر الخالق من الحكمة والقدرة فمكر الخلق مع مكر الحق باطل زاهق ومكر الحق حق ثابت : قال الحافظ
سحر يا معجزه بهلو نزند ايمن باش ... سامرى كيست دست از يد بيضا ببرد
وقال آخر
صعوه كو باعقاب سازد جنك ... دهد ازخون خود برش را رنك
قال ابو العيناء كانت لى خصماء ظلمة فشكوتهم الى احمد بن ابى دؤاد وقلت وقد تظاهروا فصاروا يدا واحدة فقال { يد الله فوق ايديهم } فقلت لهم مكر فقال { ولا يحيق المكر السئ الا باهله } فقلت هم كثير فقال { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله }
مركرا اقبال باشد رهنمون ... دشمنش كردد بزودى سرنكون
وجد فى وقائع الاسكندر مكتوبا بالذهب اذا كان الله هو غاية الغايات فالمعرفة اجل العبادات . واذا كان الموت حقا فالركون الى الدنيا غرور . واذا كان القدر حقا فالحرص على الدنيا باطل . واذا كان الغدر فى النفوس طبعا فالثقة بكل احد عجز . واذا كان الله عدلا فى احكامه فعقوبات الخلق بما كسبت ايديهم . ولما قصد ابو جهل اضرار النبى عليه السلام بالقتل قتله الله فى بدر وازال شره عن المسلمين وذلك عدل محض منه تعالى فانظر الى قريش حيث شاهدوا الآيات العظام من جهة النبى عليه السلام فما زادوا الا كفرا وعنادا وع\اوة فهم اشد الناس فى ذلك . ولو رأى اليوم واحد من الكفرة كرامة لولى امسك عن الاذى بل سارع الى التبجيل كما حكى ان بعض سلاطين الكفار استولى على بعض المسلمين بسفك دمائهم ونهب اموالهم واراد ان يقتل فقراء بعض المشايخ فاجتمع به الشيخ ونهاه عن ذلك فقال لهم السلطان ان كنتم على الحق فاظهروا لى آية فاشار الشيخ الى بعر الجمال هناك فاذا هى جواهر تضئ واشار الى كيزان الارض فارغة عن الماء فتعلقت فى الهواء وامتلأت ماء وافواهها منكسة الى الارض ولا يقطر منها قطرة فدهش السلطان من ذلك فقال له بعض جلسائه لا يكبر هذا فى عينك فانه سحر فقال له السلطان ارنى غير هذا فامر الشيخ بالنار وامر الفقراء بالسماع فلما عمل فيهم الوجد دخل بهم الشيخ الى النار وكانت نارا عظيمة ثم خطف الشيخ ولد السلطان ودار به فى النار ثم غاب به ولم يدر اين ذهبا والسلطان حاضر فبقى متفجعا على ولده فلما كان بعد ساعة ظهرا وفى احدى يدى ابن السلطان تفاحة وفى الاخرى رمانة فقال له السلطان من ذلك فقال له جلساء السوء وهذا عمل بصنعة باطلة فقال السلطان عند ذلك كل ما تظهره لا اصدق به حتى تشرب من هذه الكأس واخرج له كأسا مملوءة سما تقتل القطرة منه فى الحال فامر الشيخ بالسماع حتى وصل اليه الحال فاخذ الكأس حينئذ وشرب جميع ما فيها فتمزقت ثيابه التى عليه فالقوا اليه ثيابا اخرى فتمزقت كذلك ثم اخرى مرارا عديدة ثم ترشح عرقا وبقيت الثياب بعد ذلك ولم تنقطع فاعتقه السلطان وعظمه وبجله ورجع عن ذلك القتل والافساد ولعله اسم والله اعلم(4/416)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31)
{ واذا تتلى } -روى- ان النضر بن الحارث من بنى عبد الدار كان يختلف تاجرا الى فارس والروم والحيرة فيسمع اخبار رستم واسفنديار واحاديث العجم واشترى احاديث كليلة ودمنة وكان يمر باليهود والنصارى فيراهم يقرأون والتوراة والانجيل ويركعون ويسجدون فجاء مكة فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى ويقرأ القرآن فطفق يقعد مع المستهزئين وهو منهم ويقرأ عليهم اساطير الاولين اى ما سطروه فى كتبهم من اخبار الامم الماضية واسمائهم وكان يزعم انها مثل ما يذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من قصص الاولين فقال تعالى { واذا تتلى } { عليهم } اى على النضر ومتابعيه { آياتنا } القرآنية { قالوا قد سمعنا } هذا الكلام { لو نشاء لقلنا مثل هذا } وهذا كما ترى غاية المكابرة ونهاية العناد وكيف لا ولو استطاعوا شيأ من ذلك فما الذى كان يمنعهم من المشيئة وقد تحداهم عشر سنين فما استطاعوا معارضته مع فرط استنكافهم ان يغبلوا خصوصا فى باب ما يتعلق بالفصاحة والبيان فلما تحقق افحامهم دعتهم شدة المكابرة والعناد الى ان علقوا معارضته بمشيئتهم { ان } ما { هذا الا اساطير الاولين } اى ما سطره الاولون من القصص جمع اسطورة وهى المسطورة المكتوبة
وفى التأويلات النجمية قالوا قد سمعنا وما سمعوا على الحقيقة فانها قرآن يهدى الى الرشد كما سمعت الجن وانهم سمعوا اساطير الاولين ولهذا قالوا ما قالوا فانهم يقدرون على ان يقولوا اساطير الاولين ولكن لا يقدرون على ان يقولوا مثل القرآن لان القرآن كلام الله وصفته القديمة وما يقولون هو كلام المحدث المخلوق فلا يكون مثل القرآن فى الصورة والمعنى والحقيقةوالاسرار والانوار ولا يقدر على مثله الخلائق كلهم كما قال { قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا } وفى المثنوى
جون كتاب الله برآمد هم بران ... اين جنين طعنه زدند آن كافران
كه اساطير است وافسانه ثرند ... نيست تعميقى وتحقيقى بلند
كود كان خرد فهمش ميكند ... نيست جز امر بسند ونابسند
ذكر يوسف ذكر زلف برخمش ... ذكر يعقوب وزليخا وغمش
ظاهر است وهركسى بى ميبرد ... كوبيان كه كم شود در روى خرد
كفت اكر آسان نمايد اين بتو ... انيجنين يك سوره كواى سخت رو
جنيان وانسيان واهل كار ... تويكى آيت ازين آسان بيار(4/417)
وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32)
{ واذ قالوا } اى واذكر وقت قول النضر ومتابعيه -روى- انه لما قال { ان هذا الا اساطير الاولين } قال النبى صلى الله عليه وسلم ويلك انه كلام الله تعالى فقال { اللهم } [ بارخدايا ] { ان كان هذا } القرآن { هو } ضمير فصل لا محل له من الاعراب { الحق } المنزل { من عندك } ومعنى الحق بالفارسية [ راست ودرست ] { فامطر علينا حجارة } نازلة { من السماء } عقوبة علينا كما امطرتها على قوم لوط واصحاب الفيل { او ائتنا بعذاب اليم } سواه مما عذب به الامم والمراد به التهكم واظهار اليقين والجزم التام على كونه باطلا وحاشاه
قيل نزل فى النضر ابن الحارث بضع عشرة آية فحاق به ما سأل من العذاب يوم بدر فانه عليه السلام قتل يوم بدر ثلاثة من قريش صبرا وهم طعيمة بن عدى وعقبة بن ابى معيط والنضر بن الحارث وكان قد اسر المقداد ابن الاسود فانظر انه من غاية ضلالته وجهالته قال ما قال ولم يقل بدلا عنه اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا اليه ومتعنا به واجعله شفاء قلوبنا ونور به صدورنا وامثال هذا فكيف بمن لا يكون هذا حاله ان يكون مثل القرآن مقاله(4/418)
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)
{ وما كان الله } مريدا { ليعذبهم وانت فيهم } لان العذاب اذا نزل عم ولم يعذب امه الا بعد خروج نبيها والمؤمنين منها وفيه تعظيم للنبى عليه السلام وحفظ لحرمته وقد ارسله الله تعالى رحمة للعالمين والرحمة والعذاب ضدان والضدان لا يجتمعان قيل ان الرسول عليه السلام هو الامان الاعظم ما عاش ودامت سنته باقية والاية دليل على شرفه عليه السلام واحترامه عند الله حيث جعله سببا لامان العباد وعدم نزول العذاب وفى ذلك ايماء الى ان الله تعالى يرفع عذاب قوم لاقترانهم باهل الصلاح والتقى
قال حضرة الشيخ الشهير بافتادة افندى قدس سره جميع الانتظام بوجود الشريف فانه مظهر الذات وطلسم العوالم حتى قيل فى وجه عدم ارتحال جسده الشريف من الدنيا مع ان عيسى عليه السلام قد عرج الى السماء بجسده انه انما بقى جسمه الطاهر هنا لاصلاح عالم الاجساد وانتظامه : قال الشيخ العطار قدس سره
خويشتن را خواجه عرصات كفت ... انما انا رحمة مهداة كفت
رزقنا الله شفاعته { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } المراد استغفار من بقى فيهم من المؤمنين المستضعفين الذين لا يستطيعون المهاجرة عنهم
وقيل معناه فى اصلابهم من يستغفر وقيل معناه وفيهم من يأول امره الى الاستغفار من الكفر
قال امير المؤمنين على المرتضى رضى الله عنه كان فى الارض امانان فرفع احدهما وبقى الآخر . فاما الذى رفع فهو رسول الله . اما الذى بقى فالاستغفار وقرأ بعد هذه الآية
وفى نفائس المجالس المؤمن الصادق فى ايمانه لا يعذبه الله فى الآخرة لان نبيه يكون فيهم يوم القيامة واقسم الله سبحانه ان لا يعذب امته ما دام بينهم والصدق فى التوبة يؤدى الى النجاة وهو الندم مع الاقلاع لا باللسان فقط واستغفار الاكابر من رؤية شيء سوى الله
كفت حق كآمرزش ازمن مى طلب ... كان طلب مرعفورا باشد سبب
ازبى زهر كناه ار بشنوى ... هست استغفار ترياق قوى(4/419)
وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (34)
{ وما لهم ان لا يعذبهم الله } اى أى شيء لهم فى انتفاء العذاب عنهم يعنى لاحظ لهم فى ذلك وهم معذبون لا محالة بعد زوال المانع والموجب لامهالهم وهما الامران المذكوران وكيف لا يعذبون { وهم } اى والحال انهم { يصدون } يمنعون الرسول والمؤمنين { عن المسجد الحرام } اى عن طواف الكعبة شرفها الله كما وقع عام الحديبية ومن صدهم عنه الجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الهجرة وكانوا يقولون نحن ولاة البيت والحرم فنصد من نشاء وندخل من نشاء فرد الله عليهم بقوله { ما كانوا اولياءه } اى مستحقين ولاية امر المسجد الحرام مع شركهم { ان اولياءه الا المتقون } من الشرك الذين لا يعبدون فيه غيره { ولكن اكثرهم لا يعلمون } ان لا ولاية لهم عليه . وفيه اشعار بان منهم من يعلم ذلك ولكنه يعاند وقيل اريد باكثرهم كلهم كما يراد بالقلة العدم
وفى التأويلات { ان اولياءه الا المتقون } فيه اشارة الى ان الولى هو المتقى بالله عما سواه { ولكن اكثرهم لا يعلمون } اى ولكن الاكثرين من الاولياء لا يعلمون انهم اولياء الله(4/420)
وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35)
{ وما كان صلاتهم } اى دعاء المشركين { عند البيت } اى بيت الله وهو الكعبة { الا مكاء } صفيرا من مكا يمكو ومكاء اذا صفر
وقال الحدادى المكاء طائرا بيض يكون فى الحجاز يصفر فسمى تصويته باسمه { وتصدية } تصفيقا وهو تصويت اليدين يضرب احداهما على الاخرى واصلها احداث الصدى وهو ما يسمع من رجع الصوت فى الامكنة الخالية الصلبة يقال صدى يصدى تصدية وكان تقرب المشركين الى الله بالصفير والتصفيق يفعلونهما عند البيت مكان الدعاء والتسبيح ويعدونهما نوعا من العبادة والدعاء لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال كانت قريش يطوفون بالبيت عراة الرجال والنساء مشبكين بين اصابعهم يصفرون فيها ويصفقون فمساق الآية لتقرير استحقاقهم العذاب وعدم ولايتهم المسجد فانها لا تليق لمن هذه صلاته
وقال مقاتل كان النبى عليه السلام اذا صلى فى المسجد قام رجلان من بنى عبد الدار عن يمينه ورجلان عن يساره فيصفرون كما يصفر المكاء ويصفقون بايديهم ليخلطوا على النبى عليه السلام صلاته وقراءته وكانوا يفعلون كذل بصلاة من آمن به ويريدون انهم يصلون ايضا فالمراد بالصلاة على هذا التقدير هى المأمور بها { فذوقوا العذاب } اى عذاب القتل والاسر يوم بدر ويقال اراد بهذا انه يقال لهم يوم القيامة فذوقوا العذاب { بما كنتم تكفرون } اعتقادا وعملا فالكفر والمعصية سبب للوقوع فى العذاب والتوبة والاستغفار وسيلة الى فيض الرحمة من الوهاب وهى صابون الاوزار فحيث لا توبة ولا طهارة كان كل مسلم لا يسلح لان يلى امر مسجد القلب وانما يليق بولايته من كان فارغا من الشواغل معرضا على العلائق طاهرا من العيوب والله تعالى لا يعذب اولياءه بعد ادخالهم جنات التجليات العالية والاذواق والحالات المتوالية فانهم تخلصوا من الوجود المضاف الى النار المشابه للحطب وما بقى فيهم غير النور الالهى المضيئ فى بيت القلب الحقانى وانما يعذب بعدله من لم يستعد للرحمة او من خلط عملا صالحا بآخر سيئا ليخلصه من ذلك اللوث فالاقتداء بالنبى عليه السلام قبول ما جاء به من الاحكام والشرائع مؤد الى الخلاص وسبب للتصفية فعليك بالاختيار والاجتناب فانهما فرضان وحقيقة التقوى عبارة عن كليهما وبالاحتماء يصح المريض ومعالجة القلوب المرضى اولى من كل امر واهمّ من كل شيء للعبد العاقل وذلك بالتقوى واحياء سنة خير الورى وفى الحديث « من احيى سنتى فقد احيانى ومن احيانى فقد احبنى ومن احبنى كان معى فى الجنة يوم القيمة » وفى الحديث ايضا « من حفظ سنتى اكرمه الله باربع خصال المحبة فى قلوب البررة والهيبة فى قلوب الفجرة والسعة فى الرزق والثقة بالدين » فان فاتت صحبة الرسول فقد تيسرت صحبة سنته وصحبة من احب سنته وذلك ماض الى يوم القيامة ولصحبة الكبار واقتران المتقين تأثير عظيم ولاستماع كلام الحق والرسول نفع تام ولكن العمدة توفيق الله وهدايته نسأل الله تعالى ان يصحح اغراضنا ويكثر صالحات اعمالنا واعواضنا ويؤيدنا بنور الكتاب والسنة ويشرفنا بالمقامات العالية فى الجنة(4/421)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)
{ ان الذين كفروا } نزلت فى المطعمين يوم بدر وكانةا اثنى عشر رجلا من اشراف قريش يطعم كل واحد منهم عسكر الكفار كل يوم عشر جزر وهو جمع جزوز وهو البعير ذكرا كان او انثى الا ان لفظه مؤنث تقول هذه الجزور وان اردت ذكرا { ينفقون اموالهم } على عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم { ليصدوا } اى يمنعوا الناس { عن سبيل الله } اى جين الله واتباع رسوله لانه طريق ثوابه والخلود فى جنته لمن سلكه على ما امر به واللام فى ليصدوا لام الصيرورة وهى لام العاقبة والمآل { فسينفقونها } بتمامها ولعل الاول اخبار عن انفاقهم وهو انفاق بدر والثانى اخبار عن انفاقهم فيما يستقبل هو انفاق احد ويحتمل ان يراد بهما واحد بان يكون ينفقون للاستمرار التجددى ويكون السين فى قوله فسينفقونها للتأكيد لا للتسويف فيتحد الانفاقان الا ان مساق الاول لبيان غرضهم من الانفاق ومساق الثانى لبيان عاقبته { ثم تكون } تلك الاموال { عليهم حسرة } ندما وغما لفواتها من غير خصول المقصود ولما كانت عاقبة انفاقها حسرة فى قلوبهم جعلت ذوات الاموال كأنها عين الحسرة للمبالغة
قال الحدادى والحسرة مأخوذ من الكشف يقال حسر رأسه اذا كشفه والحاسر كاشف الرأس فيكون المعنى ثم يكشف لهم عن ذلك ما يكون حسرة عليهم { ثم يغلبون } آخر الامر وان كانت الحرب بينهم سجالا قبل ذلك { والذين كفروا } واصروا على الكفر { الى جهنم يحشرون } اى يساقون لا الى غيرها(4/422)
لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37)
{ ليميز الله } اللام متعلقة بيحشرون او يغلبون والميز بالفارسية [ جدا كردن ] { الخبيث } فريق الكفار { من الطيب } فريق المؤمنين { ويجعل } الفريق { الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا } اى يجمعهم ويضم بعضهم الى بعض حتى يتراكموا ويتزاحموا فالركم ليس عبارة عن الجمع مطلقا ليس عبارة عن الجمع مطلقا بل هو الجمع بين اشياء بحيث يتراكب بعضها فوق بعض ومنه السحاب المركوم { فيجعله فى جهنم } كله { اولئك } الفريق الخبيث { هم الخاسرون } الكاملون فى الخسران لانهم خسروا لانهم خسروا واموالهم وانفسهم
والاشارة ان الله تعالى خلق الروح نورانيا علويا وخلق النفس ظلمانية سفلية ثم اشرك بينهما وجعل رأس مالهما الاستعداد الفطرى القابل للترقى والكمال فى القربة والمعرفة والخسارة والنقصان فمن اتجر فآمن وجاهد بنفسه وماله فى سبيل الله وطلبه وبلغ مبلغ الرجال البالغين فقد وبح روحه ونفسه جميعا ومن آمن بالله ورسوله لكن من وجد العصيان ومخالفة الشريعة فقد ربح روحه وخسر نفسه ومن لم يؤمن بالله ورسوله وكفر بهما فقد خسر روحه ونفسه جميعا
قيل دخل على الشلبى قدس سره فى وقت وفاته وهو يقول يجوز فقيل له ما معنى قولك يجوز فقال خلق الله الروح والنفس واشرك بين الروح والنفس فعملا واتجرا سنين كثيرة فحوسبا فاذا هما قد خسرا وليس معهما ربح فقد عزما على الافتراق وانا اقول شركة لا ربح فيها يجوز ان يقع بين الشريكين افتراق : قال السعدى
كوس رحلت بكوفت دت اجل ... اى دوجشم وداع سر بكند
اى كف ودست وساعد وبازو ... همه توديع يكد كر بكند
بر من افتاده مرك دشمن كام ... آخراى دوستان حذر بكنيد
روز كارم بشد بنادانى ... من نكردم شما حذر بكنيد
فعلى العاقل ان يجتهد قبل مجيئ الفوت ويربح فى تجارته ببذل النفس والمال والطيب من الاموال ما يبذل فى طلب الله على الطالبين والخبيث ما يلتفت اليه الطالب من غير حاجة ضرورية فيشغله عن الله وطلبه فيكون قاطع طريقه - ويروى - ان الله تعالى يضم الاموال الخبيثة بعضها الى بعض فيلقيها فى جهنم ويعذب اربابها كقوله تعالى { يوم يحمى عليها فى نار جهنم فتكون بها جباههم وجنوبهم وظهورهم } -وروى- ان ابا سفيان استأجر ليوم أحد ألفين من العرب على محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم سوى من استجاش من العرب اى صار جيشا وانفق عليهم اربعين اوقية والاوقية اثنان واربعون مثقالا
وفى القاموس سبعة مثاقيل فانظر الى الكفار وجاريهم على الانفاق لغرض فاسد وهو الصد عن سبيل الله واقل من القليل من المسلمين من يبذل ماله ولو قليلا لجذب القلوب والوصول الى رضى المحبوب فلا بد للمرء من قطع النفس عن مألوفها وهو حب المال(4/423)
ومن كلمات الجنيد قدس سره ما اخذنا التصوف عن القال والقيل لكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات
وعن ابى سعيد الخدرى قال قال رجل يا رسول الله اى الناس افضل قال مؤمن يجاهد بنفسه وماله فى سبيل الله قال ثم من قال رجل معتزل فى شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره وفيه دليل على فضل العزلة وهى مستحبة عند فساد الزمان وتغير الاخوان وتقلب الاحوال ووقوع الفتن وتراكم المحن كما فعله جماعة من الصحابة رضى الله عنهم وقد كان النبى عليه السلام عند تقلب الاحوال واختلاف الرجال وكثرة القيل والقال يأمر بالاعتزال وملازمة البيوت وكسر السيوف واتخاذها من العراجين والخشب
قال الامام الغزالى ان السلف الصالح اجمعوا على التحذير من زمانهم واهله وآثروا العزلة وامروا بذلك وتواصوا بها ولا شك انهم كانوا بصدد النصح وان الزمان لم يصر بعدهم خيرا مما كان بل ادهى وامر : قال الحافظ
تو عمر خواه وصبورى كه جرخ شعبد باز ... هزار بازى ازين طرفه تربرانكيرد
ان آدم هذا ولم يحدث له غير ... لم يبك ميت ولم يفرح بمولود
اللهم اجعلنا من الصابرين(4/424)
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38)
{ قل للذين كفروا } اللام للتعليل اى لاجلهم والمراد ابو سفيان واصحابه { ان ينتهوا } عن معاداة الرسول بالدخول فى الاسلام { يغفر لهم ما قد سلف } من ذنوبهم قبل الاسلام { وان يعودوا } الى قتاله انتقمنا منهم واهلكناهم { قد مضت سنة الاولين } الذين تجزبوا على الانبياء بالتدمير كما جرى على اهل بدر فليتوقعوا مثل ذلك وانشد بعضهم
يستوجب العفو الفتى اذا اعترف ... ثم انتهى عما اتاه واقترف
لقوله قل للذين كفروا ... ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف(4/425)
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)
{ وقاتلوهم } [ وكار زار كنيداى مؤمنان باهل كفر ] { حتى } الى ان { لا تكون } توجد منهم { فتنة } اى شرك يعنى [ مشرك نمانداز وثنى واهل كتاب ] { ويكون الدين كله لله } وتضمحل الاديان الباطلة اما باهلاك اهلها جميعا او برجوعهم عنها خشية القتل { فان انتهوا } عن الكفر { فان الله بما يعملون بصير } فيجازيهم على انتهائهم عنه واسلامهم { وان تولوا } اى اعرضوا عن قبول الحق { فاعلموا ان الله موليكم } ناصركم فثقوا به ولا تبالوا بمعاداتهم { نعم المولى } لا يضيع من تولاه { ونعم النصير } لا يغلب من نصره
وفى الآية حث على الجهاد وفى الحديث « موقف ساعة فى سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الاسود » وعن معاذ بن جبل قال عهد الينا رسول الله فى خمس من فعل واحدة منهن كان ضامنا على الله تعالى من عاد مريضا او خرج مع جنازة او خرج غازيا فى سبيل الله او دخل على امام يريد بذلك تعزيره وتوقيره او قعد فى بيته فسلم وسلم منه وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من خرج حاجا فمات كتب الله له اجر الحاج الى يوم القيامة ومن خرج معتمرا فمات كتب الله له اجر الغازى الى يوم القيامة » فعلى العاقل ان يجتهد فى احياء الدين بما امكن له من الاسباب ويتوقع النصرة الموعودة من رب الارباب ولا يلتفت الى مخلوق مثله فانهما سيان فى باب العجز خصوصا اذا كان استمداده من الفسقة كما يفعل ولاة الزمان فانه لا يجيئ خير لاهل الخير من اهل الشر والعدوان ونعم ما قيل
دركار دين زمزدم بى دين مدد مخواه ... ازماه منخسف مطلب نور صبحكاه
ثم ان حقيقة النصرة ان ينصرك الله تعالى على نفسك التى هى اعدى عدوك بقهر هواها وقمع مشتهاها فان انفتاح باب الملك فى الانفس سبب وطريق لانفتاح باب الملك فى الآفاق وكذا الملكوت
دوستئ نفس را بكذار ازهوس ... همجو مردان طالب حق باش بى جوياى نفس
والاشارة { وقاتلوهم } كفار النفوس والهوى بسيف الصدقة { حتى لا تكون فتنة } النفس والهوى آفة مانعة لكم عن الوصول الى عالم الحقيقة { ويكون الدين كله لله } ببذل الوجود فقد الموجود لنيل الجود { فان انتهوا } اى النفوس عن معاملاتها وتبدلت عن اوصافها وطاوعت القلوب والارواح وصارت مأمورة مطمئنة تحت الاحكام { فان الله بما يعملون } فى عبوديته وصدق طلبه { بصير } لا يخفى عليه نقيرها وقطميرها فيجازيهم على قدر مساعيهم { وان تولوا } اى وان اعرضوا عن الحقوق واقبلوا الى الشهوات والحظوظ فاعلموا ايها القلوب والارواح { ان الله مولاكم } فى الهداية وناصركم على قهر النفوس وقمع الهوى { نعم المولى } الذى هو وليكم لتهتدوا به اليه { ونعم النصير } فى دفع ما يقطعكم عنه وناصركم فى الوصول اليه(4/426)
واعلم ان النور الذى فى حقائق ما يستفاد من معانى الاسماء والصفات جند القلب الذى يقابل النفس والهوى والشيطان ونحو ذلك كما ان الظلمة التى هى معانى ما يستفاد من الهوى والعوائد الرديئة جند النفس التى بها تتقوى آثارها والحرب بينهما سجال فا اراد الله ان ينصر عبده على ما طلب منه امد بجنود الانوار فكلما اعترته ظلمة قام لها نور فأذهبها وقطع عنه مواد الظلم والاغيار فلم يبق للهوى مجال ولا للشهوة والاخلاق الذميمة مقال ولا حال كذا فى التأويلات النجمية(4/427)
وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41)
{ واعلموا } ايها المؤمنون { انما } حق ما هذه ان تكتب منفصلة عن ان لكونها موصولة كما فى قوله تعالى { ان ما توعدون لآت } لكنها كتبت متصلة اتباعا للرسم اى الذى { غنمتم } اخذتموه واصبتموه من الكفر قهرا وغلبة . والغنم الفوز بالشيء واصل الغنيمة اصابة الغنم من العدو ثم اتسع واطلق على كل ما اصيب منهم كائنا ما كان قالوا اذا دخل الواحد والاثنان دار الحرب مغيرين بغير اذن الامام فأخذوا شيأ لم يخمس لان الغنيمة هو المأخوذ قهرا وغلبة لا اختلاسا وسرقة هذا عند ابى حنيفة ويخمس عند الشافعى { من شيء } حال من عائد الموصول اى ما غنمتموه كائنا كما يقع عليه اسم الشيء حتى الخيط والمخيط خلا ان سلب المقتول للقاتل اذا نفله الامام وان الاسارى يخير فيها الامام وكذا الاراضى المغنومة
والآية نزلت ببدر
وقال الواقدى كان الخمس فى غزوة بنى قينقاع بعد بدر بشهر وثلاثة أيام للنصف من شوال على رأس عشرين شهرا من الهجرة { فان لله خمسه } مبتدأ خبره محذوف اى حكمه ثابت فيما شرعه الله وبينه لعباده ان خمسه لله او خبر مبتدأ محذوف اى فالحكم ان لله خمسه ولخمس بالفارسية [ بنج يك ] { وللرسول ولذى القربى } اعاد اللام فى لذى القربى دون غيرهم من الاصناف الثلاثة لدفع توهم اشتراكهم فى سهم النبى صلى الله عليه وسلم لمزيد اتصالهم به عليه الصلاة والسلام وهم بنوا هاشم وبنوا المطلب دون بنى عبد شمس وبنى نوفل
واعلم انه عليه السلام هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وكان لعبد مناف اربعة بنين هاشم والمطلب وعبد شمس ونوفل وكان لهاشم ولدان عبد المطلب واسد وكان لعبد المطلب عشرة بنين منهم عبد الله وابو طالب وحمزة والعباس وابو لهب والحارث وزبير فكلهم وما يتفرع منهم هاشميون لكونهم من اولاد هاشم وعبد مناف هو ابن قصى بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك لن النضر بن كنانة وكل من كان من ولد النضر فهو قرشى جون ولد كنانة ومن فوقه فقريش ابوهم النضر وانما خص ذووا قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ببنى هاشم وبنى المطلب لانهم لم يفارقوه عليه السلام فى جاهلية ولا فى اسلام فكانت قرابتهم قرابة كاملة وهى القرابة نسبا وتواصلا فى حال العسر واليسر فاعطوا الخمس واما بنوا عبد شمس وبنوا نوفل فمع مساواتهما بنى المطلب فى القرب حرموا الخمس لان قرابة نوفل بالتواصل والتناصر لم تنضم الى قرابتهم النسبية { واليتامى } جمع يتيم وهو الصغير المسلم الذى مات ابوه يصرف اليه سهم من الخمس اذا كان فقيرا { والمساكين } جمع مسكين وهو الذى اسكنه الضعف عن النهوض لحاجته اى اهل الفاقة والحاجة من المسلمين { وابن السبيل } اى المسافر البعيد عن ماله
قال الكاشفى ومسافران مسلمانان يا قومى كه بر مسلمانان نزول كنند
واعلم ان اللام ى الآية لام الاستحقاق لخمس الغنيمة فاقتضى الظاهر ان تكون المصارف سنة اقسام لكن الجمهور على ان ذكر الله تعالى للتعظيم وافتتاح الكلام باسمه تعالى عن طريق التبرك لا لان لله نصيبا من الخمس فان الدنيا والآخرة كلها له سبحانه فلا يسدس خمس الغنيمة بان يصرف سهم منها الى الله تعالى بصرفه الى عمارة الكعبة ان كانت قريبة والافالى مسجد كل بلدة ثبت فيها الخمس كما ذهب اليه البعض او بضمه الى سهم الرسول كما ذهب اليه الآخر وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط بوفاته لان الانبياء لا يورثون
قال ابن الشيخ لانه عليه السلام لم يخلفه احد فى الرسالة فلا يخلفه فى سهمه هذا عند الامام الاعظم واما الشافعى فيصرف سهمه عليه السلام الى مصالح المسلمين وما فيه قوة الاسلام وكذا سقط سهم ذوى القربى بوفاته عليه السلام فلا يعطى لهم لاجل قرابتهم بل يعطى لفقرهم وكان عليه السلام يعطيهم غنيهم وفقيرهم لقرابتهم لا لفقرهم حتى كان يعطى العباس بن المطلب مع كثرة ماله .(4/428)
والحاصل ان ذوى القربى اسوة لسائر الفقراء اى يدخلون فيهم ويقدمون على غيرهم ولا يعطى اغنياؤهم
وفى شرح الاثار عن ابى حنيفة ان الصدقات كلها اى فرضها ونفلها جائزة على بنى هاشم والحرمة كانت فى عهد النبى عليه السلام لوصول خمس الخمس اليهم فلما سقط ذلك بموته حلت لهم الصدقة
قال الطحاوى وبالجواز نأخذ ولما سقط السهمان وهماسهم الرسول وسهم ذوى القربى فخمس الغنيمة اليوم يجعل ثلاثة اقسام ويصرف الى ثلاثة اصناف اليتامى والمساكين وابناء السبيل وتقسم الاخماس الاربعة بين الغانمين للفارس سهمان وللراجل سهم
وفى حياة الحيوان ان الفيل يقاتل به وراكبه يرضخ له اكثر من راكب البغل
وفى التحفة هذه الثلاثة مصارف الخمس عندنا لا على سبيل الاستحقاق حتى لو صرفت الى صنف واحد منهم جاز { ان كنتم آمنتم بالله } متعلق بمحذوف دل عليه واعلموا اى ان كنتم آمنتم بالله فاعلموا انه جعل الخمس لهؤلاء فسلموه اليهم واقطعوا اطماعكم منه واقتنعوا بالاخماس الاربعة الباقية ووجه دلالته عليه انه تعالى انما امر بالعلم بهذا الحكم ليعمل له لانه العلم بمثل هذا المعلوم ليس مما يقصد لنفسه بل انما يقصد للعمل به { وما انزلنا } اى وربما انزلناه { على عبدنا } محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات والنصر على ان المراد بالانزال مجرد الايصال والتيسير فينتظم الكل انتظاما حقيقيا { يوم الفرقان } ظرف لانزلنا اى يوم بدر فانه فرق فيه بين الحق والباطل بنصر المؤمنين وكبت الكافرين { يوم التقى الجمعان } اى المسلمون والكفار وهو بدل من الظرف الاول [ وآن روز جمعه بود هفد هم رمضان درسنه ثانيه از هجرت ] وهو اول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتال المشركين لاعلاء الحق والدين { والله على كل شيء قدير } فيقدر على نصر القليل على الكثير والذليل على العزيز كما فعل بكم ذلك اليوم(4/429)
إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)
{ اذا انتم } نازلون { بالعدوة الدنيا } اى شفير الوادى الادنى من المدينة وهو بدل ثان من يوم الفرقان { وهم } اى وعجوكم نازلون { بالعدوة القصوى } اى فى جانبها الابعد منها وهو الجانب الذى يلى مكة والعدوة شط الوادى اى جانبه وشفيره وسميت بذلك لانها عدت ما فى الوادى من ماء على ان يتجاوز اى منعته والدنيا من دنا يدنو دنوا والقصوى من قصا المكان بقصوا قصوا اذا بعد والقياس القصيا بقلب الواو ياء كالدنيا الا ان واوها بقيت على حالها كواو القود { والركب } جمع راكب مثل صحب وصاحب والراكب هو راكب البعير خاصة كما ان الفارس من على الفرس والمراد بالركب ههنا العير اى القافلة المقبلة المتوجهة من الشام او قوادها وهم ابو سفيان واصحابه وكانوا جميعا على البعير { اسفل منكم } اى نازل فى مكان اسفل من مكانكم وكانوا بقرب ساحل البحر بينهم وبين المسلمين ثلاثة اميال واسفل وان كان منصوبا على الظرفية واقعا موقع خبر المبتدأ الا انه فى الحقيقة صفة لظرف قبله وفائدتها الدلالة على قوة العدو واستظهارهم بالركب وضعف حال المسلمين ولهذه الفائدة ذكرا مراكز الفريقين فان العدوة الدنيا كانت رخوة تسوخ فيها الا رجل ولا يمشى فيها الا بتعب ولم يكن فيها ماء بخلاف العدوة القصوى فورد النظم على هذا الوجه الدال على القوة والضعف ليتحققوا ان ما اتفق لهم من الفتح ليس الا صنعا من الله خارقا للعادة فيزدادوا ايمانا وشكرا { ولو تواعدتم } أنتم وهم القتال ثم علمتم حالكم وحالهم { لاختلفتم فى الميعاد } [ دروعده خوردا ] هيبة منهم ويأسا من الظفر عليم { ولكن } ما اختلفتم وما تخلفتم عن القتال بل جمع بينكم على هذه الحال من غير ميعاد { ليقضى الله } ليتم الله { امرا كان مفعولا } حقيقتان يفعل وهو نصر اوليائه وقهر اعدائه جعل ما اقتضت الحكمة ان يفعل مفعولا لقوة ما يستدعى ان يفعل { ليهلك من هلك عن بينة } بدل من ليقضى
قال سعدى جلبى المفتى الظاهر والله اعلم ان عن هنا بمعنى بعد كقوله تعالى { عما قليل ليصبحن نادمين } انتهى
والمعنى ليكون هلاك من شارف الهلاك بعد مشاهدة بينة واضحة الدلالة على ان الدين المرضى عند الله تعالى هو الاسلام لا عن مخالجة شبهة حتى لا تبقى له عند الله تعالى معذرة وحجة فى عدم تحليه بحلية الاسلام { ويحيى من حى عن بينة } اى يعيش من يعيش عن حجة شاهدها حتى يقوى يقينه ويكمل ايمانه فان وقعة بدر كانت من الآيات الواضحة الدالة على حقيقة الاسلام فمن كفر بعد مشاهدتها كان مكابرا معاندا عادلا عن الحق الذى وضحت حقيته والمراد بمن هلك ومن حى المشارق للهلاك والحياة
قال سعدى جلبى المراد هو الاستمرار على الحياة بعد وقعه بدر فيظهر صحة اعتبار معنى المشارفة فى الحياة ايضا { وان الله لسميع عليم } اى بكفر من كفر وعقابه وايمان من آمن وثوابه .(4/430)
ولعل الجمع بين وصفى السميع والعليم لاشتمال كل واحد من الكفر والايمان على القول والاعتقاد [ نقلست كه حضرت بيغمبر صلى الله عليه وسلم دران شب كه روزش جنك بدر واقع شده بود در واقعه ديد لشكر قريش را درغايت قلت وذلت تأويل فرمودكه دوستان غالب ودشمنان مغلوب خواهند شد مؤمنان بعد از استماع اين رؤيا وتعبير آن بغايت مسرور وفرحان شدند وحق سبحانه وتعالى تذكار آن نعمت ميفرمايد وميكويد ](4/431)
إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43)
{ اذ يريكم الله } اى اذكر يا محمد وقت اراءة الله المشركين اياك { فى منامك } مصدر يسمى بمعنى النوم { قليلا } حال من المفعول الثانى اى حال كونهم قليلا والاراءة بصرية تتعدى الى اثنين - روى - عن مجاهد انه قال ارى الله تعالى كفار قريش لنبيه صلى الله عليه وسلم فى منامه قليلا فاخبر بذلك اصحابه فقالوا رؤيا النبى حق والقوم قليل فكان ذلك سببا لقوة قلوبهم { ولو اريكهم كثيرا لفشلتم } اى لجنبتم وتأخرتم عن الصف
قال الحدادى الفشل هو الضعف مع الوجل { ولتنازعتم فى الامر } اى امر القتال وتفرقت آراؤكم بين الثبات والفرار . والتنازع ان يحاول كل واحد من الاثنين ان ينزع صاحبه مما هو عليه { ولكن الله سلم } اى انعم بالسلامة من الفشل والتنازع { انه عليم بذات الصدور } يعلم ما سيكون فيها من الجراءة والجبن والصبر والجزع ولذلك دبر ما دبر(4/432)
وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)
{ واذ يريكموهم } الضميران مفعولا يرى وفاعل الاراءة هو الله تعالى . والمعنى بالفارسية [ وآنراياد كنيداى صحابه كه بنمود خداى تعالى دشمنانرا بشما ] { اذ التقيم فى اعينكم } حال كونهم { قليلا } وانما قللهم فى اعين المسلمين حتى قال ابن مسعود رضى الله عنه لمن الى جنبه أتراهم سبعين قال اراهم مائة مع انهم كانوا الفا وتسعمائة وخمسين تثبيتا لهم وتقوية لقلوبهم وتصديقا لرؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم فانها وحى لا خلف فيه اصلا { ويقللكم فى اعينهم } حتى قال ابو جهل ان محمدا واصحابه اكلة جزور وهو مثل يضرب فى القلة اى قلتهم بحيث يشبعهم جزور واحد قللهم فى اعينهم قبل التحام القتال ليجترئوا عليهم ولا يبالغوا فى الاجتهاد والاستعداد والتأهب والحذر ثم كثرهم حتى رأوهم مثليهم لتفاجئهم الكثرة فتبهتهم وتكسر قلوبهم
قال فى التأويلات النجمية { ويقللكم فى اعينهم } لانهم ينظرون اليكم بالابصار الظاهرة لا يرون كثرة معناكم وقوة قلوبكم ومددكم من الملائكة فانهم عمى البصائر والقلوب ولئلا يفروا من القتال كما فر ابليس لما رأى مدد الملائكة وهو قد جاء مع الكفار فى صورة سراقة فقالوا له اين تفر فقال لهم انى ارى ما لا ترون { ليقضى الله امرا كان مفعولا } كرره لاختلاف الفعل المعلل به وهو الجمع بين الفريقين على الحالة المذكورة فى الاول وتقليل كل واحد من الفريقين فى عين الآخر فى الثانى { والى الله ترجع الامور } كلها يصرفها كيف يريد لا راد لامره ولا معقب لحكمه . وفيه تنبيه على ان احوال الدنيا غير مقصودة لذواتها وانما المراد منها ما يكون وسيلة الى سعادة الآخرة ومؤديا الى مرضاة الرحمن
وفى الآيات اشارات . منها ان اركان الاسلام خمسة وهى غنائم دينية لكن التوحيد اعلى من الكل ولذا كان خمسا راجعل الى الله تعالى وباقى الاخماس حظ الجوارح فعلى العاقل ان يحرز غنائم العبادات وما يتعلق بالمعارف والكمالات الت تتحقق بها السادات ليكون الروح والجوارح كلاهما محفوظين غير محرومين
وفى التأويلات النجمية ما غنمتم عند رفع الحجب من انوار المشاهدات واسرار المكاشفات فلكم اربعة اخماس تعيشون بها مع الله وتكتمونها عن الاغيار
داند وبوشدبامر ذو الجلال ... كه نباشد كشف راز حق حلال
ولا تنفقون اكثر من خمسها فى الله مخلصا وللرسول متابعا ولذى القربى يعنى الاخوان فى الله مواصلا واليتامى يعنى اهل الطلب من الذين غاب عنهم مشايخهم قبل بلوغهم الى حد الكمال والمساكين يعنى الطالبين الصادقين اذا امسكوا بأيدى الاراداة اذيال ارشادكم وابن السبيل يعنى الصادر الوارد من اهل الصدق والارادة من اغيار جانب كل طائفة منهم على حسب صدقهم وارادتهم وطلبهم واستعدادهم واستحقاقهم مؤديا حقوقهم لله وفى الله وبالله فى متابعة رسول الله وقانون سيرته وسنته .(4/433)
ومنها ان الله تعالى كما جمع بين الفريقين بحيث لو تركهم على حالهم لما اجتمعوا ليظهر عز الاسلام وذل الكفر كذلك جمع بين الارواح والنفوس فى هذه الهياكل والقوالب بحيث لو تركهما على حالهما وهما على الضدية واختلاف الطبيعة لما اجتمعت ليحصل الارواح فى مقعد صدق والنفوس مع الملائكة المقربين كما قال { فادخلى فى عبادى } بعدما كانت محبوسة فى سجن الدنيا والاجساد فى جنات النعيم واعلى عليين بعد ما كانت فى اسفل سافلين هذا بالنسبة الى السعداء المخلوقين للتحيات والقربات واما الاشقياء المذرؤون لجهنم فعلى خلاف ذلك وقد خلق الله الاستعداد للترقى والتنزل ولله على الناس الحجة البالغة
قال الكاشفى { در ترجمه شفا مذ كورست كه كوهر شب آنكه فروز عقل را همجانجه درحقه سينه دوستان مى سبارند دراستين دشمنان تر دامن نيز مى نهند « ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة » يعنى بارقه نور عقل اكر از جانب عنايت وتوفيق لامع شود دوتان بدان مهتدى كردند واكر از طرف قهر وخذلان استضاءت يذيرد سبب اختطاف ابصار بصائر دشمنان شود « يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا » ]
كرت صورت حال بد يانكوست ... نكاريده دست تتدير اوست
ومنها ان من سنة الله ان يرى النبى صلى الله عليه وسلم حقائق الاشياء حقا وصدقا وهو يخبر بها ثم يراها ارباب الصورة فى الظاهر بضدها ابتلاء واختبار للمؤمن والمنافق فالمؤمن يثبت على ايمانه بتصديق النبى عليه السلام وتسليمه فى اقواله واعماله واحواله من غير اعتراض فيزيده الله ايمانا مع ايمانه والمنافق تزل قدمه وتشوش حاله بالاعتراض ويزيد نفاقه على النفاق وعماه على العمى والى الله ترجع الامور فحال الؤمن وامره ان يرجع الى رضاه وحال المنافق وامره يرجع الى سخطه والرضى والسخط آثار لطفه وقهره يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد وقس على هذا الهامات الاولياء واحوالهم مع معتقديهم ومنكريهم فان الاختبار والابتلاء سنة قديمة وكم ترى من الصوفية من يزعم انه يحب فلانا ويعتقده وطريقته حقا فاذا جاء سطوة القهر باراءة ما هو غير ملائم لطعنه نكص على عقبيه واتخذه غرضا لطعنه وتشنيعه واين هو المحبة وهو مقام عال يجتمع عنده اللطف والقهر والجمال والجلال فلا يتشوش صاحبه من الاحوال العارضة المرئية فى صورة التنزل والتدلى ولذا كثر ارباب الصورة وقل اصحاب المعنى ويكفى لكل مرشد كامل واحد ممن يلزم طريقته وينبع هداه(4/434)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)
{ يا ايها الذين آمنوا اذا لقيتم فئة } اى حاربتم جماعة كافة لان اللقاء مما غلب فى الحرب والقتال وهم ما كانوا يحاربون الا الكفار { فاثبتوا } وقت لقائهم وقتالهم ولا تنهزموا وفى الحديث « لا تتمنوا لقاء العدو فاذا لقيتموهم فاصبروا » وانما نهى عن تمنى لقاء العدو لما فيه من صورة الاعجاب والوثوق بلقوة ولانه يتضمن قلة الاهتمام بالعدو وتحقيرهم وهذا يخالف الاحتياط كما قالوا فى آداب المناظرة انه ينبغى ان لا يحسب المناظر الخصم حقيرا اى صغيرا ذليلا لان استحقار الخصم ربما يؤدى الى صدور الكلام الضعيف من المناظر لعدم المبالاة فيكون سببا لغلبة الخصم الضعيف عليه فيكون الضعيف قويا والقوى ضعيفا واشلر اذا جاء من حيث لا يحتسب كان اعم
فعلى العاقل ان يسال العفو والعافية فانه لا يدرى ما يفعل به
اول شكسته باش كه اوج سرير ملك ... يوسف بس ازمجاورت قعر جاه يافت
{ واذكروا الله كثيرا } اى فى تضاعيف القتال ومواطن الشدة بالتكبير والتهليل وغيرهما وادعوه بنصر المؤمنين وخذلان الكافرين { كالذين قالوا ربنا افرغ علينا صبرا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين } { لعلكم تفلحون } اى تفوزون بمرامكم وتظفرون بمرادكم من النصرة والمثوبة . وفيه تنبيه على ان العبد ينبغى ان لا يشغله شيء عن ذكر الله وان يلتجئ اليه عند الشدائد ويقبل اليه بالكلية فارغ البال واثقا بانه لطفه لا ينفعك عنه فى حال من الاحوال وعلى ان ذكر الله تعالى له تأثير عظيم فى دفع المضار وجلب المنافع
توبهر حالى كه باشى روز وشب ... يك نفس غافل مباش ازدكررب
درخوشى ذكر توشكر نعمتست ... دربلاها التجا باحضر تست
قال بعض الحكماء ان لله جنة فى الدنيا من دخلها يطيب عيشه وهو مجالس الذكر وفى الحديث « ان لله سيارة من الملائكة يطلبون حلق الذكر فاذا اتوا عليهم حفوا بهم ثم بعثوا رائدهم الى السماء الى رب العزة تبارك وتعالى فيقولون ربنا آتينا على عباد من عبادك يعظمون آلامك ويتلون كتابك ويصلون على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ويسألونك لآخرتهم ودنياهم فيقول الله تبارك وتعالى غشوهم رحمتى فهم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم »
قال فى انوار المشارق وكما يستحب لذكر يستحب الجلوس فى حلق اهله والعادة جرت فى حلق الذكر بالعلانية اذ لم يعرف فى كرّ الدهور حلقة ذكر اجتمع عليها قوم ذاكرون فى انفسهم فالذكر برفع الصوت اشد تأثيرا فى قمع الخواطر الراسخة على قلب المبتدى وايضا يغتنم الناس باظهار الدين بركة الذكر من السامعين فى الدور والبيوت ويشهد له يوم القيامة كل رطب ويابس سمع صوته خصوصا فى مواضع الازدحام بين الغافلين من العوام لتنبيه الغافلين وتوفيق الفاسقين(4/435)
وفى بعض الفتاوى لو ذكر الله فى مجلس الفسق ناويا انهم يشتغلون بالفسق وانا اشتغل بالذكر فهو افضل كالذكر فى السوق افضل من الذكر فى غيره وحضور مجلس الذكر يكفر سبعين مجلسا من مجالس السوء وقد نهى عن ان يجلس الانسا مجلسا لا يذكر الله ولا يصلى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ويكون ذلك المجلس حسرة عليه يوم القيامة وفى الحديث « من جلس مجلسا كثر فيه لغطه فقال قبل ان يقوم من مجلسه ذلك سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك غفر له ما كان فى مجلسه ذلك » فعلى العاق ان يكون رطب اللسان بالذكر والدعاء والاستغفار دائما خصوصا فى الاوقات المباركة -روى- ان النبى عليه السلام بعث بعثا الى نجد فغنموا واسرعوا وقل رجل ما رأينا بعثنا افضل غنيمة واسرع رجعة فقال النبى عليه السلام « ألا ادلكم على قوم افضل غنيمة واسرع رجعة الذين شهدوا صلاة الصبح ثم جلسوا يذكرون الله حتى تطلع الشمس ثم يصلون ركعتين ثم يرجعون الى اهاليهم وهى صلاة الاشراق وهو اول وقت الضحى وذلك بعد ان تطلع الشمس ويصلى ركعتين كانت كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة »
ذكر فى شرح المصابيح ان فى قوله ثم قعد يذكر الله تعالى دلالة على ان المستحب فى هذا الوقت انما هو ذكر الله تعالى لا القراءة لان هذا وقت شريف وان للمواظبة للذكر فيه تأثيرا عظيما فى النفوس
وقال فى المنية ناقلا عن جمع العلوم ومن وقت الفجر الى طلوع الشمس ذكر الله تعالى اولى من القراءة ويؤيده ما ذكره فى القنية من ان الصلاة على ان النبى عليه السلام والدعاء والتسبيح افضل من قراءة القرآن فى الاوقات التى نهى عن الصلاة فيها وعن النبى صلى الله عليه وسلم « ألا ادلكم على ساعة من ساعات الجنة الظل فيها ممدود والرزق فيها مقسوم والرحمة فيها مبسوطة والدعاء مستجاب قالوا بلى يا رسول الله قال ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس » قال على المرتضى رضى الله عنه مر النبى عليه السلام بعائشة رضى الله عنها قبل طلوع الشمس وهى نائمة فحركها برجله فقال « قومى لتشاهدى رزق ربك ولا تكونى من الغافلين ان الله يقسم ارزاق العباد بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس » واختلف فى ان التهليل والتسبيح ونحوهما بمجرد القلب افضل او باللسان مع حضور القلب
احتج من رجح الاول بان عمل السر افضل واحتج من رجح الثانى بان العمل فيه اكثر فافتضى زيادة الصحيح وهو الثانى ذكره النووى فى شرح مسلم والذكر الكثير ما كان بصفاء القلب فصفاء القلب جنة العارف فى الدنيا فانه يجاوز بذكر الله تعالى عن جحيم النفس الامارة وهاويتها فيترقى الى نعيم الحضور(4/436)
قال ابو بكر الفرغانى كنت اسقط فى بعض الايام عن القافلة فقلت يا رب لو علمتنى الاسم الاعظم فدخل على رجلان وقال احدهما للآخر الاسم الاعظم ان تقول يا الله ففرحت به فقال ليس كما تقول بل بصدق اللجأ اى الالتجاء والاضطرار كما يقول من كان فى لجة البحر ليس ملجا غير الله
واعلم ان الجهاد من اعظم الطاعات ولذلك لا يجتمع غبار المجاهد مع دخان جهنم وبخطوة من المجاهد يغفر ذنب وباخرى تكتب حسنة ولكن ينبغى للمجاهد ان يصحح نيته ويثبت فى مواطن الحرب فان بثبات القلب والقدم يتبين اقدار الرجال كما كان للتصديق رضى الله عنه حين صدمته الوجيعة بوفاة بثبات القلب يتبين اقدار الرجال كما كان للصديق رضى الله عنه حين صدمته الوجيعة بوفاة رسول الله حين قال من كان يعبد رب محمد فانه حى لا يموت ويجتنب عن الظلم وارتكاب المعاصى فان الغلبة على الاعداء بالقوة القدسة والتأييد الالهى لا بالقوة الجسمانية وكثرة العدد والعدد ألا يرى الى الله تعالى كيف ايد المؤمنين بالملائكة فى غزوة بدر مع قلتهم وكثرة الكافرين فالذين جاهدوا فى سبيل الله بالتقى والصبر والثبات فقد غلبوا على الاعداء ووصلوا الى الدرجات
كه شتاب جصرصر كه قرار جوكوه ... كه شيب كبوتركه فراز عقاب
واستعرض الاسكندر جنده فتقدم اليه رجل بفرس اعرج فامر باسقاطه فضحك الرجل فاستعظم ضحكه فى ذلك المقام ه ما اضحكك وقد اسقطتك قال العجب منك قال كيف قال تحتك آلة الهرب وتحتى آلة الثبات ثم تسقطنى فاعجب بقوله واثبته
ثم اعلم ان الفئة الباغية ظاهرة كالطائفة الكافرة والجماعة الفاجرة وباطنة كطائفة القوى النفسانية وجماعة النفس الامارة فكما ان المؤمن مأمور بالثبات عند ظهور الفئة الباغة الظاهرة فكذلك مأمور بالثبات عند ظهور الفئة الباغية الباطنة بالمجاهدات والجهاد مع الكفار جهاد اصغر والجهاد مع النفس جهاد اكبر والاكبر افضل من الاصغر ولذلك يقول القتيل فى الاكبر صديقا وفى الاصغر شهيدا فالصديق فوق الشهيد كما قال الله تعالى { فاولئك مع الذين انعم الله عليهم من التبيين ولدصيقين والشهداء } والخلاص من ظلمات الخلقية والفوز بانوار الذكر الذى الاشتغال به من اكبر انواع الجهاد واسرع قدم فى الوصول الى رب العباد نسأل الله تعالى ان يحققنا بحقائق الذكر والتوحيد(4/437)
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)
{ واطيعوا الله ورسوله } فى كل ما تأتون وما تذرون خصوصا فى امر الجهاد وثبات القدم فى معركة القتال { ولا تنازعوا } باختلاف الآراء كما فعلتم ببدر واحد { فتفشلوا } جواب للنهى يقال فشل اى كسل وضعف وتراخى وجبن { وتذهب ريحكم } بالنصب عطف على جواب النهى اى تذهب دولتكم وشوكتكم فانها مستعارة للدولة من حيث انها فى تمشى امرها ونفاذه مشبهة بها فى هبوبها وجريانها . وقيل المراد بها الحقيقة فان النصرة لا تكون الا بريح يبعثها الله تعالى ويقال لها ريح النصرة -وروى- انه حاصر المدينة قريش وغطفان وبنوا قريظة وبنوا النضير يوم الخندق فهبت ريح الصبا شديدا فقلعت خيامهم واراقت قدورهم وهربوا فقال عليه السلام « نصرت بالصبا واهلكت عاد بالدبور » والصبا بفتح الصاد وبالقصر ريح تهب من المشرق والدبور هى ما يقابل الصبا فى الهبوب يعنى الريح مأمورة تجيء تارة للنصرة وتارة للاهلاك وفى المثنوى
جمله ذرات زمين وآسمان ... لشكر حقند كاه امتحان
بادرا ديديكه باعادان جه كرد ... ابرا ديديكه باطوفان جه كرد
{ واصبروا على شدائد الحرب وقتال المشركين ولا تولوهم الادبار { ان الله مع الصابرين } بالنصرة والكلاءة وما يفهم من كلمة مع ما من اصالتهم انما هى من حيث الامداد والاعانة(4/438)
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47)
{ ولا تكونوا } ايها المؤمنون { كالذين خرجوا من ديارهم } يعنى اهل مكة حيث خرجوا منها لحماية العير اى القافلة المقبلة من الشأم { بطرا } مفعول له اى افتخارا بما آثر الاصول من الآباء والامهات واشرا وهو مقابلة النعمة بالتكبير والخيلاء { ورئاء الناس } ليثبتوا عليهم بالشجاعة والسماحة وذلك انهم لما بلغو الجحفة اتاهم رسول ابى سفيان وقال ارجعوا فقد سلمت عيركم من اصحاب محمد ومن نبههم فقال ابو جهل لا والله حتى نقدم بدرا ونشرب بها الخمور وتعزف علينا القبان ونطعم بها من حضرنا من العرب فوافوها اى اتوا بدرا ولكن سقوا كأس المنايا بدل كأس الخمور وناحت عليهم النوائح مكان تغنى القيان فنهى المؤمنون ان يكونوا امثالهم بطرين مرائين وامرهم بالتقوى والاخلاص لان النهى عن الشيء مستلزم للامر بصده { ويصدون عن سبيل الله } عطف على بطرا بتأويل المصدر اى وصدا ومنعا للناس عن دين الله المؤدى الى الجنة والثواب { والله بما يعملون محيط } فيجازيهم عليه . وفيه تهديد على الاعمال القبيحة خصوصا ما ذكر فى هذه الآية من البطر . والرئاء هو اظهار الجميل وابطان القبيح وهو من الصفات المذمومة للنفس -وحكى- عن بعض الصالحين انه قال كنت ليلة فى وقت السحر فى غرفة لى على الطريق اقرأ سورة طه فلما ختمتها غفوت فرأيت شخصا نزل من السماء بيده صحيفة فنشرها بين يدى فاذا فيها سورة طه واذا تحت كل كلمة عشر حسنات مثبتة الا كلمة واحدة فانى رأيت مكانها محوا ولم ار تحتها شيأ فقلت والله لقد قرأت هذه الكلمة ولا ارى ثوابا ولا اراها اثبتت فقال الشخص صدقت قد قرأتها وكتبناها الا انا قد سمعنا مناديا ينادى من قبل العرش امجوها واسقطوا ثوابها فمحوناها قال فبكيت فى منامى فقلت لم فعلتم ذلك فقال مر رجل فرفعت بها صوتك لاجله فذهب ثوابها وفى الحديث « ان النار واهلها يعجون من اهل الرياء » اى يتضرعون ويرفعون الصوت قيل يا رسول الله وكيف تعج النار قال « من ضر الناس الذين يعذبون بها » فويل للمرائى فى عمله ومن الرياء التزيى بزى القوم تصنعا ودوران البلاد تفرجا ليتباهى بذلك على الاخوان كما يفعله اكثر المتسمين بالصوفية فى هذا الزمان فان مقصودهم ليس التقليد بلباس القوم تبركا مع التحقق بمعانيهم فهم محرومون من انوار المعرفة واسرار الحقيقة خارجون عن دائرة الطريقة : قال الحافظ
مدعى خواست كه آيد بتماشا كه راز ... دست غيب آمد سينه نامحرم زد
فعلى العاقل اخلاص العمل وهو ارادة التقرب الى الله تعالى وتعظيم امره واجابة دعوته سواء كان من العبادات المالية او البدنية
وفى التتارخانية لو افتتح الصلاة خالثا لله تعالى ثم دخل فى قلبه الرياء فهو على ما افتتح والرياء انه لو خلا عن الناس لا يصلى ولو كان مع الناس يصلى فاما لو صلى مع الناس يحسنها ولو صلى وحده لا يحسن فله ثواب اصل الصلاة دون الاحسان ولا رياء فى الصوم الا ان يكون مراده من الرياضة اصفرار الوجه وهزال البدن ليظنه الناس رجلا صالحا متقيا مريدا للآخرة فانظر الى تعبه لاجل الناس ولو كان له عقل صحيح وفكر ثاقب لما فعل هذا قالوا اخف حلما من عصفور قال حسان ابن ثابت الانصارى رضى الله عنه(4/439)
لا بأس بالقوم من طول ومن عظم ... جسم البغال واحلام العصافير
وما الدنيا حتى يطلبها العاقل بعمله ويضيع عمره الى حلول اجله وعن ابى الدرداء رضى الله عنه ان النبى عليه السلام مر بدمنة قوم فيها سخلة ميتة فقال ما لها فيها حاجة قالوا يا نبى الله لو كان لاهلها فيها حاجة ما نبذوها قال « فوالله الدنيا اهون على الله من هذه السخلة على اهلها » قال السعدى قدس سره
وكرسيم اندوده باشد نحاس ... توان خرج كردن برناشناش
منه آب زرجان كن بر بشيز ... كه صراف دانا نكيرد بجيز
جه قدر آوردبنده وردبيس ... كه زير قبادارد اندام بيس
نسأل الله ان يعصمنا من الزلل فى مسالك الدين ويوصلنا الى رضاه فى كل قول وعمل وهو المعين آمين بجاه النبى الامين(4/440)
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48)
{ واذ زين لهم الشيطان اعمالهم } [ آورده اندكه جون قريش از مكه برون آمده بحوالى منزل نى كنانة رسيدند كيفيت قديمى كه ميان ايشان بود انديشه ناك شده خواستند باز كردند ابليس بصورة سراقة بن مالك مهتر كنانه بود برآمد برايشان ملاقات نمودو كفت شمانيكو حمايتى ميكنيد برويد من ضامن كه از بنى كنانة بشمانرسد ومن نيز طريق رفاقه مرعى دارم بس ابليس باجمعة از او شياطين همراه ايشان رزى ببدرآوردند حق سبحانه وتعالى ازين قصة خبر ميدهد ] والمعنى واذكر يا محمد وقت تزيين الشيطان اعمال كفار مكى معاداة المؤمنين وغيرها [ ودر حقائق سلمى فرموده كه قوة ايشانرا بنظر ايشان در آورد تا اعتماد بدان كردند ] { وقال لا غالب لكم اليوم من الناس حال من الضمير فيه والمراد من الناس المؤمنون { وانى جار لكم } اى مجيركم من بنى كنانة ومعين لكم فمعنى الجار المجير الحافظ الذى يدفع عن صاحبه انواع الضر كما يدفع الجار عن جاره تقول العرب انا جار لك من فلان اى حافظ لك من مضرته فلا يصل اليك منه مكروه
وقال فى القاموس الجار المجاور والذى اجرته من ان يظلم والمحير واجاره انقذه { فلما تراءت الفئتان } اى تلاقى الفريقان يوم بدر
قال الكاشفى [ بس آن هنكام كه بديدند هر دو كروه لشكر يكديكررا ] { نكص على عقبيه } رجع القهقرى وهو اصل معنى النكوص لان الغالب فيمن يفر عن موضع القتال ان يرجع قهقرى لخوفه من جهة العدو . وقوله على عقبيه حال مؤكدة لان الرجوع القهقرى انما يكون على العقبين [ واين عبارتست از هزيمت كردن بمكر وحيله آورده اندكه جون روز بدر ملائكه فرود آمدند ابليس ايشانرا ديد روى بفرار نهاد در آن محل دست بردست حارث بن هشام بود حارث كفت اى سراقه در جنين حال مارا فروميكذارى ابليس دست برسينه اوزد ] { وقال انى بريئ منكم } [ من بيزارم از زنهار شما ] { انى ارى ما لا ترون } من نزول النلائكة للامداد فقال الحارث وما نرى الا جعا شيش اهل يثرب والجعشوش الرجل القصير { انى اخاف الله } من ان يصيبنى بمكروه من الملائكة او يهلكنى على ان يكون الوقت هو الوقت المعلوم الذى انظر اليه { والله شديد العقاب } لمن يخاف منه وقد صدق الكذاب انه يخاف من شدة عذاب الله فان عقابه لو وقع عليه لتلاشى ولذلك كان يفر من ظل عمر رضى الله عنه وكما سلك فجا الا وسلك الشيطان فجا آخر لئلا يقع عليه عكس نور ولاية عمر فيحرقه وقد علم الشيطان انه من المعذبين المعاقبين وانما خوفه من الله من شدة عقابه لانه يعلم انه لا نهاية لشدة عقابه والله قادر على ان يعاقبه بعقوبة اشد من الاخرى .(4/441)
وفيه اشارة الى ان خوفه من الله يدل على انه غير منقطع الرجاء منه كذا فى التأويلات النجمية
[ نقلست كه منهزمان بدر بعد از رجوع بمكه سراقه را بيغام فرستادندكه لشكر ماراتو منهزم ساختى سراقه سوكند يادكردكه تا هزيمت شمانشنيدم از عزيمت شما وقوف نيافتم بس همه را معلوم شد كه آن شيطان بودكه خودرا برصورت سراقه نموده ]
فان قيل كيف يجوز ان يتمكن ابليس من ان يخلع صورة نفسه ويلبس صورة سراقة ولو كان قادرا على ان يجعل نفسه فى مثل صورة انسان لكان قادرا على ان يجعل غيره انسانا
قيل اذا صحت هذه الرواية فالجواب ان الله خلق ابليس فى صورة سراقة والله تعالى قادر على خلق انسان فى مثل صورة سراقة ابتداء فكان قادرا على ان يصور ابليس فى مثل صورة سراقة كما فى التفسير الحدادى
وقال القاضى ابو يعلى ولا قدرة للشياطين على تغيير خلقهم والانتقال فى الصور وانما يجوز ان يعلمهم الله تعالى كلمات وضربا من ضروب الافعال اذا فعله اوتكلم بها نقله الله تعالى من صورة الى صورة فيقال انه قادر على التصوير والتخييل على معنى انع قادر على قول اذا قاله او فعله نقله الله تعالى من صورته انما يكون بنقض البنية وتفريق الاجزاء واذا انتقضت بطلت الحياة واستحال وقوع الفعل بالجملة فكيف بنقل نفسها قال والقول فى تشكيل الملائكة مثل ذلك والذى روى ان ابليس تصور فى صورة سراقة بن مالك وان جبريل تمثل فى صورة دحية وقوله تعالى { فارسلنا اليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا } محمول على ما ذكرنا وهو انه قدره الله تعالى على قول قاله فنقله الله تعالى من صورته الى صورة اخرى كذا فى آكام المرجان ونظر فيه والهى الاسكوبى بان من قال تمثل جبريل عليه السلام وتصور ابليس عليه ما يستحق ليس مراده انهما احدثا تلك الصورة والمثال من قدرتهما نفسهما بل باقدار الله لهما على التصور والتمثل كيف شاآ فلا منافاة بين القولين غاية ما فى الباب ان العمل من طريق ما اقدره الله به من الاسباب المخصوصة انتهى
يقول الفقير ان النلائكة والشياطين من قبيل الارواح اللطيفة وللارواح التصور بانواع الصور كما ان للاجسام التلون بالوان الالبسة وكل ذلك باقدار الله تعالى فى الحقيقة لكن هذا المعنى صعب المسلك فلا يهتدى الى دركه ا الانبياء والاولياء المكاشفون عن حقيقة الامر والله اعلم
ثم ان من عادة الشيطان ان يقحم من اطاعه ورطة الهلاك ثم يتبرأ منه -حكى- ان عابدا عبد الله فى صومعته واسكنها معه كيلا يعرف احد مكانها ويستخطبها منه فكبرت الابنة فحضر ابليس على صورة شيخوخدعه بها حتى واقعها الزاهد واحبلها فلما ظهر بها الحبل رجع اليه فقال له انك زاهدنا وانها لو ولدت يظهر زناك فتصير فضيحة فاقتلها قبل الولادة واعلم والدها انها قد ماتت فيصدقك فتنجو من العذاب والشين فقتلها الزاهد فجاء الشيطان الى الملك فى زىّ العلماء فاخبره بصنع الزاهد بابنته من الاحبال والقتل وقال ان اردت ان تعرف حقيقة ما اخبرتك فانبش قبرها وشق بطنها فان خرج منها ولد فهو مصداق مقالتى وان لم يخرج فاقتلنى ففعل الملك ذلك فاذا الامر كما قال فاخذ الزاهد واركبه الابل وحمله الى بلده فصلبه فجاءه الشيطان وهو مصلوب فقال له انك زنيت بامرى وقتلت نفسا بامرى فآمن بى انجك من عذاب الملك فادركته الشقاوة فآمن به فهرب الشيطان منه ووقف من بعيد فقال الزاهد نجنى فقال الشيطان انى اخاف الله رب العالمين(4/442)
فعلى العاقل الحذر من كيده وفى المثنوى
آدمى را دشمن بنهان بسيست ... آدمى باحذر عاقل كسيست
واعلم ان الشيطان اذا ظفر بالسالك يغره بالقوة والكمال والبلوغ الى مرتبة الرجال وانه لا يضره التصرف فى الدنيا وارتكاب بعض المنهيات بل ينفعه فى الرياء والعجب كما هو طريقة اهل الملامة
قال بعض ارباب الحقيقة يجوز ان تظهر لنفسك ما يوجب نفى دعواها من مباح مستبشع او مكروه لم يمنع دواء لعلة العجب لا محرما متفقا عليه انتهى
فليكن هذا على ذكر منك فان صوفية الزمان قد تجاوزوا الحلال الى الحرام وتركوا العهود بينهم وبين المشايخ الكرام ولم يعرفوا ان السلامة فى الاخذ بالكتاب وسنة النبى عليه السلام والتأدب بآداب وضعها الخواص من الانام لمن يطلب الدخول الى حرم اسرار الله الملك العلام : قال الحافظ
در راه عشق وسوسه اهر من بسيست ... هش دار وكوش دل ببيام سروش كن(4/443)
إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)
{ اذ } منصوب با ذكر { يقول المنافقون } من اهل المدينة من الاوس والخزرج { والذين فى قلوبهم مرض } من قريش كانوا قد اسلموا ولم يهاجروا لعدم قوة اسلامهم ولم يهاجروا لعدم قوة اسلامهم ولمنع اقربائهم اياهم من الهجرة فلما خرجت قريش الى بدر اخرجوهم معهم كرها ولما رأوا قلة عد المسلمين ارتابوا وارتدوا وقالوا لاهل مكة { غر هؤلاء } يعنون المؤمنين { دينهم } اذ خرجوا مع قلة عددهم وعددهم لحرب قريش مع كثرتهم وشوكتهم ولم يشكوا بل قطعوا بان قريشا تغلبهم لانهم زهاء الالف والمؤمنون ثلاثمائة وبضعة عشر فقال الله تعالى جوابا لهم { ومن } [ هركه ] { يتوكل على الله } اى ومن يسلم امره الى الله تعالى ويثق به وبقضائه { فان الله عزيز } غالب لا يذل من توكل عليه واستجار به وان قل { حكيم } يفعل بحكمته البالغة ما تستبعده العقول وتحار فى فهمه الباب الفحول -روى- ان الحجاج بن يوسف سمع ملبيا يلبى حول البيت رافعا صوته بالتلبية وكان اذ ذاك بمكة فقال على بالرجل فاتى به اليه فقال ممن الرجل قال من المسلمين فقال ليس عن الاسلام سألتك قال نعم سألت قال سألتك عن البلد قل من اهل اليمن قال كيف تركت محمد بن يوسف يعنى اخاه قال تركته عظيما جسيما لباسا ركابا خراجا ولاجا قال ليس عن هذا سألتك قال نعم سألت قال سألتك عن سيرته قال تركنه مظلوما غشوما مطيعا للمخلوق فقال له الحجاج ما حملك على هذا الكلام وانت تعلم مكانه منى قال الرجل أترى مكانه منك اعز منى بمكانى من الله وانا وافد بيته وزائر نبيه وقاضى دينه ومتبع دينه فسكت الحجاج ولم يجر جوابا وانصرف الرجل من غير اذن فتعلق باستار الكعبة وقال اللهم بك اعوذ وبك الوذ اللهم فرجك القريب ومعروفك القديم وعادتك الحسنة فانظر الى هاذ الرجل كيف اظهر الحق ولم يخف من المخلوق خصوصا من الحجاج الذى كان اظلم خلق الله فى زمانه حتى كسر الاعراض وسفك الدماء وفعل ما فعل الى حيث يضيق نطاق البيان عنه فلما توكل على الله واستجار به نصره الله وهو بانفراده على الحجاج كان من منافق هذه الامة
واعلم ان مرض القلوب على نوعين . نوع منه الشك فى الايمان والدين وحقيقته فذلك مرض قلوب الكفار والمنافقين . والثانى ميلها الى الدنيا وشهواتها وملاحظة الحظوظ النفسانية وهو مرض قلوب المسلمين
والاشارة فيه ان المعالجة لما يكون فى قلوب الكفار والمنافقين بالايمان والتصديق واليقين وان ماتوا فى مرضهم فهم من الهالكين . ومعالجة مرض قلوب المسلمين بالتوبة والاستغفار والزهد والطاعة والورع والتقوى وان ماتوا فى مرضهم فهم من اهل النجاة من النار بعد العذاب وشفاعة الانبياء وربما يؤدى مرصهم بترك المعالجة والاحتماء الى الهلاك وهو الكفر ألا ترى الى حال بعض المسلمين من اهل مكة لما تركوا العلاج وانقطعوا عن الطبيب وهو النبى عليه السلام وما احتموا عن الغذاء المخالف وهو قولهم غرّ هؤلاء دينهم هلكوا من الهالكين ظاهرا وباطنا
فعلى العاقل تحصيل حسن الحال قبل حلول الاجل وهو انما يكون بصحبة واصل الى الله عز وجل والله تعالى يجود على الخلق عامة فكيف على العقلاء والعشاق : قال الحافظ(4/444)
عاشق كه شدكه يار بحالش نظر نكرد ... اى خواجه دردنيست وكرنه طبيب هست
وقال آخر
مكو اصحاب دل رفتند وشهر عشق شد خالى ... جهان برشمس تبريزاست ومردى كوجو مولانا
اللهم وفقنا لما تحب وترضى وسهل علينا مداواة هذه القلوب المرضى(4/445)
وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50)
{ ولو ترى } يا محمد حال الكفرة اى لو رأيت فان لو تجعل المضارع ماضيا عكس ان { اذ يتوفى الذين كفروا الملائكة } اى حين تقبض اعوان ملك الموت ارواح الكفار ببدر فالملائكة فاعل يتوفى { يضربون } اى حال كون الملائكة يضربون بمقامع من حديد كلما ضربوا التهب النار منها { وجوههم } اى ما اقبل من اعضائهم { وادبارهم } ا ما ادبر منها { وذوقوا } اى يضربون ويقولون ذوقوا به السيف فى الدنيا { عذاب الحريق } اى العذاب المحرق الذى هو مقدمة عذاب الآخرة فهو فعيل بمعنى مفعل يقال حرقه بالنار وحرقه فاحترق وتحرق وجواب لو محذوف للايذان بخروجه عن حدود البيان اى لرأيت امرا فظيعا لا يكاد يوصف(4/446)
ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51)
{ ذلك } المذكور من الضرب والعذاب واقع { بما قدمت ايديكم } اى بسبب ما كسبتم من الكفر والمعاصى فاليد عبارة عن النفس الدراكة عبر عنها باسم اغلب آلاتها فى اكتساب الافعال { وان الله ليس بظلام للعبيد } محله الرفع على انه خبر مبتدأ محذوف والجملة اعتراض تذييلى مقرر لمضمون ما قبلها اى والامر انه تعالى ليس بمعذب لعبيده ذنب من قبلهم فلا يجازى اهل الايمان بجهنم وعذابها وانما يجازى اهل الكفر والنفاق والارتداد بظلمهم على انفسهم وسر التعبير عن نفى التعذيب بنفى الظلم مع ان تعذيبهم بغير ذنب ليس بظلم قطعا عند اهل السنة فضلا عن كونه ظلما بالغا قد مر فى سورة آل عمران
فان قلت ظلام اخص من ظالم لانه للمبالغة المقتضية للتكثير ولا يلزم من نفى الاخص نفى الاعم
قلت المراد بكثرة الظلم كثرته باعتبار كثرة متعلقة فان لفظ العبيد يدل على الكثرة فيكون ما اصابهم من الظلم كثيرا نظرا الى كثرتهم فالمنفى عن كل واحد منهم اصل الظلم . فالمعنى انه تعالى لا يظلم احدا من عبيده وايضا اذا نفى الظلم الكثير انتفى القليل لان الذى يظلم للانتفاع بالظلم فاذا تركه كثيره مع زيادة نفعه فى حق من يجوز عليه النفع والضر كان لقليله مع قلة نفعه اترك . وايضا ان الظلام للنسبة كما فى بزاز وعطار اى لا ينسب اليه ظلم البتة(4/447)
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52)
{ كدأب آل فرعون } تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم اى عادة كفار قريش فى كفرهم وعنادهم آل فرعون المشهورين بقباحة الاعمال . واصل الدأب فى اللغة ادامة العمل يقال فلان يدأب فى كذا اى يداوم عليه ويواظب ويتعب نفسه فيه ثم سميت العادة دأبا لان الانسان يداوم على عادته وآل الرجل الذين يرجعون اليه باوكد الاسباب ولهذا لا يقال لقرابة الرجل آل الرجل ولا يقال لاصحابه آله والمقصود هنا كدأب فرعون وآله اى اتباعه { والذين من قبلهم } اى من قبل آل فرعون كقوم نوح وثمود وعاد وغيرهم من اهل الكفر والعناد { كفروا بآيات الله } تفسير للدأب والآيات هى دلائل التوحيد المنصوبة فى الانفس والآفاق او معجزات الانبياء على الاطلاق { فأخذهم الله بذنوبهم } اى عاقبهم الله تعالى بسبب كفرهم وسائر معاصيهم { ان الله قوى شديد العقاب } لا يغلبه فى دفعه شيء(4/448)
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53)
{ ذلك } اى ترتب العقاب على اعمالهم السيئة دون ان يقع ابتداء مع قدرته تعالى على ذلك { بان الله } اى بسبب انه تعالى { لم يك } فى حد ذاته . واصله يكن فحذفت النون تخفيفا لشبهها بحرف اللين من حيث كونها حرف غنة فكما يحذف حرف اللين من حيث كونها حرف غنة فكما يحذف حرف اللين حال الجزم حذفت النون الساكنة ايضا للتخفيف لكثرة استعمال فعل الكون ولم يحذف فى نحو لم يصن ولم يخن لقلة استعمالها بالنسبة الى لم يكن وكثرة الاستعمال تستدعى التخفيف { مغيرا نعمة انعمها } اى لم ينبغ له سبحانه ولم يصح فى حكمته ان يكون بحيث يغير نعمة انهم بها { على قوم } من الاقوام أى نعمة كانت جلت او هانت { حتى يغيروا بما ينافيها سوآء كانت احوالهم السابقة مرضية صالحة او قريبة من الصلاح بالنسبة الى الحادثة كدأب هؤلاء الكفرة حيث كانوا قبل البعثة كفرة عبدة الاصنام مستمرين على حالة مصححة لافاضة نعمة الامهال وسائر النعم الدنيوية عليهم فلما بعث اليهم النبى عليه السلام بالبينات غيروها الى اسوأ منها واسخط حيث كذبوه عليه الصلاة والسلام وعادوه ومن تبعه من المؤمنين وتحزبوا عليهم يبغونهم الغوائل فغري الله تعالى ما انعم به عليهم من نعمة الامهال وعاجلهم بالعذاب والنكال
وقال الحدادى اطعمهم الله من جوع وآمنهم من خوف وارسل اليهم رسولا منهم وانزل عليهم كتابا بألسنتهم ثم انهم غيروا هذه النعم ولم يشكروها ولم يعرفوها من الله فغير الله ما بهم واهلكهم وعاقبهم ببدر { وان الله سميع عليم } اى وبسبب ان الله تعالى يسمع ويعلم جميع ما يأتون وما يذرون من الاقوال والافعال السابقة واللاحقة فيرتب على كل منها ما يليق بها من ابقاء النعمة وتغييرها(4/449)
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54)
{ كدأب آل فرعون } تكرير للتأكيد { والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم } وعطف قوله تعالى { واغرقنا آل فرعون } على اهلكنا مع اندراجه تحته للايذان بكمال هول الاغراق وفظاعته كعطف جبرائيل على اغلملائكة { وكل } من غرقى القبط وقتلى قريش { كانوا ظالمين } انفسهم بالكفر والمعاصى حيث عرّضوها للهلاك او واضعين للكفر والتكذيب مكان الايمان والتصديق
والاشارة ان فرعون وقومه اختصوا بالاستغراق فى بحر الهلاك عن غيرهم لادعاء فرعون الربوبية واقرار قومه وتصديقهم اياه بها وهذا غاية فساد جوهر الروحانية باستيلاء الصفات النفسانية وكل ممن كفر بالله وكذب بآياته كانوا ظالمى انفسهم لافساد استعدادهم وان لم يبلغوا . فى الظلم والكفر ما بلغ فرعون وقومه فعليك بمحافظة الاستعداد الفطرى واكثار الشكر عليه واياك وشؤم المعاملات السيئة المؤدية الى الافساد والاهلاك ولا يحملك العناد على مخالفة الحق وعدم قبوله فانه لا ينبغى لاحد خصوصا للسلاك
كسى راكه بندار درسربود ... ميندار هركزكه حق بشنود
قال الامام الغزالى قدس سره ان النعمة انما تسلب ممن لا يعرف قدرها واقتنع فى هذا الباب بمثال ملك يكرم عبدا له فيخلع عليه خاصة ثيابه ويقربه منه ويجعله فوق سائر حجابه وخدامه ويأمره بملازمة بابه ثم يأمر ان يبتنى له فى موضع آخر القصور وتوضع له الاسرة وتنصب له الموائد وتزين له الجوارى ويقام له الغلمان حتى اذا رجع من الخدمة اجلس هناك ملكا مخدوما مكرّما وما بين حال خدمته الى ملكه وولايته الا ساعة من نهار او اقل فان ابصر هذا العبد بجانب باب الملك سائسا للدواب يأكل رغيفا او كلبا يمضع عضما فجعل يشتغل عن خدمة الملك بنظره اليه واقباله عليه ولا يلتفت الى ماله من الخلع والكرامة فيسعى الى ذلك السائس ويد يده ويسأله كسرة من رغيفه او يزاحم الكلب على العظم ويعظمهما ويعظم ما هما فيه أليس الملك اذا نظر اليه على مثل هذه الحالة يقول هذا السفيه لم يعرف حق كرامتنا ولم ير قدر اعزازنا اياه بخلعنا والتقرب الى حضرتنا مع صرفنا اليه من عنايتنا وامرنا له من الذخائر وضروب الايادى ما هذا الا ساقط عظيم الجهل قليل التمييز اسلبوه الخلع واطردوه عن بابنا فهذا حال العالم اذا مال الى الدنيا والعابد اذا اتبع الهوى فعليك ايها الرجل ببذل المجهود حتى تعرف نعم الله تعالى عليك واحذر من ان تكون النعمة نقمة والولاء بلاء والعز والاقبال ادبارا واليمين يسارا فان الله تعالى غيور : وفى المثنوى
هركه شد مرشاه را او جامه وار ... هست خسران بهر شاهش اتجار
هركه باسلطان شود او همنشين ... بر درش شستن بود حيف وغبين
دست بوسش جون رسيد از بادشاه ... كر كزيند بوس باباشد كناه
كرجه سر بربانهادن خدمتست ... بيش آن خدمت خطاو زلتست
شاه را غيرت بود برهركه او ... بو كزيند بعد ازانكه ديدرو(4/450)
والمقصود ان من عرف الله وعرف قدر نعمته عليك ترك الالتفات الى الدنيا بل الى الكونين فان الله اجل من كل شيء وذكره افضل م كل ذكر وكلام -وحكى- ان سليمان بن داود عليهما السلام مر فى موكبه والطير تظله والدواب من الوحوش والانعام والجن والانس وسائر الحيوانات عن يمينه ويساره فمر بعابد من عباد بنى اسرائيل فقال والله يا ابن داود لقد آتاك الله ملكا عظيما فسمع ذلك سليمان فقال لتسبيحه فى صحيفة مؤمن خير مما اعطى ابن داود فان ما اعطى ابن داود يذهب والتسبيحة تبقى فهذا ارشاد عظيم لمن اراد الآخرة وسعى لها سعيها وتوجه الى العليا فارغا من شواغل الدنيا(4/451)
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55)
{ ان شر الدواب } اى شر ما يدب على الارض ويتحرك من الحيوانات { عند الله } اى فى حكمه وقضائه { الذين كفروا } اى اصروا على الكفر ورسخوا فيه { فهم لا يؤمنون } فلا يتوقع منهم ايمان لكونهم من اهل الطبع وجعلوا شر الدواب لا شر الناس ايماء الى انهم بمعزل عن مجانستهم وانما من جنس الدواب ومع ذلك هم منشر جميع افراده كما قال تعالى { ان هم الا كالانعام بل هم اضل }
دؤيغ آدمى زاده برمحل ... كه باشد جو انعام بل هم اضل(4/452)
الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56)
{ الذين عاهدت منهم } بدل من الموصول الاول بدل البيض للبيان او للتخصيص اى الذين اخذت منهم عهدهم فمن لابتداء الغاية { ثم ينقضون عهدهم } الذى اخذته منهم عطف على عاهدت { فى كل مرة } من مرات المعاهدة { وهم لا يتقون } اى يستمرون على النقض والحال انهم لا يتقون سيئة الغدر ولا يبالون فيه من العار والنار وهم يهود قريظة عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ان لا يعينوا عليه عدوا فنقضوا العهد واعانوا اهل مكة يوم الخندق اى ساعجوا وعاونوا وذلك انهم لما رأوا غلبة المسلمين على المشركين يوم بدر قالوا انه هو النبى الموعود بعثه فى آخر الزمان فلا جرم يتم امره ولا يقدر احد على محاربته ثم انهم لما رأوا يوم احد ما وقع من نوع ضعف المسلمين شكوا وقد كان احترق كبدهم بنار الحسد من ظهور دينه وقوة امره فركب بن اسد سيد بنى قريظة مع اصحابه الى مكه ووافقوا المشركين على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فادى ذلك الى غزوة الخندق وفيه ذم بطريق الاشارة للذين عاهدوا الله على ترك المعاصى والمنكرات ثم نقضوا العهد مرة بعد اخرى
نه مارا درميان عهد وفابود ... جفا كردى وبد عهدى نمودى
هنوزت ارسر صلحست باز آى ... كزان محبوبتر باشى كه بود(4/453)
فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57)
{ فاما تثقفنهم } ثقفته كسمعه صادفه او اخذه او ظفر به او ادركه ما فى القاموس واما مركبة من ان للشرط وا للتأكيد اى فاذا كان حالهم كما ذكر فاما تصادفنهم وتظفرنّ بهم { فى الحرب } اى فى تضاعيفها { فتشرد } فرق
قال الكاشفى [ بس رميده كردان ومتفرق ساز ] { بهم } اى بسبب قتلهم { من خلفهم } مفعول شرد اى من وراءهم من الكفرة من اعدائك ووالتشريد والطرد وتفريق الشمل وتبديد الجمع يعنى ان صادفت هؤلاء الناقضين فى الحرب افعل بهم واوقع فيهم من النكاية والقهر وما يضطرب به حالهم ويخاف منك امثالهم بحيث يذهب عنهم بالكلية ما يخطر ببالهم من مناصبتك اى معاداتك ومحاربتك { لعلهم يذكرون } اى لعل المشردين وهم من خلفهم يتعظون بما شاهدوا مما نزلوا بالمنافقين فيرتدعون عن النقض او عن الكفر
نرود مرغ سوى دانه فراز ... جون كر مرغ بيند اندر بند
بند كيراز مصائب دكران ... تانكيرند ديكرن زتو بند(4/454)
وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59)
{ واما تخافن } تعلمن فالخوف مستعار للعلم { من قوم } من المعاهدين { خيانة } نقض عهد فيما سيأتى بما لاح لك منهم من علامات الغدر { فانبذ اليهم } اى فاطرح اليهم عهدهم حال كونك { على سواء } اى ثابتا على طريق سوىّ فى العداوة بان تظهر لهم النقض وتخبرهم اخبارا مكشوفا بانك قد قطعت ما بينك وبينهم من الوصلة فلا تناجزهم الحرب وهم على توهم بقاء العهد كيلا يكون من قبلك شائبة خيانة اصلا فالجار متعلق بمحذوف وهو حال من النابذ او على استواء فى العلم بنقض العهد بحيث يستوى فيه اقصاهم وادناهم فهو حال من المنبوذ اليهم او تستوى فيه انت وهم فهو حال من الجانبين { ان الله لا يحب الخائنين } تعليل للامر بالنبذ على طريق الاستئناف كأنه قيل لم امرتنا بذلك ونهيتنا عن المحاربة قبل نبذ العهد فاجيب بذلك ويحتمل ان يكون طعنا على الخائنين الذين عاهدهم الرسول عليه السلام كأنه قيل واما تعلمن من قوم خيانة فانبذ اليهم ثم قاتلهم ان الله لا يحب الخائنين وهم من جملتهم لما علمت حالهم
واعلم ان النبذ انما يجب على الامام اذا ظهرت خيانة المعاهدين بامارات ظنية واما اذا ظهر انهم نقضوا العهد ظهورا مقطعوعا به فلا حاجة الى نبذ العهد كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم باهل مكة لما نقضوا العهد بقتل خزاعة وهم فى ذمة النبى عليه السلام ولما امر الله بنبذ العهد بقتل خزاعة وهم فى ذمة النبى عليه السلام ولما امر الله بنبذ العهد والتصريح به قبل المحاربة خطر بالبال ان يقال كيف نوقظ العدو ونعلمهم بطرع العهد اليهم قبل المحاربة مع انهم ان علموا ذلك اما ان يتأهبوا للقتال ويستجمعوا اقصى ما يمكن لهم من اسباب التقوى والغلبة او يفروا ويتخلصوا وعلى التقديرين يفوت المقصود وهو الانتقام منهم اما يكفى لصحة المحاربة معهم بغير نبذ العهد اليهم واعلامهم به ظهور امارات الخيانة منهم فازاح الله تعالى هذا المحذور بقوله { ولا يحسبن } اى لا يظن { الذين كفروا } وهو فاعل والمفعول الاول محذوف اى انفسهم حذف هربا من تكرار ذكرهم { سبقوا } مفعول ثان اى فاتوا وافلتوا من ان يظفر بهم ويدخل فيه من لم يظفر به يوم بدر وغيره من معارك القتال من الذين آذوه عليه السلام وبالغوا فى عصيانه { انهم لا يعجزون } تعليل للنهى على سبيل الاستئناف المبنى على تقدير السؤال اى لا يفوتون ولا يجدون طالبهم عاجزا عن ادراكهم على ان همزة اعجز لوجود المفعول على فاعلية اصل الفعل وهو العجز كما تفول ابخلته اذا وجده بخيلا يقال اعجزه الشيء اذا فاته واعجزت الرجل اذا وجدته عاجزا(4/455)
وفى الآية تهديد للنفوس التى اجترأت على المعاصى وهى فى الحقيقة مجترئة على الله تعالى
وعن السرى السقطى رضى الله عنه قال كنت يوما اتكلم بجامع المدينة فوقف علىّ شاب حسن الشباب فاخر الثياب ومعه اصحابه فسمعنى اقول وفى وعظى عجبا لضعيف يعصى قويا فتغير لونه وانصرف فلما كان الغد جلست فى مجلسى واذا به قد اقبل فسلم وصلى ركعتين وقال ياسرى سمعتك بالامس تقول عجبا لضعيف كيف يعصى قويا فما معناه قلت لا اقوى من الله ولا اضعف من العبد وهو يعصيه
كرجه شاطر بود حروس بجنك ... جه زند بيش زند باز روبين جنك
فنهض وخرج ثم اقبل من الغد وعليه ثوبان ابيضان وليس معه احد فقال ياسر كيف الطريق الى الله فقلت ان اردت العبادة فعليك بصيام النهار وقيام الليل وان اردت الله فاترك كل شيء سواء تصل اليه وليس الا المساجد والخراب والمقابر فقام وهو يقول والله لاسكت الا اصعب الطرق وولى خارجا فلما كان بعد ايام اقبل الى غلمان كثير فقالوا ما فعل احمد ابن يزيد الكاتب فقلت لا اعرف الا رجلا جاءنى من صفته كذا وكذا وجرى لى معه كذا وكذا ولا اعلم حاله فقالوا بالله عليك متى عرفت حاله فعرفنا ودلنا على داره فبقيت سنة لا اعرف حاله ولا اعرف له خبرا فبينا انا ذات ليلة بعد العشاء الاخيرة جالس فى بيتى اذا بطارق يطرق الباب فاذنت له فى الدخول فاذا بالفتى عليه قطعة من كساء فى وسطه واخرى على عاتقه ومعه زنبيل فيه نوى فقبل بين عينيى وقال يا سرى اعتقك الله من النار كما اعتقتنى من رق الدنيا فاومأت الى صاحبى ان امض الى اهله فاخبرهم فمضى فاذا زوجته قد جاءت ومعها ولده وغلمانه قد خلت والقت الولد فى حجره وعليه حلى وحلل وقال يا سيدى ارملتنى وانت حى وايتمت ولدك وانت حىّ قال السرى فنظر الىّ فقال يا سرى ما هذا وفاء ثم اقبل عليها وقال والله انك لثمرة فؤادى وحبيبة قلبى وان هذا ولدى لاعز الخلق على غير ان هذا السرى اخبرنى ان من اراد الله قطع كل ما سواه ثم نزع ما على الصبى فقالت المرأة لا ارى ولدى فى هذه الحالة وانتزعته منه فحين رآها قد اشتغلت به نهض وقال ضيعتم على ليلتى بينى وبينكم الله وولى خارجا وضجت الدار بالبكاء فقالت ان عاد يا سرى وسمعت له خبرا فاعلمنى فقلت ان شاء الله فلما كان بعد ايام اتتنى عجوز فقالت يا سرى بالشونيزية غلام يسألك الحضور فمضيت فاذا به مطروح تحت رأسه لبنة فسلمت عليه ففتح عينيه وقال يا سرى ترى تغفر تلك الجنايات فقلت نعم قل أيغفر لمثلى قلت نعم قال انا غريق قلت هو منجى الغرقى قال علىّ مظالم فقلت فى الخبر انه يؤتى بالتائب يوم القيامة ومعه خصومه فيقال لهم خلوا عنه فان الله تعالى يعزضكم فقال يا سرى معى دراهم من لقط النوى اذا نامت فاشتر ما احتاج اليه وكفنى ولا تعلم اهل لئلا يغيروا كفنى بحرام فجلست عنده قليلا ففتح عينيه وقال لمثل هذا فليعمل العاملون ثم مات فاخذت الدراهم فاشتريت ما يحتاج اليه ثم سرت نحوه فاذا الناس يهرعون فقلت ما الخبر فقيل مات ولى من اولياء الله تريد ان نصلى عليه فجئت فغسلته ودفناه فلما كان بعد مدة وفد اهله يستعملون خبره فاخبرتهم بموته فاقبلت امرأته باكية فاخبرتها بحاله فسألتنى ان اريها قبره قلت اخاف ان تغيروا اكفانه قالت والله فاريتها القبر فبكت وامرت باحضار شاهدين فاحضرا فا جواريها ووقفت عقارها وتصدقت بمالها لزمت قبره حتى ماتت رحمة الله عليهما(4/456)
فداى دوست نكرديم عمر ومال دريغ ... كه كار عشق زما اين قدر مى آيد(4/457)
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)
{ واعدوا } [ وآماده سازيد اى مؤمنان ] { لهم } اى لقتال الكفار وهيئوا لحرابهم { ما استطعتم } اى ما استطعتموه حال كونه { من قوة } من كل ما يتقوى به فى الحرب كائنا ما كان من خيل وسلاح وقسى وغيرها . والحصر المستفاد من تعريف الطرفين فى قوله عليه السلام « الا ان القوة الرمى » من قبيل حصر الكمال لان الرمى اكمل افراد ما يتقوى به فى الحرب -روى- ان سعد بن ابى وقاص رضى الله عنه رمى يوم احد الف سهم ما منها سهم الا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال « فداك ابى وامى يا سعد »
كره بعض العلماء كره بعض العلماء تفدية المسلم بابويه المسلمين قالوا انما فداه عليه السم بابويه لانهما كانا كافرين
قال النووى الصحيح انه جائز مكلقا لانه ليس فيه حقيقة الفداء وانما هو تلطف فى الكلام واعلام بمحبته وفى الحديث فضيلة الرمى والدعاء لمن فعل خيرا وجاء فى الحديث « ان الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه لذى يحتسب فى صنعته الخير والمهدى له والرامى به » وفى الحديث « من شاب شبيبة فى الاسلام كانت له نورا يوم القيامة ومن رمى بسهم فى سبيل الله فبلغ العدو او لم يبلغ كان له كعتق لاقبة مؤمنة كانت له فداء من النار عضوا بعضو » وفى الحديث « من مشى بين الغرضين كان له بكل خطوة حسنة » والغرض بفتح الغين المعجمة والراء بعدهما الضاد المعجمة هو ما يقصده الرماة بالاصابة وفى الحديث « كل شيء ليس من ذكر الله تعالى فهو لهو الا ربع خصال مشى الرجل بين الغرضين وتأديب فرسه وملاعبة اهله وتعليم السباحة » [ رمى برسه كونه است . رمى ظاهر به تيرو كمان . ورمى باطن به تيرآه در صبحكاه از كمان خضوع . ورمى سهام حظوظ ازدل وتوجه بحق وفراغت ازماسوى ] : قال الحافظ
نيست برلوح دلم جزالف قامت دوست ... جه كنم حرف دكر يانداد استادم
واعلم ان صاحب المجاهدة الباطنة يتقوى على فتال النفس وهواها بذكر الله تعالى فهو القهوة فى حقه { ومن رباط الخيل } فعال بمعنى مفعول كلباس بمعنى ملبوس . فرباط الخيل بمعنى خيل مربوطة كما قيل جرد قطيفة جرد اضيف العام الى الخاص للبيان او للتخصيص كخاتم فضة وعطفها على القوة مع كونها من جملتها للايذان بفضلها على بقية افرادها كعطف جبريل وميكائيل على الملائكة . ويقال ان الجن لا تدخل بيتا فيه فرس ولا سلاح وفى الحديث « من نفى شعيرا لفرسه ثم حاء به حتى يعلفه كتب الله له بكل شعيرة حسنة » والفرس برى المنامات كبنى آدم
وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان الفرس يقول اذا التقت الفئتان سبوح قدوس ربنا ورب الملائكة والروح ولذلك كان لهم فى الغنيمة سهمان وفى الحديث(4/458)
« عليكم باناث الخيل فان ظهورها حرز وبطونها كنز » وفى الحديث « من احتبس فسا فى سبيل الله ايمانا به وتصديقا بوعده فان شبعه وريه وروثه وبوله فى ميزانه يوم القيامة » يعنى كفة حسناته
قال موسى للخضر أى الدواب احب اليك قال الفرس والحمار والبعير لان الفرس مركب اولى العزم من الرسل والبعير مركب هود وصالح وشعيب ومحمد عليهم السلام والحمار مركب عيسى وعزير عليهما السلام وكيف لا احب شيأ احياه الله تعالى بعد موته قبل الحشر
واعلم ان الخيل ثلاثة . فرس للرحمن وهو ما اتخذ فى سبيل الله وقتل عليه اعداء الله . وفرس للانسان وهو ما يلتمس بطنه وهو ستر من الفقر . وفرس للشيطان وهو ما يقامر عليه ويراهن { ترهبون به } حال من فاعل اعدوا اى حال كونكم مرهبين مخوفين بالاعداد { عدو الله وعدوكم } وهم كفار مكة خصوا بذلك من بين الكفار مع كون الكل كذلك لغاية عتوهم ومجازتهم الحد فى العداوة . وفيه اشارة الى ان المجاهد الباطنى يرهب بالذكر والمراقبة اعدى العدو وهو النفس والشيطان { وآخرين من دونهم } اى ترهبون به ايضا عدوا آخرين من غيرهم من الكفرة كاليهود والمنافقين والفرس ومنهم كفار الجن فان صهيل الفرس لا يخوفهم { لا تعلمونهم } العلم بمعنى المعرفة لتعديته الى مفعول واحد ومتعلق المعرفة هو الذات اى لا تعرفونهم باعيانهم وول كان النسب كالعلم لكان المعنى لا تعرفونهم من حيث كونهم اعداء { الله يعلمهم } اى يعرفهم لا غيره تعالى
فان قلت المعرفة تستدعى سبق الجهل فلا يجوز اسنادها الى الله تعالى
قلت المراد بالمعرفة فى حقه تعالى مجرد علمه بالذوات دون النسب مع قطع النظر عن كونها مجهولة قبل تعلقه بها ودلت الآية على ان الانسان لا يعرف كل عدوله
آدمى را دشمن بنهان بسيست ... آدمىّ باحذر عاقل كسيست
{ وما } شرطية { تنفقوا من شيء } لاعداد العتاد قل اوجل { فى سبيل الله } الذى اوضحه الجهاد { يوف اليكم } اى جزاؤه كاملا { وانتم لا تظلمون } بترك الاثابة او بنقص الثواب والتعبير عن تركها بالظلم مع ان الاعمال غير موجبة للثواب حتى يكون ترك تيبه عليها ظلما لبيان كمال نزاهته سبحانه عن ذلك بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه تعالى من القبائح وابراز الاثابة فى بعض الامور الواجبة عليه تعالى -روى- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى بفرس يجعل كل خطوة منه اقصى بصره فساروا وسار معه جبريل عليه السلام فاتى على قوم يزرعون فى يوم ويحصدون فى يوم كلما حصدوا شيأ عاد كما كان فقال « يا جبريل من هؤلاء » قال هؤلاء المجاهدون فى سبيل الله تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف وما انفقوا من شيء فهو يخلفه وفى الحديث « من اعان مجاهدا فى سبيل الله اوغارما فى عسرته او مكاتبا فى رقبته اظله فى ظله يوم لا ظل الا ظله » قال الحافظ
احوال كنج قارون كايام داد برباد ... باغنجه بازكوييد نازا نهان ندارد
وقال ايضا
جه دوزخى جه بهشتى جه آدمى جه ملك ... بمذهب همه كفر طريقنست امساك(4/459)
وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)
{ وان جنحوا } الجنوح الميل ومنه الجناح لان الطائر يميل به الى أى جهة شاء ويعدى باللام والى اى مال الكفار { للسلم } للصلح والاستسلام بوقوع الرهبة فى قلوبهم بمشاهدة ما لكم من الاستعداد واعتاد العتاد { فاجنح لها } اى للسلم والتأنيث لحمله على نقيضه الذى هو الحرب وهى مؤنثة او لكونه بمعنى المسالمة اى مصالحة { وتوكل على الله } اى لا تخف من ابطان مكرهم فى الصلح فان الله يعصمك { انه هو السميع } فيسمع ما يقولون فى خلواتهم من مقالات الخداع { العليم } فيعلم نياتهم فيؤاخذهم بما يستحقونه ويرد كيدهم فى نحرهم والآية عامة لاهل الكتاب وغيرهم . والامر فى قوله فاجنح للاباحة والامر فيه مفوض لرأي الامام وليس يجب عليه ان يقاتلهم ابدا ولا ان يسعفهم الى الصلح عند طلبهم ذلك ابدا بل يبنى الامر على ما فيه صلاح المسلمين فاذا كان للمسلمين قوة فلا ينبغى ان يصالحهم وينبغى ان يحاربهم حتى يسلموا او يعطوا الجزية وان رأى المصلحة فى المصالحة ومال اليها لا يجوز ان يصالحهم سنة كاملة الا اذا كانت القوة والغلبة للمشركين فحينئذ جاز له ان يصالحهم عشر سنين ولا تجوز الزيادة عايها اقتداء برسول صلى الله عليه وسلم فانه عليه السلام فعل كذلك ثم انهم نقضوا العهد قبل تمام المدة وكان ذلك سببا لفتح مكة(4/460)
وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)
{ وان يريدوا } اى الذين يطلبون منك الصلح { ان يخدعوك } باظهار الصلح لتكف عنهم { فان حسبك الله } فان محسبك الله وكافيك من شرورهم وناصرك عليهم يقال احسبنى فلان اى اعطانى حتى اقول حسبى { هو الذى ايدك بنصره } اى قواك بامداد من عنده بلا واسطة سبب معلوم مشاهد { وبالمؤمنين } من المهاجرين والانصار ثم انه تعالى ين كيف ايده بالمؤمنين فقال { الف بين قلوبهم } [ وبيوند افكند بدوستى ميان دلهاى ايشان ] مع ما كان بينهم قبل ذلك من العصبية والضغينة والتهالك على الانتقام بحيث لا يكاد يأتلف فيهم قلبان وكان اذا لطم رجل من قبيلة لطمه قاتل عنها قبيلته حتى يدركوا ثاره فكان دأبهم الخصومة الدائمة والمحاربة ولا تتوقع بينهم الالفة والاتفاق ابدا فصاروا بتوفيه تعالى كنفس واحدة هذا من ابهر معجزاته عليه السلام
قال الكاشفى [ اوس وخزرج صد وبيست سال درميان ايشان تعصب وستيزه بود همواره بقتل وغارت هم اشتغال مى نمودند حق تعالى ببركت تودلهاى ايشانرا الفت داد ]
يك حرف صوفيانه بكويم اجازتست ... اى نور ديده صلح به ازجنك آورى
{ لو انفقت ما فى الارض جميعا } اى لتأليف ما بينهم { ما الفت بين قلوبهم } اى تناهت عداوتهم الى حد لو انفق منفق فى اصلاح ذات بينهم جميع ما فى الارض من الاموال والذخائر لم يقدر على التأليف والاصلاح { ولكن الله الف بينهم } قلبا وقالبا بقدرته الباهرة فانه المالك للقلوب فيقبلها كيف يشاء { انه عزيز } كامل القدرة والغلبة لا يستعصى عليه شيء مما يريده { حكيم } يعلم كيفية تسخير ما يريده
واعلم ان التودد والتألف والموافقة مع الاخوان مع ائتلاف الارواح وفى الحديث « المؤمن الف مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف » وفى الحديث « مثل المؤمنين اذا التقيا مثل اليدين تغسل احداهما الاخرى وما التقى المؤمنان الا استفاد احدهما من صاحبه خيرا »
وقال ابو ادريس الخولانى لمعاذ انى احبك فى الله فقال ابشر ثم ابشر فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « تنصب لطائفة من الناس كراسى حول العرش يوم القيامة وجوههم كالقمر ليلة البدر يفزع الناس وهم لا يفزعون ويخاف الناس وهم لا يخافون وهم اولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون » فقيل من هؤلاء يا رسول الله فقال « المتحابون فى الله » قيل لو تحاب الناس وتعاطوا المحبة لاستغنوا بها عن العدالة فالعدالة خليفة المحبة تستعمل حيث لا توجد المحبة . وقيل طاعة المحبة افضل من طاعة الرهبة فان طاعة المحبة من داخل وطتعة الرهبة من خارج ولهذا المعنى كانت صحبة الصوفية مؤثرة من البعض فى البعض لانهم لما تحابوا فى الله تواصوا بمحاسن الاخلاق ورفع القبول لوجود المحبة فانتفع لذلك المريد بالشيخ والاخ بالاخ ولهذا المعنى امر الله تعالى باجتماع الناس فى كل يوم خمس مرات فى المساجد من اهل كل درب وكل محلة وفى الجامع فى الاسبوع مرة من اهل كل بلد وانضمام اهل السواد الى البلدان فى الاعياد فى جميع السنة مرتين واهل الاقطار من البلدان فى العمر مرة للحج كل ذلك لحكم بالغة منها تأكيد الالفة والمودة بين المؤمنين وفى الحديث(4/461)
« ألا ان مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم كمثل الجسد اذا اشتكى بعضه تداعى سائره بالسهر والحمى » قال السعدى قدس سره
بنى آدم اعضاى يكديكرند ... كه در آفرينش زيك جوهرند
جو عضوى بدرد آورد روزكار ... دكر عضوهارا نماند قرار
والتألف والتودد يؤكد الصحبة مع الاخيار مؤثرة جدا بل مجرد النظر الى اهل الصلاح يؤثر صلاحا والنظر فى الصور يؤثر اخلاقا مناسبة لخلق المنظور اليه كدوام النظر الى المحزون يحزن ودوام النظر الى المسر وريسر . وقد قيل من لا ينفعك لحظه لا ينفعك لفظه والجمل الشرود ويصير ذلولا بمقارنة الجمل الذلول فالمقارنة لها تأثير فى الحيوان والنبات والجماد والماء والهواء يفسدان بمقارنة الجيف والزروع تنقى من انواع العروق فى الارض والنبات لموضع الافساد بالمقارنة واذا كانت المقارنة مؤثرة فى هذه الاشياء ففى الصور الشريفة البشرية اكثر تأثيرا . وقيل سمى الانسان انسانا لانه يأنس بما يراه من خير او شر والتألف والتودد مسنجلبان للمزيد وانما العزلة الوحدة تحمد بالنسبة الى اراذل الناس واهل الشر فاما اهل العلم والصفاء والوفاء والاخلاق الحميدة فتغتنم مقارنتهم والاستئناس بهم استئناس بالله تعالى كما ان محبتهم من محبة الله تعالى والجامع معهم رابطة الحق ومع غيرهم رابطة الطبع فالصوفى من غير الجنس كائن معاين والمؤمن مرآة المؤمن اذا التقى مع اخيه يستشف من وراء اقواله واعماله واحواله تجليات آلهية وتعريفات وتلويحات من الله الكريم خفية غابت عن الاغيار وادركها اهل الانوار كذا فى عوارف المعارف
يقول الفقير اصلحه الله القدير سمعت من بعض العلماء المتورعين والمشايخ المتزهدين ممن له زوجتان متباغضتان انه قال قرأت هذه الآية وهو قوله تعالى { وهو الذى ايدك } الى آخرها على ماء فى كوز ونفخت فيه ثم اشربته اياهما فوقع التودد والالفة بينهما باذن الله تعالى وزال التباغض والتنافر الى الآن(4/462)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64)
{ يا ايها النبى } المخبر عن الله تعالى المرتفع شأنه { حسبك الله } اى كافيك فى جميع امورك ومناتبعك من المؤمنين } الواو بمعنى مع اى كفاك وكفى اتباعك ناصرا كقولك حسبك وزيدا درهم او عطف على اسم الله تعالى اى كفاك الله والمؤمنون والكافى الحقيقى هو الله تعالى واسناد الكفاية الى المؤمنين لكونهم اسبابا ظاهرة لكفاية اله تعالى
والآية نزلت بالبيداء فى غزوة بدر قبل القتال تقوية للحضرة النبوية وتسلية للصحابة رضى الله عنهم فالمراد بالمؤمنين الانصار
وقال ابن عباس رضى الله عنهما نزلت فى اسلام عمر رضى الله عنه فتكون الاية مكية كتبت فى سورة مدنية بامر رسول الله صلى الله عليه وسلم -روى- انه اسلم مع النبى عيه السلام ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة ثم اسلم عمر رضى الله عنه فكمل الله الاربعين باسلامه فنزلت وكان صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول « اللهم اعز الاسلام » وفى رواية « ايد الاسلام باحد الرجلين اما بابى جهل بن هشام واما بعمر بن الخطاب » وكان دعاؤك بذلك يوم الاربعاء فاسلم عمر رضى الله عنه يوم الخميس وكان وقتئذ ابن ست وعشرين سنة وسقه حمزة بن عبد المطلب بالاسلام بثلاثة ايام او بثلاثة اشهر -روى- انه لما نزل قوله تعالى { انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم انتم لها واردون } قال ابو جهل بن هشام وكان يكنى فى الجاهلية يابى الحكم لانهم يزعمون انه عالم ذو حكمة ثم كناه النبى عليه السلام بابى جهل وغلبت عليه كنيته وكان خال عمر لان ام عمر اخت ابى جهل لان ام عمر بنت هشام بن المغيرة والد ابى جهل فابو جهل خال عمر اولان ام عمر بنت عم ابى جهل وعصبة الام اخوال الابن فلما قام خطب فقال يا معشر قريش ان محمدا قد شتم آلهتكم وسفه احلامكم وزعم انكم وآباءكم وآلهتكم فى النار فهل من رجل يقتل محمدا وله على مائة ناقة حمراء وسوداء والف اوقية من فضة فقام عمر بن الخطاب وقال أتضمن ذلك يابا الحكم فقال نعم يا عمر فاخذ عمر بيد ابى جهل ودخلا الكعبة وكان عندها صنم عظيم يسمونه هبل فتحالفا عنده واشهدا على انفسهما هبل فانهم كانوا اذا ارادوا امرا من سفر او حرب او سلم او نكاح لم يفعلوا شيأ حتى يستأمروا هبل ويشهدوه عليه وتلك الاصنام التى كانت حوله كانت الف صنم وخمسمائة صنم ثم خرج عمر متقلدا سيفه منتكبا كنانته اى واضعا لها فى منكبه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النبى عليه السلام مختفيا مع المؤمنين فى دار الارقم رضى الله عنه تحت الصفا يعبدون الله تعالى فيها ويقرأون القرآن فلما أتى الى البيت الذى هم فيه قرع الباب فنظر اليه رجل من خلال الباب فرآه متوحشا سيفه فرجع الى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو فزع فقال يا رسول الله هذا عمر بن الخطاب متوحشا سيفه ولم يرد الا سفك الدم وهتك العرض فقال حمزة فائذن له فان جاء يريد بذلنا له وان جاء يريد شرا قتلناه بسيفه فاذن له فى الدخول فلما رأى النبى عليه السلام قال(4/463)
« ما انت منتهى يا عمر حتى ينزل الله بك قارعة » ثم اخذ بساعده او بمجامع ثوبه وحمائل سيفه وانتهره فارتعد عمر هيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس فقال اعرض علىّ الاسلام الذى تدعو اليه فقال النبى عليه السلام « تشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله » فقال اشهد ان لا اله الا الله وانك رسول الله فكبر المسلمون تكبيرة سمعت بطرق مكة وضرب النبى عليه السلام صدر عمر بيده حين اسلم ثلاث مرات وهو يقول « اللهم اخرج ما فى صدر عمر من غل وابد له ايمانا » ونزل جبرائيل عليه السلام فقال يا محمد لقد استبشر اهل السماء باسلام عمر ولما اسلم قل المشركون لقد انتصف القوم منا وقيل له رضى الله عنه ما تسميه النبى عليه السلام لك بالفاروق قال لما اسلمت والنبى عليه السلام واصحابه مختفون قلت يا رسول اله ألسنا على الحق ان متنا وان حيينا قال « بلى » فقلت ففيم الاختفاء والذى بعثك بالحق ما بقى مجلس كنت اجلس فيه بالكفر الا ظهرت فيه الاسلام غير هائب ولا خائف والله لا نعبد الله سرا بعد اليوم فخرج ينادى لا اله الا الله محمد رسول الله حتى دخل المسجد ثم صاح مسمعا لقريش كل من تحرك منكم لامكنن سيفى منه ثم تقدم امام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف والمسلمون ثم صلوا حول الكعبة وقراوا القرآن جهرا كانوا قبل ذلك لا يقدرون على الصلاة عند الكعبة ولا يجهرون بالقرآن فسماه النبى عليه السلام الفاروق لانه فرق الله به الحق والباطل . وجاء بسند حسن « ان اول من جهر بالاسلام عمر بن الخطاب » وكان عمر شديدا من حيث مظهريته للاسم الحق وجاء « ما ترك الحق لعمر من صديق »
لما لزمت النصح والتحقيقا ... لم يتركا لى فى الوجود صديقا
قال اسماعيل بن حماد بن ابى حنيفة كان لنا جار طحان رافضىّ ملعون وكان له بغلان سمى احدهما ابا بكر والآخر عمر فرمحه ذات ليلة احد البغلين فقتله فاخبر جدى ابو حنيفة فقال انظروا فانى اخال ان البغل الذى اسمه عمر هو الذى رمحه فنظروا فكان كما قال(4/464)
واستأذن عمر رضى الله عنه فى العمرة فاذن عليه السلام وقال « يا اخى لا تنسنا من دعائك » قال ما احب ان لى بقوله يا اخى ما طلعت عليه الشمس وجاء « او لمن يصافحه الحق عز وجل عمر بن الخطاب واول من يسلم عليه » وجاء « لو كان بعدى نبى لكان عمر بن الخطاب » وجاء « ان الله تعالى ايدنى باربعة وزراء اثنين من اهل السماء جبرائيل وميكائيل عليهما السلام واثنين من اهل الارض ابى بكر وعمر رضى الله عنهما » فكانا بمنزلة الوزيرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عليه الصلاة والسلام يشاورهما فى الامور كلها وفيهما نزل { وشاورهم فى الامر } وجاء « انه كان فيما مضى قبلكم من الامم محدثون » المحدث بفتح الدال المشددة هو الذى يلقى فى نفسه الشيء فيخبر به فراسة ويكون كما قال وكأنه حدث الملا الاعلى وهذه منزلة جليلة من منازل الاولياء « فانه ان كان فى امتى هذه فهو عمر بن الخطاب » لم يرد النبى عليه السلام بقوله ان كان فى امتى التردد فى ذلك فان امته افضل الامم فاذا وجد فى غيرها محدثون ففيها اولى بل اراد به التأكد لفضل عمر كما يقال ان يكن لى صديق فهو فلان يرد بذلك اختصاصه بكمال الصداقة لا نفى سائر الاصدقاء وقد قيل فى فضيلة عمر
له فضائل لا تخفى على احد ... الا على احد لا يعرف القمرا
وجاء « انه يا ابن الخطاب والذى نفسى بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط الا سلك فجا غير فجك » والفج طريق واسع . وفيه دليل على علة درحة عمر رضى الله عنه حيث لا يقدر الشيطان ان يسلك طريقا فيه عمر والطريق واسع فكيف يتصور ان يجرى منه مجرى الدم كما يجرى فى سائر الخلق . وفيه تنبيه على صلابته فى الدين واستمرار حاله على الحق المحض . وكان نقش خاتم ابى بكر نعم القادر الله وكان نقش خاتم عمر كفى بالموت واعظا يا عمر . وكان نقش خاتم عثمان آمنت بالله مخلصا . وكان نقش خاتم على رضى الله عنه الملك لله . وكان نقش خاتم ابى عبيدة بن الجراح الحمد لله هذا هو النقش الظاهر المضاف الى البدن واما نقش الوجود فنفسه فقد قيل
كرت صورت حا بد يانكوشت ... نكاريده دست تقدير اوست
وقيل
نقش مستورى ومستى نه بد بدست من وتست ... آنجه سلطان ازل كفت بكن آد كردم
نسأل اله تعالى ان يحفظ نقش ايماننا فى لوح القلب من مس يد الشك والريب ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب واجعلنا من اهل الايقان الذين قلت فيهم { اولئك كتب فى قلوبهم الايمان } فما نقشه قبضة جمالك لا يطرأ عليه محو من جلالك وان تطاول الزمان وامتد عمر الانسان(4/465)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)
{ يا ايها النبى } يا رفيع القدر { حرض المؤمنين على القتال } اى بالغ فى حثهم على قتال الكفار ورغبتهم فيه بوعد الثواب او التنفيل عليه . والتحريض على الشيء ان يحث الانسان غيره ويحمله على شيء حتى يعلم منه انه تخلف عنه حارضا اى قريبا من الهلاك فتكون الآية اشارة الى ان المؤمنين لو تخلفوا عن القتال بعد حث النبى عليه السلام اياهم على القتال لكانوا حارضين مشرفين على الهلاك والحث انما يكون بعد الاقدام بنفسه ليقتدى القوم به ولهذا كان النبى عليه السلام اذا اشتدت الحرب اقرب الى العدو منهم كما قال رضى الله عنه كنا اذا احر البأس ولقى القوم اتقينا برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فما يكون احد اقرب الى العدو منه : قال السلطان سليم فاتح مصر
كرلشكر عدو بود از قاف تابقاف ... بالله كه هيج روى نمى از مصاف
جون آفتاب ظلمت كفر از جهان برم ... كاهى جو صبح تيغ برون آرم از غلاف
وفى الآية بيان فضله الجهاد والا لما وقع الترغيب عليه وفى الحديث « ما جميع اعمال العباد عند المجاهدين فى سبيل الله الا كمثل خطاف اخذ بمنقاره من ماء البحر » { ان يكن منكم } ايها المؤمنون { عشرون صابرون } فى معارك القتال { يغلبوا مائتين وان يكن منكم مائة يغلبوا الفا من الذين كفروا } بيان للالف وهذا القيد معتبر فى المائتين ايضا كما ان قيد الصبر معتبر فى كل من المقامين { باهم لا يفقهون } متعلق بيغلبوا اى بسبب انهم قوم جهلة بالله وباليوم الآخر لا يقاتلون احتسابا وامتثالا لامر الله واعلاء لكلمته وابتغاء لمرضاته وانما يقاتلون للحمية الجاهلية واتباع الشهوات وخطوات الشيطان واثارة نائرة البغى والعدوان فيستحقون القهر والخذلان وهذا القول وعد كريم منه تعالى متضمن لايجاب مقاومة الواحد للعشرة وثباتهم بهم . وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة فى ثلاثين راكبا فلقى ابا جهل فى ثلاثمائة راكب فهزمهم فثقل عليهم ذلك وضجوا منه بعد مدة فنسخ الله هذا الحكم بقوله { الآن خفف الله عنكم } ففرض على الواحد ان يثبت لرجلين
قال ابن عباس رضى الله عنهما من فر من ثلاثة لم يفر ومن فر من اثنين فقد فر اى ارتكب المحرم وهو كبير الفرار من الزحف
قال الحدادى وهذا اذا كان للواحد المسلم من السلاح والقوة ما لكل واحد من الرجلين الكافرين كان فارا . واما اذا لم يكن لم يثبت حكم الفرار { وعلم ان فيكم ضعفا } اى ضعف البدن
قال التفتازانى تقييد التخفيف بقوله الآن ظاهر الاستقامة لكن فى تقييد العلم به اشكال توهم انتفاء العلم بالحادث قبل وقوعه .(4/466)
والجواب ان العلم متعلق به ابدا اما قبل الوقوع فبانه سيقع وحال الوقوع بانه يقع وبعد الوقوع بانه وقع
وقال الحدادى وعلم فى الازل ان فى الواحد منكم ضعفا عن قتال العشرة والعشرة عن قتال المائة والمائة عن قتال الالف { فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وان لم يكن منكم الف يغلبوا الفين باذن الله } بتيسيره وتسهيله وهذا القيد معتبر فيما سبق ايضا ترك ذكره تعويلا على ذكره ههنا { والله مع الصابرين } بالنصر والتأييد فكيف لا يغلبون وما تشعر به كلمة مع متبوعية مدخولها لاصالتهم من حيث انهم المباشرون للصبر دلت الاية على ان من صبر ظفر فان الصبر مطية الظفر
صبر وظفر هردو دوستان قديمند ... صبر كن اى دل كه بعد زان ظفر آيد
از جمن صبر رخ متاب كه روزى ... باغ شود سبز وشاخ كل ببرآيد
قال السلطان سليم الاول
سليمى خصم سيه دل جه داند اين حالت ... كه از ظهور آلهيست فتح لشكرما
قال فى التأويلات النجمية فى قوله تعالى { باذن الله } يعنى ان الغلبة والظفر ليس من قوتكم لانكم ضعفاء وانما هو بحكم الله الازلى ونصره . واما الاقوياء وهم محمد عليه السلام { والذين معه اشداء على الكفار } لقوة توكلهم ويقينهم وفه قلوبهم لا يفر واحد منهم من مائة من العدو كما كن حال النبى عليه السلام ومن معه من اهل القوة على ما قال عباس بن عبد المطلب شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين لم افارقه ورسول الله على بغلة بيضاء فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين فطفق النبى عليه السلام يركض بغلته قبل الكفار وانا آخذ بلجام بغلته اكفها ارادة ان لا يسرع وابو سفيان آخذ بركاب رسول الله فلما كان رسول الله ومن معه صابرين اولى قوة لم يفروا مع القوم : قال السلطان سليم
سيمرغ جان ماكه رميدست ازدوكون ... منت خدايرا كه بجان رام مصطفاست
وفى ترجمة وصايا الفتوحات الملكية [ آدمى از جهت انسانيت مخلوقست برهلع وبردلى واما از روى ايمان مخلوقست برقوت وشجاعت واقدام ودر روايت آمده است بعضى او صحابه رسول الله عليه السلام رسول اورا خبر داده بود كه تو والى شوى در مصر وحكم كنى وقتى قلعه را حصار كرده بودند وآن صحابى نيز درميان بود سائر اصحابرا كفت مرا دركفه منجنيق نهيد وسوى كفار در قلعه انداز بدجون من آنجار سم قتال كنم ودر حصار بكشايم جون از سبب اين جرأت برسيدند كفت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مرا خبر داده است كه در مصر والى شوم وهنوز نشدم يقين ميدانم كه نميرم تاوالى نشوم فهم كن كه قوت ايمان اينست والازروى عرف معلومست كه جون كسى را در كفه منجنيق نهند وبيندازند حال اوجه باشد بس دل مؤمن قوى ترين دلهاست ] ألا انما الانسان عمد لقلبه ولا خير فى غمد اذا لم يكن نصل وجاء فى دعاء النبى عليه السلام « اللهم انى اعوذ بك من الشك فى الحق بعد اليقين واعوذ بك من الشيطان الرجيم واعوذ بك من شر يوم الدين » قال بعضهم العمل سعى الاركان الى الله والنية سعى القلوب الى الله تعالى والقلب ملك والاركان جنوده ولا يحارب الملك الا بالجنود ولا الجنود الا بالملك(4/467)
مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67)
{ ما كان } ما صح ما استقام { لنبى } من الانبياء عليهم السلام { ان يكون له اسرى } اى يثبت له فكان هذه تامة . واسرى جمع اسير كجرحى جمع جريح واسارى جمع الجمع -روى- انه عليه السلام اتى يوم بدر بسبعين اسيرا فيهم العباس وعقيل بن ابى طالب فاستشار فيهم فقال ابو بكر هم قومك واهلك استبقهم لعل الله يهديهم الى الاسلام وخذ منهم فدية وتقوى بها اصحابك وقال عمر كذبوك واخرجوك من ديارك وقاتلوك فاضرب اعناقهم فانهم ائمة الكفر مكنى من فلان لنسيب له ومكن عليا من عقيل وحمزة من العباس فلنضرب اعناقهم فلم يهو ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال « ان الله ليلين قلوب رجال حتى تكون الين من اللبن وان الله ليشدد قلوب الرجال حتى لا تكون اشد من الحجارة وان مثلك يابا بكر مثل ابراهيم قال فمن تبعنى فانه منى ومن عصانى فانك غفور رحيم ومثلك يا عمر مثل نوح قال لا تذر على الارض من الكافرين ديارا » فخير اصحابه بان قال لهم « ان شئتم قتلتوهم وان شئتم اطلقتموهم » بان بان تأخذوا من كل اسير عشرين اوقية والاقية اربعون درهما فى الدراهم وستة دنانير فى الدنانير « الا ان يشهد منكم بعدتهم » فقالوا بل ناخذ الفداء ويدخل منا الجنة سبعون وفى لفظ ويستشهد مناعدتهم فاستشهدوا يوم احد بسبب قولهم هذا واخذهم الفداء فنزلت الآية فى فداء اسارى بدر فدخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا هو وابو بكر يبكيان فقال يا رسول الله اخبرنى فان اجد بكاء بكيت والا تباكيت فقال « ابكى على اصحابك فى اخذهم الفداء ولقد عرض علىّ عذابهم ادنى من هذه الشجرة » لشجرة قريبة منه
قال فى السيرة الحلبية اسرى بدر منهم من فدى ومنهم من خلى سبيله من غير فداء وهو ابو العاص ووهب بن عمير ومنهم من قتل وهو النضر بن الحارث وعقبة بن ابى معط { حتى يثخن فى الارض } يكثر القتل ويبالغ فيه حتى يذل الكفر ويقل حزبه ويعز الاسلام ويستولى اهله وحتى لانتهاء الغاية فدل الكلام على ان له ان يقدم على الاسر والشد بعد حصول الاثخان وهو مشتق من الثخانة وهى الغلطة والكثافة فى الاجسام ثم استعير فى كثرة القتل والمبالغة فيه لان الامام اذا بالغ فى القتل يكون العدو كشيء ثقيل يثبت فى مكانه ولا يقدر على الحركة يقال اثخنه المرض اذا اضعفه واثقله وسلب اقتداره على الحركة { تريدون عرض الدنيا } استئناف مسوق للعتاب اى تريدون حطامها باحذكم الفداء وسمى المال عرضا لقل لبثه فمنافع الدنيا وما يتعلق بها لاثبات لها ولا دوام فصارت كأنها تعرض ثم تزول والخطاب لهم لا لرسول الله صلى الله عليه وسلم واجله اصحابه فان مراد ابى بكر كان اعزاز الدين وهداية اسارى وفيه اشارة الىن اخذ الفداء من اسارى المشركين ما كان شيمة للنبى عليه السلام ولا لسائر الانبياء فانه رغبة فى الدنيا ومن شيمة النبى عليه السلام انه قال(4/468)
« مالى وللدنيا »
كين جهان جيفه است ومردار ورخيص ... بر جنين مردار جون باشم حريص
وانما رغب فى بعضهم بعد ان شاورهم بامر الله تعالى اذا مره بقوله وشاورهم فى الامر { والله يريد الآخرة } يريد لكم ثةاب الآخرة الذى لا مقدار عنده للدنيا وما فيها
قال سعدى جلبى المفتى لعل المراد والله اعلم والله يرضى فاطلق الارادة على الرضى على سبيل المشاكلة فلا يرد ان الآية تدل على عدم وقوع مراد الله تعالى خلاف مذهب اهل السنة { والله عزيز } يغلب اولياؤه على اعدائه { حكيم } يعلم بما يليق بكل حال ويخصها به كما امر بالاثخان ومنع عن الافتداء حين كانت الشوكة للمشركين وخير بينه وبين المنّ بقوله تعالى { فاما منا بعد واما فدآء } لما تحولت الحال وصار الغلبة للمؤمنين
قال بعضهم دلت الآية على ان الانبياء مجتهدون لان العتاب الذى فيها لا يكون فيما صدر عن وحى ولا فيما كان صوابا وانه قد يكون خطأ ولكن لا يتركون عليه بل ينبهون على الصواب(4/469)
لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68)
{ لولا كتاب من الله سبق } لولا حكم من الله سبق اثباته فى اللوح المحفوظ وهو ان لا يعاقب المخطئ فى اجتهد . وان لا يعذب اهل بدر او قوما لا يصرح لهم بالنهى
وفى التأويلات النجمية { لولا كتاب من الله سبق } باستبقاء هؤلاء الاسارى ليؤمن بعضهم ويؤمن اولاد بعضهم وذراريهم { لمسكم } اى لاصابكم { فيما اخذتم } اى لاجل ما اخذتم من الفداء { عذاب عظيم } لا يقادر قدره -روى- انه عليه السلام قال « لو نزل العذاب لما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ » وذلك لانه ايضا اشار بالاتخان . وفيه دليل على انه لم يكن احد من المؤمنين ممن حضر بدرا الا احب اخذ الفداء غيرهما
قال عبد الله بن عمر ما نزل بالناس امر فقال الناس وقال عمر الا نزل القرآن على نحو ما قال عمر وفى الحديث « ان الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه » وقد وافق الوحى فى مواضع منها ما فى هذه القصة ومنها انه قال يا رسول الله ان نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو امرتهن ان يحتجبن فنزلت آية الحجاب واجتمعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الغيرة فقال لهن عسى ربه ان طلقكن ان يبدله ازواجا خيرا منكن(4/470)
فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)
{ فكلوا مما غنمتم } -روى- انهم امسكوا عن الغنائم فكلوا ما غنمتموه [ از آنجه غنيمت كرفتيد وفديه ازان جمله است ] { حلالا } حال من المغنوم وفائدته ازاحة ما وقع فى نفوسهم من عدم حل المغنوم بسبب تلك المعاتبة فان من سمع العتاب المذكور وقع فى قلبه اشتباه فى امر حله { طيبا } الطيب المستلذ ويوصف الحلال بذلك على التشبيه فان المستلذ ما لا يكون فيه كراهية فى الطبع وكذا الحلال ما لا يكون فيه كراهية فى الدين { واتقوا الله } اى فى مخالفة امره ونهيه { ان الله غفور رحيم } فيغفر لكم ما فرط منكم من استباحة الفداء قبل ورود الاذن فيه ويرحمكم ويتوب عليكم اذا اتقيتموه
قال الكاشفى [ رحيم مهر بانست كه غنيمت برشما حلال كرده وبرامم ديكر حرام بوده ] كما قال ابن عباس رضى الله عنهما كانت الغنائم حراما على الانبياء فكانوا اذا اصابوا مغنما جعلوه للقربان فكانت تنزل نار من السماء فتأكله ولله تعالى عنايات لهذه الامة لا تحصى -روى- عن النبى عليه السلام انه قال لآدم ليلة المعراج « انت خير الناس لان الله تعالى قد فعل معك ستى اشياء . خلقك بيده . واكرمك بالعلم . واسجد لك ملائكته . ولعن من لم يسجد لك . وكرمك بامرأة منك حواء . واباح لك الجنة بحذافيرها » فقال لا بل انت خير الناس لانه اعطاك ستة اشياء لم يعطها احد غيرك . جعل شيطانك مسلما . وقهر عجوك . وعطاك زوجة مثل عائشة تكون سيدة نساء الجنة . واحيى جميع الانبياء لاجلك . وجعلك مطلعا على سرائر امتك
واعمل امتك بستة اشياء . اولها اخرجنى من الجنة بكعصية واحدة ولا يخرج امتك من المسجد بالمعصية . ونزع منى الحلة لم ينزع الستر من امتك . وفرق عنى زوجتى ولا يفرق عن امتك ازواجهم . زنقص من قامتى ولا ينقص من قامتهم وفضحنى بقوله وعصى آدم وستر على امتك . وبكيت مائتى سنة حتى غفر لى ويغفر لامتك بعذر واحد : قال السعدى قدس سره
محالست اكر سر برين درنهى ... كه باز آيدت دست حاجت نهى
بضاعت نياورد الا اميد ... خدايا زعفوم مكن ن اميد
وينبغى للمؤمن ان يأخذ الحذر فان عتاب الله تعالى اذا كان بهذه المرتبة فى صورة الخطأ فى الامور الاجتهادية فما ظنك فى عتابه بل بعقابه فىلامور العمدية المخالفة لكتاب الله تعالى ألا ترى ان الهدهد لما خالف سليمان فى الغيبة استحق التهديد والزجر والعقوبة فانك ان خالفت امر سلطانك تستحق العقوبة فان انت واظبت على الخدمة والطاعة اقمت عذرك وفى القصة بيان لزوم البكاء عند وقوع الخطأ لان النبى صلى الله عليه وسلم وابا بكر رضى الله عنه بكيا
قيل ان النار تقرب يوم القيامة ويقول اضربه على وجهها فيضر به فتفر النار فيقول « يا جبرائيل من اين هذا الماء » فيقول انه من دموع العصاة : وفى المثنوى
تانكريد ابر كى خنند جمن ... تانكريد طفل كى جوشد لبن
طفل يك روزه همى داند طريق ... كه بكريم تارسد دايه شفيق
تونمى دانى كه دايه دايكان ... كم دهد بى كريه شير اورا يكان
جون بر آرند ازبشيمانى انين ... عرش لرزد ازانين المذنبين(4/471)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70)
{ يا ايها النبى } من الالقاب المشرفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم اى ايها المخبر عن الله وعن احكامه { قل لمن فى ايديكم من الاسرى } جمع اسير -روى- انها نزلت فى العباس ابن عبد المطلب عم النبى عليه السلام وكان اسر يوم بدر وكان احد العشرة الذين ضمنوا اطعام من خرج من مكة لحماية البعير وكان يوم بدر قد خرج بعشرين اوقية من ذهب ليطعم بها الكفار فوقع القتال قبل ان يطعم بها وبقيت العشرون اوقية معه فاخذت منه فى الحرب فكلم النبى عليه السلام فى ان يحتسب العشرين اوقية من فدائه فابى وقال « اما شيء خرجت تستعين به علينا فلا اتركه لك » فكلفه ان يفدى نفسه بمائة اوقية زائدا على فداء غيره لقطع الرجم وكلفه ان يفدى ايضا ابنى اخويه عقيل بن ابى طالب ونوفل بن الحارث كل واحد باربعين اوقية فقال يا محمد تركتنى اى صيرتنى اتكفف قريشا ما بقيت والتكفف هوان يمد كفه يسأل الناس يعنى غنم المسلمون مالى وما بقى لى شيء حتى افدى نفسى وابنى اخوى فقال « فاين الذهب الذى دفعته الى ام الفضل » يعنى زوجته « وقت خروجك من مكة وقلت لها انى لا ادرى ما يصيبنى فى وجهى فان حدث بى حدث فهو لك ونعبد الله والفضل وقتم » وهم ابناؤه فقال العباس وما يدريك قال « اخبرنى به ربى » قال اشهد انك صادق وان لا اله الا الله وانك رسول الله والله لم يطلع عليه احد الا الله ولقد دفعته اليها فى سواد الليل ولقد كنت مرتابا فى امرك فاما اذا اخبرتنى بذلك فلا ريب . والآية وان نزلت فى حق العباس خاصة الا ان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب اى قل للعباس وعقيل وغيرهما من الاسارى { ان يعلم الله فى قلوبكم خيرا } ايمانا واخلاصا هذا الشك بالنسبة الينا كما فى قوله عليه السلام « ان كنت تعلم » فى دعاء الاستخارة فان معناه تعلق علمك وارادتك فلما كان تعلق هذا العلم مشكوكا بالنسبة الى العبد عبر هذا المعنى بما ترى هكذا سمعته من حضرة شيخنا العلامة ابقاه الله بالسلامة { يؤتكم خيرا مما اخذ منكم } من الفداء { ويغفر لكم والله غفور رحيم } قال العباس فابدلنى الله خيرا مما اخذ منى لى الآن عشرون عبدا وان ادناهم ليضرب اى يتجر فى عشرين الف درهم واعطانى سقاية زمزم ما احب ان لى بها جميع اموال اهل مكة انجزنى احد الوعدين وانا ارجو ان ينجز لى الوعد الثانى اى انتظر المغفرة من ربى فانه لا خلاف فى وعد الكريم
خلاف وعده محالست كز كريم آيد ... لئيم اكر نكند وعده وفاشايد(4/472)
وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71)
{ وان يريدوا } يعنى الاسرى { خيانتك } اى نقض ما عاهدوك عليه من الاسلام بالارتداد على دين آبائهم { فقد خانوا الله من قبل } بكفرهم ونقض ما اخذ عل كل عاقل من ميثاقه فى الازل { فامكن منهم } اى اقدر عليهم كما فعل يوم بدر فان اعادوا الخيانة فيمكنك منهم ايضا يقال مكنه من الشيء وامكنه منه اى اقدره عليه فتمكن منه { والله عليم } فيعلم ما فى نياتهم وما يستحقونه من العقاب
برو علم يك ذره بوشيده نيست ... كه بيدا وبنهان بنزدش يكسيت
{ حكيم } يفعل كل ما يفعل حسبما تقتضيه حكمته البالغة
وفى بعض الروايات ان العباس كان قد اسلم قبل وقعة بدر ولكن لم يظهر اسلامه لانه كانله ديون متفرقة فى قريش وكان يخشى ان اظهر اسلامه ضياعها عندهم وانما كلفه النبى عليه السلام الفداء لانه كان عليه ظاهر الاله ولما كان يوم فتح مكة وقهرهم الاسلام اظهر اسلامه ولم يظهر النبى عليه السلام اسلام العباس رفقا به كيلا يضيع ماله عند قريش وكان قد استأذن النبى عليه السلام فى الهجرة فكتب اليه « يا عم اقم مكانك الذى انت فيه فان الله تعالى يختم بك الهجرة كما ختم بى النبوة » فكان كذلك
وفى الآية بيان قدرة الله تعالى وان مريد الخلاص من يد قهره فى الدنيا والآخرة لا يجد اليه سبيلا لا بالايمان والاخلاص فهو القادر القوى الخالق وما سواه العاجز الضعيف المخلوق وفى الخبر ان النبى عليه السلام قال « ان الله تعالى قال قل للقوى لا يعجبنك قوتك فان اعجبتك قوتك ادفع الموت عن نفسك وقل للععالم لا يعجبنك علمك فان اعجبك فاخبرنى متى اجلك وقل للغنى لا يعجبنك غناك فان اعجبك فاطعم خلقى غداء واحدا »
وفى الاشارة اشارة الى النفوس المأسورة التى اسرت فى الجهاد الاكبر عند استيلاء سلطان الذكر عليها والظفر بها ان اطمأنت الى ذكر الله والعبودية والانقياد تحت احكامه يؤتها الله نعيم الجنة ودرجاتها وهى خير من شهوات الدنيا ويعيمها وزينتها فان الدنيا ونعيمها فانية والجنة ونعيمها باقية وخيانة النفس التجاوز عن حد الشريعة والطريقة
يقال ان متابعة سبعة اصناف اورثت سبعة اشياء . الاول ان متابعة النفس اورثت الندامة كما قال تعالى فى قتل هابيل هابيل { فطوعت له نفسه قتل اخيه فقتله فاصبح من النادمين } والثانى ان متابعة الهوى اورثت البعد كما قال لبلعام { واتبع هويه فمثله كمثل الكلب } يعنى فى البعد والخساسة والثالث ان متابعة الشهوات اورثت الكفر كما قال تعالى { واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا } يعنى الكفر . والرابع ان متابعة فرعون اورثت الغرق فى الدنيا والحرق فى الآخرة كما قال تعالى { واتبعوا امر فرعون } الى قوله { فاوردهم النار } والخامس ان متابعة القادة الضالة اورثت الحسرة كما قال تعالى { اذ نتبرأ الذين اتبعوا } الى قوله { كذلك يريهم الله اعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار } والسادس ان محبة النبى عليه السلام اورثت المحبة كما قال الله تعالى { قل ان كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله } والسابع ان متابعة الشيطان اورثت جهنم كما قال تعالى { ان عبادى ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين وان جهنم لموعدهم اجمعين }(4/473)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72)
{ ان الذين آمنوا } بالله تعالى وبمحمد عليه الصلاة والسلام وبالقرآن { وهاجروا } اوطانهم وهى مكة حبا لله ولرسوله { وجاهدوا باموالهم } بان صرفوها الى الكراع والسلاح وانفقوها على المحاويج { وانفسهم } بمباشرة القتال واقتحام المعارك والخوض فى المهالك ولعل تقديم الاموال على الانفس لان المجاهدة بالاموال اكثر وقوعا واتم دفعا للحاجة حيث لا تتصور المجاهدة بالنفس بلا مجاهدة بالمال هكذا فى تفسير الارشاد
يقول الفقير اصلحه الله القدير وجه التقديم عندى ان المال من توابع النفس والوجود وتوابعها اقدم منها فى البذل . وفى الآية اسلوب الترقى من الادنى الى الاعلى ولذا قال سادات الصوفية قدس الله اسرارهم بذل المال فى مقابلة توحيد الافعال وبذل الوجود فى مقابلة توحيد ذات المعبود { فى سبيل الله } متعلق بجاهدوا قيد لنوعى الجهاد والمراد بسبيل الله الطريق الموصل الى ثوابه وجناته ودرجاته وقرباته وهو انما يكون موصلا بالاخلاص فبذل المال والنفس بطريق الرياء لا يوصل الى رضى الله ذى العظمة والكبرياء اللهم اجعلنا من الذين جاهدوا فى سبيلك لا فى سبيل غيرك : قال الشيخ المغربى قدس سره
كل توحيد نرويد ززمينى كه درو ... خار شرك وحدسو وكبروريا وكين است
{ والذين آووا } النبى والمهاجرين معهاى اعطوهم المأوى وانزلوهم ديارهم بالمدينة والايواء الضم { ونصروا } اى نصروهم على اعدائهم واعانوهم بالسيف على الكفار فالاول فى حق المهاجرين والثانى فى حق الانصار والانصار كالعلم للقبيلتين الاوس والخزرج ولهذا جازت النسبة الى لفظ الجمع حيث قالوا الانصارى نسبة الى الانصار وسموا الانصار لانهم نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وواحد الانصار نصير كشريف واشراف : قال السلطان سليم الاول
شاهنشه آن كدا كه بودخاك راه او ... آزاد بنده كه كرفتار مطفاست
آن سينه شادكزغم اوساخت دل حزين ... وآن جاه عزيز كزبى ايثار مصطفاست
{ اولئك } الموصوفون بما ذكر من النعوت الفاضلة { بعض اولياء بعض } فى الميراث وكان المهاجرون والانصار يتوارثون بلهجرة والنصرة دون الاقارب حتى نسخ بقوله { واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض } اى اولى بميراث بعض من الاجانب . والحاصل ان التوارث فى الابتداء بالهجرة والنصرة لا بمجرد القرابة فكان المهاجر يرثه اخوه الانصارى اذا لم يكن بالمدينة ولىّ مهاجرى ولا توارث بينه وبين قريبه المسلم غير المهاجرى واستمر امرهم كذلك الى ان فتحت مكة فسقطت فرضية الهجرة ثم توارثوا بالقرابة . فالاولياء جمع ولى كصديق واصدقاء والولى من الولى بمعنى القرب والدنو فكأنه قيل بعضهم اقرباء بعض لا قرابة بينهم وبين من لم يؤمن ولا بين من آمن ولم يهاجر كما قال تعالى { والذين آمنوا ولم يهاجروا } كسائر المؤمنين { ما لكم من ولايتهم من شيء } اى من توليهم فى الميراث وان كانوا من اقرب اقاربكم { حتى يهاجروا } ولما بين تعالى ان كم المؤمن الذى لم يهاجر انقطاع الولاية بينه وبين المؤمنين وتوهم انه يجب ان يتحقق بينهم التقاطع التام لتحققه بينه وبين الكفار ازال هذا الوهم بقوله { وان استنصروكم فى الدين } اى ان طلب منكم المؤمنون الذين لم يهاجروا النصرة { فعليكم النصر } اى فوجب عليكم نصرهم على من يعاديهم فى الدين { الا على قوم } منهم { بينكم وبينهم ميثاق } اى الا اذا كان من يعاديهم ويحاربكم من الكفار بينهم وبينكم عهد موثق فحينئذ يجب عليكم الوفاء بالعهد وترك المحاربة معهم ولا يلزمكم نصر الذين آمنوا ولم يهاجروا عليهم بل الاصلاح بينهم على وجه غير القتال { والله بما تعملون بصير } فلا تخالفوا امره كيلا يحل بكم عقابه(4/474)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73)
{ والذين كفروا بعضهم اولياء بعض } آخر فى الميثاق منطوق الآية اثبات الموالاة بين الكفار والكفار ليسوا بمخاطبين بفروع الايمان فالمراد منه بطريق المفهوم المخالف نهى المسلمين عن موالاتهم وموارثتهم وايجاب المباعدة بينهم قرابة نسبية لان الموالاة بين الكفار مبنية على التناسب فى الكفر كما انها بين المؤمنين مينية على التناسب فى الايمان فكما لا مناسبة بين الكفر والايمان من حيث ان الاول ظلمة والثانى نور فكذا لا مناسبة بين اهلها فان الكافر عدو الله والمؤمن ولى الله فوجب التقاطع وازالة الوصلة من غير الجنس : قال الحافظ
نخست موعظه بير صحبت اين بندست ... كه از مصاحب ناجنس احتراز كنيد
{ الا } اى ان لا { لا تفعلوه } اى ما امرتم به من التواصل بينكم وتولى بعضكم عضا حتى فى التوارث ومن قطع العلائق بينكم وبين الكفار { تكن } تامة { وفساد كبير } فى الدارين وفيه اشارة الى مساعدة طالب النصرة بأى وجه كان فان تركها يؤدى الى الخسران وارتفاع الامان وفى الحديث « انصر اخاك ظالما او مظلوما » ونصرة الظالم بنهبه عن الظلم
وفى فتاوى ضيخان اذا وقع النفير من قبل الروم فعلى كل من يقدر على القتال ان يخرج الى الغزو اذا ملك الزاد والراحلة ولا يجوز له التخلف الا بعذر بين انتهى . وكما ان لا كلام فى فضيلة الاعانة والامداد كذلك لا كلام فى الهجرة الى ما يقوم به دين المرء من البلاد -روى- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى ما نزل بالمسلمين من توالى الاذى عليهم من كفار قريش مع عجم قدرته على انقاذهم مما هم قيه قال لهم « تفرقوا فى الارض فان الله سيجمعكم » قالوا الى اين تذهب قال « ههنا » واشار بيده الى جهة الحبشة وفى رواية قال لهم « اخرجوا الى ارض الحبشة فان بها ملكا عظيما لا يظلم عنده احد وهى ارض صدق حتى يجعل الله لكم فرحا مما انتم فيه »
يقول الفقير اصلحه الله القدير سمعت من حضرة شيخى العلامة ابقاه الله بالسلامة انه قال لو كان لى مال لهاجرت من قسطنطينية الى ارض الهند لانه لا فائدة فى الاقامة مع سلطان لا غيرة له اصلا من جهة الدين ثم ذكر تورع سلطان الهند وهذا الكلام مطابق للشريعة والطريقة . وقال بعض الكبار ان الاولياء لا يقيمون فى بلاد الظلم وجاء فى الحديث « من فر بدينه من ارض الى ارض وان كان شبرا من الارض استوجب الجنة وكان رفيق ابيه خليل الله ابراهيم ونبه محمد عليهما الصلاة والسلام » فهاجر الى الحبشة ناس من مخافة الفتنة وفرارا الى الله تعالى بدينهم منهم من هاجر الى الله باهله ومنهم من هاجر بنفسه وهى الهجرة الاولى فمن آمن بان طلب الله تعالى حق واجب هاجر من غير الله فهاجر من افعاله القبيحة الطبيعية الى الافعال الحسنة الشرعية ومن الاوصاف الذميمة الى الاخلاق الحميدة ومن الوجود المجازى الى الوجود الحقيقى وبذل ماله ونفسه فى طلب الحق وترك كل باطل هو غير الحق : قال السيد البخارى قدس سره(4/475)
هست تاج عارفان اندر جهان ازجار ترك ... ترك دنيا ترك عقبا ترك هستى ترك ترك
وفى الحديث « كان فيما كان قبلكم رجل قتل تسعا وتسعين نفسا فسال عن اعلم اهل الارض فدل على راهب فاتاه فقال انه قتل تسعا وتسعين نفسا فهل له من توبة فقال لا فقتله فكمل به المائة ثم سأل عن اعلم اهل الارض فدل على رجل عالم فقال انه قتل مائة نفس فهل له من توبة فقال نعم ومن يحول بينك وبين التوبة انطلق الى ارض كذا وكذا فان بها اناسا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم ولا ترجع الى ارضك فانها ارض السوء فانطلق حتى اذا بلغ نصف الطريق اتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة العذاب انه لم يعمل خيرا قط فاتاهم ملك فى صورة آدمى فجعلوه بينهم حكما فقال قيسوا ما بين الارضين فالى ايتهما كان ادنى فهو لها فقاسوه فوجدوه ادنى الى الارض التى اراد فقبضته ملائكة الرحمة » وفى رواية « فاوحى الله الى هذه ان تباعدى والى ان تقربى »
فان قلب الظاهر من الحديث انه قبلت توبة ذلك الرجل وهذا مخالف لما ثبت فى الشرع من ان حقوق العباد لا تسقط بالتوبة
قلنا اذا تاب ظالم لغيره وقبل الله توبته يغفر له ذنب مخالفة امر الله وما بقى عليه من حق العبد فهو فى مشيئة الله ان شاء ارضى خصمه وان شاء اخذ حقه منه والحديث من القسم الاول وعلى تقدير الارضاء لا يكون ساقطا ايضا لاخذه عوضه من الله وفى الحديث استحباب ان يفارق التائب موضع الذنب والمساعدين ويستبدل منهم صحبة اهل الصلاح اللهم احعلنا من المهاجرين والحقنا بعبادك الصالحين(4/476)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)
{ والذين آمنوا } بجميع ما يجب ان يؤمن به اجمالا وتفصيلا { وهاجروا } اوطانهم تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبا لمرضاة الله { وجاهدوا } الكفار والمجاهدة . والجهاد [ باكسى كارزار كردن درراه خداى ] { فى سبيل الله } هو دين الاسلام والاخلاص الموصلان الى الجنة ودرجاتها { والذين آووا } اى ضموا المؤمنين الى انفسهم فى مساكنهم ومنازلهم وواسوهم يقال اويت منزلى واليه اويا نزلته بنفسى وسكنته واوّيته وآويته انزلته والمأوى المكان فالايواء بالفارسية [ جايكاه دادن ] { ونصروا } اى اعانوهم على اعداءهم فالموصول الاول عبارة عن المهاجرين الاولين والثانى عن الانصار كما سبق { اولئك هم المؤمنون } ايمانا { حقا } لانهم حققوا ايمانهم بتحصيل مقتضاه من الهجرة والجهاد وبذل المال ونصرة الحق . فالآية الاولى مذكورة لبيان حكمهم وهو انهم يتوارثون ويتولى بعضهم بعضا فى الميراث . هذه الاية مذكورة لبيان ان الكاملين فى الايمان منهم هم المهاجرون الاولون والانصار لا غيرهم فلا تكرار { لهم مغفرة } لذنوبهم { وزرق كريم } اى واسع كثير يطعمهم الله تعالى فى الجنة طعاما يصير كالمسك رشحا ولا يستحيل فى اجوافهم نجوا وهو ما يخرج من البطن من ريح او غائط ثم ألحق بهم فى الامرين من سيلحق بهم ويتسم بسمتهم فقال { والذين آمنوا من بعد } اى من بعد الهجرة الاولى { وهاجروا } بعد هجرتكم { وجاهدوا معكم } فى بعض مغازيكم { فاولئك منكم } اى من جملتكم ايها المهاجرون والانصار وهم الذين جاؤا من بعدهم { يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان } ألحقهم الله بالسابقين وجعلهم منهم تفضلا منه وترغيبا فى الايمان والهجرة -روى- ان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم آخى بين المهاجرين والانصار فكان المهاجر يرثه اخوه الانصارى دون قريبه الغير المهاجر وان كان مسلما . فنسخ الله تعالى ذلك الحكم بقوله { واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض } آخر منهم فى التوارث من الاجانب { فى كتاب الله } اى فى حكمه { ان الله بكل شيء عليم } ومن جملته ما فى تعليق التوارث بالقرابة الدينية اولا بالقرابة النسبية آخرا من الحكم البالغة
نه در احكام اوست جون وجرا ... نه در افعال او جكونه وجند
اعلم ان المهاجرين الاولين من حيث انهم اسسوا قاعدة الايمان واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم افضل من الانصار يدل عليه قوله عليه السلام « لولا الهجرة لكنت امرأ من الانصار » فان المراد منه اكرام الانصار بان لا رتبة بعد الهجرة اعلى من نصرة الدين . والمهاجرون على طبقات . منهم من هاجر معه عليه السلام او بعد هجرته قبل صلح الحديبية وهو فى سنن ثنتين من الهجرة وهم المهاجرون الثانية . ومنهم ذو هجرتين هجرة الى الحبشة وهجرة الى المدينة وكانت الهجرة الى المدينة بعد ان هاجر اليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضا على المؤمن المستطيع ليكون فى سعة الهجرة المفروضة قد انقطعت وانه ليس لاحد بعد ذلك ان ينال فضيلة الهجرة وان ينازع المهاجرين فى مراتبهم
واما الهجرة التى تكون من المسلم لصلاح دينه الى مكة او الى غيرها فانها باقية ابدا الدهر غير منقطعة وفى الحديث(4/477)
« لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد دينى » وفى الحديث « من زارنى بعد موتى فكأنما زارنى فى حياتى ومن مات باحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة »
وروى الامام فى الاحياء ان النبى عليه الصلاة والسلام لما عاد الى مكة استقبل الكعبة وقال انك خير ارض الله واحب بلاد الله الىّ ولولا انى اخرجت منك ما خرجت فما هو محبوب للنبى عليه السلام محبوب لامته ايضا فالاقامة بمكة مع الوفاء بحق المقام افضل كيف لا والنظر الى البيت عبادة والحسنات فيها مضاعفة وللقاصر عن القيام بحق الموضع ترك الاقامة فان بعض العلماء كرهها لمثله -حكى- ان عمر بن العزيز وامثاله من الامراء كان يضرب فسطاطين فسطاطا فى الحل وفسطاطا فى الحرم فاذا اراد ان يصلى او يعمل شيأ من الطاعات دخل فسطاط الحرم رعاية لفضل المسجد الحرام واذا اراد ان يأكل او يتكلم او غير ذلك خرج الى فسطاط الحل ومقدار الحرم من قبل المشرق ستة اميال ومن الجانب الثانى اثنى عشر ميلا ومن الجانب الثالث ثمانية عشر ميلا ومن الجانب الرابع اربعة وعشرون ميلا هكذا قال الفقيه ابو جعفر . وكما ان للاماكن الشريفة والبقاع المنفية قدرا وحرمة عند الله تعالى وعند الناس فكذا فى القلوب الصافية لاهل الكمالات الوافية بل خطرها اعظم
مسجدى كواندرون اولياست ... سجده كاه جمله است آنجا خداست
آن مجازاست اين حقيقت اى خران ... نيست مسجد جزدرون سروران
وفى قوله تعالى { فاولئك منكم } اشارة الى ان كل سالك صادق سلك طريق الحق من المتأخرين على قدم الايمان والهجرة والجهاد الحقيقى فهو من المتقدمين لانه ليس عند الله صباح ولا مساء فالواصلون كلهم كنفس واحدة وهم متبرئون من الزمان والمكان استوى عندهم الامس واليوم والغد والقرب والبعد والعلو والسفل ولهذا قال عليه السلام « امتى كالمطر لا يدرى اولهم خير ام آخرهم » وعند المتأخرين من اخوانه وقال واشوقاه الى لقاء اخوانى هذا
وكان الحسن اذا قرأ سورة الانفال قال طوبى لجيش قائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبارزهم اسد الله وجهادهم طاعة الله ومددهم ملائكة الله وثوابهم رضوان الله نسال الله تعالى ان يوفقنا لصالحات الاعمال وحسنات الاقوال والاحوال وان تجعلنا مشغولين بطاعة الله فى كل آن وحال(4/478)
بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2)
{ براءة من الله ورسوله } اى هذه براءة مبتأة من جهة الله ورسوله واصلة { الى الذين عاهدتم } ايها المسلمون { من المشركين } فمن لابتداء الغاية والى لانتهاء الغاية متعلقان بمحذوف كما تقول هذا الكتاب من فلان الى فلان اى واصل منه اليه وليست كلمة من صلة براءة كما فى قوبك برئت من فلان والبراءة من الله انقطاع العصمة ونقض العهد ولم يذكر ما تعلق به البراءة كما فى ان الله بريئ من المشركين اكتفاء بما فى حيز الصلة واحترازا عن تكرير لفظة من ولما كانت المعاهدة غير واجبة بل مباحة مأذونة وكان الاتفاق للعهد من المسلمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نسب اليهم مع ان مباشرة امرها انما تتصور من المسلمين لا من الله تعالى وان مانت باذن الله تعالى بخلاف البراءة فانها واجبة اوجبها الله تعالى وامر منوط بجناب الله تعالى كسائر الاوامر غير متوقفة على رأى المخاطبين . والمعنى ان الله ورسوله قد برئا من العهد الذى عاهدتم به المشركين فانه منبوذ اليهم والعهد العقد الموثق باليمين وقد كانوا عاهدوا مشركى العرب من اهل مكة وغيرهم باذن الله واتفاق الرسول فنكثوا الابنى ضمرة وبنى كنانة فامر المسلمون بنبذ العهد الى الناكثين وامهلوا اربعة اشهر كما قال تعالى { فسيحوا } اى فقولوا لهم سيحوا وسيروا { فى الارض اربعة اشهر } مقبلين مدبرين آمنين من القتال غير خائفين من النهب والغارة . والسيح والسياحة الذهاب فى الارض والسير فيها بسهولة على مقتضى المشيئة كسيح الماء على موجب الطبيعة ففيه من اللالة على كمال التوسعة والترفيه ما ليس فى سيروا ونظائره وزيادة فى الارض لفصد التعميم لاقطارها من دار الاسلام وغيرها والمراد اباحة ذلك لهم وتخليتهم وشأنهم للحرب او تحصين الاهل والمال او تحصيل الحرب او غير ذلك لا تكليفهم بالسياحة فيها والمراد بالاشهر الاربعة هى الاشهر الحرم التى علق القتال بانسلاخها هى شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم لان السورة نزلت فى شوال سنة تسع من الهجرة بعد فتح مكة فانه كان فى السنة الثامنة منها امروا بان لا يتعرضوا للكفار بتلك المدة الماضية صيانة للاشهر الحرم عن القتال فيها ثم نسخ وجوبها ليتفكروا ويعلموا ان ليس بعد هذه المدة الا الاسلام او السيف فيصير ذلك حاملا لهم على الاسلام ولئلا ينسوا المسلمين الى الخيانة ونقض العهد على غفلة المعاهدين وقيل هى عشرون من ذى الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الاول وعشر من شهر ربيع الآخر لان التبليغ كان يوم النحر كما روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولى سنة الفتح عتاب بن اسيد الوقوف بالناس فى الموسم واجتمع فى تلك السنة فى الوقوف المسلمون والمشركون فلما كانت سنة تسع بعث ابا بكر رضى الله عنه اميرا على الموسم فلما خرج منطلقا نحو مكة اتبعه عليا رضى الله عنه راكب العضباء ليقرأ هذه السورة على اهل الموسم فقيل له عليه السلام لو بعثت بها الى ابى بكر فقال(4/479)
« لا يؤدى عنى الارجل منى » وذلك لان عادة العرب ان لا يتولى امر العهد والنقض على القبيلة الارجل منها سيدهم او واحد من رهطه وعترته فبعث عليا ازاحة للعلة لئلا يقولوا هذا خلاف ما نعرفه فينا فى العهد والنقض فلما دنا على سمع ابو بكر الرغاء وهو صوف ذوات الحوافر فوقف وقال هذا رغاء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما لحقه قال امير ام مأمور قال مأمور فمضينا فلما كان قبل يوم التروية خطب ابو بكر وحدثهم عن مساكنهم وقام على يوم النحر عند جمرة العقبة فقال « يا ايها الناس انى رسول الله اليكم فقالوا بماذا فقرأ عليهم ثلاثين او اربعين آية من اول هذه السورة ثم قال امرت باربع ان لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة الا كل نفس مؤمنة وان يتم الى كل ذى عهد عهده »
وقال الحدادى كان الحج فى السنة التى قرأ على رضى الله عنه فيها هذه الشورة فى العاشر من ذى القعدة ثم صار الحج فى السنة الثانية فى ذى الحجة وكان السبب فى تقديم الحج فى سنة العهد ما كان يفعله بنوا كنانة فى النسئ وهو التأخير انتهى فعلى هذا كان المراد بالاشهر الاربعة من عشر ذى القعدة الى عشر من ربيع الاول كما ذهب اليه البعض { واعلموا انكم } بسياحتكم فى اقطار الارض فى العرض والطول وان ركبتم متن كل صعب وذلول { غير معجزى الله } اى لا تفوتونه بالهرب والتحصين
قال فى ربيع الابرار غير معجزى الله سابقى الله وكل معجز فى القرآن سابق بلغة كنانة { وان الله } اى واعلموا انه تعالى { مخزى الكافرين } اى مذلكم فى الدنيا بالقتل والاسر وفى الآخرة بالعذاب وما يحصل لكم فى الافتضاح . والاجزاء هو الازلال بما فيه فضيحة وعار
قال القشيرى قطع لهم مدة على وجه المهلة على انهم اقلعوا عن الضلال وجدوا فى المال ما فقدوا من الوصال وان ابوا الا التمادى فى الحرمة والجريمة انقطع ما بينهم وبينه من العصمة ثم ختم الآية بما معناه ان اصررتم على قبيح آثاركم مشيتم الى هلاككم بقدمكم وسعيتم فى عاجلكم فى اراقة دمكم وحصلتم فى آجلكم على ندمكم فما خسرتم الا فى صفقتكم
تبدلت وتبدلنا واخسرنا ... من ابتغى عوضا يسعى فلم يجد
ففى الآية دعوة الى الصلح والايمان بعد الحراب والكفران فمن كفر وعصى فقد خاصم ربه فجاء الندم فى تأخيره التوبة والاستغفار وعدم مبالاته بمباغتة قهر الملك الجبار(4/480)
قال بعض العرفاء ان شئت ان تصير من الابدال فحول خلقك الى بعض خلق الاطفال ففيهم خمس خصال لو كانت فى الكبار لكانوا ابدالا لا يهتمون للرزق : قال الصائب
فكرآب ودانه دركنج فقس بى حاصلست ... زير جرخ انديشه روزى جرا باشد مرا
ولا يشكون من خالقهم اذا مرضوا
حافظ ازجور توحاشاك بنالد روزى ... كه ازان روز كه دربند توام دلشادم
ويأكلون الطعام مجتمعين
اكر خواهى كه يابى ملك ودولت ... بخور شاها بدرويشان نعمت
واذا تخاصموا تسارعوا الى الصلح : قال السلطان سليم الاول
خواهى كه كنج عشق كنى لوح سينه را ... ازدل بشوى آينه سان كرد كينه را
واذا خلفوا جرت عيونهم بالدموع : وفى المثنوى
سوز مهر وكريه ابر جهان جون همى دارد جهانرا خوش دهان ... آفتاب عقل را در سوز دار
جشم جون ابر اشك افروز دار ... جشم كريان بايدت جون طفل خرد
كم خوارين نانرا كه نان آب توبرد ... واشارت الآية الكريمة الى النفوس المتمردة المشركة التى اتخذت الهوى الها وعبدت صنم الدنيا فهادنها الروح والقلب فى اوان الطفولية وعاهداها على ان لا يجاهداها ولا يقاتلاها الى حد البلوغ وهى ايضا لا تتعرض لهما الى استكمال القالب واستواء القوى البشرية التى بها تتحمل حمل الامانة واعباء اركان الشريعة وظهور كمال العقل الذى به يستعد لقبول الدعوة واجابتها وبه يعرف الرسل ومعجزاتهم وبه يثبت الصانع ويرى تعبده واجبا لاداء شكر نعمة الله وان الله ورسوله بريئ من تلك المعاهدة بعد البلوغ فانه اوان نقض عهد النفوس مع القلوب والارواح لان النفس قبل البلوغ كانت تتصرف فى المأكول والمشروب والملبوس لتربية القالب ودفع الحاجة الماسة غالبا وذلك لم يكن مضرا جدا للقلب والروح فاما لعد البلوغ فزادت فى تلك التربية بالمأكول والمشروب والملبوس لتربية القالب ودفع الحاجة الماسة غالبا وذلك لم يكن مضرا جدا للقلب والروح فاما بعد البلوغ فزادت فى تلك التربية بالمأكول والمشروب والملبوس الضرورى لاجل الشهوة ولما ظهرت الشهوة شملت آفتها المأكول والمشروب والملبوس والمنكوح واشتعلت نيرانها يوما فيوما وفيها مرض القلب والروح وبعثت الانبياء لدفع هذا المرض وعلاجه كما قال عليه السلام « بعثت لدفع العادات وترك الشهوات » وفى قوله { فسيحوا فى الارض اربعة اشهر } اشارة الى ان للنفوس فى ارض البشرية سيرا وسياحة لتكميل الاوصاف الاربعة من النباتية والحيوانية والشيطانية والانسانية التى تتولد بازدواج الروح العلوى الروحانى المفرد والقالب السفلى المركب من العناصر الاربعة . فالنباتية تولد الماء . والحيوانية تولد الريح . والشيطانية تولد النار . والانسانية تولد التراب فلتكتمل هذه الصفات ارخيت ازمة النفوس فى مراتع الدنيا ونعيمها الى البلاغة ثم قال { واعلموا } يعنى نفوس اهل السعادة { انكم غير معجزى الله } اى لا تعجوزنه ان ينزعكم عن المراتع الدنيوية ويمتعكم بالمنافع الاخروية { وان الله مخزى الكافرين } يعنى مهلك اهل الشقاوة فى تيه الغفلات والشهوات كذا فى التأويلات النجمية(4/481)
وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3)
{ واذان من الله ورسوله } الاذان بمعنى الايذان كالعطاء بمعنى الاعطاء اى هذا اعلام واصل منهما { الى الناس } كافة المؤمنين والكافرين ناكثين او غيرهم فالاذان عام والبراءة خاصة بالناكثين من المعاهدين والجملة عطف على قوله براءة { يوم الحج الاكبر } منصوب بما يتعلق به الى الناس
وفيه قولان . احدهما انه يوم العيد فانه يتم فيه اركان الحج كطواف الزيارة وغيره ويتم فيه معظم افعاله كالنحر والرمى وغيرهما واعلام البراءة كان فيه - وروى - ان النبى صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر عند الجمرات فى حجة الوداع فقال هذا يوم الحج الاكبر - وروى- ان عليا رضى الله عنه خرج يوم النحر على بغلة بيضاء الى الجبانة فجاء رجل فاخذ بلجامها وسأله عن يوم الحج الاكبر فقال هو يومك هذا خل سبيلها . والثانى انه يوم عرفة لقوله عليه الصلاة والسلام « الحج عرفة » حصر النبى عليه السلام افعال الحج فى الوقوف بعرفة لانه معظم افعاله من حيث ان من ادرك الوقوف بعرفة فقد ادرك الحج ومن فاته الوقوف فانه الحج ووصف الحج بالاكبر لان العمرة تسمى الحج الاصغر ولاجتماع المسلمين والمشركين وفى ذلك اليوم وموافقته لاعياد اهل الكتاب ولم يتفق ذلك قبله وبعده فمعظم ذلك اليوم فى قلوب جميع الطوائف والملل وورد « ان الوقفة يوم الجمعة تعدل سبعين حجة » وهو الحج الاكبر { ان الله } اى بان الله والباء صلى الاذان حذفت تخفيفا { بريئ من المشركين } اى من عهدهم الذى نقضوه فالمراد بالمشركين المعاهدون الناكثون { ورسوله } قال المفسرون هو مرفوع معطوف على المستكن فى بريئ او منصوب على ان الواو بمعنى مع اى بريئ معه منهم او مجرور على القسم ولا تكرير فى ذكر بريئ لان قوله براءة اخبار بثبوت البراءة وهذا اخبار بوجوب الاعلام بذلك ولذلك علقه بالناس ولم يخصه بالمعاهدين كما قال اولا { الى الذين عاهدتم } { فان تبتم } من الكفر والغدر { فهو } اى فالتوبة { فاعلموا انكم غير معجزى الله } غير سابقين ولا فائتين اى لا تفوتونه طلبا ولا تعجوزنه هربا فى الدنيا . وبالفارسية [ شمانه عاجز كنند كانيد خدايرا يعنى توانيد كه ازوبكر يزيد يابا او ستزيد ] { وبشر الذين كفروا بعذاب اليم } فى الآخرة والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر التبشير فى مقام الانذار تهكم بهم
وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال كنت مع على رضى الله عنه حيث بعثه رسول الله بالبراءة الى مكة فقيل لابى هريرة بماذا كنتم تنادون قال كنا ننادى انه لا يدخل الكنة الا مؤمن ولا يحجن هذا البيت بعد هذا العام مشرك ولا عريان ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فأجله الى اربعة اشهر فاذا مضت اربعة اشهر فان الله بريئ من عهد المشركين ورسوله(4/482)
إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)
{ الا الذين عاهدتم من المشركين } استدراك اى استثناء منقطع من النبذ السابق الذى اخر فيه القتال اربعة اشهر كأنه قيل لا تمهلوا الناكثين فوق اربعة اشهر لكن الذين لم ينكثول عهدهم فلا تجروهم مجرى الناكثين فى المسارعة الى قتلهم بل اتموا اليهم عهدهم { ثم } للدلالة على ثباتهم على عهدهم مع تمادى المدة { لم ينقصوكم شيأ } من شروط العهد ولم ينكثوا او يتقص يتعدى الى اثنين فكم مفعول اول وشيأ مفعول ثان والى واحد فشيأ منصوب على المصدرية اى شيأ من النقصان
قال الكاشفى [ بس ايشان كم نكردند جيزى از عهدهاء شما يعنى نشكستند بيمان شمارا ] { لم يظاهروا } لو يعانوا { عليكم احدا } من اعدائكم كما عدت بنوا بكر على خزاعة حلفاء النبى عليه السلام فظاهرتهم قريش بالسلاح { فاتموا اليهم عهدهم } عندى اتموا بالى لتضمنه معنى فأدوا اىفأدواه اليهم تاما كاملا { الى مدتهم } ولا تفاجئزهم بالقتال عند مضى الارجل المضروب للناكثين ولا تعاملوهم معاملتهم -رور- ان بنى ضمرة وهم حى من بنى كنانة عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية عند البيت وكان بقى لهم من عهدهم تسعة اشهر فأتم عليه الصلاة والسلام اليهم عهدهم { ان الله يحب المتقين } تعليل لوجوب الامتثال وتنبيه على ان مراعاة حقوق العهد من باب التقوى وان التسوية وبين الوفى والغادر منافية لذلك وان كان المعاهد مشركا : قال الحافظ
وفا وعهد نكو باشد ار بياموزى ... وكرنه هركه توبينى ستمكرى داند
قال الشيخ نصر آبادى للمتقى علامات اربع حفظ الحدود وبذل المجهود والوفاء بالعهود والقناعة بالموجود : قيل فى الترجمة
متقى را بود جهار نشان ... حفظ احكام شرع اول آن
ثانيا آنجه دست رس باشد ... برفقيران وبى كسان باشد
عهدرا با وفا كند بيوند ... هرجه باشد بدان شود خرسند
واعلم ان الحج الاكبر يوم الوصول الى كعبة الوصال والحج الاصغر يوم الوصول الى كعبة القلب . وزيارة كعبة الوصال وطوافها حرام على مشركى الصفات الناسوتية لانها تميل الى غير الله وتركن الى ما سواه فلا تطوف الناسوتية حول كعبة اللاهوتية الا بعد فنائها وفناؤها انما يكون بالجذبات الآلهية فاذا تداركت العناية الازلية العيد يخاطب { يا ايتها النفس المطمئنة ارجعى الى ربك } اما فى حال الحياة واما فى وقت الوفاة { ولكل اجل كتاب } أما ترى الى سحرة فرعون كيف قالوا { انا الى ربنا منقلبون } وفى حديث المعراج « ثم ذهبت الى الجنة فرأيت رضوان خازنها فلما رآنى فرح بى ورحب بى وادخلنى الجنة وارانى فيها من العجائب ما وعد الله فيها لاوليائه مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ورأيت فيها درجات اصحابى ورأيت فيها الانهار والعيون وسمعت فيها صوتا وهو يقول آمنا برب العالمين فقلت ما هذا الصوت يا رضوان قال هم سحرة فرعون وسمعت صوتا آخر وهو يقول لبيك اللهم فقلت من هو قال ارواح الحجاج وسمعت التكبير فقال هؤلاء الغزاة فسمعت التسبيح فقال هؤلاء الانبياء ورأيت قصور الصالحين ثم بلغت لى سدرة المنتهى »(4/483)
وسميت المنتهى لان علم الخلائق ينتهى اليها « ثم تخلف عنى جبريل فقلت له أتتركنى وحيدا فقال يا اركم الخلق على الله ما جاوز هذا المكان احد قبلك ولا يجاوز بعدك فاذا نادانى فقال لى ادن منى يا محمد فلم ازل ادنو وهو يقول ادن الف كرة حتى قربت منه كما قال تعالى { فكان قاب قوسين او ادنى } وما من مرة ادنو من ربى الا قضى لى فيها حاجة ثم وقفت فقطرت على لسانى قطرة كانت احلى من العسل وابرد من الثلج فعلمت علم الاولين والآخرين وقال لى يا محمد قد جعلت الاسلام حلوا فى قلوب امتك حتى احبوه وجعلت الكفر مرا فى قلوبهم حتى ابغضوه »
يقول الفقير ومنه يعرف ان الله تعالى جل الكفر حلوا فى قلوب امة الدعوة حتى احبوه وجعل الايمان مرا فى قلوبهم حتى ابغضوه فحب الايمان من الجذبة الآلهية والعناية الازلية وبه اتقى المؤمن من الكفر ثم من العصيان ثم من الجهل ثم من رؤية ما سوى الله والميل اليه . فيا اهل الايمان ادركتكم العناية العامة . ويا اهل العرفان جذبتكم الهداية الخاصة فقوموا واشكروا الله تعالى على ما انعم عليكم واوصله من كمال كرمه اليكم وقد نص على انه يحب المتقين فتارة تكون محبا وهو محبوب وتارة تكون محبوبا وهو محب ومقام المحبوبية اعلى المقامات ولو كان فوقه ما هو اعلى منه لما قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حبيب الله
فعليك ايها العاقل بالرجوع الى المولى قبل تمام المدة وهو حلول الاجل وقبل ان تكتنفك الموانع من الجبن والكسل وطريق الاختيار مقبولة دون طريق الاضطرار فان اقبلت فلك سعادة الوقت وان اعرضت فلك الشقاوة والمقت نسأل الله تعالى ان يهدينا الى طريق الرضى ويقيل عثرتنا فما مضى آمين(4/484)
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
{ فاذا انسلخ } اى انقضى استعير له من الانسلاخ الواقع بين الحيوان وجلده { الاشهر الحرم } وانفصلت عما كانت مشتملة عليه ساترة له انفصال الجلد عن الشاة وانكشفت عنه انكشاف الحجاب عما وراءه وتحقيقه ان الزمان محيط بما فيه من الزمانيات مشتمل عليه اشتمال الجلد للحيوان وكذا كل جزء من اجزائه الممتدة من الايام والشهور والسنين فاذا مصى فكأنه انسلخ عما فيه ووصفت الاشهر بالحرم وهى جمع حرام لان الله تعالى حرم فيها القتال وهى شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم التى ابيح للناكثين ان يسيحوا فيها لا الاشهر الدائرة فى كل سنة وهى رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم لان نظم الاية يقتضى توالى الاشهر المذكورة وهذه ليست كذلك لان ثلاثة منها سرد وواحد فرد { فاقتلوا المشركين } الناكثين اذا الآباد
فهذه الآية ناسخة لكل آية فى القرآن فيها ذكر الاعراض عن المشركين والصبر على ايذائهم على وفق ما اجمع عليه جمهور العلماء { حيث وجدتموهم } ادركتموهم فى حل او حرم { وخذوهم } اى ائسروهم والاخيذ الاسير { واحصروهم } الحصر المنع والمراد اما حبسهم ومنعهم عن التبسط والتقلب فى البلاد او منعهم عن المسجد الحرام { واقعدوا لهم كل مرصد } اى كل ممر ومجتاز يحتازون منه اسفارهم وانتاصبه على انه ظرف لاقعدوا اى ارصدوهم فى كل مكان يرصد فيه وارقبوهم حتى لا يمروا به وهذا امر لتضييق السبيل عليهم فليس معناه حقيقة القعود
قال الكاشفى { بسته كردانيد برايشان راهها ن منتشر نشوند در بلاد وقرى ] { فان تابوا } عن الشرك بالايمان حسبما اضطروا بما ذكر من القتل والاسر والحصر { واقاموا الصلوة وآتول الزكوة } تصديقا لتوبتهم وايمانهم واكتفى بذكرهما عن بقية العبادات لكونهما رئيسى العبادات البدنية والمالية { فخلوا سبيلهم } فدعوهم وشأنهم لا تتعرضوا لهم بشئ مما ذكر
قال القاضى فى تفسيره فيه دليل على ان تاركى الصلاة ومانعى الزكاة لا يخلى سبيلهم انتهى
وعن ابى حنيفة رحمه الله ان من ترك الصلاة ثلاثة ايام فقد استحق القتل
قال الفقهاء الكافر اذا اكره على الاسلام فأجرى كلمة الاسلام على لسانه يكون مسلما فاذا عاد الى الكفر لا يقتل ويجبر على الاسلام كما فى هدية المهديين للمولى اخى جلبى
وفيه ايضا كافر لم يقر بالاسلام الا انه اذا صلى مع المسلمين بجماعة يحكم بالاسلامه وبلا جماعة لا وان صام او حج او ادى الزكاة لا يحكم بالاسلامه فى ظاهر الرواية وفى اخرى انه ان حج على وجه الذى يفعله المسلمون فى الاتيان بجميع الاحكام والتلبية وشهود كل المناسك يصير مسلما { ان الله غفور رحيم } تعليل للامر بتخلية السبيل اى فخلوهم فان الله يغفر لهم ما سلف من الكفر والغدر لان الايمان يجب ما قبله اى يقطعه كالحج ويثيبهم بايمانهم وطاعتهم
واعلم ان الله تعالى امر فى هذه الآية بالجهاد وهو اربعة انواع .(4/485)
جهاد الاولياء بالقلب بتخليته بالاخلاق الحميدة . وجهاد الزهاد بالنفس بتزكيتها عن الاوصاف الرذيلة . وجهاد العلماء باظهار الحق خصوصا عند سلطان جائر وامام ظالم . وجهاد الغزاة ببذل الروح
بهر روز مرك اين دم مرده باش ... تاشوى باعشق سرمد خواجه تاش
كشته ومرده به بيشت اى قمر ... به كه شاه زند كتة جاى دكر
فالقتل اما قتل النفوس المشركة بالسيف الظاهر واما قتل التفوس العاصية بالسيف الباطن وقتلها فى نهيها عن هواها ومنعها عن مشتهاها واستعمالها على خلاف طبعها وضد طبيعتها
قيل للحسين بن على رضى الله عنهما أى الجهاد افضل قال مجاهدتك هواك
ووصى رجل ولده فقال يا بنى اعص هواك والنساء واصنع ما شئت وقوله تعالى { حيث وجدتموهم } يشير الى قتلها فى الطاعة والمعصية فقتلها فى الطاعة بملازمتها ومداومتها عليها وفطامها عن مشاربها فيها واعجابها وتخليصها اياها : قال فى القصيدة الشهيرة بالبردة
وراعها وهى فى الاعمال سائمة ... وان هى استحلت المرعى فلا تسم
اى راع النفس فى اشتغالها بالاعمال عما هو مفسد ومنقص للكمال من الرياء والعجب والغفلة والضلال وان عدت النفس بعض التطوعات حلواواعتادت والفته فاجتهد فى ان تقطع نفسك عنه واشتغل بما هو اشق عليها لان اعتبار العبادة انما هو بامتيازها من العادة { فان تابوا } ورجعوا الى الله اى رجعت النفوس عن هواها الى طلب الحق تعالى { واقاموا الصلاة } وداومت على العبودية والتوجه الى الحق { واتوا الزكوة } اى تزكت عن اوصافها الذميمة { فخلوا سبيلهم } عن مقاساة الشدائد بالرياضات والمجاهدات ليعلموا بالشريعة بعد الوصول الى الحقيقة فان النهاية هى الرجوع الى البداية كما فى التأويلات النجمية
يقول الفقير ظهر من هذا ان السالك وان بلغ الى غاية المراتب ونهاية المطالب فهو متقيد فى اطلاقه بمرتبة الشريعة والعمل باحكامها بحيث لو انخلع عن الاحكام والآداب كان ملحدا سيئ الادب مطرودا عن الباب مهجورا عن حريم قرب رب الارباب فالشريعة الشريفة محك لكل سالك مبتدئ ولكل واصل منتهى يظهر بها صدق الطلب وخدمة الشكر
وفى الكتب الكلامية ولا يصل العبد ما دام عاقلا بالغا الى حيث يسقط الامر والنهى لعموم الخطابات الواردة فى التكاليف واجماع المجتهدين على ذلك اللهم اجعلنا من المتقيدين بوثاق عبوديتك والمراعين لحقوق ربوبيتك(4/486)
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6)
{ وان احد } رفع يفعل يفسر ما بعده لا بالابتداء لان ان من عوامل الفعل { من المشركين } الذين امرتك بقتلهم فآمنه ولا نسارع الى قتله { حتى يسمع } اى الى ان يسمع او ليسمع { كلام الله } اى القرآن فيما له وما عليه من الثواب والعقاب
استدل الاشعرى بهذه الآية الى انه يجوز ان يسمع الكلام القديم الذى هو صفة الله تعالى ومنعه الشيخ ابو منصور . فمعنى حتى يسمع كلام الله يسمع ما يدل عليه كما يقال سمعت علم فلان فان حقيقة العلم لا تسمع بل سمعت خبرا دالا على علمه وكما يقال انظر الى قدرته تعالى اى الى ما يدل على قدرته تعالى والتفصيل فى كتب الكلام { ثم ابلغه } بعد استناعه له ان لم يؤمن { مأمنه } اى مسكنه الذى يأمن فيه وهو دار قومه انهم { قوم لا يعلمون } ما الاسلام وما حقيقته او قوم جهلة فلا بد من اعطاء الامان حتى يفهموا الحق ولا يبقى لهم معذرة اصلا . ومن ههنا قال الفقهاء حربى اسلم فى دار الحرب ولا يعلم بالشرائع من الصوم والصلاة ونحوهما ثم دخل دار الاسلام لم يكن عليه قضاؤها ولا يعاقب عليه اذا مات ولو اسلم فى دار الاسلام ولم يعلم بالشرائع يلزمه القضاء
واعلم ان كما ان الطفار قوم لا يعلمون احكام الله فكذا النفس وصفاتها قوم لا يعلمون الله والطافه فلا يقبلون اليه ويعلمون الدينا وشهواتها فيرغبون فيها وقد امهل الله تعالى بفضله ليرجع العبد اليه والى طاعته - روى- انه كان فى بنى اسرائيل شاب قد عبد الله عشرين سنة ثم عصاه عشرين سنة ثم نظر فى المرآة الشيب فى لحيته فساءه ذلك فقال الهى اطعتك عشرين سنة وعصيتك عشرين سنة فان رجعت اليك تقبلنى فسمع هاتفا من وراء البيت ولم ير شخصا وهو يقول احببتنا فاحببناك وتركتنا فتركناك وعصيتنا فامهلناك فان رجعت الينا قبلناك
وينبغى للعبد ان يسارع الى التوبة والاستغفار فان توبة الشاب احسن من توبة الشيخ فان الشاب ترك الشهوة مع قوة الداعى اليها والشيخ قد ضعفت شهوته وقل داعيه فى يستويان : قال السعدى قدس سره
[ قحبه بيرازنابكارى جه كندتوبه نكند ] لانه لا رغبة وفى مجامعتها فانها تؤدى الى موت الفجأة [ وشحنه معزول ازمردم ازارى ] لانه لا ولاية له على الناس
جوان كوشه نشين شيرمر داره خداست ... كه بيرخود نتواندز كوشه برخاست
شيخ كبير له ذنوب ... تعجز عن حملها المطايا
قد بيضت شعره الليالى ... وسودت قلبه الخطايا
يا من يأتى عليه عام بعد عام وقد غرق فى بحر الخطايا وهام . يا من يشاهد الآيات والعبر كلما توالت عليه الاعوام والشهور ويسمع الآيات والسور ولا ينتفع بما يسمع ولا بما يرى من عظائم الامور ما الحيلة فيمن سبق عليه الشقاء فى الكتاب المسطور فانها تعمى القلوب التى فى الصدور ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور اللهم اجعلنا من المتلذذين بحسن خطابك والمستسعدين بقرب جنابك والمتصفين بمعرفة آيات صفاتك والواصلين الى اسرار ذاتك انك انت الفياض(4/487)
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7)
{ كيف } فى محل النصب على التشبيه بالحال والظرف والاستفهام انكارى لا بمعنى انكار الواقع كما فى قوله تعالى { كيف تكفرون بالله } بل بمعنى انكار الوقوع { يكون } من الكون التام { للمشركين } هم الناكثون . والمعنى على اى حال يوجد لهم { عهد } معتديه { عند الله وعند رسوله } يستحق ان يراعى حقوقه ويحافظ عليه الى تمام المدة ولا يتعرض لهم بحبسه قتلا واخذا اى مستنكر مسنبعد ان يكون لعم عهد الوفاء به { الا الذين } استدراك من النفى المفهوم من الاستفهام المتبادر شموله لجميع المعاهدين اى لكن الذين { عاهدتم } يعنى بنى ضمرة وبنى كنانة { عند المسجد الحرام } [ نزديك مسجد حرام يعنى درحدييه كه قريبست بمكة معظمه ] والتعرض لكون المعاهدة عند المسجد الحرام لزيادة بيان اصحابها والاشعار بسبب وكادتها ومحل الموصول الرفع على الابتداء خبره قوله تعالى { فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم } والفاء لتضمنه معنى الشرط وما اما مصدرية منصوبة المحل على الظرفية بتقدير المضاف اة فاستقيموا لهم بوفاء اجلهم مدة استقامتهم لكم فى وفاء العهد فلم ينقضوه كما نقض غيرهم واما شرطية منصوبة المحل على الظرفية الزمانية اى أى زمان استقاموا لكم فى عهدهم فاستقيموا لهم بالوفاء او مرفوعة على الابتداء والعائد محذوف اى أى زمان استقاموا لكم فاستقيموا لهم فيه { ان الله يحب المتقين } لنقض العهد تعليل للامر بالاستقامة واشعار بان المحافظة على العهد من لوازم التقوى وفى الحديث « لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف بقدر غدره » قال فى شرح الشهاب المراد باللواء التشهير يعنى يفتضح الغدّار يوم القيامة بقدر غدره : وفى المثنوى
سوى لطف بيوفايان هين مرو ... كان بل ويران بود نيكوشنو
نقض ميثاق وعهود از احمقيست ... حفظ ايمان ووفار كار تقيست(4/488)
كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8)
{ كيف } يكون للمشركين عهد حقيق بالمراعاة عند الله سبحانه وعند رسوله عليه السلاة والسلام { وام يظهروا عليكم } اى وحالهم انهم ان يظفروا بكم { لا يرقبوا فيكم } اى لا يرغبوا فى شانكم . واصل الرقوب النظر بطريق الحفظ والرعاية ومنه الرقيب ثم استعمل فى مطلق الرعاية { الا } اى حلفا او قرابة
وقبل الال اسم عبرى بمعنى الاله
قال الازهرى ايل من اسماء الله تعالى بالعبرانية فجاز ان يكون معرب ال اى لا يراعوا حق الله تعالى { ولا ذمة } اى عهدا حقا يعاقب على اغفاله واضاعته مع ما سبق لهم من تأكيد الايمان والمواثيق يعنى ان وجوب مراعاة حقوق العهد على كل من المتعاهدين مشروطة بمراعاة الآخر لها فاذا لم يراعها المشركون فكيف تراعونها } يرضونكم بافواههم ] استئناف بيانى كأنه قيل بأى وجه لا يراعون الحلف او القرابة فكيف يقدمون على عدم المراعاة فاجيب بانهم يرضونكم بافواههم حيث يظهرون الوفاء والمصافاة ويعدون لكم بالايمان والطاعة ويؤكدون ذلك بالايمان الفاجرة ويتعللون عند ظهور خلافه بالمعاذير الكاذبة ونسبة الارضاء للافواه للايذان بان كلامهم مجرد الفاظ يتفوهون بها من غير ان يكون لها مصداق فى قلوبهم [ وتأبى قلوبهم } ما تتفوه به افواههم يعنى ان ألسنتهم تخالف قلوبهم وما فى بواطنهم من الضغائن ينافى ما اظهروه بالسنتهم من وعد الايمان والطاعة والوفاء بالعهد فهم انما يقولون كلاما حلوا مكرا وخديعة وفى الحديث « المكر والخديعة فى النار » يعنى اربابها وفى الحديث « اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع » وهى جمع بقلمة وهى الارض الفقر الى لا شئ فيها وامرأة بلقعة اذا كانت خالية من كل خير والمعنى يفتقر الحالف ويذهب ماله وجاهه
فينبغى للعاقل ان لا يجعل عادنه ان يحلف فى كل صغير وكبير فانه ربما يحلف كاذبا فيستحق العقوبة - ورد - ان البياع الحلاف اذا كان داذبا فى يمينه يكون ثمن ما باعه حرمة من لحم الخنزير { واكثرهم } اى اكثر المشركين { فاسقون } خارجون عن الطاعة فان مراعاة حقوق العهد من باب الطاعة متمردون فى الكفر ليست لهم عقيدة تمنعم ولا مروءة تردعهم وتخصيص الاكثر لما فى بعض الكفرة من التفادى عن الغدر والتعفف عما يجر احدوثة السوء والاحدوثة ما يتحدث الناس فى حقه من المثالب والمعائب
يقول الفقير ذكر عند حضرة شيخى العلامة ابقاه الله بالسلامة مروءة بعض اهل الذمة فقال انه من آثار السعادة الازلية ويرجى ان ذلك يدعوه الى الايمان والتوحيد ويصير عاقبته الى النجاة والفلاح : وفى المثنوى
من نديدم درجهان جست وجو ... هيج اهليت به از خوى نكو
دربى خوباش وباخوشخو نشين ... خو بذيرى روغن وكل رابيين
بس يقين دان صورت خوب ونكو ... يا خصال بد نيرزد يك طسو
ور بود صورت حقير ونايذير ... جون بود خلقش نكو درباش مير(4/489)
وقد اوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا بوصية جامعة لمحاسن الاخلاق فقال « يا معاذ اوصيتك بتقوى الله وصدق الحديث والوفاء بالعهد واداء الامانة وترك الخيانة وحفظ الجوار ورحمة اليتيم ولين الكلام وبذل السلام وحسن العمل وقصر الامل ولزوم الايمان والتفقه فى القرآن وحب الآخرة والجزع من الحساب وخفض الجناح واياك ان تسب حكيما او تكذب صادقا او تطيع آثما او تعصى اماما عادلا او تفسد ارضا . اوصيتك باتقاء الله عند كل حجر وشجر ومدر وان تحدث لكل ذنب توبة السر بالسر والعلانية بالعلانية بذلك ادب الله عباده ودعاهم الى مكارم الاخلاق ومحاسن الآداب » كذا فى العوارف
اعلم ان النفس خلقت من السلفيات وجبلت ميالة الى الدنيا وشهواتها ولذاتها والى الجفاء والغدر والرياء والنفاق وقد عاهدها الله يوم الميثاق على الصدق والاخلاص فهى ما دامت حية باقية على صفاتها الذميمة لا يمكنها العبودية الخالصة من شوب الطمع فى المقاصد الدنيوية والاخروية فاذا تنورت بالانوار المنعكسة من تجلى صفات الجمال والجلال لمراءة القلب تفنى عن اوصافها المخلوقة وتبقى بالانوار الخالقية فيثبتها الله بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة فتسلم من نقض العهد والمسجد الحرام اشارة الى مقام الوصول الذى هو حرام على اهل الدنيا والآخرة وهو مقام اهل الله وخاصته نسأل الله الوصول الى هذا المقام المكين والدخول فى هذا الحرم الامين : قال بعضهم
الزم الصدق والتقى ... واترك العجب والريا
واغلب النفس والهوى ... ترزق السؤال والمنى
فعلى العاقل المجاهدة مع النفس ورعاية العهود والحقوق ومجانبة الفسوق والعقوق
قال الشبلى قدس سره عقدت وقتا ان لا آكل الا من الحلال فكنت ادور فى البرارى فرأيت شجرة تين فمددت يدى اليها لآكل فنادتنى الشجرة احفظ عليك عقدك لا تأكل منى فأنى ليهودى
يقول الفقير فى هذه الحكاية شيآن . الاول ظهور الكرامة وهو تكلم الشجرة . والثانى تذكير الله تعالى اياه عند عقده وذلك بسبب صدقه فى ارادته واخلاصه فى طلبه فمن اراد ان يصل الى هذه الرتبة فليحافظ وقته ليراقب فان فى المراقبة حصول المطالب عصمنا الله واياكم من تجاوز الحد والخروج عن الطريق وشرفنا بالوقوف فى حد الحق والثبات فى طريق التحقيق(4/490)
اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9)
{ اشتروا بآيات الله } يعنى المشركين الناقضين تركوا الآيات الآمرة بالايفا بالعهود والاستقامة فى كل امر واخذوا بدلها { ثمنا قليلا } اى شيئا حقيرا من حطام الدنيا وهو اهواؤهم وشهواتهم التى اتبعوها { فصدوا } اى عدلوا واعرضوا من صد صدودا فيكون لازما او منعوا وصرفوا غيرهم من صده عن الامر صدا فيكون متعديا { عن سبيله } اى دينه الموصل اليه او سبيل بيته الحرام حيث كانوا يصدون الحجاج والعمار عنه ويحصرونهم { انهم ساء ما كانوا } اى بئس العمل عملهم المستمر فما المصدرية مع ما فى حيزها فى محل الرفع على انها فاعل ساء والمخصوص بالذم محذوف
وقيل ان ابا سفيان بن حرب جمع الاعراب واطمعهم ليصدهم بذلك عن متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وليحملهم على نقض العهد الذى كان بينهم وبين رسول الله فقضوه بسبب تلك الاكلة ففاعل اشتروا الاعراب والثمن القليل هو ما اطمعهم ابو سفيان
يقول الفقير هذا جار الى الآن فان بعض اهل الهوى والظلم يضيف بعض اهل الطمع والمداهنة ممن يعد من اعيان القوم ليشهدوا له عند السلطان او القاضى بالحق والعدل فيتشرون بآيات الله ثمنا قليلا هو الضيافة لهم(4/491)
لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)
{ لا يرقبون } اى لا يراعون ولا يحفظون { فى مؤمن } او فى شأنه وحقه { الا } اى خلقا او حق قرابة { ولا ذمة } اى عهدا هذا ناغى عليهم عدم مراعاة حقوق عهد المؤمنين على الاطلاق فلا تكرار { واولئك } الموصوفون بما عد من الصفات السيئة { هم المعتدون } المجاوزون الغاية القصوى من الظلم والشرارة(4/492)
فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)
{ فان تابوا } عن الكفر وسائر العظائم { واقاموا الصلوة وآتوا الزكوة } اى التزموا اقامتها واعتقدوا فريضتهما { فاخوانكم } اى فهم اخوانكم { فى الدين } متعلق باخوانكم لما فيه من معنى الفعل اى لهم ما لكم وعليهم ما عليكم فعاملوهم معاملة الاخوان ومتى لم توجد هذه الثلاثة لا تحصل الاخوة فى الدين ولا عصمة الدماء والاموال { ونفصل الآيات } اى نبين الآيات المتعلقة بحوال المشركين الناكثين وغيرهم واحكامهم حالتى الكفر والايمان { لقوم يعلمون } اى ما فيها من الاحكام ويتفكرونها ويحافظون عليها(4/493)
وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12)
{ وان نكثوا } عطف على قوله تعالى { فان تابوا } اى وان لم يفعلوا ذلك بل نقضوا { أيمانهم من بعد عهدهم } الموثق بها واظهروا ما فى ضمائرهم من الشر واخرجوه من القوة الى الفعل { وطعنوا فى دينكم } عابوه وقدحوا فيه بتصريح التكذيب وتقبيح الاحكام { فقاتلوا } [ بس بكيشد ] { ائمة الكفر } اى فقاتلوهم فوضع الظاهر موظع الضمير للاشارة الى علة وجوب مقاتلتهم اى للايذان بانهم صاروا بذلك ذوى رياسة وتقدم فى الكفر احقاء بالقتل وقيل المراد بائمتهم رؤساؤهم كابى سفيان والحرث ابن هشام وابى جهل بن هشام وسهل بن عمرو وعكرمة بن ابى جهل واشاههم وتخصيصهم بالذكر ليس لنفى الحكم عما عداهم بل لان قتلهم اهم من حيث انهم هم المعتدون فى الشرارة ويدعون الى الافعال الباطلة كأنه قيل فقاتلوا من نكث الوفاء بالعهود لا سيما ائمتهم والرؤساء منهم . واصل ائمة أاممة جمع امام نحو مثال وامثلة { انهم لا أيمان لهم } اى على الحقيقة حيث لا يراعونها ولا يعجون نقضها محذورا وان اجروها على ألسنتهم فالمراد بالايمان المثبتة لهم بقوله تعالى { وان نكثوا ايمانهم } ما اظهروه من الايمان وبالمنفية ما هو ايمان على الحقيقة فانهم اذا لم يراعوها فلا وجود لها فى الحقيقة ولا اعتبار لها لان ما لم يترتب عليه احكامه ولوازمه فهو فى حكم المعدوم وهو تعليل لاستمرار القتال المأمور به المستفاد من سياق الكلام كأنه قيل فقاتلوهم الى ان يؤمنوا لانهم لا ايمان لهم حتى تقعدوا معهم عقجا لآخر { لعلهم ينتهون } متعلق بقوله فقاتلوا اى قاتلوهم ارادة ان ينتهوا اى ليكن غرضكم من القتال انتهاءهم عماهم عليه من الكفر وسائر العظائم التى يرتكبونها لا ايصال الاذية كما هو ديدن المؤذين والاذية هو المكروه اليسير
اقول فيه اشارة الى ان الفاعل ينبغى ان يكون له غرض صحيح شرعى فى فعله كفدع المضرة فى قتل القملة والنملة واشباههما لا ارادة التشفى والانتقام وايصال الاذى والآلام للقرص او لغيره وليكن هذا على ذكر من الصوفية المحتاطين فى كل الامور والساعين فى طريق الفناء الى يوم ينفخ فى الصور
قال الحدادى فى الاية بيان ان اهل العهد متى خالفوا شيأ مما عاهدوهم عليه فقد نقضوا العهد واما اذا طعن واحد منهم فى الاسلام فان كان شرط فى عهودهم ان لا يذكروا كتاب الله ولا يذكروا محمدا صلى الله عليه وسلم لا يجوز ولا يفتنوا مسلما عن دينه ولا يقطعوا عليه طريقا ولا يعينوا اهل الحرب بدلالة على المسلمين فانهم اذا فعلوا ذلك فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسول الله فان فعلوا شيأ من هذه الاشياء حل دمهم وان كان لم يشرط ذلك عليهم فى عهودهم وطعنوا فى القرآن وشتموا النبى عليه الصلاة والسلام ففيه خلاف من الفقهاء قال اصحابنا يعزرون ولا يقتلون واستدلوا بما روى انس بن مالك ان امرأة يهودية أتت النبى عليه السلام بشاة مسمومة ليأكل منها فجيئ بها وقيل له أنقتلها فقال لا ولحديث عائشة لاضى الله عنها(4/494)
« فان الله عز وجل يحب الرفق فى امره كله » فقالت يا رسول الله ألم تسمع ما قالوا فقال « بلى قد قلت عليكم » ولم يقتلهم النبى عليه السلام بذلك وذهب مالك الى ان من شتم النبى عليه السلام من اليهود والنصارى قتل الا ان يسلم انتهى ما فى تفسير الحدادى
قال ابن الشيخ فى الآية دليل على ان الذمى اذا طعن فى الاسلام اى عابه وازدراه جاز قتله لانه عوهد على ان لا يطعن فى الدين فاذا طعن فقد خرج عن الذمة وعند ابى حنيفة يستتاب الذمى بطعنه فى الدين ولا ينقض عهده بمجرد طعنه ما لم يصرح بالنكث انتهى
قال المولى اخى جلبى فى هدي المهديين الذمى اذا صرح بسبه عليه السلام او عرض او استخف بقدره او وصفه بغير الوجه الذى كفر به فلا خلاف عند الشافعى فى قتله ان لم يسلم لانه لم يعط له الذمة او العهد على هذا وهو قول عامة العلماء الا ان ابا حنيفة والثورى واتباعهما من اهل الكوفة قالوا لا يقتل لان ما هو عليه من الشرك اعظم لكن يعزر ويؤدب . وقيل لا يسقط اسلام الذمى الساب قتله لانه حق النبى عليه السلام وجب عليه لهتكه حرمته وقصده لحاق النقيصة والمعرة به عليه السلام فلم يكن رجوعه الى الاسلام مسقطا له كما لم يسقط سائر حقوق المؤمنين من قبل اسلامه من قتل او قذف واذا كنا لا نقبل توبة المسلم فلان لا نقبل توبة الكافر اولى كما فى الاسرار والحاوى فالمختار ان من صدر منه ما يدل على تخفيفه عليه السلام بعمد وقصد من عامة المسلمين يجب قتله ولا تقبل توبته بمعنى الخلاص من القتل وان اتى بكلمتى الشهادة والرجوع والتوبة لكن او مات بعد التوبة او قتل حدّا مات ميتة الاسلام فى غسله وصلاته ودفنه ولو اصر على السب وتمادى عليه وابى التوبة منه فقتل على ذلك كان كافرا وميراثه للمسلمين ولا يغسل ولا يصلى عليه ولا يكفن بل تستر عورته ويوارى كما يفعل بالكفار . والفرق بين من سب الرسول وبين من سب الله على مشهور القول باستتابته ان النبى عليه السلام بشر والبشر من جنس تلحقهم المعرة الا من اكرمه الله تعالى بنبوته والبارى منزه عن جميع المعائب قطعا وليس من جنس تلحقهم المعرة بجنسه
واعلم انه قد اجتمعت الامة على ان الاستخفاف بنبينا وبأى نبى كان من الانبياء كفر سواء فعله فاعل ذلك استحلالا ام فعله معتقدا بحرمته ليس من بين العلماء خلاف فى ذلك والقصد للسب وعدم القصد سواء اذ لا يعذر احد فى الكفر بالجهالة ولا بدعوى زلل اللسان اذا كان عقله فى فطرته سليما .(4/495)
فمن قال ان النبى صلى الله عليه وسلم كان اسود او يتيم ابى طالب او زعم ان زهده لم يكن قصدا بل بكمال فقره ولو قدر على الطيبات اكلها ونحو ذلك يكفر وكذا من عيره برعاية الغنم او السهو او النسيان او السحر او بالميل الى نسائه او قال لشعره شعير بطريق الاهانة وان اراد بالتصغير التعظيم لا يكفر ومن قال جن النبى ساعة يكفر ومن قال اغمى عليه لا يكفر -وحكى- عن ابى يوسف انه كان جالسا مع هارون الرشيد على المائدة فروى عن النبى عليه السلام انه كان يحب القرع فقال حاجب من حجابه انا لا احبه فقال لهارون انه قد كفر فان تاب واسلم فيها والا فاضرب عنقه فتاب واستغفر حتى امن من القتل ذكره فى الظهيرية قالوا هذا اذا قال ذلك على وجه الاهانة اما بدونها فى كما فى الخاقانية ولو قال رجل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا اكل يلحس اصابعه الثلاث فقال الآخر [ اين بى ادبيست ] فهذا كفر والحاصل انه اذا استخف سنة او حديثا من احاديثه عليه السلام يكفر ولو قال لو كانت الصلاة زائدة على الاوقات الخمسة او الزكاة على خمسة دراهم والصوم على شهر لا افعل منها شيأ يكفر ولو قال لآخر صل فقال الآخر ان الصلاة عمل شديد الثقل يكفر ولو صلى رجل فى رمضان لا فى غيره فقال [ اين خود بسارست ] يكفر ولو ترك الصلاة متعمدا ولم ينو القضاء ولم يخف عقاب الله فانه يكفر ولو قال عند مجيئ شهر رمضان [ آمد آن ماه كران ] او جاء الضيف الثقيل يكفر
ومن اشارات الآيات ان الطعن في الدين هو الانكار على مذهب السلوك والطلب وائمة الكفر هم النفوس كما ان ائمة الايمان هم القلوب والارواح والنفوس لا وفاء لهم بالعهد على طلب الحق تعالى وترك ما سواه فلا بد من جهادهم حق جهادهم كى ينتهوا عن طبيعتهم وعما جبلوا عليه من الامارية بالسوء(4/496)
أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13)
{ ألا تقاتلون قوما } [ آياكارزار نميكنيدبا كروهى كه ] { نكثوا } [ بشكنند ] { ايمانهم } التى حلفوها مع الرسول والمؤمنين على ان لا يعاونوا عليهم فعاونوا بنى بكر على خزاعة
قال الكاشفى [ ديكر از عهدها ميان بيغمبر وقريش آن بودكه حلفا يكديكررا نرنجانند وبرقتال ايشان بايكديكر مظاهره نكنند قريش ببنى بكررا كه حلفاء ايشان بودند بسلاح ومردمدد دادند بابنى خزاعه كه رسول بودند جنك كردند ] { وهموا } فكون نعيا عليهم جنايتهم القديمة وقيل هم اليهود نكثوا عهد الرسول وهموا باخراجه من المدينة { وهم بدأوكم } اى بدأوا نقض العهد بالمعاداة والمقاتلة { اول مرة } لان رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءهم اولا بالكتاب وتحداهم به فعدلوا عن المحاجة لعجزهم عنها الى المقاتلة فما يمنعكم ان تعارضوهم وتصادموهم { أتخشونهم } أتتركون قتالهم خشية ان ينالكم مكروه منهم { فالله احق ان تخشوه } فقاتلوا اعداءه ولا تتركوا امره . قوله فالله مبتدأ خبره احق وان تخشوه بدل من الله اى أى خشية احق من خشيتهم فان تخشوه فى موضع رفع ويجوز ان يكون فى موضع نصب او جر على الخلاف اذا حذف حرف الجر وتقديره بان تخشوه اى احق من غيره بان تخشوه { ان كنتم مؤمنين } فان قضية الايمان ان لا يخشى الا منه
قال فى التأويلات النجمية أتخشون فوات حظوظ النفس فى اجتهاد وخشية فوات حقوق الله والوصول اليه اولى وان كنتم مؤمنين بالوصول اليه(4/497)
قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14)
{ قاتلوهم } [ كارزار كنيد بامشركان ] { يعذبهم الله بايديكم } يعنى [ بشمشير هاى شما مقتول شوند ] { ويخزهم } [ ورسوا سازد شان بمقهوريت ومغلوبيت ] { وينصركم عليهم } اى يجعلكم جميعا غالبين عليهم اجمعين ولذلك اخر عن التعذيب { ويشف } [ شفا بخشد ] { صدور قوم مؤمنين } ممن لم يسهد القتال وهم خزاعة
قال ابن عباس رضى الله عنهما هم بطن من اليمن وسبأ قدموا مكة فاسلموا فلقوا من اهلها اذى كثيرا فبعثوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون اليه فقال عليه السلام « ابشروا فان الفرج قريب » قال الحافظ
آنكه بيرانه سرم صحبت يوسف بنواخت ... اجر صبريست كه در كلبه احزان كردم(4/498)
وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)
{ ويذهب } [ وببرد خداى تعالى بنصرت شما بركفار ] { غليظ قلوبهم } [ اندوه دلهاء آنانراكه بواسطه اذاء كفار ملول بودند ] ولقد انجز الله ما وعدهم به على اجمل ما يكون { ويتوب الله على من يشاء } كلام مستأنف ينبئ عما سيكون من بعض اهل مكة من التوبة المقبولة فكان كذلك حيث اسلم ناس منهم وحسن اسلامهم مثل ابى سفيان وعكرمة بن ابى جهل وسهل بن عمر وغيرهم { والله عليم } بما كانوا وما سيكون { حكيم } لا يفعل ولا يأمر لى على وفق الحكمة(4/499)
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16)
{ ام حسبتم } آيا مى بنداريداى مؤمنان ] وام منقطعة . والمعنى بل أحسبتم ومعنى بل الاضطراب عن امرهم بالقتال الى توبيخهم على الحسبان { ان تتركوا } مهملين غير مأمورين بالجهاد { ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم } اى والحال انه لم يتبين الخلص وهم الذين جاهدوا من غيرهم وفائدة التعبير عن عدم التبين بعدم علم الله تعالى ان المقصود هو التبين من حيث كونه متعلقا للعلم ومدارا للثواب
قال الحدادى وكان الله تعالى قد علم قبل امرهم بالقتال من لا يقاتل ممن يقاتل ولكنه يعلم ذلك غيبا واراد العلم الذى يجازى عليه وهو علم المشاهدة لانه يجازيهم على علمهم لا على علمه فيهم انتهى وعدم التعرض لحال المقصرين لما ان ذلك بمعزل من الاندراج تحت ارادة اكرم الاكرمين { ولم يتخذوا } عطف على جاهدوا داخل فى حيز الصلة اى ولما يعلم الله الذين لم يتخذوا { من دون الله } متعلق بالاتخاذ ان ابقى على حاله او مفعل ثان له ان جعل بمعنى التصيير { ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة } اى بطانة وصاحب سر وهو الذى تطلعه على ما فى ضميرك من الاسرار الخفية من الولوج وهو الدخول
قال ابو عبيدة كل شيء ادخلته فى شيء وليس منه فهو وليجة تكون للواحد والاثنين والجمع بلفظ واحد { والله خبير بما تعملون } اى بجميع اعمالكم لا يخفى عليه شيء منها فيعلم غرضكم من الجهاد هل فيه اخلاص او هو مشوب بالعلل كاحراز الغنيمة او جلب الثناء او نحو ذلك : قال السعدى
منه آب زرجان من بربشيز ... كه صراف دانا نكيرد بجيز
زراند ودكانرا بآتش برند ... بديد آيد آنكه كه مس يازرند
وفى الآية حث على الجهاد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لرباط يوم فى سبيل الله محتسبا من غير شهر رمضان افضل عند الله واعظم اجرا من عبادة مائة سنة صيامها وقيامها او رباط يوم فى سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبا من شهر رمضان افضل عند الله واعظم من عبادة الفى سنة صيامها وقيامها فان رده الله الى اهله سالما يكتب عليه سيئة الف سنة ويكتب له الحسنات ويجرى له اجر الرباط الى يوم القيامة » وفى الحديث « من آمن بالله وبرسولهواقام الصلاة وصام رمضان كان حقا على الله ان يدخل الجنة جاهد فى سبيل الله او اجلس فى ارضه التى ولد فيها » قالوا أفلا نبشر الناس قال « ان فى الجنة مائة درجة اعدها الله للمجاهدين فى سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والارض فاذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فانه اوسط الجنة واعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر انهار الجنة »(4/500)
وفى الحديث « المجاهد من جاهد نفسه لله تعالى جاهدوا اهواءكم كما تجاهدون اعداءكم اشجع الناس اقهرهم لهواه » كم عاقل اسير هواه عليه امير عبد الشهوات اذل من عبد الرق ان المرآة لا تريك خدوش وجهك مع صداها وكذلك نفسك لا تريك عيوب نفسك مع هواها
وفى الاية بيان ان المؤمن المخلص يجتنب عن الكافر والمنافق ولا يتخذهما صاجبى سر -روى- عن شدادة بن اوس وعبادة بن الصامت قالا بينما كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ قال « هل فيكم غريب » يعنى اهل كتاب قلنا لا يا رسول الله فامر بغلق الباب فقال « ارفعوا ايديكم فقولوا لا اله الا الله » فرفعنا ايدينا ساعة ثم وضع رسول الله يده ثم قال « الحمد لله اللهم انك بعثتنى بهذه الكلمة وامرتنى بها ووعدتنى عليها الجنة انك لا تخلف الميعاد » ثم قال ابشروا فان الله قد غفر لكم اقول هذا التلقين تلقين خاضص وقد توارثته الخواص من لدنه عليه السلام الى هذا اليوم ولم يطلعوا عليه العوام ولم يفشوا اسرارهم الى الاجانب فان ذلك من الخيانة وكذا ولاية المؤمن الكافر ومحبته له من الخيانة وما الاختلاط الا من محبة الكفر والعياذ بالله تعالى من ذلك(5/1)
مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17)
{ ما كان للمشركين } نزلت الآية فى جماعة من رؤساء قريش اسروا يوم بدر فيهم العباس عم النبى عليه السلام فاقبل عليهم نفر من اصحاب رسول الله فعيروهم بالشرك وجعل على رضى الله عنه يوبخ العباس بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطع رحمه وعون المشركين عليه واغلظ القول له فقال العباس ما لكم تذكرون مساوينا وتكتمون محاسننا فقال له على وهل لكم من محاسن قال نعم نعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقى الحاج فقال الله تعالى ردا { ما كان للمشركين } اى ما صح وما استقام على معنى نفى الوجود والتحقق لا نفى الجواز كما فى قوله تعالى { واولئك ما كان لهم ان يدخلوها الا خائفين } اى ما وقع وما تحقق لهم { ان يعمروا } عمارة معتدا بها { مساجد الله } اى المسجد الحرام وانما جمع لانه قبلة المساجد وامامها فعامره كعامرها او لان كل ناحية من نواحيه المختلفة الجهات مسجد على حاله بخلاف سائر المساجد على حاله بخلاف سائر المساجد اذ ليس فى نواحيها اختلاف الجهة قيل لعكرمة لم تقرأ مساجد وانما هو مسجد واحد قال { ان الصفاء والمروة من شعائر الله } اى شيأ من المساجد فضلا عن المسجد الحرام فضلا عن المسجد الحرام الذى هو افضل افراد الجنس على لان تعريف الجمع بالاضافة للجنس فالآية علىهذا الوجه كناية عن عمارة المسجد على وجه آكد من التصريح بذلك
ذكر فى القنية ان اعظم المساجد حرمة المسجد الحرام ثم مسجد المدينة ثم مسجد بيت المقدس ثم الجوامع ثم مساجد الشوارع فانها اخف مرتبة حتى لا يعتكف فيها اذا لم يكن لها امام معلوم ومؤذن ثم مساجد البيوت فانه لا يجوز الاعتكاف فيها الا للنساء انتهى
وهذه المساجد هى المساجد المجازية . واما المساجد الحقيقية فهى القلوب الطاهرة عن لوث الشرك مطلقا كما قال من قال
مسجدى كو اندرون اولياست ... سجده كاه جمله است آنجا خداست
آن مجازست اين حقيقت اى خران ... نيست مسجد جز درون سروران
ولهذا يعبر عن هدم المسجد بهدم قلب المؤمن { شاهدين على انفسهم بالكفر } اى باظهار آثار الشرك من نصب الاوثان حول البيت للعبادة فان ذلك شهادة صريحة على انفسهم بالكفر وان ابوا ان يقولوا نحن كفار كما نقل عن الحسن
وقال السدى شهادتهم عللاى انفسهم بالكفر ان اليهودى لو قيل له ما انت قال يهودى ويقول النصرانى هو نصرانى ويقول المجوسى هو مجوسى او قولهم نعبد الاصنام ليقربونا الى الله زلفى وهو حال من الضمير فى يعمروا اى محال ان يكون ما سموه عمارة عمارة بيت الله مع ملابستهم لما ينافيها ويحبطها من عبادة غيره تعالى فانها ليست من العمارة فى شيء { اولئك } الذين يدعون عمارة المسجد وما يضاهيها من اعمال البر مع ما بهم من الكفر { حبطت } [ تباه وباطل شده است بواسطه كفر ] { اعمالهم } التى يفتخرون بها وان كانت من جنس طاعة المسلمين { فى النار هم خالدون } لكفرهم ومعاصيهم(5/2)
قال القاضى عياض انعقد الاجماع على ان الكفار لا تنفعهم اعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا بتخفيف عذاب لكن بعضهم يكون اشد عذابا من بعض بحسب جرائمهم
وذكر الامام الفقيه ابة بكر البيهقى انه يجوز ان يراد مما ورد فى الآيات والاخبار فى بطلان خيرات الكفار انهم لا يتخلصون بها من النار ولكن يخفف عنهم ما يستوجبونه بجنايات ارتكبوها سوى الكفر ووافقه المازرى
قال الواحدى دلت الآية على ان الكفار ممنوعون من عمارة مسجد المسلمين ولو اوصى لم تقبل وصيته وهو مجمع عليه بين الحنفية ويمنع من دخول المساجد فان دخل بغير اذن مسلم استحق التعزير وان دخل باذنه لم يعزر والاولى تعظيم المساجد ومنعها منهم(5/3)
إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)
{ انما يعمر مساجد الله } شامل للمسجد الحرام وغيره { من آمن بالله } وحده الايمان بالرسول داخل فى الايمان بالله لما علم من تقارنهما وعدم انفكاك احدهما عن الآخر فى مثل الشهادة والاذان والاقامة { واليوم الآخر } بما فيه من البعث والحساب والجزاء { واقام الصلوة } مع الجماعة واكثر المشايخ على انها واجبة وفى الحديث « صلاة الرجل فى جماعة تضعف على صلاته فى بيته وفى سوقه خمسا وعشرين ضعفا » والجماعة دون ثواب المصلين فى المسجد بالجماعة { وآتى الزكوة } اى الصدقة المفروضة عن طيب نفس وقرن الزكاة بالصلاة فى الذكر لما ان احداهما لا تقبل الا بالاخرى اى انما تستقيم عمارتها ممن جمع هذه الكمالات العلمية والعملية { ولم يخش } فى امور التدين { الا الله } فعمل بموجب امره ونهيه غير آخذ له فى الله لومة لائم ولا خشية ظالم فيندرج فيه عدم الخشية عند القتال ونحو ذلك . واما الخوف الجبلى من الامور المخوفة كالظلمة والسباع المهلكة والدواهى العظيمة فهو لا يقدح فى الخشية من الله اذا الخشية من الله ارادة ناشئة من تصور عظمة الله واحاطة علمه بجميع المعلومات وكمال قدرته على مجازاة الاعمال مطلفا وهذا الخوف الجبلى لا يدخل تحت القصد والارادة { فعسى اولئك } [ بس لآن كروه شايد ] { ان يكونوا من المهتدين } الى مباغيهم من الجنة وما فيها من فنون المطالب العلية وابرازاهتدائهم مع ما بهم من الصفات السنية فى معرض التوقع لقطع اطماع الكفرة عن الوصول الى مواقف الاهتداء والانتفاع باعمالهم التى يحسبون انهم لها محسنون ولتوبيخهم بقطعهم بانهم مهتدون فان المؤمنين مع ما بهم من هذه الكمالات اذا كان امرهم دائرا بن لعل وعسى فما بال الكفرة وهم هم واعمالهم اعمالهم
جايى كه شير مردان در معرض عتابند ... روباه سير تانرا آنجا جه تاب باشد
[ وديكر منع مؤمنانست ازاغترار باعمال خويش وبران اعتماد نمودن ] كما قال الحدادى كلمة عسى من الله واجبة والفائدة فى ذكرها فى هذه الآية ليكون الامسام على حذر من فعل ما يحبط ثواب عمله [ كه هر كه بعمل مغروست از فيض ازل مهجورست ]
مباش غره بعلم وعمل كه شد ابليس ... بدين سبب زدر باركاه عزت دور
واعلم ان عمارة المساجد تعم انواعا منها البناء وتجديد ما انهدم منها وفى الحديث « سبع يجرى للعبد اجرهن وهو فى قبره بعد موته من تعلم علما او كرى نهرا او حفر بئرا او غرس نخلا او بنى مسجدا او ورث مصحفا او ترك ولدا يستغفر له بعد موته » وفى الحديث « من بنى مسجدا لله تعالى اعطاه الله بكل شبر او بكل ذراع اربعين الف الف مدينة من ذهب وفضة وياقوت وزبرجد ولؤلؤ فى الجنة فى كل مدينة الف الف بيت فى كل بيت الف الف سرير على كل سرير زوجة من الحور العين فى كل بيت اربعون الف مائدة على كل مائدة اربعون الف قصعة فى كل قصعة اربعون الف لون من طعام ويعطى الله له من القوة حتى يأتى على تلك الازواج وعلى ذلك الطعام والشراب »(5/4)
ذكره الزندوستى فى الروضة . فان خرب المسجد وتعطل او خربت المحلة ولا يصلى فيه احد ما صار المسجد مستغلا والمستغل مسجدا لم يجز
يقول الفقير من الناس من جعل المسجد اصطبل الدواب او مطمورة الغلة او نحوه وكذا الكتاب ونحوه من مجال العلم والعبادات وقد شاهدناه فلا ديار الروم والعياذ بالله تعالى
قال على رضى الله عنه ست من المروءة ثلاث فى الحضر وثلاث فى السفر . فاما اللاتى فى الحضر فتلاوة كتاب الله وعمارة مسجد الله واتخاذ الاخوان فى الله . واما اللاتى فى السفر فبذل الزاد وحسن الخلق والمزاح فى غير معاصى الله ذكره الخطيب فى الروضة
ومنها قمها اى كنسها وتنظيفها
قال الحسن مهور الحور العين كنس المساجد وعمارتها وفى الحديث « غسل الانا وطهارة الفنا يورثان الغنى » فاذا كان الامر فى طهارة الفناء وهو فناء البت والد كان ونحوهما هكذا فما ظنك فى تنظيف المسجد والكتاب ونحوهما
ومنها تزيينها بالفرش
قال بعضهم اول من فرش الحصير فى المساجد عمر بن الخطاب رضى الله عنه وكانت قبل ذلك مفروشة بالحصى وهو بالفارسية [ سنك ريزه ] تى فى زمنه صلى الله عليه وسلم وذلك ان المطر جاء ذات ليلة فاصبحت الارض مبتلة فجعل الرجل يأتى بالحصباء فى ثوبه فيبسطها تحته ليصلى عليها فلما فضى رسول الله الصلاة قال ما احسن هذا البساط ثم امر ان يحصب جميع المسجد فمات قضى رسول الله الصلاة قال ما احسن هذا البساط ثم امر ان يحصب جميع المسجد فمات قبل ذلك فحصبه عمر رضى الله عنه
وفى الاحياء اكثر معروفات هذه الاعصار منكرات فى عصر الصحابة اذ من عد المعروف فى زماننا من فرش المساجد بالبسط الرقية وقد كان يعد فرش البوارى فى المسجد بدعة كانوا لا يرون ان يكون بينهم وبين الارض حائل انتهى
قال الفقهاء يستحب له ان يصلى على الارض بلا حائل او ما تنبته كالحصير والبوريا لانه اقرب الى التواضع وفيه خروج عن خلاف الامام مالك فان عنده يكره السجود على ما ليس من جنس الارض ولا بأس بان من الارض وقد روى انه عليه السلام سجد على فروة مدبوغة ولا بأس بتبييض المسجد بالجص او بالتراب الابيض -ذكر- ان الوليد بن عبد الملك انفق على عمارة مسجد دمشق فى تزيينه مثل خراج الشام ثلاث مرات -وروى- ان سليمان ين داود عليهما السلام بنى مسجد بيت المقدس وبالغ فى تزيينه حتى نصب الكبريت الاحمر على رأس القبة وكان ذلك اعز ما يوجد فى ذلك الوقت وكان يضيئ من ميل وكانت الغزالات يغزلن فى ضوئه من مسافة اثنى عشر ميلا وكان على حاله حتى خربه بخت نصر ونقل جميع ما فيه من الذهب والفضة والجواهر والآتية الى ارض بابل وحمل مائة الف وسبعين عجلة(5/5)
ومنها تعليق القناديل فى المساجد واسراج المصابيح والشموع وفى الحديث « من علق قنديلا صلى عليه سبعون الف ملك حتى ينكسر ذلك القنديل » كما فى الكشف وقال انس رضى الله عنه من اسرج فى مسجد سراجا ولم تزل الملائكة وحملة العرش تستغفر له ما دام فى ذلك المسجد ضوؤه . وكان سليمان عليه السلام امر باتخاذ الف وسبعمائة قنديل من الذهب فى سلاسل الفضة . ذكر ان مسجد النبى صلى الله عليه وسلم كان اذا جاءت العتمة يوقد فيه سعف النخل فلما قدم تميم الدارى المدينة صحب معه قناديل وحبالا وزيتا وعلق تلك القناديل بسوارى المسجد واوقدت فقال صلى الله عليه وسلم « نورا مسجدنا نور الله عليك اما والله لو كان لى بنت لانكحتها هذا » وفى كلام بعضهم اول من جعل فى المسجد المصابيح عمر بن الخطاب ويوافقه قول بعضهم والمستحب من بدع الافعال تعليق القناديل فيها يعنى المساجد واول من فعل ذلك عمر بن الخطاب فانه لما جمع الناس على ابى بن كعب رضى الله عنه فى صلاة التراويح علق القناديل فلما رأها على كرم الله وجهه تزهر قال نورت مسجدنا نور الله قبرك يا ابن الخطاب ولعل المراد تعليق ذلك بكثرة فلا يخالف ما تقدم عن تميم الدارى . وعن بعضهم قال امرنا المأمون ان اكتب فان اليه انسا للمتهجدين ونفيا لبيوت الله عن وحشة الظلم فانتبهت وكتبت بذلك
قال بعضهم لكن زيادة الوقود كالواقع ليلة النصف من شعبان ويقال لها ليلة الوفود ينبغى ان يكون ذلك كتزيين المساجد ونقشها وقد كره بعضهم والله اعلم الكل من انسان العيون فى سيرة النبى المأمون
قال الشيخ عبد الغنى النابلسى فى كشف النور عن اصحاب القبور ما خلاصته ان البدعة الحسنة الموافقة لمقصود الشرع تسمى سنة فبناء القباب على قبور العلماء والاولياء والصلحاء ووضع الستور والعمائم والثياب على قبورهم امر جائز اذا كان القصد بذلك التعظيم فى اعين العامة حتى لا يحتقروا صاحب هذا القبر كذا يقاد القناديل والشمع عند قبور الاولياء والصلحاء من باب التعظيم والاجلال ايضا للاولياء فالمقصد فيها مقصد حسن . ونذر الزيت والشمع للاولياء يوقد عند قبورهم تعظيما لهم ومحبة فيهم جائز ايضا لا ينبغى النهى عنه
ومنها الدخول والقعود فيها والمكث والعبادة والذكر ودراسة العلوم ونحو ذلك قال ابن عباس رضى الله عنهما ألا ادلكم على ما هو خير لكم من الجهاد قالوا بلى قال ان تبنوا مسجدا فيتعلم فيه القرآن والفقه فى الدين او السنة كما فى الاسرار المحمدية
ومنها صيانتها مما لم تبن له كحديث الدنيا وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم(5/6)
« الحديث فى المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش » ويقال حديث الدنيا فى المسجد وفى مجلس العلم وعند الميت وفى المقابر وعند الاذان وعند تلاوة القرآن يحبط ثواب عمل ثلاثين سنة وفى الحديث « قال الله تعالى ان بيوتى فى ارضى المساجد وان زوارى فيها عمارها فطوبى لعبد تطهر فى بيته ثم زارنى فى بيتى » فحق على المزور ان يكرم زائره
قال الامام القشيرى قدس سره عمارة المساجد التى هى مواقف العبودية لا تتأتى اى بتخريب اوطان ملاحظته ولكل منهم مخصوص وكذلك رتبهم بالايمان مختلفة فايمتن من حيث البرهان وايمان من حيث البيان وايمان من حيث العيان وشتان ما بينهم انتهى كلامه نسأل الله الغفار ان يجعلنا من العمار والزوار(5/7)
أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19)
{ أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام } -روى- ان المشركين قالوا القيام على السقاية وعمارة المسجد الحرام خير ممن آمن وجاهد وكانوا يفتخرون بالحرم ويستكثرون به من اجل انهم اهله وعماره فانزل الله تعالى هذه الآية
قال الكاشفى [ آورده اندكه بعض اهل حرم درجاهليت زمره حاج را نبيذ زبيب باعسل وسويق ميداند ودرزمان آنحضرت رسالت بناه صلى الله عليه وسلم آن منصب سقايت بعباس تعلق داشت ومتصدئ عمارة مسجد الحرام شيبة بن طلحة بود روزى اين هر در بامرتضى على بمقام مفاخرت درآمده عباس بسقايت وشيبه بعمارت مباهات مى نمودند وعلى باسلام وجهاد مفتخر مى بود حق سبحانه وتعالى بتصديق على آيت فرستاد ] -روى- النعمان بن بشير قال كنت عند منبر رسول الله فقال رجل ما ابالى ان لا اعمل بعد ان اسقى الحاج وقال آخر ما ابالى ان الا عمل عملا بعد ان اعمر المسجد الحرام وقال آخر الجهاد فى سبيل الله افضل مما قلتما فزجرهم عمر رضى الله عنه وقال لا ترفعوا اصواتكم عند منبر رسوب الله وهو يوم الجمعة ولكن اذا صليتم استفتيت رسول الله فيما اختلفتم فيه فدخل فأنزل الله هذه الآية . والمعنى اجعلتم ايها المشركون او المؤمنون للسقاية والعمارة ونحوهما على العجرو والجهاد ونظائرهما سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام فى الفضيلة وعلو الدرحة { كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد فى سبيل الله } السقاية والعمارة مصدران لا يتصور تشبيههما بالجثث فلا بد من تقدير مضاف فى احد الجانبين اى أجعلتم اهلهما كمن آمن او أجعلتموها كايمان من آمن فان السقاية والعمارة وان كانتا فى انفسهما من اعمال البر والخير لكنهما بمعزل عن صلاحية ان يشبه اهلهما باهل الايمان والجهاد او يشبه نفسهما بنفس الايمان والجهاد او يشبه نفسهما بنفس الايمان والجهاد وذلك قوله تعالى { لا يستوون عند الله } اى لا يساوى الفريق الاول الثانى من حيث اتصاف كل واحد منهما بوصفيهما ومن ضرورته عدم التساوى بين الوصفين الاولين وبين الآخرين لان المدار فى التفاوت بين الموصوفين { والله لا يهدى القوم الظالمين } اى الكفرة الظلمة بالشرك ومعاداة الرسول منهمكون فى الضلالة فكيف يساوون الذين هداهم الله ووفقهم للحق والصواب(5/8)
الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)
{ الذين آمنوا } استنئاف لبيان مراتب فضلهم اثر بيان عدم الاسواء وضلال المشركين وظلمهم { وهاجروا } من اوطانهم الى رسول الله { وجاهدوا فى سبيل الله } العدو فى طاعة الله { باموالهم } [ ببذل كردن مالهاى خود بمجاهدان وتهيه اسباب قال ايشان ] { وانفسهم } [ در باختن نفسهاى خود در معارك حرب ] اى هم باعتبار اتصافهم بهذه الاوصاف الجليلة { اعظم درجة عند الله } اى اعلى رتبة واكثر من جملتها السقاية والعمارة
قال الحدادى وانما قال اعظم وان لم يكن للكفار درجة عند الله لانهم كانوا يعتقدون ان لهم عند الله وهذا كقوله تعالى { اصحاب الجنة يومئذ خير مستقر او احسن مقيلا } { واولئك } المنعوتون بتلك النعوت { هم الفائزون } المختصون بالفوز المطلق كأن فوز من عداهم ليس بفوز من نسبة الى فوزهم واما على الثانى فهو لمن يؤثر التقاية والعمارة من المؤمنين على الهجرة والجهاد(5/9)
يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21)
{ يبشرهم ربهم } فى الدنيا على ألسنة الرسل { برحمة } عظيمة { منه } هى النجاة من العذاب فى الآخرة { ورضوان } [ خشودى كامل ازيشان ] { وجنات } اى بساتين عالية { لهم فيها } اى فى تلك الجنات { نعيم مقيم } نعم لا نفاد لها(5/10)
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)
{ خالدين فيها } اى فى الجنات { ابدا } تأكيد للخلود لزيادة توضيح المراد اذ قد يراد به المكث الطويل { ان الله عنده اجر عظيم } اى ثواب كثير فى الجنة لاقدر عنده لاجور الدنيا [ در كشف الاسرار فرمودكه رحمت براى عاصيا نست ورضوان براى مطيعان وجنت براى كافه مؤمنان رحمت را تقديم كردتا اهل عصيان رقم ن اميدى برصفحات احوال خود نكشند كه هرجند كناه عظيك بود رحمت ازان اعظم است ]
كنه ما فزون بود زشمار ... عفوت اقزونتر از كناه همه
قطره زآب رحمت توبس است ... شستن نامه سياه همه
اعلم انه كما ان الكفار بالكفر الجلى لا يساوون المخلصين فى احوالهم ومقاماتهم فى احوالهم ومقاماتهم فالزهد والتصوف والتعرف والتعبد المشوبة بالرياء والهوى والاغراض لا ثمرة لها عند اهل الطلب لانها خدمة فاسدة كبذر فاسد
دنيا دارى وآخرت مى طلبى ... اين ناز بخانه بدر بايد كرد
قيل لا تطمع فى المنزلة عند الناس وفرقوا بين الخادم والمتخادم بان المتخادم من كانت خدمته مشوبة بهواه فلا يراعى واجب الخدمة فى طرفى الرضى والغضب لانحراف مزاج قلبه بوجود الهوى ويحب المحمدة والثناء من الخلق والخادم من ليس كذلك
قال السرى الزهد ترك حظوظ النفس من جميع ما فى الدنيا ويجمع هذه الحظوظ المالية والجاهية حب المنزلة عند الناس وحب المحمدة والثناء . وحاء فى الاثر « لا يزال لا اله الا الله يدفع عن العباد سخط الله ما لم يبالوا بما نقص من دنياهم فاذا فعلوا ذلك وقالوا لا اله الا الله قال الله تعالى كذبتم لستم بها صادقين » -روى- ان عابدا من بنى اسرائيل راودته ملكة عن نفسه فقال اجعلوا لى ماء فى الخلاء اتنظف به ثم صد أعلى الارض وضعا رفيقا فقيل لابليس ألا اغويته قال ليس لى سلطان على من خالف هواه وبذل نفسه لله فهذا هو الجهاد فى الله وثمرته الخلاص من الهلاك مطلقا
قال العلماء بالله ينبغى للمريد ان يكون له فى كل شيء نية لله تعالى حتى فى اكله وشربه وملبوسه فلا يلبس من المسك الا ذفر ومن تطيب لغير الله وقد ورد فى الخبر « من تطيب لله جاء يوم القيامة وريحه اطيب من المسك الا ذفر ومن تطيب لغير الله جاء يوم القيامة وريحه انتن من الجيفة » فالمريد ينبغى ان يتفقد جميع اقواله وافعاله ولا يسامح نفسه ان تتحرك بحركة او تتكلم بكلمة الا لله تعالى . وفى الأخير من الآيات اشارة الى من جاهد النفس وبذل الوجود والموجود جميعا فانه اعظم قربة فى مقام العندية من النفوس المتمردة ومن وصل الى مقام العندية فالله يعظم اجره اى يجده فى مقام العندية فافهم واسأل ولا تغفل عن حقيقة الحال(5/11)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23)
{ يا ايها الذين آمنوا } سبب نزولها انه لما امر الله رسول الله صلى الله عليه وسلم اصحابه بالهجرة الى المدينة كان من الناس من يتعلق به زوجته وولده واقاربه فيقولون ننشدك الله ان لا تروح وتدعنا الى غير شيء فنضيع بعدك فيرق لهم ويدع الهجرة فقال الله تعالى ايها المؤمنون { لا تتخذوا آباءكم واخوانكم } الكفرة بمكة { اولياء } يعنى [ اين كروه بدوستى مكيريد ] { ان استحبوا الكفر } اى اختاروه { على الايمان } عدى استحب لعلى لتضمنه معنى اختار وحرص { ومن يتولهم منكم } [ وهو كرا ازشما ايشانرا دوست دارد يعنى اين عمل ازيشان بسندد ] ومن للجنس لا للتبعيض { فاولئك } المتولون { هم الظالمون } بوضعهم الموالاة فى غير موضعها كأن ظلم غيرهم كلا ظلم عند ظلمهم
قال الامام الصحيح ان هذه السورة انما نزلت بعد فتح مكة فكيف يمكن حمل هذه الآية على ايجاب الهجرة والحال ان الهجرة انما كانت واجبة قبل فتح مكة . والاقرب ان تكون هذه الآية محمولى على ايجاب التبرى من اقربائهم المشركين وترك الموالاة معهم باتخاذهم بطانة واصدقاء بحيث يفشون اليهم اسرارهم ويؤثرون المقام بين اظهرهم على الهجرة الى دار الاسلام ويدل عليه قوله تعالى { ومن يتولهم منكم فاولئك هم الظالمون } اى المشركون مثلهم
قال الحدادى انما جعلوا ظالمين لمولاة الكفار لان الراضى بالكفر يكون كافرا
قال الكاشفى [ جون آيت آمد متخلفان ازهجرت كفتندكه حالا ما درميان قبائل وعشائر خوديم وبمعاملات وتجارات اشتغال نموجه اوقات ميكذارنيم جون عزيمت هجرت كنيم بالصرورة قطع بدر وفرزند بايد كرد تجارت ازدست برود ومابى كسبى وبى مالى بمانيم آيت ديكر آمدكه ](5/12)
قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)
{ قل } يا محمد للذين تركوا الهجرة { ان كان آباؤكم وابناؤم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم } اى اقرباؤم من المعاشرة وهى المخالطة { واموال اقترفتموها } اى اكتسبتموها واصبتموها بمكة وانما وصفت بذلك ايماء الى عزتها عندهم لحصولها بكد اليمين { وتجارة } اى امتعة اشتريتموها للتجارة والربح { تخشون كسادها } بفوات وقت رواجها بغيبتكم عن مكة المعظمة فى ايام الموسم { ومساكن ترضونها } اى منازل تعجبكم الاقامة فيها لكمال نزاهتها من الدور والبساتين { احب اليكم من الله ورسوله } اى من كاعة الله وطاعة رسوله بالهجرة الى المدينة { وجهاد فى سبيله } اى واجب اليكم من الجهاد فى طاعة الله والمراد الحب الاختيارى المستتبع لاثره الذى هو الملازمة وعدم المفارقة لا الحب الجبلى الذى لا يخلو عنه البشر فانه غير داخل تحت التكليف الدائر على الطاقة { فتربصوا } اى انتظروا جواب للشرط { حتى يأتى الله } [ تابيارد خداى تعالى ] { بامره } هى عقوبة عاجلة او آجله وهو وعيد لمن آثر حظوظ نفسه على مصلحة دينه { والله لا يهدى القوم الفاسقين } الخارجين عن الطاعة فى موالاة المشركين اى لا يرشدهم الى ما هو خير لهم
وفى الآية الكريمة وعيد شديد لا يتخلص منه الا اقل قليل فانك لو تتبعت اخوان زماننا من الزهاد الورعين لوجدتهم يتحيرون ويتحزنون بفوات احقر شيء من الامور الدنيوية ولا يبالون بفوات اجلّ حظ من الحظوظ الدينية فان محصول الآية ان من اثر هذه المشتهيات الدنيوية على طاعة الرحمن فليستعد لنزول عقوبة آجلة وعاجلة ولينظر ان ما آثره من الحظوظ العاجلة هل يخلص من الاهوال والدواهى النازلة اللهم عفوك وغفرانك يا ارحم الراحمين
قال الكاشفى { اى عزيز مردى بايدكه ابراهيم وار روى از كون بكرداند { فانهم عدو لى الا رب العالمين } مال رابذل مهمان . وفرزندار قصد قربان وخودرا فداى آتش سوزان كند تادرو دعوئ دوستى صادق باشد ]
آنكس كه تراشناخت جانرا جه كند ... فرزند وعيال وخانما نرا جه كند
ديوانه كنى هر دو جهانش بخشى ... ديوانه توهر دوجهانرا جه كند
[ آورده نماندكه حضرت صلى الله عليه وسلم فرموده است كه ] « لا يؤمن احدكم حتىكون احب اليه من ماله وولده والناس اجمعين »
قال ابن ملك المراد به نفى كمال الايمان بالحب الحب الاختيارى مثلا لو امر رسول الله مؤمنا بان يقاتل الكافر حتى يكون شهيدا او امر لقتل ابويه واولاده الكافرين لاحب ان يختار ذلك لعلمه ان السلامة فى امتثال امره عليه السلام وان لا يخبر كما ان المريض ينفر بطبعه عن الدواء ولكن يميل اليه ويفعله لظنه ان صلاحه فيه كيف ونبينا عليه السلام اعطف علينا منا ومن آبائنا واولادنا لانه عليه السلام يسعى لنا لا لغرض(5/13)
قال القاضى ومن محبته عليه السلام نصرة سنته والذب اى المنع والدفع عن شريعته [ از حضرت شيخ الاسلام قدس سره منقولست كه احمد بن يحيى دمشقى روزى بيش مادر وبدر نشسته بود قصه قربان كردن حضرت اسماعيل از قرآن بريشان ميخواند كفتند اى احمد از بيش ما برخيز وبروكه ما ترادكار خدا كرديم احمد برخاست وكفت الهى اكنون جزتوكسى ندارم روبكعبه نهاد وبعد ازان كه بيست وجهار موقف ايستاده بود قصد زيارت والدين كردجون بدمشق آمد وبدر سراى خود رسيد حلقه دربجنبانيد ما درش آوازدادكه من على الباب جواب دادكه انا احمد ابنك مادرش كفت بيش ازين مارا فرزندى بود اورا دركار خدا كرديم احمد ومحمودرا باماجه كار
ماهرجه داشتبم فداى توكرده ايم ... جانرا اسير بند هواى توكرده ايم
ماكرده ايم ترك خود وهردوكون نيز ... وينهاكه كرده ايم براى تو كرده ايم
وهذا لما ان المهاجرين كانوا يكرهون الموت فى بلدة هاجروا منها وتركوها لله تعالى لئلا ينقص ثواب الهجرة اذ فى العود نقض العمل الا ان يكون لضرورة دون اختيار
قال فى التأويلات اصل الدين هو محبة الله تعالى وان صرف استعداد محبة الله فى هذه الاشياء المذكورة فيه فسق وهو الخروج من محبة الخالق الى محبة المخلوق وان من آثر محبة المخلوق على محبة الخالق فقد ابطل الاستعداد الفطرى لقبول الفيض الالهى واستوجب الحرمان وادركه القهر والخذلان { فتربصوا حتى يأتى الله بأمره } اى بقهره { والله لا يهدى القوم الفاسقين } الخارجين عن حسن الاستعداد يعنى لا يهديهم الى حضرت جلاله وقبول فيض جماله بعد ابطال حسن الاستعداد
وعن بشر بن الحارث رضى الله عنه قال رأيت النبى صلى الله عليه وسلم فى المنام فقال للا يا بشر أتدرى لم رفعك الله تعالى على اقرانك قلت لا يا رسول الله قال باتباعك لسنتى وخدمتك الصالحين ونصحك لاخوانك ومحبتك لاصحابى واهل بيتى هو الذى بلغك منازل الابرار
اقول المحبة الخالصة باب عظيم لا يفتح الا لاهل القلب السليم وتأثيرها غريب وامرها عجيب نسأل الله تعالى سبحانه ان يجعلنا من الذين آثروا حب الله وحب رسوله على حب ما سواهما آمين(5/14)
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26)
{ لقد نصركم الله } اى بالله قد اعانكم يا اصحاب محمد على عدوكم واعلاكم عليهم مع ضعفكم وقة عددكم وعددكم { فى مواطن كثيرة } ن الحروب وهو مواقعها ومقاماتها . جمع موطن وهو كل موضع اقام به الانسان لأمر والمراد بها واقعات بدر والاحزاب وقريظة والنضير والحديبية وخبير وفتح مكة { ويوم جنين } عطف على محل فى موطن بحذف المضاف فى احدهما اى وموطن يوم حنين ليكون من عطف المكان على المكان او فى ايام مواطن كثيرة ويوم حنين ليكون من عطف الزمان وعلى الزمان واضيف اليوم الى حنين لوقوع الحرب يومئذ بها فيوم حنين هى غزوة حنين ويقال لها غزوة هوازن ويقال لها غزوة اوطاس باسم الموضع الذى كانت به الواقعة فى آخر الامر وحنين واد بين مكة والطائف { اذا عجبتكم كثرتكم } [ جون بشكفت آوردشمارا ] اى سرتكم كثرة عددكم ووفور عددكم والاعجاب هو السرور بالتعجب رهو بدل من ويم حنين وكانت الواقعة فى حنين بين المسلمين وهم اثنا عشر الفا عشرة آلاف منهم ممن شهد فتح مكة من المهاجرين والانصار والفان من الطلقاء وهم اهل مكة سوا بذلك لانه عليه السلام اطلقهم يوم فاح مكة عنوة ولم يقيدهم بالاسار وبين هوازن وثقيف وكانوا اربعة آلاف سوى الجم الغفير من امداد سائر العرب -روى- انه عليه السلام فتح مكة فى اواخر رمضان وقد بقيت منه ثلاثة ايام وقيل فتحها لثلاث عشرة ليلة مضت من رمضان ومكث فيها الى ان دخل شوال فغذا يوم السبت السادس منه خارجا الى غزوة حنين واستعمل على مكة عتاب بن اسيد يصلى بهم ومعاذ بن جبل يعلمهم السنن والفقه وحين فتحت مكة اطاعه عليه السلام قبائل العرب الا هوازن وثقيفا فان اهلهما كانوا طغاة مردة فخافوا الى ان يغزوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ظنوا انه عليه السلام يدعوهم الى الاسلام فثقل ذلك عليهم فحشدوا وبغوا وقالوا ان محمدا لاقى قوما لا يحسنون القتال فاجمعوا امرهم على ذلك فاخرجوا معهم اموالهم ونساءهم وابناءهم وراءهم فحملوا النساء فوق الابل وراء صفوف الرجال ثم جاؤا بالابل والغنم والذرارى وراء ذلك كى يقاتل كل منهم عن اهله وماله ولا يفر احد بزعمهم فساروا كذلك حتى نزلوا باوطاس وقد كان عليه السلام بعث اليهم عينا ليتجسس عن حالهم وهو عبد الله بن ابى حذر من بنى سليم فوصل اليهم فسمع مالك بن عوف امير هوازن يقول لاصحابه انتم اليوم اربعة آلاف رجل فاذا لقيتم العدو فاحملوا عليهم حملة رجل واحد واكسروا جفون سيزفكم فوالله لا تضربون باربعة آلاف سيف شيأ الا فرج فاقبل العين الى النبى عليه السلام فاخبره بما سمع من مقالتهم فقال سلمة ابن سلامة الوقسى الانصارى يا رسول الله لن نغلب اليوم من قلة معناه بالفارسية [ ما امروز از قلت لشكر مغلوب نخواهم شد ] فساءت رسول الله كلمته وقيل ان هذه الكلمة قالها ابو بكر رضى الله عنه وقيل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الامام صاحب التفسير الكبير وهو بعيد لانه عليه السلام كان فى اكثر الاحوال متوكلا على الله منقطع القلب عن الدنيا واسبابها
قال ابن الشيخ فى حواشيه الظاهر ان القول بها لا ينافى التوكل على الله ولا يستلزم الاعتماد على الاسباب الظاهرة فان قوله لن نغلب اليوم من قلة نفى للقلة واعجاب بالكثرة .(5/15)
والمعنى ان وقعت مغلوبية فلامر آخر غير القلة فركب صلى الله عليه وسلم بغلته دلدل ولبس درع داود عليه السلام التى لبسها حبن قتل جالوت وضع الالية والرايات مع المهاجرين والانصار فلما كان بجنين وانحدروا فى الوادى وذلك عند غبش الصبح يوم الثلاثاء خرج عليهم القوم وكانوا كمنوا لهم فى شعاب الوادى ومضايقه وكانوا رماة فاقتلوا قتالا شديدا فانهزم المشركون وخلوا الذرارى فاكب المسلمون فتنادى المشركون يا حماة السوء اذكروا الفضائح فتراجعوا وحملوا عليهم فادركت المسلمين كلمة الاعجاب اى لحقهم شؤم كلمة الاعجاب فانكشفوا ولم يقوموا لهم مقدار حلب شاة وذلك قوله تعالى { فلم تغن عنكم شيأ } [ بس دفع نكرد ازشما آن كثرت شما ]
والاغناء اعطاء ما تدفع به الحاجة اى لم تعطكم تلك الكثرة مما تدفعون به حاجتكم شيأ من الاغناء { وضاقت عليكم الارض بما رحبت } اى رحبها وسعتها على ان ما مصدرية والباء بمعنى مع اى لا تجدون فيها مقرا تطمئن اليه نفوسكم من شدة الرعب ولا تثبتون فيها كمن لا يسعه مكانه : قال الشاعر
كان بلاد الله وهى عريضة ... على الخائف المطلوب كفى حابل
اى حبالة صيد { ثم وليتم } الكفار ظهورهم { مدبرين } اى منهزمين لا تلوون على احد يقال ولى هاربا اى ادبر . فالادبار الذهاب الى خلف خلاف الاقبال -روى- انه بلغ فلهم اى منهزمهم مكة وسر بذلك قوم من اهل مكة واظهروا الشماتة حتى قال اخو صفوان ابن امية لامه ألا قد ابطل الله السحر اليوم فقال له صفوان وهو يومئذ مشرك اسكت فض الله فاك اى اسقط اسنانك والله لان بربنى الربوبية اى يملكنى ويدبر امرى رجل من قريش احب الى من ان يربنى رجل من هوازن ولما انهزموا بقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده وليس معه الا عمه العباس آخذا بلجام بغلته وابن عمه ابو سفيان بن حرب بن عبد المطلب اخذا بركابه وهو يركض البغلة نحو المشركين ويقول
انا النبى لا كذب ... انا ابن عبد المطلب
وهذا ليس بشعر لانه لم يقع عن قصد وانما قال انا ابن عبد المطلب ولم يقل انا ابن عبد الله لان العرب كانت تنسبه صلى الله عليه وسلم الى حده عبد المطلب لشهرته ولموت عد الله فى حياته فليس من الافتاخار بالآباء الذى هو من عمل الجاهلية(5/16)
وقال الخطابى انه عليه السلام انما قال انا ابن عبد المطلب لا على سبيل الافتخار ولكن ذكرهم عليه السلام بذلك رؤيا رآها عبد المطلب ايام حياته وكانت القصة مشهورة عندهم فعرفهم بها وذكرهم اياها وهى احدى دلائل نبوته عليه السلام
وقصة الرؤيا على ما فى عقد الدرر واللآلى ان عبد المطلب جد النبى عليه السلام بينا هو نائم فى الحجر انتبه مذعورا قال العباس فتبعته وانا يومئذ غلام اعقل ما يقال فاتى كهنة قريش فقال رأيت كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهرى ولها اربعة اطراف طرف قد بلغ مشارق الارض وطرف قد بلغ مغاربها وطرف قد بلغ عنان السماء وطرف قد جاوز الثرى فبينا انا انظر عادت شجرة خضراء لها نوا فبينا انا كذلك قام على شيخان فقلت لاحدهما من انت قال انا نوح نبى رب العالمين وقلت للآخر من انت قال انا ابراهيم خليل رب العالمين ثم انتبهت قالوا ان صدقت رؤياك ليخرجن من ظهرك نبى يؤمن به اهل السموات واهل الارض ودلت السلسلة على كثرة اتباعه وانصاره لتداخل حلق السلسلة ورجوعها شجرة يدل على ثبات امره وعلوذ كره وسيهلك من لم يؤمن كما هلك قوم نوح وستظهر به ملة ابراهيم والى هذا وقعت اشارة النبى صلى الله عليه وسلم يوم حنين قال
انا النبى لا كذب ... انا ابن عبد المطلب
كانه يقول انا ابن صاحب تلك الرؤيا مفتخرا بها لما فيها من علم نبوته وعلو كلمته انتهى - روى- انه عليه السلام كان يحمل على الكفار فيفرون ثم يحملون عليه فيقف لهم فعل ذلك بضع عشرة مرة قال العباس كنت اكف البغلة لئلا تسرع به نحو المشركين وناهيك بهذا شهادة على تناهى شحاعته حيث لم يخف اسمه فى تلك الحال ولم يخف الكفار على نفسه وما ذلك الا لكونه مؤيدا من عند الله العزيز الحكيم فعند ذلك قال « يارب ائتنى بما وعدتنى » وقال للعباس وكان صيتا جهورىّ الصوت « صح بالناس » يروى من شدة صوته يسمع من ثمانية اميال فنادى الانصار فخذا فخذا ثم نادى يا اسحاب الشجرة وهم اهل بيعة الرضوان يا اصحاب سورة البقرة وهم المذكورون فى قوله { آمن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون } وكانوا يحفظون سورة البقرة ويقولون من حفظ سورة البقرة وآل عمران فقد جد فينا فكروا عنقا واحدا اى جماعة واحدة يعنى دفعة وهم يقولون لبيك لبيك وذلك قوله تعالى { ثم انزل الله سكينته على رسوله } اى رحمته التى تسكن بسببها القلوب وتطمئن اليها اطمئنانا كليا مستتبعا للنصر القريب واما مطلق السكينة فقد كانت حاصلة له عليه السلام قبل ذلك ايضا { وعلى المؤمنين } شامل للمنهزمين وغيرهم فعاد المنهزمون وظفروا { وانزل جنودا لم تروها } اى بابصاركم كما يرى بعضكم بعضا وهم الملائكة عليهم البياض على خيول بلق وكان يراهم الكفار دون المؤمنون فنظر النبى عليه السلام الى قتال المشركين فقال(5/17)
« هذا حين حمى الوطيس » والوطيس حجارة توقد العرب تحتها النار يشوون عليها اللحم وهو فى الاصل التنور وهذه من الكلمات التى لم تسمع الا منه صلى الله عليه وسلم . وحمى الوطيس كناية عن شدة الحرب ثم نزل عن بغلته وقيل لم ينزل بل قال « يا عباس ناولنى من الحصباء » او انخفضت بغلته حتى كادت بطنها تمس الارض ثم قبض قبضة من تراب فرمى به نحو المشركين وقال « شاهت الوجوه » فلم يبق منهم احد الا امتلأت به عيناه ثم قال عليه السلام « انهزموا ورب الكعبة » وهو اعظم من انقلاب الهصا حية لان ابتلاعها لحبالهم وعصيهم لم يقهر الغدو ولم يتشتت شمله بل زاد بعدها طغيانه وعتوه على موسى بخلاف هذا الحصى فانه اهلك العدو وشئت شمله وكان من دعائه عليه السلام يومئذ « اللهم لك الحمد واليك المشتكى وانت المستعان » فقال له جبريل عليه السلام لقد لقنت الكلمات التى لقنها الله موسى يوم فلق البحر . واختلفوا فى عدد الملائكة يومئذ فقيل خمسة آلاف وقيل ثمانية آلاف وقيل تسعة عشر الفا . وفى قتالهم ايضا فقيل قاتلوا وقيل لم يقاتلوا الا يوم بدر وانما كان نزولهم لتقوية قلوب المرمنين بالقاء الخواطر الحسنة وتأييدهم بذلك والقاء الرعب فى قلوب المشركين { وعذب الذين كفروا } بالقتل والاسر والسبى { وذلك } اى ما فعل بهم مما ذكر { جزاء الكافرين } فى الدنيا
ولما هزم الله المشركين بوادى حنين ولوا مدبرين ونزلوا باوطاس وبها عاليهم واموالهم فبعث رسول الله رجلا من الاشعرين يقال له ابو عامر وامره على جيش الى اوطاس فسار اليهم فاقتتلوا وهزم الله المشركين وسبى المسلمون عيالهم وهرب اميرهم مالك بن عوف فاتى الطائف وتحصن بها واخذوا اهله وماله فيمن اخذ وقتل امير المؤمنين ابو عامر ثم انه عليه السلام اتى الطائف فحاصرهم بقية ذلك الشهر فلما دخل ذو القعدة وهو شهر حرام انصرف عنهم فاتى الجعرانة وهو موضع بين مكة والطائف سمى المحل باسم امرأة وهى ريطة بنت سعد وكانت تلقب بالجعرانة وهى المرادة فى قوله تعالى { كالتى نقضت غزلها } فاحرم منها بعمرة بغد ان قام بها ثلاث عشرة ليلة وقال اعتمر منها سبعون نبيا وقسم بها غنائم حنين واوطاس وكان السبى ستة آلاف رأس والابل اربعة وعشرين الفا والغنم اكثر من اربعين واربعة آلاف اوقية فضة وتألف اناسا فجعل يعطى الرجل الخمسين والمائة من الابل ولما قسم ما بقى خص كل رجل اربع من الابل واربعون شاة فقال طائفة من الانصار ياللعحب ان اسيافنا تقطر من دمائهم وغنائمنا ترد عليهم فبلغ ذلك النبى عليه السلام فجمعهم فقال(5/18)
« يا معشر الانصار ما هذا الذى بلغنى عنكم » فقالوا هو الذى بلغك وكانوا لا يكذبون فقال « الم تكونوا ضلالا فهداكم الله بى وكنتم اذلة فأعزكم الله بى وكنتم وكنتم اما ترضون ان ينقلب الناس بالشاء والابل وتنقلبون برسو الله الى بيوتكم » فقالوا بلى رضينا يا رسول الله والله ما قلنا ذلك الا محبة لله ولرسوله فقال صلى الله عليه وسلم « ان الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم »(5/19)
ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27)
{ ثم يتوب الله من بعد ذلك } [ او بس اين جنك ] { على من يشاء } ان يتوب عليه منهم لحكمة تقتضيه اى يوفقه للاسلام { والله غفور } يتجاوز عما سلف منهم جاؤا رسول الله وبايعوه على الاسلام وقالوا يا رسول الله انت عير الناس وابر الناس وقد سبى اهلونا واولادنا واخذت اموالنا فقال عليه السلام « ان عندى ما ترون ان خير الفول اصدقه اختاروا اما ذراريكم ونساءكم واما اموالكم » قالوا ما كنا نعدل بالاحساب شيأ هو جمع حسب وهو ما يعد من المفاخر كنوا بهذا القول عن اختيار ما سبى منهم من الذرارى والنسوان على استرجاع الاموال فان ترك الذرارى والنسوان فى ذل الاسر واختيار استرجاع الاموال عليها يفضى الى الطعن فى احسابهم وينافى المروءة فقام النبى عليه السلام فقال « ان هؤلاء جاؤنا مسلمين وانا خيرناهم بين الذرارى والاموال فلم يعدلوا بالاحساب شيأ فمن كان بيده سبى وطابت نفسه ان يرد فشأنه » اى فيلزم شأنه « وليفعل ما طاب له ومن لا فليعطنا وليكن قرضا علينا حتى نصيب شيأ فنعطيه مكانه » قالوا رضينا وسلمنا فقال عليه السلام « انا لا ندرى لعل فيكم من لا يرضى فمروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك الينا » فرفعت اليه العرفان انهم قد رضوا ثم قال صلى الله تعالى عليه وسلم « لوفد هوازن ما فعل مالك بن عوف قالوا يا رسول الله هرب فلحق يحصن الطائف مع ثقيف فقال صلى الله عليه وسلم » اخبروه انه ان اتانى مسلما رددت عليه اهله وماله واعطيته مائة من الابل « فلما بلغ هذا الخبر نزل من الحصن مستخفيا خوقا ان تحبسه ثقيف اذا علموا الحال وركب فرسه وركضه حتى اتى الدهناء محلا معروفا وركب راحلته ولحق برسول الله فادركه بالجعرانة واسلم فرد عليه اهله وماله واستعمله عليه السلام على من اسلم من هوازن وكان مالك بن عوف بعد ذلك ممن افتتح عامة الشأم
ثم فى القصة اشارات
منها ان عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تلك الواقعة كانوا فى غاية الكثرة والقوة فلما اعجبوا بكثرتهم صاروا منهزمين فلما تضرعوا فى حا الانهزام الى الله تعالى قواهم حتى انهزموا عسكر الكفار وذلك يدل على ان الانسان متى اعتمد على الدنيا فاته الدين ومتى اطاع الله ورجح الدين على الدنيا اتاه الله الدين والدنيا على احسن الوجوه . وكما ان اكثر الاسباب الصورية وان كان مدارا للفتح للصورى لكنه فى الحقيقة لا يحصل الا بمحض فضل الله . فكذا كثرة الاعمال والطاعات وان كانت سببا للفتح المعنوى لكنه فى الحقيقة ايضا لا يحصل الا بخصوص هداية الله تعالى فلا بد من العجر والافتقار والتضرع الىلله الغفار : قال الحافظ(5/20)
تكيه برتقوى ودانش در طريقت كافريست ... راهرو كرصد هنر دارد توكل بايدش
ومنها ان المؤمن لا يخرج من الايمان وان عمل الكبيرة لانهم قد ارتكبوا الكبيرة حيث هربوا وكان عددهم اكثر من عدد المشركين فسماهم الله تعالى مؤمنين فى قوله { ثم انزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين } وذلك لان حقيقة الايمان هو التصديق القلبى فلا يخرج المؤمن عن الاتصاف به الا بما ينافيه ومجرد الاقدام على الكبيرة لغلبة شهوة او غيرة جاهلية او عار او كسل او خوف خصوصا ان اقترن به خوف العقاب ورجاء العفو والعزم على التوبة لا ينافيه قال الحافظ
بيوش دامن عفوى بزلت من مست ... كه آب روى شريعت بدين قد نرود
وقال السعدى
برده از روى لطف كوبردار ... كه اشقيارا اميد مغفرتست
ومنها انه صلى الله تعالى عليه وسلم لم ينهزم قط فى موطن من المواطن واما ما روى عن سلمة ابن الاكوع رضى الله عنه مررت برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم منهزما فمنهزما حال من من سلمة لامن النبى عليه السلام
قال القاضى عبد الله بن المرابط من قال ان نبى الله عليه السلام هزم فى بعض غزواته ويستتاب فان تاب فيها ونعمت والا قتل فانه نسب اليه ما لا يليق بمنصبه وألحق به نقصا وذلك لا يجوز عليه اذ هو على بصيرة من امره ويقين من عصمته وقد اعطاه الله تعالى من الشجاعة ورباطة الجاش ما لم يعط احدا من العالمين فكيف يتصور الانهزام فى حقه
شاهى وملائكه سباهست ... خلق تو عظيم وحق كواهست
ومنها ان ذا القعدة شهر شريف ينبغى ان يعرف قدره ويجاهد المرء فيه نفسه وهو الثلاثون يوما التى واعد الله فيه موسى عليه السلام وامره ان يصومها حتى يجيء بعدها الى طور المناجاة والمكالمات والمشاهدات
قال كعب الاحبار رضى الله عنه اختار الله الزمان فاحبه اليه الاشهر الحرم وذو القعدة من الاشهر الحرم بلا خلاف وسمى ذا القعدة لقعودهم فيه عن القتال وعن قتادة قال سألت انسا كم اعتمر النبى عليه السلام قال اربعاء عمرة الحديبية فى ذى القعدة حيث صده المشركون . وعمره من العام القابل حيث صالحهم . وعمرة الجعرانة اذ قسم غنيمة اراها حنين قلت كم حج قال واحدة ومعناه بعد الهجرة الى المدينة فانه صلى الله عليه وسلم قد حج قبلها كما فى عقد الدرر واللآلى وكذا قال صاحب الروضة وفى السنة التاسعة حج ابو بكر رضى الله عنه بالناس . وفى العاشرة كانت حجة الوداع ولم يحج النبى عليه السلام بعد الهجرة سواها وحج قبل النبوة وبعدها حجات لم يتفق على عددها واعتمر بعد الهجرة اربع عمر وفى هذه السنة مات ابراهيم اين النبى عليه السلام . وفى الحادية عشرة فانه صلى الله عليه وسلم انتهى اللهم اختم لنا بالخير واجعل لنا فى رياض انسك مبوأ ومنزلا وفى حظائر قدسك مستقرا ومقاما وموئلا(5/21)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)
{ يا ايها الذين آمنوا انما المشركون نجس } النجس بفتحتين مصدر بمعنى النجاسة وصفوا بالمصدر مبالغة كأنهم عين النجاسة يجب الاجتناب عنهم والتبرى منهم وقطع مودتهم
قال الحدادى سمى المشرك نجسا لان الشرك يجرى مجرى القذر فى انه يجب تجنبه كما يجب تجنب النجاسات او لانهم لا يتطهرون من الجنابة والحدث ولا يجتنبون عن النجاسة الحقيقية فهم ملابسون لها غالبا فحكم عليهم بانهم نجس بمعنى ذوى نجاسة حكمية وحقيقية فى اعضائهم الظاهرة او انهم نجس بمعنى ذوى نجاسة فى باطنهم حيث تنجسوا بالشرك والاعتقاد الباطل . فعلى هذا يحتمل ان يكون نجس صفى مشبهة كحسن فيجوز ترك تقدير المضاف { فلا يقربوا المسجد الحرام } الفاء سببية اى فلا يقربوه بسبب انهم عين النجاسة فضلا عن ان يدخلوه فان نهيهم عن اقترابه للمبالغة فى نهيهم عن دخوله
قال فى التبيان اى لا يدخلوا الحرم كله وحدود الحرم من جهة المدينة على ثلاثة اميال ومن طريق العراق على سبعة اميال ومن طريق الجعرانة على تسعة اميال ومن طريق الطائف على تسعة اميال ومن طريق جدة على عشرة اميال انتهى { بعد عامهم هذا } وهو السنة التاسعة من الهجرة التى حج فيها ابو بكر رضى الله عنه اميرا وكانت حجة الوداعه فى السنة العاشرة هو الظاهر الذى عليه الامام الشافعى واما على مذهب الامام الاعظم فالمراد من الآية المنع من الدخول حاجا او معتمرا فالمعنى لا يحجبوا ولا يعتمروا بعد هذا العام ويدل علله قول على رضى الله عنه حين نادى ببراءة الا لا يحج بعد عامنا هذا مشرك فلا يمنع المشرك عنده من دخول الحرم والمسجد الحرام وسائر المساجد
قال فلا الاشباه فى احكام الذمى ولا يمنع من دخول المسجد جنبا بخلاف المسلم ولا يتوقف دخوله على اذن مسلم عندنا ولو كان المسجد الحرام . ثم قال فى احكام الحرم ولا يسكن فيه كافر وله الدخول فيه انتهى
يقول الفقير لعل الحكمة فى ان الجنب المسلم يمنع من دخول المسجد ولا يتوقف دخوله على اذن مسلم عندنا ولو كان المسجد الحرام . ثم قال فى احكام الحرم ولا يسكن فيه كافر وله الدخول فيه انتهى
يقول الفقير لعل الحكمة فى ان الجنب المسلم يمنع من دخول المسجد دون الجنب الكافر ان ما هو عليه الكافر من الشرك او الخبث القلبى والجنابة المعنوية اعظم من حدثه الصورى فلا فائدة فى منعه نعم اذا كان عليه نجاسة حقيقية يمنع لانا مأمورون بتطهير المساجد عن القاذورات ولذا قالوا بحرمة ادخال الصبيان والمجانين فى المساجد حيث غلب تنجيسهم والا فيكره كما فى الاشباه هذا فلما منعوا من قربان المسجد الحرام .(5/22)
قال اناس من تجار بكر بن وائل وغيرهم من المشركين بعد قراءة على هذه الآية ستعلمون يا اهل مكة اذا فعلتم هذا ما تلقون من الشدة ومن اين تأكلون اما والله لتقطعن سبلكم ولا نحمل اليكم شيأ فوقع ذلك فى انفس اهل مكة وشق عليهم والقى الشيطان فى قلوب المسلمين الحزن وقال لهم من اين تعيشون وقد نفى المشركون وانقطعت عنكم الميرة فقال المسلمون قد كنا نصيب من تجاراتهم فالآن تنقطع عنا الاسواق والتجارات ويذهب عنا الذى كنا نصيبه فيها فانزل الله تعال قوله { وان خفتم عيلة } اى فقرا بسبب منعهم من الحج وانقطاع ما كانوا يجلبونه ليكمن الارزاق والمكاسب { فسوف يغنيكم الله من فضله } من عطائه او من تفضله بوجه آخر وقد انجز وعده بان ارسل السماء عليكم مدرارا اكثر من خيرهم وميرهم ورفق اهل تبالة وجرش واسلموا وامتاروا لهم ثم فتح عليهم البلاد والغنائم وتوجه اليهم الناس من اقطار الارض { ان شاء } ان يغنيكم قيده بالمشيئة مع ان التقييد بها ينافى ما هو المقصود من الاية وهو ازالة خوفهم من العيلة لفوائد
الفائدة الاولى ان لا يتعلق القلب بتحقق الموعود بل يتعلق بكرم من وعد به ويتضرع اليه فى نيل جميع المهمات ودفع جميع الآفات والبليات
والثانية التنبيه على ان الاغناء الموعود ليس يجب على الله تعالى بل هو متفضل فى ذلك لا يتفضل به الا عن مشيئته وارادته
والثالثة التنبيه على ان الموعود ليس بموعود بالنسبة الى جميع الاشخاص ولا بالنسبة الى جميع الامكنة والازمان { ان الله عليم } بمصالحكم { حكيم } فيما يعطى ويمنع
قال الكاشفى [ حكم كنند است بتحقيق آمال ايشان اكردرى دربندد ديكرى بكشايد ]
كمان مدار اكر ضايعم توبكذارى ... كه ضايعم نكذارد مسبب الاسباب
براى من در احسان اكرتودربندى ... درى دكر بكشايد مفتح الابواب
-روى- عن الشيخ ابى يعقوب البصرى رضى الله عنه قال جعت مرة فى الحرم عشرة ايام فوجد ضعفا فحدثتنى نفسى ان اخرج الى الوادى لعلى اجد شيأ ليسكن به ضعفى فخرجت فوجدت سلجمة مطروحة فاخذتها فوجدت فى قلبى منها وحشة وكأن قائلا يقول لى جعت عشرة ايام فآخرها يكون حظك سلجمة مطروحة متغيرة فرميت فرميت بها فدخلت المسجد فقعدت فاذا برجل جاء فجلس بين يدى ووضع قمطره وقال هذه لك قلت كيف خصصتنى بها فقال اعلم انا كنا فى البحر منذ عشرة ايام فاشرفت السفينة على الغرق فنذر كل واحد منا نذرا ان خلصنا الله ان يتصدق بشيء ونذرت انا ان خلصنى الله ان اتصدق بهذه على اولى من يقع عليه بصرى من المجاورين وانت اول من لقيته قلت افتحها فاذا بها كعك سميذ ممصر ولوز مقشر وسكر كعاب فقبضت قبضة من ذا وقبضه من ذا وقلت رد الباقى الى صبيانك هدية منى اليهم وقد قبلتها ثم قلت فى نفسى رزقك يسير اليك مند عشرة ايام وانت تطلبه من الوادى(5/23)
قال الصائب
فكر آب ودانه دركنج قفس بى حاصلست ... زير جرخ انديشه روزى جرا باشد مرا
وفى الآية اشارة الى ان الله تعالى قد رفع قلم التكليف عن الانسان الى ان يبلغ استكمال القالب ففى تلك المدة كانت النفس وصفاتها يطفن حول كعبة القلب مستمدة من القوى العقلية والروحانية وبهذا يظفرن بمشتهايتهن من الدنيا ونعيمها حتى صار تعبد الدنيا دأبهن والاشراك بالله طبعهن وبذلك تكامل القالب واستوت اوصاف البشرية الحيوانية عند ظهور الشهوة بالبلوغ ثم اجرى الله عليهم قلم التكليف ونهى القلب عن اتباع النفوس وامره بقتالها ونهاها عن تطوافها لئلا تنجس كعبة القلب بنجاسة شرك النفس والاوصاف الذميمة فلما منعت النفس عن تطوافها بحوالى القلب خاف القلب من فوات حظوظه من الشهوات بتبعية النفس فاغناه الله عن تلك الحظوظ بما يفتح عليه من فضل مواهبه من الواردات الربانية والشواهد والكشوف الرحمانية وفى قوله { ان شاء } اشارة الى ما عند الله لا ينال الا بمشيئة الله كذا فى التأويلات النجمية : قال الحافظ
سكندررا نمى بخشند آبى ... بزورو زر ميشر نيست اين كار(5/24)
قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)
{ قاتلوا } [ بكشيدى اى مؤمنان وكارزار كنيد ] { الذين } [ با آنانكه ] { لا يؤمنون بالله } كما ينبغى قال اليهود مثنية والنصارى مثلثة فايمانهم بالله كلا ايمان { ولا باليوم الآخر } كما ينبغى فان اليهود ذهبوا الى نفى الاكل والشرب فى الجنة والنصارى الى اثبات المعاد الروحانى فعلمهم باحوال الاخرة كلا علم فكذا ايمانهم المبنى عليه ليس بايمان والمؤمن الكامل هو الذى يصف الله بما يليق به فيوحده وينزهه ويثبت المعاد الجسمانى والروحانى كليهما والنعيم الصورى والمعنوى ايضا فان لكل من الجسم والروح حظا من النعيم يليق بحاله ويناسب لمقامه { ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله } اى ما يثبت تحريمه بالوحى المتلو وهو الكتاب او غير المتلو وهو السنة وذلك مثل الدم والميتة ولحم الخنزير والخمر ونظائرها { ولا يدينون دين الحق } يجوز ان يكون مصدر يدينون وان يكون مفعولا به ويدينون بمعنى يعتقدون ويقبلون . والحق صفة مشبهة بمعنى الثابت بمعنى الثابت واضافة الدين اليه من قبيل اضافة الموصوف الى صفته واصل الكلام ولا يدينون الدين الحق وهو دين الاسلام فانه دين ثابت نسخ جميع ما سواه من الاديان
وعن قتدة ان الحق هو الله تعالى . والمعنى ولا يدينون دين الله الذى هو الاسلام فان الدين عند الله الاسلام { من الذين اوتوا الكتاب } من التوراة والانجيل وهو بيان للذين لا يؤمنون { حتى } للغاية { يعطوا } اى يقبلوا ان يعطوا فان غاية القتال ليست نفس هذا الاعطاء بل قبوله { الجزية } فعله من جزى دينه اذا قضاه سمى ما يعطيه المعاهد مما تقرر عليه بمقتضى عهده جزية لوجوب قضائه عليه او لانها تجزى عن الذمى اى تقضى وتكفى عن القتل فانه اذا قبلها يسقط عنه القتل { عن يد } حال من الضمير فى يعطوا اى عن يدهم بمعنى مسلمين بايديهم غير باعثين بايذى غيرهم ولذلك منع من التوكيل فيه او عن يد مطيعة غير ممتنعة اى منقادين مطيعين فاذا احتيج فى اخذها منهم الى الجبر والاكراه لا يبقى عقد للذمة بل يعود حكم القتل والقتال فالاعطاء عن يد كناية عن الانقياد والطوع يقال اعط فلان بيده اذا استسلم وانقاد وعلاقة المجاز ان من ابى وامتنع لا يعطى بيده بخلاف المطيع او عن غنى . ولذلك قيل لم تجب الجزية على الفقير العاجز عن الكسب او عن انعام عليه فان ابقاء مهجتهم بنا بذلوا من الجزية نعمة عظيمة عليهم او عن يد قاهرة مستولية عليهم وهى يد الآخذ فعن سببية كما فى قولك يسمنون عن الاكل { والشرب اى يبلغون الى غاية السمن وحسن الهيئة بسبب الاكل والشرب { وهم صاغرون } اى اذلاء وذلك بان يأتى بها بنفسه ماشيا غير راكب ويسلمها وهو قائم والمتسلم جالس ويؤخذ بتلبيبه اى يجيبه ويجر ويقال له اد الجزية يا ذمى او يا عدو الله وان كانوا يؤدونها
واعلم ان الكفار ثلاثة انواع
نوع منهم يقاتلون حتى يسلموا اذ لا يقبل منهم الا الاسلام وهم مشركوا العرب والمرتدون .(5/25)
اما مشركو العرب فلان النبى عليه السلام بعث منهم فظهرت المعجزات لديهم فكفرهم يكون افحش . واما المرتدون فلانهم عدلوا عن دين الحق بعد اطلاعهم على محاسنه فيكون كفرهم اقبح فالعقوبة على قدر الجناية وفى وضع الجزية تخفيف لهم فلم يستحقوه
ونوع آخر يقاتلون حتى يسلموا او يعطوا الجزية وهم اليهود والنصارى والمجوس . اما اليهود والنصارى فبهذه الآية . واما المجوس فبقوله عليه السلام « سنوا بهم سنة اهل الكتاب غير ناكحى نسائهم وآكلى ذبائحهم »
والنوع الثالث منهم الكفرة الذين ليسوا مجوسا ولا اهل كتاب ولا من مشركى العرب كعبدة الاوثان من الترك والهند ذهب ابو حنيفة واصحابه رحمهم الله الى جواز اخذ الجزية منهم لجواز اجتماع الدينين فى غير جزيرة العرب وهم من غير العرب ومقدارها على الفقير المعتمل اثنا عشر درهما فى كل شهر درهم هذا اذا كان فى اكثر الحول صحيحا اما اذا كان فى اكثره او نصفه مريضا فلا جزية عليه وعلى المتوسط الحال اربعة وعشرون درهما فى كل شهر درهمان وعلى الغنى ثمانية واربعون درهما فى كل شهر اربعة دراهم ولا شيء على فقير عاجز عن الكسب ولا على شيخ فان او زمن او مقعد او اعمى او صبى او امرأة او راهب لا يخالط الناس وانما لم توضع عليهم الجزية لان الجزية شرعت زجرا عن الكفر وحملا له على الاسلام فيجرى مجرى القتل فمن لا يعاقب بالقتل وهم هؤلاء لا يؤاخذ بالجزية لان الجزية خلف من القتال وهم ليسوا باهله فاذ حصل الزاجر فى حق المقاتلة وهم الاصل انزجر التبع
قال الحدادى اما طعن الملحدة كيف يجوز اقدار الكفار على كفرهم باداء الجزية بدلا من الاسلام
فالجواب انه لا يجوز ان يكون اخذ الجزية منهم رضى بكفرهم وانما الجزية عقوبة لهم على اقامتهم على الكفر واذا جاز امهالهم بغير الجزية للاستدعاء الى الايمان كل امهالهم بالجزية اولى انتهى
فعلى الولاة والمتسلمين ان لا يتعدوا ما حد الله تعالى فى كتابه فان الظلم لا يجوز مطلقا ويعود وباله على الظالم بل يسرى الى غيره ايضا وفى الحديث « خمس بخمس اذا اكل الربا كان الخسف والزلزلة واذا ظهر الزنى كثر الموت واذا منعت الزكاة هلكت الماشية واذ تعدى على اهل الذمة كانت الدولة لهم » كذا فى الاسرار المحمدية لابن فخر الدين الرومى : وفى المثنوى
جمله دانند اين اكر تونكروى ... هرجه مى كاريش روزى بدروى(5/26)
يقول الفقير رأينا من السنة الرابعة والتسعين بعد الالف الى هذا الآن وهى السنة الاولى بعد المائة والالف من استيلاء الكفار على البلاد الرومية وعلى البحر الاسود والابيض ما لم يره احد قبلنا ولا يدرى احد ماذا يكون غدا والامر بيد الله تعالى وذلك بسبب الظلم المفرط على اهل الاسلام واهل الذمة الساكنين فى تلك الديار فعاد الصغار والذل من الكفار الى المسلمين الكاذبين فصاروا هم صاغرين والعياذ بالله تعالى وليس الخبر كالمعاينة نسأل الله تعالى اللحوق بأهل الحق والدخول فى الارض المقدسة بأهل الحق والدخول فى الارض المقدسة
ثم ان مما حرم الله على اهل الحق الدنيا ومحبتها فان حب الدنيا رأس كل خطيئة والكفار لما قصروا انظارهم على الدنيا واخذوها بدلا من الآخرة وضعت عليهم الجزية وجزية النفس الامارة معاملاتها على خلاف طبعها لتكون صاغرة ذليلة تحت احكام الشرع وآداب الطريقة فلا بد من جهادها وتذليلها ليعود العز والدولة الى طرف الروح : وفى المثنوى
آنجه درفرعون بود اندر توهست ... ليك ازدرهات محبوس جهست
آتشت را هنرم فرعون نيست ... زانكه جون فرعون اوراعون نيست
فهذه حال النفس فلا بد من قهرها الى ان تفنى عن دعواها واسناد العز اليها وعند ذلك تكون فانية مطمئنة مستسلمة لامر الله منقادة مسخرة تحت حكمه(5/27)
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)
{ وقالت اليهود عزير ابن الله } يقرأ بالتنوين على ان عزيز مبتدأ وابن خبره ولم يحذف التنوين ايذانا بان الاول مبتدأ وان ما بعده خبره وليس بصفة [ وعزير بن شرحيا ازنسل يعقوبست ازسبط لاوى وبجهارده بشت بهارون بن عمرات ميرسد ] وهو قول قدمائهم ثم انقطع فحكى الله تعالى عنهم ذلك ولا عبرة بانكار اليهود
وفى البحر وتذم طائفة او تمدح بصدور ما يناسب ذلك من بعضهم -روى- ان بخت نصر البابلى لما ظهر على بنى اسرائيل قتل علماءهم ولم يبق فيهم احد يعرف التوراة وكان عزير اذ ذاك صغيرا فاستصغره فلم يقتله وذهب به الى بابل مع جملة من اخذه سبايا بنى اسرائيل فلما نجا عزير من بابل ارتحل على حمار له حتى نزل يدير هرقل على شط دجلة فطاف فى القرية فلم ير فيها احدا وعامة شجرها حامل فاكل من الفاكهة واعتصر من العنب فشرب منه وجعل فضل الفاكهة فى سلة وفضل العصير فى زق فلما راى خراب القرية وهلاكها قال { أنى يحيى هذه الله بعد موتها } قالها تعجبا لاشكا فى البعث فالقى الله تعالى عليه النوم ونزع منه الروح وبقى ميتا مائة عام وامات حماره وعصيره وتينه عنده واعمى الله تعالى عنه العيون فلم يره احد ثم انه تعالى احياه بعدما اماته مائة سنة واحيى حماره ايضا فركب حماره حتى اتى محلته فانكره الناس وانكر هو ايضا الناس ومنازلهفتتبع اهله وقومه فوجد ابنا له شيخا ابن مائة سنة وثمانى عشرة سنة وبنو بنيه شيوخ فوجد من دونهم عجوزا عمياء مقعدة اتى عليها مائة وعشرون سنة كانت امة لهم وقد كان خرج عزير عنهم هى بنت عشرين سنة فقال لهم انا عزير كان الله اماتنى مائة سنة ثم بعثنى قالت العجوز ان عزيرا كان مستجاب الدعوة يدعو للمريض وصاحب البلاء بالعافية فادع الله يرد الى بصرى حتى اراك فان كنت عزيرا عرفتك فدعا ربه ومسح بيده على عينيها فصحت واخذ بدها وقال لها قومى باذن الله تعالى فاطلق رجلها فقامت صحيحة فنظرت فقالت اشهد انك عزير وقال ابنه كان لابى شامة مثل الهلال بين كتفيه فكشف عن كتفيه فاذا هو عزير
قال السدى والكلبى لما رجع عزير الى قومه وقد احرق بخت نصر التوراة ولم يكن من الله عهد بين الخلق بكى عزير على التوراة فاتاه ملك باناء فيه ماء فسقاه من ذلك الماء فمثلت التوراة فى صدره فقال لبنى اسرائيل يا قوم ان الله بعثنى اليكم لاجدد لكم توراتكم قالوا فاملها علينا فاملاها عليهم من ظهر قلبه ثم ان رجلا قال ان ابى حدثنى عن جدى ان التوراة جعلت فى خابية ودفنت فى كرم كذا فانطلقوا معه حتى اخرجوها فعارضوها بما كتب لهم عزير فلم يجدوه غادر منها حرفا فقالوا ان الله تعالى لم يقذف التوراة فى قلب رجل الا انه ابنه فعند ذلك قالت اليهود المتقدمون عزير ابن الله { وقالت النصارى المسيح ابن الله } هو ايضا قول بعضهم وانما قالوه استحالة لان يكون ولد بلا أب او لان يفعل ما فعله من ابراء الاكمه والابرص واحياء الموتى من لم يكن الها { ذلك } اشارة الى ما صدر عنهم من العظيمتين { قولهم بافواههم } اى ليس فيه برهان ولا حجة وانما هو قول بالفم فقط كالمهمل(5/28)
قال الحدادى معناه انهم لا يتجاوزون فى هذا القول عن العبارة الى المعنى اذ لا برهان لهم لانهم يعترفون ان الله لم يتخذ صاحبة فكيف يزعمون ان له ولدا { يضاهئون } اى يضاهى ويشابه قولهم فى الكفر والشناعة فحذف المضاف واقيم المضاف اليه مقامه فانقلب مرفوعا { قول الذين كفروا من قبل } اى من قبلهم وهم المشركون الذين يقولون الملائكة بنات الله او اللات والعزى بنات الله { قاتلهم الله } دعا عليهم جميعا بالاهلاك فان من قاتله الله هلك فهو من قبيل ذكر الملزوم وارادة اللازم لتعذر ارادة الحقيقة ويجوز ان يكون تعجبا من شناعة قولهم من قطع النظر عن العلاقة النصحح للانتقال من المعنى الاصلى الى المعنى المراد { أنى يؤفكون } كيف يصرفون من الحق الى الباطل والحال انه لا سبيل اليه اصلا والاستفهام بطريق التعجب(5/29)
اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)
{ اتخذوا } اى اليهود { احبارهم } اى علماءهم جمع حبر بالكسر هو افصح وسمى العالم حبرا لكثرة كتابته بالجر او لتحبره المعانى او بالبيان الحسن وغلب فى علماء اليهود من اولاد هارون { ورهبانهم } واى اتخذوا النصارى علماءهم جمع راهب وهو الذى تمكنت الرهبة والخشية فى قلبه وظهرت آثارها فى وجهه ولسانه وهيئته وغلب فى عباد النصارى واصحاب الصوامع منهم { اربابا من دون الله } اى اى كالارباب فهو من باب التشبيه البليغ . والمعنى اطاعوا علماءهم وعبادهم فيما امروهم به طاعة العبيد للارباب فحرموا ما احل الله وحللوا ما حرم الله وفى الحديث « ان محرم الحلال كمحلل الحرام » اى ان عقوبة محرم الحلال كعقوبة محلل الحرام وذلك كفر محض ومثاله ان من اعتقد ان اللبن حرام ما يكون كمن اعتقد ان الخمر حلال ومن اعتقد ان لحم الغنم حرام يكون كمن اعتقد ان لحم الخنزير حلال { والمسيح ابن مريم } عطف على رهبانهم اى اتخذه النصارى ربا معبودا بعدما قالوا انه ابن الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا وجمع اليهود والنصارى فى ضمير اتخذوا لا من اللبس { وما امروا } اى والحال ان اولئك الكفرة ما امروا فى التوراة والانجيل وبادئ العقل { الا ليعبدوا الها واحدا } عظيم الشأن هو الله تعالى ويطيعوا امره ولا يطيعوا امر غيره بخلافه فان ذلك مخل بعبادته بان جميع الكتب السماوية متفقة على ذلك قاطبة واما اطاعة الرسول وسائر من امر الله بطاعته فهى فى الحقيقة اطاعة الله تعالى { لا اله الا هو } صفى ثانية لا لها { سبحانه عما يشركون } ما مصدرية اى تنزيها له عن الاشراك به فى العبادة والطاعة(5/30)
يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)
{ يريدون } اى يريد اهل الكتابين { ان يطفئوا } يخمدوا { نور الله } اى يردوا القرآن ويكذبوه فيما نطق به من التوحيد والتنزه عن الشركا والاولاد والشرائع التى من جملتها ما خالفوه من امر الحل والحرمة { بافواههم } باقاويلهم الباطلة الخارجة منها من غير ان يكون لها مصداق تنطبق عليه واصل تستند اليه حسبما حكى عنهم { ويأبى الله الا ان يتم نوره } انما صح الاستثناء المفرغ من الموجب لكونه بمعنى النفى اى لا يريد الله شيأ من الاشياء الا اتمام نوره باعلاء كلمة التوحيد واعزاز دين الاسلام { ولو كره الكافرون } جواب لو محذوف لدلالة ما قبلها مقدرة كلتاهما فى موقع الحال اى لا يريد الله الا اتمام نوره ولو لم يكره الكافرون ذلك بل ولو كرهوا اى على كل حال مفروض وقد حذفت الاولى فى الباب حذفا مطردا لدلالة الثانية عليها دلالة واضحة لان الشيء اذا تحقق عند المانع فلان يتحقق عند عدمه اولى
جراغ راكه ايزد بر فروزد ... كسى كش بف كند سلبت بسوزد(5/31)
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)
{ هو الذى } اى الذى لا يريد شيأ الا اتمام نوره ودينه هو الذى { ارسل رسوله } ملتبسا { بالهدى } اى القرآن الذى هو هدى للمتقين { ودين الحق } اى الدين الحق وهو دين الاسلام { ليظهره } اى ليغلب الرسول { على الدين كله } اى على اهل الاديان كلهم فالمضاف محذوف او ليظهر الدين الحق على سائر الاديان بنسخة اياها حسبما تقتضيه الحكمة واللام فى ليظهره لاثبات السبب الموجب للارسال فهذه اللام لام الحكمة والسبب شرعا ولام العلة عقلا لان افعال الله تعالى ليست بمعللة بالاغراض عند الاشاعرة لكنها مستتبعة لغايات جليلة . فنزل ترتب الغاية على ما هى ثمرة له منزلة ترتب الغرض على ما هو غرض له { ولو كره المشركون } ذلك الاظهار ووصفهم بالشرك بعد وصفهم بالكفر للدلالة على انهم ضموا الكفر بالرسول الى الكفر بالله
قال ابن الشيخ وغلبة دين الحق على سائر الاديان تكون على التزايد ابدا وتتم عند نزول عيسى عليه السلام لما روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى نزول عيسى ويهلك فى زمانه الملل كلها الا الاسلام وقيل ذلك عند خروج المهدى فانه حينئذ لا يبقى احد الا دخل فى الاسلام والتزم اداء الخراج وفى الحديث « لا يزداد الامر الا شدة ولا الدنيا الا ادبارا ولا الناس الا شحا ولا تقوم الساعة الا على شرار الناس ولا مهدى الا عيسى بن مريم » ومعناه لا يكون احد صاحب المهدى الا عيسى بن مريم فانه ينزل لنصرته وصحبته والمهدى الذى من عترة النبى عليه السلام امام عادل ليس بنبى موحى اليه وايضا ان عيسى خاتم الولاية المطلقة والمهدى خاتم الخلافة المطلقة وكل منهما يخدم هذا الدين الذى هو خير الاديان واحبها الى الله تعالى
وعن بعض الروم قال كان سبب اسلامى انه غزانا المسلمون فكنت اساير جيشهم فوجدت غزاة فى الساقة فاسرت نحو عشر نفر وحملتهم على البغال بعد ان قيدتهم وجعل مع كل واحد منهم رجلا موكلا به فرأيت فى بعض الايام رجلا من الاسرى يصلى فقلت للموكل به فى ذلك فقال لى انه فى كل وقت صلاة يدفع الى دينارا فقلت وهل معه شيء قال لا ولكنه اذا فرغ من صلاته ضرب بيده الى الارض ودفع لى ذلك فلما كان الغد لبست ثوبا خلقا وركبت فرسادونا وسرت مع الموكل لا تعرف صحة ذلك فلما دنا وقت صلاة الظهر اومى الى ان يدفع لى دينارا حتى اتركه يصلى فاشرت اليه انى لا آخذ الا دينارين فاومى برأسه وقت العصر اشار كالمرة الاولى فاشرت اليه انى لا آخذ الا خمسة دنانير فاشار الى بالاجابة فلما نزلنا واصبحنا دعوت به وسألته عن خبره وخيرته فى رجوعه الى بلاد الاسلام فاختار الرجوع فاركبته بغلا ودفعت له زادا وحملته بنفسى على البغل فقال اماتك الله تعالى على احب الاديان اليه فوقع فى قلبى من ذلك الوقت الاسلام(5/32)
فعلىلمؤمن المخلص ان يعظم الرسول الذى ارسله الله بهذا الدين الحق وقد عظمه الله ورفع ذكره وكتب اسمه على صفحات الكون
قال بعض الشيوخ دخلت بلاد الهند فوصلت الى مدينة رأيت فيها شجرة تحمل ثمرا يشبه اللوز له قشرة فاذا كسرت خرجت منها ورقة خضراء مطوية مكتوب عليها بالحمرة لا اله الا الله محمد رسول الله كتابة هندية واهل الهند يتبركون بها ويستسقون بها اذا منعوا الغيث ويتضرعون عندها فحدثت بها الحديث ابا يعقوب الصياد فقال لى ما استعظم هذا كنت بالايلة فاصطدمت سمكة مكتوب على اذنها اليمنى لا اله الا الله وعلى اليسرى محمد رسول الله فقذفت بها الى الماء وانما قذف بها احتلاما لها لما عليها من اسم الله تعالى واسم رسوله عليه السلام
شهباز هواى قاب قوسين ... برشد زتو آشيان كونين
وفى الحديث « لا تجعلونى كقدح الراكب » اى لا تنسونى فى حالة الشدة والرخاء « ولا تذكرونى كصنيع الراكب مع قدحه المعلق فى مؤخر رحله اذا احتاج اليه من العطش استعمله واذا لم يحتج اليه تركه » وقيل لا تجعلونى فى آخر الدعاء فان اللائق ان يذكر اسمه الشريف اولا وآخرا ويجعل الدعاء له عنوان الادعية
هر جند آخرين مقدم ... شد برهمه نورتو مقدم
جعلنا الله واياكم من خدام عتبة بابه والمتقربين بكل وسيلة الى عالى جنابه(5/33)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)
{ يا ايها الذين آمنوا ان كثيرا من الاحبار } اى علماء اليهود وهم من ولد هارون { والرهبان } وهم اصحاب الصوامع من النصارى جمع راهب وقد سبق { ليأكلون اموال الناس بالباطل } يأخذونها بطريق الرشوة لتغيير الاحكام والشرائع والتخفيف والمسامحة فيها ويؤهمون الناس انهم حذاق مهرة فى تأويل الآية وبيان مراد الله تعالى منها
يقول الفقير وهكذا يفعل المفتون الماجنون والقضاة الجائرون فى هذا الزمان يفتون على مراد المستفتى طمعا لماله ويقضون بمرجوج الاقوال بل على خلاف الشرح ويرون ان لهم فى ذلك سندا قويا قاتلهم الله وانما عبر عن الاخذ بالاكل مع ان المذموم منهم مجرد اخذها بالباطل اى بطريق الارتشاء سواء اكلوا ما اخذوه او لم يأكلوا بناء على ان الاكل معظم الغرض من الاخذ { ويصدون } اى يمنعون الناس { عن سبيل الله } عن دين الاسلام او يعرضون عنه بانفسهم بأكلهم الاموال بالباطل { والذين يكنزون الذهب والفضة } اى يجمعونهما ويحفظونهما سواء كان ذلك بالدفن او بوجه آخر والكنز فى كلام العرب هو الجمع وكل شئ جمع بعضه الى بعض فهو مكنوز يقال هذا جسم مكتنز الاجزاء اذا كان مجتمع الاجزاء وسمى الذهب ذهبا لانه يذهب ولا يبقى وسميت فضة لانها تنفض اى تتفرق ولا تبقى وحسبك بالاسمين دلالة على فنائهما وانه لا بقاء لهما -يقال- لما خرج آدم عليه السلام من الجنة بكى له كل شئ فيها الا شجرة العود والذهب والفضة فقال الله تعالى لو كان فى قلوبكم رأفة لبكيتم من خوفى ولكن من قسا قلبه احرقته بالنار وعزى وجلالى لا يصاغ منكم حلقة ولا دينار ولا درهم ولا سوار الا بتوقد النار وانت يا شجرة العود لا تبرحى فى النار والاحزان الى يوم القيامة . ثم المراد بالموصول ما يعم الكثير من الاحبار والرهبان وغيرهم من المسلمين الكانزين الغير المنفقين وهو مبتدأ خبره فبشرهم { ولا ينفقونها فى سبيل الله } اى لا ينفقون منها اى يؤدون زكاتها ولا يخرجون حق الله منها فحذف من واريد اثباتها بدليل قوله تعالى فى آية اخرى { خذ من اموالهم صدقة } وقال عليه السلام « فى مائتى درهم خمسة دراهم وفى عشرين مثقالا من الذهب نصف مثقال » ولو كان الواجل انفاق جميع المال لم يكن لهذا التقدير وجه كما فى تفسير الحدادى
وانما قيل ولا ينفقونها مع ان المذكور شيآن لان المراد بهما دنانير ودراهم كثيرة وقيل الضمير يعود على الاموال او على الكنوز المدلول عليها بالفعل او على الفضة لكونها اقرب فاكتفى ببيان احدهما عن بيان الآخر ليعلم بذلك كقوله تعالى { واذا رأوا تجارة اولهوا انفضوا اليها } وكذا كلام فى قوله { عليها } الآتى { فبشرهم بعذاب اليم } وضع الوعيد لهم بالعذاب موضع البشارة بالتنعم لغيرهم(5/34)
يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)
{ يوم } منصوب بعذاب { يحمى عليها فى نار جهنم } يقال حميت النار اى اشتدت حرارتها اى يوم توقد النار الحامية اى الشديدة الحرارة على تلك الدنانير والدراهم وعليها فى موضع رفع لقيامه مقام الفاعل { فتكوى } [ يس داغ كرده شود ] { بها } [ يدان دينارها ودرمهاى سوزان ] { جباههم وجنوبهم وظهورهم } وانما تكوى هذه الاعضاء دون غيرها لان الغنى اذا رأى الفقير الطالب للزكاة كان يعبس جبهته واذا بالغ فى السؤال يعرض عنه بجنبه واذا بالغ يقوم من موضعه ويولى ظهره ولم يعطه شيأ غالبا او لان المقصود الكانز من جميع المال لما كان طلب الوجاهة بالغنى تعلق الكى باعلى وجهه وهو الجبهة ولما قصد به ايضا التنعم بالمطاعم الشهية التى ينتفخ بسببها جبناه وبالملابس البهية التى يلتقيها على ظهره تعلق الكى بالجنوب والمظهور ايضا { هذا ما كنزتم } اى يقال لهم حين الكى فى ذلك اليوم هذا ما جمعتم فى دار الدنيا { لانفسكم } اى لمنفعتها فكان عين مضرتها وسبب تعذيبها { فذوقوا ما كنتم تكنزون } اى وبال كنزكم فما مصدرية والمضاف محذوف لان المعنى المصدرى ليس بمذوق وانما يذاق وباله وعذابه وانما ذاقوه فى الآخرة لانهم فى الدنيا فى منام الغفلة عن الاخرة والنائم لا يذوق ألم الكى وانما يذوقه عند الانتباه والناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا
مردمان غافلند از عقبى ... همه كويا بخفتكان مانند
ضرر غفلتى كه مى ورزند ... جون بميرند آنكهى دانند
[ درامالى امام ظهير الدين ولواجى مذكوراست كه . اكرديكران خزينه مال كنند توخزانه اعمال كن . واكر ديكران كنوز اعراض فانيه جويند تورموز اسرار باقية جوى ]
يكدرم كان دهى بدرويشى ... بهتراز كنجهاى مدخرست
زانجه دارى تمتعى بردار ... كان دكرروزى كسى دكرست
وفى الحديث « ما من صاحب كنز لا يؤدى زكاته الا احمى فى نار جهنم فتجعل صفائح فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره حتى يحكم الله بين عباده فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله اما الى الجنة واما الى النار وما من صاحب ابل لا يؤدى زكاتها الابطح لها بقاع قرقرتستن عليه بقوائمها واخفافها » اى ترفع يديها « وتطرحهما معا على صاحبها كلما مضى عليه آخرها رد عليه اولها حتى يحكم الله بين عباده فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة ثم يرى سبيله اما الى الجنة واما الى النار وما من صاحب غنم لا يؤدى زكاتها الابطح بها بقاء قرقر تطأه باظلافها وتنطحه بقرونها ليس فيها جماع ولا منكسر قرنها كلما مضى عليه آخرها رد عليه اولها حتى يقضى الله بين عباده فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة ثم يرى سبيله اما الى الجنة واما الى النار »(5/35)
واعلم ان الزكاة شكر لنعمة المال كما ان الصوم والصلاة والحج شكر لنعمة الاعضاء ولذا صارت صلاة الضحى شكر النعمة ثلاثمائة وستين مفصلا فى البدن وهى اى الزكاة تمليك خمسة دراهم فى مائتين للفقير المسلم لله تعالى ولرضاه فالتمليك رجاء للعوض ليس لزكاة وعائل يتيم لو اطعمه من زكاته صح خلافا لمحمد لوجود الركن وهو التمليك وهذا اذا سلم الطعام اليه واما اذا لم يدفع اليه فلا يجوز لعدم التمليك وهذا ايضا اذا لم يستخدمه فلو دفع شيأ من زكاته الى خادمه الغير المملوك وجاء للعوض وهو خدمته لم يكن لله تعالى وهذا غافل عنه اكثر الناس ولو انفق على اقاربه بنية الزكاة جاز الا اذا حكم عليه بنفقتهم قالوا الافضل فى صرف الزكاة ان يصرفها الى اخوته ثم اعمامه ثم اخواله ثم ذوى الارحام ثم جيرانه ثم اهل سكنه ثم اهل مصره
والفرق بين الزكاة وصدقة الفطر انه لا يجوز دفع الزكاة لذمى بخلاف صدقة الفطر ولا وقت لها ولصدقة الفطر وقت محدود يأثم بالتأخير عن اليوم الاول
قال الفقهاء افتراض الزكاة عمرى وقيل فورى وعليه الفتوى فيأثم بتأخيرها وترد شهادته . أى رجل يستحب له اخفاؤها فقل الخائف من الظلمة حتى لا يعملوا كثرة ماله . أى رجل غنى عند الامام فلا تحل له فقير عند محمد فتحل له فقل من له دور يستغلها ولا يملك نصابا فمن كان له دار لا تكون للسكنى ولا للتجارة وقيمتها تبلغ النصاب يجب بها صدقة الفطر دون الزكاة ولو استرى زعفرانا ليجعله على كعك التجارة لا زكاة فيه ولو كان سمسما وجبت والفرق ان الاول مستهلك دون الثانى والملح والحطب للطباخ والحرض والصابون للقصار والشب والقرظ للدباغ كالزعفران والعصفر والزعفران للصباغ كالسمسم كذا فى الاشباه ثم المعتبر فى الذهب والفضة الوزن وجوبا واداء لا الذى يروج بين الناس من ضرب الامير وجاز دفع القيمة فى زكاة وكفارة عير الاعتاق وعشر ونذر واذا قال الناذر على ان اتصدق اليوم بهذا الدرهم على هذا الفقير فتصدق غدا بدرهم آخر على غيره يجزئه عندنا ولا تؤخذ الزكاة من تركته بغير وصية وان اوصى اعتبرت من الثلث والمريض اذا خلف من ورثته يخرجها سرا عنهم(5/36)
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)
{ ان عدة الشهور } العدة مصدر بمعنى العدد أى ان عدد الشهور التى تتعلق بها الاحكام الشرعية من الحج والعمرة والصوم والزكاة والاعياد وغيرها وهى الشهور العربية القمرية التى تعتبر من الهلال الى الهلال وهى تكون مرة ثلاثين يوما ومرة تسعة وعشرين ومدة السنة القمرية ثلاثمائة واربعة وخمسون يوما وثلث يوم دون الشهور الرومية والفارسية التى تكون تارة ثلاثين يوما وتارة احدا وثلاثين ومدة السنة الشمسية ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم وللشمس اثنا عشر برجا تسير فى كلها فى سنة والقمر فى كل شهر وهى حمل ثور جوزاء سرطان اسد سنبلة ميزان عقرب قوس جدى دلوحت واصطلحوا على ان جعلوا ابتداء السنة الشمسية من حين حلول مركز الشمس نقطة رأس الحمل الى عودها الى تلك النقطة لان الشمس اذا حلت هناك ظهر فى النبات قوة ونشو ونماء وتغير الزمان فى رثاثة الشتاء الى نضارة الربيع واعتدل الزمان فى كيفيتى الحر والبرد . ولما كانت السنة عند العرب عبارة عن اثنى عشر شهرا من الشهور القمرية وكانت السنة القمرية اقل من السنة الشمسية بمقدار وبسبب ذلك النقصان تنتقل الشهور القمرية من فصل الى فصل كان الحج والصوم والفطر يقع تارة فى الصيف واخرى فى الشتاء . ولما كانت عند سائر الطوائف عبارة عن مدة تدور فيها الشمس دورة تامة كانت اعيادهم وصومهم تقع فى موسم واحد ابدا { عند الله } اى فى حكمه وهو ظرف لقوله عدة { اثنا عشر } خبر لان { شهرا } تمييز مؤكد كما فى قولك عندى من الدنانير عشرون دينارا { فى كتاب الله } صفى لاثنا عشر والتقدير اثنا عشر شهرا مثبتة فى كتابه وهو اللوح المحفوظ وانما قال فى كتاب الله لان كثيرا من الاشياء توصف بانها عند الله ولا يقال انها فى كتاب الله يوم خلق السموات والارض اى منذ خلق الاجرام اللطيفة والكثيفة وانما قال لان الله تعالى اجرى الشمس والقمر فى السموات يوم خلق السموات والارض فمبلغ عدد الشهور اثنا عشر من غير زيادة اولها المحرم وآخرها ذو الحجة وانا خصت باثنى عشر لانهم كانوا ربما جعلوها ثلاثة عشر وذلك انهم كانوا يؤخرون الحج فى كل عامين من شهر الى آخر ويجعلون الشهر الذى انسأوا فيه اى اخروا ملغى فتكون تلك السنة ثلاثة عشر شهرا ويكون العام الثانى على ما كان عليه الاول سوى ان الشهر الملغى فى الاول لا يكون فى العام الثانى وعلى هذا تمام الدورة فيستدير حجهم فى كل خمس وعشرين سنة الى الشهر الذى بدئ منه ولذا خرج الحساب من ايديهم وربما يحجون فى بعض السنة فى شهر ويحجون من قابل فى غيره الى ان كان العام الذى حج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصادف حجهم ذا الحجة فوقف بعرفة يوم التاسع واعلمهم بطلان النسيئ كما سيجيئ وهذه الشهور قد نظمها بعضهم بقوله(5/37)
جون محرم بكذرد آيد بنزد توصفر ... بس ربيعين وجمادين ورجب آيدببر
بازشعبا نست وماه صوم وعيد وذى القعد ... بعد ازان ذى الحجة نام ماهها آيدبسر
اما المحرم فسمى بذلك لانهم كانوا يحرمون القتال فيه حتى ان احدهم كان يظفر بقاتل ابيه وابنه فلا يكلمه ولا يتعرض له . واما صفر فسمى بذلك لخلوهم من الطعام وخلو منازلهم من الزاد ولذلك كانوا يطلبون الميرة فيه ويرحلون لذلك يقال صفر السقاء اذا لم يكن فيه شيء والصفر الخالى من كل شئ كذا فى التبيان
وقال فى شرح التقويم سمى بذلك لخلوه عن التحريم الذى كانا فى المحرم . واما الربيعان فسميا بذلك لان العرب كانت تربع فيهما لكثرة الخصب فيهما . والربيع عند العرب اثنان ربيع الشهور وربيع الازمنة . اما ربيع الشهور فهو شهران بعد صفر اى ربيع الاول وربيع الآخر بتنوين ربيع على الاول صفته وكذا الآخر والاضافة غلط . واما ربيع الازمنة فهو ايضا فهو ايضا اثنان الربيع الول وهو الذى تأتى فيه الكماة والنور ويسمونه ربيع الكلاء والربيع الثانى وهو الفصل الذى تدرك فيه الثمار فربيعا الشهور لا يقال فيهما الاشهر ربيع الاول وشهر ربيع الآخر ليمتازا عن الربيعين فى الازمنة . واما الجماديان فسميا بذلك لان الماء كان يجمد فيهما لشدة البرد فيهما كذا فى التبيان
وقال فى شرح التقويم جمادى الاولى بضم الجيم وفتح الدال فعالى من الجمد بضم الجيم والميم وسكون الميم لغة فيه وهو المكان الصلب المرتفع الخشن وانما سمى بذلك لان الزمان فى اول وضع هذا الاسم كان حارا والامكنة فى الصلابة والارتفاع والخشونة من تاثير الحرارة وجمادى الآخرة تالية للشهر المتقدم فى المعنى المذكور
قال ابن الكمال جمادى الاولى والآخرة فعالى كحبارى والدال مهملة والعوام يستعملونها بالمعجمة المكسورة ويصفونها بالاول فيكون فيها ثلاث تحريفات قلب المهملة معجمة والفتحة كسرة والتأنيثتذكيرا . وكذا جمادى الآخرة يقولون جمادى الآخر بلا تاء والصحيح الآخرة بالتاء او الاخرى وهما معرفتان من اسماء الشهور فادخال اللام فى وصفهما صحيح . وكذا ربيع الاول وربيع الآخر فى الشهور واما ربيع الازمنة فالربيع الاول باللام انتهى . واما رجب فسمى بذلك لان العرب فى الجاهلية كانوا يعظمونه ويتركون فيه القتال والمحاربة يقال رحبته بالكسر اى عظمته والترحيب التعظيم وكانوا يسمونه رجب مضر وهو اسم قبيلة لكونه اشد تعظيما له من بقية العرب ولذلك قال عليه السلام فيه « رجب مضر الذى بين جمادى وشعبان » وانما وصف رجب بقوله الذى للتأكد او لبيان ان رجب الحرام هو الذى بينهما الا ما كانوا يسمونه رجب على حساب النسيئ او يسمون رجب وشعبان رجبين فيغلبون رجب عليه وربما يقال شعبانا تغليبا له على رجب .(5/38)
واما شعبان فسمى بذلك لانهم كانوا يتفرقون ويتشعبون من التشعيب وهو التفريق . واما رمضان فسمى بذلك لشدة الحر الذى كان يكون فيه ترمض الفصال كما قيل للشهر الذى يحج فيه ذو الحجة
قال فى شرح التقويم الرمض شدة وقع الشمس على الرمل وغيره وسبب تسمية هذا الشهر بهذا الاسم ان العرب كانت تسمى الشهور بلوازم الازمنة التى كانت الشهور واقعة فيها وكانت اللوازم وقت التسمية ههنا رمض الحر اى شدته انتهى .
قيل سمى رمضان لانه ترمض فيه الذنوب رمضا اى تغفر . وكان مجاهد يكره ان يقول رمضان ويقول لعله اسم من اسماء الله فالوجه ان يقال شهر رمضان لما روى « لا تقولوا جاء رمضان وذهب رمضان ولكن قولوا جاء شهر رمضان فان رمضان اسم من اسماء الله تعالى » على ما فى التيسير
قال فى التلويح العلم هو شهر رمضان بالاضافة ورمضان محمول على الحذف للتخفيف ذكره فى الكشاف وذلك لانه لو كان رمضان علما لكل شهر رمضان بمنزلة انسان زيد ولا يخفى قبحه ولهذا اكثر فى كلام العرب شهر رمضان ولم يسمع شهر رجب وشهر شعبان على الاضافة انتهى
قال المولى حسن جلبى قد يمنع القبح بان الاضافة البيانية شائعة عرفا فلا مجال لاستقباحها بعد ان تكون مطردة انتهى .
واما شوال فسمى بذلك لانه يشول الذنوب اى يرفعها ويذهبها لانه من شال يشول اذا رفع الشيء ومن ذلك قولهم شالت ان الناقة بذنبها اى رفعته اذا طلبت الذراب كذا فى التبيان
وقال فى شرح التقويم هو من الشول وهو الخفة من الحرارة فى العمل والخدمة وانما سمى بذلك لخروج الانسان فيه عن مخالفة النفس الامارة وقمع شهواتها اللذين كانا فى الانسان فى رمضان باطلاق طوع المستلذات والمشتهيات فعند خروجه عن ذلك كان يجد خفة فى نفسه ويستريح . واما ذو القعدة فسمى بذلك لانهم كانوا يقعدون فيه لكثرة الخصب فيه او يقعدون عن القتال
قال فى شرح التقويم انما سمى هذا الشهر بهذا الاسم لانه زمان يحصل فيه قعود مكة . والقعدة بفتح القاف وسطكون العين المهملة
قال ابن ملك قولهم ذو القعدة وذو الحجة يجوز فيهما فتح القاف والحاء وكسرهما لكن المشهور فى القعدة الفتح وفى الحجة الكسر . واما ذو الحجة فسمى بذلك لانهم كانوا يحجون فيه
وقال فى كتاب عقد الدرر واللالى فى فضائل الايام والشهور والليالى تكلم بعض اهل العلم على معانى اسماء الشهور فقال كانت العرب اذا رأوا السادات تركوا العادات وحرموا الغازات قالوا المحرم . واذا مرضت ابدانهم وضعفت اركانهم واصفرت الوانهم قالوا صفر .(5/39)
واذا نبتت الرياحين واخضرت البساتين قالوا ربيعين . واذا قلت الثمار وبرد الهواء وانجمد الماء قالوا جمادين . واذا ماجت البحار وجرت الانهار ورجبت الاشجار قالوا رجب . واذا تشعبت القبائل وانقطعت الوسائل قالوا شعبان . واذا حر الفضاء ورمضت الرمضاء قالوا رمضان . واذا ارتفع التراب وكثر الذباب وشالت الابل الاذناب قالوا شوال . واذا رأوا التجار قعدوا من الاسفار والمماليك والاحرار قالوا ذو القعدة . واذا قصدوا من كل فج ووج وكثر العج والثج قالوا ذو الحجة انتهى
{ منها } اى من تلك الشهور الاثنى عشر { اربعة حرم } واحد فرد وهو رجب وثلاثة سرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم . والحرم بضمتين جمع الحرام اى اربعة اشهر حرم يحرم فيها القتال جعلت انفس الاشهر حرما لكونها ازمنة لحرمة ما حل فيها من القتال وهو من قبيل اسناد الحكم الى ظرفه اسنادا مجازيا واجزاء الزمان وان كانت متشابهة فى الحقيقة الا انه تعالى له ان يميز بعض الامور المتشابهة بمزيد حرمة لم يجعلها فى البعض الآخر . كما ميز يوم الجمعة . ويوم عرفة بحرمة لم يجعلها فى سائر الايام حيث خصهما بعبادة مخصوصة تميزا بها عن سائر الايام . وكذا ميز شهر رمضان عن سائر الشهور بمزيد حرمة لم يجعلها لسائر الشهور . وميز بعض ساعات الليل والنهار بان جعلها اوقاتا لوجوب الصلاة فيها . وكما ميز الاماكن والبلدان وفضلها على سائر كالبلد الحرام والمسجد الحرام فخص الله تعالى بعض الاوقات وبعض الاماكن بمزيد التعظيم والاحترام فلا بعد فى تخصيص بعض الاشهر بمزيد الحرمة بان جعل انتهاك المحارم فيها اشد واعظم من انتهاكها فى سائر الاشهر ويضاعف فيها السيآت بتكثير عقوباتها ويضاعف فيها الحسنات بتكثير مثوباتها
وفى اسئلة الحكم فضل الاشهر والايام والاوقات بعضها على بعض كما فضل الرسل والامم بعضها على بعض لتبادر النفوس وتسارع القلوب الى ادراكها واحترامها وتتشوق الارواح الى احبائها بالتعبد فيها ويرغب الخلق فى فضائلها . واما تضاعف الحسنات فى بعضها فمن المواهب اللدنية والاختصاصات الربانية
وفى الاسرار المحمدية ان الله تعالى اذا احب عبدا استعمله فى الاوقات الفاضلات بفواضل الاعمال الصالحات واذا مقته والعياذ بالله شتت همه واستعمله بسيء الاعمال واوجع فى عقوبته واشد بمقته بحرمان بركة الوقت وانتهاك حرمته فليبذل المريد كل وسعه حتى لا يغفل عنها اى عن الاوقات الفاضلة فانها موسم الخيرات ومظانّ التجارات ومتى غفل التاجر عن المواسم لم يربح ومتى غفل عن فضائل الاوقات لم تنحج دع التكاسل تغنم قد جرى مثل [ كه زاد راهروان جستيست وجالا كى ]
واتفق اهل العلم على افضلية شهر رمضان لانه انزل فيه القرآن . ثم شهر ربيع الاول لانه مولد حبيب الرحمن . ثم رجب لانه فرد اشهر الحرم . ثم شعبان لانه شهر حبيب الرحمن مقسم الاعمال والآجال بين شهرين عظيمين رجب ورمضان ففيه فضل الجوارين العظيمين ليس لغيره .(5/40)
ثم ذو الحجة لانه موطن الحج والعشر التى تعادل كل ليلة منها ليلة القدر . ثم المحرم شهر الانبياء عليهم السلام ورأس السنة واحد الاشهر الحرم ثم الاقرب الى افضل الاشهر من وجوه { ذلك } اى تحريم الاشهر الاربعة المعينة هو { الدين القيم } المستقيم دين ابراهيم واسماعيل عليهما السلام والعرب ورثوه منهما حتى احدثت النسيئ فغيروا { فلا تظلموا فيهن انفسكم } بهتك حرمتهن وارتكاب ما حرم فيهن
قال فى التبيان قال فى الاثنى عشر منها فوحد الضمير لانه للكثرة . وقال فى الاربعة فيهن فجمع الضمير لانه للقلة وسببه ان الضمير فى القلة للمؤنث يرجع بالهاء والنون وفى الكثرة يرجع بالهاء والالف لفرق بين القلة والكثرة والجمهور على ان حرمة القتال فيهن منسوخة واوّلوا الظلم بارتكاب المعاصى فيهن فان اعظم وزرا كارتكابها فى الحرم وفى خلال الاحرام يعنى ان هذه الاشهر الاربعة خصت بالنهى عن ظلم النفس فيها مع ان الظلم حرام فى كل وقت لبيان ان الظلم فيها اغلظ كأنه قيل فلا تظلموا فيهن خصوصا انفسكم { وقاتلوا المشركين كافة } مصدر كف فان مصدر الثلاثى قد يجيء على فاعله نحو عافية ومعناه معنى كل وجميع وهو منصوب على الحال اما من الفاعل وهو الواو فالمعنى قاتلوا جميعا المشركين اى مجتمعين على قتالهم متعاونين متناصرين ومن التعاون الدعاء بالنصرة اذ هو سلاح معنوى كما ان السيف سلاح صورى فمن تأخر ودعا فقلبه مجتمع بمن اقدم وغزا اذا التفرق الصورى لا يقدح فى الاجتماع المعنوى : كما قال الحافظ
درراه عشق مرحله قرب وبعد نيست ... مى بينمت عيان ودعا مى فرستمت
{ كما يقاتلونكم كافة } كذلك اى مجتمعين واما من المفعول فالمعنى قاتلوا المشركين جميعا اى بكليتهم ولا تتركوا القتال مع بعضهم كما انهم يستحلون قتال جميعكم واما منهما معها نحو ضرب زيد عمرا قائمين فان المصدر عام للتثنية والجمع فجميع المؤمنين يقاتل جميع الكافرين ويجوز ان يكون منصوبا على الظرف اى فى الحل والحرم وفى جميع الازمان فى الاشهر الحرم وفى غيرها والى الابد فان الجهاد مستمر الى آخر الزمان { واعلموا ان الله مع المتقين } اى معكم بالنصر والامداد فيما تباشرون من القتال وانما وضع المظهر موضعه مدحا لهم بالتقوى وحثا للقاصرين عليه وايذانا بلن المدار فى النصر كذا فى الارشاد
وقال القاضى هى بشارة وضمان لهم بالنصر بسبب تقواهم فان السلاح والدعاء لا ينفذان الا بالتقوى على مراتبها فكلمة التقوى هى كلمة الشهادة وبها بقى المؤمن نفسه وماله وعياله من التعرض فى الدنيا ومن العذاب فى العقبى ثم انها اذا قارنت بشرائطها الظاهرة والباطنة يحصل تقوى القلب وهو التخلى عن الاوصاف الذميمة ثم يحصل تقوى السر وهو التخلى عما سوى الله فمن كان لله كان الله له بالنصرة والامداد(5/41)
واعلم ان السيف سيفان سيف ظاهر وهو سيف الجهاد الصورى وسيف باطن وهو سيف الجهاد المعنوى فبالاول تنقطع عروق الكفرة الظاهرة الباغية وبالثانى عروق القوى الباطنة الطاغية والاول بيد مظهر الاسم الظاهر وهو السلطان وجنوده والثانى بيد مظهر الاسم الباطن وهو القطب وجنوده فنسأل الله تعالى ان ينصر سلطاننا بالاسم الممد والناصر المعين ويخذل اعدائنا بالاسم المنتقم والقهار وذى الجلال : وقد قال السعدى
دعاى ضعيفان اميدوار ... زبازوى مردى به آيد بكار
ففى الآية حث على المجاهدة مع الاعداء وفى الحديث « القتل فى سبيل الله مصمصة » اى مطهرة غاسلة من الذنوب يقال مصمص الاناء اذا جعل فقيه الاناء اذا جعل فيه الماء وحركه ومضمضه كذلك عن الاصمعى كذا فى تاج المصادر وفى الحديث « ان ابواب الجنه تحت ظلال السيوف » يعنى كون المجاهد فى القتال بحيث يعلوه سيوف الاعداء سبب للجنة حتى كان ابوابها حاضرة معه او المراد بالسيوف سيوف المجاهد هذا كناية عن الدنو من العدو فى الاضراب لانه اذا دنا منه كان تحت ظل سيفه حين رفعه ليضربه وانما ذكر السيوف لانها اكثر سلاح العرب ومن التقوى الاحتراز عن الرياء والسمعة فى حضور معارك الحروب ومحافل الدعاء : قال خسر والدهلوى
غازئ رسمى كه بغارت رود ... هست جوحاجى كه تجارت رود
آنكه غزا خوانى وجويى رضا ... كر غرضى هست نباشد غزا
رو بغزا دل غرض آلوده واى ... جهد خود است اين نه جهاد خذاى
والاشارة { ان عدة الشهور } اى تعديد عدة الشهور { عند الله } فى الازل { اثنا عشر شهرا فى كتاب الله } فى علم الله { يوم خلق السموات والارض منها اربعة حرم } يعنى اقتضت الحكمة الالهية الازلية ان يكون من الشهور يوم خلق السموات والارض اربعة اشهر حرم اى يعظم انتهاك المحارم فيها باشد مما يعظم فى غيرها بل هى اشهر الطاعات والعبادات محرمة فيها الشواغل الدنيوية والحظوظ النفسانية على الطلاب . وفيه اشارة الى ان ايام الطالب واوقات عمره ينبغى ان تصرف جملتها فى الطلب فان لم يتيسر له ذلك فثلثها واى فنصفها وان لم يكن فمحرم صرف ثلها فى غير الطالب ولا يفلح من نقص من صرف الثلث شيأ فى الطلب اذ لا بد له من صرف بعض عمره فى تهيئ معاشه ومعاش اهله وعياله ومن استغنى عن هذا المانع فمحرم عليه صرف لحظة من عمره فى غير الطلب وتوابعه كما قال { ذلك الدين القيم } اى المستقيم يعنى من صرف شيأ من عمره فى شئ غير طلب الحق ما استقام دينه بل فيه اعوجاج بقدر ذلك فافهم جدا ثم قال { فلا تظلموا فيهن انفسكم } اى فى ثلث العمر لان الاربعة هى ثلث الاثنى عشر يعنى ان صرفتم شيأ من ثلث اعماركم المحرم فى شئ من المصالح الدنيوية فقد ظلمتم انفسكم باستيلائها على القلوب والارواح عند غلبات صفاتها لانه مهما يكن صرف اكثر العمر فى الدنيا ومصالحها واستيفاء الحظوظ النفسانية تكون النفس غالبة على القلب والروح فتخالفهما وتنازعهما بجميع صفاتها الذميمة وتميل الى الدنيا وشهواتها وتعبد هواها فتكون مشركة بالله فلهذا قال { وقاتلوا المشركين كافة } اى قلوبكم وصفاتها وارواحكم وصفاتها { كما يقاتلونكم كافة } اى النفوس وصفاتها جميعا ومقاتلة النفوس بمخالفتها وردعها عن هواها وكسر صفاتها ومنعها عن شهواتها وشغلها بالطاعات والعبادات واستعمالها فى المعاملات الروحانية والقلبية وجملتها التزكية عن الاوصاف الذميمة والتحلية بالاخلاق الحميدة ثم قال { واعلموا ان الله مع المتقين } وهم القلوب والارواح المتقية عن الشرك يعنى عن الالتفات لغير الله ولو لم يكن الله معهم بالنصر والتوفيق لما اتقوا بالله عما سواه كذا فى التأويلات النجمية(5/42)
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)
{ انما النسيئ } مصدره نسأه اى اخره كمس مسيسا كانت العرب اذا جاء شهر حرام وهم محاربون احلوه وحرموا مكانه شهرا آخر حتى رفضوا خصوص الاشهر واعتبروا مجرد العدد
قال الكاشفى [ آورده اندكه طباع اهل جاهليت بقتل وغارت مستأنس شده بود ودرمهاى حرام قتال نميكردند وجون سه ماه متصل حرام بودبتنك آمده كفتند ماسه ماه بى دربى دربى تاراج وغارت تحمل بس قلمش كنانى صورتى برانكيخت ودرموسم نداكردوايستاده شد وخطبه خواند كه يا معشر العرب خداى شمارا درين محرم وحلال كردانيد وحرمت اورا تأخير كرد بماه صفر مردمان قول اورا قبول نمودند بازسال ديكر منادى فرمودكه خداى تعالى جرين سال محرم را حرام ساخت وصفررا حلال كردوكاه بودى كه در اثناى محاربات ايشان حرام نوشتى حرمت اورا تأخير كردندى بما هى بعد ازواورا حلال داشتتدى ودهر سالى جهاماه را حرام ميدانستند اما اختصاص اشهر حرم را فروكذاشته مجرد عددرا اختيار كردندى واعتبار داشتنتدى واين عمل را نسئ مى كفتند حق سبحانه وتعالى فرمود ] { انما النسيئ } اى انما تأخير حرمة شهر الى شهر آخر { زيادة } [ افزنيست ] { فى الكفر } لانه تحليل ما حرمه الله زتحريم ما حلله فهو كفر آخر مضموم الى كفرهم وبدعة زائدة على بدع سائر الكفار { يضل } على بناء المفعول من اضل { به } [ بدين عمل ] وهو النسيء { الذين كفروا } والمضل هو الله تعالى اى يخلق فيهم الضلال عند مباشرتهم لمباديه واسبابه او الرؤساء فالموصول عبارة عن الاتباع اى الاتباع يضلون به باضلال الرؤساء او الشيطان فانه مظهر الاسم المفضل
يقول الفقير سمعت من حضرة شيخنا العلامة ابقاه الله بالسلامة ان الشيطان والنفس والضلال امر واحد فى الحقيقة لكن الاول بحسب الشريعة والثانى بحسب الطريقة والثالث بحسب الحقيقة فلكل مقام تعبير لا يناسب تعبير المقام الآخر { يحلونه } اى الشهر المؤخر فالضمير الى النسيئ المدلول عليه بالنسيئ { عاما } من الاعوام ويحرمون مكانه شهرا آخر مما ليس بحرام { ويحرمونه } اى يحافظون على حرمته كما كانت والتعبير عن ذلك بالتحريم باعتبار احلالهم له فى العام الماضى { عاما } آخر اذا لم يتعلق بتغييره غرض من اغراضهم { ليواطئوا } المواطأة عبارة عن الموافقة والاجتماع على حكم اى ليوافقوا
قال الكاشفى [ تاموافق سازند وتمام كنند ] { عدة ما حرم الله } اى عدد ما حرمه من الاشهر الا اربعة فانهم كانوا يقولون الاشهر الحرم اربعة وقد حرمنا اربعة اشهر { فيحلوا ما حرم الله } اى يتواصلوا بهذه الحيلة الى احلال الشهر الذى حرمه الله بخضوصه من الاشهر المعينى فهم وان راعوا احد الواجبين وهو نفس العدد الا انهم تركوا الواجب الآخر وهو رعاية حكم خصوص الشهر { زين لهم سوء اعمالهم } اى جعل اعمالهم مشتهاة للطبع محبوبة للنفس والمزين هو الله تعالى فى الحقيقة او الشيطان او النفس على تفاوت المراتب { والله لا يهدى القوم الكافرين } هداية موصلة الى المطلوب البتة وانما يهديهم الى ما يوصل اليه عند سلوكه وهم قد اعرضوا عنه بسوء اختيارهم فتاهوا فى تيه الضلال [ در ينابيع آورده كه جاهلان عرب در سالى جهار ماه حرام ميداشتتد وخلق را ازدست وزبان خود ايمن ميساختند مؤمنان مؤدب بدان سزاوارترندكه درهمه ماهها مسلمانانرا ازضرر خودسالم دارند وايذا وآزار خلق بزبان ودست فروكذارندكه مجازات اضرار همان اضرارست ومكافات آزار آزار ](5/43)
آزار دل خلق مجو بى سببى ... تابر نكشند يا ربى نيمشى
برمال وجمال خويشتن تكيه مكن ... كانرا بشبى برند واين را به تبى
يقول الفقير سامحه الله القدير بلغت مسامحات الناس فى هذا الزمان الى حيث تساوت عندهم الاشهر الحرم وغيرها أما ترى اليهم فى شهر رمضان الذى جعله الله شهر هذه الامة المرحومة وفضله على سائر الشهور كيف لا يبالون من ارتكاب المحرمات فيه وامسكوا عنها فى النهار بسبب نوم او غيره من الموانع البشرية واكبوا عليها فى الليالى فوا أسفا على غربة هذا الدين وزوال انوار اليقين ومن الله التوفيق الى الاعمال المرضية خصوصا فى الاوقات الفاضلة نهار وليالى ثم ان النسيئ المذكور وقعت اليه الاشارة فى قوله عليه السلام « لا عدوى ولا هامة ولا صفر » اما العدوى فهو اسم من الاعداء كالدعوى من الادعاء وهو مجاورة العلة من صاحبها الى غيره وكانت العرب فى الجاهلية تعتقد ان الامراض تعدى بطبعها من غير اعتقاد تقدير الله لذلك . فالمعنى ليس نفى سراية العلة فان السراية والتعدية واقعة بل اضافتها الى العلة من غير ان يكون ذلك بفعل الله تعالى ويدل عليه السلام « لا يورد ممرض على مصحح » والممرض صاحب الابل المريضة والمصحح صاحب الابل الصحيحة والمراد النهى عن ايراد الابل المريضة على الصحيحة وهو من باب اجتناب الاسباب التى هى سبب البلاء اذا كان فى عافية منه فكما انه مأمور ان لا يلقى نفسه فى الماء او فى النار او يدخل تحت ما اشرف على الانهدام ونحوه مما جرت العادة بانه يهلك او يؤذى فكذلك مأمور بالاجتناب عن مقاربة المريض كالمجزوم والقدوم على بلد الطاعون فان هذه كلها اسباب المرض والتلف والله تعالى هو خالق الاسباب ومسبباتها ففى الامر بالاجتناب صيانة للمؤمن الضعيف يقينه لئلا يعتقد التأسير من الاسباب اى عند وقوع البلاء او يعتقد ان السراية كانت بالطبع لا بقضاء الله تعالى وقدره واما اذا قوى التوكل على الله والايمان بقضائه وقدره فتجوز مباشرة بعض هذه الاسباب كما ورد ان النبى عليه السلام اكل مع مجذوم وقال(5/44)
بسم الله ثقة الله توكلت على الله ونظيره ما روى عن خالد بن الوليد وعمر رضى الله عنهما من شرب السم وانما لم يؤثر فيهما لانهما انما شرباه فى مقام الحقيقة لا ببشريتهما وانما اثر فى النبى عليه السلام بعد تنزله الى حالة بشرية وذلك ان ارشاده عليه السلام كان فى عالم التنزل غير ان تنزله كان من مرتبة الروح وهى اعدل المراتب ولم يؤثر فيه حتى مضى عليه اثنا عشرة سنة فلما احتضر تنزل الى ادنى المراتب لان الموت انما يجرى على البشرية فلما تنزل الى تلك المرتبة اثر فيه فليفهم هذا المقام فانه من مزالق الاقدام . واما قوله « ولا هامة » بالتخفيف ففيه تأويلان . احدهما ان العرب كانت تتشاءم بالهامة وهى الكير المعروف من طير الليل وقيل هى البومة كانت اذا سقطت على دار احدهم قالوا نعت اليه نفسه او بعض اهله هذا تفسير مالك بن انس . والثانى ان العرب كانت تعتقد ان روح القتيل الذى لم يؤخذ بثاره تصير هامة فتنشر جناحيها عند قبره وتصحيح اسقونى اسقونى من دم قاتلى فاذا اخذ بثاره طارت وقيل كانوا يزعمون ان عظام الميت اذا بليت تصير هامة ويسمونها الصدى بالفارسية [ كوف ] وتخرج من القبر وتتردد وتأتى الميت باخبار اهله وهذا تفسير اكثر العلماء وهو المشهور ويجوز ان يكون المراد النوعين وانه عليه السلام نهى عنهما جميعا
وفى فتاوى قاضى خان اذا صاحت الهامة فقال احد يموت رجل قال بعضهم يكون ذلك كفرا وكذا لو رجع فقال ارجع لصياح العقعق كفر عن بعضهم . واما قوله « ولا صفر » ففيه تأويلان ايضا . الاول ان الجاهلية كانت تعتقد ان فى الجوف حية يقال لها الصفر تعض كبد الانسان عضا اذا جاع . والثانى ان المراد تأخيرهم تحريم المحرم الى صفر وهو النسيء الذى كانوا يفعلونه ويحوز ان يكون المراد هذا والاول جميعا وان الصفرين جميعا بالطلان لا اصل لهما وقيل كانوا يتشاءمون بصفر فنفاه النبى عليه السلام بقوله ولا صفر يحكى ان بعض الاعراب اراد السفر فى اول السنة فقال ان سافرت فى المحرم كنت جديرا ان احرم وان رحلت فى صفر خشيت على يدى ان نصر فاخر السفر الى شهر ربيع الاول فلما سافر مرض ولم يحظ بطائل فقال ظننته من ربيع الرياض فاذ هو من ربيع الامراض . وكانت وقعة صفين بين على ومعاوية غرة صفر سنة سبع وثلاثين قيل لذلك احترز عن صفر
قال فى روضة الاخبار ذهب الجمهور الى ان القعود فى صفر اولى من الحركة
عن النبى عليه السلام « من بشرنى بخروج صفر ابشره بالجنة » انتهى
يقول الفقير هذا الحديث لا يدل على مدعاة وهو اولوية القعود فى صفر فان النبى عليه السلام انما قال كذلك شغفا بشهر ولادته ووفاته وحبا لدخوله فان الانبياء والاولياء يستبشرون بالموت لكونه تحفة لهم ويتنظرون زمانه اذ ليس انتقالهم الا الى جوار الله تعالى وفى الحديث(5/45)
« لا تسافروا فى محاق الشهر ولا اذا كان القمر فى العقرب » وكان على يكره التزوج والسفر اذا نزل القمر فى العقرب وهو اسناد صحيح
قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى ان نحوسة الايام قد ارتفعت على المؤمنين بشرف نبينا عليه السلام واما ما نقل عن على من انه عد سبعة ايام فى كل شهر نحسا فعلى تقدير صحة النقل محمول على نحوسة النفس والطبيعة فليست السعادة والشقاوة الا لسعادتهما وشقاوتهما فاذا خلصتا من الشقاوة لم يبق نحوسة انتهى
قال فى عقد الدرر واللآلى وكثير من الجهال يتشاءم من صفر وربما ينهى عن السفر والتشاؤم بصفر هو من جنس الطيرة المنهى عنها وكذا التشاؤم بيوم من الايام كيوم الاربعاء وايام العجائز فى آخر الشتاء وكذا شتاؤم اهل الجاهلية بشوال فى النكاح فيه خاصة . وقد قيل ان طاعونا وقع فى شوال فى سنة من السنين فمات فيه كثير من العرائس فتشاءم بذلك اهل الجاهلية وقد ورد الشرع بابطاله قالت عائشة رضى الله عنها تزوجنى رسول الله فى شوال وبنى بى فى شوال فاى نسائه كان احظى عنده منى فتخصيص الشؤم بزمان دون زمان كصفر او غيره غير صحيح وانما الزمان كله خلق الله تعالى وفيه تقع اعمال بنى آدم فكل زمان اشتغل فيه المؤمن بطاعة الله فهو زمان مبارك وكل زمان اشتغل فيه بمعصية الله فهو مشئوم عليه فالشؤم فى الحقيقة هو المعصية كما قال ابن مسعود رضى الله عنه ان كان الشؤم فى شيء ففيما بين اللحيين يعنى اللسان وفى الحديث « الشؤم فى ثلاث فى المرأة والدار والفرس » وتفسيره ان شؤم المرأة اذا كانت غير ولود وشؤم الدار جار السوء فان المرء يتأذى به كما جاء فى الحديث « ادفنوا موتاكم وسط قوم صالحين فان الميت يتأذى بجار السوء كما يتأذى الحى بجار السوء » وشؤم الفرس اذا لم يغز عليه فى سبيل الله فان الخيل ثلاثة فرس للرحمن وفرس للانسان وفرس للشيطان فهو ما وهن عليه وقومر(5/46)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)
{ يا ايها الذين آمنوا } شروع فى بيان غزوة تبوك وهى ارض بين الشام والمدينة ويقال لها غزوة العسرة ويقال لها الفاضحة لانها اظهرت حال كثير من المنافقين -وروى- انه عليه السلام لما فتح مكة وغزا هوازن وثقيفا بحنين واوطاس وحاصرالطائف وفتحها واتى الجعرانة واحرم بها للعمرة واعتمر ثم اتى المدينة فامر بالخروج الى غزوة الروم قبل الشأم وذلك فى شهر رجب سنة تسع بلغه عليه السلام ان الروم قد جمعت له جموعا كثيرة بالشأم وانهم قدموا مقدماتهم الى البلقاء المحل المعروف وقيل للروم بنوا الاصفر لانهم ولد روم بن العيص بن اسحق نبى الله عليه الصلاة والسلام وكان يسم الاصفر لصفرة به . فقد ذكر العلماء باخبار القدماء ان العيص تزوج بنت عمه اسماعيل فولدت له الروم وكان به صفرة فقيل له الاصفر وقيل الصفرة كانت بابيه العيص وكان ذلك فى زمان عسرة من الناس وجدب فى البلاد وشجة من الحر حن طابت ثمار المدينة وانعت واستكملت ظلالها وطالت المسافة بينهم وبين العدو فشق عليهم الخروج فانزل الله تعالى هذه الاية وقال ايها لمؤمنون { مالكم } استفهام فى اللفظ وانكار وتوبيخ فى المعنى { اذا قيل لكم } من طرف رسول الله الآمر بامر الله { انفروا فى سبيل الله } [ بيرون رويد جرراه خداى تعالى وجهاد كنيد ] ومعناه بالعربية اخرجوا الى الغزو يقال نفر القوم ينفرون نفرا ونفيرا اذا خرجوا الى مكان لمصلحة توجب الخروج والقوم الذين يخرجون يقال لهم النفير واستنفر الامام الناس لجهاد العدو اى طلب منهم الخروج الى الغزو وحثهم عليه { اثاقلتم } اصله تثاقلتم وهو ماض لفظا مضارع معنى لانه حال من مالكم { اى الارض } متعلق باثاقلتم على تضمينه معنى الميل والاخلاد . والمعنى اى سبب وغرض حصل لكم واستقر اذا قيل لكم ذلك كنتم متثاقلين اى مائلين الى الدنيا وشهواتها الفانية عما قريب وكرهتم مشاق السفر والجهاد المستتبعة للراحة الخالدة فالارضهى الدنيا وشهواتها وقيل ملتم الى الاقامة بارضكم ودياركم { أرضيتم } باستفهام التوبيخ [ آياراضى شديد وخوشدل كشتنيد ] { بالحيوة الدنيا } ولذاتها من الثمار والظلال { من الاخرة } اى بدل الآخرة ونعيمها فكلمة من بمعنى البدل كما فى قوله تعالى { جعلنا منكم ملائكة } اى بدلكم { فما متاع الحيوة الدنيا } اى فما التمتع بها وبلذائذها { فى الآخرة } اى فى جنب الآخرة { الا قليل } اى مستحقر لا يعتد به لان متاع الدنيا فان معيوب ومتاع الآخرة باق مرغوب -روى- انه عليه السلام قال « والله ما الدنيا فى الآخرة الا مثل ما يجعل احدكم اصبعه هذه فى اليم فلينظر بم يرجع »(5/47)
إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
{ الا } كلمتان للشرط ولا للنفى اى ان لم { تنفروا } تخرجوا الى الغزو { يعذبكم } اى الله تعالى { عذابا اليما } وجيعا لابدانكم وقلوبكم اى يهلككم بسبب فظيع كقحط وظهور عدو { ويستبدل } بكم من اهلاككم ولا ارحتمكم كاهل اليمن وابناء فارس { ولا تضروه } اى الله تعالى بترك الجهاد { شيأ } اى لا يقدح تثاقلكم فى نصرة دينه اصلا فانه الغنى عن كل شيء فى كل شيء { والله على كل شيء قدير } فيقدر على اهلاككم والاتيان بقوم آخرين
واعلم ان البطالة تقسى القلب كما جاء فى الحديث [ زيرا مرد بايد معاد بشغل مشغول باشد يابشغل معاش ازوجه مباح تا در شغل شود ونه بآن بى كارماند وازبى كارى سياه دل وسخت طبع شود ] فلا بد من الحركة فان البركات فى الحركة الحضرية والسفرية على نوعين سفر الدنيا وسفر الآخرة وفى كليهما مشقة وان كان الثانى اشق وفى الحديث « لسفر قطعة من العذاب » [ بعض مشايخ كفته اندكه اكر نه آنستى كه لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم نشايد كردانيدن من كفتمى السفر قطعة من السقر وبيغمبر عليه السلام سفررا باره ازدوزخ كفت ازمرك نكفت زيراكه درمرك رنج تن باشد رنج دل نبود ودر سفر رنج دل وتن باشد وحجاج كفتى كه اكر نه شادى بخانه آمدن بودى كه مسافر جون بخانه وسد همه رنج سفر فراموش كند من مردمانرا نكشتمى بسفر عذاب دادمى ] ومن شفر الدين الخروج الى الغزو وفى الحديث « لغدوة فى سبيل الله » وهو الذهاب فى اول النهار « او روحة » وهو الذهاب فى آخره « خير من الدنيا وما فيها » يعنى ان فضل الغدوة والروحة فى سبيل الله وثوابهما خير من نعيم الدنيا باسرها لانه زائل ونعيم الآخرة باق وحق الجهاد ان ينوى نصرة الدين بقهر اعداء الله وبذل النفوس فى رضاه تعالى ويكثر ذكره تعالى ويكف عن ذكر النساء والاولاد والاموال والموطن فهو يفتره فالجهاد بهذا الوجه افضل الاعمال [ على مرتضى رضى الله عنه كويدكه معصيت غازيان زيان ندارد وطاعت سخن جينان سود ندارد ودعاى مخنث نشنوند ونماز خمر خواره نبذيرند ] فعلى المرء ان يغتنم ايام وحياته ويجتهد فى تحصيل مرضاة ربه وفى الحديث « نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ » شبه النبى عليه السلام المكلف بالتاجر والصحة والفراغ برأس المال لانها من اسباب الارواح ومقدمات نيل النجاح فمن عامل الله تعالى بامتثال اوامره يربح كما قال تعالى { هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون فى سبيل الله باموالكم وانفسكم } ومن عامل الشيطان باتباعه يضيع رأسه ماله ولا ينفعه ندم باله وفى امتثال امر الله عاقبة حميدة اذرب شيء تكرهه النفس كالجهاد وهو عند الله محبوب فبترك الراحة واختيار المشقة ينال العبد امانيه الدنيوية والاخروية والتوفيق اليه من الله تعالى وليس كل احد من لا يبالى بانتقاص دنياه اذا كان التكامل فى طرف دينه : قال الحافظ(5/48)
حام راطاقت بروانه برسوخته نيست ... نازكانرا نرسد شيوه جان افشانى
ثم اعلم انه كما قال تعالى يستبدل بذوات ذواتا اخر كذلك يستبدل بصفات اخر فالذاهب خلف مشتهياته والتابع لهواه فى كل حركاته وسكناته يهلك فى وادى الطبيعة والنفس ولا يصل الى مقامات رجال عالم القدس والانس ولا يتفق له معهم الصحبة فى مقالهم ومقامهم وحالهم اذ بينهما بون بعيد من حيث ان صفاته النفس واحواله احوال الطبيعة وصفاتهم صفات الروح واخلاقهم اخلاق اله ولذا يحشر كثير من الناس فى صوة صفاته الغالبة المذمومة الا ان يتداركه الله تعالى بفضله ويكسوه كسوة الوجود الانساني على الحقيقة(5/49)
إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)
{ الا تنصروه } ان لم تنصروا محمدا فى غزوة تبوك { فقد نصره الله } فسينصره الله كما نصره { اذا اخرجه الذين كفروا } اى تسببوا لخروجه بان هموا بقتله والا فهو عليه السلام انما خرج باذن الله تعالى وامره لا باخراج الكفرة اياه { ثانى اثنين } حال من ضميره عليه السلام اى احد اثنين من غر اعتبار كونه عليه السلام ثانيا فان معنى قولهم ثالث ثلاثة ورابع اربعة ونحو ذلك احد هذه الاعداد مطلقا لا الثالث والرابع خاصة والاثنان ابو بكر ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم { اذ هما فى الغار } بدل من اذ اخرجه بدل البعض اذ المراد به زمان متسع والغار ثقب فى اعلى ثور وثور جبل فى يمنى مكة على مسير ساعة
وقال فى التبيان على فرسخين او نحوهما
وفى القاموس ويقال له ثور اطحل واسم الجبل اطحل نزله ثور بن عبد مناة فنسب اليه
وفى انسان العيون وانما قيل للجبل ذلك لانه على صورة الثور الذى يحرث عليه -وتحرير القصة- انه لما ابتلى المسلمون باذى الكفار اذن صلى الله عليه وسلم لهم فى الهجرة وقال « انى رأيت دار هجرتكم ذات نخيل بين لابتين » وهما الحرتان وقال « انى لا ارجو ان يؤذن لى فى الهجرة اليها » فقال ابو بكر وهل ترجو ذلك بابى انت قال « نعم » فحبس ابو بكر نفسه على رسول الله ليصحبه عند هجرته فلم يتخلف الا هو وعلىّ وصهيب ومن كان محبوسا او مريضا او عاجزا عن الخروج فابتاع ابو بكر بعد هذا المقال النبوى راحلتين بثمانمائة ردهم فحبسهما فى داره يعلفهما الخبط اعدادا لذلك والخبط محركة ورق ينفض بالمخابط ويجفف ويطحن ويخلط بدقيق او غيره ويعجن بالماء فتوجره الابل اى تأكله فكانتا عنده قريبا من ثلاثة اشهر لان الهجرة كانت فى ذى الحجة ومهاجرته عليه السلام كانت فى ربيع الاول ولما رأت قريش قوة امر رسول الله حيث بايعه الاوس والخزرج وصار له انصار فى القبائل والاقطار خافوا من ان يخرج ويجمع الناس على حربهم وقد وقعوا فيما خافوا منه ولو كان بعد حين ونعم ما قيل اذا ادبر الامر كان العطب فى الحيلة فاجتمعوا فى دار الندوة ليتشاوروا فى امره عليه السلام ودار الندوة هى اول دار بنيت بمكة كانت منزل قصى بن كلاب وكانت جهة الحجر عند مقام الحنفى الآن وكان لها باب للمسجد وقيل لها دار الندوة وهى الجماعة فيها وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة لانه اجتمع فيه اشراف بنى شمس وبنى نوفل وبنى عبد الدار والحجى احد وكانت مشاورتهم فى يوم السبت فقد سئل صلى الله عليه وسلم عن يوم السبت فقال(5/50)
« يوم مكر وخديعة » قالوا ولم يا رسول الله قال « ان قريشا ارادوا ان يمكروا فيه » وجاء اليهم ابليس فى صورة شيخ نجدى وقال انا من اهل نجد وانما قال ذلك لان قريشا قالوا يدخلن معكم فى المشاورة احد من اهل تهامة لان هواهم كان مع محمد فعند لك قالوا هو من اهل نجد لا من مكة فلا يضركم حضوره معكم وعند المشورة قال بعضهم بالحبس وبعضهم بالنفى كما بين فى تفسيره قوله تعالى { واذ يمكر بك الذين كفروا } فى سورة الانفال فمنعه ابليس واتفقت آراؤهم على قول ابى جهل وهو ان يخرجوا اليه من كل قبيلة من قريش شابا جليدا اى قويا بسيف صارم ويقتلوه فيفرق دمه فى القبائل بحيث لا يقدر بنوا عبد مناف على حرب قومهم جميعا فيرضون بالدية واستحسن الشيخ النجدى هذا الرأى وتفرقوا عن تراض فلما امسى رسول الله صلى الله عليه وسلم اتاه جبريل فاخبره بمكر قريش وامره بمفارفة عن تراض فلما امسى رسول الله صلى الله عليه وسلم اتاه جبريل فاخبره بمكر قريش وامره بمفارقة مضجعه تلك الليلة فلما علم ما يكون منهم قال لعلى رضى الله عنه « نم على فراشى واتشح بردائى هذا الحضرمى فانه لن يخلص اليك شيء تكرهه منهم » وكان عليه السلام يشهد العيدين فى ذلك الرداء وكان طوله اربعة اذرع وعرضه ذراعين وشبرا وهل كان اخضر او احمر يدل للثانى قول جابر رضى الله عنه كان يلبس رداء احمر فى العيدين والجمعة
وفى سيرة الحافظ الدمياطى وارتد بردائى هذا الاحمر والحضرمى منسوب الى حضرموت التى هى القبيلة او البلدة باليمن كان عليه السلام يتسجى بذلك البرد عند نومه وانما امر عليا رضى الله عنه ان يضطجع على فراشه ليمنعهم سواد علىّ عن طلبه حتى يبلغ وهو صاحبه الى ما امره الله ان يبلغا اليه فلما مضى عتمة من الليل اى الثلث الاول منه اجتمعوا على باب رسول الله وكانوا مائة فجعلوا يتطلعون من شق الباب ويرصدون متى ينام فيثبون عليه فيقتلونه فخرج عليه السلام عليهم وهم ببابه وقرأ قوله تعالى { يس والقرآن الحكيم } الى قوله { فاغشيناهم فهم لا يبصرون } فاخذ الله ابصارهم عنه عليه السلام فلم يبصروه حتى خرج من بينهم . وعن النبى عليه السلام انه ذكر فى فضل يس انها « اذا قرأها خائف امن او جائع شبع او عار كسبى او عاطش سقى او سقيم شفى » وعند خروجه عليه السلام اخذ حفنة من تراب فذرها عليهم فاتاهم آت فقال ما تنتظرون قالوا محمدا قال قد خيبكم الله والله خرج عليكم محمد ثم ما ترك رجلا منكم الا وضع على رأسه ترابا وانطلق لحاجته فما ترون ما بكم فوضع كل رجل منهم يده على رأسه ترابا وانطلق لحاجته فما ترون بكم فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فاذا عليه تراب فدخلوا على علىّ فقالوا له يا على اين محمد فقال لا ادرى اين ذهب وكان قد انطلق الى بيت ابى بكر باشارة جبرائيل عليه السلام فلما دخل عليه قال(5/51)
« قد اذن لى فى الخروج » فقال ابو بكر الصحبة يا رسول الله بابى انت اى اسألك الصحبة قال « نعم » فبكى ابو بكر سرورا ولله در القائل
ورد الكتاب من الحبيب بانه ... سيزورنى فاستعبرت اجفانى
هجم السرور على حتى انه ... من فرط ما قد سرنى ابكانى
يا عين صار الدمع عندك عادة ... تبكين من فرح ومن احزان
قال ابو بكر فخذ بابى انت احدى راحلتى هاتين فانى اعددتهما للخروج فقال عليه السلام « نعم بالثمن » وذلك لتكون هجرته عليه السلام الى الله بنفسه وماله والا فقد انفق ابو بكر رضى عنه على رسول الله اكثر ماله . فعن عائشة رضى الله عنها اربعين الف درهم . وفى رواية اربعين الف دينار هى الناقة القصوى او الجدعاء وقد عاشت بعده عليه السلام وماتت فى خلافة ابى بكر واما ناقته عليه السلام الغضباء فقد جاء ان ابنته فاطمة رضى الله عنها تحشر عليها ثم استأجر رسول الله وابو بكر رجلا من بنى الدئل وهو عبد الله بن اريقط ليدلهما على الطريق للمدينة وكان على دين قريش فدفعا اليه راحلتيهما وواعداه غار جبل ثور بعد ثلاث ليال ان يأتى بالراحلتين صباح الليلة الثالثة فمكث عليه السلام فى بيت ابى بكر الى الليلة القابلة فخرجا الى طرف الغار وجعل ابو بكر يمشى مرارة امام النبى ومرة خلفه فسأله رسول الله عن ذلك فقال يا رسول اذكر الرصد فاكون امامك واذك الطلب فاكون خلفك لاكون فداءك فمشى عليه السلام ليلته على اطراف اصابعه اى لئلا يظهر اثر رجليه على الارض حتى حفيت رجلاه فلما رآهما ابو بكر قد حفيتا حمله على كاهن وجعل يشتد به حتى اتى فم الغار فانزله وفى رواية كانت قدما رسول الله قد قطرتا دما ويشبه ان يكون ذلك من خشونة الجبل والا فبعد المكان لا يحتمل ذلك ولعلهم ضلوا عن طريق الغار معروفا بالهوام فلما اراد رسول الله دخوله قال له ابو بكر مكانك يا رسول حتى استبرئ الغار فدخل واستبرأه وجعل يسد الحجرة بثيابه خشية ان يخرج منها شيء يؤذيه اى رسول الله فبقى جحر وكان فيه حية فوضع رضى الله عنه عقبه عليه ثم دخل رسول الله فجعلت تلك الحية تلسعه وصارت دموعه تنحدر فتفل رسول الله على محل اللدغة فذهب ما يجده وقال بعضهم والسر فى اتخاذ رافضة العجم اللباد المفضض على رؤسهم تعظيما للحية التى لدغت ابا بكر فى الغار وذلك لانهم يزعمون ان ذلك على صورة تلك الحية ولما دخل رسول الله وابو بكر الغار امر الله شجرة وهى التى يقال لها القتاد وقيل ام غيلان فنبتت فى وجه الغار فسترته بفروعها ويقال انه عليه السلام دعا تلك الليلة الشجرة وكانت امام الغار فاقبلت حتى وقفت على باب الغار وانها كانت مثل اقامة الانسان
وقال الحدادى وكان عليه السلام مر على ثمامة وهى شجرة صغيرة ضعيفة فامر ابا بكر ان يأخذها معه فلما صار الى باب الغار امره ان يجعلها على باب الغار وبعث الله العنكبوت فنسجت ما بين فروعها نسجا متراكما بعضه على بعض كنسج اربع مسنين كما قال فى القصيدة البردية(5/52)
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على ... خير البرية لم تنسج ولم تحم
اى ظنوا ان الحمام ما وكر وما باض على باب الغار الذى فيه خير البرية وظنوا ان العنكبوت لم تنسج ولم تحم اى لم تطف من حام حوله اى طاف ودار فهو من قبيل علفتها تبنا وماء باردا : وقال المولى الجامى
شد دوسه تارى كه عنكبوت تنيد ... بر دران غار برده دار محمد
وقد نسج العنكبوت ايضا على نبى الله داود عليه السلام لما طلبه جالوت . ونسج ايضا على عورة سيدنا زيد بن على بن الحسين بن ابى طالب وهو اخو الامام محمد الباقر وعم جعفر الصادق وقد كان يوسف بن عمر الثقفى امير العراقين من قبل هشام بن عبد الملك صلبه عريانا للخروج عليه وذلك فى سنة ست وعشرين ومائة واقام مصلوبا اربع سنين وقيل خمس سنين فلم تر عورته وقيل بطنه الشريف ارتخى على عورته فغطاها ولا مانع من وجود الامرين وكانوا عند صلبه وجهوده الى غير القبلة فدارت خشبته التى عليها الى ان صار وجهه الى القبلة ثم احرقوا خشبته وجسده رضى الله عنه قال العلماء ويكفى للعنكبوت شرفا نسجها على الغار ونهى النبى عليه السلام يومئذ عن قتل العنكبوت وقال « انها جند من جنود الله تعالى » قال فى المثنوى
جمله ذرات زمين وآسمان ... لشكر حقنده كاه امتحان
واما قوله عليه السلام « العنبكوت شيطان فاقتلوه » وفى لفظ « العنكبوت شيطان مسخه الله فاقتلوه » فان صح فلعله صدر قبل وقعة الغار فهو منسوخ . وعن على طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فان تركه فى البيوت يورث الفقر وهذا لا يقدح فى شرفها
وذكره فى حياة الحيوان ان ما تنسجه العنكبوت يخرج من خارج جلدها لا من جوفها . ومن خواصها انها اذا وضع نسجها على الجراحة الطرية فى ظاهر البدن حفظها بلا ورم ويقطع سيلان الدم اذا وضع عليه والعنكبوت التى تنسج على الكنيف اذا علقت على المحموم يبرأ قاله ابن زهير .(5/53)
وامر الله تعالى حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار وباضتا وبارك عليه السلام على الحمامتين وانحدرتا فى الحرم وهل حمام الحرم من نسل تينك الحمامتين اولا ففيه اختلاف والظاهر انه ليس من نسلهما لانه روى فى قصة نوح عليه السلام انه بعث الحمامة من السفينة لتأتيه بخبر الارض ووقعت بوادى الحرم فاذا الماء قد نضب من موضع الكعبة وكانت طينتها حمراء فاختضبت رجلها ثم جاءته فمسح عنقها وطوّقها طوقا وهب لها الحمرة فى رجليها واسكنها الحرم ودعا لها بالبركة . وذكر ان حمام مكة اظلته عليه السلام يوم فتحها فدعا لها بالبركة . وكان المسيح عليه السلام يقول لاصحابه ان استطعتم ان تكونوا بلهاقى الله مثل الحمام فافعلوا وكان يقال انه ليس شيء ابله من الحمام انك تأخذ فرخه من تحته فتذبحه ثم يعود الى مكانه ذلك فيفرخ فيه ومن طبعه انه يطلب وكره ولو ارسل من الف فرسخ يحمل الاخبار ويأتى بها من المسافة البعيدة فى المدة القريبة كما قال فى المغرب الحمام بارض العراق والشام تشترى باثمام غالية وترسل من الغايات البعيدة يكتب الاخبار فتؤديها وتعود بالاجوبة
قال الجاحظ لولا الحمام لما عرف بالبصرة ما حدث بالكوفة فى بياض يوم واحد واليه الاشارة فى اشعار البلغاء : كما قال المولى جلال الدين قدس سره فى المثنوى
رقعه كر برّ مرغى دوختى ... برّ مرغ ازتفّ رقعه سوختى
قال السلطان سليم الاول يعنى فاتح مصر
مرغ جشم من كه بروازش بجزسوى تونيست ... بسته ام از اشك صد جانامه شوقش ببال
وقال فى حياة الحيوان اتخاذ الحمام للبيض والفراخ وللانس ولحمل الكتب جائز بلا كراهة واما اللعب بها والتطير والمسابقة فقيل يجوز لانه يحتاج اليها فى الحرب لنقل الاخبار والاصح كراهيته فان قامر بالحمام ردت شهادته
ولما فقد المشركون رسول الله شق عليهم ذلك وخافوا وطلبوه بمكة اعلاها واسفلها وبعثوا القافة اى الذين يقفون الاثر فى كل وجه ليقفوا اثره فوجده الذى ذهب الى جبل ثور وهو علقمة بن كرز اسلم عام الفتح اثره انتهى الى الغار فقال ههنا انقطع الاثر ولا ادرى اخذ يمينا ام شمالا ام صعد الجبل وكان عليه السلام شئن الكفين والقدمين يقال شئت كفه شثنا وشثونة خشنت وغلظت فهو شثن الاصابع بالفتح كذا فى القاموس فاقبل فتيان قريش من كل بطن بعصيهم وسيوفهم فلما انتهوا الى فم الغار قال قائل منهم ادخلوا الغار فقال امية بن خلف وما اربكم اى حاجتكم الى الغار ان عليه لعنكبوتا كان قبل ميلاد محمد ولو دخل لما نسج ذلك العنكبوت وتكسر البيض وعند ما حاموا حول الغار حزن ابو بكر رضى الله عنه خوفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى { اذ يقول } بدل ثان او ظرف ثان والقائل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم { لصاحبه } وهو ابو بكر الصديق ولذلك قالوا من انكر صحبة ابى بكر فقد كفر لانكاره ملام الله تعالى وكذا الروافض اذا كانوا يسبون الشيخين اى ابا بكر وعمر رضى الله عنهما ويلعنوهما يكفرون واذا كانوا يفضلون عليا عليهما يكونون مبتدعين والمبتدع صاحب الكبيرة والبدعة الكبيرة كما فى هدية المهديين وعن ابى بكر رضى الله عنه انه قال لجماعة ايكم يقرأ سورة التوبة قال رجل انا اقرأ فلما بلغ الى قوله اذ يقول لصاحبه الآية بكى رضى الله عنه وقال انا والله صاحبه { لا تحزن } ولم يقل لا تخف لان حزنه على رسول الله يغفله عن حزنه على نفسه وهذا النهى تأنيس وتبشير له كما فى قوله تعالى له عليه السلام { ولا يحزنك قولهم } وبه يرد ما زعمته ان ذلك كان غضبا من ابى بكر وذما له لان حزنه ان كان طاعة فالنبى عليه السلام لا ينهى عن الطاعة فلم يبق الا انه معصية كذا فى انسان العيون { ان الله معنا } بالعون والعصمة والمراد بالمعية الولاية التى لا تحوم حولها شائبة من الحزن وما هو المشهور من اختصاص مع بالمتبوع فالمراد ما فيه من المتبوعية فى الامر المباشر وتأمل الفرق بين قوله عليه السلام { ان الله معنا } وبين قول موسى عليه السلام(5/54)
{ ان معى ربى } كيف تجده دقيقا والله الهادى -روى- ان المشركين لما طلعوا فوق الغار وعلوا على رؤسهما اشفق ابو بكر على رسول الله عليه السلام فقال عليه السلام « ما ظنك باثنين الله ثالثهما » فاعماهم الله عن الغار فجعلوا يترددون حوله فلم يروه وذكر ان ابا بكر لما قال للنبى عليه السلام لو ان احدهم نظر الى قدميه لابصرنا قال له النبى عليه السلام « لو جاؤنا من ههنا لذهبنا من ههنا » فنظر الصديق الى الغار فاذا هو قد انفرج من الجانب الآخر واذا البحر قد اتصل به وسفين مشدودة الى جانبه
قال ابن كثير وهذا ليس بمنكر من حيث القدرة العظيمة
وفى الآية دلالة على علو طبقة الصديق وسابقة صحبته وهو ثانى رسول الله فى عالم الارواح حين خرج من العدم وثانيه حين خرج مهاجرا وثانيه فى الغار وثانيه فى الخلافة وثانيه فى القبر بعد وفاته وثانيه فى انشقاق الارض عنه يوم البعث وثانيه فى دخول الجنة كما قال عليه السلام « اما انك يا ابا بكر اول من يدخل الجنة من امتى » وقال ايضا « الا ابشرك » قال بلى بابى انت وامى قال « انالله عز وجل يتجلى للخلائق يوم القيامة ويتجلى لك خاصة »(5/55)
-وروى- ان ابا بكر عطش فى الغار فقال عليه السلام « اذهب الى صدر الغار فاشرب » فانطلق ابو بكر الى صدر الغار فوجد ماء احلى من العسل وابيض من اللبن واذكى رائحة من المسك فشرب منه فقال عليه السلام « ان امر الملك الموكل بانهار الجنة ان يخرق نهرا من جنة الفردوس الى صدر الغار لتشرب يا ابا بكر » قال ابو بكر يا رسول الله ولى عند الله هذه المنزلة فقال عليه السلام « نعم وافضل والذى بعثنى بالحق لا يدخل الجنة مبغضك ولو كان عمله عمل سبعين نبيا » { فانزل الله سكينته } امنته التى تسكن عندها القلوب
وقال الكاشفى [ رحمت خودرا كه سبب آرامش است ] { عليه } اى على النبى عليه السلام فالمراد بها ما لا يحوم حوله شائبة الخوف اصلا او على صاحبه وهو الاظهر اذ هو المنزعج وكان رسول الله ساكنا على طمأنينة من امره واليه اشار الشيخ فريد الدين العطار قدس سره
خواجه اول كه اول يار اوست ... ثانى اثنين اذ هما فى الغار اوست
جون سكينه شد زحق منزل برو ... كشت مشكلهاى عالم حل برو
وقال سعدى جلبى المفتى فى حواشيه بل الاول هو الاظهر المناسب للمقام وانزال السكينة لا يلزم ان يكون لرفع الانزعاج بل قد يكون لدفعه كما سبق فى قصة حنين والفاء للتعقيب الذكرى انتهى . وفى مصحف حفصة { فانزل الله سكينته عليهما } { وايده } اى قوىّ النبى عليه السلام { بجنود لم تروها } وهم الملائكة النازلون يوم بدر والاحزاب وحنين ليعينوه على العدو والجملة معطوفة على نصره تعالى { وجعل كلمة الذين كفروا السفلى } يعنى جعل الله الشرك مقهورا مغلوبا ابدا الى يوم القيامة او دعوتهم الى الكفر : يعنى [ دعوت كفررا كه ازايشان صادر مى شد خوار وبيمقدار ساخت { وكلمة الله } اى التوحيد او الدعوة الى الاسلام وهى بالرفع على الابتداء { هى } ضمير فصل دفع توهم انه قد يفوق غير كلمة الله { العليا } الى يوم القيامة وهو خبر المبتدأ وجعل الله ذلك بان اخرج رسوله من بين الكفر . وقرأ يعقوب كلمة الله بالنصب عطفا على كلمة الذين وهو ضعيف لانه يشعر بان كلمة الله كانت سفلى ثم صارت عليا وليس كذلك بل هى عالية فى نفسها ابدا . وفى مناظرات المكى لو قال احد وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله وقطع ولم يقل وكلمة الله هى العليا كان كافرا ان كان عمدا { والله عزيز } [ وخداى تعالى عاليست عزيز كند اهل توحيدرا ] { حكيم } فى امره وتدبيره وحكمه
قال الكاشفى [ داناست خوارساز داهل كفررا ومقصود ازايراد قصه غاردر اثناى امر بغزوة تبوك آنست كه اكرشما اى كارهان جهاد يارى نكنيد بيغمبر مرا من اورا يارى كنم جنانجه در آن محل كه با او يك كس بيش نبود تمام صناديد قريش بقصد او برخواسته بودند من اورا يارى كردم وازميان دشمنانش بسلامت بيرون آوردم بس مفتاح نصرت بقبضه منست : وما النصر الا من عند الله(5/56)
يارى ازمن جو نه ازخيل وسباه ... راز بامن كوى نه بامير وشاه
هركرا يارى كنم برتر شود ... هركرا دور افكنم ابتر شود
وتمام القصة انه لما انصرف قريش من الغار وايسوا منهما ارسلوا لاهل السواحل ان من اسر او قتل احدهما كان له مائة ناقة وفى رواية مائتان ومكثا فى الغار ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن ابى بكر وهو غلام يعرف يأتيهما حتى يختلط الظلام ويخبرهما بما وعاه من اخبار اهل مكة ويدلج من عندهما بفجر فيصبح مع قريش بمكة كبائت فى بيته وكان عامر بن فهيرة مولى ابى بكر يرعى لابى بكر اغناما له نهاره ثم يروح عليهما فيحلبها لهما وان كانت اسماء بنت ابى بكر تأتيهما اذا امست بطعامهما وشرابهما فلما طلع صبح الليلة الثالثة اتى الدليل بالراحلتين فركباهما وانطلقا معهما عامر بن فهيرة مولى ابى بكر يرعى لابى بكر اغناما له نهاره ثم يروح عليهما فيحلبها لهما وكانت اسماء بنت ابى بكر تأتيهما اذا مست بطعامهما وشرابهما فلما طلع صبح الليلة الثالثة اتى الدليل بالراحلتين فركباهما وانطلقا نحو المدينة وانطلق معهما عامر بن فهيرة رديفا لابى بكر وانزل الله عليه { وقل رب ادخلنى مدخل صدق واخرجنى مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا } قال زيد بن اسلم جعل الله له مدخل صدق المدينة ومخرج صدق مكة وسلطانا نصيرا الانصار رضى الله عنهم ولما خرج من مكة التفت اليها وبكى وقال « انى لاخرج منك وانى لاعلم انك احب بلاد الله واكرمها على الله ولولا ان اهلك اخرجونى ما خرجت » وهو يدل على ان مكة افضل من سائر البلاد فى الحديث « ومن صبر على حر مكة ساعة من نهار تباعدت عنه جهنم مسيرة مائة عام والحسنة فيها بمائة الف حسنة » والكلام فى غير ما ضم اعضاءه الشريفة من ارض المدينة والا فذلك افضل بقاع الارض بالاجماع حتى من العرش والكرسى -ذكر- ان الطوفان موّج تلك التربة المكرمة على محل الكعبة حتى ارساها بالمدينة فهى من جملة ارض مكة ولما سمع سراقة بن مالك بن جعشم الكنانى ان الكفار جعلوا فيهما ان قتلا او اسرا مائة ناقة ركب خلفهما حتى ادركهما فى طريق الساحل وق يا محمد من يمنعك منى اليوم فقال عليه السلام « يمنعنى الجبار الواحد القهار » ونزل جبريل وقال يا محمد ان الله يقول لك قد جعلت الارض مطيعة لك فاثمرها بما شئت فقال عليه السلام « يا ارض خذيه » فاخذت ارجل جواده الى الركب فقال يا محمد الامان فقال عليه السلام « يا ارض اطلقيه » فاطلقته يقال عاهد سبع مرات ثم نكث العهد وكلما نكث العهد كلما نكث تغوص قوائم فرسه فى الارض وفى السابعة تاب توبة صدق ورجع الى مكة وصار لا يرى واحدا من طلابه عليه السلام والا رده يقول اختبرت الطريق فلم ار احدا وقصة نزوله المدينة مذكورة فى السير(5/57)
انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41)
{ انفروا } اى اخرجوا ايها المؤمنون مع النبى عليه السلام الى غزوة تبوك
قال تاج المصادر النفير والنفور [ بسفر بيرون شدن ] { خفافا وثقالا } جمع خفيف وثقيل اى حال كونكم شبانا وشيوخا او فقراء او اغنياء او ركبانا ومشاتا او اصحاء ومرضى او عزبا او متأهلين او خفافا مسرعين خارجين ساعة استماع النفير وثقالا بعد التروية فيه الاستعداد له او مقلين من السلاح ومكثرين منه او نشاطا وغير نشاط ا خفتم عليكم الحركة او ثقلت او مشاغيل وغير مشاغيل او مهازيل وسمانا واقوياء وضعفاء يا غريبان وكدخدايان كما فى الكاشفى وهذا ليس لتخصيص الامرين المتقابلين بالارادة من غير مقارنة للباقى
قال المولى ابو السعود اى على أى حال كان من يسر او عسر بأى سبب كان من الصحة والمرض او الغنى والفقر او قلة العيال وكثرتهم او غير ذلك مما ينتظمه مساعدة الاسباب وعدمها بعد الامكان والقدرة فى جمله . وعن ابن مكتوم اعلىّ ان انفر فقال عليه السلام « نعم » فرجع الى اهله فلبس سلاحه ووقف بين يديه فنزل قوله تعالى { ليس على الاعمى حرج } وعن ابن عباس رضى الله عنهما نسخت بقوله تعالى { ليس على الضعفاء ولا على المرضى } الآية [ سلمى ميكويد سبك روحان بارتكاب طاعات وكران باران از مباشرت مخالفات . امام قشيرى ميفرمايد كه خفاف آنانندكه از بند شهود ما سوى آزادند وثقال ايشانند كه بقيد تعلقات مقيدانند ] وفى بحر الحقائق انفروا ايها الطلاب فى طلب الحق خفافا مجردين عن علائق الاولاد والاهالى منقطعين عن عوائق الاموال والاملاك وثقالا متمولين ومتأهلين وايضا خفافا مجذوبين بالعناية وثقالا سالكين بالهداية [ يعنى خفاف مجذوبانند از كشش عنايت براه سلوك در آمده وثقال سالكانندكه بيرورش متوجه جذبه حقانى شده هردو طائفه درراهند اما يكى ببال كشش مى برد ويكى بباى كوشش راه ميبرد آنكه بياميره د درهر قدمى عالمى زير باميكند وآنكه ببال اقبال مى برديدم بساط مشاهدة ما سوى را طى مى كند ]
مرد عارف جون بدان برمى برد ... در دمى از نه فلك مى بكذرد
سير زاهد در دمى يك روزه راه ... سير عارف هر زمان تا تخت شاه
{ وجاهدوا } [ وجهاد كنيد ] والجهاد فى الاصطلاح قتال الكفار لتقوية الدين كما فى شرح الترغيب المنذرى وهو المراد بما فى خالصة الحقائق نقلا عن اهل الحكمة الجهاد بذل المجهود وقتال المتمردين حملا لهم على الاسلام ومنعا لهم عن عبادة الاصنام
واعلم ان الجهاد لا ينافى كونه عليه السلام نبى الرحمة وذلك انه مأمور بالجهاد مع من حالفه من الامم بالسيف ليرتدعوا عن الكفر وقد كان عذاب الامم المتقدمة عند مخالفة انبيائهم بالهلاك والاستئصال فاما هذه الامة فلم يعالجوا بذلك كرامة لنبيهم عليه السلام ولكن يجاهدوا بالسيف وله بقية بخلاف العذاب المنزل وقد روى ان قوما من العرب قالوا يا رسول الله افنانا السيف فقال(5/58)
« ذلك ابقى لآخركم » كذا فى ابكار الافكار { باموالكم } [ بمالهاى خودكه تهيئه زاد وسلاح كنيد ] { وانفسكم } [ وبنفسهاى خو كه مباشر كار زار كرديد ] فهو ايجاب للجهاد بهما ان امكن وباحدهما عند امكانه واعواز الآخر حتى ان من ساعده النفس والمال يجاهد بهما ومن ساعده المال دون النفس يغزى مكانه من حاله على عكس حاله
وفى التأويلات النجمية وانما قدم انفاق المال فى طلب الحق على بذل النفس لان بذل النفس مع بقاء الصفات الذميمة غير معتبر وهى الحرص على الدنيا والبخل بها قاشار بانفاق المال الى ترك الدنيا وفى الحديث « تعس عبد الدينار وعبد الدرهم » قوله تعس بفتح العين وكسرها عثر او هلك او لزمه الشر وسقط لوجهه او انتكب وهو دعاء عليه اى اتعسه الله وانما دعا عليه السلام على عبد الدينار والدرهم لانه حرص على تحصيل المال من الحرام والحلال وبخل بالانفاق فى سبيل الملك الخلاق فوقف على متاع الدنيا الفانى وترك العمل لنعيم الآخرة الباقى : قال السلطان ولد قدس سره
بكذار جهان راكه جهان آن تونيست ... وين دم كه همى زنى بفرمان تونيست
كرمال جهان جمع كنى شاد مشو ... ورتكيه بجان كنى جان كنى جان آن تو نيست
{ فى سبيل الله } هذا اللفظ عام يقع على كل عمل خالص لله تعالى باداء الفرائض والنوافل وانواع الطاعات واذا اطلق فهم فى الغالب واقع على الجهاد حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه كما فى شرح الترغيب
يقول الفقير فمعنى فى سبيل الله اى فى الطريق الموصل الى الجنة والقربة والرضى وهو ان لا يكون بهوى وغرض وان كان حصول الجنة كما فى المفاتيح -حكى- انه كتب واحد الى يوسف بن اسباط وهو من متقدمى الصوفية ان نفسى تنازعنى الى الغزو فما تقول فيه فكتب فى الجواب لان ترد نفسك عن هواها خير من ان تقتل او تقتل فى المعركة -وحكى- انه لما دنا قتيبة بن مسلم من بلدة بخارى ليفتحها فانتهى الى جيحون اخذ الكفار السفن حتى لا يعتبر جيش المسلمين عليها فقال قتيبة اللهم ان كنت تعلم انى ما خرجت الا للجهاد فى سبيلك ولاعزاز دينك ولوجهك فلا تغرقنى فى هذا البحر وان خرجت لغير هذا فاغرقنى فى هذا البحر ثم ارسل دابته فى جيحون فعبره مع اصحابه باذن الله -روى- ان بعضهم رأى ابليس فى صورة شخص يعرفه وهو ناحل الجسم مصفر اللون باكى العين محقوقف الظهر فقال له ما الذى انحل جسمك قال صهيل الخيل فى سبيل الله ولو كان فى سبيلى لكان احب الىّ فقال له ما الذى غير لونك فقال تعاون الجماعة على الطاعة ولو تعاونوا على المعصية لكان احب الىّ قال فما الذى ابكى عينك قال خروج الحاج اليه لا بتجارة اقول قد قصدوه او خاف ان لا يخيبهم فيحزننى ذلك وفى الصحيحين عن ابى سعيد يرفعه قيل يا رسول الله اى الناس افضل فقال رسول الله(5/59)
« مؤمن مجاهد بنفسه وماله » قالوا ثم من قال « مؤمن فى شعب من الشعاب يتقى الله ويدع الناس من شره » { ذلكم } اى ما ذكر من النفير والجهاد { خير لكم } من القعود وترك الامداد
فان قيل ما معنى كون الجهاد خيرا من تركه والحال انه لا خير فى تركه
اجيب بان معناه ان ما يستفاد من الجهاد من ثواب الآخرة خير مما يستفيده القاعد عن من الراحة وسعة العيش والتنعم بهما كما قال فى البحر الخيرية فى الدنيا بغلبة العدو وراثة الارض وفى الآخرة بالثواب ورضوان الله تعالى
قال سعد جلبى وفى الترك خير دنيوى فيه الراحة { ان كنتم تعلمون } الخير علمتم انه لا خير لان فيه استجلاب خير الدنيا وخير الآخرة وفى خلافه مفاسد ظاهرة
وفى بحر الحقائق ترك الدنيا وبذل النفس خير لكم فى طلب الحق من المال والنفس { انكنتم تعلمونؤ ثدؤ طلب الحق وعزة السير اليه فان الحاصل من المال والنفس الوزر والوبال والحاصل من الطلب الوصول والوصال انتهى
قال فى زبدة التفاسير عن انس رضى الله عنه ان ابا طلحة رضى الله عنه قرأ سورة براءة فاتى على هذه الآية { انفروا خفافا وثقالا } فقال اى بنى جهزونى فقال بنوه رحمك الله فقد غزوت مع مع النبى عليه السلام حتى مات ومع ابى بكر وعمر رضى الله عنهما حتى ماتا فنحن نغزو عنك فقال لاجهزونى فغزا بحرا فمات فى البحر فلم يجدوا لهم جزيرة يدفنونه فيها الا بعد سعة ايام فدفنوه فيها ولم يتغير
يقول الفقير وذلك لان اجساد الانبياء والاولياء والشهداء لا تبلى ولا تتغير لما ان الله تعالى قد نفى ابدانهم من العفونة الموجبة للتفسخ وبركة الروح المقدس المقدس الى البدن كالاكسير بم ان الناس صنفان ارباب رخصة واصحاب العزيمة فى مسابقتهم ومسارعتهم فعليك بطريقتهم وسيرتهم
وهذه الآية الكريمة متعلقة بمرتبة النفس واصلاحها فان النفس مجبولة على حب المال وفى بذله تزكيتها عن هذه الرذيلة فمن علم ان الغنى والفقر من الله تعالى وآمن بالقدر ايمانا عيانيا هان عليه البذل ولم يبق عنده مقدار للمال كما ان من علم ان الموت بالاجل وان المرء لا يموت قبل حلول ذلك الاجل لا يفر من محاربة العدو وحفظ المال وامساكه انما يحسن لاجل الانفاق وقت الحاجة والا فكنزه مذموم [ كويند كه نافع مولاى عبد الله بن عمر رضى الله عنهما كه استاد امام شافعى بوددروقت مردن كفت اين جايكه را بكنيد بكندند بيست هزار درم درسبويى بديد آمد كفت آنكاه كه ازجنازه من باز آمده باشيد بدرويش دهيد اورا كفتند يا شيخ جون تو كسى درم نهد كفت بحق اين وقت تنك كه زكاة وى بركردن من نيست وهركز عيالان خودرا بسختى نداشتم لكن هركاه كه مرا آرزويى بودمى آنجه بدان آرزو بايستى دادن درسبو افكندمى تا اكرمرا سختى بيش آيد بدر سفله نبايد رفتن ] كذا فى شرح الشهاب
وفى هذه الحكاية امور .(5/60)
الاول ان من كان اماما للناس ومقتدى فى الدين لا ينبغى له ان يدخر ويكنز المال طمعا وحرصا لان لناس على دين ملوكهم وقد قيل [ شيخ جون مائل بمال آيد مريداو مباش مائل دينار هركز مالك ديدار نيست ] . والثانى ان من غلبت عليه شهوته فمنع طبيعته عن مقتضاها بامساك ماله عن الصرف لها رجاء بذله لخير منه فقد جاهد مع نفسه وطبيعته اما مع نفسه فلانا ما كتم المال لاجل الكنز بل لاجل البذل لانفع شيء فى وقت مّا . واما مع طبيعته فلانه منعها من مقفتضاها وراضها ومثل هذا هو الجهاد الاكبر . والثالث ان عرض الاحتياج على اللئيم ملوم مذموم شرعا وطريقة ولذا من جاع واحتاج فكتمه عن الناس واقبل الى الله تعالى كان على الله ان يفتح له رزق سنة والشكاية من الحبيب الى الحبيب عين التوحيد والى غيره شرك تعلق به الوعيد
فعلى العاقل ان يختار طريق اصحاب الصفة فانهم كانوا مع الحق وفى معاونته دائما ببذل اموالهم ان منحوا وانفسهم ان منعوا لان ما لا يدرك كله لا يترك كله فكل مأمور بمقدار طاقته وليست الطاعة الا بقدر الطاقة هذا واللائح بالبال والله اعلم بالحقيقة الحال نسأل الله سبحانه ان يوفقنا لبذل المجهود وترك ملاحظة المفقود ويوصلنا الى جنابه انه هو المروم والمقصود(5/61)
لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43)
{ لو كان } [ آورده اندكه جون حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم مردمانرا بغزوه تبوك اشارت فرمود ايشان سه فرقه شدند . جمعى مسارعت نمودند وفرمانرا بسمع اطاعت شنودندوآن اكابر مهاجرين وانصار بودند . وبعضى ضعفاء مؤمنانرا كران آمد فرمان خدا وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم برهواى نفس اختيار كردند . وبرخى دستورى اقامت وتخلف طلبيدند وآنها منافقان بودند ودرشان ايشان نازل شد كه ] لو كان يا محمد ما دعوتهم اليه فاسم كان محذوف دل عليه ما قبله { عرضا قريبا } العرض ما عرض لك من نافع الدنيا اى غنما سهل المأخذ قريب المنال { وسفرا قاصدا } ذا قصد وتوسط بين القريب والبعيد ففاعل بمعنى ذى قصد كلابن وتامر بمعنى ذى لبن وذى تمر وسمى السفر سفرا لانه يسفر اى يكشف عن اخلاق الرجال { لاتبعوك } فى الخروج طمعا فى المال وتعليق الاتباع بكلا الامرين يدل على عدم تحققه عند توسط السفر فقط { ولكن بعدت عليهم الشقة } اى المسافة الشاقة التى تقطع بمشقة { وسيحلفون بالله } السين للاستقبال اى سيحلف المتخلفون عن الغزو اذا رجعتم اليهم من غزوة تبوك وقد صنع كما اخبر فهو من جملة المعجزات النبوية { لو استطعنا } اى قائلين لو كان لنا استطاعة من جهة العدة او من جهة الصحة او من جهتهما جميعا { لخرجنا معكم } اى الى الغزاة . فقوله بالله متعلق بسيحلفون؟ وقوله لخرجنا ساد مسد جوابى القسم والشرط جميعا لان قولهم لو اسطعنا فى قوة بالله لو استطعنا فيكون بالله قسما { يهلكون انفسهم } بدل من سيحلفون لان المحلف الكاذب اهلاك للنفس ولذلك قال عليه الصلاة والسلام « اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع » جمع بلقع وبلقعة وهى الارض القفر التى لا شيء بها والمرأة البلقعة الخالية من الخير يعنى من حلف عمدا كذبا لاجل الدنيا وزيادة المال وبقاء الجاه فقد تعرض لزوال ما فى يده من المال والجاه وبزواله يفتقر وتخرب داره من البركة وفى الحديث « اليمين الكاذبة منفعة للسلعة » اى سبب لنفاقها ورواجها فى ظن الحالف « ممحقة للكسب » اى سبب لمحق بركة المسكوب وذهابها اما بتلف يلحقه فى ماله او بانفاقه فى غير ما يعود نفعه اليه فى العاجل او ثوابه فى الآجل او بقى عنده وحرم نفعه او ورثه من لا يحمده { والله يعلم انهم لكاذبون } اى فى مضمونه الشرطية وفيما ادعوا ضمنا من انتفاء تحقيق المقدم حيث كانوا مستطيعين للخروج ولم يخرجوا { عفا الله عنك لم اذنت لهم } لام ولم ولام لهم متعلقتان بالاذن لاختلافهما فى المعنى الاولى للتعليل والثانية للتبليغ والضمير المجرور لجميع المستأذنين اى لأى سبب اذنت لهم فى التخلف حين اعتلوا بعللهم
واعلم ان قوله تعالى { لو كان عرضا قريبا قاصدا ولاتبعوك } دل على ان قوما تخلفوا عن اتباعه عليه السلام لان لو لانتفاء الجواب لانتفاء الجواب الشرط وقوله { عفا الله عنك لم اذنت لهم } دل على ان ذلك التخلف كان باذن رسول الله والعفو يستدعى سبق الخطأ وهذا الخطأ ليس من قبيل الذنب بل من ترك الاولى والافضل الذى هو التأنى والتوقف الى انجلاء الامر وانكشاف الحال .(5/62)
فقوله عفا خبر : يعنى [ دركذار بنخداى ازتو ] . وقوله لم اذنت لهم بيان لما اشير اليه بالعفو من ترك الاولى وانما قدم الله العفو عن العتاب تصديقا وتحقيقا لقوله تعالى { ليغفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } وقوله لهم اذنت لهم ما كان على وجه العتاب حقيقة بل كان على اظهار لطفه به وكمال رأفته فى حقه كما فى التأويلات النجمية
قال سفيان ابن عيينة انظروا الى هذا اللطف بدا بالعفو قبل ذكره المعفو ولقد اخطأ واساء الادب وبئسما فعل فيما قال وكتب عن زعم ان الكلام كنية عن الجناية وان معناه اخطأت وبئسما فعلت كما فى الارشاد
ويجوز ان يكون انشاء كما قال الكاشفى فى تفسيره { عفا الله عنك } [ دعاء له است حق سبحانه وتعالى بيغمبر خودرا ميفرمايد كه عفو كناد ازتوخداى وعادت مردم مى باشد كه دعا كند كسى را بعفو ورحمت ومغفرت بى وقوع خطايى ازوى جنانجه مثلا يكى تشنه را آب دهد اودر جواب ميكويد غفر الله لك بادر جواب عاطس ميكويد يرحمك الله ] انتهى
وقول ولقد اصاب فى تفسيره واجاد فى تقريره فان خطأ النبى عليه السلام وسهوه ونسيانه ليس من قبيل خطأ الامة وسهوهم ونسيانهم فالاولى للتأدب ان يسكت عما يشين بحاله او لا يليق بكماله { حتى يتبين لك الذين صدقوا } اى فيما اخبروا به عند الاعتذار من عدم الاستطاعة من جهة المال اة من جهة البدن او من جهتهما معا { وتعلم الكاذبين } فى ذلك فتعامل كلا من الفريقين بما يستحقه وهو بيان لذلك الاولى والافضل . وحتى متعلقة بمحذوف دل عليه الكلام تقديره لم سارعت الى الاذن لهم وهلا اخرتهم وتأنيث الى ان يتبين الامر وينجلى او ليتبين كما هو قضية الجزم فحتى بمعنى الى او بمعنى اللام ولا يجوز ان يتعلق باذنت لان ذلك يوجب ان يكون اذن لهم الى هذه الغاية او لاجل التبين وهذا لا يعاتب عليه
واعلم ان الآية الاولى اشارت الى ان من كان مطلوبه الدنيا وزينتها يجد له مساعدا ومصاحبا كثيرا ومن كان مطلوبه الحق والوصول اليه لا يجد مرافقا وموافقا الا قل من القليل لصعوبة الانقطاع عن الحظوظ والامانى : وفى المثنوى
حفت الجنة بمكروهاتنا ... حفت النيران من شهواتنا(5/63)
يعنى جعلت الجنة محفوفة بالاشياء التى كانت مكروهة لنا محاطة بالامور التى كانت محبوبة لنا واتيان الحظوظ اسهل من تركها ولذا ترى الرجل يدخل النار بالف درهم ولا يدخل الجنة بدرهم واحد
والآية الاخيرة افادت التحرى والتأنى فى الامور وفى حديث انس رضى الله عنه ان رجلا قال للنبى اوصنى فقال النبى عليه السلام « خذ الامر بالتدبر فان رأيت فى عاقبته خيرا فامضه وان خفت غيا فامسك » والعجلة صفة من صفات الشيطان -روى- انه لما رأى خلقه من الطين قبل ان ينفخ فيه الروح عجل فى امره وقال وعزة ربى ان جعل هذا خيرا وفضله على فلا اطيعه وان جعلنى خيرا منه لاهلكته فلما نفخ فيه الروح وامر الملائكة وابليس بالسجود له عجل ابليس بالسجود له عجل ابليس بالاباء لاظهار العداوة والسعى فى هلاكه على ما عزم عليه اولا ولم يتأن وينظر فى امره . واما الثانى فمن اوصاف الرحمن ولذا خلق السموات والارض فى ستة ايام وان كان قادرا على ان يخلقها فى مقدار طرفة عين
فعلى العاقل العمل بالتأنى والافضل والجهاد الى آخر العمر وحلول الاجل كيلا يكون من المتخلفين
قال شقيق ان الله تعالى اظهر هذا الدين وجعل عزه فى الجهاد فمن اخذ منه حظه فى زمانه كان كمن شاهده كله وشارك من مضى قبله من الغزاة ومن تبطأ فى زمانه فقد شارك المتخلفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ائمهم وعارهم والتبطؤ والتخلف انما هو من الكسل الطبيعى البدنى ومن كان له حظ روحانى يجد فى نفسه المسارعة الى الخيرات : وفى المثنوى
هركرانى وكسل خود ازتنست ... جان زخفت جمله دربريدنست
اللهم اعصمنا من الكسل فى باب واعنا انك انت المعين(5/64)
لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44)
{ لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر } فى { ان يجاهدوا باموالهم وانفسهم } وان الخلص مكنهم يبادرون اليه من غير توقف على الاذن فضلا على نفاقهم وعلة عدم الاستئذان الايمان كما ان علة الاستئذان عدم الايمان بناء على قاعدة ان تعليق الحكم بالوصف يشعر بعلية الوصف له { والله عليم بالمتقين } شهادة لهم بالانتظام فى زمرة المتقين وعجة لهم باجزال الثواب واشعار بان ما صدر عنهم معلل بالتقوى(5/65)
إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)
{ انما يستأذنك } فى التخلف { الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر } قال فى التبيان كان الاستئذان فى ذلك الوقت علامة النفاق قيل كانوا تسعة وثلاثين رجلا { وارتاب قلوبهم } عطف على الصلة والماضى للدلالة للدلالة على تحقيق الريب شك مع اضطراب القلب ودل على ان الشاك المرتاب غير مؤمن { فهم } حال كونهم { فى ريبهم } وشكهم المستقر فى قلوبهم { يترددون } اى يتحيرون فان التردد [ ديدن المتحير ] كما ان الثبات [ ديدن المستبصر ](5/66)
وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)
{ ولو ارادوا الخروج } يدل على ان بعضهم قالوا عند الاعتذار كنا نريد الخروج لكن لم نتهيأ له وقد قرب الرحيل بحيث لا يمكننا فكذبهم الله وقال لو ارادوا الخروج معك الى العدو فى غزوة تبوك { لأعدوا له } اى للخروج فى وقته { عدة } اى اهبة من الزاد والراحلة والسلاح وغير ذلك مما لا بد منه للسفر { ولكن كره الله انبعاثهم } ولكن ما ارادوه لما انه تعالى كره نهوضهم للخروج لما فيه من المفاسد الآتثة . والانبعاث [ برانكيخته شدن ] كما فى التاج فلكن للاستدراك من المقدم
وفى حواشى سعدى جلبى الظاهر ان لكن ههنا للتأكيد انتهى { فثبطهم } اى حبسهم بالجبن والكسل فتثبطوا عنه ولم يستعدوا له والتثبيط صرف الانسان عن الفعل الذى يهم بهم { وقيل اقعدوا مع القاعدين } الذين شأنهم القعود وملازمة البيوت وهم الزمنى والمرضى والعميان والنساء والصبيان ففيه ذم لهم وظاهره يخالف قوله تعالى { انفروا خفافا وثقالا } فلذا حملوه على التمثيل بان يشبه القاء الله تعالى فى قلوبهم كراهة الخروج بامر امرهم بالقعود ثم بين سر كراهته تعالى لانبعاثهم فقال { لو خرجوا فيكم } [ درميان شما ] اة مخالطين لكم { ما زادوكم } اى ما اورثوكم شيأ من الاشياء { الا خبالا } اى فسادا وشرا كالتجبين وتهويل امر الكفار والسعى للمؤمنين بالنميمة وافساد ذات البين واغراء بعضهم على بعض وتحسين الامر لبعضهم وتقبيحه للبعض الآخر ليتخلفوا وتفترق كلمتهم فهو استثناء مفرغ من اعم العام الذى هو الشئ فلا يلزم ان يكون فى اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خبال وفساد ويزيد المنافقون ذلك الفساد بخروجهم فيما بينهم لان الزيادة المستثناة انما هى الزيادة بالنسبة الى اعم العام لا بالنسبة الى ما كان فيهم من القبائح والمنكرات
وفى البحر قد كان فى هذه الغزوة منافقون كثير ولهم لا شك خبال فلو خرج هؤلاء لالتأموا فزاد الخبال انتهى { ولأوضعوا خلالكم } اى لسعوا بينكم واسرعوا بالقاء ما يهيج العداوة او ما يؤدى الى الانهزام . ولا يضاع تهييج المركوب وحمله على الاسراع من قولهم وضع البعير وضعا اذا اسرع واوضعته انا اذا حملته على الاسراع . والمعنى لأوضعوا ركائبهم بينكم على حذف المفعول والمراد به المبالغة فى الاسراع بالنمائم لان الراكب اسرع من الماشى . والخلال جمع خلل وهو الفرجة بين الشيئين وهو بمعنى بينكم منصوب على انه ظرف اوضعوا { يبغوا الفتنة } حال من فاعل اوضعوا اى حال كونهم باغين اى طالبين الفتنة لكم وهى افتراق الكلمة { وفيكم } [ ودرميان شما ] { سماعون لهم } اى نمامون يسمعون حديثكم لاجل نقله اليهم فاللام للتعليل او فيكم قوم ضعفة يسمعون للمنافقين اى يطيعونهم فاللام لتقوية العمل لكون العامل فرعا كقوله تعالى { فعال لما يريد } { والله عليم بالظالمين } علما محيطا بضمائرهم وظواهرهم وما فعلوا فيما مضى وما يأتى منهم فيما سيأتى وهو شامل للفريقين السماعين والقاعدين(5/67)
لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48)
{ لقد ابتغوا } اى طلب هؤلاء المنافقون { الفتنة } تشتيت شملك وتفريق اصحابك عنك { من قبل } اى قبل غزوة تبوك يعنى يوم احد فان ابيا انصرف يوم احد مع ثلاثمائة من اصحابه وبقى النبى عليه السلام مع سبعمائة من خلص المؤمنين وقد تخلف بمن معه عن تبوك ايضا بعد ما خرج النبى عليه السلام الى ذى جدة اسفل من ثنية الوداع وكذا ابتغوا الفتنة فى حرب الخندق حيث قالوا يا اهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا وفى ليلة العقبة ايضا حيث القوا شيأ بين قوائم ناقة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالليل حتى تنفر وتلقى النبى عليه السلام عن ظهرها وايضا وقف اثنا عشر رجلا من المنافقين على تثنية الوداع ليلة العقبة ليفتكوا به عليه السلام فاخبره الله بذلك وسلمه منهم والفتك ان يأتى الرجل صاحبه وهو غار غافل حتى يشد عليه فيقتله { وقلبوا لك الامور } تقليب الامر تصريفه من وجه الى وجه وترديده لاجل التدبير والاجتهاد فى المكر والحيلة يقال للرجل المتصرف فى وجوه الحيل حول قلب اى اجتهدوا ودبروا لك الحيل والمكايد ورددوا الآراء فى ابطال امرك { حتى جاء الحق } اة النصر والتأييد الالهى { وظهر امر الله } غلب دينه وعلا شرفه { وهم كارهون } والحال انهم كارهون لذلك اى على رغم منهم
وقال الكاشفى { وايشان ناخواها نند نصرت ودولت ترا اماجون خداى تعالى مى خواهد كراهت ايشانرا اثرى نيست ]
جون ترا اندر حريم قرب خودره داده شاه ... ازنفير برده دار وطعن دربان غم مخور
انظر الى ما فى هذه الآيات من تقبيح حال المنافقين وتسلية رسول الله والمؤمنين وبيان كون العاقبة للمتقين ولن يزال الناس مختلطا مخلصهم بمنافقهم من ذلك الوقت الى هذا الحين لكن من كان له نية صادقة صالحة يختار فراق اهل الهوى والرياء اجمعين لان صحبة غير الجنس لا تزيد الا تشويشا وتفرقة فى باب الدين وكسلا فى عزيمة اهل اليقين فاجهد ان لا ترى الاضداد ولا تجاورهم فكيف ان تعاشرهم وتخالطهم يا مسكين : وفى المثنوى
جون ببندى توسر كوزه تهى ... درميان حوض وباجوئى نهى
تاقيامت او فرو نايد ببست ... كه دلش خاليست دروى بتدهست
ميل بادش جون سوى بالابود ... ظرف خودرا هم سوى بالا كشد
باز آن جانهاكه جنس انيباست ... سوى ايشان كش كشان جون سايه هاست
جان هامان جاذب قبطى شده ... جان موسى جاذب سبطى شده
معده خركه كشد در اجتذاب ... معده آدم جذوب كندم آب
ثم فى قوله تعالى { ولأوضعوا خلالكم يبغونكم وفيكم سماعون لهم } ذم للنمام والنميمة وهى كشف ما يكره كشفه يقال ان ثلث عذاب القبر النميمة
قال عبد الله بن المبارك ولد الزنى لا يكتم الحديث(5/68)
قال الامام الغزالى اشار به الى ان كل من لم يكتم الحديث ومشى بالنميمة دل على انه ولد الزنى وفى حديث المعراج « قلت لمالك ارنى جهنم فقال لا تطيق على ذلك فقلت مثل سم الخياط فقال انظر فنظرت فرأيت قوما على صورة القردة قال هم القتاتون » اى النمامون وفرق بعضهم بين القتات والنمام بان النمام هو الذى يتحدث مع القوم والفتات هو الذى يتسمع على القوم وهم لا يعلمون ثم ينم كذا فى شرح المصابيح -روى- ان الحسن البصرى جاء اليه رجل بالنميمة وقال ان فلانا وقع فيك فقال له الحسن متى قال قال اليوم قال اين رأيته قال فى منزله قال ما كنت تصنع فى منزله قال كانت له ضيافة قال ماذا أكلت فى منزله قال كيت وكيت حتى عدد ثمانية الوان من الطعام فقال الحسن يا هذا قد وسع بطنك ثمانية الوان من الطعام اوسع حديثا واحدا قم من عندى يا فاسق . وفيه اشارة الى ان النمام ينبغى ان يبغض ولا يوثق بصداقته -وذكر- ان حكيما ن الحكماء زاره بعض اخوانه وأخبره بخبر عن غيره فقال له الحكيم قد ابطأت فى الزيارة واتيتنى بثلاث جنايات بغضت الىّ اخى وشغلت قلبى الفارغ واتهمت نفسك الامينة كذا فى الروضة والاحياء وهذا عادة الاخوان خصوصا فى هذا الزمان سامحهم الله الملك الديان
فعلى العاقل حفظ اللسان وحفظ الجوارح من مساوى الكلام وانواع الآثام فان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا(5/69)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49)
{ ومنهم } اى من المنافقين { من يقول } لك يا محمد { ائذن لى } فى القعود عن غزوة تبوك { ولا تفتنى } من فتنه يفتنه اوقعه فى الفتنة كفتنته وافتتنه يلزم ويتعدى كما قال فى تاج المصادر الفتون والفتن [ دوفتنه افكندن وفتنه شدن ] والمعنى لا توقعنى فى الفتنة وهى المعصية والاثم يريد انى متخلف لا محالة اذنت او لم تأذن فأذن لى حتى لا اقع فى المعصية بالمخالفة او لا تلقنى فى الهلكة فأنى ان خرجت معك هلك مالى وعيالى لعدم من يقوم بمصالحهم { ألا } [ بدانكه ] { فى الفتنة } اى فى عينها ونفسها واكمل افرادها { سقطوا } لا فى شيء مغاير لها وهى فتنة التخلف ومخالفة الرسول وظهور النفاق . يعنى انهم وقعوا فيما زعموا انهم محترزون عنه فالفتنة هى التى سقطوا فيها لا ما احترزوا عنه من كونهم مأمورين بالخروج الى غزوة تبوك { وان جهنم لمحيطة بالكافرين } معطوف على الجملة السابقة داخل تحت التنبيه اى جامعة للمنافقين وغيرهم من الكفار يوم القيامة من كل جانب اى انهم يدخلون جهنم لا محالة لان الشيء اذا كان محيطا بالانسان فلانه لا يفوته كما فى الحدادى او جامعة لهم الآن لاحاطة اسبابها من الكفر والمعاصى وقيل تلك المبادى المتشكلة بصور الاعمال والاخلاق هى النار بعينها ولكن لا يظهر ذلك فى هذه النشأة وانما يظهر عند تشكلها بصورها الحقيقة فى النشأة الآخرة وقس عليها الاعمال والاخلاق المرضية ألا ترى ان دم الشهيد يتشكل بصورة المسك فلا يفوح منه الا المسك كما ورد فى الشرع
وقال بعضهم هذه الآية نزلت فى جد بن قيس من المنافقين دعاه النبى عليه السلام الى الخروج الى العدو وحرضه على الجهاد « فقال له يا جد بن قيس هل لك فى جلاد بنى الاصفر » يعنى طول القدّ منهم فان الجلاد من النخل هى الكبار الصلاب « تتخذ منهم سرارى ووصفاء » فقال جد ائذن لى فى القعود ولا تفتنى بذكر نساء الروم فانه قد علمت الانصار انى رجل مولع بالنساء اى مفرط فى التعلق بهن فاخشى ان ظفرت ببنات الاصفر ان لا اصبر عنهن فاواقعهن قبل القسمة فاقع فى الفتنة والاثم فلما سمع النبى عليه السلام قوله اعرض عنه وقال « اذنت لك » ولم يقبل الله تعالى عذر جد وبين انه وقع فى الفتنة بمخالفة النبى عليه السلام والمراد ببنى الاصفر الروم وهم جيل من ولد روم بن عيصو بن اسحق بن ابراهيم عليهم السلام والوجه فى تسمية الروم ببنى الاصفر ان ملوك الروم انقضوا فى الزمان الاول فبقيت منهم امرأة فتنافسوا فى الملك حتى وقع بينهم شر عزيم فاتفقوا على ان يملكوا اول من اشرف عليهم فجلسوا مجلسا لذلك وأقبل رجل من اليمن معه عبد له حبشى يريد الروم فابق العبد فاشرف عليهم فقالوا انظروا فى أى شيء وقعتم فزوجوه فلذلك قيل للروم بنوا الاصفر لصفرة لون هذا الولد لكونه مولدا بين الحبشى والمرأة البيضاء(5/70)
وفى الروض قيل لهم بنوا الاصفر لان عيصو بن اسحق كان به صفرة وهو جدهم وقيل ان الروم بن عيصو هو الاصفر وهو ابوهم وامه نسمة بنت اسماعيل عليه السلام وليس كل الروم من ولد بنى الاصفر وهو ابوهم وامه نسمة بنت اسماعيل عليه السلام وليس كل الروم من ولد بنى الاصفر فان الروم الاول فيما زعموا من ولد بن يونان بن يافث بن نوح عليهم السلام انتهى
وقيل قيل لهم بنوا الاصفر لان جدهم روم بن عيصو ابن اسحق بن ابراهيم تزوج بنت ملك الحبشة فجاء لون ولده بين البياض والسواد فقيل له الاصفر وقيل لاولاده بنوا الاصفر
وقيل لان جيشا من الحبشة غلب على ناحيتهم فى وقت فوطئ نساءهم فولدت اولادا صفراء بين سواد الحبشة وبياض الروم -حكى- عن بعض العارفين انه رأى لنبى عليه السلام فى المنام فقال يا رسول الله انى اريد ان اتوجه الى الروم فقال عليه السلام الروم لا يدخله المعصوم فاختلج فى صدره ان فى الروم العلماء والصلحاء والاولياء اكثر من يحصى ثم تتبع فوجد ان المراد من المعصوم الانبياء واما هؤلاء فيسمون المحفوظين الكل من انوار المشارق وثبت فى الصحيح انه « لا يبقى مسلم مسلم وقت قيام الساعة » لكن يكون الروم وهم قوم معروف اكثر الكفرة فى ذلك الوقت كما كانوا اليوم اكثرهم
ثم ان القعود عن الغزو من بخل الرجل وهم من اذم الصفات
قال ابراهيم بن ادهم اياك والبخل قبل وما البخل قال اما البخل عند اهل الدنيا فهو ان يكون الرجل شحيحا بماله واما الذى عند اهل الآخرة فهو الذى يبخل بنفسه عن الله تعالى ألا وان العبد اذا جاد بنفسه لله تعالى اورث قلبه الهدى والتقى واعطاه السكينة والوقار والعلم الراجح والعقل الكامل
فعلى العاقل الجود بماله ونفسه فى الجهاد الاصغر والاكبر حتى ينال الرضى من الله تعالى والجود من امح الصفات -وحكى- عن ابى جهيم بن حذيفة قال انطلقت يوم تبوك اطلب عمى ومعى ماء اردت ان اسقيه ان كان به رمق فرأيته ومسحت وجهه فقلت له اسقيك الماء فاشار برأسه ان اذهب اليه فاذا هو هشام بن العاص فقلت اسقيك قال نعم فلما دنوت منه سمعت صوتا يقول آه من العطش فاشار الى ان اذهب به اليه فذهب فاذا هو ميت فرجعت بالماء الى هشام فاذا هو ميت فرجعت الى عمى فاذا هو ميت كذا فى خالصة الحقائق : قال الحافظ الشيرازى قدس سره
فداى دوست نكرديم عمرو ومال دريغ ... كه كار عشق زماين قدر نمى آيد
قال السعدى قدس سره
اكر كنج قارون بجنك آورى ... نماند آنجه بخشى برى(5/71)
إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50)
{ ان تصبك } فة بعض غزواتك { حسنة } ظفر وغنيمة كيوم بدر { تسؤهم } تلك الحسنة اى تورثهم يعنى المنافقين مساءة وحزنا لفرط حسدهم وعداوتهم لك { وان تصبك } فى بعضها { مصيبة } جراحة وشدة كيوم واحد او قتل وهزيمة على ان يكون المراد بالخطاب المؤمنين كما يدل عليه ما بعد الآية من ايراد ضمائر المتكلم مع الغير والا فمن قال ان النبى عليه السلام هزم فى بعض غزواته يستتاب فان تاب فيها ونعمت والا قتل لانه نقص ولا يجوز ذلك عليه خاصة اذ هو على بصيرة من امره ويقين من عصمته كما فى هدية المهديين نقلا عن القاضى عبد الله لن المرابط { يقولوا قد اخذنا امرنا } [ احتياط كارخودرا ] { من قبل } اى من قبل اصابة المصيبة : يعنى [ دور انديشى كرديم وبدين حرب نرفتيم ] } ويتولوا } اى يدبروا عن مجلس الاجتماع والتحدث الى اهاليهم { وهم فرحون } بما صنعوا من الاعتزال عن السملمين والقعود عن الحرب والجملة حال من الضمير فى يقولوا او يتولوا لا من الا خير فقط لمقارنة الفرح لهما معا(5/72)
قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)
{ قل } بيانا لبطلان ما بنوا عليه مسرتهم من الاعتقاد { لن يصيبنا } ابدا { الا ما كتب الله } فى اللوح المحفوظ { لنا } اللام للتعليل اى لاجلنا من خير وشر وشدة ورخاء لا يتغير بموافقتكم ومخالفتكم وامور العباد لا تجرى الا على تدبير قد احكم وابرم { هو مولينا } ناصرنا ومتولى امورنا { وعلى الله } وحده وهو تمام الكلام المأمور به ويجوز ان يكن ابتداء كلام من الله تعالى { فليتوكل المؤمنون } التوكل تفويض الامر الى الله تعالى والرضى بما فعله وان كان ذلك بعج ترتيب المبادى العالية والمعنى ان حق العبد ان يتوكل على مولاه ويبتغى رضوانه ويعتقد انه لن يصيبه شيء من الاشياء الا ما قدر له
بيرما كفت خطا برقلم صنع نرفت ... آفرين برنظر باط خطاك بوشش باد
وفى الحديث « ان العبد لا يبلغ حقيقة الايمان حتى يعلم ان ما اصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه »(5/73)
قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52)
{ قل } للمنافقين { هل تربصون بنا } التربص التمكث مع انتظار مجيئ شيء خيرا كان او شرا والباء للتعدية واحدى التاءين محذوفة اذ الاصل تتربصون . والمعنى ما تنتظرون بنا { الا احدى الحسنيين } اى العاقبتين اللتين كل واحدة منهما من حسنى العواقب وهما النصر والشهادة وهذا نوع بيان لما ابهم فى الجواب الاول وكشف لحقيقة الحال باعلام ان ما يزعمونه مضرة للمسلمين من الشهادة انفع مما يعدونه منفعة من النصر والغنيمة . والمعنى فما تفرحون الا بما نلنا مما هو احسن العواقب وحرمانكم من ذلك فأين انتم من التيقظ والعمل بالجزم كما زعمتم وفى الحديث « يضمن الله لمن خرج فى سبيله لا يخرج الا ايمانا بالله وتصديقا برسوله ان يدخله الجنة اوك يرجعه الى منزله الذى خرج منه نائلا ما نال من اجر أو غنيمة »
دولت اكر مدد دهددامنش آورم بكف ... كربكشد زهى طرب وربكشد زهى شرف
{ ونحن نتربص بكم } احد السوأيين من العواقب { ان يصيبكم الله } [ آنكه برساند خداى تعالى بشما ] { بعذاب من عنده } كما اصاب من قبلكم من الامم المهلكة من الصيحة والرجفة والخسف وكون العذاب من عند الله عبارة عن عدم كونه بايدى العباد { أو } بعذاب { بايدينا } وهو القتل بسبب الكفر { فتربصوا } الفاء فصيحة اى اذا كان الامر كذلك فتربصوا لنا ما هو عاقبتنا { انا معكم متربصون } ما هو عاقبتكم فاذا القى كل منا ومنكم ما يتربصه لا تشاهدون الا ما يسرنا ولا نشاهد الا ما يسؤكم وفى الحديث « مثل المؤمن مثل السنبلة تحركها الريح فتقوم مرة وتقع اخرى ومثل الكافر مثل الارزة ولا تزال قائمة حتى تنقعر » أى تنقطع يقال قعر الشجرة قلعها من اصلها فانقعرت . يعنى [ مؤمن را عيش خوش نبود شادى باغم ونعمت باشدت ودرستى بايمارى وجنين بسيار بماند وكافرتن درست ودل خوش بود لكن بيك كرت بسراندر آيد وهلاك شود ] وفى الحديث « من اهان وليا فقد بارزنى بالمحاربة » يعنى ان الولى وهو المؤمن المطيع ينصر الله تعالى فيكون الله ناصره فمن عادى من كان الله ناصره فقد بارز بمحاربة الله وكل كافر ومنافق فهو مهين الاولياء واهانتهم بذر محصوله الهلاك والاستئصال وفى المثنوى
قصه عاد وثمود ازبهر جيست ... تابدانى كانبيارا ناز كيست
اين نشان خسف وقذف وصاعقه ... شد بيان عز نفس ناطقه
جمله حيوانرا لى انسان بكش ... جمله انسانرا بكش ازبهر هش
هش جه باشد عقل كل هو شمند ... هوش جزئى هش بود امانزند
وقد ذم الله المنافقين بتغيير الحال وعدم مواطأة الحال بالمقال وفى الحديث « لا يستقيم ايمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه » وفى الحديث « طوبى لمن طاب كسبه وصلحت سريرته وكرمت علانيته وعزل عن الناس شره » وفى الحديث « من شر الناس ذو الوجهين الذى يأتى بوجه وهؤلاء بوجه آخر ومن كان ذو وجهين فى الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار » كما فى ابكار الافكار(5/74)
قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53)
{ قل } جوابا لجد بن قيس من المنافقين وهو قد استأذن فى النخلف عن غزوة تبوك وقال اعينك بمالى { انفقوا } ايها المنافقون اموالكم فى سبيل الله حال كونكم { طوعا } اى طائعين من قبل انفسكم { او كرها } او كارهين مخافة القتل كما فى الحدادى
وقال فى الارشاد { طوعا } اى من غير الزام من جهته عليه السلام ولا رغبة من جهتكم او هو فرضى لتوسيع الدائرة انتهى فلا يخالفه قوله { ولا ينفقون الا وهم كارهون } كما سيأتى { لن يتقبل منكم } يأبى عن حمله على معناه الظاهر اذ لا وجه لان يؤمر بشيء ثم يخبر بانه عبث لا يجدى نفعا بوجه ما -روى- انه لما اعتذر من الخروج لامه ولده عبد الله عنه وقال له والله لا يمنعك الا النفاق وسينزل الله فيك قرآنا فاخذ نعله وضرب به وجده ولده فلما نزلت الآية قال له ألم اقل لك فقال له اسكت يالكع فوالله لانت اشد علىّ من محمد ثم علل رد انفاقهم بقوله { انكم كنتم قوما فاسقين } اى كافرين فالمراد بالفسق . ما هو الكامل منه لا الذى هو دون الكفر كما قال الكاشفى [ بدرستى كه شماهستيد كروه بيرون رفتكان ازدائره اسلام ونفقه كافر قبول نيست ] فالتعليل هما بالفسق وفيما بعده بالكفر حيث قال ألا انهم كفروا بالله واحد -روى- انه تاب من النفاق وحسنت توبته ومات فى خلافه عثمان رضى الله عنه(5/75)
وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54)
{ وما منعهم ان تقبل منهم نفقاتهم الا انهم كفروا بالله وبرسوله } استثناء من اعم الاشياء اى ما منعهم من قبول نفقاتهم منهم شيء من الاشياء الا كفرهم فالمستثنى المفرغ مرفوع المحل على انه فاعل منع . وقوله ان تقبل مفعوله الثانى بنزع الخافض او بنفسه فانه يقال منعت الشيء ومنعت فلانا حقه ومنعته من حقه
وقال ابو البقاء ان تقبل فى موضع نصب بدلا من المفعول فى منعهم { ولا ياتون الصلوة } [ ونمى آيند بنماز جماعت ] وهو معطوف على كفروا { الا وهم كسالى } اى لا يأتونها فى حال من الاحوال الا حال كونهم متثاقلين
قال الكاشفى [ مكر ايشان كاهلانند بنماز مى آيند بكسالت وكراهت نه بصدق وارادت ] والكسالى جمع كسلان كما يقال سكارى وسكران
قال البغوى كيف ذكر الكسل فى الصلاة ولا صلاة لهم اصلا قيل الذم واقع على الكفر الذى يبعث على الكسل فان الكفر مكسل والايمان منشط { ولا ينفقون الا وهم كارهون } قال ابن الشيخ الرغبة والنشاط فى اداء العبادات متفرعة على رجاء الثواب بها وخوف العقاب على تركها المتفرعين على الايمان بما جاء به النبى عليه السلام من عند الله والمنافق لا يؤمن بذلك فلا يرجو ثواب الآخرة ولا يخاف عقابها فيكون كسلان فى اتيان الصلاة وكارها للانفاق لزعمه انهما اتعاب للبدن وتضييع للمال بلا فائدة وفيه ذم الكسل قيل ما دام كسله خاب امله : قال ابو بكر الخوارزمى
لا تصحب الكسلان فى حالاته ... كم صالح بفساد آخر يفسد
عدوى البليد الى الجليد سريعة ... والجمر يوضع فى الرماد ويخمد
وفى المثنوى
كرهزاران طالبند ويك ملول ... از رسالت بازمى ماند رسول
كى رسانند آن امانت را بتو ... تانباشى بيششان راكع دوتو(5/76)
فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)
{ فلا تعجبك } الاعجاب استحسان على وجه التعجب من حسنه
قال الكاشفى [ بس بايدكه ترابشكفت نيارد خطاب بآن حضرتست ومراد امت اند مؤمنانرا ميفرمايد كه متعجب نكردانند شمارا ] { اموالهم } اى اموال المنافقين { ولا اولادهم } فان ذلك وبال عليهم واستدراج لهم كما قال { انما يريد الله ليعذبهم بها فى الحياة الدنيا } ضمير بها راجع الى الاموال دون الاولاد . والمعنى ليعذبهم بالتعب فى جمعها والوجل فى حفظها والكره فى انفاقها ويجوز ان يرجع اليهما معا بناء على ان الاولاد اسباب للتعذيب الدنيوى من حيث انهم ان عاشوا يبتلى اصولهم بمتاعب تربيتهم وتحصيل اسباب معاشهم من المآكل والمشارب والملابس وان ماتوا يبتلى اصولهم بحسرة فراقهم فان من احب شيأ كان تألمه على فراقه شديدا
يقول الفقيران قلت ان المؤمن والكافر يشتركان فى هذا التعب والحسرة فما معنى تخصيص الكافر اى المنافق قلت نعم الا ان المؤمن اخف حالا لايمانه وامله ثواب الآخرة وصبره على الشدائد فيكون التعذيب بتربية الاولاد وحسرة فراقهم ملا تعذيب بالنسبة اليه { وتزهق } اصل الزهوق خروج الشيء بصعوبة { انفسهم وهم كافرون } اى فيموتوا كافرين مشتغلين بالتمتع عن النظر فى العاقبة فيكون ذلك لهم نقمة لا نعمة [ نه مال ايشانرا دست كيرد ونه فرزند بفرياد رسد ] وفى ارادة الله زهوق انفسهم على الكفر لينالوا وباله اشارة الى جواز الرضى بكفر الغير وموته عليه اذا كان شريرا مؤذيا ينتقم الله منه من غير استحسان واستجازة كما قال الفقهاء اذادعا على ظالم اماتك الله على الكفر او قال سلب الله عنك الايمان او دعا عليه بالفارسية [ خداجان توبكافرى بستاند ] فهذا لا يكون كفرا اذا كان لا يستحسنه ولا يستجيزه ولكن تمنى ان يسلب الله الايمان منه حتى ينتقم الله منه على ظلمه وايذائه الخلق
واعلم ان الطاعة فى العبودية بثلاثة انواع بالمال والبدن والقلب والبدن والقلب اما بالمال فهو الانفاق فى سبيل الله وفى الحديث « من جهز غازيا ولو بسلك ابرة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومن جهز غازيا ولو بدرهم اعطاه الله سبعين درجة فى الجنة من الدر والياقوت » وعن ابى هريرة رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى بفرس يجعل خطوة منه اقصى بصره فسار ومعه جبريل فأتى على قوم يزرعون فى يوم ويحصدون فى يوم كلما حصدوا عاد كما كان فقال « يا جبرائيل من هؤلاء » قال هؤلاء المجاهدون فى سبيل الله تضاعف لهم الحينة بسبعمائة ضعف وما انفقتم من شيء فهو يخلفه واما البدن فهو القيام بالاوامر والنواهى والسنن والآداب المستحسنة المستحبة واما بالقلب فهو الايمان والصدق والاخلاص فى النية فالطاعة بالمال والبدن لا تقبل عند اعواز طاعة القلب كطاعة المنافقين وطاعة القلب عند اعواز الطاعة بالمال والبدن مقبولة لقوله عليه السلام(5/77)
« نية المؤمن ابلغ من عمله » فالقربة لا تقبل الا على حقيقة الايمان وهو شرط اقامة الطاعات المالية والبدنية وفى الحديث « ان اعطاء هذا المال فتنة وامساكه فتنة » وذلك لان انفاقه على طريق الرياء او بالمنة والاذى فتنة وكذا امساكه اذ فى الامساك ملامة وذلالة بل ضلالة وفى الحديث « ان لكل امة فتنة وان فتنة امتى بالمال » [ حقيقت فتنه آنست كه هرجيزى كه آن مرورا از دين ورشد مشغول دارد آنراكه از توفيق محرومست وآنراكه موافقيست اكر بادشاه دنيا شود آن بادشاهى اورا ازدين مشغول ندارد ] : وفى المثنوى
جيست دنيا از خدا غافل بدن ... نى قماش ونقره وميزان وزن
مال راكز بهر دين باشى حمول ... نعم مال صالح خواندش رسول
آب در كشتى هلاك كشتى است ... آب اندر زير كشتى بستى است
جونكه مال وملك را ازدل براند ... زان سليمان خويش مسكين نخواند
[ ومعاويه زنى را برسيدكه على را ديده كفت بلى كفت جه كونه كردى بود على كفت لم يبطره الملك ولم تعجبه النعمة وعمر بن الخطاب رضى الله عنه كويدكه هركه مال اورا نفريبد هيج جادويى وديوى اورا نفريبد ومردى بيغمبررا صلى الله عليه وسلم كفت مرا جاره بياموز كه ديومر انفريبد كفت دوستى مال دردل مدار وبا هيج زن ن محرم خالى مباش ] كذا فى شرح الشهاب
مكن تكيه برملك وجاء وحشم ... كه بيش ازتو بودست وبعد ازتوهم(5/78)
وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56)
{ ويحلفون } اى المنافقون { بالله } يحتمل ان يتعلق بيحلفون ويحتمل ان يكون من كلامهم { انهم لمنكم } اى يخافون منكم ان تفعلوا بهم ما تفعبون بالمشركين فيظهرون الاسلام تقية ويؤكدونه بالايمان الفاجرة يقال فرق كفرح اى فزع والفرق بفتحتين الفزع(5/79)
لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)
{ لو يجدون } [ اكربيابيد ] وايثار صيغة الاستقبال فى الشرط وان كان المعنى على المضى لافادة استمرار عدم الوجدان { ملجأ } اى مكانا حصينا يلجأون اليه من رأس جبل او قلعة او جزيرة مفعل من لجأ اليه يلجأ اى انضم اليه ليتحصن به { او مغارات } هى الكهوف الكائنة فى الجبال الرفيعة اى غيرانا وكهوفا يخفون فيها انفسهم جمع مغارة وهى مفعلة اسم للموضع الذى يغور فيه الانسان اى يغيب ويستتر { او مدخلا } هو السرب الكائن تحت الارض كالبئر اى نفقا يندسون فيه وينحجرون او قوما يمكنهم الدخول فيما بينهم يحفطونكم منكم كا فى الحدادى وهو مفتعل من الدخول اصله مدتخل
قال ابن الشيخ عطف المغارات والمدخل على الملجأ من قبيل عطف الخاص على العام لتحقيق عجزهم عن الظفر بما يتحصنون فيه فان لملجأ هو المهرب الذى يلتجئ اليه الانسان ويتحصن به من أى نوع كان { لولوا } اى لصرفوا وجوههم واقبلوا { اليه } اى الى احد ما ذكر { وهم يجمحون } اى يسرعون اسراعا لا يردهم شيء كالفرس الجموح لئلا يجتمعون معكم ويبتعدوا عنكم والجموح النفور باسراع يقال فرس جموح اذا لم يرده لجام . والمعنى انهم وان كانوا يحلفون لكم انهم منكم الا انهم كاذبون فى ذلك وانما يحلفون خوفا من القتل لتعذر خروجهم من بلاهم ولو استطاعوا ترك دورهم واموالهم والالتجاء الى بعض الحصون او الغيران التى فى الجبال واو السروب الى تحت الارض لفعلوه تسترا عنكم واستكراها لرؤيتكم ولقائكم وفيه بيان لكمال عتوهم وطغيانهم واشارة الى ان المنافق يصعب عليه صحبة المخلص فان الجنس الى الجنس يميل لا الى خلافه : قال السعدى فى كتاب الكلستان [ طوطى رابازاغى همقفس كردند از قبح مشاهده او مجاهده برده مى كفت اين جه طلعت مكروهشت وهيأت ممقوت ومنظر ملعون وشمائل ناموزون ياغراب البين يا ليت بينى وبينك المشرقين
على الصباح بروى ترهوكه برخيزد ... صباح روز سلامت برومسا باشد
بداخترى جوتو در صحبت توبايستى ... ولى جنانكه تودر جهان كجاباشد
عجبترانكه غراب هم از محاورت طوطى بجان آمده بود لا حول كنان از كردش كيتى همى ناليد ودستهاى تعا بن يكديكر همى ماليد وكيكفت اين جه بخت نكونست وطالع دون وايام برقلمون لايق قدر من آنستى كه بازاغى در ديوار باغى حرامان همى رفتمى
بارسارا بس اين قدر زندان ... كه بود هم طويله رندان
تاجه كنه كرده ام روز كارم بعقويت آن در سلك صحبت ابلهى خود رأى وناجنس ويافه دراى بجنين بند بلا كرده است
كس نيايد بباى ديوارى ... كه بران صورتت نكار كنند
كرترادر بهشت باشد جاى ... ديكران دوزخ اختيار كنند
اين مثل براى ان آوردم تابدانى كه صد جندانكه دانارا زنادان نفرتست نادانرا اودانا وحشتست ] قيل اضيق السجون معاشرة الاضداد(5/80)
وقال الاصمعى دخلت على الخليل وهو جالس على الحصير الصغير فاشار الى بالجلوس فقلت اضيق عليك فقال مه ان الدنيا باسرها لا تسع متباغضين وان شبرا بشبر يسع المتحابين
قال بعضهم الصديق الموافق خير من الشقيق المخالف
فعلى العاق ان يراعى جانب الآفاق والانفس بقدر الامكان وجتهد فى اصلاح الظاهر والباطن فى كل زمان ويجانب الاعداء وان ادعوا انهم من جملة الاخوان ومن الاعداء النفس وصفاتها وهى تدعى انها على سيرة الروح والقلب والسر وسجيتها وليست كذلك لان منشأ هذه عالم الامر والارواح ومنشأ تلك عالم الحلق والاشباح فلا بد من اصلاحها وازالة اخلاقها الرديئة لتكون لائقة بصحبة الروح ويحصل بسببها انواع الذوق والفتوح(5/81)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58)
{ ومنهم } اى من المنافقين { من يلمزك } ان يعيبك فان اللمز والهمز العيب واللامز كالهامز واللماز واللمزة كالهماز والهمزة بمعنى العياب وقيل اللامز هو من يعيبك فى وجهك والهامز من يعيبك بالغيب { فى الصدقات } اى فى شأن الزكاة ويطعن عليك فى قسمتها جمع صدقة من الصدق يسمى بها عطية يراد بها المثوبة لا التكرمة لان بها يظهر صدقه فى العبودية كما فى الكرامانى
والآية نزلت فى ابى الجواحظ المنافق حيث قال ألا ترون الى صاحبكم يقسم صدقاتكم فى رعاة الغنم ويزعم انه يعدل { فان اعطوا منها } بيان لفساد لمزهم وانه لا منشأ له سوى حرصهم على حطام الدنيا اى ان اعطوا من تلك الصدقات قدر ما يريدون { رضوا } بما اعطوه وما وقع من القسمة واستحسنوها { وان لم يعطوا منها } ذلك المقدار بل اقل مما طمعوا { اذا هم يسخطون } اى يفاجئون السخط دلت اذا الفجائية على انهم اذا لم يعطوا فاجأ سخطهم ولم يكن تأخره لما جبلوا عليه امن محبة الدنيا والشره فى تحصيلها
وفى التأويلات النجمية النفاق تزيين الظاهر باركان الاسلام وتعطيل البتطن على انوار الايمان والقلب المعطل عن نور الايمان يكون مزينا بظلمة الكفر بحب الدنيا ولا يرضى الا بوجدان الدنيا ويسخط بفقدها : قال السعدى
نكند دوست زينهار از دوست ... دل نهادم برآنجه خاطر اوست
كر بلطفم بنزد خود خواند ... ور بقهرم براند او داند(5/82)
وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59)
{ ولو انهم رضوا ما آتيهم الله ورسوله } اى ما اعطاهم الرسول من الصدقات طيبى النفوس به وان قل وذكر الله تعالى للتعظيم والتنبيه على ان ما فعله الرسول عليه السلام كان بامره سبحانه فلا اعتراض عليه لكون المأمور به موافقا للحكمة والصواب { وقالوا حسبنا الله } اى كفانا فضله وصنعه بنا وما قسمه لنا فان جميع ما اصابنا انما هو تفضل منه سواء كان لكسبنا مدخل فيه او لم يكن { سيؤتينا الله من فضله } صدقة اخرى { ورسوله } فيعطينا منها اكثر مما اعطانا اليوم { انا الى الله راغبون } ان يغنينا من فضله والاية باسرها فى حيز الشرط والجواب محذوف بناء على ظهوره ولتذهب فيه النفس كل مذهب ممكن اى لكان خيرا لهم [ زيراكه رضا بقسمت سبب بهجت است وجزع دران موجب محنت . سلمى از ابراهيم ادهم نقل ميكندكه هركه بمقادير خرسند شدازغم وملال بازرست ]
رضا بداده بده وزجبين كره بكشا ... كه برمن وتو در اختيار نكشادست
ودرين معنى فرموده است
بشنواين نكته كه خودرا زغم آزاده كنى ... خون خورى كر طلب روزئ ننهاده كنى
يقال اذا كان القدر حقا كان السخط حمقا
ولما قدم سعد بن ابى وقاص رضى الله عنه مكة بعدما كف بصره قيل له انت مجاب الدعوة لم لا تسأل رد بصرك فقال قضاء الله تعالى احب الى من بصرى
قيل لحكيم ما السبب فى قبض الكف عند الولادة وفتحه عند الموت فانشد
ومقبوض كف المرء عند ولادة ... دليل على الحرص المركب فى الحى
ومبسوط كف المرء عند وفاته ... يقول انظروا انى خرجت بلا شيء
-حكى- ان نباشا تاب على يد ابى يزيد البسطامى قدس سره فسأله ابو يزيد مساكين اولئك نهمة الرزق حولت وجوههم عن القبلة
فعلى العاقل التوكل على الله والاعتماد بوعده فان الله كاف لعبده ومن وجد الله فقد ما دونه لان فقدان الله فى وجدان ما سواه ووجدانه فى فقدان ما سواه ومن وجده يرضى به ويقول سيؤتينا الله من فضله ما نحتاج اليه فى كمال الدين ونظام الدنيا انا الى الله راغبون لا الى الدنيا والعقبى وما فيهما غير المولى -روى- ان عيسى عليه السلام مر بقوم يذكرون الله تعالى فقال لهم ما الذى حملكم عليه قالوا الرغبة فى ثواب الله فقال اصبتم ومر على قوم آخرين يذكرون الله تعالى فقال لهم ما الذى حملكم عليه قالوا الخوف من عقاب الله تعالى فقال اصبتم ومر على قوم ثالث مشتغلين بذكر الله فسألهم عن سببه فقالوا لا نذكره للخوف من العقاب ولا للرغبة فى الثواب بل لاظهار ذلة العبودية وعزة الربوبية وتشريف القلب بمعرفته وتشريف اللسان بالالفاظ الدالة على صفات قدسه وعزته فقال أنتم المتحققون وفى هذا المعنى : قال الحافظ
بدرم روضه جنت بدو كندم بفروخت ... ن خلف باشم اكر من بجوى نفروشم(5/83)
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)
{ انما الصدقات } اى جنس الزكوات المشتملة على الانواع المختلفة من النقدين وغيرهما سميت الزكاة صدقة لدلالتها على صدق العبد فى العبودية كما فى الكافى
وذكر فى الازاهير ان تركيبها يدل على قوة فى الشيء قولا وفعلا وسمى بها ما يتصدق به لان بقوته يرد البلاء وقيل لان اول عامل بعثه صلى الله عليه وسلم لجمع الزكاة رجل من بنى صدق بكسر الدال وهم قوم من كندة والنسبة اليهم صدقى بالفتح فاشتقت الصدقة من اسمهم { للفقراء والمساكين } اى مخوصة بهؤلاء الاصناف الثمانية الآتية لا تتجاوزهم الى غيرهم من المنافقين والفقير من لهم شيء دون نصاب والمسكين من لا شيء له وهو المروى عن ابى حنيفة وقيل بالعكس وفائدة الخلاف تظهر فى الوصية او المسكين { والعاملين عليها } الساعى فى جمعها وتحصيلها فيعطى العامل مما فى يده من مال الزكاة بقدر عمله فقيرا كان او غنيا او هاشميا فلو ضاع ذلك المال لم يعط شيأ وكذا لو اعطى المالك بنفسه زكاته الى الامام لا يستحق العامل شيأ
وفى التبيين لو استغرقت كفاية الزكاة لا يزاد على النصف لان التنصيف عين الانصاف { والمؤلفة قلوبهم } وهم طائفة مخصوصة من العرب لهم قوة واتباع كثير منهم مسلم ومنهم كافر قد اعطوا من الصدقة تقريرا على الاسلام او تحريضا عليه او خوفا من شرهم { وفى الرقاب } اى وللصرف فى فك الرقاب اى فى تخليصها من الرق بان يعان المكاتبون بشيء منها على اداء بدل كتابتهم لا للرقاب فان المكاتب لا يستحق المال ولا يملكه بل يملكه مولاه وكذا مال المديون يملكه الدائن فالعدول عن اللام للدلالة على ان استحقاق الاربعة الاخيرة ليس لذواتهم اى لكونهم مكاتبا ومديونا ومجاهدا ومسافرا حتى يتصرفوا فى الصدقة كيف شاؤا كالاربعة الاول بل لجهة استحقاقهم كفك الرقبة من الرق وتخليص الذمة من مطالبة من له الحق والاحتياج الى ما يتمكن به من الجهاد وقطع المسافة ووجه الدلالة ان فى قد تستعمل لبيان السبب كما يقال عذب فلان فى سرقة لقمة اى بسببها والمراد مكاتب غيره ولو غنيا فيعطى ما عجز عنه فيؤدى الى عنقه . والرقاب جمع رقبة وهى يعبر بها عن الجملة وتجعل اسما للمملوكة { والغارمين } اى الذين تدينوا لانفسهم فى غير معصية اذا لم يكن لهم نصاب فاضل عن ديونهم والغارم والغريم وان كان يطلق كل واحد منهما على من له الدين الا ان المراد بالغارم فى الآية الذى عليه الدين وان المديون قسمان . الاول من ادّان لنفسه فى غير معصية فيعطى له من الزكاة ما يفى بدينه بشرط ان لا يكون له من المال ما يفى بدينه وان كان له فلا يعطى .(5/84)
والثانى من اد ان فى المعروف واصلاح ذات البين فانه يعطى من مال الزكاة ما يقضى به دينه وان كان غنيا واما من ادّ ان فى معصية او فساد فانه لا يعطى له شيء منها
وعن مجاهد ان الغارم من احترق بيته او ذهب السيل بماله او ادّ ان على عياله { وفى سبيل الله } اى فقراء الغزاة عند ابى يوسف وهم الذين عجزروا عن اللحوق بحيش الاسلام لفقرهم اى لهلاك النفقة او الدالة او غيرهما فتحل اهم الصدقة وان كانوا كاسبين اذ الكسب يقعدهم عن الجهاد فى سبيل الله . وسبيل وان عم كل طاعة الا انه خص بالغزو اذا اطلق وعند محمد هو الحجيج المنقطع بهم { وابن السبيل } اى المسافر الكثير السير المنقطع عن ماله سمى به لملازمة الطريق فكل من يريد سفرا مباحا ولم يكن له ما يقطع به المسافة يعطى من الصدقة قدر ما يقطع به تلك المسافة سواء كان فى ذلك البلد المنتقل اليه مال او لم يكن وهو متناول للمقيم الذى له مال فى غير وطنه فينبغى ان يكون بمنزلة ابن السبيل وللدائن الذى مديونه مقر لكنه معسر فهو كابن السبيل كما فى المحيط { فريضة من الله } مصدر لما دل عليه صدر الآية لان قوله تعالى { انما الصدقات للفقراء } فى قوة ان يقال فرض الله لهم الصدقات فريضة
قال الكاشفى [ حق سبحانه وتعالى براى اين جماعت فرض كرده است زكاترا فريضه فرض كردنى من الله ثابت از نزديك خداى تعالى ] { والله عليم } باحوال الناس ومراتب استحقاقهم { حكيم } لا يفعل الا ما تقتضيه الحكمة من الامور الحسنة التى من جملتها سوق الحقوق الى مستحقيها
حق تعالى جون درقسمت كشاد ... هركسى را هرجه مى بايست داد
نيست واقع اندران قسمت غلط ... بنده راخواهى رضا خواهى سخط
واعلم ان سهم المؤلفة قلوبهم ساقط باجماع الصحابة لما ان ذلك كان لتكثير سواد الاسلام فلما اعزه الله واعلى كلمته ايتغنى عن ذلك كما قال عمر رضى الله عنه فى زمن خلافة ابى بكر رضى الله عنه الاسلام اعز من ان يرشى عليه فان ثبتم على الاسلام بغير رشوة فيها والا فبيننا وبينكم السيف فبقيت المصارف السبعة على حالها فللمتصدق ان يدفع صدقته الى كل واحد منهم وان يتقصر على صنف منهم بل لو صرف الى شخص واحد منهم جاز فان اللام فى للفقراء لبيان انهم مصارف لا يخرج عنهم كما يقال الخلافة لبنى العباس وميراث فلان لقرابته فى للفقراء لبيان انهم مصارف لا يخرج عنهم كما يقال الخلافة لبنى العباس وميراث فلان لقرابته اى ليست الخلافة لغيرهم لا أنها بينهم بالسوية فاللام لام الاختصاص لا التمليك لعدم جواز التمليك للمجهول
قال مشايخنا من اراد ان يتصدق بدرهم يبتغى فقيرا واحدا ويعطيه ولا يشترى به فلوسا ويفرقها على المساكين كما فى المحيط وكذلك الافضل فى الفطر ان يؤدى صدقة نفسه وعياله الى واحد كما فعله ابن مسعود كما فى التمرتاشى وكره دفع نصاب او اكثر الى فقير غير مديون اما اذا كان مديونا او صاحب عيال او اذا فرق عليهم لم يخص كلا منهم نصاب فلا يكره كما فى الاشباه .(5/85)
وقوله كره اى جاز مع الكراهة اما الجواز فلان الاداء يلاقى الفقر لان الزكاة انما تتم بالتمليك وحالة التمليك المدفوع اليه فقير وانما يصير غنيا بعد تمام التمليك فيتأخر الغنى عن التمليك ضرورة فيجوز واما الكراهة فلان الانتفاع به صادف حال الغنى ولو صادف حال الفقراء لكان اكمل وندب دفع ما يغنى عن السؤال يومه لقوله عليه السلام « اغنوهم عن المسألة » والسؤال ذل فكان فيه صيانة المسلم عن الوقوع فيه ولا يسأل من له قوت يومه لان فى السؤال ذلا ولا يحل للمسلم ان يذل نفسه بغير الاحتياج نكد والنكدى حرام
ثم اعلم ان الاوصاف التى عبر بها عن الاوصاف المذكورة وان كانت تعم المسلم والكافر الا ان الاحاديث خصتها بالمسلم منهم
وقال ابو حفص لا يصرف الى من لا يصلى الا احيانا . والتصدق على الفقير العالم أفضل من الجاهل . وصدقة التطوع يجوز صرفها الى المذكورين وغيرهم من المسلم والذمى والى بناء المساجد والقناطر وتكفين الميت وقضاء دينه ونحوها لعدم اشتراط التمليك فى التطوع وان اريد صرف الفرض الى هذه الوجوه صرف الى الفقير ثم يؤمر بالصرف اليها فيثاب المزكى والفقير ولو قضى دين حمى اى من مال الزكاة وان كان بأمره جاز كأنه تصدق على المديون فيكون القابض كالوكيل له فى قبض الصدقة وان كان بغير امره يكون متبرعا فلا يجوز من زكاة ماله ولا تصرف الزكاة الى مجنون وصبى غير مراهق الا اذا قبض لهما من يجوز له قبضها كالال والوصى وغيرهما وتصرف الى مراهق يعقل الاخذ كما فى المحيط
قال فى مجمع الفتاوى جملة ما فى بيت المال اربعة اقسام الاول الصدقات وما ينضم اليها تصرف الى ما قال الله تعالى { انما الصدقات للفقراء والمساكين } الآية . والثانى الغنائم تصرف الى اليتامى والمساكين وابن السبيل . والثالث الجزية والخراج تصرف الى ما فيه صلاح دار الاسلام والمسلمين نحو سد الثغور والمقاتلة وعطاتهم وسلاحهك وكراعهم ويصرف الى امن الطريق والى اصلاح القناطر وكرى الانهار والى ارزاق الولاة والقضاة والائمة والمؤذنين والقراء والمحتسبين والمفتين والمعلمين . والرابع ما اخذ من تركة الميت اذا مات بلا وارث او الباقى من فرض الزوج او الزوجة اذا لم يترك سواه يصرف الى نفقة المرضى وادويتهم وعلاجهم ان كانوا فقراء والى نفقة من هو عاجز عن الكسب انتهى
والاشارة انما الصدقات اى صدقات الله كما قال عليه السلام(5/86)
« ما من يوم ولا ليلة ولا ساعة الا لله فيها صدقة يتصدق بها على من يشاء من عباده » والفقراء هم الاغنياء بالله الفانون عن غيره الباقون به وهذا حقيقة قوله عليه الصلاة والسلام « الفقراء الصبر هم جلساء الله يوم القيامة » وهو سر ما قال الواسطى الفقير لا يحتاج الى الله وذلك لنه غنى به والغنى بالشئ لا يحتاج اليه والمساكين وهم الذى لهم بقية اوصاف الوجود لهم سفينة القلب فى بحر الطلب وقد خرقها خضر المحبة وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا { والعاملين عليها } وهم ارباب الاعمال كما كان الفقراء والمساكين اصحاب الاحوال { والمؤلفة قلوبهم } وهم الذين تتألف قلوبهم بذكر الله الى الله المتقربون اليه بالتباعد عما سواه { وفى الرقاب } وهم المكاتبون قلوبهم عن رق الموجودات تحريا لعبودية موجدها والمكاتب عبد ما بقى عليه درهم { والغارمين } وهم الذين استقرضوا من مراتب المكونات اوصافها وطبائعها وخواصها وهم محبوسون فى سجن الوجود بقروضهم وانهم فى استخلاص ذممهم عن القروض بردها فهم معاونون بتلك الصدقات للخلاص من حبس الوجود { وفى سبيل الله } وهم الغزاة المجاهدون فى الجهاد الاكبر وهو الجهاد مع كفار النفوس والهوى والشيطان والدنيا { وابن السبيل } وهم المسافرون عن اوطان الطبيعة والبشرية السائرون الى الله على اقدام الشريعة والطريقة بسفارة الانبياء والاولياء { فريضة من الله } اى هذا السير والجهاد ورد القرض والحرية عن رق الموجودات وتألف القلوب الى الله واستعمال آمال الشريعة والتمسكن والافتقار الى الله طلبا للاستغناء به امر واجب على العباد من الله وهذه الصدقات من المواهب الربانية والالطاف الالهية للطالبين الصداقين امر اوجبه الله تعالى فى ذمة كرمه لهم كما قال تعالى « ألا من طلبنى وجدنى » { والله عليم } بطالبيه { حكيم } فيما يعادونهم على الطلب للوجدان كما قال تعالى { من تقرب الى شبرا تقربت اليه ذراعا } كذا فى التأويلات النجمية
فعلى السالك الفناء عن اوصاف الموجودات والحرية عن رق الكائنات وعرض الافتقار الى هذه النفحات والصدقات(5/87)
وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62)
{ ومنهم } اى من المنافقين كالجلاس بن سويد واحزابه { الذين يؤذون النبى } بان يقولوا فى حقه ما يتأذى به الانسان { ويقولون } اذا قيل لهم من قبل بعضهم لا تفعلوا هذا الفعل فانا نخاف ان يبلغه ما تقولون فتفضحوا { هو } اى النبى عليه السلام { اذن } يسمع كل ما قيل له يعنى انا نقول ما شئنا ثم نأتيه فننكر ما قلنا ونحلف فيدصقنا بما نقول انما محمد اذن سامعة اى صاحبها وانما سموه اذنا مبالغة فى وصفه باستماعه كل ما يقال وتصديقه اياه حتى صار بذلك كأنه نفس الاذن السامعة يريدون بذلك انه ليس له ذكاء ولا بعد غور بل هو سليم القلب سريع الاغترار بكل ما يسمع فيسمع كلام المبلغ اولا فيتأذى منه ثم اذا وقع الانكار والحلف والاعتذار يقبله ايضا صدقا كان او كذبا وانما قالوه لانه عليه السلام انما يفعله لقلة فطنته وقصور شهامته { قل } هو { اذن خير لكم } من اضافة الموصوف الى صفته كرجل صدق والمعنى نعم انه اذن لكنه نعم الاذن فان من يسمع العذر ويقبله خير ممن لا يقبله لانه انما ينشأ من الكرم وحسن الخلق سلم الله تعالى قول المنافقين فى حقه عليه السلام انه اذن الا انه حمل ذلك القول على ما هو مدح له وثناء عليه وان كانوا قصدوا به المذمة { يؤمن بالله } تفسير لكونه اذن خير لهم اى يقربه لما قام عنده من الادلة الموجبة له فيسمع جميع ما جاء من عنده ويقبله وكون ذلك خيرا للمخاطبين كما انه خير للعالمين مما لا يخفى { ويؤمن للمؤمنين } اى يسلم قولهم ويصدقهم فيما اخبروا به لما علم من خلوصهم وصدقهم ولا شك ان ما اخبر به المؤمنون المخلص يكون حقا فمن استمعه وقبله يكون اذن خير . واللام مزيدة للتفرقة بين الايمان المشهور وهو ايمان الامان من الخلود فى النار الذى هو نقيض الكفر بالله فانه يعدى بالباء حملا للنقيض على النقيض فيقال آمن بالله ويؤمنون بالغيب وبين الايمان بمعنى التصديق والتسليم والقبول فانه يعدى باللام مثل وما انت بمؤمن لنا اى بمصدق { ورحمة } عطف على اذن خير وهو رحمة بطريق اطلاق المصدر على الفاعل للمبالغة { للذين آمنوا منكم } اى للذين اظهروا الايمان منكم وهم المناقفون حيث يقبله منهم لكن لا تصديقا لهم فى ذلك بل رفقا بهم وترحما عليهم ولا يكشف اسرارهم ولا يهتك استارهم
قال الكاشفى : يعنى [ نه آنست كه بقول شمادانا نيست صدق وكذب شمارا ميداند اما برده ازروى كارشما برنميدارد وازروى رحمت باشما رفق مينمايد ] فالواجل على المؤمن الاقتداء بالرسول المختار فى التحفظ عن كسف الاسرار والتحقق بالاسم الستار { والذين يؤذون رسول الله } بالقول او الفعل { لهم عذاب اليم } [ عذابى دردناك در آخرت بسبب ايذائه ] فانه قد تبين انه عليه السلام خير ورحمة لهم فاذاه مقابلة لاحسانه بالاساءة فيكون كستوجبا للعذاب الشديد وكان المنافقون يتكلمون بالمطاعن ثم يأتون المؤمنين فيعتذرون اليهم ويؤكدون معاذيرهم بالايمان ليعذروهم ويرضوا عنهم فقال تعالى { يحلفون بالله لكم } ايها المؤمنون انهم ما قالوا ما نقل اليكم مما يورث اذية النبى عليه السلام { ليرضوكم } بذلك { والله ورسوله احق ان يرضوه } بالتوبة وترك الطعن والعيب والمبالغة فى باب الاجلال والاعظام مشهدا ومغيبا واما قبول عذرهم وعدم تكذيبهم فهو ستر عيوبهم لا عن رضى بما فعلوا .(5/88)
وضمير يرضوه الى الله فافراده للايذان بان رضاه عليه السلام مندرج تحت رضاه سبحانه وهما متلازمان فاكتفى بذكر احدهما عن الآخر لعدم انفكاك الآخر او الى الرسول فان الكلام فى اذاه وارضاه وذكر الله للتعظيم وللتنبيه على ان ارضاء الرسول ارضاء الله فاكتفى بذكر ارضائه عليه السلام عن ذكر ارضائه تعالى كما فى قوله تعالى { واذا دعوا الى الله ورسوله ليحكم بينهم } اكتفى بذكر حكم الرسول للتنبيه على ان حكم الله او الى الله والرسول باستعارته لاسم الاشارة الذى يشار به الى الواحد والمتعدد بتأويل المذكور لا يقال اى حاجة الى الاستعارة بعد التأويل لانا نقول لولا الاستعارة لم يتسن التأويل لما ان الضمير لا يتعرض الا لذات ما يرجع اليه من غير تعرض لوصف من اوصافه التى من جملتها المذكورية وانما المتعرض لها اسم الاشارة
قال الحدادى لم يقل يرضوهما لانه يكره الجمع بين ذكر اسم الله وذكر اسم رسول له فى كناية واحدة كما روى ان رجلا قام خطيبا عند النبى عليه السلام فقال من يطعن الله ورسوله فقد رشد ومن يعصمهما فقد غوى فقال عليه السلام « بئس الخطيب انت هلا قلت ومن يعص الله ورسوله »
قال فى ابكار الافكار انما اراد بذلك تعليم الادب فى المنطق وكراهة الجمع بين اسم الله اسم غيره تحت حرفى الكناية لانه يتضمن نوعا من التسوية : قال الصعدى قدس سره
متكلم را تاكسى عيب نكيرد ... سخنش صلاح نبذيرد
مشوغره برحسن كفتار خويش ... بتحسين نادان وبندار خويش
وفى الحديث « لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان » قال الخطابى وهذا ارشاد الى الادب لان الواو للجمع والتشريك وثم للعطف مع الترتيب والتراخى فارشدهم عليه السلام الى تقديم مشيئة الله على مشيئة من سواه . ومن هذا قال النخعى يكره ان يقول الرجل اعوذ بالله وبك ويجوز اعوذ بالله ثم بك ويقال لولا الله ثم فلان لفعلت كذا ولا يقال لولا الله وفلان وانما يقال من يطع الله ورسوله لان الله تعبد العباد بان فرض عليهم طاعة رسول الله رسول الله فاذا اطيع رسول الله اطيع الله بطاعة الله بطاعة رسوله { ان كانوا مؤمنين } اى صادقين فيما اظهروه من الايمان فليرضوا الله ورسوله بالطاعة واخلاص الايمان فانهما احق بالارضاء(5/89)
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)
{ ألم يعلموا } اى اولئك المنافقون والاستفهام للتوبيخ على ما اقدموا عليه من العظمة مع علمهم بسوء عاقبتهم { انه } اى الشان { من } شرطية معناها بالفارسية [ هركس كه ] { يحادد الله ورسوله } [ خلاف كند باخداى تعالى وبارسول او وازحد دركذراند . والمحادة باكسى حرب يا خلاف كردن ] كما فى تاج المصادر مفاعلة من الحد وهو الطرف والنهاية وكل واحد من المتخالفين والمتعاندين فى حد غير حد غير حد صاحبه { فان له } بالفتح على انه مبتدأ حذف خبره اى فحق ان له { نار جهنم خالدا فيها ذلك } العذاب الخالد { الخزى العظيم } الخزى الذل والهوان المقارن للفضيحة والندامة وهى ثمرات نفاقهم حيث يفتضحون على على رؤوس الاشهاد بظهورها ولحوق العذاب الخاص بهم
واعلم ان كل نبى اوذى بما لا يحيط به نطاق البيان وكان النبى عليه السلام اشدهم فى ذلك كما قال « ما اوذى نبى مثل ما اوذيت » ولما كانت الاذية سبب التصفية كان المعنى ما صفى نبى مثل ما صفيت واما قوله عليه السلام حين قسم غنائم الطائف فقال بعض المنافقين بعدم العدل « من يعدل اذا لم يعدل الله ورسوله رحمة الله الى اخى موسى لقد اوذى باكثر من هذا فصبر » فيحتمل ان يكون بالنسبة الى ذلك الوقت وقد زاد اذاه الى آخر العمر كمية واشتد كيفية هذا هو اللائح بالبال فاذا كان الانبياء عليهم السلام مبتلين بالاذية والنفى من البلد والقتل فما ظنك بالاولياء الكرام وهم احوج منهم الى التصفية لان قدس الانبياء اغلب وبواطنهم انور وسرائرهم اصفى
قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره وانما كان الحسن مسموما والحسين مذبوحا رضى الله عنهما بسبب ان كمال تعينهما كان بالشهادة وكان النبى عليه السلام قادرا على تخليصهما بالشفاعة من الله تعالى ولكنه رأى كمالهما فى مرتبتهما راجحا على الخلاص حتى انه عليه السلام دفع قارورتين لواحدة من الازواج المطهرة وقال « اذا أصفر ما فى احداهما يكون الحسن شهيد بالسم واذا احمر ما فى الاخرى يكون الحسين شهيدا بالذبح » فكان كذلك
فعلى العاقل الاطاعة والتسليم وتحمل الاذى من كل منافق لئيم فان الله تعالى مع المؤمن المتقى اينما كان فاذا كان الله معه وكاشف عن ذلك هان عليه الابتلاء لمشاهدته المبتلى على كل حال فى فرح وترح : وفى المثنوى
هر كجا باشد شه مارا بساط ... هست صحرا كربود سم الخياط
هركجا يوسف رضى باشد جوماه ... جنست اوكرجه باشد قعر جاه(5/90)
يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64)
{ يحذر المنافقون ان تنزل عليهم } اى على المؤمنين { سورة تنبئهم } اى تخبر تلك السورة المؤمنين { بما فى قلوبهم } اى قلوب المنافقين من الشرك والنفاق فتفضحهم وتهتك عليهم استارهم فالضميران الاولان للمؤمنين . والثالث للمنافقين ولا يبالى بالتفكك عند ظهور الامر ويجوز ان تكون الضمائر ملها للمنافقين . فالمعنى يحذر المنافقون ان تنزل عليهم اى فى شأنهم فان ما نزل فى حقهم نازل عليهم سورة تنبئهم بما فى قلوبهم من الاسرار الخفية فضلا عما كانوا يظهرونه فيما بينهم من اقاويل الكفر والنفاق ومعنى تنبيئها اياهم مع انها معلومة لهم وان المحذور عندهم اطلاع المؤمنين على اسرارهم لا اطلاع انفسهم عليها انها تذيع ما كانوا يجفونه من اسرارهم فتنتشر فيما بين الناس فيسمعونها من افواه الرجال
فان قلت كيف يحذر المنافقون نزول الوحى الكاشف عن نفاقهم مع انهم ينكرون نبوته عليه السلام فكيف يجوزون نزول الوحى
قلت ان بعض المنافقين كانوا يعلمون النبوة لكنهم كانوا يكفرون عند اهل الشرك عنادا وحسدا وبعضهم كانوا شاكين مترددين فى امره صلى الله تعالى عليه وسلم الشاك يجوز نزول الوحى فيخاف ان ينزل عليه ما يفضحه
وقال ابو مسلم كان اظهار الحذر منهم بطريق الاستهزاء فانهم كانوا اذا سمعوا رسول الله يذكر كل شئ ويقول انه بطريق الوحى يكذبونه ويستهزئون به بان يقولوا فيما بينهم على وجه الاستهزاء به عليه السلام انا نحذر ونخاف ان ينزل عليه ما يفصحنا ولذلك قيل { قل استهزئوا } اى افعلوا الاستهزاء وهو امر تهديد : يعنى [ استهزا مكنيد كه جزا خواهيد يافت وجزا آنست كه براى تفضيح سما ] { ان الله مخرج } اى من القوة الى الفعل او من الكمون الى البروز { ما تحذرون } اى ما تحذرونه من انزال السورة او ما تحذرون اظهاره من مساويكم ومن هذا سميت هذه السورة الفاضحة لانها فضحت المنافقين وتسمى ايضا الحافرة لانها حفرت عن قلوب المنافقين(5/91)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65)
{ ولئن سألتهم } عما قالوا بطريق الاستهزاء { ليقولن انما كنا نخوض } فى الكلام ونتحدث كما يفعل الركب لقطع الطريق بالحديث { ونلعب } كما يلعب الصبيان -روى- انه عليه الصلاة والسلام كان يسير فى غزوة تبوك وبين يديه ركب من المنافقين يستهزئون بالقرآن وبالرسول عليه السلام ويقولون انظروا الى هذا الرجل يريج ان يفتتح حصون الشام وقصوره وهيهات هيهات يحسب محمد أن قتال بنى الاصفر معه اللعب والله لكأنهم يعنى الصحابة غدا مفرقون فى الجبال فاطلع الله نبيه على ذلك فقال « اجلسوا على الركب » فاتاهم فقال « قلتم كذا وكذا » فقالوا يا نبى الله لا والله ما كنا فى شئ من امرك ولا من امر اصحابك انما كنا نخوض ونلعب فلما انكروا ما هم فيه من الاستهزاء والتخفيف امر الله تعالى رسوله فقال { قل } يا محمد على طريق التوبيخ غير ملتفت الى اعتذارهم { أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون } عقب حرف التقرير بالمستهزئ به اشارة الى تحقق الاستهزاء وثبوته فانه فرق بين ان يقال تستهزئ بالله وبين ان يقال ابا الله تستهزئ فان الاول يقتضى الانكار على ملابسة الاستهزاء والثانى يقتضى الانكار على ايقاع الاستهزاء فى الله(5/92)
لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)
{ لا تعتذروا } لا تشتغلوا بالاعتذار فانه معلوم الكذب بين البطلان والاعتذار عبارة عن محو اثر الذنب
قال فى التبيان اصل الاعتذار القطع يقال اعتذرت اليه اى قطعت ما فى قلبه من الموجدة { قد كفرتم } الكفر باذى الرسول والطعن فيه { بعد ايمانكم } اى بعد اظهاركم له فانهم قط لم يكونوا مؤمنين ولكن كانوا منافقين { ان نعف } [ اكر عفو كنيم ] { عن كائفة منكم } لتوبتهم واخلاصهم او لتجنبهم عن الاذية والاستهزاء { نعذب طائفة بانهم } اى بسبب انهم { كانوا مجرمين } مصرين على الاجرام وهم غير التائبين او مباشرين وهم غير المجتنبين واعتذر النبى عليه السلام لمن قال ألا تقتلهم لظهور كفرهم بقوله اكره ان تقول العرب قاتل اصحابه بل يكفينا هم بالله بالدبيلة او بالداهية
وفى الآيات اشارات
الاولى ان المنافقين وان اعتقدوا نزول الوحى على النبى عليه السلام واعتقدوا نبوته لكن لم ينفعهم مجرد الاعتقاد والاقرار باللسان فى ثبوزت الايمان مع ادنى شك داخلهم ولم ينفعهم الحذر من القدر وهذا تحقيق قوله « ولا ينفع ذا الجد منك الجد » وفى هدية المهديين قال آمنت بجميع الانبياء ولا اعلم آدم نبى أم لا يكفر ومن لم يعرف ان سيدنا محمدا عليه السلام خاتم الرسل لا نسخ لدينه الى يوم القيامة لا يكون مؤمنا
والثانية ان اظهار اللطف والرحمة بلا سبب محتمل ولكن اظهار القهر والفرق لا يكون الا بسبب جرم من المجرمين كما قال { بانهم كانوا مجرمين } وفى المثنوى
جونكه بد كردى بترس ايمن مباش ... زانكه تخمست وبروياند خداش
جند كاهى او بيوشاند كه تا ... آيدت زان بد بشيمان وحيا
بارها بوشد بى اظهار فضل ... باز كيرد ازبى اظهار عدل
تاكه اين هردوصفت ظاهر شود ... آن مبشر كردد اين منذر شود
والثالثة ان الاستهزاء بالله ورسوله وبالآيات القرآنية كفر والاستهزاء استحقار الغير بذكر عيوبه على وجه يضحك قولا او فعلا وقد لا يكون الاستهزاء بالاشارة والايمان وبالضحك على كلامه اذا تخبط فيه او غلظ او على صنعته ونحو ذلك وهو حرام بالاجماع معدود من الكبائر عند البعض كما قال علاء الدين التركسانى فى منظومته العادّة لكبائر الذنوب وهى سبعون
ويل لمن من الانام يسخر ... مقامه يوم الجزاء سقر
وفى الحديث « ان المستهزئين بالناس يفتح لاحدهم فى الآخرة باب من الجنة فيقال له هلم هلم فيجيء بكربه وغمه فاذا جاء اغلق دونه ثم يفتح له باب آخر فيقال له هلم هلم فيجيء بغمه وكربه فاذا جاء اغلق دونه فما يزال كذلك حتى ان احدهم ليفتح له الباب من ابواب الجنة فيقال له هلم فما يأتيه من الاياس » وفى الحديث « ثلاثة لا يستخف بهم الا منافق ذة الشيبة فى الاسلام وذو العلم وامام مقسط »(5/93)
كما فى الترغيب والترهيب للامام المنذرى وانما خص هذه الثلاثة لان اوصافهم راجعة الى اوصاف الله تعالى فذو الشيبة حصل له كبر السن والبارى له الكبرياء والعالم اتصف بصفة اعلم والامام المقسط اتصف بصفة العدل وهما من صفات الله تعالى ايضا فمن اجلال الله تعالى واكرامه اجلال هذه الثلاثة واكرامهم ومن استخفافه استخفافهم وفى الحديث « ارحموا عزيز قوم ذل وغنى قوم افتقر وعالما بين الاقوام الجهال لا يعرفون حقه »
كفت بيغمبركه با اين سه كروه ... رحم آريد ارنه سنكيدونه كوه
آنكه او بعد از عزيزيى خوارشد ... وان توانكرهم بى دينار شد
وان سوم آن عاملى كاندرجهان ... مبتلا كردد ميان ابلهان
زانكه از عزت بخوارى آمدن ... همجو قطع عضو باشد ازبدن
عضو كردد مرده كزتن وابريد ... كو بريده جنبد اما نى مديد
ومن تعظيم الرسول تعظيم اولاده -قيل- ركب زيد بن ثابت رضى الله عنه فدنا ابن عباس رضى الله عنه ليأخذ ركابه فقال لا يا ابن عم رسول الله فقال هكذا امرنا ان نفعل بكبرائنا فقال زيد ارنى يدك فاخرجها اليه فقبلها فقال هكذا امرنا ان نفعل ببيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن اولاده المعنوية من اقتدى به قولا وفعلا وحالا فتعظيمه تعظيم الرسول وتحقيره تحقيره فعليك التعظيم والتبجيل(5/94)
الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67)
{ المنافقون } [ مردان منافق مه سيصد نفر بودند ] { والمنافقات } [ وزنان منافقه كه صدو هفتاد بودند ] { بعضهم من بعض } اى متشابهون فى النفاق والبعد عن الايمان كابعاض الشيء الواحد بالشخص { يأمرون بالمنكر } اى بالكفر والمعاصى { وينهون عن المعروف } اى عن الايمان والطاعة استئناف مقرر لمضمون ما سبق ومفصح عن مضادة حالهم لحال المؤمنين { ويقبضون ايديهم } اى عن الاتفاق فى سبيل الله وعن الصدقة وعن كل خير فان قبض اليد كناية عن الشح او عن رفعها للدعاء والمناجاة كما فى الكاشفى { نسوا الله } صاروا غافلين عن ذكره وتركوا امره حتى صار كالمنسى عندهم ذكر الملزوم وهو النسيان واريد اللازم وهو الترك لان النسيان ليس من الافعال الاختيارية فلا يذم عليه { فنسيهم } فتركهم من لطفه وفضله لا من قهره وتعذيبه وفسر النسيان ايضا بالمعنى المجازى الذى هو الترك لانه محال فى حقه تعالى { ان المنافقين هم الفاسقون } الكاملون فى التمرد والفسق الذى هو الخروج عن الطاعة والانسلاخ عن كل خير(5/95)
وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)
{ وعد الله المنافقين والمنافقات } الوعد يستعمل فى الخير بمعنى الاخبار بايصال المنفعة قبل وقوعها وفى الشر بمعنى الاخبار بايصال المضرة قبل وقوعها يقال وعدته خيرا ووعدته شرا فاذا سقط الخير والشر قالوا فى الخير الوعد والعدة وفى الشر الايعاد والوعيد وقد اوعده ويوعده اى وعد العقاب { والكفار } الا المجاهرين { نار جهنم } وهى من اسماء النار تقول العرب للبئر البعيدة القعر جهنام فيجوز ان يكون جهنم مأخوذة من هذا اللفظ لبعد قعرها -روى- ان رسول الله صلى اله عليه وسلم سمع صوتا هاله فاتاه جبريل فقال عليه السلام « ما هذا الصوت يا جبرائيل » قال هذه صخرة هوت من شفير جهنم منذ سبعين عاما فهذا حين بلغت قعرها فاحبّ الله ان يسمعك صوتها فما رؤى رسول الله ضاحكا ملئ فيه حتى قبضه الله { خالدين فيها } اى مقدرا خلودهم فيها { هى حسبهم } عقابا وجزاء ولا شئ ابلغ من تلك العقوبة ولا يمكن الزيادة عليها { ولعنهم الله } اى ابعدهم من رحمته واهانهم وهو بيان لبعض ما تضمنه الخلود فى النار فان النار المخلد فيها مع كونها كافية فى الايلام تتضمن شدائد آخر من اللعن والاهانة وغيرهما { ولهم عذاب مقيم } لا ينقطع والمراد به ما وعدوه وهو الخلود فى نار جهنم ذكر بعده تأكيدا له لان الخلود والدوام بمعنى واحد(5/96)
كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69)
{ كالذين من قبلكم } اى انتم ايها المنافقون مثل الذين من قبلكم من الامم المهلكة { كانوا اشد منكم قوة } [ يعنى بتن ازشما قوى تربودند ] { واكثر اموالا واولادا فاستمتعوا بخلاقهم } اى تمتعوا بنصيبهم من ملاذ الدنيا سمى النصيب خلاقا لانه مشتق من الخلق بمعنى التقدير ونصيب كل واحد هو الخير المقدر له { فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم } الكاف فى محل النصب على انه نعت لمصدر محذوف اى استمتاعا كاستمتاعهم وليس فى الآية تكرار لان قوله فاستمتعوا بخلاقهم ذم للاولين بالاشتغال بالحظوظ الفانية وذمهم بذلك تمهيد لذم المخاطبين بسلوكهم سبيل الاولين وتشبيه حالهم بحالهم { وخضتم } اى دخلتم فى الباطل وشرعتم فيه { كالذى } اى كالفوج الذى { خاضوا } ويجوز ان يكون اصله الذين حذفت النون تخفيفا { اولئك } الموصوفون بما ذكر من الافعال الذميمة من المشبهين والمشبه بهم والخطاب لرسول الله او لكل من يصلح للخطاب { حبطت اعمالهم } التى كانوا يستحقون بها الاجور لو قارنت الايكان مثل الانفاق فى وجوه الخير وصلة الرحم وغير ذلك اى ضاعت وبطلت بالكلية ولم يترتب عليها اثر { فى الدنيا والآخرة } . اما فى الآخرة فظاهر . واما فى الدنيا فلأن ما يترتب على اعمالهم فيها من الصحة والسعة وغير ذلك حسبما يبنى عنه قوله تعالى { من كان يرجو الحيوة الدنيا وزينتها نوف اليهم اعمالهم فيها وهم لا يبخسون } ليس ترتيبه عليها على طريق المثوبة والكرامة بل بطريق الاستدارج { واولئك } الموصوفون بحبوط الاعمال فى الدارين { هم الخاسرون } الكاملون فى الخسران فى الدارين الجامعون لمباديه واسبابه طرا فانه قد ذهبت رؤوس اموالهم فيما ضرهم ولم ينفعهم قط ولو انها ذهبت فيما لا يضرهم ولا ينفعهم لكفى به خسرانا : قال السعدى قدس سره
قيامت كه بازار مينو نهند ... منازل باعمال نيكو نهند
بضاعت بجند انكه آرى برى ... اكر مفلسى شر مسارى برى
كه بازار جند انكه آكنده تر ... تهى دست را دل برا كنده تر(5/97)
أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)
{ ألم يأتهم } اى المنافقين { نبأ الذين من قبلهم } اى خبرهم الذى له شأن وهو ما فعلوه وما فعل بهم والاستفهام للتقرير والتحذير اى قد اتاهم خبر الامم السالفة وسمعوه فليحذروا من الوقوع فيما وقعوا { قوم نوح } اغرقوا بالطوفان وهو بدل من الذين { وعاد } اهلكوا بريح صرصر { وثمود } اهلكوا بالرجفة والصيحة { وقوم ابراهيم } اهلك نمرود ببعوضة واهلك اصحابه بالهدم { واصحاب مدين } اى واهل مدين وهم قوم شعيب اهلكوا بالنار يوم الظلة ومدين هو مدين بن ابراهيم نسبت القربة اليه { والمؤتفكات } الظاهر انه عطف على مدين وهى قربات قوم لوط ائتفكت بهم اى انقلبت بهم فصار عاليها سافلها وامطروا حجارة من سجيل { اتتهم } اى جميع من تقدم من المهلكين { رسلهم بالبينات } اى بالحجج والبراهين فكذبوهم فاهلكهم الله { فما كان الله ليظلمهم } اى لم يكن من عادته ما يشابه ظلم الناس كالعقوبة بلا جرم { ولكن كانوا انفسهم يظلمون } حيث عرضوها للعقاب بالكفر والتكذيب : قال الصائب
جرا زغير شكايت كنم كه همجو حباب ... هميشه خانه خراب هواى خويشتنم
فعلى العاقل اى لا يغتر بالقوة والاولاد والاموال فان كلها فى معرض الزوال : قال الحافظ
ببال وبر مرو ازره كه تير برتانى ... هوا كرفت زمانى ولى بخاك نشست
يعنى لا تغتر بقدرتك وقوتك البدنية والدنيوية ولا تخرج بسببها عن الصراط المستقيم فان حالك مشابه لحال السهم فانه وان علا على الهواء زمانا لكنه يسقط على الارض فآخر كا علو هو السفل وآخر كل قدرة هو العجز فلا بد من تدارك الامر بالتوبة والاستغفار قبل نزول ما نزل بالقوم الاشرار
قال بعض الصالحين خرجت الى السوق ومعى جارية حبشية فاجلستها فى مكان وقلت لها لا تبرحى حتى اعود اليك فذهبت ثم عدت الى المكان فلم اجدها فيه فانصرفت الى منزلى وانا شديد الغضب عليها فجاءتنى وقالت لى يا مولاى لا تعجل على فانك اجلستنى بين قوم لا يذكرون الله تعالى فخشيت ان ينزل بهم خسف وانا معهم فقلت ان هذه امة قد رفع عنها الخسف اكراما لنبيها محمد صلى الله عليه وسلم فقالت ان رفع عنها خسف المكان فما رفع عنها خسف القلوب يا من خسف بمعرفته وقلبه وهو فى غفلته من بلائه وكربه بادر الى حميتك ودوائك قبل موتك وفنائك
وعن عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والناس حوله « ايها الناس استحيوا من الله حق الحياء » فقال رجل يا رسول الله انا نستحيى من الله فقال « من كان منكم مستحييا فلا يتبين ليلة الا واجله عينيه وليحفظ البطن وما وعى والرأس وما حوى وليذكر الموت والبلى وليترك زينة الدنيا » قال الله تعالى لموسى وهارون علهيما السلام ولو اشاء ان ازينكما بزينة علم فرعون حين يراها ان مقدرته تعجز عنها لفعلت ولكنى ازوى عنكما وكذلك افعل باوليائى وليس ذلك لهو انهم على ولكن ليستكملوا حظهم من كرامتى
مكو جاهى از سلطت بيش نيست ... كه ايمن تر ازملك درويش نيست
فقد تقرر رجال اهل الدنيا وحال اهل الآخرة فالعاقل يعتبر ويتبصر الى ان يموت ويقبر(5/98)
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)
{ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض } اى بعضهم على دين بعض فى الحق اىى متفقون فى التوحيد وبعضهم معين بعض فى امر دينهم ودنياهم وبعضهم موصل بعض الى الدرجات العالية بسبب التربية وتزكية النفس وهم المرشدون فى طريق الله تعالى { يأمرون بالمعروف } اى جنس المعروف الشامل لكل خير ومنه الايمان والطاعة ويهيج بعضهم بعضا فى طلب الله وهو المعروف الحقيقى كما قال ( فاحببت ان اعرف ) { وينهون عن المنكر } اى جنس المنكر المنتظم لكل شر ومنه الكفر والمعاصى التى تقطع العبد عن الله من الدنيا وغيرها { ويقيمون الصلاة } فلا يزالون يذكرون الله تعالى ويديمون مراقبة القلب وحضوره مع الله بحيث لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وهم ارباب المكاشفة واصحاب القلوب وهذا بمقابلة ما سبق قوله نسوا الله { ويوتون الزكوة } بمقابلة قوله تعالى { ويقبضون ايديهم } فهم يؤدون الزكاة الواجبة بل ينفقون ما فضل عن كفافهم الضرورى ويطهرون انفسهم عن محبة الدنيا بالانفاق { ويطيعون الله ورسوله } اى فى كل امر ونهى وهو بمقابلة وصف المنافقين بكمال الفسق والخروج عن الطاعة
قال فى التأويلات النجمية يشير الى الاخلاص فى معاملتهم فان المنافقين يقيمون الصلاة ويوتون الزكاة ولكن لا يطيعون الله ورسوله فى ذلك وانما يطيعون النفس والهوى رعاية لمصالح دنياهم { اولئك } الموصوف بهذه الاوصاف الكريمة { سيرحمهم الله } اى يفيض عليهم آثار رحمته من التأييد والنصرة البتة وينجيهم من العذاب الاليم سواء كان عذاب النار او عذاب البعد من الملك الجبار بالادخال الى الجنة والايصال الى القرية والوصلة
وعن بعض اهل الاشارة { سيرحمهم الله } فى خمسة مواضع عند الموت وسكراته يهون عيهم سكرات الموت ويحفظ ايمانهم من الشيطان وفى القبر وظلماته ينور قبورهم ويحفظهم من العذاب وعند قراءة الكتاب وحسراته يؤتيهم كتابهم بيمينهم ويمحو سيآتهم من كتابهم كيلا يتحسروا على سيآتهم وعند الميزان وندماته يثقل موازينهم وعند الوقوف بين يدى الله وسؤالاته يسهل عليهم جوابهم ولا يؤاخذهم بعيوبهم وفى الحديث « من صلى صلاة الفجر هان عليه الموت وغصته ومن صلى صلاة الظهر هان عليه القبر وضمته ومن صلى صلاة العصر هان عليه سؤال منكر ونكير وهيبته ومن صلى صلاة المغرب هان عليه الميزان وخفته ومن صلى صلاة العشاء هان عليه الصراط ودقته » { ان الله عزيز } تعليل الوعد اى قوى قادر اعزاز اوليائه وقهر اعدائه ذو النعمة لمن يطيعه { حكيم } بنى احكامه على اساس الحكمة الداعية الى ايصال الحقوق من النعمة والنقمة الى مستحقيها من اهل الطاعة واهل المعصية حكم للمؤمنين بالجنة فى مقابلة تصديقهم واقرارهم وللمحسنين بالوصلة فى مقابلة طلبهم فى جميع الحال رضى الله وتركهم ما سواه وحكم للكافرين والمنافقين بالنار لانطارهم وتكذيبهم الانبياء وعبادتهم للاوثان والاصنام(5/99)
وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)
{ وعد الله المؤمنين والمؤمنات } اى وعدهم وعدا شاملا لكا واحد منهم على اختلاف طبقاتهم فى مراتب الفضل كيفما وكما والوعد عبارة عن الاخبار بايصال المتفعة قبل وقوعها { جنات } جمع جنة وهى الحديقة ذات النخل والشجر { تجرى من تحتها } اى اشجارها وغرفها { الانهار } انهار الماء والعسل والخمر واللبن { خالدين فيها } اى مقدرا خلودهم ودوامهم فيها فكل واحد من المؤمنين فائز بهذه الجنات لا محالة { وماسكن طيبة } اى وعد بعض الخواص الكمل منهم منازل تستطيبها او يطيب فيها العيش وفى الخبر انها صور من اللؤلؤ والزبرجد والياقوت الاحمر { فى جنات عدن } هلى ابهى اماكن الجنات واسناها
عن النبى عليه السلام « عدن دار الله لم ترها عين ولم يخطر على قلب بشر لا يسكنها غير ثلاث النبيون والصديقون والشهداء طوبى لمن ادخلها » -روى- ان الله تعالى خلق جنة عدن بيده من غير واسطة وجعلها له كالقلعة للملك وجعل فيها الكثيب مقام تجلى الحق سبحانه وفيها مقام الوسيلة مقام المصطفى صلى الله عليه وسلم وغرس شجرة طوبى بيده فى جنة عدن واطالها حتى علت فروعها سور جنة عدن ونزلت مظللة على سائر الجنات كلها وليس فى اكمامها ثمر الا الحلى والحلل لباس اهل الجنة وزينتهم زائدة فى الحسن والبهاء لها اختصاص فضل لكونها خلقها الله بيده وهى اجمع الحقائق الجنانية نعمة واتمها بركة فانها اصل لجميع اشجار الجنة كآدم عليه السلام لما ظهر منه من البنين وما فى الجنة نهر الا وهو يجرى من اصل تلك الشجرة وهى محمدية المقام وهى فى الدار النبى عليه السلام يقال عدن بالمكان اذا اقام به ومنه المعدن لمستقر الجواهر { ورضوان من الله } اى وشئ يسير من رضوانه تعالى { اكبر } واعظم من الجنان ونعيمها لانه مبدأ جميع السعادات ومنشأ تمام الكمالات [ محققان راه وعارفان آكاه را دركاه وبيكاه جز رضاى حضرت الله مطلوبى نيست ]
يكى مى خواهد از توجنت وحور ... يكى خواهد ازدوزخ شود دور
وليكن مانخواهيم اين وآن جست ... مراد ما همين خشنودى تست
جوتو خشنود كردى در دوعالم ... همين مقصود بس والله اعلم
قال الحافظ
صحبت حورنخواهم كه بود عين قصور ... يا خيال تو اكر با دكرى بردازم
-روى- انه تعالى يقول لاهل الجنة « هل رضيتم فيقولون ما لنا لا نرضى وقد اعطيتنا ما لم تعط احدا من خلقك فيقول انا اعطيكم افضل من ذلك فيقولون وأى شئ افضل من ذلك فيقول احل عليكم رضوانى فلا اسخط عليكم ابدا » { ذلك } المذكور من النعيم والرضى { هو الفوز العظيم } دون ما يعده الناس فوزا من حظوظ الدنيا فانها مع قطع النظر عن فنائها وتغيرها وتنغصها وتكدرها ليست بالنسبة الى ادنى شئ من نعيم الآخرة الا بمثابة جناح البعوض قال عليه السلام(5/100)
« لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء » قال يحيى بن معاذ الدنيا دار خراب واخرب منها قلب من يعمرها والآخرة دار عمران واعمر منها قلب من يطلبها
وقال ايضا فى الدنيا جنة من دخلها لم يشتق الى الجنة قيل وما هى قال معرفة الله تعالى وهى الجنة المعنوية
قال ابو يزيد البسطامى حلاوة المعرفة الالهية خير من جنة الفردوس واعلى عليين لو فتحوا لى ابواب الجنان الثمانى واعطونى الدينا والاخرة لم تعدل انينا وقت السحر
فعلى العاقل الاجتهاد والتوجه الى الحضرة العليا والاعراض عن الدنيا والفوز بالمطلب الاعلى والمقصد الاسنى نسأل الله الدخول الى حرم الوصول(5/101)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)
{ يا ايها النبى } اعلم ان الله تعالى خاطب الانبياء عليهم السلام باسمائهم الشريفة مثل يا آدم ويا نوح ويا موسى ويا عيسى وخاطب نبينا صلى الله تعالى وسلم بالالقاب الشريفة مثل يا ايها النبى ويا ايها الرسول وذلك يدل على علو جنابه عليه السلام مع ان كثرة الالقاب والاسماء تدل على شرف المسمى ايضا
قال ابو الليث فى آخر سورة النور عند قوله تعالى { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا } اى لا تدعوا محمدا صلى الله عليه وسلم باسمه ولكن وقروه وعظموه فقولوا يا رسول الله ويا نبى الله ويا ابا القاسم
وفى الآية بيان توقير معلم الخير فامر الله تعالى بتوقيره وتعظيمه . وفيه معرفة حق الاستاذ . وفيه معرفة حق اهل الفضل ا ه
اقول ولذا يطلق على اهل الارشاد عند ذكرهم الفاظ دالة على تعظيمهم على أى لغة كانت لانه اذا ورد النهى عن التصريح باسماء الآبا الصورية لكونه سوء ادب فما ظنك بتصريح اسماء الآباء المعنوية : والمعنى يا ايها المبلغ عن الله والمخبر أو يا صاحب علو المكانة والزلفى لان لفظ النبى ينبئ عن الانباء والارتفاع { جاهد الكفار } اى المجاهرين منهم بالسيف والجهاد عبارة عن بذل الجهد فى صرف المبطلين عن المنكر وارشادهم الموجبة للحدود ولا تجوز المحاربة معهم بالسيف لان شريعتنا تحكم بالظاهر وهم يظهرون الاسلام وينكرون الكفر { واغلظ عليهم } اى على الفريقين جميعا فى ذلك واعنف بهم ولا ترفق
هست نرمى آفت جان سمور ... وزدرشتى ميبردجان خاربشت
قال عطاء نسخت هذه الآية كل شيء من العفو والصفح لان كل وقت حكما { ومأويهم جهنم } جملة مستأنفة لبيان آجر امرهم اثر بيان عاجله { وبئس المصير } اى بئس الموضع موضعهم الذى يصيرون اليه ويرجعون . والفرق بين المرجع والمصير ان المصير يجب ان يخالف الحالة الاولى ولا كذلك المرجع فى الحديث « اوصيك بتقوى الله فانها رأس امرك » يعنى اصل الطاعة وهو الخوف من الله تعالى فان المرء لا يميل الى الطاعة ولا يرغب عن المعصية الا بالتقوى فاذا غرس شجرة التقوى فى القلب تميل اطراف الانسان الى جانب الحسنات ولا يقدم على ارتكاب السيآت « وعليك بالجهاد فانه رهبانية امتى » الرهبانية الخصال المنسوبة الى الرهبان من التعبد فى الصوامع والغيران وترك اكل اللحم والطيبات ولبس الخلل المنسوبة الى الرهبان من التعبد فى الصوامع والغيران وترك اكل اللحم والطيبات ولبس الخلل من الثياب فقد افاد النبى عليه السلام ان الثواب الذى يحصل للامم السالفة بالرهبانية يحصل لهذه الامة المرحومة بالغزو وان لم يترهبوا بل رب آكل ما يشتهيه خير من صائم نبت حب الدنيا فيه : قال السعدى قدس سره(5/102)
خوردنه كه خيرى برآيد زدست ... به از صائم الدهر دنيا برست
قال الاوزاعى خمس كان عليها اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لزوم الجماعة وابتاع السنة وعمارة المسجد وتلاوة القرآن والجهاد فى سبيل الله وفى الحديث « افضل رجال امتى الذين يجاهدون فى سبيل الله وافضل نساء امتى اللاتى لا يخرجن من البيوت الا لامر لا بد لهن منه » وفى الحديث « اتقوا اذى المجاهدين فى سبيل الله فان الله تعالى يغضب لهم كما يغصب للرسل ويستجيب لهم كما يستجيب للرسل » وفى الحديث « اذا اخذتم اذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا الى دينكم » دل هذا على ان ترك الجهاد والاعراض عنه والسكون الى الدنيا خروج من الدين وكفى بهذا اثما وذنبا مبينا
وفى الآية اشارة الى القلب الذى نبأ من مقام الانبياء يأمره بالجهاد مع كفار النفس وصفاتها وهذا مقام المشايخ يجاهدون مع نفوسهم او نفوس مريدهم كما قال عليه السلام « الشيخ فى قومه كالنبى فى امته » قال فى المثنوى
كفت بيغمبركه شيخى رفته ببش ... جون نبى باشدميان قوم خويش
فامر بالجهاد مع كافر النفس وصفاتها بسيف الصدق فجهاد النفوس يمنعها عن شهواتها واستعمالها فى عمل الشريعة على خلاف الطبيعة والنفوس بعضها كفار لم يسلموا اى لم يستسلموا للمشايخ فى تربيتها فجهادها بالدعوة الى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة وبعضها منافقون وهم الذين ادعوا الارادة والاستسلام للمشايخ فى الظاهر ولم يعرفوا بما عاهدوا عليه فجهادها بالزامها مقاساة شدائد الرياضات فى التزكية على قانونها ممتثلة اوامر الشيخ ونواهيه ولو يرى عليها الاباء والامتناع فلا ينفعها الا التشديد والغلظة كما قال تعالى { واغلظ عليهم } فالواجب ان يبالغ فى خالفتها ومؤاخذتها فى احكام الطريقة فان فاءت الى امر الله فهو المراد والا استوجبت لما خلقت له } ومأواهم جهنم { اى مرجعهم جهنم البعد ونار القطيعة وبئس البصير مرجعهم كذا فى التأويلات النجمية
فعلى السالك ان يجاهد مع هواه اولا فان السلطان يلزم عليه ان يحارب البغاة الذين فى مملكته ثم الذين وراءهم من الكفار نسأل الله تعالى ان يقوينا وينصرنا على القوم الكافرين اياما كانوا(5/103)
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74)
{ يحلفون بالله ما قالوا } -روى- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اقام فى غزوة تبويك شهرين ينزل عليه القرآن ويعيب المنافقين المتخلفين فيسمعه من كان منهم معه عليه السلام فقال الجلاس ابن سويد منهم لئن كان ما يقول محمد حقا لاخواننا الذين خلفناهم وهم ساداتنا واشرافنا فنحن شر من الحمير فقال عامر بن قيس الانصارى للجلاس اجل والله والله ان محمدا لصادق وانت شر من الحمير فبلغ ذلك رسول الله فاستحضره فحلف بالله ما قال فرفع عامر يده فقال اللهم انزل على عبدك ونبيك تصديق الصادق وتكذيب الكاذب فقال رسول الله صلى اله عليه وسلم والمؤمنون { آمين } فنزل جبريل قبل ان يتفرقوا بهذه الاية وصيغة الجمع فى قالوا مع ان القائل هو الجلاس للايذان بان بقيتهم لرضاهم بقوله صاروا بمنزلة القائل { ولقد قالوا كلمة الكفر } هى ما حكى آنفا { وكفروا بعد اسلامهم } اى واظهروا ما فى قلوبهم من الكفر بعد اظهارهم الاسلام { وهموا بمالهم ينالوا } الهم بالشيء فى اللغة مقارنته دون الوقوع فيه اى قصدوا الى ما لم يصلوا الى ذلك من قتل الرسول وذلك ان عشر منهم توافقوا عند مرجعه عليه السلام من تبوك على ان يفتكوا به فى العقبة التى هى بين تبوك والمدينة فقالوا اذا اخذ فى العقبة دفعناه عن راحلته الى الوادى فاخبر الله تعالى رسوله بذلك فلما وصل الجيش الى العقبة نادى منادى رسول الله ان رسول يريدان يسلك العقبة فلا يسلكها احد واسلكوا بطن الوادى فانه اسهل لكم واوسع فسلك الناس بطن الوادى وسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة فلما سمعوا بذلك استعدوا وتلثموا وسلكوا العقبة وامر عليه السلام عمار بن ياسر رضى الله عنه ان يأخذ بزمام الناقة يقودها وامر حذيفة بن اليمان رضى الله عنه ان يسوقها من خلفها فبينما هما كذلك اذ سمع حذيفة بوقع اخفاف الابل وبقعقعة السلاح فرجع اليهم ومعه محجن فجعل يضرب به وجوه رواحلهم وقال إليكم إليكم يا اعداء الله اى تمنعوا عن رسول الله وتنحوا فهربوا وفى رواية انه عليه السلام خرج بهم فولوا مدبرين فعلموا انه عليه السلام اطلع على مكرهم فانحطوا من العقبة مسرعين الى بطن الوادى واختلطوا بالناس فرجع حذيفة يضرب الناقة فقال عليه السلام « هل عرفت احد من الركب الذين رددتهم » قال لا كان القوم ملثمين والليلة مظلمة فلما صبح رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء اليه اسيد بن حفير رضى الله عنه فقال يا رسول الله ما منعك البارحة من سلوك الوادى فقد كان اسهل من سلوك العقبة فقال « أتدرى ما اراد المنافقون »(5/104)
وذكر له القصة فقال يا رسول الله قد نزل الناس واجتمعوا فمر كل بطن ان يقتل الرجل الذى هم بهذا فان احببت بين باسائهم والذى بعثك بالحق لا ابرح حتى آتيك برؤسهم فقال « انى اكره ان يقول الناس ان محمدا قالتل بقوم حتى اذا اظهره الله بهم اقبل عليهم يقتلهم » فقال يا رسول الله هؤلاء ليسوا باصحاب فقال عليه السلام « أليس يظهرون الشهادة » ودعا عليهم رسول الله فقال « اللهم ارمهم بالدبيلة » وهى سراج من نار يظهر بين اكتافهم حتى ينجم من صدورهم . وفى لفظ شهاب من نار يقع على نياط قلب احدهم فيهلكه { وما نقموا } قال فى القاموس نقمك الامر كرهه اى وما كرهوا وما عابوا وما انكروا شيأ من الاشياء { الا ان اغناهم الله ورسوله من فضله } سبحانه وتعالى وذلك انهم كانوا حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فى غاية ما يكون من شدة العيش لا يركبون الخيل ولا يحوزون الغنيمة فآثروا بالغنائم اى استغنوا وكثرت اموالهم وقتل للجلاس مولى فامر رسول الله بديته اثنى عشر الف درهم فاستغنى
قال سعدى جلبى يجوز ان يكون زيادة الالفين شنقا اى تكرما لانهم كانوا يعطون الدية ويتكرمون بزيادة عليها ويسمونها شنقا انتهى
وهذا الكلام من قبيل قولهم مالى عندك ذنب الا احسانى اليك اى ان كان ثمة ذنب فهذا هو تهكم بهم وتوبيخ وقيل الضمير فى اغناهم للمؤمنين اى غاظهم اغناؤه للمؤمنين كذا قال ابن عبد السلام { فان يتوبوا } عماهم عليه من الكفرة والنفاق { يك } ذلك التوب { خيرا لهم } فى الدارين قيل لما تلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جلاس يا رسول الله لقد عرض الله على التوبة والله لقد قبلت وصدق عامر بن قيس فتاب جلاس وحسنت توبته { وان يتولوا } اى استمروا على ما كانوا عليه من التولى والاعراض عن الدين { يعذبهم الله عذابا اليما فى الدنيا } بالقتل والاسر والنهب وغير ذلك من فنون العقوبات { والآخرة } بالنار وغيرها من افانين العقاب { وما لهم فى الارض } مع سعتها وتباعد اقطارها وكثرة اهلها المصححة لوجدان ما نفى بقوله تعالى { من ولى } [ دوستى كه دست كيرد ] { ولا نصير } [ ونه يارى كه عذاب ايسان باز دارد ] اى ينقذهم من العذاب بالشفاعة والمدافعة فاعاصى لا ينجو من الذعاب وان كان سلطانا ذا منعة الا بالاستغفار من الذنوب واخلاص التوحيد والتوجه0 الى علام الغيوب -حكى- عن محمد بن جعفر انه قال كنت مع الخليفة فى زورق فقال الخليفة انا واحد وربى واحد فقلت له اسكت يا امير المؤمنين لو قلت ما قلت مرة اخرى لنغرق جميعا قال لم قلت لانك لست بواحد انما انت اثنان الروح والجسد من الاثنين الاب والام فى الاثنين والنهار بالاثنين الطعام والشراب مع الاثنين الفقر والعجز والواحد هو الله الذى لا اله الا هو
وقال حكيم لاصحاب الجنة ثلاثة اشياء يدخلون بها الجنة قوله لا اله الا الله محمد رسول الله والاستغفار من الذنوب والندم عليها وتحميد الله تعالى فى الدنيا وان اول ما يقولون اذا دخلوا الجنة الحمد لله الذى اذهب عنا الحزن الى حزن القبر والكتاب والنيران ان ربنا لغفور للذنوب والمعصية شكور لقليل العمل والطاعة وفى الحديث(5/105)
« امرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله » قال المولى الجامى قدس سره
دلت آيينه خداى نماست ... روى آيينه توتيره جراست
صيقلى زار صيقلى ميزن ... باشد آيينه آت شود روشن
صيقل آن اركنه آكاه ... نيست جز لا اله الا الله
وفى قوله { يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد اسلامهم } اشارة الى ان بعض المريدين عند استيلاء النفوس وغلبة هواها وظفر الشيطان بهم شأنهم ان ينكروا على مشايخهم ويقولا فى حقهم كلمة الكفر اى كلمة الانكار والاعتراض ويعرضوا عنهم بقلوبهم بعد الارادة والاستسلام فاذا وقف المشايخ على احوال ضمائرهم وخلل الارادة فى سرائرهم { يحلفون بالله } انهم { قالوا } وما انكروا { وهموا بما لم ينالوا } يعنى وهم بعضهم ان يثبت لنفسه مرتبة الشيخوخة قبل اوانها ويظهر الدعوة الى نفسه وان لم ينلها { وما نقموا الا ان اعنيهم الله ورسوله من فضله } اى وما انكروا على الشيخ وخرجوا من امره الا كون الشيخ غنى بلبان فضل الله عن حلمة الولاية ليروا آثار الرشد على انفسهم فلم يحتلموا لضيق حوصلة الهمة فزين لهم الشيطان سوء اعمالهم فاصمهم بذلك واعمى ابصارهم { فان يتوبوا } يرجعوا الى ولاية الشيخ بطريق الالتجاء { يك خيرا لهم } بان يتخلصوا من غير الولاية وردها فانها مهلكة ويتمسكوا بحبل الارادة فانها منجية { وان يتولوا } اى يعرضوا عن ولاية الشيخ { يعذبهم الله عذابا اليما فى الدنيا والآخرة } بعد الولاية فان مرتد الطريقة اعظم ذنبا من مرتد الشريعة
قال الجنيد لو اقبل صديق على الله الف سنة ثم اعرض عنه لحظة فان ما فاته اكثر مما ناله فاما عذابه فى الدنيا فبسلب الصدق والرد على باب الطلب وارخاء الحجاب وذله وتقوية الهوى وتبديل الاخلاص بالرياء والحرص على الدنيا وطلب الرفعة والجاه واما عذابه فى الآخرة فباشتعال نيران الحسرة والندامة على قلبه المعذب بنار القطيعة وهى نار الله الموقدة التى تطلع على الافئدة روما لهم فى الارض من ولى ولا نصير } يشير الى ان من ابتلى برد ولاية شيخ كامل ولو امتلأت الارض بالمشايخ وارباب الولاية وهو يتمسك بذيل ارادتهم غير ان شيخه رده لا يمكن لاحدهم اعانته واخراجه من ورطة الرد الا ما شاء الله كما فى التأويلات النجمية(5/106)
وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76)
{ ومنهم } اى من المنافقين { من عاهد الله } المعاهدة المعاقدة واليمين { لئن آتينا } اى الله تعالى { من فضله } [ از فضل خود مالى ] { لنصدقن } اى لنؤتين الزكاة وغيرها من الصدقات واصله لنتصدقن ادغمت التاء فى الصاد والمتصدق معطى الصدقة وسميت صدقة لدلالتها على صدق العبد فى العبودية { ولنكونن من الصالحين } قال ابن عباس رضى الله عنهما يريد الحج نزلت فى ثعلبة بن حاطب الانصارى كان ملازما لمسجد رسول الله ليلا ونهارا وكان يلقب لذلك حمامة المسجد وكانت جبهته كركبة البعير من كثرة السجود على الارض والحجارة المحماة بالشمس ثم جعل يخرج من المسجد كلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفجر بالجماعة من غير لبث واشتغال بالدعاء فقال له عليه السلام يوما « مالك صرت تعمل عمل المنافقين بتعجيل الخروج » فقال يا رسول الله انى فى غاية الفقر بحيث لى ولامرأتى ثوب واحد وهو الذى على وانا اصلى فيه وهى عريانة فى البيت ثم اعود اليها فانزعه وهى تلبسه فتصلى فيه فادع الله ان يرزقنى مالا فقال عليه السلام « ويحك يا ثعلبة » وهى كلمة عذاب وقيل كلمة شفقة « قيل تؤدى شكره خير من كثير لا تطيقه » فراجعه فقال عليه السلام « اما ترضى ان تكون مثل نبى الله فوالذى نفسى بيده لو شئت ان تسير معى الجبال ذهبا وفضة لسارت » واشار الى علم الكيمياء « ولكن اعرف ان الدنيا حظ من لا حظ له وبها يغتر من لا عقل له » فراجعه وقال يا رسول الله والذى بعثك بالحق نبيا لو دعوت الله ان يرزقنى مالا لاؤدين كل ذى حق حقه فقال عليه السلام « اللهم ارزق ثعلبا مالا » ثلاث مرات فاتخذ غنما فنمت كما ينمو الدود حتى ضاقت بها ازقة المدينة فنزل واديا حتى فاتته الجماعة لا يصلى بالجماعة الا الظهر والعصر فنمت وكثرت فتنحى مكانا بعيد حتى انقطع عن الجماعة والجمعة فسأل عنه رسول الله فقيل كثر ماله حتى لا يسعه وادٍ اى وادٍ واحد بل يسعه اودية وصحارى فخرج بعيدا فقال عليه السلام « يا ويح ثعلبة » فلما نزل قوله تعالى { خذ من اموالهم صدقة } استعمل النبى عليه السلام رجلين على الصدقات رجلا من الانصار ورجلا من بنى سليم وكتب له الصدقة واسنانها وامرهما ان يأخذاها من الناس فاستقبلهما بصدقاتهم ومرا بثعلبة فسألاه الصدقة وارآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه الفرائض فقال ما هذه الا جزية ما هذه الا جزية ما هذه الا اخت الجزية وقال ارجعا حتى أرى رأيى وذلك قوله تعالى { فلما آتيهم } الله تعالى المال { من فضله } وكرمه { بخلوا به } اى منعوا حق الله منه { وتولوا } اى اعرضوا عن طاعة الله والعهد معه { وهم معرضون } وهو قوم عادتهم الاعراض فلما رجعا قال لهما رسول الله قبل ان يكلماه(5/107)
« يا ويح ثعلبة » مرتين فنزلت فركب عمر رضى الله عنه راحلته ومضى الى ثعلبة وقال ويحك يا ثعلبة هلكت قد انزل الله فيك كذا وكذا فجاء ثعلبة بالصدقة فقال عليه السلام « ان الله منعنى ان اقبل منك » فجعل يحثو التراب على رأسه لا لانه تاب عن النفاق بل للحوق العار من عدم قبول زكاته مع المسلمين فقال عليه السلام « هذا » اى عدم قبول صدقتك « عملك » اى جزاء عملك اراد قوه هذه جزية امرتك فلم تطعنى فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بها الى ابى بكر رضى الله عنه فلم يقبلها ثم جاء بها الى عمر رضى الله عنه فى خلافته فلم يقبلها وهلك فى خلافة عثمان رضى الله عنه
قال الحدادى لم يقبل منه عثمان صدقته انتهى(5/108)
فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77)
{ فاعقبهم } اى جعل الله عاقبة فعلهم ذلك فالمعنى على تقدير المضاف اى اعقب فعلهم { نفاقا } راسخا { فى قلوبهم } وسوء اعتقاد يقال اعقبه الله خيرا اى صير عاقبة امره ذلك خيرا ويقال اكلت سمكة واعقبتنى سقما اى صيرت تلك الاكلة او السمكة عاقبة امرها سقما { الى يوم يلقونه } اى الى يوم موتهم الذى يلقون الله عنده دل على تأييد نفاقهم وان البخل ومنع حق الله تعالى مما اعطاه اياه يؤدى الى ان يكون وهو منافق ولا يثبت له حكم الاسلام أبدا نعوذ بالله كابليس ترك امرا واحدا فطرده عن بابه وضرب وجهه بعبادته ثمانين الف سنة ولعنه الى يوم الدين واعدله عذابا اليما أبدا الآبدين : قال الحافظ
زاهد أيمن مشو ازبازئ غيرت زنهار ... كه ره از صو معه تادير مغان اين همه نيست
{ ربما اخلفوا الله ما وعدوه } بسبب اخلافهم ما وعدوه من التصدق والصلاح { وربما كانوا يكذبون } اى لكونهم مستمرين على الكذب فى جميع المقالات التى من جملتها وعدهم المذكور(5/109)
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78)
{ ألم يعلموا } اى من عاهدوا الله الاستفهام للتقرير اى قد علموا { ان الله يعلم سرهم } اى ما اسروه فى انفسهم من العزم على الاهلاف ولم يتكلموا به سرا ولا جهرا { ونجواهم } وما يتناجون به فيما بينهم من تسمية الزكاة جزية وغير ذلك ممالا خير فيه . والتتاجى [ بايكديكر راز كردن ] يقال نجاه نجوى وناجاه مناجاة ساره والنجوى السر كالنجى { وان الله علام الغيوب } فلا يخفى عليه شيء من الاشياء فكيف يجترئون على ما هم عليه من النفاق والعزم على الاخلاف
مكن انديشه عصيان جو ميدانى كه ميداند ... مبين در روى اين وآن جوميدانى كه مى بيند
وفى الآيات اشارات
منها ان من نذر نذرا فيه قربة نحو ان يقول ان رزقنى الله الف درهم فعلى ان تصدق بخمسائة لزمه الوفاء به ومن نذر ما ليس بقربة او بمعصية كقوله نذرت ان ادخل الدار او قال لله ان اقتل فلانا اليوم فحنث يلزمه الكفارة وهى عتق رقبة او اطعام عشرة مساكين او كسوتهم فالواجب واحد من هذه الثلاثة والعبد مخير فيه فان عجز عن احد هذه الاشياء الثلاثة صام ثلاثة ايام متتابعات وان علق النذر بشرط يريد وجوده نحو ان يقول ان قدم فلان او ان قدمت من سفرى او ان شفى الله من مريضى او قضى دينى فلله على صيام او صدقة او ان ملكت عبدا او هذا العبد فعلى ان اعتقه يلزمه الوفاء بما نذر لانه نذر بصيغة وليس فيه معنى اليمين وان علقه بشرط لا يريد وجوده كقوله ان كلمت فلانا او دخلت الدار فعلى صوم سنة يجزئه كفارة يمين والمنذور اذا كان له اصل فى الفروض اى واجب من جنسه لزم الناذر كالصوم والصلاة والصدقة والاعتكاف وما لا اصل له فى الفروض فلا يلزم الناذر كعيادة المريض وتشييع الجنازة ودخول المسجد وبناء القنطرة والرباط والسقاية وقرآة القرآن ونحوها والاصل فيه ان ايجاب العبد معتبر بايجاب الله تعالى تحصيلا للمصلحة المعلقة بالنذر والنذر المعلق لا يختص بزمان ومكان ودرهم وفقير بخلاف النعلق فلو قال الناذر على ان اتصدق فى هذا اليوم بهذا الدرهم على هذا الفقير فتصدق غدا بدرهم آخر على غيره اجزأه عندنا ولا يجزئه عند زفر
واعلم ان المساجد الثلاثة المسجد الحرام ومسجد الرسول والمسجد الاقصى لكونها ابنية الانبياء عليهم السلام لها فضيلة تامة ولهذا اقل الفقهاء لو نذر ان يصلى فى احد هذه الثلاثة تعين بخلاف سائر المساجد فان من نذر ان يصلى فى احدهما له ان يصلى فى الآخر
ومنها ان النفاق عبادة عن التكذب وخلف الوعد والخيانة الى ما ائتمن كما ان الايمان عبارة عن الصدق وملازمة الطاعة لان الله تعالى خلق الصدق فظهر من ظله الايمان وخلق الكذب فظهر من ظله الكفر والنفاق وفى الحديث(5/110)
« ثلاثة من كن فيه فهو منافق وان صام وصلى وزعم انه مسلم اذا حدث كذب واذا وعد اخلف واذا ائتمن خان » يعنى من يحدث عالما بانه كذب وتعهد عازما على عدم الوفاء وينتظر الامانة للخيانة ولعل هذا يكون فى حق من اعتاد بهذه الخصال لا فى حق من ندرت منه كما هو مذهب البخارى وبعض العلما ومذهب الجمهور على ان هذه الخصال خصال المنافقين وصاحبها شبيه لهم فاطلاق اسم المنافق عليه على سبيل التجوز تغليظا كما ان الله تعالى قال ومن كفر مكان ومن لم يحج لكمال قبحه
قال صاحب التحفة ليس الغرض ان آية المافق محصورة فى الثلاث بل من ابطن خلاف ما اظهر فهو من المنافقين
واعلم ان المنافقين صنفان صنف معلنوا الاسلام ومسروه فى بدء الامر وذلك لغلبة صفات النفاق وقوتها فى النفس معلنوا الاسلام ومسروه فى بدء الامر الى ان استعملوا هذه الصفات المستكنة فى النفس فيظهر بالفعل كما كان بالقوة وذلك لضعفها فى النفس فيعقبهم النفاق الى الابد بالشكوك الواقعة فى قلوبهم وهم عن هذا النوع من النفاق غافلون وهم يصومون ويصلون ويزعمون انهم مسلمون
قال عمر بن عبد العزيز لو جاءت كل امة بمنافقيها وجئنا بالحجاج فضلناهم
يقول الفقير سامه الله القدير هذا الكلام بالنسبة الى ذلك الوقت ولو انه رأى وزراء آل عثمان ووكلاءهم فى هذا الزمان لوجدهم ارجح من كل منافق لانه بلغ نفاقهم الى حيث اخذوا الرشوة من الكفار ليسامحوهم فى مقاتلتهم ومحاربتهم خذلهم الله ومردهم
ومنها ذم البخل والحرص على الدنيا وفى الحديث « ثلاثة لا يحبهم الله ورسوله وهم فى لعنة الله والملائكة والناس اجمعين البخيل والمتكبر والاكول » وفى الحديث « ويل للاغنياء من الفقراء يوم القيامة يقولون ربنا ظلمونا حقوقنا التى فرضت لنا عليهم فيقول الله تعالى بعزتى وجلالى لأبعدنهم ولأقربنكم » قال الحافظ
كنج قارون كه فروميرود از قهر هنوز ... خوانده باشى كه هم ازغيرت درويشانست
وفى الحديث « ما جبل ولى لله الا على السخاء » واجود الاجواد هو الله تعالى ألا ترى انه كيف خلع خلعة الوجود على عامة الكائنات مجانا وانعم عليهم انواع النعم الظاهرة والباطنة اى حيث منع الخلق عن المهالك كالشهوات لا بخلا بل شوقا الى اللذات الباقية(5/111)
الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)
{ الذين } رفع على الذم اى المنافقون هم الذين { يلمزون } قال فى القاموس اللمز العيب والاشارة بالعين ونحوها اى يعيبون ويغتابون { المطوعين } اى المتطوعين المتنقلين { من المؤمنين } حال من المطوعين { فى الصدقات } متعلق بيلمزون -روى- ان النبى صلى الله عليه وسلم فى تجهيز العسكر فكان اول من جاء بالصدقة ابو بكر الصديق رضى الله عنه جاء بجميع ماله اربعة آلاف درهم فقال له رسول الله « هل ابقيت لاهلك شيأ » قال أبقيت لهم الله ورسوله وجاء عمر بن الخطاب رضى الله عنه بنصف مالع فقال عليه السلام « هل ابقيت لاهلك شيأ » قال النصف الثانى فقال « ما بينكما ما بين كلاميكما » ومنه يعرف فضل ابى بكر على عمر رضى عنه وانفق عثمان بن عفان رضى الله عنه نفقة عظيمة لم ينفق احد مثلها فانه جهز عشرة آلاف وانفق عليها عشرة آلاف دينار وصب فى حجر النبى عليه السلام الف دينار واعطى ثلاثمائة بعير باحلاسها واقتابها وخمسين فرسا وعند ذلك قال صلى الله عليه وسلم « اللهم ارض عن عثمان فانى عنه راض » وفى الحديث « سألت ربى ان لا يدخل النار من صاهرته او صاهرنى » وقد كان عليه السلام زوج بنته رقية من عثمان فماتت بعد ما خرج رسول الله الى بدر فلما رجع من بدر زوجه تم كلثوم ولذا سمى عثمان بذى النورين ولما ماتت ام كلثو قال عليه السلام « لو كان عندى ثالثة لزوجتكما » وجاء عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه باربعة آلاف درهم فقال عليه السلام « بارك الله لك فيما امسكت وفيما اعطيت » فبارك الله له حتى بلغ ماله حين مات وصولحت احدى نسائه الاربع عن ربع ثمنها على ثمانين الف درهم ونيف فكان ثمن ماله اكث رمن ثلاثمائة الف وعشرين الفا وفى رواية جاء باربعين اوقية من ذهب ومن ثمة قيل عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف كانا خزانتين من خزئان الله فى الارض ينفقان فى طاعة الله تعالى وجاء العباس بمال كثير وكذا طلحة وتصدق عاصم بن عدى بمائة وسق من تمر والوسق ستون صاعا بصاع النبى عليه السلام وهو اربعة امداد وكل مد رطل وثلث رطل بالبغدادى عند ابى يوسف والشافعى والرطل مائة وثلاثون درهما وعند ابى حنيفة كل مد رطلا وبعثت النساء بكل ما يقدرون عليه من حليهن وجاء ابو عقيل الانصارى بصاع من تمر وقال يا رسول الله بت ليلتى كلها اجر بالجرير على صاعين اما احدهما فامسكته لعيالى واما الآخر فاقرضته ربى فامره رسول الله ان ينثره فى الصدقات فطعن فيهم المنافقون وقالوا ما اعطى عبد الرحمن وعاصم الارياء وسمعة وان ابا عقيل جاء ليذكر بنفسه ويعطى من الصدقة باكثر مما جاء به وان الله لغنى عن صاع ابى عقيل فانزل الله هذه الآية { والذين لا يجدون الا جهدهم } عطف على المطوعين اى ويلمزون الذين لا يجدون الا طاقتهم من الصدقة(5/112)
قال الحدادى عابوا المكثر بالرياء والمقل بالاقلال يقال الجهد بالفتح المشقة والجهد بالضم الطاقة وقيل الجهد فى العمل والجهد فى القوة { فيسخرون منهم } عطف على يلمزون اى يستهزئون بهم والمراد بهم الفريق الاخير كابى عقيل { سخر الله منهم } اى جازاهم على سخريتهم فيكون تسمية جزاء السخرية سخرية من قبيل المشاكلة لوقوعه فى صحبة قوله فيسخرون منهم { ولهم } اى ثابت لهم { عذاب اليم } على كفرهم ونفاقهم
اى كه دارد نفاق اندر دل ... خاز بادش خليده اندر حلق
هركه سازد نفاق بيشه خويش ... خوار كرددبنزد خالق وخلق
قال الحدادى ولما نزلت هذه الآية اتى المنافقون الى رسول الله وقالوا يا رسول الله استغفر لنا فكان عليه السلام يستغفر لقوم منهم على ظاهر الاسلام من غير علم منه بنفاقهم وكان اذا مات احد منهم يسألون رسول الله الدعاء والاستغفار لميتهم فكان يستغفر لهم على انهم مسلمون فاعلمه الله انهم منافقون واخبر ان استغفاره لا ينفعهم فذلك قوله تعالى { استغفر لهم او لا تستغفر لهم } خرج الكلام مخرج الامر ومعناه الشرط اى ان شئت استغفر لهم وان شئت لا تستغفر فالامران متساويان فى عدم النفع الذى هو المغفرة والرحمة { ان تستغفر لهم سبعين مرة } قوله مرة انتصب على المصدر اى سبعين استغفارة او على الظرف اى سبعين وقتا وتخصيص السبعين بالذكر لتأكيد نفى المغفرة لان الشئ اذا بولغ فى وصفع اكد بالسبع والسبعين وهذا كما يقول القائل لو سألتنى حاجتك سبعين مرة لم اقضها لا يريد انه اذا امتناع المغفرة لهم ولو بعد المبالغة فى الاستغفار ليس لعدم الاعتداد باستغفارك بل { بانهم } اى بسبب انهم { كفروا بالله ورسوله } اى كفرا متجاوزا عن الحد كما يلوح وصفهم بالفسق فى قوله تعالى { والله لا يهدى القوم الفاسقين } فان الفسق فى كل شئ عبارة عن التمرد والتجاوز عن حدوده اى لا يهديهم هداية موصلة الى المقصد البتة لمخالفة ذلك للحكمة التى عليها يدور فلك التكوين والتشريع . واما الهداية بمعنى الدلالة على ما يوصل اليه فهى متحققة لا محالة ولكنهم بسوء اختيارهم لم يقبلوها فوقعوا فيما وقعوا
وفيه اشارة الى ان استغفار النبى عليه السلام لاحد من غير استغفاره لنفسه لا ينفعه فاليأس من المغفرة وعدم قبول استغفاره ليس لبخل من الله ولا لقصور فى النبى عليه الصلاة والسلام بل لعدم قابليتهم بسبب الكفر الصارف عنها كما قال المولى جلال الدين فى شرح الهياكل المحال لا يدخل تحت قدرة قادر ولا يلزم من ذلك النقص فى القادر بل النقص فى المحال حيث لا يصلح لتعلق القدرة انتهى ومنه يعرف معنى قول العرفى الشيرازى(5/113)
ذات تو قادرست بايجاد هرمحال ... الا بآفريدن جون تو يكانه
وفى عبارته سوء ادب كما لا يخفى
واعلم ان من كفرهم وفسقهم سخريتهم فى امر الصدقات ولو كان لهم ايمان واصلاح لبالغوا فى الانفاق وجدوا فى البذل كالمخلصين
وفى التاويلات النجمية قلب المؤمن منور بالايمان وروحه متوجه الى الحق تعالى فالحق يؤيد ؤوحه بتأييد نظر العناية وتوفيق العبودية فيسطع من الروح نور روحانى مؤيد بنور ربانى فتنبعث منه الخواطر الرحمانية الداعية الى الله تعالى باعمال موجبة للقربة من الفرائض والنوافل فتارة تكون الاعمال بدنية كالصوم والصلاة وتارة تكون تلك الاعمال مالية كالزكاة والصدقة فيتطوع بالصدقة فضلا عن الزكاة وفى الحديث « ان النافلة هدية المؤمن الى ربه فليحسن احدكم هديته وليطيبها » وقلب المنافق مظلم بظلمات صفات النفس لعدم نور الايمان وروحه متوجه الى الدنيا وزخارفها بتبعية النفس الامارة بالسوء مطرود بالخذلان لان قرينه الشيطان فبتأثير الخذلان ومقارنة الشيطان يصعد من النفس ظلمة نفسانية تمنع القلب من قبول الدعوة واجابة الرسل واتباع الاوامر واجتناب النواهى بالصدق وتنبعث منه الخواطر الظلمانية النفسانية وبذلك يمتنع عن اداء الفرائض فضلا عن النوافل والتطوعات ويهزأ بمن يفعل ذلك -روى- ان داود عليه السلام سأل ربه ان يريه الميزان فاراه الله فى المنام فلما رأى عظمته غشى عليه فلما افاق قال الهى من الذى يقدر ان يملأ كفته من الحسنات فقال يا داود انى اذا رضيت عن عبدى املأها بتمرة -وروى- ان الحسن مر به نخاس ومعه جارية جميلة فقال للنخاس أترضى فى ثمنها بدرهم او درهمين قال لا قال فاذهب فان الله يرضى فى الحور العين بالفلس والفلسين : قال السعدى قدس سره
بدنيا توانى كع عقبى خرى ... بخرجان من ورنه حسرت خورى
واعلم ان النوافل مقبولة بعد اداء الفرائض والا فهى من علامات اهل الهوى(5/114)
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81)
{ فرح المخلفون } المخلف ما يتركه الانسان خلفه والمتخلف الذىىتأخر بنفسه والمراد المنافقون الذين خلفهم النبى عليه السلام بالمدينة حين الخروج الى غزوة تبوك بالاذن لهم فى القعود عند استئذانهم { بمقعدهم } مصدر ميمى بمعنى القعود متعلق بفرح اى بقعودهم وتخلفهم عن الغزو { خلاف رسول الله } ظرف للمصدر اى خلفه وبعد خروجه حيث خرج ولم يخرجوا فالخرف بمعنى خلف كما فى قوله تعالى { واذا لا يلبثون خلافك الا قليلا } يقال اقام زيد خلاف القوم اى تخلف عنهم بعد ذهابهم ظعن لو لم يظعن ويجوز ان يكون بمعنى المخالفة فيكون انتصابه على العلة اى فرحوا لاجل مخالفتهم اياه عليه السلام بان مضى هو للجهاد وتخلفوا عنه { وكرهوا ان يجاهدوا باموالهم وانفسهم فى سبيل الله } ايثارا للدعة والخفض اى الراحة وسعة العيش على طاعة الله مع ما فى قلوبهم من الكفر والنفاق . وفى ذكر الكراهة بعد الفرح الدال عليها تعريض بالمؤمنين الذين بذلوا اموالهم وانفسهم فى سبيل الله وآثروا تحصيل رضاه تعالى وفى قوله كرهوا مقابلة معنوية مع فرح لان الفرح من ثمرات المحبة { وقالوا } اى قال بعضهم لبعض تثبيتا لهم التخلف والقعود وتواصيا فيما بينهم بالشر والفساد او قالوا للمؤمنين تثبيطا لهم عن الجهاد ونهيا لهم عن المعروف فقد جمعوا ثلاث خصال من خصال الكفر والضلال الفرح بالقعود وكراهة الجهاد ونهى الغير عن ذلك { لا تنفروا } اى لا تخرجوا { فى الحر } فانه لا تستطاع شدته وكانوا دعوا الى غزوة تبوك فى وقت نضج الرطب وهو اشد ما يكون من الحر وقول عروة بن الزبير ان خروجه عليه السلام لتبوك كان فى زمن الخريف لا ينافى وجود الحر فى ذلك الزمن لان اوائل الخريف وهو الميزان يكون فيه الحر
وكان ممن تخلف عن مسيره معه صلى الله عليه وسلم ابو خثيمة ولما سار عليه السلام اياما دخل ابو خثيمة على اهله فى يوم حار فوجد امرأتين فى عريشتين لهما فى حائط قد رشت كل منهما عريشتها وبردت فيها ماء وهيأت طعاما فلما دخل تظر الى امرأتيه وما صنعتا فقال رضى الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحر وابو خثيمة فى ظل وماء بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء ما هذا بالنصف ثم قال والله لا ادخل عريشة واحدة منكما حتى ألحق برسول الله حتى ادركه : قال الحافظ
ملوم از همر هان بودن طريق ماردانى نيست ... بكش دشوارى منزل بياد عهد آسانى
وقال
مقام عيش ميسر نميشود بى رنج ... بلى بحكم بلابسته اند حكم الست
وقال
من ازديار حبيبم نه ازديار غريب ... مهيمنا بعزيزان خودرسان باشم
{ قل } ردا عليهم وتجهيلا { نار جهنم اشد حرا } من هذا الحر وقد آثرتمونا بهذه المخالفة فما لكم لا تحذرونها { لو كانوا يفقهون } اى يعلمون انها كذلك لما خالفوا وفى الحديث(5/115)
« ان ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من اجزاء نار جهنم » وبيانه انه لو جمع حطب الدنيا فاوقد كله حتى صار نارا لكان الجزء الواحد من اجزاء نار جهنم الذى هو من سبعين جزأ اشد من حر نار الدنيا
وفى الخبر لما اهبط آدم عليه السلام مضى جبرائيل الى مالك واخذ منه جمرة لآدم فلما تناولها احرقت كفة فقال ما هذه يا جبرائيل قال جمرة من جهنم غسلتها سبعين مرة ثم آتيتها اليك فالق عليها الحطب واخبز وكل ثم بكى آدم وقال كيف « تقوى اولادى على حرها فقال له جبرائيل ليس لها على اولادك المطيعين من سبيل كما ورد فى الحديث تقول جهنم للمؤمن جز يا مؤمن فقد اطفأ نورك لهبى » ومن كان مع الله لا يحرقه شئ ألا ترى الى حال النبى عليه السلام ليلة المعراج كيف تجاوز عن كرة الاثير ولم يحترق منه شعر وكانت النار بردا وسلاما على ابراهيم عليه السلام(5/116)
فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)
{ فليضحكوا } ضحكا { قليلا } فى الدنيا وهو اشارة الى مدة العمر وعمر الدنيا قليل فكيف عمر من فى الدنيا فانه اقل من القليل { وليبكوا } بكاء { كثيرا } فى الآخرة فى النار { جزاء } مفعول له للفعل الثانى اى ليبكوا جزاء { بما كانوا يكسبون } من فنون المعاصى وهذا لفظ امر ومعناه خبر اى يضحكون قليلا ويبكون دائما وانما اخرج فى صورة الامر للدلالة على تختم وقوع المخبر به فان امر الآمر المطاع مما لا يكاد يتخلف عند المأمور به -يروى- ان اهل النفاق يبكون فى النار عمر الدنيا لا يرقأ لهم دمع ولا يكتحلون بنوم وفى الحديث « يرسل الله البكاء على اهل النار فيبكون حتى تنقطع الدموع ثم يبكون الدم حتى ترى وجوههم كهيئة الاخدود » ويجوز ان يكون الضحك كناية عن الفرح والبكاء عن الغم وان تكون القلة عبارة عن العدم والكثرة عن الدوام : يعنى [ فردا ايشانرا غمى باشد بى فرح واندوهى بى سرور ] فيكون وقت الضحك والبكاء فى الآخرة . ويجوز ان يكون وقتهما فى الدنيا اى هم لما هم عليه من الخطر مع رسول الله وسوء الحال بحيث ينبغى ان يكون ضحكهم قليلا وبكاؤهم من اجل ذلك كثيرا نحو قوله عليه السلام لامته « لو تعلمون ما اعلم لبكيتم كثيرا وضحكتم قليلا » قال ابن عمر رضى الله عنهما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فاذا قوم يتحدثون ويضحكون فوقف وسلم عليهم فقال « اكثروا ذكرها ذم اللذات » قلنا وماها ذم اللذات قال « الموت » قال الصائب
برغفلت سياه دلان خنده ميزند ... غافل مشوز خنده داندن نماى صبح
ومر الحسن البصرى بشاب وهو يضحك فقال له يا بنى هل مررت على الصراط فقال لا فقال هل تدرى الى الجنة تصير ام الى النار فقال لا فقال ففيم هذا الضحك فما رؤى الفتى بعد ذلك يضحك -قيل- لما فارق موسى الخضر عليهما السلام قال اياك واللجاجة ولا تكن مشاء الا لحاجة ولا ضحاكا من غير ععجب كان وابك على خطيئتك يا ابن عمران
قال محمد بن واسع اذا رأيت رجلا فى الجنة يبكى ألست تنعجب من بكائه قال بلى قال فالذى يضحك فى الدنيا ولا يدرى الى م يصير هو اعجب منه
وعن وهيب بن منبه انه قال ان زكريا عليهه السلام فقد ابنه يحيى عليه السلام فوجده مضطجعا على قبر يبكى فقال يا بننى ما هذا البكاء قال اخبرتنى امى ان جبرل اخبرك ان بين الجنة والنار مفازة ذات لهب لا يطفئ حرها الا الدمع فقال زكريا ابك يا بنى ابك
وعن كعب الاحبار انه قال ان العبد لا يبكى حتى يبعث الله اليه ملكا فيمسح كبده بجناحه فاذا فعل ذلك بكى(5/117)
وعن انس قال ثلاثة اعين لا تمسها النار عين فقئت قى سبيل الله وعين باتى تحرس فى سبيل الله وعين دمعت من خشية الله
وفى الحديث « لان ادمع دمعة من خشية الله احب الى من ان تصدق بالف دينار » وفى التوراة يا ابن آدم اذا دمعت عيناك فلا تمسح الدموع بثوبك ولكن امسحها بكفك فانها رحمة
قال العلماء البكاء على عشرة انواع . بكاء فرح . وبكاء حزن . وبكاء رحمة . وبكاء خوف مما يحصل . وبكاء كذب كبكاء النائحة لانها تبكى لشجو غيرها وجاء « تخرج النائحة من قبرها يوم القيامة شعثاء غبراء عليها جلباب من لعنة من ودرع من جرب وضعت يدها على رأسها تقول واويلاه وتنبح كما ينبح الكلب » وبكاء موافقة بان يرى جماعة يبكون فيبكى مع عدم علمه بالسبب . وبكاء المحبة والشوق . وبكاء الجزع من حصول ألم لا يحتمله . وبكاء الجور والضعف . وبكاء النفاق وهو ان تدمع العين والقلب قاس
واما التباكى فهو تكلف البكاء وهو نوعان محمود ومذمة . والاول ما يكون لاستجلاب رقة القلب . والثانى ما يكون لاجل الرياء والسمعة كما فى انسان العيون
والحاصل ان طالب الآخرة ينبغى له تقليل الضحك وتكثير البكاء ولا يغفل عن الموت ولقاء الجزاء فلنه كم ضاحك وكفنه عند القصار : قال الحافظ
ديد آن قهقهه كبك خرامان حافظ ... كه زسر نيجه شاهين قضا غافل بود(5/118)
فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83)
{ فان رجعك الله } من الرجع المتعدى دون الرجوع اللازم يقول رجع رجوعا اى انصرف ورجع الشئ عن الشئ اى صرفه ورده كارجعه . والمعنى ردك الله من غزوة تبوك { الى طائفة منهم } الطائفة من الشئ القطعة منه وضمير منهم الى المنافقين المتخلفين فى المدينة دون المتخلفين مطلقا منافقا كان او مخلصا فان تخلف بعضهم انما كان لعذر عائق مع الاسلام او الى من بقى من المنافقين لان منهم من مات ومنهم من غاب عن البلد ومنهم من تاب ومن لم يستأذن وعن قتادة انهم كانوا اثنى عشر رجلا قيل فهم ما قيل { فاستأذنوك للخروج } معك الى غزوة اخرى بعد غزوتك هذه وهى تبوك { فقل لن تخرجوا معى ابدا } اى لا تأذن لهم بحال وهو اخبار فى معنى النهى للمبالغة وكذا قوله { ولن تقاتلوا معى عدوا } من الاعداء { انكم } تعليل لما سلف اى لانكم { رضيتم بالقعود } اى من الغزو وفرحتم بذلك { اول مرة } هى الخرجة الى غزوة تبوك وتذكير اسم التفضيل المصاف الى المؤنث هو الاكثر الدائر على الالسنة فانك لا تكاد تسمع قائلا يقول هى كبرى امرأة او اولى مرة { فاقعدوا } من بعد { مع الخالفين } اى المتخلفين الذين ديدنهم القعود والتخلف دائما لعدم لياقتهم للجهاد كالنساء والصبيان ففى الخالفين تغليب الذكور على الاناث
فان قيل كانت اعمال المنافقين من الشهادة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد مقبولة عند النبى عليه السلام وان لم تكن مقبولة عند الله تعالى فكان النبى عليه السلام يقول نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر فما الحكمة فى ان الله تعالى امر النبى عليه السلام بان لا يقبل من المتخلفين اعمالهم من الخروج معه والقتال مع العدو وغير ذلك
قلنا ان الحكمة فى ذلك والله اعلم ان المنافقين لما كانوا يظهرون الاسلام والائتمار باوامر النبى عليه السلام مع كانوا يضمرون من الكفر والنفاق ورجوعهم من النفاق الى الوفاق فلما اظهروا ما اضمروا ردت اليهم اعمالهم فكان الحكم بالظاهر ايضا فافهم
قال العلماء اخرجهم الله تعالى من ديوان الغزاة ومحا اساميهم من دفتر المجاهدين وابعد محلهم من محفل صحبة النبى صلى الله عليه وسلم عقوبة لهم على تخلفهم لما فيه من الاهانة واظهار نفاقهم وبيان انهم لبسوا ممن يتقوى به الدين ويعز الاسلام كالمؤمنين الخلص نسأل الله تعلاى صحبة الدين وصحبة اهل الدين الى يوم الدين -روى- ان زيد بن حارثة كان لخديجة اشترى لها بسوق عكاظ فوهبته لرسول الله فجاء ابوه يريد شراءه منه فقال عليه السلام « ان رضى بذلك فعلت » فسئل زيد فقال ذل الرقبة مع صحبة احب الخلق الى الحق احب الى من الحرية مع مفارقته فقال عليه السلام(5/119)
« اذا اختارنا اخترناه » فأعتقه وزوجه ام ايمن وبعدها زينب بنت جحش : قال الحافظ
كدايى درجانان بسلطنت مفروش ... كسى زسائه اين در بافتاب رود
والمنافقون لما لم يكن لهم استعداد لهذه الصحبة الشريفة فارقوه عليه السلام فى السفر والحضر لان كل امرئ يصبو الى من يجانس وقدم ناس الى مكة وقالوا قدمنا الى بلدكم فعرفنا خياركم من شراركم فى يومين قيل كيف قالوا لحق خيارنا بخياركم وشرارنا بشراركم فالف كل شكله : قيل
واذا الرجال توسلوا بوسيلة ... فوسيلتى حبى لآل محمد
قال الكاشفى [ جهاد كار مردان مردو مبارزان ميدان نبرد است تزهر تردامنى اين كار نيايد ونامرد بى درد مبارزت معركه مجاهدت نشايد ]
يابرو همجون زنان رنكى وبويى يبش كير ... ياجو مردان اندر آى وكوى درميدان فكن
قال السعدى قدس سره
ندهد هوشمند روشن رأى ... بفرومايه كارهاى خطير
بوريا باف اكرجه بافندست ... نبرندش بكار كاه حرير
ومن بلاغات الزمخشرى لا تصلح الامور الا باولى الالباب والارحاء لا تدور الا على الاقطاب جمع قطب وهو وتد الرحى(5/120)
وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84)
{ ولا تصل } يا محمد { على احد منهم } اى من المنافقين وهو صفة لاحد { مات } صفى اخرى ويجوز ان يكون منهم حالا من الضمير فى مات كذا فى تفسير ابى البقاء { ابدا } ظرف للنهى اى لا تدع ولا تستغفر لهم ابدا وهو الاظهر . وقيل منصوب بمات على ان يكون المعنى لا تصل على احد منهم ميت مات ابدا بان مات على الكفر فان من مات على الكفر ميت ابدا وان احياءه للتعذيب دون التمتع فكأنه لم يحى وكان حذيفة رضى الله عنه صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له « يوما انى مسرا اليك سرا فلا تذكرنه انى نهيت ان اصلى على فلان وفلان » وعد جماعة من المنافقين ولما توفى رسول الله كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه خلافته اذا مات الرجل ممن يظن انه من اولك اخذ بيد حذيفة فناداه الى الصلاة عليه فان مشى معه حذيفة صلى عليه عمر وان انتزع يده من يده ترك الصلاة عليه { ولا تقم على قبره } اى ولا تقف عند قبره للدفن او للزيارة والدعاء وكان النبى عليه السلام اذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له { انهم كفروا بالله ورسوله } تعليل للنهى على ان الاستغفار للميت والوقوف على قبره ودعا له { انهم كفروا بالله ورسوله } تعليل للنهى على ان الاستغفار للميت والوقوف على قبره انما يكون لاستصرحه وذلك مستحيل فى حقهم لانهم استمروا على الكفر بالله وبرسوله مدة حياتهم قال الحافظ قدس سره
بآب زمزم وكوثر سفيدنتوان كرد ... كليم بخت كسى راكه بافنند سياه
وقال السعدى قدس سره
توان باك كردن ززنك آينه ... وليكن نيايد زسنك آينه
{ وماتوا وهم فاسقون } اى متمردون فى الكفر خارجون عن حدوده -روى- عن ابن عباس ان رئيس المنافقين عبد الله بن ابى سلول دعا رسول الله صلى الله عليه السلام فى مرضه فلما دخل عليه سأله ان يستغفر له ويصلى عليه اذا مات ويقوم على قبره ثم انه ارسل اليه عليه السلام يطلب منه قميصه ليكفن فيه فارسل اليه القميص الفوقانى فرده فطلب الذى يلى جاده فقال عمر رضى الله عنه تعطى قميصك لرجس القميص الفوقانى فرده فطلب الذى يلى جلده فقال عمر رضى الله عنه تعطى قميصك لرجس النجس فقال عليه السلام « ان قميصى لا يغنى عنه من الله شيأ من الله تعالى ان يدخل به الف فى الاسلام » وذلك ان المنافقين كانوا لا يفارقون ابن ابى فلما رأوه يطلب منه عليه السلام قميصه يتبرك به ويرجو ان ينفعه القميص فى دفع عذاب الله وجلب رحمته وفضله اسلم الف من الخروج وانما قال عليه السلام ان قميصى لا يغنى لعدم الاساس الذى هو الايمان ومثله انما يؤثر عند صلاح المحل ويدل عليه قوله عليه السلام(5/121)
« ادفنوا امواتكم وسط قوم صالحين فان الميت يتأذى بجار السوء كما يتأذى الحى بجار السوء » وما يروى الارض المقدسة لا تقدس احدا انما يقدس المرء عمله وقد ثبت ان عبد الله بن انيس رضى الله عنه لما قتل سفيان بن خالد الهذلى ووضع بين يديه عليه السلام دفع اليه عصا كانت بيده وقال تحضر بهذه الجنة أى توكأ عليها فكانت تلك العصا عنده فلما حضرته الوفاة اوصى اهله ان يجعلوها فاعطى نصف شعر رأسه لابى طلحة وفرق النصف الآخر بين الاصحاب شعره وشعرتين فكانوا يتبركون بها وينصرون ما داموا حاملين لها ولذا قال فى الاسرار المحمدية لو وضع شعر رسول الله او عصاه او سوطه على قبر عاص لنجا ذلك العاصى ببركات وان لم يشعروا به ومن هذا القبيل ماء زمزم والكفن المبلول وبطانة استار الكعبة والتكفن بها وكتابة القرآن على القراطيس والوضع فى ايدى الموتى انتهى
اقول ان قلت قد ثبت ان فى خزانة السلاطين خصوصا فى خزانة آل عثمان شيأ مما يتبرك به من خرقة النبى عليه السلام وغيرها ورأيناهم قد لا ينصرون ومعهم شئ من لوائه عليه السلام وبصبب بلدتهم آفات كثيرة قلت لذلك لهتكم الحرمة ألا ترى ان مكة والمدينة كان لا يدخلهما طاعون فلما هتك السكان حرمتهما دخلهما واللع الغفور فلما مات ابن ابى انطلق ابنه وكان مؤمنا صالحا الى النبى عليه السلام ودعاه الى جنازة ابيه فقال عليه السلام « ما اسمك » قال الحباب بن عبد الله فقال عليه السلام « أنت عبد الله بن عبد الله ان الحباب هو الشيطان » اى اسمه كما فى القاموس ثم قال « صل عليه وادفنه » فقال ان لم تصل عليه يا رسول الله لا يصلى عليه مسلم أنشدك الله ان لا تشمت بى الاعداء فاجابه عليه السلام تسلية له ومراعاة لجانبه فقام ليصلى عليه فجاء عمر رضى الله عنه فقام بين رسول الله وبين القبلة لئلا يصلى عليه وقال أتصلى على عدو الله القائل كذا يوم كذا وكذا وكذا وعد ايامه الخبيثة فنزلت الآية واخذ جبرائيل عليه السلام بثوبه وقال لا تصلى على احد منهم مات ابدا فاعرض عن الصلاة عليه وهذا يدل على منقبة عظيمة من مناقب عمر رضى الله عنه فان الوحى كان ينزل على وفق قوله فى آيات كثيرة منها هذه الآية وهو منصب عال ودرجة رفيعة له فى الدين فلذا قال عليه السلام فى حقه « لو لم ابعث لبعثت نبيا يا عمر » وقال « انه كان فيما مضى قبلكم من الامم محدثون فانه ان كان فى امتى هذه فانه عمر بن الخطاب »(5/122)
رضى الله عنه . والمحدث بفتح الدلال المشددة هو الذى يلقى فى نفسه الشيء فيخبر به فراسة وهى الاصابة فى النظر ويكون كما قال وكأنه حدثه الملأ الاعلى وهذه منزلة جليلة من منازل الاولياء ولم يرد النبى عليه السلام بقوله ان كان فى امتى التردد فى ذلك لانه امته افضل الامم واذا وحد فى غيرها محدثون ففيها اولى بل اراد به التأكيد لفضل عمر كما قيل فى فضيلة رضى الله عنه
له فضائل لا تخفى على احد ... الا على احد لا يعرف القمرا
كذا فى شرح المشارق لابن ملك
فان قيل كيف يجوز ان يقال انه عليه السلام رغب فى ان يصلى عليه بعد ان علم انه كافر مات على الكفر وان صلاته عليه دعاء له بالمغفرة وقد منعه الله من ان يستغفر للمشركين واعلمه انه لا يغفر للكفار وايضا الصلاة عليه ودفعه قميصه اليه توجب اعزازه وهو مأمور باهانة الكفار
فالجواب ان الخبيث لما طلب منه ان يرسل اليه قميصه الذى يمس جلده الشريف ليدفن فيه غلب على ظنه انه قد تاب عن نفاقه وآمن لان ذلك الوقت وقت توبة الفاجر وايمان الكافر فلما رأى منه اظهار الاسلام وشاهد منه هذه الامارة الدالة على اسلامه غلب على ظنه انه صار مسلما فرغب فى ان يصلى عليه فلما أتى جبريل واخبره بانه مات على كفره ونفاقه امتنع من الصلاة عليه . وقيل نزلت الاية بعدما صلى ولبث يسيرا فما صلى بعد ذلك على منافق ولاقام على قبره
واما دفع القميص اليه فذكروا فيه وجوها
منها ان العباس عم النبى عليه السلام لما اخذ اسيرا يوم بدر ولم يجدوا له قميصا يساوى قده وكان رجلا طويلا كساه عبد الله قميصه فهو عليه السلام انما دفع اليه قميصه مكافأة لاحسانه ذلك لا اعزاز له
ومنها انه تعالى امره ان لا يرد سائلا من حيث قال
واما السائل فلا تنهر ... فالضنة بالقميص وعدمارساله سيما وقد سئل فيه مخل بالكرم
ومنها انه لعله اوحى اليك انك ان دفعت اليه قميصكصار ذلك حاملا لدخول الف نفر من المنافقين فى الاسلام ففعل ذلك بنا عليه والله اعلم بحقيقة الحال وما علينا الالقبول وطى المقال وهو الهادى الى طريق التحقيق(5/123)
وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85)
{ ولا تعجبك } الاعجاب [ شكفتى نمودن وخوش آمدن خطاب بآن حضرتست ومرادامت اند يعنى در عجب ندارد شمارا ] { اموالهم واولادهم } الضمير للمنافقين
قال الكاشفى [ مالهاى منافقان اكرجه بسيارست وفرزندان ايشان كه قوى وبا اقتدارند ] وتقديم الاموال فى امثال هذه المواقع على الاولاد مع كونهم اعز منها لعموم مساس الحاجة اليها بحسب الذات وبحسب الافراد والاوقات فانها مما لا بد منه لكل احد من الآباء والامهات والاولاد فى كل وقت وحين حتى ان من له اولاده ولا مال له فهو واولاده فى ضيق ونكال واما الاولاد فانما يرغب فيهم من بلغ مبلغ الابوة واما لان المال مناط لبقاء النفس والاولاد لبقاء النوع واما لانها اقدم فى الوجود من الاولاد لان الاجزاء المنوية انما تحصل من الاغذية { انما يريد الله } بما متعهم به من الاموال والاولاد { ان يعذبهم بها فى الدنيا } [ بسبب جمع مال ومحافظت آن بيوسته دررنج باشند وبراى رونق احوال اولاد وتهيه اسباب ايشان همواره محنت ومشقت كشند ] { وتزهق انفسهم } الزهوق [ برآمدن جان ] اى تخرج ويموتوا { وهم كافرون } اى كافرون بسبب اشتغالهم بالتمتع بها والالهاء عن النظر والتدبر فى العواقب [ درويشى ميكفت اغنيا اشقى الاشقيا اند مال دنيا جمع ميكنند بانواع بريشايى وزحمت ونكاه ميدارد باصناف بليت ومشقت وميكذارند بصد هزار حسرت ]
در اول جو خواهى كنى جمع مال ... بسى رنج بر خويش بايد كماشت
بس از بهر آن تا بماند بجاى ... شب وروز مى بايدت باس داشت
وزين جمله ىن حال مشكلترست ... كه آخر بحسرت ببايد كذشت
واعلم ان هذه الآية مرت فى هذه السورة الكريمة مع التغاير فى بعض الالفاظ فالتكرير لتأكيد النصيحة مما لا ينبغى ان يذهل السامع عنها وان الناصح لا بد له ان يرجع اليها فى اثناء كلامه دائما ولا سيما اذا تباعد احد الكلامين عن الآخر بناء على ان الابصار طامحة اى مرتفعة ناظرة الى الاموال والاولاد وان النفوس مغتبطة اى متمنية لهما حريصة عليهما والاموال والاولاد وان كانت نعمة فى حق من الحجاب ومن عذاب بالحجاب فقد حرم من الايمان كما قال تعالى { وتزهق انفسهم وهم كافرون } اى مستوروا القلوب بجاب حب الاموال والاولاد كما فى التأويلات النجمية وفى الحديث « الدنيا محفوفة بالذات والشهوات فلا تلهينكم شهوات الدنيا ولذاتها عن الآخرة فانه لا دنيا لمن لا آخرة له ولا آخرة لمن لا دنيا له يعمل فيها بطاعة الله تعالى » يعنى ان المؤمن يتزود لآخرته بالعبادات المالية(5/124)
وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86)
{ واذا انزلت سورة } من القرآن { ان آمنوا بالله } ان مصدرية حذف منها الجار اى بان آمنوا بالله { وجاهدوا مع رسوله } لاعزاز دينه واعلاء كلمته { استأذنك اولوا الطول منهم } اى ذووا الطول فى الحقيقة هو الفضل الذي يتمكن به من مطاولة الاعداء
قال الرازى فى سورة النساء اصل هذه الكلمة من الطول الذى هو خلاف القصر لانه اذا كان طويلا ففيه كمال وزيادة كما انه اذا كان قصيرا ففيه قصور ونقصان وسمى الغنى ايضا طولا لانه ينال به من المرادات ما لا ينال عند الفقر كما انه ينال بالطول ما لا ينال بالقصر انتهى
{ وقالوا ذرناظ } دعنا { نكن من القاعدين } اى الذين قعدوا عن الغزو لما بهم من عذر(5/125)
رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87)
{ رضوا } اى المنافقون { بان يكونوا مع الخوالف } اى مع النساء المتخلفات فى البيوت والحى بعد ازواجهن حمع خالفة فالتاء للتانيث وقد يقال الخالفة الذى لا خير فيه فالتاء للنقل من الوصفية الى الاسمية لا للتأنيث ولعل الوجه فى تسمية من لا خير فيه من الرجال خالفه كونه غير مجيب الى ما دعى اليه من المهمات { وطبع على قلوبهم } [ ومهر طبع للدينار والدرهم قال فى المصادر والتركيب يدل على نهاية ينتهى اليها الشيء حتى يختم عندها ويقاس على هذا طبع الانسان وطبيعته زطباعه اى سجيته التى جبل عليها وخص القلب بالختم لانه محل الفهم ولذا قال { فهم لا يفقهون } ما فى الايمان بالله وطاعته فى اوامره ونواهيه وموافقة الرسول والجهاد من السعادة وما فى اضداد ذلك من الشقاوة(5/126)
لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88)
{ لكن الرسول والذين آمنوا معه } بالله وبما جاء من عنده تعالى اى آمنوا كما آمن هو عليه السلام اذ لا شك ان زمان ايمان المؤمنين ما كان مقارنا لزمان ايمان الرسول فهو كقوله تعالى { واسلمت مع سليمان } اى اسلام سليمان اى اسلمت كما اسلم سليمان { جاهدوا باموالهم وانفسهم } لكن لم يختل امر الجهاد بتخلفهم لانه قد جاهد من هو خير منهم واخلص نية ومعتقدا { واولئك } [ وآن كروه } { لهم بواسطة نعوتهم المذكورة { الخيرات } اى منافع الدارين النصر والغنيمة فى الدنيا والجنة والكرامة فى العقبى . ويجوز ان يكون معناه الزروجات الحسان فى الجنة وهن الحور لقوله تعالى { فيهن خيرات حسان } وهى جمع خيرة تخفيف خيرة وخيرات العابدين هى الحسنات فهى متعلقة باعمالهم وخيرات العارفين مواهب الحق تعالى فهى متعلقة باحوالهم { واولئك هم المفلحون } اى الفائزون بالمطلوب لا من حار بعضا من الحظوظ الفانية عما قريب(5/127)
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89)
{ اعد الله لهم } اى هيأ لهم فى الآخرة { جنات } جمع جنة وهى البستان الذى فيه اشجار مثمرة { تجرى من تحتها } اى من اسافل ارضها او من تحت اشجارها او من تحت القصور والغرف لا تحت الارض { الانهار } جمع نهر وهو مسيل الماء سمى به لسعته وضيائه وفى الحديث « فى الجنة بحر اللبن وبحر الماء والعسل واللبن لا يخالط بعضها بعضا وقال بعضهم الجارى واحد ويختلف باختلاف الامنية { خالدين فيها } اى مقدرا خلودهم فى تلك الجنات الموصوفة { ذلك } اشارة الى ما فهم من اعداد الله سبحانه لهم الجناة المذكورة من نيل الكرامة العظمى { الفوز العظيم } الذى لا فوز وراءه فازوا بالجنة ونعيمها ونجوا من النار وجحيمها وفى الحديث » من شهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله حرم الله عليه النار « وفى الخبر » من قال لا اله الا الله مخلصا دخل الجنة « فقد اشترط فى هذا القول الاخلاص ولا يكون الاخلاص الا بمنعه من الذنوب والا فليس من صفات القلب وتحليته بالاوصاف الحميدة انما هى بعد تزكية النفس عن الرذائل
قال فى التأويلات النجمية الخلاص من حجب النفس وصفاتها هو الفوز العظيم لان عظم الفز على قدر عظم الحجب ولا حجاب اعظم من حجاب النفس والفوز منها يكن فوزا عظيما انتهى : وفى المثنوى
جمله قرآن شرح خبث نفسهاست ... بنكر اندر مصحف آن جشمت كجاست
هين مرواندر بى نفس جوزاغ ... كوبكورستان برد نى سوى باغ
نفس اكرجه زير كست وخرده دان ... قبله اش دنياست اورا مرده دان
وفى الحديث » ان فى الجنة مائة درجة « المراد بالمائة هنا الكثرة وبالدرجة المرقاة » اعدها الله للمجاهدين فى سبيله « وهم الغزاة او الحجاج او الذين جاهدوا انفسهم لمرضاة ربهم » كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والارض « وهذا التفاوت يجوز ان يكون صوريا وان يكون معنويا فيكون المراد من الدرجة المرتبة فالاقرب الى الله تعالى يكون ارفع درجة ممن دونه » فان سألتم الله فاسألوه الفردوس « وهو بستان فى الجنة جامع لانواع الثمر » فانه اوسط الجنة « يعنى اشرفها » واعلى الجنة « قيل فيه دلالة على ان السموات كرية فان الاوسط لا يكون اعلى الا اذا كان كريا وان الجنة فوق السموات تحت العرش
قال الامام الطيبى النكت فى الجمع بين الاوسط ةالا على انه اراد باحدهما الحسى وبالآخر المعنوى
واقول يحتمل ان يكونا حسيين لان كونهما احسن وازين مما يحس » وفوقه عرش الرحمن « هذا يدل على انه فوق جميع الجنان » ومنه تفجر « اصله تنفجر فحذف احدى التاءين » انهار الجنة « وهى اربعة مذكورة فى قوله تعالى { فيها انهار من ماء غير آسن وانهار من لبن لم يتغير طعمه وانهار من خمر لذة للشاربين وانهار من عسل مصفى } المراد منها اصول انهار الجنة كذا فى شرح المشارق لابن ملك نسأل الله سبحانه الرفيق الاعلى والنظر الى وجه الابهى وجماله الاسنى(5/128)
وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90) لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)
{ وجاء المعذورون من الاعراب ليؤذن لهم } من عذر فى الامر اذا قصر فيه وتوانى ولم يجدوا حقيقته ان يوهم ان له عذرا فيما يفعل ولا عذر له . فالمعذر اسم فاعل من باب التفعيل او من اعتذر اذا مهد العذر بادغام التاء فى الذال ونقل حركتها الى العين فيكون اسم فاعل من باب الافتعال والاعتذار قد يكون بالكذب وقد يكون بالصدق وذلم لان الاعتذار عبارة عن الاتيان بما هو فى صورة العذر سواء كان للمعتذر عذر حقيقة او لم يكن . والاعراب سكان البوادى من العرب لا واحد له والعرب خلاف العجم وهم سكان الامصار او عام والعربة ناحية قرب المدينة واقامت قريش بعربة فنسبت العرب اليها وهى باحة العرب وباحة دار ابى الفصاحة اسماعيل عليه السلام كما فى القاموس . والمراد بالمعذرين اسد واغطفان واستأذنوا او رهط عامر بن الطفيل قالوا ان غزونا معك اغارت اعراب طى على اهالينا ومواشينا فقال عليه السلام « سيغنينى الله عنكم » واختلفوا فى انهم كانوا معتذرين بالتصنع او بالصحة والظاهر الثانى ويدل عليه كلام القاموس حيث قال قوله تعالى { وجاء المعذرون } بتشديد الذال المكسورة هم المعتذرون الذين لهم عذر وقد يكون المعذر غير محق فالمعنى المقصرون بغير عذر انتهى
اقول وعلى كل حال لا يثبت النفاق اذ المقصر وهو المعتذر للفتور والكسل لا يكون كافرا وان كان مذموما وقد اضطرب كلام المفسرين هناك فعليك بضبط المبنى واخذ المعنى { وقعد الذين كذبوا الله ورسوله } وهم منافقوا الاعراب الين لم يجيبوا ولم يعتذروا ولم يستأذنوا فى القعود فظهر انهم كذبوا الله ورسوله فى ادعاء الايمان والطاعة
قال فى انسان العيون وجاء المعذرون وهم الضعفاء والمقلون من الاعراب ليؤذن هم فى التخلف فاذن لهم وكانوا اثنين وثمانين رجلا وقعد آخرون من المنافقين بغير عذر واظهار علة وجراءة على الله ورسوله وقد عناهم الله بقوله { وقد الذين كذبوا الله ورسوله } انتهى
{ سيصيب الذين كفروا منهم } اى من الاعراب او من المعذرين وعلى كل تقدير فمن تبعيضية لا بيانية اذ ليس كلهم كفرة وقد علم الله تعالى ان بعض الاعراب سيؤمن وان بعض المعذرين لكسله لا لكفره { عذاب اليم } بالقتل والاسر فى الدنيا والنار فى الآخرة
قال فى التأويلات النجمية الخلق ثلاث طبقات . الاولى المعذرون وهم المقصرون المعترفون بتقصيرهم وذنوبهم التائبون عن ذنوبهم المتداركون بالرحمة والمغفرة . والثانية القاعدون وهم الكاذبون الكذابون الذين لم يؤمنوا بالله ورسوله من الكافرين والمنافقين المتداركون بالخذلان والعذاب الاليم كما قال { وقعد الذين } الآية . والثالثة المؤمنون المخلصون الصادقون الناصحون ولكن فيهم اهل العذر واليه الاشارة بقوله تعالى { ليس على الضعفاء بنيست برناتوانان وعاجزان ] كالهرمى والزمنى جمع هرم بكسر الراء وهو كبير السن وجمع زمن وهو المقعد { ولا على المرضى } [ ونه بربيماران ومعلول ] جمع مريض { ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون } لفقرهم كمزينة وجهينة وبنى عذرة { حرج } اثم فى التخلف والتأخر عن الغزو ثم انه تعالى شرط فى انتفاء الحرج عنهم شرطا معينا فقال { اذا نصحوا لله ورسوله } قال ابو البقاء العامل فيه معنى الكلام اى لا يخرجون حينئذ .(5/129)
والنصح اخلاص العمل من الغش يقال نصح الشيء اذا خلص ونصح فى القول اذا كلمه بما هو خير محض له والناصح الخالص وفى الحديث « الدين النصيحة الدين النصيحة » ذكرها ثلاث مرات قيل هذا الكلام مدار الاسلام لان النصيحة هى ارادة الخير معناه عماد الدين النصيحة كما يقال الحج عرفة اى عماده « قالوا لمن يا رسول الله قال لله » معنى نصيحته تعالى الايمان به واخلاص العمل فيما امر به « ولرسوله » نصيحته تصديقه بكل ما علم مجيئهه به واحياء طريقه « ولكتابه » نصيحته الاعتقاد بانه كلام الله والعمل بمحكمه . والتسليم لمتشابهه وفى الحقيقة هذه النصائح راجعة الى العبد « ولائمة المسلمين » نصيحتهم اطاعتهم فى المعروف وتنبيههم عند الغفلة « وعامتهم » نصيحة عامة المسلمين دفع المضار عنهم وجلب المنافع اليهم بقدر الوسع كذا فى شرح المشارق لابن ملك . فمعنى الآية ان المتخلفين من اصحاب الاعذار لا اثم عليهم فى تخلفهم اذا اخلصوا الايمان لله ولرسوله وامتثلوا امرهما فى جميع الامور ومعظمها ان لا يفشوا ما سمعوه من الاراجيف فى حق الغزاة وان لا يثيروا الفتن وان يسعوا فى ايصال الخير الى المجاهدين ويقوموا باصلاح مهمات بيوتهم ويسعوا فى ايصال الاخبار السارة من بيوتهم اليهم { ما على المحسنين من سبيل } استئناف مقرر لمضمون ما سبق اى ليس عليهم جناح ولا الى معاتبتهم سبيل ومن زائدة لعموم النفى ووضع المحسنين موضع الضمير للدلالة على انتظامهم بنصحهم لله ورسوله فى سلك المحسنين وقد اشتهر ان تعليق الحكم على الوصف المناسب يشعر بعلية الوصف له { والله غفور رحيم } يشير الى ان بهم حاجة الى المغفرة وان كان تخلفهم بعذر فان الانسان محل التقصير والعجز فلا يسعه الا العفو : وفى المثنوى
شمس هم معده زمين را كرم كرد ... تا زمين باقى حدثهارى بخورد
جزؤخاكى كشت ورست ازوى نبات ... هكذا يمحو الاله السيآت
اى كه من زشت وخصالم نيز زشت ... جون شوم كل جون مرا اوخار كشت
نوبهارا حسن كل ده خاررا ... زينت طاوس ده آن ماررا(5/130)
وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)
{ ولا على الذين اذا ما اتوك لتحملهم } عطف على المحسنين اى ليس شيء ثابتا على المحسنين ولا على الذين اذا ما اتوك [ جون بيامدند بسوى تو ودرخواست كردند { لتحملهم } تايشانرا دستورى دهى وياخود بحرب برى ] وهم البكاؤن سبعة من الانصار معقل بن يسار وصخر بن الخنساء وعبد الله بن كعب وسالم بن عميرة وثعلبة بن غنمة وعبد الله بن مغفل وعليه بن زيد اتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا نذرنا الخروج فاحملنا على الخفاف المرقوعة والنعال المخصوفة فنغزو معك فقال عليه السلام « لا اجد » فتولوا وهم يبكون وقيل هم بنوا مقرن كمحدث وكانوا سبعة اخوة كلهم صحبوا النبى عليه السلام وليس فى الصحابة سبعة اخوة غيرهم كذا فى تفسير القرطبى { قلت لا اجد ما احملكم عليه } حال من الكاف فى اتوك باضمار قد ادى اذا ما اتوك قائلا لا اجد وما عامة لما سالوه عليه السلام وغيره مما يحمل عليه عادة من النفقة والظهر وفى ايثار لا اجد على ليس عندى من تلطيف الكلام وتطييب قلوب السائلين ما لا يخفى كانه عليه السلام يطلب ما يسألونه على الاستمرار فلا يجده { تولوا } جواب اذا [ از اشك يعنى اشك از ديدهاى ايشان ميريخت ] واسناد الفيض الى العين مجازى كسال الميزاب والاصل يفيض دمعها عدل الى هذه الصور للدلالة على المبالغة فى فيضان الدمع كان العين كلها دمع فياض { حزنا } نصب على العلية والعامل تفيض لا يقال فاعل الفيض مغاير لفاعل الحزن فكيف نصب لانا نقول ان الحزن يجوز اسناده الى العين مجازا فيقال عين حزينة وعين مسرورة { ان لا يجدوا } ان مصدرية بتقدير لام متعلقة بحزنا اى لئلا يجدوا { ما ينفقون } فى شراء ما يحتاجون اليه اذ لم يجدوه عندك
قال الكاشفى [ عمر وعباس وعثمان رضى الله عنهم ايشانرا زاد وتوشه ومركب داده همراه بردند بس حق تعالى ميفرمايدكه بدين نوع مردم اكر تخلف كنند حرجى وعنابى نيست(5/131)
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93)
{ انما السبيل } بالمعاتبة { على الذين يستأذنونك } فى التخلف { وهم اغنياء } واجدون لاهبة الغزو مع سلامتهم ررضوا } استئناف تعليل لما سبق كأنه قيل ما بالهم استأذنوا وهم اغنياء فقيل رضوا { بان يكونوا مع الخوالف } اى النساء رضى بالدناءة وايثار للدعة { وطبع الله على قلوبهم } [ ومهر نهاد خداى تعالى ازخذلان بردلهاى ايشان ] حتى غفلوا عن وخامة العاقبة { فهم } بسبب ذلك { لا يعلمون } ابدا غاثلة ما رضوا به وما يستتبعه آجلا كما لم يعلموا بخاسة شانه آجلا
قال ارسطوا الارتقاء الى السؤدد صعب والانحطاط الى الدناءة سهل
وسئل عيسى عليه السلام أى الناس اشرف فقبض قبضتين من تراب ثم قال أى هذين اشرف ثم جمعهما وطرحهما وقال الناس كلهم من تراب واكرمهم عند الله اتقاهم فالعلو والشرف فى التقوى واختيار المجاهدة على الراحة والحزن والبكاء على الفرح والسرور وفى الحديث « اقرب الناس الى يوم القيامة من طال حزنه وعطشه وجوعه »
وقال حكيم الدنيا سوق الآخرة والعقل قائد الخير والمال رداء التكبر والهوى مركب المعاصى والحزن مقدمة السرور : قال الصائب
هر محنتى مقدمه راحتى بود ... شد همز حق جوزبان كليم سوخت
وقد ذم الله تعالى اهل النفاق بالفرح والاستهزاء ومدح اهل الاخلاص بالحزن والبكاء وادى ضحك اولئك الى البكاء الكثير وبكاء هؤلاء الى الضحك الوفير : وفى المثنوى
تانكريد ابركى خندد جمن ... تانكريد طفل كى جوشد لبن
هركجا آب روان سبزه بود ... هركجا اشك روان رحمت شود
باش جون دولاب نالان جشم تر ... تاز صحن جانت بررويد خضر
ثم ان الله تعالى انما يمنع المرء من مراده ليستعد له وليزداد شوقه الا ترى الى النبى عليه السلام كيف قال { لا اجد ما احملكم عليه } عزة وترفعا واستغناء ودلالا كما قال تعالى لموسى عليه السلام عند سؤاله بقوله { رب ارنى انظر اليك قال لن ترانى } ليزيد بهذا المنع والتعزر شوق موسى عليه السلام فكان منع النبى عليه السلام منهم من هذا القبيل فزادهم الشوق والحرص على الغزو فلما غلب الشوق وزاد الطلب اعطوا مامولهم واجيب سؤلهم كاسبق وهذه حال الصورة وقس عليها حال المعنى فكما ان الفرح فى عالم الصورة لا يقدر على الطيران قبل نبات الجناح وهو من الشعر فكذا العاشق لا يقدر على الطيران فى عالم المعنى قبل وجود الجناح وهو من العلم والعمل والشوق الى المولى والتوجه الى الحضرة العليا وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « رأيت جعفر بن ابى طالب ملكا يطير فى الجنة ذا جناحين يطير بهما حيث شاء مخضوبة قوادمه بالدماء » قال الامام المنذرى وكان جعفر قد ذهبت فى يداه فى سبيل الله يوم موته فابد له الله بهما جناحين فمن اجل ذا سمى جعفر الطيار(5/132)
قال السهيلى ما ينبغى الوقوف عليه فى معنى الجناحين انهما ليسا كما سبق الى الوهم على مثل جناحى الطائر وريشه لان الصورة الآدمية اشرف الصور واكملها وفى قوله عيله السلام « ان الله خلق آدم على صورته » تشريف لها عظيم وحاش لله من التشبيه والتمثيل ولكنها عبارة عن صورة ملكية وقوة روحانية اعكيها جعفر كما اعطيها الملائكة وقد قال الله تعالى لموسى عليه السلام { واضمم يدك الى جناحك } فعبر عن العضد بالجناح توسعا وليس ثمة طيران فكيف بمن اعطى القوة على الطيران مع الملائكة اخلق به اذن بوصف الجناح مع كمال الصورة الآدمية وتمام الجوارح البشرية وقد قال اهل العلم فى اجنحة الملائكة ليست كما يتوهم من اجنحة الطير ولكنها صفات ملكية لا تفهم الا بالمعاينة واحتجوا بقوله تعالى { اولى اجنحة مثنى وثلاث ورباع } فكيف تكون كاجنحة الطير على هذا ولم ير طائر ثلاثة اجنحة ولا اربعة فكيف بستمائة جناح كما جاء فى صفة جبريل فدل على انها صفات لا تنضبط كيفيتها للفكر ولا ورد ايضا فى بيانها خبر فيجب علينا الايمان بها ولا يفيدنا اعمال الفكر فى كيفيتها علما وكل امرئ قريب من معاينة ذلك فاما ان يكون من الذين { تنزل عليهم الملائكة ان لا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التى كنتنم توعدون } واما ان يكون من الذين تقول لهم الملائكة { وهم باسطوا ايديهم اخرجوا انفسكم اليوم تجزون عذاب الهون } كذا فى فتح القريب والله يهدى كل مريب(5/133)
يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94)
{ يعتذرون } آي يعتذر المنافقون { إليكم } فى التخلف وكانوا بضعة وثمانين رجلا والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه والآية نزلت قبل وقوع الاعتذار ولذا قال الكاشفى [ القاء اعتذار خواهد كرد منافقان بسوى شما ] { اذا رجعتم } من غزوة تبوك منتهين { اليهم } وانما لم يقل الى المدينة ايذانا بان مدار الاعتذار هو الرجوع اليهم لا الرجوع الى المدينة فلعل منهم من بادر بالاعتذار قبل الرجوع اليها { قل } يا محمد والتخصيص لما ان الجواب من وظيفته عليه السلام { لا تعتذروا } اى لا تفعلوا الاعتذار لانه { لن نؤمن لكم } لن نصدقكم فى اعتذاركم لانه { قد نبأنا الله من اخباركم } اى اعلمنا بالوحى بعض اخباركم المنافية للتصديق وهو ما فى ضمائرهم من الشر والفساد : وفى المثنوى
از منافق عذررد آمد نه خوب ... زانكه درلب بود آن نى در قلوب
كذب جون خس باشدول جودهان ... خس نكردد دردهان هركز نهان
{ وسيرى الله عملهم } فيما سيأتى { ورسوله } أتتوبون عن الكفر والنفاق ام تثبتون عليه وكأنه استتابة وامهال للتوبة { ثم تردون } يوم القيامة { الى عالم الغيب } وهو ما غاب عن العباد { والشهادة } وهو ما علمه العباد { فينبئكم } عند ردكم اليه ووقوفكم بين يديه { بما كنتم تعلمون } اى بما كنتم تعلمونه فى الدنيا على الاستمرار من الاعمال السيئة السابقة واللاحقة والمراد بالتنبئة بذلك المجازاة به وايثارها عليها للايذان بانهم ما كانوا عالمين فى الدنيا بحقيقة اعمالهم وانما يعلمونها يومئذ حين يرونها على صورها الحقيقة(5/134)
سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95)
{ سيحلفون بالله لكم } تأكيدا لمعاذيرهم الكاذبة القائلين والله ما قدرنا على الخروج ولو قدرنا عليه لما تخلفنا { اذا انقلبتم } اى انصرفتم من الغزو { اليهم } وهم جد بن قيس ومعتب بن قشير واصحابهما { لتعرضوا عنهم } اعراض صفح وهو الاعراض عن الذنب وتتركوا لومهم وتعنيفهم { فاعرضوا عنهم } لكن الاعراض رضى كما هو طلبتهم بل اعراض اجتناب ومقت وتحقير { انهم رجس } اى كالنتن الذى يجب الاجتناب عنه وفيهم رجس روحانى
وقال فى التبيان اى نجس وعملهم قبيح لا يتطهرون بالتقريع { ومأويهم } اى مصيرهم { جهنم } من تمام التعليل فان كونهم من اهل النار من دواعى الاجتناب وموجبات ترك استصلاحهم باللوم والعتاب { جزاء } اى يجزون جزاء { بما كانوا يكسبون } فى الدنيا من فنون السيآت(5/135)
يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96)
{ يحلفون } به تعالى { لكم } [ براى شما ] { لترضوا عنهم } بخلقتهم الكاذبة ولتستديموا عليهم ما كنتم تفعلون بهم { فان ترضوا عنهم فان الله لا يرضى عن القوم الفاسقين } المتمردين فى الكفر فان رضاكم لا يستلزم رضى الله ورضاكم وحدكم لا ينفعهم اذا كانوا فى سخط الله وبصدد عقابه
والمقصود من الآية نهى المخاطبين عن الرضى عنهم والاغترار بمعاذيرهم الكاذبة على ابلغ وجه وآكده فان الرضى عمن لا يرضى عنه الله تعالى مما لا يكاد يصدر عن المؤمن كما فى الارشاد -روى- ان النبى عليه السلام حين قدم المدينة قال « لا تجالسوهم ولا تكلموهم » وفيه اشارة الى هجر المنافق والمصر على ذنبه الى ان يتوب
قال محمد الباقر رضى الله عنه اوصانى ابى زين العابدين رضى الله عنه فقال لا تصحبن خمسة ولا تحاد بهم ولا ترافقهم فى الطريق . ولا تصحبن فاسقا فانه يبيعك باكلة فما دونها . قلت يا ابت وما دونها قال يطمع فيها ثم لا ينالها . ولا تصحبن البخيل فانه يقطع بك احوج ما تكون اليه . ولا تصحبن كذابا فانه بمنزلة السراب يبعد عنك القريب ويقرب منك البعيد . ولا تصحبن احمق فانه يريد ان ينفعك فيضرك وقد قيل عدو عاقل خير من صديق احمق . ولا تصحبن قاطع رحم فأنى وجدته ملعونا فى كتاب الله تعالى فى ثلاثة مواضع
ثم فى الآيات بيان الاعتذار الباطل مردود على صاحبه وان كان قبول العذر من اخلاق الكرام فى نفس الامر : وفى المثنوى
عذر احمق بدترا از جرمش بود ... عذر نادان زهر هردانش بود
وبيان ان اليمين الكاذبة لترويج عذره وغرضه باطلة ومذمومة بل رب يمين صادقة لا يتجاسر عليها من هو بصدد التقوى حذرا من ابتذال اسم الله تعالى فلا بد من ضبط اللسان وفى الحديث « لا يبلغ العبد ان يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس »
وبيان ان المنافقين رجس اى جعلوا على طينة خبيثة غير طيبة ولذا كسبوا بخباثة تلك الطينة اعمالا خبيثة واوصافا ذميمة وبها صاروا مستحقين للنار مطلقا اى صورية وهى نار جهنم ومعنوية وهى نار القطيعة والهجران من الله تعالى ومن الرسول عليه السلام والمؤمنين اجمعين [ شبلى ديد زنى راكه مى كريد وميكويد يا ويلاه من فراق ولدى شبلى كريست وكفت يا ويلاه من فراق الاخذان زن كفت جرا جنين ميكويى شبلى كفت توكريه ميكنى برمخلوقى كه هرآنيكه فانى خواهد شد من جراكريه نكنم برفراق خالقى كه بلقى باشد ]
فرزند ويار جونكه بميرند عاقبت ... اى دوست دل منبد بجزحى لا يموت
فعلى العاشق المهجور ان يبكى من ألم الفراق ويبالغ فى الوجد والاشتياق لعل الله تعالى يزيل البين من البين ويجعله بعد غمه وهمه قرير العين ويرضى عنه كما رضى عن الابرار جمع عربى والمجوس ولا يسخط عليه الى ابد الآبدين(5/136)
الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97)
{ الاعراب } جمع اعرابى كما ان العرب جمع عربى والمجوس جمع محوسى واليهود جمع يهودى بحذف ياء النسبة فى الجمع والفرق بين العرب والاعراب ان العرب صنف خاص من بنى آدم سواء سكن البوادى ام القرى . واما الاعراب فلا يطلق الا على من يسكن البوادى فالعرب اعم . وقيل العرب هم الذين استوطنوا المدن والقرى والاعراب لان اهل البدو فيكونان متباينين اى اصحاب البدو { اشد كفرا ونفاقا } من اهل لان اهل البدو تشبه الوحوش من حيث انهم مجبولون على الامتناع عن الطاعة والانقياد لان استيلاء الهواء الحار اليابس عليهم يزيدهم قساوة لقلوبهم وهى تستبع التكبر والفخر والطيش عن الحق ولان من لم يدخل تحت تأدب مؤدب ولم يخالط اهل العلم والمعرفة ولم يستمع كتاب الله ومواعظ رسوله كيف يكون مساويا لمن اصبح وامسى فى صحبة اهل العلم والحكمة مستمعا لمواعظ الكتاب والسنة ولذا ورد فى الحديث « اهل الكفور اهل القبور » الكفور جمع كفر وهى القرية لسترها الناس . والمعنى ان سكان القرى بمنزلة الموتى لا يشاهدون الامصاروالجمع
وفى الفردوس الاعلى يريد بها القرى البعيدة عن الامصار ومجتمع اهل العلم لكون الجهل عليهم اغلب وهم الى البدع اسرع : قال فى المثنوى
ده مرو ده مرد را احمق كند ... عقل را بى نور وبى رونق كند
قول بيغمر شنو اى مجبتى ... كور عقل آمد وطن درروستا
وان شئت تعرف الفرق بين اهل الحضر والبادية فقابل الفواكه الجبلية بالفواكه البستانية
قال فى الارشاد هذا من باب وصف الجنس بوصف بعض افراده كما فى قوله تعالى { وكان الانسان كفورا } اذ ليس كل الاعراب كما ذكر على ما ستحيط به خبرا
قال الكاشفى [ مراد بنو تميم وبنو اسد وغطفان واعراب حوالى مدينة اند نه تمام اهل بادية بلكه ابن جمع مخصوص ] { واجدر ان لا يعلموا } اى احق واولى ان لا يعلموا { حدود ما انزل الله على رسوله } اى حدود العبادات والشرائع المنزلة من الله تعالى على رسوله فرائضها وسننها وذلك لكونهم ابعد عن استماع القرآن والسنن ولذلك تكره امامة الاعرابى فى الصلاة كما فى الحدادى
قال العلماء اذا كان الامام يرتكب المكروهات فى الصلاة كره الاقتداء به وينبغى للناظر وولى الامر عزله كما فى فتح القريب { والله عليم } باحوال كل من اخل الوبر والمدر { حكيم } فيما يصيب به مسيئهم ومحسنهم من العقاب والثواب
قال فى التأويلات النجمية ان فى عالم الانسان بدوا وهو نفسه وحضرا وهو قلبه كما ان فى عالم الصورة بدوا وحضرا والاعراب اشارة الى النفس وهواها وهو الكفر والنفاق لها ذاتى كما ان الايمان للقلب ذاتى من فطرة الله التى فطر الناس عليها فيتحمل ان يصبر القلب كافرا بسراية صفة النفس اليه فيتلونى بلون النفس : وفى المثنوى(5/137)
اندك اندك آب را دزدد هوا ... وين جنين دزددهم احمق ازشما
كرميت را دزدد وسردى دهد ... همجنان كوزير خود سنكى نهد
كما يتحمل ان تصير النفس مؤمنة لسراية صفة القلبفتلون بلون القلب
مكو زنهار اصل عود جوبست ... ببين دودش جه مستثنى وخوبست
يعنى بسبب مجاورة كلاب وذلك مشهور والنفس تكون اشد كفرا ونفاقا من القلب وان كان كافرا ان القلب يكون اشد ايمانا من النفس وان كانت مؤمنة { واجدر } يعنى النفس وصفاتها اولى من القلب { ان لا يعلموا حدود ما انزل الله على رسوله } اى من الواردات النازلة على الارواح فان الروح بمثابة الرسول فى عالم الصورة { والله عليم حكيم } فى ان يجعل بعض النفس الكافرة مؤمنة وبعض القلب المؤمن كافرا(5/138)
وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98)
{ ومن الاعراب } اى ومن جنس الاعراب الذى نعت بنعت بعض افراده { من يتخذ ما ينفق } من المال اى يعد ما يصرفه فى سبيل الله ويتصدق به صورة { مغرما } مصدر بمعنى الغرامة والغرم وهو ما ينوب الانسان فى ماله من ضرر لغير جناية ومن لا يؤمن بالله واليوم الآخر ولا يرجو على انفاقه فى سبيل الله ثوابا ولا يخاف على تركه عقابا فلا جرم يعد ما انفقه غرامة وضياع مال بلا فائدة وانما ينفق رياء او تقية { ويتربص بكم الدوائر } والتربص الانتظار . والدوائر جمع دائرة وهى ما يدور حول الانسان من المصائب ومعنى تربص الدوائر انتظار المصائب بان تنقلب دولة المسلمين بموت الرسول صلى الله عليه وسلم وغلبة الكفار عليهم فيتخلصوا من الانفاق
يقول الفقير وهذا النفاق موجود الآن أن لا ترى الى بعض المتسمين بسمة الاسلام كيف يتمنى ظهور الكفار ليتخلص من الانفاق والتكاليف السلطانية ولذا يتصدق الا كرها خلصه الله وايانا من كيد النفس والشيطان وجعله الله وايانا من المتحققين بحقيقة الايمان { عليهم دائرة السوء } [ برايشان باد كردش روز كار بدايشان منقلب شود ] فهو دعاء عليهم بنحو ما ارادوا بالمؤمنين . والسوء بالفتح مصدر ساء نقيض سر ثم اطلق على كل ضرر وشر واضيفت اليه الدائرة ذاتا كما يقال رجل سوء لان من دارت عليه يذمها وهى من باب اضافة الموصوف الى صفته فوصفت فى الاصل بالمصدر مبالغة ثم اضيفت الى صفتها { والله سميع } لما يقولون عن الانفاق مما لا خبر فيه { عليم } بما يضمرونه من الامور الفاسدة التى من جملتها ان يتربصوا بكم الدوائر(5/139)
وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99)
{ ومن الاعراب } اى من جنسهم على الاطلاق كما فى الارشاد من اسد وجهينة وغفار واسلم كما فى التبيان { من يؤمن بالله واليوم الآخر } قال فى الروضة سمع اعرابى قوله تعالى { الاعراب اشد كفرا ونفاقا } فانقبض ثم سمع { ومن الاعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر } فقال الله اكبر هجانا الله ثم مدحنا { ويتخذ ما ينفق } اى ينفقه فى سبيل الله { قربات } اى سبب قربات وذرائع اليها وهى ثانى مفعولى يتخذ { عند الله } صفتها
قال الحدادى اى يتخذ نفقته فى الجهاد تقربا الى الله تعالى فى طلب المنزلة عنده والثواب والجمع باعتبار انواع القربات وافراداها
وفيه اشارة الى الحديث القدسى « من تقرب الى شبرا تقربت اليه ذراعا » { وصلوات الرسول } اى وسائل اليها وسببها فانه عليه السلام كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة ويستغفر لهم ولذلك سن للمتصدق عليه وهو من يأخذ الصدقة ان يدعو للمتصدق اى معطى الصدقة عند اخذ صدقته لكن ليس له ان يصلى عليه كما فعله عليه السلام حين قال « اللهم صل على آل ابى اوفى » فان ذلك منصبه فله ان يتفضل به على من يشاء { ألا } كلمة تنبيه { انها } اى النفقة المدلول عليها بما ينفق والتأنيث باعتبار الخير { قربة } عظيمة { لهم } اى سيقربهم الله بهذا الانفاق لذا فعلوه وهو شهادة لهم من جناب الله تعالى بصحة ما اعتقدوه من كون ما ينفعونه فى سبيل الله سبب قربات وتصديق لرجائهم { سيدخلهم الله فى رحمته } وعدلهم باحاطة رحمته الواسعة بهم وتفسير للقربة . والسنين لتحقيق الوعد لانها فى الاثبات بمنزلة لن فى النفى
وقال الكاشفى [ زود باشدكه درآرد خداى تعالى ايشانرا دربهشت خودكه محل نزول رحمتست ] { ان الله غفور } [ آمر زنده است مر متصدقانرا ] { رحيم } [ مهربانيست بر مقربان ]
واعلم ان فضل الصدقة والانفاق لا يخفى على احد -حكى- انه وقع القحط فى بنى اسرائيل فدخل فقير سكة من السكك وكان فيها بيت غنى فقال تصدقوا على لاجل الله فاخرجت اليه بنت الغنى خبزا حارا فاستقبله الغنى فقال من دفع اليك هذا الخبز فقال ابنة من هذا البيت فدخل وقطع يد ابنته اليمنى فحول الله حاله فافتقر ومات فقيرا ثم ان شابا غنيا استحسن الابنة لكونها حسناء فتزوجها وادخلها داره فلما جن الليل احضرت مائدة فمدت اليد اليسرى فقال الغنى سمعت ان الفقراء يكونون قليلى الادب فقال مدى يدك اليمنى فمدت اليسرى ثانيا فاخرجت يدها اليسى ثانيا وثالثا فهتف بالبيت هاتف اخرجى يدك اليمنى فالرب الذى اعطيت الخبز لاجله رد عليك يدك اليمنى فاخرجت يدها اليمنى بامر الله تعالى واكلت كذا فى روضة العلماء ففى الحكاية ان من آتاه الله تعالى نعمة فلم يؤد شكرها عوقب بزوالها ألا ترى الى بلعم لم يشكر نعمة وترك جبر الله كسره وان الاكل باليسرى خلاف الادب فان الشيطان يأكل بيساره الا ان يكون معذورا بسبب من الاسباب : وفى المثنوى(5/140)
كفت بيغمبر كه دائم بهر بند ... دوفرشته خوش منادى ميكنند
كاى خدايا منفقانرا سيردار ... هردرمشان را عوض ده سد هزار
اى خدايا ممسكانرا درجهان ... تومده الازيان اندر زيان
آن درم داذن سخى را لائق است ... جان سبردن خود سخاى عاشق است
نان دهى ازبهر حق نانت دهند ... جان دهى ازبهر حق جانت دهند
هركه كارد كردد انبارش تهى ... ليكش اندر مزرعه باشد بهى
وانكه در انبار ماند وصرفه كرد ... اسبش وموش وحوادثها ثهاش خورد
قبل ما منع مال من حق الا ذهب فى باطل اضعافه قال على رضى الله عنه فرض فى اموال الاغنياء اقوات الفقراء فما جاع فقير الا بما منع غنى والله سائلهم عن ذلك(5/141)
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)
{ والسابقون الاولون من المهاجرين } والمراد قدماء الصحابة وهم الذين سبقوا الى الايمان وصلوا الى القبلتين وشهدوا بدرا وكان اول من اسلم خديجة رضى الله عنها وعليه الجمهور { والانصار } اهل بيعة العقبة الاولى وكانوا سبعة نفر واهل العقبة الثانية وكانوا سبعين والذين آمنوا حين قدم عليهم الوزارة مصعب بن عمير كما سيأتى وانما مدح السابقين لان السابق امام للتالى والفضل للمتقدم { والذين اتبعوهم باحسان } اى متلبسين به والمراد كل خصلة حسنة وهم اللاحقون بالسابقين من الفريقين . وقيل المراد بهم جميع الصحابة من المهاجرين والانصار فانهم سابقون الى الاسلام بالنسبة الى سائر المسلمين فمن بيانه والتابعون هم اهل الايمان الى يوم القيالمة { رضى الله عنهم } خبر للمبتدأ اى رضى عنهم بقبول طاعتهم وارتضاء اعمالهم { ورضوا عنه } بما نالوا من نعمة الدينية والدنيوية { واعد لهم } [ وآماده كرد خداى تعالى مر ايشانرا ] { جنات تجرى تحتها الانهار } [ بستانها كه ميرود درزير درختان آن جويها ] القراء يقرأون تحتها الانهار فى هذا الموضع بغير من الا ابن كشير فانه يقرأ من تحتها كما هو فى سائر المواضع { خالدين فيها } مقدرا خلودهم فى تلك الجنات { ابدا } من غير انتهاء فهو لاستغراق المستقبل كما ان الازل لاستغراق الماضى ولاستعمالها فى طول الزمانين جدا قد يضافان الى جمعهما فيقال ابدا الآباد وازل الآزال واما السر مد فللا ستغراق الماضى والمضارع { ذلك } اشارة الى ما فهم من اعداد الله سبحانه لهم الجنات المذكورة من نيل الكرامة العظمى { الفوز العظيم } الذى لا فوز وراءه
واعلم انه عليه السلام اوحى اليه وهو ابن اربعين سنة فى مكة فبايعه جماعة من الناس فعدا عليهم كفار قريش فظلموهم ليردوهم الى ما كانوا عليه فامرهم النبى عليه السلام بالهجرة الى ارض الحبشة وملكها وهو النجاشى فخرجوا نحو من ثمانين رجلا من رجب من السنة الخامسة من النبوة وهذه هى الهجرة الاولى ثم بايعه فى كل واحدة من العقبتين جمع من الانصار وكانت بيعة العقبة الاولى فى سنة احدى عشرة من النبوة وبيعة العقبة الثانية فى السنة الثانية عشرة ولما انصرف اهل العقبة الثانية الى المدينة بعث عليه السلام معهم مصعب ابن عمير ليفقه اهلها ويعلمهم القرآن فاسلم خلق كثير منهم وسمى اهل المدينة انصارا مع ان المخاجرين ايضا نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم لانهم نصروه عليه السلام والذين هاجروا اليهم من المؤمنين لما جاؤهم آووهم ونصروهم ثم اجتمعوا جميعا على نصرته صلى الله عليه وسلم فى الغزوات ثم هاجر عليه السلام الى المدينة فى السنة الرابعة عشرة من النبوة وهى الهجرة الثانية . واما تحويل القبلة من بيت المقدس الى الكعبة فهو وقع يوم الثلاثاء من شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من مقامه بالمدينة وفى هذه السنة وقعت غزوة بدر الكبرى فى شهر رمضان فى تاسع عشرة وكانت غزوة الحديبية فى سنة ست من الهجرة وفيها وقعت بيعة الرضوان
قيل اجمع اصحابنا على ان افضل هذه الامة الخلفاء الاربعة .(5/142)
ثم الستة الباقون الى تمام العشرة . ثم البدريون . ثم اصحاب احد . ثم اهل بيعة الرضوان بالحديبية
وفى السابقون وجوه اخر السابقون اى الذين سبقت لهم العناية الازلية كما قال تعالى { ان الذين سبقت لهم منا الحسنى } الاولون فى سبق العناية لهم . وايضا السابقون فى الخروج من العدم الاولون عند الخروج وهم اهل الصف الاول فى عالم الارواح اذا كانت الارواح صفوفا كالجنود المجندة . وايضا السابقون فى الخروج من صلب آدم عند اخذ ذرات ذرياته من صلبهم الاولون عند استماع خطاب ربهم . وايضا السابقون الاولون عند تخمير طينة آدم بيده اربعين صباحا بممارسة ذراتهم بيد القدرة وباستكمال تصرف القدرة فى كمال الاربعين . وايضا السابقون عند رجوعهم بقدم السلوك الى حضرة الربوبية على اقرانهم الاولون بالوصول الى سرادقات الجلال
واعلم ان هذا السبق مخصوص بالنبى عليه السلام وامته كما اخبر بقوله « نحن الاخرون السابقون » اى الآخرون خروجا فى الصورة السابقون دخولا فى المعنى
قال فى فتح القريب نحن الآخرون خروجا فى الزمان والوجود واعطاء الكتاب « والاولون يوم القيامة » اى بالفضل ودخول الجنة وفصل القضاء فتدخل هذه الامة الجنة قبل سائر الامم انتهى
فالسبق اما بالقدم واما بالهمم والثانى هنو المرجح المقدم -يحكى- عن ابى القاسم الجنيد قدس سره قال كنت ابكر الجامع فاسمع قد سبقت يا ابا القاسم فاقدم الوقت فى الجمعة الثانية فاسمع قد سبقت يا ابا القاسم فلم ازل كذلك حتى اصل الصبح فى الجامع فسمعت قد سبقت يا ابا القاسم فسألت الله ان يعرفنى من يسبقنى مع بكورى فهتف بى هاتف من زاوية المحراب الذى سبقك هو الذى يخرج آخر الناس فصليت الجمعة ثم جلست الى العصر فصليت جماعة ثم جلست الى ان خرج الناس وفى آخرهم شيخ همّ اى كبير فتعلقت به فقلت له يا شيخ متى تحضر الجماعة قال وقت الزوال قلت فبأى شيء تسبقنى فقد دللت عليك فقال يا ابا القاسم انا اذا خرجت من الجامع نوبت من بقيت الى يوم مثله حضرت الجامع قال فعرفت ان السبق بالهمم لا بالقدم : قال فى المثنوى
اول فكر آخر آمد در عمل ... خاصه فكرى كوبود وصف ازل
دل بكعبه ميرود در مر زمان ... جسم طبعى دل بكيرد زامتان
اين درازو كوتهى مر جسم راست ... جه درازوكوته آنجا كه خداست
جون خدامر جسم راتبديل كرد ... رفتنش بى فرسخ وبى ميل كرد(5/143)
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)
{ وممن حولكم } خبر مقدم لقوله منافقون اى حول بلدتكم يعنى المدينة { من الاعراب } من اهل البوادى وقد سبق الفرق بينه وبين العرب { منافقون } وهم جهينة ومزينة واسلم واشجع وغفار كانوا نازلين حولها { ومن اهل المدينة } قوم { مردوا على النفاق } [ خوكرده اند واقامت نموده برنفاق يادر منافقى ماهر شده اند ] والمرود على الشيء التمرن عليه والمهارة فيه باعتياده والمدينة
اذا اطلقت اريد بها دار الهجرة التى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنبره وقبره من مجن بالمكان اذا قام به فتكون الميم اصلية . والجمع مدن بضم الدال واسكانها ومدائن بالهمزة او من دان اذا اطاع والدين الطاعة فتكون الميم زائدة والجمع مداين بلا همز كمعايش بالياء . ولها اسماء كثيرة منها طابة وطيبة بفتح الطاء وسكون الياء لخلوا من الشرك او لطيبها بساكنيها لامنهم ودعتهم او لطيب عيشها فيها او لكونها طاهرة التربة او من النفاق
وفى الحديث « تنفى الناس » اى شرارهم « كما ينفى الكير خبث الحديد » وفى الحديث « ان الايمان لبأرز الى المدينة كما تأزر الحية الى جحرها تدخل بلا عوج » والمراد بالمدينة جميع الشأم فانها من الشأم خص المدينة بالذكر لشرفها فعلى هذا تكون المدينة شامية كما ذهب اليه ابن ملك
قال النووى ليست شامية ولا يمانية بل هى حجازية
وقال الشافعى مكة والمدينة يمانيتان { لا تعلمهم } بيان لقوله مردوا على النفاق اى بلغوا من المهارة فى النفاق الى حيث خفى نفاقهم عليك مع كمال فطنتك وقوة فراستك فالمراد لا تعرف حالهم ونفاقهم { نحن نعلمهم } منافقين ونطلع على اسرارهم ان قدروا ان يلبسوا عليك ولم يقدروا ان يلبسوا علينا { سنعذبهم } السين للتأكيد { مرتين } -روى- انه عليه السلام قام خطيبا يوم الجمعة فقال « اخرج يا فلان فانك منافق اخرج يا فلان فانك منافق » فاخرج ناسا وفضحهم فهذا هو العذاب الاول والعذاب الثانى عذاب القبر
وفى بعض الآثار ان المنافق يسأل اربعين يوما فلا يقدر على الجواب ويجوز ان يكون المراج بالمرتين مجرد التكثير كما فى قوله تعالى { فارجع البصر كرتين } اى كرة بعد اخرى { ثم يردون } يوم القيامة { الى عذاب عظيم } هو عذاب النار [ وبحقيقت عذاب عظيم بعد ايشانست ازدركاه عزت ومحجوبيت ايشان او نور لقا ورؤيت وهيج عذابى ازز نكبت حرمان ومشقت هجران بزركتر نيست ]
از فراق تلخ ميكوئى سخن ... هرجه خواهى كن وليكن آن مكن
تلخ تر از فرقت تو هيج نيست ... بى بناهت غير بيجا بيج نيست
صد هزاران مرك تلخ از دست تو ... نيست مانند فراق روى تو
جور دوران وهرآن رنجى كه هست ... سهلتر اوز بعد حق وغفلتست
زانكه اينها بكذرد وان نكذرد ... دولت آن داردكه جان آكه برد
از فراق اين خاكها شوره بود ... آب زردو كنده و تيره بود
دوزخ ازفرقت جنان سوزان شده است ... بيد ازفرقت جنان لرزان بده است
كربكويم از فراق جون شرار ... تا قيامت يك بود از هزار(5/144)
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102)
{ وآخرون } او ومن اهل المدينة قوم آخرون { اعترفوا } اقروا { بذنوبهم } التى هى تخلفهم عن الغزو وايثار الدعة عليه والرضى بسوء جوار المنافقين وندموا على ذلك ولم يعتذروا بالمعاذير الكاذبة وهم طائفة من المتخلفين اوثقوا انفسهم على سوارى المسجد عندما بلغهم ما نزل فى المتخلفين فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره فدخل المسجد اولا فصلى ركعتين حسب عادته الكريمة ورآهم كذلك فسأل عن شأنهم فقالوا هؤلاء تخلفوا عنك فعاهدوا الله واقسموا ان لا يطلقوا انفسهم حتى يكون رسول الله هو الذى يطلقهم فقال عليه السلام « وانا اقسم ان لا احلهم حتى أومر فيهم » فنزلت فاطلقهم واعذرهم { خلطوا عملا صالحا } هو ما سبق منهم من الاعمال الصالحة والخروج الى المغازى السابقة وما لحق من الاعتراف بذنوبهم فى التخلف عن هذه المرة وتذممهم وندامتهم على ذلك { وآخر سيئا } هو ما صدر عنهم من الاعمال السيئة اولا وآخرا فيدخل فيه التخلف عن غزوة تبوك وتبديل الواو بالباء حيث لم يقل بآخر يؤذن يكون كل منهما مخلوطا به وهو ابلغ فان قولك خلطت الماء باللبن يقتضى ايراد الماء على اللبن دون العكس وقولك خلطت الماء واللبن معناه ايقاع الخلط بينهما من غير دلالة على اختصاص احدهما بكونه مخلوطا والاخر بكونه مخلوطا به
قال الحدادى يقال خرجوا الى الجهاد مرة وتخلفوا مرة فجمعوا بين العمل الصالح والعمل السئ كما يقال خلط الدنانير والدراهم اى جمعهما وخلط الماء واللبن اى احدهما بآخر { عسى الله ان يتوب عليهم } ان يقبل توبتهم المفهومة من اعترافهم بذنوبهم { ان الله غفور رحيم } يتجاوز عن سيآت التائب ويتفضل عليه وهو تعليل لما يفيده كلمة عسى من وجوب القبول فانها للاطماع الذى هو من اكرم الاكرمين ايجاب وأى ايجاب
قال ادى وانما ذكر لفظ عسى ليكون الانسان بين الطمع والاشفاق فيكون ابعد من الاتكال والاهمال
جون بدى كناهرا دانى ... كشدت جانب بشيمانى
ورندانى كناهرا كه بدست ... آن نشان شقاوت ابدست
اعلم ان بعض النفوس منافق وبعضها كافر وبعضها مؤمن فالمنافق منها كالصفة الحيوانية من الشهوات فانها تتبدل بالعفة عند استيلاء القلب على النفس بسياسة الشريعة وتربية الطريقة ظاهرا لا حقيقة لانها لا تتبدل بالكلية بحيث تنتزع عنها الشهوة بل تكون مغلوبة والكافر منها كالصفة البهيمية فى طلب الاغتذاء من طلب المأكول والمشروب فانها لا تتبدل بضدها وهو الاستغناء عن الاكل والشرب لحاجة الجسد الى الغذاء بدل ما يتحلل من الجسد والمؤمن منها كالصفة السبعية والشيطانية من الغضب والكبر والعداوة والخيانة فانها تحتمل ان تتبدل باضدادها من الحلم والتواضع والمحبة والصدق والامانة عند استتارة النفس بنور الاسلام وترشح نور الايمان على القلب وانشراح الصدر بنور ربها وهذه الصفات وغيرها من صفات النفس اذا لم تتبدل بالكلية او لم تكن مغلوبة بانوار صفات القلب ففيها بعض النفاق كما جعل النبى عليه السلام الكذب والخيانة وخلف الوعد والغدر من النفاق فقال(5/145)
« اربع من كن فيه فهو منافق وان صام وصلى وزعم انه مسلم اذا حدث كذب واذا ائتمن خان واذا وعد اخلف واذا عاهد غدر ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها »
فعلى العاقل ان يجتهد باحكام الشريعة وآداب الطريقة الى ان يحصل الخلاص من النفاق بالكلية ثم ان الاعتراف بالخطيئة ميراث للمؤمن من ابيه آدم عليه السلام - روى- انه بكى على ذنبه مائتى سنة حتى قبل الله توبته وغفر ذنبه ولذا قالوا ينبغى للنائب ان يكثر البكاء والتذلل عند التوبة ويصلى على النبى عليه السلام فانه شفيع ويستغفر لجميع المؤمنين والمؤمنات ومعنى الاستغفار سؤال العبد ربه ان يغفر له ذنوبه ومعنى مغفرته لذنوب عباده ان يسترها عليهم بفضله ولا يكشف امورهم لخلقه ولا يهتك سترهم ومن شرط التوبة ان لا يتعمد ذنبا فات وقع منه بسهو او خطأ فهو معفو عنه بفضل الله تعالى : قال الحافظ
جابى كه برق عصيان برآدم صفى زد ... مارا جكونه زيبد دعوى بى كناهى(5/146)
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)
{ خذ } يا محمد { من اموالهم } اى من اموال هؤلاء المتخلفين المعترفين بذنوبهم { صدقة } حال كونك { تطهرهم } اى عما تلطخوا من اوضار التخلف { وتزكيهم بها } اى تنمى بتلك الصدقة واخذها حسناتهم وترفعهم الى مراتب المخلصين -روى- انه لما حلهم النبى عليه السلام من وثاقهم الله عليهم راحوا الى منازلهم وجاؤوا باموالهم كلها وقالوا يا رسول الله هذه اموالنا خلقتنا عنك خذها فتصدق بها عنا فكره النبى عليه السلام عليه السلام ذلك فنزلت هذه الآية فاخذ رسول الله ثلث اموالهم لتكمل به توبتهم ويكون جاريا مجرى الكفارة لتخلفهم فهذه الصدقة ليست الصدقة المفروضة فانها لا تؤخذ هكذا
وقيل هذا كلام مبتدأ نزل لايجاب اخذ الزكاة من الاغنياء عليه وان لم يتقدم ذكر لهم كقوله تعالى { انا انزلناه فى ليلة القدر } لدلالة الحال على ذلك والمعنى . خذ من اموال اغنياء المسلمين صدقة اى زكاة وسميت بها لدلالتها على صدق العبد فى العبودية واليه ذهب اكثر الفقهاء
قال فى الاختيار من امتنع عن اداء الزكاة اخذها الامام كرها ووضعها موضعها لقوله تعالى { خذ من اموالهم صدقة } وفى الاشباه المعتمد فى المذهب عدم الاخذ كرها
قال فى المحيط ومن امتنع من اداء الزكاة فالساعى لا يأخذ منه كرها ولو اخذ لا يقع عن الزكاة لكونها بلا اختيار ولكن يجبره ليؤدى بنفسه انتهى
قال فى المبسوط وما يأخذ ظلمة زماننا من الصدقات والعشور والجزية والخراج والجبايات والمصادرات فالاصح ان يسقط جميع ذلك عن ارباب الاموال اذا نووا عند الدفع التصدق عليهم وقيل علم من يأخذه بما يأخذ شرط فالحوط ان يعاد { وصل عليهم } اى ادع لهم بالخير والبركة واستغفر لهم { ان صلوتك سكن لهم } تسكن اليها نفوسهم وتطمئن بها قلوبهم فهو فعل بمعنى مفعول كالنقض بمعنى المنقوض { والله سميع } باعترافهم { عليم } بندامتهم
قال فى الكافى الصلاة على الميت مشروعة بقوله تعالى { وصل عليهم ان صلوتك سكن لهم } وقوله عليه السلام « صلوا على كل بر وفاجر » -روى- ان آدم عليه السلام لما توفى اتى بحنوط وكفن من الجنة ونزلت الملائكة فغسلته وكفنته فى وتر من الثياب وحنطوه وتقدم ملك منهم فصلى عليه وصلت الملائكة خلفه
وفى رواية قال ولده شيث لجبريل عليه السلام صلى عليه فقال له جبريل تقدم انت فصل على ابيك فصلى عليه وكبر ثلاثين تكبيرة ثم اقبروه ثم الحدوه ونصبوا اللبن عليه وابنه شيث الذى هو وصيه معهم فلما فرغوا قالوا له هكذا فاصنع بولدك واخوتك فانها سنتكلم ومنه يعلم ان الغسل والتكفين والصلاة والدفن واللحد من الشرائع القديمة
وقال بعضهم صلاة الجنازة من خصائص هذه الامة ولا منافاة لانه لا يلزم من كونها من الشرائع القديمة ان تكون معروفة لقريش اذ لو كانت كذلك لفعلوا ذلك وفى كلام بعضهم كانوا فى الجاهلية يغسلون موتاهم وكانوا يكفنونهم ويصلون عليهم وهو ان يقوم ولى الميت بعد ان يوضع على سريره فيذكر محاسنه ويثنى ثم يقول عليك رحمة الله ثم يدفن - روى - ان النبى عليه السلام لما قدم المدينة وجد البراء بن معرور رضى الله عنه قد مات فذهب رسول الله واصحابه فصلى على قبره وكبر فى صلاته اربعا فصلاة الجنازة فرضت فى السنة الاولى من الهجرة على ما قالوا ومن انكر فرضة صلاة الجنازة كفر كما فى القنية(5/147)
وههنا ابحاث
الاول ان غسل الميت شريعة ماضية والنية لا تشترط لصحة الصلاة عليه وتحصيل طهارته وانما هى شرط لاسقاط الفرض عن ذمة المكلفين اى بغسله وغيره فيقول نويت الغسل لله تعالى وانما يغسل الميت لانه يتنجس بالموت كسائر الحيوانات الدموية الا انه يطهر بالغسل كرامة له ولو وجد ميت فى الماء فلا بد من غسله لان الخطاب بالغسل توجه لبنى آدم ولم يوجد منهم فعل
وقيل ان الميت اذا فارقته الروح وارتاح من شدة النزع فوجب على الاحياء غسله كما فى اسئلة الحكم
يقول الفقير فيه نظر لانه انما يجب الاغتسال بالمنى اذا كان بشهوة عند الحنفية ولم يوجد فى الميت اللهم الا ان يحمل على مذهب الشافعى فان المنى عنده كيفما كان يوجب الاغتسال حتى لو حمل حملا ثقيلا فخرج منه المنى يجب عنده وينبغى ان يكون المغسول مسلما تام البدن او اكثره وفى حكمه النصف مع الرأس فلا يغسل الكافر والنصف بلا رأس وان يكون الغاسل يحل له النظر الى المغسول فلو ماتت امرأة فى السفر يممها ذو رحم محرم منها وان لم يوجد لف اجنبى على يده خرقة ثم ييممها اجنبى بغير ثوب وكذا لو مات رجل بين النساء يممته ذات رحم محرم منه او اومته بغير ثوب ولو مات غير المشتهى او المشتهاة غسله الرجل والمرأة وعن ابى يوسف ان الرضيعة يغسلها ذو الرحم وكره غيره ولا يغسل زوجته وتغسل زوجها الا اذا ارتفعت الزوجية بوجه
ويستحب ان يكون الغاسل اقرب الى الميت فان لم يعلم فاهل الورع والامانة وان يوضع الميت عند الغسل بموضع خال من الناس مستور عنهم لا يدخله الا الغاسل ومن يعينه كما فى السيرة الحلبية ولو اختلط موتى المسلمين وموتى الكفار فمن كانت عليه علامة المسلمين صلى عليه ومن كانت عليه علامة الكفار ترك ومن لك يكن عليه علامة والمسلمون اكثر غسلوا وكفنوا وصلى عليهم وينوون بالصلاة والدعاء للمسلمين دون الكفار ويدفنون فى مقابر المسلمين وان كان الفريقان سواء او كانت الكفار اكثر لم يصل عليهم ولم يغسلون ويدفنون فى مقابر المشركين ومن استهل بعد الولادة غسل وسمى وصلى عليه والاغسل فى المختار وادرج فى خرقة ولا يصلى عليه ولو مات لمسلم قريب كافر غسله النحاسة ولفه فى خرقة والقاه فى حفرة او دفعه الى اهل دينه(5/148)
قال القهستانى لا يجب غسل كافر اصلا وانما يباح غسل كافر غير حربى له ولى مسلم كما فى الجلابى
والشهيد لا يغسل ويغسل الشهيد الجنب عنده خلافا لهما واذا انقطع الحيض والنفاس واستشهدت فعلى هذا الخلاف واذا استشهدت قبل الانقطاع تغسل على الاصح ولو مات بغير قتل ولو فى المعركة غسل ولو قتل برجم او قصاص او تعزير او افتراس سبع او سقوط بناء او غرق او طلق او نحوها غسل بلا خلاف كما لو قتل لبغى او قطع طريق غسل فى رواية ولا يصلى عليه فى ظاهر الرواية وعند ابى حنيفة فى الصلاة على المصلوب روايتان ولو قتل نفسه خطأ يصلى عليه بلا خلاف ولو تعمد فالاصح لا يصلى عليه لانه لا توبة له والصلاة شفاعة
والثانى ان الصلاة على الميت فرض كفاية عند العامة ووقتها وقت حضوره ولذا قدمت على سنة المغرب كما فى الخزانة وفى الحديث « اسرعوا بالجنازة » واهل مكة فى عفلة عن هذا فانهم غالبا فيضعونه عند باب الكعبة حتى يصلى العصر او الصبح ثم يصلى عليه كما فى المقاصد الحسنة
يقول الفقير واهل كل بلدة فى غفلة عن هذا فى هذا الزمان امحهم الله تعالى . وتجوز صلاة الجنازة حين طلوع الشمس واستوائها وغروبها بلا كراهة ان حضرت فى هذه الاوقات وان حضرت قبلها اخرت ويقوم الامام حذاء الصدر لانه محل العلم ونور الايمان ويكبر ويثنى اى يقول الامام والمؤتم والمنفرد سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك وجل ثناؤك ولا اله غيرك قوله وجل ثناؤك لم يذكر فى الاحاديث المشهورة فلم يأت به مصلى الفرض ولا بأس للمتقبل باتيانه لان النفل مبنى على التوسيع فيجوز فيه ما لا يجوز فى الفرض
قال الحلبى الاول تركه الا فى صلاة الجنازة ثم يكبر ويصلى على النبى عليه السلام بما يحضره كما فى الجلابى او بما يصلى به فى الفرض كما فى المستصفى فيقول اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد مجيد . والمعنى اللهم صل على محمد صلاة كاملة كما دل عليه الاطلاق . وقوله وعلى آل محمد من عطف الجملة اى وصل على آله مثل الصلاة على ابراهيم وآله فلا يشكل بوجوب كون المشبه به اقوى كما هو المشهور كما فى القهستانى ثم يكبر ويدعو للميت او لكل مسلم ولو حيا ويسن الدعاء المعروف اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وانذانا اللهم من احييته منا فاحيه على الاسلام ومن توفيته منا فتوفه على الايمان وخص هذا الميت بالرحمة والغفران والروضة اللهم ان كان محسنا فود فى احسانه وان كان مسيئا فتجاوز عنه برحمتك يا ارحم الراحمين كما فى عيون الحقائق
وفى الصبى والمجنون لا يستغفر لهما لعدم ذنبهما بل يقول اللهم اجعله لنا فرطا واجعله لنا اجرا وذخرا واجعله لنا شافعا مشفعا اى مقبول الشفاعة ومن لم يحسن قال اللهم اغفر لى ولوالدى ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات برحمتك يا ارحم الراحمين - وروى- انه صلى الله عليه وسلم لما ادرج فى اكفانه ووضع على سريره ثم وضع على شفير قبره المنور وذلك يوم الثلاثاء دخل عليه ابو بكر رضى الله عنه مع نفر من المهاجرين والانصار بقدر ما يسع البيت وذلك بعد ما بويع له بالخلافة وصلى على النبى عليه السلام باربع تكبيرات وضمن صلاته هذا الدعاء وهو اللهم انا نشهد انه صلى الله عليه وسلم قد بلغ ما انزل الله عليه ونصح لامته وجاهد فى سبيل الله حتى اعز الله دينه وتمت كلمته فاجعلنا الهنا ممن تبع القول الذى انزل معه واجمع بيننا وبينه حتى تعرفه بنا وتعرفنا به فان كان بالمؤمنين رؤفا رحيما لا نبتغى بالايمان بدلا ولا نشترى به ضمنا ابدا وانما خصوا هذا الدعاء بالذكر لانه الذى يليق به صلى الله عليه وسلم ومن ثمة استشاروا كيف يدعون له فاشير بمثل ذلك
ثم يكبر ويسلم تسليمتين عن يمين وعن شمال بنية من ثمة الا الميت غير رافع صوته مثل سائر الصلوات وبسن خفض الثانية ويرسل بعد الرابعة يديه لانه ليس بعدها ذكر والركن هو التكبيرات الاربع واما الثناء والصلاة والدعاء والسلام فبين الجلابى ولا يرفع يديه الا فى التكبير الاول لانه شرع بين كل تكبيرتين ذكر مقتدر فاذا فرغ منه علم انه جاء اوان الآخر
قال فى الاشباه لو قرأ الفاتحة فى صلاته على الجنازة ان قصد الثناء والدعاء لم يكره وان قصد القراءة كره انتهى
واذا ادرك الامام فى الصلاة وقد سبق ببعض تكبيراتها ينتظر تكبيرة اخرى فيتابع الامام فيها ثم ياتى بما سبق به بعد سلام الامام متواليا وعند ابى يوسف والشافعى لا ينتظر بل يكبر ويشرع معه واما اذا ادرك بعد الرابعة لا يكبر عندهما لفوات الصلاة عليه ويكبر عند ابى يوسف فاذا سلم الامام قضى ثلاث تكبيرات ولو كان حاضرا وقت التحريمة ولم يكبر مع الامام للافتتاح فهو لا ينتظر تكبير الامام بل يشرع ويكبر ولو اجتمعت الجنائز يصلى عليهم دفعة واحدة كذا فى المحيط .(5/149)
والصلاة على الكبير افضل من الصلاة على الصغير كما فى المضمرات
والثالث ما الحكمة فى عدم فرض الركوع والسجود فى صلاة الجنازة قيل لان صلاة الجنازة دعاء وثناء واستشفاع للمت والركوع والسجود خاص بالتعبد لله تعالى من غير واسطة اختص به الملة المحمدية لان السجدة كانت تجوز لتعظيم المخلوق فى الملى السالفة ونحن نهينا عن الركوع والسجود لغير الله تعالى . وقيل لان المين اعترض بين المصلى وبين الله تعالى فلو ام بالركوع والسجود لتوهم الاعداء والجهلة لنه للميت كما توهم الشيطان من سجود الملائكة انه لآدم عليه السلام فأبى حسدا وعصى جهلا وان كان ساجدا متعبدا قبل ذلك فافتتن بجهله وحسده باحتجاجه عن كون المسجود له فى الحقيقة هو الحق وقالب آدم بمنزلة المحراب : قال الجامى
اى آنكه بقبله بتان روست ترا ... برمغز جرا حجاب شد بوست ترا
دل دربى اين وآن نه نيكوست ترا ... يكدل دارى بست يك دوست ترا
وقال غيره
ازان محراب ابرو رو مكردان ... اكردر مسجدى وردر خرابات
والرابع انه يستحب جعل الصفوف فى الصلاة على الميت ثلاثة وفى الحديث « ما من مسلم يموت فيصلى عليه امة يبلغون ثلاثة صفوف الا غفر الله له » قال الطبرانى فى معجمه الامة اربعون الى المائة وحاء التصريح بالعدد فى حديث مسلم وهو « ما من مسلم يصلى عليه اربعون الا شفعوا فيه » اما اسر تثليث الصفوف فلان ذلك من باب التوسع فى الرجاء كأنهم يقولون جئناك بثلاثة صفوف شافعين فلا تردنا خائبين وهذا ميل تكثير الخطى الى المساجد فانه يستحب تقصير الخطى فى المشى الى المسجد لنه يكتب له بكل خطوة حسنة ويخط عنه سيئة ويرفع له درجة فهو من باب التوسع فى الرجاء واذا استحب جعل الصفوف ثلاثة فالظاهر انهم فى الفضيلة سواء ولا مزية حينئذ ببصف المقدم لانهم مأمورون بالتأخر
وقال الحلبى افضل صفوف الجنازة آخرها بخلاف سائر الصلوات فان الصف الاول اعلم بحال الامام فتكون متابعته اكثر وثوابه اوفر
وعن ابى سعيد الخدرى رضى الله عنه عن النبى عليه السلام انه قال « اول زمرة تدخل المسجد هم اهل الصف الاول وان صلوا فى نواحى المسجد » كما فى خالصة الحقائق
واما سر الاربعين فلانه لم يجتمع قط اربعون الا وفيهم عبد صالح كما فى اسئلة الحكم وتحصل الشفاعة باقل الامرين من الثلاثة الصفوف والاربعين كما فى فتح القريب والمستحب هو الاول كما سبق
والخامس ان فى الدعاء والاستغفار نفعا لميت ويصل ثواب جميع القرب اليه بدنيا كان او ماليا كالصدقة والعتق والصلاة والصيام والحج والقراءة واجمع المسلمون على ان قضاء الدين يسقط عن ذمة الميت التبعة وينفعه ذلك حتى لو كان من اجنبى او من غير تركته واجمعوا عى ان الحى اذا كان له على الميت حق من الحقوق فاحله منه ينفعه ويبرأ منه كما يسقط من ذمة الحى(5/150)
قال ابن الملك اعلم ان جعل الانسان ثواب عمله لغيره صلاة كان او صدقة او غيرهما جائز عند اهل السنة خلافا للمعتزلة لهم ان الثواب هو الجنة ولا قدرة للانسان على تمليكها ولنا انه عليه السلام ضحى بكبشين املحين احدهما لنفسه والآخر عن امته المؤمنين فالاعتراض على لاشارع باطل اذ العبادة انواع بنية محضة كالصلاة فالنيابة لا تجوز فيها لان الغرض منها هو اتعاب النفس الامارة لا يحصل ونوع منها مالية محضة كالزكاة فالنيابة فيها لا تجوز لان الغرض منها وهو اغناء الفقير يحصل بالنيابة لكن لا تؤخذ من تركته بغير وصية ونوع منها مركبة منهما كالحج فمن حيث انه متعلق بالبدن لا تجوز فيه النيابة عند الاختيار ومن حيث انه متعلق بالمال جاو فيه النيابة عند الاضطرار وهو العجز الدائم عن ادائه هذا فى الحج الفرض واما فى النفل فالنيابة جائزة مع القدرة لان فى النفل سعة
قال فى فوائد الفتاوى الاولى ان يوصى باسقاط صلاة عمره بعد البلوغ وان صلاها بغير ترك لاحتمال الفساد او النقصان فى اركانها انتهى واذا اوصى رجل ان يطعم عنه وليه لصلاة الفائتة بعد موته فالوصية جائزة ووجب تنفيذها من ثلث ماله يعطى عن كل مكتوبة نصف صاع من الحنطة وفى صوم النذر كذلك ولا يجوز ان يصوم عنه الولى كما لا يجوز صلاته له لقوله عليه السلام « لا يصوم ولا يصلى احد عن احد »
قال القهستانى والقياس انه لا يجوز الفداء عن الصلاة واليه ذهب البلخى كما فى قاضى خان والاستحسان ان يجوز الفداء عنهما اما فى الصوم فلو ورد النص واما فى الصلاة فلمعلوم الفضل ولذا قال محمد انه يجزى بها ان شاء الله تعالى وينبغى ان يفدى قبل الدفن وان جاز بعده
وقال فى الاشباه اذا اراد الفدية غن صوم ابيه او صلاته وهو فقير يعطى منوين من الحنطة فقيرا ثم يستوهبه ثم يعطيه وهكذا وذلك بعد ان يسقط من عمره اثنتى عشرة سنة ويسقط من عمرها تسعة لان اقل مدة بلوغ الرجل اثنتا عشرة سنة ومدة بلوغ المرأة تسع سنين كما ذكره فى الوقاية فى آخر كتاب الحجر
ومما ينبغى ان يعلم ان المعتبر فى الطعام للصلاة قدر الطعام دون عدد المساكين حتى لو اعطى مسكينا واحدا فى يوم واحد اكثر من نصف صاع من البر يجوز ولا يجوز ذلك فى كفارة الصوم والظهار لان المعتبر فيهما عدد المسكين كذا فى شرح النقاية . وكره دفع نصاب او اكثر الى فقير غير مديون لان الانتفاع به صادف حال الغنى ولو صادف حال الفقر لكان اكمل فلو كان مديونا او صاحب عيال لا يكره لنه لا يكون به غنيا(5/151)
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104)
{ ألم يعلموا } الاستفهام للتقرير اى ألم يعلم اولئك التائبون { ان الله هو يقبل التوبة } الصحيحة الخالصة { عن عباده } المخلصين فيها ويتجاوز عن سيآتهم كما يفصح عنه كلمة عن
قال الحدادى قبول التوبة ايجاب الثواب عليها { ويأخذ الصدفات } اى جنس الصدقات صدقاتهم وصدقات غيرهم اراد به اخذ النبى عليه السلام والائمة بعده لان اخذهم لا يكون الا بامر الله وكان الله هو الآخذ
قال البيضاوى يقبلها قبول من يأخذ شيأ ليؤدى بدله ففيه استعارة تبعية لان الآخذ حقيقة هو الرسول عليه السلام لا من عينه لاخذها . والصدقات جمع صدقة تطلق على الواجب والتطوع وغلب على افواه العامة تسميه الواجب من الماشية صدقة ومن النبات عشرا ومن النقود زكاة كما فى فتح القريب { وان الله هو التواب } اى المتجاوز عمن تاب وهو الذى يرجع بالانعام على كل مذنب رجع الى التزام الطاعة
وفى التاويلات النجمية هو التواب هو الموفق للتوبة بلطفه وكرمه ولولا توفيقه ما تاب مذنب قط كما لا يتوب ابليس لعدم التوفيق : وفى المثنوى
جز عنايت كه كشايد جشم را ... جز محبت كه نشاند خشم را
جهد بى توفيق خود كس را مباد ... درجهان والله اعلم بالرشاد
{ الرحيم } من مات على النوبة ورحمة الله على العباد ارادة الانعام عليهم ومنع الضرر عنهم . ويجوز ان يرجع ضمير { ألم يعلموا } الى غير التائبين من المؤمنين فالآية اذا ترغيب للعصاة فى التوبة والصدقة(5/152)
وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)
{ وقل } لهم بعد ما بان لهم شأن التوبة { اعملوا } ما شئتم من الاعمال فظاهره ترخيص وتخيير وباطنه ترغيب وترهيب { فسيرى الله عملكم } فانه لا يخفى عليه خيرا كان او شرا تعليل لما قبله وتأكيد للترغيب والترهيب والسين للتأكيد { ورسوله والمؤمنون } فى الخبر « لو ان رجلا عمل فى صخرة لا باب لها ولا كوة لخرج عمله الى الناس كائنا ما كان » والمعنى انه تعالى لا يخفى عليه عملهم كما رأيتم وتبين لكم ثم ان كان المراد بالرؤية معناها الحقيقى فالامر ظاهر وان اريد بها مآلها من الجزاء خيرا او شرا فهو خاص بالدنيوى من اظهار المدح والثناء والذكر الجميل والاعزاز ونحو ذلك من الاجزية واضدادها { وستردون } اى بعد الموت { الى عالم الغيب والشهادة } قدم الغيب على الشهادة لسعة عالمه وزيادة خطره
وعن ابن عباس رضى الله عنهما الغيب ما يسترونه من الاعمال والشهادة ما يظهرونه كقوله تعالى { يعلم ما يسرون وما يعلنون } فالتقديم حينئذ لتحقيق ان نسبة علمه المحيط بالسر والعلن واحدة على ابلغ وجه وآكده لا ايهام ان علمه تعالى بما يسرون اقدم منه بما يعلنون كيف لا وعلمه سبحانه بمعلوماته منزه عن ان يكون بطريق حصول الصورة بل وجود كل شئ وتحققه فى نفسه علم بالنسبة اليه تعالى وفى هذا المعنى لا يختلف الحال بين الامور البارزة والكامنة
قال فى التأويلات النجمية { وستردون } باقدام اعمالكم الى الله الذى هو عالم بما غاب عنكم وغبتم عنه فاما ما غاب فهو نتائج اعمالكم من الخير والشر وجزاؤها فانهل لم تغب عنكم زدتم فى الخير وما علمتم شرا واما ما غبتم عنه فهو التقدير الازلى والحكمة فيما جرى به القلم من اعمال الخير والشر وعالم بما تشاهده العيون والقلوب فى الملك والملكوت { فينبئكم } عقيب الرد الذى هو عبارة عن الامر الممتد الى يوم القيامة { { بما كنتم تعلمون } قبل ذلك فى الدنيا والمراد بالتنبئة الاظهار لما بينهما من الملابسة فى انهما سببان للعلم تنبيها على انهم كانوا جاهلين بحال ما ارتكبوه غافلين عن سوء عاقبته اى يظهر لهم على رؤس الاشهاد ويعلمهم اى شئ شنيع كانوا يعلمونه فى الدنيا على الاستمرار ويرتب عليه ما يليق به من الجزاء انتهى
فعلى العاقل ان يسعى فى طريق الاعمال الصالحة ويجتنب عن ارتكاب الافعال الفاضحة كيلا يفتضح عند الله وعند الرسول وكافة المؤمنين
قال فى التأويلات النجمية ان لعمل المحسن وخلوصه نورا يصعد الى السموات بقدر قوة صدقه واخلاصه فالله تعالى يراه بنور الوهيته وروح الرسول عليه السلام يراه بنور نبوته وارواح المؤمنين يرونه بنور ايمانهم فاستعلاء ذلك بصفائه وضوئه يكون على قدر علو همة المحسن وخلوص نيته وصفاء طويته .(5/153)
وان العمل المسيئ ظلمة تصعد الى السموات بقدر قوة غفلته وخباثة نفسه فالله تعالى يراها وروح رسوله وارواح المؤمنين وفى الحديث « تصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة وزكاة وصم وحج وعمرة وخلق حسن وصمت وذكر لله تعالى وتشيعة ملائكة السموات السبع حتى يقطعون به الحجب كلها الى الله تعالى فيقفون بين بدى الرب جل جلاله ويشهدون بالعمل الصالح المخلص لله فيقول الله لهم انتم الحفظة على عمل عبدى وانا الرقيب ما فى نفسه انه لم يردنى بهذا العمل ولا اخلصه لى وانا اعلم بما اراد بعلمه غر الآدميين وغركم ولم يغرنى وانا علام الغيوب المطلع على ما فى القلوب لا تخفى على خافية ولا تعزب عنى عازبة علمى بما كان كعلمى بما لم يكن وعلمى بما مضى وعلمى بما بقى وعلمى بالاولين كعلمى بالآخرين واعلم السر واخفى فكيف يغرنى عبدى بعلمه وانما يغر المخلوقين الذين لا يعلمون وانا علام الغيوب عليه لغتى وتقول الملائكة السبعة او الثلاثة الآلاف المشيعون يا ربنا عليه لعنتك ولعنتنا فيقول اهل السماء عليه لعنة الله ولعنة اللاعنين » قال السعدى
وكر سيم اندوده باشد نحاس ... توان خرج كردن برناشناش
منه آب زر جان من بر بشيز ... كه صراف دانا نكيرد بجيز
اعلم ان الاقلام كتبت على الالواح احوال العالم كلها من السرائر والظواهر ثم سلمت الالواح للخونة وجعل لكل شئ خزائن ووكلت عليها حوافظ وكوالئ كما قال تعالى { وان من شئ الا عندنا خزائنه } فتستنسخ السفرة من الخزنة والحفظة من السفرة فللاعمال كلها مخازن تقسم منها وتنتهى اليها وغاية خزائن الاعمال الصالحة سدرة المنتهى فعلن من هذا ان الحفظة مطلعون على اعمال العباد قلبية كانت او قالبية وليسوا بمطلعين على المقبول منها وغير المقبول الا بعد العرض والرفع فكل عمل مضبوط مجزى به فان اخفاه العبد عن الخلق لا يقدر على اخفائه عن الله تعالى وعن الملائكة : قال السعدى قدس سره
دربسته زورى خود بمردم ... تا عيب نكسترند مارا
دربسته جه سود عالم الغيب ... داناى نهان وآشكارا(5/154)
وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106)
{ وآخرون } عطف على آخرون قبله اى ومن المتخلفين من اهل المدينة ومن حولها من الاعراب قوم آخرون غير المعترفين المذكورين { مرجون } قرأ نافع وحمزة والكسائى وحفص مرجون بالواو على ان يكون اصله مرجيون بالياء والباقون مرجأون بالهمزة يقال ارجيته وارجأته بالياء والهمزة والهمزة اذا اخرته والنسبة الى المهموز حرجئى كمرجعى لا مرج كمعط والى غير مرجى بياء مشددة عقيب الجيم وهم المرجئة بالهمزة والمرجية بالياء مخففة كما فى القاموس والمرجئة قوم لا يقطعون على اهل الكبائر بشئ من عفو او عقوبة بل يرجئون الحكم فى ذلك اى يؤخرونه الى يوم القيامة كما فى المغرب والمعنى مؤخرون { لامر الله } فى شأنهم اى حتى ينزل الله فيهم ما يريد { اما يعذبهم } ان بقوا على ما هم عليه من الحال وهو عدم المسارعة الى التوبة والاعتذار دون النفاق فانهم كانوا غير مخلصين { واما يتوب عليهم } ان خلصت نيتهم وصحت توبتهم والجملة فى محل النصب على الحالية اى منهم هؤلاء اما معذبين واما متوبا عليهم
فان قلت اما للشك والله تعالى منزه عنه اذ هو عالم بما يصير اليه امرهم
قلت الترديد راجع الى العباد . والمعنى ليكن امرهم عندكم بين الخوف والرجاء
وقال ابو البقاء اذا كانت اما للشك جاز ان يليها الاسم وجاز ان يليها الفعل فان كانت للتخيير وقع الفعل بعدها وكانت معه ان كقوله اما ان تلقى { والله عليم } باحوالهم { حكيم } فيما فعل من الارجاء وغيره
والآية نزلت فى ثلاثة نفر من المتخلفين وهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع العمرى وهلال بن امية كانوا من اهل بدر ومياسير ومع ذلك تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك
قال كعب بن مالك انا افره اهل المدينة جملا فمتى شئت لحقت العسكر فتأخر اياما وأيس بعدها من اللحوق بهم فندم على ما صنعه وكذلك صاحباه ولكن لم يفعلوا ما فعله الو لبابة واصحابه من شد انفسهم على السوارى واظهار الغم والجزع فوفقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية ونهى الناس ان يجالسوهم او يؤاكلوهم او يشاربوهم وامرهم باعتزال نسائهم وارسالهن الى اهليهن فجاءت امرأة هلال تسأل ان تأتيه بطعامه فانه شيخ كبير فاذن لها فى ذلك خاصة وجاء رسول من الشام الى كعب برغبة فى اللحاق بهم فقال كعب بلغ من خطيئتى الى ان طمع فى المشركون قال فضاقت على الارض بما رحبت وبكى هلال بن امية حتى خبف على بصره فجعل ناس يقولون هلكوا ان لم ينزل الله لهم عذرا وآخرون يقولون عسى الله ان يغفر لهم فصاروا عندعم مرجئين لامر الله اما يعذبهم واما يرحمهم حتى نزلت توبتهم بعد ما مضى خمسون يوما بقوله(5/155)
{ لقد تاب الله على النبى } الى قوله { وعلى الثلاثة الذين خلفوا } الآية اخر الله تعالى امرهم مدة ثم بين توبتهم على اجمل الوجوه حيث قرن توبته تعالى على النبى صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والانصار وعلم منه ان الهجران للتربية جائز ولوقوف ثلاثة ايام ألا ترى الى الاصحاب كيف قطعوا سلامهم وكلامهم من اولئك الثلاثة الى ان بلغ الكتاب اجله وان اخلاص النية وتفويض الامور الى الله تعالى سبب لرحمة الله تعالى وان البكاء ايضا مدار لقبول التوبة واخلاص الحال فلا بد من الاستغفار والبكاء على الاوزار -حكى- عن بعض اصحاب فتح الموصلى قدس سره قال دخلت يوما على فتح فوجدته يبكى وقد خالطت دموعه صفرة فقلت له بالله عليك يا سيدى هل بكيت الدم فقال والله لولا انك اقسمت على بالله عز وجل ما اخبرتك بكيت الدمع وبكيت الدم فقبت علام بكيت الدم قال على تخلفى عن الله تعالى فعلام بكيت الدم قال عغلى الدموع ان لا تصح لى ان تقبل منى قال فلما توفى رأيته فى المنام فقلت ما فعل اله بك قال غفر لى وقربنى ربى وقال يا فتح بكيت كل هذا البكاء على ماذا فقلت يا رب على تخلفى عن حقك وقال والدم ولم بكيته قلت يارب على الدموع ان لا تصح لى قال يا فتح فما اردت بهذا كله وعزتى وجلالى لقد صعد الى حافظاك اربعين سنة بصحيفتك وما فيها خطيئة فهذه حال اكابر اولياء الله تعالى يسيئون الظن بانفسهم ويجتهدون فى الله وان علموا العفو والمغفرة
ووقف الفضيل فى بعض حجاته ولم ينطق بشئ فلما غربت الشمس قال واسوأتاه وان عفوت
يقول الفقير وهذا كلام حق فان من الفضاحة العصيان ومن الفضاحة ايضا بقاء اثره الدنيوى بعد الغفران ألا ترى ان عتقاء جهنم لا يستريحون يوم القيامة وان دخلوا الجنة الى ان يمحو الله تعالى ما كتب على جباهم من الأثر : قال الحافظ قدس سره
هرجندكه هجران نمر وصل برآرد ... دهقان ازل كاشكه اين تخم نكشتى
وقال السعدى قدس سره
بسا نام نيكوى بنجاه سال ... كه يك نام زشتش كند بايمال
وفى الآية اشارة الى ان الحكمة الالهية اقتضت بعض النفوس على الذنوب وتأخير توبتهم وهم مترددون بين الخوف والرجاء ولهم فيما بين ذلك تربية ليطيروا بجناحى الخوف والرجاء الى ان يصلوا الى مقام القبض والبسط الى ان يبلغوا سرادقات الانس والهيبة ثم ليطيروا بجناحى الانس والهيبة الى قاب قوسى السير والتجلى او ادنى الوحدة { والله عليم } بتربية عباده { حكيم } بمن يصلح للقرب والقبول وبمن يصلح للعبد والرد كذا فى التأويلات النجمية(5/156)
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107)
{ والذين اتخذوا مسجدا } اى ومن المتخلفين من غزوة تبوك المنافقون الذين اتخذوا مسجد قبا وهو بضم القاف ويذكر ويقصر قرية قرب المدينة على نصف فرسخ منهما كما فى التبيان
اعلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة وقدم قبا نزل فى بنى عمرو ابن عوف وهم بطن من الاوس على كلثوم بن الهدم وكان شيخ بنى عمرو بن عوف وهل كان اسلم قبل رسوله صلى الله عليه وسلم الى قبا او بعده ففيه اختلاف فلما نزل وذلك فى يوم يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الاول
قال عمار بن ياسر رضى الله عنه ما لرسول الله بد من ان يجعل له مكان يستظل به اذا استيقظ ويصلى فيه فجمع حجارة فاسس رسول الله مسجدا واستتم بنيانه عمار فعمار اول من بنى مسجدا لعموم المسلمين وكان مسجد قبا اول مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم باصحابه جماعة ظاهرين اى آمنين وبعد تحوله عليه السلام الى المدينة وذلك فى يوم الجمعة بعد ان لبث فى قبا بقية يوم الاثنين ويم الثلاثاء ويوم الاربعاء ويوم الخميس او بضع عشرة ليلة وهو المنقول عن البخارى او اربعة عشر يوما وهو المنقول عن مسلم كان يأتيه يوم السبت ماشيا وراكبا ويصلى فيه ثم ينصرف وفى الحديث « من توضأ واسبغ الوضوء ثم جاء مسجد قبا فصلى فيه له اجر عمرة » كما فى السيرة الحلبية فهذا المسجد وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمار بمعاونة بنى عمرو بن عوف خالصا لله تعالى كما عليه الاكثرون وفى الحديث « من بنى مسجدا لا يريد به رياء ولا سمعة بنى الله له بيتا فى الجنة » قال القرطبى هذه المسألة ليست على ظاهرها من كل الوجوه وانما معناه بنى له بثوابه بناء اشرف واعظم وارفع لان اجور الاعمال متضاعفة وان الحسنة بعش رامثالها وهذا كما قال فى الثمرة انها تزاد حتى تكون مثل الجبل ولكن هذا التضعيف انما هو بحسب ما يقترن بالفعل من الاخلاص فان بنى على غير الاخلاص او على وجه غير مرضى فلا ثواب له ولا يعبأ الله به وان كان فى ظاهر الشرع له حكم المساجد من الاحترام والتعظيم وغير ذلك وكذا الربط والخوانق والقناطر والمطاهر وكل بناء فهو مشروط بذلك قاله فى شرح الالمام
قال النووى يدخل فى هذا الحديث من عمر مسجدا قد استهدم واذا اشترك جماعة فى عمارة مسجد فهل يحصل لكل منهم بيت فى الجنة كما لو اعتقد جماعة عبدا مشتركا بينهم فانهم يعتقون من النار ويجوزون العقبة لقوله تعالى(5/157)
{ وما ادراك ما العقبة فك رقبة } وقد فسر النبى عليه السلام فك الرقبة بعتق البعض والقياس الحاق المساجد بالعتق لان فيه ترغيبا وحملا للناس على انشاء المساجد وعمارتها وهل يمكن الكافر من بناء المسجد فذهب بعضهم الى ان الصحيح جوازه لقوله عليه السلام « ان الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر » كما فى تفسير البغوى
قال الواحدى عند قوله تعالى { ما كان للمشركين ان يعمروا مساجد الله } دلت الآية على ان الكفار ممنوعون من عمارة مسجد المسلمين ولو اوصى لم تقبل وصيته انتهى
قال سعدى جلبى المفتى عدم قبول وصيته مجمع عليه بين اصحابنا الحنفية انتهى ولا يصير الكافر ببناء المسجد مسلما وان عظمه حتى ياتى بالشهادتين بخلاف المسلم اذا اتى كنيسة واعتقد تعظيمها فانه يكفر لان الكفر يحصل بمجرد النية والاسلام لا يحصل الا بالتلفظ بالشهادتين كما فى فتح القريب
يقول الفقير سامحه الله القدير علم منه ان بعض القبط فى الديار الرومية ممن اظهر الاسلام رأيناهم يصلون ويصومون كصلاة المخلصين وصيامهم ثم انهم يدخلون كنائس النصارى فى مواسمهم فهم مرتدون بذلك ولا تصح الصلاة على موتاهم ان ماتوا على تلك الحالة لانه لا شك فى تعظيمهم الكنائس وموافقتهم النصارى فى افعالهم ولياليهم المعهودة فلا نتوقف فى كفرهم واما تلفظهم بالشهادة فهو بحسب العادة ولا يغنى عنهم شيئا فى اعتقادهم وبعض المعاصرين من العلماء يتوقفون فى كفرهم جهلا العياذ بالله تعالى
ثم نرجع ونقول ان بنى عمرو بن عوف لما بنوا ذلك المسجد حسدتهم اخوتهم بنو غنيم بن عوف وقالوا أنصلى فى مربط جمار لامرأة عمرو وذلك لانه كانت امرأته تربط فيه حمارها وقيل كان مكان مسجد قبا محلا يجفف فيه التمر لكلثوم بن هدم رضى الله عنهما فبنوا مسجدا آخر فى قبا على قصد الفساد وتفريق جماعة المؤمنين وان يؤمهم فيه ابو عامر الراهب اذا قدم من الشام
وفى الحدادى انهم بنوه باذن النبى عليه السلام اقول هذا يخالف سوق القصة كما لا يخفى وبعيد ان يأذن رسول الله قبل اشارة الله فى ذلك . وقصى ابى عامر الراهب انه كان من اشراف قبيلة الخزرج تنصر فى الجاهلية وترهب ولبس المسوح وكان ماهرا فى علم التوراة والانجيل
قال الكاشفى [ وبيوسته نعت وصفت سيد عالم صلى الله عليه وسلم براهل مدينة مى خواند جون آن حضرت بمدينة هجرت كرد اهل ان خطه شيفته جمال وكمال وى شده وازصبحت ابو عامر برميدند وبرواى اونكردند ]
باوجود لب جان بخش تواى آب حيات ... حيفم آيد سخن از جشمه حيوان كفتن
فحسده وعاداه لانه زالت به عليه السلام رياسته وقال له لا اجد قوما يقاتلونك الا قاتلتك فلم يزل يتقاتل معه عليه السلام الى ان تقاتل معه يوم هوازن فلما انهزمت هوازن خرج الى الشام(5/158)
قال الكاشفى [ آيد نامه نوشت بمنافقان جون ثعلبه بن حاطب وامثال اوكه شمادر مقابله مسجد قبادر محله خويش براى من مسجدى بسازيدكه جون من بمدينة آيم انجابافاده علم اشتغال نمايم ايشان مسجدى ساختند وحضرت رسالت بناه جون عازم تبوك شد بانيان مسجد آمده والتماس داريمكه درآن مسجد نماركزارى وغرض ايشان آن بودكه بواسطة نماز آن حضرت صلى الله عليه وسلم مهم خودرا دراستحكام دهند جنانجه در مثنوى معنوى هست ]
مسجد واصحاب مسجد را نواز ... تومهى ما شب دمى بامابساز
تاشود شب از جمالت همجوروز ... اى جمالت آفتاب جان فروز
اى دريغا كان سخن ازدل بدى ... تامراد آن نفر حاصل شدى
قال فى السيرة الحلبية كانوا يجتمعون فيع ويبيعون النبى عليه السلام ويستهزؤون به فقال النبى صلى الله عليه وسلم « انى على جناح سفر وحال شغل ولو قدمنا لاتيناكم فصليناكم فيه » فلما رجع من تبوك اتوه فسألوه اتيان مسجدهم فدعا عليه السلام بقميصه ليلبسه ويأتيهم فانزل الله هذه الآية فقال { والذين اتخذوا مسجدا } { ضرارا } مفعول له اى مضارة للمؤمنين
قال الكاشفى براى ضرر مؤمنان وستيزه ايشان ] { وكفرا } وتقوية للكفر الذى يضمرونه { وتفريقا بين المؤمنين } الذين كانوا يجتمعون فى مسجد قبا قانهم ارادوا ببنائهم المسجد صرف بعض الجماعة اليه وتفريق كلمة المؤمنين { وارصادا } اى ترقبا وانتظارا { لمن حارب الله ورسوله من قبل } اى من قبل اتخاذ هذا المسجد وهو ابو عامر الارهب اى لاجله حتى يجيئ قيصلى فيه ويظهر على رسول الله وقد سبق حضوره فى الوقائع كلها فمن متعلق بحارب او باتخذوا مسجدا من قبل ان يظهر هؤلاء النفاق بالتخلف { وليحلفن } والله ليحلفن فهو جواب قسم مقدر
قال الكاشفى [ وهر آيينه سوكند ميخورند جون كسى كويد جرا اين مسجد ساختيد ] { ان } نافية { اردنا } اى ما اردنا ببناء هذا المسجد { الا الحسنى } الا الخصلى الحسنى وهى الصلاة وذكر الله والتوسعة على المصلين { والله يشهد انهم لكاذبون } فى حلفهم ذلك ولما نزلت هذه الآية واعلمه الله بخبرهم وما هموا به دعا اى رسول الله الوحشى قاتل حمزة وجماعة معه فقال لهم « انطلقوا الى هذا المسجد الظالم اهله فاهدوه واحرقوه » فخرجوا سراعا واخذوا سعفا من النخل واشعلوا فيه النار وذلك بين المغرب والعشاء وهدموه الى الارض وامر النبى عليه السلام ان يتخذ كناسة يلقى فيها القمامة والجيف ثم بعد زمان اعطاه صلى الله عليه وسلم لثابت بن ارقم يجعله بيتا فلم يولد فى ذلك البيت مولود قط وحفر فيه بقعة فخرج منها الدخان ومات ابو عامر بالشام وحيدا غريبا وذلك انه عليه السلام لما قدم المدينة اقبل اله ابو عامر فقال ما هذا الذى جئت به قال(5/159)
« جئت بالحنفية دين ابراهيم » قال ابو عامر وانا عليها فقال عليه السلام « انك لست لها » قال بلى ولكنك ادخلت فى الحنفية ما ليس فيها فقال عليه السلام « ما فعلت ذلك ولكن جئت بها بيضاء نقية » فقال ابو عامر امات الله الكاذب منا طريدا غريبا فقال عليه السلام « آمين » فسماه ابا عامر الفاسق مكان الراهب فمات كافرا يقنسرين وهى بكسر القاف وتشديد النون المفتوحة او المكسورة اسم بلدة فى الشام ومع هذه الخباثة كان له ولد صالح يقال له ابو حنظلة استشهد يوم احد فغسلته الملائكة عليهم السلام : قال السعدى قدس سره
هنر بنماى اكر دارى نه كوهر ... كل ازخاست وابراهيم از آزر
وفى الآية اشارة الى ان اهل الطبيعة { اتخذوا } مزبلة النفس { مسجدا ضرارا } لارباب الحنفية { وكفرا } باحوالهم كما انهم اتخذوا بستان القلب مسجدا يذكرون الله فيه ويطلبونه وهذا وصف مدعى الطلب الكذابين فى دعواهم المتشبهين بزى ارباب الصدق والطلب { وتفريقا بين المؤمنين } الطالبين الصادقين باظهار الدعوى من غير المعنى اى يفرقون بين الاخوان فى الله فى طلب انواع الحيل تارة بطلب صحبة معهم ومرافقتهم فى الاسفار وتارة بذكر البلدان وكثرة النعم فيها وطيب هوائها وكرم اهلها وارادتهم لهذه الطائفة ليزعجوهم عن خدمة المشايخ وصحبة الاخوان { وارصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل } ليوقعوهم فى بلاء صحبة الاباحية من مدعى الفقر والمعرفة وهم يحاربون الله بترك دينه وشريعته ورسوله بترك متابعته واحياء سنته { وليحلفن لهم ان اردنا الا الحسنى } فيما دعونا اليه { والله يشهد انهم لكاذبون } فيما يدعون ويحلفون كذا فى التأويلات النجمية(5/160)
لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)
{ لا تقم } يا محمد للصلاة { فيه } اى فى مسجد هؤلاء المنافقين { ابدا }
قال سعدى المفتى اى لا تصل فيه عبر بالقيام عن الصلاة كما فى قولهم فلان يقوم الليل ومنه الحديث الصحيح « من قام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه » { لمسجد } مسجد قبا واللام للابتداء او القسم { اسس } التأسيس احكتم اس البناء وهو اصله يعنى اسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى فيه ايام مقامه بقبا { على التقوى }
قال فى التبيان اى بيت حدوده ورفعت قواعده على طاعة الله
وفى الحدادى لوجه الله وعلى ههنا للمصاحبة بمعنى كما فى قوله تعالى { وآتى المال على حبه } كما فى حواشى سعدى المفتى { من اول يوم } من ايام وجوده وتأسيسه متعلق باسس وكلمة من الجارة اذا كانت للابتداء تجر المكان كثيرا كما فى قولك جئت من البصرة وقد تجر الزمان ايضا عند الكوفيين كما فى هذه الآية فالمعنى منذ اول يوم بنى لان منذ لابتداء الغاية فى الزمان تقول ما رأيته منذ شهر
وقال الرضى من فى الآية بمعنى فى وذلك كثير فى الظروف . ويقال اراد بالمسجد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة والاول اشهر واوفق للقصة اذ المسجد بقيا فالموازنة بينهما اولى من الموازنة بين ما بقيا وما بالمدينة
قال الحدادى لا يمتنع ان يكون المراد بالمسجد الذى اسس على التقوى كلا المسجدين مسجد النبى عليه السلام ومسجد قبا { احق ان تقوم فيه } اى اولى ان تصلى فيه
فان قيل لم قال الله تعالى احق لن تقوم فيه مع ان المفاسد الاربع المذكورة بقوله ضرارا وكفلرا وتفريقا وارصادا تمنع جواز قيامه فى الآخر
والجواب ان الكلام مبنى على النزول والمعنى لو فرضنا جواز القيام فى مسجد الضرار لكان القيام فى مسجد التقوى احق واولى لكونه على قاعدة محكمة فكيف والقيام فيه باطل لكونه مبنيا لاغراض فاسدة ويجوز ان يقال احق ليس للتفضيل بل بمعنى حقيق كما قال المولى ابو السعود والمراد بكونه احق كونه حقيقا به اى لا استحقاق فى مسجد الضرار رأسا وانما عبر عنه بصيغة التفضيل لفضله وكماله فى نفسه او الافضلية فى الاستحقاق المتناول ما يكون باعتبار زعم البانى ومن يتابعه فى الاعتقاد وهو الانسب بما سيأتى { فيه } اى فى المسجد المؤسس على التقوى { وحال } يعنى الانصار جملة مستأنفة مبينة لا حقية لقيامه عليه السلام فيه من جهة الحال بعد بيان احقيته له من حيث المحل { يحبون ان يتطهرا } من الانجاس والاخباث مطلقا بدنية كانت او عملية كالمعاصى والخصال الذميمة { والله يحب المطهرين } اى يرضى عن المتطهرين ويدينهم من جنابه ادناء المحب حبيبه - روى - ان هذه الآية لما نزلت مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه المهاجرون حتى وقف على باب مسجد قبلا فاذا الانصار جلوس فقال(5/161)
« أمؤمنون انتم » فسكت القوم ثم اعادها فقال عمر رضى الله عنه يا رسول الله انهم لمؤمنون وانا معهم فقال عليه السلام « أترضون بالقضاء » قالوا نعم قال « أتصبرون على البلاء » قالوا نعم قال « أيشكرون فى الرخاء » قالوا نعم قال عليه السلام « مؤمنون ورب الكعبة » فجلس ثم قال « يا معشر الانصار ان الله قد اثنى عليكم فما الذى تصنعون عند الوضوء وعند الغائط » فقالوا نتبع الغائط الاحجار الثلاثة ثم نتبع الاحجار الماء فتلا فيه { رجال يحبون ان يتطهروا } وفى كلام بعضهم اول من استنجى بالماء ابراهيم عليه السلام والاتسنجاء مسح موضع النجو اى ما خرج من البطن وهو فى الاصل اعم منه ومن غسله كما فى المغرب فيطهر موضع النجو بثلاثة امداد فان لم يجد فبالحجار فان لم يجد فبكفه ولا يستنجى بما سوى الثلاثة لانه يورث الفقر والمقصود التقنية فلو حصل بالواحد كفاه ولم يحصل بالثلاثة زاد ولا يستنجى من النوم والريح فانه بدعة وليس على المستحاضة استنجاء لكل صلاة بلا بول وغائط كما فى النوازل واستعمال المنشفة ادب وذلك قبل ان يقوم وبعد الغسل ليزول اثر الماء المستعمل بالكلية وكان الانصار يتبعون الماء اثر اليوم ايضا وعن بعضهم ان المراد التطهر من الجنابة فلا ينامون عليها وفى الحديث « ثلاثة لا تقربهم الملائكة » المراد بالملائكة هنا هم الذين ينزلون بالرحمة والبركة دون الحفظة فانهم لا يفارقونه على اى حال من الاحوال
وقال بعض العلماء المراد بالملائكة غير الحفظة وغير ملائكة الموت وقيل اراد لا تحضره الملائكة بخير « جيفة الكافر » المراد بها ذاته حيا وميتا لان الكافر نجس بعيد من الرحمة فى الحياة وبعد الموت « والمتضخ » بالضاد والخاء المعجمتين اى المتلطخ المتدهن بالخلوق بفتح الخاء المعجمة طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من انواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة
وقال ابو عبيدة عند العرب هو الزعفران وحده ووجه النهى عن الخلوق لما فيه من الرعونة والتشبه بالنساء والنهى عن الخلوق مختص بالرجال دون النساء كما فى المفاتيح « والجنب » الجنابة لغة البعد وسمى الانسان جنبا لانه نهى ان يقرب مواضع الصلاة ما لم يتطهر وقيل لمجانبته الناس حتى يغتسل « الا ان يتوضأ » وهذا فى حق كل من اخر الغسل لغير عذر او لعذر اذا امكنه الوضوء فلم يتوضأ
وقيل لم يرد بالجنب من اصابته جنابة فاخر الاغتسال ولكنه الجنب الذى يتهاون بالغسل ويتخذ تركه عادة لان النبى صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب ويطوف على نسائه بغسل واحد(5/162)
وفى الشرعة وينام بعد الوطء نومة خفيفة فانه اروح للنفس لكن السنة فيه ان يتوضأ اولا وضوءه للصلاة ثم ينام كما فى شرح ابن السيد على
قال فى فتح القريب المراد بالوضوء الشرعى بلا خلاف وفى رواية شعبة « اغسل ذكرك ثم توضأ وارقد » هذا هو الصحيح يعنى الامر بغسل الذكر ثم الوضوء ومن نام ولم يتوضأ فليستغفر الله تعالى ولو اراج العةد اى من غير نوم فليتوضأ اى ليتنظف بغسل الذكر واليدين فليس المراد بالوضوء الشرعى المشهور كما ذهب اليه المالكية كما فى شرح المشارق . والوضوء يطلق على غسل اليدين كما فى قوله عليه السلام « الوضوء قبل الطعام ينفى الفقر » واذا توضأ وضوءه للصلاة واراد ان ينام فهل الاولى ان ينوى رفع الحدث الاصغر او ينوى سنة العود او رفع الجنابة او ما اصابه من الاعضاء المغسولة الظاهر الاول ليكطون عبادة مستقلة او مخففة للحدث بزوال احد الحدثين كذا فى فتح القريب . وفيه ايضا اختلف فى علة الوضوء فقيل لانه يخفف الحدث وقيل لبيت على احدى الطعارتين خشية ان يموت فى نومه ذلك لان الملائكة لا تدخل بيتا فيه جنب فيزول ذلك بالوضوء ومذهب الشافعى ومالك استحباب الوضوء للجنب قبل النوم لانه عليه السلام كان يفعل ذلك . وعن بعض المالكية لا تسقط العدالة بتركه لاختلاف العلماء فيه
وقال بعضهم فى الآية يحبون ان يتطهروا بالحمى المكفرة لذنوبهم فحموا عن آخرهم -روى- ان جابرا قال استأذنت الحمى على رسول الله عليه وسلم فقال « من هذه » قيل ام ملدم فامر بها عليه السلام الى اهل قبل فلقوا فيها ما لا يعلمه الا الله فشكوا اليه عليه السلام فقال « ان شئتم دعوت الله ليكشفها عنكم وان شئتم تكون لكم طهورا » قالوا أو تفعل ذلك فقال « نعم » قالوا فدعها وقد « جاء ان حمى ليلة كفارة سنة ومن حم يوما كان له براءة من النار وخرج من ذنوبه كيوم ولدته امه » وعن عائشة رضى الله عنها لما قدمت المدينة اخذتها الحمى فسبتها فقال عليه السلام « لا تسبيها فانها مأمورة ولكن ان شئت علمتك كلمات اذا قلتهن اذهبها الله تعالى عنك » قالت علمنى قال « قولى اللهم ارحم جلدى الرقيق وعظمى الدقيق من شدة الحريق يا ام ملدم ان كنت آمنت بالله العظيم فلا تصدعى الرأس ولا تنتنى الفم ولا تأكلى اللحم ولا تشربى الدم وتحولى عنى الى من اتخذ مع الله الها أخر » فقالتها فذهبت عنها ولما استوخم المهاجرون هواء المدينة ولم يوافق امزجتهم فمرض كثير منهم وضعفوا تشوقوا الى مكة المكرمة ولذا نظر عليه السلام يوما الى السماء لانها قبلة الدعاء وقال(5/163)
« اللهم حبب الينا المدينة كما حببت الينا مكة وبارك لنا فى مدها وصاعها وصححها لنا ثم انقل وباءها الى مهيعة » اى الجحفة وهى قرية قريبة من رابغ محل احرام من يجيئ من جهة مصر حاجا وكان سكانها ذا ذاك يهودا ودعاؤه عليه السلام ان يحبب اليهم المدينة انما هو لما جلبت عليه النفوس من حب الوطن والحنين اليه ومن ثم جاء فى حديث عائشة رضى الله عنها انها سألت رجلا بخضور النبى عليه السلام قدم المدينة من مكة فقالت له كيف تركت مكة فذكر لها من اوصافها الحسنة ما غرغرت منه عينا رسول الله عليه السلام وقال « لا تشوقها يا فلان »
فتنها درانجمن ببدا شود ازسوزمن ... جون مرادر خاطر آيد مسكن ومأواى دوست
وفى اسئلة الحكم ان الختان للتطهير لانه لا يوجب المحبة الالهية كما قال تعالى { والله يحب المطهرين } فيحصل الاحتراز والتطهر من البول بالختان
قال الفقهاء الاقلف يجب ايصال الماء الى القلفة اذ لا حرج فيه وفى الحديث « اتقوا البول فان عامة عذاب القبر من البول فانه اول ما يحاسب به العبد فى القبر » كما فى الترغيب
اعلم ان مسجد المنافقين اشارة الى مزبلة النفس والمسجد المؤسس على التقوى اشارة الى مسجد القلب وهو قد اسس على العبودية والطاعة والاقرار بالوحدانية من اول يوم الميثاق عند خطاب ألست ببكم وجواب قالوا بلى واهله متطهرون عن الصفات الذميمة والاخلاق اللئيمة بل عن دنس الوجود ولوث الحدوث والله يحب المطهرين الفانين عن وجودهم الباقين بالله ولولا محبته اياهم ما وفقهم للتطهير فتطهرهم مطلقا اثر من آثار محبة الله لهم : قال الحافظ
طهارت ارنه بخون جكر كند عاشق ... بقول مغتى عشق اش درست نيست نماز
وفى المثنوى
روى ناشسته نبيند روى حور ... لا صلاة كفت الا بالطهور
وهو بالفتح مصدر بمعنى التطهير ومنه « مفتاح الصلاة الطهور » واسم لما يتطهر به كذا فى المغرب(5/164)
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109)
{ أفمن اسس بنيانه } جملة مستأنفة مبينة لخيرية الرجال المذكورين من اهل مسجد الضرار وهمزة الاستفهام للانكار والفاء للعطف على مقدر . والتأسيس احكام اس البناء وهو اصله والبنيان مصدر كالغفران اريد به المفعول اى المبنى . والمعنى ابعد ما علم حالهم فمن اسس بنيان مسجده اذ الكلام فيه ويؤيده اسس على التقوى
وقال الكاشفى [ آيا هر كس اساس افكند بناى دين خودرا ] { على تقوى من الله } المراد بالتقوى درجتها الثانية التى هى التقوى عن كل ما يؤثم من فعل او ترك فيكون غير منصرف كحبلى فلا تنوين فيه اذا . وقرئ بالتنوين على ان يكون الفه للالحاق كالف ارطى { ورضوان } وطلب مرضاته بالاشتغال بالطاعة { خير } اطلاق خير على معتقد اصحاب مسجد الضرار من اعتقاد الاشتراك فى الخيرية { أم من اسس بنيانه } والمعنى أى الفريقين خير واحق بالمصاحبة والصلاة معهم من اسس بناء مسجده مريدا به تقوى الله وطاعته وهم اهل مسجد قبا ام من اسس بنيان مسجده على النفاق والكفر وتفريق المؤمنين وارصاد كافر شأنه كيد المسلمين وتوهين امر الدين وترك الاضمار للايذان باختلاف البنيانين ذاتا واختلافهما وصفا واضافة { على شفا جرف هار } شفا الشئ بالقصر طرفه وشفيره وتثنيته شفوان والجرف بالضم والاسكان وهما لغتان الارض التى جرفت السيول اصلها اى حفرته واكلته والهارى المتصدع المشرف على السقوط يقال هار الجرف يهور او يهير اذا انشق من خلفه وهو ثابت بعد مكانه فهو هائر فهارى مقلوب هاير نقلت لانه الى مكان العين كما فعل فى شام اصله شايك فصار عارى فاعل كقاضى
قال ابو البقاء اصله هارو اوهاير ثم اخرت عين الكلمة فصارت بعد الراء وقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ثم حذفت لسكونها وسكون التنوين فوزنه بعد القلب فالع وبعد الحذف قال وعين الكلمة واو اوياء يقال تهور البناء وتهير { فانهار فى نار جهنم } يقال هار البناء هدمه فالانهار والانهيار [ ريهيده شدن ] كما فى تاج المصادر وفاعل انهار ضمير البنيان وضميربه للمؤسس البانى اى تساقط بنيانه وتناثر به اى بصاحبه فى النار
قال قتادة ذكر لنا انه حفرت بقعة من مسجد الضرار فرؤى الدخان يخرج منها
وقال جابر بن عبد الله رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار
قال الحدادى كما ان من بنى على جانب نهر صفته ما ذكرنا انهار بناؤه فى الماء فكذلك بناء اهل النفاق مسجد الشقاق كبناء على جرف جهنم يهور باهبه فيها { والله لا يهدى القوم الظالمين } اى لانفسهم او الواضعين للاشياء فى غير موضعها اى لا يرشدهم الى ما فيه نجاتهم وصلاحهم ارشادا موصلا لا محالة واما الدلالة على ما يرشدهم اليه ان استرشدوا به فهو متحقق بلا اشتباه . والظلم فى الحقيقة وضع عبداة الدنيا ومحبتها والحرص فى طلبها فى موضع عبداة الله تعالى ومحبته والصدق فى طلبه(5/165)
لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)
{ لا يزال بنيانهم الذى بنوا } البنيان مصدر اريد به المفعول ووصفه بالموصول الذى صلته فعله للايذان بكيفية بناتهم له وتأسبسه على اوهن قاعدة واوهى اساس وللاشعار بعلة الحكم اى لا يزال مسجدهم ذلك مبنيا ومهدوما { ريبة فى قلوبهم } اى سبب ريبة وشك فى الدين كأنه نفس الريبة . اما حال بنائه فظاهر لما ان اعتزالهم من المؤمنين واجماعهم فى مجمع على حياله يظهرون فيه ما فى قلوبهم من آثار الشرك والنفاق ويدبرون فيه امورهم ويتشاورون فى ذلك ويلقى بعضهم الى بعض ما سمعوا من اسرار المؤمنين مما يزيدهم ريبة وشكا فى الدين . واما حال هدمه فلما انه رسخ به كان فى قلوبهم من الشر والفساد وتتضاعفت آثاره واحكامه { الا ان تقطع } من التفعل بحذف احدى التائين اى الا ان تقطع { قلوبهم } قطعا وتتفرق اجزاء بحيث لا يبقى لها قابلية ادراك واضمار قطعا وهو استثناء من اعم الاوقات او اعم الاحوال محلة النصب على الظرفية اى لا يزال بنيانهم ريبة فى كل الاوقات او كل حال من الاحوال الا وقت تقطع قلوبهم فحينئذ يسلون عنها . واما ما دامت سالمة فالريبة باقية فيها فهو تصوير لامتناع زوال الريبة عن قلوبهم الى الموت ويجوز ان يكون المراد حقيقة تقطعها عند قتلهم او فى القبور بالبلى او فى النار { والله عليم } [ وخداى تعالى داناست بتأسيس بنا وايشان كه بجه نيت بوده ] { حكيم } فيما حكم وامر من هدم مسجدهم واظهار نفاقهم
واعلم ان فى الآيتين المذكورتين اشارات منها ان صفاء الطوية وحسن الاعتقاد كالاساس فى باب الاعمال فكما ان البناء لا يقوم على الماء بل يقوم على الارض الصلبة كذلك الاعمال لا تقوم الا على محكم الاعتقاد وهو الباعث على الاخلاص العمل الذى هو ارادة التقرب الى الله تعالى وتعظيم امره واجابة دعوته وضده النفاق وهو التقرب الى الخلق من دون الله تعالى . واما اخلاص طلب الاجر فهو ارادة نفع الآخرة بعمل الخير وضده الرياء وهو ارادة نفع الدنيا بعمل الآخرة سواء اراده من اله او من الناس لان الاعتبار فى الرياء بالمراد منه
فعلى العاقل ان يجعل اساس دينه على الاعتقاد الصحيح والاخلاص والتقوى حتى يكون كشجرة اصلها ثابت وفرعها فى السماء
ومنها ان المنافقين بنوا مسجدا للصلاة صوره فهم انما بنوا متحدثا لهم حقيقة ومحلا لقاذورات اقوالهم وافعالهم ولذا كان حريا بالقاء الجيف فيه بعد الهدم فتتمتعوا قليلا ثم وقعوا فى النار جميعا كما قال تعالى { ان الله جامع المنافقين والكافرين فى جهنم } فكما ان من جالسهم فى مجالسهم القذرة العذرة شقى شقاوة حقيقية كذلك من جالس الصديقين والعارفين فى مجالسهم المطهرة وانديتهم المقدسة سعد سعادة ابدية وتطهر طهارة اصلية وقد قال عليه السلام(5/166)
« انهم القوم لا يشقى بهم جليسهم » فالمراد السامع او الجالس لان المجالسة والسماع ينتجان عن المحبة قال عليه السلام « المرء مع من احب » وهنا سر صوفى يريد صلى الله عليه وسلم فى الدنيا والآخرة فى الدنيا بالطاعة والادب الشرعى وفى الآخرة بالمعاينة والقرب المشهدى
ومنها انهم ارادوا ببنيانهم مكرا وخديعة وغفلوا عن مكر الله تعالى بهم ولذا افتضحوا
مكر حق سر جشمه اين مكر هاست ... قلب بين الاصبعين كبر ياست
آنكه سازد دردلت مكرو قياس ... آتشى داند زدن اندر بلاس
ومنها ان من كانت شقاوته اصلية ازلية فهو لا يزداد بما ابتلاه الله تعالى به الا ضلالا وغيظا وانكارا والعاقل يختار فضوح الدنيا لانه اهون من فضوح الآخرة
ازين هلاك مينديش وباش مردانه ... كه اين هلاك بودموجب خلاص ونجات
ومنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يدب الناس عن النار وعن الوقوع فيها ولذا هدم مسجدم الضرار اذ لو تركه على حاله لعاد الضرر على العامة بنزول البلية وهى نار معنى ولافتتن به بعض الناس والفتنة الدينية سبب للنار حقيقة فأهل الفساد والشر لا يقرون على ما هم عليه بل ينكر عليهم اشد الانكار بهتك اعراضهم واخراجهم من مساكنهم ان مست الحاجة ما هم عليه بل ينكر عليهم اشد الانكار بهتك اعراضهم واخراجهم من مساكنهم ان مست الحاجة الى الاخراج وكذا هدم بيوتهم ومنازلهم
ذكر فى فتاوى ابى الليث رجل بنى رباطا للمسلمين على ان يكون فى يده ما دام حيا فليس لاحد ان يخرجه من يده ما لم يظهر منه امر يستوجب الاخراج من يده كشرب الخمر فيه وما اشبه ذلك من الفسق الذى ليس فيه رضى الله لان شروط الوقف يجب اعتبارها ولا يجوز تركها الا للضرورة
وقال فى نصاب الاحتساب فاذا كان الخانقاه يخرج من يد بانيه لفسقه فكيف يترك فى الخانقاه فاسق او مبتدع . مثل الحديدية الذين يلبسون الحديد لان الحديد حلية اهل النار سواء اتخذ خاتما او حلقة فى اليد او فى الاذن او فى العنق او غير ذلك . ومث الجوالقية الذين يلبسون الجوالق والكساء الغليظ ويحلقون اللحية وكلاهما منكلا . فام الاول فلانه لباس شهرة وقد نهى عنه . واما الثانى فلانه من فعل الافرنج وفيه تغيير خلق الله تعالى والتشبه بالنساء . ومثل القلندرية الذين يقصون الشعور حتى الحاجب والاهداب وفيهم يقول الحافظ
قلندرى نه بريشست وموى يا ابرو ... حساب راه قلندر موى بموست
كدشتن تز سرمو در قلندرى سهلست ... جو حافظ آنكه زسر بكذردقلندراوست
وقس عليهم سائر فرق اهل البدعة وفى الحديث « لقد هممت ان آمر رجلا يصلى بالناس وانظر الى اقوام يتخلفون عن الجماعة فاحرق بيوتهم » وهذا يدل على جواز احراق بيت الذى بيت الذى يتخلف عن الجماعة لان الهم على المعصية لا يجوز من الرسول عليه السلام لانه معصية فاذا علم جواز احراق البيت على ترك السنة المؤكدة فما ظنك فى احراق البيت على ترك الواجب والفرض عصمنا الله واياكم من الاقوال والافعال المنكرة(5/167)
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)
{ ان الله اشترى } -روى- ان الانصار لما بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقلة بمكة وهم سبعون او اربعة وسبعون من اهل المدينة قال عبد الله بن رواحة يا رسول الله اشترك لربك ولنفسك ما شئت فقال « اشترطت لربى ان تعبدوه ولا تشركوا به شيأ واشترطت لنفسى ان تمنعونى ما تمنعون منه انفسكم واموالكم » قال فاذا فعلنا ذلك فما لنا قال « الجنة » قالوا ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل اى لا نفسخه ولا ننقضه
آن بيع راكه روز ازل باتو كرده ايم ... اصلا دران حديث اقاله نميرود
فنزلت { ان الله اشترى } { من المؤمنين } لا من المنافقين والكافرين فانهم غي رمستعدين لهذه المبايعة
قال الحسن اسمعوا الى بيعة ربيحة بايع الله بها كل مؤمن والله على وجه الارض مؤمن الا وقد دخل فى هذه البيعة وسميت المعاهدة مبايعة تشبيها بالمعاوضة المالية
قال ابن ملك فى شرح المشارق المبايعة من جهة الرسول عليه السلام هو الوعد بالثواب ومن جهة الآخر التزام طاعته { انفسهم } [ نفسهاى ايشانرا كه مباشر جهاد شوند ] فالمراد بالنفس هو البدن الذى هو المركب والآلة فى اكتساب الكمالات للروح المجرد الانسانى { واموالهم } [ وما لهاى ايشانرا كه درراه نفقه كنند ] فالمال الذى هو وسيلة الى رعاية مصالح هذا المركب { بان لهم الجنة } [ باآنكه مرايشانرا باشد بهشت ] اى باستحقاقهم الجنة فى مقابلتها وهو متعلق باشترى ودهلت الباء هنا على المتروك على ما هو الاصل فى باء المقابلة والعوض ولم يقل بالجنة مبالغة تقرر وصول الثمن اليهم واختصاصه بهم كأنه قيل بالجنة الثابتة لهم المختصة بهم
فان قيل كيف يشترى احد ملكه بملكه والعبد وماله لمولاه
قيل انما ذكر على وجه التحريض فى الغزو . يعنى [ اى بنده ازتو بذل كردن نفس ومال وازمن عطا دادن بهشت بى زوال ] ففيه تلطف للمؤمنين فى الدعاء الى الطاعة البدنية والمالية وتأكيد للجزاء كما قال تعالى { من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا } فذكر الصدقة بلفظ القرض للتحريض على ذلك والترغيب فيه اذ القرض يوجب رد المثل لا محالة وكأن الله تعالى عامل عباده معاملة من هو غير مالك فالاشتراء استعارة عن قبول الله تعالى من المؤمنين انفسهم واموالهم التى بذلوها فى سبيله واثابته اياهم بمقابلتها الجنة فالله تعالى بمنزلة المشترى والمؤمن بمنزلة البائع وبدنه وامواله بمنزلة المبيع الذى هو العمدة فى العقد والجنة بمنزلة الثمن الذى هو الوسيلة وانما لم يجعل الامر على العكس بان يقال ان الله باع الجنة من المؤمنين بانفسهم واموالهم ليجل على ان المقصد فى العقد هو الجنة وما بذله المؤمنون فى مقبلتها من الانفس والاموال وسيلة اليها ايذانا بتعلق كمال العناية بانفسهم واموالهم(5/168)
وعن جعفر الصادق رضى الله عنه انه كان يقول يا ابن آدم اعرف قدر نفسك فان الله عرفك قدرك لم يرض ان يكون لك ثمن غير الجنة : وفى المثنوى
خويشتن نشناخت مسكين آدمى ... از فزونى آمد وشد در كمى
خويشتن را آدمى ارزان فروخت ... بوداطلس خويش رابردلق دوخت
قال الكاشفى [ نفس سرمايه سر وشورست ومال سبب طغيان وغرور اين دوناقص معيوب را درراه خدا كن وبهشت باقى مرغوبرا بستان ]
سنك بينداز وكهر مى ستان ... خاك زمين مى ده وزر مى ستان
درعوض فانى خوار وحقير ... نعمت باكيزه باقى بكير
وفى التفسير الكبير -حكى- فى الخبر ان الشيطان يخاصم ربه بهذه الآية ويحتج بالمسألة الشرعية فى البيع اذا اشترى المشترى متاعا معيوبا يرده الى البائع يقول يا رب انت اشتريت نفوسهم واموالهم فنفوسهم واموالهم كلها معيوبة در لى عبادك بشرعك وعدلك يكونوا معى حيث اكون فيقول الله تعالى انت جاهل بشرعى وعدلى وفضلى اذا اشترى المشترى متاعا بكل عيب فيه بفضله وكرمه لا يجوز رده فى شرعى فى مذهب من المذاهب فيخسأ الشيطان حجلا طريدا مخذولا : وفى المثنوى
كاله كه هيج خلقش ننكريد ... از خلاقت آن كريم آنرا خريد
هيج قلبى بيش حق مردود نيست ... زانكه قصدش ازخريدن سودنيست
[ بس حق سبحانه وتعالى مارا خريده وبعيوب مادانا اميداست كه ازدركاه كرم رد نكند . ودر نفخات الانس مذكورست از ابو زجانى نقل ميكندكه ]
توبعلم ازل مرا ديدى ... ديدى آنكه بعيب بخريدى
توبعلم آن ومن بعيب همان ... ردمكن آنجه خودبسنديدى
{ يقاتلون فى سبيل الله } استئناف لبيان البيع الذى يستدعيه الاشتراء المذكور كأنه قيل كيف يبيعون انفسهم واموالهم بالجنة فقيل يقاتلون فى سبيل الله : يعنى [ درراه خدا وطلب رضاى او ] وهو بذل منهم لانفسهم واموالهم الى جهة الله تعالى وزتعريض لهما للهلاك
وقال الحدادى فيه بيان الغرض لاجل اشترائهم وهو ان يقاتلوا العدو فى طاعة الله انتهى
اقول هل الافعال الالهية معللة بالاغراض اولا ففيه اختلاف بين العلماء فانكره الاشاعرة واثبته اكثر الفقهاء لان الفعل الخالى عن الغرض عبث والعبث من الحكيم محال وتمامه فى التفاسير عند قوله تعالى { وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون } { فيقتلون } [ بس كاهى مى كشند دشمانرا } فهم الغزاة فلهم الجنة { ويقتلون } [ وكاهى كشته ميشوند دردست ايشان ] فهم الشهداء فلهم الجنة
قال فى الارشاد هو بيان لكون القتل فى سبيل الله بذلا للنفس وان المقاتل فى سبيله باذل لها وان كانت سالمة غانمة فان الاسناد فى الفعلين ليس بطريق اشتراط الجمع بينهما ولا اشتراط الاتصاف باحدهما البتة بل بطريق وصف الكل بحال البعض فانه يتحقق القتال من الكل سواء وجد الفعلان او احدهما منهم او من بعضهم بل يتحقق ذلك وان لم يصدر منهم احدهما ايضا كما اذا وجدت المضاربة ولم يوجد القتل من احد الجانبين او لم توجد المضاربة ايضا فانه يتحقق الجهاد بمجرد العزيمة والنفر وتكثير السواد وتقديم حالة القاتلية على حالة المقتولية للايذان بعدم الفرق بينهما فى كونهما مصداقا لكون القتال بذلا للنفس .(5/169)
وقرئ بتقديم المبنى للمفعول رعاية لكون الشهادة عريقة فى الباب وايذانا بعدم مبالاتهم بالموت فى سبيل الله بل بكونه احب اليهم من السلامة واختار الحسن هذه القراءة لانه اذا قرئ هكذا كان تسليم النفس الى اسراء اقرب وانما يستحق البائع تسليم الثمن اليه بتسليم المبيع وانشد الاصمعى لجعفر رضى الله عنه
اثامن بالنفس النفيسة ربها ... وليس لها فى الخلق كلهمو ثمن
بها تشترى الجنات ان انابعتها ... بشئ سواها ان ذلكموغبن
اذا ذهبت نفسى بشئ اصيبه ... فقد ذهب الدنيا وقد ذهب الثمن
وانشد ابو على الكوفى
من يشترى قبة فى عدن عالية ... فى ظل طوبى رفيعات مبانيها
دلالها المصطفى والله بائعها ... ممن اراد وجبريل مناديها
واعلم ان من بذل نفسه وماله فى طلب الجنة فله الجنة وهذا هو الجهاد الاصغر ومن بذل قلبه وروحه فى طلب الله فله رب الجنة وهذا هو الجهاد الاكبر لان طريق التصفية وتبديل الاخلاق اصعب من مقاتلة الاعداء الظاهرة فالقتل اما قتل العدو الظاهر واما قتل العدو الباطن وهو النفس وهواها { وعدا } مصدر مؤكد لما يدل عليه كون الثمن مؤجلا اذ الجنة يستحيل وجودها فى الدنيا فمضمون الجملة السابقة ناصب له
قال سعدى المفتى لان معنى اشترى بان لهم الجنة وعدهم الله على الجهاد فى سبيله { عليه } حال من قوله { حقا } لانه لو تأخر عنه لكان صفة له فلما تقدم عليه انتصب حالا واصله وعدا حقا اى ثابتا مستقرا عليه تعالى
قال الكاشفى { حقا ثابت وباقى كه خلاف دران نيست ] { فى التورية والانجيل والقرآن } متعلق بمحذوف وقع صفة لو عدا اى وعدا مثبتا مذكورا فى التوراة والانجيل كما هو مثبت مذكور فى القرآن . يعنى ان الوعد بالجنة للمقاتلين فى سبيل الله من هذه الامة مذكور فى كتب الله المنزلة وجوز تعلقه باشترى فيدل على ان اهل التوراة والانجيل ايضا مأمورون بالقتال موعودون بالجنة { ومن اوفى بعهده من الله } من استفهام بمعنى الانكار واوفى افعل تفضيل وقوله من الله صلته اى لا يكون احد وافيا بالوعد والعهد وفاء الله بعهده ووعده لانه تعالى قادر على الوفاء وغيره عاجز عنه الا بتوفيقه اياه كما فى التأويلات النجمية { فاستبشروا } الاستبشار اظهار السرور والسين فيه ليس للطلب كاستوقد واوقد والفاء لترتيب الاستبشار على ما قبله اى فاذا كان كذلك فسروا نهاية السرور وافرحوا غاية الفرح بما فزتم به من الجنة وانما قيل { بيعكم } مع ان الابتهاج به باعتبار ادائه الى الجنة لان المراد ترغيبهم فى الجهاد الذى عبر عنه بالبيع وانما لم يذكر العقد بعنوان الشراء لان ذلك من قبل الله لا من قبلهم والترغيب انما يكون فيما يتم من قبلهم
قال الحدادى بيعكم انفسكم من الله فانه لا مشترى ارفع من الله ولا ثمن اعلى من الجنة وقوله تعالى { الذى بايعتم به } [ آنكه مبايعه كرديد بآن ] لزيارة تقرير بيعهم وللاشعار بكونه مغايرا لسائر البياعات فانه بيع للفانى بالباقى ولان كلا البدلين له سبحانه وتعالى { وذلك } اى الجنة التى جعلت ثمنا بمقابلة ما بذلوا من انفسهم واموالهم { هو الفوز العظيم } الذى لا فوز اعظم منه
قال الحدادى اى النجاة العظيمة والثواب الوافر لانه نيل الجنة الباقية بالنفس الفانية ويجوز ان يكون ذلك اشارة الى السبع الى امروا بالاستبشار به وبجعل ذلك كأنه نفس الفوز العظيم او يجعل فوزا فى نفسه
واعلم ان الخلق كلهم ملك الله وعبيده .(5/170)
ومع هذا فقد اشترى من المؤمنين انفسهم لنفاستها لديه احسانا منه
ثم اعلم ان الاجل محكوم ومحتوم . وان الرزق مقسوم ومعلوم . وان من اخطأ لا يصيب . وان سهم المنية لكل احد مصيب . وان كل نفس ذائقة الموت . وان ما قدر ازلا لا يخشى من الفوت . وان الجنة تحت ظلال السيوف . وان الرى الاعظم فى شرب كؤوس الحتوف . وان من اغبرت قدماه فى سبيل الله حرمه الله على النار . ومن انفق دينارا كتب بسبعمائة دينار وفى رواية بسبعمائة الف دينار . وان الشهداء حقا عند الله من الاحياء . وان ارواحهم فى جوف طيور خضر تتبوأ من الجنة حيث تشاء . وان الشهيد يغفر له جميع ذنوبه وخطاياه وانه يشفع فى سبعين من اهل بيته واولاده . وانه آمن يوم القيامة من الفزع الاكبر . وانه لا يجد كرب الموت ولا هول المحشر . وانه لا يحس بالم القتل . وان الطاعم النائم فى الجهاد افضل من الصائم القائم فى سواه . ومن حرس فى سبيل الله لا تبصر النار عيناه . وان المرابط يجرى له اجر عمله الصالح الى يوم القيامة . وان الف يوم لا تساوى يوما من ايامه . وان رزقه يجرى عليه كالشهيد ابدا لا يقطع . وان رباط يوم خير من الدنيا وما فيها . وانه يأمن من فتنة القبر وعذابه . وان الله يكرمه فى القيامة بحسن مآبه . الى غير ذلك واذا كان الامر كذلك . فيتعين على كل عاقل التعرض لهذه الرتبة وصرف عمره فى طلبها والتشمير للجهاد . عن ساق الاجتهاد . والنفير الى ذوى العناد . من كل العباد . وتجهيز الجيوش والسرايا . وبذل الصلات والعطايا . واقراض الاموال لمن يضاعفها ويزكيها . ودفع سلع النفوس من غير مماطلة لمشتريها . وان ينفر فى سبيل الله خفاف وثقالا . ويتوجه الى جهاد اعداء الله ركبانا ورجالا . حتى يخرجوا الى الاسلام من اديانهم .(5/171)
او يعطوا الجزية صغرة بايمانهم . او تستلب نفوسهم من ابدانهم . وتجتذب رؤسهم من تيجانهم . فجموع ذوى الالحاد مكسرة . وان كانت بالتعداد مكثرة . وجيوش اولى العناد مدبرة مدمرة . وان كانت بعقولهم مقدمة مدبرة . وعزمات رجال الضلال مؤنثة مصغرة . وان كانت ذواتهم مذكرة مكبرة . ألا ترى ان الله تعالى جعل كل مسلم يغلب منهم اثنين . وللذكر من العقل مثل حظ الانثيين . فوجب علينا ان نطير اليهم ونغير عليهم رجالا وفرسانا . ونجهد فى خلاص اسير ومكروب . واغتنام كل خطير ومحبوب . ونبيد بايدى الجلاد حماة الشرك وانصاره . ونصول بالنصول على دعاة الكفر انهتك استاره . ونتطهر بدماء المشركين والكفار . من ارجاس الذنوب وانحاس الاوزار . هناك فتحت من الجنة ابوابها . وارتفعت فرشها ووضعت اكوابها . وبرزت الحور العين عربها واترابها . وقام للجلاد على قدم الاجتهاد خطابها . فضربوا ببيض المشرفية فوق الاعناق . واستعذبوا من المنية مر المذاق . وباعوا الحياة الفانية بالعيش الباق . فوردوا من مورد الشهادة موردا لم يظمأوا بعده ابدا . وربحت تجارتهم فكانوا اسعد السعدا . اولئك فى صفقة بيعهم هم الرابحون . فرحين لما آتاهم الله من فضله ويستبشرون . اليك اللهم نمد اكف الضراعة ان تجعلنا منهم . وان لا تحيد بنا عند قيام الساعة عنهم . وان ترزقنا من فضلك شهادة ترذيك عنا . وغفرا للذنب الذى انقض الظهر عنى . وقبولا لنفوسنا اذعر ضناها رحمة منك وتفضلا ومنا . وحاشى كرمك ان نأوب بالخيبة مما رجونا واملنا . وانت ارحم الراحمين
وعن الشيخ عبد الواحد بن زيد قدس سره قال بينما نحن ذات يوم فى مجلسنا هذا قد تهيأ للخروج الى الغزو قد امرت اصحابى بقراءة آيتين فقرأ رجل من مجلسنا { ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة } اذ قام غلام فى مقدار خمس عشرة سنة او نحو ذلك وقد مات ابوه وورثه مالا كثيرا فقال يا عبد الواحد بن زيد { ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة } فقلت نعم حبيبى فقال انى اشهدك انى قد بعت نفسى ومالى بان لى الجنة فقلت له ان حد السيف اشد من ذلك وانت صبى وانى اخاف عليك ان لا تصبر او تعجز عن ذلك فقال يا عبد الواحد ابايع الله بالجنة ثم اعجز اشهد الله انى قد بايعته او كما قال رضى الله عنه قال عبد الواحد فتقاصرت الينا انفسنا وقلنا صبى يعقل ونحن لا نعقل فخرج من ماله كله وتصدق به الا فرسه وسلاحه ونفقته فلما كان يوم الخروج اول من طلع علينا فقال السلام عليك يا عبد الواحد فقلت وعليك السلام ربح البيع ان شاء الله ثم سرنا وهو معنا يصوم النهار ويقوم الليل ويخدمنا ويخدم دوابنا ويحرسنا اذا نمنا حتى اذا انتهينا الى دار الروم فبينما نحن كذلك اذا به قد اقبل وهو ينادى واشوقاه الى العياء المرضية فقال اصحابى لعله وسوس هذا الغلام واختلط عقله فقلت حبيبى وما هذه العيناء المرضية فقال قد غفوت غفوة فرأيت كأنه قد اتانى آت فقال لى اذهب الى العيناء المرضية فهجم بى على روضة فيها بحر من ماء غير آسن واذا على شاطئ النهر جوار عليهن من الحلل ما لا اقدر ان اصفه فلما رأيننى استبشرن بى وقلن هذا زوج العيناء المرضية فقلت السلام عليكن أفيكن العيناء المرضية فقلن لا نحن خدمها واماؤها امض امامك فمضيت امامى فاذا انا ينهر من لبن لم يتغير طعمه فى روضة فيها من كل زينة فيها جوار بما رأيتهن افتتنت بحسنهن وجمالهن فلما رأيننى استبشرن وقلن والله هذا زوج العيناء المرضية فقلت السلام عليكن أفيكن العيناء المرضية فقلن وعليك السلام يا ولى الله نحن خدمها واماؤها فتقدم امامك فتقدمت فاذا انا بنهر من خمر وعلى شط الوادى جوار انسيننى من خلفت فقلت السلام عليكن أفيكن العيناء المرضية قلن لا نحن خدمها واماؤها امض امامك فمضيت فاذا انا بنهر آخر من عسل مصفى امامى فوصلت الى خيمة من درة بيضاء وعلى باب الخيمة جارية عليها من الحلى والحلل ما لا اقدر ان اصفه فلما رأتنى استبشرت بى ونادت من الخيمة ايتها العيناء المرضية هذا بعلك قد قدم قال فدنوت من الخيمة ودخلت فاذا هى قاعدة على سرير من ذهب مكلل بالدر والياقوت فلما رأيتها افتتنت بها وهى تقول مرحبا بك يا ولى الله قد دنا لك القدوم علينا فذهبت لاعانقها فالت مهلا فانه لم يأن لك ان تعافنى لان فيك روح اليحاة وانت تفطر الليلة عندنا ان شاء الله تعالى فانتبهت يا عبد الواحد ولا صبر لى عنها قال عبد الواحد فما انقطع كلامنا حتى ارتفعت بنا سرية من العدو فحمل الغلام فعددت تسعة من العدو قتلهم وكان هو العاشر فمررت به وهو يتشحط فى دمه وهو يضحك ملئ حتى فارق الدنيا ولله در القائل(5/172)
يا من يعانق دنيا لا بقاء لها ... يمسى ويصبح مغرورا وغرارا
هلا تركت من الدنيا معانقة ... حتى تعانق فى الفردوس ابكارا
ان كنت تبغى جنان الخلد تسكنها ... فينبغى لك ان لا تأمن النارا(5/173)
التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)
{ التائبون } قال الزجاج هو مبتدأ خبره مضمر . والمعنى التائبون الى آخر الآية من اهل الجنة كالمجاهدين فيما قبل هذه الآية فيكون الوعد بالجنة حاصلا للمجاهدين وغيرهم من المؤمنين وان لم يجاهدوا اذا كانوا غير معاندين ولا قاصدين لترك الجهاد والمراد التائبون عن الشرك والنفاق وكل معصية صغيرة كانت او كبيرة . وهى واجبة على الفور ويتقدمها معرفة الذنب المرجوع عنه انه ذنب وعلامة قبولها اربعة اشياء . ان ينقطع عن الفاسقين . ويتصل بالصالحين بالتردد الى مجالسهم الشريفة اينما كانوا . وان يقبل على جميع الطاعات اذ الرجوع اذا صح من القلب ترى الاعضاء تنقاد لما خلقت له كالشجرة اذا صلح اصلها اثمر فرعها وان يذهب عنه فرح الدنيا اذ المقبل على الله لا يفرح بشئ مما سواه وكان عليه السلام متواصل الاحزان دائم الفكر . وان يرى نفسه فارغا عما ضمن الله له يعنى الرزق مشتغلا بما امر الله تعالى قال الله تعالى « يا ابن آدم خلقتك من تراب ثم من نطفة ولم يعينى خلقك من العدم أفيعنينى رغيف اسوقه لك فى حين وجودك » فاذا وجدت هذه العلامات وجب على الناس ان يحبوه فان الله قد احبه ويدعوا له ان يثبته الله على التوبة ولا يعيروه بذنوبه ويجالسوه ويكرموه وليحذر التائب من نقض العهد والرجوع الى المعصية [ يحيى بن معاذ كفت يك كناه بعد از توبه قبيحترست ازهقناد كناه ييش از توبه ]
قال القشيرى قدس سره التائبون اصناف فمن راجع يرجع عن زلته الى طاعته ومن راجع يرجع عن شهود نفسه الى شهود لطفه ومن راجع يرجع عن الاحسان بنفسه وابناء جنسه الى الاتغراق بحقائق ربه { العابدون } الذين عبدوا الله تعالى مخلصين له
عبادت باخلاص نيت نكوست ... وكرنه جه آيد زبى مغز بوست
والعبادة عبارة عن الاتيان بفعل يشعر بتعظيم الله تعالى [ كويند امام اعظم رحمه الله بيست سال بوضوء شب نمار روز كزارد وهركز بهلو برزمين ننهاد وجامه خواب نداشت وسر برهنه نشست وباى دراز نكرد ] وفى الحديث « ان ابغض الخلق الى الله الصحيح الفارغ »
وقال القشيرى قدس سره { العابدون } الخاضعون الله بكل وجه الذين لا يسترقهم كرائم الدنيا ولا يستعبدهم عظائم العقبى فلا يكون العبد عبد الله على الحقيقة الا بعد تجرده عن كل حادث { الحامدون } اى المثنون عليه بالاءه الشاكرون على الحقيقة الا بعد تجرده عن كل حادث { الحامدون } اى المثنون عليه بآلاءه الشاكرون له على نعمائه المادحون له بصفاته واسمائه وعم بعضهم الحمد فاوجبه على النعم الدينية والدنيوية وكذا على الشدائد والمصائب فى الدنيا فى اهل او نفس او مال لانها نعم بالحقيقة بدليل انها تعرض العبد لمثوبات جزيلة حتى ما يقاسيه الاطفال عند الموت من الكرب الشديد ترجع فائدته الى الولى الصابر وقد صح ان رسول الله صلى اللع هليه وسلم قال(5/174)
« الحمد لله على ما ساء وسر » كما فى منهاج العابدين . ومما ينبغى ان يعلم ان التوفيق للتوحيد نعمة عظيمة من الله تعالا فليقل المؤمن دائما الحمد لله على دين الاسلام وتوفيق الايمان
قال مجاهد فى تفسير قوله تعالى { أليس الله باعلم بالشاكرين } يعنى بالشاكرين على التوحيد فاذا عرفت هذا لا يغرنك قول من قال ان نفس الدين وكذا الاسلام والايمان ليس بنعمة فكيف يحمد عليه
وقال القشيرى { الحامدون } هم الذين لا اعتراض لهم على ما يحصل بقدرته ولا انقباض لهم عما يجب من طاعته { السائحون } عن ابن عباس رضى الله عنهما كل ما ذكر فى القرآن من السياحة فهو الصيام وفى الحديث « سياحة امتى الصوم » قال الشاعر
تراه يصلى ليله ونهاره ... يظل كثير الذكر لله سائحا
اى صائما وشبه الصوم بالسياحة لانه عائق عن الشهوات كالسائح لا يتوسع فى استبقاء ما يميل اليه طبعه لان الصوم رياضة نفسانية يتوسل الى العثور على خفايا الملك والملكوت كما ان السائح يصل الى ما لم يعرفه ولم يره
وقال بعض العرفاء النكتة ان السياح يسيح فى الارض فأى بلد استطاب المقام فيه اقام واذا لم يستطب خرج منه الى بلد آخر فكذا الصائم اذا دخل الجنة يقال له ادخل من أى باب شئت واى غرفة وقصر استطبتها فانزلها فيسيح فى قصور الجنة ومنازلها اين ما شاء كالسياح فى الارض
وقال الحسن { السائحون } الذين صاموا عن الحلال وامسكوا عن الحرام وههنا والله اقوام رأيناهم يصومون عن الحلال ولا يمسكون عن الحرام والله ساخط عليهم
وقال القشيرى هم الصائمون عن شهود غير الله المكتفون من الله بالله
وقال فى التأويلات النجمية { السائحون } السائرون الى الله بترك ما شغلهم عنه
وقال عطاء المراد الغزاة فى سبيل الله يقطعون المنازل والمراحل الى أن يصلوا الى ديار الكفرة فيجاهدوهم
وقال عكرمة هم طلاب العلم ينتقلون من بلد الى آخر . ورحل جابر رضى الله عنه من المدينة الى مصر لحديث واحد ولذا لا يعد احد كاملا الا بعد رحلته ولا يصل الى مقصوده الا بعد هجرته وقالوا كل من لم يكن استاذ يصله بسلسلة الاتباع ويكشف عن قلبه القناع فهو فى هذا الشأن سبط لا اب له دعى لا نسب له { الراكعون الساجدون } فى الصلاة وانما كنى بالركوع والسجود عن الصلاة لكون جهة العيادة اظهر فيهما بالنسبة الى باقى اركان الصلاة فان هيئتى القيام والقعود قد يؤتى بهما على وفق العادة بخلاف الركوع والسجود فانهما ليسا من الهيآت الطبيعية الموافقة للعادة فلا يؤتى بهما الا على سبيل العبادة فكان لهما مزيدا اختصاص بالصلاة
وقال القشيرى { الراكعون } الخاضعون لله فى جميع الاحوال بخمودهم تحت سلطان التجلى وفى الخبر(5/175)
« ان الله اذا تجلى لشئ خضع له » و { الساجدون } بنفوسهم فى الظاهر على بساط العبودية وبقلوبهم فى الباطن عند شهود الربوبية
وقال فى التأويلات النجمية { الراكعون } الراجعون عن مقام القيام بوجودهم الى القيام بموجودهم { الساجدون } الساقطون عن هم على عتبة الوحدة بلاهم
جون تجلى كرد اوصاف قديم ... بس بسوزد وصف حادث را كليم
{ الآمرون بالمعروف } اى بالايمان والطاعة { والناهون عن المنكر } اى عن الشرك والمعاصى
وقال الحدادى المعروف هو السنة والمنكر هو البدعة
قال ابن ملك عند قوله عليه السلام « وكل بدعة ضلالة » يعنى كل خصلة جديدة اتى بها ولم يفعلها النبى عليه السلام ضلالة لان الضلالة ترك الطريق المستقيم والذهاب الى غيره والطريق المستقيم الشريعة خص من هذا الحكم البدعة الحسنة كما قال عمر رضى الله عنه فى التراةيح نعمت البدعة
قال العلماء البدع خمس واجبة كنظم الدلائل لرد شبه الملاحدة وغيرهم . ومندوبة كتصنيف الكتب وبناء المدارس ونحوها . ومباحة كالبسط فى الوان الاطعمة وغيرها . ومكروهة . وحرام وهما ظاهران انتهى
يقول الفقير البناء اما لدرس العلم الظاهر واما لتعليم علم الباطن فاذا كان بناء المدارس من البدعة الحسنة فليكن بناء الخانقاه منها ايضا بل بناء اشرف لشرف معلومة فمن قال انه ليس فى مكة والمدينة خانقاه فما هذه الخوانق فى البلاد الرومية . وغيرها ونهى عن الخانقاه والتردد اليه لجمعية الذكر واصلاح الحال بالخلوة والرياضة فانما قاله من جهله وحماقته ونهى عن ضلالته وشقاوته فهو ليس بآمر بالمعروف ولا ناه عن المنكر بل بالعكس كما لا يخفى ولقد كثر أمثال هذا المنكر الطاعن فى هذا الزمان مع انهم لا حجة لهم ولا برهان والله المستعان
وقال القشيرى الآمرون والناهون هم الذين يدعون الخلق الى الله تعالى ويحذرونهم عن غير الله يتواصون بالاقبال على الله وترك الاشتغال بغير الله ثم انه انما تخللت الواو الجامعة بين الآمرون والناهون للدلالة على انهما فى حكم خصلة واحدة لا يعتبر احدهما بدون الآخر وعلى هذا فثامن الاوصاف هو قوله { والحافظون } وواوه واو الثمانية وقيل الصفة الثامنة هى قوله { والناهون } وواوه واو الثمانية وذلك ان العرب اذا ذكروا اسماء العدد على سبيل التعداد يقولون واحد اثنان ثلاثة اربعة خمسة ستة سبعة ثم يدخلون الواو على الثمانية ويقولون وثمانية تسعة عشرة للايذان بان الاعداد قد تمت بالسابع من حيث ان السبعة هو العدد التام وان الثامن ابتداء تعداد آخر
قال القرطبى هى لغة فصيحة لبعض العرب وعليها قوله { ثيبات وابكارا } وقوله { وثامنهم كلبهم } وقوله { وفتحت ابوابها } لان ابواب الجنة ثمانية واليه ذهب الحريرى فى درة الغواص وغيره من العلماء(5/176)
وقال النسفى فى تفسيره المسمى بالتيسير لا اصل لهذا القول عند المحققين فليس فى هذا العدد ما يوجب ذلك والاستعمال على الاطراد كذلك قال الله تعالى { الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر } بغير واو وقال تعالى { ولا تطع كل حلاف مهين } الآية بغير واو فى الثامنة { والحافظون لحدود الله } اى فيما بينه وعينه من الحقائق والشرائع عملا وحملا للناس عليه
وقال القشيرى هم الواقفون حيث وقفهم الله الذين يتحركون اذا حركهم ويسكنون اذا سكنهم ويحفظون مع الله انفاسهم
ثم انه لما كانت التكاليف الشرعية غير منحصرة فيما ذكر بل لها اصناف واقسام كثيرة تفصيلها وتثبيتها الا فى مجلدات
ذكر الله تعالى سائر اقسام التكاليف على سبيل الاجمال بقوله { والحافظون لحدود الله } والفقهاء ظنوا ان الذى ذكروه فى بيان التكاليف واف ليس كذلك لان الافعال المكلفين قسمان افعال الجوارح وافعال القلوب وكتب الفقه مشتملة على شرح اقسام التكاليف المتعلقة باعمال الجوارح . واما التكاليف المتعلقة باعمال القلوب فليس فى كتبهم منها الا قليل نادر وبعض مباحيها مدون فى الكتب الكلامية والبعض الآخر منها فصله الامام الغزالى وامثاله فى علم الاخلاق ومجموعها مندرج فى قوله تعالى { والحافظون لحدود الله } [ شيخ احمد غزالى ببرادرش امام محمد غزالى كفت جمله علم ترابدو كلمه آورده ام التعظيم لامر الله والشفقة على خلق الله ]
قال الحدادى وهذه الصفة من اتم ما يكون من المبالغة فى وصف العباد بطاعة الله والقيام باوامره والانتهاء عن زواجره لان الله تعالى بين حدوده فى الامر والنهى وفيما ندب اليه فرغب اليه او خير فيه وبين ما هو الاولى فى مجرى موافقة الله تعالى فاذا قام العبد بفرائض الله تعالى وانتهى الى ما اراد الله منه كان من الحافظين لحدود الله كما روى عن خلف بن ايوب انه امر امرأته ان تمسك عن ارضاع ولده فى بعض الليل وقال قد تمت له السنتان فقيل له لو تركتها حتى ترضعه هذه الليلة قال فاين قوله تعالى { والحافظون لحدود الله } { وبشر المؤمنين } يعنى هؤلاء الموصوفين بتلك الفضائل . ووضع المؤمنين موضع ضميرهم للتنبيه على ان ايمانهم دعاهم الى ذلك وان المؤمن الكامل كان كذلك وحذف المبشر به للتعظيم كأنه قيل وبشرهم بما يجل عن احاطة الافهام وتعبير الكلام واعلى ذلك رؤية الله تعالى فى دار السلام واعلم ان كل عمل له جزاء مخصوص يناسبه كالصوم مثلا جزاؤه الاكل والشرب كما قال تعالى { كلوا واشربوا هنيئا بما اسلفتم فى الايام الخالية } وقس على هذا ياقى الاعمال واجتهد فى تحصيل الحال وفقنا الله واياكم الى اسباب مرضاته(5/177)
مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)
{ ما كان للنبى والذين آمنوا } بالله وحده اى ما صح لهم وما استقام فى حكم الله تعالى وحكمته { ان يستغفروا } اى يطلبوا المغفرة { للمشركين } به سبحانه { ولو كانوا } اى المشركون { اولى قربى } اى ذوى قرابة لهم { من بعد ما تبين لهم } اى ظهر للنبى عليه السلام والمؤمنين { انهم } اى المشركين { اصحاب الجحيم } اى اهل النار بان ماتوا على الكفر او نزل الوحى بانهم يموتون على ذلك -روى- انه لما مرض ابو طالب وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين وبعد مضى عشر سنين من بعثتخ عليه السلام وبلغ قريشا اشتداد مرضه قال بعضهم لبعض ان حمزة ونمر قد اسلما وقد فشا امر محمد فى قبائل قريش كلها فانطلقوا بنا الى ابى طالب فلنأخذ لنا على ابن اخيه وليعطه منا فانا والله ما نأمن من ان يسلموا امرنا وفى رواية انا نخاف ان يموت هذا الشيخ فيكون منا شئ اى قتل محمد فتعيرنا العرب ويقولون تركوه حتى اذا مات عمه تناولوه فمشى اليه اشرافهم منه عتبة وشيبة ابنا ربيعة وابو جهل وامية لن خلف وابو سفيان فانه اسلم ليلة الفتح فارسلوا رجلا فاستأذن لهم على بن ابى طالب فقال هؤلاء اشراف قومك يستأذنون عليك قال ادخلهم فدخلوا عليه فقالوا يا ابا طالب انت سيدنا وكبيرنا وقد حضرك ما ترى وتخوفنا عليك وقد علمت الذى بيننا وبين ابن اخيك فادعه فخذله منا وخذلنا منه ليدعنا وديننا وندعه ودينه فبعث اليه عليه السلام ابو طالب فجاء ولما دخل عليه السلام على ابى طالب وكا بين ابى طالب وبين القوم فرجة تسع الجالس فخشى ابو جهل ان يجلس النبى عليه السلام فى تلك الفرجة فيكون ارقى منه وثب لعنه الله فجلس فيها فلم يجد عليه السلام مجلسا قريبا الى ابى طالب فجلس عند الباب فقال ابو طالب لرسول الله عليه السلام يا ابن اخى هؤلاء اشراف قومك اعطهم ما سألوك فقد انصفوك سألوا ان تكف عن شتم آلهتهم ويدعوك والهك فقال عليه السلام « أرأيتكم ان اعطيتكم ما سألتم فهل تعطوننى كلمة واحدة تملكون بها العرب ويدين لكم بها العجم » اى يطيع ويخضع فقال ابو جهل نعطيكها وعشرا معها فما هى قال « تقولون لا اله الا الله وتخلعون ما تعبدون من دونه » فصفقوا بايديهم ثم قالوا سلنا يا محمد غير هذه الكلمة فقال « لو جئتمونى بالشمس حتى تصنعوها فى يدى ما سألتكم غيرها » ثم قال بعضهم لبعض والله ما هذا الرجل بمعطيكم شيأ مما تريدون فامضوا على دين آبائكم حتى يحكم الله بينكم وبيه ثم تفرقوا وعند ذلك قال عليه السلام(5/178)
« اى عم فانت فقلها اشهد لك بها عند الله » فقال والله يا ابن اخى لولا مخافة العار عليك وعلى بنى ابيك من بعدى ان تظن قريش انى انما قلتها خوفا من الموت لقلتها فلما ابى عن كلمة التوحيد قال عليه السلام « لا ازال استغفر لك ما لم انه عنه » وذلك لغلبة همته على مغفرته لانه كان يحفظه عليه السلام وبنصره ولما مات نالت قريش من رسول الله من الاذى ما لم تكن تطمع فيه فى حياة ابى طالب حتى ان بعض سفهاء قريش نثر على رأس النبى عليه السلام التراب فدخل بيته والتراب على رأسه فقام اليه بعض بناته وجعلت تزيله عن رأسه وتبكى ورسول الله يقول لها « لا تبكى يا بنية فان الله مانع اباك » فبقى عليه السلام يستغفر لأبى طالب من ذلك الوقت الى وقت نزول هذه الآية وقال ابن عباس رضى الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن ابويه ايهما اقرب به عهدا فقيل له امك آمنة فقال « هل تعلمون موضع قبرها لعلى آتيه فاتستغفر لها فان ابراهيم عليه السلام استغفر لابويه » فقال المسلمون ونحن ايضا نستغفر الله لآبائنا واهلينا فانطلق رسول الله وذلك فى سنة الفتح فانتهى الى قبر امه فى الابواء منزل بين مكة والمدينة وذلك انه عليه السلام ولد بعد ان توفى ابوه عبد الله ودفن بالمدينة لما انه قد خرج اليها لحاجة فادركه الموت هناك وكان عليه السلام مع امه آمنة فلما بلغ ست سنين خرجت آمنة الى اخوالها بالمدينة تزورهم ثم رجعت به الى مكة فلما كانت بالابواء توفيت هناك دفنت بالحجون ويمكن الجمع بينهما بانها دفنت اولا بالابواء ثم نقلت من ذلك المحل الى مكة كما فى السيرة الحلبية فلما جلس عليه السلام عند قبر امه ناجى طويلا ثم بكى بكاء شديدا فبكينا لبكائه فقلنا يا رسول الله ما الذى ابكاك قال « استأذنت ربى فى زيارة قبر امى فاذن لى فاستأذنته فىلاستغفار لها فلم يأذن لى وانزل علىّ الآيتين » آية { ما كان للنبى } وآية { وما كان استغفار ابراهيم } قال بعضهم لا مانع من تكرر سبب النزول فيجوز ان تنزل الآيتان لما استغفر لامه ولما استغفر لعمه
يقول الفقير سامحه القدير فيه بعد لانه ان سبق النزول لاستغفار امه فكيف يبقى النبى عليه السلام على استغفار عمه وقد تبت ان هذه السورة الكريمة من آخر القرآن نزولا وكذا العكس ومن ادعى الفرق بين الاستغفارين فعليه البيان(5/179)
وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114)
{ وما كان استغفار ابراهيم لابيه } بقوله { واغفر لأبى } اى بان توقفه للايمان وتهديه اليه كما يلوح به تعليله بقوله { انه كان من الضالين } { الا عن موعدة } استثناء مفرغ من اعم العلل اى لم يكن استغفاره لأبيه آزر ناشئا عن شيء من الاشياء الا عن موعدة { وعدها } ابراهيم { اياه } اى اباه بقوله { لاستغفرن لك } وقوله { سأستغفر لك ربى } بناء على رجاء ايمانه لعدم تبين حقيقة امره { فلما تبين له } اى لابراهيم بان اوحى اليه انه مصر على الكفر غير مؤمن ابدا وقيل بان مات على الكفر والاول هو الانسب بقوله { انه عدو لله } فان وصفه بالعداوة مما يأباه حالة الموت { تبرأ منه } اى تنزه عن الاستغفار وتجانب كل التجانب { ان ابراهيم لاواه } لكثير التأوه وهو ان يقول الرجل عند التضجر والتوجع آه من كذا او يقول آوه بالمد والتشديد وفتح الواو وسكون الهاء لتطويل الصوت بالشكاية والاواه الخاشع المتضرع وقيل انه كلما ذكر تقصيرا او ذكر له شيء من شدائد الآخرة كان يتأوه اشفاقا واستعظاما كما قال كعب الاواه هو الذى اذا ذكرت عنده النار قال آه وقيل معناه الموقر بلغة الحبشة الا ان من قال لا يجوز ان يكون فى القرآن شيء غير عربى قال هذا موافق للعربية بلغة الحبشة والملائم انه كناية عن كمال الرأفة ورقة القلب لانه ذكر فى معرض التعليل لاستغفاره لابيه المشرك . والمعنى انه مترحم متعطف ولفرط رخمته ورأفته كان يتعطف لابيه الكافر { حليم } صبور على الاذية ولذلك كان يحلم على ابيه ويتحمل اذاه ويستغفر له مع صعوبة خلقه وغلظ قلبه وقوله لارجمنك ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما استغفر لعمه وهو مشرك كما استغفر ابراهيم عليه السلام لابيه المشرك ثم نهى عن الاستغفار للكافر نزلت هذه الآية لبيان عذر من استغفر لاسلافه المشركين قبل المنع عنه وهو قوله تعالى(5/180)
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115)
{ وما كان الله ليضل قوما } اى ليس من عادته ان يصفهم بالضلال عن كريق الحق ويجرى عليهم احكامه { بعد اذ هداهم } للاسلام { حتى يبين لهم } بالوحى صريحا او دلالة { ما يتقون } اى يجب اتقاؤه من محظورات الدين فلا ينزجروا عما عنه واما اقبل ذلك فلا يسمى ما صدر عنهم ضلالا ولا يؤاخذون به . وفيه دليل على ان العاقل غير مكلف بما لا يستبد بمعرفته العقل { ان الله بكل شيء عليم } اى انه تعالى عليم بجميع الاشياء التى من جملتها حاجتهم الى بيان قبح ما لا يستقل العقل معرفته فبين لهم ذلك كما فعل ههنا(5/181)
إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116)
{ ان الله له ملك السموات والارض } من غير شريك له فيه : قال جلال الدين الرومى قدس سره :
واحد اندر ملك واورا يارنى ... بندكانش را جز اوسالارنى
نيست خلقش را دكركس مالكى ... شركتش دعوى كند جز هالكى
{ يحيى ويميت } اى يحيى الاموات ويميت الاحياء اى يوجد الحياة والموت فى الارض والاجساد وقلوب الامم { ومالكم من دون الله } اى حال كونطكم متجاوزين ولايته ونصرته { من ولى ولا نصير } لما منعهم من الاستغفار للمشركين وان كانوا اولى قربى وضمن ذلك التبرى منهم رأسا بين لهم ان الله مالك كل موجود ومتولى امره والغالب عليه ولا يتأنى لهم ولاية ولا نصرة الا منه تعالى ليتوجهوا اليه بشرارهم ويتبرأوا مما عداه حتى لا يبقى لهم مقصود فيما يأتون ويذرون سواه
فبقى ههنا ان الجم الغفير من العلماء ذهبوا الى ان النبى عليه السلام مر على عقبة الحجون فى حجة الوداع فسأل الله ان يحيى امه فاحياها فآمنت به وردها الله تعالى اى روحها
قال فى انسان العيون لا يقال على ثبوت هذا الخبر وصحته التى صرح بها غير واحد من الحفاظ ولم يلتفتوا الى من طعن فيه كيف ينقع الايمان بعد الموت ولا يتعرض لانا نقول هذا من جملة خصوصياته صلى الله عليه وسلم
وفى كلام القرطبى قد احيى الله تعالى على يده جماعة من الموتى فاذا ثبت ذلك فما يمنع ايمان ابويه بعد احبائهما ويكون زيادة فى كرامته وفضيلته ولو لم يكن احياء ابويه نافعا لايمانهما وتصديقهما لما احييا كما ان رد الشمس لو لم يكن نافعا فى بقاع الوقت لم ترد والله اعلم انتهى
يقول الفقير قد اشبعنا الكلام فى ايمان ابوى النبى عليه السلام وكذا ايمان عمه ابى طالب وجده عبد المطلب بعد الاحياء فى سورة البقرة عند قوله تعالى { ولا تسأل عن اصحاب الجحيم } فارجع اليه . وجاء ان عبد المطلب رفض فى آخره عمره عبادة الاصنام ووحد الله وتؤثر عنه سنين جاء القرآن باكثرها وجاءت السنة بها منها الوفاء بالنذر والمنع من نكاح المحارم وقطع يد السارق والنهى عن قتل الموءودة وتحريم الخمر والزنى وان لا يطوف بالبيت عريان كذا فى كلام سبط ابن الجوزى
وقال فى ابكار الافكار فى مشكل الاخبار ان عبد المطلب قد كان يتعبد فى كثير من احواله بشريعة ابراهيم عليه السلام ويتمسك بسنن اسماعيل عليه السلام ولم ينكر نبوة محمد عليه السلام اذ لم يكن قد بعث فى ايامه ولا يقطع بكفر من مات فى زمن الفترة فلم يكن حكمه حكم الكفار المشركين الذين شهد النبى عليه السلان بانهم فحم فى جهنم انتهى
قال فى السيرة الحلبية منه الاستغفار لامه عليه السلام انما يأتى على القول باب من بدل دينه او غيره او عبد الاصنام من اهل الفترة معذب وهو قول ضعيف مبنى على وجوب الايمان والتوحيد بالعقل .(5/182)
والذى عليه اكثر اهل السنة والجماعة ان لا يجب ذلك الا بارسال الرسل ومن المقرر ان العرب لم يرسل اليهم رسول بعد اسماعيل عليه السلام وان اسماعيل انتهت رسالته بموته كبقية الرسل لان ثبوت الرسالة بعد الموت من خصاص نبنا صلى الله عليه وسلم وان اهل الفترة من العرب لا تعذيب عليهم وان غيروا او بدلوا او عبدوا الاصنام والاحاديث الواردة بتعذيب من ذكر او من بدل او غير او عبد الاصنام مؤولة او خرجت مخرج الزجر للحمل على الاسلام . ثم رأيت بعضهم رجح ان التكليف بوجوب الايمان بالله تعالى وتوحيده اى بعدم عبادة الاصنام يكفى فيه وجود رسول دعا الى ذلك وان لم يكن الرسول مرسلا لذلك الشخص بان لم يدرك زمنه حيث بلغه انه دعا الى ذلك او امكنه علم ذلك وان التكليف بغير ذلك من الفروع لا بد فيه من ان يكون ذلك الرسول مرسلا لذلك الشخص وقد بلغته دعوته وعلى هذا فمن بدرك زمن نبينا صلى الله عليه وسلم ولا زمن من قبله من الرسل معذب على الاشراك بالله بعبادته الاصنام لانه على فرض ان لا تبلغه دعوة احد من الرسل السابقين الى الايمان بالله وتوحيده ولكنه كان متمكنا من علم ذلك فهو تعذيب بعد بعث الرسل لا قبله وحينئذ لا يشكل ما اخرجه الطبرانى فى الاوسط بسند صحيح عن ابن عباس رضى الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « ما بعث الله نبينا الى قوم ثم قبضه الا جعل بعده فترة يملأ من تلك الفترة جهنم » ولعل المراد المبالغة فى الكثرة والا فقد اخرج الشيخان عن انس رضى لله عنه عن النبى عليه السلام انه قال « لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فترتد بعضها الى بعض وتقول قط قط » تلك الفروع لعدم بعثه رسول اليهم فاهل الفترة وان كانوا مقرين بالله الا انهم اشركوا بعبادة الاصنام فقد حكى الله عنهم { ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى } ووجه التفرقه بين الايمان والتوحيد وغير ذلك ان الشرائع بالنسبة للايمان بالله والتوحيد كالشريعة الواحدة لاتفاق جميع الشرائع عليه هذا . وقد جاء انهم اى اهل الفترة يمتحنون يوم القيامة فقد اخرج البزاز عن ثوبان ان النبى عليه السلام قال « اذا كان يوم القيامة جاء اهل الجاهلية يحملون اوثانهم على ظهورهم فيسألهم ربهم فيقولون ربنا لم ترسل الينا رسولا ولم يأتنا لك امر ولو ارسلت الينا رسولا لكنا اطوع عبادك فيقول لهم ربهم أرأيتم ان امرتكم بامر ان تطيعونى فيقولون نعم فيأخذ على ذلك مواثيقهم فيرسل اليهم ان ادخلوا النار فينطلقون حتى اذا رأوها فرقوا ورجعوا فقالوا ربنا فرقنا منها ولا نستطيع ان ندخلها فيقول ادخلوها داخرين »(5/183)
فقال النبى عليه السلام « لو دخلوها اول مرة كانت عليهم بردا وسلاما » قال الحافظ ابن حجر فالظن بآله صلى الله عليه وسلم يعنى الذين ماتوا قبل البعثة انهم يطيعون عند الامتحان اكراما للنبى عليه السلام لتقر عينه ونرجو ان يدخل عبد المطلب الجنة فى جماعة من يدخلها طائعا الا ابا طالب فانه ادرك البعثة ولم يؤمن به بعد ان طلب منه الايمان انتهى كلامه ولعله لم يذهب الى مسألة الاحياء ولذا قال ما قال فى حق ابى طالب
ن اميدم مكن از سابقه لطف ازل ... توجه دانى كه بس برده خوبست وكه زشت(5/184)
لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)
{ لقد تاب الله على النبى } قال ابن عباس رضى الله عنهما هو العفو عن اذنه للمنافقين فى التخلف عنه وهذا الاذن وان صدر عنه عليه السلام وحده الا انه اسند الى الكل لان فعل البعص يسند الى الكل لوقوعه فيما بينهم كما يقال بنوا قتلوا زيدا وهذا الذنب من قبيل الزلة لان الانبياء معصومون من الكبائر والصغائر عندنا لان ركوب الذنوب مما يسقط حشمة من يرتكبها وتعظيمه من قلوب المؤمنين والانبياء يجب ان يكونوا مهابين موقرين ولذا عصموا من الامراض المنفرة كالجذام وغيره فليس معنى الزلة انهم زلوا عن الحق الى الباطل ولكن معناها انهم زلوا عن الافضل الى الفاضل وانهم يعاتبون به لجلال قدرهم ومكانتهم من الله تعالى كما قال ابو سعيد الخراز قدس سره حسنات الابرار سيآت المقربين
وقال السلمى ذكر توبة النبى عليه السلام لتكون مقدمة لتوبة الامة وتوبة التابع انما تقبل التصحيح بالمقدمة
وقال فى التأويلات النجمية التوبة فضل من اله ورحمة مخصوصة به لينعم بذلك على عباده فكل نعمة وفضل يوصله الله الى عبداه يكون عبوره على ولاية النبوة فمنها يفيض على المهاجرين والانصار وجميع الامة فلهذا قال { لقد تاب الله على النبى } { والمهاجرين والانصار } يدل على قوله عليه السلام « ما صب الله فى صدرى شيأ الا وصببته فى صدر ابى بكر رضى الله عنه » والانصار جمع نصير كشريف واشراف او جمع ناصر كصاحب واصحاب وهم عبارة عن الصحابة الذين آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم من اهل المدينة وهو اسم اسلامى سمى الله تعالى به الاوس والخزرج ولم يكونوا يدعون بالانصار قبل نصرهم لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا قبل نزول القرآن بذلك وحبهم واجب وهو علامة الايمان وفى الحديث « آية المؤمن حب الانصار . وحب الانصار آية الايمان . وآية النفاق بغض الانصار » كذا فى فتح القريب والمهاجرون افضل من الانصار كما يدل عليه قوله عليه السلام « لولا الهجرة لكنت امرأ من الانصار » قال ابن الملك المراد منه اكرام الانصار فانه لا رتبة بعد الهجرة اعلى من نصرة الدين انتهى وباقى الكلام سبق عند قوله تعالى { والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار } الآية فارجع الى تفسيرها { الذين اتبعوه } اى النبى صلى الله عليه وسلم ولم يتخلفوا عنه ولم يخلوا بأمر من اوامره { فى ساعة العسرة } اى وهو الزمان الذى وقع فيه غزوة تبوك فانه قد اصابتهم فيها مشقة عظيمة من شده الحر وقلة المركب حتى كانت العشرة تعتقب على بعير واحد ومن قلة الزاد حتى قيل ان الرجلين كانا يقتسمان تمرة وربما مصها الجماعة ليشربوا عليها الماء المتغير ومن قلة الماء حتى شربوا الفظ وهو ماء الكرش من عمر رضى الله عنه خرجنا فى قيظ شديد واصابنا فيه عطش شديد ان الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه(5/185)
فال الكاشفى [ وبرطوبات اجواف وامعاى آن دهن خويش راتر ميسا ختند ] وذلك سميت غزوة العسرة وسمى من جاهد فيها بجيش العسرة وهذه صفة مدح لاصحاب النبى عليه السلام ابتباعهم اياه فى وقت الشدة ومع لك فقد كانوا محتاجين الى التوبة فما ظنك بغيرهم ممن لم يقاس ما قاسوه رمن بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم } اى يميل قلوب طائفة منهم عن الثبات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بان هموا ان ينصرفوا فى غير وقت الانصراف من غير ان يؤذن لهم فى ذلك لشدائد اصابتهم فى تلك الغزوة لكنهم صبروا واحتسبوا وندموا على ما ظهر على قلوبهم فتاب الله عليهم وفى كاد ضمير الشأن وجملة يزيغ فى محل النصب على انها خبر كاد وخبر كاد اذا كان جملة لا بد ان يكون فيه ضمير يعود على اسمها الا اذا كان اسمها ضمير الشان فحينئذ لا يجب ان يكون فيه ضمير يعود الى اسمها { ثم تاب عليهم } اى تجاوز عن ذنبهم الذى فرط منهم وهو تكرير للتاكيد وتنبيه على انه يتاب عليهم من اجل ما كابدوا من العسرة : قال الحافظ
مكن زغضه شكايت كه در طريق طلب ... براحتى نرسيد آنكه زحمتى نكشيد
{ انه } اى الله تعالى { بهم رؤوف رحيم } استئناف تعليل فان صفة الرأفة والرحمة من دواعى التوبة والعفو ويجوز كون الاول عبارة عن ازالة الضرر والثانى عن ايصال المنفعة وان يكون احدهما للسوابق والآخر للواحق ومن كمال رحمته ارسال حبيبه واظهار معجزاته -روى- انهم شكوا للنبى عليه السلام عسرة الماء فى غزوة تبوك فقال ابو بكر رضى الله عنه يا رسول الله ان الله تعالى عودك فى الدعاء خيرا فادع الله لنا قال « أتحب ذلك » قال نعم فرفع عليه السلام يديه فلم يرجعهما حتى ارسل الله سحابة فمطرت حتى ارتوى الناس واحتملوا ما يحتاجون اليه وتلك السحابة لم تتجاوز العسكر -وروى- انهم نزلوا يوما فى غزوة تبوك على غير ماء بفلاة من الارض وقد كادت عتاق الخيل والركاب تقع عطشا فدعا عليه السلام وقال « اين صاحب الميضاة » قيل هو ذا يا رسول الله قال « جئنى بميضاتك » فجاء بها وفيها شيء من ماء فوضع اصابعه الشريفة عليها فنبع الماء بين اصابعه العشر وأقبل الناس واستقوا وفاض الماء حتى رووا ورووا خيلهم وركابهم وكان فى العسكر من الخيل اثنا عشر الف فرس ومن الابل خمسة عشر الف بعير والناس ثلاثون الفا وفى رواية سبعون : قال السلطان سليم الاول من الخواقين العثمانية(5/186)
كوثر نمى زجشمه تحسان رحمتش ... آب حيات قطره ازجام مصطفاست
-روى- انهم لما اصابهم فى غزوة تبوك مجاعة قالوا يا رسول الله لو اذنت لنا نحرنا نواضحنا وادّ هنا فقال عمر رضى الله عنه يا رسول الله ان فعلت فنى الظهر ولكن ادعهم بفضل ازوادهم وادع الله لهم فيها بالبركة لعل الله ان يجعلها فى ذلك فقال عليه السلام « نعم » فدعا بنطع فبسطه ثم دعاهم بفضل ازوادهم فجعل الرجل يأتى بكف من درة ويجيء الآخر بكف من تمر ويجيء الآخر بميرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير فدعا عليه السلام بالبركة ثم قال « خذوا فى اوعيتكم » فاخذوا حتى ما تركوا فى العسكر ودعاء الا ملأوه واكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة فقال صلى الله عليه وسلم « اشهد ان لا اله الا الله وانى رسول الله لا يلقى الله بها عبدا غير شاك الا وقاه الله النار » قال الشيخ المغربى قدس سره
كل توحيد نرويد ززمينى كه درو ... خار شرك وحسد وكبرورياوكين است
والاشارة فى الآية { لقد تاب الله على النبى } اى نبى الروح بمنزلة النبى يأخذ بالهام الحق حقائق الدين ويبلغها الى امته من القلب والنفس والجوارح والاعضاء . فالمعنى افاض الله على نبى الروح ومهاجرى صفاته الذين هاجروا معه من مكة الروحانية الى المدينة الجسدانية والانصار من القلب والنفس وصفاتها وهم ساكنوا مدينة الجسد فيوضات الرحمة { الذين اتبعوا } الروح ساعة رجوعه الى عالم العلو بالعسرة اذ هم نشأوا فى عالم السفل يعسر عليهم السير الى عالم العلو من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق من النفس وصفاتها وهواها فان ميلها طبعا الى عالم السفل ثم تاب عليهم بافاضة الفيض الربانى لتعليهم عن طبعهم انه بهم رؤف رحيم ليجعلهم باكسير الشريعة قابلين للرجوع الى عالم الحقيقة كذا فى التأويلات النجمية(5/187)
وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)
{ وعلى الثلثة الذين خلفوا } اى وتاب الله على الثلاثة الذين اخر امرهم ولم يقطع فى شأنهم بشيء الى ان نزل فيهم الوحى وهم كعب بن مالك والشاعر ومرادة بن الربيع العنبرى وهلال بنى امية الانصارى يجمعهم حروف كلمة « مكه » وآخر اسماء آبائهم « عكه » { حتى اذا ضاقت عليهم الارض } غاية للتخفيف اى اخر امرهم الى ان ضاقت عليهم الارض { بما رحبت } اى برحبها وسعتها لاعراض الناس حتى عن المكالمة معهم ولو بالسلام ورده وكانوا يخافون ان يموتوا فلا يصلى النبى عليه السلام ولا لمؤمنون على جنازتهم وهو مثل لشدة الحيرة كأنه لا يستقر به قرار ولا تطمئن له دار { وضاقت عليهم انفسهم } اى امتلأت قلوبهم بفرط الوحشة والغم بحيث لم يبق فيها ما يسع شيأ من الراحة والانس والسرور عبر عن الراحة والسرور بضمير عليهم حيث قيل ضاقت عليهم تنبيها على ان انتفاء الراحة والسرور بمنزلة انتفاء ذواتهم { وطنوا ان لا ملجأ من الله الا اليه } اى علموا وايقنوا ان لا ملاذ ولا خلاص من سخطه تعالى الا الى استغفاره فظنوا بمعنى علموا لانه تعالى ذكر هذا الوصف فى معرض المدح والثناء وذا لا يكون الا مع علمهم بذلك . وقوله ان مخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن مقدر ولا مع ما فى حيزها خبر ان ومن الله خبر لا وان ما فى حيزها ساد مسد مفعولى ظنوا ولا استثناء من العام المحذوف اى وعلموا ان الشان لا التجاء من سخط الله الى احد الا اليه
قال بعض المتقدمين من تظاهرت عليه النعم فليكثر الحمد لله ومن كثرت همومه فليكثر الاستغفار
واعلم ان من توغل فى بحر التوحيد بحيث لا يرى فى الوجود الا الله لم يلتجئ الا الى الله فالفرار ليس الا اليه على كل حال واما المظاهر او المحال فليست الا اسبابا : وفى المثنوى
كرجه سايه عكس شخص است اى بسر ... هيج ازسايه نتانى خوردبر
هين زسايه شخص را مى كن طلب ... درمسبب روكذر كن از سبب
{ ثم تاب عليهم } اى وفقهم للتوبة { ليتوبوا } ليرجعوا عن المعصية
واعلم ان ههنا امورا ثلاثة . التوفيق للتوبة وهو ما دل عليه قوله ثم { تاب } . ونفس التوبة وهو ما دل عليه قوله { ليتوبوا } . وقبول الله تعالى اياها وهو ما دل عليه قوله { وعلى الثلثة } وانما عطف الامر الاول على الثالث بكلمة ثم لكونه اصل الجميع مقدما على الامر الثالث بمرتبتين فتكون كلمة ثم للتراخى الرتبى ويجوز ان يكون المعنى ثم تاب عليهم اى انزل قبول توبتهم ليتوبوا اى ليصيروا من جملة التوابين ويعدوا منهم فتكون كلمة ثم على اصل معناها لان انزال القبول متفرع على نفس القبول المذكور بقوله وعلى الثلاثة { ان الله هو التواب الرحيم } اى المبالغ فى قبول التوبة لمن تاب وان عاد فى اليوم مائة مرة المتفضل عليهم بفنون الآلآء مع استحقاقهم لا فانين العقاب(5/188)
كر لطف تويارى ننمايد زنخست ... هم توبه شكسته است وهم بيمان سست
جون توبه باميد بذيرفتن تست ... تاتو نبذيرى نشود توبه درست
-روى- ان ناسا من المؤمنين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم من بداله وكره مكانه فلحق به عليه السلام
عن الحسن انه قال بلغنى انه كان لاحدهم حائط كان خيرا من مائة الف درهم فقال يا حائطاه ما خلفنى الا ظلك وانتظار ثمارك اذهب فانت فى سبيل الله ولم يكن لآخر الا اهله فقال يا اهلاه ما بطأنى ولا خلفنى الا الضن بك فلا جرم والله انى لأكابدنذ المفاوز حتى الحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فركب ولحق ولم يكن لآخر الا نفسه لا اهل ولا مال فقال يا نفسى ما خلفنى الا حب الحياة لك والله لأكابدنّ الشدائد حتى الحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فتأبط زاده ولحق به عليه السلام
وعن ابى ذر الغفارى ان بعيره ابطأه فحمل متاعه على ظهره واتبع اثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا
راه نزديك وبما ندم سخت دير ... سير كشتم زين سوارة سيرسير
فقال صلى الله عليه وسلم لما رأى سواده « كن ابا ذر » فقال الناس هو ذاك فقال عليه السلام « رحم الله ابا ذر يمشى وحده ويموت وحده ويبعث وحده » ومنهم من بقى ولم يلحق به عليه السلام وهم الثلاثة وكان كعب شهد بيعة العقبة وهلال ومرارة شهدا بدرا قال كعب لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم جئته وسلمت عليه فرد على كالمغضب بعد ما ذكرنى وقال « يا ليت شعرى ما خلف كعبا » فقيل له ما خلفه الا حسن برديه والنظر فى عطفيه قال « ما اعلم الافضل واسلاما » وقال « ما خلفك عنى ألم تكن قد اتبعت ظهرك » فقلت ما خلفنى عند عذر وانما تخلفت بمجرد الكسل وقلة الاهتمام فقال عليه السلام « قم عنى حتى يقضى الله فيك » وكذا قال لصاحبه ونهى عن كلامهم فاجتنبهم الناس ولم يكلمهم احد من قريب ولا بعيد فاما الرجلان فمكثا فى بيوتهما يبكيان واما كعب فكان يحضر الصلاة مع المسلمين ويطوف فى الاسواق فلا يكلمه احد منهم قال كعب وبينما انا امشى بسوق المدينة اذا نبطى من انباط الشأم ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدلنى على كعب بن مالك فطفق اى جعل الناس يشترون له حتى اذا جاءنى دفع الى كتابا من ملك غسان الى وهو الحارث بن ابى شمر وكان الكتاب ملفوفا فى قطعة من الحرير فاذا فيه اما بعد فانه قد بلغنى ان صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هو ان ولا بضيعة ذل فالحق بنا نواسك فقلت لما قرأته وهذا ايضا من البلاء فتيممت اى قصدت به التنور فسجرته اى القيته فيه والانباط قوم يسكنون البطائح بين العراقيين قال حتى اذا مضت اربعون ليلة جاءنى رسول من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك ان تعتزل امرأتك فقلت أطلقها ام ماذا قال لا بل اعتزلها ولا تقربها وارسل الى صاحبى وهما هلال ومرارة بمثل ذلك فقلت لامرأتى الحقى لاهلك فكونى عندهم حتى يقضى الله فى هذا الامر فجاءت امرأة هلال رسول الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ان هلالا شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره ان اخدمه فقال عليه السلام(5/189)
« لا ولكن لا يقربك » وقالت والله انه ما به حركة الى شئ والله ما زال يبكى منذ كان من امره ما كان الى يومه هذا فمضى بعد ذلك عشر ليال حتى كملت خمسون ليلة من خين النهى عن الكلام قال كعب فلما كان صلاة الفجر صبح تلك اليلة سمعت ثوتا من ذروة جبل سلع يقول باعلى صوته يا كعب بن مالك ابشر
ابشروا يا قوم اذ جاء الفرج ... افرحوا يا قوم قد زال الحرج
مى دمددر كوش هرغمكين بشير ... خيز اى مدبر ره اقبال كير
اى درين حبس ودرين كندوشيش ... هين تاكس نشود رسنى خمش
جون كنى خامش كنون اى يارمن ... كزبن هرمو بر آمد طبل زن
فخررت ساجدا وعرفت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اعلم بتوبة الله علينا فلما جاءنى الرجل الذى سمعت صوته يبشرنى وهو خمزة بن عمرو الاوسى نزعت ثوبى فكسوته اياهما ببشراه والله ما املك غيرهما يومئذ
بعيد نيست كه صد جان بمرده بستانند ... برين بشارت دولت عن قريب آمد
واستعرت من ابن عمى قتادة ثوبين فلبستهما . وكان المبشر لهلال بن امية اسعد بن سعد . ولمرارة بن ربيع سلكان بن سلامة قال كعب انزل الله توبتنا على نبيه حين بقى الثلث الاخير من الليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند ام سلمة رضى الله عنها وكانت ام سلمة محسنة فى شأنى معينة فى امرى فقال عليه السلام « يا ام سلمة تيب على كعب » قالت أفلا ارسل اليه فابشره « قال اذا يحطم الناس فيمنعوكم النوم سائر الليلة » حتى اذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر اعلم بتوبة الله علينا قال فانطلقت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقانى الناس فوجا فوجا يهنئونى بالتوبة يقولون ليهنك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحوله الناس فقام الى طلحة بن عبد الله يهرول حتى صافحنى وهنأنى والله ما قام الى رجل من المخاجرين غيره ولا انساها لطلحة وذلك لانه عليه السلام كان آخى بينهما حين قدم المدينة قال فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور وكان عليه السلام اذا سر استتار وجهه كأنه قطعة قمر : قال السلطان سليم الاول من السلاطين العثمانية(5/190)
كرآكهى زمعنى والشمس والضحى ... تعريف ماه روى دلاراى مصطفاست
ينكر بجرح وكوكبه لشكر نجوم ... كأنها فروغ كوهر والاى مصطفاست
فلما جلست بين يديه صلى الله عليه وسلم قال « ابشر يا كعب بخير يوم ما مر عليك منذ ولدتك امك » ثم تلا علينا الآية وهى { لقد تاب الله } الى قوله { وكونوا مع الصادقين } فقلت يا رسول الله ان من توبتى ان انخلع من مالى صدقة الى الله والى رسوله قال « امسك عليك بعض مالك فهو خير لك »
وعن ابى بكر الوراق انه سئل عن التوبة النصوح فقال ان تضيق على التائب الارض بما رحبت وتضيق عليه نفسه كتوبة كعب بن مالك وصاحبيه
توبه كردم حقيقت باخدا ... نشكنم ناجان شدن از تن جدا
واعلم ان قصى هؤلاء الثلاثة اشارة الى ان الهجران بين المسلمين اذا كان فيه صلاح لدين المهجور لا يحرم محره حتى يزول ذلك وتظهر توبته وكذا اذا كان المهجور مذموم الحال لبدعة او فسق او نحوهما فانه لا يحرم الهجران الى ظهور التوبة لانه لحق الله لما كان فى جانب الدين فيجوز فوق ثلاثة ايام ولا تجوز الزيادة عن الثلاثة فيما كان بينهم من الامور الدنيوية وحظوظ النفس وانما عفى عنه فى الثلاثة لان الآدمى مجبول على الغضب وسوء الخلق ونحو ذلك فعفى عن الهجر فى الثلاثة ليذهب ذلك العارض
فعلى العاقل ان يسارع الى تحصيل الاخوة فى الله ويجتنب عن التحاسد والتباغض والتدابير
هيج رحمى نه ببرادر دارد ... هيج شوقى نه بدررا ببسرمى بنيم
دختر انراهمه جنكست وجدل بامادر ... بسرانرا همه بدخواه بدر مى بنيم(5/191)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)
{ يا ايها الذين آمنوا } قولا وتصديقا { اتقوا الله } فيما لا يرضاه { وكونوا مع الصادقين } فى كل شأن من الشؤن اى قائلين بالحق العاملين به ومع الصادقين فى معنى من الصادقين او فى الصادقين لان مع للمصاحبة وفى للوعاء ومن للتبغيض فاذا كانوا فى جهتهم فهم على المعانى الثلاثة اى كونوا فى جملة الصادقين ومصاحبين لهم او لبعضهم
وفى الآية دليل على فضل الصدق وعلو درجته وحث عليه
قال بعض اهل المعرفة من لم يرد الفرض الدائم لم يقبل منه الفرض الموقت قيل ما الفرض الدائم قال الصدق
از كجا افتى لكم وكاستى ... از همه غم رستى اكر راستى
راستى خويش نهان كس نكرد ... برسخن راست زيان كست نكرد
وفى الحديث « التجار يحشرون يوم القايمة فجارا الا من اتقى وبر وصدق » الفجار جمع فاجر وهو المنبعث فى المغانى والمحارم سماهم فجارا لما فى البيع والشراء من الايمان الكاذبة والغبن والتدليس والربا الذى لا يتحاشاه احدهم ولذا قال فى تمام الحديث الا من اتقى اى الكذب وبر فى يمينه اى صدق وصدق فى حديثه . وقيل الا من خاف الله فلا يترك اوامره ولا يفعل المناهى وبر احسن فلا يؤذى احدا ولا يوصل ضررا الى احد وصدق فى ثمن المتاع فلم ينفق سلعته بالحلف الكاذب مثل ان يقول للمشترى اشتريت هذا بمائة درهم والله لم يشتره بها بل اقل منها وبالحلف الكاذب يمحق الله البركة من الثمن وفى الحديث « ان اطيب الكسب كسب التجار الذين اذا حدثوا لم يكذبوا واذا ائتمنوا لم يخونوا واذا وعدوا لم يخلفوا واذا اشتروا لم يدموا واذا باعوا لم يمدحوا واذا كان عليهم لم يمطلوا واذا كان لهم لم يعسروا » فالصدق فى كل الاحوال ممدوح وصاحبه محمود فى الدنيا والآخرة
دانى زجه رو سرور وآن سر سبزست ... بيوسته جرا ببوستان سر سبزست
جون مذهب اوست راستى درهمه وقت ... بر طرف جمن هميشه زان سر سبزست
ثم المطل العارفين فى الصدق فى العبودية والقيام بحقوزق الربوبية
قال احمد بن الحوارى قلت لابى سليمان الدارانى قدس سرهما انى قد غبطت بنى اسرائيل قال بأى شئ قلت بثمانمائة سنة من العمر حتى يصيروا كالشنان البالية وكالحنايا وكالاوتار قال ما ظننت الا وقد جئت بشئ والله ما يريد منا ان تيبس جلودنا على عظامنا ولا يريد منا الا صدق النية فيما عنده هذا اذا صدق فى عشرة ايام نال ما ناله ذاك فى عمره الطويل انتهى فرب عمر اتسعت آماده وقلت امداده كاعمار بنى اسرائيل اذا كان الواحد منهم يعيش الفا ونحوها ولم يتحصل له شئ مما تحصل لهذه الامة مع كثرة اعمارها ورب عمر قليلة آماده كثيرة امداده كعمر من فتح عليه من هذه الامة فوصل الى عناية الله بلمحة كما قال الامام الغزالى قدس سره فى منهاج العابدين منهم من يقطع هذه العقبات فى سبعين سنة ومنهم من يقطعها فى شهر بل فى جمعة بل فى ساعة كسحرة موسى -حكى- ان رابعة البصرية كانت امة كبيرة يطاف بها فى سوق البصرة لا يرغب فيها احد لكبر سنها فرحمها بعض التجار فاشتراها بنحو مائة درهم فاعتقها فاختارت هذا الطريق فاقبلت على العبادة فما تمت لها سنة حتى زارها علماء البصرة وقراؤها لعظم منزلتها(5/192)
وفى التأويلات النجمية { وكونوا مع الصادقين } الذين صدقوا يوم الميثاق فيما اجابوا الله عند خطاب ألست بربكم قالوا بلى وصدقوا الله على ما عاهدوه عليه ان لا يعبدوا الا الله ولا يشركوا به شيأ من مقاصد الدنيا والآخرة ويتجردوا عن كل حادث حتى عن الجسم : وفى المثنوى
جوهر صدقت خفى شد در دروغ ... همجو طعم روغن اندر طعم دوغ
آن دروغت اين تن فانى بود ... راستت آن جان ربانى بود
يقول الفقير اصلحه الله القدير كتب الى حضرة الشيخ قدس سره فى بعض مكاتبيه الشريفة وقال عليكم بالصدق مطلقا نية وعملا وهو يرجع الى الاخلاص جدا بان لا يكون للعبد اصلا باعث فى الحركات والسكنات الا الله تعالى فان مازجه شوب من حظوظ النفس بطل الصدق ويجوز ان يسمى كاذبا وردجاته لا نهاية لها وقد يكون للعبد صدق فى بعض الامور دون بعض فان كان صادقا فى الجميع فهو الصديق حقا والصادق والمخلص بالكسر من باب واحد وهو التخلص من شوائب الصفات النفسانية مطلقا والصديق والمخلص بالفتح من واحد وهو التخلص ايضا من شوائب الغيرية والثانى اوسع فلكا واكثر احاطة فكل صديق ومخلص بالفتح صادق ومخلص بالكسر من غير عكس ثم ذيل كلاما طويلا يتضمن تأويل سورة الانشراح رزقنا الله ذوق كلامه والحقنا به فى مقامه . ثم الصادقون هم المرشدون الى طريق الوصول فاذا كان السالك فى جملة احبابهم ومن زمرة الخدام فى عتبة بابهم فقد بلغ بمحبتهم وتربيتهم وقوة ولايتهم الى مراتب فى السير الى الله وترك ما سواه
قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر لن لم تجر افعالك على مراد غيرك لم يصح لك انتقال عن هواك ولو جاهدت نفسك عمرك فاذا وجدت من يحصل فى نفسك حرمته فاخدمه وكن ميتا بين يديه يصرفك كيف يشاء لا تدبير لك فى نفسك معه تعش سعيدا مبادرا لامتثال ما يأمرك به وينهاك عنه فان امرك بالحرفة فاحترف عن امره لا عن هواك وان امرك بالقعود قعدت عن امره لا عن هواك فهو اعرف بمصالحك منك فاسع يا بنى فى طلب شيخ يرشدك ويعصم خواطرك حتى تكمل ذاتك بالوجود الالهى وحينئذ تدبر نفسك بالوجود الكشفى الاعتصامى كذا فى مواقع النجوم : وفى المثنوى
جون كزيدى بير نازك دل مباش ... سست ورزيده جو آب وكل مباش
جون كرفتى بيرهن تسليم شو ... همجو موسى زير حكم خضررو
شيخ راكه بيشوا ورهبرست ... كرمريدى امتحان كرد او خرست
نسأل الله تعالى ان يحفظنا من زيغ الاعتقاد ويثبتنا فى طريق اهل الرشاد(5/193)
مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121)
{ ما كان لاهل المدينة } اى ما صح وما استقام لهم والمدينة علم بالغلبة لدار الهجرة كالنجم للثريا اذا اطلقت فهى المرادة وان اريد غيرها قيد والنسبة اليها مدنى ولغيرها من المدن مدينى للفرق بينهما كما فى انيان العيون
قال الامام النووى لا يعرف فى البلاد اكثر اسماء منها ومن مكة
وفى كلام بعضهم لها نحو مائة اسم منهادار الاخبار ودار الابرار ودار السنة ودار السلامة ودار الفتح والبارة وطابة وطيبة لطيب العيش بها ولان لعطر الطيب بها رائحة لا توجد فى غيرها وترابها شفاء من الجدام ومن البرص بل ومن كل داء وعجوتها شفاء من السم وقد خص الله تعالى مكة والمدينة بانهما لا يخلو ان من اهل العلم والفضل والدين الى ان يرث الله الارض ومن عليها وهو خير الوارثين وهى اى المدنية تخرب قبل يوم القيامة باربعين عاما ويموت اهلها من الجوع { ومن حولهم الاعراب } [ باديه نشينان } كمزينة وجهينه واشجع وغفار واضرابهم
قال الكاشقى [ وتخصيص اهالى مدينة وحوالى بجهت قرب بوده ومعرفت ايشان بخروج آن حضرت عليه السلام بطرف تبوك ] { ان يتخلفوا عن رسول الله } عنج توجه الىلغزو واذا استنفرهم واستنهضهم كما فى حواشى ابن الشيخ وهذا نهى ورد بلفظ النفى للتأكيد { ولا } ان { يرغبوا بانفسهم عن نفسه } الباء للتعدية فقولك رغبت عنه معناه ارعضت عنه فعدى بالباء فاذا قلت رغبتى بنفسى عنه كأنك قلت جعلنت نفسى راغبة عنه . فالمعنى اللغوى فى الآية ولا يجعلوا انفسهم راغبة ومعرضة عن نفسه عليه السلام وحاصل المعنى لا يصرفوا انفسهم عن نفسه الكريمة اى عما القى فيه نفسه من شدائد الغزو واهوالها ولا يصونها عما لا يصون عنه نفسه بل يكابدوا معه ما يكابده فانه لا ينبغى ان يختاروا لانفسهم الخفض والدعة ورغد العيش ورسول الله فى الحر والمشقة
قال الحدادى لا ينبغى ان يكونوا بانفسهم آثر واشفق عن نفس محمد صلى الله عليه وسلم بل عليهم ان يجعلوا انفسهم وقاية للنبى عليه السلام لما وجب من الحقوق عليهم بدعائه لهم الى الايمان حتى اهتدوا بهم ونجوا من النار { ذلك } اى وجوب المتابعة فان النهى عن التخلف امر بضده { لا يصيبهم ظمأ } اى عطش يسير { ولا نصب } ولا تعب فى ابدانهم { ولا مخمصة } اى مجاعة ما { فى سبيل الله } واعلاء كلمته { ولا يطؤن } ولا يدوسون بارجلهم وحوافر خيولهم واخفاف رواحلهم { موطئا } دوسا فهو مصدر كالموعد او مكانا على ان يكون مفعولا { يغيظ الكفار } [ بخشم آرد كافرانرا ] اى لا يباغون موضعا من اراضى الكفار من سهل او جبل يغيظ قلوبهم مجاوزة ذلك الموضع فان الانسان يغيظه ان يطأ ارضه غيره والغيظ انقباض الطبع برؤية ما يسوءه والغضب قوة طلب الانتقام { ولا ينالون } [ ونيابند ] فان النيل بالفارسية [ يافتن ] { من عدو } من قبلهم { الا كتب لهم به } اى بكل واحد من الامور المعدودة .(5/194)
قوله الا كتب فى محل النصب على انه حال من ظمأ وما عطف عليه اى لا يصيبهم ظمأ ولا كذا ولا كذا فى حال من الاحوال الا فى كونه مكتوبا لهم بذلك { عمل صالح } وحسنة مقبولة اى استوجبوا به الثواب الجزيل
وقال الكاشفى يعنى [ بهريك ازينها كه بديها رسد مستحق ثواب شوند ابن عباس كويد بهر ترسى كه از دشمن بدل ايشان رسد هفتاد درجه مى نويسد ] هذا ما يدل عليه عامة التفاسير
وقال ابن الشيخ فى حواشيه يقال نال منه اذا ازراه ونقصه وصرح بنيل شيء مما يتأذى الكفار من نيله وهذا المعنى غير المعنى الاول كما لا يخفى { ان الله لا يضيع اجر المحسنين } على احسانهم وهو تعليل لكتب وتنبيه على ان الجهاد احسان اما فى حق الكفار فلانه سعى فى تكميلهم باقصى ما يمكن كضرب المداوى للمجنون
سفيها ابود تأديب نافع ... جنونرا شربت جوبست دافع
واما فى حق المؤمنين فلانه صيانة لهم من سطوة الكفار واستيلائهم { ولا ينفقون } فى الجهاد { نفقة صغيرة } [ نفقه اندك ] ولو تمرة او علافة سوط او نعل فرس { ولا كبيرة } [ ونه نفقه بزرك ] مثل ما انفق عثمان وعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنهما فى جيش العسرة وقد سبق عند قوله تعالى { الذين يلزمون المطوعين } الاية فى هذه السورة { ولا يقطعون } اى لا يجتازون فى مسيرهم الى ارض الكفار مقبلين ومدبرين { واديا } من الاودية وهو فى الاصل كل منفرج من الجبال والآكام ينفد فيه السيل اسم فاعل من ودى يدى اذا سال ثم شاع فى الارض على الاطلاق { الا كتب لهم } اى اثبت لهم فى صحائفهم ذلك الذى فعلوه من الانفاق والقطع { ليجزيهم الله } بذلك متعلق بكتب { احسن ما كانوا يعملون } مفعول ثان ليجزيهم جزاء احسن اعمالهم بحذف المضاف فان نفس العمل لا يكون جزاء [ درينا بيع فرموده اكر مثلا غازى هزار طاعت باشد ويكى ازهمه نيكو تربود حق سبحانه وتعالى آنرا ثوابى عظيم دهد ونهصد ونودونه ديكررا بطفيل آن قبول كند وهريك را برابر آن ثوابى ارزانى دارد تاكرم او بنسبت مجاهدان برهمه كس ظاهر كردد ] ففى الجهاد فضائل لا توجد فى غيره وهو حرفة النبى عليه السلام
وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال مر رجل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعب فيه عيينة من ماء عذب فاعجبته فقال لة اعتزلت الناس فاقمت فى هذا الشعب ولن افعل حتى استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك لرسول الله فقال(5/195)
« لا تفعل فان مقام احدكم فى سبيل الله افضل من صلاته سبعين عاما ألا تحبون ان يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة اغزوا فى سبيل الله من قاتل فى سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة » قوله فواق ناقة وهو ما بين رفع يدك عن ضرعها وقت الحلبة ووضعها وقيل وهو ما بين الحلبتين . وفى الحديث دلالة على ان الجهاد والتصدى له افضل من العزلة للعبادة
وقال فى فتح القريب يا هذا ليت شعرى من يقوم مقام هذا الصحابى فى عزلته وعبادته وطيب مطمعه ومع هذا قال النبى عليه السلام « لا تفعل » وارشده الى الجهاد فكيف لواحد منا ان يتركه من اعمال لا يوثق بها مع قلتها وخطايا لا ينجى معها لكثرتها وجوارح لا تزال مطلقة فيما منعت منه ونفوس جامحة الا عما نهيت عنه ونيات لا يتحقق اخلاصها وتبعات لا يرجى بغير العناية خلاصها : قال الحافظ
كارى كنيم ورنه حجالت برآورد ... روزيكه رخت جان بجهان دكركشيم
واعلم ان المتخلف بعذر اذا كانت نيته خالصة يشارك المجاهد فى الاجر والثواب كما روى انه عليه السلام لما رجع من غزوة تبوك قال « ان اقواما خلفناهم بالمدينة ما اسلكنا شعبا ولا واديا الا وهم معنا حبسهم العذر » يعنى يشاركوننا فى استحقاق الثواب لكونهم معنا نية وانما تخلفوا عنا للعذر ولولاه لكانوا معنا ذواتا
قال ابن الملك ولا يظن منه التساوى وفى الثواب لان الله قال { فضل الله المجاهدين على القاعدين اجرا عظيما } انتهى
يقول الفقير اصلحه الله القدير هذه الآية مطلقة ساكتة عن بيان العذر وعدمه وقد قيدها الحديث المذكور ولا بعد فى ان يشترك المجاهد والمتخلف لعذر فى الثواب بل تاثير الهمة اشد ورب نية خير من عمل ولهذا شواهد لا تخفى على اولى الالباب
والاشارة { ما كان لاهل المدينة } مدينة القلب واهلها النفس والهوى { ومن حولهم من الاعراب } اعراب الصفات النفسانية والقلبية { ان يتخلفوا عن رسول الله } عن رسول الروح اذ هو راجع الى الله وسائر اليه { لا يرغبوا } بانفسهم عن نفسه } اى عن بذل وجوههم عند بذل وجوده بالفناء فى الله { ذلك بانهم لا يصيبهم ظمأ } من ماء الشهوات { ولا نصب } من انواع المجاهدات { ولا مخمصة } بتر اللذات وحطام الدنيا { فى سبيل الله } فى طلب الله { ولا يطؤن موطئا } مقاما من مقامات الفناء { يغيظ الكفار } كفار النفس والهوى { ولا ينالون من عدو } عدو الشيطان والدنيا والنفس { نيلا } اى بلاء ومحنة وفقرا وفاقة جهدا وهما حزنا وغير ذلك من اسباب الفناء { الا كتب لهم به عمل صالح } من البقاء بالله قدر الفناء فى الله { ان الله لا يضيع اجر المحسنين } الفانين فى الله فيبقيهم بالله ليعبدوه على المشاهدة لان الاحسان ان تعبد الله كأنك تره { ولا ينفقون نفقة } من بذل الوجود { صغيرة ولا كبيرة } الصغيرة بذل وجود الصفات والكبيرة بذل وجود الذات فى صفات الله تعالى وذاته { ولا يقطعون واديا } من اودية الدنيا والآخرة والنفس والهوى والقلب والروح { الا كتب لهم } بقطع كل واحد من هذه الاودية قربة ومنزلة ودرجة كما قال(5/196)
« من تقرب الىّ شبرا تقربت اليه ذراعا » { ليجزيهم الله } بالبقاء والفناء عن انفسهم { احسن ما كانوا يعلمون } اى احسن مقام كانوا يعملون العبودية فى طلبه لان طلبهم على قدر معرفتهم ومطمح نظرهم وجزاؤه يضيق عنه نطاق عقولهم وفهومهم كما قال { اعدت لعبادى الصالحين } الحديث كما فى التأويلات النجمية(5/197)
وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)
{ وما كان المؤمنون لينفروا كافة } اللام لتأكيد النفى اى ما صح وما استقام لهم ان ينفروا اى يخرجوا جميعا لنحو غزو او طلب علم كما لا يستقيم لهم ان يتثبطوا جميعا فان ذلك مخل بامر المعاش { فلولا نفر } [ بس جرا بيرون نرود ] فلولا تحضيضية مثل هلا وحرف التحصيص اذا دخل على الماضى يفيد التوبيخ على ترك الفعل والتوبيخ انما يكون على ترك الواجب فعلم منه ان الفعل واجب وان قوله فلولا نفر معناه الامر بالنفير وايجابه { من كل فرقة منهم طائفة } اى من كل جماعة كثيرة كقبيلة واهل بلدة جماعة قليلة
ودلت الآية على الفرق بين الفرقة والطائفة بان الفرقة اكثر من الطائفة لان القياس ان ينتزع القليل من الكثير والطائفة تتناول الواحد فما فوقه { ليتفقهوا فى الدين } ليتكلفوا الفقاهة فى الدين ويتجشموا مشاق تحصيلها والفقه معرفة أحكام الدين { ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم } وليجعلوا غاية سعيهم ومعظم غرضهم من الفقاهة ارشاد القوم وانذارهم وذكر الانذار دون التبشير لانه اهم والتخلية بالمعجمة اقدم من التحلية بالمهملة { لعلهم يحذرون } ارادة ان يحذر قومهم عما ينذرون منه
وفى الآية دليل على ان التفقه والتذكير من فروض الكفاية وانه ينبغى ان يكون غرض المتعلم الاستقامة والاقامة لا الترفع على الناس بالتصدر والترأس والتبسط فى البلاد بالملابس والمراكب والعبيد والاماء كما هو ديدن ابناء الزمان والله المستعان . فينبغى ان يطلب المتعلم رضى الله والدار الآخرة وازالة الجهل عن نفسه وعن سائر الجهال واحياء الدين وابقاء الاسلام فان بقاء الاسلام بالعلم ةلا يصح الزهد والتقوى بالجهل
علم آمد دليل آكاهى ... جهل برهان نقض وكمراهى
بيش ارباب دانش وعرفان ... كى بود اين تمام وآن نقصان
وينبغى لطالب العلم ان ينوى به الشكر على نعمة العقل وصحة البدن وسلامة الحواس عملا بقوله تعالى { والله اخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيأ وجعل لكم السمع والابصار والافئدة لعلكم تشكرون } وينبغى لطالب العلم ان يختار الاستاذ الاعلم والاروع والاسن بعد التامل التام كما اختار ابو حنيفة رضى الله عنه حماد قال دخلت البصرة فظننت ان لا اسال عن شيء الا اجبت عنه فسالونى عن اشياء لم يكن عندى جوابها فحلفت على نفسى ان لا افارق حمادا فصحبته عشرين سنة وما صليت قط الا ودعوت لشيخى حماد مع والدى ففى انفاس الاساتذة الصالحين ودعوات الرجال الكاملين تاثيرات عجيبة -كما حكى- ان ابا ابى حنيفة ثابتا اهدى الفالوذج لعلى بن ابى طالب يوم النيروز ويوم المهرجان فدعا له ولاولاده بالبركة وكان ثابت يقول انا فى بركة دعوة صدرت من على رضى الله عنه حتى كان يفتخر اولاده العلماء بذلك فاذا وجد الطالب الاستاذ العالم العامل فعليه ان يختار من كل علم احسنه وانفعه فى الآخرة فيبدأ بفرض العين وهو علم ما يجب من اعتقاد وفعل وترك ظاهرا وباطنا ويقال له عن علم الحال الا العلم المحتاج اليه فى الحال
قال العز بن عبد السلام العلم الذى هو فرض لازم ثلاثة انواع .(5/198)
الاول علم التوحيد فالذى يتعين عليك منه مقدار ما تعرف به اصول الدين فيجب عليك اولا ان تعرف المعبود ثم تعبده وكيف تعبد من لا تعرفه باسمائه وصفات ذاته وما يجب له وما يستحيل فى نعته فربما تعتقد شيا فى صفاته يحالف الحق فتكون عبادتك هباء منثورا . والنوع الثانى علم السر وهو ما يتعلق بالقلب ومساعيه فيفترض على المؤمن علم احوال القلب من التوكل والانابة والخشية والرضى فانه واقع فى جميع الاحوال واجتناب الحرص والغضب والكبر والحسد والعجب والرياء وغير ذلك وهو المراد بقوله عليه السلام « طلب الفريضة فريضة على كل مسلم ومسلمة » اذ لو اريد بالعلم فيه التوحيد فهو حاصل ولو اريد به الصلاة فيجوز ان يتأهلها شخص وقت الضحى ويموت قبل الظهر فلا يستقيم العموم والمستفاد من لفظ كل واما غيرهما فلا يظهر فلم يبق الا المعاملة القلبية اذ فرضية علمها متحققة فى كل زمان ومكان فى كل شخص . والنوع الثالث علم الشريعة وهو ما يجب عليك فعله من الواجبات الشرعية فيجب عليك عليه لتؤديه على جهة الشرع كما امرت به وكذا علم كل ما يلزمك تركه من المناهى الشرعية لتتركه وذلك شامل للعبادات والمعاملات فكل من اشتغل بالبيع والشراء وايضا بالحرفة فيجب عليه علم التحرز عن الحرام فى معاملاته وفما يكسبه فى حرفته واما حفظ ما يقع فى بعض الاحايين ففرض على سبيل الكفاية . والعلوم الشرعية خمسه الكلام والتفسير والحديث والفقه واصول الفقه
قال فى عين المعانى المراد بقوله { ليتفقهوا فى الدين } علم الآخرة لاختصاصه بالانذار والحذر به وعلم الآخرة يشمل علم المعاملة وعلم المكاشفة اما علم المعاملة فهو العلم المقرب اليه تعالى والمبعد عنه ويدخل فيه اعمال الجوارح واعمال القلوب واما علم المكاشفة فهو المراد فيما ورد « فضل العالم على العابد كفضلى على امتى » اذ غيره تبع للعمل لثبوته شرطا له فاذا فرغ علما وعملا ساغ ان يشرع فى فروض الكفاية كالتفسير والاخبار والفتاوى غير متجاوز الى نوادر المسائل ولا مستغرق مشتغل عن المقصود وهو العمل ويجوز ان يتعلم من علم النجوم قدر ما يعرف به القبلة واوقات الصلاة ويتعلم من علم الطب قدر ما يمكن بمعرفته تداوى الامراض
قال فى الاشباه تعلم العلم يكون فرض عين وهو بقدر ما يحتاج اليه لدينه وفرض كفاية وهو ما زاد عليه لنفع غيره ومندوبا وهو التبحر فى الفقه وعلم القلب وحراما وهو علم الفلسفة والشعبذة والتنجيم والرمل وعلوم الطبائعيين والسحر ودخل فى افلسفة المنطق ومن هذا القسم علم الحروف والموسيقى ومكروها وهو اشعار المولدين من الغزل والبطالة ومباحا كاشعارهم التى لا سخف فيها(5/199)
قال الخناوى لم ار فى كتب اصحابنا القول بتحريم المنطق ولا يبعد ان يكون وجهه ان يضيع العمر وايضا من اشتغل به يميل الى الفلسفة غالبا فكان المنع منه من قبيل سد الذرائع والا فليس فى المنطق ما ينافى الشرع انتهى
قال القهستانى ذكر فى المهمات للاسنوى لا يستنجى بما كتب عليه علم محترم كالنحو واحترز بالمحترم من غيره من الحكميات مثل المنطق انتهى
قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر فى مواقع النجوم ولا يكثر مما لا يحتاج اليه فان التكثير مما لا حاجة فيه سبب فى تضييع الوقت على ما هو اهم وذلك ان من لم يعول على ان يلقى نفسه فى درجة الفتيا فى الدين لان فى البلد من ينوب عنه فى ذلك لا يتعين عليه طلب الاحكام كلها اذ هو فى حق الغير طلب فضول العلم انتهى
فعلى العاقل ان يتعلم قدر الحاجة ويشتغل بالعمل وفى الحديث « من احب ان ينظر الى عتقاء الله من النار فلينظر الى المتعلمين فوالذى نفسى بيده ما من متعلم يختلف الى باب العالم الا كتب له بكل قدم عبادة سنة وبنى له بكل قدم مدينة فى الجنة ويمشى على الارض والارض تستغفر له ويمشى ويصبح مغفورا له وشهدت له الملائكة بانه من عتقاء الله من النار » وفى نشر العلم والارشاد به فضائل ايضا قال عليه السلام لمعاذ بن جبل رضى الله عنه حين بعثه الى اليمن « لان يهدى الله بك رجلا خير لك مما تطلع عليه الشمس » والعلماء ورثة الانبياء فكما انهم اشتغلوا بالابلاغ والارشاد كذلك ورثتهم فكل مرشد من الورثة ينبغى ان يكون غرضه اقامة جاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه بتكثير اتباعه وقد قال « انى مكاثر بكم الامم » قال فى العوارف الصوفية أخذوا حظا من علم الدراسة فافادهم علم الدراسة العمل بالعلم فلما عملوا بما علموا افادهم العمل علم الوراثة فهم مع سائر العلماء فى علومهم وتميزوا عنهم بعلوم زائدة هى علوم الوراثة وعلم الوراثة هو الفقه فى الدين قال الله تعالى { فلولا نفر } الآية فصار الفقه فى الدين من اكمل الرتب واعلاها هو علم العالم الزاهد فى الدنيا المتقى الذى يبلغ رتبة الانذار بعلمه فمورد الهدى والعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم اولا ورد عليه الهدى والعلم من الله تعالى فارتوى بذلك ظاهرا وباطنا وانتقل من قلبه الى القلوب ومن نفسه الى النفوس ولا يدرك المرء هذا العلم بالتمنى بل بالجد والطلب ألا ترى الى الجنيد قيل له بم نلت ما نلت فقال بجلوسى تحت تلك الدرجة ثلاثين سنة واشار الى درجة فى داره(5/200)
هركنج سعادت كه خداداد بحافظ ... ازيمن دعاى شب وورد سحرى بود
وفى الآية تحريضص للمؤمنين على الخروج من الاوطان لطلب العلم النافع ورحل جابر من المدينة الى مصر لحديث واحد ولذا لم يعد احد كاملا الا بعد رحلته ولا وصل مقصده الا بعج هجرته وقيل
سافر تجد عوضا عمن تفارقه ... وانصب فان اكتساب المجد فى النصب
فالاسد لولا فراق الخيس ما فرست ... والسهم لولا فراق القوس لم يصب
قال سعدى قدس سره
جفا نبرده جه دانى توقدر يار ... تحصيل كام دل بتكابوى خوشترست
قال فى التأويلات النجمية الاشارة فى الآية ان الله تعالى يندب خواص عباده الى رحلة الصورة والمعنى فاما رحلة الصورة ففى طلب اهل الكمال الكاملين المتكملين الواصلين الموصلين كما ندب موسى الرحلة فى طلب الخضر عليه السلام واما رحلة المعنى فكما كان حال ابراهيم عليه السلام قال انى ذاهب الى ربى فهو السير من القالب وصفاته الى القلب وصفاته ومن القلب الى الروح وصفاته من الروح الى التخلق باخلاق الله بقدم فناء اوصافه وهو السير الى الله ومن اخلاق الله الى ذات الله يقدم فناء ذاته يتجلى صفات الله وهو السير بالله ومن انانيته الى هويته ومن هويته الى الوهيته الى ابد الآباد وهو السير بالله من الله الى الله تعالى وتقدس انتهى باختصار(5/201)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)
{ يا ايها الذين آمنوا } اقروا بالله وبوحدانيته وصدقوا بحضرة صاحب الرسالة وحقانيته { قاتلوا الذين } بكارزار كنيد آنانكه ] { يلونكم } الولى القرب والدنو { من الكفار } اى قاتلوا من نحوكم ويقربكم من العدو وجاهدوا الاقرب فالاقرب ولا تدعوا الاقرب وتقصدوا الابعد فيقصد الاقرب بلادكم واهاليكم واولادكم وفيه انهم اذا امنوا الاقرب كان لهم محاربة الابعد
واعلم ان القتال واجب مع كافة الكفرة قريبهم وبعيدهم ولكن الاقرب فالاقرب اوجب ولذا حارب عليه السلام قومه اولا ثم انتقل الى غزو سائر العرب ثقم انتقل عنهم الى غزو الشام وكذا الصحابة رضى الله عنهم لما فرغوا من امر الشام دخلوا العراق وهكذا المفروض على اهل كل ناحية ان يقاتلوا من وليهم ما لم يضر بهم اهل ناحية اخرى وقد وقع امر الدعوة ايضا على هذا الترتيب فانه عليه السلام امر اولا بانذار عشيرته فان الاقرب احق بالشفقة والاستصلاح لتأكيد حقه
واختلفوا فى افضل الاعمال بعض الفرائض . فقال الشافعى رضى الله عنه الصلاة افضل اعمال البدن وتطوعها افضل التطوع . وقال احمد لا اعلم شيأ بعد الفرائض افضل من الجهاد لانه كان حرفة النبى عليه السلام . وقال ابو حنيفة ومالك لا شيء بعد فروض الاعيان من اعمال البر افضل من العلم لان الاعمال تبتنى عليه ثم الجهاد وبلغ من علم ابى حنيفة رحمه الله لى ان سمع فى المنام انا عند علم ابى حنيفة بعد ما قيل اين اطلبك يا رسول الله وفى الحديث « اقرب الناس من درجة النوبة اهل العلم واهل الجهاد » اما اهل العلم فدلوا الناس على ما جاءت به الرسل واما اهل الجهاد فجاهدوا باسيافهم على ما جاءت به الرسل والجهاد سبب البقاء اذ لو تركه الناس لغلبهم العدو وقتلهم وفيه الحياة الدائم فى الآخرة لانه سبب الشهادة التى تورث تلك الحياة والشهداء احياء غير اموات : وفى المثنوى
بس زيادتها درون نقصها ست ... مرشهيدانرا حيات اندر فناست
{ وليجدوا فيكم غلظة } اى شدة وصبرا على القتال
قال فى القاموس الغلظة مثلثة ضد الرقة وهذا الكلام من باب لا ارينك ههنا فانه وان كان على صورة ان ينهى المتكلم نفسه عن رؤية المخاطب ههنا الا ان المراد نهى المخاطب عن ان يحضر ههنا فكذا الآية فانها على صورة امر الكفار بان يجدوا من المؤمنين غلظة لكن المعنى على امر المؤمنين بان يعاملوا الكفار بالغلظة والخشونة على طريق الكناية حيث ذكر اللازم واريد الملزوم : وفى المثنوى
هربيمبر سخت روبد درجهان ... يكسواره كفت برجيش شهان
رونكردانيد ازترس وغمى ... يك تن تنها بزد بر عالمى
كوسفندان كربرننداز حساب ... زانبهشان كى بترسد آن قصاب
قيل للاسكندر فى عسكر دارا الف الف مقاتل فقال ان القصاب لا تهوله كثرة الاغنام والعرب تقول الشجاعة وقاية والجبن مقتلة فاعتبروا بان من يقتل مدبرا اكثر ممن يقتل مقبلا : قال السعدى قدس سره(5/202)
آنكه جنك آرد بخون خويش بازى ميكند ... روزميدان وانكه بكريزد بخون لشكرى
ونعم ما قيل
زهره مردان ندارى جون زنان در خانه باش ... وربميدان ميروى ازتير باران بر مكرد
واعلم ان السلاطين والوزراء والوكلاء بالنسبة الى العسكر كالقلب بالنسبة الى الاعضاء فكما ان القلب اذا صلح الجسد كله فكذا الرئيس اذا ثبت واظهر الشجاعة ثبت ان الجيش كله [ بهرام يقين كه مال وسر وهرجه هست دربازد ] { واعلموا ان الله مع المتقين } بالحراسة والاعانة والمراد بالمعية الولاية الدائمة وادخل على المتقين مع اختصاصه بالمتبوع لكونهم المباشرين للقتال ووضع المظهر موضع المضمر اى معكم اشارة الى علة النصرة وهى التقوى كأنه قيل واعلموا ان نصرة الله معكم اشارة الى علة النصرة وهى التقوى كأنه قيل واعلموا ان نصرة الله معكم بسبب تقواكم بالتوحيد والاسلام والايمان والطاعة عن الاشراك والكفر والنفاق والعصيان فى مرتبة الشريعة وبالله عن جميع ما سوى الله فى مرتبة الحقيقة لا مع الكفار المشركين المنافقين العاصين وان اعطاهم لوازم القتال مكرا واستدراجا كما اعطاكموها كرما واحسانا وبقدر تقواكم بالحق عن الخلق يسخر الله لكم الخلق وبقدر تسخيركم لله قواكم النفسانية يسخر الله لكم الكفار وبقدر تسخيركم لله قواكم الروحانية يسخر الله لكم المؤمنين
قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر فى مواقع النجوم اعلم يا بنى ان الله جل ثناؤه لما اراد ان يرقى عبده الخصوصى الى المقامات العلية قرب منه اعداءه حتى يعظم جهاده لهم ويشتغل بمحاربتهم اولا قبل محاربة غيرهم من الاعداء الذين هم منه ابعد قال الله تعالى { يا ايها الذين آمنوا قاتلوا الذين } الآية وحظ الصوفى وكل موفق من هذه الآية ان ينظر فيها الى نفسه الامارة بالسوء التى تحمله على كل محظور ومكروه وتعدل به عن كل واجب ومندوب للمخالفة التى جبلها الله عليها وهى اقرب الكفار والاعداء اليه فاذا جاهدها وقتلها او اسرها فحينئذ يصح له ان ينظر فى الاعيار على حسب ما يقتضيه مقامه وتعطيه منزلته فالنفس اشد الاعداء شكيمة واقواهم عزيمة فجهادها هو الجهاد الاكبر ومعنى الجهاد مخالفة هواها وتبديل صفاتها وحملها على طاعة الله : وفى المثنوى
اى شهان كشتيم ما خصم برون ... ماند خصم زو بتر دراندرون
قد رجعنا من جهاد الاصغريم ... باعدو اندر جهاد الا كبريم
سهل يرى دانكه صفها بشكند ... شير آن ست آنكه خودرا بشكند
وللنفس سيفان ماضيان تقطع بهما رقاب صناديد الرحال وعظمائهم وهما شهوتا البطن والفرج وشهوة البطن اقوى واشد من شهوة الفرج لانه ليس لها تأييد الا من سلطان شهوة البطن
زان ندارى ميوه مانند بيد ... كآب روبردى بى نان سبيد
فما ملئ وعاء شر من بطن ملئ بالحلال هذا اذا كان القوت حلالا فكيف اذا كان حراما فالطعام والاكثار منه قاطع عن الطريق
وعن عيسى عليه السلام يا معشر الحوارييت جوعوا بطونكم وعطشوا اكبادكم لعل قلوبكم ترى الله تعالى وكذا الكلام وكذا التأذى بأذى الانام فعليه بالصبر وان لا يجدهم مؤذين لانه موحد فيستوى عنده المسيء والمحسن فى حقه بل ينبغى ان يرى المسيء محسنا وكذا المنام
قال بعض العلماء من سهر اربعين ليلة خالصا كوشف بملكوت السموات ايقظنا الله واياكم من رقدة الغفلة انه مجيب الدعوة(5/203)
وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)
{ واذا ما } كلمه ما صلة مؤكدة لارتباط الجزاء بالشرط { انزلت سورة } من سور القرآن وعددها مائة واربع عشرة بالاجماع والسورة طائفة من كلامه تعالى { فمنهم } اى المنافقين { من يقول } لاخوانه انكارا واستهزاء { ايكم } مبتدأ وما بعده خبره { زادته هذه } السورة { ايمانا } مفعول زادته وايراد الزيادة مع انه لا ايمان فيهم اصلا باعتبار اعتقاد المؤمنين . وفيه اشارة الى ان الاستهزاء من علامات النفاق وامارات الانكار ثم اجاب الله تعالى عن انكارهم واستهزائهم من يعتقد زيادة الايمان بزيادة الحاصل بالوحى والعمل الحاصل بالوحى والعمل به فقال { فاما الذين آمنوا } بالله تعالى وبما جاء من عنده { فزادتهم ايمانا } هذا بحسب المتعلق وهو مخصوص بزمان النبى عليه السلام واما الآن فالمذهب على الايمان لا يزيد ولا ينقص وانما تتفاوت درجاته قوة وضعفا فانه ليس من يعرف الشيء اجمالا كمن يعرفه تفضيلا كما ان من رأى الشيء اجمالا كمن يعرفه تفصيلا كما ان من رأى الشيء من بعد ليس كمن يراه من قريب فصورة الايمان هو التصديق القلبى اجمالا وتفصيلا وحقيقته الاحسان الذى هو ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك وحقيقة الاحسان مرتبة كنت سمعه وبصره التى هى قرب النوافل وفوقها مرتبة قرب الفرائض المشار اليه بقوله سمع الله لمن حمده . والحاصل ان من اعتقد الكعبة اذا رآها من بعيد قوى يقينه ثم اذا قرب منها كمل ثم اذا دخل ازداد الكمال ولا تفاوت فى اصل الاعتقاد { وهم يستبشرون } بنزولها وبما فيه من المنافع الدينية والدنيوية(5/204)
وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125)
{ واما الذين فى قلوبهم مرض } اى كفر وسوء عقيدة
قال الحدادى سمى الله النفاق مرضا لان الحيرة فى القلب مرض القلب كما ان الوجع فى البدن مرض البدن
يقول الفقير كل منهما مؤد الى الهلاك . اما المرض الظاهر فالى هلاك الجسم . واما المرض الباطن فالى هلاك الروح فلا بد من معالجة كل منهما بحسب ما يليق به { فزادتهم رجسا الى رجسهم } اى كفرا بها مضموما الى الكفر وعقائد باطلة واخلاقا ذميمة كذلك والفرق ين الرجس والنجس ان الرجس اكثر ما يستعمل فيما يستقذر عقلا والنجس اكثر ما يستعمل فيما يستقذر طبعا { وماتوا وهم كافرون } اى واستحكم ذلك الى ان يموتوا عليه بين الله تعالى ان بنزول سورة من السماء حصل للمؤمنين امران زيادة الايمان والاستبشار وحصل للمنافقين امران مقابلان لهما زيادة الرجس والموت على الكفر وفى الحديث « ان الله يرفع بهذا الكتاب اقواما ويضع آخرين » يعنى ان من آمن بالقرآن وعظم شأنه وعمل به يرفع الله درجته وفى الآخرة ويرزقه عزة وشرفا ومن لم يؤمن او لم يعمل به او لم يعظم شأنه خذله الله فى الدنيا والآخرة(5/205)
أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126)
{ أولا يرون } الهمزة للانكار والتوبيخ والواو للعطف على مقدر اى لا ينظر المنافقون ولا يرون { انهم يفتنون فى كل عام } من الاعوام بالفارسية [ در هر سالى ] { مرة او مرتين } والمراد مجرد التكثير لا بياع الوقوع حسب العدد المزبور اى يبتلون باصناف البليات من المرض والشدة وغير ذلك مما يذكر الذنوب والوقوف بين يدى رب العزة فيؤدى الى الايمان به تعالى { ثم لا يتوبون } عطف على ما يرون داخل تحت الانكار والتوبيخ { ولا هم يذكرون } والمعنى اولا يرونافتتانهم الموجب لايمانهم ثم لا يتوبون عماهم عليه من النفاق ولا هم يتذكرون بتلك الفتن الموجبة للتذكر والتوبة
قال فى التأويلات النجمية هذه الفتنة موجبة لانتباه القلب الحى وقلوبهم ميتة والقلب الميت لا يرجع الى الله ولا يؤثر فيه نصح الناصحين كما قال { انك لا تسمع الموتى } وقال { لينذر من كان حيا } وفى المثنوى
ورنكوئى عيب خود بارى خمش ... از نمايش وازدغل خودرا مكش
كرتو نقدى يافتى مكشا دهان ... هست درره سنكهاى امتحان
كفت يزدان از ولادت تابحين ... يفتنون كل عام مرتين
امتحان بر امتحانست اى بسر ... هين بكمتر امتحان خود را مر
ماهيانرا بحر نكذارد برون ... خاكيانرا بحر نكذارد درون(5/206)
وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (127)
{ واذا ما انزلت سورة } بيان لاحوالهم عند نزولها فى محفل تبليغ الوحى كما ان الاول بيان لمقالاتهم وهم غائبون عنه { نظر بعضهم الى بعض } المراد بالنظر النظر المخصوص الدال على الطعن فى تلك السورة والاستهزاء بها اى تغامزوا بالعيون انكارا لها وسخرية { هل يريكم من احد } اى قائلين هل يراكم من احد من المسلمين لينصرفوا من المسجد والمجلس مظهرين انهم لا يضطربون عند استماعها ويغلب عليهم الضحك فيفتضحون { ثم انصرفوا } عطف على نظر بعضهم والتراخى باعتبار وجدان الفرصة والوقوف على عدم رؤية احد من المؤمنين اى انصرفوا جميعا عن محفل الوحى خوفا من الافتضاح . والمعنى يقول بعضهم لبعض هل يراكم من احد من المؤمنين ان قمتم من مجلسكم فان لم يرهم احد خرجوا من المسجد وان علموا ان احدا يراهم اقاموا فيه وثبتوا حتى يفرغ عليه السلام من خطبته ثم انصرفوا { صرف الله قلوبهم } اى عن الايمان حسب انصرافهم عن المجلس والجملة اخبارية او دعائية { بانهم } اى بسبب انهم { قوم لا يفقهون } لسوء الفهم او لعدم التدبر
وفى التأويلات النجمية ليس فقه القلب فان فقه القلب من امارات حياة القلب وهو نور يهتدى به الى الحق كما ان الجهل ظلمة يقيم عندها ولا يدرى ماذا يفعل اللهم اجعلنا من المتدبرين والمتذكرين والمعتبرين
قال بعض العلماء اصحاب القلوب من الانس ثلاثة اصناف . صنف كالبهائم قال الله تعالى { لهم قلوب لا يفقهون بها } وصنف اجسادهم اجساد بنى آدم وارواحهم ارواح الشياطين . وصنف فى ظل الله تعالى يوم لا ظل الا ظله
وعن ابى بكر الوراق رحمه الله انه قال للقلب ستة اشياء حياة وموت وصحة وسقم ويقظة ونوم فحياته الهدى ونومه الضلالة وصحته الصفاء وعلته العلاقة ويقظته الذكر ونومه الغفلة وفى المثنوى
هر صباحى جون سليمان آمدى ... خاضع اندر مسجد اقصى شدى
نوكياهى رسته ديدى اندرو ... بس بكفتى نام ونفع خود بكو
توجه داروئى وجه تامت جه است ... توزيان كه ونفعت بر كيست
بس بكفتى هركيوء هى فعل ونام ... كه من آنرا جانم واين را حمام
بس سليمان ديد اندر كوشه ... نوكياهى رسته همجون خوشه
كفت نامت جيست بركوبى دهان ... كفت خروبست اى شاه جهان
كفت اندر توجه خاصيت بود ... كفت من رستم مكان ويران شود
من كه حروبم خراب منزلم ... هادم بنياداين آب وكلم
بس سليمان آن زمان دانست زود ... كه اجل آمد سفر خواهد نمود
كفت تامن هستم اين مسجد يقين ... در خلل نايد زآفات زمين
بس خراب مسجد ما بيكمان ... نبود الا بعد مرك ما بدان
مسجدست اين دل كه جشمش ساجدست ... يا ربد خروب هرجا مسجد ست
يا ربد جون رست درتو مهراو ... هين ازوبكريزو كم كن كفت وكو
بركن از بيخش كه كر سر برزند ... مرترا ومسجدت را بركند(5/207)