و قال البغوي قال الحسن وسعيد بن جبير ومكحول وابتغوا من فضل اللّه هو طلب العلم فعلى هذه الأقوال الأمر للاستحباب وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً فى مجامع أحوالكم ولا تحصوا ذكره بالصلوة عن عمر بن الخطاب ان رسول اللّه صلعم قال من دخل السوق فقال لا اله الا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحى ويميت وهو حى لا يموت بيده الخير وهو على كل شىء قد يركتب اللّه له الف الف حسنة ومحى عنه الف الف سيئة ورفع له الف الف درجة رواه الترمذي وقال غريب رواته ثقات الا أزهر بن سنان ففيه خلاف وعن عصمة قال قال رسول اللّه صلعم أحب الأعمال إلى اللّه سبحانه الحديث وابغض الأعمال إلى اللّه التحريف قلنا يا رسول اللّه ما سبحانه قال يكون القوم يتحدثون والرجل يسبح قلنا يا رسول اللّه وما التحريف قال القوم يكونوا بخير فيسالهم الجار والصاحب فيقولون نحن بشر رواه الطبراني لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أى لكى تفلحوا بخير الدارين أخرج الشيخان عن جابر بن عبد اللّه قال كان النبي صلعم يخطب يوم الجمعة إذا قبلت عير قد قدمت فخرجوا إليها حتى لم يبق الا اثنا عشر رجلا وقال ابن عباس فى رواية الكلبي لم يبق فى المسجد الا ثمانية رهط وفى صحيح أبى عوانة ان جابرا قال كنت فيمن بقي رواه الدار قطنى بلفظ فلم يبق الا أربعون رجلا واسناده ضعيف تفرد به على بن عاصم وخالف اصحاب حصين فيه وروى العقيلي من حديث جابر أيضا وزاد كان من الباقين أبو بكر وعمر وعثمن وعلى وطلحة والزبير وسعد وسعيد وأبو عبيدة أو عمار الشك من اسد بن عمر الراوي وبلال وابن مسعود وهؤلاء أحد عشر رجلا وجابر ثانى عشر فانزل اللّه تعالى.(1/6554)
وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا أى تفرقوا إِلَيْها الجملة الشرطية معطوفة على الشرطية السابقة وفيها التفات من الخطاب إلى الغيبة أفرد الضمير للتجارة برد الكناية إليها لانها المقصود فان المراد من اللهو الطبل الذي كانوا يستقبلون به العير والترديد للدلالة على ان منهم من انفض لمجرد سماع ورويته واخرج ابن جرير عن جابر أيضا قال كان الجواري إذا نكحوا كانوا يموون بالكبر والمزامير ويتركون النبي صلعم قائما على المنبر فينفضون إليها فنزلت قال صاحب لباب النقول فكانها نزلت فى الامرين معا قال ثم رايت ابن المنذر أخرجه عن جابر بقصة النكاح وقدوم العير معا من طريق واحد وانها نزلت فى الامرين فللّه الحمد وعلى هذا فالوجه لافراد الضمير راجعا إلى التجارة للدلالة على ان الانفضاض إلى التجارة مع الحاجة إليها والانتفاع بها إذا كان مذموما كان الانفضاض إلى اللهو أول بذلك
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 299(1/6555)
و قيل تقديره إذا راوا تجارة انفضوا إليها وإذا راوا لهوا انفضوا إليه وقال الحسن وأبو مالك أصاب أهل المدينة جوع وغلا سعر فقدم دحية بن خليفة بتجارة زيت من الشام والنبي صلعم يخطب يوم الجمعة فلما راوه قاموا إليه بالبقيع خشوا ان يسبقوا إليه فلم يبق مع النبي صلعم الارهط منهم أبو بكر وعمر رض فنزلت هذه الآية فقال رسول اللّه صلعم والذي نفس محمد بيده لو نتابعتم حتى لا يبقى منكم أحد سال بكم الوادي نارا وقال مقاتل بينا رسول اللّه صلعم يخطب يوم الجمعة إذ اقبل دحية بن خليفة الكلبي من الشام بالتجارة فكان إذا قدم لم يبق بالمدينة عاتق الا أتته وكان يقدم إذا قدم بكل ما يحتاج إليه من دقيق ويرو غيره فنزل عند أحجار الزيت وهو مكان من سوق المدينة ثم يضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه فيخرج إليه الناس ليبتاعوا منه فقدم ذات جمعة وكان ذلك قبل ان يسلم ورسول اللّه صلعم قائم على المنبر يخطب فخرج إليه الناس فلم يبق فى المسجد الا اثنا عشر رجلا وامرأة فقال رسول اللّه صلعم كم بقي فى المسجد فقالوا اثنا عشر رجلا وامرأة فقال النبي صلعم لو لا هؤلاء لقد سومت لهم الحجارة من السماء فانزل اللّه هذه الآية وأراد باللهو الطبل قيل كانت العير إذا قدمت المدينة استقبلوها بالطبل والتصفيق وَتَرَكُوكَ قائِماً تخطب كذا صرح مسلم فى رواية انهم انفضوا وهو يخطب ورجحه البيهقي على رواية من روى وهو يصلى يجمع بينهما بان يراد من قال وهو يصلى يخطب مجازا وقد مر فيما سبق حديث كعب بن عجرة وقال علقمة سئل عبد اللّه كان النبي صلعم قائما أو قاعدا قال اما تقرأ وتركوك قائما وفى قصة انفضاض الناس فى حالة الخطبة وبقاء اثنى عشر رجلا دليل على جواز الجمعة باقل من أربعين رجلا واحتمال انه صلعم لم يصل بهم الجمعة وصلى الظهر أو انهم رجعوا إلى النبي صلعم بعد الانفضاض أو اجتمع إليه رجال آخرون غيرهم فصلى بهم امر لا يقتضيه سياق القصة(1/6556)
و لا دليل عليه ولو كان شىء من الاحتمالات المذكورة لنقل واللّه تعالى أعلم وليس فى القصة دليل على اشتراط اثنى عشر رجلا كما قال بعضهم كما انه لا دليل فى قصة اسعد بن زرارة انه صلى أول جمعة جمع بأربعين رجلا على اشتراط أربعين رجلا ولا فى صلوته صلى اللّه عليه وسلم فى بنى سالم بن عمرو بماية رجل على اشتراط الماية واللّه تعالى أعلم (مسئله) لو شرع الامام الصلاة بعدد ينعقد بهم الجمعة على اختلاف الأقوال فذهب منهم واحد ولم يبق ذلك العدد قال أبو حنيفة رح ان ذهب قبل سجود الامام فى الركعة الاولى بطلت الجمعة ويستانف بالظهر وان ذهب بعد سجوده أتمها جمعة وقال مالك ان انفضوا بعد تمام الركعة بسجدتيها أتمها جمعة وقال احمد ان انفضوا بعد إحرام أتمها جمعة وقال الشافعي رح فى أصح أقواله ان بقاء الأربعين
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 300
الى اخر الصلاة شرط كما ان بقاء الوقت شرط إلى اخر الصلاة ولو نقص من الأربعين واحد قبل أن يسلم الامام يجب على الباقين أن يصلوها أربعا ظهرا وفى قول للشافعى أن بقي معه اثنان أتمها جمعة وفى قول له ان بقي واحد أتمها جمعة وعند المزني ان انفضوا بعد ما صلى بهم الامام ركعة أتمها جمعة وان لم يبق مع الامام واحد وان كان فى الركعة الاولى(1/6557)
يتمها أربعا ان انتقص من أربعين واحد وقال زفران نفروا قبل القعده بطلت الجمعة واستأنف ظهرا (مسئله) إذا أدرك المسبوق مع الامام شيئا من الصلاة سواء أدرك قعدة أو سجدة سهو أتمها جمعة عند أبى حنيفة رح وعند مالك والشافعي واحمد ان أدرك ركعة أدرك الجمعة وأتمها وان أدرك دونها أتمها ظهرا وقال طاؤس لا يدرك الجمعة ما لم يدرك الخطبتين واللّه تعالى أعلم قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ من الثواب على الصلاة والثبات مع النبي صلعم خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ فان ذلك محقق قوى محلا بخلاف ما يتوهمون من نفعها وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ لأنه يوجب الأرزاق فاياه فاسئلوا ومنه اطلبوا (مسئله) يستجب الإجمال فى طلب الرزق والاقتصاد ويكره الحرص وحب المال عن أبى حميدى الساعدي ان رسول اللّه صلعم قال اجملوا فى طلب الدنيا فان كلكم ميسر لما كتب له رواه الحاكم وأبو الشيخ وابن ماجة نحوه وعن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلعم يا أيها الناس ان الغنى ليس عن كثرة العرض لكن الغنى غنى النفس وان اللّه يؤتى عبده ما كتب له من الرزق فاجملوا فى الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم رواه أبو يعلى وسنده حسن واوله متفق عليه وعن أبى الدرداء قال قال رسول اللّه صلعم ان الرزق ليطلب العبد كما يطلب الاجل رواه ابن حبان والبزاز والطبراني ولفظه ان الرزق ليطلب العبد اكثر مما يطلبه وعن أبى سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلعم لوفر أحدكم من رزقه أدركه كما يدركه رواه الطبراني فى الأوسط والصغير بسند حسن وعن سعد بن أبى وقاص يقول سمعت رسول اللّه صلعم يقول خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفى رواه أبو عوانة وابن حبان وعن أبى ذر قال قال رسول اللّه صلعم من أصبح وهمه الدنيا فليس من اللّه فى شىء ومن لم يهتم بالمسلمين فليس منهم ومن اعطى الذلة فى نفسه طايعا غير مكره فليس منا رواه الطبراني وعن كعب بن مالك قال قال(1/6558)
رسول اللّه صلعم ما ذئبان جايعان أرسلا فى غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والسرف رواه الترمذي وصححه هو وابن حبان وعن أبى هريرة ان رسول اللّه صلعم يقول اللهم انى أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعاء لا يسمع رواه النسائي وهو عند مسلم والترمذي من حديث زيد بن أرقم عن انس قال قال رسول اللّه صلعم لو كان لابن آدم واديان من مال لا تبغى إليهما ثالثا وما يملأ جوف ابن آدم الا التراب ويتوب اللّه على من تاب.
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 301(1/6559)
سورة المنافقون
مدنية وهى احدى عشرة اية وفيها ركوعان
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أخرج البخاري وغيره عن زيد بن أرقم قال سمعت عبد اللّه بن أبى يقول لاصحابه لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتى ينفضوا ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فذكرت ذلك لعمى فذكر ذلك عمى لرسول اللّه صلعم فدعانى النبي صلعم فحدثته فارسل رسول اللّه صلعم إلى عبد اللّه بن أبى وأصحابه فحلفوا ما قالوا فكذبنى وصدقه فاصابنى شىء لم يصبنى قط مثله فقال عمى ما أردت الا ان كذبك رسول اللّه صلعم ومقتك فانزل اللّه عز وجل إذا جاءك المنافقون فبعث إلى رسول اللّه صلعم فقرأها ثم قال ان اللّه صدقك وذكر محمد بن اسحق وغيره من أهل السير أن رسول اللّه صلعم بلغه ان بنى المصطلق يجتمعون لحربه وقايدهم الحارث بن ضرار أبو جويرية زوج النبي صلعم فلما سمع بهم رسول اللّه صلعم استخلف على المدينة زيد بن الحارثة فيما قال محمد بن عمرو وابن سعد وقال ابن هشام أبا ذر الغفاري وخرج رسول اللّه صلعم وقاد المسلمون ثلثين فرسا منه عشرة للمهاجرين منهما فرسان لرسول اللّه صلعم وخرج مع رسول اللّه صلعم بشر كثير من المنافقين ليصيبوا من عرض الدنيا فلقى رسول اللّه صلعم بنى المصطلق على ماء من مياههم يقال له المريسيع من ناحية قد يد إلى الساحل وتهيا الحارث للحرب فصف رسول اللّه صلعم عمر بن الخطاب فهادى فى الناس قولوا لا اله الا اللّه تمتعوا بها أنفسكم وأموالكم ففعل ذلك عمر قالوا فتراموا بالنبل وتزاحف الناس فاقتتلوا فهزم اللّه سبحانه بنى المصطلق وقتل من قتل منهم ونقل رسول اللّه صلعم أبنائهم ونسائهم وأموالهم فافاءها اللّه عليه فبينما الناس على ذلك الماء إذ وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بنى غفار يقال له جهجاه بن سعيد الغفاري يقود له فرسه فازدحم جبجاه؟؟؟(1/6560)
و سنان بن وبرة الجهني حليف ابن عوف بن الخزرج على الماء فاقتتلا وضرب جهجاه سنانا فسال الدم فصرخ الجهني يا معشر الأنصار وصرخ الغفاري يا معشر المهاجرين وأعان جهجاه رجل من المهاجرين يقال له جعال فاقبل جمع من الحنين وشهر السلاح حتى كادت ان يكون فتنة عظيمة فخرج رسول اللّه صلعم فقال ما بال دعوى الجاهلية فاخبرها بالحال فقال دعوها فانها فتنة أى مذمومة فى الشرع ولينصر الرجل أخاه ظالما كان أو مظلوما ان كان ظالما فلينهه فانه ناصر وان كان مظلوما
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 302(1/6561)
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 302
فلينصره ثم ان جماعة من المهاجرين كلموا عبادة بن الصامت وجماعة من الأنصار فكلموا سنانا فترك حقه وكان عبد اللّه بن أبى بن سلول جالسا وعنده عشرة من المنافقين مالك وسويد وقاعس وو أوس بن قبطى وزيد بن الصلت وعبد اللّه بن نبيل ومعتب بن قشير وفى القوم زيد بن أرقم رض غلام حديث السن فقال ابن أبى افعلوها فقد نافرونا وتكاثرونا فى بلادنا واللّه ما مثلنا ومثلهم الا كما قال القائل سمن كلبك يا كلك أنا واللّه لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل يعنى بالأعز نفسه وبالأذل رسول اللّه صلعم ثم اقبل على من حضره من قومه فقال هذا ما فعلتم بانفسكم اجللتموهم بلادكم وقاسمتوهم أموالكم واللّه لو امسكتم من جعال ودونه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم وليتحولوا إلى غير بلادكم فلا تنفقوا عليهم حتى ينقضوا من حول محمد فقال زيد بن أرقم رض أنت واللّه الذليل القليل المبغض فى قومك ومحمد صلعم فى عز من الرحمن ومودة من المسلمين فقال عبد اللّه بن أبى اسكت فانما كنت العب فمشى زيد بن أرقم إلى رسول اللّه صلعم فاخبره الخبر وكره رسول اللّه صلعم خبره وتغير وجهه فقال يا غلام لعلك كذبت عليه فقال لا واللّه يا رسول اللّه لقد سمعت فقال لعله اخطأ سمعك فقال لا واللّه يا رسول اللّه قال لعله شبه عليك قال لا واللّه يا رسول اللّه وشاع فى العسكر قول ابن أبى وليس فى الناس حديث الا ما قال ابن أبى وجعل الرهط من الأنصار يلومون الغلام ويقولون عمدت إلى سيد قومك تقول عليه ما لم يقل وقد ظلمت وقطعت الرحم فقال زيد رض واللّه لقد سمعت ما قال واللّه ما كان فى الخزرج رجل أحب إلى أبى من عبد اللّه بن أبى ولو سمعت هذه المقالة من أبى لنقلتها إلى رسول اللّه صلعم وانى لا رجو ان ينزل اللّه على نبيه ما يصدق حديثى فقال عمر بن الخطاب رض دعنى اضرب عنقه يا رسول اللّه وفى رواية قال عمر مر(1/6562)
عباد بن بشيرا وقال محمد بن مسلمة فلياتك راسه قال رسول اللّه صلعم فكيف يا عمر إذا يحدث الناس ان محمدا يقتل أصحابه ولكن اذن بالرحيل وذلك فى ساعة لم يكن رسول اللّه صلعم يرتحل فيها فانه كان فى حر شديد ولم يكن يرتحل حتى يبرد ولم يشعر العسكر الا ورسول اللّه صلعم قد طلع على ناقته القصوى فارتحل الناس وأرسل رسول اللّه صلعم إلى عبد اللّه بن أبى فاتاه فقال أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني فقال عبد اللّه واللّه الذي انزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك وان زيد الكاذب وكان عبد اللّه فى قومه شريفا عظيما فقال من حضر من الأنصار من أصحابه يا رسول اللّه عسى ان يكون الغلام أو هم
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 303
فى حديثه ولم يحفظ ما قاله فعذره النبي صلعم وفشت الملامة من الأنصار لزيد رض وكذبوه فقال له عمه وكان زيد معه ما أردت الا ان كذبك رسول اللّه صلعم والناس ومقتوك وكان زيد بسائر النبي صلعم فاستحى بعد ذلك ان يدنوا من النبي صلعم فلما استقبل رسول اللّه صلعم وسار فكان أول من لقيه سعد بن عبادة ويقال أسيد بن حضير وبه جزم بن اسحق فقال السلام عليك أيها النبي ورحمة اللّه وبركاته فقال عليه السلام وعليك ورحمة اللّه وبركاته قال يا رسول اللّه قد رحلت فى ساعة منكرة لم تكن نزحل فيها فقال أو لم يبلغك ما قال صاحبك قال أى صاحب يا رسول اللّه قال ابن أبى زعم انه ان رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل فقال فانت يا رسول(1/6563)
اللّه تخرجه ان شئت فهو الأذل وأنت أعز والعزة للّه ولك وللمؤمنين ثم قال يا رسول اللّه ارفق به فو اللّه لقد جاء اللّه بك وان قومه ينظمون له الخرز فما بقيت عليهم إلا خرزة واحدة عند يوشع اليهودي فدارب بهم فيها لمعرفته بحاجتهم إليها ليتوجوه فجاء اللّه بك على هذا الحديث فلا يرى الا ان قد سلبته ملكه وبلغ عبد اللّه ابن أبى مقالة عمر بن الخطاب فجاء إلى رسول اللّه صلعم فقال يا رسول اللّه ان كنت تريد ان تقتل فيما بلغك عنه فمرنى به فو اللّه لاحملن إليك راسه قبل ان تقوم من مجلسك هذا واللّه لقد علمت الخزرج ما كان رجل فيها ابر بوالديه منى وانى لا خشى يا رسول اللّه ان تامر به غيرى فيقتله فلا تدعنى نفسى انظر إلى قاتل أبى يمشى فى الناس فاقتله فاقتل مومنا بكافر فادخل النار وعفوك أفضل منك وأعظم فقال رسول اللّه صلعم يا عبد اللّه ما أردت قتله وما أمرت به ونحسن صحبة ما كان بين أظهرنا فقال عبد اللّه يا رسول اللّه ان أبى كانت أهل هذه البحيرة قد اتقوا عليه ليتوجوه عليهم فجاء اللّه بك فوضعه ورفعنا بك ومعه قوم يطوفون به يذكرون أمورا قد غلب اللّه تعالى عليهم ثم سار رسول اللّه صلعم بالناس يومهم ذلك حتى امسى وليلتهم حتى أصبح وصدر يومهم حتى اذتهم الشمس ثم نزل بالناس فلم يلبثوا ان وجدوا مس الأرض فوقعوا نياما وانما فعل ذلك ليشغل الناس عما كان من قول ابن أبى ثم راح رسول اللّه صلعم حتى نزل على ماء بالحجاز فوق البقيع يقال له البقعاء روى مسلم عن جابر بن عبد اللّه قال قدم رسول اللّه صلعم فلما كانت قربت المدينة فهاجت الريح تكاد تدفن الراكب فقال رسول اللّه صلعم بعثت هذه الريح لموت منافق فلما قدمنا المدينة إذا هو قد مات عظيم من عظماء المنافقين قال محمد بن عمر ولما اخذتهم الريح قالوا لم تهج هذه الريح الا لامر قد حدث بالمدينة
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 304(1/6564)
و انما بالمدينة الذراري والصبيان وكان بين النبي صلعم وبن عيينة بن حصين مده وكان ذلك عند انقضائها فقال رسول اللّه صلعم ليس عليكم منها بأس ما بالمدينة درب إلا ملك يحرسها وما كان يدخلها عدد حتى تأتوها ولكن قد مات الذي بالمدينة منافق عظيم النفاق ولذلك عصفت الريح وكان المنافقين بموته غيظ شديد وهو زيد بن رفاعة بن التابوت مات ذلك اليوم كان كهفا للمنافقين قال محمد بن عمر عن جابر كانت الريح أشد ما كانت قط إلى ان زالت الشمس ثم سكنت اخر النهار وذكر أهل المدينة انهم وجدوا مثل ذلك الريح حتى دفن عدو اللّه ثم سكنت قال عبادة بن الصامت يومئذ لابن أبى مات مات خليلك الذي من موته فتح للاسلام واهله زيد بن رفاعة بن التابوت قال يا ويلاء كان واللّه كان قال من أخبرك يا أبا وليد قال رسول اللّه صلعم أخبرنا انه مات هذه الساعة فسقط فى يديه وانصرف كيبا حزينا قال محمد بن عمر من حديث ابن عمر انه فقدت ناقة رسول اللّه صلعم القصوى من بين الإبل فجعل المسلمون يطلبونها من كل وجه فقال زيد بن الصلت وكان منافقا وهو فى جماعة والأنصار منهم عبادة ابن بشر بن وقس وأسيد بن حضير فقال اين يذهب هؤلاء فى كل وجه قالوا يطلبون ناقة رسول اللّه صلعم قد ضلت قال أ فلا يخبره اللّه تعالى بمكانها فانكر عليه القوم فقالوا قاتلك اللّه يا عدو اللّه نافقت ثم اقبل عليه أسيد بن حضير فقال فو اللّه لو لا انى لا أدرى ما يوافق رسول اللّه صلعم من ذلك لانفذت حصك بالرمح يا عدو اللّه فلم خرجت معنا وهذا فى نفسك قال خرجت لا طلب عرض الدنيا ولعمرى ان محمدا ليخبرنا بأعظم من شان الناقة يخبر عن امر السماء وتعودوا به جميعا فقالوا واللّه لا يكون منك سبيل ابدا ولا يظلنا وإياك أظل ابدا ولو علمنا ما فى نفسك ما صبحنا فوثب هاربا منهم ان يقعوا به ونبذوا متاعه فعمد إلى رسول اللّه صلعم فجلس معه فرارا من أصحابه متعوذا به وقد جاء رسول اللّه(1/6565)
صلعم جبرئيل بالوحى فقال رسول اللّه صلعم والمنافق يسمع ان رجلا من المنافقين قال أ لا ضلت ناقة رسول اللّه صلعم وقال لا يخبر اللّه بمكانها فلعمرى ان
محمدا يخبرنا بأعظم من شان الناقة ولا يعلم الغيب الا اللّه وان اللّه سبحانه قد أخبرني بمكانها وانها فى الشعب مقابلكم قد تعلق زمامها بشجرة فاعمدوا نحوها فاتوا بها من حيث قال رسول اللّه صلعم فلما نظر إليها سقط فى يده فقام سريعا إلى رفقائه الذين كانوا معه فإذا رجله منبوذ وإذا هم جلوس لم يقم رجل منهم من مجلسه فقالوا له حين دنى لا تدن منا أكلمكم فدنى فقال أنشدكم اللّه هل اتى منكم أحد محمدا فاخبره بالذي قلت قالوا لا واللّه ولا قمنا
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 305(1/6566)
من مجلسنا قال انى قد وجدت عند القوم ما تكلمت به وتكلم به رسول اللّه صلعم فاخبرهم عما قال رسول اللّه صلعم وانى كنت فى شك فى شان محمد فاشهد ان محمدا رسول اللّه فكانى لم اسلم الا اليوم قالوا له فاذهب إلى رسول اللّه صلعم يستغفر لك فذهب إلى رسول اللّه صلعم واستغفر له واعترف بذنبه ولما انتهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى وادي العقيق تقدم عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبى فجعل يتصفح الركاب حتى مر أبوه فاناخ به ثم وطى يد راحلته فقال أبوه ما تريد يا لكع قال واللّه لا تدخل حتى يأذن لك رسول اللّه وتعلم أيهما الأعز من الأذل أنت أو رسول اللّه صلعم فمن مر به من المسلمين يسرع عبد اللّه ويمر غير ذلك فيقول تصنع هذا بأبيك حتى مر به رسول اللّه صلعم فسال عنه فقيل عبد اللّه بن أبى يابى لابيه حتى تأذن له فمر رسول اللّه صلعم وعبد اللّه واطئ على يد راحلة أبيه وابن أبى يقول لانا أذل من الصبيان لانا أذل من النساء فقال له رسول اللّه صلعم خل عن أبيك فخلى عنه روى محمد بن عمر عن رافع بن خديج قال سمعت عبادة بن الصامت يقول يومئذ لابن أبى قبل ان ينزل فيه القرآن ايت رسول اللّه صلعم يستغفر لك قال فرايت يلوى راسه معرضا يقول عبادة واللّه لينزلن اللّه تعالى فى لى راسك قرانا يصلى به قال فبينا رسول اللّه صلعم يسير من يومه وزيد بن أرقم يعارض رسول اللّه صلعم راحلته يريد وجهه فى السير إذا نزل عليه الوحى قال زيد ابن أرقم فما هو الا رسول اللّه صلعم يأخذ البرحات ويعرق جبينه ويثقل يد راحلته عرفت ان رسول اللّه صلعم يوحى إليه ورجوت ان ينزل اللّه لصدقى قال زيد فسرى عن رسول اللّه صلعم فاخذ بأذني وانا على راحلتى حتى ارتفعت عن مقعدى ويرفعهما إلى السماء وهو يقول وفت اذنك يا غلام وصدق اللّه حديثك ونزلت سورة المنافقين فى ابن أبى من أولها إلى آخرها وحده وجعل بعد ذلك ابن أبى إذا حدث حدثا كان قومه هم الذين(1/6567)
يعاتبونه ويأخذونه فقال رسول اللّه صلعم لعمر بن الخطاب حين بلغه شانهم كيف ترى يا عمر قال انى واللّه لقد علمت لامر رسول اللّه صلعم بركة أعظم من بركته فهذه الرواية تدل على ان سورة المنافقين نزلت فى السفر قبل حلول المدينة وقال البغوي فلما وافى رسول اللّه صلعم بالمدينة قال زيد بن أرقم جلست فى البيت لما بي من الهم والحياء فانزل اللّه تعالى سورة المنافقين فى تصديق زيد وتكذيب عبد اللّه بن أبى فلما نزلت أخذ رسول اللّه صلعم بإذن زيد وقال يا زيد ان اللّه صدقك واوفى بإذنك قالوا فلما نزلت الآية وبان كذب عبد اللّه بن أبى قيل له يا أبا خباب انه قد نزل فيك آي شداد فاذهب إلى رسول اللّه صلعم يستغفر لك فلوى راسه قال أمرتموني ان أومن
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 306
فامنت فامرتمونى ان اعطى زكوة مالى فقد أعطيت فما بقي الا ان اسجد لمحمد فانزل اللّه وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يستغفر لكم رسول اللّه لووا رؤسهم الآية ولما دخل ابن أبى المدينة لم يلبث الا أياما قلائل حتى اشتكى ومات (فائده) كانت تلك الوقعة فى شعبان سنة ست كذا قال ابن اسحق وبه جزم خليفة بن خياط والطبري وقال قتادة وعروة كانت فى شعبان سنة خمس وفى ذلك الوقعة تزوج رسول اللّه صلعم جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار روى محمد بن اسحق واحمد وأبو داود ومحمد بن عمر عن عائشة قالت كانت جويرية امرأة حلوة ملاحة لا يكاد يراها أحدا لا أخذت بنفسه فبينا النبي صلعم عندى على الماء إذ دخلت جويرية تساله فى كتابتها(1/6568)
فو اللّه ما هو ان زيتها فكرهت دخولها على النبي صلعم وعرفت انه سيرى منها مثل الذي رايت فقالت يا رسول اللّه انى امرأة مسلمة اشهد ان لا اله الا اللّه وانك رسول اللّه وانا جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار سيد قومه أصابنا من الأمر ما قد علمت ووقعت فى سهم ثابت بن قيس ابن شماس وابن عمه فتخلصنى من ابن عمه يتخلدت بالمدينة فكاتبنى على ما لا طاقة لى ولا بد ان وما اكرينى الا انى رجوتك صلعم فاعنى فى مكاتبتى فقال رسول اللّه صلعم أو خير من ذلك فقالت ما هو يا رسول اللّه قال أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك فقالت نعم يا رسول اللّه قد فعلت فارسل رسول اللّه صلعم إلى ثابت بن قيس فطلبها منه فقال ثابت هى لك بابى وأمي فادى رسول اللّه صلعم ما كان من كتابتها وأعتقها وتزوجها وخرج إلى الناس ورجال بنى المصطلق قد اقتسموا وملكوا وطى نسائهم فقال المسلمون اصهار رسول اللّه صلعم فاعتقوا ما بايديهم من ذلك الشيء قالت عائشة فاغتق ماية أهل بيت بتزويج رسول اللّه صلعم إياها فلا امرأة أعظم بركة على قومها منها روى محمد بن عمر عن حرام بن هشام بن عروة عن أبيه قال قالت جويرية رايت قبل قدوم النبي صلعم بثلاث ليال كان القمر يسير من يثرب حتى وقع فى حجرى فكرهت ان أخبرها أحدا من الناس حتى قدم رسول اللّه صلعم فلما سبينا رجوت الرؤيا فلما أعتقني وتزوجنى فو اللّه ما كلمت فى قومى حتى كان المسلمون هم الذين أرسلوهم وما شعرت الا بجارية من بنات عمى تخبرني الخبر فحمدت اللّه ثم روى الحافظ بن عايد انه اقبل الحارث بن أبى ضرار أبو جويرية فى فدائها فلما كان بالعقيق نظر إلى ابله التي يفدى بها ابنته فرغب فى بعيرين منها كانا من أفضلها تغيبهما فى شعب من شعاب العقيق ثم اقبل إلى رسول اللّه صلعم فقال يا محمد أصبتم ابنتي وهذا فدائها فقال رسول اللّه صلعم فاين البعيرين الذين غيبت بالعقيق يشعب كذا وكذا فقال الحارث اشهد انك رسول اللّه التفسير(1/6569)
المظهري ، ج 9 ، ص : 307
و لقد كان منى فى البعيرين وما اطلع على ذلك الا اللّه تعالى فاسلم وروى محمد بن عمر فكان أبو سعيد يقول فقدم علينا وافدهم فافتدوا الذرية والنساء ورجعوا إلى بلادهم (فائده) فيما سبق من القصة ان النبي صلعم دعاهم إلى الإسلام قبل القتال وروى الشيخان عن ابن عون كتبت إلى نافع اساله عن الدعاء قبل القتال فكتب إلى انما كان ذلك فى أول الإسلام قد أغار رسول اللّه صلعم على بنى المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسقى على الماء فقتل مقاتلهم وسبى ذراريهم الحديث وفيه حدثنى هذا الحديث عبد اللّه بن عمرو كان فى ذلك الجيش
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ عبد اللّه بن أبى وأصحابه قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ الشهادة اخبار عن علم من الشهود وهو الحضور والاطلاع ولذلك صدق اللّه سبحانه المشهود به وكذبهم فى الشهادة لعدم صدور ذلك الاخبار عن علم يقينى فقال وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ اللّه وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ فى اخبارهم ان هذا القول صادر عن علمهم وإذعانهم حتى يصدق على هذا القول لفظ الشهادة هذا على تقدير كون كلمة تشهد اخبار أو اما لو قيل انه إنشاء للشهادة فهو لا يحتمل الصدق والكذب والمشهود به اعنى قولهم انك لرسول اللّه كلام صادق البتة لا ريب فيه فمعنى قوله واللّه يشهد ان المنفقين لكاذبون انهم كاذبون فى زعمهم واللّه اعلم وزعم النظام من المعتزلة ان الصدق ما طابقته الاعتقاد والكذب ما لم يطابقه مستدلا بهذه الآية وليس كما قال.(1/6570)
اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ يعنى حلفهم الكاذب أو شهادتهم هذه فانها من ألفاظ الحلف جُنَّةً وقاية عن القتل والسبي والجملة صفة لكاذبون أو مستانفة فَصَدُّوا صدودا أى اعرضوا وامتنعوا وصدوا صدا أى صرفوا ومنعوا الناس عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أى الدخول فى دين الإسلام إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ من نفاقهم وصدهم.
ذلِكَ الحال من النفاق واتخاذ الايمان جنة والصد بِأَنَّهُمْ أى بسبب انهم آمَنُوا ظاهرا عند المؤمنين ثُمَّ كَفَرُوا إذا خلو إلى شياطينهم أو أمنوا إذا رأو اية ثم كفروا إذا سمعوا من شياطينهم شبهة فَطُبِعَ عطف على كفروا يعنى طبع اللّه عَلى قُلُوبِهِمْ بحيث سلب عنها ادراك الحق فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ حقيقة الايمان الفاء للسببية.
وَإِذا رَأَيْتَهُمْ عطف على اتخذوا تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ ط لضخامتها وصباحتها وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ط فتحسب انه صدق قال ابن عباس كان ابن أبى جسيما فصيحا ذلق اللسان فإذا قال سمع النبي صلعم قوله كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ قرأ أبو عمرو والكسائي وقنبل بسكون
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 308
الشين على التخفيف أو على انه كبدن جمع بدنة والباقون بضمها على وزن اسد مُسَنَّدَةٌ ط جملة التشبيه حال من الضمير المجرور فى قولهم أى يسمع لقولهم حال كونهم مشبهين بأخشاب منصوبة مسندة إلى الحيطان فى كونهم أشباحا خالية عن العلم والعرفان والعقل السليم يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْه ِمْ(1/6571)
ط أى واقعة عليهم لما فى قلوبهم من الرعب وقيل ذلك لكونهم على وجل من ان يظهر نفاقهم ويباح دمائهم فلا يسمعون صحة فى العسكر بان نادى منادا وانفلتت دابة أو أنشدت ضالة الا ظنوا انه امر بقتلهم وأدركوا فعلى هذا عليهم مفعول ثان ليحسبون وجاز ان يكون عليهم ظرفا لغوا متعلقا بصيحة والمفعول الثاني هُمُ الْعَدُوُّ وعلى هذا الضمير راجع إلى الكل وجمعه بالنظر إلى الخبر لكن ترتب قوله فَاحْذَرْهُمْ يابى عن هذا التأويل بل هو قرينة على ان ضميرهم العدو راجع إلى المنافقين يعنى هم الكاملون فى العداوة امر اللّه سبحانه بالحذر عنهم يعنى لا تصاحبهم ولا تامنهم لأنه من خاف على نفسه كثيرا يكون كاملا فى العداوة لا يبالى بايصال الشر بمن يخاف منه قاتَلَهُمُ أى لعنهم اللَّهُ دعاء وطلب من ذاته ان يلعنهم وتعليم للمؤمنين ان يدعوا عليهم بذلك أَنَّى يُؤْفَكُونَ أى كيف يصرفون عن الحق أخرج ابن جرير وقتادة وابن المنذر عن عكرمة مثله وقد ذكرنا سابقا فى القصة انه قيل لعبد اللّه بن أبى لو أتيت النبي صلعم فاستغفر لك فجعل يلوى راسه فنزلت.
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ مجزوم على جواب الأمر لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا جزاء للشرط قرأ نافع ويعقوب بالتخفيف والباقون بالتشديد اشعارا بانهم فعلوها مرة بعد اخرى يعنى اعرضوا واعطفوا رُؤُسَهُمْ استكبارا عن ذلك وَرَأَيْتَهُمْ أيها الحاضر عند ذلك القول يَصُدُّونَ صدودا أى يعرضون عن الاستغفار وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ عن الاعتذار حال من فاعل يصدون أخرج ابن المنذر عن عروة ومجاهد وقتادة مثله انه لما نزلت استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر اللّه لهم قال النبي صلعم لا زيدن على سبعين فانزل اللّه تعالى.(1/6572)
سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ استغفرت مع ما عطف عليه بتأويل المصدر مبتداء وسواء خبره والمعنى استغفارك لهم وعدمه مستو عليهم وقوله لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ط بيان للاستواء واخرج ابن المنذر من طريق العوفى عن ابن عباس قال لما نزلت اية براءة قال النبي صلعم اسمع أبى وقد رخص لى فيهم فو اللّه لاستغفرن اكثر من سبعين مرة لعل اللّه يغفر لهم فنزلت هذه الآية إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 309
الخارجين من مظنة الاستصلاح لانهما كهم فى الكفر والنفاق.
هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ للانصار تعليل لعدم الغفران لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ يعنى جهجاه وأمثاله من فقراء المهاجرين حَتَّى يَنْفَضُّوا ط يتفرقوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ أى نعماء الجنة والمطر وتقدير الرزق وَالْأَرْضِ من الأرزاق وبيده ملكوت كل شىء لا يعطى أحد أحدا أشياء الا باذنه وتقديره ولا يمنعه الا بمشيته والجملة حال من فاعل يقولون وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ ذلك لجهلهم باللّه وقدرته ولو فقهوا لما قالوا مثل ذلك.
يَقُولُونَ بدل من يقولون فيما سبق فان عدم الانفاق فى زعمهم موجب لضعف النبي صلعم وضعفه سبب لخروجه من المدينة فكانه امتناعه من الانفاق إخراج أسند اللّه سبحانه هذا القول إلى جميع المنافقين وان كان القائل منهم واحد وهو ابن أبى لرضا الباقين بهذا القول الخبيث لَئِنْ رَجَعْنا من سفرنا هذا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ لا لغيره الْعِزَّةُ الغلبة والقوة حقيقة حال من فاعل يقولون الثاني وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ باعزازه تعالى إياهم واظهار دينه ونصرهم على الأعداء وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ع ذلك لفرط جهلهم وغرورهم.(1/6573)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ لا يشغلكم أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ أى تدبيرها والاهتمام بها عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ج قال المفسرون يعنى الصلوات الخمس واللفظ أعم من ذلك يشهل جميع العبادات وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ الاشتغال المانع من الذكر فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ حيث باعوا الجليل الباقي بالحقير الفاني كان فيما سبق تشنيع المنافقين صريحا وفى هذه الآية وما بعده تعريض بتشنيعهم فان الاشتغال بالأموال والأولاد عن الصلاة وترك الزكوة وسوال تأخير الموت وتمنيه انما هو شان المنافقين لا ينبغى للمؤمنين التشبيه بهم فى شىء من ذلك.
وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ عطف على لا تلهكم قال ابن عباس يريد زكوة الأموال مِنْ قَبْلِ ظرف لا نفقوا أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ أى يرى دلايله وحينئذ يوصى عن أبى هريرة قال قال رجل يا رسول اللّه أى الصدقة أعظم اجرا قال ان تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا وقد كان لفلان متفق عليه فَيَقُولَ رَبِّ بعد الموت ان لم يتصدق فى الحيوة تحسرا لَوْ لا أى هلا أَخَّرْتَنِي
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 310(1/6574)
و قيل لا زائدة ولو للتمنى يعنى لو أخرتني أى أمهلتني فى الدنيا بتأخير الموت إِلى أَجَلٍ أمد قَرِيبٍ غير بعيد فَأَصَّدَّقَ أصله فاتصدق قلبت التاء بالصاد فادغمت منصوب على جواب التحضيض تقديره لو لا كان منك تاخيرى فى الدنيا فتصدق منى وَأَكُنْ قرأ أبو عمرو أكون بالواو منصوبا عطفا على اصدق قالوا انما حذفت الواو فى رسم خط المصحف اختصارا والباقون بغير واو مجزوما على الرسم لتوهم الجزم فى اصدق على تقدير ترك الفاء فكانه عطف على موضع الفاء وما بعده مِنَ الصَّالِحِينَ أى من المؤمنين هذا قول مقاتل وجماعة قالوا أنزلت الآية فى المنافقين وقيل الآية نزلت فى المؤمنين والمراد بالصلاح إتيان الواجبات وترك المنهيات قال البغوي روى الضحاك وعطية عن ابن عباس قال ما من أحد يموت وكان له مال لم يؤد زكوته وأطاق الحج ولم يحج إلا سأل الرجعة عند الموت وقرأ هذه الآية وقال أكن من الصالحين أحج.
وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً أى يمهلها وان تمنى الجملة حال من فاعل فيقول ربّ لو لا أخرتني والعائد وضع المظهر موضع المضمر إِذا جاءَ أَجَلُها وانتهى عمرها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ فجاز عليه قرأ أبو بكر بالياء على الغيبة ليوافق ما قبله والباقون بالتاء للخطاب واللّه تعالى أعلم .
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 311
سورة التّغابن
مدنية وهى ثمانى عشرة اية وفيها ركوعان
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ قد مر تشريحها لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ قدم الظرفان للدلالة على الحصر والجملة الظرفية حال من اللّه وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ لان نسبة ذاته المقتضية للقدرة إلى كل ممكن على السواء.(1/6575)
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ط يعنى خلقكم اللّه تعالى ثم صار بعضكم كافرا وبعضكم مؤمنا يدل على ذلك فاء التعقيب كما فى قوله تعالى واللّه خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشى على بطنه ومنهم من يمشى على رجلين الآية وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ من الايمان والكفر والطاعة والمعصية بَصِيرٌ فيجازيكم عليه ليس فى هذه الآية دليل للمعتزلة على ان الايمان والكفر ليسا بتقدير اللّه تعالى ولا مخلوقا له بل مخلوقا للعبد فان الأشياء كلها مقدرة فى الأزل قال اللّه تعالى كُلَّ شَيْ ءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ وافعال العباد التي فيه نوع اختيار للعبد حيث يسمى العبد كاسبا لها ويترتب عليها الثواب أو العذاب كلها مخلوقة للّه تعالى قال اللّه تعالى خلقكم وما تعملون هذا هو المذهب الصحيح الذي انعقد عليه اجماع الصحابة ومن بعدهم لا يجوز تاويل الآيات على خلاف هذا المذهب فانها مفضية إلى النار قال اللّه تعالى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ عن انس بن مالك قال وكل اللّه بالرحم ملكا فيقول أى رب نطفة أى رب علقة أى رب مضغة فإذا أراد اللّه ان يقضى خلقها قال رب إذ كرام أنثى أشقى أم سعيد فما الرزق فما الاجل فيكتب كذلك فى بطن امه رواه البخاري وفى الصحيحين عن ابن مسعود مرفوعا نحو ذلك وفى آخره فو الذي لا اله غيره ان أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيدخلها وروى مسلم عن عبد اللّه بن عمرو مرفوعا كتب اللّه مقادير الخلائق قبل ان يخلق السموات والأرض بخمسين الف سنة قال وعرشه على الماء وفى الباب أحاديث كثيرة وروى عن ابن عباس فى تفسير الآية انه قال ان اللّه خلق بنى آدم مؤمنا وكافرا ثم يعيدهم كما خلقهم مؤمنا وكافرا يعنى خلقهم مقدرا من بعضهم كفره موجها إليه ما يحمله عليه ومن بعضهم(1/6576)
إيمانه موفقا لما يدعوه إليه روى البغوي عن ابن عباس عن أبى بن كعب قال قال رسول اللّه صلعم ان الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا وقال
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 312
اللّه تعالى ولا يلدوا الا فاجرا كفارا.
خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ متلبسا بالحكمة البالغة دالة على صانع حكيم وَصَوَّرَكُمْ أيها الناس فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ من ساير الحيوانات ظاهرا وباطنا وزينكم بأحسن أوصاف الكائنات صالحا للعلم والعقل والمعرفة وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ فلا تضيعوا استعدادكم باختيار الرذائل فتحشرون على أقبح الصور.
يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ راى بالاسرار والمعتقدات التي فى الصدور ولا يخفى عليه ما يصلح ان يعلم كليا كان أو جزئيا لان نسبته بكل شىء على السواء قدم ذكر القدرة على العلم لان دلالة المخلوقات على قدرة الخالق اولا وبالذات وعلى علمه بما فيها من الإتقان والاختصاص ببعض الانحاء وتكرير ذكر العلم بمنزلة تكرير الوعيد على إتيان ما يخالف امره ورضاه وقوله يعلم مع ما عطف عليه خبر ثالث لقوله هو فى هو الذي خلقكم.
أَ لَمْ يَأْتِكُمْ يا أيها الكفار نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ أى قبلكم قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط واصحاب الايكة وغيرهم فَذاقُوا عطف على كفروا والفاء للسببية وَبالَ أَمْرِهِمْ أى ضرر كفرهم فى الدنيا وأصله الثقل ومنه الوبيل للطعام الثقيل والوابل للمطر الثقيل وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فى الاخرة.(1/6577)
ذلِكَ العذاب فى الدنيا والاخرة بِأَنَّهُ أى بسبب انه كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ بالمعجزات والدلائل الواضحة فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا البشر اسم جنس يطلق على الواحد والكثير ولما كان المراد هاهنا الجمع قال يهدوننا ولم يقل يهدينا استفهام للانكار أنكروا وتعجبوا من كون البشر رسلا من اللّه هداة إليه فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا عن التدبر فى المبينات وَاسْتَغْنَى اللَّهُ عن كل شىء فضلا عن طاعتهم وانما كان إرسال الرسل تفضلا ومنة من اللّه تعالى عليهم والراضي بالضرر لا يستحق النظر وَاللَّهُ غَنِيٌّ من كل شىء حَمِيدٌ فى نفسه لا يحتاج إلى من يحمده.
زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا تقديره انهم لن يبعثوا ان مع جملتها قائم مقام مفعول زعم والزعم ادعاء العلم قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ بيان لقوله بلى أكد الجواب بالقسم ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ من الخير والشر يعنى تحاسبون وتخبرون بأعمالكم وَذلِكَ البعث والحساب عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لا مكان الموعود وكمال القدرة.
فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ محمد تفريع على وجوب البعث وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا يعنى القرآن فانه باعجازه ظاهر الحقيقة بنفسه مظهر لغيره من الشرائع والاحكام
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 313
و الاخبار وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ مجاز عليكم.(1/6578)
يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ الظرف لمضمون بما تعملون خبير يعنى مجازيكم فى ذلك اليوم أو لقوله تعالى لتنبئون أو مقدر باذكر قرأ يعقوب نجمعكم بصيغة المتكلم لِيَوْمِ الْجَمْعِ يعنى يوم القيامة يجمع فيه الملائكة والثقلان كلهم أولهم وآخرهم واللام للتعليل والمعنى يجمعكم لاجل ما يكون فى يوم الجمع من الحساب والجزاء ذلِكَ اليوم يَوْمُ التَّغابُنِ ط تفاعل من الغبن يغبن فيه بعضهم بعضا لنزول السعداء فى الجنة مكان الأشقياء لو كانوا سعداء ولا عطاء المظلوم من حسنات الظالم عوض مظلمته مستعار من تغابن التجار اللام فيه للعهد يعنى يوم التغابن الحقيقي دون التغابن الدنيوي أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جزير والحاكم وصححه عن أبى هريرة قال يرثون أى المؤمنون مساكنهم ومساكن إخوانهم يعنى الأشقياء التي أعدت لهم لو أطاعوا اللّه واخرج سعيد بن منصور وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردوية والبيهقي فى البعث بسند صحيح عن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلعم ما منكم من أحد الا وله منزلان منزل فى الجنة ومنزل فى النار فإذا مات فدخل النار ورث أهل الجنة منزله فذلك قوله تعالى أولئك هم الوارثون وفى الصحيحين من حديث انس ان العبد إذا وضع فى قبره أتاه ملكان فيقولان ما كنت تقول فى هذا الرجل محمد صلعم فاما المؤمن فيقول اشهد انه عبد اللّه ورسوله فيقال له انظر إلى مقعدك من النار قد أبدل اللّه به مقعدا من الجنة الحديث واخرج ابن ماجة عن انس قال قال رسول اللّه صلعم من فرمن ميراث وارثه قطع اللّه ميراثه من الجنة وروى مسلم والترمذي عن أبى هريرة ان رسول اللّه صلعم قال أ تدرون من المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع قال ان المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلوة وصيام وزكوة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فان قنت(1/6579)
حساته قبل ان يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم وطرحت عليه ثم طرح فى النار وروى البخاري عنه عن النبي صلعم قال من كان عنده مظلمة لاخيه فليحلله منها فى الدنيا فانه ليس ثمه دينار ولا درهم ان كان عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وان لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه وفى حديث أبى هريرة مرفوعا عند الطبراني ما يوجد ثمه دوانق ولا قرار يط؟؟؟ ولكن حسنات هذا يدفع إلى هذا الذي ظلمه وسيئات هذا الذي ظلمه يوضع عليه وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ عملا صالِحاً
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 314
يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً
ط قرأ نافع وابن عامر نكفر وندخل بالنون على التكلم والباقون بالياء التحتية على الغيبة وكذا فى سورة الطلاق يدخله ذلِكَ أى مجموع الامرين الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لأنه جامع لدفع المضار وجلب المنفعة.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ النار كان الآيتين بيان التغابن وتفصيل له ان تفصيل لغاية الجمع المفهوم من يوم الجمعة تقسيم له.(1/6580)
ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ من زائدة ومصيبة فى محل الرفع فاعل أصاب يعنى ما أصاب مصيبة أحدا من الناس بشئ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ط أى بتقديره وإرادته وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ ويصدق انه ما أصابه من مصيبة الا بإذن اللّه ويعلم ان ما أصابك لم يكن ليخطيك وما أخطأك لم يكن ليصيبك يَهْدِ اللّه قَلْبَهُ ط أى يوفقه للصبر والرضا والتسليم عن ابن الديلمي قال أتيت أبى بن كعب فقلت له قد وقع فى نفسى شىء من القدر فحدثنى لعل اللّه يذهبه من قلبى فقال ان اللّه لو عذب أهل سمواته واهل ارضه عذبه وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم ولو أنفقت مثل أحد ذهبا فى سبيل اللّه ما قبله اللّه منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم ان ما أصابك لم يكن ليخطيك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ولو مت على غير هذا لدخلت النار ثم أتيت عبد اللّه بن مسعود فقال مثل ذلك قال ثم أتيت حذيفة بن اليماني فقال مثل ذلك ثم أتيت زيد بن ثابت فحدثنى عن النبي صلعم مثل ذلك رواه احمد وأبو داود وابن ماجة وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ حتى القلوب وأحوالها.
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ج عطف على قوله أمنوا باللّه وما بينهما معترضات فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ عن طاعة اللّه ورسوله والفاء للسببية فان تبلغ الأمر بالايمان والطاعة سبب لقوله ان توليتم فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا محمد الْبَلاغُ الْمُبِينُ يعنى توليكم لا يضر محمدا شيئا إذ ليس الواجب عليه الا التبليغ وقد بلغ وضرر التولي يعود عليكم.(1/6581)
اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الجملة فى محل التعليل للامر بالايمان والطاعة وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ عطف على أمنوا وأطيعوا أو فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة تقديره أمنوا وأطيعوا اللّه وعليه فليتوكلوا قدم الظرف للحصر فان حصر الخير والشر كما كان بتقديره وجب حصر التوكل عليه دون غيره وغير الأسلوب للدلالة على ان الايمان يقتضى التوكل لما ذكرنا هذا على تقدير كون الظرف متعلقا بما بعده وجواز تقديم الظرف على الفاء الجزائية
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 315
لتوسع فى الظرف والا فهو متعلق بفعل مقدر يفسره ما بعده وتقديره وان كنتم متوكلين على أحد فتوكلوا على اللّه فليتوكل المؤمنون عليه فحينئذ تكرير الأمر بالتوكل تأكيد أو اشعار بان الايمان يقتضى التوكل أخرج الترمذي والحاكم وصححاه عن ابن عباس أن رجالا من أهل مكة اسلموا فابوا أزواجهم وأولادهم ان يدعوهم يعنى للهجرة إلى المدينة قال البغوي منعهم أزواجهم وأولادهم وقالوا صبرنا على إسلامكم ولا نصبر على فراقكم فاطاعوهم فتركوا الهجرة فانزل اللّه تعالى.(1/6582)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ حيث يشغلكم عن طاعة اللّه فَاحْذَرُوهُمْ ج ولا تامنهم غوايلهم وشرهم ولا تطيعوهم حتى تدعوا الهجرة قال ابن عباس فيما روى عنه الترمذي والحاكم ثم انهم لما أتوا المدينة وقدموا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم راوا الناس قد فقهوا فى الدين فهموا ان يعاقبوهم يعنى الأزواج والأولاد والذين ثبطوهم عن الهجرة فانزل اللّه تعالى وَإِنْ تَعْفُوا منهم إذا اطلعتم على عداوة ولا تقاتلوهم بمثلها وَتَصْفَحُوا أى تعرضوا عن التوبيخ وَتَغْفِرُوا ذنوبهم وجملة ان تعفوا مع ما عطف عليه معطوفة على جملة ان من أزواجكم وأولادكم فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يعنى ان تعفوا وتغفروا يغفر اللّه لكم ويرحمكم أخرج ابن جرير عن عطاء بن يسار قال نزلت سورة التغابن كلها بمكة الا هؤلاء الآيات يايها الذين أمنوا ان من أزواجكم وأولادكم نزلت فى عوف بن ملك الأشجعي كان ذا أهل وولد وكان إذا زاد الغزو بكوا إليه ورققوه فقالوا إلى من تدعنا فرق ويقيم فنزلت هذه الآية وبقية الآيات إلى اخر السورة بالمدينة ينى؟؟؟ انهم اعداء لكم يحملكم على ترك الطاعة والجهاد فاحذروهم ان تقبلوا منهم وان تعفوا وتصفحوا وتغفروا فلا تعاقبوهم على خلافهم إياكم يغفر اللّه ان اللّه غفور رحيم.
َّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ(1/6583)
يعنى ابتلاء من اللّه تعالى واختبار لكم فمن ادى حقوق اللّه تعالى وحقوق الناس مع كثرة العلائق والعوائق بعثه اللّه تعالى على منازل الأبرار وكان أفضل ممن أذى بلا عوايق ومن ثم راجع أهل السنة ان خواص البشر اعنى الأنبياء أفضل من خواص الملائكة وعوامهم اعنى الأولياء والصلحاء أفضل من عوامهم إذ لا عايق للملائكة عن طاعة اللّه تعالى ومن شغله الأموال والأولاد عن طاعة اللّه تعالى وأداء الحقوق وبعثه على ارتكاب المعاصي وناول الحرام رده اللّه إلى أسفل السافلين اللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
فاطلبوه واثروا محبته على محبة الأموال والأولاد والسعى لهم فائده ذكر اللّه سبحانه عداوة
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 316
الأزواج والأولاد وأورد هناك من التبعيضية لان بعض الأزواج والأولاد ليسوا كذلك ولم يورد من التبعيضية فى كونهم فتنة واختبارا لانها لا يخلو عن اشتغال القلب وقد ذكرنا فى سورة الجمعة فى حديث بريدة نزوله صلعم حين راى الحسن والحسين يمشيان ويعثران وحمله إياهما وقوله صدق اللّه انما أموالكم وأولادكم فتنة أخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير قال لما نزلت اتقوا اللّه حق تقاته اشتد على القوم العمل فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتفزحت جباههم فانزل اللّه تعالى تخفيفا للمسلمين.(1/6584)
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ عطف على أمنوا وأطيعوا والفاء للسببية فان الايمان سبب للتقوى يعنى ابذلوا فى تقواه جهدكم وطاقتكم وَاسْمَعُوا مواعظه وَأَطِيعُوا أوامره وَأَنْفِقُوا أموالكم فى سبيله خالصة لوجهه خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ ط منصوب بفعل مقدر يعنى افعلوا ما هو خير لانفسكم من اموال وأولاد فهو تأكيد للحث على امتثال ما سبق من الأوامر أو منصوب على المفعولية بانفقوا الخير المال كما فى قوله تعالى كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ان ترك خير الوصية أو هو صفة لمصدر محذوف يعنى إنفاقا أو خبر لكان المقدر جوابا للامر وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ سبق تفسيره فى سورة الحشر.
إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ اما تقدير المضاف يعنى ان تقرضوا عباد اللّه والمراد به صرف المال فى طاعة اللّه ورجاء من اللّه تعالى الثواب والجزاء قَرْضاً حَسَناً يعنى مقرونا بالإخلاص وطيب النفس بريا من الريا والسمعة والمن والأذى منصوب على المصدرية يُضاعِفْهُ لَكُمْ أى يجعله لكم عشرا إلى سبع مائة أو اكثر قال اللّه تعالى مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل اللّه كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة ماية حبة واللّه يضاعف لمن يشاء واللّه واسع عليم قرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب يضعف من التفعيل والباقون من المفاعلة وَيَغْفِرْ لَكُمْ ببركة الانفاق جملة ان تقرضوا تعليل الأمر بالاتفاق وَاللَّهُ شَكُورٌ يعطى الجزيل بالقليل حَلِيمٌ لا يعاجل بالعقوبة.
عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ يعنى لا يخفى عليه شىء مما غاب عن الناس وما يشاهدونه أو ما هو موجود الان وما وجد قبل ذلك وما سيوجد ولم يوجد بعد الْعَزِيزُ الغالب تام القدرة والعلم الاخبار الخمسة محمولة على اسم اللّه تعالى وجاز ان يكون عالم الغيب والشهادة خبر المبتدأ المحذوف اعنى هو الْحَكِيمُ.
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 317(1/6585)
سورة الطّلاق
مدنية وهى اثنتا عشرة اية وفيها ركوعان
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أخرج الحاكم عن ابن عباس قال طلق عبد يزيد أبو ركانة أم ركانة ثم نكح امرأة مزينة فجاءت إلى رسول اللّه صلعم فقالت يا رسول اللّه ما يغنى عنى الا ما يغنى هذه الشعرة فنزلت
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ قال الذهبي الاسناد واه والخبر خطاء وعبد يزيد لم يدرك الإسلام واخرج ابن أبى حاتم من طريق قتادة عن انس قال طلق رسول اللّه صلعم صفية فاتت أهلها فانزل اللّه تعالى هذه الآية فقيل لها راجعها فانها صوامة قوامة واخرج ابن جرير عن قتادة مرسلا وابن المنذر عن ابن سيرين مرسلا واخرج ابن أبى حاتم عن مقاتل فى هذه الآية قال بلغنا انها نزلت فى عبد اللّه بن عمرو بن العاص وطفيل بن عمرو بن سعيد بن العاص واللّه تعالى أعلم قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ خص النداء بالنبي صلعم وعم الخطاب بالحكم لأنه امام أمة فندائه كندائهم أو لان الكلام معه والحكم يعمهم وقيل مجازة يا أيها النبي قل لامتك إذا طلقتم النساء أى أردتم تطليقهن على تنزيل المشارف له بمنزلة الشارع كما فى قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وإذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ قال الشافعية اللام بمعنى الوقت أى وقت عدتهن وأيده البغوي بانه كان ابن عباس وابن عمر على ان الطلاق فى الحيض حرام لحديث ابن عمر انه طلق امرأته وهى حائض فى عهد رسول اللّه صلعم فذكر عمر لرسول اللّه صلعم فتغيظ رسول اللّه صلعم ثم قال ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فان بدأ له ان يطلقها فليطلقها طاهرا قبل ان يمسها فتلك العدة التي أمرها اللّه ان يطلق بها النساء متفق عليه قال البغوي نزلت هذه الآية فى هذه القصة يعنى طلاق ابن عمر امرأته فى الحيض فيظهر بذلك ان(1/6586)
العدة بالاطهار دون الحيضات والمراد بالقروء فى العدة الاطهار وقالت الحنفية اللام للوقت بمعنى فى غير معهود فى الاستعمال وسيلزم ذلك تقديم العدة الطلاق أو مقارنته لاقتضائه وقوعه فى وقته بل اللام هاهنا للعاقبة على طريقة لدو للموت وابنوا للخراب يعنى طلقوهن حتى تعقبه العدة أو اللام صلة لمحذوف والتقدير طلقوهن مستقبلات لعدتهن يقال فى التاريخ بإجماع أهل العربية خرجت لثلث يقين من رمضان وفى حديث ابن عمر المذكور فى رواية مسلم انه صلى اللّه تعالى عليه وسلم
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 318(1/6587)
تلى إذا طلقتم النساء فيطلقوهن لقبل عدتهن ومعنى قراءة ابن عباس وابن عمرو طلقوهن فى قبل عدتهن أى فى استقبال عدتهن فظهر ان العدة بالحيضات دون الاطهار وقد مر الخلاف فى مسئلة العدة بالحيضات أو الاطهار ومسئلة حرمة الطلاق فى الحيض فى سورة البقر (مسئله) اجمع العلماء أيضا على ان الطلاق فى الطهر الذي جامعها فيه حرام أيضا لقوله صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم فيطلقها طاهرا قبل ان يمس وعلى انه لا يحرم طلاق امرأة حائض لم يدخل بها ولاطلاق صغيرة لم تحض ولا آيسة بعد ما جامعها لان الحرمة لتطويل العدة ولا عدة على غير المدخول بها وعدة الصغيرة والآئسة بالأشهر وذا لا يمتد بالطلاق بعد الجماع أيضا وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ يعنى اضبطوها بالحفظ وامكثوها ثلثة قروء كوامل لئلا يقع الرجعة بعد العدة أو التزوج بزوج اخر قبل انقضاء العدة وكل ذلك لا يجوز وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ج فى تطويل العدة والإضرار بهن لا تُخْرِجُوهُنَّ أى المطلقات رجعيات كن أو بوائن مِنْ بُيُوتِهِنَّ أى من مساكنهن فى وقت الطلاق وهى بيوت الأزواج حتى تنقضى عدتهن وَلا يَخْرُجْنَ باختيارهن ومن هذه الآية يثبت انه لا يجوز للمطلقة مطلقا رجعية كانت أو بائنة الخروج من بيت الزوج ليلا ونهارا الا بضرورة فان الضرورة مستثناة فى العبادات وهى تبيح المحذورات والضرورة مثل انهدام البيت أو خوف السرقة أو عدم وجدان كراء البيت أو ضيق المنزل عليهما أو كون الزوج فاسقا والطلاق بائنا ولم يكن هناك قادر على حيلولة أو نحو ذلك وقال احمد يجوز للمطلقة البائنة ان تخرج من بيتها فى حوايجها نهارا وعن الشافعي كالمذهبين قال البغوي ان كانت لها حاجة من بيع غزل أو شراء قطن أو نحو ذلك يجوز لها الخروج نهارا ولا يجوز ليلا اجماعا احتجوا بحديث جابر قال طلقت خالته فارادت ان تجد نخلها فزجرها رجل ان تخرج فاتت النبي صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم فقال(1/6588)
بلى تجدى نخلك فانه عسى ان تصدقى أو تفعلى معروفا رواه مسلم قال أبو حنيفة حديث الآحاد لا يعارض الآية القطعية غير انها تخرج فى ضرورة ملجئة اجماعا (مسئله) إذا لزمت العدة فى السفر فى
غير موضع الاقامة ان لم يكن بينها وبين مصرها الذي خرجت منه مسيرة سفر رجعت وان كانت تلك فى كل جانب خيرت بين الرجوع والتوجه إلى القصد سواء كان معها ولى أو لا والرجوع اولى ليكون الاعتداء فى منزل الزوج وقيل يختار أقربها وان كانت هاهنا وبين مصرعا مسيرة سفر وبينها وبين المقصد اقل يتوجه إلى المقصد وان كانت فى موضع الاقامة
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 319(1/6589)
تعتد ثمه عند أبى حنيفة رحمه اللّه تعالى وعند أبى يوسف رح ومحمد رح ان كان معها ولى جاز له الرجوع إلى الوطن والمسير إلى المقصد على التفصيل المذكور (مسئله) يجوز للمتوفى عنها زوجها فى العدة الخروج من بيت زوجها نهارا ولا يجوز ليلا وقال الشافعي يجوز مطلقا وقد مر المسألة فى سورة البقر قال البغوي ان رجالا استشهدوا بأحد فقالت نسائهم نستوحش فى بيوتنا فاذن لهن النبي صلعم ان يتحدثن عند إحداهن فإذا كانت وقت النوم تلوى كل امرأة إلى بيتها وذكر فى سورة البقر حديث اخت أبى سعيد الخدري قال لها النبي صلعم فى عدة وفاة زوجها امكثى فى بيتك حتى يبلغ الكتاب اجله إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ط استثناء مفرغ فى محل الظرف أى لا تخرجوهن فى وقت من الأوقات الا وقت ان يأتين قال ابن عمرو السدى وابراهيم النخعي يجوز للفاحشة خروجها من بيتها قبل انقضاء العدة وبه أخذ أبو حنيفة رح قال ابن همام هذا أبدع واغرب يقال فى الخطابيات لا تزنى الا ان تكونى فاحشة ولا تشتم انك الا ان تكون قاطع رحم ونحوه وعلى هذا التأويل استثناء من الثاني وقال ابن مسعود الفاحشة الزنا فتخرج لاقامة الحد عليها ثم ترد إلى منزلها وبه أخذ أبو يوسف قال ابن همام وهذا اظهر من جهة وضع اللفظ لان إلا غاية والشيء لا يكون غاية لنفسه وقال ابن عباس الفاحشة المبينة ان تبذوا على أهل زوجها فيحل إخراجها وكذا قال قتادة ان معناه ان يطلقها على نشوزها وعلى هذين التأويلين استثناء من الأول يعنى لا تخرجوهن وَتِلْكَ الاحكام المذكورة حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ بان عرضها للعقاب لا تَدْرِي أيها الخاطب وجملة لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً فى تاويل المفرد مفعول للاتدرى أى لا تدرى حدوث امر بعد ذلك تعليل لقوله احصوا العدة ولا تخرجوهن والمعنى لعل اللّه يحدث بعد بغضها وارادة(1/6590)
فراقها والرغبة عنها فى قلب زوجها محبتها والرغبة فيها فتندمون على الطلاق وتريدون الرجعة.
فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ الضمير راجع إلى الرجعيات من المطلقات وذكر حكم خاص ببعض ما تناوله الصدر لا يبطل عموم الصدر كما فى قوله تعالى والمطلقات يتربّصن بانفسهن ثلثة قروء إلى قوله بعولتهن أحق بردهن والمعنى قرين من انقضاء عدتهن فَأَمْسِكُوهُنَّ أى راجعوهن بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ فتبين منكم من غير ضرار بان يراجعها ثم يطلقها تطويلا للعدة وَأَشْهِدُوا على الرجعة أو الفرقة ذَوَيْ عَدْلٍ
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 320(1/6591)
مِنْكُمْ تبريا عن الريبة وقطعا للتنازع والأمر بالإشهاد امر استحباب ولا يشترط الشهود للرجعة عند أبى حنيفة ومالك واحمد فى رواية وعند الشافعي فى أصح قوليه وفى قول للشافعى ورواية احمد يشترط الشهود للرجعة والأمر امر إيجاب قلنا أيضا الاشهاد على الطلاق ليس بواجب اجماعا فالامر للاستحباب كما فى قوله تعالى واشهدوا إذا تبايعتم ولا يمكن ان يكون الأمر للوجوب فى حق الرجعة وللاستحباب فى حق الفرقة والا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ أيها الشهود إذا دعيتم إليها لِلَّهِ أى خالصا لوجهه لا لغرض دنيوى ذلِكُمْ الذي ذكر يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ط فانه هو المنتفع به والمقصود تذكيره أخرج ابن مردوية من طريق الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس قال جاء عوف ابن مالك الأشجعي فقال يا رسول اللّه ان ابني اسره العدو جزعت امه فما تأمرني قال أمرك وإياها ان تستكثر من قول لا حول ولا قوة الا باللّه فقالت المرأة نعم ما أمرك فجعلا يكثران فغفل عنه العدو فاستاق غنمهم فجاء بها إلى أبيه قال البغوي وهى اربعة آلاف شاه فنزلت ومن يتق اللّه الآية قال البغوي اتى عوف بن مالك النبي صلعم فقال يا رسول اللّه اسرا العدو ابني وشكى إليه أيضا الفاقة فقال النبي صلعم اتق اللّه واصبر واكثر من قول لا حول ولا قوة الا باللّه ففعل الرجل ذلك فبينما هو فى بيته إذ أتاه ابنه وقد غفل عنه العدو فاصاب ابلا فجاء بها إلى أبيه واخرج ابن جرير مثله عن سالم بن أبى الجعد والسدى وأخرجه الحاكم من حديث ابن مسعود واخرج أيضا عن جابر قال نزلت فى رجل من أشجع كان فقيرا خفيف ذات اليد كثير العيال فذكر مثله واخرج الخطيب فى تاريخه من طريق جرير عن الضحاك عن ابن عباس وأخرجه الثعلبي من وجه اخر ضعيف وابن أبى حاتم من وجه اخر مرسل فقد صح الحديث بكثرة الشواهد فلا بأس بما قال الذهبي(1/6592)
فى حديث جابر انه حديث منكر ومعنى الآية وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فى المصيبة والبلاء فيصبر ويترك الجزع وارتكاب المحرم يَجْعَلْ اللّه لَهُ مَخْرَجاً من ذلك البلاء والمصيبة.
وَيَرْزُقْهُ بعد فقره رزقا حلالا مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ط كما رزق الأشجع عن عبد اللّه بن مسعود قال قال رسول اللّه صلعم من انزل به فاقة فانزلها لم يسد فاقته ومن نزلت به فاقة فانزلها باللّه فيوشك اللّه ان يرزق عاجلا أو أجلا رواه أبو داود والترمذي وصححه هو والحاكم الا انه قال أو شك اللّه له بالغنى اما بموت
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 321(1/6593)
عاجل أو غنى وعن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلعم من جاء أو احتاج فكتمه الناس وأقضي به إلى اللّه كان حقا على اللّه ان يفتح له قوت سنة من حلال (فائدة) قال البغوي قال مقاتل أصاب ابنه يعنى عوف بن مالك الأشجعي غنما ومتاعا ثم رجع إلى أبيه فانطلق أبوه إلى النبي صلعم وأخبره الخبر وساله أ يحل له ان يأكل ما اتى به ابنه فقال النبي صلعم نعم فانزل اللّه تعالى هذه الآية (فائدة) اختار المجدد لجلب المنافع ودفع المضار الدينية والدنيوية إكثار لا حول ولا قوة الا باللّه وعين فى مقدار الإكثار ان يقرأها فى كل يوم خمسمائة مرة ويصلى على النبي صلعم قبله ماية مرة وبعده مايه مرة وقد قال رسول اللّه صلعم من أنعم اللّه عليه نعمة فاراد بقاءها فليكثر من قول لا حول ولا قوة الا باللّه رواه الطبراني من حديث عقبة بن عامر وفى الصحيحين عن أبى مولى مرفوعا انها كنز من كنوز الجنة وفى رواية للنسائى من قال لا حول ولا قوة الا باللّه كان دواء من تسعة وتسعين داء أيسرها الهم (مسئله) إذا دخل المسلم دار الحرب أسيرا أو سارقا مختفيا بلا أمان واستولى على مال حربى بسرقتا وغصب أو غير ذلك واحرزه بدار الإسلام ملكه ملكا حلالا وليس عليه إخراج الخمس وان وضع عنده حربى ماله امانة أو دخل دار الحرب بامان تاجرا أو سياحا واستولى على ما لهم واحرزه بدار الإسلام ملكه بملك حرام لاجل الغدر ونقض العهد ولا خمس عليه وان أخذ ما لهم عنوة فحكمه حكم الغنيمة يجب فيه الخمس واللّه تعالى أعلم قال البغوي قال عكرمة والشعبي والضحاك معنى الآية ومن يتق اللّه فيطلق للسنة يجعل له مخرجا إلى الرجعة وقال ابن مسعود من يتق اللّه يجعل له مخرجا من كل شىء ضاق على الناس وقال أبو العالية مخرجا من شدة وقال الحسن مخرجا عما نهاه عنه قلت نظم الآية يطابق قصة الأشجعي ويفيد الحكم العام بحيث يناسب سياق السورة والجملة اعتراضية موكدة لما سبق(1/6594)
يعنى من يتق اللّه من الرجال ولم يظلم على زوجة بالنشوز والعدوان إذا أراد الفراق لنشوزها أو لغرض صحيح اخر ولم يطلق فى الحيض ولا قصد اضرارها بتطويل العدة وغير ذلك ولا أخرجها من المسكن ولم يتعد حدود اللّه يجعل له مخرجا من المعصية ومن سوء معاشرتها ويرزقه بدلا منها زوجة صالحة لم يخطر باله وكذا فى المرأة إذا اتقت اللّه فلم تظلم زوجها بالنشوز وطلب الطلاق بلا إضرار منه أو صبرت على إيذائه يجعل لها مخرجا منه ويرزقها من الطعام ومن الرجال بعلا صالحا من وجه لا يخطر ببالها وتفيد حكما عاما لعامة المتقين بالخلاص عن مضار الدارين والفوز بخيرهما ومن ثم
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 322
قال قال رسول اللّه صلعم انى لاعلم اية لو أخذ الناس بها لكفتهم ومن يتق اللّه يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب رواه احمد وابن ماجة والدارمي من حديث أبى ذر وكذا روى ابن حبان فى صحيحه والحاكم وزاد فما زال عليه السلام يقرأها ويعيدها وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ أى كافيه فيما يهمه عن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول اللّه ص يقول لو انكم توكلتم على اللّه حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا اخماصا وتروح بطانا رواه الترمذي وابن ماجة وعن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم يدخلون الجنة من أمتي سبعون الفا بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا تيطيرون وعلى ربهم يتوكلون متفق عليه وزاد فى رواية ولا يكتوون إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ يبلغه على ما يريده ولا يفوته مراده لا يرد قضاءه قرأ حفص بالغ بالاضافة بغير تنوين وامره بالجر والباقون بالتنوين ونصب(1/6595)
امره قال مسروق ان اللّه بالغ امره توكل عليه أو لم يتوكل غير ان المتوكل عليه يكفر عنه سياته ويعظم له اجرا قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْ ءٍ قَدْراً أى تقديرا ومقدارا وفيه تقدير لما تقدم من تاقيت الطلاق بزمان والعدة والأمر بإحصائها وتمهيد لما سياتى من مقاذيرها أو المعنى جعل لكل شىء من الشدة والرخاء أجلا ينتهى إليه لا يتاتى تغييره ولا يفيد الجزع فيه فهو بيان لوجوب التوكل ويناسب هذا التأويل قول مسروق واخرج ابن جرير واسحق بن راهويه والحاكم وغيرهم بسند صحيح عن أبى بن كعب قال لما نزلت الآية فى سورة البقر فى عدة النساء قالوا قد بقي عدد من النساء لم يذكرن الصغار والكبار وأولات الأحمال فانزلت.
وَاللَّائِي مر اختلاف القراء فى سورة المجادلة يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مصدر ميمى بمعنى الحيض مِنْ نِسائِكُمْ يعنى اللاتي لا يرجون الحيض لكبرهن وقدرها بعض العلماء بخمس وخمسين سنة وبعضهم بستين سنة إِنِ ارْتَبْتُمْ أى شككتم فى عدتهن كان فى هذا الشرط اشارة إلى ان عدة اللائي يئسن واللائي لم يحضن يمكن استنباطها من قوله تعالى والمطلقات يتربصن بانفسهن ثلثة قروء فان ثلثة قروء غالبا يوجد فى ثلثة أشهر فإذا لا يوجد القروء يجب رعاية زمان يوجد فيه غالبا القروء الثلاثة كما ان العلماء حكموا بالبلوغ بمضى خمسة عشر سنة أو سبعة عشر سنة أو نحو ذلك لعدم خلو هذا السن من البلوغ غالبا وكما ان الشرع اقام حولان الحول على المال فى وجوب الزكوة مقام النماء لوجود النماء غالبا فى الحول وله نظائر كثيرة مثل تقدير الا ياس بالسنين فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ الآية
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 323(1/6596)
اخرج مقاتل فى تفسيره ان خلاد بن عمر بن الجموح سال النبي صلعم عن عدة التي لا تحيض فنزلت هذه الآية وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ سواء كانت صغيرة أو مراهقة أو بالغة بالسن مبتدأ خبره محذوف دل عليه ما سبق يعنى كذلك عدتهن ثلثة أشهر قوله واللّائي يئسن مع ما عطف عليه معطوف على مفهوم قوله تعالى طلقوهن لعدتهن واحصوا العدة فان الاضافة فى لعدتهن ولام التعريف فى العدة للعهد أى عدتهن المعهودة المعلومة من قوله تعالى والمطلقات يتربصن بانفسهن ثلثة قروء فدلت الاضافة واللام على ان عدة اللائي يحضن من المطلقات ثلثة حيض فعطف عليه هذه الآية مختصة بالمطلقات الحرائر اجماعا سواء كن رجعيات أو بائنات أو مختلعات مسلمات أو كتابيات تحت مسلم واما الإماء قنات أو مكاتبات أو مدبرات فعدتهن إذا لم تكن من ذوات الأقراء فنصب عدة الحرائر اعنى شهرا ونصف شهر بالإجماع وقد ذكرنا فى سورة البقر طلاق الامة طلقتان وعدتها حيضتان ولما كان الحيض والطلاق غير متجز كملنا والشهر متجز فصار شهرا ونصف شهر روى الشافعي ثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عبد الرحمن مولى أبى طلحة عن سلمان بن يسار عن عبد اللّه بن عتبة عن عمر قال ينكح العبد امرأتين ويطلق تطليقتين وتعتد الامة بحيضتين فان لم تكن تحيض فشهرين أو شهرا ونصفا (مسئلة : ) الشابة التي كانت تحيض فارتفع حيضها قبل بلوغ سن الإياس ذهب اكثر أهل العلم إلى ان عدتها لا تنقضى حتى يعاودها الدم فيعتد ثلثة اقرأ أو تبلغ سن الإياس فتعتد بثلاثة أشهر وهو قول عثمن وعلى وزيد بن ثابت وابن مسعود وبه قال عطاء واليه ذهب أبو حنيفة والشافعي ووجه هذا القول ظ فانها غير داخلة فى اللائي يئسن واللائي لم يحضن وحكى عن عمر انها يتربصن تسعة أشهر فان لم تحضن فى تلك المدة تعتد بثلاثة أشهر وهو قول مالك وقال الحسن تتربصن ستة فان لم تحضن تعتد بثلاثة أشهر (مسئله) ان حاضت المطلقة حيضتين ثم بلغ سن(1/6597)
الإياس وانقطع دمها تستانف العدة بالشهور وان اعتدت الآئسة بالأشهر ثم رأت الدم بعد انقضائها أو فى خلالها انتقض ما مضى من عدتها وظهر فساد نكاحها الكائن بعد تلك العدة هذا إذا رات الدم على العادة بان يكون الدم أسودا واحمر ولو رات اصفر أو اخضر أو تربية لا يكون حيضا الا إذا كانت عادتها قبل الإياس اصفر فرأته كذلك أو علقا فرأته كذلك ان وقع الطلاق فى أول شهر اعتدت بالأشهر الهلالية اتفاقا وان وقع فى أثناء الشهر اعتبر كلها بالأيام فلا ينقضى عدتها الا بتسعين يوما عند
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 324
ابى حنيفة وعند صاحبيه يكمل الأول ثلثين يوما والأخيران المتوسطان بالاهلة (مسئلة : ) ليس حكم هذه الآية فى المتوفى عنها زوجها فان عدتها إذا لم تكن حاملا اربعة أشهر وعشر سواء كانت صغيرة أو آيسة أو شابة والداعي إلى تخصيص حكم هذه الآية بالمطلقات دون المتوفى عنهن أزواجهن مع كون اللفظ عاما الإجماع وسند الإجماع ما ذكرنا فى سبب النزول من حديث أبى بن كعب قالوا قد بقي عدد من النساء لم يذكرن الصغائر والكبائر وأولات الأحمال فانزلت هذه الآية وقوله تعالى ان ارتبتم ولا شك ان عدة النساء لم يبق الا من قوله تعالى والمطلقات يتربصن بانفسهن ثلثة قروء بخلاف قوله تعالى والذين يتوفون منكم فانه عام شامل لجميع اقسام المتوفى عنهن أزواجهن لم يشذ منها شىء وأيضا لا يحتمل تلك الآية الارتياب(1/6598)
فان الارتياب انما يتصور فى ما ثبت بدليل ظنى وتلك الآية لعمومه يشتمل جميع اقسام المتوفى عنها زوجها قطعا يقينا فان قيل هذا الدليل كما يقتضى اختصاص هذه الآية بالمطلقات يقتضى أيضا ان يختص به أيضا قوله تعالى وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ مع انه لم يقل به أحد فكيف ترك دليل الاختصاص هناك مع كون الجمل الثلث فى نسق واحد قلنا كان دليل التخصيص هاهنا الإجماع والا فحديث الآحاد ما لم يعتقد بالإجماع لا يصلح مخصصا للقطع عندنا والإجماع هناك على خلاف ذلك يعنى على شمول الأحمال أولات الأحمال المطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن لابن علية وابن عباس رض قالا لا بد للمتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملة من الوضع والاربعة الأشهر وعشرا جمعا بين الآيتين احتياطا والجمهور على انه تنقضى عدتها بالوضع كذا روى مالك فى الموطأ عن ابن عمرو عن عمر بن الخطاب ولم يقل أحد ان الوضع فى حقها غير معتبر أصلا وفى موطاء مالك عن سليمان بن يسار ان عبد اللّه بن عباس وأبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف اختلفوا فى المرأة متنفس بعد زوجها بليال فقال أبو سلمة إذا وضعت ما فى بطنها فقد حلت وقال ابن عباس اخر اجلين فقال أبو هريرة انا مع ابن أخي يعنى أبا سلمة فارسلوا كريبا مولى ابن عباس إلى أم سلمة زوج النبي صلعم يسالها عن ذلك فاخبرهم انها قالت ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفات زوجها بليال فذكرت ذلك للنبى صلعم فقال قد حللت فانكحى من شئت وفى الصحيحين حديث عمر بن عبد اللّه بن أرقم انه دخل على سبيعة بنت الحارث الاسلمية فسالها عن حديثها فاخبرته انها كانت تحت سعد بن خولة
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 325(1/6599)
و هو من بنى عامر بن لوى وهو كان ممن شهد بدرا فتوفى عنها فى حجة الوداع وهى حامل فلم تنشب ان وضعت حملها فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها أبو السنابل بن يعكك رجل من بنى عبد الدار فقال مالى أراك متجملة لعلك ترجين النكاح واللّه ما أنت بناكحة حتى يمر عليك اربعة أشهر وعشر قالت فلما قال لى ذلك جمعت على ثيابى حين أمسيت فاتيت رسول اللّه صلعم فسالته عن ذلك فافتانى انى قد حللت حين وضعت حملى وأمرني بالتزوج ان بدا لى وإذا ثبت ان قوله تعالى واو لان الأحمال شاملة للمتوفى عنها زوجها أيضا كما يدل عليه حديث أبى بن كعب قلت للنبى صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم وأولات أحمال أجلهن ان يضعن حملهن للمر ثلاثا والمتوفى عنها زوجها فقال هى للمر ثلاثا والمتوفى عنها زوجها ولكن فيه المثنى بن صباح متروك قال الشافعي رحمه اللّه تعالى بان هذه الآية مخصصة لاية التربص اربعة أشهر وعشرا بناء على انه يجوز التخصيص بالمتراخي عنده قال البيضاوي المحافظة على عموم هذه الآية اولى من المحافظة على عموم قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا لان عموم أولات الأحمال بالذات وعموم أزواجا بالعرض والحكم معلل هاهنا بخلاف ثمه ولحديث سبيعة وقال أبو حنيفة هذه الآية ناسخة لحكم اية البقر مقدار ما يتناول عليه وهو المروي عن ابن مسعود واخرج البخاري عن ابن مسعود قال أ تجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون لها الرخصة نزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى يريد بالقصرى هذه السورة وبالطولى البقرة وفى رواية عنه انه قال من شاء باهلته ان سورة النساء القصرى نزلت بعد سورة النساء الطولى واخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة بلفظ من شاء لاعنته لا نزلت سورة النساء القصرى بعد الاربعة أشهر وعشرا واخرج البزاز بلفظ من شاء حالفته (مسئلة : ) لا فرق بين عدة الحامل بين الحرة والامة لان الوضع لا يحتمل التجزى (مسئلة : ) اما(1/6600)
التوامين تنقضى عدتها بوضع آخرهما لان قوله تعالى حملهن يقتضى وضع تمام حملها وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فى أحكامه يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً يعنى يسهل عليه امر الدنيا والاخرة يوفقه للخير.
ذلِكَ أى احكام المذكورة مبتداء خبره أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ ط حال من امر اللّه والعامل فيه معنى أشير وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فى أحكامه فيراعى حقوقها يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ فان الحسنات يذهبن السيئات وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً بالمضاعفة.
أَسْكِنُوهُنَّ متصل بقوله تعالى لا تخرجوهن مستانفة كأنَّه فى جواب من قال اين تسكنهن والضمير راجع إلى النساء المطلقات المذكورات فى أول السورة
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 326(1/6601)
فهى تعم الرجعيات والبائنات الحرائر والإماء صغيرات كن أو حائضات أو آيسات مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ من زائدة والمعنى حيث سكنتم أو للتبعيض والموصوف محذوف يعنى مكانا كاينا بعض المكان الذي سكنتم فيه وقيل من بمضى فى كما فى قوله تعالى من قبل ان تنزل التورية مِنْ وُجْدِكُمْ أى من وسعكم أى الذي تطيقونه وَلا تُضآرُّوهُنَّ فى السكنى لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ط فى المساكن ببعض الأسباب من إنزال لا يوافقها أو شغل مكانها وغير ذلك فتلجوهن إلى الخروج وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ج اعلم ان المطلقة الرجعية يستحق على زوجها النفقة والسكنى اجماعا ما دامت فى العدة فان كانت الدار ملكا للزوج يجب على الزوج ان يخرج عنها ويترك الدار مدة عدتها ان كان لا يريد الرجعة وان كان باجارة فعلى الزوج الاجرة واما المعتدة البائنة بالخلع أو بالطلقات الثلث أو باللعان أو بالكنايات على مذهب أبى حنيفة فلها السكنى حاملا كانت أو حائلا عند اكثر أهل العلم لعموم قوله تعالى أسكنوهن من غير فصل وروى عن ابن عباس والحسن والشعبي انه لا سكنى لها واختلفوا فى نفقها فذهب قوم إلى انه لا نفقة لها الا ان تكون حاملا روى ذلك عن ابن عباس وهو قول الحسن والشعبي وعطاء وبه قال الشافعي واحمد والحجة لهؤلاء مفهوم الشرط لهذه الآية وحديث فاطمة بنت قيس ان أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب بالشام فارسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال واللّه مالك علينا من شىء فجاءت رسول اللّه صلعم فذكرت ذلك له فقال لها ليس لك عليه نفقة وأمرها ان تعتد فى بيت أم شريك ثم قال تلك امرأة يغشها أصحابي فاعتدى عند ابن أم مكتوم فانه رجل أعمى تضعين ثيابك فإذا حللت فاذنينى قالت فلما حللت ذكرت له ان معوية ابن سفيان وأبا جهم خطبانى فقال رسول اللّه صلعم اما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه واما معاوية(1/6602)
فصعلوك لا مال له انكحى اسامة بن زيد فكرهته ثم قال انكحى اسامة فنكحته فجعل اللّه فيه خيرا واغتبطت به رواه مسلم وروى مسلم أيضا وقال فيه لا نفقة لك ولا سكنى ورواه أيضا وقال فيه ابن المغيرة خرج مع على بن أبى طالب فارسل إلى امرأته فاطمة بنت قيس بتطليقة كانت بقية من تطليقها وعلى هذا يحمل رواية الثلث على انه أوقع واحدة فى تمام الثلث وامر لها الحارث بن هشام وعباس بن ربيعة بنفقة فسخطتها فقالا واللّه ليس لك نفقة الا ان تكونى حاملا فاتت النبي صلعم فذكرت له قولهما فقال لا نفقة لك وفى رواية لمسلم ان أبا حفص بن المغيرة طلقها ثلاثا ثم انطلق إلى اليمن وقال لها اهله ليس لك علينا
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 327(1/6603)
نفقة فانطلق خالد بن الوليد فى نفر فاتوا رسول اللّه صلعم فى بيت ميمونة الحديث وقال أبو حنيفة لها نفقة حاملة كانت أو لا بهذه الآية فان قوله تعالى من وجد متعلق بمحذوف والتقدير اسكتوهن من حيث سكنتم وأنفقوا عليهن من وجدكم لان قدر السكنى اتضح بقوله من حيث سكنتم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن ولو لا تقدير أنفقوا عليهن فلا فائدة لقوله من وجد وانما هو لبيان مقدار النفقة وبه جاءت قراءة ابن مسعود وهو حجة عند أبى حنيفة والمفهوم ليس بحجة عنده وفائدة التقييد بقوله وان كن أولات حمل التأكيد ودفع توهم عدم النفقة على المعتدة الحامل فى تمام الحمل لطولها وعدم الاقتصار على قدر ثلث حيض أو ثلثة أشهر والجواب عن حديث فاطمة انه وانكانت مرويا بسند صحيح لكنه شاذ مردود غير مقبول رده السلف ومعارض ومضطرب اما الاضطراب فقد سمعت فى بعض الروايات انه طلقها وهو غائب وفى بعضها طلقها ثم سافر وفى بعضها انها ذهبت إلى رسول اللّه صلعم وسالته وفى بعضها ان خالد بن وليد ذهب فى سفر فسالوه صلعم وفى بعض الروايات سمى الزوج أبا عمرو بن حفص وفى بعضها أبا حفص بن المغيرة اما الرد من السلف فقد طعن فى الحديث أكابر الصحابة ممن سنذكر مع انه ليس من عادتهم الطعن بسبب كون الراوي امرأة أو أعرابيا(1/6604)
فقد قبلوا حديث قريعة بنت مالك اخت أبا سعيد فى اعتداد المتوفى عنها زوجها فى بيت زوجها مع انها لا تعرف الا بهذا الحديث بخلاف فاطمة بنت قيس وقبل عمر خبر الضحاك بن سفيان الكلابي وحده وهو أعرابي وأسوة من رد هذا الحديث عمر بن الخطاب روى مسلم فى صحيحه عن أبى اسحق قال كنت مع اسود ابن زيد جالسا فى المسجد الأعظم ومعنا الشعبي فحدث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس ان رسول اللّه صلعم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة فاخذ الأسود من حصى فحصبه به فقال ويلك تحدث بمثل هذا قال عمر لا نترك كتاب ربنا ولا سنة نبينا بقول امرأة لا ندرى حفظت أم نسيت لها السكنى والنفقة قال اللّه تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الا ان يأتين بفاحشة مبينة فعمر رد حديث فاطمة وبيّن ان سنة رسول اللّه صلعم ان لها النفقة والسكنى وقول الصحابي من السنة كذا وقع فكيف إذا كان قايله عمر وهو اعلم بالسنن والشرائع وفيما روى الطحاوي والدار قطنى زيادة قوله سمعت رسول اللّه صلعم يقول مبتداء للمطلقة ثلثا النفقة واسكني وهذا صريح فى الرفع والمعارضة وقال سعيد بن منصور ثنا المعاوية ثنا الأعمش عن ابراهيم قال كان عمر إذا ذكر عنده حديث فاطمة قال ما كنا نغير فى ديننا بشهادة امرأة وهذا شاهد
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 328(1/6605)
على ان المعروف المشهور عندهم كان وجوب النفقة والسكنى ولمن رد حديثها عائشة وكانت اعلم الناس بأحوال النساء فقد كن يأتين إلى منزلها ويستفتين من البنى صلعم روى الشيخان فى الصحيحين عن عروة انه قال لعائشة الم ترى إلى فلانة بنت الحكم طلقها زوجها البتة فخرجت فقالت بئس ما صنعت فقلت الم تسمعى أى قول فاطمة فقالت اما انه لا خير لها فى ذكر ذلك وفى صحيح البخاري عن عائشة انها قالت لفاطمة الا تتقى اللّه تعالى فى قولها لا سكنى لها ولا نفقة وممن رد حديثها اسامة بن زيد حب رسول اللّه صلعم روى عبد اللّه بن صالح قال حدثنى الليث بن سعد حدثنى جعفر عن أبى هريرة عن أبى سلمة بن عبد الرحمن قال كان محمد بن اسامة يقول كان اسامة إذا اذكرت فاطمة شيئا من ذلك يعنى من انتقالها فى عدتها رماها بما فى يده انتهى هذا مع انه هو الذي تزوجها بامر رسول اللّه صلعم وكان اعرف بالحال وهذا لم يكن الا لعلمه بان ذلك غلط أو لعلم بخصوص سبب جواز انتقالها من اللسن أو خيفة المكان قال ابن همام وقال الليث حدثنى عقيل عن ابن اشباب انا أبو سلمة بن عبد الرحمن فذكرت حديث فاطمة فانكر الناس عليها كانت تحدث من خروجها قبل ان تحل وممن رد حديثها مروان روى مسلم فى صحيحه ان مروان بعث إليها قبيصة بن أبى ذويب فسالها عن الحديث فحدثته به فقال مروان لم تسمع الحديث الا من امرأة سناخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها قال ابن همام والناس إذ ذاك هم الصحابة فهذا فى المعنى حكاية عن اجماع الصحابة ووصفه بالعصمة قال ابن همام من رد حديثها زيد بن ثابت ومن التابعين ابن المسيب وشريح والشعبي والحسن والأسود بن يزيد وممن بعدهم الثوري واحمد بن حنبل وخلق كثير ممن تبعهم فالحديث شاذ واما المعارضة فما ذكرنا من رفع عمرو فى معجم الطبراني بسنده عن ابراهيم ان ابن مسعود وعمر قالا المطلقة ثلثا لها السكنى والنفقة واخرج الدار قطنى عن حزب بن العالية عن(1/6606)
ابى الزبير عن جابر عن النبي صلعم قال المطلقة ثلثا لها السكنى والنفقة لكن ضعف رفعه ابن معين وقال الأشبه وقفه على جابر (فائدة) وقيل فى توجيه حديث فاطمة بنت قيس على تقدير صحته انها كانت تطول لسانها على أحمائها وكان للسانها ذرابة ولذا أخرجها رسول اللّه صلعم من بيتها روى القاضي اسمعيل بسنده عن عائشة قالت لفاطمة بنت قيس انما اخرجك هذا اللسان وقال سعيد بن المسيب تلك امرأة يعنى فاطمة بنت قيس فتنت الناس كانت لسنة فوضت على يد ابن أم مكتوم رواه أبو داود وقال سليمان بن يسار خروج فاطمة انما كان عن سوء الخلق رواه أبو داود
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 329
عنه وكان هذا سببا لخروجها من بيتها واما سبب عدم نفقتها فلان زوجها كان غائبا ولم يترك مالا عند أحد سوى الشعير الذي بعث به إليها(1/6607)
فطالبت هى من اهله على ما فى مسلم من طريق انه طلقها ثلثا ثم انطلق إلى اليمن فقال لها اهله ليس لك علينا نفقة الحديث فكانه لذلك قال لها عليه الصلاة والسلام لا نفقة لك ولا سكنى لأنه لم يترك مالا عند أحد وليس يجب لك على اهله شىء فلا نفقة لك فلم تفهم فاطمة الغرض من كلام رسول اللّه صلعم وجعلت تروى عدم النفقة مطلقا فوقع انكار الناس عليها (مسئلة : ) المعتدة عن وفاة الزوج لا نفقة لها اجماعا حاملا كانت أو حائلا واختلفوا فى سكناها للشافعى رح فيه قولان أحدهما انه لا سكنى لها تعتد حيث تشاء وهو قول عائشة وابن عباس وعلى وبه قال الحسن والجمهور على ان لها السكنى وهو قول عمر وعثمن وعبد اللّه بن مسعود وعبد اللّه بن عمرو به قال مالك وسفيان والثوري واحمد واسحق قلت وكذا قال أبو حنيفة رح لكنه يقول ان كان نصيبها من دار الميت لا يكفيها وأخرجها الورثة من نصيبهم انتقلت لان هذا انتقال بعذر والعبادات توثر فيها الاعذار فصارت كما إذا خافت سقوط المنزل أو كانت فيها بأجر ولا تجد ما توويه ولا تخرج عما انتقلت إليه والحجة للجمهور حديث فريعة بنت مالك بن سنان اخت أبى سعيد الخدري وقد ذكرناه فى سورة البقر فى تفسير قوله تعالى والذين يتوفون منكم فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ أى المطلقات بعد وضع الحمل وتمام العدة أولادكم فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ على رضاعهن ذكرنا فى سورة البقر أن إرضاع الولد واجب على الام لقوله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن فان استاجر الرجل زوجة أو معتدة لارضاع ولدها لا يجوز لأنه أخذ الاجرة على فعل واجب عليها فلا يجوز وهذا كان يقتضى عدم جواز استيجار المطلقة بعد انقضاء العدة أيضا لكنا جوزنا ذلك بهذه الآية فظهر بهذه الآية ان وجوب الإرضاع على الام مقيد بوجوب رزقها على الأب بقوله تعالى وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن ففى حالة الزوجية والعدة بعد الطلاق أبوه قائم برزقها وفيما بعد(1/6608)
العدة ليس عليه رزق فيقوم الاجرة وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ ج خطاب للزوجين أى ليقبل بعضكم من بعض إذا امره الاخر بشئ معروف وما هو الأحسن ولا يقصد أحدهم إضرار الاخر قال الشافعي رح يعنى شاوروا
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 330
و قال مقاتل بتراض الام والأب على اجر مسمى وقال البيضاوي وليامر بعضكم بعضا بجميل فى الإرضاع والاجر وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ أيها الأبوين أى لان عسر الإرضاع على الام فابت ان ترضع ولدها فليس للاب اجبارها عليه وعذرت قضاء لظن عجزها حين امتنعت عن الإرضاع مع وفور شفقتها فان كان الإرضاع غير متعسر عليها فى الواقع أتمت عند اللّه وان عسر على الأب إعطاء أجرتها وكانت ثمه من ترضعه بغير أجر أو بأجر اقل من اجر المثل لا يجبر على الأب فى إعطاء اجر المثل للام ويسترضع الأب من غيرها عند أبى حنيفة رح وهى رواية عن مالك رح وقول للشافعى رح وقال احمد رح يجبر على الأب فى إعطاء اجر المثل ولا يجوز للاب الإرضاع من غيرها وان وجد من ترضع بغير اجر وهى رواية عن مالك رح وقول للشافعى رح وهذه الآية حجة لابى حنيفة رح حيث قال اللّه تعالى فَسَتُرْضِعُ لَهُ أى للاب امرأة أُخْرى وفيه معاتبة للام على المعاسرة (مسئلة : ) يشترط فى الإرضاع من غيرها ان يكون الإرضاع عند الام ما لم تنكح زوجا اخر غير محرم من الولد لان الحضانة لها لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان امرأة قالت يا رسول اللّه صلعم ان ابني هذا كان بطني لها وعاء وثديى لها سقاء وحجرى لها حواء وان أباه طلقنى وأراد ان ينزعه منى فقال عليه الصلاة والسلام أنت أحق به ما لم تنكحى رواه أبو داود والحاكم وصححه وفى موطاء مالك رح عن القاسم بن محمد قال كانت عند عمر امرأة من الأنصار فولدت له عاصم بن عمر ثم فارقها عمر فركب يوما إلى قبا فوجد ابنه يلعب بفناء المسجد فاخذه بعضده ووضعه بين يديه على الدابة فادركته جدة الغلام فنازعته(1/6609)
إياه فاقبلا حتى أتيا أبا بكر فقال خل بينه وبينها فما راجعه عمر كذا روى عبد الرزاق وروى البيهقي وزاد ثم قال أبو بكر سمعت رسول اللّه صلعم قال لابوى والدة
عن ولدها وروى ابن أبى شيبة قال أبو بكر مسحها وحجرها وريحها خير لها منك حتى يشب الصبى فيختار لنفسه (مسئلة : ) ان طلبت الام اجر مثل ما تطلب غيرها فليس للاب ان يسترضع عن غيرها اجماعا.
لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ط أى على قدر غناه وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ ط على قدر طاقة (مسئلة : ) اختلفوا فى ان نفقة الزوجات والمطلقات هل هى مقدرة بالشرع أو معتبرة بحال الزوجين
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 331(1/6610)
او بحال الزوج فقط فقال مالك واحمد وهى رواية عن أبى حنيفة واختارها صاحب الهداية انها غير مقدرة بالشرع بل مفوض إلى الاجتهاد ويعتبر بحال الزوجين فيجب على الموسر للموسرة نفقة الموسرين وعلى المعسر للمعسرة اقل الكفايات حالا والباقي فى ذمته إذا قضى القاضي بنفقة المتوسط أو رضيا بقدر وهذا القول يوخذ من هذه الآية لا تقتضى اعتبار حال الزوجة وتقتضى ان يكون على الموسر للفقيرة نفقة اليسار بقوله تعالى لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ويقتضى ان يكون على الفقير بقدر طاقته ولا يكون شىء فى ذمته وان كانت زوجة موسرة لقوله تعالى لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها ط فانه تعليل لعدم وجوب الزيادة وهذا هو ظاهر الرواية من مذهب أبى حنيفة قال ابن همام على ظاهر الرواية يجب فى صورة إعسار الزوج ويسار الزوجة نفقة الإعسار لانها وان كانت موسرة لكنها لما تزوجت معسرا فقد رضيت بنفقة المعسرين وفى صورة يسار الزوج وإعسار الزوجة نفقة الموسر زوجه ومن قال انه يجب على المعسر للموسرة نفقة متوسطة اعتبار حال الزوج ثبت بالقران واعتبار حال الزوجة بحديث عائشة ان هذا بنت عتبة قالت يا رسول اللّه ان أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطنى ما يكفينى وولدي الا ما أخذت منه وهو لا يعلم فقال خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف متفق عليه ويورد عليه انه حديث احاد لا يجوز به تغيير حكم ثبت بالقاطع وأفاد صاحب الهداية دفع هذا الإيراد بقوله نحن نقول بموجبه أى موجب القرآن انه مخاطب بقدر وسعه والباقي فى ذمته فان المفاد بالنص باعتبار حاله فى الانفاق ونحن نقول ان المعسر لا ينفق فوق وسعه وهو لا ينفى اعتبار حالها فى قدر ما يجب لها عليه فى ذمته والحديث أفاده فلا زيادة على النص لان موجبه تكليف بإخراج بقدر حاله والحديث أفاد اعتبار حالها فى قدر الواجب الا المخرج فيجتمعان بان يكون الواجب عليه اكثر فيما إذا كانت موسرة وهو(1/6611)
معسر ويخرج قدر حاله فبالضرورة يبقى الباقي فى ذمته وأورد عليه انه صلعم كان عالما بحال أبى سفيان لعله انه كان موسرا فلم ينص على حاله واطلق لها بان أخذ كفايتها وأيضا ليس فى الحديث اعتبار حالها فان الكفاية تختلف أيضا وقوله عليه الصلاة والسلام بالمعروف اشارة إلى رعاية حاله وأخذها من مال أبى سفيان ما يكفيها وولدها لا يمكن الا إذا كان أبو سفيان مالكا لما يكفيها وولدها ففيه دليل واضح على انه كان موسرا مانعا
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 332
لاجل الشح واللّه اعلم وقال الشافعي هى مقدرة بالشرع لادخل للاجتهاد فيها معتبرة بحال الزوج كما ينطق به الآية فعلى الموسر مدان وعلى المتوسط مد ونصف وعلى المعسر مد واحد ولا دليل فى الآية على التقدير (مسئلة : ) اتفقوا على ان الزوجة إذا احتاجت إلى خادم وجب اخدامها بشرط يسار الزوج وقال محمد يجب على المعسر أيضا نفقة خادم ثم اختلفوا فيما إذا احتاجت إلى اكثر من خادم فقال أبو حنيفة ومحمد والشافعي واحمد لا يلزم الا خادم واحد وقال مالك فى المشهور عنه إذا احتاجت خادمين أو ثلثة لزمه ذلك وقال أبو يوسف عليه نفقة خادمين فقط أحدهما لمصالح الداخل والاخر لمصالح الخارج واللّه تعالى أعلم ثم ذكر اللّه تعالى لتطييب قلوب المعسرين وعد اليسر سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً أى عاجلا أو أجلا.(1/6612)
وَ كَأَيِّنْ بمعنى كم الخبرية مبتداء مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ أى عتى أهلها حذف المضاف وأسند الفعل إلى المضاف إليه وكذا فى حاسبناها وعذبناها خبر كاين أو صفة له والخبر أعد اللّه لهم يعنى كثير من أهل القرية طعنت وأعرضت اعراض العاتي المعاند عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً حاسبنا مع ما عطف عليه عطف على عتت يعنى حسابا بالاستقصاء والمناقشة وعدم العفو والتجاوز يعنى حاسبناها بعملها فى الدنيا وجزينها فى الدنيا أو المراد استقصاء ذنوبهم وإثباتها فى صحف الحفظة وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً قرأ نافع وأبو بكر بضم الكاف والباقون بالسكون يعنى منكرا فظيعا بالجوع والقحط والسيف والاسر والإهلاك.
فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها أى عقوبة كفرها ومعاصيها فى الدنيا وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها فى القبر والاخرة خُسْراً لا ربح فيه أصلا حيث يعوض لهم بالجنة النار.
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ فى الاخرة عَذاباً شَدِيداً كذا قال مقاتل فى تاويل الآية وقيل فى الآية تقديم وتأخير ومجازها فعذبناها فى الدنيا بالجوع والقحط وساير البلاء وحاسبناها فى الاخرة حسابا شديدا وكان عاقبة أمرها خسرا وقال اكثر المفسرين المراد فى الكل حساب الاخرة وعذابها والتعبير بلفظ الماضي للتحقيق وعلى هذين التأويلين لا يجوز الا ان يكون عتت خبرا من كاين فَاتَّقُوا اللَّهَ يعنى لا تطغوا ولا تعرضوا عن امر ربكم ورسله كيلا يصيبكم مثل ما أصابهم والفاء للسببية فان الوعيد على الجفاء بسبب الاتقاء يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا بدل أو نعت كاشفة فان مقتضى اللب الايمان والجملة الندائية معترضة للتنبيه قَدْ أَنْزَلَ
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 333
اللَّهُ
حال من فاعل فاتقوا أو تعليل إِلَيْكُمْ ذِكْراً يعنى القران.(1/6613)
رَسُولًا منصوب بفعل مقدر يعنى وأرسل رسولا أو هو منصوب بالمصدر على المفعولية والمعنى انزل إليكم ذكر رسول أو على البدلية بدل الكل من ذكر على انه بمعنى الرسالة أو على حذف المضاف يعنى كتاب رسول أو بدل اشتمال من الذكر بمعنى القرآن يعنى انزل ذكرا رسولا معه وقيل المراد بالذكر جبرئيل عليه السلام لكثرة ذكره أو لنزوله بالذكر وهو القرآن أو لأنه مذكور فى السموات أو ذا ذكر أى شرف أو محمد صلعم لمواظبته على الذكر وتلاوة القرآن أو تبليغه الذكر وعبر من إرساله بالانزال ترشيحا أو لأنه مسبب عن إنزال الوحى إليه وعلى هذين التأويلين رسولا بدل من ذكرا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ صفة للرسول على الحقيقة أو للقران مجازا وجاز ان يكون حالا من اسم اللّه آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ أى الكفر والجهل إِلَى النُّورِ أى الايمان والفقه والأعمال الصالحة الموجبة للنور فى الاخرة والمراد بالموصول المؤمن بعد نزول القرآن الذين علم اللّه وقدر ايمانهم بعد الكفر وعلمهم بعد الجهل أى ليحصل لهم ما هم عليه الان من الايمان والأعمال الصالحة والعلوم الحقة وقوله ليخرج متعلق بانزل وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ط قرأ نافع وابن عامر فدخله بالنون على المتكلم والباقون بالياء على الغيبة وحّد ضمير ندخله وجمع خالدين حملا على لفظ من ومعناه قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً يعنى الجنة التي لا ينقطع نعيمها فيه تعظيم لما رزقوا.(1/6614)
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ مبتداء وخبر وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ط يعنى سبعا عن أبى هريرة قال بينما نبى اللّه صلعم جالس وأصحابه إذا اتى عليهم سحاب فقال النبي صلعم هل تدرون ما هذا قالوا اللّه ورسوله اعلم قال هذا العنان هذه زوايا الأرض يسوقها اللّه إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه ثم قال هل تدرون ما فوقكم قالوا اللّه ورسوله اعلم قال فانها الرفيع سقف محفوظ وموج مكفوف ثم قال هل تدرون ما بينكم وبينها قالوا اللّه ورسوله اعلم قال بينكم وبينها خمسمائة عام ثم قال هل تدرون ما فوقه ذلك قالوا اللّه ورسوله اعلم قال سماء ان بعد ما بينهما خمسمائة سنة ثم قال كذلك حتى عد سبع سموات ما بين السماء والأرض
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 334 ثم قال هل تدرون ما فوق ذلك قالوا اللّه ورسوله اعلم قال ان فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء بعد ما بين السماءين ثم قال هل تدرون ما الذي تحتكم قالوا اللّه ورسوله اعلم قال انها الأرض ثم قال هل تدرون ما تحت ذلك قالوا اللّه ورسوله اعلم قال ان تحتها ارض اخرى ما بينهما مسيرة خمسمائة سنة حتى عد سبع ارضين بين كل ارضين خمسمائة سنة ثم قال والذي نفس محمد بيده لو انكم وليتم بحبل إلى الأرض السفلى الهبط على اللّه ثم قرأ هو الأول والاخر والظاهر والباطن وهو بكل شىء عليم رواه احمد والترمذي وقد ذكرنا هذا الحديث وتحقيقه فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى فسوّهن سبع سموات قال قتادة فى كل ارض من ارضه وسماء من سمائه من خلقه وامر من امر وقضاء من قضاء وقد ورد فى بعض الأحاديث ان فى كل ارض آدم كادمكم ونوح كنوحكم وابراهيم كابراهيمكم وموسى كموسى ونبى كنبيّكم يعنى محمد صلى اللّه عليه وسلم واللّه تعالى أعلم يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ أى يجرى امر اللّه وقضاءه بينهن وينفد حكمه فهن كلهن ولو صح حديث فى كل ارض آدم كادمكم فجاز ان يكون المعنى(1/6615)
يتنزل بالوحى بينهن من السماء السابعة إلى الأرض السابعة السفلى - لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عِلْماً فلا يخفى عليه شىء وقوله لتعلموا علة لخلق أو ليتنزل الأمر أو لمقدر يعمها أى عمكم الخلق والتنزل لتعلموا الآية فان كلا منها يدل على كمال قدرته وعلمه وعلما منصوب على التميز من نسبة أحاط إلى فاعله أو مصدر من غير لفظه فمعنى أحاط بكل شىء علما علم كل شىء علما وجملة اللّه الذي خلق سبع سموت الآية تعليل لما سبق من قوله فاتّقوا اللّه.
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 335
سورة التّحريم
مدنية وهى اثنتا عشرة اية وفيها ركوعان
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
فى الصحيحين عن عطاء انه سمع عبيد بن عمير يقول سمعت عائشة تقول ان النبي صلعم كان يمكث عند زينب بنت جحش يشرب عندها عسلا فتواحيت انا وحفصة ان ايّتنا دخل علينا النبي صلعم فليقل انى أجد منك ريح مغافير فدخل على إحداهما فقالت له ذلك فقال لا بأس شربت عسلا عند زينب بنت حجش ولن أعود له فنزلت(1/6616)
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ج الآية يعنى العسل والاستفهام للانكار يعنى لا ينبغى ان تحرم الحلال وفى رواية للبخارى عن عطاء بإسناده قال لا ولكن كنت اشرب عسلا عند زينب بنت جحش وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا يعنى بذلك مرضاة أزواجه واخرج الطبراني وابن مردوية من طريق ابن أبى مليكة بسند صحيح عن ابن عباس قال كان رسول اللّه صلعم يشرب عند سودة العسل فيدخل على عائشة قالت انى أجد منك ريح مغافير ثم دخل على حفصة فقالت مثل ذلك فقال أراه من شراب شربته عند سودة واللّه لا اشربه فنزلت الآية قال الحافظ ابن الحجر فى شرح البخاري الراجح ان صاحة العسل زينب لا سودة لان طريق عبيد بن عميرا ثبت من طريق ابن أبى مليكة بكثير ويرجحه أيضا ما روى البخاري عن عائشة ان نساء رسول اللّه صلعم كن حزبين فخرب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة والحزب الاخر أم سلمة وسائر نساء النبي صلعم فهذا يرجح ان زينب هى صاحبة العسل ولهذا عارت عائشة منها لكونها من غير حزبها - (فائده) وقد ورد فى صحيح البخاري من حديث عروة عن عائشة ان صاحبة العسل حفصة وذلك انها قالت كان رسول اللّه صلعم يحب الحلواء والعسل وكان إذا صلى العصر دخل على نسائه فيدنو منهن فدخل على حفصة فاحتبس عندها اكثر مما كان يحتبس فسالت عن ذلك فقيل لى أهدت امرأة من قومها عكة عسل فسقت رسول اللّه صلعم منه شربة فقلت اما واللّه لنحتالن له فذكرت ذلك لسودة وقلت إذا دخل عليك فانه سيدنو منك فقولى يا رسول اللّه أكلت مغافير فيقول لا فقولى ما هذه الريح وكان رسول اللّه صلعم يشتد عليه ان يوجد منه الريح فانه سيقول سقتنى حفصة شربة عسل قولى له يا رسول اللّه جرست نحله العرفط وساقول ذلك وقوليه أنت يا صفية فلما دخل على سودة
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 336(1/6617)
قالت واللّه الذي لا اله الا هو لقد كدت ان أناديه بالذي قلت لى وانه على الباب فرقا منك فلما دنى عنها رسول اللّه صلعم قالت يا رسول اللّه أكلت مغافير قال لا قالت فما بال هذا الريح قال سقتنى حفصة شربة عسل قالت جرست نحله العرفط فدخل على فقلت له مثل ذلك فدخل على صفية فقالت له مثل ذلك فلما دخل على حفصة قالت يا رسول اللّه الا أسقيك منه قال لا حاجة لى به قالت يعنى عائشة تقول سودة سبحان اللّه لقد حرمناه قالت يعنى عائشة قلت لها اسكتي قال الحافظ ابن حجر وطريق الجمع بين هذا الحديث الدال على ان صاحبة العسل حفصة وبين ما سبق انها زينب الحمل على تعدد الوقعة فلا يمتنع تعدد السبب لامر واحد فان صح إلى الترجيح فرواية عبيد بن عمير اثبت لموافقة ابن عباس لها على ان المتظاهرتين حفصة وعائشة فلو كانت حفصة صاحبة العسل لم تقرره فى المظاهر بعائشة لكن يمكن تعدد القصة فى شرب العسل وتحريمه واختصاص النزول بالقصة التي فيها ان عائشة وحفصة هما متظاهرتان ويمكن القصة التي وقع فيها شرب العسل عند حفصة كانت سابقة ويؤيد هذا الحمل انه لم يقع فى طريق هشام بن عروة التي فيها شرب العسل كان عند حفصة تعرض الآية ولا لذكر سبب النزول قال القرطبي الرواية التي فيها ان المتظاهرتان عائشة وحفصة وسودة ليست بصحيحة لانها مخالفة التلاوة بمجيئها بخطاب الاثنين دون خطاب جمع المؤنث فالتوفيق ما ذكرنا ان قصة شرب العسل عند حفصة كانت سابقة فلما قيل له ما قيل ترك الشرب من غير تصريح بتحريم ولم ينزل فى ذلك شىء ثم لما شرب فى بيت زينب تظاهرت عائشة وحفصة على ذلك القول حرم العسل فنزلت الآية واخرج ابن سعد عن عبد اللّه بن رافع قال سالت أم سلمة عن هذه الآية قالت كان عندى عكة من العسل ابيض فكان النبي صلعم يلعق منها وكان يحبه وقالت عائشة نحلها تجرس عرفظا فحرمها رسول اللّه صلعم فنزلت الآية كذا أخرج الطبري ورفع فى تفسير السدى قال(1/6618)
الحافظ ابن حجر هذا مرجوح لارساله وشذوذه وقال اكثر المفسرين ان الآية نزلت فى تحريم مارية ذكر البغوي ان رسول اللّه صلعم كان يقسم بين نسائه فلما كانت يوم حفصة استأذنت زيارة أبيها فاذن له فلما خرجت أرسل رسول اللّه صلعم إلى جاريته مارية القبطية فادخلها بيت حفصة فوقع عليها فلما رجعت حفصة
وجدت الباب مغلقا فجلست عند الباب فخرج رسول اللّه صلعم ووجهه يقطر عرقا وحفصة تبكى فقال ما يبكيك فقالت انما أذنت لى من أجل هذا فدخلت أمتك بيتي ثم وقعت عليها فى يومى وعلى فراشى اما رأيت لى حرمة وحقا ما كنت تصنع هذا بامرأة منهن فقال رسول اللّه صلعم أ ليس هى جاريتى أحلها اللّه لى اسكتي فهى حرام علىّ التمس بذلك رضاك
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 337(1/6619)
فلا تخبري بهذا امرأة منهن فلما خرج رسول اللّه صلعم قرعت حفصة الجدار التي بينها وبين عائشة فقالت الا أبشرك ان رسول اللّه صلعم قد حرّم عليه أمته مارية وقدارا حنا اللّه منها وأخبرت عائشة بما رأت وكانتا متصافيتين متظاهرتين على سائر ازواج النبي صلعم فغضبت عائشة فلم يزل نبى اللّه صلعم حتى حلف ان لا يقربها فانزل اللّه عز وجل هذه الآية واخرج البزاز بسند صحيح عن ابن عباس قال نزلت يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ الآية فى سرية روى ابن الجوزي فى التحقيق بسنده عن ابن عباس قال كانت حفصة وعائشة متحابتين فذهبت حفصة إلى أبيها تحدث عنده فارسل النبي صلعم إلى جارية فظلت معه فى بيت فرجعت حفصة فوجدتها فى بيتها فخرجت الجارية ودخلت حفصة وقالت قد رايت من كان عندك واللّه لقد سويتنى فقال النبي صلعم لارضيك وانى اسر إليك سرا فاحفظه قالت ما هو قال أشهدك ان سريتى هذه علىّ حرام رضى لك فانزل اللّه هذه الآية واخرج الحاكم والنسائي بسند صحيح عن انس ان رسول اللّه صلعم كانت له أمة يطأ فلم تزل به حفصة حتى جعلها على نفسه حراما فانزل اللّه هذه الآية واخرج فى المختار من حديث ابن عمر عن عمر قال قال رسول اللّه صلعم لحفصة لا تخبري أحدا ان أم ابراهيم على حرام فلم يقربها حتى أخبرت عائشة فانزل اللّه قد فرض اللّه لكم تحلة ايمانكم واخرج الطبراني بسند ضعيف من حديث أبى هريرة قال دخل رسول اللّه صلعم بما رية سرية بيت حفضة فجاءت فوجدتها معه فقالت يا رسول اللّه صلعم فى بيتي دون بيوت نسائك فقال فانها علىّ حرام ان أمسها يا حفصة واكتمي هذا علىّ فخرجت حتى أتت عائشة فاخبرتها فانزل اللّه يايها النبي لم تحرم الآيات فهذه الأحاديث تدل على ان الآيات فى تحريمه عليه الصلاة والسلام على نفسه مارية القبطية على خلاف ما سبق من الأحاديث قال الحافظ ابن حجر يحتمل ان الآية نزلت فى السببين معا ويدل على هذا التوفيق ما وقع فى(1/6620)
رواية يزيد ابن رومان عن عائشة عند ابن مردوية وفيه ان حفصة أهديت لها عكة فيها عسل وكان رسول اللّه صلعم إذا دخل عليها حبسته حتى يلعقه أو يستقيه منها فقالت عائشة بجارية لها حبشية يقال لها خضراء إذا دخل على حفصة فانظرى ما يصنع فاخبرتها الجارية بشان العسل فارسلت إلى صواجها؟؟؟
فقالت إذا دخل عليكن فقلن انا نجد منك ريح مغافير فقال هو عسل واللّه لا أطعمه ابدا فلما كان يوم حفصة استأذنته ان تأتي أباها فاذن لها فذهبت فارسل إلى جارية فادخلها بيت حفصة قالت فرجعت حفصة فوجدت الباب مظقا فخرج ووجهه يقطر وحفصة تبكى وعاينته فقال أشهدك
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 338
انها علىّ حرام انظري لا تخبري بهذا امرأة وهى عندك امانة فلما خرج قرعت الجدار الذي بينها وبين عائشة فقالت أبشرك ان رسول اللّه صلعم قد حرم أمته قلت هذا الحديث يوجب الجمع بين قصة مارية وقصة شرب العسل عند حفصة قبل ذلك ولعل الراوي جمع فى الرواية قصة شرب العسل عند حفصة وقصة تحريم مارية وترك ما بين ذلك من قصة شرب العسل عند زينب وتحريم العسل قال الحافظ ابن حجر والراجح من الأقوال كلها فى سبب نزول الآية قصة مارية لاختصاص عائشة وحفصة بها بخلاف العسل فانه اجتمع فيه جماعة منهن يعنى سودة وصفية مع عائشة رض كما مرو اللّه تعالى أعلم تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ تفسير للتحريم أو حال من فاعله أو استيناف ببيان الداعي إليه وَاللَّهُ غَفُورٌ لك هذه الزلة فانه لا ينبغى تحريم ما أحل اللّه بالحلف رَحِيمٌ رحمك فجعل لك مخرجا من التحريم ولم يواخذك به وعاتبك محاماة لك عمالا ينبغى.(1/6621)
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ أى شرع لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ أى تحليل ما حرم باليمين أو حل عقدة اليمين أو المعنى أوجب عليكم ان تكفروا الايمان إذا حنثتم والكفارة هى ما تحل به اليمين أى يرفع اثم نقضة فان قيل صلة الوجوب تكون كلمة على دون اللام قلنا لما كان وجوب الكفارة جالبا لمنفعة الحل ورفع الإثم أورد كلمة اللام موضع على والكفارة ما ذكرت فى سورة المائدة وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ ج أى وليكم وناصركم الجملة حال من فاعل فرض أو مستانفة وَهُوَ الْعَلِيمُ بما يصلحكم الْحَكِيمُ المتقن فى أفعاله وأحكامه اختلفوا فى انه صلعم هل كفر أم لا فقال مقاتل أعتق رقبة فى تحريم مارية وقال الحسن لم يكفر لأنه مغفور له والصحيح عندى قول مقاتل فان قوله تعالى قد فرض اللّه لكم تحلة ايمانكم بعد قوله لم تحرم دليل واضح على افتراض الكفارة على النبي صلعم بالتحريم المذكورة وكونه مغفورا له لا ينافى وجوب الكفارة كما لا ينافى وجوب سجود السهو وغيرها وأيضا قول مقاتل شهادة على الإثبات فتقبل بخلاف قول الحسن ويؤيد قول المقاتل قول ابن عباس لقد كان لكم فى رسول اللّه أسوة حسنة واخرج الحارث ابن أبى اسامة فى مسنده عن عائشة رض قالت لما حلف أبو بكر ان لا ينفق على مسطح انزل اللّه تعالى قد فرض اللّه لكم تحلة ايمانكم متفق عليه وهذا غريب جدا فى سبب نزولها (مسئلة : ) من قال حرمت على نفسى أمتي هذه أو طعامى هذا أو طعاما كذا يكون يمينا عند أبى حنيفة واحمد والأوزاعي وهو المروي عن أبى بكر وعائشة رض والحجة لهذا القول هذه الآية حيث قال اللّه تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ... قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ حيث جعل تحريم الحلال يمينا وقال
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 339(1/6622)
البغوي أخبرنا عن سعيد بن جبير ان ابن عباس قال فى الحرام يكفر لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ وقال الشافعي ره تحريم الحلال ليس بيمين لكن فى صورة تحريم الامة عليه كفارة اليمين بنفس اللفظ لا بالحنث وفى صورة تحريم الطعام لا شىء عليه وان قال لزوجته أنت علىّ حرام أو حرمتك فان نوى طلاقا فهو طلاق وان نوى به ظهارا فهو ظهار وان نوى التحريم وأتتها أو اطلق فعليه كفارة اليمين عند الشافعي رح وعند أبى حنيفة هو إيلاء يكفر بعد الفيء قال البيضاوي والاحتجاج بهذه الآية على كون التحريم مطلقا أو تحريم المرأة يمينا ضعيف إذ لا يلزم من وجوب كفارة اليمين فيه كونه يمينا مع احتمال انه صلعم اتى بلفظ اليمين وقول البيضاوي هذا لا يخفى ضعفه فان اللّه سبحانه ذكر من النبي صلعم التحريم مطلقا ومن غير ذكر الحلف ومن غير تخصيص التحريم بالمرأة ثم سماه يمينا حيث قال قد فرض اللّه لكم تحلة ايمانكم فهو دليل واضح على كون التحريم نفسه يمينا واللّه تعالى أعلم .
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ كما فى حديث عمر متعلق باذكر إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ يعنى حفصة حَدِيثاً ج هو تحريم العسل كما ورد فى الصحيحين فى حديث عبيد بن عمير عن عائشة رض فى اخر الحديث المذكور أولا وإذا سرّ النّبىّ إلى بعض أزواجه حديثا لقوله بل شربت عسلا أو تحريم أمته مارية وهو الأرجح عند أهل التفسير واللّه اعلم بالحكمة فى الاسرار يظهر الحكمة فى الاسرار فيما رواه ابن سعد من طريق شعبة مولى ابن عباس عنه قال خرجت حفصة من بيتها يوم عائشة فدخل رسول اللّه صلعم بجارية القبطية بيت حفصة فجاءت فرقبته حتى خرجت الجارية فقالت له اما انى قد رأيت ما صنعت قال فاكتمى علىّ وهى حرام فانطلقت حفصة إلى عائشة فقالت اما يومى؟؟؟(1/6623)
فتعرس فيه بالقبطية وتسلم لنسائك ساير ايامهن فنزلت الآية فانه يعلم من هذا الحديث ان الاسرار كان لئلا تغضب عائشة بتعريسه صلعم بالقبطية فى يومها وقال سعد بن جبير عن ابن عباس اسرار الخلافة بعده فحدثت به حفصة قال الكلبي اسر إليها ان أباك وأبا عائشة يكونان خليفتين على أمتي من بعدي أخرج الواحدي عن ابن عباس قال واللّه ان امارة أبى بكر وعمر لفى كتاب اللّه تعالى قال اللّه تعالى وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً قال لحفصة أبوك وأبو عائشة اولياء الناس بعدي ماياك ان تخبري به أحدا وله طرق وكذا روى عن على وميمون بن مهران وحبيب بن ثابت وعن الضحاك ومجاهد وقال ميمون بن مهران أسر أن أبا بكر خليفتى من بعدي فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ الضمير راجع إلى بعض أزواجه يعنى أخبرت بذلك اسر حفصة عائشة وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أى اطلع اللّه نبيّه على افشائها سره فيه دليل على ان عائشة لما غضبت بتعريسه صلعم بالقبطية لم يقل ان حفصة أطلقتني على هذا الأمر حتى اطلعه اللّه ان حفصة افشأت سره عَرَّفَ بَعْضَهُ قرأ الكسائي بتخفيف الراء جازاه على
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 340(1/6624)
الفعل الذي فعلت من افشاء السر من قول القائل لمن أساء إليه لاعرفن لك ما فعلت أى لأجازينك عليه وجاز إهابه عليه بان طلقها فلما بلغ ذلك عمر قال لو كان فى ال الخطاب خير لما طلقك رسول اللّه صلعم فجاء جبرئيل وابره لمراجعتها واعتزل رسول اللّه صلعم نساءه شهرا وقعد فى مشربة أم ابراهيم مارية رض حتى نزلت اية التخيير كذا قال البغوي وقال مقاتل بن حيان لم يطلق رسول اللّه صلعم حفصة وانما هم بطلاقها فاتاه جبرئيل فقال لا تطلقها فانها صوامة قوامة وانها من نسائك فى الجنة فلم يطلقها وقرأ الجمهور عرف بالتشديد أى أخبر حفصة ببعض ما قالت بعائشة من سره صلعم وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ ج يعنى لم يخبرها به قال الحسن ما استقصى كريم قط قال اللّه تعالى عرف بعضه واعرض عن بعض وذلك ان النبي صلعم لما راى الكراهة فى وجه حفصة لاجل تعريسه صلعم بالقبطية فى بيتها على فراشها أراد ان يرضيها فاسر إليها الشيئين تحريم الامة على نفسه وبشرها بان الخلافة بعده فى أبى بكر وأبيها عمر فاخبرت به حفصة عائشة واطلع اللّه عليه نبيه صلعم عرف حفصة ببعض ما أضمرت به عائشة وهى تحريم الامة واعرض عن بعض يعنى ذكر الخلافة كره رسول اللّه صلعم ان ينتشر ذلك فى الناس واخرج ابن مردوية من طريق الضحاك عن ابن عباس قال لما دخلت حفصة على النبي صلعم بيتها فوجدت معه مارية فقال لا تخبري عائشة حتى أبشرك ببشارة ان أباك يلى هذا الأمر بعد أبى بكر إذا اقامت فذهبت إلى عائشة فاخبرتها فقالت له عائشة ذلك والتمست منه ان يحرم مارية محرمها ثم جاء إلى حفصة فقال امرتك ان لا تخبري عائشة فاخبرتها فعاتبها ولم يعاتبها على امر الخلافة فلذا قال اللّه تعالى عرف بعضه واعرض عن بعض واخرج الطبراني فى الأوسط وفى عشرة النساء عن أبى هريرة نحوه بتمامها وفى كل منهما ضعف فَلَمَّا نَبَّأَها يعنى اخبر النبي صلعم حفصة بِهِ أى بما أظهره اللّه عليه من افشائها سره هذه(1/6625)
الاية يناسب قراءة الجمهور عرف بالتشديد فانه بمعنى الانباء لكنها لا ينفى قراءة الكسائي بالتخفيف لتحقق الاخبار والمحاذات جمعا ولا منافات بينهما قالَتْ حفصة مَنْ أَنْبَأَكَ هذا ط أى افشاي سرك قالَ رسول اللّه صلعم نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ إِنْ تَتُوبا يعنى عائشة وحفصة فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب للمبالغة فى المعاتبة وروى فى الصحيحين فى حديث عبيد بن عمير عن عائشة فى اخر الحديث المذكور فى أول السورة قوله ان تتوبا إلى اللّه لعائشة وحفصة يعنى تتوبا.
إِلَى اللَّهِ من التعاون على النبي صلعم وافشاء سره وجزاء الشرط محذوف أى أتيتما بالواجب أقيم علة مقامه حيث قال فَقَدْ صَغَتْ أى زاغت ومالت قُلُوبُكُما عن الاستقامة على طريق الحق حيث رضيتما بما كره رسول اللّه صلعم من تحريم أمة وافشاء سره والواجب على كل واحد ان يحب ما يحبه
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 341(1/6626)
رسول اللّه صلعم ويكره ما يكرهه اطلق القلوب على القلبين ولم يقل قلبا كما استثقالا للجمع بين التثنيتين فيما هو كالكلمة الواحدة والفاء لتعليل الجزاء فان زيغ القلوب سبب للمعصية والمعصية سبب لوجوب التوبة روى البخاري وغيره عن ابن عباس قال قال لم ازل حريصا على ان أسال عمر بن الخطاب عن المرأتين من ازواج النبي صلعم التي قال اللّه تعالى ان تتوبا إلى اللّه فقد صغت قلوبكما حتى حج وحججت معه وعدل وعدلت معه باداوة فتبرز ثم جاء فسكبت على يديه منها فقلت له يا امير المؤمنين من المرأتان من ازواج النبي صلعم اللتان قال اللّه تعالى ان تتوبا إلى اللّه فقد صغت قلوبكما قال وا عجبا لك يا ابن عباس هما عائشة وحفصة ثم استقبل عمر الحديث يسوقه قال كنت أنا ورجال من الأنصار من بنى امية بن زيد وهم من عوالى المدينة وكنا نتناوب النزول على النبي صلعم فينزل يوما وانزل يوما فإذا نزلت حدثته مما حدث من خبر ذلك اليوم من الوحى أو غيره وإذا انزل فعل مثله وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نسائهم فطفق نساؤنا يأخذن من ادب نساء الأنصار فصحت على امرأتى فراجعتنى فانكرت ان تراجعنى قالت ولم تنكران أراجعك فو اللّه ان ازواج النبي صلعم ليراجعته وان إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل فافزعنى ذلك وقلت قد خابت من فعلت ذلك فيهن ثم جمعت على ثيابى فنزلت فدخلت على حفصة فقلت لها أى حفصة أ تغاضب أحد يكن النبي صلعم اليوم حتى الليل قالت نعم فقلت قد خبت وخسرت أ فتأمنين ان يغضب اللّه بغضب رسوله فتهلكى لا تستكثرى على النبي صلعم ولا تراجعيه فى شى ولا تهجريه وسلينى ما بدا لك ولا يغيرنك ان كانت جارتك اوضأ منك وأحب إلى النبي صلعم يريد عائشة رض قال عمر وكنا نتحدثان ان غسان تنعل الخيل لتغزونا فنزل صاحبى الأنصار يوم توبته فرجع إلينا عشاء فضرب بابى ضربا شديدا فقال إثمه هو ففزعت فخرجت إليه فقال قد(1/6627)
حدث اليوم امر عظيم قلت ما هو أجاء غسان قال لابل أعظم من ذلك وأطول طلق النبي صلعم نسائه فقلت خابت حفصة وخسرت قد كنت أظن ان هذا يوشك ان يكون فجمعت على ثيابى فصليت صلوة الفجر مع النبي صلعم فدخل النبي صلعم مشربة له فاعتزل فيها ودخلت على حفصة فإذا هى تبكى فقلت ما يبكيك الم أكن حذرتك هذا طلقكن رسول اللّه صلعم قالت لا أدرى ما هو ذا معتزل فى المشربة فخرجت فجئت إلى المنبر فإذا حوله رهط يبكى بعضهم فجلست معهم قليلا ثم غلبنى ما أجد فجئت المشربة التي فيها النبي صلعم فقلت لغلام له استاذن لعمر فدخل الغلام فكلم النبي صلعم ثم رجع فقال كلمت البنى صلعم فذكرتك له فصمت فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذي عند المنبر ثم غلبنى ما أجد فقلت الغلام استاذن لعمر فدخل الغلام فكلم النبي صلعم ثم رجع فقال كلمت النبي صلعم فذكرتك له فصمت فرجعت فجلست مع الرهط الذي عند المنبر ثم غلبنى ما أجد فجئت
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 342
الغلام فقلت استاذن لعمر فدخل ثم رجع إلى فقال ذكرت له فصمت فلما وليت منصرفا فإذا الغلام يدعونى فقال قد اذن لك النبي صلعم فدخلت على رسول اللّه صلعم فإذا مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد اثر الرمال فى جنبه متكيا على وسادة من أدم حشوها ليف فسلمت عليه ثم قلت وانا قايم يا رسول اللّه أطلقت نساءك فرفع الىّ بصره فقال لا اللّه اكبر ثمّ قلت وانا قائم استانس برسول اللّه صلعم لو رايتنى وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة إذا قوم تغلبهم نساءهم فتبسم رسول اللّه صلعم ثم قلت يا رسول اللّه لو رايتنى ودخلت على حفصة فقلت لها لا يغيرنك ان جارتك اوضاء منك وأحب إلى رسول اللّه صلعم يريد عائشة فتبسم النبي صلعم تبسمته اخرى فجلست حين رأيته يتبسم فرفعت بصرى فى بيته فو اللّه ما رايت فيه شيا يرد البصر غير اهبة ثلثة فقلت يا(1/6628)
رسول اللّه ادع اللّه فليتوسع على أمتك فان فارس والروم قد وسع عليهم واعطوا من الدنيا وهم لا يعبدون اللّه فجلس النبي صلعم وكان متكيا فقال أو فى هذا أنت يا ابن الخطاب ان أولئك قوم عجلوا طيباتهم فى الحيوة الدنيا فقلت يا رسول اللّه استغفر لى فاعتزل النبي صلعم لنسائه من أجل ذلك الحديث حين افشته حفصة إلى عائشة تسعا وعشرين ليلة وكان قال ما انا بداخل عليهن شهرا من شدة موجدة عليهن حين عاتبه اللّه فما مضت تسع وعشرون ليلة دخل على عائشة فبدأ بها فقالت له عائشة يا رسول اللّه انك كنت أقسمت ان لا تدخل علينا شهرا وانما أصبحت من تسع وعشرين ليلة أعدها عدا فقال الشهر تسع وعشرون وكان ذلك الشهر تسعا وعشرين ليلة قالت ثم انزل اللّه اية التخيير فبدأ بي؟؟؟ أول مرة من نسائه فاخترته ثم خير نسائه كلهن فقلن ما قالت عائشة رض وروى البخاري عن عائشة رض ان رسول اللّه صلعم قال لها انى ذاكر لك امرا فلا عليك ان تستعجلى حتى تستامرى أبويك وقد علم ان أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه قالت ثم قال ان اللّه قال يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إلى تمام الآيتين فقلت اوفى هذا استامر أبوي فانى أريد اللّه ورسوله والدار الاخرة هذا الحديث يدل على ان سبب اعتزال النبي صلعم نسائه الشهر كان افشاء حفصة سرها إلى عائشة وما أخرجه مسلم عن جابر انه دخل أبو بكر رض يستاذن على رسول اللّه صلعم فوجد الناس جلوسا بباب البنى صلعم لم يوذن لاحد منهم فاذن لابى بكر فدخل ثم جاء عمر فاستاذن فاذن له فوجد النبي صلعم جالسا وحوله نساءه واجما ساكتا قال فقال عمر لا قولن شيئا اضحك البنى صلعم فقال يا رسول اللّه لو رايت بيت خارجة سالتنى النفقة إليها فوجأت عنقها فضحك رسول اللّه صلعم وقال هن حولى كما ترى تسالنى النفقة فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها كلاهما يقولان لا تسالين رسول اللّه صلعم ابدا ما ليس عنده(1/6629)
ثم اعتزلهن شهرا أو
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 343
تسعا وعشرين ليلة ثم نزلت اية التخيير فبدا؟؟؟ بعائشة الحديث قال الحافظ ابن حجر ويحتمل ان يكون مجموع هذه الأشياء يعنى قصة عسل وقصة مارية وافشاء حفصة السر وقصة سوال النفقة وقصة رد زينب الهدية ثلثا وزيادة النبي صلعم فى هديتها كل مرة كما رواه ابن سعد من طريق عمرة ومن طريق عروة عن عائشة كان سببا لاعتزالهن وهذا هو اللائق بمكارم أخلاقه صلعم وسعة صدره وكثرة صفحه ان ذلك لم يقع منه حتى تكرر موجبه منهن ورضى عنهن صلعم واللّه اعلم وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ قرأ الكوفيون بتخفيف الظاء بحذف أحد التاءين والباقون بالتشديد وادغام أحد التاءين فى الظاء وأصله تظاهرا أى تتعاونا على البنى صلعم بما يسويه من الافراط فى الخيرة وافشاء سره ولم تتوبا وهذا شرط حذف جزائه اعنى لا تظفرا عليه فَإِنَّ اللَّهَ يعنى لان اللّه علة لعدم الظفر هُوَ ضمير فصل مَوْلاهُ ناصره وَجِبْرِيلُ رئيس الكروبين قرينه وناصره وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ج صالح صيغة المفرد أريد به الجنس ولذلك عم بالاضافة أو صيغة جمع أسقط عنه الواو لالتقاء الساكنين وخطا أيضا باتباع اللفظ يعنى من صلح من المؤمنين أجمعين اتباعه وأعوانه وحواليه قال الكلبي هم الذين هم مخلصون ليسوا بمنافقين وروى عن ابن مسعود وابى بن كعب ان صالحوا المؤمنين أبو بكر وعمر وكذا روى ابن مسعود وأبو امامة عن النبي صلعم وعن ابن عمرو ابن عباس وسعيد بن جبير انها نزلت فى أبى بكر وعمر قوله جبريل وصالح المؤمنين اما معطوف على اللّه مرفوع حملا على محله واما مبتداء خبره مع ما عطف عليه ظهير وهذا اولى لان اللّه وحده كفى به ناصرا وانما ذكر جبريل وصالح المؤمنين والملائكة من جملة ما ينصره إليه به تعظيما لهؤلاء وخص جبرئيل من الملائكة لتعظيمه وَالْمَلائِكَةُ مع كثرتهم بَعْدَ ذلِكَ أى بعد نصرة اللّه وجبرئيل و(1/6630)
صالح المؤمنين ظَهِيرٌ أى متظاهرون قال البغوي هذا من الواحد الذي يودى من الجمع كقوله تعالى وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً وهذه الآية تدل على ان جبرئيل الذي هو من خواص الملائكة أفضل من عوام البشر وهم صالح المؤمنين أفضل من
عوام الملائكة روى البخاري عن عمر بن الخطاب قال لما اعتزل البنى صلعم نسائه وذكر الحديث وقال دخلت عليه وقلت يا رسول اللّه ما يشق عليك من شان النساء فان كنت طلقتهن فان اللّه معك والملائكة وجبرئيل وميكائيل وأبو بكر والمؤمنون معك وقلما تكلمت واحمد اللّه بكلام الا رجوت ان يكون اللّه يصدق قولى الذي أقول فنزلت.
عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ خيرا منكن الجملة جواب الشرط قرأ نافع وأبو عمر ويبد له بالتشديد
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 344(1/6631)
و الباقون بالتخفيف أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ على التغليب فان الخطاب مع حفصة وعائشة أو على تعميم الخطاب وليس فى الآية ما يدل على انه لم يطلق حفصة وان فى النساء خيرا منهن لان تعليق طلاق الكل لا ينافى تطليق واحدة والمعلق بما لم يقع لا يجب وقوعه قال البغوي هذا اخبار عن القدرة لا عن الكون مُسْلِماتٍ خاضعات للّه تعالى مُؤْمِناتٍ مصدقات للرسل قانِتاتٍ مواظبات على الطاعة أو مصليات أو داعيات تائِباتٍ عن الذنوب أو راجعات إلى اللّه تعالى والى امر رسول اللّه صلعم عابِداتٍ متعبدات للّه تعالى أو متذللات لامر رسول اللّه صلعم سائِحاتٍ صائمات سمى الصائم سائحا لان السائح لا زاد معه فلا يزال متمسكا حتى يجد من يطعمه فشبه به الصائم فى إمساكه إلى وقت إفطاره وقال بعضهم الصوم ضربان حقيقى وهو ترك المطعم والمنكح وحكى وهو حفظ الجوارح من السمع والبصر واللسان والأيدي والأرجل وغيرها عن المعاصي فالسائح الصائم الذي يصوم هذا الصوم أو مهاجرات فى سبيل اللّه وقيل اللاتي يسحن مع النبي صلعم حيث ساح وقيل السائحون الذين يسيرون على ما اقتضاه قوله تعالى أ فلم يسيروا فى الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو أذان يسمعون بها ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً وسط العاطف بينهما لتنافيهما ولانهما فى حكم صفة واحدة إذا المعنى مشتملات على الثيابة فى بعضهن والبكارة فى بعض اخر.(1/6632)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ بأداء الواجبات وترك المعاصي وَأَهْلِيكُمْ بالتعليم والتأديب والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ صفة للنار يعنى تتقد بهما كما تتقد غيرها بالحطب عَلَيْها مَلائِكَةٌ صفة ثانية لنارا يعنى خزنتها غِلاظٌ فظاظ على أهل النار شِدادٌ قوياء يدفع الواحد منهم بالدفعة الواحدة سبعين ألفا في النار وهم الزبانية أخرج الضياء المقاسى فى صفة النار عن انس قال سمعت رسول اللّه صلعم يقول والذي نفسى بيده لقد خلقت ملايكة جهنم قبل ان يخلق جهنم بألف عام فهم فى كل يوم يزدادون قوة إلى قوتهم حتى يفيضوا على من فيضوا عليه بالنواصي والاقدام واخرج القعنبي فى عيون الاخبار عن طاؤس ان اللّه تبارك وتعالى خلق مالكا وخلق له أصابع على عدد أهل النار لا يعذب الا ومالك يعذب به بإصبع من أصابع فو اللّه لو وضع إصبعا من أصابعه على السماء لاذابها لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ بدل اشتمال من اللّه والتقدير فيما أمرهم وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ أى لا تمنعون من قبول الأوامر والتزامها
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 345
و يوادون ما يؤمرون به.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ علة للنهى من الاعتذار يقال لهم ذلك عند دخولهم النار والنهى عن الاعتذار لهم حقيقة وما يعتذرون به من قولهم واللّه ربنا ما كنا مشركين وقولهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا لا ينفعهم.(1/6633)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ من المعاصي تَوْبَةً نَصُوحاً ط بفتح النون على قراءة العامة أى بالغة فى النصح والنصح تحرى قول أو فعل فيه صلاح صاحبه فهو صفة للتائب فانه ينصح نفسه بالتوبة وصف به التوبة مجازا مبالغة أو بالغة فى النصاحة بمعنى الخياطة فان التوبة تنصح ما افترق من الدين والتقوى بالذنب أو النصح بمعنى الإخلاص يقال عسل ناصح إذا خلص والمعنى توبة خالصة من الريا والسمعة وقرأ أبو بكر بضم النون فهو مصدر بمعنى النصح كالشكر والشكور أو النصاحة كالثبات والثبوت تقديره ذات نصوح أو تنصح نصوحا أو توبوا نصوحا لانفسكم قال البغوي قال عمر وابى معاذ التوبة النصوح ان يتوب ثم لا يعود إلى الذنب كما لا يعود اللبن إلى الضرع وقال الحسن هى ان يكون العبد نادما على ما مضى مجمعا على ان لا يعود وقال الكلبي هى ان يستغفر باللسان ويندم بالقلب ويمسك بالبدن وقال القرظي يجمع اربعة أشياء الاستغفار باللسان والإقلاع بالأبدان وإضمار ترك العود بالجنان ومهاجرة سئ الاخوان وقال البيضاوي سئل على رض عن التوبة فقال يجمعها ستة أشياء على الماضي من الذنوب الندم وللفرائض الاعادة ورد المظالم واستحلال الخصوم وان تعزم على ان لا تعود وان تزكى نفسك على طاعة اللّه كما رايتها فى المعصية عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذكر بصيغة الاطماع اشعارا بانه تفضل والتوبة غير موجبة إذ لا يجب على اللّه شىء وان العبد لا بد من ان يكون بين خوف ورجاء أخرج أبو نعيم عن على رض قال قال رسول اللّه صلعم ان اللّه تبارك وتعالى اوحى إلى نبى من أنبياء بنى إسرائيل قل لاهل طاعتى من أمتك ان لا يتكلوا على أعمالهم نانى لا اناصب عبد الحساب يوم القيامة لا أشاء ان أعذبه إلا عذبته وقل لاهل معصيتى من أمتك لا تلقوا بايديهم فانى اغفر(1/6634)
الذنوب العظيمة ولا أبالي واخرج البزاز عن انس عن النبي صلعم يخرج لابن آدم يوم القيامة ثلثة دواوين ديوان فيه العمل الصالح وديوان فيه ذنوبه وديوان فيه النعم من اللّه تعالى يقول اللّه لاصغر نعمة فى ديوان النعم خذى منك من العمل الصالح فتستوعب له
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 346
الصالح فيقول وعزتك ما استوعبت وتبقى الذنوب وقد ذهب العمل الصالح كله فإذا أراد اللّه ان يرحم عبدا قال يا عبدى فاضاعفت لك حسناتك وتجاوزت عن سياتك وذهبت لك نعمتى وفى الصحيحين عن أبى هريرة رض قال قال رسول اللّه صلعم لن ينجى أحدا منكم عمله قالوا ولا أنت يا رسول اللّه قال ولا انا الا ان يتغمدنى اللّه برحمة منه وفضل وفى الباب أحاديث كثيرة يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ ظرف ليدخلكم وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ج عطف على البنى احمادا لهم وتعريضا لمن ناواهم وعلى هذا جملة نُورُهُمْ يَسْعى علة لعدم اخزائهم وقيل الموصول مبتداء خبره نورهم يسعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَيكون بِأَيْمانِهِمْ على الصراط يَقُولُونَ مستانف أو خبر بعد خبر للموصول يقولون ذلك إذا انطفى نور المنافقين رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ تعليل للاتمام لتفاوة أنوارهم بحسب أعمالهم فيسالون إتمامه تفضلا وقد ذكرنا تفاوة الأنوار والأعمال الموجبة للنور فى سورة الحديد.
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْك ُفَّارَ
بالسيف والحجة وَالْمُنافِقِينَ بالرد والتفضيح إذا ظهر نفاقهم وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ أى استعمل الخشونة فيما تجاهدهم ولا ترحمهم وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ ط حال مقدرة من الكفار والمنافقين وَبِئْسَ الْمَصِيرُ جهنم أو ما ولهم.(1/6635)
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ اسمها واعلة وَامْرَأَتَ لُوطٍ اسمها واهلة امراة نوح وامراة لوط بدلان من مثلا بحذف المضاف أى مثل امراة نوح وامراة لوط وكذا قوله امرأة فرعون فى الجملة التالية مثل اللّه تعالى حال الكفار فى انهم يعذبون بكفرهم ولا ينفعهم ما بينهم وبين النبي صلعم من القرابات والواصلات كما لم ينفع المرأتين وصلتهما بالنبيين حيث كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ جملة مستانفة مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ يريد به تعظيم نوح ولوط مدحهما بالصلاح فان كمال الصلاح بالعصمة التي هى من النبوة - فَخانَتاهُما بالكفر والنفاق قال ابن عباس ما بغت امرأة بنى قط وانما كانت خيانتهما انهما كانتا على غير دينهما فكانت امرأة نوح تقول للناس انه مجنون وإذا أمن به أحد أخبرت الجبابرة واما امرأة لوط كانت تدل قومه على أضيافه إذا نزل به ضيف بالليل أوقدت نارا وإذا انزل بالنهار دخنت ليعلم قومه انه نزل به ضيف وقال الكلبي اسرتا النفاق وأظهرتا الايمان فَلَمْ يُغْنِيا أى لم يدفعا عَنْهُما مع نبوتيهما مِنْ عذاب اللَّهِ شَيْئاً أو لم يغنيا بحق الأزواج شيئا من الأغنياء وَقِيلَ للمرأتين عند موتهما أو يوم القيامة
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 347
ادْخُلَا النَّارَ مَعَ سائر الدَّاخِلِينَ من الكفرة الذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء أو أحد من المؤمنين قطع اللّه تعالى بهذه الآية طمع من يكفر ان ينفعه ايمان غيره ثم اخبر ان كفر غيره لا يضره إذا كان مؤمنا بقوله.(1/6636)
وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ وهى آسية بنت مزاحم فانها كانت تحت اعداء اللّه ولم يضرها كفره قال المفسرون لما غلب موسى السحرة امنت امرأة فرعون فلما تبين لفرعون إسلامها أوتد يديها ورجليها بأربع أوتاد والقاها فى الشمس قال سليمان امرأة فرعون تعذب فى الشمس فإذا انصرفوا عنها أظلها الملائكة إِذْ قالَتْ الظرف متعلق بكائن وهو صفة لمثل امرأة فرعون أي مثل امرأة فرعون كاين وقت قولها رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ عندية لا كيف لها فانه منزه من المكان بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ فكشف اللّه لها من بيتها فى الجنة حتى راته وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ يعنى تعذيبه وقال مقاتل أرادت بعمله الشرك وقال أبو صالح عن ابن عباس أرادت به جماعة وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ على أنفسهم بالكفر والمعاصي على عباد اللّه التعذيب من القبط التابعين له فى القصة ان فرعون امر يصخرة عظيمة لتلقى عليها فلما أتوه بالصخرة قالت رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ فابصرت بيتها فى الجنة من درة وانتزع روحها فالقيت الصخرة على جسد لا روح فيه ولم تجدا لما وقال الحسن ابن كيسان رفع اللّه امرأة فرعون إلى الجنة فهى فيها تأكل وتشرب.(1/6637)
وَ مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ عطف على امرأة فرعون الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها من الرجال فَنَفَخْنا فِيهِ أى نفخ جبرئيل عليه السلام بامرنا فى جيب درعها نفخا وأصلا إلى فرجها فحملت بعيسى عليه السلام والضمير عايد إلى الفرج ولما كان النفخ بامر اللّه تعالى وافعال العباد كلها بخلق اللّه أسند اللّه تعالى النفخ إلى نفسه مِنْ رُوحِنا أى روحا خلقناه بلا توسط اصل ومن زائدة فى الإثبات على قول الأخفش وهو الظاهر وقال سيبويه للتبعيض يعنى بعض هذا النوع كما فى قوله تعالى يغفر لكم من ذنوبكم وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها أى بصحفه المنزلة أو بما اوحى إلى أنبيائه والمراد شرايع اللّه تعالى لعباده وَكُتُبِهِ قرأ أبو عمر وحفص على الجمع والباقون بالإفراد والمراد به ما كتب فى اللوح أو جنس الكتب المنزلة وقرأ بكلمة اللّه وكتابه يعنى بعيسى وإنجيل وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ أى من جملة مواظبين على الطاعة والتذكير للتغليب ولاشعاران رتبتها لم تقصر عن رتبة الرجال الكاملين
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 348(1/6638)
حتى عدت من جملتهم عن أبى موسى قال قال رسول اللّه صلعم كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء الا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران وان فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام رواه احمد والشيخان فى الصحيحين والترمذي وابن ماجة ورواه الثعلبي وأبو نعيم فى الحلية بلفظ كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء الا اربع آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلعم وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام قلت لعل المراد بالكمال البلوغ إلى كمالات النبوة وما فوقها ورواية الصحيحين كانها اخبار عن الأمم الماضية حيث كثر الأنبياء فيهم ولم يبلغ درجة كمالات النبوة من النساء الا آسية ومريم وعن انس ان النبي صلعم قال حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلعم وآسية امرأة فرعون وعن على قال سمعت رسول اللّه صلعم يقول خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائنا خديجة بنت خويلد متفق عليه وفى رواية قال كريب وأشار إلى السماء والأرض وعن أم سلمة ان رسول اللّه صلعم دعا فاطمة عام الفتح فناجاها فبكت ثم حدثها فضحكت فلما توفى رسول اللّه صلعم سالتها عن بكائها وضحكها قالت أخبرني رسول اللّه صلعم انه يموت فبكيت ثم أخبرني انى سيدة نساء أهل الجنة الا مريم بنت عمران فضحكت رواه الترمذي وقد ذكرنا بحث تفاضل مريم وآسية وخديجة وفاطمة وعائشة رض فى سورة ال عمران فى تفسير قوله يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (فائده) فى هاتين التمثيلتين تعريض لحفصة وعائشة رض فيما فرط منهما من التظاهر على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بما كرهه وتوبيخ لهما على اغلظ الوجوه واشارة إلى ان حقهما ان تكونا فى الايمان كهاتين المؤمنين وان لا تتكلا على انهما زوجا رسول اللّه صلى اللّه عليه(1/6639)
و سلم تمت 29/ ربيع الثاني سنة 12 ه وثمانية جمادى الاولى بتصحيح : مولانا غلام نبى تونسوى الراجي إلى مغفرة ربه القوى.
فسير المظهري ، ج 9 ، ص : 349
فهرست من سورة الفتح إلى سورة التحريم من تفسير المظهرى
مضمون صفحه
سورة الفتح
قوله صلى اللّه تعالى عليه وعلى اله وسلم هى أحب إلى مما طلعت عليه الشمس 2 قصّة غزوة الحديبية وبيعة الرضوان 12 قصّة أبى بصير وابى جندل 16 قصّة غزوة خيبر 24 قصّة نكاح أم المؤمنين صفيّة رضى اللّه تعالى عنها 28 حديث نهى أكل لحوم الحمير وكل ذى ناب حديث النهى عن بيع المغانم قيل القسمة وعن وطى الحبالى 28 معاملة رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم أهل خيبر 28 قصّة الشاة المسمومة 30 قصّة قدوم جعفر واهل الحبشة والأشعريين 31 قصّة قدوم أبى هريرة والدوسيين 31 قصّة فدك قسمة خيبر فتح وادي القرى 31 قوله تعالى محمد رسول اللّه والذين معه فى مدح الصحابة وما ورد فى ذم الروافض 35.
سورة الحجرات
مسئله ذبح الاضحية بعد صلوة العيد 40 ذكر أبى بكر وعمر فى غض الصوت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم 41 قصّة ثابت بن قيس والبشارة له يعيش حميدا يقتل شهيدا ويدخل الجنة 42 قصّة شهادة ثابت ووصيته بعد الموت 42 قصّة مجىء بنى تميم وسرية بنى عنبر 43 قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فى قصّة بعث وليد بن عقبة إلى بنى المصطلق مصدقا 45 قوله تعالى وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما 48 مسائل البغاة 49 قوله تعالى لا يسخر قوم من قوم 51 قوله تعالى لا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب ما ورد فى النهى عن السخرية والقول لمؤمن فيه هتك حرمته 52 مسئلة التعزير والنهى عن سوء الظن والتجسس والغيبة 53 قوله تعالى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ وما ورد فى الباب من الأحاديث 57.(1/6640)
سورة ق
حديث أكرموا عمتكم النخل وان مثلها مثل المسلم 63
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 350
حديث ما بين النفختين أربعون 63 ما ورد فى كيف بعث الناس 63 ما ورد فى اصحاب الرّس بقية ثمود بعث إليهم حنظلة ابن صفوان أو شعيب عليهما السلام 63 ذكر ثمود وما ورد فى فرعون واخوان لوط واصحاب الايكة 64 قصّة تبّع وانه أمن بالنبي صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم قبله بتسعمائة سنة 65 حديث ما أدرى تبّع كان نبيا أو غير نبى 66 قوله تعالى ونحن اقرب إليه من حبل الوريد واقوال العلماء والصوفية فى معنى الاقربية 67 ما ورد فى كاتب الحسنات وكاتب السيئات من الملائكة قوله تعالى وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ 68 قال قرينه هذا ما لدىّ عتيد وقال قرينه ربنا ما أطغيته 70 حديث تقول جهنم هل من مزيد حتى يضع الجبار رب العزة قدمه فتزدى 72 قوله تعالى ولدينا مزيد 74 وما ورد انه انظر إلى الرحمن 74 قوله تعالى لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد 75 ذكر الكاملين والمريدين ما ورد فى ما خلق السموات والأرض والجبال والدواب وخلق آدم 75 وقوله فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس الآية 76 ما ورد فى التسبيحات والتحميدات بعد المكتوبات وغيرها 76 حديث وقف صلى اللّه عليه وسلم على قتلى بدر فقال يا فلان يا فلان هل وجدتم ما وعدتم ثم قال ما أنتم باسمع منهم غير انهم لا يستطيعون الرد 77.
سورة الذاريات
قوله تعالى قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون 81 حديث ينزل اللّه إلى السماء الدنيا ويقول من يدعونى استجيب له 82 ما ورد فى الاذكار وقت السحر 82 ما ورد فى حسن الجوار وإكرام الضيف واطعام الطعام وافشاء السلام الضيافة ثلثة ايام 86 قوله وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ 90 حديث قدسى مرضت فلم تعدنى إلخ 91.(1/6641)
سورة الطور
فى ما ورد فى الحاق ذرية المؤمنين بهم فى الدرجة 95 فصل فى أطفال المشركين 96 ما ورد فى خدم أهل الجنة وتذاكرهم ما كانوا فيه فى الدنيا 97 قوله تعالى فسبح بحمد ربك حين تقوم الآية 101
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 351
و ما ورد فى كفارة المجلس وغير ذلك 101.
سورة النجم
قوله تعالى علّمه شديد القوى الآية يعنى دلى الجبار فتدلى فكان قاب قوسين أو ادنى 104 حديث رويته عليه الصلاة والسلام جبرئيل على صورتيه مرتين 107 هل راى محمد صلى اللّه عليه وسلم ربه بالبصر أو بالفؤاد 109 قصّة المعراج 110 وان المعراج فى اليقظة حق 114 وحديث المعراج فى النوم أيضا 115 قصّة هدم اللات والعزى ومناة بعد فتح مكة 115 خروج جنية منها 116 مسئله لا يجوز اتباع الظن فيما يعارضه دليل قطعى ويجوز العمل بدليل ظنى فيما سوى ذلك 119 ما جاء فى اللهم وصغار الذنوب 121 مسئله ان شاء اللّه يغفر الكبائر ويعذب على الصغائر 122 أحاديث كناية مقادير الخلائق وخلق آدم ثم مسح ظهره يجمع خلق أحدكم فى بطن امه أربعين يوما 122 حديث قدسى اركع إلى اربع ركعات أول النهار 124 قوله تعالى أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى أى مع حديث من سن سنته سنيته 125 وأحاديث شمول العذاب بتركه الأمر بالمعروف 125 مسئله هل يعذب الميت ببكاء اهله عليه 125 مسئله هل يثاب أحد بعمل غيره 126 حديث ان الملكين الكاتبين يقومان على قبر المؤمن يسبحان ويهللان ويكتبان للمؤمن 127 ما ورد فى جعل ثواب الحسنات لغيره ووصول الثواب للميت 128 حديث تفكروا فى الخلق ولا تفكروا فى الخالق 129 مسئله نفى الفكر فى ذاته تعالى لا ينافى الوصول إليه وان إلى ربك المنتهى 130 حديث كان اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تناشدون الشعر ويذكرون أشياء ويضحكون 131 والنبي عليه الصلاة والسلام يتبسم معهم 131 حديث ما رايت النبي صلى اللّه عليه وسلم مستجمعا ضاحكا 131 حديث لو تعلمون ما اعلم(1/6642)
لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا وما تلذذ تم بالنساء 131 ما ورد فى سجود سورة النجم 134.
سورة القمر
معجزه شق القمر حديث سوال اليهودي عن تسع آيات بينات 135 قوله عليه السلام يوم بدر سيهزم الجمع ويولون الدير 142
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 352
ما ورد فى الايمان بالقدر 143.
سورة الرحمن
مسئله من اشترى مكايلة ثم باعه مكايلة وجب إعادة الكيل 146 مسئله لا معتبر بكيل البائع قبل البيع 147 حديث أنطوا بيا ذى الجلال والإكرام سنفرغ لكم أيها الثقلان 150 حديث كلنا يرى ربه مخليا به 152 حديث تشقق السماء ونزول ملائكة كل سماء وصفوفهم وإذا رائهم أهل الأرض فدوا 153 ما ورد فى حشر المؤمنين والكافرين من قبورهم على صور واحوال مختلفة وظهور اثار المعاصي فى الوجود 154 ما ورد فى اطعام أهل النار وشرابهم 155 عدد الجنات ونعمائها 156 فائدة نساء الدنيا خير من الحور العين 163.
سورة الواقعة
السابقون ثلة من الأولين يعنى الصحابة واتباعهم وثلة من الآخرين أى اصحاب التجديد 166 اصحاب اليمين ثلة من الأولين وثلة من الآخرين 174 حديث هما جميعا من أمتي 174 وما ورد فى الفريقين وفى نعيم الجنة 175 مسائل مس القرآن وقرأته 181 مسئله يمنع الكافر من قرأة القرآن 182 مسئله الصوفي لا يجد بركات القرآن الا بعد القضاء 183 حديث قدسى من عبادى مؤمن بي وكافر من قال مطرنا بفضل اللّه ومن قال مطرنا بنوء كذا 183 مسئله قرب اللّه يدرك بفراسته المؤمن 184 حديث من قرء سورة الواقعة كل ليلة لم يصبه فاقة 186.
سورة الحديد(1/6643)
حديث كان النبي صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم يقول وهو مضطجغ اللّهمّ رب السموات إلخ 188 حديث وفدا لقيس أمرهم بأربع ونهاهم بأربع 189 ما ورد فى فضل الانفاق والقتال قبل الفتح وافضلية أبى بكر الصديق قوله تعالى يسعى نورهم بين أيديهم 190 ما ورد فى نور المؤمنين على الصراط 192 فصل فى موجبات النور والظلمة 193 مسئله عدم نور المنافقين وانتفاء نور أهل الهواء 194 من يطلق عليه الصديق فهو كاذب 199 ما ورد فى ان تفاوت درجات المؤمنين بالأعمال والتطبيق بينهما قوله تعالى رَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها 203 ما ورد من الأحاديث فيها وفى رعايتها وعدم رعاية حديث ثلثة لهم أجران 205
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 353
حديث انما اجلكم فى أجل من خلا من الأمم ما بين صلوة العصر إلى مغرب الشمس 206 وانما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل الحديث 206 حديث لا تزال من أمتي أمة قائمة بامر اللّه 207 حديث كان عليه الصلاة والسلام يقرأ المسبحات قبل ان يرقد 207.
سورة المجادلة
قصّة شكوى خولة حين ظاهر منها زوجها ومسائل الظهار 208 حديث قول اليهود السام عليكم 222 حديث عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش 222 حديث إذا سلم أهل الكتاب فقولوا وعليكم 222 حديث إذا كنتم ثلثة فلا تناجى رجلان دون الاخر تعظيمه صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم أهل بدر 223 حديث لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ولكن تفسحوا 224 ما ورد فى فضل العلماء قول على رض اية فى كتاب اللّه لم يعمل بها أحد قبلى ولا بعدي 224 اية التصدق عند المناجاة 225 ايمان المؤمن يفسد بمودة الكافر 226.
سورة الحشر(1/6644)
قصّه جنايات بنى نضير وغزوهم واجلائهم وما وقع فيه من المعجزات واقرار اليهود بصدق النبوة 229 مسئله إذا حاصر الامام الكفار جاز قطع أشجارهم وهدم بنيانهم 36 2 ما ورد فى ان اموال بنى النضير كانت خالصة للنبى صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم فقسمها بين المهاجرين دون الأنصار لما اثرهم على أنفسهم 237 مسئله إذا استولى الكفار على اموال المسلمين ملكوها ثم إذا وجدها صاحبها بعد ما غنمها المسلمون أو اشترى منهم تاجرا واستوجب منهم 240 ما ورد فى فضل المهاجرين 242 ما ورد فى فضل المدينة وفضائل الأنصار 242 ما ورد فى الشح 244 ما ورد فى المؤمنين الذين استغفروا للصحابة وأحبوهم وذم الروافض 245 كيفية قسمة أبى بكر وعمر اموال الخراج ونحو ذلك فى الناس 246 مسئله هل يخمس مال الفيء وكيف يقسم 249 قصّة اجلاء بنى قينقاع من اليهود 251 قصّة برصيصا الراهب وماله إلى الكفر 252 حديث من قرأ حين يصبح وحين يمسى التعوذ ثلثا وثلث آيات اخر الحشر 257.
سورة الممتحنة
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 354
قصّة كتاب حاطب بن بلتعة كفار مكة 258 مسئله وجوب معادات أهل من الكفار وان كانوا أقارب 260 مسئله جواز الصلة لمن لم يقاتل من الكفار 262 اية الامتحان والمنع من رد المهاجرات إلى الكفار 263 مسئله لا يجوز القيام على عقود المشركين من النكاح والموالاة وغير ذلك 265 قصة بيعة النساء يوم فتح مكة 267.
سورة الصف
شرح اسمه صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم احمد 271 ما ورد فى جنتان عدن 273.
سورة الجمعة(1/6645)
ما ورد فى فضل رجال فارس واخر الامة وذكر أكابر النقشبندية والمجددية 275 ما ورد فى وجه تسمية الجمعة وأول جمعة صلّى بها اسعد بن زرارة ومصعب بن عمير قبل قدوم النبي صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم المدينة 278 قصّة قدوم النبي صلى اللّه عليه وسلم المدينة وأول جمعة صلى وفرح أهل المدينة بقدومه ونزوله فى بيت أبى أيوب الذي بناه تبع لاجله صلى اللّه عليه وسلم 279 مسائل أذان الجمعة وحرمة البيع حينئذ 282 وفرضية الجمعة وشرائطها وما يتعلق بها وسننها وساعة الجمعة 285 وما كان عليه السلام يقرأ فى الجمعة 297 مسئله لا يقيم أحد أخاه يوم الجمعة 297 حديث من دخل فى السوق قال لا اله الا اللّه إلخ 298 حديث أحب الأعمال تسبحه الحديث وأبغضها التحريف 298 قصّة قدوم العير وانفضاض الناس إليه الا اثنى عشر رجلا وتسميتهم والنبي صلى اللّه عليه وسلم يخطب 299 مسئله لو شرع الامام صلوة الجمعة وذهب بعد ذلك القوم 299 مسئله إذا أدرك المسبوق شيئا من الجمعة 300 مسئله يستجب الإجمال فى طلب الرزق 300 وفضل القناعة وذم الحرص 300.
سورة المنفقون
قصّة غزوة بنى المصطلق ونزول سورة المنفقون فى عبد اللّه بن أبى وأصحابه ومقالته الخبيثة 301 وما ورد فيه من المعجزات واسلام بعض المنافقين 304 ذكر تزويجه صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم أم المؤمنين جويرية واسلام أبيه حارث بن أبى ضرار وفيه المعجزة 306.
سورة التغابن
ما ورد فى التقدير قبل الخلق 311
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 355(1/6646)
أحاديث ما منكم من أحد الا له منزلان منزل فى الجنة ومنزل فى النار فإذا مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله 313 حديث من فرمن ميراث وارثه قطع اللّه ميراثه من الجنة 313 حديث يأخذ المظلوم حسنات الظالم فإذا لم يبق حسناته يضع عليه سياته 314 حديث الايمان بالقدر قوله تعالى ان من أزواجكم وأولادكم عدو لكم فاحذروهم 315 قوله تعالى انما أموالكم وأولادكم فتنة 315.
سورة الطّلاق
مسئله الطلاق فى الحيض حرام 317 مسئله العدة بالحيضات دون الإظهار 317 مسئله الطلاق فى الطهر الذي جامع فيه حرام 318 مسئله لا يجوز للمطلقة فى العدة خروجها من بيت زوجها ولا إخراجها 318 مسئله يجوز فى العدة الوفاة خروجها نهارا لا ليلا 319 قوله تعالى من يتق اللّه يجعل له مخرجا وو يرزقه من حيث لا يحتسب 320 حديث من نزل به فاقة فانزلها بالناس لم يسدد من نزلت به فاقة فانزلها باللّه 320 حديث من جاع واحتاج فكتمه 321 فايدة إكثار لا حول ولا قوة الا باللّه 321 مسئله إذا دخل مسلم دار الحرب أسيرا أو سارقا فاستولى على مال حربى 321 وقوله صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم انى لاعلم اية لو أخذ الناس لكفيتهم من يتق اللّه الآية 322 ما ورد فى التوكل 322 مسائل عدة الآئسة والصغيرة 322 مسئله عدة الشابة التي ارتفع حيضها 323 مسئله عدة الحامل 324 مسئله وجوب النفقة والسكنى للمعتدة الرجعية والخلاف فى وجوب النفقة للمعتدة البائنة 325 وما ورد فيه من الأحاديث 325 مسئله المعتدة من وفاة لا نفقة لها 329 مسئله يجب اجرة المطلقة على إرضاع ولدها بعد العدة 329 مسئله لا يجبر على الام فى الإرضاع ولا على الأب فى إعطاء الاجرة ان كان ثمة مرضعة غيرها بلا اجر 330
التفسير المظهري ج 9 ، ص : 356(1/6647)
مسئله يشترط فى الاسترضاع من غير الام ان يكون الإرضاع عند الامام ان الحضانة لها 330 ما ورد فى الحضانة 330 مسئله قدر نفقة الزوجات والمطلقات 330 مسئله نفقة خادم الزوجة والمطلقة 332 ما ورد فى عدد السموات والأرضين وبعد ما بينها 333.
سورة التحريم
قصّة تحريم النبي صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم على نفسه العسل ومارية القبطية وطريق الجمع بين الأحاديث 335 مسئله تحريم الحلال يمين أو لا وان قال للزوجة أنت على حرام هل يكون طلاقا أو ظهارا أو إيلاء 338 حديث سوال ابن عباس عن عمر عن المرأتين اللتين صغت قلوبهما وبيان عمر 340 قصّة اعتزاله صلى اللّه عليه وسلم فى المشربة شهرا سبب اعتزاله صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم 341 التوبة النصوح 345 مسئله قبول التوبة فضل من اللّه ولا يجب على اللّه شىء 345 ما ورد فى ان النجاة بالفضل وقد يغفر اللّه الذنوب العظيمة تفضلا 345 مسئله لا ينفع الكفار قرابة الأنبياء والصلحاء كامرأة نوح عليه السلام وامرأة لوط عليه السلام 346 ولا يضر الصلحاء قرابة الكفار كامرأة فرعون 347 فضائل مريم وامرأة فرعون وفاطمة وخديجة وعائشة رضى اللّه تعالى عنهن جمعاء 348 تمت تم إلى سورة الملك.
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 2
الجزء العاشر
فهرست تفسير المظهرى من سورة الملك إلى اخر القران
مضمون صفحه بحث الموت والحيوة 18 ذكر الأعيان الثابتة وعالم المثال 19 حديث كفى بالموت واعظا وباليقين غنى 21 حديث بادروا بالأعمال سبعا وفى الحديث بادروا قبل ست مسئله ليس فى الإمكان أبدع مما كان 22 الكواكب كلها فى سماء الدنيا راس الحكمة مخافة اللّه 24 حديث ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى 25 السماء الدنيا حديث سئل عليه الصلاة والسلام كيف 27 يحشر الكافر على وجهه أحاديث فضائل سورة الملك 29
سورة ن(1/6648)
حديث أول ما خلق اللّه القلم 30 حديث كتب اللّه مقادير الخلائق 30 حديث سجدت الأتان إلى الكعبة حين ركبت 31 عليها حليمة مع النبي صلى اللّه عليه وسلم قوله تعالى إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ وذكر بعض أخلاقه صلعم 31 فضل فى فضائل حسن الخلق 31 قوله تعالى يوم يكشف عن ساق 39 مضمون صفحه أحاديث المحشر وروية اللّه سبحانه وكشف الساق 40 والمرور على الصراط والشفاعة 40 مسئله الروافض وغيرهم من أهل الهواء 42 لا يستطيعون من السجود أحاديث آيات المنافقين قصة يونس عليه السلام 43 مسئله الصبر على إيذاء الخلق أحاديث العين 45 حق حديث حنظلة إلخ 46 علامة اولياء اللّه دواء إصابة العين 46.
سورة الحاقة
قصة صالح عليه السلام 48 حديث ان هذه القلوب اوعية فخيرها 51 أوعاها 51 قوله تعالى إذا نفخ فى الصور 51 حديث بعد ما بين السماء والأرض وحملة العرش 52 حديث العرضات ونظاير المصحف 53 ما ورد فى سلسلة ذرعها سبعون ذراعا 55 حديث الكبرياء ردائى 56 الغسلين 56 مسئله تلاوة القرآن سبب لترقى بعد فناء 58 النفس الأحاديث الواردة فى تسبيحات الركوع 59
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 3
و السجود وفضل التسبيح 59 مسئله تسبيحات الركوع والسجود 59.
سورة المعارج(1/6649)
حديث فى الجنة مائة درجة إلخ 60 حديث ان أهل الجنة يتراوون أهل العرف 61 قوله تعالى فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ 61 ما من صاحب كنز ما من صاحب ابل وصاحب بقر لا يؤدى زكوته 61 مسئلة المسافة إلى محدب العرش 62 حديث الشفاعة 64 حديث لو كان لابن آدم واديان من ذهب 65 حديث يهرم ابن آدم ويشب منه اثنان 65 حديث عجبا لامر المؤمن ان امره كله خير 65 مسئله تفاوت استعدادات الإنسان 66 مسئله يجعل بصره موضع سجوده فى الصلاة 66 مسئله لا يجوز للرجل إتيان العبد فى دبره 67 ولا للمرأة الاستمتاع بفرج عبدها 67 حديث ايماء رجل راى امرأت تعجبه فليقم إلى أهل 67 مسئله لا يجوز متعة النكاح ولا الاستنماء باليد 67 حديث بصق رسول اللّه صلعم فى كفه فقال 69 يقول اللّه ابن آدم انى تعجزنى 69.
سورة نوح
حديث أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى إلخ 71 حديث فضلت على الأنبياء بست 71 حديث الإسلام يهدم ما كان قبله والهجرة والحج إلخ 71 مسئله القضاء على نوعين معلق ومبرم 73 حديث لا يرد القضاء الا الدعاء 73 حديث ارايت فى نسترقيها أو دواء هل يرد من قدر اللّه 73 حديث أشد الناس بلاء الأمثل فالامثل 74 مسئله الايمان امر وهبى يعنى لا اختيار فى اكتسابه 84 مسئله لا بد للمفيض من النبي والولي كمالات العروج والنزول 84 أحاديث كيفيت استراق السمع للجن من 86 الملائكة من السماء الدنيا أو السحاب 86 ثواب المطيع من الجن وعذاب المعاصي منهم 89 الأحاديث الواردة فى تطهير المساجد وتعظيمها 92 حديث أمرت ان اسجد على سبعة أعظم 93 قوله تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه 95 أحدا الا من ارتضى من رسول 95 مسئله عالم الغيب منها ما هو غيب مطلقا وما هو غيب بالنسبة إلى البعض بحث العلم الحاصل بالإلهام للاولياء 96
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 4(1/6650)
و اثبات كرامات اولياء حديث لقد رايتنى فى الحجر وقريش يسألنى 95 عن مسراى حديث ان عمر بعث جيشا وأمرهم سارية 95 حديث مات النجاشي لا يزال يرى على قبره نور أحاديث العلماء ورثة الأنبياء وأمناء الرسل 96 حديث الرؤيا الصالحة جزء من ستة و97 أربعين جزء من النبوة حديث الرؤيا الصالحة من اللّه والحلم إلخ 97 بحث العلم اللدني وتحقيق النسبة بين 97 الخالق والخلق بحث علم الكهان والمنجمين والأطباء علم 98 النقاط والخطوط والسحر حديث قال اللّه تعالى قد أصبح قوم من عبادى 99 مومن بي وكافر بالكواكب إلخ حديث من اقتبس علما من النجوم اقتبس 100 شعبة من السحر حديث لا تأتوا الكهان ولا يصدنكم الطيرة 100.
سورة المزمل
أحاديث قيام النبي صلعم حتى انتفخت أقدامهم 103 أحاديث استحباب الترتيل بالقراءة و104 تحسين الصوت دون التغني والحكمة فى الترتيل التدبر 105 حديث كلمتان خفيفتان على اللسان إلخ 105 حديث شيبتنى 106.
سورة هود
مسئله علامة انكشاف حقيقة القرآن و106 ورود ثقل عظيم حديث كان إذا انزل عليه الوحى كرب لذلك 106 وان جبهته ليفصد عرقا فى الشتاء بحث فضل النبوة على الولاية وبحث العروج 107 والنزول جعلت قرة عينى فى الصلاة ونحو ذلك 107 فصل فى فضائل صلاة الليل 108 مسئله ذكر القلب هو حقيقة الذكر 109 مسئله قراءة البسملة عند ابتداء قراءة القرآن وبين السورتين قالت الصوفية الطريقة خطوتان 110 مسئله التبتل إلى اللّه لا يخل بالمعاش 110 حديث لو انكم تتوكلون على اللّه حق توكله 112 حديث ان روح القدس نفث فى روعى ان نفسا لا تموت حتى تستكمل رزقها حديث الزهادة فى الدنيا ليست بتحريم الحلال 112 الاشارة إلى مقامات السلوك وأعلاها الصبر 112 ما ورد فى الأنكال وطعام أهل النار وعذابهم 113
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 5(1/6651)
حديث يقول اللّه يا آدم ابعث بعث النار من 113 كل الف تسع مائة وتسع وتسعين مسئله السبيل إلى اللّه التذكر الموجب للمحبة والمعية مسئله قيام الليل هل كان واجبا على النبي صلعم أم لا 115 مسئله مقدار القراءة على المقتدى 116 مسئله هل يجب القرآن فى كل ركعة 120 مسئله يستحب التوسط فى العمل والمواظبة عليه 121 مسئله ادنى التوسط فى قراءة القرآن خمسين آية وأكثره الف آية حديث أيكم ماله أحب عنده من مال وارثه 123 مسئله الإنسان لا يعتبر باعمال البر بل لا بد مع ذلك من الاستغفار
سورة المدثر
مسئله وجوب تعظيم اللّه وتوحيده 124 مسئله اقوال العلماء فى تكبير التحريمة 124 مسئله طهارة المكان والثوب والبدن و125 القلب والنفس ذكر الصور واسرافيل عليه السلام 126 مسئله صعود جبل فى النار صفة خزنة النار 128 عددهم تسعة عشرا وهذا عدد رؤسائهم ولا يعلم عددهم الا اللّه مسئله الكفار مواخذون بالفروع بالآخرة 132 والعبادات والعقوبات تسقط فى الدنيا عن 132 الكافر بالإسلام مسئله جواز الشفاعة لاهل الكبائر وما ورد من الأحاديث لا ينال الشفاعة لاهل الأهواء 134 مسئله ما ورد فى بعض المعاصي انها مانعة للشفاعة 134
سورة القيامة
القيامة وذكر النفس الامارة واللوامة والمطمئنة 136 مسئله بيان القرآن محكمه ومتشابهه ضرورى 139 رؤية اللّه سبحانه 140 مسئله لعل الأنبياء والمقربون يرون اللّه 143 وانما بلا انقطاع من الناس من يرى كل يوم مرتين ومنهم من يرى 143 كل جمعة مرة أو مرتين أو كل سنة مرة أو مرتين 143
سورة الدّهر
فى هذه السورة ذكر أهل الجنة غالبا من النضرة 147 والسرور ولباسهم وحليهم وطعامهم وشرابهم وسعة ملكهم وخدمهم وسدرهم وتلا لا الجنة بلا حر وبرد وظلال لجنة وقطوفها مسئله تاويل الصوفية هل اتى على الإنسان حين من الدهر بالفناء 148
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 6(1/6652)
حديث يوذينى ابن آدم يسب الدهر إلخ 148 فصل فى مسائل النذور وما ورد فيه من الأحاديث 150 أحاديث فضل الصلاة بالمسجد الحرام والأقصى 151 ومسجد المدينة وان ذلك مختص بالمكتوبات حديث اتقوا اللّه فى الضعيفين المملوك و154 المرأة ، حديث ان الصدقة ليطفى غضب اللّه الرب 156 مسئله مقادير أكواب الجنة على حسب استعدادات فى المعارف الالهية 158 مسئله المقربون يوتون شرابا طهورا بلا توسط ولدان وملائكة غالبا وكذا الأبرار أحيانا 161 حديث ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس 162 حديث ان قلوب بنى آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن 163
سورة المرسلات
ان خلق أحدكم يجمع فى بطن امه أربعين يوما نطفة 169 حديث الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه 170 حديث شيبتنى هود والواقعة والمرسلات 170
سورة النّبإ
ما ورد فى الصّور 173 حديث ان الناس يحشرون على ثلاثة أفواج 173 حديث يحشر أمتي على عشرة أفواج 173 أحاديث فى الصراط 174 قوله تعالى إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً لِلطَّاغِينَ مَآباً لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً التأويل ان المراد بالطاغين أهل الهواء ما ورد فى الاحقاب والحميم والغساق 176 مسئله أهل الهواء يكذبون بايات اللّه 178 مسئله عذاب أهل الكبائر من المؤمنين غير أهل الهواء 178 مسئله يجزى المتقون على حسب إخلاصهم ومراتب قربهم 180 حديث لا تسبوا أصحابي فلو ان أحدكم أنفق مثل أحد ذهبه إلخ 180 مسئله الصحابة كانوا مستغرقين فى كمالات النبوة أى التجليات الذاتية الدائمة وكذا اكثر التابعين وقليل من اتباعهم ثم بعض الكرام بعد الف سنة 180 حديث مثل أمتي كمثل المطر إلخ 181 حديث ابشروا ابشروا انما مثل أمتي مثل الغيث 181 حديث انما اجلكم من أجل من خلا من الأمم ما بين العصر إلى مغرب الشمس إلخ 181 ما ورد فى الروح 182
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 7
ما ورد فى عذاب القبر وثوابه 184 ما ورد فى قصاص البهائم وكونهم ترابا(1/6653)
سورة النّازعات
ما ورد فى نزع أرواح المؤمنين والكفار 185 مسئله تحقيق النفس والروح والقلب وكيفية أزواجها حديث من دنياه أضر بآخرته حديث حفت النار بالشهوات 192 حديث الدنيا ملعونة إلخ 192 مسئله رأس المنهيات اتباع الهوى وهو قبيح شرعا وعقلا ومنها الكفر وفساد العقائد والفسق 192 أحاديث بئس العبد عبد هوى يضله نحوه 193 فائدة مراتب ترك الهواء ثلثة 193 تصحيح العقائد تنزيه الأعمال سلب الارادة بالفناء 194 حديث لا يؤمن أحدكم حتى تكون هواه تبعا لما جئت به 195 حديث بعثت انا والساعة كهاتين
سورة عبس
حديث الذي يقرء القرآن وهو ما هو مع السفرة الكرام البررة حديث كن فى الدنيا كانك غريب أو عابر سبيل حديث سيد بنى دارا ووضع مادبة إلخ 201 حديث سالت عن والديها ماتا فى الجاهلية 202
سوره كوّرت
حديث من سره ان ينظر إلى القيمة راى عين 203 حديث الوائدة والمودة فى النار 206 مسئله الواد كبيرة وفى حكمه إسقاط الحمل بعد اربعة أشهر واقل منه وزرا الاسقاط قبل ذلك 206 مسئله يحب الغرة بضرب حامل أسقطت ميتا 206 مسئله العزل عن الامة والحرة حديث انها أى الشمس تذهب وتسجد تحت العرش حديث إذا تكلم اللّه بالوحى أخذت السموات 208 منه رجفة وصعق أهلها وخروا سجدا 209 وأول من يرفع راسه جبرئيل قالوا ماذا قال ربكم إلخ مسئله بيان كون النبي صلعم ذى قوّة عنه ذى العرش مكين مطاع ثمّ أمين 209 مسئله الحقيقة المحمدية هى التعين الأول 209 مسئله هل راى محمد صلعم ربه بفؤاده أو بعينه 210 مسئله أقصى مقامات العابدية الحقيقة الاحمدية ووراء ذلك اللاتعين والسير هناك نظرى 210
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 8
رؤية النبي صلعم جبرئيل على صورته 210 مسئله كونه صلعم رحمة للعالمين وشمول قصة الملائكة 212
سورة انفطرت(1/6654)
حديث إذا قام الرجل فى الصلاة اقبل اللّه عليه بوجهه فإذا التفت إلخ 214 حديث ان النطفة إذا استقرت فى الرحم احضر كل عرق بينه وبين آدم 215 أحاديث عرض الجنة والنار فى القبور 216
سورة المطففين
أحاديث عقوبة بعض المعاصي فى الدنيا 218 حديث ان المطففين يوقفون يوم القيمة حتى ان العرق ليلجمهم إلى آذانهم ما ورد فى الموقف ودنو الشمس وحرها 219 والعرق وان المؤمنين على كرامى يظل عليهم الغمام ما ورد فى السجين انه موضع صحف 220 اعمال الكفار وهناك مقر أرواحهم وهو فى جهنم تحت الأرض السابعة حديث يجأ بجهنم يوم القيمة من الأرض السابعة لها الف زمام إلخ 221 حديث المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء فى قلبه 222 مسئله عليون فوق السماء السابعة تحت العرش أو هو قائمة العرش أو الجنة أو السدرة المنتهى 223 الأحاديث الواردة فى مقر أرواح الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وفساق المؤمنين 224 مسئله التنافس لا يليق على الامتعة الدنيوية وهى رويلة ويليق بالنعم الاخروية وهى جميلة 226
سورة انشقت
حديث من حوسب عذب يعنى ان نوقش فى الحساب عذب 229 حديث لتركبن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر ذراعا بذراع إلخ 230 مسائل سجود التلاوة وما يناسبه 232
سورة البروج
البروج حديث أكرموا الشهود إلخ 225 حديث فى صدر اللوح لا اله الا اللّه وحده دينه الإسلام ومحمد عبده ورسوله إلخ وهو من درة بيضا وطوله إلخ 239
سورة الطارق
مسئله وجوب التسبيح 243 حديث كتب اللّه مقادير الخلائق 243
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 9(1/6655)
حديث كل شىء بقدر 243 الأحاديث الواردة فى تعاهد القرآن والنهى عن نسيان القرآن مسئله تكبير التحريمة شرط للصلوة أو ركن 245 صدقة الفطر قبل صلوة العيد 245 مسئله السنة فى الدعاء الثناء على اللّه تعالى والصلاة على النبي صلعم اولا وآخرا وما ورد فيه من الأحاديث 246 مسئله أول منازل السلوك التوبة والتزكية ثم مداومة الذكر اللساني والقلبي والروحي والسرى ثم المشاهدات 247 مسئله اذكار الطريقة المجددية 247 مسئله هل يجوز القراءة فى الصلاة بالفارسية 248 ما ورد من الأحاديث فى سورة الأعلى وانه صلعم كان يحبها 248 فائدة فى سورة الأعلى تأثير فى العروج 248
سورة الغاشية
مسئله شراب أهل النار وطعامهم 250 مسئله صفة الجنة وما فيها من الأنهار والأكواب والنمارق والزرابي 251
سورة الفجر
حديث ما من ايام أحب إلى اللّه من عشر ذى الحجة 253 حديث أفضل الصيام بعد رمضان شهر اللّه 253 المحرم وأفضل الصلاة بعد المكتوب إلخ قصة امرأة فرعون وخازنه وزوجته 256 مسئله توسعة المال تفضل يوجب الشكر وقد يكون موجبا للاكرام فى الاخرة 258 حديث لا حسد الأعلى اثنين 258 مسئله التقتير لا يكون اهانة 258 أحاديث فخر الفقراء على الأغنياء 258 ما ورد فى صفوف الملائكة يوم القيامة 259 وقوله تعالى وجئ يومئذ بجهنم 260 اطمينان النفس والايمان الحقيقي 261 حديث ذاق طعم الايمان من رضى باللّه 261 ربا إلخ قوله تعالى ارجعي إلى ربك راضية مرضيه 261 ذكر عباد اللّه الصالحين 263 حديث عبد الدينار والدرهم 263
سورة البلد
حديث فضل مكة حديث ابن آدم ان 264 نازعك لسانك فقد أعنتك بطبقتين إلخ 266 ما ورد فى فك الرقبة والإطعام وغير ذلك 267
سورة الشمس
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 10(1/6656)
حديث ارايت ما يعمل الناس ويكدحون فيه شىء قضى عليهم 270 حديث ان قلوب بنى آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن 270 حديث اللّهم انى أعوذ بك من العجز والكسل إلخ 271 اللّهم ات نفسى تقويها إلخ 271 حديث أشقى الناس عاقر ناقة ثمود وابن آدم الذي قتل أخاه 272
سورة اللّيل
حديث كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها 274 حديث اتق النار ولو بشق تمر حديث من ذكرت عنده فلم يصل على حديث ما منكم من 274 أحد الا وقد كتب مقعده من النار أو من الجنة اعملوا فكل ميسر لما خلق له 275 الصحابة كلهم عدول لا يدخل أحد منهم فى النار الأحاديث الواردة فى مدح الصحابة 277 مسئله المؤمن لا يخلد فى النار وان كان فاسقا 278 مسئله أبو بكر أفضل الناس بعد الأنبياء حديث كنا فى زمن النبي صلعم لا نعدل بابى بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان 280
سورة الضّحى
حديث انا أهل بيت اختار اللّه لنا الاخرة على الدنيا 283 مسئله من استوى يوماه فهو مغبون 283 حديث اذن لا ارضى وواحد من أمتي فى النار 283 مسئله العروج والنزول وما يلحق الصوفي من الغم والحزن فى مقام النزول وفى هذا المقام سورة الضحى 284 حديث ما أوذي أحد مثل ما أوذيت 285 ما ورد فى القناعة وغنى النفس 286 حديث خير بيت فيه يتيم يحسن إليه إلخ 286 حديث اما انا وكافل اليتيم كهاتين 287 حديث من كتم علما من اهله الجم يوم القيامة 287 حديث الطاعم الشاكر له مثل اجر الصائم الصابر 287 أحاديث لا يشكر اللّه من لا يشكر الناس ونحو ذلك 287 مسئله يجب الشكر على نعمة الشكر ما هو 288 مسئله تحديث النعمة شكر وما يشترط 288 فصل فى التكبير من سورة الضحى إلى الختم على قراءة ابن كثير 288
سورة الم نشرح
ما ورد من الأحاديث فى شرح صدر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم 290 مسئله شرح الصدر والإسلام الحقيقي 291 باصطلاح الصوفية قال اللّه تعالى إذا ذكرت ذكرت معى 292
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 11(1/6657)
اليسرين مع العسر فى مقام النزول 294 حديث ليس يتحسر أهل الجنة الأعلى ساعة لم يذكروا اللّه فيها 293 فائدة قراءة الم نشرح يويد فى النزول 295
سورة والتين
حديث ما من مولود الا يولد على الفطرة 297 إذا عجز المؤمن عن العمل من الكبر أو المرض أو غير ذلك كتب له ما كان يعمل قبل ذلك 298
سورة اقرأ
ذكر بدو نزول الوحى وخلوته صلعم مجراء 301 شهرا أو أربعين يوما مسئله البسملة ليس جزء من كل سورة 301 مسئله الصوفي يلزم اولا ذكر الاسم كى يهتدى به إلى المسمى 302 مسئله علوم العالمين بعض علوم الإنسان وأخص منه ولو من وجه لان العلم بكنه الذات علما حضوريا 304 حديث اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد 309
سورة القدر
مسئله ليلة القدر منتقلة فى العشر الأواخر من رمضان الأحاديث الذي وردت فى تعين ليلة القدر 312 ما ورد فى فضل ليلة القدر 315
سورة لم يكن
خواص البشر أفضل من خواص الملائكة وعوام البشر اعنى الصالحين ارباب القلوب والنفوس الزاكية أفضل من عوام الملئكة 319 حديث ان اللّه يقول لاهل الجنة هل رضيتم الا أعطيكم أفضل من ذلك أحل عليكم رضوانى إلخ 319 مسئله رضا العبد عن اللّه تعالى على اقسام ترك الاعتراض والاعتقاد وبحسن مقضيه وكون مقضية محبوبا له وبلوغ العبد أقصى ما يتمناه 319 حديث قال عليه السلام لابى ان اللّه أمرني ان اقرأ القرآن 320
سوره إذا زلزلت
حديث يقول اللّه يوم القيمة لادم ابعث بعث النار 321 حديث يلقى الأرض أفلاذ كبدها فلا يأخذون منه شيئا 322 حديث يوشك الفرات ان يحسر عن كنز من ذهب فيقتل الناس عليه ووجه الجمع بينهما 322 حديث يشهد الأرض على كل بما عمل عليها 322 حديث من تصدق بعدل تمر إلخ 323
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 12(1/6658)
حديث لا يحقرن من المعروف شيئا 323 مسئله المؤمن المرتكب للكبائر غير التائب لا يخلد فى النار وبه تواترت الأحاديث 324 حديث يخرج من النار من قال لا اله الا اللّه إلخ ونحو ذلك 324 مسئله حسنات الكافر ليست بحسنات على الحقيقة 324 مسئله يجوز مغفرة العاصي من غير توبة 323 حديث والذي نفسى بيده ليغفر اللّه يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس 325 مسئله يجوز ان يعذب اللّه المؤمن على صغيرة أو كبيرة خلافا للمرجية 325 ما ورد عن الأحاديث فى الاحتراز عن الصغائر وإياك والمحقرات من الذنوب 325 ما ورد فى فضائل السورة 326
سورة العاديات
مسئله الواجب ان لا يدفع الحاج من المزدلفة الا مصبحا 327
سورة القارعة
ذكر الميزان وثقلها بعوضة 330 حديث يوتى العبد فيوقف بين كفى الميزان ونادى الملك بانه سعيد أو شقى مسئله من السعداء من لا يوذن عمله حديث تنصب الموازين فيوفون أجور الصلاة والصدقة والحج والشهادة فى سبيل اللّه بالميزان واهل النار لا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان 331 قلت لعل المراد باهل البلاء أهل الشق من الصوفية 331 حديث بخ بخ بخمس ما أثقلهن إلخ 331 حديث يوضع الموازين فيوتى بالرجل فيتمائل به كفة سياته فيبعث إلى النار ثم يوتى ببطاقته فيها لا اله الا اللّه فيترحج به كفة الحسنات قلت ذلك لمن يشاء اللّه تفضله 332
سورة التكاثر
ما ورد من الأحاديث فى النهى عنه والأمر بالتواضع 322 حديث على كنا نشك فى عذاب القبر حتى نزلت 334 حديث ليس الخبر كالمعائنة 335 ما ورد فى السؤال عن النعيم وان من النعيم 335 النعال وشرب الماء البارد وأكل خبز البر ونحو ذلك 335 حديث خيانة الرجل فى علمه أشد من خيانته فى ماله وان اللّه يسأ لكم عنه 336
سورة العصر
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 13
مسئله الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجب وتركه خسران وما ورد من الأحاديث فى ذلك 337
سورة الهمزة(1/6659)
حديث خط النبي صلعم خطا مربعا فى الأمل والأجل 339 حديث أوقد على النار الف سنة حتى احمرت إلخ 339 حديث ان النار تأكل حتى إذا اطلعت افئدتهم إلخ 339 حديث إذا بقي فى النار من تخلد جعلوا فى التوابيت 340
سورة الفيل
قصة اصحاب الفيل على ما ذكره محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم
سورة قريش
فصل فى فضائل قريش لا يلف قريش 347 اما من كل سور
سورة ارايت
حديث سئل عن الذين هم عن صلوتهم ساهون قال اضاعة الوقت 349 حديث من صلى يراى فقد أشرك حديث ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الماء والملح والنار 350 حديث ذاك شيطان يقال له خسرت 350 إذا احسسته فتعوذ باللّه الحديث
سورة الكوثر
الأحاديث الواردة فى الكوثر 352
سورة الكافرون
ما ورد فى فضائل السورة 355
سورة النّصر
قصة فتح مكة 356 حديث أتاكم أهل اليمن هم ارق افئدة وألين قلوبا للايمان إلخ 365 حديث لاستغفر اللّه فى اليوم سبعين مرة 366 مسئله سن تقديم التسبيح والحمد والصلاة على النبي صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم على الدعاء فى الاستغفار 366 حديث كان يكثر قول سبحان اللّه وبحمده استغفره وأتوب إليه وكان يكثر ذلك فى ركوعه 366
سوره تبّت
حديث ان أطيب ما أكلتم من كسبكم وان أولادكم من كسبكم 367
سورة الإخلاص
مسئله لا يشاركه تعالى أحد فى الوجود 370 ولا فى صفة من الصفات ومعنى
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 14
لا اله الا اللّه لا موجود الا هو مسئله لا يجوز البحث والتفتيش فى مسائل الذات والصفات وسائر المسائل الكلامية بعد الايمان بظاهر النصوص 371 مسئله ما هو مقصود لك فهو معبودك ومعنى لا اله الا اللّه لا مقصود الا اللّه 372 مسئله حديث كذبنى ابن آدم وشتمنى إلخ فصل فى فضائل سورة الإخلاص
سورة الفلق
حديث لن تقرأ شيئا ابلغ عند اللّه من قل أعوذ برب الفلق 378
سورة الناس
حديث لو لا رجال ركع وأطفال رضع إلخ 380 ما من آدمي الا وفى قلبه بيتان إلخ 380 فصل فى فضائل المعوذتين 381 فصل فى فضائل القرآن وحسن الصوت والترتيل 382 تمّت صلى اللّه تعالى على خير خلقه محمّد واله وأصحابه أجمعين بتصحيح : مولانا غلام نبى تونسوى الراجي إلى مغفرة ربه القوى 1410 ه 1990.(1/6660)
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 17
سورة الملك
مكيّة وهى ثلثون اية نحمدك يا من لا اله الا أنت ونسبحك ونستعينك ونستغفرك ونشهد انك ملك الملك توتى الملك من نشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتزل من تشاء بيدك الخير انك على كل شىء قديره أنت ربنا ورب السموات والأرض ومن فيهن ونصلى ونسلم على رسولك وحبيبك سيدنا ومولانا محمد وعلى جميع النبيين والمرسلين وعلى عبادك الصالحين ربّ يسّر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وتمّم بالخير(1/6661)
تَبارَكَ مشتق من البركة بمعنى الزيادة المقتضى للكمال وعدم النقصان والمأخوذ فى اسماء اللّه تعالى وصفاته من معانى الألفاظ هو الغايات دون المبادي فهو من صيغ التكبير ويستلزمه التنزه عن صفات المخلوقين فانها لا تخلو عن النقصان الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ اليد من المتشابهات لتنزهه سبحانه عن الجارحة واوله المتأخرون بالقدرة والملك وهو السلطان على كل شىء والتصرف فى الأمور كلها وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ أى على كل ما يشاء قَدِيرٌ لا يمكن لاحد دفع ما اراده فلا يجوز الخوف والرجاء الا منه تعالى ولما كانت هذه الآية بمنزلة الدعوى على وجوده تعالى وكمال صفاته وتنزيهه مستدعيا للبرهان عقبها بما يدل على ذلك من الآيات فى نفس المكلفين من خلق الموت والحيوة وفى خلق السموات بلا تفاوت وفطور وخلق الأرض وجعلها ذلولا وخلق ما فيها من الأرزاق والطير صافات وذكر فيها بين ذلك استطرادا عذاب الكفار الذين لم يسمعوا أو لم يعقلوا البراهين والآيات وثواب الذين يخشون ربهم المنتفعين بالحجج والبينات فقال.
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ الموصول مرفوع اما انه بدل من الموصول
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 18(1/6662)
السابق واما خبر مبتداء محذوف أى هو أو منصوب على المدح والحيوة من الصفات اللّه تعالى وهى صفة يستتبع العلم والقدرة والارادة وغيرها من صفات الكمال وقد استودعها اللّه تعالى فى الممكنات وخلقها فيها على حسب إرادته واستعداداتها فظهرت فى الممكنات على مراتب شتى ظهرت فى بعضها بحيث تستتبع المعرفة التي لا كيف لها بذات اللّه تعالى وصفاته وهى الامانة التي حملها الإنسان وأشفقن منها السموات والأرض والجبال وذلك بإلقاء نور من اللّه تعالى وهذا القسم من الحيوة وما يقابلها من الموت المستفاد من قوله تعالى أ فمن كان ميتا فاحييناه وقوله عليه الصلاة والسلام ان اللّه خلق خلقه فى ظلمة فالقى عليهم من نوره فمن أصاب من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك أقول جف القلم على علم اللّه رواه احمد والترمذي وفى بعضها بحيث يستتبع الحس والحركة الحيوانية المعبر عنها وعما يقابلها بقوله تعالى كنتم أمواتا فاحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم وفى بعضها لتستتبع النمو فقط المعبر عنها وعما يقابلها بقوله تعالى يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها أى يحيى نبات الأرض بعد يبسها وذلك القسمين من الحيوة ينفخ الروح الإنساني والحيواني والنباتي فى الأجسام وليس شىء من الاقسام الثلاثة المذكورة للحيوة فى الجمادات ولذا قال اللّه تعالى فى حق الأصنام أموات غير احياء ولكن الجمادات أيضا لا تخلو عن نوع من الحيوة كما يدل عليه قوله تعالى وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وقد مر تفسيره فى سورة البقرة وهذا النوع من الحيوة لازم للوجود وقال اللّه تعالى وان من شىء الا يسبح بحمده والموت فى كل مرتبة من المراتب المذكورة عبارة عن عدم الحيوة أو مطلقا أو عدم الحيوة عما من شأنه انه يكون حيا فالتقابل بينهما اما تقابل العدم والملكة أو الإيجاب والسلب فهى صفته عدمية مقتضاه إلى الحقيقة الممكن مقدمة على الحيوة(1/6663)
المستودعة من اللّه سبحانه كما يدل عليه ما تلونا من قوله تعالى أو من كان ميتا فاحييناه وقوله تعالى كنتم أمواتا فاحييناكم ويحى الأرض بعد موتها وقوله تعالى كن فيكون ولاجل تقدم الموت على الحيوة فى كل مرتبة طبعا قدمت هاهنا على الحيوة ذكرا أو لان افرغ فتقديمها فى الذكر مع الابتداء الأليق وقال بعض العلماء الموت صفة وجودية والتقابل بالتضاد فهى كيفية فى الأجسام مانعة من العلم والقدرة والحس والحركة ونحوها مستدلين بهذه الآية فان خلق الموت يقتضى وجوده والاعدام الاصلية
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 19(1/6664)
غير مخلوقة قلنا بديهة العقل شاهدة انا لا نجد فى الأموات امرا منضما إلى ذواتها بل امرا انتزاعيا ينتزع منها كما ينتزع العمى من الأعمى وبصيرة الكشف حاكمة بان الصفات اللّه تعالى نقايض متمايزة فى مرتبة العلم فنقيض الحيوة الموت ونقيض العلم الجهل ونقيض القدرة العجز ونقيض البصر العمى وهكذا هى اعدام اصلية تقررت فى مرتبة العلم بالاضافة إلى نقايضها وبصبغ اللّه سبحانه وكمال قدرته انصبغت تلك الاعدام فى تلك المرتبة بصبغ نقايضها التي هى صفات الكمال وتلك مخلوطة فى مرتبة العلم سميت أعيانا ثابتة وانصباغها فى تلك المرتبة بصبغ الوجود هو الكون الأول والسبب للكون فى الخارج كما ذكرنا فى تفسير قوله تعالى كُنْ فَيَكُونُ فى سورة البقرة فالاعيان الثابتة ظلال للصفات والممكنات فى الخارج الظلي ظلال لها ومعنى كون الممكنات ظلال لها ان افاضة الوجود وتوابعه من المبدأ الفياض على الممكنات الموجودة فى الخارج ليست الا بتوسط تلك الأعيان الثابتة كما ان نور المصباح الذي فى الزجاجة ينبسط على الأشياء بتوسط الزجاجة وأشير إلى ذلك فى تفسير قوله تعالى مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ ثم اعلم ان توسط الأعيان الثابتة بين الصفات والممكنات انما هو فى دار الدنيا واما فى الاخرة فسيكون افاضة الوجود وتوابعه من الصفات بلا توسط الأعيان وهذا هو الوجه لطويان الفناء على الممكنات فى الدنيا لا فى الاخرة آيات القرآن اعنى قوله تعالى كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ وقوله تعالى أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وأمثالها ناطقة بان الموت صفة للممكن مقدمة على الإيجاد فتاويل قوله تعالى خلق الموت أى أظهره بايجاد الحيوة أو أظهره بازالة الحيوة أو خلق الأموات بحيث ينتزع منها عدم الحيوة والخلق بمعنى التقدير(1/6665)
اى قدر الموت والحيوة (قال) البغوي قال عطاء عن ابن عباس يريد خلق الموت فى الدنيا والحيوة فى الاخرة قلت لعله أراد انه تعالى عبر الحيوة الدنيوية بالموت والحيوة الاخروية بالحياة قلت وذلك لما قلنا من كون الأعيان الثابتة مربيات لها فى الدنيا وكون الاعدام داخلة فى ماهياتها فكان الحيوة الدنيا لا يخلو من شائبة الموت ويصدق ان يقال إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ أى فى الحال وكذا كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وكُلُّ شَيْ ءٍ هالِكٌ فان الحقيقة فى المشتق هو المعنى الحال وما كان أو ما يؤل فهو مجازى واللّه تعالى أعلم وذهب جماعة إلى ان الموت جسم ليس بعرض وانه مخلوق فى صورة كبش أملح والحياة فى صورة فرس أنثى واختاره السيوطي فى بدور السافرة ومبنى هذا القول
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 20(1/6666)
ما ذكر البغوي اثر ابن عباس فى تفسير هذه الآية قال خلق الموت فى صورة كبش أملح لا يمر بشئ ولا يجد ريحه شيء الا مات وخلق الحياة فى صورة فرس بلقاء أنثى وهى التي كان جبرئيل والأنبياء يركبونها لا يمر بشئ ولا يجد ريحها شى الا حيى وهى التي أخذ السامري قبضة من اثرها فالقاها فى العجل فحيى قلت وهذا الأثر لا يدل على ان الموت جسم وليس بعرض وكذا الحياة بل يدل على ان من المخلوقات جسم على صورة كبش أملح يقال لها الموت وجسم على صورة فرس يقال لها الحياة لا يمران بشئ ولا يجد ريحها الا مات بالأولى وحيى بالثانية فالموت والحياة فى الحيوان ليس نفس ذلك الجسم بل اثر يترتب على مرورها ووجدان ريحها كما يترتب على اقتراب السموم ونحو ذلك وما ورد فى الصحيحين عن ابن عمر قال قال النبي صلعم إذا صار أهل النار إلى النار جئ بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح ثم ينادى منادى يا أهل الجنة لا موت ويا أهل النار لا موت فيزداد أهل الجنة فرحا أى فرحهم ويزداد أهل النار حزنا أى حزنهم وفيهما عن ابن سعيد قال قال رسول اللّه صلعم يجاء بالموت يوم القيامة كأنَّه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار الحديث إلى قوله فيؤمر به فيذبح إلخ واخرج الحاكم وصححه وابن حبان عن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلعم يوتى بالموت فى صورة كبش أملح إلخ نحوه فمذهب السلف الوقوف عن الخوض فى معناه والايمان به وتفويض علمه إلى اللّه تعالى كما فى سائر المتشابهات كذا نقل السيوطي عن الحكيم الترمذي والصوفية العلية لما ظهر لهم من العوالم عالم المثال وفيه مثال لكل جوهر وعرض بل للمجردات أيضا بل للّه سبحانه أيضا مع كونه متاعال عن الشبه والمثال ذلك هو المحل لحديث رايت أبى على صورة امرد شاب قطط فى رجله نعلا الذهب وقد ينتقل الصورة المثالية من عالم المثال إلى عالم الشهادة بكمال قدرته تعالى وقد اشتهر ذلك كرامة عن كثير من الأولياء ولعل(1/6667)
اللّه تعالى يحضر الصورة المثالية للموت من عالم المثال فى الآخرة إلى عالم الشهادة فيومر بذبحه حتى يظهر أهل الجنة والنار انه خلود ولا موت وهكذا التأويل فى حشر الإسلام والايمان والقرآن والأعمال والامانة والرحم وايام الدنيا كما نطق به الأحاديث الصحيحة التي لا يسع ذكرها المقام قال السيوطي فى البدور السافرة الأعمال والمعاني كلها مخلوقة ولها صورة عند اللّه تعالى وان كنا لا نشاهدها وقد نص ارباب الحقيقة على ان من انواع الكشف الوقوف
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 21
على حقائق المعاني وادراك صورها بصور الأجسام والأحاديث شاهدة لذلك وهى كثيرة انتهى وهذا القول من السيوطي حكاية عن عالم المثال واللّه تعالى أعلم لِيَبْلُوَكُمْ أى ليعاملكم معاملة مختبر بالتكليف أيها المكلفون أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا الجملة مفعول ثان ليبلوكم يتضمن معنى يعلم وليس هذا من التعليق لتقدم المفعول الأول على الاستفهام ولو كان تعليقا لتقدم الاستفهام عليه وقال الفراء لم يوقع البلوى على أى ويليها إضمار كما يقول بلونكم لا نظر أيكم أطوع قال البغوي روى عن ابن عمر مرفوعا احسن عملا احسن عقلا وأورع من محارم اللّه واسرع فى طاعة اللّه وقوله تعالى ليبلوكم متعلق بخلق الموت والحيوة يعنى الحكمة فى خلق الموت والحيوة ظهور المطيع من العاصي فان الحيوة مدار التكليف به تحصيل القدرة الممكنة و(1/6668)
الموت واعظ به يتعظ الزكي ومغتنم الفرصة لكسب الزاد للمعاد وانقلاب الأحوال من الحيوة والممات دليل على وجود الصانع الحكيم المختار وعن عمار بن ياسر مرفوعا كفى بالموت واعظا وكفى باليقين غنى رواه الطبراني ورواه الشافعي واحمد عن الربيع بن انس مرسلا كفى بالموت وهذا فى الدنيا مرغبا فى الاخرة وعن أبى هريرة بادروا بالأعمال سبعا ما تنظرون الا فقرا منسيا أو غنى مطغيا أو مرضا مفسدا أو هرما مفتدا أو موتا مجهرا والدجال فانه شر منتظر والساعة أدهى وامر رواه الترمذي والحاكم وصححه وروى احمد ومسلم عنه مرفوعا بادروا قبل ست طلوع الشمس من مغربها والدخان ودابة الأرض والدجال وخويصة أحدكم وامر العامة والمراد بخويصة أحدكم الموت وبامر العامة القيامة وعن أبى امامة عند البيهقي نحوه وَهُوَ الْعَزِيزُ فى انتقامه ممن عصا الْغَفُورُ لمن شاء.
الَّذِي خَلَقَ خبرا آخر لهو أو صفة من الغفور أو بدل من الموصول السابق سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً أى ذات طباق جمع طبق كحبل وحبال أو طبقة كرحبة ورحاب أو مصدر فعل محذوف أى طوبقت طباقا من طابق النعل إذا خصفها طبقا على طبق وصف للسبع أو حال وقد ذكرنا فى سورة البقرة وما ورد فى السموات السبع وبعد ما بينهن ما تَرى يا محمد صلعم أو أى مخاطب كان وما نافية أو استفهامية للانكار مفعول ترى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ الاضافة للعهد والمراد به ما ذكر من السموات السبع والاضافة إلى الرحمن للتعظيم ولا يجوز ان يكون الاضافة لتعريف الجنس فان فى جنس الخلق تفاوتا فاحشا
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 22(1/6669)
كما لا يخفى الا ان يقال المراد بالتفاوت فوت شىء مما ينبغى فيه وعدم التناسب فمقتضى العبارة انه ليس فى الإمكان أبدع مما كان يعنى باعتبار النظام الجملي مِنْ تَفاوُتٍ من زائدة أو تبعيضية على تقدير كون ما نافية وبيانية على تقدير كونها استفهامية والجملة صفة للسبع أو حال من فاعل خلق أو مفعوله وضع المظهر يعنى لفظ الرحمن أو لفظ خلق الرحمن موضع الضمير الرابط للتصريح على سبب عدم نقصانه فانه مستند إلى من هو متنزه عن النقص متصف بالرحمة أو مستأنفة فى جواب كيف خلقت قرأ حمزه والكسائي تفوت من التفعيل والباقون من التفاعل ومعناهما واحد كالتعهد والمتعاهد من الفوت فان كلا من المتفاوتين يفوت عنه بعض ما فى الاخر يعنى ليس اعوجاج ونقصان كما ترى فى ابنية البشر فَارْجِعِ الْبَصَرَ جواب شرط محذوف أى ان زعمت ان يظهر التفاوت بتكرار البصر فارجع البصر هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ أى شقوق من فطرة إذا شقه ومن زائدة أو تبعيضية والاستفهام للتقرير.
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ عطف على فارجع والتثنية للتكثير أى كرة بعد كرة كما فى لبيك يَنْقَلِبْ مجزوم على جواب الأمر إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً أى بعيدا طريدا عن إصابة المطلوب مع الذل والصغار وَهُوَ حَسِيرٌ كليل من طول المعاودة وكثرة المراجعة حال بعد حال من فاعل ينقلب قال البغوي روى عن كعب السماء الدنيا موج مكفوف والثانية من درة بيضاء والثالثة حديد والرابعة صفراء نحاس والخامسة فضة والسادسة ذهب والسابعة ياقوتة حمراء ومن السّماء السابعة إلى الحجب السبعة صحارى من نور.(1/6670)
وَ لَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا أى السفلى وهى القريبة من الأرض بِمَصابِيحَ أى الكواكب فانها مصابيح الظلم يهتدى بها الطرق وظاهر الآية تدل على ان الكواكب كلها مرتكزة فى السماء الدنيا وما زعمت الفلاسفة خذلهم اللّه امر لا دليل عليه واستدلال هم بتعدد حركاتها على تعدد أفلاكها لا يتم الا بعد ثبوت امتناع الخرق والالتيام على السموات وذلك جايز عقلا واجب شرعا وَجَعَلْناها أى المصابيح رُجُوماً لا يزولها من مكانها بل بانتقاض الشهب فيها لِلشَّياطِينِ إذا استرقوا السمع وَأَعْتَدْنا لَهُمْ فى الاخرة عَذابَ السَّعِيرِ النار الموقدة ولما تضمن ما سبق من الكلام ذكر الشياطين عقبهم ذكر عذاب الكفار لكون الشياطين من زمرة الكفار وكونهم اخوان الشياطين فقال.
وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 23
هى.
إِذا أُلْقُوا فِيها أى الذين كفروا فى جهنم سَمِعُوا لَها شَهِيقاً صوتا كصوت الحمار خارجا من النار نفسها أو من الذين دخلوا فيها قبلهم أو من أنفسهم لها حال من شهيقا قدم عليه لكونه نكرة وَهِيَ أى جهنم تَفُورُ تغلى كظيان المرجل أخرج هناد عن مجاهد تفور بهم كما تفور الجب القليل الماء كثيرا وهذا على سبيل الاستعارة.(1/6671)
تَكادُ جهنم تَمَيَّزُ أى تنشق مِنَ الْغَيْظِ متعلق بتميز والجملة حال من فاعل تفور وجملة وهى تفور حال من ضمير لها والمراد بالغيظ اما غيظ اللّه سبحانه أو غيظ ملائكة العذاب أو غيظ النار نفسها على اعداء اللّه تعالى ونسبة الغيظ إلى النار اما بالمجاز على سبيل الاستعارة أو بالحقيقة بعد اثبات الشعور لها كما أثبتناه فى الجمادات كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ جماعة من الكفار سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها توبيخا وتبكيتا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ يخوفكم من عذاب اللّه جملة مستانفة فى جواب ما يقال لهم حين يلقون وكلما ظرف متعلق بسالهم والاستفهام للتقرير.
قالُوا حكاية عن الحال المستقبل وهى مستانفة أيضا كأنَّه فى جواب ما يقولون حين يسألون كذلك بَلى مفعول قالوا قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فعيل صفة بمعنى الجمع أو مصدر مقدر بمضاف أى أهل إنذار أو منعوت به للمبالغة أو صفة بمعنى الواحد والمعنى قالوا قد جاء إلى كل منا نذير والجملة مقررة لمعنى بلى فَكَذَّبْنا النذير وفرطنا فى التكذيب حتى وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْ ءٍ ج صلى فيه نفى للانزال والإرسال إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ الظاهر انه من كلام الكفار مبالغة فى تكذيبهم بالنسبة إلى الضلال الكبير ويحتمل ان يكون من كلام الزبانية للكفار على ارادة القول والنذير ان كان بمعنى الواحد فالخطاب له ولامثاله على التغليب أو اقامة تكذيب الواحد مقام تكذيب الكل.(1/6672)
وَ قالُوا عطف على قالوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ كلام النذير سماع قبول من غير عناد فنؤمن بما ثبت بالادلة السمعية أَوْ نَعْقِلُ ويتفكر فى الآيات والدلائل العقلية الموجبة للايمان باللّه تعالى والرسول وما جاء به وتقديم السمع على العقل لكون الادلة السمعية اولى بالاتباع واخرى باصابة الحق من الادلة العقلية والعقل غير كاف بالاستقلال والآية تدل على ان العقل السليم مطابق للوحى المنزل ويحتمل ان يكون كلمة أو بمعنى الواو يعنى لو كنا نسمع كلام النذير ونعقل معناه فيتفكر فيه تفكر
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 24
المستبصرين ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ فى عددهم من جملتهم.
فَاعْتَرَفُوا معطوف على قالوا عطف تفسير بِذَنْبِهِمْ حين لا ينفعهم الاعتراف وهو اقرار عن معرفة والمراد بالذنب الكفر ولم يجمع لأنه فى الأصل مصدر فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ منصوب على المصدر أى فاسحقهم اللّه سحقا أى ابعدهم من رحمته والتغير للايجاز والمبالغة قرأ الكسائي بضم الحاء والباقون بالسكون وهما لغتان مثل الرعب والرعب والجملة الدعائية معترضة.
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ يخافون عذابه غائبا عنهم لم يعاقبوه بعد أو غائبين عنه أو عن أعين الناس لا كالمنافقين أو بالمخفي منهم وهو قلوبهم لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَأَجْرٌ كَبِيرٌ يصغر بالنسبة إليه كل ما يخطر بالبال من اللذة والجملة معترضة ذكر اللّه سبحانه وعد المؤمنين فى مقابلة وعيد الكفار وجعل عنوانهم خشية اللّه اشعارا بان الخشية هى المقصود من الايمان قال رسول اللّه صلعم راس الحكمة مخافته رواه الحكيم الترمذي عن ابن مسعود قال ابن عباس كان المشركون ينالون من رسول اللّه صلعم فيما بينهم فيخبره جبرئيل عليه السلام لو أسروا قولكم كيلا يسمع اللّه امر محمد فنزلت.(1/6673)
وَ أَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ امر بمعنى الخبر يعنى هما سواء فى علم اللّه خطاب إلى الكفار على الالتفات من الغيبة وفيه تهديد إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أى بالضمار قبل ان يتكلم لها سرا أو جهرا فهو تعليل للتسوية.
أَ لا يَعْلَمُ ما فى الصدور مَنْ خَلَقَ الصدور وما فيها وكل شىء أو المعنى الا يعلم اللّه من خلقه الاستفهام للانكار وانكار النفي اثبات للعلم فهو تأكيد بما سبق وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ المتوصل علمه إلى ما ظهر وما بطن حال من فاعل خلق ثم نبه اللّه تعالى على جهلهم ببيان بدايع صنعته الدالة على اتساع علمه وقدرته وعلى قبح صنعهم حيث كفروا فى مقابلة الانعام المقتضى للشكر.
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا سهلا لا يمنع المشي فيها كالناقة الذلول المنقادة فَامْشُوا فِي مَناكِبِها جوانبها ومنه منكب الرجل وقيل المراد بالمناكب الجبال وهذا مثل لفرط التذلل فان منكب البعير لا يطأ الراكب ولا يتذلل له فإذا جعل الأرض فى الذل بحيث يمكن المشي فى مناكبها لم يبق شىء لم يتذلل وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ والتمسوا من نعمة عطف على فامشوا
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 25
وَ إِلَيْهِ النُّشُورُ المرجع فيسالكم عن شكر ما أنعم اللّه عليكم.(1/6674)
أَ أَمِنْتُمْ قرأ قنبل النشور وأمنتم بقلب النشور وأمنتم بقلب همزة الاستفهام واوا فى الوصل ويمد بعد الواو مدة فى تقدير الف ولو وقف على النشور حقق الهمزة والكوفيون وابن ذكوان بتحقيق الهمزتين والباقون بتليين الثانية وهم على أصولهم فى إدخال الالف وعدمه مَنْ فِي السَّماءِ قال ابن عباس أى عذابه من فى السماء ان عصوا والمراد بمن فى السماء هو اللّه سبحانه عن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلعم ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاخر يقول من يدعونى فاستجيب له من يسالنى فاعطيته من يستغفر فاغفر له متفق عليه وفى رواية لمسلم ثم يبسط يديه ويقول من يعرض عير عدوم ولا ظلوم حتى يتفجر فالاية من المتشابهات لكونه تعالى منزها عن التمكين فى السماء فمذهب السلف السكوت وقول الصوفية كما ذكرنا فى تفسير قوله تعالى يأتيهم اللّه فى ظلل من الغمام وللمتاخرين تأويلات بان فى السماء امره وقضاءه أو هو فيها على زعم العرب أو المراد بالسماء الرفعة والعلو من حيث الرتبة دون المكان والاستفهام للانكار وقيل المراد بمن فى السماء الملائكة الموكلين على تدبير الأمور الذين هم بمنزلة الآلة الكاسبة لخسف الأرض وإرسال الحاصب أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فيغيبكم فيها كما فعل بقارون وهو بدل من بدل اشتمال فَإِذا هِيَ أى الأرض تَمُورُ تتحرك الجملة معطوفة على يخسف وإذا للمفاجات مضافة إلى الجملة بعدها أى ففاجاء وقت كونها تضطرب وتتحرك.(1/6675)
أَمْ أَمِنْتُمْ أم منقطع بمعنى هل وهمزة الاستفهام للانكار مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً أى ريحا ذات حجارة كما فعل بقوم لوط فَسَتَعْلَمُونَ معطوف على مضمون ما سبق أى أنذركم فستعلمون كَيْفَ نَذِيرِ أى إنذاري إذا شاهدتموه ولا ينفعكم العلم به قرأ ورش نذيرى وكذا نكيرى بإثبات الياء فيهما وصلا وحذفها فيهما وقفا والباقون بالحذف فى الحالين.
وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جواب قسم محذوف فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ إنكاري عليهم بانزال العذاب فيهم تسلية للرسول وتهديد للكفار والاستفهام للتعجب والتقرير والجملة الاستفهامية بتأويل الخبرية معطوفة على كذب يعنى كذبوا فعظم إنكاري عليهم وفى هذه الجملة التفات من الخطاب إلى الغيبة.
أَ وَلَمْ يَرَوْا الهمزة للاستفهام والواو للعطف على محذوف تقديره الم ينظروا ما خلقنا من السماء والأرض وغيرهما ولم يرو
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 26
إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ الظرف متعلق بصافات وهى حال من الطير والمراد بالروية روية البصر بقرينة تعدية بالى يعنى باسطات أجنحتهن فى الجو عند طيرانها فانهن إذا بسطن ضغفن قوادمها وَيَقْبِضْنَ أجنحتها إلى جنوبهن عطف على صافات وانما عدل من الاسم إلى الفعل ليدل على الحدوث والتجدد فان الأصل فى الطيران انما هو بسط الاجنحة والقبض يحدث فى وقت بعد وقت الاستظهار به على التحرك ويحتمل العطف على محذوف أى يبسطن تارة ويقبضن اخرى ما يُمْسِكُهُنَّ فى الجو على خلاف الطبع إِلَّا الرَّحْمنُ والجملة حال من فاعل صافات إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ بَصِيرٌ يعلم كيف يخلق الغرائب ويدبر العجائب.(1/6676)
أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ أم متصلة لقوله تعالى أو لم يروا على معنى الم ينظروا فى أمثال هذه الصنايع فلم يعلموا قدرتنا على تعذيبهم بنحو الخسف وإرسال الحاصب أم لكم جند ينصركم من دون الرحمن ويدفع عنكم العذاب ان أرسل إليكم عذابه وقيل أم ابتدائية ليست بمتصلة ولا منقطعة بمعنى الهمزة وهل لئلا يلزم تكرار الاستفهام ومن استفهامية مبتداء وهذا خبره والموصول مع الصلة صفة أو بدل منه وينصركم وصف لجند محمول على لفظه وانما ذكر اسم الاشارة والموصول مع انه يستفاد ذلك المعنى مع تركها من قوله أمن هو جند لكم إلخ لان فى ذكر المفصل بعد المبهم وقع عظيم فى القلب ويحتمل ان يكون هذا مبتداء والموصول مع الصلة خبره والجملة مفعول يقال محذوف تقديره أمن يقال هذا الذي هو جند لكم والمراد بالجند المشار إليه بهذا فى الآية وفيما بعدها الأصنام التي زعموها الهة يعنى تلك الأصنام لا يتصور منهم ان ينصروا ويرزقوا أو المراد أعوانهم بعضهم لبعض إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ من الشيطان فانه يغرهم بان العذاب لا ينزل بهم من غير ما يعتمد عليه فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة.
أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بامساك المطر ومنع الأسباب المحصلة والموصولة إليكم أو ابطال تأثيراتها والكلام فيه كالكلام فى أمن هذا الذي فيما سبق بَلْ لَجُّوا يعنى الكفار تمادوا فِي عُتُوٍّ إضلال وَنُفُورٍ تباعد عن الحق بفرط جهلهم وتنفر طباعهم عنه.
أَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى الهمزة للاستفهام للتقرير أى حمل المخاطب
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 27(1/6677)
على الإقرار بالحق والفاء زائدة ومن موصولة مبتداء واهدى خبره ومكبّا حال من فاعل يمشى والإكباب من الكب يقال كببته فاكب وهو من الغرائب كقشع اللّه السحاب فاقشع أو المعنى مكبا نفسه على وجهه قال فى القاموس كبه قلبه وصرعه كاكبه وكببته فاكب وهو لازم ومتعدى وقيل معناه صار ذاكب أى يمشى ويعثر كل ساعة ويخر على وجهه لوعور طريقه واختلاف أجزائه أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا قائما مائلا من العناد عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ مستوى الاجزاء أو خبر من هاهنا محذوف اكتفاء على ما سبق فى المعطوف عليه فالواجب هاهنا الإقرار بان الماشي سويا على صراط مستقيم اهدى فكذلك المؤمن الذي يمشى على بصيرة على مسلك العقل والنقل اهدى من الكافر الذي لا يسمع ولا يعقل وكلمة اهدى لا يقتضى وجود اصل الهداية فى المفضل عليه تحقيقا بل يكفى وجوده فرضا وتقديرا قال قتادة من أكب على معاصى فى الدنيا يمشى مكبا على وجهه يوم القيمة والمؤمن يمشى يوم القيامة سويا أخرج الشيخان عن انس ان رسول اللّه صلعم سئل كيف يحشر الكافر على وجهه قال أ ليس الذي أمشاه على رجليه فى الدنيا قادر على ان يمشيه على وجهه يوم القيامة وروى أبو داود عن أبى هريرة نحوه وفى هذه الجملة تشنيع اخر على الكفار ولما كان قوله تعالى أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم وقوله تعالى أمن هذا الذي يرزقكم لانكار النصر والرزق من جندهم اقتضى السؤال بان يقال فمن ينصرنا ويرزقنا أجيب بقوله تعالى.(1/6678)
قُلْ انما ينصركم ويرزقكم هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ لتعرفوا ربك وتعبدوه وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ تسمعوا المواعظ وَالْأَبْصارَ لتنظروا صنايعه وَالْأَفْئِدَةَ لتتفكروا وتعتبروا ولما كان السمع فى الأصل مصدر أو المصدر لا يجمع ذكره بصيغة الافراد بخلاف البصر والفؤاد وأيضا العلم الحاصل بالسمع نوع واحد وهو الصوت والحاصل بالبصر والفؤاد انواع مختلفة قَلِيلًا أى شكرا قليلا وزمانا قليلا ما زائدة لتأكيد القلة تَشْكُرُونَ والمراد بالقلة النفي راسا مجازا.
قُلْ كلمة قل زائدة أعيدت للتاكيد هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ بدل من هو الذي انشأكم وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ للجزاء حال مقدرة من فاعل ذرأكم فهذين الجملتين على طريقة جاء زيد وهو راكب.
وَيَقُولُونَ يعنى الكفار انكار الوعد واستبطائه مَتى هذَا الْوَعْدُ أى وعد الحشر إِنْ كُنْتُمْ أيها النبي والمؤمنون صادِقِينَ فى قولكم بالحشر فبينوا وقته.
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 28
قُلْ مستانفة فى جواب ما أقول لهم فى الجواب إِنَّمَا الْعِلْمُ أى العلم بوقته عِنْدَ اللَّهِ لا يعلم غيره وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ والانذار يكفى له العلم بوقوع المحذر منه ولا يتوقف على العلم بوقته والجملتين بالعطف مقولة قل.
فَلَمَّا رَأَوْهُ أى الوعد بمعنى الموعود قال اكثر المفسرين المراد به العذاب فى الاخرة وقال مجاهد العذاب ببدر زُلْفَةً أى ذا زلفة وقرب منهم حال من ضمير المفعول ولما ظرف متعلق بقوله تعالى سِيئَتْ أى اسودت قبحت وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بروية العذاب وَقِيلَ هذَا العذاب الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ أى تطلبون وتستعجلون من الدعاء أو من الدعوى أى تدعون ان لا بعث.(1/6679)
قُلْ يا محمد صلعم لمشركى مكة الذين يتمنون هلاككم أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ قرأ حمزة بإسكان الياء والباقون بالفتح اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي بإسكان الياء والباقون بالفتح أَوْ رَحِمَنا بتأخير آجالنا الاستفهام فى ارايتم للتقرير والروية بمعنى العلم معناه أخبروني والجملة الشرطية بعد افعال القلوب كالنفى والاستفهام يوجب التعليق فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ الاستفهام للانكار والجملة جزاء للشرط يعنى لا أحد يجيرهم والحاصل انه لا فائدة لكم فى هلاكنا حتى تطلبونه انما يفيدكم ان تتبعوا من يجيركم من عذاب اللّه ولا يتصور ذلك من الأصنام وقيل معناه ان أهلكني ومن معى يعنى المؤمنين يعذبهم اللّه بذنوبهم أو رحمنا ويغفر لنا فنحن مع أيماننا خائفون عذاب اللّه لاجل ذنوبنا فان حكمه نافذ فينا فمن يجيركم من عذابه وأنتم كفار.
قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ يعنى الذي ذكر فيما سبق دلائل وجوده وقدرته وسلطانه هو الرحمن الذي اعبده وأدعوكم إليه وهو مولى النعم كلها آمَنَّا بِهِ للعلم بذلك فيه تقرير بمضمون جملة هو الرحمن وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا لوثوق عليه المبنى على الايمان به وتقديم الظرف تفيد الحصر المستفاد من هو الرحمن فهذه الجملة يقرر مضمون الجملتين السابقتين وهذه الآية بمنزلة النتيجة للبراهين السابقة ويترتب عليه الحكم بحال الفريقين المؤمنين والكافرين ولذا جاء بفاء السببية فى قوله تعالى فَسَتَعْلَمُونَ يوم الجزاء قرأ الكسائي بالياء والباقون بالتاء وتعلمون معلق بالجملة الاستفهامية الواقعة بعده اعنى مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 29
نحن وأنتم وفيه تهديد وترهيب وكذا فى قوله تعالى.(1/6680)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ وزانه وزان قل ارايتم ان أهلكني اللّه الآية غَوْراً غايرا فى الأرض بحيث لا يناله الدلاء مصدر وصف به فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ مشتق من العين الجارية أى ماء جار أو من العين الباصرة أى مرئى ظاهر سهل المأخذ فان بديهة العقل شاهد على ان هذه الأصنام لا تقدر على إتيانه بل لا يقدر عليه أحد الا اللّه سبحانه ويستحب للقارى ان يقول حين ختم هذه السورة اللّه رب العالمين قال الشيخ جلال الدين المحلى رحمة اللّه تعالى كذا ورد فى الحديث - (فصل) عن أبى هريرة ان رسول اللّه صلعم قال ان سورة من القرآن ثلثون اية شفعت لرجل حتى غفر له وهى تبارك الذي بيده الملك رواه احمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه ورواه البغوي بلفظ ان سورة من كتاب اللّه ما هى الا ثلثون اية شفعت لرجل فاخرجته يوم القيامة من النار وأدخلته الجنة وهى سورة تبارك وعن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلعم هى المانعة هى المنجية من عذاب اللّه رواه الترمذي وعن جابر ان النبي صلعم كان لا ينام حتى يقرأ الم تنزيل وتبارك الذي بيده الملك رواه احمد والترمذي والدارمي وقال الترمذي هذا حديث صحيح وعن خالد بن معدان قال بلغني فى الم تنزيل ومثله فى تبارك الذي ان رجلا كان يقرأهما ما يقرأ شيئا غيرهما وكان كثير الخطايا فنشرت جناحها عليه قالت رب اغفر له فانه كان يكثر قراءتى فشفعها الرب تعالى فيه وقال له اكتبوا له بكل خطيئه حسنة وارفعوا له درجة وقال أيضا انها تجادل عن صاحبها فى القبر تقول اللّهم ان كنت من كتابك فشفعنى فيه وان لم أكن فى كتابك فامحنى عنه وانها تكون كالطير يجعل جناحها عليه فيشفع له فيمنعه من عذاب القبر وقال طاؤس فضلتا على كل سورة فى القرآن بستين حسنة رواه الدارمي تمت سورة الملك.
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 30(1/6681)
سورة القلم
مكيّة وهى اثنتان وعشرون اية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ن من الحروف المقطعة وقد مر البحث عنها فى أوائل سورة البقرة وقيل اسم للحوت والمراد به الجنس أو البهموت وهو الذي عليه الأرض أو الدوات فان بعض الحيتان يستخرج منه أشد سوادا من النفس يكتب به لكن كتابته بصورة الحروف قراءته بالسكون وصلا ووقفا يؤيد القول الأول ويابى عن غيره من الأقوال قرأ ابن عامر والكسائي ويعقوب بإخفاء النون اجراء للواو المنفصل كالمتصل والباقون بالإظهار وَالْقَلَمِ الواو للقسم والقلم هو الذي خط اللوح عن عبادة بن الصامت قال قال رسول اللّه صلعم ان أول ما خلق اللّه القلم فقال له اكتب قال ما اكتب قال اكتب القدر فكتب ما كان وما هو كائن إلى الابد رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب وعن عبد اللّه بن عمرو قال قال رسول اللّه صلعم كتب اللّه مقادير الخلائق قبل ان يخلق السموات والأرض بخمسين الف سنة قال وعرشه على الماء رواه مسلم قال البغوي هو قلم من نور طوله ما بين السماء والأرض ويحتمل ان يراد جنس القلم اقسم به لكثرة فوايده وَما يَسْطُرُونَ والضمير للقلم بالمعنى الأول على التعظيم أو بالمعنى الثاني بارادة الجنس وأسند الفعل إلى الآلة وأجريت مجرى اولى العلم بإقامتها مقامهم أو لاصحابه على المعنى الثاني أو بغير المذكور أى الحفظة الذين يكتبون اعمال بنى آدم أو العلماء الذين يكتبون علوم الدين.(1/6682)
ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ أى ملتبسا بنعمة ربك من النبوة والمروة وكمال العقل والفهم وجلال الفضل وانواع المكارم والعلوم والعامل فى الحال معنى النفي وقيل مجنون والباء لا يمنع كونه عاملا فيما قبله لكونه زائدة لكنه ضعيف من حيث المعنى بِمَجْنُونٍ قال البغوي هذا جواب لقول الكفار يا أيها الذي نزل عليه الذكر انك لمجنون وكذا أخرج ابن المنذر عن ابن جريج وانما قالوا ذلك استبعادا منهم ما ادعاه النبي صلعم من الرسالة من اللّه تعالى
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 31
و ما ارتكبه النبي صلعم من مخالفة جميع الناس فى ايام العسرة واستيلاء ظلمة الكفر ولما كان هذا الاستبعاد منهم مستقرا قويا فى زعمهم أكدوا قولهم انك لمجنون بان ولام القسم وبناء على شدة انكارهم أكد اللّه سبحانه الجواب بالقسم وزيادة الباء فى خبر بالتاكيد النفي وفيه نفى المجنون عنه صلعم بحال تلبسه بنعمة اللّه ليكون هذا القيد بمنزلة البينة والبرهان على النفي فانه من كان بهذه المثابة من العلم والعقل والفهم والكمال فالقول فيه بانه مجنون سفسطة لا يقول به الا من هو ابلد من الحمار وأحمق من ابن حنيفة الم تسمع ان الأتان سجدت إلى الكعبة ثلثا حين ركبت حليمة مع النبي صلعم عليها وقالت الأتان على ظهره خير النبيين وسيد المرسلين وخير الأولين والآخرين وحبيب رب العالمين صلعم كذا ذكر فى المواهب اللدنية فى حديث طويل فالكفار ابلد من الحمار.
وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً على احتمال الأذى وتبليغ الرسالة والتنكير للتعظيم غَيْرَ مَمْنُونٍ أى مقطوع أو ممنون به عليك من الناس فان اللّه يعطيك وعلى الناس منة منك والجملة معطوفة على جواب القسم أو حال من أنت وكذلك قوله تعالى.(1/6683)
وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ فانك تحتمل من قولك ما لا يحتمل امثالك قال رسول اللّه صلعم وما أوذي أحد ما أوذيت فى اللّه رواه أبو نعيم فى الحلية عن انس وابن عساكر عن جابر نحوه وعن أبى هريرة قال يا رسول اللّه ادع على المشركين قال انى ما ابعث لعانا وانما بعثت رحمة رواه مسلم والكفار لما رموه صلعم بالجنون والجنون لا يستحق اجرا أو لا يكون له حق حسن فايراد هذين الجملتين على العطف والحال تأكيد لما سبق من نفى الجنون ورد لقول الكفار على ابلغ الوجوه قال ابن عباس ومجاهد خلق عظيم دين عظيم ولا دين أحب إلى ولا ارضى عندى منه وهو دين الإسلام قال الحسن هو آداب القرآن سئلت عايشة عن خلق رسول اللّه صلعم فقالت كان خلقه القرآن الست تقرأ القرآن قد أفلح المؤمنون إلخ رواه مسلم وأخرجه البخاري فى الأدب المفرد وقال قتادة هو ما كان يأتمر به من امر اللّه وينتهى عنه من ما نهى اللّه عنه يعنى انك على الخلق الذي أمرك اللّه به فى القرآن وقال جند الخلق العظيم ان لا يكون همته غيره تعالى فصل فى أخلاقه صلعم عن البراء قال كان رسول اللّه صلعم احسن الناس وجها أحسنه
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 32(1/6684)
خلقا ليس بالطويل البائن ولا بالقصير عن انس قال خدمت رسول اللّه صلعم عشر سنين فما قال لى ان قط وما قال لشئ صنعته لم صنعت ولا لشئ تركته لم تركت وكان رسول اللّه صلعم احسن الناس خلقا ولا مسست خزا ولا حريرا ولا شيئا ألين من كف رسول اللّه صلعم ولا شممت مسكا ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول اللّه صلعم متفق عليه وعن انس ان امرأة كانت فى عقلها شيئا قالت يا رسول اللّه ان لى إليك حاجة فقال يا أم فلان اجلسي فى أى سلك المدينة شئت اجلس إليك فقعد إليها رسول اللّه صلعم حتى قضت حاجتها رواه مسلم وعنه قال كانت الامة من إماء المدينة لياخذ بيد رسول اللّه صلعم فينطلق به حيث شاءت رواه البخاري وعنه ان رسول اللّه صلعم كان إذا صافح الرجل لم ينزع يده من يده حتى يكون هو الذي ينزع يده ولا يصرف وجهه عن وجهه ولم ير مقدما ركبتيه بين يدى جليس رواه الترمذي وعن عائشة قالت ما ضرب رسول اللّه صلعم بيده شيئا قط الا ان يجاهد فى سبيل اللّه ولا ضرب خادما ولا امرأة ولا ينسل شيئا منه قط فينتقم من صاحبه الا ان ينهتك لشئ من محارم اللّه فينتقم للّه رواه مسلم وعن انس قال كنت امشى مع رسول اللّه صلعم يبرد نجرانى غليظ الحاشية فادركه أعرابي فجذبه بردائه جذبة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول اللّه صلعم قد اثرت بها حاشية البرد من شدة جذبه ثم قال يا محمد صلعم مولى من مال اللّه الذي عندك فالتفت إليه رسول اللّه صلعم ثم ضحك ثم امر له بعطاء متفق عليه وعنه قال كان رسول اللّه صلعم احسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس الحديث متفق عليه وعن جابر قال ما سئل رسول اللّه صلعم شيئا فقال لا متفق عليه وعن جبير بن مطعم بينما هو يسير مع رسول اللّه صلعم مقفله من حنين فعلقت الاعراب يسالونه حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت ردائه فوقف رسول اللّه صلعم فقال أعطوني ردائى لو كان لى عدد هذا العصاة نعم لقسمته بينكم لا تجدونى بخيلا ولا كذوبا(1/6685)
و لا جبانا رواه البخاري وعن عائشة قالت لم يكن رسول اللّه صلعم فاحشا ولا متفحشا ولا سخابا فى الأسواق ولا يجيز بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح وفى الباب أحاديث لا تكاد تحصى فى فضل حسن الخلق عن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلعم بعثت لاتمم حسن الخلق رواه احمد وفى الموطإ بلاغا وعن أبى الدرداء
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 33
عن النبي صلعم قال ان أثقل شىء يوضع فى الميزان للمومن يوم القيامة خلق حسن وان اللّه يبغض الفاحش البزي رواه الترمذي وقال حسن صحيح وروى أبو داود عن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلعم لاصحابه أ تدرون ما اكثر ما يدخل الناس الجنة قالوا اللّه ورسوله اعلم قال فان اكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى اللّه وحسن الخلق وعن عائشة قالت سمعت رسول اللّه صلعم يقول ان المؤمن ليدرك
بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار رواه أبو داود وعن عبد اللّه بن عمر قال قال رسول اللّه صلعم ان من أحبكم إلى أحسنكم أخلاقا رواه البخاري وفى الصحيحين بلفظ ان من خياركم أحسنكم أخلاقا وعن رجل من مزلة وعند البيهقي فى شعب الايمان وعن اسامة بن شريك فى شرح السنة قالوا يا رسول اللّه ما خير ما اعطى الإنسان قال الخلق الحسن وعن معاذ قال كان آخر ما وصّانى به رسول اللّه صلعم حين وضعت رجلى فى الفرزان قال يا معاذ احسن خلقك للناس رواه مالك.
فَسَتُبْصِرُ يا محمد والسين للتحقيق وَيُبْصِرُونَ أى الكفار يوم القيامة.(1/6686)
بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ أيكم مبتداء والباء زايدة والمفتون بمعنى المجنون خبره أو المفتون مصدر بمعنى الجنون كالمعقول والمجلود مبتداء والخبر مقدم أو المعنى باى الفريقين منكم الجنون بفريق المؤمنين أو بفريق الكافرين فى أيهما من يستحق هذا الاسم والجملة الاستفهامية بتأويل المفرد مفعول للفعلين السابقين على سبيل التنازع والحاصل ان الجنون ليس بالكفار فانه لا شك ان مقتضى العقل انه من خبر بين الخبرين اختارا خبرهما ومن ابتلى ببليتين اختار أهونهما والمؤمنون اختاروا الاشتغال باللّه سبحانه الجميل المتصف بجميع الكمالات المنزه عن جميع النقائص أنصار النافع وبذلوا همتهم فى ابتغاء مرضاته واجتنبوا موجبات سخطه واختاروا نعم الاخروية القوية الابدية على النعم الدنيوية الدنية الزائلة الكائنة كان لم تكن والكفار اختاروا الممكنات التي لا تضر ولا تنفع الا بإذن اللّه بل اختاروا للعبادة الحجارة وتركوا اللّه الواحد القهار القيام واختاروا الحظوظ العاجلة لا تدرك منها الا ما شاء اللّه على النعم الابدية واختاروا النار على الجنة.
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ضمير فصل أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ متعلق بأعلم عَنْ سَبِيلِهِ فهم المجانين على الحقيقة فان مقتضى الجنون الضلال عن سبيل الحق وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 34
الفائزين بكمال العقل الواصلين إلى الجميل المطلق.
فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ الفاء للسببية يعنى إذا ظهر انك على الهدى والمكذبين على الضلال فلا تطعهم.(1/6687)
وَدُّوا حال بتقدير قد من المكذبين لَوْ تُدْهِنُ لو للتمنى بيان للوداد والادهان اللين المشتق من الدهن فَيُدْهِنُونَ الفاء للعطف والتعقيب هى ودوا المداهنة من الجانبين لكن يحبون ان يكون ادهانهم بعد ادهانك أو للسببية أى ودوا لو تدهن فهم يدهنون ودوا ادهانك فهم الان يدهنون طمعا فيه يعنى لو تلين لهم بترك نهيهم عن الشرك أو توافقهم فى بعض الأمور أحيانا فينالونك بترك الطعن والموافقة فى بعض الأمور - (مسئله) وهذه الآية تدل على ان المداهنة فى امر الدين حرام.
وَلا تُطِعْ تخصيص بعد تعميم قال قتادة نزلت فى الوليد بن المغيرة واخرج المنذر عن الكلبي وابن أبى حاتم عن السدى نزلت فى الأخنس بن شريق وكذا ذكر البغوي قول عطاء وقال ابن أبى حاتم عن مجاهد نزلت فى الأسود بن عبد يغوث كُلَّ حَلَّافٍ لفظه كل ورد لتاكيد شمول النهى كل فرد بقرينة المقام فلا يدل على جواز إطاعة البعض والمراد بالحلاف كثير الحلف بالباطل وقد مر فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ مسئله ان الإكثار بالحلف مكروه مَهِينٍ حقير فعيل من المهانة بمعنى الحقارة وهى قلة الرأي والتميز.
هَمَّازٍ عياب مغتاب وقيل من يشير بعينه وحاجبه إلى عيوب الناس مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ فعال للحديث على وجه السعاية.
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ يمنع الناس عن الخير من الايمان والانفاق والعمل الصالح مُعْتَدٍ متجاوز عن الحد فى الظلم أَثِيمٍ كثير الإثم.(1/6688)
عُتُلٍّ قال فى فى القاموس الأكول المنيع الجافي الغليظ بَعْدَ ذلِكَ الظرف متعلق بزنيم وكلمة بعد بمعنى مع أو المعنى بعد ما عدت من رزائله زَنِيمٍ قال فى القاموس الزنيم المستلحق فى قوم ليس منهم والدعي وفيه أيضا الدعي كغنى من تبنيته والمتهم فى النسبة قال البيضاوي الزنيم ماخوذ من زنمتى الشاه وهما المتدليتان من اذنها وحلفها وكان الوليد بن مغيرة ادعاه أبوه بعد ثمانى عشر سنة من مولده والأخنس بن شريق أصله من ثقيف وعداده فى زهرة قال البغوي فى الدنيا معصما فكان الناس ظلوما قال فذلك العقل الزنيم مرسل له شواهد روى عن عكرمة
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 35
عن ابن عباس قال فى هذه الآية لعنت اللّه فلم يعرف حتى قيل زنيم فعرف وكان له زنمة فى عنقه يعرف بها واخرج ابن جرير عن ابن عباس قال نزل على النبي صلعم ولا قطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم فلم نعرفه حتى نزل عليه بعد ذلك زنيم فعرفناه كان له زنمة كزنمة الشاة وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس انه قال يعرف بالشر كما يعرف الشاة بزنمتها قلت ولعله لما كان هذه الصفة اعنى كونه زنيما ادنى فى القبح من الرذائل المقدمة ذكره بقوله بعد ذلك زنيم واللّه تعالى أعلم عن الحارث بن وهب الخزاعي قال قال رسول اللّه صلعم الا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف لو يقسم على اللّه لابره الا أخبركم باهل النار كل عتل جواظ متكبر رواه البغوي وروى أبو داود والطبراني عن الدرداء نحوه.(1/6689)
أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ قرأ أبو جعفر وابن عامر وحمزة وأبو بكر ويعقوب ان كان بهمزتين أحدهما للاستفهام ثم حمزة وأبو بكر يخففان الهمزتين بلا مد وبمد الهمزتين الاولى أبو جعفر وابن عامر ويعقوب ويلينون الثانية وقرأ الآخرون بهمزة واحدة بلا استفهام وتقديره لان كان متعلق بالنهى فى لا تطع فالمعنى على تقدير عدم الاستفهام لا يكن منك إطاعة من كان هذا شانه لكونه ذا مال وبنين كما ان عادة الناس إطاعة اصحاب المال والثروة وعلى تقدير الاستفهام أ تطيعه لكونه ذا مال وبنين فالاستفهام للانكار أو متعلق بمدلول جملة بعده أى كفر وكذب القرآن لاجل الغنى تكبرا وبطرا والمعنى كان الغنى موجبا للشكر فكفر على عكس ما ينبغى.
إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ أى شىء كتبوه كذبا من قصص الأولين فى القاموس الأساطير الأحاديث لا نظام لها إذا متعلق بقال أى قال ذلك ح.
سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ على الالف كأنَّه شبهه بالفيل والخنزير وانفه بالخرطوم جملة مستأنفة بالوعيد والتهديد قال الفراء المراد به الوجه فان بعض الشيء يعبر به عن الكل وقال أبو العاليه ومجاهد يسود وجهه فيجعل له علما فى الاخرة يعرف به وهو سواد الوجه وقال ابن عباس سخطه بالسيف وفعل ذلك يوم البدر.
إِنَّا بَلَوْناهُمْ يعنى أهل مكة بالقحط والجوع لما دعى رسول اللّه صلعم عليهم وقال اللهم اجعل عليهم سنين كسنى يوسف حتى أكلوا العظام والجيف جملة مستانفة فى جواب سوال مقدر أى ما فعل لهم حين كذبوا النبي صلعم وقالوا مجنون كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ صفة مصدر محذوف
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 36(1/6690)
و الاضافة واللام للعهد أخرج ابن أبى حاتم عن ابن جريح ان أبا جهل قال يوم بدر خذوهم أخذا فاربطوهم فى الجبال ولا تقتلوا منهم أحدا فنزلت انا بلوناهم فى قدرتهم عليهم كما باونا اصحاب الجنة فى اقتدارهم عليهم روى محمد بن مروان عن الكلبي عن ابن صالح عن ابن عباس قال كان بستان اليمن يقال له الصروان دون صنعاء بفرسخين غرسه رجل صالح وكان يترك للمساكين إذ اصرموا تخلهم كل شىء تعداه المنجل فإذا طرح من فوق النخل إلى البساط فكل شىء يسقط عن البساط يترك ذلك أيضا للمساكين وإذا حصدوا زرعهم فكل شىء تعداه المنجل فهو للمساكين وإذا داسوه كان لهم كل شىء ينتشره أيضا فلما مات الرجل ورثه ثلثة بنيه فقالوا واللّه ان المال لقليل وان العيال كثير وانما كان هذا الأمر يفعل إذا كان المال كثير أو العيال قليلا فإذا قل المال وكثر العيال فانا لا نستطيع ان نفعل هذا فتحالفوا بينهم إِذْ أَقْسَمُوا أى حلفوا متعلق ببلونا لَيَصْرِمُنَّها جواب قسم أى ليقطعن ثمرها أى الجنة مُصْبِحِينَ داخلين فى الصباح قبل ان يعلم المساكين حال من فاعل ليصرمنها.
وَلا يَسْتَثْنُونَ حال من فاعل اقسموا أى اقسموا غبر مستثنين أى قائلين ان شاء اللّه وانما سماه استثناء لما فيه م ن الإخراج غير ان المخرج به خلاف المذكور والمخرج بالاستثناء عينه أو لان افعل ان شاء اللّه ولا افعل الا ان شاء اللّه واحد ويحتمل ان يكون جملة لا يستثنون معطوفة على ليصر منها داخلة فى جواب القسم والمعنى ولا يستثنون حصة المساكين كما كان يخرج أبوهم أو يكون جملة مستانفة أى كان شانهم ذلك.
فَطافَ معطوف على اقسموا عَلَيْها على جنتهم طائِفٌ بلاء نازل بالليل وهو نار نزلت من السماء فاحرقتها مِنْ رَبِّكَ من ابتدائية وَهُمْ نائِمُونَ قال.(1/6691)
فَأَصْبَحَتْ الجنة كَالصَّرِيمِ أى كالبستان الذي صرم ثمارها بحيث لم يبق فيها شىء فعيل بمعنى المفعول أو كالليل باحتراقها واسودادها أو كالنهار بابيضاضها من فرط اليبس سمى بالصريم لان كلا منها ينصرم عن صاحبه أى ينقطع وقال الحسن أى صرم منها الخير فليس فيها شىء وقال ابن عباس كالرماد الأسود بلغة خزيمة والجملة معطوفة على فطاف.
فَتَنادَوْا اصحاب الجنة مُصْبِحِينَ الجملة معطوفة على أصحت.
أَنِ اغْدُوا ان مفسرة لفعل معناه القول اعنى تنادوا
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 37
عَلى حَرْثِكُمْ متعلق باغدوا أى اخرجوا إلى حرثكم وتعديته بعلى اما لتضمنه بمعنى الإقبال أو لتشبيه الغدو للصرام الغدو الغدو المتضمن بمعنى الاستيلاء ويحتمل ان اغدوا ناقصة وعلى حرثكم خبره إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ قاطعين شرط استغنى عن الجزاء بما مضى.
فَانْطَلَقُوا أى اصحاب الجنة وَهُمْ يَتَخافَتُونَ أى يقولون بينهم سر أو خفى وخفت وخفه بمعنى كتم.
أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا أى الجنة وان مفسرة لقوله تعالى يتخافتون فانه فى معنى القول الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ نهى للمسكين عن الدخول موكدا والمراد به المبالغة فى النهى عن تمكينه عن الدخول كقوله لا أتيتك هاهنا.
وَغَدَوْا عطف على انطلقوا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ على حرد متعلق بقادرين وهو خبر لغدوا أو الجملة معطوفة على انطلقوا أو الحرد فى اللغة يكون بمعنى القصد والمنع والغضب فقال الحسن والقتادة وأبو العالية على جد وجهد وقال القرطبي ومجاهد وعكرمة على امر مجمع قد أسسوه بينهم وكل ذلك راجع إلى المقصد وقال أبو عبيدة على منع المساكين وقول الشعبي وسفيان على غضب فى المساكين وقال ابن عباس على قدرة عند أنفسهم على جنتهم وثمارها.(1/6692)
فَلَمَّا رَأَوْها أى الجنة محترقة قالُوا لما ظرف متعلق بقالوا إِنَّا لَضَالُّونَ الطريق فليس هذا جنتنا وانا لمخطئون حيث منعنا المساكين وتركنا الاستثناء.
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قد حرمنا خير الجنة.
قالَ أَوْسَطُهُمْ سنا أو أعد لهم واعقلهم والجملة مستانفة أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ استفهام تقرير لَوْ لا هلا تُسَبِّحُونَ أى تستثنون سمى الاستثناء تسبيحا لأنه تعظيم للّه تعالى واقرار بانه لا يقدر أحدكم على شىء الا بمشيته وقال أبو صالح كان استثناؤهم سبحان اللّه تعالى أو هلا تسبحون اللّه وتشكروه على ما اعطاكم ولا تمنعوا المساكين فان الشكر صرف النعمة فى رضاء وقيل هلا تستغفرونه من فعلكم.
قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا جملة مستأنفة نزهوا اللّه سبحانه من ان يكون ظالما فى ما فعل واقرار على أنفسهم بالظلم وقالوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ بمنع المساكين عن حقهم.
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ عطف على قالوا يَتَلاوَمُونَ حال من فاعل اقبل ومفعوله على طريقة لقيه راكبين أى يلوم بعضهم بعضا فى منع المساكين حقوقهم.
قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ جملة مستانفة أى أعطينا نعم اللّه فلم نشكرها
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 38
كما شكر أبونا ولما ندموا على ما فعلوا وتابوا عنه وعزموا على الشكر والانفاق رجعوا على أنفسهم وقالوا رجاء.
عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا جنة خَيْراً مِنْها من ذلك الجنة التي أحرقت إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ إلى الانتهاء الرغبة أو لتضمنها معنى الرجوع والجملة فى مقام التعليل للرجاء فان الرغبة إلى اللّه تعالى يوجب الانعام قال البغوي قال ابن مسعود بلغني ان القوم أخلصوا وعرف اللّه منهم الصدق فابدلهم جنة يقال لها الحيوان فيها عنب يحمل البغل منها عنقودا.(1/6693)
كَذلِكَ خبر ما بعده مبتداء أى كما فعلنا باهل مكة واصحاب الجنة الْعَذابُ فى الدنيا على ترك الشكر وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ على الكفر والمعاصي وترك الشكر ومنع الزكوة أَكْبَرُ أشد وأبقى من عذاب الدنيا لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ شرط استغنى عن الجزاء بما مضى أى لو كانوا يعلمون العذاب ما فعلوا فعلهم.
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ فى جوار القدس جَنَّاتِ النَّعِيمِ أى ليس فيها الا التنعيم الخالص جملة مستانفة سبقت الوعد للمتقين بعد وعيد المجرمين ولما قال المشركون من أهل مكة انا نعطى فى الاخرة على تقدير ثبوتها أفضل مما تعطون أو مثله كما أعطينا فى الدنيا قال اللّه تعالى تكذيبا لهم.
أَ فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ الاستفهام لانكار مساوات المجرمين بالمسلمين ويوجب انكار تفضيل المجرمين بالطريق الاولى والجملة معطوفة محذوف الا نفضل المسلمين المطيعين على المجرمين فنجعل المسلمين كالمجرمين.
ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ كيف حال من فاعل تحكمون قدم عليه لاقتضائه صدر الكلام وتحكمون حال من معنى ما لكم تقديره ما تصنعون حال كونكم حاكمين كائنين على كيفية عجيبة مستبعدة جدا على خلاف العقل فان العقل يحكم ان المطيع يكون احسن حالا من العاصي وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب.
أَمْ لَكُمْ كِتابٌ نزل عند اللئام أم منقطعة بمعنى بل للاضراب من الحكم على وفق العقل والهمزة للانكار عن الدليل السمعي المنزل من السماء فِيهِ أى الكتاب تَدْرُسُونَ تقرءون.
إِنَّ لَكُمْ فِيهِ أى فى ذلك الكتاب لَما تَخَيَّرُونَ ما تختارون لانفسكم وتشتهونه حذف أحد التاءين من تخيرون والجملة مفعول لتدرسون اما بتأويل القول أى تدرسون هذا القول أو لأنه كان فى الأصل ان مفتوحة فلما جيئت باللام على ما تخيرون كسرت ويحتمل ان يكون استينافا على سبيل الإنكار.
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 39(1/6694)
أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ فاعل لكم عَلَيْنا أى عهود مؤكدة بالايمان بالِغَةٌ متناهية فى التوكيد إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ متعلق بمقدر فى لكم أى ثابتة لكم علينا إلى يوم القيامة لا نخرج عن عهدتها حتى تحكم بحكمكم فى ذلك اليوم أو متعلق ببالغة أى ايمان تبلغ ذلك اليوم إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ جواب للقسم المفهوم من ذكر الايمان يعنى أم اقسمنا لكم ان لكم ما تحكمون.
سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ الحكم زَعِيمٌ قائم يدعيه ويصححه فليقدرونه فقد نبه سبحانه فى هذه الآيات على نفى كل ما يمكن ان يثبت به من عقل أو نقل يدل عليه لاستحقاق أو وعدا وتقليد لمن يقدر على اثبات ما يدعيه ثم لما نفى تسوية الكفار بالمؤمنين من اللّه تعالى نفى ان يكون هذا من الشركاء الذين يشركونها مع اللّه تعالى بنفي الشركاء فقال.
أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ تجعلهم مثل المؤمنين فى الاخرة فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ ويثبتوا كونهم شركاء اللّه تعالى مماثلا له فى العلم والقدرة والارادة والتكوين الفاء للسببية والأمر للتعجيز إِنْ كانُوا صادِقِينَ فى دعوتهم شرط مستغنى عن الجزاء بما معنى.(1/6695)
يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ الظرف متعلق باذكر وكشف الساق عبارة عن نوغ من تجلياته سبحانه تعالى فى الموقف روى الشيخان فى الصحيحين وغيرهما عن أبى سعيد الخدري ان ناسا قالوا يا رسول اللّه هل نرى ربنا يوم القيامة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نعم هل تضارون فى روية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب وهل تضارون روية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب قالوا لا يا رسول اللّه قال ما تضارون فى روية اللّه تعالى يوم القيامة الا كما تضارون فى روية أحدهما إذا كان يوم القيامة اذن موذن ليتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد بغير اللّه من الأصنام والأنصاب ان يتساقطون فى النار حتى إذا لم يبق الا من كان يعبد اللّه من بر وفاجر وفى رواية غير أهل الكتاب فيدعى اليهود فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد عزير ابن اللّه فيقال كذبتم ما اتخذ اللّه من صاحبة ولا ولد فيقال ماذا تبغون فيقولون عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار إليهم الا ترون فيحشرون إلى جهنم كانها سراب يحطم لبعضها بعضا فيتساقطون فى النار ثم يدعى النصارى فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد المسيح ابن اللّه فيقال لهم كذبتم فذكر كما ذكر فى اليهود وفى رواية مسعود عند الحاكم وصححه الدار قطنى وغيرهما انه يمثل لكل من يعبد غير اللّه ما كانوا يعبدون من الشمس والقمر والأوثان
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 40(1/6696)
و يمثل لمن كان يعبد عزيرا شيطان عزير وان كان يعبد المسيح شيطان المسيح فينطلقون معه إلى جهنم وفى رواية عن أبى هريرة عند الطبراني وابى يعلى والبيهقي وغيرهم ان يجعل ملكا من الملائكة على صورة عزير وملكا من الملائكة على صورة عيسى بن مريم ويتبع هذا اليهود ويتبع هذا النصارى ثم تقودهم الهتهم إلى النار وهم الذين يقولون لو كان هؤلاء الهة ما وردوها وكل فيها خالدون رجعنا إلى رواية الصحيحين حتى إذا لم يبق الا من كان يعبد اللّه من بر وفاجر أتاهم رب العالمين قال فماذا تنظرون يتبع كل أمة ما كانت تعبد قالوا يا ربنا فارقنا الناس فى الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم فيقول انا ربكم فيقول نعوذ باللّه منك لا نشرك باللّه شيئا مرتين أو ثلثا حتى ان بعضهم يكاد ان ينقلب فيقول هل بينكم وبينه اية لتعرفونه بها فيقولون نعم فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد من تلقاء نفسه الا اذن له بالسجود ولا يبقى من كان يسجد نفاقا ورياء الا جعل اللّه ظهره واحدة كلما أراد ان يسجد خر على قفاه ثم يضرب الجسر على جهنم وفى رواية قيل يا رسول اللّه ما الجسر قال وحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحكة تكون بنجد فيها شويكة يقال له السعدان وتحل الشفاعة ويقول الأنبياء اللهم سلم سلم فيمر المؤمنون كطرف العين وكالريح وكالطير وكاجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوش فى نار جهنم حتى إذا أخلص المؤمنون من النار فو الذي نفسى بيده ما من أحد منكم باشد منا شدة فى الحق قد تبين لكم من المؤمنين للّه لاخوانهم الذين فى النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم اخرجوا من عرفتم فيحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن امرتنا فيقول ارجعوا فمن وجدتم فى قلبه مثقال دينار من خير فاخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم فى قلبه مثقال نصف دينار من خير(1/6697)
فاخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم فى قلبه مثقال ذرة من خير فاخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم ندر فيها خيرا فيقول شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق الا ارحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقهم فى عمر من أفواه الجنة يقال له نهر الحيوة فيخرجون كما يخرج الحبة فى حميل السيل فيخرجون كاللؤلؤ فى رقابهم خواتم فيقول أهل الجنة عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه فيقال لهم لكم ما رأيتم ومثله معه وقد وقع كشف الساق فى حديث ابن مسعود عند الحاكم وغيره
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 41
و فى رواية عن أبى هريرة فى الصحيحين فياتيهم اللّه فى غير الصورة التي يعرفونها وقال اللالكائى فى السنة و(1/6698)
الآجري فى كتاب الروية عن أبى موسى الأشعري قال سمعت رسول اللّه صلعم يقول إذا كان يوم القيامة مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون فى دار الدنيا فيذهب كل قوم إلى كل ما يعبدون ويبقى أهل التوحيد فيقال لهم وقد ذهب الناس فيقولون ان لنا ربا كنا نعبده فى الدنيا لم نره قال وتعرفونه إذا رايتموه فيقولون نعم فيقال لهم كيف تعرفونه ولم تروه قالوا انه لا شبه له فيكشف لهم عن الحجاب فينظرون إلى اللّه تعالى فيخرون له سجدا ويبقى أقوام فى ظهورهم مثل صياصى البقر يريدون السجود فلا يستطيعون فيقول اللّه تبارك وتعالى ارفعوا رؤسكم قد جعلت بدل كل رجل منكم بدلا من اليهود والنصارى وهذه الأحاديث تدل على ان للّه سبحانه تجليات على انواع شتى منها تجليات صورته وذلك فى عالم المثال وليس هى روية فى الحقيقة كما رأى النبي صلى اللّه عليه وسلم ربه فى المنام على صورة امرد شاب شطط فى رجليه نعلا الذهب وعند ذلك التجلي يقول القائلون فى الموقف نعوذ باللّه منك لا نشرك باللّه شيئا ومنها ما يكون على غير شبه ومثال فى الموقف وفيه شائبة من الظلية ولعل من هذا النوع ما أراد اللّه تعالى بقوله يكشف عن ساق فح راه المؤمنون الأبرار والفجار بلا حجاب كما ترون الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب والقمر ليلة البدر كما روينا من قبل ولا نصيب للكفار من هذا التجلي لقوله تعالى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون وقوله عليه السلام حتى إذا لم يبق الا من كان يعبد اللّه من برو فاجراتاهم رب العالمين الحديث إلى قوله فيكشف عن ساق والساق من المتشابهات كاليد والوجهة لا يعلم تأويله الا اللّه والراسخون فى العلم يقولون أمنا به ومنها ما يكون فى الجنة بلا شائبة الظلية المعبر عنها بقوله تعالى للذين أحسنوا الحسنى وزيادة وَيُدْعَوْنَ أى المؤمنون الأبرار والفجار إلى السجود وهذه الدعوة إِلَى السُّجُودِ ليس من باب التكليف إذ ليس الاخرة دار تكليف(1/6699)
بل هى دعوة طبيعية تقتضيه افتقار الحقيقة الامكانية عند كشف سرادقات العظمة والجلال ما لم يمنع مانع فَلا يَسْتَطِيعُونَ أى العصاة منهم لصيرورة ظهرهم طبقة واحدة لما يحملون أوزارهم فالضمير راجع إلى بعض المدعوين إلى السجود دون الكل كما فى قوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن بعد قوله والمطلقات وبدل على هذا الأحاديث المذكورة فالذين لا يستطيعون السجود هم المؤمنون
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 42
الذين لم يكونوا مصلين أصلا أو لم يكونوا مصلين بجماعة الا اتقاء كأهل الهواء من الروافض وغيرهم أو كانوا يسجدون رياءا للناس من غير اخلاص فى العمل فان قيل قد ورد فى بعض طرق حديث أبى هريرة وغيره فإذا لم يبق الا المؤمنون وفيهم المنافقون جاءهم اللّه الحديث إلى قوله فيكشف لهم عن ساق ويتجلى لهم من عظمته ما يعرفون انه ربهم فيخرون ساجدين على وجوههم ويخر كل منافق على قفاه ويجعل اللّه أصلابهم كصياصى البقر قلنا الظاهر بالمنافق هاهنا المنافق فى الأعمال وفروع العقائد دون المنافق فى اصول الاعتقادات إذ المنافق فى اصول الاعتقادات أولئك هم الكافرون حقا بل أشد كفراوهم فى الدرك الأسفل من النار وهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فكيف يكون لهم ذلك الكرامة من روية اللّه تعالى وقد ورد فى الأحاديث لفظ المنافق فى حق العصاة حيث قال رسول اللّه صلعم اربع من كن فيه منافق خالصا ومن كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر متفق عليه من حديث عبد اللّه بن عمرو فى الصحيحين عن أبى هريرة مرفوعا اية المنافق ثلث رواه مسلم وان صام وصلى وزعم انه مسلم ثم اتفقا إذا حدث كذب وإذا وعد خاف وإذا ائتمن خان.(1/6700)
خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ الخشوع صفة للذوات أسند إلى الابصار تجوز الظهوره فيها تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ أى يلحقهم ذلة وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فى الدنيا فلم يسجدوا كما أمرهم اللّه بالإخلاص وَهُمْ سالِمُونَ عن كون ظهورهم طبقة واحدة حال من فاعل يدعون الثاني وقوله تعالى خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون كلها احوال من فاعل يدعون الأول وفى قوله تعالى وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون تعليل لعدم استطاعتهم على السجود فى الاخرة.
فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ معطوف على الضمير المنصوب فى ذرنى أو مفعول بِهذَا الْحَدِيثِ القرآن جملة فذرنى معترضة لوعيد الكفار وتسلية النبي صلى اللّه عليه وسلم أى لا تغتم وكله إلى فانى أكفيكه سَنَسْتَدْرِجُهُمْ الضمير المنصوب راجع إلى من اعتبارا بمعناه الدرج طى الكتاب والثوب يقال للمطوى ورجى استعير الدرج للموت كما استعير الطى له كذا قال الجوهري وقال قوله تعالى سنستدرجهم قيل معناه سنطويهم طى الكتاب عبارة عن إغفالهم
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 43
و قيل معناه ناخذهم درجة فدرجة وذلك ادنائهم من امسى شيئا فشيئا كالمراتى والمنان والحاصل سنأخذهم بالعذاب بتدريج وامهال مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ كيف يجئ العذاب بهم.
وَأُمْلِي لَهُمْ أى امهلهم إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ قوى لا يطاق دفعه جملة مستانفة والكيد المكر والحيلة واظهار خلاف ما أضمر من السوء فالكيد من اللّه الانتقام بصورة الانعام قال الجوهري فى قوله تعالى ان كيدى متين قال بعضهم أراد بالكيد العذاب والصحيح هو الاملاء والامهال يعنى ليس ما نعطيهم فى الدنيا من النعم تفضلا لهم على المؤمنين كما زعموا بل كيد واستدراج لهم (فائدة) من ارتكب المعصية فعوقب عليها بمصيبة فى الدنيا يرجى مغفرة ذنبه ومن ارتكب المعصية ثم يرى عليه ازدياد النعمة يخشى عليه المكر والاستدراج نعوذ باللّه منه.(1/6701)
أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً على التبليغ أم منقطعة بمعنى بل والهمزة معطوفة على قوله تعالى أم لهم شركاء وما بينهما معترضات فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ فيعرضون عنك بلا حجة دفعا للغرامة الجملة الاسمية معطوفة بالفاء السببية على العقلية أى تسئلهم.
أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ أى اللوح المحفوظ أو المغيبات فَهُمْ يَكْتُبُونَ منه ما يحكمون جملة أم عندهم معطوفة على أم تسئلهم ذكر اللّه سبحانه فيما سبق نفى الدليل التحقيقى العقلي والسمعي والتقليد الذي يستدلون به العوام وذكر هاهنا نفى الكشف عن المغيبات والإلهام الذي هو سبب لحصول العلم للخواص من الأنبياء والملائكة وبعض الأولياء فان اللّه تعالى يكشف عليهم اللوح المحفوظ والمغيبات إذا شاء يعنى ليس شىء مما ذكرنا عندهم فما يحكمون به ليس الا باطلا لغوا.
فَاصْبِرْ يا محمد صلعم على اذاهم فانهم لا يقولون ما يقولون الا بلا حجة لِحُكْمِ رَبِّكَ لقضائه بأخذ الكفار بالامهال والاستدراج ولا تضجر ولا تعجل وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ فى الضجر والاستعجال معطوف على فاصبر قال وهب ان يونس بن متى عليه السلام كان عبدا صالحا وكان فى خلقه ضيق فلما حمل عليه أثقال النبوة تضح تحتها تفسح الربع تحت الحمل الثقيل يقذفها بين يديه ويخرج هاربا منها فلذلك أخرجه اللّه من اولى العزم وقال للنبى صلعم فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تكن كصاحب الحوت وقصته على ما ذكره ابن مسعود وسعيد بن جبير ووهب ان اللّه تعالى أرسله إلى أهل نينوى من ارض الموصل وهم مائة الف
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 44(1/6702)
او يزيدون فدعاهم إلى اللّه تعالى فابوا فاخبرهم ان العذاب صبحهم إلى ثلث فقالوا لم يحزب عليه كذبا فانظروا فان بات فيكم تلك الليلة فليس بشئ وان لم يبت فاعلموا ان العذاب مصبحكم فخرج يونس عليه السلام فى جوف تلك الليلة من بينهم فلما أصبحوا لفشاهم العذاب فكان فوق رؤسهم على قدر ميل وغامت السماء غيما اسودها بل يدخن دخانا شديدا فهبط حتى غشى مدينتهم واسودت سطوحهم فلما رأوا ذلك تيقنوا بالهلاك فطلبوا يونس بينهم فلم يجدوه فقذف اللّه فى قلوبهم التوبة فخرجوا إلى الصعيد بانفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم ولبسوا المسوح وأظهروا الايمان والتوبة وأخلصوا النية وفرقوا بين كل والدة وولدها من الناس والانعام فحسن بعضهم إلى بعض وعلت أصواتها وتضرعوا إلى اللّه عز وجل وقالوا أمنا بما جاء به يونس فرحمهم ربهم واستجاب دعائهم فكشف عنهم العذاب بعد ما أظلهم وذلك يوم عاشوراء وكان يونس قد خرج ينتظر العذاب وهلاك قومه فلم ير شيئا وكان من كذب ولم يكن له بينة قبل فقال يونس عليه السلام كيف ارجع إلى قومى وقد كذبتم فانطلق فاتى البحر فإذا قوم يركبون سفينة فعرفوه فحملوه بغير اجر فوقعت السفينة لا ترجع ولا يتقدم فقالوا ان لسفينتنا لشانا قال يونس عليه السلام قد عرفت شانها ركبها رجل ذو خطيئة قالوا ومن هو قال انا اقذفونى فى البحر قالوا ما كنا نطرحك من هاهنا حتى نفداك فى شانها فاستهموا فاعترفوا ثلث مرات فادحض سهمه والحوت عند رجل السفينة فاغرقاه منتظرا امر ربه فيه فقال يونس عليه السلام انكم واللّه لتهلكن جميعا أو لتطرحونى فيها فقذفوه فيه فانطلقوا وأخذته الحوت وفى رواية ابن عباس انه قال الملاحون حين احتبست السفينة هاهنا رجل عاص أو عبد ابق هذا رسم السفينة ومن رسمنا ان نقرع فاقترعوا ثلثا ووقعت القرعة على يونس فالقى نفسه فى الماء فابتلعه الحوت وابتلع هذا الحوت حوت اخر اكبر منه اوحى اللّه تعالى الى(1/6703)
الحوت انا لم نجعل يونس لك قوتا انما جعلنا بطنك حرزا ومسجد أو فى رواية سجنا وروى ان اقام قبل القرعة وقال انا العبد العاصي الآبق فقالوا لا نلقينك يا رسول اللّه حتى نستاهم فوجب القرعة عليه فالقى نفسه فى الماء وروى فى القصة انه لما وصل إلى البحر كانت معه امرأته وابنان له فجاء مركب وأراد ان يركب فقدم امرأته لتركب بعدها فحال الموج بينه وبين المركب ثم جاءت موجة اخرى وأخذت ابنه الأكبر
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 45
و جاء ذئب وأخذ الابن الأصغر فريدا فجاء مركب اخر فركبه فاحتبست السفينة إلخ قال ابن مسعود وابتلعه الحوت فاهوى به إلى قرار الأرض السابعة وكان فى بطنه أربعين ليلة فسمع تسبيح الحصى فنادى فى الظلمات ان لا اله الا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين وذلك قوله تعالى إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ أى حملوا غيظا وغما لاجل الوقوع فى المعصية والتعب والظرف متعلق بمحذوف أى اذكر لا بالنهى لان ندائه سبحانه امر حسن لا يمكن ان يكون منهيا عنه وتقدير الكلام لا تكن كصاحب الحوت مستعجلا فى عقوبة الكفار واذكر إذ نادى بالتوبة وهو مكظوم حيث لم يكظم الغيظ الا لاستعجاله وعدم صبره.(1/6704)
لَوْ لا امتناعية أَنْ تَدارَكَهُ فعل ماض بمعنى أدركه وحسن تذكير القول للفصل أو مضارع منصوب بحذف تاء التفاعل حكاية عن الحال الماضي مبتداء بتأويل المصدر نِعْمَةٌ فاعل للفعل مِنْ رَبِّهِ صفة له أى رحمته وتوفيق التوبة وقبولها وخبر المبتدا محذوف تقديره لو لا تدارك ونعمة ربه إياه موجود لَنُبِذَ جواب لو لا بِالْعَراءِ أى الأرض الخالية عن الشجر والبناء وَهُوَ مَذْمُومٌ حال من فاعل نبذ يعتمد عليه الجواب ويتوجه النفي إلى ذلك أى لو لا الرحمة لنبذ مذموما على عدم التثبت والخروج من اظهر القوم بغير اذن من اللّه وترك الاولى يعد ذنبا بالنسبة إلى الأنبياء لعظمة شانهم وان لم يكن ذنبا فى الحقيقة منافيا للعصمة لكن تداركه الرحمة لما نادى اللّه تعالى وتاب فنبذ بالعراء وهو سقيم كما فى سورة الصافات محمودا مرحوما وقع فى رواية العوفى وغيره عن ابن عباس قال كان يونس وقومه يسكنون فلسطين فغزاهم ملك فسبى منهم تسعة ونصفا من الأسباط وبقي سبطان ونصف فاوحى اللّه تعالى إلى شعيا النبي ان اسر إلى حزقيا الملك وقل له حتى يوجهه متينا قويا فانى القى فى قلوب أولئك حتى يرسلوا معه بنى إسرائيل وكان فى مملكته خمسة من الأنبياء فدعى الملك يونس وامره ان يخرج فقال يونس هل أمرك اللّه باخراجى قال لا قال فهل سمانى قال لا قال فههنا غيرى أنبياء أقويا فالحوا عليه فخرج من بينهم مغاضبا فاتى بحر الروم فركبها إلى اخر القصة.
فَاجْتَباهُ رَبُّهُ ورد الوحى إليه فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ عطف على اجتباه أى جعله من الكاملين فى الصلاح بالعصمة من ان يقول ما تركه اولى لا بد للصوفى الصبر على إيذاء الخلق ولا يجوز له ان يدعو على من أنكره فان اللّه سبحانه وتعالى لم يأذن بالدعاء على الكفار وامر بالصبر
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 46(1/6705)
فكيف على منكر الولي من المؤمنين واللّه اعلم قال البغوي أراد الكفار ان يصيبوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالعين فنظر إليه قوم من قريش قالوا ما راينا مثله ومثل حججه وقيل كانت العين من بنى اسد حتى كانت الناقة والبقرة السمينة تمر بأحدهم فيعاينها ثم يقول يا جارية خذى المكتل والدرهم فأتينا بشئ من لحم هذه فما تبرح حتى تقع بالموت فتنحر وقال الكلبي كان رجل من العرب يمكث لا يأكل يومين أو ثلثة ثم يرجع خبائه فتمر به الإبل والغنم فيقول لم ار كاليوم ابلا ولا غنما احسن من هذه فما يذهب قليلا الا يسقط منها طائفة وعدة فسال الكفار هذا الرجل ان يصيب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالعين ويفعل مثل ذلك فعصم اللّه نبيه وانزل.(1/6706)
وَ إِنْ مخففة من المثقلة يدل عليه اللام فى الخبر يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ خبر يكاد قرأ نافع بفتح الياء من المجرد والباقون بالضم من الافعال وهما لغتان يقال زلقه يزلقه ازلاقا ومعناه ينفذ ذلك يقال زلق ألسنتهم إذا نفذ قال السدى يصيبونك بعيونهم وقيل يزلقونك وقال الكلبي يصرعونك بِأَبْصارِهِمْ متعلق بيزلقون وكذا قوله لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ عن جابر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ان العين ليدخل الرجل القبر والجمل القدر أخرجه أبو نعيم فى الحلية وابن عدى عن أبى ذر نحوه رواه ابن عدى وفى الصحيحين وغيرهما عن أبى هريرة العين حق وعند احمد ومسلم عن ابن عباس العين حق ولو كان شىء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا وفى رواية عن أبى هريرة العين حق يحضرها الشيطان وحسد ابن آدم وعن صبيد بن رفاعة ان اسماء بنت عميس قالت يا رسول اللّه ان بنى جعفر يصيبهم العين فاسترق لهم قال نعم فلو كان شىء يسبق القضاء يسبقه العين رواه البغوي واللّه تعالى أعلم وقال ابن قتيبة ليس اللّه يريد انهم يصيبونك بأعينهم كما نصيب العائن بعينه أراد انهم ينظرون إليك إذا قرأت القرآن نظرا شديدا بالعداوة والبغضاء يكاد يسقطك يقال نظر إلى نظرا يكاد يصرعنى ونظيرا يكاد يأكلني كناية عن العداوة ويدل على صحة هذا المعنى تقييده بسماع القرآن فانهم كانوا عنه ذلك كارهين أشد الكراهة ويجدون إليه النظر بالبغضاء وَيَقُولُونَ إذ يسمعونه يقرأ القرآن إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ جملة يقولون معطوفة على معنى ان يكاد الذين كفروا.
وَما هُوَ أى القرآن إِلَّا ذِكْرٌ موعظة لِلْعالَمِينَ يعنى ما هو بمجنون والقران
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 47(1/6707)
ليس مما يتكلم به المجانين بل القرآن ذكر عام لا يدركه ولا يناطاه الا من كان من أكمل الناس وامتنهم رأيا قال شيخى وامامى مولانا يعقوب الكرخي رض يحتمل ان يكون الضمير هو راجعا إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم أى ما هو أى النبي الا ذكرا أى مذكرا للعالمين على طريق زيد عدل عن حنظلة قال لقينى أبو بكر فقال كيف أنت يا حنظلة قلت نافق حنظلة قال سبحان اللّه ما تقول قلت فكون عند رسول اللّه صلعم يذكرنا بالنار والجنة كانا راى عين فإذا خرجنا من عند رسول اللّه صلعم عافينا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا قال أبو بكر انا لنلقى مثل هذا فانطلقت انا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقلت نافق حنظلة يا رسول اللّه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وما ذاك قلت يا رسول اللّه نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كان رأى عين فإذا خرجنا من عندك عافينا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا فقال رسول اللّه صلعم والذي نفسى بيدي لو تدومون على ما تكونون عندى فى الذكر لصافحتكم الملئكة على فرشكم وفى طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلث مرات رواه مسلم - (فائده) وهذه علامة اولياء اللّه تعالى ان اللّه يذكر برويتهم وذكرهم وقد ورد فى بعض الاخبار المرفوعة ان النبي صلى اللّه عليه وسلم سئل من اولياء اللّه تعالى قال الذين إذا رأوا ذكر اللّه ويروى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال اللّه تعالى ان أوليائي من عبادى الذين يذكرون بذكرى واذكر بذكرهم واللّه تعالى أعلم - (فائده) قال الحسن دواء إصابة العين ان يقرأ الإنسان وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ الآية واللّه تعالى أعلم بالصواب.
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 48
سورة الحاقّة
مكّيّة وهى اثنان وخمسون اية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(1/6708)
الْحَاقَّةُ أى القيامة لانها حق وثابت وقوعها لا ريب فيه أو لانها يحق فيها الأمور أى يعرف حقيقتها أو لانها يحق الجزاء على الأعمال يقال حق عليه الشيء إذا وجب قال اللّه تعالى حقت عليه كلمة العذاب على الكافرين والاسناد مجازى مبتداء وخبره.
مَا الْحَاقَّةُ والرابط المظهر فى مقام المضمر والاستفهام لتفخم شانها والتهويل.
وَما أَدْراكَ ما مبتدأ وادراك خبره والاستفهام للانكار مَا الْحَاقَّةُ جملة الاستفهامية للتهويل مفعول لادراك معنى الآية الحاقة ما هى أى شى عظيم الهول انك لا تعلم كنهها فانها أعظم من ان يبلغها ادراك أحد.
كَذَّبَتْ ثَمُودُ قوم صالح عليه السلام وَعادٌ هود عليه السلام بِالْقارِعَةِ أى بالساعة التي تقرع الناس بالاقراع والإحرام بالانفطار والانتثار وهى القيامة التي مر ذكرها بلفظ الحاقة فههنا وضع المظهر موضع المضمر بلفظ مرادف لما سبق مع زيادة فى وصف شدتها بيانا لذلك الزيادة والجملة خبر للحاقة الاولى بعد خبر أو الجملتان السابقتان معترضتان للتهويل أو هذه الجملة مستانفة موكدة بعنوان المبتدا الاولى أى تحققها وثبوتها فان مضمون هذه الجملة مع ما عطف عليها ان إنكارها وتكذيبها يوجب الهلاك والاستيصال.
فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ اما تفصيل لما أجمل والجملة معطوفة على كذبت الفاء للسببية تقديره كذبت ثمود وعاد بالقارعة فاهلكوا بسبب تكذيبها اما ثمود فاهلكوا بالطاغية أى بالصيحة التي جاوزت مقادير الصياح فاهلكتهم كذا قال قتادة وهو الصحيح وذلك ان جبرئيل عليه السلام صاح صيحة واحدة فهلكوا جميعا وقيل أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شىء فى الأرض فتقطفت قلوبهم فى صدورهم وقيل الطاغية مصدر كالعافية بمعنى الطغيان أى اهلكوا لطغيانهم من التكذيب وقتل الناقة
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 49(1/6709)
و غير ذلك وقيل المراد بالطاغية قذار بن سالف عاقر ناقة صالح والتاء للمبالغة أو الجماعة التي اتفقت على عقر الناقة وبعثت قذارا لعقرها فانها كانت سبب هلاكهم وذلك ان اللّه تعالى بعث صالحا إلى ثمود فدعاهم إلى اللّه تعالى فابوا وطلبوا منه ان يخرج ناقة عشراء من هذه الصخرة واشاروا إلى صخرة اية حتى يؤمنوا به فدعا صالح ربه فخرجت منها ناقة عظمة مسافة ما بين جنبيها مائة وعشرون ذراعا عشراء وولدت فى الحال ولدا مثلها فلم يومنوا وقالوا هذا من سحره فجعل اللّه تعالى تلك الناقة نقمة لهم حيث كانوا قليل الماء فكانت الناقة تشرب ماءهم يوما وتترك الماء لهم يوما وكذا الكلاء فاجمع جماعة منهم على قتلها فبعثوا أشقى الناس وهو قذار بن سالف فعقروا الناقة وعتوا عن امر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين فقال صالح تمتعوا فى داركم بعد قتلها ثلثة ايام تصفر وجوهكم فى اليوم الأول وتحمر فى اليوم الثاني وتسود فى الثالث ويصبحكم العذاب فى الرابع فكان كذلك وأخذت الذين ظلموا الصيحة فاصبحوا فى ديارهم جاثمين كان لم يغنوا فيها لكن هذه التأويلات أى القول بان المراد طاغة المصدر أو عاقر الناقة لا يصاعده العطف باما فى قوله تعالى.
وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ فان فيه الباء للاستعانة فلا بد ان يكون فيما قبله أيضا كذلك حتى يكون الجملتان تفصيلا لجمل صَرْصَرٍ شديد البرد أو شديد الصوت كذا فى القاموس عاتِيَةٍ تجاوزه عن الحد فى الشدة والبرودة قال فى القاموس عتى استكبر وجاوز الحد فهو عات - .(1/6710)
سَخَّرَها أى سلطها اللّه سبحانه بقدرته استيناف أو صفة جئ به لنفى ما يتوهم من انها كانت من اتصالات فلكية ونحو ذلك عَلَيْهِمْ أى على عاد سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ من صبيحة الأربعاء إلى غروب الشمس من الأربعاء الاخر قال وهب فى الأيام التي تسميها العرب الأيام العجوز ذات برد ورياح شديد سميت عجوزا لانها عجز الشتاء إلى آخره وقيل سميت بذلك لان عجوزا من قوم عاد دخلت سربا فتبعها الريح فقتلها فى اليوم الثامن نزول العذاب وانقطع العذاب حُسُوماً حال من مفعول سخر بمعنى متتابعات جمع حاسم من حسام الكي وهو ان يتتابع على موضع الداء بالمكواة حتى يبرأ كذا قال مجاهد وقتادة أو نحسات كما فى قوله تعالى فى ايام نحسات أى حسمت كل خير واستأصله من أصله كذا قال عطية
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 50
او قاطعات قطعن دابر هم كذا قال الزجاج والنضر بن شميل ويجوز ان يكون مصدرا منصوبا على العلية أو على المصدرية من فعل مقدر أى يحسمهم حسوما فَتَرَى أى المخاطب الغير المعين حكاية عن الحال الماضية الْقَوْمَ أى عادا فِيها أى فى تلك الليالى والأيام أو فى بينهما صَرْعى جمع صريع بمعنى مصروع مفعول ثان لترى ان كان من روية القلب والا فهو حال من المفعول كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ اصول نَخْلٍ خاوِيَةٍ متاكلة الأجواف جملة كانهم حال بعد حال مفرد ولذلك وأيضا لكونها مصدرة بكان ترك الواو.(1/6711)
فَهَلْ تَرى استفهام تقرير أى حمل المخاطب على الإقرار لَهُمْ أى لعاد مِنْ باقِيَةٍ وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ قرأ أبو عمرو الكسائي بكسر القاف وفتح الباء بمعنى الجانب أى من معه من جنوده واتباعه والباقون بفتح القاف وسكون الباء أى من تقدمه من الأمم الكافرة وَالْمُؤْتَفِكاتُ أى قرى قوم لوط قلبت عليهم من افك بمعنى قلب والمراد بها أهلها أو المعنى الأمم الذين ايتفكوا يعنى قوم لوط بِالْخاطِئَةِ بالخطاء والمعصية يعنى الشرك أو بفعلة أو افعال خاطئة ذات خطاء.
فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ يعنى عصى فرعون موسى عليه السلام وكل أمته كافرة نبيها عطف تفسيرى على جاء فَأَخَذَهُمْ معطوف على ما سبق والفاء للسببية أَخْذَةً رابِيَةً زائدة فى الشدة على كل اخذة مفعول مطلق لبيان النوع.
إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ أى جاوز حده حتى على كل شىء وارتفع فوقه فى زمن نوح عليه السلام لما ظرف متعلق بما بعده حَمَلْناكُمْ أى حملنا ابائكم وأنتم فى أصلابكم فِي الْجارِيَةِ فى سفينة نوح عليه السلام جارية فى الماء.
لِنَجْعَلَها
السفينة أو الفعلة وهى إنجاء المؤمنين الذين فى السفينة مع طغيان الماء وتجاوزه عن حده لَكُمْ تَذْكِرَةً
عبرة وعظة لدلالتها على قدرة الصانع وحكمته وكمال قهره ورحمته وَتَعِيَها
اى تحفظها وتعقلها وتتفكر فيها قرأ الجمهور بكسر العين وفتح الياء وروى عن ابن كثير باختلاس العين قال صاحب التيسير لا يصح ذلك أُذُنٌ
قرأ نافع اذن بالتخفيف والجمهور بالضمتين واعِيَةٌ
الوعى صفة القلب والنفس وانما أسند إلى الاذن مجازا للتسبب أو المراد اصحاب اذن واع حذف المضاف وأجرى على المضاف إليه ما كان يجرى على المضاف والتنكير فى واعية للدلالة على قلتها وان من هذا شانه فهو مع قلته
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 51(1/6712)
سبب الانجاء الجم الغفير وادامة نسلهم عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ان هذه القلوب اوعية فخيرها أوعاها روى الطبراني ثم لما بالغ فى تهويل القيامة وذكر مال المكذبين بها عاد إلى شرحها فقال.
فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ عن عبد اللّه بن عمر عن النبي صلعم قال الصور قرن ينفخ فيه روى الترمذي وأبو داود والدارمي نَفْخَةٌ واحِدَةٌ احسن اسناد الفعل إلى المصدر لتقييده حسن تذكيره للفصل والمراد بها نفخة الصعق واختلفوا فى عدد النفخات فقيل ثلث نفخات نفخة الفزع ونفخة الصعق ونفخة البعث لقوله تعالى ويوم ينفخ فى الصور ففزع من فى السموات ومن فى الأرض الا من شاء اللّه وكل أتوه داخرين ونفخ فى الصور فصعق من فى السموات والأرض الا من شاء اللّه ن ثم نفخ فيه اخرى فإذا هم قيام ينظرون واختار هذا القول ابن العربي وكذا ورد صريحا فى حديث طويل عن أبى هريرة بلفظة فينفخ فيه ثلث نفخات الاولى نفخة الفزع والثانية نفخة الصعق والثالثة نفخة القيام لرب العالمين روى ابن جرير فى تفسيره والطبراني فى المطولات وأبو يعلى فى مسنده والبيهقي فى البعث وغيرهم وقيل بل نفختان فقط ونفخة الفزع نفخة الصعق لان الامرين متلازمان أى فزعوا فزعا ماتوا عنه وهذا القول صححه القرطبي واستدل بانه استثنى فى نفخة الفزع كما استثنى فى نفخة الصعق فدل على انهما واحد فى اكثر الأحاديث ذكر اثنتين فقط وما بينهما أربعون عاما والحديث الطويل فى اسناده من تكلم فيه واختلف الناس فى تصحيحه فصححه ابن العربي والقرطبي وضعفه البيهقي وعبد الحق ومدار هذا الحديث على اسمعيل بن رافع قاضى المدينة وقد تكلم فيه قال السيوطي فى بعض سياقه نكارة وقد قيل انه جمعه من طرق وأماكن متفرقة مساقة سياقا واحدا واللّه تعالى أعلم والمراد بالظرف اعنى قوله تعالى إذا نفخ الزمان الطويل الذي سماه اللّه تعالى فى كتابه بالحاقة والقارعة و(1/6713)
القيامة والواقعة وغيرها من الأسماء الكثيرة وابتداء ذلك الزمان النفخة الاولى وانتهائه دخول أهل الجنة الجنة واهل النار النار أخرج ابن عساكر عن زياد ابن مخراق قال سال الحجاج عكرمة مولى ابن عباس عن يوم القيامة أمن الدنيا هو أو من الاخرة قال صدر ذلك من الدنيا وآخره من الاخرة فعلى هذا جاز اضافة ذلك الزمان إلى النفخ فى الصور النفخة الاولى والى كل ما وقع فى ذلك اليوم من الصعق والنشور والحساب والشقاق السموات وانتشار الكواكب ودخول الجنة والنار وغير ذلك فقوله تعالى إذا نفخ فى الصور نفخة واحدة بيان
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 52
لابتداء ذلك الوقت وقوله تعالى فهو فى عيشة راضية إلى آخره وقوله تعالى خذوه فغلوه إلى آخره كلاهما بيان للانتهاء به.
وَحُمِلَتِ أى رفعت الْأَرْضُ وَالْجِبالُ من أماكنها فَدُكَّتا أى الأرض والجبال دَكَّةً واحِدَةً الدك الدق والهدم كذا فى القاموس وقال الجوهري أصله الكسر كذا ذكر البغوي وقال الجوهري أيضا الدك الأرض اللينة السهلة قوله تعالى دكت الجبال دكّا أى جعلت بمنزلة الأرض اللينة والحاصل ان الأرض جعلنا مستوية دفعة واحدة لا ترى فيها عوجا ولا امتا واخرج البيهقي عن أبى بن كعب فى قوله تعالى وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة قال يصيران غبرة على وجوه الكفار لا على وجوه المؤمنين وذلك وجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة وجزاء الشرط محذوف أى إذا نفخ فى الصور وحملت الأرض انقضت الدنيا وحقت الحاقة.
فَيَوْمَئِذٍ ظرف لما بعده بدل من إذا نفخ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ أى الساعة المنتظرة التي وجب وقوعها بالكتاب والسنة أو المعنى وقعت الأمور الواقعة الواجبة الوقوع من الحسنات والجزاء.(1/6714)
وَ انْشَقَّتِ السَّماءُ عطف على وقعت فَهِيَ أى السماء يَوْمَئِذٍ ظرف لما بعده واهِيَةٌ ضعيفة مسترخية ليست على الشدة والقوة التي كانت عليها قال الفراء وهيها تشققها وفى القاموس الوهي الشق فى الشيء يقال وهى إذا انشق واسترخى رباطها.
وَالْمَلَكُ أى الجنس المتعارف بالملك عَلى أَرْجائِها أى جوانب السماء وأطرافها التي بقيت بعد الانشقاق وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ اضافة العرش إلى اللّه تعالى لتعظيمه ولاختصاصه بتجلى مخصوصة فَوْقَهُمْ الضمير يعود إلى الثمانية لتقدمها فى المرتبة أو إلى الملائكة الذين هم على ارجاء السماء يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ أى ثمانية أفلاك روى أبو داود والترمذي عن العباس بن عبد المطلب زعم انه كان جالسا فى البطحاء فى عصابة ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالس فيهم فمرت سحابة فنظروا إليها فقال رسول اللّه صلعم ما تسمون هذه قالوا السحاب قال والمزن قالوا والمزن قال والعنان قالوا والعنان قال هل تدرون ما بعد ما بين السماء والأرض قالوا لا ندرى قال ان بعد ما بينهما اما واحدة أو اثنان أو ثلث وسبعون سنة والسماء التي فوقها كذلك حتى عد سبع سموات ثم فوق السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله كما بين السماء إلى السماء ثم فوق ذلك ثمانية أو عال بين
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 53(1/6715)
اطلاقين ودركهن مثل ما بين سماء إلى سماء ثم على ظهورهن العرش بين أسفله وأعلاه ما بين سماء إلى سماء ثم اللّه فوق ذلك وروى البغوي هذا الحديث نحوه غير انه ذكر ما بين السماء والأرض وكذا ما بين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة وكذا ما بين أعلى البحر وأسفله واطلاق الا وعال ودركهن واختلاف المسافة باختلاف اعتبار السائرين واللّه تعالى أعلم قال البغوي جاء فى الحديث انهم اليوم رابعة فإذا كان يوم القيامة أيدهم اللّه تعالى باربعة أخروهم على صورة أو عال ما بين إطلاقهم ودركهم كما بين سماء إلى سماء وجاء فى الحديث ان الواحد منهم وجه رجل والاخر وجه اسدد والا خروجه ثور والا خروجه نسر وروى عن ابن عباس انه قال يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية أى ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم الا اللّه تعالى.
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ أيها الناس كافة على اللّه تعالى للحساب وهذا بعد نفخة البعث والجملة مستانفة كانها فى جواب ما يفعل بنا ذلك اليوم لا تَخْفى قرأ الجمهور بالتاء نظرا إلى تأنيث الفاعل وحمزة والكسائي بالياء للفصل مِنْكُمْ خافِيَةٌ أى فعله سريرة وجملة لا يخفى اما بدل اشتمال من تعرضون أو حال من فاعله قال رسول اللّه صلعم يعرض الناس يوم القيمة ثلث عرضات اما عرضان فجدال ومعاذير واما الثالثة فعند ذلك تظاهر الصحف فى الأيدي فاخذ بيمينه وأخذ بشماله رواه الترمذي عن أبى هريرة وابن ماجة عن أبى موسى الأشعري والبيهقي عن ابن مسعود قال الحكيم الترمذي الجدال للاعداء يجادلون لانهم لا يعرفون ربهم فيظنون انهم إذا جادلوه نجوا وقامت حجتهم والمعاذير للّه تعالى يعتذر إلى آدم وأنبيائه ويقيم حجة عندهم على الأعداء ثم يبعثهم إلى النار واما العرضة الثالثة للمومنين وهو العرض الا ان يخلوبهم فيعاتب مزيد عتابه فى تلك الخلوة حتى يذوق الحياء والخجل ثم يغفر لهم ويرضى منهم.(1/6716)
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ وذلك هو المؤمن والجملة معطوفة على تعرضون تفصيل للعرض أى العرضة الثالثة فَيَقُولُ ذلك المؤمن تحجا بحج خبر لمن هاؤُمُ اسم لخذ يقال هاء يا رجل ويا رجلان ويا امرأة ويا امرأتان وهاؤم يا رجال وهاؤن يا نساء اقْرَؤُا كِتابِيَهْ تنازع الفعلان هاؤم واقرأوا فى مفعولية كتابيه فاعمل الثاني لقربه وحذف المفعول الأول ولو كان الأمر على العكس لقيل اقرؤوه والهاء فيه وفى حسابيه وماليه وسلطانيه للسكت تثبت فى الوقف ونسقط
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 54
فى الوصل واستحب الوقف لثباتها فى الأيام الخالية ولذلك قرئ بإثباتها فى الوصل ايضا.
إِنِّي ظَنَنْتُ أى علمت وأيقنت ولما كان اليقين بالحساب مستلزما للاتيان باعمال الصالحة كنى به عنه كأنَّه قال انى عملت صالحا وانما لم يقل كذلك هضما لنفسه ولاجل ذلك عبر عن العلم بالظن استحقارا لنفسه عن دعوى العلم بحضرت ذى الجلال علام الغيوب قال البيضاوي لعله عبر عنه بالظن اشعارا بانه لا يقدح فى الاعتقاد الهجس فى النفس من الخطرات التي لا ينفك عنها العلوم النظرية أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ مفعول لظننت قائم مقام المفعولين أخرج ابن المبارك عن أبى عثمان النهدي قال ان المؤمن ليعطى كتابه فى ستر من اللّه تعالى فيقرأ سيئاته فيتغير لونه لم يقرأ حسناته فرجع عليه لونه ثم ينظر فإذا سيئاته قد بدلت حسنات فعند ذلك يقول هاؤم اقرأوا كتابيه.
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ قال فى القاموس أى مرضية يقال رضيت لعيشة بالبناء للمفعول ولا يقال رضيت بالفتح على البناء الفاعل قال البيضاوي أى ذات رضاء على النسبة بالصيغة أو جعل الفعل لها مجازا.(1/6717)
فِي جَنَّةٍ متعلق بظرف مستقر قبله عالِيَةٍ رفيعة الرتبة عند اللّه تعالى من حيث القرب الذي كيف له أو رفيعة المكان فانها فى السماء أو رفيعة الدرجات والابنية والأشجار ولما كان رفعة الأشجار موهما لبعد الثمار وكونها غير سهل للاخذ عقبه اللّه تعالى بصفة اخرى بعد صفة فقال.
قُطُوفُها أى ثمارها جمع قطف دانِيَةٌ قريبة بحيث يدون مناتنا ولها قائما وقاعدا أو راقدا.
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً أى أكلا هنيئا وشربا هنيئا والهنيء كل ما لا يلحق به مشقة ولا تعب وخامة أو المعنى يهنئهم هنيئا وهذه الجملة بتقدير القول خبر بعد خبر بهو وجمع الضمير نظرا إلى المعنى أى هو فى جنة وهم يقال لهم كلوا واشربوا أو مستانفة فى جواب ما يقال لهم فيها بِما أَسْلَفْتُمْ متعلق بكلوا واشربوا على التنازع أى بما قدمتم من الأعمال الصالحة والسلف المتقدم من الشيء فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ الماضية من الأيام الدنيا فان الخالي فى الزمان والمكان ما لا يكون له مشاغل فهو من الزمان ما لم يبق اهله ويلزمه المضي والذهاب فيعبر عن الماضي بالخالي قال اللّه تعالى قد خلت من قبله الرسل.
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ وهو الكافر يجعل شماله وراء ظهره فياخذ بها كتابه كذا أخرج البيهقي عن مجاهد قال ابن اسائب يلوى يده اليسرى خلف ظهره ثم يعطى كتابه
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 55
و قيل ينزع يده اليسرى من صدره إلى خلف ظهره فَيَقُولُ لقبيح ما يرى فيه من الأعمال وسوء العاقبة يا لَيْتَنِي المنادى محذوف أى يا قوم ليتنى لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ جملة استفهامية فى محل المفعول للم أدر وجملة لم أوت مع ما عطف عليه خبر ليت.(1/6718)
يا لَيْتَها الضمير عائد إلى النفخة أو إلى غير مذكور أى يا قوم ليت الموتة التي فى الدنيا أو الحالة التي كنت عليها من العدم بعد الوجود كانَتِ الْقاضِيَةَ القاطعة للحيوة مطلقا بحيث لم احيى بعدها قال قتادة يتمنى الموت ولم يكن عذره فى الدنيا شىء اكره من الموت ولما كانت جملة يا ليتنى متمنى عدم الحساب وإيتاء الكتاب وهو من حيث المعنى كناية عن تمنى عدم البعث وجملة يا ليتها كانت القاضية تمنى لعدم البعث صريحا فلاجل كون الجملتين متحدى المعنى معنى لم يعطف إحداهما على الاخرى وجعلت الثانية تاكيدا للأولى.
ما أَغْنى عَنِّي ما نافية أو استفهامية للانكار مفعول لاغنى مالِيَهْ أى مالى من المال والتبع.
هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ ملكى وتسلطى عن الناس أو حجة اللتي كنت أحج بها فى الدنيا قرأ حمزة عنى مالى وعنى سلطانى بحذف الهائين فى الوصل والباقون باثباتهما فى الحالين فيقول اللّه عز وجل لخزنة جهنم.
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ أى اجمعوا يديه إلى عنقه.
ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ وكلمة ثم التفاوت ما بينهما فى الشدة وكذا فيما بعده وقدم المفعول للحصر أى لا تصلوه الا الجحيم وهى النار العظمى وكذا فى قوله تعالى.(1/6719)
ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ الفاء فى فاسلكوه زائدة لتحسين النظم وليست عاطفة حتى يلزم اجتماع العاطفتين ومعنى فاسلكوه أى أدخلوه فيها أخرج ابن أبى حاتم والبيهقي من طريق العوفى عن ابن عباس قال يسلك فى دبره حتى يخرج من منخريه حتى لا يقوم على رجليه واخرج ابن أبى حاتم عن طريق ابن جرير عنه قال السلسلة تدخل من استه ثم يخرج من فيه ثم ينظمون فيها كما ينظم الجراد فى العود ثم يشوى قال نوف البكائى الشامي سبعون ذراعا كل ذراع سبعون باعا كل باع ابعد مما بينك وبين مكة وكان فى رحبة الكوفه أخرجه هناد وابن المبارك قال سفيان كل ذراع سبعون ذراعا قال الحسن اللّه اعلم أى ذراع هو قلت لعله أراد ذراع الملك من خزنة النار أو ذراع الكافر فى النار وقد ورد فى الحديث فرأس الكافر فى النار مثل أحد وغلظ جلده مسيرة ثلث رواه مسلم
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 56
عن أبى هريرة مرفوعا واخرج احمد والترمذي وحسنه والبيهقي عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلعم لو ان رصاصه هذه وأشار إلى مثل الجمجمة أرسلت من السماء إلى الأرض وهى مسيرة خمسمائة سنة لبلغت الأرض قبل الليل ولو أرسلت من راس السلسلة لسارت أربعين خريفا الليل والنهار قبل ان يبلغ أصلها أو قعرها واخرج ابن المبارك عن كعب قال ان حلقة من السلسلة مثل جميع حديد الدنيا واخرج أبو نعيم عن محمد بن المنكدر قال لو جمع حديد الدنيا كله ما خلى وما بقي ما عد لى حلقة من حلق جهنم.
إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ استيناف لبيان سبب ذلك العذاب وذكر العظيم للاشعار بانه تعالى هو المستحق للعظمة فمن تعظم غيره استوجب العذاب عن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلعم يقول اللّه تعالى الكبرياء ردائى والعظمة إزاري فمن نازعنى واحدا منهما أدخلته النار رواه مسلم.
وَلا يَحُضُّ عَلى طَعام ِ الْمِسْكِينِ(1/6720)
اى لا يحث على إطعامه فضلا ان يبذل من ماله ويجوز ان يكون ذكر الحض للاشعار بان تارك الحض بهذه المنزلة فكيف تارك الفعل وفيه دليل على ان الكفار يعذبون على فروع الأعمال أيضا ولعل تخصيص الامرين بالذكر لان أقبح القبائح الكفر باللّه واشنع الشنائع البخل وقسوة القلب.
فَلَيْسَ لَهُ الفاء للسببية الْيَوْمَ هاهُنا ظرفان للظرف المستقر - حَمِيمٌ قريب يحمه.
وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ مستتنى مفرغ صفة للطعام ولا زائدة والقصر إضافي والغسلين غسالة أهل النار صديدهم فعلين من الغسل كذا أخرج ابن أبى حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال الغسلين صديد أهل النار وقال الضحاك والربيع شجر يأكله أهل النار وكذا أخرج ابن أبى حاتم عن طريق مجاهد عن ابن عباس قال ما أدرى ما الغسلين ولكنى أظنه الزقوم.
لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ مستثنى مفرغ فى محل الفاعل والجملة صفة لغسلين أى اصحاب الخطايا من خطى الرجل إذا تعمد الذنب لا من الخطاء ضد الصواب.
فَلا أُقْسِمُ لظهور الأمر واستغنائه عن التحقيق بالقسم أو يقال لا زائدة ومعناه اقسم أو المعنى فلا أى فليس كما يقول الكفار من ان محمدا صلعم تقول القرآن على اللّه تعالى من نفسه وهو شاعر أو كاهن ولا بعث ولا نشور اقسم بِما تُبْصِرُونَ بالبصر أو البصيرة من المظاهر والمعالي لصفات اللّه تعالى سبحانه.
وَما لا تُبْصِرُونَ
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 57
ما لا يدركه الابصار والبصائر من مراتب الصفات والشئونات وذات اللّه سبحانه وقيل ما تبصرون الدنيا وما لا تبصرون الاخرة وقيل ما تبصرون وما لا تبصرون الأجسام والأرواح أو الانس والجن والملائكة أو النعم الظاهرة والباطنة وقيل ما تبصرون ما أظهره اللّه من العلم على خلقه من الملئكة والجن والانس وما لا تبصرون ما استأثر اللّه تعالى بعلمه فلم يطلع عليه أحد.(1/6721)
إِنَّهُ يعنى القرآن لَقَوْلُ رَسُولٍ يبلغه من اللّه سبحانه لا يقول عن نفسه كَرِيمٍ على اللّه تعالى وهو محمد صلعم أو جبرئيل عليه السلام.
وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ كما تزعمونه تارة قَلِيلًا ما منصوب على المصدرية أو الظرفية وما زائدة لتاكيد القلة متعلق بما بعده - تُؤْمِنُونَ أى تومنون إيمانا قليلا أو زمانا قليلا لما يظهر لكم صدقه وقلة ايمانهم المستدعى نفى الايمان كثيرا مبنى على العناد والتعنت فانهم لا يومنون ايمانا كاملا تعنتا وعناد الا غير وقيل أراد بالقليل نفى ايمانهم أصلا كقولك لمن لا يزورك فاما تأتينا أصلا والجملة معترضة لمذمة الكفار.
وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ لا زائدة وما بعده معطوف على خبر ما هو قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ ط ذكر الايمان مع نفى الشاعرية والتذكر مع عدم الكاهنية لان عدم مشابهة القرآن الشعر امر بين لا ينكرها الا معاند واما مباينته لكهانة فهو يظهر عند تذكر احوال الرسول ومعانى القرآن المنافية لاحوال الكهنة ومعانى أقوالهم قرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب يومنون ويذكرون بالياء على الغيبة والباقون بالتاء على الخطاب.
تَنْزِيلٌ مصدر بمعنى المفعول خبر مبتداء محذوف أى هو منزل مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ على لسان جبرئيل جملة مستانفة فى جواب ما يقال فما هو.
وَلَوْ تَقَوَّلَ أى لو افترى وتكلف وتصنع فى القول عَلَيْنا من غير وحي منا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ جمع أقولة من القول كالاضاحيك سمى بها الأقوال المفتراة.
لَأَخَذْنا مِنْهُ أى من المفترى بِالْيَمِينِ متعلق باخذنا أى بيمينه لاذلاله أو بيمينا وعلى التقدير الثاني من زائدة واليمين من المتشابهات وقد يأول بالقوة والقدرة لان قوة كل شىء فى يمينه قال ابن عباس لاخذناه بالقوة والقدرة ويحتمل ان يكون من فى قوله تعالى لاخذنا منه هو للسببية والضمير عائد إلى التقول أى لاخذنا من أجل التقول بيمينه أو يمينا.(1/6722)
ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ صلى وهو عرق فى القلب إذا انقطع مات صاحبه.
فَما مِنْكُمْ
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 58
من بيانية لاخذ ظرف مستقر حال منه مِنْ أَحَدٍ اسم ما ومن زائدة عَنْهُ أى عن القتل أو المقتول المفترى متعلق لما بعده حاجِزِينَ جزما وحمله على أحد لعمومه معنى وجملة فما منكم معطوف على جزاء الشرط أى لاخذنا والشرطية معترضة بين المعطوف عليه وهو انه لقول رسول كريم والمعطوف اعنى.
وَإِنَّهُ أى القرآن لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ لانهم هم المنتفعون - (فائدة) - ومقتضى هذه الآية قاله المجدد ان تلاوة القرآن سبب للترقى بعد فناء النفس وزوال العين والأثر فان التقوى لا يتصور الا بعد الفناء وكون القرآن تذكرة مختص بالمتقي يدل عليه لام التخصيص واما قبل الفناء فالتلاوة داخل فى عمل الأبرار دون المقربين المتقين عن رذائل النفس.
وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ فنجازيهم على تكذيبهم وعدم تذكرهم به.
وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ أى سبب للحسرة عَلَى الْكافِرِينَ حين يرون ثواب المؤمنين المتذكرين به.
وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ اليقين ازاحة الشك كذا فى القاموس وفى الصحاح اليقين من صفة العلم فوق المعرفة وحمله على القرآن من قبيل زيد عدل أى متيقن كمال اليقين كأنَّه نفس اليقين يعنى ان القرآن لوضوحه وسطوع برهانه بحيث يتيقن به العاقل ولا يرتاب فيه والحق ضد الباطل قال صاحب البحر يعنى انه اليقين الحق لا اليقين الباطل الذي هو الجهل المركب فهو اضافة صفة إلى موصوفه بالتجريد على طريقة جرد قطيفة فان قيل المراد باليقين هاهنا ما يجب ان يكون متيقنا للعاقل لوضوح امره وسطوع برهانه فاليقين بهذا المعنى هو الحق لا ما يعم اليقين الباطل الذي هو الجهل المركب فلا فائدة فى اضافة الحق إليه قلنا نعم لكن أضيف الحق إليه للتاكيد وزيادة التوضيح وقال البغوي إلى نفسه لاختلاف اللفظين.(1/6723)
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ع أى فسبح اللّه بذكر اسمه العظيم تنزيها له عن الرضا بالتقول عليه وعن كل ما لا يليق به وشكرا له على ما اوحى إليك قيل معناه فصل بذكر ربك وامره وقيل الباء زائدة ولفظ الاسم مقحم ومعناه فسبح ربك العظيم عن عقبة بن عامر الجهني قال لما نزلت على رسول اللّه صلعم فسبح باسم ربك العظيم قال اجعلوها فى ركوعكم فلما نزلت سبح اسم ربك الأعلى قال رسول اللّه صلعم اجعلوها فى سجودكم رواه أبو داود وابن ماجه والدارمي وعن حذيفة انه صلى مع النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يقول فى ركوعه
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 59(1/6724)
سبحان ربى العظيم وفى سجوده سبحان ربى الأعلى وما اتى اية رحمة الا وقف وسأل وما اتى على اية العذاب الا وقف وتعوذ رواه الترمذي وأبو داود والدارمي قال الترمذي حديث حسن صحيح ورواه النسائي وابن ماجة إلى نوله الأعلى وعن عون بن عبد اللّه عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلعم إذا ركع أحدكم فقال فى ركوعه سبحان ربى العظيم ثلث مرات فقدتم ركوعه وذلك أدناه وإذا سجد فقال فى سجوده سبحان ربى الأعلى ثلث مرات فقدتم سجوده وذلك أدناه رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وقال الترمذي ليس اسناده بمتصل لان عونا لم يلق ابن مسعود وعن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان اللّه وبحمده سبحان اللّه العظيم متفق عليه وعن جابر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من قال سبحان اللّه العظيم وبحمده غرست له نخلة فى الجنة رواه الترمذي - (مسئله) تسبيحات الركوع والسجود سنة عند الجمهور وادنى الكمال ثلث تسبيحات وقال احمد واجب وكذا الخلاف فى تكبيرات انتقالات والتسميع والتحميد فى القومة دون رب اغفر لى فى الجلسة فلم يقل أحد بوجوبه احتج احمد بقوله عليه الصلاة والسلام اجعلوها فى ركوعكم قال الأمر للوجوب وفى حديث ابن مسعود علق تمام الركوع به والجمهور يحملون الأمر على الندب - واللّه تعالى أعلم بالصواب تمت سورة الحاقة.
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 60
سورة المعارج
مكيّة وهى اربع وأربعون اية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(1/6725)
سَأَلَ قرأ نافع وابن عامر سال بالألف ساكنة بدلا من الهمزة والباقون بهمزة وحمزة يجعلها فى الوقف بين بين سائِلٌ أخرج النسائي وابن أبى حاتم عن ابن عباس انه قال هو النضر ابن حارث قال اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب اليم وكذا أخرج ابن أبى حاتم عن السدى قال وكان عذابه يوم بدر فالمراد بالسؤال على هذا الدعاء ويدل على ذلك تعديته بالباء ويحتمل ان يكون سال على قراءة نافع من السيلان والمعنى سال واد بعذاب ومعنى الفعل لتحقق وقوعه اما فى الدنيا وهو قتل بدر أو فى الاخرة وهو عذاب النار قال البغوي سائل واد من اودية جهنم يروى ذلك عن عبد الرحمن بن زيد بن اسلم واخرج ابن المنذر عن الحسن قال نزلت سال سائل بعذاب واقع فقال الناس على من يقع العذاب فانزل اللّه عز وجل على الكافرين ليس له دافع فح يكون السؤال للاستفهام فالباء ح فى قوله تعالى بِعَذابٍ بمعنى عن أو يكون تعديته بالباء لتضمن سال معنى أهم واقِعٍ صفة لعذاب.
لِلْكافِرينَ صفة اخرى لعذاب أو صلة الواقع وان كان السؤال عمن يقع به العذاب كان جوابا ليس له دافع صفة اخرى للعذاب أو هو فى حيز الجواب أى واقع للكافرين لَيْسَ لَهُ دافِعٌ مِنَ اللَّهِ من جهة اللّه لتعلق إرادته ذِي الْمَعارِجِ صفة للّه تعالى أى ذى المصاعد قال سعيد بن جبير ذى الدرجات قلت وهى درجات القرب التي لا كيف لها التي تبلغ إليها الأنبياء والملئكة والأولياء ودرجات القبول يصعد فيها الكلم الطيب والعمل الصالح أو المصاعد فى دار الثواب ودرجات الجنة عن عبادة بن الصامت قال قال رسول اللّه صلعم فى الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض والفردوس أعلاها درجة منها تفجرا نهار الجنة الاربعة ومن فوقها يكون العرش فإذا سالتموا اللّه تعالى
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 61(1/6726)
فاسئلوه الفردوس رواه الترمذي وعن أبى هريرة نحوه وفيه ما بين الدرجتين مائة عام وعن أبى سعيد الخدري ان رسول اللّه صلعم قال ان أهل الجنة يتراوون أهل العرف من بينهم كما تراوون الكواكب الدري الغابر فى الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم قالوا يا رسول اللّه صلعم تلك ينال الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال بلى والذي نفسى بيده رجال أمنوا باللّه وصدقوا المرسلين متفق عليه وقال ابن مسعود ذى السموات سماها معارج لان الملائكة يعرج فيها وقال قتادة ذى الفواضل.(1/6727)
تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ قرأ الكسائي يعرج بالياء على التذكير والباقون بالتاء على التأنيث والجملة صفة للمعارج على طريقة ولقد امر على اللئيم يسبنى والرابط محذوف أى تعرج فيها الملائكة والروح إليه والروح جبرئيل عليه السلام وأفرده لفضله أو أعظم خلق من الملائكة قلت ويحتمل ان يكون المراد بالروح روح البشر الذي هو من عالم الأمر فان أرواح البشر من الأولياء والأنبياء تعرج من خفض البعد والغفلة إلى معارج القرب والحضرة إِلَيْهِ أى إلى اللّه سبحانه أو إلى عرشه فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ج الظرف متعلق بمحذوف دل عليه واقع أى يقع العذاب بهم فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة يعنى يوم القيامة كذا أخرج البيهقي عن عكرمة عن ابن عباس وقال يمان يوم القيامة فيه خمسين موطنا كل موطن الف سنة روى الشيخان فى الصحيحين عن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلعم ما من صاحب كنز لا يؤدى زكوة الكنز الا احمى عليه فى نار جهنم فيجعل صفائح فيكوى بها جنباه وجبينه حتى يحكم اللّه بين عباده فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة ثم يرى سبيله اما إلى الجنة واما إلى النار وما من صاحب ابل لا يودى زكوتها الا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقركا وفرما كانت تستن عليه لا يفقد منها - فصيلا واحدا يطأ بأخفافها وتعضه بأفواهها كلما مر عليه أوليها رد عليه أخريها فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله اما إلى الجنة واما إلى النار وما من صاحب غنم لا يودى زكوتها الأبطح له بقاع فرقر لا يفقد منها شيئا ليس فيها عقصاء ولا جلجاء ولا غضباء تنطحه بقرونها وتطأه باظلافها كما مر عليه أوليها رد عليه أخريها فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله اما إلى الجنة واما إلى النار واخرج احمد وأبو يعلى وابن حبان والبيهقي بسند حسن عن أبى سعيد التفسير المظهري ، (1/6728)
ج 10 ، ص : 62
قال سئل رسول اللّه صلعم عن يوم كان مقداره خمسين الف سنة ما أطول هذا اليوم فقال والذي نفسى بيده انه ليخفف على المؤمن حتى يكون أهون من الصلاة المكتوبة يصليها فى الدنيا قلت فعلى هذا التأويل لا تصادم بين هذه الآية وبين قوله تعالى فى تنزيل السجدة يدبّر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه فى يوم كان مقداره الف سنة مما تعدون إذ معناه يحكم اللّه تعالى بالأمر وينزل به جبرئيل من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه جبرئيل فى يوم من ايام الدنيا وكان قدر سيره الف سنة خمسمائة سنة نزوله وخمسمائة عروجه لان ما بين السماء والأرض خمسمائة عام يعنى لو سار تلك المسافة واحد من بنى آدم لم يقطعه الا فى الف سنة لكن الملائكة يقطعون فى يوم واحد بل فى ادنى زمان أخرج البيهقي من طريق أبى طلحة عن ابن عباس فى قوله تعالى تعرج إليه فى يوم كان مقداره الف سنة مما تعدون قال هذا فى الدنيا تعرج الملائكة فى يوم كان مقداره الف سنة وفى قوله تعالى فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة قال هذا يوم القيامة جعله اللّه تعالى على الكافرين مقدار خمسين الف سنة وقيل المراد من الآيتين يوم القيامة يكون على بعضهم أطول وعلى بعضهم اقصر حتى يكون على المؤمنين أهون من الصلاة المكتوبة كما مر واخرج الحاكم والبيهقي عن أبى هريرة مرفوعا وموقوفا يكون على المؤمنين كمقدار ما بين الظهر والعصر وحينئذ معنى قوله تعالى يدبّر الأمر من السماء إلى الأرض مدة ايام الدنيا ثم يعرج أى يرجع الأمر والتدبير إليه بعد فناء الدنيا وانقطاع امر الأمراء وحكم الحكام فى يوم كان مقداره الف سنة وقيل الظرف فى هذه الآية اعنى قوله تعالى فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة متعلق بيعرج كما هو متعلق فى سورة التنزيل ووجه الجمع بين الآيتين ان المراد فى اية سورة التنزيل انه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه من الأرض إلى السماء فى يوم وقدر مسيره(1/6729)
الف سنة لان ما بين السماء والأرض خمسمائة عام فصار نزوله وعروجه الف سنة والمراد فى هذه السورة مدة المسافة من منتهى الأرض السابعة إلى منتهى أعلى السموات فوق السماء السابعة قال البغوي روى ليث عن مجاهد ان مقدار هذا خمسين الف
سنة وقال محمد بن اسحق لو سار ابن آدم من الدنيا إلى موضع العرش سيرا طبيعنا له سار خمسين الف سنة ومن هاهنا قالت الصوافية العلية ان فناء القلب الذي يحصل للصوفى بالجذب من اللّه تعالى بتوسط النبي صلعم والمشائخ لو أراد
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 63
واحد ان يحصله بالعبادات والرياضات من غير جذب من الشيخ فانما يحصل له فى زمان كان مقداره خمسين الف سنة وإذا لم يتصور بقاء أحد بل بقاء الدنيا إلى هذه المدة ظهران الوصول إلى اللّه تعالى من غير جذب منه تعالى بتوسط أحد من المشائخ كما هو المعتاد وبلا توسط روح رجل كما يكون لبعض الآيسين من الافراد محال واللّه المستعان.
فَاصْبِرْ يا محمد على تكذيبهم صَبْراً جَمِيلًا لا يشعر به استعجال واضطراب وجزع والفاء للسببية متعلق بسال فان السؤال عن تعنت واستهزاء وذلك مما نضجر به فالمعنى فاصبر ولا نضجر عن سوالهم ولا تستعجل فى عقوبتهم أو متعلق بسال على قراءة نافع أو بمحذوف متعلق به فى يوم على معنى فاصبر فقد سال بهم العذاب وقرب وقوعه يقع.
إِنَّهُمْ أى الكفار يَرَوْنَهُ أى العذاب بَعِيداً من الإمكان أو مستبعدا فى العقل محتملا احتمالا ضعيفا.
وَنَراهُ قَرِيباً فى الوقوع فان كل ما هو ات قريب والقرب فى الوقوع يستلزم على تقدير كونه متعلقا بمحذوف وان كان هو متعلقا بيعرج فهذا متعلق بمضمر دل عليه واقع.
يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ المذاب من النحاس وغيره من الفلزات أو دردى الزيت أخرج البيهقي عن ابن مسعود قال السماء يكون الوانا تكون كالمهل وتكون وردا كالدهان وتكون واهية تشقق فيكون حالا بعد حال.(1/6730)
وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ أى كالصوف المصبوغ الوانا لان الجبال مختلفة الألوان فإذا بسطت وطيرت فى الهواء اشتبهت العهن المنفوش إذا طيرته الريح.
وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً لا يسئل قريب لشدة ما يقع على نفسه معطوف على تكون أضيف إليه يوم بواسطة حرف العطف قرأ البراء عن ابن كثير لا يسال بضم الياء على بناء المفعول أى لا يطلب حميم من حميم أو لا يسال منه حاله وهذا الاختلاف ليس فى المشهور ولم يذكره فى التيسير.
يُبَصَّرُونَهُمْ ط أى يرونهم صفة لحميم أو استيناف يدل على ان المانع من السؤال ليس الخفاء بل اما تشاغل كل عن السؤال عن غيره لشدة على نفسه أو الغيبة عن السؤال بمشاهدة الحال كبياض الوجه وسواده ونحو ذلك وجمع الضميرين لعموم الحميم لوقوعه نكرة فى حيز النفي قال البغوي ليس فى القيامة مخلوق الا وهو نصب عين صاحبه من الجن والانس فيكون للرجل أباه وأخاه وقرابته ويبصر حميمه فلا يكلمه لاشتغاله بنفسه وقيل معنى يبصرونهم يعترفونهم اما المؤمن فبياض الوجه
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 64(1/6731)
و اما الكافر فبسواد الوجه يَوَدُّ يتمنى الْمُجْرِمُ المشرك الجملة حال من فاعل يبصرونهم أو من مفعوله والعائد وضع المظهر موضع الضمير أو مستأنفة فى جواب ما يصنع المجرم يعنى ان المجرم يشتغل بنفسه عن غيره بحيث يتمنى ان يفتدى بأقرب الناس وأحبهم إليه فى الدنيا فضلا ان يهتم بحاله ويساله وعلى هذا قوله تعالى لا يسئل حميم حميما مختص بالكفار واما المؤمنون فيسالون احمامهم ويشفعون لهم وقد تواتر فى ذلك الأحاديث بالمعنى قال رسول اللّه صلعم والذي نفسى بيده ما منكم من أحد باشد منا شدة فى الحق قد تبين لكم من المؤمنين للّه تعالى يوم القيامة لاخوانهم الذين فى النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا الحديث متفق عليه وفى حديث طويل عن أبى سعيد الخدري لَوْ يَفْتَدِي أى المجرم أو المتمنى والجملة بيان للوداد مِنْ عَذابِ متعلق بيفتدى مضاف إلى يَوْمِئِذٍ قرأه الجمهور مجرورا بالاضافة وقرأ نافع والكسائي بفتح الميم لاكتسابه البناء من المضاف إليه بِبَنِيهِ مع ما عطف عليه متعلق بيفتدى.
وَصاحِبَتِهِ زوجته وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ أى عشيرته الذين فصل عنهم الَّتِي تُؤْوِيهِ عند الشدائد.
وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً من الثقلين والخلائق ثُمَّ يُنْجِيهِ ذلك الافتداء معطوف على يفتدى عطف بثم للاستبعاد.
كَلَّا لا ينجيه من عذاب اللّه شىء ردع المجرم عن الوداد إِنَّها الضمير لغير مذكور وهى النار يدل عليه العذاب أو ضمير مبهم يفسره لَظى وهو خبر أو بدل أو الضمير للقصة ولظى مبتداء وخبره ما بعده على تقدير كونه مرفوعا واللظى اللهب الخالص قال البغوي هو اسم من اسماء الجهنم وقيل هى الدركة الثانية سميت بذلك لانها تتلظى أى تتلهب امال الحمزة والكسائي لظى وللشوى وتولىّ وفاوعى وورش وأبو عمر بين بين والباقون بالفتح.(1/6732)
نَزَّاعَةً لِلشَّوى أى الأطراف اليدان والرجلان أو جمع شواة وهى لجلدة الراس كذا قال مجاهد وروى ابراهيم بن مهاجر عنه اللحم دون العظام قال سعيد بن جبير عن ابن عباس العصب والعقب وقال الكلبي يأكل الدماغ كله ثم يعود كما كان قرأ حفص عن عاصم نزاعة بالنصب على الاختصاص أو الحال الموكدة مرادف أو المنتقلة على ان لظى بمعنى ملتظية والباقون بالرفع.
تَدْعُوا أى النار خبر بعد خبر لان أو للظى مَنْ أَدْبَرَ عن الحق وَتَوَلَّى عن الطاعة فيقول النار الىّ يا مشرك الىّ يا منافق الىّ الىّ - قال ابن عباس يدعو الكافرين والمنافقين بأسمائهم بلسان فصيح ثم يلتقطهم
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 65
كما يلتقط الطير الحب.
وَجَمَعَ المال فَأَوْعى أى جعله فى وعاء وامسكه ولم يود حق اللّه تعالى عنه.
إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً حال مقدرة ان أريد اتصافه بالهلع بالفعل ومحققة ان أريد اشتماله على مبدأ تلك الصفة فانها من امور الجبلية التي هى من رذائل النفس المقتضى للاتصاف به بالقوة وجملة ان الإنسان فى محل التعليل لقوله أدبر إلخ والهلوع الحريص على ما لا يحل له رواه السدى عن أبى صالح عن ابن عباس وقال سعيد بن جبير الشحيح وقال عكرمة الضجور وقال قتادة الجزوع وقال مقاتل ضيق القلب والهلع شدة الحرص وقلة الصبر وقال عطية عن ابن عباس تفسيره ما بعده وهو قوله تعالى.
إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً لا يصبر.
وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ المال مَنُوعاً لا ينفق فى سبيل اللّه ولا يشكر عن ابن عباس عن النبي صلعم لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم الا التراب ويتوب اللّه على من تاب متفق عليه وعن انس قال قال رسول اللّه صلعم يهرم ابن آدم ويشب منه اثنان الحرص على المال والحرص على العمر متفق عليه.(1/6733)
إِلَّا الْمُصَلِّينَ أى المؤمنين الكاملين عبر بالمصلى عن المؤمن أى المؤمن الكامل كما عبر بالايمان عن الصلاة فى قوله تعالى ان اللّه لا يضيع ايمانكم فان الصلاة أعلى مقامات المؤمن وهى معراج المؤمن وعماد الدين قال المجدد حقيقة الصلاة فوق سائر المقامات التي يمكن حصولها للبشر والاستثناء متصل ان كان اللام فى الإنسان للجنس أو للاستغراق فهو مفرد فى معنى الجمع أو المعنى ان المجرم أدبر وتولى إلخ لان جنس الإنسان أو كل فرد منه خلق مقدرا منه الهلع الا المؤمنين الكاملين الموصوفين بالصفات المذكورة الدالة على الاستغراق فى طاعة اللّه تعالى والإشفاق على الخلق والايمان بالجزاء والخوف من العقوبة وكسر الشهوة وعدم إيثار العاجل على الاجل فانهم لم يخلقوا هلوعا بل خلقوا مقدرا منهم الصبر على الضراء والشكر على السراء الموجبين للاكرام فى الجنات روى مسلم عن حبيب قال قال رسول اللّه صلعم عجبا لامر المؤمن ان امره كله له خير وليس ذلك لاحد الا المؤمن ان أصابته السراء شكر فكان خير اله وان أصابته ضراء صبر فكان خيرا فعلى هذا التأويل وزان هذه الآية وزان قوله تعالى ان الإنسان لفى خسر الا الذين أمنوا إلخ ويجوز ان يكون الاستثناء منقطعا ان كان اللام فى الإنسان للعهد والمعنى ح المجرم الذي أدبر وتولى إلخ خلق هلوعا لكن المؤمن الموصوف بتلك الصفات
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 66(1/6734)
لم يخلق كذلك بل خلق مستعدا للاكرام فى الجنات وعلى كلا التأويلين تدل هذه الآية على ان استعدادات الإنسان مختلفة فى اصل الخلقة كما قال به المجدد ان مبادى تعينات المؤمن جزئيات للاسم الهادي ومبادى تعينات الكفار جزئيات لاسم المضل وقال رسول اللّه صلعم الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خياركم فى الجاهلية خياركم فى الإسلام وعن عائشة قالت قال رسول اللّه صلعم ان اللّه خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم فى أصلاب ابائهم وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم فى أصلاب ابائهم رواه مسلم وفى الباب أحاديث كثيرة جدا.
الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ أى مقبلون فى الصلاة بقلوبهم إلى اللّه تعالى وبأبصارهم إلى موضع السجود دائما ما داموا فى الصلاة فهذا بمعنى ما أورد فى سورة المؤمنين الذين هم فى صلوتهم خاشعون فلا يلزم التكرار بقوله تعالى والذين هم على صلوتهم يحافظون إذ المراد بالدوام دوام الحضور بالمحافظة التحرز عن فواتها وفوات شرائطها وأركانها وآدابها روى البغوي بسنده عن أبى الخير انه قال سالنا عقبة بن عامر عن قول اللّه عز وجل الذين هم على صلوتهم دائمون الذين يصلون ابدا قال لا ولكنه إذا صلى لا يلتفت عن يمينه ولا عن شماله ولا خلفه وروى احمد وأبو داود والنسائي والدارمي عن أبى ذر قال قال رسول اللّه صلعم لا يزال اللّه عز وجل مقبلا على العبد وهو فى صلوته ما لم يلتفت فإذا التفت انصرف عنه وروى البيهقي فى السنن الكبير عن انس ان النبي صلعم قال يا انس اجعل بصرك حيث تسجد وروى الترمذي عنه قال قال رسول اللّه صلعم الالتفات فى الصلاة هلكة (فائدة) فى جعل البصر حيث يسجد تأثير عظيم لدفع الخطرات وحضور القلب.
وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ كالزكوة والصدقات الموظفة.
لِلسَّائِلِ الذي يسال وَالْمَحْرُومِ الذي لا يسال فيحرم عن العطاء غالبا قوله للسائل إلخ صفة لحق بعد صفة.(1/6735)
وَ الَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ فان التصديق بيوم الدين لو كان على حقيقة لا يكون الإنسان جزوعا فى الشر بل صابرا تحسبا ولا منوعا فى الخير فتقف طالبا للثواب.
وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ج خائفون على أنفسهم فان مقتضى التصديق والايمان الخوف والرجاء.
إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ ص لا يقدر على منعه أحد.
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 67
قدم المفعول لرعاية الفواصل وزيدت اللام لتقوية عمل المشتق والفرج اسم سوئة الرجل والمرأة وحفظ الفرج عدم استعماله فيما يشتهيه.(1/6736)
إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ استثناء مفرغ وانما صح فى الإثبات لتضمن الحفظ معنى النفي وعلى صلة للحافظين من قولك احفظ على عنان فرسى أى يحفظون فروجهم على النساء الا على أزواجهم فهى حينئذ بمعنى من أو حال أى حفظوها فى كافة الأحوال الا فى حال التزوج أو التسرى ويحتمل ان يكون الاستثناء من فعل منفى مقدر دل عليه الحفظ أى يحفظون فروجهم لا يبذلونها على امرأة الا على أزواجهم أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ أى سرياتهم وانما قال ما بإجراء المماليك مجرى غير العقلاء فان الشرع ألحقهم بها عقابا على كفرهم فاجاز بيعهم واستخدامهم والمراد بها ملكت ايمانهم السرايا دون العبيد فانه لا يجوز للرجال إتيان العبد فى دبره لما بيّنا حرمته فى سورة البقرة بالسنة والقياس فى تفسير قوله تعالى ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فان قيل كيف يقدم السنة والقياس على نص الكتاب الوارد هاهنا لعموم قوله تعالى ما ملكت ايمانهم العبيد والإماء قلنا ليس على هذا اجماعا فانه لا يجوز وطى امرأة فى حالة الحيض والظهار ولا وطى أمة محرمة عليه بالرضاع فيجوز تخصيص هذا النص بخبر الآحاد والقياس ولا يجوز للمرأة الاستمتاع بفرج عبده فان كلمة على فى قوله تعالى على أزواجهم وكلمة ما التي هى لغير العقلاء تدلان على جواز استعمال المماليك استعمال المفترش لا على عكس ذلك فى وطى الامة دون تمكين العبد فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ج تعليل لمضمون الاستثناء فان عدم حفظ الفرج عن الزوجة والسرية وإتيانهن على وجه مشروع لا يلام عليه فانه مباح ضرورة ابقاء النسل وسياق الكلام يدل على ان الأصل فى الجماع الحرمة كما ذكرنا فى سورة البقرة وانما صح بشرائط من النكاح أو ملك اليمين وعدم الجزئية والطهارة من الحيض والنفاس والإتيان فى محل الولد دون الدبر.(1/6737)
فَمَنِ الفاء للسببية ابْتَغى أى طلب الإتيان وَراءَ ذلِكَ أى وراء الزوجات والسرايا فَأُولئِكَ المبتغين وراء ذلك هُمُ العادُونَ ج الكاملون فى العدوان حيث اتى بفعل حرام مع الكفاية بما أحل اللّه تعالى قال رسول اللّه صلعم أيما رجل راى امرأة تعجبه فليقم إلى اهله فان معها مثل الذي معها رواه الدارمي عن ابن مسعود (مسئلة : ) وهذه الآية تدل على انه لا يجوز متعة النكاح فان المرأة لا تدخل بالمتعة فى الزوجات حتى ان القائلين بإباحتها لا يقولون بجريان التوارث بالمتعة وقال
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 68
البغوي وفيه دليل على ان الاستمناء باليد حرام وهو قول العلماء قال ابن جريح سالت عطاء عنه فقال مكروه سمعت ان قوما يحشرون وأيديهم حبالى فاظن انهم هؤلاء وعن سعيد بن جبير قال عذب اللّه امّة كانوا يعبثون بمذاكيرهم قلت وفى الباب حديث انس رض قال قال رسول اللّه صلعم ملعون من نكح يده رواه الأزدي فى الضعفاء وابن الجوزي من طريق الحسن بن عرفة فى جزئية المشهور بلفظ سبعة لا ينظر اللّه إليهم فذكر الناكح يده واسناده ضعيف.(1/6738)
وَ الَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ قرأ ابن كثير لاماناتهم هاهنا وفى المؤمنين بغير الف على التوحيد والباقون على الجمع وَعَهْدِهِمْ راعُونَ حافظون أى يحفظون الأمانات ويودونها إلى أهلها فمنها ما هى بينه وبين اللّه تعالى كالصلوة والصوم والغسل من الجنابة وغير ذلك والفرائض الواجبة حقا للّه تعالى ومن هذا الباب اضافة الكمالات من الوجود وتوابعها والنعماء الظاهرة والباطنة كله إلى اللّه تعالى فيجب العلم والإقرار بانها كلها من عواردى اللّه المستودعة حتى يجد نفسه فقرا خاليا عنها حين وجودها كلابس ثوب العارية عارى فى الحقيقة فيعلم ان الكبرياء والعظمة رداء اللّه تعالى وإزاره لا يجوز لاحد التنازع فيه ويشكر عند وجود النعم ويصير عند سلبها ولا يجزع ومنها ما هى بين العباد كالودائع والبضائع والعواري فعلى العبد الوفاء لجميعها ويحفظون العهود التي عاهدوا اللّه تعالى يوم الميثاق وغير ذلك كما ان اللّه تعالى أخذ العهد من أهل الكتاب ان بينو نعت النبي صلعم ولا يكتمونه والعهود التي عاهدوا فيما بينهم فى المعاملات والمعاشرات فابقاء كلها واجب روى الشيخان فى الصحيحين عن أبى هريرة رض قال قال رسول اللّه صلعم اية المنافق ثلث زاد مسلم وان صام وصلى وزعم انه مسلم ثم اتفقا إذا حدث كذب وإذا وعد خلف وإذا ائتمن خان وعن عبد اللّه بن عمر قال قال رسول اللّه صلعم اربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عهد غدر وإذا خاصم فجر وروى أبو داود عن عبد اللّه بن أبى الحسماء قال بايعت النبي صلعم قبل ان يبعث وبقيت له بقية فوعدته ان اتيه بها فى مكانه فنسيت فذكرت بعد ثلث فإذا هو فى مكانه فقال لقد شققت على انا هاهنا منذ ثلث انتظرك.(1/6739)
وَ الَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قرأ حفص عن عاصم ويعقوب بشهادات على الجمع والباقون بالإفراد قائِمُونَ أى يقومون فيها بالحق فلا يكتمونها ولا يغيرونها ولا يخافون لومة لائم سواء كانت الشهادة قط خالصا للّه تعالى
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 69
كالشهادة على التوحيد والرسالة وشهادة أهل الكتاب على ما فى التوراة من نعت النبي صلعم والشهادة بهلال رمضان وبالحدود ونحو ذلك أو كانت الشهادة حقا للعباد بالمداينات ونحوها على أنفسهم أو الوالدين والأقربين.
وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ ط أى يراعون أوقاتها وأركانها وسننها وآدابها ويحترزون عن فواتها وتكرير ذكر الصلاة ووصفهم بها اولا وآخرا بوجهين مختلفتين للدلالة على فضلها على غيرها من اركان الإسلام.
أُولئِكَ أى أهلي هذه الصفات فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ع خبر لاولئك وفى جنات ظرف متعلق به قدم عليه لرعاية الفواصل.
فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا الفاء للسببية وما استفهامية للتوبيخ مبتداء خبره ما بعده قال البغوي نزلت فى جماعة من الكفار كانوا يجتمعون حول النبي صلعم يستمعون كلامه ويستهزؤن به ويكذبونه فقال اللّه تعالى توبيخا ما لهم ينظرون إليك ويجلسون عندك ولا ينتفعون بما يستمعون منك قِبَلَكَ ظرف متعلق بما بعده مُهْطِعِينَ حال من الذين كفروا وعامله معنى الفعل أى ما يصنع الكافرون مهطعين قبلك أى مسرعين مقبلين إليك مادى أعناقهم ومدى النظر إليك متطلعين إليك كذا قال البغوي وفى القاموس هطع كمنع هطوعا وهطعا اسرع مقبلا خائفا واقبل يبصره على الشيء لا يقلع عنه واهطع مدعنقه وصوب راسه.
عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ متعلق بمهطعين عِزِينَ جماعات فى تفرقة واحدتها عزة كذا فى الصحاح وفى القاموس عزة كعدة العصبة من الناس.
أَ يَطْم َعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ(1/6740)
بلا ايمان وعمل صالح استفهام انكار ردا لقولهم مع زعمهم كون البعث مستحيلا لو كان كما يقول محمد لنكون فيها أفضل حظا منهم كما فى الدنيا.
كَلَّا ط ردع من ذلك الطمع الباطل إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ استدلال بالنشأة الاولى على إمكان النشأة الثانية وبطلان دعوى استحالة البعث وتعليل لبطلان طمعهم فى دخول الجنة بلا ايمان والمعنى انا خلقناهم من نطفة مستقذرة ثم من علقة كذلك ثم من مضغة لا يقتضى شىء منها للاكرام ولا يناسب عالم القدس فمن لم يستكمل نفسه بالايمان والطاعة ولم يتخلق بالأخلاق المرضية للّه سبحانه لم يستعد دخولها روى البغوي بسنده عن بسر بن حجاش قال قال رسول اللّه صلعم ويصق يوما فى كفه ووضع عليها إصبعه فقال يقول اللّه ابن آدم انى تعجزنى وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 70
و عدلتك ومشيت بين يردين والأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقى قلت الصدق فانى أو ان الصدق أو المعنى انا خلقناهم من أجل ما تعملون حيث قال اللّه تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون أى ليعرفون فمن لم يستكمل نفسه بالعلم والعمل كيف يطمع منازل الكاملين.
فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ يعنى مشارق الكواكب ومغاربها ومشرق الشمس والقمر كل يوم من ايام السنة ومغربها إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ أى نهلكهم وناتى بخلق أمثل منهم أو نعطى محمدا صلعم بدلكم من هو خير منكم وهم المؤمنون الأنصار للّه ولرسوله وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ بمغلوبين ان أردنا ان نهلكهم معطوف على انا لقادرون وفى ذكره بوب المشارق والمغارب الاستدلال بقدرته تعالى على خلق السموات وما فيها من الشمس والقمر والكواكب واختلاف مشارق كل منها كل يوم ومغاربها على قدرته تعالى وعدم عجزه من تبديلهم عمن هم خير منهم.(1/6741)
فَذَرْهُمْ الفاء للسببية يعنى إذا علمت قدرتنا على إهلاكهم فلا تهتم بهم فانما أردنا استدراجهم وتعذيبهم أشد العذاب يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا فى دنياهم الفعلان مجزومان على جواب الأمر حَتَّى يُلاقُوا متعلق بقوله ذرهم يعنى ذرهم كى يلاقوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ العذاب فيه.
يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ أى القبور بدل من يومهم سِراعاً جمع سريع ككراما جمع كريم حال بما أسند إليه يخرجون كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ متعلق بما بعده أى يُوفِضُونَ أى يسرعون حال بعد حال قرأ ابن عامر وحفص بضم النون والباقون بفتح النون واسكان الصاد قال مقاتل والكسائي يعنى إلى أوثانهم الذي كانوا يعبدونها من دون اللّه يعنى انهم كما كانوا يسرعون إلى أوثانهم أيهم يستلمها اولا كذلك يسرعون من الأجداث إلى المحشر ليرو جزاء أعمالهم وقال الكلبي إلى علم وإرادته يعنى كما ان أهل العسكر يسرعون إلى اعلامهم.
خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ حال أيضا تَرْهَقُهُمْ تغشاهم ذِلَّةٌ ط القليل للخشوع أو بيان له ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ فى الدنيا وينكرونها تأكيد لما سبق أو استيناف - واللّه اعلم.
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 71(1/6742)
سورة نوح عليه السلام
مكّيّة وهى ثمان وعشرون اية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ جئ بان فى ابتداء الكلام لاظهار الاهتمام وتقييد إرساله إلى قومه يدل على انه عليه السلام لم يكن مبعوثا إلى الناس كافة كما يدل عليه حديث جابر قال قال رسول اللّه صلعم أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا فاينما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لى الغنائم ولم يحل لاحد قبلى وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة متفق عليه وحديث أبى هريرة ان رسول اللّه صلعم قال فضلت على الأنبياء بست فذكر نحوه غير انه لم يذكر وأعطيت الشفاعة وذكر فيه وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبوة رواه مسلم أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ ان مفسره لتضمن الإرسال معنى القول ويحتمل ان يكون مصدرية بمعنى بان قلنا له انذر لا بمعنى بان انذر قومك فانه يختبط ح الكلام بضمير الغيبة والخطاب مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فى الاخرة والطوفان ان لم يؤمنوا.
قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أنذركم وأبين لكم.
أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ فلا تشركوا به شيئا وَأَطِيعُونِ فيما أمركم به من التوحيد والطاعة لله.
يَغْفِرْ لَكُمْ مجزوم على جواب الأمر فان الايمان والطاعة سبب للمغفرة عن عمرو بن العاص قال أتيت النبي صلعم فقلت ابسط يمينك فلا بايعك فبسط يمينه فقبضت يديه فقال مالك يا عمرو قلت أردت ان اشترط قال تشترط ماذا قلت ان يغفر لى قال اما علمت يا عمرو ان الإسلام يهدم ما كان قبله وان الهجرة تهدم ما كان قبلها وان الحج يهدم ما كان قبله رواه مسلم
و عن(1/6743)
معاذ قال كنت ردف رسول اللّه صلعم على حمار ليس بينى وبينه الا مؤخرة الرحل فقال يا معاذ هل تدرى ما حق اللّه على عباده وما حق العباد على اللّه قلت اللّه ورسوله اعلم قال فان حق اللّه على العباد ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 72
و حق العباد على اللّه ان لا يعذب من لا يشرك به شيئا فقلت يا رسول اللّه أ فلا ابشر به الناس قال لا تبشرهم فيتكلوا متفق عليه
و عن(1/6744)
انس هذه القصة نحوه وفيه فاخبر بها معاذ عند موته تأثما متفق عليه مِنْ ذُنُوبِكُمْ من زائدة أو للتبعيض أى بعض ذنوبكم يعنى ما هو حق اللّه تعالى وَيُؤَخِّرْكُمْ أى يعافيكم فلا يعاقبكم إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ط هو أقصى ما قدر لكم بشرط الايمان والطاعة مسئله اعلم ان القضاء على نوعين قضاء مبرم ومعلق فالمعلق ما كتب فى اللوح المحفوظ ان فلانا ان أطاع اللّه تعالى عوفى إلى مدة كذا مثلا وان عصى اللّه يرسل عليه الطوفان مثلا أو غير ذلك وهذا النوع من القضاء يجوز تبديله بفقدان الشرط وهو معنى قوله تعالى يمحو اللّه ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب وعن سلمان الفارسي قال قال رسول اللّه صلعم لا يرد القضاء الا الدعاء ولا يزيد فى العمر الا البر رواه الترمذي والمبرم وهو المراد بقوله تعالى لا تبديل لكلمات اللّه إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ أى الاجل الذي قدره اللّه تعالى إِذا جاءَ على الوجه المقدر به لا يُؤَخَّرُ فاما المبرم فلا يوخر قط اما المعلق فلا يوخران جاء على ما علق به فبادروا بالطاعات فى اوقات الامهال والتأخير قبل الاجل المبرم ولا ترتكبوا المعاصي الموجبة للتعذيب المفضية إلى الاجل المعلق فان قيل مذهب أهل السنة ان الاجل واحد لا يزيد ولا ينقص حتى قالوا المقتول ميت بأجله وما ورد فى الحديث لا يزيد فى العمر الا البر تأويله عندهم ان البر يزيد بركات العمر بكثرة الثواب وما ذكرت يشبه مذهب المعتزلة قلنا ليس كذلك بل المعتزلة ينكرون القدر ويجعلون القاتلون خالقا لموت المقتول ما ذكرت هو مذهب أهل السنة فان معنى قولهم الاجل واحد لا يزيد ولا ينقص هو الاجل الثابت بالقضاء المبرم لا تبديل فيه لا يستقدمون ساعة ولا يستاخرون والمقتول ميت بأجله المبرم وان كان التعليق فى اللوح المحفوظ انه ان قتله فلان مات والا لم يمت لكنه المبرم فى القضاء انه يقتله فلان البتة وانه يموت فى ذلك الوقت بقتله البتة ولا يوجد شرط(1/6745)
بقاءه بعد ذلك الوقت البتة فح لا حاجة إلى تاويل الحديث عن أبى حزامة عن أبيه قال قلت يا رسول اللّه صلعم ارايت رقى نسترقيها ودواء نتداوى بها وتقاة نتقيها هل ترد من قدر اللّه شيئا قال هى من قدر اللّه رواه احمد والترمذي وابن ماجة يعنى ان اللّه تعالى قدر انه يتداوى فيحصل له الشفاء بالدواء لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يعنى لو كنتم من أهل العلم
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 73
و النظر لمصلحتهم وفيه انهم لانهماكهم فى الشهوات كانهم كانوا شاكين فى الموت قال ابن عباس بعث نوح وهو ابن أربعين وعاش بعد الطوفان ستين سنة وقال مقاتل بعث وهو ابن مائة سنة وقيل ابن خمسين سنة وقيل مائتين وخمسين سنة وكان عمره الفا واربعمائة وخمسين سنة ولا شك فى انه لبث يدعوا قومه الف سنة الا خمسين عاما وروى الضحاك عن ابن عباس ان قوم نوح كانوا يضربون نوحا حتى يسقط فيلقونه فى لبد ويلقونه فى بيت انه قد مات فيخرج فى اليوم الثاني ويدعوهم إلى اللّه سبحانه وتعالى وحكى محمد بن اسحق عن عبيد بن عمر الليثي انه بلغه انهم كانوا يبطشون بنوح عليه السلام فيخنقونه حتى تغشى عليه فإذا أفاق قال رب اغفر لقومى فانهم لا يعلمون حتى إذا عادوا فى المعصية واشتد عليه منهم البلاء انتظر النجل فلا يأتي قرن الا كان أخبث من الذين قبلهم حتى كان الآخرون منهم ليقولن قد كان هذا مع ابائنا وأجدادنا هكذا مجنونا لا يقبلون منه شيئا فح شكى إلى اللّه عز وجل و.
قالَ وفى الكلام حذف اختصارا تقديره قال نوح كذا فكذبوه فلم يزل نوح على دعوتهم والقوم على إنكاره حتى قال نوح رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً أى دائما.
فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي قرأ الكوفيون دعائى بإسكان الياء والباقون بالفتح إِلَّا فِراراً عن الايمان والطاعة واسناد الزيادة إلى الدعاء على السببية كقوله تعالى فزادتهم ايمانا زادتهم رجسا.(1/6746)
وَ إِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ إلى الايمان لِتَغْفِرَ لَهُمْ بسبب الايمان جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ سدوا مسامعهم عن استماع الدعوة - وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ يغطوا بها لئلا يروه وَأَصَرُّوا على الكفر والمعاصي وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً عظيما.
ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً منصوب على المصدرية لأنه أحد نوعى الدعاء أو صفة مصدر محذوف أى دعاء جهارا أى مجاهرا به أو عن الحال بمعنى مجاهرا ثُمَّ إِنِّي قرأ الكوفيون وابن عامر بإسكان الياء والباقون بالفتح.
أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً وكلمة ثم لتفاوت الوجوه فان الجهار اغلظ من الاسرار والجمع بينهما اغلظ من الافراد والتراخي بعضها عن بعض.
فَقُلْتُ بيان لقوله دعوتهم وقال البغوي ان قوم نوح لما كذبوه زمانا طويلا حبس اللّه عنهم المطر وأعقم
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 74
أرحام نسائهم أربعين سنة فهلكت أولادهم وأموالهم ومواشيهم فحينئذ قال لهم نوح عليه السلام - اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ط بالتوبة عن الكفر والندم عن المعاصي وتركها فيما يستقبل إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً للتائبين تعليل لقوله استغفروا.(1/6747)
يُرْسِلِ السَّماءَ أى المطر تسمية الحال باسم المحل عَلَيْكُمْ مِدْراراً حال من السماء أى كثير دره ويستوى فى هذا البيان المذكر والمؤنث ويرسل مع ما عطف عليه مجزوم فى جواب الأمر بالاستغفار فدل على ان الاستغفار سبب للمطر وغير ذلك من النعم الدنيوية ودفع البلاء اما عموما أو فى مادة مخصوصة حيث كان نزول البلاء نقمة الشوم المعاصي كما كان فى قوم نوح عليه السلام وكما يدل عليه قوله تعالى ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ اما إذا كان ذلك نعمة لرفع الدرجات فلا كما كان بايوب عليه السلام وغيره من الأنبياء وعن سعيد قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالامثل يبتلى الرجل على حسب دينه فان كان فى دينه صلبا اشتده بلائه وان كان فى دينه رقة ابتلى حسب دينه فما يبرح البلاء بالعهد حتى يتركه يمشى على الأرض وما عليه خطيئة رواه احمد والبخاري والترمذي وابن ماجه ورواه البخاري فى التاريخ عن بعض ازواج النبي صلعم بلفظ أشد الناس بلاء فى الدنيا نبى أو صفى - روى الحاكم فى المستدرك وابن ماجه وعبد الرزاق عن أبى سعيد نحوه وفيه ولاحدهم كان أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء ويمكن ان يقال قحط المطر بلاء عام لا يتصور الا بشوم المعاصي من العوام فالاستغفار سبب للمطر عموما ومن ثم شرع الاستغفار فى الاستسقاء روى مطرف عن الشعبي ان عمر خرج يستسقى بالناس فلم يزد على الاستغفار حتى رجع فقيل له سمعناك استسقيت فقال طلبت الغيث بمجارى السماء الذي يستنزل بها القطر ثم قرأ استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا.
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ قال عطاء يكثر أموالكم وأولادكم وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ بساتين وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً ط يعنى كما كانت قبل تكذيب نوح عليه السلام - .(1/6748)
ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً ج ما استفهامية مبتداء ولكم خبره وجملة لا ترجون حال من ضمير المخاطب والعامل معنى الفعل أى ما تصنعون لا ترجون وللّه حال من وقارا قدم على ذى الحال لنكارته والوقار بمعنى العظمة اسم من التوقير بمعنى التعظيم
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 75
قال ابن عباس ومجاهد رض لا ترون للّه عظمة فى الرجاء بمعنى الاعتقاد عير عن الاعتقاد بالرجاء الذي يتبع ادنى الظن مبالغة وقال الكلبي معناه لا تخافون للّه عظمة فالرجاء على هذا بمعنى الخوف وقال الحسن لا تعرفون للّه حقا ولا تشكرون له نعمة وقال ابن كيسان ما لكم لا ترجون فى عبادة ان يثيبكم على توقيركم إياه جزاء ويحتمل ان يكون المعنى ما لكم لا ترجون فى عبادة اللّه تعظيمه إياكم وللّه بيان للموقر.
وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً أى تارات حالا بعد حال حلقكم عناصر ثم مركبات اغذية للانسان ثم اخلاطا ثم نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما ولحوما ثم انشأكم خلقا اخر أى خلقا إنسانا بنفخ الروح فتبارك اللّه احسن الخالقين - ثم يميتكم ويقبركم ثم يعيدكم احياء تارة اخرى فيعظم المطيع منكم بالثواب ويعاقب العاصي والجملة حال من فاعل ترجون أو من اللّه ثم اتبع ذكر آيات فى الأنفس بايات فى الآفاق فقال.
أَ لَمْ تَرَوْا مجاز عن التعجيب كَيْفَ استفهام للاستعظام حال عن الفاعل أو المفعول من الجملة التالية قدم لاقتضاء صدر الكلام خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً بعضهن فوق بعض وبين كل من السافل وو العالي مسيرة خمسمائة سنة كما دل عليه الأحاديث وذكر فيما قبل.(1/6749)
وَ جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً أى فى بعضهن وهى السماء الدنيا كما يقال نزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى دور بنى النجار قال البغوي قال عبد اللّه بن عمرو ان الشمس والقمر وجوههما إلى السموات وضوء الشمس والقمر فيهن يعنى كليهن واشعتهما إلى الأرض ويروى هذا عن ابن عباس وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً مثلها به لانها تزيل الظلمة عما تقابله كما يريلها السراج عما حوله وانما مثل الشمس بالسراج مع كون السراج ادنى منها ضياء لظهور امر السراج فى أذهان السامعين وفقد ما يمثل به غيره ولعله فى قوله تعالى جعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا اشعار بان نور القمر مستفاد من الشمس فان النور انما يستفاد من السراج.
وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ كرر اسم اللّه تعالى ولم يكتف بالضمير التذاذا باسم المحبوب واظهار المقصودة أى انشأكم فاستعير الإنبات للانشاء لأنه ادل على الحدوث مِنَ الْأَرْضِ بان خلق أباكم آدم منها أو بانه خلقكم من النطف والنطف من الغذاء المنبت من الأرض نَباتاً مصدر من غير ما به نحو تبتل إليه وقيل اسم جعل موضع المصدر أو هو مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره واللّه
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 76
أنبتكم فنبتم نباتا فاقتصر اكتفاء بالدلالة الالتزامية.
ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها مقبورين بعد الموت وَيُخْرِجُكُمْ بالحشر إِخْراجاً أكده بالمصدر كما أكد به الأول للدلالة على تحقيق البعث كالبدأ.
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً تنقلبون عليها.
لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً ع واسعة جمع فج ومن لتضمن الفعل معنى الاتخاذ.(1/6750)
قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي فيما امرتهم وهذه الجملة بمنزلة التأكيد لما سبق من قوله تعالى قال رب انى دعوت قومى ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائى الا فرارا إلخ قال مال الجملتين واح د إذ الفرار عن الدعاء وسد المسامع وتغطية الابصار هو عين العصيان أو من موجباته ولذا لم يذكر العاطف بين قال وقال وانما كرر القول بالعصيان مع ذكره فيما سبق لان سوق الكلام الأول لبيان ادائه فريضة التبليغ على ابلغ الوجوه وسوق هذا الكلام ليكون تمهيدا للدعاء عليهم وَاتَّبَعُوا أى السفلة منهم مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً أى رؤسائهم البطرين باموالهم المغترين باولادهم بحيث صار ذلك سببا لزيادة خسارهم فى الاخرة قرأ نافع وعاصم وابن عامر ولده بفتح الواو واللام والباقون بضم الواو وسكون اللام على انه لغة كالحزن أو جمع كالاسد.
وَمَكَرُوا عطف على من لم يزده والضمير لمن وجمعه للمعنى أو على اتبعوا مَكْراً كُبَّاراً ج هو أشد مبالغة فى الكبر من الكبار بلا تشديد وهو من الكبير يعنى مكروا مكرا كبيرا فى غاية الكبر وذلك احتيالهم فى الدين والمكر من الرؤساء تحريش الناس على أذى نوح والكفر باللّه ومن السفلة القيام على انواع إيذائه.(1/6751)
وَ قالُوا أى قال بعضهم لبعض عطف على مكروا على الوجهين لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ أى عبادتها وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا قرأ نافع ودا بضم الواو والباقون بفتحها وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً ج تخصيص بعد التعميم لزيادة الاهتمام قال البغوي قال محمد بن كعب هذه اسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح فلما ماتوا كان لهم اتباع يقتدون بهم ويأخذون بعدهم ماخذهم فى العبادة فجاءهم إبليس وقال لهم لو صورتم صورهم كان انشط لكم وأشوق إلى العبادة ففعلوه ثم نشأ قوم بعدهم فقال لهم إبليس ان الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم فعبدوهم فابتدأ عبادة الأوثان كان من ذلك وسميت تلك الصور بهذه الأسماء وقال عطاء
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 77
عن ابن عباس رض صارت الأوثان التي كانت تعبد فى قوم نوح فى العرب بعده اما ودّ فكانت لكلب بدومة الجندل واما سواع فكانت لهذيل واما يغوث فكانت لمرو ثم لبنى غطيف بالجرف عند سبأ واما يعوق فكانت لهمدان واما نسر فكانت لحمير لال ذى الكلاع فهذه اسماء رجال صالحين من اسلام قوم نوح فلما هلكوا اوحى الشيطان إلى قومهم ان انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون انصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك عبدت وروى عن ابن عباس رض ان تلك الأوثان رفنها الطوفان وطمها التراب فلم تزل مدمونة حتى أخرجها الشيطان لمشركى مكة.(1/6752)
وَ قَدْ أَضَلُّوا أى الأوثان أو رؤساء قوم نوح كَثِيراً ج من الناس والاسناد إلى الأوثان مجاز كما فى قوله تعالى رب انهن اضللن كثيرا من الناس حيث أضلهم الشيطان بسببها والجملة اما حال من فاعل قالوا أو من مفعول لا تذرن واما معترضة وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ أى الكافرين إِلَّا ضَلالًا أى هلاكا وضياعا كقوله تعالى إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ أو المراد بالضلال عدم اهتدائهم إلى ما أرادوا بمكرهم أو إلى مصالح دنياهم والجملة معطوفة على مقولة قال رب انهم عصونى يعنى قال نوح هذا القول فهو فى المعنى من قبيل عطف المفرد على المفرد لا عطف الإنشاء على الخبر.
مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ على قراءة الجمهور وقرأ أبو عمر وخطاياهم ما مزيده للتاكيد والتفخيم ومن للسببية متعلق باغرقوا أى من أجل خطاياهم أُغْرِقُوا بالطوفان فَأُدْخِلُوا ناراً فى عالم البرزخ المسمى بالقبر فانه روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفرات النيران فهذه الآية دليل على اثبات عذاب القبر لان الفاء للتعقيب وصيغة ادخلوا للمضى خلافا للمعتزلة وغيرهم من أهل الهواء قالوا فى تاويل هذه الآية انه أورد بفاء التعقيب لعدم اعتداد لما بين الإغراق والإدخال أو لان المسبب كالمتعقب للسبب وصيغة الماضي لان المتيقن كالواقع قلنا الأصل فى الكلام الحقيقة وهذه التأويلات حمل على المجاز فلا يجوز بلا دليل كيف وقد دلت من الأحاديث ما لا يحصى على عذاب القبر وانعقد عليه اجماع السلف عن انس قال قال رسول اللّه صلعم ان العبد إذا وضع فى قبره وتولى عنه أصحابه انه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقول ما كنت تقول فى هذا الرجل لمحمد صلعم فاما المؤمن فيقول اشهد
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 78(1/6753)
انه عبد اللّه ورسوله فيقال له انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك اللّه به مقعدا من الجنة فيريهما جميعا واما المنافق والكافر فيقال له ما كنت تقول فى هذا الرجل فيقول لا أدرى كنت أقول ما يقول الناس فيقال لا دريت ولا تليت ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين متفق عليه وعن عائشة قالت ما رايت رسول اللّه صلعم صلى صلوة الا تعوذ باللّه من عذاب القبر متفق عليه وعن عثمان انه كان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته فقيل له تذكر الجنة فلا تبكى وتبكى من هذا فقال ان رسول اللّه صلعم قال ان القبر أول منزلة من منازل الاخرة فان نجا منه فما بعده أيسر منه وان لم ينج منه فما بعده أشد منه قال وقال رسول اللّه صلعم ما رايت نظرا قط الا والقبر اقطع منه رواه الترمذي ابن ماجة وعن أبى سعيد قال قال رسول اللّه صلعم يسلط على الكافر فى قبره تسعة وتسعين تنينا تنهسه وتلدغه حتى تقوم الساعة ولو ان تنينا منها نفخ فى الأرض ما أنبتت خضراء رواه الدارمي وروى الترمذي نحوه وقال سبعون بدل تسعة وتسعون وتنكير نارا للتعظيم أو لان المراد نوع من النيران غير نار جهنم وجملة اغرقوا مع ما عطف عليه استيناف كأنَّه فى جواب ما فعل لهم إذا شتكى نوح إلى اللّه عصيانهم فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً أى لا يجد أحد منهم أحدا ينصرهم فان مقابلة الجمع بالجمع يقتضى انقسام الآحاد على الآحاد وأحد نكرة فى حيز النفي يعم والجملة تعريض لهم باتخاذ الهة من دون اللّه لا يقدر على نصرهم.
وَقالَ نُوحٌ عطف على قال نوح رب انهم عصونى رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ أى ارض قومه واللام للعهد مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً أحدا يسكن دارا وهو نكرة فى حيز النفي فيعم فيقال أصله ديوار ادغم الياء بالواو بعد قلبه ياء على طريقة سيد لافعال والا فكان دوارا.(1/6754)
إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ تعليل للدعاء عليهم يُضِلُّوا أى يريدوا إضلال عِبادَكَ المؤمنين وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً قال محمد بن كعب ومقاتل والربيع انما قال نوح هذا الدعاء على قومه حين أخرج كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم ويئس أصلاب رجالهم قبل العذاب بأربعين سنة وقيل تسعين سنة فاخبر اللّه نوحا ان هم لا يومنون ولا يلدون مؤمنا ولم يكن فيهم صبى وقت العذاب لان اللّه تعالى قال وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم ولا يوجد التكذيب من الأطفال وبهذا يستدل على ان الطوفان لم يستغرق الأرض كلها بل قومه فقط كيلا يلزم التعذيب من غير تكذيب.
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ كان اسم أبيه ملك بن منو شلخ واسم امه سمجار بنت أنوش وكانا مؤمنين وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ قرأ بفتح الياء حفص وهشام والباقون بالإسكان أى منزلى وقال الضحاك مسجدى وقيل سفينتى مُؤْمِناً قيل خرج بهذا إبليس فانه كان دخل فى سفينة وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ط إلى يوم القيامة وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ أى الكافرين إِلَّا تَباراً ع أى هلاكا واستجاب اللّه تعالى دعاءه.
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 79
سورة الجن
مكيّة وهى ثمان وعشرون اية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(1/6755)
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ النفر من الثلاثة إلى العشرة فقيل كانوا تسعة من جن نصيبين وقيل كانوا سبعة والجن أجسام ذات أرواح كالحيوان عاقلة كالانسان خفية عن أعين الناس ولذا سميت جنا خلقت من النار كما خلق آدم من طين قال اللّه تعالى والجان خلقناه من قبل من نار السموم تتصف بالذكورة والأنوثة وتتوالد والظاهر ان الشياطين قسم منهم بخلاف الملائكة فانهم لا يتصفون بالذكورة ولا بالانوثة ووجود الجن والشياطين والملائكة ثابت بالشرع وأنكره الفلاسفة وليست العقول العشرة التي اخترعها الفلاسفة من الملائكة من شى حيث يزعمونها مجردات بخلاف الملائكة فانها أجسام ذات أرواح واللّه تعالى أعلم وسوق هذا الكلام يقتضى ان النبي صلعم لم ير الجن وانما اتفق حضورهم فى بعض اوقات قراءته فاستمعوها فقص اللّه ذلك على رسوله فيما اوحى إليه أخرج الشيخان والترمذي وغيرهم عن ابن عباس رض قال ما قرأ رسول اللّه صلعم على الجن ولا رايهم ولكنه انطلق مع طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فقالوا ما هذا الا بشى قد حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا هذا الذي حدث فانطلقوا فانصرف النفر الذين توجهوا نحو تهامه لى رسول اللّه صلعم وهو بنخلة يصلى بأصحابه صلوة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا هذا واللّه الذي حال بينكم وبين خبر السماء فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا يا قومنا انا سمعنا قرانا عجبا إلخ فانزل اللّه تعالى على نبيه قل اوحى إلى قول الجن وقال اكثر المفسرين لما مات أبو طالب خرج رسول اللّه صلعم وحده إلى الطائف يلتمس من ثقيف النصر والمنعة له من قومه فروى محمد بن اسحق عن يزيد بن زياد عن محمد للقرظى انه قال لما انتهى رسول اللّه صلعم إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف وهم يومئذ سادت ثقيف واشرافهم وهم اخوة(1/6756)
ثلثة عبد يا ليل ومسعود وحبيب بنو عمير وعند أحدهم امرأة من قريش
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 80
من بنى جمح فجلس إليهم فدعاهم إلى اللّه وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه فقال له أحدهم هو يمرط ثياب الكعبة ان كان أرسلك اللّه وقال الاخر اما وجد اللّه أحدا يرسله غيرك وقال الثالث واللّه ما أكلمك ابدا لئن كنت رسولا من اللّه كما تقول لانت أعظم خطرا من ان أرد عليك الكلام ولئن كنت تكذب على اللّه فلا ينبغى لى ان أكلمك فقام رسول اللّه صلعم وقد يئس من خير ثقيف وقال لهم إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا عنّى وكره رسول اللّه صلعم ان يبلغ قومه فيزيد ذلك فى تجرئهم عليه فلم يفعلوا واغروا به سفهائهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس والجره إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة وهما فيه فرجع عنه سفهاء ثقيف ومن كان تبعه فعمد إلى ظل جنة من عتب فجلس فيه وابنا ربيعة ينظران إليه ويريان ما لقى من سفهاء ثقيف وقد لقى رسول اللّه صلعم تلك المرأة من بنى جمح فقال لها ماذا لقينا من احمانك فلما اطمئن رسول اللّه صلعم قال اللهم انى أشكو إليك ضعف قوتى وقلة حيلتى وهو انى على الناس وأنت ارحم الراحمين وأنت رب المستضعفين فانت ربى إلى من تكلنى إلى بعيد يتجّهمنى إلى أو إلى عدو ملكته امرى ان لم يكن بك على غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هى أوسع لى أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه امر الدنيا والاخرة من ان تنزل بي غضبك أو يحل علىّ سخطك لك العتبى حتى ترضى لا حول ولا قوة الا بك فلما رأه ابنا ربيعة تحركت له رحمهما فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له عداس فقالا له خذ قطفا من هذا العنب وضعه فى ذلك الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه ففعل عداس ثم اقبل به حتى وضعه بين يدى رسول اللّه صلعم فلما وضع ومد رسول اللّه صلعم يده قال باسم اللّه ثم أكل(1/6757)
فنظر عداس إلى وجهه فقال واللّه ان هذا الكلام ما يقول أهل هذه البلدة قال رسول اللّه صلعم من أى البلاد أنت يا عداس وما دينك قال انا نصرانى
و انا رجل من أهل نينوى فقال رسول اللّه صلعم أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى قال وما يدريك يونس بن متى قال رسول اللّه صلعم ذلك أخي كان نبيا وانا نبى فاكب عداس على رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم فقبل راسه ويديه وقدميه قال فيقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه اما غلامك فقد أفسده عليك فلما جائهما عداس قالا له ويلك يا عداس ما لك تقبل راس هذا الرجل ويديه وقدميه قال يا سيدى ما على الأرض خير من
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 81(1/6758)
هذا الرجل فقد أخبرني بامر ما يعلمه الا نبى فقال ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك فان دينك خير من دينه ثم ان رسول اللّه صلعم انصرف من الطائف راجعا إلى مكة حين يئس من خبر ثقيف حتى إذا قام بنخلة قام من جوف الليل يصلى فمر به نفر من جن نصيبين اليمن فاستمعوا له فلما فرغ من صلوته ولوا إلى قومهم منذرين قد أمنوا وأجابوا لما سمعو فقص اللّه سبحانه تعالى خبرهم عليه واخرج ابن الجوزي فى كتاب الصفوة بسنده عن سهل بن عبد اللّه قال كنت فى ناحية وزاعا وإذا رايت مدينة من حجر منقور فى وسطها قصر من حجارة تأويه الجن فدخلت فإذا شيخ عظيم الخلق يصلى إلى الكعبة وعليه جبة صوف فيها طراوة فلم أتعجب من عظم خلقته كتعجبى من طرارة جبته فسلمت عليه فرد على السلام وقال يا سهل ان الأبدان لا يخلق الثياب وانما يخلقها روايح الذنوب ومطاعم السحت وان هذه الجبة على منذ سبع مائة سنة لقيت بها عيسى ومحمدا عليهما السلام فامنت بهما فقلت له ومن أنت قال من الذين نزلت فيهم قل اوحى إلى نفر من الجن وقال جماعه بل امر رسول اللّه صلعم ان ينذر الجن ويدعوهم إلى اللّه يقرأ عليهم القرآن فصرفوا إليه نفر من الجن من نينوى وجمعهم له فقال رسول اللّه صلعم انى أمرت ان اقرأ على الجن الليلة فايكم يتبعنى فاطرقوا ثم استتبعهم فاتبعه عبد اللّه بن مسعود رض قال عبد اللّه ولم يحضر معنا غيرى فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة دخل بنى اللّه صلى اللّه تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم شعبا يقال له شعب الحجون وخط إلى خطا ثم أمرني ان اجلس فيه وقال لا يخرج منه حتى أعود إليك ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن فجعلت ارى مثل النسور تهوى وسمعت لغطا شديدا حتى خفت على نبى اللّه صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم وغشيته اسودة كثيرة حالت بينى وبينه حتى ما اسمع صوته ثم طفقوا ينقطعون مثل قطع السحاب الذاهبين ففرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مع الفجر(1/6759)
فانطلق إلى فقال أ نمت قلت لا واللّه يا رسول اللّه ولقد هممت مرارا ان استغيث بالناس حتى سمعتك تقرع بعصاك تقول اجلسوا قال لو خرجت لم أمن عليك ان يتخطفك بعضهم ثم قال رأيت شيئا قلت نعم رأيت رجلا اسود مشتفرى ثياب بيض قال أولئك جن نصيبين سألونى المتاع والمتاع الزاد فمنعتهم لكل عظم عايل وروث وبعرة فقال يا رسول اللّه يقذرها الناس فنهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ان يستنجى بالعظم والروث قال فقلت يا رسول اللّه وما يغنى ذلك عنهم قال انهم لا يجدون عظما الا وجدوا عليه لحمه يوم يوكل ولا روثة الا وجدوا فيها حبها يوم
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 82
أكلت فقلت يا رسول اللّه سمعت لغطا شديدا فقال ان الجن تدارت فى قتيل قتل منهم فتحاكموا إلى فقضيت بينهم بالحق قال ثم تبرز رسول اللّه صلعم ثم أتاني فقال هل معك ماء قلت يا رسول اللّه معى اداوة فيها بشئ من نبيذ التمر فاستدعاه فصببت على يديه فتوضأ فقال تمرة طيبة وماء طهور وروى مسلم عن على بن محمد حدثنا اسمعيل بن ابراهيم عن داود عن عامر قال سألت علقمة هل كان ابن مسعود شهد مع رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم ليلة الجن قال فقال علقمة انا سألت ابن مسعود عنه فقلت هل شهد أحد منكم مع رسول اللّه صلعم ليلة الجن قال كنا مع رسول اللّه صلعم ذات ليلة تفقدناه فالتمسناه فى الاودية والشعاب فقلنا استطير أو اغتيل قال بشر ليلة بات بها قوم فقال أتاني داعى الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن قال فأنطلق بنا فارانا اثارهم و(1/6760)
اثار نيرانهم قال الشعبي وسألوه الزاد وكانوا من جن جزيرة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لكم كل عظم ذكر اسم اللّه عليه يقع فى ايديكم أو ما يكون فيه لحم وذلك بعرة علف دوابكم فقال رسول اللّه صلعم فلا تستنجوا بهما فانهما طعام إخوانكم من الجن وروى عن ابن مسعود انه رأى قوما من الزط فقال هؤلاء أشبه ما رايت من الجن ليلة الجن قلت والظاهر عندى ان استماع الجن القرآن من النبي صلعم عامدا إلى سوق عكاظ وقافلا من الطائف كان اولا وهو المحكي عنه بقوله تعالى قل اوحى إلى واما ليلة الجن التي رواها ابن مسعود فكانت بعد ذلك قال البغوي فى تفسير سورة الأحقاف انه قال ابن عباس فاستجاب لهم أى تفر من الجن بعد ما استمعوا القرآن من النبي صلعم بنخلة ورجعوا إلى قومهم منذرين من قومهم سبعين رجلا من الجن فرجعوا إلى رسول اللّه صلعم فوافقوه فى البطحاء فقرأ عليهم القرآن وأمرهم ونهاهم وذكر الخفاجي انه قد دلت الأحاديث على ان وفادة الجن كانت ستة مرات وهذا يدل على انه صلى اللّه عليه واله وسلم كان مبعوثا إلى الجن والانس جميعا وقال مقاتل لم يبعث قبله نبى إلى الانس والجن واللّه تعالى أعلم فَقالُوا هؤلاء النفر من الجن حين رجعوا إلى قومهم إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً بديعا مباينا لكلام المخلوق مصدر وصف به للمبالغة.
يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ إلى الحق والصواب من التوحيد والإحسان الذي يقتضيه العقل والبرهان صفة اخرى للقران فَآمَنَّا بِهِ ط أى بالقران وَلَنْ نُشْرِكَ فى العبادة بِرَبِّنا أَحَداً من خلقه حيث نهى اللّه سبحانه عنه.
وَأَنَّهُ الضمير عائد إلى ربنا أو للشان
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 83(1/6761)
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وشعبة بكسر الهمزة عطفا على مقولة قالوا يعنى انا سمعنا وهكذا فى أحد عشر موضعا غيره إلى قوله وانا منا المسلمون وهذا ظاهر غير ان فى قوله تعالى وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن الآية التفات من المتكلم إلى الغيبة وفى قوله تعالى وانهم ظنوا كما ظننتم التفات من الغيبة إلى الخطاب وقرأ أبو جعفر وانه وانهم فى ثلثة مواضع بالفتح على انه استمع نفر بمعنى لوحى إلى انه تعالى جد ربنا واوحى إلى انه كان واوحى إلى انهم ظنوا وفى تسعة مواضع الباقية بالكسر لما ذكرنا وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي بفتح الهمزة فى المواضع كلها قال المفسرون فى توجيه هذه القراءات انه معطوف على انه استمع يعنى اوحى إلى انه تعالى جد ربنا وهذا لا يستقيم الا إلى الثلاثة الذي قرأها أبو جعفر بالفتح دون البواقي وقيل انه معطوف على حمل الجار والمجرور فى أمنا به يعنى صدقنا انه تعالى جد ربنا وهذا أيضا لا يستقيم الا فى بعض المواضع كما هو الظاهر ولو لا هذه القراءة فى المتواترات لما احتجنا إلى تكلفات فى توجيهها لكنها من المتواترات فوجب ارتكاب التكلفات واللّه تعالى أعلم تَعالى جَدُّ رَبِّنا الجملة خبر لان والعائد وضع المظهر موضع المضمر على تقدير كون الضمير عائدا إلى تقديره انه تعالى جده فوضع المظهر موضع الضمير للتصريح على الربوبية فان الربوبية تقتضى ان يكون عظمته وشانه أعلى وارفع عن شان المربوبين ومعنى جد ربنا جلاله وعظمته كذا قال مجاهد وعكرمة وقتادة ومنه قول انس كان الرجل إذا قرأ بقرة وال عمران - جد فينا أى عظم قدره وقال السدى جد ربنا امر ربنا وقال الحسن غنا ربنا وقال ابن عباس قدرة ربنا وقال الضحاك فعله وقال القرطبي آلاؤه ونعمائه على خلقه وقال الأخفش ملك ربنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً خبر بعد خبر لان كأنَّه تأكيد وبيان للجزاء الأول يعنى تعالى(1/6762)
جلاله عن اتخاذ الصاحبة والولد كما هو شان المربوبين كانهم سمعوا من القرآن ما ينههم على خطاء ما اعتقدوه من الشرك فى العبادة ونسبة الصاحبة والولد إليه تعالى.
وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا جاهلنا قال قتادة ومجاهد هو إبليس وقيل المراد به مردة الجن عَلَى اللَّهِ شَطَطاً أى قولا ذا شطط وهو ابعد أى قولا بعيدا عن شانه والجور فى الحكم أو التجاوز عن الحد فى القاموس شط عليه فى حكم جار فى سلعته جاوز القدر والحد وتباعد عن الحق أى كان يقول على اللّه تعالى ويحكم بالجور والتباعد عن الحق وهو نسبة الصاحبة والولد إليه تعالى.
وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 84(1/6763)
الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً اعتذار عن اتباع بعضهم السفيه فى ذلك بظنهم انه لا يكذب على اللّه أحد وكذبا منصوب على المصدرية لأنه نوع من القول أو على المفعولية على انه مقولة تقول أو على انه وصف لمحذوف أى قولا مكذوبا وقرأ أبو جعفر تقول بفتح الواو والتشديد وعلى هذا مصدر البتة لان التقول لا يكون الا كذبا وان بعد الظن مصدرية أو مخففة ومعنى الآيتين على تقدير فتح همزة ان وكونها معطوفة على به فى أمنا به - انه تيقنا انه كان قول سفيهنا بعيدا عن الحق حوازا فى الحكم وان زعمنا بعدم كذب الجن كان باطلا فان قيل كان الجن قبل مبعث النبي صلى اللّه عليه واله وسلم يقعدون من السماء مقاعد السمع فيستمعون كلام الملائكة من التسبيح وغير ذلك فما الوجه فى اتباعهم سفيههم وظنهم انهم لا يقولون كذبا وعدم ايمانهم مع استماعهم كلام الملائكة كثيرا وايمانهم لما سمعوا القرآن من النبي صلعم مرة واحدة قلت الايمان امر وهبى لا يتصور وجوده فهذه تلقى الهداية من اللّه الهادي على الإطلاق وذلك التلقي لا يكون الا بواسطة يأخذ الفيض من اللّه تعالى لمناسبة المعنوية به تعالى بعلو استعداده ويفيض على العالمين لمناسبة بهم صورية وذلك الواسطة هى من الأنبياء عليهم السلام فان لهم مع اللّه مناسبة معنوية لاجل كون مبادى تعيناتهم ومربياتهم الصفات العاليات ولهم على قدر كمالهم فى مراتب النزول مناسبة صورية بالاسفلين واما الملاء الا على من الملائكة فلهم مناسبة مع اللّه كهيئة الأنبياء ولا مناسبة لهم بالاسفلين لكونهم متصاعدين مراتب غير محصلين كمالات النزول وكذلك لم يتاثر الجن منهم هداية ولا إيمانا وان سمعوا منهم كلمات الهداية وتأثروا من سفهاء الجن والشياطين لكمال المناسبة وكذا لم يتاثر من المكلفين من نوح عليه السلام وغيره من الأنبياء الذين لم يبلغوا فى مراتب النزول غاية وتأثروا من سيد الأنبياء فانه كان(1/6764)
هاديا لكمالات الفروع والأصول محدد الدرجات العروج والنزول لاجل ذلك بعثه اللّه تعالى إلى الناس كافة بل إلى الجن والانس عامة فاستنار بنور هدايته العالمين واستضاء بضوع إرشاده جماهير المكلفين الا من ختم اللّه على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد اللّه حيث لم يخلق فيه استعداد قبول الحق واللّه يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم وهذا معنى قول الشيخ الأكبر أنكروا دعوة نوح لما كان من الفرقان وأجابوا دعوة محمدا كان من القرآن صلى اللّه عليه وعلى اله وسلم وعلى جميع إخوانه من الأنبياء والمرسلين وبارك وسلم.
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 85(1/6765)
وَ أَنَّهُ الضمير الشان كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ أخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم وابن أبى الشيخ عن كروم بن السائب الأنصاري قال خرجت مع أبى المدينة فى حاجة وذلك أول ما ذكر رسول اللّه صلعم فاوانا المبيت إلى راعى غنم فلما انتصف الليل جاء ذئب فاخذ حملا من الغنم فوثب الراعي فقال يا عامر الوادي جارك فنادى منادى لا نراه يا سرحان أرسله فاتى الحمل يشتد حتى دخل فى الغنم ولم تصبه كدمته فانزل اللّه تعالى على رسوله بمكة وانه كان رجال من الانس الآية واخرج ابن سعد عن أبى رجاء العطاردي قال بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقد رعيت على أهلي وكفيت فبهتهم فلما بعث النبي صلى اللّه عليه وسلم خرجنا هرابا فاتينا على قلاة من الأرض وكنا إذا أمسينا بمثلها قال شيخنا انا نعوذ بعزيز هذا الوادي من الجن الليلة فقال ذلك فقيل لنا انما السبيل لهذا الرجل شهادة ان لا اله الا اللّه وان محمدا رسول اللّه من أقربها أمن على دمه وماله فرجعنا فى الإسلام قال أبو رجاء انى لارى هذه الآية نزلت فى وفى أصحابي وانه كان رجال من الانس الآية واخرج الجزائفى فى كتاب هو هواتف الجن بسنده عن سعيد بن جبير ان رجلا من بنى تميم يقال له رافع بن عمير يحدث عن بدأ إسلامه قال اتى لاسير برمل عالج ذات ليلة إذ غلبنى النوم فنزلت على راحلتى وأنختها ونمت وقد تعوذت قبل نومى فقلت أعوذ بعظيم هذا الوادي من الجن فرأيت فى منامى رجلا بيده حربة يريدان يضعها فى نحر ناقتى فانتبهت فزعا فنظرت يمينا وشمالا فلم ار شيأ فقلت هذا حلمهم ثم عدت فغفوت فرأيت مثل ذلك فانتبهت فدرت حول ناقتى فلم ار شيأ فإذا ناقتى ترعد ثم غفوت فرأيت مثل ذلك فانتبهت فرايت ناقتى تضطرب والتفت فإذا انا برجل شاب كالذى رايته فى المنام بيده حربة ورجل شيخ ممسك بيده يرد عنها فبينما هما يتنازعان إذا طلعت ثلثة أثوار من الوحش فقال الشيخ(1/6766)
للفتى قم فخذايها شئت فداء ناقة جا الانسى فقام الفتى فاخذ منها ثورا عظيما وانصرف ثم التفت إلى الشيخ فقال يا هذا إذا نزلت واديا من الاودية فخفت هو له فقل أعوذ باللّه رب محمد من هول هذا الوادي وو لا تعد بأحد من الجن فقد بطل أمرها قال فقلت له من محمد هذا قال نبى عربى لا شرقى ولا غربى بعث يوم الاثنين قلت فاين مسكنه قال يثرب ذات النخل فركبت راحلتى حين برق الصبح وجددت السير حتى أتيت المدينة فراتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فحدثنى بحديثي قبل ان اذكر له شيئا ودعانى إلى الإسلام فاسلمت قال سعيد بن جبير وكنا نرى انه هو الذي انزل اللّه فيه وانه كان رجال
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 86
من الانس يعوذون برجال من الجن فَزادُوهُمْ أى زاد الانس الجن باستعاذتهم بقادتهم رَهَقاً قال ابن عباس اثما وقال المجاهد طغيانا وقال مقاتل غيا وقال الحسن شرا وقال ابراهيم عظمة وذلك ان الجن كانوا يقولون سدنا الجن والانس أو المعنى فزاد الجن الانس غيابان أضلوهم حتى استعاذوا بهم والرهق غشيان الشيء والمراد هاهنا غشيان المحارم والإثم وفى هذه الجملة أيضا اعتراف بسوء عقيدتهم فيما قيل.
وَأَنَّهُمْ أى الانس ظَنُّوا ظنا كَما ظَنَنْتُمْ يا معشر الجن أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً بعد موته ان لن يبعث قائم مقام المفعولين يعنى نزل القرآن أمنوا بالغيب بعد فساد ظنهم فانتم أيضا أيها الجن أمنوا بالبعث كايمانهم قال ذلك بعضهم لبعض هذا على قراءة كسر ان واما على تقدير فتحها فهذه الجملة وما قبلها اعنى كان رجال إلخ معترضات من كلام اللّه تعالى معطوفتان على انه استمع يعنى اوحى إلى هذين الامرين وتاويل الآية على هذا التقدير انهم أى الجن ظنوا كما ظننتم أيها الكفار من قريش مكة عدم البعث فلما نزل القرآن واستمع الجن أمنوا بالبعث فعليكم أيها الكفار ان تؤمنوا كما أمنوا.(1/6767)
وَ أَنَّا لَمَسْنَا أردنا المس السَّماءَ بعد مبعث النبي صلى اللّه عليه وسلم والظاهر ان المراد بالسماء السحاب فان السماء يطلق على ما هو فوقك ويدل على هذا التأويل حديث عائشة رضى اللّه تعالى عنها قالت سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول ان الملائكة تنزل فى العنان وهو السحاب فتذكر لامر الذي قضى فى السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتتوجه إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم رواه البخاري فان قيل قد وقع فى بعض الاخبار بلفظ يدل على حقيقة السماء عن أبى هريرة رض ان النبي صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم قال إذا قضى اللّه الأمر فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها فضعانا لقوله كأنَّه سلسلة على صفوان فإذا فرغ عن قولهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الذي قال الحق وهو العلى الكبير فسمعها مسترقوا السمع هكذا بعضه فوق بعض ووضع سفيان بكفه ليستمع الكلمة فيلقها إلى من تحته ثم يلقها الاخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدرك الشهاب قبل ان يلقيها وربما ألقيها قبل ان يدركه فيكذب معه مائة كذبة الحديث رواه البخاري وفى حديث ابن عباس ربنا تبارك وتعالى إذا قضى امرا سبح حملة العرش ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا ثم قال الذين يحملون العرش ماذا قال ربكم فيخبرونهم
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 87(1/6768)
ما قال فبستخبر بعض أهل السموات بعضا حتى يبلغ هذا السماء الدنيا فيخطف الجن السمع فيقذفون إلى أوليائهم ويرمون فما جاؤا به على وجهه فهو حق ولكنهم يغرقون فيه ويزيدون رواه مسلم قلنا ليس فى هذين الحديثين وما فى معناهما ان الجن يخطف من السماء الدنيا ولعل معناه حتى يبلغ الخبر هذا السماء الدنيا ثم أهل السماء الدنيا ينزلون إلى العنان فتذكر الأمر الذي قضى فى السماء فيخطف الجن مسترقو السمع وهم بعض فوق بعض إلى العنان فحينئذ يدركه الشهاب الثاقب من نجوم السماء واللّه تعالى أعلم فَوَجَدْناها أى السماء مُلِئَتْ حَرَساً حراسا اسم الجمع كالخدم شَدِيداً قويا من الملائكة الذين يمنعون هم عنها وَشُهُباً جمع شهاب وهو شعلة نار انتشرت من النجوم.
وَأَنَّا كُنَّا قبل ذلك نَقْعُدُ مِنْها أى من السماء أى من السحاب حال من مَقاعِدَ خالية عن الحرس والشهب صالحة للترصد والاستماع ظرف لتقعد لِلسَّمْعِ متعلق بنقعد أو صفة لمقاعد فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يعنى بعد مبعث النبي صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً أى رصدا له ولاجله يمنعه من الاستماع بالرجم أو ذوى شهاب راصدين على انه جمع للراصد فصار هذا معجزة للنبى صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم لاجل الجن أمنوا به.(1/6769)
وَ أَنَّا لا نَدْرِي يعنى انا كنا لا ندرى قبل ذلك أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ بحراسة أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً فاما الان إذا سمعنا القرآن ان الذي حال بينكم وبين خبر السماء هو بعث هذا النبي حتى يكون معجزة له يعجزه الكهنة عن إتيان خبر السماء مثله فظهر ان اللّه سبحانه تعالى انما أراد للعالمين هداية ورشدا ففى هذه الجمل الثلث احتجاج على حقية القرآن ورسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم والشر والخير وان كانا جميعا بخلقه تعالى وإرادته لكنهم اسندوا ارادة الخير إليه تعالى صريحا وارادة الشر كناية بذكره على صيغة المجهول رعاية الأدب.
وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ عنوا بهم الذين كانوا منهم مؤمنين بالتورية وغيره من الكتب السماوية والأنبياء السابقين عليه السلام وَمِنَّا قوم دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ أى ذوى طرائق أى مذاهب أو مثل طرائق فى اختلاف الأحوال أو كانت طرائق قِدَداً متفرقة مختلفة وهذه الجملة اعنى قولهم كنا طرائق قددا تأكيد لمضمون ما سبق من قولهم انا منا الصالحون إلخ وقددا جمع قدة بمعنى القطعة من الشيء قال الحسن والسدى
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 88
الجن أمثالكم فمنهم قدرية ومرجية ورافضية وغير ذلك وقولهم فيما بينهم انا منا الصالحون إلخ تمهيد لما سياتى من قولهم انا ظننا ان لن نعجز اللّه الآية وانا لما سمعنا الهدى الآية يعنى ان الايمان والتصديق ليس امرا مبدعا منا بل كان الجن قبل ذلك طرائق قددا بعضهم كانوا صالحين وبعضهم دون ذلك وانا ان اتبعنا السفيه فى القول فى الشطط لكنا لما سمعنا قرانا ظننا ان لن نعجز اللّه وسمعنا الهدى وأمنا به كما كان بعض أسلافنا مومنين.(1/6770)
وَ أَنَّا ظَنَنَّا أى علمنا وتيقنا بتعليم اللّه تعالى فى القرآن وهدايته أو المعنى كنا نظن ذلك قبل هذا أو المعنى كنا نتيقن ذلك بعلمنا ما فى التورية أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ أى لن تفوته ان أراد بنا سوأ وكائنا فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً أى هاربين من الأرض إلى السماء ان طلبنا مهربا وهذا على كونه حالا من فاعل نعجز ويحتمل ان يكون مفعولا مطلقا بمعنى تهرب هربا أو مفعولا له أى نعجزه للهرب أو ظرفا أى نعجزه فى الهرب أو تميزا من نسبة الفاعل أى نعجزه هربها.
وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى أى القرآن فانه موجب للهدى آمَنَّا بِهِ فامنوا به أنتم أيضا يا قومنا معاشر الجن فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ شرط والفاء للسببية والجزاء ما بعده فَلا يَخافُ خبر مبتداء محذوف أى فهو لا يخاف بَخْساً نقصا فى الثواب وَلا رَهَقاً أى ولا ان ترهقه وتغشياه ذلة أو المعنى لا يخاف جزاء نقص فى الطاعات ولا جزاء له رهوق ظلم أى غشيان ظلم لان من حق الايمان بالقران ان يحبب ذلك.
وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ الأبرار وَمِنَّا الْقاسِطُونَ ط أى الجائرون عن الحق يقال اقسط الرجل إذا عدل وقسط إذا جار فهو قاسط انما ذكر هذه الجملة مع ذكر مفهون فيما سبق بقوله وانا منا الصالحون ومنا دون ذلك ليكون تمهيد التفصيل حال الفريقين والمقصود هاهنا تفصيل الحال وفيما سبق التفرق فحسب لدفع كون الإسلام امرا مبدعا ويحتمل ان يكون الذين يستمعون القرآن بعضهم اسلموا وبعضهم لم يسلموا وهذا مقولة المسلمين منهم لما رجعوا إلى قومهم فَمَنْ أَسْلَمَ باللّه ورسله فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً قصدوا طريقا موصلا إلى الفلاح.
أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً(1/6771)
توقد بهم جهنم كما توقد النار بالحطب وهذه الجمل السبعة من قوله تعالى وانا لمسنا السماء إلى قوله وانا منا المسلمون فمن اسلم إلخ لا شك انها من كلام الجن فلا غبار على قراءة انا بالكسر واما على قراءة الفتح فلا بد ارتكاب تكلف
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 89
بان يقال انها معطوفة بهاء به فى أمنا به والمعنى أمنا بالقران ويتبعنا بمعجزاته فى الآفاق من ان لمسنا السماء الآية وانا كنا نقعد منها مقاعد الآية وانا لا ندرى ما أراد اللّه بالشهب حتى سمعناه وبمعجزاته وتأثيراته فى الأنفس وانا كنا منا الصالحون ومنا دون ذلك ولان تيقنا ان لن نعجز اللّه وانا لما سمعنا الهدى أمنا به وتيقنا ان المسلمين منا تحروا رشدا واما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا واللّه تعالى أعلم بمراده ولا يتصور عطف هذه الجمل السبعة على انه استمع نفر من الجن كما لا يخفى (مسئلة : ) اتفقت الائمة على ان الكفار من الجن يعذبون بالنار كما يدل عليه قوله تعالى واما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا واختلفوا فى ثواب المؤمنين منهم فقال قوم ليس لهم ثواب إلا نجاتهم من النار وتأولوا قوله تعالى يا قومنا أجيبوا داعى اللّه وأمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب اليم - قال البغوي واليه ذهب أبو حنيفة وحكى سفيان عن ليث قال الجن ثوابهم ان يجاروا من النار ثم يقال لهم كونوا ترابا مثل بهائم وعن أبى الزياد قال إذا قضى بين الناس قيل لمومنين الجن عودوا ترابا فيعودون ترابا وعند ذلك يقول الكافر يا ليتنى كنت ترابا وقيل مذهب أبى حنيفة فيه التوقف لقوله عليه السلام أبهموا ما أبهم اللّه - وقد ذكر اللّه تعالى عذاب الكفار منهم ولم يذكر ثواب المطيعين منهم الا المقر والجوار من النار وقال الآخرون يكون لهم ثواب فى الإحسان كما يكون لهم عذاب فى الاساءة كالانس واليه ذهب مالك وابن أبى ليلى وقال جرير عن الضحاك الجن يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون(1/6772)
اخرج أبو الشيخ وذكر النقاش فى تفسيره حديثا انهم يدخلون الجنة فقيل له هل يصيبون من نعمها قال يلههم اللّه تسبيحه وذكره فيصيبون من لذته ما يصيبون بنو آدم من نعيم الجنة قلت كأنَّه الحق المؤمنين من الجن بالملائكة وقال الطاءة ابن المنذر سألت حمزة بن حبيب هل للجن ثواب قال نعم وقرأ لم يطمثهن انس قبلهم ولا جان قال فالانسيات للانس والجنيات للجن - أخرجه أبو الشيخ من طريق الضحاك عن ابن عباس رض قال الخلق باركة فخلق فى الجنة كلهم وهم الملائكة وخلق فى النار كلهم وهم الشيطان وخلقان فى الجنة والنار وهم الجن والانس لهم العذاب والثواب واخرج عن ابن وهب انه سئل هل للجن تواب وعقاب قال نعم قال اللّه تعالى أولئك الذين حق عليهم القول فى امم قد خلت من قبلهم من الجن والانس انهم كانوا خاسرين ولكل درجات فيما عملوا وقال عمرو بن العزيز ان مومن الجن
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 90(1/6773)
حول الجنة فى ربض ورحاب وليسوا فيها احتج القائلون بثواب الجن بالعمومات ان الذين أمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا ونحو ذلك بالخطابات الواردة فى سورة الرحمن حيث قال اللّه تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان فباى آلاء ربكما تكذبان حور مقصورات فى الخيام فباى آلاء ربكما تكذبن لم يطمئهن انس قبلهم ولا جان فباى آلاء ربكما تكذبان قالت الحنفية فى الجواب ان العمومات محمولة على الانس بدلالة العرف فان أهل العرف لا يفهمون منه الا الانس واما الخطابات فى سورة الرحمن بقوله فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ط توبيخ للجن وللانس على مطلق التكذيب بآلاء اللّه سبحانه لايما ذكر قبل تلك الآية خاصة كيف وذلك لا يتصور فى مثل قوله تعالى يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران فباى آلاء ربكما تكذبان يعرف للجرمون بسيماهم فيوخذ بالنواصي والاقدام فباى آلاء ربّكما تكذبان ونحو ذلك وقد ذكر من الآلاء ما هى مختصة بالانس دون الجن حيث قال وله الجوار المنشأت فى البحر كالاعلام فباى آلاء ربكما تكذبان فيحتمل ان يكون نعيم الجنة مختصة بالانس وخوطب الثقلين بها توبيخا على تكذيب الطائفتين مطلق الآلاء والصحيح عندى ما قاله الجمهور وبه قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله
تعالى قال من اثبت الثواب فقوله مبنى على دليل وشهادة على الإثبات فيقبل بخلاف قول أبى حنيفة فانه متوقف بناء على عدم بدليل ولا شك ان قول ابن عباس واقوال عمرو بن عبد العزيز ونحوه من ثقات الصحابة والتابعين لها حكم الرفع وقد أخرج البيهقي عن انس رض عن النبي صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم مرفوعا ان مومنى الجن لهم ثواب وعليهم عقاب فسالنا عن ثوابهم وعن مومنهم فقال على الأعراف وليسوا فى الجنة فسألنا وما الأعراف قال خارج الجنة تجرى فيه الأنهار وتنبت فيه الأشجار والأثمار واللّه تعالى أعلم .(1/6774)
وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا ان مفتوحة بإجماع القراء مخففة من المثقلة واسمها ضمير الشأن محذوف وجملة الشرطية خبرها والجملة معطوفة على انه استمع نفر من الجن والمعنى انه اوحى إلى انه لو استقاموا أى الجن والانس عَلَى الطَّرِيقَةِ المرضية للّه تعالى وهى دين الإسلام والفطرة التي فطر الناس عليها لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً أى كثيرا قال مقاتل نزلت هذه الآية بعد ما رفع عنهم المطر سبع سنين وقيل المراد من الماء الغدق الرزق الواسع على التجوز لان الماء سبب للرزق كما أريد من الرزق المطر فى قوله تعالى وما انزل اللّه من السماء من رزق فاحيا به الأرض والمعنى لاعطينهم مالا كثيرا وعيشا رغدا وهذه الآية فى المعنى قوله تعالى ولو انهم أقاموا التورية والإنجيل وما انزل إليهم من ربهم لاكلون من فوقهم ومن تحت أرجلهم
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 91
و قوله تعالى ولو ان أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السما.(1/6775)
لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ط متعلق باسقيناهم أى لنختبرهم كيف شكرهم وهذا التأويل قول سعيد بن المسيب وعطاء بن أبى رباح والضحاك وقتادة ومقاتل والحسن وقيل معناه ان لو استقاموا على طريقة الكفر لاعطيناهم مالا كثيرا لنفتنهم فيه عقوبة لهم واستدراجا حتى يفتنوا بها فتذهب بهم نحو قوله تعالى فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شىء وهذا قول الربيع بن انس وزيد بن اسلم والكلبي وابن كيسان وهذا القول ليس بسديد والا يلزم ان يكون الكفر موجبا لسعة الرزق وحسن المعيشة ويابى ذلك قوله تعالى ولو انهم أقاموا التورية والإنجيل الآية وقوله تعالى ولو ان أهل القرى أمنوا الآية وكذا قوله تعالى ولو لا ان يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمان سقفا من فضة الآية فان كلمة لو لا لامتناع الثاني لا لاجل امتناع الأول واما قوله تعالى فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم واقعة حال ماضى لا يدل على العموم والا يلزم التعارض فيما لا يحتمل النسخ وأيضا وقائع أهل مكة حالة على صحة التأويل الأول دون الثاني فان أبا جهل وغيره من كفار مكة الذين لم يومنوا ابتلوا بالقحط سبع سنين حتى أكلوا الروث ثم قتلوا ببدر فى أقبح حال والذين أمنوا مع النبي صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم واستقاموا على الطريق أعطاهم اللّه ملك كسرى وقيصر وغيرهما وأيضا يدل على صحة التأويل الأول مقابلته بقوله تعالى وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ حيث حكم بلزوم العذاب بالاعراض عن الذكر وذلك يقتضى الحكم بضد ذلك أى بحسن العيش على هذا الاعراض وهو المراد بالاستقامة على الشريعة كما هو عادة اللّه سبحانه فى كتابه واللّه تعالى أعلم يَسْلُكْهُ قرأ أهل كوفة ويعقوب بالياء على الغيبة أى يدخله ربه وآخرون بالنون على التكلم عَذاباً صَعَداً شاقا يعلو المعذب ويغلبه معهد وصف به والمراد بالعذاب منها اما عذاب الدنيا أو عذاب القبر او(1/6776)
عذاب الاخرة وكذلك فى قوله تعالى ومن اعرض عن ذكرى فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى والظاهر ان المراد به هاهنا عذاب الدنيا بدليل المقابلة وكذلك من ضنك المعيشة هنالك لعطف قوله ونحشره كما ان المراد بالحياة الطيبة فى قوله تعالى من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حيوة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون روى عن ابن عباس رض انه قال كل مال قل أو كثر فلم؟؟؟
فيه فلا خير فيه وهو الضنك فى المعيشة وان قوما اعرضوا عن الحق وكانوا أول سعة من الدنيا
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 92
مكثرين فكانت معيشتهم ضنكا وذلك انهم يرون ان اللّه ليس بمخلف عليهم فاشتدت عليهم معائشهم من سوء ظنهم باللّه وقال سعيد بن جبير رض تسلبه القناعة حتى لا يشبع قلت وهذا الأمر ظاهر فان أهل الدنيا لما سلب منهم القناعة فهم دائمون فى جد واجتهاد لاجل اكتساب المال وحفظه خائفون على فواته متحاسدون متباغضون فيما بينهم لاجله غير امنين على أنفسهم لكثرة الأعداء والحساد ولا شك ان هذا عذاب صعد ومعيشة ضنك ولو يعلمون ما للصوفية من الحيوة الطيبة وطمانينة القلب بذكر اللّه وشرح الصدور ورفع الحاجة بالقليل والاستغناء عن الخلق والشفقة على خلق اللّه تعالى كلهم أجمعين والشكر والسرور فى الضراء رجاء لكفارة المعاصي وحسن الجزاء فضلا عن الرخاء والسراء ليتحاسدوهم على ذلك واللّه يؤتى من يشاء من الدنيا والاخرة.(1/6777)
وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ عطف على ان لو استقاموا على الوحى به قيل المراد بالمساجد المواضع التي بنيت للصلوة - فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً قال قتادة كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا بيعتهم وكنائسهم أشركوا باللّه فأمر اللّه تعالى المؤمنين ان يخلصو اللّه الدعوات إذا دخلوا المساجد وأراد به المساجد كلها وامر بتطهيرها فقال طهرا بيتي للطائفين الآية وامر رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم فقال جنبوا مساجدنا صبيانكم ومجانينكم وشركائكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم واقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخذوا على ابوابها المطاهر وجمروها فى الجمع رواه ابن ماجة عن واصلة مرفوعا ونهى عن تناشد الاشعار فى المسجد وعن البيع والشراء فيه وان يتحلق الناس يوم الجمعة قبل الصلاة فى المسجد رواه أبو داود والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقال البزاق فى المسجد خطيئة وكفارتها دفنها متفق عليه عن انس رض قال عرضت على أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد رواه أبو داود والترمذي عنه وقال من سمع رجلا ينشد ضالة فى المسجد فيقول لا ردها اللّه عليك فان المساجد لم تبن لهذا رواه مسلم عن أبى هريرة رض وروى الترمذي والدارمي وزاد إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع فى المسجد فقولوا لا اربح اللّه تجارتك واللّه تعالى أعلم وقال الحسن أراد بها البقاع كلها لان الأرض جعلت كلها مسجدا لهذه الامة يعنى لا تدعوا مع اللّه أحدا فى شىء من البقاع واخرج ابن أبى حاتم من طريق أبى صالح عن ابن عباس رض قال قالت الجن أ تأذن لنا فنشهد معك الصلاة فى مسجدك فانزل اللّه تعالى ان المساجد للّه فلا تدعوا فسير المظهري ، ج 10 ، ص : 93(1/6778)
مع اللّه أحدا واخرج ابن جرير عن جبير قال قالت الجن للنبى صلى اللّه عليه وسلم كيف لنا ان ناتى المسجد ونحن ما دون عنك أو كيف نشهد الصلاة ونحن ما دون عنك فنزلت وقيل المراد بالمسجد أعضاء السجود يعنى انها مخلوقة للّه تعالى فلا تسجدوا عليها غيره عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلعم أمرت ان اسجد على سبعة أعظم على الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين ولا يكفت الثياب ولا الشعر.
وَأَنَّهُ الضمير للشان قرأ نافع وأبو بكر بكسر الهمزة على الاستيناف والباقون بالفتح عطفا على الموحى به لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ محمد صلى اللّه عليه وسلم انما ذكر لفظ العبد دون الرسول أو النبي أو غير ذلك للتواضع فانه واقع موقع كلامه عن نفسه والاشعار بما هو المقتضى لقيامه وقال المجدد العبودية أقصى مراتب الكمال يَدْعُوهُ حال من عبد اللّه أى يعبده ويذكره كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً ع قرأ هشام لبد بضم اللام والباقون بالكسر وهو جمع لبدة واصل اللبد الجماعات بعضها فوق بعض ومعناه على ما قال الحسن وقتادة وابن زيد انه لما قام عبد اللّه بالدعوة إلى التوحيد كاد الجن والانس يكونوا مجتمعين لابطال امره يريدون ان يطفؤا نور اللّه بأفواههم ويابى اللّه الا ان يتم نوره وينصره على من عاداه ويحتمل ان يكون معناه انه لما قام عبد اللّه يدعوه ويقرأ القرآن بنخلة كان الجن يكون عليه لبدا متراكمين من ازدحامهم عليه شوقا لاستماع القرآن.(1/6779)
قُلْ كذا قرأ عاصم وحمزة وأبو جعفر بصيغة الأمر موافقا لما بعده والباقون بصيغة الماضي أى قال عبد اللّه إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً فما لكم يجتمعون على ابطال امرى أو المعنى قال عبد اللّه حين اشتاق الجن إلى كلامه انما ادعوا ربى فادعوا أنتم أيضا كدعائى ولا تشركوا به أحدا وقال مقاتل قال كفار مكة للنبى صلى اللّه عليه وسلم لقد جئت بامر عظيم فارجع عنه فنحن بخيرك فنزلت هذه الآية وما بعدها.
قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً يعنى ضرا ولا نفعا أو غيا ولا رشدا عبر عن أحدهما باسم وعن الاخر باسم سببه أو مسببه اشعارا بالمعنيين.
قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً ملتجأ أميل إليه ان أرادني سوء وهذين الجملتين المستانفتين كانهما فى جواب ما أقول حين يقول الكفار الذين اجتمعون لابطال امرى انك لن كنت نبيا فاتنا بعذاب من عند اللّه أو يقول الكفار ارجع عن دينك فنحن بخيرك ويحتمل ان يكون الجملة الاولى
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 94
فى جواب ما أقول فى وقت اشتياق الجن إلى رويتى ولقائى فان ازدحامهم عليه دليل على زعمهم بان النبي صلى اللّه عليه وسلم يملك لهم ضرا ورشدا أو الجملة الثانية تأكيد لمضمون السابقة على عجز النبي صلى اللّه عليه وسلم واخرج ابن جرير عن حضرمى انه ذكر له ان جنيا من الجن من اشرافهم إذا تبع قال انما يريد محمد ان نجيره وانا أجيره فانزل اللّه تعالى قل لن يجيرنى الآية .(1/6780)
إِلَّا بَلاغاً كائنا مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ عطف على بلغا والاستثناء اما من قوله لا املك فان التبليغ ارشاد وإنفاع وما بينهما اعتراض موكد لنفى الاستطاعة فلا يلزم الفصل بأجنبي يعنى لا املك لكم من رفع الضرر أو إيصال الرشد الا التبليغ والرسالة فانى أملكه واما من قوله أحد أو ملتحدا على سبيل التنازع واعمال الثاني يعنى لا يجيرنى من اللّه أحد من دونه ملتحدا الا التبليغ والرسالة فان التبليغ والرسالة فريضة على من اللّه تعالى يجيرنى من عذاب اللّه ويعذبنى اللّه ان لم افعل كذلك قال الحسن ومقاتل قيل المعنى لا املك لكم خيرا ولا شرا ولا رشدا ولكن بلاغا من اللّه ورسالة ثابت وقيل الا مركب من ان الشرطية ولا النافية وجزاء الشرط محذوف اكتفاء بما مضى يعنى ان لا أبلغكم بلاغا كائنا من اللّه ورسالاته لن يجيرنى من اللّه أحد وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فى الأمر بالتوحيد ولم يؤمن به فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً أفرد ضمير يعص اللّه وضمير له نظرا إلى لفظة من وجمع ضمير خالدين نظرا إلى معناه وجملة ومن يعص اللّه معطوفة على مقدر يعنى ملك لكم بلاغا من اللّه ورسالاته فمن يطع اللّه ورسوله فاولئك تحروا رشدا ومن يعص اللّه ورسوله الآية حتى إذا رأوا أى الكفار غاية لقوله تعالى يكونون عليه لبدا ان كان المراد به اجتماع الكفار لابطال امر النبي صلى اللّه عليه واله وسلم والا فهو غاية لمحذوف دل عليه الحال من استضعاف الكفار له وعصيانهم له كأنَّه قيل لا يزالون يعصونه ويستضعفونه.(1/6781)
حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ اما العذاب فى الدنيا كوقعة بدر واما الساعة ساعة الموت فان من مات فقد قامت له القيامة المشتملة على جهنم والساعة أدهى وامر فَسَيَعْلَمُونَ حين حلوله بهم مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً أهم أم النبي صلى اللّه عليه واله وسلم جملة استفهامية قائمة مقام المفعولين لقوله تعالى فسيعلمون فقال بعض الكفار متى هذا الوعد فنزل.
قُلْ يا محمد إِنْ أَدْرِي لا أدرى أَقَرِيبٌ خبر مبتداء بعده أو مبتداء من القسم الثاني
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 95
و ما بعده فاعله ما تُوعَدُونَ من العذاب أو الساعة أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء والباقون بالسكون أَمَداً غاية وأجلا لتطول مدتها لا يعلمه الا اللّه والجملة الاستفهامية قائم مقام مفعولى ان أدرى.(1/6782)
عالِمُ الْغَيْبِ صفة ربى أو خبر مبتداء محذوف أى هو عالم الغيب لا غيره فكانه تعليل لقوله لا أدرى والمراد بالغيب ما لم يوجد بعد كاخبار المعاد أو العدم بعد الوجود كاخبار المبدأ والقصص الماضية التي انقطعت الرواية عنها واما ما غاب عن العباد من اسماء اللّه تعالى وصفاته التوقيفية التي لا يدل عليه البرهان واما ما قام عليه الدليل والبرهان كوجوده تعالى ووجوبه وتوحده وكونه متصفا بصفات الكمال منزها عن سمات النقص والزوال فليس من الغيب بل من الشهادة لشهود ما يدل عليه من العالم وكذا مسئلة حدوث العالم مثلا ليس من الغيب بل من الشهادة لمشاهدة قابلية التغير الدال على الحد وث وهذه الاقسام من الغيب لا يمكن العلم بها الا بتوفيق من اللّه تعالى ومن الغيب ما هو غيب بالنسبة إلى بعض دون بعض كاحوال الجن واحوال بعض أشياء البعيدة غيب بالنسبة إلى الانس دون الجن ومن ثم زعم الانس ان الجن يعلمون الغيب وهم لا يعلمون الا ما يشهدونه قال اللّه تعالى فى قصة سليمان عليه السلام فلما خر تبينت الجن ان لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين وكاحوال السموات بالنسبة إلى أهل الأرض دون أهل السماء واحوال المشرق بالنسبة إلى أهل المغرب وهذا القسم من علم الغيب قد يحصل بالوحى والإلهام وقد يحصل برفع الحجب وجعلها مثل الحجب الزجاجة روى مسلم عن أبى هريرة رض انه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لقد رايتنى فى الحجر وقريش سالنى عن مسراى فسألتنى عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربا ما كربت مثله فرفعه اللّه إلى النظر إليه ما يسألنى عن شىء الا انبأتهم وروى البيهقي عن أبى عمران عمر بعث جيشا وامر عليهم رجلا يدعى سارية فبينما عمر يخطب فجعل يصيح يا سارية الجبل وروى أبو داود عن عائشة قالت لما مات النجاشي كنا نتحدث انه لا يزال يرى على قبره نور وعند رفع الحجب لا يكون هذا من علم الغيب بل من علم(1/6783)
الشهادة وان كان من قبيل المعجزة أو الكرامة فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً من الخلق.
إِلَّا مَنِ ارْتَضى العائد إلى الموصول محذوف فانه يطلع من ارتضاه أحيانا ليكون معجزة ويبشر المطيعين ومنذر العاملين مِنْ رَسُولٍ أعم من البشر والملائكة ويشتمل لفظة الرسول الأنبياء أيضا قال اللّه تعالى
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 96(1/6784)
أرسلهم إلى الناس لتبليغ الاحكام وتخصيص لفظ الرسول بمن أرسله اللّه بشريعة جديدة وكتاب اصطلاح وقيل بل يشتمل الأولياء أيضا بعموم المجاز قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم العلماء ورثة الأنبياء رواه احمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة والدارمي فى حديث عن كثير بن قيس وابن البخاري عن انس وابن عدى عن على بلفظ العلماء مصابيح الأرض وخلفاء الأنبياء أو ورثتى وورثة الأنبياء وابن عقيل عن انس بلفظ العلماء أمناء الرسل ما لم يخالطوا السلطان ويداخلوا الدنيا الحديث وقال أهل السنة والجماعة كرامات الأولياء معجزة لنبيهم قال اللّه تعالى وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه وقد بعث اللّه تعالى خاتم النبيين إلى كافة فاعتبر أهل السنة اتباعه صلى اللّه عليه وسلم من العلماء والأولياء لسانا له صلى اللّه عليه وسلم حتى يستقيم الحصر واستغراق الاضافة فى لسان قومه فعلى تقدير شمول لفظ الرسول للاولياء لا يلزم نقص بحصول علم الغيب لهم على وجه الكرامة وعلى تقدير عدم شموله نقول المراد بالعلم العلم القطعي والعلم الحاصل للاولياء بالإلهام وغيره ظنى ليس بقطعى ومن ثم قالت الصوفية العلية انه لا بد من عرض العلوم الحاصلة للصوفية على الكتاب والسنة فان طابقت قبلت إذ المطابق للقطعى قطعى وان خالفت ردت قالوا كل حقيقة ردته الشرع فهو زندقة وان كانت الشريعة عنها ساكنة قبلت مع احتمال الخطاء فاندفع ما قال صاحب الكشاف بناء على اعتزاله ان فى هذه الآية ابطال الكرامات لان الذين يضاف إليهم الكرامات وان كانوا اولياء مرتضين فليسوا الرسل إلخ وكفى التكذيب أهل الهواء قوله تعالى وأوحينا إلى أم موسى ان أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه فى اليم ولا تخافي ولا تحزنى انا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين - وقوله تعالى وإذا وحيت إلى الحواريين ان أمنوا بي وبرسولى وقوله تعالى وناديها من تحتها ان لا تحزنى قد جعل ربك(1/6785)
تحتك سريا وهزى إليك بجزع النخلة تساقط عليك رطبا جنيّا فكلى واشربى وقرى عينا فاما ترين من البشر أحدا فقولى انى نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيّا - فان أم موسى وأم عيسى والحواريين لم يكونوا أنبياء واعلم ان ما ذكرت لك ان العلم الحاصل للاولياء ظنى - المراد به العلم الحاصل علما حصوليا وذلك قد يكون بالإلهام بتوسط الملك وبغير توسطه وقد يكون بكشف الحجب كما ذكرنا فى حديث عمر يا سارية الجبل ومن هذا القبيل ما قيل انه قد ينكشف على بعض الأولياء فى بعض الأحيان اللوح المحفوظ
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 97(1/6786)
فينظرون فيه القضاء المبرم والمعلق وقد يكون بمطالعة عالم المثال فى المنام أو المعاملة عن انس رض قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة متفق عليه وعن أبى هريرة رض قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم يبق من النبوة الا المبشرات قالوا وما المبشرات قال الرؤيا الصالحة رواه البخاري وهذه الأنواع من العلم قد يقع فيه الخطاء بغير الأنبياء لوقوع الغلط وتخليط الشيطان فى الإلهام فان فى قلب بنى آدم بيتان فى أحدهما الملك وفى الاخر الشيطان فاحيانا يلتبس لمعة الملك بلمعة الشيطان وقوع تخليط الوهم وتلبيس الشيطان فى الكشف وروية عالم المثال عن أبى قتادة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الرؤيا الصالحة من اللّه والحلم من الشيطان متفق عليه وقال محمد بن سيرين قال الرؤيا ثلث حديث النفس وتخويف الشيطان وبشرى من اللّه متفق عليه ووقوع الغلط فى تأويل الرؤيا لكن وقوع الخطايا فى علوم الأولياء نادر لتشبههم بالأنبياء فالانبياء معصومون والأولياء محفوظون غالبا واما العلم الحاصل للاولياء علما حضوريا بل فوق الحضوري وهو العلم المتعلق بذات اللّه تعالى وصفاته المسمى بالعلم اللدني فهو لا يحتمل الخطاء وهو قطع وجداني بل فوق القطعي لان علم المرأ بنفسه علم حضورى وجداني فانه بحضور نفس المعلوم عند العالم من غير حصول صورة فيه وعلم الصوفي باللّه فوق هذا العلم لان اللّه تعالى اقرب من(1/6787)
نفسه بنفسه قال اللّه تعالى نحن اقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون أيها العوام ويبصره من أبصره اللّه تعالى وهذا العلم اللدني يحصل للاولياء بتوسط الرسول صلى اللّه عليه وسلم ولو بوسائط فان قيل نحن اقرب إليكم منكم خطاب لسائر الناس ويلزم منه ان يكون لسائر الناس علما باللّه تعالى حضور يا فوق علمه بنفسه قلنا نعم لكن العلم تابع للحيوة لا يتصور بدونها وقد ذكر فى تفسير سورة الملك ان الحيوة على اربعة اقسام منها ما يستتبع المعرفة وتلك الحيوة بالتجليات الذاتية والصفاتية ولاجل حصول هذه الحيوة الاكتساب والتصوف فان قيل لو كان هذا العلم الثاني قطعيا لما اخطأه فيه ولما تعارض أقوالهم وقد يخطئون كما يدل عليه تعارض أقوالهم المقتضى خطاء أحد المتنافيين فانه يقول بعضهم بالتوحيد الوجودي وبعضهم بالتوحيد الشهودى ونحو ذلك قلت هذا الخطاء انما يقع فى علم العلم الذي من قبيل العلم الحصولى دون نفسه وقد يقع فى بيانه وتصويره حيث لم يوضع لهذه المعاني ألفاظ فى اللغات قال الشاعر بالفارسي
گفتگوى كفر ودين آخر بكجا ميكشد خواب يك خوابست باشد مختلف تعبيرها
المراد بالكفر فى
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 98(1/6788)
هذا الشعر كفر الطريقة المسمى بالتوحيد الوجودي وبالدين الشريعة وفذلكة الكلام فى هذا المقام ان بين الخالق والخلق نسبة ليست بين أى الشيئين فرضتا من الأشياء إذ لا خالق الا هو فلا يمكن ان يشتبه تلك النسبة بما عداها من النسب لا يقال ليس نسبة الخالق مع المخلوق كنسبة النقش مع النقاش أو نسبة القدح مع النجار لأنه ليس كذلك فان القدح مادته الخشب والنقش مادته اللون ونحو ذلك مخلوقة للّه تعالى والصورة الخاصة بعد فعل النجار أيضا مخلوقة للّه تعالى وفعل النجار أيضا مخلوق للّه تعالى على رغم انف المعتزلة والنجار انما هو كاسب لبعض من المعاملات فما لكم لا تعقلون ولما كانت النسب التي تدرك فى العقل بين أى الشيئين الموجودين فى الخارج أو الذهن من العينيّة والغيرية والظلية وغيرها مسلوبة من تلك النسبة وهى وراء النسب ولم يوضع لها لفظ يدل عليها فقد يعبر عنها بانه تعالى ليس عين خلقه فيوهم انه غيره أو ان الخلق ظله وقد يعبر بانه تعالى ليس غير الخلق وليس هناك نسبة الظلية فيوهم انه عين الأشياء ثم قد يطلق بالمجاز باعتبار الملازمة بين العينية وسلب الغيرية فى الأذهان بانه تعالى عين الأشياء كلها كذا قد يقال بانه غيرها وقد يقال انها ظله وليس ذلك الاختلاف والتعارض الا فى مراتب العلم الحضوري فى تعبيراتهم لضيق العبارات واحسن التعبيرات فى هذا المقام قوله تعالى ليس كمثله شىء وهو السميع البصير والمقصود من التصورات هو هذا العلم اللدني دون العلوم الحاصلة فى الظنون فانه لا اعتداد بها وان الظن لا يغنى من الحق شيئا واللّه تعرا علم فان قيل سلمنا ان علوم الأولياء داخلة فى المستثنى أو خارجه من المستثنى منه لكونها ظنية فما قولكم فى علوم الكهنة والمنجمين وعلم الأطباء بالامراض وبما فيه شفاء المريض وبخواص النباتات ونحوها فان الاخبار والتجربة تشهد على صدق بعض اخبارهم روى البخاري عن أبى الناطور حديث(1/6789)
صاحب ايليا وقد اسلم يحدث ان هرقل حين قدم ايليا أصبح يوما خبيث النفس فقال بعض بطارقته قد استنكرنا هيئتك قال ابن الناظور وكان هرقل ينظر فى النجوم فقال لهم حين سألوه انى رأيت الليلة حين نظرت فى النجوم ملك الختان قد ظهر الحديث. ثم كتب هرقل إلى صاحب له برويته وكان نظيره فى العلم فاتاه كتاب من صاحبه يوافق راى هرقل على خروج النبي صلى اللّه عليه وسلم وانه بنى وقد صح ان الكهنة والمنجمون اخبروه الخروج بموسى لفرعون وبزوال ملكه على يد غلام من بنى إسرائيل حتى كان فرعون يذبح أبنائهم ويستحى نساءهم قلنا اما علم الكهنة فما كان منها مطابقا
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 99
للواقع فذالك ما استراق السمع من الملائكة والملائكة رسل اللّه لكن الكهنة والشياطين يختلطون فيه أكاذيب ولذلك نهى الشرع عن تصديقهم ثم قد منع الجن بعد مبعث النبي صلى اللّه عليه وسلم عن الاستراق اما مطلقا أو غالبا فبطل الكهانة عن عائشة رض قالت سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الكهان وقيل انهم يحدثون أحيانا بالشيء يكون حقا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تلك الكلمة من الحق يخطفها(1/6790)
الجنى فنقرها فى اذن وليه قرأ الدجاجة فيخلطون فيه اكثر من مائة كذبة متفق عليه واما علم الطب والنجوم فمبناهما اما التجارب وذلك من علم الشهادة دون الغيب والا ظهران ذينك العلمين اعنى العلم بخواص الادوية والطبائع وكذا بخواص النجوم من السعادة والنحوسة وغيرها مقتبسان من علوم الأنبياء فبقى العلمان فى الكتب ونسبحت عناكب النسيان على سلاسل الرواة واكتفوا بشهادة التجارب فى معرفتها قال اللّه تعالى فى قصة ابراهيم عليه السلام فنظر نظرة فى النجوم فقال انى سقيم أى ساسقم وذكر البغوي فى تفسير سورة سبأ ان سليمان عليه السلام ما يأتي عليه يوم الا تثبت فى محراب بيت المقدس شجرة فيسالها ما اسمك فيقول اسمى كذا فيقول لاى شى أنت فيقول لكذا وكذا فامر بها فينقطع فان كانت بنت الغرس غرس لها وان كانت الدواء كتب حتى تنبت الخروبة فقال لها ما أنت قالت الخروبة قال لاى شىء أنبتت قالت لخراب مسجدك كذا ذكر الامام حجة الإسلام محمد الغزالي رحمة اللّه تعالى فى رسالة المنقذ من الضلال ثم ان علم الطب والنجوم ليسا بوجهان للقطع فان التاثيرات المودعة فى الادوية والكواكب امر عادى جرت العادة الالهية على خلق تلك الآثار بعد استعمال تلك الادوية وبعد طلوع تلك النجوم ويتخلف تلك الآثار عنها كثيرا ان شاء اللّه ومن هاهنا يعلم ان من استدل بالنجوم على شىء وزعم ان اللّه تعالى يفعل كذلك بعد طلوع ذلك النجم جريا على عادته فلا يكفر كمن زعم ان اللّه تعالى يخلق الشفاء بعد شرب الدواء ويخلق الموت بعد شرب السم واما من زعم ان حدوث ذلك الشيء بذلك النجم فيكفر كما زعم ان الدواء علة تامة على الشفاء عن زيد بن خالد الجهني قال صلى لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلوة الصبح بالحديبية على اثر سماء كانت من الليل فلما انصرف اقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا اللّه ورسوله اعلم قال قد أصبح قوم من عبادى مؤمن بي و(1/6791)
كافر فاما من قال مطرنا بفضل اللّه ورحمته فذلك مومن بي والكافر بالكواكب واما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكواكب متفق عليه فهذا الحديث انما يدل
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 100
على كفر الثاني دون الأول غير ان الاشتغال بالنجوم مطلقا مكروه لكونه مما لا يعنيه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد وما زاد رواه احمد وأبو داود وابن ماجة عن ابن عباس رض وكذلك علم النقاط والخطوط الذين يسمونها إملاء فهو أيضا مقتبس من الأنبياء ويفيد ظنا لا قطعا واما الطيرة فليس بشئ عن معوية بن الحكم قال قلت يا رسول اللّه امور كنا نصنعه فى الجاهلية كنا ناتى الكهان قال فلا تأتوا الكهان قال قلت كنا نتطير قال ذلك شىء يجده أحدكم فى نفسه فلا يصدنكم قال قلت ومنا يخطون قال كان نبى من الأنبياء يخط فمن كان وافق خطه فذاك رواه مسلم وكذلك علم السحر منزل من السماء لكنه كفر قال اللّه تعالى وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر وقدر فى سورة البقرة فان قيل قد يظهر علم الغيب على أهل الجوع والرياضة من الكفار استدراجا قلنا منشأ ذلك العلم الكشف أو مطالعة عالم المثال والكشف ومطالعة عالم المثال يكون إذا تجلى للصوفى مشاعرة الظاهرة والباطنة اما باتباع الشريعة ونور السنة ويسمى بفراسة المؤمن واما بالجوع والرياضة ومخالفة النفس فحينئذ تنكشف الحجب عن بعض المغيبات فى بعض الأحيان أو عن الصور المثالية فيرى ذلك عيانا فهو من العلم بالشهادة وليس من الغيب فى شىء على انه لما كان العلم الحاصل لاولياء اللّه تعالى بالكشف والمثال كشفا ظنيا محتملا للخطاء فكيف العلوم الحاصلة للكفار فانهم تلامذة للشياطين يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه ولكن اللّه يفعل ما يريد ومما يدل على ان(1/6792)
المراد بظهور الغيب فى تلك الآية هو العلم القطعي الذي لا يكون للشيطان إليه سبيل قوله تعالى فَإِنَّهُ الفاء للسببية لان اللّه تعالى يَسْلُكُ أى يجعل مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أى الرسول وَمِنْ خَلْفِهِ ذكر بعض الجهات وأراد جميعها رَصَداً جمع راصد أى حفظة من الملائكة يحفظونه من الشيطان
ان يسترق السمع أو يخلطوا فى الوحى بما ليس منه قال مقاتل وغيره كان إذا بعث اللّه رسولا أتاه إبليس فى صورة ملك يخبره فبعث اللّه من بين يديه ومن خلفه رصدا من الملائكة يحرسونه ويطرد والشياطين فإذا جاء الشيطان فى صورة ملك اخبروه بانه شيطان فاحذره وإذا حاء ملك قال له هذا رسول ربك ونظيره هذه الآية قوله تعالى لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه.
لِيَعْلَمَ اللّه أى ليتعلق علمه به موجودا نظيره قوله تعالى ليعلم اللّه من
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 101
يخافه ورسله بالغيب متعلق بقوله تعالى يسلك علة للحفظ من الشياطين أَنْ مخففة من المثقلة اسمها ضمير الشان محذوف قَدْ أَبْلَغُوا أى الرسل رِسالاتِ رَبِّهِمْ كما هى والمعنى ليوجد من الرسل تبليغ رسالات ربهم بلا تغيير وتخليط وقيل ضمير ليعلم عائد إلى الرسول أى ليعلم الرسول قطعا ولا شك انه قد ابلغ هو وإخوانه من الرسل رسالت ربهم ولم يقع فيه تغيير وتخليط من الشيطان أو ليعلم الرسول انه قد ابلغ الملائكة رسالات ربهم ولم يتطرق فيه شيطان وقرأ يعقوب ليعلم بضم الياء على البناء للمجهول أى ليعلم الناس قطعا ان الرسل قد بلغوا وَأَحاطَ اللّه بِما لَدَيْهِمْ أى ما علم اللّه عند الرسل لا يخفى عليه شىء وَأَحْصى كُلَّ شَيْ ءٍ عَدَداً ع عدد مثاقيل الجبال وميكائيل البحار وعدد قطرات الأمطار وعدد ورق الأشجار وعدد ما اظلم عليه الليل وأشرق عليها النهار ونصب عدد أعلى الحال أو على المصدر أى عدّد عددا أو التميز أى احصى عدد كل شىء - واللّه اعلم.(1/6793)
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 102
سورة المزّمّل صلى الله عليه وسلم
مكيّة وهى عشرون اية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ التزمل من تزمل تيابه إذا تلفف بها فادغم التاء فى الزاء ومثله المدثر تدثر بثوبه اما القطع كان هذا الخطاب للنبى صلى اللّه عليه واله وسلم فى أول الوحى قبل تبليغ الرسالة ثم خوطب بعده بالنبي والرسول وقد تزمل رسول اللّه صلعم ثيابه فى بدو الوحى خوفا منه لهيبته عن جابر انه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحدث عن فطرة الوحى فبينا انا امشى سمعت صوتا فرفعت السماء بصرى فإذا الملك الذي جاءنى بحراء قاعد على كرسى بين السماء والأرض فخشيت منه رعبا حتى هويت إلى الأرض فجئت أهلي فقلت زملونى فانزل اللّه تعالى يايّها المدثر إلى قوله فاهجر ثم حمى الوحى وتتابع متفق عليه وفى حديث عائشة فى الصحيحين فى حديث طويل انه صلى اللّه عليه وسلم دخل على خديجة فقال زملونى زملونى فزملوه حتى ذهب عنه الروع وسنذكر هذا الحديث ان شاء اللّه تعالى فى سورة اقرأ باسم ربك واخرج البزار والطبراني بسند ضعيف عن جابر قال اجتمعت قريش فى دار الندوة فقالت سموا هذا الرجل اسما يصدر الناس عنه قالوا كاهن قالوا ليس بكاهن قالوا مجنون قالوا ليس بمجنون قالوا ساحر قالوا ليس بساحر فبلغ النبي صلى اللّه عليه وسلم فتزمل فى ثيابه وتدثر فيها فاتاه جبرئيل فقال يايها المزمل يايها المدثر.
قُمِ أى صل عبر عنها بالقيام تسمية الشيء باسم جزئه وركنه وهذا يقتضى كون القيام ركنا للصلوة وعليه انعقد الإجماع اللَّيْلَ ظرف زمان وحذف حرف الجر يدل على الاستيعاب كما يقال صمت شهرا بخلاف صمت فى الشهر إِلَّا قَلِيلًا بهذا الاستثناء بقي الحكم بقيام بعض الليل ولما كان الاستثناء مبهما طرق الإبهام فى المستثنى منه فصار المحكوم به مجملا لا بد له من بيان فبينه اللّه تعالى بقوله.(1/6794)
نِصْفَهُ فهو بدل من الليل المستثنى منه القليل بدل الكل فان الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا فتقدير الكلام قم بعض الليل أى نصفه وقيل هو بدل من القليل وبيان له
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 103
و ببيان المستثنى تبين الباقي ويزول الإبهام وحينئذ تقدير الكلام قم الليل الا نصفه والمعنى واحد واطلاق القليل على النصف بالنسبة إلى الكل ولان عدم القيام أى النوم فى نصف الليل قليل من النوم المعتاد فان اللّه تعالى جعل الليل لتسكنوا فيه ولانه إذا قام نصف الليل للتهجد بقي نصف الاخر وفيه صلوة المغرب والعشاء وحوائج البشر من الاكل والشرب والخلاء فلم يبق لاجل النوم الا قليل من النصف وقيل نصفه بدل من الليل والاستثناء منه أى من النصف وتقديره قم نصف الليل الا قليلا فحينئذ يلزم الاستثناء من النصف قبل ذكره مع ان كلمة نصفه حينئذ بدل البعض من الليل وحكم بدل البعض فى القصر حكم الاستثناء فمقتضى الكلام تقديم القصر بالاستثناء على القصر بالبدل وأيضا يلزم حينئذ كون الكلام مجملا بعد البيان أَوِ انْقُصْ عطف على قم الليل مِنْهُ أى من النصف الباقي بعد الاستثناء قَلِيلًا أى زمانا قليلا أو نقصانا قليلا وذلك ان يكون القيام اكثر من نصف النصف أى الربع.(1/6795)
أَوْ زِدْ عَلَيْهِ أى على النصف ما شئت فالمامور به فى هذه الآية القيام اكثر من الربع ولو ساعة والظاهر ان الأمر بالقيام فى هذه الآية للوجوب كما هو مقتضى الأمر فى الأصل فمقتضى الكلام البغوي وهو المستفاد من قول عائشة وغيرها ان قيام الليل بهذه الآية كان واجبا على النبي صلى اللّه عليه وسلم وعلى أمته ثم نسخ قال البغوي كان النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه يقومون على هذه المقادير فكان الرجل لا يدرى متى ثلث الليل ومتى النصف ومتى الثلثان فكان يقوم حتى يصبح مخافة ان لا يحفظ القدر الواجب واشتد ذلك عليهم حتى انتفخت أقدامهم فرحمهم اللّه تعالى وخفف عنهم ونسخها بقوله فاقرءوا ما تيسر منه وكان بين أول السورة وآخرها سنة عن سعيد بن هشام قال انطلقت إلى عائشة فقلت يا أم المؤمنين انبئينى عن خلق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قالت الست تقرأ القرآن قلت بلى قالت فان خلق نبى اللّه كان القرآن قلت فقيام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يا أم المؤمنين قالت الست تقرأ يايها المزمل قلت بلى قالت فان اللّه افترض القيام فى أول هذه السورة فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم وامسك اللّه تعالى خاتمتها اثنى عشر شهرا فى السماء ثم انزل التخفيف فى اخر هذه السورة فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة رواه أبو داود والنسائي والبغوي وكذا أخرج الحاكم واخرج ابن جرير مثله عن ابن عباس وغيره قال مقاتل وابن كيسان كان هذا بمكة قبل ان يفرض الصلوات الخمس ثم نسخ ذلك بالصلوة الخمس والظاهر عندى ان الوجوب
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 104(1/6796)
كان مختصا بالنبي صلى اللّه عليه واله وسلم بدليل قوله تعالى ان ربك يعلم انك تقوم ادنى من ثلثى الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك فان كلمة من للتبعيض صريح فى ان الصحابة بعضهم كانوا يقومون دون بعض فان قيل لو كان وجوبه مختصا بالنبي صلى اللّه عليه وسلم فكيف يصح تعليل التخفيف لقوله تعالى علم ان سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون فى الأرض يبتغون من فضل اللّه وآخرون يقتلون فى سبيل اللّه فان هذه الآية تقتضى رعاية حال الامة وضعفهم قلنا خفف اللّه سبحانه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم لرعاية ضعف الامة واعذارهم لان الناس بما واظب عليه النبي صلى اللّه عليه وسلم مسنون للامة مطلوب الإتيان منهم من غير إيجاب بل بحيث يلام تاركه قال اللّه تعالى ولكم فى رسول اللّه أسوة حسنة لمن كان يؤمن باللّه واليوم الاخر وما قيل ان المسنون ما واظب عليه النبي صلى اللّه عليه وسلم على سبيل التطوع احترازا عن صوم الوصال ونحوه فليس بشئ لان الأصل التأسي والاقتداء مطلقا فلا يترك الا إذا كان ذلك الأمر ممنوعا محرما أو مكروها فى حق الامة كصوم الوصال ووصل النكاح فوق الاربعة وغير ذلك ولا وجه لتخصيص التأسي بما واظب النبي صلى اللّه عليه وسلم على سبيل التطوع وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ط عطف على قم الليل وما قيل الترتيل مندوب اجماعا فعطفه على القيام يقتضى كون الأمر بالقيام أيضا للندب فليس بشئ عن عبد اللّه بن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا فان منزلتك عند اخر آية تقرءها رواه احمد والترمذي وأبو داود والنسائي والترتيل عبارة عن إرسال الكلمة من الفم بسهولة واستقامة كذا فى الصراح وفى القاموس نحوه وعن ابن عباس معناه بينه بيانا وعن الحسن نحوه وقال مجاهد ترتيل فيه ترسلا عن قتادة قال سئل عن انس رض كيف كانت قراءة النبي صلى اللّه(1/6797)
عليه وسلم فقال كانت مدا ثم قرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم يمد ببسم اللّه ويمد بالرحمن يمد بالرحيم رواه البخاري قلت معنى قوله يمد ببسم اللّه ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم انه يظهر فيه الالف من اللّه بعد اللام ومن الرحمن بعد الميم بقدر حركة واما مد الرحيم فيجوز فيه المد بقدر الحركتين واربع وست عند الوقف وفى الوصل لا يجوز الا بقدر حركة اجمع عليه القراء وعن أم سلمة انها سئل عن قراءة النبي صلى اللّه عليه وسلم فإذا هى
تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وعنهما قالت كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقطع قراءته يقول الحمد للّه رب العلمين ثم يقف ثم يقول الرحمن الرحيم ثم يقف رواه الترمذي قلت ويتضمن الترتيل تحسين الصوت بالقرآن عن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما اذن اللّه لشئ ما اذن لنبى يتغنى
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 105(1/6798)
بالقران متفق عليه وفى رواية عنه ما اذن اللّه ما اذن لنبى حسن الصوت بالقران يجهر به متفق عليه وعنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليس منا من لم يتغن بالقران رواه البخاري وليس المراد الا تحسين الصوت كما خرج به فى بعض الروايات دون إخراجه على وجه الغناء فانه حرام ممنوع عن حذيفة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اقرؤا القرآن بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل العشق ولحون أهل الكتابين وسيجئ بعدي قوم يرجعون بالقران ترجيع الغناء والنوح لا يتجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شانهم رواه البيهقي فى شعب (فائدة) والحكمة فى الترتيل التدبر فى معانى القرآن والألفاظ بموعظة والخوف عند اية الوعيد والرجاء عند اية الوعد ونحو ذلك روى البغوي عن ابن مسعود رض قال لا تنثروه نثر الدقل ولا تهزوه هذا الشعر قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكن بهم أحدكم اخر السورة وعن حذيفة رض قال صليت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم صلوة الليل فما مر باية فيها ذكر الجنة الا وقف وسال اللّه الجنة وما مر باية فيها ذكر النار الا وقف وتعوذ من النار وعن عبيد المليكي وكانت له صحبة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يا أهل القرآن لا تتوسدوا القرآن واتلوه حق تلاوته اناء الليل والنهار وأفشوه وتغنوه وتدبروا ما فيه لعلكم تفلحون ولا تعجلوا هرابه فان له ثوابا رواه البيهقي فى الشعب وعن سهل بن عبد الساعدي قال بينا نحن نقرأ إذ خرج علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال الحمد للّه كتاب اللّه واحد وفيكم الأخيار وفيكم الأحمر والأسود والأبيض اقرؤا القرآن قبل ان يأتي أقوام يقرأونه يقيمون حروفه كما يقام السهم ولا يجاوز تراقيهم يتعجلون اجره ولا يتاجلونه.(1/6799)
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا قيل المراد بالقول الثقيل الأمر بقيام الليل فانه ثقيل شاق على النفس فهذه الجملة على هذا التأويل تذئيل وتأكيد لما سبق والسين حينئذ للتاكيد دون الاستقبال وقيل المراد به القرآن قال محمد بن كعب القرآن ثقيل على المنافقين قلت فهو نظير قوله تعالى كبر على المشركين ما تدعوهم وقال الحسن بن الفضل ثقيل فى الميزان قلت نظير قوله صلى اللّه عليه وسلم كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان جيبتان إلى الرحمن سبحان اللّه وبحمده سبحان اللّه العظيم متفق عليه عن أبى هريرة وقال مقاتل ثقيل لما فيه من الأمر والنهى والحدود كذا قال قتادة وقال أبو العالية ثقيل بالوعد والوعيد وحاصل هذه الأقوال انه لما فيه من التكاليف الشاقة
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 106(1/6800)
و الوعد والوعيد وذكر القيامة ثقيل على المكلفين لا سيما على الرسول صلى اللّه عليه وسلم إذ كان عليه ان يتحملها ويحملها أمته ومن ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شيبتنى سورة هود وأخواتها رواه الطبراني عن عتبة ابن عامر وعن أبى جحيفة يعنى لما فيه من قوله تعالى فاستقم كما أمرت ومن تاب معك أو لما فيه من ذكر القيامة وعذاب الأمم الماضية يدل عليه ما رواه الحاكم عن أبى بكر بلفظ شيبتنى سورة هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت رواه الترمذي عن ابن عباس والحاكم عن أبى بكر وابن مردويه عن سعد ونحوه عن انس رض رواه عبد اللّه بن احمد بلفظ شيبتنى هود وأخواتها لما فيها ذكر يوم القيمة وقصص الأمم وقيل ثقيل على أتأمل فيه لافتقاره إلى مزيد تصفيته للسر وتجريد للنظر لزرانته ومتانته معناه وهذا أوفق لما سبق وما لحق فان الترتيل لاجل التدبر والتفهم وناشئة الليل أشد لمواطاة القلب اللسان وقيل ثقيل على باطن الصوفي وعظيمة فان الخالق العظيم المتعالي يتجلى على قلب المخلوق يحقر السافل كذا قال الفراء حيث قال ثقيل ليس بالخفيف ولا بالسفساف لأنه كلام ربنا قال الشيخ الاجل الأكرم الهادي سبيل اليقين محبوب رب العالمين سيف الملة والدين ابد الآبدين ان علامة انكشاف حقيقة القرآن ورود ثقل عظيم على باطن السالك ومن ثم قال اللّه تعالى سنلقى عليك قولا ثقيلا قلت ويؤيده هذا المعرفة قوله تعالى لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرايته خاشعا متصدعا من خشية اللّه وهذا معنى ما قيل ثقيل تلقيه رواه مسلم عن عبادة بن الصامت قال كان النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا نزل عليه الوحى كرب لذلك وتربد وجهه وفى رواية نكس راسه ونكس أصحابه رؤسهم فلما اتلى عنه رفع رأسه وفى الصحيحين عن عائشة ان الحارث بن هشام سال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال يا رسول اللّه كيف يأتيك الوحى فقال رسول اللّه صلى(1/6801)
اللّه عليه وسلم أحيانا تأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشد على فيفصم عنى وقد وعيت عنه ما قال وأحيانا يتمثل لى الملك رجلا فيكلمنى فاعى ما يقول قالت عائشة ولقد رايته ينزل عليه الوحى فى اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وان جبينه ليتفصد عرقا متفق عليه ويحتمل ان يقال انه ثقيل لما فيه من الأمر بالتوجه إلى الخلق لاجل الدعوة والتبليغ والإرشاد والتكميل بقوله تعالى قم فانذر وقوله وانذر عشيرتك الأقربين بعد ما كان متوجها إلى اللّه تعالى مشتغلا به تعالى حيث كان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو تعبد الليالى ذوات العدد وقيل ان ينزع إلى اهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها كذا فى الصحيحين فى حديث عائشة ودرجة الإرشاد والتكميل وان كان أفضل من درجة الاستكمال
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 107
و الخلوة لكنه قد يكون عند الصوفي على خلاف الطبع فيثقل عليه ويزعمه الصوفي فى بادى الرأي ان هذا أحط مرتبة من التوجه إلى اللّه تعالى والخلوة به ولهذا قيل الولاية به أفضل من النبوة يعنى ولاية النبي أفضل من نبوة ذلك النبي زعما من القائل ان فى الولاية التوجه إلى اللّه سبحانه وفى النبوة التوجه إلى الخلق وقال المجدد الف ثانى رضى اللّه عنه ليس هذا القول مبنيا على التحقيق بل النبوة مطلقا أفضل من الولاية وهى عبارة عند الصوفية عن السير فى الذات والولاية عن السير فى الصفات و(1/6802)
شتان ما بينهما والتوجه إلى اللّه سبحانه تعالى يسمى فى الاصطلاح بالعروج والى الخلق يسمى بالنزول وكلاهما يعترضان للصوفى فى كلا السيرين غير ان النازل فى مقام الولاية وان كان له توجها إلى الخلق لكنه لم يبلغ فى العروج غاية فهو ملتفت إلى الأعالي طمعا لغاية الكمال والنازل فى مقام النبوة لا يكون نازلا الا بعد ما يبلغ الكتاب فى الكمال اجله فهو بكلية يتوجهه إلى الخلق للتكميل على مراد اللّه سبحانه تعالى وان كانت على خلاف مراده وطبعه فهو أفضل وأكمل وهذا الجهاد باق ما دامت هذه النشأة الثانية الباقية وبعد فراغ منها يتادى باملهم إلى الرفيق الأعلى فحينئذ يتوجه بكليته إلى الدرجات العلى بأجره واجر من اهتدى به على سبيل الأكمل والا وفى واللّه تعالى أعلم وجملة انا سنلقى اما تذئيل وتأكيد لما سبق كما ذكرنا أو معترضة لبيان الحكمة فى الأمر بقيام الليل فان فى القيام تمرين النفس على المشفة ومشق مخالفات الطبع أو لان الصلاة كانت قرة للنبى صلى اللّه عليه وسلم حيث قال جعلت قرة عينى فى الصلاة رواه احمد والنسائي والبيهقي عن انس وقال أقم الصلاة يا بلال أرحنا به رواه أبو داود عن رجل صحابى عن خزاعة فحينئذ يكون فى التهجد تحصيل ما يعالج به ثقل التوجه إلى الخلق أو لان لقيام الليل تأثير التأثر نفسه لشريعة فى نفوس الامة كى يجيبوا دعوته حين يستمعوا قوله كما أجاب الجن دعوته حين يستمعوا القرآن أو لان لقيام الليل مدخل فى قيامه مقام الشفاعة لأنه حيث قال اللّه تعالى ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا.(1/6803)
إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ أى قيام الليل مصدر جاء على فاعلة كعافية بمعنى العفو كذا قال الأزهري وقالت عائشة الناشية قيام الليل بعد النوم فهو بمعنى التهجد وقال ابن كيسان هى القيام من اخر الليل وقال سعيد بن جبير وابن زيد أى ساعة قام من الليل فقد نشأ وهو بلسان الحبش نشأ فلان أى قام وقال عكرمة هى القيام من أول الليل قال البغوي روى عن على بن الحسين رضى اللّه تعالى عنهما انه كان يصلى بين المغرب والعشاء الاخرة يقول
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 108(1/6804)
هذا ناشية الليل والظاهر ان هذين القولين لا يلائمان هذا المقام فانه صلى اللّه عليه وسلم كان مامور القيام اخر الليل وقال الحسن كل الصلاة بعد العشاء الاخرة فهى ناشية وقيل صفة الفاعل بمعناه والمراد النفس التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة من نشأ من مكانه إذا نهض ساعات الليل كلها وكل ساعة منه ناشية لانها منشئ أى مبتداء ومنه نشأت السخابة وأبدت فكل ما حدث بالليل وبدأ فقد نشأ وهو ناشئ والجمع ناشية وقال ابن أبى مليكة سالت عن ابن عباس رض وابن الزبير عنها فقالا الليل كلها ناشية فالاضافة حينئذ بيانية هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً قرأ ابن عامر وأبو عمرو بكسر الواو وفتح الطاء والمد بمعنى الموافقة أى هى أشد موافقة للقلب مع اللسان فان ذلك يكون بالليل اكثر منه بالنهار وقرأ الجمهور بفتح الواو وسكون الطاء أى أشد ثقلا من صلوة النهار لان الليل للنوم والراحة ومنه قوله عليه الصلاة والسلام اللهم اشدد وطأتك على مضر وإذا اعتاد المرء باشد العبادات ثقلا هان عليه مشقة سائر التكاليف وكلما هو أشد وأثقل على النفس مع مراعات السنة كان اكثر ثوابا وأثقل فى الميزان وأشد تأثيرا ف ى النفوس وقال ابن عباس رض كانت صلوتهم أول الليل هى أشد وطأ بمعنى أجدر ان يحصوا ما فرض اللّه عليكم من القيام لان الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ وقال قتادة اثبت فى الخير واحفظ للقرأة وقال الفراء اثبت وطأ للقيام وأسهل للمصلى من ساعات النهار لان النهار خلق لتصرف العباد والليل للخلوة والعبادة وقيل أشد نشاطا فان من كان أشد على النفس ثقلا كان ألذّ للصوفى وقال ابن زيد افرغ له قلبا من النهار لأنه لا تعرض له بالليل حوائج وموانع وقال الحسن أشد وطأ فى الخير وامنع من الشيطان وَأَقْوَمُ قِيلًا ط اثبت قراءة واضح قولا لهداة وسكون الأصوات.(1/6805)
إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا ط والسبح سرعة الذهاب ومنه السباحة فى الماء يعنى ان لك بالنهار ذهابا فى مهامك ولدعوة الخلق وتبليغ الاحكام واشتغالا بها فعليك بالتهجد فان الليل افرغ لها فهذا بمنزلة التعليل لما سبق - (فصل فى فضائل صلوة الليل) عن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاخر يقول من يدعونى فاستجيب من يسألنى فأعطيه من يستغفر لى فاغفر له متفق عليه وفى رواية لمسلم ثم يبسط يديه ويقول من يقرض غير عدوم ولا ظلوم وعن جابر قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول ان فى الليل ساعة
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 109
لا يوافقها رجل مسلم يسأل اللّه فيها خيرا من امر الدنيا والاخرة الا أعطاه إياه وذلك رواه مسلم وعن عبد اللّه بن عمرو قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أحب الصلاة إلى اللّه صلوة داود وأحب الصيام إلى اللّه صيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ويصوم يوما ويفطر يوما متفق عليه وعن أبى امامة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عليكم بقيام الليل فانه داب الصالحين قبلكم وهو قربة لكم إلى ربكم ومكفر للسيات ومنهيات للاثم رواه الترمذي وعن أبى سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثلثة يضحك اللّه عليهم الرجل إذا قام بالليل يصلى والقوم إذا صفوا فى الصلاة وإذا صفوا فى قتال العدو رواه البغوي فى شرح السنة وعن عمرو بن عيينة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اقرب ما يكون الرب إلى العبد فى جوف الليل الاخر فان استطعت ان تكون ممن يذكر اللّه فى تلك الساعة فكن رواه الترمذي وقال الحسن صحيح وعن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اشرف أمتي حملة القرآن واصحاب الليل رواه البغوي فى الشعب.(1/6806)
وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ عطف على قم الليل والمراد به دوام الذكر ليلا ونهارا بحيث لا يطرق إليه النتور ولا يلحقه الذهول وذا لا يتصور باللسان فان كل ما كان باللسان والجوارح من التسبيح والتحميد والصلاة والقراءة ونحو ذلك يتطرق إليه فتور النية فليس هو الا ذكر القلب وهو حقيقة الذكر فان الذكر عبارة عن طرد الغفلة كما يقتضيه المقابلة فى قوله صلى اللّه عليه وسلم ذكر اللّه فى الغافلين بمنزلة الصابر فى الغارمين فكل صلوة وتسبيح وقراءة كان عن قلب لاه فلا يعتد به ويل للمصلين الذين هم عن صلوتهم ساهون وانما قلنا ان المراد دوام الذكر لان العطف يقتضى المغايرة ومطلق الذكر يتضمنه قيام الليل وترتيل القرآن وحمل الكلام عليه اولى منه على التأكيد وقيل معناه ان قل بسم اللّه الرحمن الرحيم عند ابتداء تلاوة القرآن (مسئلة) اجمعوا على قراءة البسملة فى أول الفاتحة وأول كل سورة ابتدأ القاري القراءة بها ولم يصلها بما قبلها سنة واختلفوا فى التسمية بين السورتين فكان ابن كثير وقالون وعاصم يبسملون بين كل سورتين فى جميع القرآن ما خلا الأنفال وبراءة فانه لا خلاف فى ترك البسملة هناك والباقون لا يبسملون بين السور فاصحاب حمزة يصلون اخر كل سورة باول الاخرى والمختار من مذهب ورش وعن أبى عمرو وابن عامر السكتة من غير قطع واما عند الابتداء بما بين السورة فالقارى فيه مخير بين التسمية وتركها فى مذهب الجميع هذا فى القراءة خارج الصلاة واما إذا قرأه فى الصلاة
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 110(1/6807)
فقال الشافعي هى اية من الفاتحة ومن كل سورة فيجب قراءتها مع الفاتحة ويسن قرأتها مع غيرها ويبسمل جهرا وقال الائمة الثلاثة ليست هى جزأ من شىء من السور قال أبو حنيفة رض هى اية من القرآن نزلت للفصل فلا يقرأ البسملة وعند مالك رض فى الصلاة أصلا ولا مع الفاتحة ولا مع غيرها وعند أبى حنيفة رض واحمد رض يسن قرأتها مع الفاتحة سرا ولا يقرأ مع غيرها من السور وفى رواية عن محمد رض يستحب ان يقرأ سرا مع كل سورة وقد ذكرنا فى تفسير سورة الفاتحة الحجة على انها ليست من الفاتحة ولا من شىء من السور وان النبي صلى اللّه عليه وسلم والخلفاء الراشدين لم يجهروا بها فى الصلاة وقد ذكر الشافعية فى الجهر بالتسمية تسعة أحاديث رواه دار قطنى والخطيب أورد كلها ابن الجوزي وقال ابن الجوزي قال الدار قطنى كلما روى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم فى الجهر بالتسمية فليس بصحيح فاما عن الصحابة فمنه صحيح ومنه ضعيف وقد روى أبو داود ان النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم وكان مسيلمة يدعى رحمن اليمامة فقال أهل مكة انما يدعوا محمد اللّه يمامة فامر اللّه رسوله فاخفاها حتى مات وهذا يدل على ان يجهر بها وعدم الجهر بالبسملة مروى عن أبى بكر وعمر وعثمن وعلى وابن مسعود وعمار بن ياسر وعبد اللّه بن مغفل وابن الزبير وابن عباس ومن كبار التابعين منهم الحسن والشعبي وسعيد بن جبير وابراهيم وقتادة وعمرو بن عبد العزيز والأعمش والثوري وانما يرون خلاف هذا عن معاوية وعطاء وطاؤس ومجاهد كذا قال ابن الجوزي وَتَبَتَّلْ أى انقطع عما سواه إِلَيْهِ تعالى تَبْتِيلًا مصدر من غير بابه وضع موضع تبتلا لرعاية الفواصل والاشارة إلى ان التبتل فى الغالب امر كسبى يحتاج إلى تعمق واجتهاد فالتبتيل مقدم على التبتل ومن ثم قال الحسن فى تفسيرها اجتهد وقال ابن زيد التبتل رخص الدنيا وما فيها و(1/6808)
التماس ما عند اللّه فكانه قال تبتل قلبك عما سوى ربك تبتيلا فتبتل للّه تعالى وليس المراد بالتبتل ترك الملاقاة بالناس أو التقصير فى أداء حقوق العباد أو قطع نحو ذلك مما امر اللّه به ان يوصل إذ لا رهبانية فى الدين وان لنفسك عليك حقا ولاهلك عليك حقا ولضيفك عليك حقا بل المراد به قطع العلاقة الحسية والعلمية عن القلب وهو معنى القلب قالت الصوفية العلية الطريق الذي نحن بصدده قطعه خطوتان الخطوة الاولى الانقطاع عن الخلق والثانية الوصول إلى الحق وأحدهما لازم
للاخر ومن ثم ذكر اللّه سبحانه كلا الخطوتين بالعطف بالواو الذي هى للجمع وقدم قوله واذكر اسم ربك الذي هو عبارة عن
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 111
الوصول إلى الحق على التبتل لأنه هو المقصود بالتبتل وانما قلنا انه عبارة عن الوصول لان الذكر الذي لا يتطرق إليه الفتور ولا يستعقبه الذهول هو العلم الحضوري إذ لا يتصور ذلك فى العلم الحصولى بداهة والعلم الحضوري عبارة عن حضور نفس المعلوم عند العالم وذلك يعبر بدوام الحضور والوصول والاتصال والاتحاد والبقاء ونحو ذلك بألفاظ شتى وكانت الأوائل يعبرون عنها بالإخلاص قال ابن عباس وغيره فى تفسير هذه الآية أخلص اللّه إخلاصا وانما قال واذكر اسم ربك ولم يقل واذكر ربك لان الملازم للتبتل الذي هو المعبر بالفناء وانما هو علم الأسماء والصفات دون العلم المتعلق بالذات فانه بعد وراء الوراء ويحتمل ان يكون المراد بالذكر الذكر باللسان بموافقة القلب وبدوام الذكر الدوام العرفي بمعنى الإكثار بقدر الطاقة البشرية وذلك يفضى إلى التبتل ووسيلة إليه بشرط الاجتباء عن اللّه تعالى كما يكون للانبياء والافراد من الأولياء أو جذب من الشيخ وعلى هذا وجه التقديم على التبتل بأظهر تقدم طبعا واعلم ان على هذا التأويل فى قوله تعالى واذكر اسم ربك اشارة إلى تكرير اسم الذات وفى قوله تعالى.(1/6809)
رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ على قرأة الجر اشارة إلى التصور احاطته تعالى بالممكنات ذكر النفي والإثبات وكلا التكريرين اساسان بطريقة ارباب كمالات الولايات وعلى هذا التأويل يثبت المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه اعنى قم الليل ورتل القرآن واذكر اسم ربك ويظهران كلا من الأمور الاربعة الصلاة وتلاوة القرآن وذكر اسم الذات والنفي والإثبات مدار لحصول مراتب القرب والدرجات غير ان الأولين لاهل الانتهاء والآخرين لاهل الابتداء وانما قدم الأولين على الآخرين لان المخاطب اولا هو النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو أكمل أهل الانتهاء واللّه تعالى أعلم رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص بالرفع على انه خبر مبتداء محذوف أى هو رب المشرق والمغرب أو مبتداء خبره لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وقرأ الباقون بالجر على البدل من ربك وقيل بإضمار حرف القسم وجوابه لا اله الا هو فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا الفاء للسببية فان كونه ربا لجميع المخلوقات وتوحده بالالوهية يقتضى ان يوكل إليه الأمور كلها وفى هذه الآية دفع توهم ان التبتل عن الخلق يوشك ان يخل فى أموره المعايشة فان الإنسان مدنى الطبع لا يستغنى بعضهم عن بعض فابطل هذا الوهم بانه تعالى رب المشرق والمغرب وما بينهما من العباد والبلاد وأفعالهم ومنافعهم والقلوب كلها بيده يصرفها
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 112(1/6810)
كيف يشاء لا اله الا هو لا يتصور النفع ولا الضرر من أحد الا باذنه وإرادته فاتخذه وكيلا حسبك عن غيره ونعم الوكيل عن عمر بن الخطاب قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لو انكم تتوكلون على اللّه حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير فغدو خماصا وتروح بطانا رواه الترمذي وابن ماجة وقال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ان روح القدس نفث فى روعى ان نفسا لم تمت حتى تستكمل رزقها الا فاتقوا اللّه واجملوا فى الطلب رواه البغوي فى شرح السنة والبيهقي فى الشعب وعن أبى ذر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال الزهادة فى الدنيا ليس بتحريم الحلال واضاعة المال ولكن الزهادة فى الدنيا ان لا يكون بما فى يديك أوثق مما فى يد اللّه وان تكون فى ثواب المصيبة إذا أنت أصبت بها ارغب فيها لو انها أبقيت لك رواه الترمذي قال الشيخ الاجل امامنا وقبلتنا يعقوب الكرخي رض ان من أول السورة إلى هذه الآية اشارة إلى مقامات السلوك من الخلوة بالليل والاشتغال بالقران وذكر الرحمن ونفى ما سواه والتوكل به ثم أشار إلى أعلى مقامات السلوك وهو ابصر على جفاء الأعداء فقال.
وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ أى الكفار من الخرافات فانهم كانوا يقولون كاهن شاعر مجنون وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا بان تجانبهم ولا تكافئهم وتكل أمرهم إلى اللّه هذه الآية نسختها اية القتال.
وَذَرْنِي أى دعنى وَالْمُكَذِّبِينَ أى مع المكذبين فان الواو بمعنى مع ولا يجوز ان يكون للعطف والمعنى كل أمرهم إلى فان لى غنية عنك فى مجازاتهم ولا يحزنك أقوالهم أُولِي النَّعْمَةِ ارباب النعمة يريد صناديد قريش وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا زمانا قليلا أو امهالا قليلا إلى ان يموتوا أو يأتي امر اللّه بالقتال فيعذبهم اللّه بايديكم ويشف صدور قوم مومنين ويذهب غيظ قلوبهم قال مقاتل بن حسان نزلت فيمن هلكوا ببدر فلم يلبثوا الا يسيرا حتى قتلوا ببدر.(1/6811)
إِنَّ لَدَيْنا تعليل للامر أَنْكالًا النكل القيد الثقيل أخرج البيهقي عن الحسن قال الأنكال قيود من النار وَجَحِيماً وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ غير مبالغة تأخذ بالحلق لا تنزل ولا تخرج أخرج ابن جرير وابن أبى الدنيا فى صفة النار والحاكم والبيهقي عن ابن عباس فى قوله تعالى وطعاما ذا غصة قال شجرة الزقوم واخرج عبد اللّه بن احمد عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الضريع شىء يكون فى النار شبه الشوك امر من الصبر وأنتن من الجيفة وأشد حرا من النار إذا اطعم صاحبه لا يدخل البطن ولا يرفع إلى الفم فيبقى بين ذلك لا يسمن ولا يغنى من جوع وَعَذاباً أَلِيماً أخرج ابن أبى الدنيا عن حذيفة مرفوعا انها
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 113
لتسقط عليهم أى على أهل النار حيات من النار وعقارب من نار ولو ان حية منها نفخت بالمشرق احرق من فى المغرب ولو ان عقربا منها ضربت أهل الدنيا احرقوا من آخرهم وانها لتسقط عليهم فيكون بين لحومهم وجلودهم واخرج مسلم عن أبى سعيد الخدري ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال ان أهون أهل النار عذابا أبو طالب وهو منعل بنعلين يغلى منهما دماغه واخرج مسلم عن النعمان بن بشير ان أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراكان من نار يغلى منهما دماغه كغلى المرجل ما يرى ان أحدا أشد منه عذابا وانه لاهونهم عذابا واخرج الحاكم عن أبى هريرة نحوه.
يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ ظرف لما فى لدنيا أنكالا من معنى الفعل والظاهر ان رجفة الأرض والجبال يكون قبل النفخة الاولى وعذاب الكفار بالانكال والجحيم بعد البعث فوجه الظرفية ان يوم القيامة زمان ممتد مما قبل النفخة الاولى ان يدخل أهل الجنة الجنة واهل النار النار وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا عطف على ترجف أخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس رض أى رملا سائلا قال الكلبي هو الرمل الذي إذا أخذت منه شيئا تبعك ما بعده.(1/6812)
إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ يا أهل مكة رَسُولًا فى الكلام التفات فان فيما سبق من الكلام كان الخطاب مع النبي صلى اللّه عليه وسلم وذكر الكفار فى قوله واصبر على ما يقولون إلخ إلى الغيبة وهذا خطاب مع الكفار وذكر النبي صلى اللّه عليه وسلم على الغيبة وفى هذا الكلام تأكيد لما سبق قال اللّه تعالى انا سنلقى عليك قولا ثقيلا ومضمون هذه الآية انا أرسلناك فمضمون الآيتين واحد - شاهِداً عَلَيْكُمْ بالاجابة أو الامتناع كَما أَرْسَلْنا صفة لمصدر محذوف أى رسالا كارسالنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا يعنى موسى عليه السلام.
فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ موسى عليه السلام فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلًا شديدا ثقيلا بعد طعام وبيل أى ثقيل لا يستمرئ ومنه الوابل للمطر العظيم أغرقه اللّه تعالى فى البحر ثم ادخله فى النار فكذا يفعل بكم ان تعصوا رسولكم.
فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يا أهل مكة برسولكم يَوْماً أى عذاب يوم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وأعرب باعرابه وظرف متعلق بتتقون أى كيف تتقون العذاب فى يوم ويحتمل ان يكون مفعولا لكفرتم أى كيف تتقون العذاب ان كفرتم يوما أى بيوم يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً من شدة هوله وطول زمانه فانه هذا على الفرض أو التمثيل وأصله ان بالهموم يضعف القوى يسرع الشيب وشيبا جمع أشيب كما ان بيضا جمع ابيض عن أبى سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال يقول اللّه تعالى يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير فى يديك
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 114(1/6813)
قال أخرج بعث النار قال وما بعث النار قال من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعين فعنده يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكرى وما هم بسكارى ولكن عذاب اللّه شديد قالوا يا رسول اللّه وأينا ذلك الواحد قال ابشروا فان منكم رجلا ومن يأجوج وماجوج الف ثم قال والذي نفسى بيده أرجو ان تكونوا ربع أهل الجنة فكبرنا فقال أرجو ان تكونوا ثلث أهل الجنة فكبرنا فقال أرجو ان تكونوا نصف أهل الجنة فكبرنا فقال ما أنتم فى الناس الا كالشعرة السوداء فى جلد ثور ابيض أو كشعرة بيضاء فى جلد ثور اسود متفق عليه وهذه الجملة صفة ليوم والعائد ضمير الفاعل على المجاز كما فى قولهم صام نهاره والعائد محذوف لقديره يوما يجعل اللّه فيه الولدان شيبا.
السَّماءُ مع عظمتها وأحكامها مُنْفَطِرٌ منشق والتذكير على تاويل الشقف أو إضمار كلمة شىء أى شىء منفطر بِهِ أى بذلك اليوم أى بشدته فكيف غير السماء الجملة صفة ثانية ليوما كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا هذه الجملة صفة ثالثة ليوما والوعد مصدر مضاف إلى ضمير المفعول العائد إلى اليوم أو العائد محذوف والمصدر مضاف إلى الفاعل أى كان وعد اللّه بالعذاب فيه مفعولا أورد الجملتين معطوفتين بغير العطف على طريقة الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان.(1/6814)
إِنَّ هذِهِ الآيات نلقيه عليك تَذْكِرَةٌ تذكر العباد المبدأ والمعاد وتوضيح السبيل الموصل إلى اللّه تعالى ال ى جوده والى انعامه ورضوانه والرشاد فَمَنْ شاءَ التذكر وسلوك السبيل إلى ربه اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا الفاء للسببية أى ليس السبيل إلى اللّه تعالى الا التذكرة فانه سبحانه اقرب إلينا من أنفسنا وليس الحجاب بيننا إلا حجاب الغفلة وحجاب العظمة والكبرياء منه تعالى والى تلك الحجب أشار النبي صلى اللّه عليه وسلم ان للّه تعالى سبعون الف حجابا من نور وظلمة فحجب العظمة والكبرياء حجب نورانية قال اللّه تعالى الكبرياء ردائى والعظمة إزاري وحجب الغفلة العباد حجب ظلمانية لو كشف لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه وكشف تلك الحجب يتيسر بالتذكير فان التذكير يذيل الغفلة ويستوجب المحبة للمعية كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المرء مع من أحبه فالمحبة يفضى المحب إلى المحبوب بحيث لا تمنعه سرادقات العظمة والكبرياء وإحراق سبحات الوجه كناية عن الفناء والبقاء وان كان ذلك فى مرتبة العلم قيل الجملة مضمونها التحير وهو مجاز عن التهديد.
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى أى اقرب مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ قرأ هشام بسكون اللام والباقون بضمها وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ قرأ ابن كثير والكوفيون بنصبهما
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 115(1/6815)
عطفا على ادنى يعنى تقوم اقرب من الثلثين وتقوم النصف وتقوم الثلث والباقون بجرهما يعنى اقرب من النصف ومن الثلث وهذه القراءة يدل على القيام اقل من الثلث فوق الربع وانما قلنا فوق الربع لما ذكرنا فيما قبل ان قوله تعالى أو انقص منه قليلا يقتضى ان يكون القيام فوق الربع وَطائِفَةٌ عطف على فاعل تقوم مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ ط أى جماعة أصحابك يقومون على ذلك المقدار اقتداء لسنتك كذا قال البيضاوي وقال البغوي فى تفسيره يعنى المؤمنين كانوا يقومون معه وهذا التأويل بعيد جدا فان الذين معه هم المؤمنون دون الكفار كما فى قوله نظر محمد رسول اللّه والذين معه فكلمة من للتبعيض يدل على ان القائمين كانوا بعض الصحابة دون كلهم وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عطف على ان ربك وفيه وضع المظهر موضع المضمر تقديره وهو يقدر الليل والنهار أى يعلم مقاديرهما كما هى وأنتم لا تعلمون كما هى قال البيضاوي تقديم اسم اللّه مبتداء مبنيا عليه يقدر يشعر بالاختصاص وهى مذهب عبد القاهر والزمخشري دون السكاكي عَلِمَ أَنْ مخففة واسمها ضمير الشان محذوف لَنْ تُحْصُوهُ أى تقدير الأوقات ولن تستطيعوا ضبط الساعات ومن ثم ربط وجوب الصلاة الخمس بامور ظاهرة كطلوع الصبح والشمس وزوالها وغروبها وقدر الظل وغروب الشفق فَتابَ عَلَيْكُمْ أى رجع عليكم من التشديد إلى التخفيف فاسقط عنك ذلك القدر كيلا يشق على أمتك التأسي به فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ط الفاء للسببية ومعناه صلوا ما تيسر من الصلاة بالليل عبر عن الصلاة بالقراءة هاهنا كما عبر بالقيام فيما سبق تسمية الكل باسم الجزء فهذه الآية يقتضى كون القراءة ركنا للصلوة كما تقتضى تلك الآية بركنية القيام وعلى هذا العقد الإجماع أيضا فهذه الآية نسخ قيام الليل ذلك المقدار وبقي مطلق القيام بالليل واجبا ثم نسخ ذلك بالصلوات الخمس فصار تطوعا بعد فريضة يدل على(1/6816)
ذلك ما ذكر من قول عائشة رض وابن عباس رض ومقاتل وابن كيسان قلت على تقدير كون القيام بالليل واجبا فى الابتداء على النبي صلى اللّه عليه وسلم وعلى أمته فكون ذلك منسوخا فى حق أمته امر مجمع عليه واما كونه منسوخا فى حق النبي صلى اللّه عليه وسلم سواء كان فى الابتداء واجبا عليه خاصة أو عليه وعلى أمته عامة فقد اختلف فيه فقيل لم ينسخ فى حق النبي صلى اللّه عليه وسلم بل كان قيام الليل واجبا عليه صلى اللّه عليه وسلم خاصة إلى اخر عمره وقيل بل نسخ عنه صلى اللّه عليه وسلم أيضا وكان عليه الصلاة نافلة وهو الصحيح المختار عندى ويدل عليه قوله تعالى ومن الليل فتهجد به نافلة لك فانه صريح فى كونه نافلة فان قيل معنى النافلة الزائدة يعنى زائدة فى الوجوب عليك لا على أمتك قلت لو كان كذلك يقال عليك فان صلة الوجوب تكون على
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 116(1/6817)
دون اللامم فان قيل فى وجه تخصيصه به عليه الصلاة والسلام فانها نافلة لجميع الناس غير ممنوعة عن أحد قلنا وجه التخصيص على ما روى عن مجاهد والحسن وابى امامة ان تسميتها نافلة فى حقه صلى اللّه عليه وسلم خاصة باعتبار كونها عامة فى رفع الدرجات بخلاف غيره فانها فى حق غيره نافلة فى تكفير السيئات غالبا ويدل أيضا على كون قيام الليل تطوعا فى حق النبي صلى اللّه عليه وسلم حديث المغيرة قال قام النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى تورمت قدماه فقيل له لم تصنع هذا وقد غفر اللّه ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال أ فلا أكون عبدا شكورا ولم يقل انها فريضة على خاصة وحديث ابن عمر رض قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلى فى السفر على راحلته حيث توجهت به يومى ايماء صلوة الليل الا الفرائض ويوتر على راحلته متفق عليه (مسئلة : ) اختلفوا فى ان صلوة الليل فى حق الامة من سنن الهدى المؤكدات أو من المستحبات فقيل هى مندوب فى حقنا وهذا قول من قال هى كانت فريضة على النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى مات قالوا الادلة القولية يفيد الندب والمواظبة الفعلية لم يكن على(1/6818)
سبيل التطوع والسنة ما واظب عليه النبي صلى اللّه عليه وسلم من التطوع والمختار عندى انها من سنن الهدى كما ذكرنا ان مواظبته صلى اللّه عليه وسلم كان على وجه التطوع وعلى تقدير تسليم كون المواظبة على سبيل الوجوب فمواظبته صلى اللّه عليه وسلم أى وجه كان يقتضى كون الفعل مسنونا ما لم يكن ممنوعا فى حق غيره كصوم الوصال مثلا وممّا يدل على كونه سنة مؤكدة حديث ابن مسعود قال ذكر عند النبي صلى اللّه عليه وسلم رجل فقيل له ما زال نائما حتى أصبح ما قام إلى الصلاة قال ذلك رجل بال الشيطان فى اذنه أو قال فى اذنيه متفق عليه فان ترك المندوب لا يستحق عليه اللوم والعتاب واللّه تعالى أعلم - وقيل المراد بقوله تعالى فاقرؤا ما تيسر من القرآن القرآن فى الصلاة الخمس وقال الحسن يعنى فى صلوة المغرب والعشاء قال البغوي قال قيس بن حازم صليت خلف ابن عباس رض بالبصرة فقرأ فى أول ركعته بالحمد وأول اية من البقرة ثم قام فى الثانية فقرأ بالحمد والآية الثانية من البقرة ثم ركع فلما انصرف اقبل علينا بوجهه فقال ان اللّه عز وجل يقول فاقرؤا ما تيسر منه ويحتمل ان يكون المراد منه فاقرؤا القرآن بعينه كيف ما تيسر لكم (مسئلة : ) اختلفوا فى مقدار القراءة التي لا يجوز الصلاة الا بها ومقدار الواجب منها فى الصلاة فقال أبو حنيفة رض فى احدى الروايات عنه ان ما هو ركن للصلوة ولا يصح الصلاة الا به هو ادنى ما يطلق عليه اسم القرآن ولم يشبه قصد الخطاب واحد أو نحوه ويقتضى هذه الروايات الجواز بدون الآية وبه جزم القدورى وفى رواية عنه وعن احمد هو اية تامة لا يجوز الصلاة بما دون ذلك واختاره صاحب الهداية وفى رواية عنه وبه قال أبو يوسف رض ومحمد رض انه ثلث آيات قصار مثل
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 117(1/6819)
سورة الكوثر أو اية طويلة تساوى الثلث لكن يجب عند أبى حنيفة رض وصاحبيه قراءة الفاتحة وقدر سورة معه فان ترك شيئا منها يجب سجدة السهو ان كان ترك سهوا فان لم يسجد وترك عمدا يأثم ويجب عليه الاعادة من غير افتراض وقال مالك رض والشافعي رض واحمد رض لا يصح الصلاة الا بفاتحة الكتاب وسن عندهم ضم السورة ولا يجب احتجوا بقوله صلى اللّه عليه وسلم لا صلوة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب متفق عليه من حديث عبادة بن الصامت ورواه الدار قطنى بلفظ لا يجوز صلوة من لم يقرأ بفاتحة الكتاب وقال اسناده صحيح رواه ابن خزيمة وابن حبان بهذه اللفظ من حديث أبى هريرة رض وفيه قال الراوي قلت ان كنت خلف الامام قال فاخذ بيدي وقال اقرأ بها فى نفسك وروى مسلم واحمد عن أبى هريرة رض بلفظ من صلى صلوة لم يقرأ فيها بام القرآن فهى خداج هى خداج غير تمام فقلت يا أبا هريرة أحيانا أكون وراء الامام فقال اقرأ بها فى نفسك يا فارسى وروى الحاكم من طريق اشهب عن أبى عتبة عن أبى هريرة عن محمد بن الربيع عن عبادة مرفوعا أم القرآن عوض عن غيرها وليس غيرها عوضا عنها وبما ذكرنا من اختلاف ألفاظ الحديث ظهر لك اندفاع ما قيل ان معنى قوله لا صلوة الا بفاتحة الكتاب صلوة كاملة كما فى قوله عليه الصلاة والسلام لا صلوة لجار المسجد الا فى المسجد لان هذا التأويل لا يجرى فى اكثر ما ذكرنا من الألفاظ على ان متعلق الجار والمجرور الواقع خبر الا يقدر الا عاما أى لا صلوة كائنة وعدم الوجود شرعا هو عدم الصحة غير ان فى حديث لا صلوة الا فى المسجد لما قام الدليل عليه وهو الإجماع قلنا المراد هناك كون خاص أى كاملة فهو من باب حذف الخبر لا من باب وقوع الجار والمجرور خبرا وما مر فى تفسير سورة الفاتحة حديث قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين الحديث يدل على ان الصلاة لا يكون الا بفاتحة الكتاب وأبو حنيفة رض أخذ بهذا الحديث قال بوجوب الفاتحة فى الصلاة(1/6820)
و وجوب ضم السورة أيضا لما روى فى بعض الروايات لا صلوة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدا رواه مسلم وأبو داود وابن حبان وروى ابن ماجة عن أبى سعيد بلفظ لا صلوة لمن لم يقرأ
فى كل ركعة بالحمد وسورة فى فريضة أو غيرها واسناده ضعيف ولابى داود من طريق همام عن قتادة عن أبى بصر عن أبى سعيد قال أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم ان نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر واسناده صحيح ولم يقل أبو حنيفة رض بكون الفاتحة ركنا للصلوة بحيث لا يجوز الصلاة الا بها عملا بهذه الآية فاقرؤا ما تيسر من القرآن قال صاحب الهداية الزيادة على الكتاب القطعي غير الواحد لا يجوز لكنه يوجب العمل
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 118(1/6821)
فقلنا بوجوبهما والصحيح عندى ان الفاتحة وكذا ضم السورة ركن للصلوة لا يجوز الصلاة الا بهما والاستدلال بهذه الآية على نفى الركنية لا يصح لان الظاهر فى تاويل الآية كما ذكرنا ان المراد بالقراءة نفس الصلاة بالليل ومعنى قوله تعالى فتاب عليكم فاقرؤا ما تيسر انه خفف عنكم فى قيام الليل فصلوا ما تيسر لكم الصلاة فلا دلالة بهذه الآية على قدر القراءة وما لا بد منه وما قيل فى تأويله انه ما تيسر من القرآن فى الصلاة الخمس فتاويل بعيد واحتمال ضعيف والاحتمال لا يتصور كونه حجة للوجوب فكيف يحكم عليه بكونه قطعيا لا يجوز الزيادة عليه بخبر الواحد كيف والحديث تلقته الامة بالقبول وانعقد الإجماع على العمل به وتوارث النقل وتواتر المعنى ان النبي صلى اللّه عليه وسلم واحد من السلف والخلف لم يصل بغير الفاتحة وبمثل هذا الخبر والنقل التوارث يزاد على الكتاب اجماعا على ان الصلاة مجمل وأحاديث الآحاد يحتمل ان يكون بيانا للجمل ويبين أركانا لها ولقد قالت الحنفية القعدة الاخرة واستدلوا عليه بحديث ابن مسعود رض فى التشهد إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد نمت صلوتك ان شئت ان تقوم فقم وان شئت ان تقعد فاقعد قالوا علق التمام بأحد الامرين فهو فرض مع ان الحديث من الآحاد أيضا واللّه تعالى أعلم وقد يستدل الحنفية على عدم ركنية الفاتحة بحديث أبى هريرة فى قصة المسيئ صلوته انه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسرك من القرآن الحديث متفق عليه والجواب ان هذا الحديث وجوب القراءة مطلقا وما مر من قوله صلى اللّه عليه وسلم الا بفاتحة الكتاب يدل التعيين فالعمل بالحديثين بحمل المطلق على المقيد قلنا بركنية الفاتحة وقد ورد فى بعض طرق حديث المسيئ صلوته بلفظ فكبر ثم اقرأ بام القرآن ثم اقرأ بما شئت به الحديث رواه احمد من حديث رفاعة بن رافع ورواه الدار قطنى من حديثه بلفظ ثم يكبر(1/6822)
اللّه ويثنى عليه ثم يقرأ بام القرآن وما اذن له فيه وما تيسر الحديث (مسئلة : ) هل يجب القراءة على المقتدى أم لا فقال الشافعي رض يجب عليه قرأة الفاتحة كالامام والمنفرد قال البغوي كذا روى عن عمر رض وعثمان رض وعلى رض وابن عباس رض ومعاذ رض وقال أبو حنيفة رض ومالك رض واحمد رض لا يجب ثم اختلفوا فقال أبو حنيفة رض يكره مطلقا وقال مالك رض واحمد رض يكره فى الجهرية فقط وقال احمد رض يستحب فى السرية وكذا فى الجهرية عند سكتات الامام ان سكت لا مع قرأته وبه قال الزهري رض ومالك رض وابن المبارك رض ويروى ذلك عن ابن عمرو عروة بن الزبير وأبو القاسم بن محمد وجه القول بسقوط القراءة عن المقتدى حديث جابر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال من كان له امام فقرأة الامام قرأة له رواه احمد والدار قطنى من طريق جابر الجعفي وضعفه الدار قطنى وقال ابن الجوزي وثقه الثوري
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 119
و شعبة ورواه الدار قطنى من طريق اخر وفيه لبث وقال ضعفه ابن علية وقال احمد حدث عن الناس ومن طريق اخر فيه يحى بن سلام بلفظة كل صلوة لا يقرأ فيها بام الكتاب فهى خداج الا ان يكون وراء الامام قال الدار قطنى يحى بن سلام ضعيف وقال ابن الجوزي لم نر أحدا ضعفه قال الدار قطنى والبيهقي وابن عدى الصحيح انه مرسل فان الحفاظ كسفيانين وابى الأحوص وشعبة وإسرائيل وشريك وابن خلد الدالاني وجرير وعبد الحميد وزائدة وزهير رووه عن موسى بن عائشة عن عبد اللّه بن شداد عن النبي صلى(1/6823)
اللّه عليه وسلم مرسلا قلنا المرسل عندنا حجة وما ذكر فى الطرف المتصلة قد سمعت ان ابن الجوزي أنكر تضعيفه على انه قد رواه أبو حنيفة بسند صحيح على شرط الشيخين روى محمد فى مؤطاه انا أبو حنيفة ثنا أبو الحسن موسى بن أبى عائشة عن عبد اللّه بن شداد عن جابر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ورواه احمد ابن منيع فى مسنده بسند صحيح على شرط مسلم قال انا اسحق الأرزق ثنا سقيان وشريك عن موسى ابن أبى عائشة عن عبد اللّه بن شداد عن جابر وفى الباب أحاديث اخر ضعيفة لم نذكرها كراهة الاطناب فان قيل قوله تعالى فاقرؤا ما تيسر من القرآن عام فى المصلين فلا يجوز تخصيصه بخبر الآحاد وعلى اصل أبى حنيفة قلنا هى عام خص منه البعض وهو المدرك فى الركوع اجماعا فجاز تخصيصها بعده فى المقتدى ووجه القول بالاستحباب فى السرية حديث عبادة بن الصامت قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يقرأن أحد منكم شيئا من القرآن إذا جهرت بالقراءة إلا بأم القرآن رواه الدارقطني وقال رجاله كلهم ثقات فتخصيص المنع بالجهرية يقتضى الاستحباب فى السرية واستثناء أم القرآن يقتضى قرأتها عند السكتات جمعا بين الأحاديث وعملا بقوله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا واللّه تعالى أعلم وروى عن جماعة من الصحابة ترك القراءة خلف الامام رواه مالك فى المؤطا عن نافع عن ابن عمر انه كان لا يقرأ خلف الامام وروى الطحاوي عن زيد بن ثابت وجابر قالوا لا تقرأ خلف الامام فى شىء من الصلاة وروى محمد فى المؤطا انه سئل ابن مسعود رض عن القراءة خلف الامام قال انصت فان فى الصلاة شغلا ويكفيك الامام وروى محمد بن سعد قال وددت الذي يقرأ خلف الامام فى فيه جمرة وروى نحوه عبد الرزاق الا انه قال فى فيه حجر وروى محمد عن داود بن قيس عن عجلان ان عمر بن الخطاب قال ليت فى فم الذي يقرأ خلف الامام حجرا وروى ابن أبى شيبة فى مصنفه عن جابر قال لا يقرأ خلف(1/6824)
الامام ان جهر ولا ان خافت وهذه الأقوال وجه الكراهة فى الجهرية بل فى السرية أيضا بإطلاقها وأيضا ترك القراءة فى الجهرية مقتضى فى قوله تعالى
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 120
و إذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا وقوله صلى اللّه عليه وسلم إذا قرئ فانصتوا رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة من حديث أبى هريرة وسنذكر تفسير تلك الآية ان شاء اللّه تعالى (مسئلة : ) هل يجب القراءة فى كل ركعة من فرض ونفل فقال الشافعي رض واحمد رض ومالك رض يجب فى كل ركعة مطلقا لان الأمر بالقراءة كالامر بالركوع والسجود وغير انه فى رواية عن مالك ان ترك القراءة فى ركعة واحدة من الفرض الثلاثي والرباعي ينجر بسجود السهو وقال أبو حنيفة فى الوتر والنفل يجب فى كل ركعة ولا ينجر بالسجود فان كل شفعة منه صلوة واما فى الفرض فلا يجب الا فى الركعتين وكان القياس وجوبها فى ركعة واحدة لان الأمر لا يقتضى التكرار ولكن قلنا القراءة وقدرها فلا يلتحقان بهما وهذا الكلام يتوقف على كون المراد بقوله تعالى فاقرؤا ما تيسر من القرآن فى القراءة فى الصلاة وذلك ممنوع وللجمهور حديث أبى هريرة قال دخل رجل المسجد فصلى والنبي صلى اللّه عليه وسلم فى المسجد ثم جاء إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فسلم عليه فرد عليه السلام وقال ارجع فصل فانك لم تصل ففعل ذلك ثلث مرات فقال والذي بعثك بالحق نبيا ما احسن غير هذا فعلمنى فقال إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا وفى رواية ثم ارفع حتى تستوى قائما ثم افعل ذلك فى صلوتك كلها متفق عليه وحديث رفاعة الرزقي نحوه رواه احمد وأبو داود والترمذي والنسائي وحديث أبى قتادة ان النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يصلى فيقرأ فى الظهر والعصر فى الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين وفى(1/6825)
الركعتين الأخريين بام القرآن وكان يطيل أول ركعة من صلوة الفجر وأول ركعة من صلوة الظهر متفق عليه و
هذا الحديث مع قوله صلى اللّه عليه وسلم صلوا كما رأيتمونى أصلي التحق بيانا بجمل الكتاب وحديث أبى الدرداء ان رجلا قال يا رسول اللّه أ في كل صلوة قران قال نعم فقال رجل من الأنصار وجبت هذه فان قيل هذه الأحاديث من الآحاد ولا يجوز به الزيادة على الكتاب أجيب بانه على تقدير تسليم هذه المسألة الاصولية نقول بان هذا الحكم انما هو إذا كان الكتاب قطعى الدلالة وقوله تعالى فاقرؤا ليس بل يحتمل وجوه التأويل وان القراءة المأمور بها فى الصلاة مجمل يجوز ان يلتحق أحاديث الآحاد بها بيانا واللّه تعالى أعلم عَلِمَ اللّه إِنَّ مخففة من المثقلة وضمير الشان محذوف سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى بدل اشتمال من قوله تعالى علم ان لن تحصوه وتكرار فاقرؤا للتاكيد وقيل استيناف لبيان حكمة اخرى مقتضية للتخفيف
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 121(1/6826)
و لذلك كرر الحكم مرتبا عليه وَآخَرُونَ عطف على اسم يكون يَضْرِبُونَ أى يسافرون فِي الْأَرْضِ للتجارة أو لتحصيل العلم وللحج يَبْتَغُونَ حال من ضمير يضربون مِنْ فَضْلِ اللَّهِ الربح فى التجارة أو العلم والثواب وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فلا يطيقون هؤلاء الأصناف سنة قيام الليل ذكر البغوي عن ابراهيم عن ابن مسعود رض قال أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا فباعه بسعر يومه كان عند اللّه بمنزلة الشهداء ثم قرأ عبد اللّه وآخرون يضربون فى الأرض يبتغون من فضل اللّه وآخرون يقاتلون فى سبيل اللّه فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ أى من القرآن فان قيل كلمة ما عام شامل يشتمل جميع ما تيسر فيلزم ان يكون المأمور به ذلك قلنا سوق الكلام يقتضى تخير المكلفين فى جميع افراد ما تيسر فاى فرد منها اتى به فقد اتى بالمأمور به (مسئلة) ويستحب القصد فى العمل والتوسط دون الافراط والتفريط ويستحب المواظبة على المتوسط دون الافراط تارة وترك اخرى واد فى المتوسط يقرأ خمسين اية ومائة وأكثره الف اية حتى يكون الختم فى الأسبوع أخرج الطبراني عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم فاقرءوا ما تيسر منه قال مائة اية قال ابن كثير غريب جدا وروى البغوي بسنده عن انس انه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول من قرأ خمسين اية فى يوم وليلة لم يكتب من الغافلين ومن قرأ مائة اية كتب من القانتين ومن قرأ مائتى اية لم تحاجه القرآن يوم القيامة ومن قرأ خمسمائة اية كتب له قنطار من الاجر وروى الدارمي عن الحسن مرسلا ان النبي صلى اللّه عليه وسلم قال من قرأ فى ليلة مائة اية لم يحاجه القرآن تلك الليلة ومن قرأ فى ليلة مائتى اية كتب له قنوت ليلة ومن قرأ خمسمائة اية إلى الف له صحيح فله قنطار من الاجر قالوا وما القنطار قال اثنى عشر الف درجة وروى مسلم عن عبد اللّه بن عمرو قال قال(1/6827)
رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اقرء القرآن فى كل شهر قال قلت انّى أجد قوة قال فاقرءه فى عشرين ليلة قال قلت انى أجد قوة قال فاقرأ فى سبع ولا تزد على ذلك وفى الصحيحين عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أحب الأعمال إلى اللّه أدومها وان قل وفيهما عنها قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خذوا من الأعمال ما يطيقون فان اللّه لا يمل حتى تملوا وفيهما عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليصل أحدكم نشاطه وإذ فتر فليقعد وفيهما عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا نعس أحدكم وهو يصلى فليرقد حتى يذهب عنه النوم فان أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدرى لعله يستغفر فيسب نفسه وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ المكتوبة الجملة مع
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 122
ما عطف عليه معطوفة على فاقرؤا وكلمة الواو للجمعية فهذا العطف يقتضى ان قيام الليل بما تيسر من القرآن لم ينسخ بالصلوات الخمس كما قيل فثبت ان الأمر كان للندب دون الوجوب واللّه تعالى أعلم وَآتُوا الزَّكاةَ المفروضة وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قال ابن عباس المراد به الانفاق سوى الزكوة من صلة الرحم وقرى الضيف قلت ويحتمل ان يكون المراد به مطلق الطاعات للّه تعالى وان يكون المراد به الزكوة على احسن الوجه يدل عليه قوله تعالى قَرْضاً مفعول مطلق من قبيل أنبته اللّه نباتا حَسَناً صفة للمصدر(1/6828)
و فيه ترغيب لوعد العوض وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ عبادة بدنية أو ما فيه شرط جزاءه تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً ط من الذي توخرونه إلى الوصية عند الموت ومن متاع الدنيا وخيرا ثانى مفعولى تجدوه وهو الضمير الفصل لا محل له من الاعراب لان افعل من حكمه حكم المعرفة فلذلك يمتنع من حرف التعريف عن عبد اللّه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أيكم ماله أحب إليه من مال وارثه قالوا ما منا أحد الا ماله أحب إليه من مال وارثه قال اعلموا ما تقولون قالوا ما نعلم الا ذلك يا رسول اللّه قال ما منكم رجل الا مال وارثه أحب إليه من ماله قالوا كيف يا رسول اللّه قال انما مال أحدكم ما قدم ومال وارثه ما اخر رواه البغوي وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ط لذنوبكم الجملة معطوفة على اقيموا الصلاة إلخ وفيه اشارة إلى ان الإنسان لا يعتبر باعمال البر ولا يتكل عليه بل لا بد مع ذلك من الاستغفار فان ما صدر منه من الطاعات قلما يخلو من التقصيرات ثم كلما صدر من العبد وان جل فهو بالنسبة إلى جناب قدسه وجلالته وعظمته لا يليق به تعالى ما لم ينضم معه الاعتراف بالعجز والقصور والذل إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ عن تقصيراتكم رَحِيمٌ بكم يعطى الثواب الجزيل على العمل القليل.(1/6829)
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 123
سورة المدّثر صلى الله عليه وسلم
مكيّة وهى ست وخمسون اية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
روى الشيخان فى الصحيحين عن يحى بن كثير قال سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن قال يايها المدثر قلت يقولون اقرء باسم ربك قال أبو سلمة سالت جابرا عن ذلك وقلت له مثل الذي قلت لى فقال لى لا أحدثك الا ما حدثنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال جاورت بحراء شهرا فلما قضيت هبطت فنوديت فنظرت عن يمينى فلم ار شيئا ونظرت عن شمالى فلم ار شيئا ونظرت عن خلف فلم ار شيئا فرفعت راسى فرايت شيئا فاتيت خديجة فقلت دثرونى دثرونى وصبوا على ماء باردا فنزلت يايها المدثر قم فانذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر وذلك قبل ان يفرض الصلاة قلت والمرفوع من الحديث لا يدل على نزول هذه السورة قبل اقرأ والصحيح ان نزول اقرء قبل ذلك كما سنذكر فى شان نزوله فى تلك السورة ان شاء اللّه تعالى ويدل على هذا ما رواه الشيخان عن جابر أيضا انه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحدث عن فترة الوحى فبينا انا امشى سمعت صوتا من السماء فرفعت بصرى فإذا الملك الذي جاء فى بحراء قاعد على كرسى بين السماء والأرض فجئت فيه رعبا حتى هويت الأرض فجئت أهلي فقلت زملونى زملونى فانزل اللّه تعالى يايها المدثر قم فانذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ثم حمى الوحى وتتابع فان هذه الرواية صريحة فى ان نزول سورة المدثر بعد فترة الوحى وكان روية الملك بحراء قبل ذلك واخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس ان وليد بن مغيرة صنع لقريش طعاما فلما أكلوا قالوا ما تقولون فى هذا الرجل فقال بعضهم ساحر وقال بعضهم ليس بساحر وقال بعضهم كاهن وقال بعضهم ليس بكاهن وقال بعضهم شاعر وقال بعضهم ليس بشاعر وقال بعضهم سحر يوثر فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم فحزن ورفع راسه وتدثر فانزل اللّه تعالى يايها المدثر إلى قوله وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ...(1/6830)
يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ من مضجعك أو قم قيام عزم وجد فَأَنْذِرْ حذف المفعول ليدل على التعميم يعنى انذر الناس أجمعين بعذاب العالمين لمن أشرك به.
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ الفاء فيه وفيما بعده لافادة معنى الشرط تقديره اما ربك
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 124
فكبر يعنى مهما يمكن من شىء وكنت على أى حال فكبر ربك قلت ويحتمل ان يكون تقديره وكبر ربك فكبره والغرض بالتكرار استمرار نفسه عليه ومعنى كبر عظمه عن الحدوث وعن سمات النقص والزوال وعن التشريك فى وجوب الوجود والالوهية والتشريك فى العبادة والتشبيه بشىء من الممكنات فى شىء من الذات والصفات والافعال وصفه باوصاف الكمال ما لا يتصف به غيره وهذا أول ما يجب على الإنسان وأهم من جميع الواجبات ولا يحتمل العفو والسقوط ويحكم به العقل قبل النقل لكن العقل غير كاف فى دركه كما ينبغى (مسئلة : ) احتج الفقهاء لهذه الآية على فرضية التكبير لتحريمة الصلاة لكن قال أبو حنيفة رض ومحمد رض انها تنعقد لكل لفظ يوجب التعظيم نحو اللّه أجل واللّه أعظم ولا اله الا اللّه والرحمن اكبر وغير ذلك لا بلفظة اللّه اكبر وحده لان المأمور به التكبير وهو التعظيم وقال أبو يوسف رض ان كان يحسن ان يقول اللّه اكبر فلا يجزيه الا ذاك أو اللّه الأكبر أو اللّه الكبير لان الالف واللام ابلغ فى الثناء وافعل وفعيل فى أوصافه سواء وقال الشافعي رض لا يجوز الا اللّه اكبر واللّه الأكبر وقال مالك رض واحمد لا يجوز الا اللّه اكبر فقط والصحيح ان هذه الآية ليست فى تكبير التحريمة كما فى الصحيحين انه أول القرآن نزولا وذلك قبل ان يفرض الصلاة والقول بان التكبير لم يجب خارج الصلاة واصل الأمر للوجوب فالثابت بهذه الآية وجوبها فى الصلاة ممنوع بل التحقيق ان التكبير هو التوحيد أول ما يجب على الإنسان ولا يحتمل السقوط والتحقيق فى باب التحريمة ان الصلاة مجمل الحق بها فعل(1/6831)
النبي صلى اللّه عليه وسلم بيانا وقد تواتر صيغة اللّه اكبر للتحريمة ولم ينقل عنه صلى اللّه عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة شروع الصلاة بغير ذلك ولو كان الشروع بغير ذلك جائز الفعل ذلك للجواز فظهر انه بعينه هو الفريضة لا غير وقد ورد فى بعض طرق حديث رفاعة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لا يقبل اللّه صلوة امرأ حتى يسبغ الوضوء ثم يستقبل ويقول اللّه اكبر.
وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ قال قتادة ومجاهد نفسك فطهرها من الذنب كنى عن النفس بالثوب وهو قول ابراهيم والضحاك والشعبي والزهري وقال عكرمة سئل عن ابن عباس عن قوله وثيابك فطهر قال لا تلبسها على معصية وعلى عذرة ثم قال سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفي وانى بحمد اللّه لا ثوب فاجر لبست ولا من عذرة أتقنع - وكذا قال أبى بن كعب وروى عن الضحاك معناه عملك فاصلح وقال السدى يقال للرجل إذا كان صالحا انه طاهر الثياب وإذا كان فاجرا انه لخبيث الثياب وقال سعيد بن جبير وقلبك وبيتك فطهر وقال الحسن وخلقك فحسن وقال ابن سيرين وابن زيد امر بتطهير الثياب
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 125(1/6832)
من النجاسات التي لا يجوز الصلاة معها وذلك ان المشركين لا يتطهرون ثيابهم وقال طاؤس وثيابك فقصر لان تقصير الثوب طهارة لها قلت والظاهر عندى انه امر بتطهير الثياب فالواجب بالمنطوق وعبارة النص انما هو تطهير الثوب وبدلالة النص يجب تطهير البدن بالطريق الاولى فان اللّه سبحانه القدوس المطهر الطاهر لما لم يرض بنجاسة الثوب فكيف يرضى بنجاسة البدن وهو فوق ذلك واقرب منه وبنجاسة النفس أو القلب فانه اقرب من البدن ان اللّه يحب التوابين ويحب المتطهرين (مسئلة : ) احتج الفقهاء بهذه الآية لاشتراط طهارة الثوب والمكان والبدن عن النجاسة الحقيقية للصلوة والصحيح عندى انه لا دلالة على اشتراطها للصلوة بل على وجوب الطهارة الثلث فى جميع الأحوال لكن انعقد الإجماع على اشتراطها للصلوة والسند للاجماع انه ثبت بمحكم التنزيل الطهارة من الأحداث فيجب لطهارة عن الاخباث بالطريق الاولى قال اللّه تعالى فى اية الوضوء ما يريد اللّه ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وقال اللّه تعالى طهّرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود واللّه تعالى أعلم - عن ابن عباس قال مر النبي صلى اللّه عليه وسلم بقبرين فقال انهما يعذبان وما يعذبان فى كبيرة اما أحدهما فكان لا يستتر من البول وفى رواية لمسلم لا يستنزه من البول واما الاخر فكان يمشى بالنميمة الحديث متفق عليه.
وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ قرأ أبو جعفر وحفص عن عاصم ويعقوب الرجز بضم الراء والباقون بكسرها وهما لغتان ومعناهما واحد قال مجاهد وعكرمة وقتادة والزهري وابن زيد وأبو سلمة المراد بالرجز الأوثان قال فاهجرها ولا تقربها وروى عن ابن عباس ان معناه اترك الإثم وقال أبو العالية والربيع الرجز بضم الراء الصنم وبالكسر النجاسة والمعصية وقال الضحاك يعنى الشرك وقال الكلبي يعنى العذاب يعنى اهجر ما يوجب العذاب من العقائد والأعمال.(1/6833)
وَ لا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ أى لا تعط مالك لتعطى اكثر منه هذا قول اكثر المفسرين قال قتادة لا تعط شيئا طمعا لمجازاة الدنيا بل لوجه اللّه خالصا وجملة تستكثر حال من فاعل لا تمنن قيل هذا نهى تنزيهى وقال الضحاك ومجاهد كان هذا الحكم فى حق النبي صلى اللّه عليه وسلم خاصة قال الضحاك بهما ربوان حلال وحرام اما الحلال فالهدايا اما الحرام فالربوا وقال الحسن معناه لا تمنن على اللّه بعملك فتستكثر يعنى مستكثرا عملك وقال لا تستكثرون عملك فى عينك فانه فيما أنعم اللّه عليك قليل وروى خصيف عن مجاهد ولا تضعف ان تستكثر من الخير عن قولهم جهل منين أى ضعيف وقال ابن زيد معناه لا تمنن بالنبوة على الناس فتاخذ عليها عوضا واجرا من الدنيا وقيل معناه لا تمنن على الفقير
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 126
إذا أعطيته مستكثرا اعطائك.
وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ط تقديره واما لربك فاصبر على طاعاته وأوامره ونواهيه والمصائب لاجل ثواب اللّه تعالى وابتغاء مرضاته والتقدير واصبر لربك فاصبر كرر للتاكيد أو لتنوع انواع الصبر وقال مجاهد فاصبر إليه على ما أوذيت وقال ابن زيد معناه حملت امرا عظيما محاربة العرب والعجم فاصبر عليه للّه عز وجل وقيل فاصبر تحت موارد القضاء لاجل اللّه.(1/6834)
فَإِذا نُقِرَ أى نفخ فِي النَّاقُورِ فى الصور فاعول من النقر بمعنى التصويت وأصله قرع الشيء المفضى إلى النقب ومنه المنقار للطائر كذا فى الصحاح قال أبو الشيخ بن حيان فى كتاب العظيمة عن وهب بن منبة قال خلق اللّه الصور من اللؤلؤ البيضاء فى صفاء الزجاجة ثم قال للعرش خذ الصور فتعلق به ثم قال كن فكان اسرافيل فامره ان يأخذ الصور فاخذه وبه نقب بعد وكل روح مخلوقة ونفس منفوسة لا يخرج روحان من نقب واحد وفى وسط الصور كوة كاستدارة السماء والأرض واسرافيل واضع فيه على تلك الكرة ثم قال له الرب تبارك وتعالى قد وكلتك فانت بالنفخة والصيحة فدخل فى مقدم العرش ادخل رجله اليمنى تحت العرش وقدم اليسرى ولم يطرف قد خلقه اللّه ينتظر متى يوم مروا أخرج احمد والترمذي والطبراني بسند جيد عن زيد بن أرقم قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحتى جبهته وأصغى بالسمع متى يومر فشق ذلك على الصحابة فقال قولوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل واخرج احمد والحاكم عن ابن عباس نحوه بزيادة على اللّه توكلنا والفاء فى فإذا نقر لسببية كأنَّه قال اصبر على اذاهم فبين أيديهم زمان صعب تلقى فيه عاقبة صبرك وإذا ظرف لما دل عليه قوله.(1/6835)
فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ معناه يعسر الأمر على الكافرين يومئذ لتضمن إذا معنى الشرط دخل الفاء فى قوله فذلك وذلك اشارة إلى وقت النقر مبتداء خبره يوم عسير ويومئذ بدله فه وفى محل الرفع مبنى الاضافة إلى غير متمكن غَيْرُ يَسِيرٍ تأكيد بمنع ان يكون عسيرا من وجه ويسيرا من وجه وفيه اشارة إلى كونه يسيرا على المؤمنين ذكر البغوي ان اللّه تعالى لما انزل على النبي صلى اللّه عليه وسلم حم تنزيل الكتاب من اللّه العزيز الحكيم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذى الطول لا اله الا اللّه هو إليه المصير قام النبي صلى اللّه عليه واله وسلم بالمسجد والوليد بن مغيرة قريب منه يسمع قرأته فلما فطن النبي صلى اللّه عليه وسلم لاستماعه قرأته أعاد قراءة الآية فانطلق الوليد حتى اتى مجلس قومه بنى مخذوم فقال واللّه لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الانس ولا هو من كلام الجن ان له لحلاوة وان عليه لعلاوة وان أعلاه لمثمر
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 127(1/6836)
و ان أسفله لمعذق وان يعلو ولا يعلى ثم انصرف إلى منزله فقالت قريش صبا واللّه الوليد واللّه ليصبان قريش كلهم وكان يقال للوليد ريحانة قريش فقال أبو جهل انا أكفيكموه فانطلق فقعد إلى جنبه حزينا فقال مالى أراك حزينا يا ابن أخي فقال ما يمنعنى ان لا احزن وهذه قريش يجمعون لك بقية يعنونك على كبر سنك ويزعمون انك زينت كلام محمد وتدخل على ابن كثير وابن أبى قحافة ليتنال من فضل طعامهم فغضب الوليد فقال الم يعلم قريش ان من أكثرهم مالا وولدا وهل شبع محمد وأصحابه من الطعام فيكون لهم فضل ثم قام مع أبى جهل حتى اتى مجلس قومه فقال لهم تزعمون ان محمدا مجنون فهل رايتموه ينطق قط قالوا اللّهم لا قال تزعمون انه كاهن فهل رأيتموه قط يكهن قالوا اللّهم لا قال تزعمون انه شاعر فهل رأيتموه ينطق يشعر قالوا اللّهم لا قال تزعمون انه كذاب فهل جربتم عليه شيئا من الكذب قالوا اللّهم لا وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يسمى الامين قبل النبوة من صدقه وقالت قريش للوليد فما هو فتفكر فى نفسه ثم نظر وعبس فقال ما هو الا ساحر من رايتموه تفرق بين الرجل واهله وولده ومواليه فهو ساحر بقوله سحر يوثر واخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس نحوه وقال فحينئذ نزلت.
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ واخرج ابن جرير وابن أبى حاتم من طرق اخر نحوه والواو بمعنى مع كما مر فى قوله ذرنى والمكذبين أى ذرنى معه وَحِيداً حال من مفعول ذرنى يعنى لاتهتم به وذرنى وحدي معه فانى أكفيكه أو من فاعل خلقت أى خلقته وحيدا لم يشاركنى فى خلقه غيره رد من ضمير مفعول العائد المحذوف أى من خلقته وحيدا فريدا لا مال له ولا ولدا والمعنى خلقته وحيدا فى الشرارة ووحيدا غير منسوب إلى اب لأنه كان زنيما قال البغوي انه كان يسمى فى قومه وحيدا فسماه اللّه به تهكما واستهزاء وما على تسمية نفسه وحيدا.(1/6837)
وَ جَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً مبسوطا كثيرا أى ممدودا بالنماء كالزرع والضرع والتجارة قال مجاهد وسعيد بن جبير الف دينار وقال قتادة اربعة آلاف دينار وقال سفيان الف الف وقال ابن عباس تسعة آلاف مثقال فضة وقال مقاتل كان له بسمتان بالطائف لا ينقطع ثماره شتاء وصيفا وقال عطاء عن ابن عباس كان له بين مكة والطائف ابل وخيل وغنم وكان له عين كثيرة وعبيد وجوارى.
وَبَنِينَ شُهُوداً حضورا بمكة بلقائهم لا يحتاجون إلى السفر بطلب المعاش وكانوا عشرة وقال مقاتل كانوا سبعة وهم الوليد بن الوليد وخالد وعمارة وهشام والعاص وقيس وعبد الشمس اسلم منهم خالد وهشام وعمارة.
وَمَهَّدْتُ لَهُ أى بسطت له الرياسة وألحاه العريض حتى يقال ريحانة قريش والتوحد باستحقاق الرياسة والتقدم أو مهدت له فى طول العمر تَمْهِيداً بسطا.
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 128
ثُمَّ يَطْمَعُ يرجو أَنْ أَزِيدَ له مالا وولدا وتمهيدا.
كَلَّا ط ردع أى لا افعل ذلك لكفرانه قال البغوي قالوا فما زال الوليد بعد نزول هذه الآية فى نقصان ماله وولده حتى هلك إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً ط معاندا حيث أنكر وقال سحر يوثر تعليل للردع فان الكفران ومعاندة آيات النعم زوال النعمة وبمنع الزيادة.(1/6838)
سَأُرْهِقُهُ ساغشيه صَعُوداً عذابا شاقا يغلبه ويعلوا كل عذاب عن أبى سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم فى قوله تعالى سارهقه صعودا قال هو جبل فى النار من نار يكلف ان يصعده فإذا وضع يده ذابت فإذا رفعها عادت فإذا وضع رجليه ذابت فإذا رفعها عادت رواه البغوي عنه وعن عمر بن الخطاب ورواه احمد والترمذي وابن حبان والحاكم وصححه عن أبى سعيد عن النبي صلى اللّه عليه وسلم انه جبل فى النار يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوى وهو كذلك فيه ابدا وقال الكلبي الصعود صخرة ملساء فى النار يكلف ان يصعدها لا يترك نفس فى صعوده بجذب سلاسل الحديد ويضرب من خلفه بمقامع من حديد فيصعدها فى أربعين عاما فإذا بلغ ذروتها أحد إلى أسفلها ثم يكلف ان يصعدها يجذب من امامه ويضرب من خلفه فذلك دابه ابدا.
إِنَّهُ فَكَّرَ فيما تخيل طعنا فى القرآن وَقَدَّرَ فى تفسير ما يقول هذه الجملة بيان لعناده وتعليل لما يستحقه من العذاب.
فَقُتِلَ لعن وقال الزهري عذب كَيْفَ قَدَّرَ تعجيب من تقدير استهزاء به وفيه انكار وتوبيخ وكيف حال من فاعل قدر والجملة تعليل لقوله قتل وجملة فقتل معترضة دعائية والفاء فيه للاعتراض.
ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ كرر للتاكيد وكلمة ثم للدلالة على ان الثانية ابلغ من الاولى.
ثُمَّ نَظَرَ عطف على فكر وقدر أى فكر وقدر ثم نظر فى أم القرآن متراخيا مرة بعد اخرى.
ثُمَّ عَبَسَ وجهه لما لم يجد فيه طعنا ولم يدر ما يقول أو نظر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم وعبس وجهه عداوة وَبَسَرَ بمعنى عبس وقهر تأكيد له.
ثُمَّ أَدْبَرَ عن الحق والايمان به أو الرسول صلى اللّه عليه وسلم وَاسْتَكْبَرَ عن اتباعه.
فَقالَ الفاء للدلالة على انه لما خطرت هذه الكلمة بباله تقولها من غير تلبث وتفكر إِنْ هذا أى القرآن إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ يروى عن غيره.(1/6839)
إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ تأكيد للجملة الاولى ولذا لم يعطف.
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ بدل اشتمال من سارهقه صعودا وسقر اسم من اسماء جهنم.
وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ تفخيم لشانها وجملة ما سقر بتأويل المفرد
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 129
مفعول لادريك.
لا تُبْقِي شيئا يلقى فيها وَلا تَذَرُ ج أى لا تدع حتى تهلكه قال مجاهد معناه لا تبقى حيا ولا تذر من فيها ميتا كلما احترقوا جددوا قال الضحاك لكل شىء ملال وفطرة الا سقر هذه الجملة والجملتين بعدها مستأنفات لبيان تفخيم شأن سقر واحوال من سقر.
لَوَّاحَةٌ أى هى لواحة لِلْبَشَرِ ج جمع بشرة مغيرة للجلد من البياض إلى السواد فقال ابن عباس وزيد بن اسلم محترقة للجلد وقيل معناه لائحة للناس قال الحسن وابن كيسان يلوح لهم حتى يردها عيانا نظيره وبرزت الجحيم للغاوين.
عَلَيْها أى على النار تِسْعَةَ عَشَرَ من الملائكة وهم خزنتها مالك مع ثمانية عشر أخرج ابن المبارك والبيهقي أحدهم عن أبى العوام قال هم تسعة عشر ملكا بين منكبى كل منهم مسيرة كذا وكذا واخرج ابن وهب عن زيد بن اسلم قال قال رسول اللّه صلعم ما بين منكبى أحدهم مسيرة سنة نزعت عنهم الرحمة برفع أحد منهم سبعين الفا فيرميهم حيث أراد من جهنم قال البغوي قال ابن عباس وقتادة والضحاك وكذا أخرج البيهقي عن ابن اسحق انه لما نزلت هذه الآية قال أبو جهل لقريش ثكلتكم أمهاتكم اسمع ابن أبى كبشة يخبر ان خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدهم الشجعان أ فيعجز كل عشر منكم ان تبطشوا لواحد من خزنة جهنم قال أبو الأسد بن كلده الجمعى انا أكفيكم منهم سبعة عشر عشرة على ظهرى وسبعة على بطني وكفونى أنتم اثنين واخرج البيهقي عن السدى لما نزلت عليها تسعة عشر قال رجل من قريش يدعى أبا الاسدين يا معشر قريش لا يهولنكم التسعة عشر انا ادفع عنكم بمنكبي الايمن عشرة وبمنكبي الأيسر تسعة فانزل اللّه تعالى.(1/6840)
وَ ما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ يعنى خزنتها إِلَّا مَلائِكَةً ص لا رجالا آدميين حتى يمكن من الكفار تدافعهم وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ أى عددهم فى القلة إِلَّا فِتْنَةً عدو الذي اقتضى فتنتهم أى ضلالتهم وكفرهم لاستقلالهم والاستهزاء بهم واستبعادهم ان يتولى هذا العدد القليل تعذيب جميع الكفار لِلَّذِينَ كَفَرُوا حتى قالوا ما قالوا لِيَسْتَيْقِنَ متعلق بفعل محذوف دل عليه السباق أى نبئناك بعددهم ليستيقن الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ نبوتك وصدق القرآن حين يوافق ذلك فى التورية والإنجيل وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا بالايمان أو بتصديق أهل الكتاب له إِيماناً مصدر أو تميز من النسبة وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ فى عددهم تأكيد للاستيقان وزيادة الايمان فعطف لا يرتاب عطف تفسيرى
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 130(1/6841)
اخرج ابن أبى حاتم والبيهقي فى البعث عن البراء بن عاذب ان رهطا من اليهود سألوا أرجلا من اصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم عن خزنة جهنم فجاءوا النبي صلى اللّه عليه وسلم فنزلت عليه ساعتئذ عليها تسعة عشر فصار هذا سببا لاستيقان الذين أوتوا الكتاب وازدياد المؤمنين ايمانا وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ شك أو نفاق عطف على ليستيقن وهذا اخبار بمكة بما سيكون فى المدينة بعد الهجرة من المنافقين ولم يكن بمكة منافق وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا ط المستغرب استغراب المثل وقيل لما استبعدوه حسوا انه مثل مضروب فكلمة مثلا اما حال من هذا وعامل فيه معنى الاشارة أو تنبيه أو تميز وهذا اسم تام بتنوين مقدر كَذلِكَ متعلق بما بعده أى كما أضل اللّه بذكر عدد الخزنة قوما وهدى به قوما يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ ط أى اللّه تعالى إضلاله وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ اللّه هدايته وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ يعنى كنههم وكيفية قوتهم واما عددهم فقد ذكر انهم تسعة عشر لا يحتمل الزيادة والنقصان إِلَّا هُوَ ط قال مقاتل هذا جواب أبى جهل حين قال ما لمحمد أعوان الا تسعة عشر قال عطاء وما يعلم جنود ربك الا هو يعنى الملائكة الذين خلقهم لتعذيب أهل النار لا يعلم عدتهم لا اللّه يعنى ان تسعة عشر خزنة النار ولهم من الأعوان والجنود ما لا يعلم الا اللّه أخرج هناد عن كعب قال يومر بالرجل إلى النار فيبتدر مائة الف ملك قال القرطبي المراد بقوله تسعة عشر رؤسائهم اما جملة خزنة فلا يعلم عددهم الا اللّه وَما هِيَ وما سقر أو عدة الخزنة أو السورة إِلَّا ذِكْرى أى تذكرة لِلْبَشَرِ كَلَّا ردع لمن أنكرها أو انكار لان يتذكر بها وان كان فى نفسه ذكرى وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ قرأ نافع وحفص وحمزة ويعقوب بإسكان الذال وأدبر على وزن افعل والباقون إذا بالألف بعد الذال دبر على وزن(1/6842)
فعل ومعنى دبروا دبروا حد كقيل بمعنى أقيل يقال دبر الليل وأدبر إذا ولى ذاهبا وقال أبو عمرو بلغة قريش وقال قطرب دبر بمعنى اقبل تقول العرب دبرنى فلان أى جاء خلفى والليل يأتي خلف النهار.
وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ أى أضاء.
إِنَّها أى سقر لَإِحْدَى الْكُبَرِ أى أحد البلايا الكبرى فانها كثيرة والسقر واحد منها أو المعنى انها أى احدى البلايا الكبر جهنم وجهنم ولظى والحطمة والسعيرة والجحيم والهاوية وانما جمع كبرى على كبر الحاقا لها بفعله تنزيلا للالف منزلة التاء كما ألحقت قاصعا بقاصعة فجمعت
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 131
على قواصع والجملة جواب القسم أو تعليل لكلا والقسم معترض للتاكيد.
نَذِيراً لِلْبَشَرِ تميز عن احدى الكبر انذارا أو حال عما دلت عليها الجملة أى كبرت منذرة قال الحسن واللّه ما انذر بشئ أدهى منها وقال الخليل النذير مصدر كالنكير والمذكر وصف به المؤنث يعنى جعل حالا للمؤنث وقيل نذيرا حال من فاعل وما جعلنا اصحاب النار الا ملائكة منذرا للبشر وقيل معناه يايها المدثر قم نذير البشر فانذر.
لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ بدل من قوله للبشر أى نذيرا للفريقين وحينئذ قوله أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ط مفعول لشاء أى من شاء ان يتقدم فى الخير والطاعة ومن شاء ان يتاخر فى الشر والمعصية ويحتمل ان يتقدم أو يتاخر مبتداء ومن شاء منكم خبرا مقدما عليه والمعنى لان يتقدم من شاء منكم ويتاخر من شاء نظيره قوله تعالى فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر فهو توبيخ وإنذار.
كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ من السيئات رَهِينَةٌ مصدر كالشتيمة بمعنى رهن لا بمعنى المفعول أى مرهون ولو كان صفة لقيل رهين لان الفعيل بمعنى المفعول يستوى فيه المؤنث والمذكر والمعنى كل نفس بما كسبت من السيئات بكفرها محبوسة فى النار ابدا.(1/6843)
إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ أى الذين يعطون كتبهم بايمانهم كذا روى عن ابن عباس أخرج ابن المبارك عن رجل من بنى اسد قال قال عمر لكعب قل من حديث الاخرة قال نعم يا امير المؤمنين إذا كان يوم القيامة وضع اللوح المحفوظ فلم يبق أحد من الخلائق الا هو ينظر إلى عمله ثم يوتى بالصحف التي فيها اعمال العباد فتنشر من حول العرش ثم يدعى المؤمن فيعطى كتابه بيمينه فينظر فيه وقال مقاتل هم أهل الجنة الذين كانوا على يمين آدم يوم الميثاق قال لهم اللّه هؤلاء للجنة ولا أبالي وعن ابن عباس انهم الذين كانوا ميامين على أنفسهم ومال هؤلاء الأقوال واحد يعنى الا المؤمنين فانهم غير محبوسين فى النار ابدا بل ينجون اما بالمغفرة بعد العذاب بقدر ذنوبهم أو بلا تعذيب بالشفاعة أو بمحض الفضل وقال الحسن هم المسلمون المخلصون وقال القاسم كل نفس ماخوذة بكسبها من خير أو شر الا من اعتمد على الفضل فان كل من اعتمد على الكسب رهين ومن اعتمد على الفضل فهو غير ماخوذ وعلى هدين القولين معنى الآية كل نفس مرهونة أى ماخوذة باعمالها واو فى الجملة الا المسلمين الكاملين فانهم غير ماخوذين أصلا لكن اطلاق اصحاب اليمين على هؤلاء المخلصين لا دليل عليه وكذا روى سعد بن منصور وابن أبى حاتم والحكيم فى نوادر الأصول عن علىّ انهم أطفال المسلمين وزاد الحكيم لم يكسبوا فيرتهنوا بكسبهم وما روى
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 132
ابو ظبيان عن ابن عباس انهم الملائكة فما لم يصح الأثر به لا يمكن حمل اصحاب اليمين عليه.
فِي جَنَّاتٍ خبر مبتداء محذوف أى هم فى جنات والجملة فى مقام التعليل للاستثناء ويحتمل ان يكون حالا من اصحاب اليمين أو من ضميرهم فى قوله يَتَساءَلُونَ أى يسأل بعضهم بعضا أى يسئل غيرهم والتفاعل لاجل تشاركهم فى السؤال.
عَنِ الْمُجْرِمِينَ أى عن حال المجرمين الكفار.(1/6844)
ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ هذا الاستفهام مع جوابه حكاية لما جرى بين المسئولين والمجرمين وما أجاب المجرمون به السائلين المسئولين وأيضا ان فى الكلام حذف للاختصار تقديره يتساءلون عن المجرمين فيقولون المسئولون ما سلككم فى سقر إلخ وقيل كلمة عن زائدة تقديره يتساءلون المجرمين بقولهم ما سلككم فى سقر.
قالُوا أى المجرمين فى جوابهم لَمْ نَكُ سقطت النون بالجزم لمشابهته بحرف العلة فى امتداد الصوت فان النون غنة فى الخيشوم كما ان حرف العلة مدة فى الحلق مِنَ الْمُصَلِّينَ الصلاة الواجبة.
وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ما يجب اعطائهم فيه دليل على ان الكفار مخاطبون بفروع الأعمال لاجل المؤاخذة فى الاخرة وانما سقط عنهم الخطاب فى الدنيا لفقد شرط ادائه وهو الايمان ولا وجه بسقوط التكليف فان الكفر موجب للتشديد دون التخفيف لكن حقوق اللّه تعالى من العبادات والعقوبات تسقط بالإسلام فلا يوخذ من اسلم على ما فات عنه فى حالة الكفر قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الإسلام يهدم ما كان قبله وقد مر هذا الحديث فيما قبل.
وَكُنَّا نَخُوضُ فى اللهو والباطل ما نهى اللّه تعالى عنه مَعَ الْخائِضِينَ فيه.
وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ آخره لتعظيمه أى وكنا بعد ذلك كله مكذبين يوم الجزاء.
حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ ط يعنى الموت.(1/6845)
فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ ط ولو شفعوا جميعا هذه الجملة اما متصلة بقوله كل نفس رهينة أو بقوله قالوا لم نك من المصلين ومفهوم هذا الآية تقتضى ان المؤمنين وان كانوا فساقا تنفعهم شفاع ة الشافعين أخرج اسحق بن راهويه فى مسنده عن أم حبيبة أو أم سلمة قالت كنا فى بيت عائشة فدخل رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم فقال ما من مسلم يموت له ثلثة من الولد أطفال لم يبلغوا الحلم الا جئ بهم حتى يوقفوا على باب الجنة فيقال لهم ادخلوا الجنة فيقولون ان دخل ابوانا فيقال فى الثانية والثالثة ادخلوا الجنة وآبائكم فذلك قوله تعالى فما تنفعهم شفاعة الشافعين وقال ابن مسعود يشفع الملائكة والنبيون والشهداء
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 133(1/6846)
و الصالحون وجميع المؤمنين فلا يبقى فى النار الا اربعة ثم تلى قالوا لم نك من المصلين إلى قوله بيوم الدين وقال عمران بن حصين الشفاعة نافعة دون هؤلاء الذين تسمعون فقول ابن مسعود وعمران هذا مشعر بان الشفاعة لا تنال لتاركى الصلاة ومانعى الزكوة والخائضين فى اللهو والباطل وان كانوا مؤمنين ومبنى قولهما هذه الآية فان تعقبها بالفاء للسببية وترتبها على الاربعة المذكورة يدل على كونها سببا لعدم نيل الشفاعة والصحيح انها معقب على مجموع الأمور الاربعة فيها التكذيب بيوم الدين لا على كل واحد منها فلا تمنع الشفاعة الا المجموع دون كل واحد منها وقد انعقد الإجماع على جواز الشفاعة لكل مؤمن فبعض من يستحق النار من المؤمنين لا يدخلها بالشفاعة وبعض من يدخلها يخرج منها بالشفاعة وأنكر الشفاعة أهل الهواء من المعتزلة والخوارج وغيرهم قبحهم اللّه تعالى وقد تواترت فى ذلك الأحاديث تواترا معنويا ولو ذكرنا الأحاديث كلها لطال الكلام ولنذكر منها طائفة عن على قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم اشفع لامتى حتى ينادى ربى أ رضيت يا محمد فاقول أى ربى رضيت رواه البزار والطبراني وأبو نعيم وعن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم شفاعتى لاهل الكبائر من أمتي رواه الترمذي وابن حبان والحاكم واحمد وأبو داود وعن جابر نحوه رواه الترمذي وابن حبان والحاكم وابن ماجة وعن ابن عباس نحوه رواه الطبراني وعن ابن عمر وكعب بن عجرة نحوه رواه الخطيب عن عثمان بن عفان عن النبي صلى اللّه عليه واله وسلم يجاء بالعالم والعائد فيقال للعائد ادخل الجنة ويقال للعالم قف حتى تشفع رواه الاصبهانى وعنه عن النبي صلى اللّه عليه واله وسلم نعم الرجل الا شرار أمتي قيل كيف يا رسول اللّه قال اما اشرار أمتي فيدخلهم اللّه الجنة بشفاعتى واما خيارهم فيدخلهم اللّه الجنة بأعمالهم رواه الطبراني وأبو نعيم(1/6847)
و عن ابن عمر موقوفا يقال للعالم اشفع فى تلا مذتك ولو بلغت عدد النجوم السماء رواه الديلمي وعن أبى الدرداء مرفوعا الشهيد يشفع فى سبعين من أهل بيته رواه أبو داود عن انس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال يصف الناس يوم القيامة صفوفا ثم يمر الرجل من أهل الجنة على الرجل من أهل النار فيقول يا فلان اما تذكر يوم استسقيتنى فاسقيتك شربة فيشفع له فيمر الرجل على الرجل فيقول اما تذكر يوم ناولتك طهورا فيشفع له ويمر الرجل على الرجل فيقول يا فلان اما تذكر يوم نمشى لحاجة كذا وكذا فذهبت لك فيشفع له مسئله لا تنال الشفاعة لحديث انس قال قال
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 134
رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم من كذب بالشفاعة فلا نصيب له ومن كذب بالحوض فليس له فيه نصيب رواه سعيد بن منصور وعن زيد بن أرقم وبضعة عشر من الصحابة قوله صلى اللّه عليه وسلم شفاعتى يوم القيامة حق فمن لم يؤمن بها لم يكن من أهلها رواه ابن منيع وعن عبد الرحمن ......
...... قوله صلى اللّه عليه واله وسلم شفاعتى مباحة الا لمن سب أصحابي رواه أبو نعيم فى الحلية وعن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صنفان من أمتي لا تنالهما شفاعتى يوم القيامة المرجئة والقدرية رواه أبو نعيم (مسئلة : ) وقد ورد فى بعض المعاصي انها مانعة للشفاعة عن عثمن بن عفان رضى اللّه تعالى عنه قال قال رسول اللّه صلعم من غش العرب لم ينله شفاعتى رواه البيهقي بسند جيد وعن معقل بن يسار قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم رجلان لا تنالهما شفاعتى يوم القيامة اما ظلوم خشوم عسوف واخر غال فى الدنيا مارق منه رواه البيهقي والطبراني بسند جيد وعن الدرداء وغيره قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم ذروا المراء فان الممارى لا اشفع له يوم القيامة رواه الطبراني.(1/6848)
فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ يعنى عن القرآن أو ما يعمه من المذكرات مُعْرِضِينَ الفاء للسببية وما استفهامية مبتداء ولهم خبره وعن التذكرة استفهام للانكار عن شفاعة حالهم فى الدنيا المفضى إلى العذاب فى الاخرة فان عذاب الاخرة سبب للانكار.
كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ قرأ نافع وابن عامر بفتح الفاء والباقون بكسرها فمن قرأ بالكسر فمعناها نفرة يقال نفر واستنفر كما يقال عجب واستعجب ومن قرأ بالفتح فمعناها منفرة مذعورة.
فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ط الجملة صفة لحمر وجملة كانهم بعد حال وضمير لهم فى مالهم وكلمة كانهم اغنى عن واو الحال شبههم فى اعراضهم ونفورهم عن استماع الذكر بحمر نافرة من قسورة فعولة من القسر بمعنى القهر قال أبو هريرة هى الأسود وهو قول العطاء والكلبي وقال مجاهد وقتادة والضحاك القسورة الرماة ولا واحد لها من لفظها وهى رواية عن عطاء عن ابن عباس وقال زيد بن اسلم عن رجال أقوياء وكل ضخم شديد عند العرب قسورة وعن أبى المتوكل لغط القوم وأصواتهم وروى عكرمة عن ابن عباس قال هى حيال الصيادين قال سعيد بن جبير هى القناص يعنى الصياد أخرج ابن المنذر عن السدى قال قالوا لئن كان محمد صادقا فليصبح تحت راس كل رجل منا صحيفة فيها براءة وامنة من النار فنزلت.
بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 135
يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً
بل ابتدائية وليست للاعراض عن التوبيخ بل هو انتقال من شىء أى أمر أهم منه وقال المفسرون ان كفار قريش قالوا لرسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم ليصبح عند راس كل رجل منا كتاب منشور من انك لرسوله تومر فيه باتباعك والمنشرة جمع منشورة.(1/6849)
كَلَّا ط ردع عن اقتراح الآيات بعد وضوح الأمر بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ فلذلك اعرضوا عن التذكرة واقترحوا الآيات قيل ابتدائية كما سبق وليس إضرابا عن الردع ويحتمل ان يكون إضرابا دل عليه السياق وتقديره انه لو أوتوا صحفا منشرة لا يومنون فان طلبهم ذلك ليس لان يتضح الأمر عندهم بل الأمر عندهم واضح وليس ذلك الاقتراح الا لانهم لا يخافون الاخرة ووضوح الأمر لا يستلزم الخوف والخشية بل هو امر وهبى.
كَلَّا ردع وانكار على عدم الخوف وتأكيد للردع السابق أو هو بمعنى حقا إِنَّهُ أى القرآن تَذْكِرَةٌ ج يذكر اللّه سبحانه وتعالى بصفاته الجمالية والجلالية والرحمة والعذاب.
فَمَنْ شاءَ التذكر ذَكَرَهُ ط الفاء للسببية وتعليق الذكر بالمشية تخيبر لفظا وتوبيخ معنى.
وَما يَذْكُرُونَ قرأ نافع بالتاء على الخطاب والباقون بالياء على الغيبة فى وقت من الأوقات إِلَّا وقت أَنْ يَشاءَ اللَّهُ ط مشيتهم وذكرهم فيه تصريح بان افعال العباد بمشية اللّه وإرادته هُوَ أَهْلُ التَّقْوى حقيق بان يتقى عقابه بالتقوى عما نهى عنه وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ع حقيق بأن يغفر عباده المؤمنين عن انس ان رسول قال فى هذه الآية هو أهل التقوى قال ربكم عز وجل انا أهل ان اتقى الشرك ولا يشرك بي غيرى وانا أهل لمن اتقى ولا يشرك بي ان اغفر له رواه احمد والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم نحوه - واللّه تعالى أعلم تمت سورة المدثر.
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 136
سورة القيامة
مكّيّة وهى أربعون اية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ قرأ قنبل لا قسم بغير الالف بعد اللام تأكيد القسم وكذا روى النقاش عن أبى ربيعة عن البزي والباقون بالألف بما بعد اللام فقيل لا زائدة كما فى قوله.(1/6850)
وَ لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ والمعنى فيهما القسم وجواب القسم محذوف دل عليه ما بعده أى لتبعثن ولتحاسبن وليجزين كل نفس بما كسبت ان خير فخير وان شر فشر وقال أبو بكر بن عياش هو تأكيد للقسم قال البيضاوي إدخال لا النافية على فعل القسم للتاكيد شائع فى كلام العرب قلت وفيه اشعار بان هذا الأمر ظاهر مستغن عن التأكيد بالقسم وذلك لان من له عقل وفهم لو تأمل بعد ما يرى من الناس من هو كافر للمنعم ظالم على الخلق قاطع للرحم مرتكب الأمور بجزم العقل بقبحها وهو فى نعمة ورغد من العيش ومن هو شاكر للّه تعالى راض عنه الخلق فى محبته وبلاء يحكم ان للجزاء دارا غير هذا الدار والا يلزم من اللّه تعالى ترجيح الشنيع على المليح وذلك شنيع يستحيل انصاف الصانع به تعالى عن ذلك علوا كبيرا والنفس اللوامة المراد بها اما الجنس قال الفراء ليس من نفس برة ولا فاجرة الا وهى تلوم نفسها يعنى فى الاخرة ان كانت عملت خيرا قالت هلازدت وان عملت سوءا قالت ليتنى لم افعل وقال الحسن هى النفس المؤمنة قال ان المؤمن واللّه ما تراه الا يلوم نفسه يعنى فى الدنيا ما أردت بكلامي وما أردت باكلى وان الفاجر لا يحاسب نفسه ولا يعاتبها وقال مقاتل النفس الكافرة تلوم نفسه فى الاخرة على ما فرط فى امر اللّه تعالى فى الدنيا وقيل المراد به الذي يقول لو فعلت كذا ولو لم افعل كذا لكان كذا ولا يرضى بالقضاء قائلا ما شاء اللّه ويقدر اللّه وقالت الصوفية النفس امارة بالسوء ثم إذا اجتهد فى الذكر وتداركه الجذب من اللّه تعالى يظهر له قبائح نفسه ويرى مشتغلا لغير اللّه سبحانه ولا يقدر على القطع عنه بالكلية فحينئذ تلوم نفسها ويقال لها النفس اللوامة ثم إذا حصل له الفناء والبقاء وانخلع عما سوى اللّه واطمئن بذكره
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 137
فحينئذ يقال له النفس المطمئنة.(1/6851)
أَ يَحْسَبُ استفهام انكار على التوبيخ الْإِنْسانُ المراد به الجنس لان فيهم من يحسب أو المراد الذي نزل فيه واللام للعهد قال البغوي نزلت فى عدى بن ربيعة حليف بنى زهرة ختن الأخنس بن شريق الثقفي وكان النبي صلى اللّه عليه واله وسلم يقول اللّهم اكفنى جارى السوء يعنى عديا والأخنس وذلك ان عديا اتى النبي صلى اللّه عليه واله وسلم فقال يا محمد حدثنى عن القيامة متى تكون وكيف أمرها وحالها فاخبره النبي صلى اللّه عليه واله وسلم لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك ولم أومن بك أو يجمع اللّه العظام فانزل اللّه تعالى أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بعد التفريق والبلى وأنكر جمع العظام والغرض منه انكار البعث فان العظام قلب الروح وإعادة الروح متفرع على جمعها وان مخففة أو مصدرية مفعول يحسب قائم مقام مفعوليه.
بَلى يجمعها فيحيه قادِرِينَ حال من فاعل الفاعل المقدر ذكرها للترقى على ما أنكر كما يقال أ يحسب ان لن نقدر عليك بلى نقدر عليك قادرين على أقوى منك والمعنى بل نجمها ونقدر على جمعها قادرين عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ أى أنامله أو أطراف أنامله لجمع سلامياته وضم بعضها إلى بعض كما كانت مع صغرها ولطافتها فكيف بكبار العظام.(1/6852)
بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ عطف على يحسب فيجوز ان يكون استفهاما وان يكون إيجابا لجواز ان يكون الاضراب عن المستفهم أو عن الاستفهام لِيَفْجُرَ أَمامَهُ يفجر منصوب بان مقدرة واللام زائدة قال مجاهد والحسن وعكرمه والسدى معناه لا يجهل ابن آدم ان ربه قادر على جمع عظامه لكنه يزيد ان يفجر ان يكفر امامه أى ما يأتي عليه من الزمان المستقبل فيدوم على الكفر لا ينزع عنه ولا يتوب وقال سعد بن جبير معناه يقدم الذنب ويوخر التوبة ويقول سوف أتقرب سوف اعمل حتى يأتيه الموت على شر حاله وقال الضحاك هو الأمل يقول اعيش فاصيب من الدنيا كذا وكذا ولا يذكر الموت وقال ابن عباس وابن زيد يكذب بما امامه من القيامة والبعث والحساب والفجور الميل سمى فاجرا لميله عن الحق.
يَسْئَلُ حال من فاعل يفجر أى سائلا واستبعادا واستهزاء أَيَّانَ متى يَوْمُ الْقِيامَةِ ط أى لا يكون ذلك.
فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ قرأ نافع برق بفتح الراء والباقون بكسرها وهما لغتان قال فى القاموس برق كفرح ونصر برقا وبروقا تحير حتى لا يطرف
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 138
او دهش فلم يبصر وقال الفراء والخليل برق بالكسر أى تحير وفزع لا يرى من العجائب التي كان يكذبها فى الدنيا قيل ذلك عند الموت والصحيح انه يوم القيامة بقرينة ما عطف عليه.
وَخَسَفَ الْقَمَرُ أى اظلم وذهب ضوءه.(1/6853)
وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ أسودين مكورين قيل معناه انهما يطلعان معا من المغرب اية للقيامة والخسوف مستعار للمحاق وقيل عطاء بن يسار يجمعان يوم القيامة ثم يقذفان فى البحر فتكون نار اله الكبرى وقيل يجمع بينهما فى ذهاب الضوء وعن جمل برق البصر إلخ على ما قيل الموت لفسر الخسوف بذهاب ضوء البصر والجميع باستتباع الروح الحاسة فى الذهاب أو لوصوله إلى مكان يقتبس منه نور العقل من سكان القدس وتذكير الفعل لتقدمه وتغليب المعطوف وإذا مضاف إلى البرق والخسف والجمع ظرف لقوله.
يَقُولُ الْإِنْسانُ والجملة الكاملة معطوفة على مضمون قوله بلى قادرين أى بلى نجمع العظام فيقول الإنسان الكافر اين المفر يقول ذلك إذا برق البصر إلخ يَوْمَئِذٍ بدل من إذا برق إلخ أَيْنَ الْمَفَرُّ مقول ليقول.
كَلَّا ردع من طلب المفر بيانه لا وَزَرَ أى لا ملجأ ولا حصن مستعار من الجبل فانهم كانوا يلجؤن بالجبل واستقامة من أنوار بمعنى الثقل.
إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ
ط المصير والمرجع والى مشيته وحكمه موضع قرارهم.
يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ
قال ابن مسعود وابن عباس بما قدم قبل موته من عمل صالح أو شىء وما اخر بعد موته من سنته حسنة أو سيئة يعمل وقال قتادة بما قدم من طاعه اللّه وما اخر منه فضيعه وقال مجاهد باول عمله وآخره وقال زيد بن اسلم بما قدم من أمواله لنفسه وما اخر لورثته وقيل بما قدم واخر بمعنى بل قدم امور الدنيا على امور الاخرة أو بالعكس.
بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ(1/6854)
اى يبصر بتذكير ما عمل فى الدنيا لا يحتاج إلى الانباء والهاء للمبالغة نظيره قوله تعالى كفى بنفسك اليوم حسيبا كذا قال أبو العالية وعطاء ورواه البغوي عن ابن عباس ويحتمل ان يكون بصيرة صفة لمحذوف تقديره بل الإنسان عين بصيرة على نفسه وعلى التقديرين على نفسه متعلق ببصيرة وهو خبر الإنسان والبصيرة بمعنى الحجة كما فى قوله تعالى قد جاءكم بصائر من ربكم أى الإنسان هو حجة بينة على نفسه شاهد عليها وحينئذ على نفسه ظرف مستقر خبره بصيرة والجملة خبر الإنسان ويحتمل ان يراد
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 139
بالبصيرة ذالحجة الملك الموكل وقال مقاتل والكلبي معناه بل الإنسان على نفسه بصيرة رقباء يرقبونه ويشهدون عليه بعمله وهو سمعه وبصره وجوارحه وحينئذ دخول الهاء فى البصيرة لان المراد الإنسان جوارحه ويحتمل ان يكون معناه بل الإنسان على نفسه بصيرة يعنى جوارحه فحذف حرف الجر كما فى قوله تعالى ان أردتم ان تسترضعوا أولادكم أى لاولادكم.
وَلَوْ أَلْقى
الإنسان مَعاذِيرَهُ(1/6855)
ط قال الضحاك والسدى معناه ولو ارخى الستور واغلق الأبواب عند فعل المعصية ليخفى ما يعمل فلا ينفع فان نفسه عليه شاهد وكذا الموكل به واللّه على كل شىء شهيد واهل اليمن يسمون الستر معذارا وجمعه معاذيرة وقال مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير معناه يشهد عليه الشاهد من الجوارح والملائكة ولو اعتذر وجادل عن نفسه كما قال لا ينفع الظالمين معذرتهم قال الفراء ولو اعتذر فعليه من نفسه من يكذبه ومعنى إلقاء القول كما قال اللّه تعالى والقوا إليهم القول انكم لكاذبون وعلى هذا معاذير جمع معذار بمعنى العذر وجمع معذرة على غير قياس كمناكير فى المنكر والظاهر انه اسم جمع وجمعها معاذر وكذا المناكير واللّه تعالى أعلم - أخرج الشيخان فى الصحيحين عن ابن عباس قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم إذا نزل جبرئيل بالوحى يحرك لسانه وشفتيه فيشتد عليه وكان يعرف عنه يريد ان يحفظ ما انزل اللّه فانزل اللّه تعالى.
لا تُحَرِّكْ
يا محمد بِهِ
بالقران لِسانَكَ
قبل ان يتم وحيه لِتَعْجَلَ بِهِ
ط أى لتاخذه على عجلة فى الصحيحين عن ابن عباس كان رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم يحرك شفتيه إذا نزل يخشى ان ينفلت - .
إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ
فى صدرك وَقُرْآنَهُ
ج اثبات قرأته على لسانك تعليل للنهى.
فَإِذا قَرَأْناهُ
اى القرآن بلسان جبرئيل أضاف قراءة جبريل إلى نفسه مجازا لأنه بامره ورسالته فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ
ج قراءته يعنى فاقرأ بعد قراءة جبريل حتى يرسخك فى ذهنك كذلك لا بد للتلميذ ان يقرأ بعد قراءة الشيخ ولا يقرأ معه كيلا يقع المزاحمة والتشويش فى القراءة والحفظ.(1/6856)
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ ط أى القرآن أى اظهار المراد منه إذا أشكل شىء من معانيه قلت الآية على ان بيان القرآن محكمه ومتشابهه من اللّه تعالى للنبى صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم لا يجوز ان يكون شىء منها غير مبين له عليه الصلاة والسلام والا يخلو الخطاب من الفائدة ويلزم الخلف فى الوعد كما ذكرنا هذه المسألة فى تفسير قوله تعالى وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وكلمة
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 140
ثم تدل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب لكن لا يجوز عن وقت الحاجة وجملة لا تحرك به لسانك معترضة على طريقة من يتكلم فطفق المخاطب يتكلم ويقطع كلامه فقال اسكت ولا تقطع الحديث انما لك حق التكلم بعد تمام الاستماع ثم عاد إلى ما كان يتكلم فيه فقال.
كَلَّا ردع على انكار البعث أو الفجور امامه أو على الغاء المعاذير الباطلة بَلْ تُحِبُّونَ الضمير راجع إلى الإنسان المذكور سابقا وجمع الضمير نظرا إلى المعنى لان المراد به الجنس أو الذي الكلام فيه ومن فى معناه الْعاجِلَةَ يعنى الدنيا وشهواتها.
وَتَذَرُونَ أى الإنسان على ما مر هذا على قراءة ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بالياء للغيبة فيهما وقرأ الكوفيون ونافع بالتاء على الخطاب فيهما على طريقه الالتفات من الغيبة إلى الخطاب الْآخِرَةَ ط وتعميمها يعنى انهم لا يعلمون ان اللّه تعالى لا يقدر على البعث والاعادة أو ان معاذيره ينفعهم بل يحبون العاجلة ويتبعون الشهوات الدنيا فاعمى الشهوات بأبصارهم وأعمه قلوبهم ويذرون الاخرة ثم ذكر احوال الاخرة فقال.
وُجُوهٌ مبتداء اما معترضة بتقدير الاضافة أى وجوه المؤمنين المقربين واما نكرة مخصصة بصفة مقدرة أى وجوه كثير أو وجوه منهم أى من جنس الإنسان الذي مر ذكره يَوْمَئِذٍ ظرف لما بعده يعنى يوم إذا كان ما سبق من برق البصر وغيره أو يوم إذا كانت الاخرة ناضِرَةٌ خبر ناعمة حسنة متهللة.(1/6857)
إِلى رَبِّها متعلق بما بعده ناظِرَةٌ ج بروية البصر بلا كيف ولا جهة ولا ثبوت مسافة ولا بقياس الغائب على الشاهد خبر ثان لوجوه واخرج الآجري والبيهقي فى كتاب الروية من طريقين عن ابن عباس قال وجوه يومئذ ناضرة قال حسنة إلى ربها ناظرة نظرة إلى الخالق واخرجوا عن الحسن نحوه وعن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم ان ادنى أهل الجنة منزلة من ينظر ال جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة الف سنة وأكرمهم على اللّه من ينظر إلى وجه غدوة وعشية ثم قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة رواه احمد والترمذي والدار قطنى واللالكائى والآجري نحوه وفى لفظ الآجري ادنى أهل الجنة منزلة من ينظر فى ملكه مسيرة الفى عام يرى أقصاه كما يرى أدناه وفى الباب حديث انس رواه البزار والطبراني والبيهقي وأبو يعلى بطوله وفيه يوم الجمعة يزداد فيها نظرا إلى وجهه تعالى ولذلك دعى يوم المزيد رواه البزار والاصفهانى عن نحوه واخرج الآجري
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 141(1/6858)
عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه واله وسلم قال ان أهل الجنة يرون ربهم كل جمعة وعن الحسن مرسلا قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم ان أهل الجنة ينظرون إلى ربهم كل جمعة الحديث أخرجه يحى بن سلام وعن انس مرفوعا قال اللّه تعالى من سلبت كريميته جزائه الحلول فى دارى والنظر إلى وجهى رواه الطبراني وغيره وحديث جرير البجلي قال كنا جلوسا عند النبي صلى اللّه عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال انكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ليلة البدر لا تضامون فى روية فان استطعتم ان لا تغلبوا على صلوة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها متفق عليه وكذا روى اللالكائى عن حذيفة وفى الصحيحين عن أبى هريرة نحوه وعن زيد بن ثابت قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم يدعو اللهم انى أسئلك برد العيش بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك فى غير ضرار مضرة ولا فتنة مضلة رواه اللالكائى وعن عبادة بن صامت لن ترون ربكم حتى تموتون رواه الدار قطنى وكذا رواه اللالكائى عن أبى هريرة واخرج أبو نعيم فى الحلية عن ابن عباس قال تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم رب أرني انظر إليك قال قال اللّه تعالى يا موسى انه لا يرانى حتى الا مات ولا يابس الا تدهده ولا رطب الا تغرق وانما يرانى أهل الجنة لا تموت أعينهم ولا تبلى أجسادهم وعن على فى قوله تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا قال من أراد ان ينظر إلى خالقه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك به أحدا رواه البيهقي وبالجملة صح تفسير هذه الآية وتفسير قوله تعالى لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وزيادة وقوله تعالى ولدينا مزيد وغيره من الآيات بروية اللّه تعالى مسندة عن النبي صلى اللّه عليه واله وسلم وأصحابه والتابعين بحيث بلغت مبلغ التواتر عند أهل الحديث كذا ذكر السيوطي وغيره وبما ذكرنا فى هذا المقام كفاية ونذكر فى(1/6859)
تفسير كل اية منها ما يتعلق به ان شاء اللّه تعالى وعلى روية اللّه تعالى انعقد اجماع أهل السنة والجماعة وخالفهم أهل الهواء من المعتزلة والخوارج وغيرهم بامتناعها زعما منهم بانها تتوقف على كون المرئي حسما كثيفا بلا حجاب وكون المسافة بين الرائي والمرئي متوسطة لا فى غاية القرب ولا فى غاية البعد وخروج شعاع البصر من الرائي ووصوله إلى المرئي المقتضى ثبوت الجهة له تعالى واستدلوا على امتناع الروية من المنقول بقوله تعالى لا تدركه الابصار وقالوا تاويل هذه الآية ان ناظرة بمعنى منتظرة امر ربها وانعامه ويابى عنه العربية فان الانتظار يتعدى باللام دون إلى
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 142
و النظر بالبصر يعدى بالى وقال أهل السنة الروية لا تتوقف الا على كون المرئي موجود أو كذلك فى جانب الرائي لا يشترط الا الوجود والحيوة والعلم والابصار واما توقف الروية على غير ذلك من الشرائط فامر عادى فى خصوص المادة ولا يجوز قياس(1/6860)
الغائب على الشاهد ولا شك ان اللّه سبحانه تعالى يرى خلقه من الماديات والمجردات من غير مسافة بينهما ولا خروج شعاع وهو السميع البصير كيف ينكر كونه مرئيا بعد ما نطق به البشير النذير وقوله تعالى لا تدركه الابصار انما ينفى الدرك وهو يقتضى الإحاطة وحصول العلم بكنهه وذلك محال واما العلم الحضوري بالكنه بمعنى حضور كنه المعلوم عند العالم فليس بمحال لكنه متعال عن درك الابصار واللّه تعالى أعلم - (فائدة) هذه الآية تدل على انهم يرون اللّه تعالى دائما مستمرا لا ينقطع رويتهم كما يدل على دوام النضرة لهم ابدا فان الجملة الاسمية للدوام والاستمرار ولا منافاة بينها وبين ما ثبت بالأحاديث ان من الناس من يرى اللّه تعالى كل جمعة ومنهم من يرى اللّه تعالى فى كل جمعة أى أسبوع مرتين كذا احرج ابن أبى الدنيا عن أبى امامة ومنهم من يرى ربه فى مقدار كل عيد لهم فى الدنيا يعنى فى كل سنة مرتين كذا روى يحى بن سلام عن أبى بكر بن عبد اللّه المزني ومنهم من يرى فى كل يوم مرتين غدوة وعشية كما مر من حديث ابن عمر لان ثبوت دوام الروية انما هو لجمع منكر وهى لا تدل على العموم أو بقدر ما هو أخص من المؤمنين فيقدر المقربين فتقديره وجوه المقربين يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة دائما ابدا أخرج أبو نعيم عن أبى يزيد البسطامي قال ان للّه تعالى خواص من عباده لو حجبهم فى الجنة عن روية لاستغاثوا كما يستغيث أهل النار بالخروج من النار فظهر ان الناس فى الروية على درجات لا تكاد تحصى وليس المقصود من الأحاديث استيفاء درجاتهم ومعنى قوله صلى اللّه عليه واله وسلم أكرمهم على اللّه من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية انهم من أكرمهم وهذا لا يقتضى ان لا يكون أحد أكرم منهم وإذا تقرر هذا فاعلم ان الذين يدومون النظر إلى اللّه سبحانه واللّه تعالى أعلم بهم هم الأنبياء والمقربون من العباد الواصلين إلى الذات المجرد عن الشيون والاعتبارات(1/6861)
الذين كان حظهم فى دار الدنيا من الذات التجلي الدائمى لا كالبرق الخاطف لان من كان حظه فى دار الدنيا دوام التجلي ولم يكن له الروية فى الدنيا لعدم صلاحيته تعين هذه النشأة الروية كما أشير إليه فى حديث ابن عباس عند أبى نعيم فى الحلية فإذا زال المانع فلا جرم ينظر ذلك الرجل إلى اللّه
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 143(1/6862)
دائما وإلا لزم انعكاس الأمر ورجوعه القهقرى ومن لم يكن فى الدنيا دوام التجلي والحضوري فيكون الروية لهم على تفاوت الدرجات فمن كان حظه تجليا برقيا يرى فى كل يوم مرتين أو مرارا ومن لم يكن كذلك ففى كل جمعة أو شهر أو سنة على ما شاء اللّه - (فائدة) قال المجدد رضى اللّه تعالى عنه فى المكتوب المائة من المجلد الثالث فى تحقيق سر اشتغال قلب يعقوب عليه السلام بمحبة يوسف عليه السلام مع ان قلوب الخواص من الناس تكون فارغة عن حب غير اللّه تعالى ان جنة كل رجل عبارة عن ظهور اسم من اسماء اللّه تعالى الذي هو مبدأ التعين ذلك الرجل وان ذلك الاسم يتجلى بصورة الأشجار والأنهار والقصور والحور والغلمان واستحكم هذا المكشوف بقوله صلى اللّه عليه واله وسلم ان الجنة طيبة التربة عذبة أى أنهارها قيغان وان غراسها هذه يعنى سبحان اللّه والحمد للّه ولا اله الا اللّه واللّه اكبر ثم قال المجدد رضى اللّه تعالى عنه ان تلك الأشجار والأنهار قد تصير فى حين من الأحيان على هيئة الاجرام الزجاجة فتصير وسيلة إلى روية اللّه سبحانه غير متكيفة ثم تعود إلى حالها الذي كانت عليه فيشتغل المؤمن بنفسها وهكذا إلى ابد الآبدين وقال كما ان التجلي الذاتي للصوفى فى الدار الدنيا تكون من وراء حجب الأسماء أو الصفات وقد يرتفع تلك الحجب فيحصل له التجلي الذاتي كالبرق الخاطف كذلك حال الروية فى الاخرة لكل رجل يتعلق بذات اللّه سبحانه وتعالى باعتبار اسم هو مبدأ الجنة وتجلى وتمثل لجنة وتلك الروية تكون كالبرق الخاطف فى زمان يسير ثم تحجب عنه ويبقى نوره وبركته من وراء نعيم الجنة وأشجارها قلت هذا تحقيق روية العوام من أهل الجنة واما الخواص منهم فلما كان التجلي لهم فى الدنيا دائما فكذلك الروية تكون لهم دائما فان قيل قال المفسرون تقديم(1/6863)
الجار والمجرور فى قوله تعالى إلى ربها ناظرة يقتضى الحصر ويفيد انهم إذا أراد ربهم يستغرقون فى رويته تعالى لا ينظرون حينئذ إلى غيره ويؤيده حديث جابر رض قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم أهل الجنة فى نعيمهم إذ سطع عليهم نور فرفعوا رؤسهم فاذ الرب تبارك وتعالى قد اشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا أهل الجنة وذلك قوله تعالى سلام قولا من رب رحيم قال فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شىء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحجب عنهم ويبقى نوره وبركته فى ديارهم رواه ابن ماجة وابن أبى الدنيا والدار قطنى فحينئذ لو كان لبعض الناس دوام الروية فكيف يتصور الحصر وعدم الالتفات إلى النعيم
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 144(1/6864)
دائما قلنا إفادة الحصر ممنوع وتقديم الجار والمجرور لرعاية الفواصل ولعل الالتفات إلى النعيم فى حق ذلك البعض لا يزاحم الروية بل تكون نعيم الجنة فى حقه مثل الاجرام الزجاجية ابدا موبدة للروية وذلك الصوفي يجتمع له الرؤيتان روية الاحجاب وروية بتوسط النعيم ومع ذلك يرى النعيم ويلتذ به أيضا وان من هذا شانه فلان يشغله شان عن شأن واما غيره من أهل الجنة فالالتفات إلى نعيم الجنة يشغلهم عن الروية وبالعكس لضيق استعدادهم أو نقول معنى الحصر فى حق من له الروية واما ما روى من حديث جابر فهو حكاية عن حال عامة أهل الجنة لا يقال سلمنا ان التفاته للنعيم لا يشغله عن الروية فكيف يجوز له التوجه إلى النعيم مع حصول شرف الروية لما ذكرنا ان نعيم الجنة محابى اسماء اللّه تعالى فلا محذور فى الالتفات إليها مع الروية (فائدة) وقع فى بعض كلام الائمة ان روية اللّه خاصة لمؤمن البشر وان الملائكة لا يرونه ونص البيهقي على خلافه محتجا بحديث عبد اللّه بن عمرو ابن العاص قال خلق اللّه تعالى الملائكة بعبادته أصنافا وان منهم الملائكة قياما صافين من يوم خلقهم إلى يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة تجلى لها تبارك وتعالى فنظروا إلى وجه الكريم وقالوا ما عبدناك حق عبادتك واخرج نحوه من وجه اخر عن عدى بن ارطاف عن رجل من الصحابة وبما ذكرنا روية كل رجل على حسب مبدأ تعينه يظهر فضل الملائكة على عوام مومنى البشر لكون مبادى تعيناتهم فوق مبادى تعينات البشر كما حققه المجدد رضى اللّه عنه وبما ذكرنا ان روية الخواص البشر دائمة غير منقطعة يظهر فقيل خواص البشر أفضل على خواص الملائكة كما بين فى كتب العقائد.
وَوُجُوهٌ أى وجوه الكافرين أو وجوه كثيرة يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ كالحة عابسة شديد العبوس.(1/6865)
تَظُنُّ تستيقن أربابها خبر ثان أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ واهية عظيمة فقال الظهر قال ابن زيد هى دخول النار وقال الكلبي هى ان يحجب عن روية الرب عز وجل.
كَلَّا روع عن إيثار الدنيا على الاخرة كأنَّه قيل ارتدعوا عن ذلك واذكروا الموت الذي عنده ينقطع الدنيا وتقبل الاخرة مخلدة إِذا بَلَغَتِ النفس كناية عن غير مذكور دل عليه الكلام وإذا شرطية جزاءه إلى ربك يومئذ المساق أو ظرف متعلق بفعل دل عليه المساق أى يساقون إلى ربكم إذا بلغت التَّراقِيَ العظام المكتنفة لثغرة النحر عن يمين وشمال ويكنى ببلوغ النفس التراقى عن الاشراف على الموت.
وَقِيلَ مَنْ راقٍ
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 145
يسكت حفص على من ويدغم غيره أى قال حاضر والمحتضر من يرقيه مما به من الترقية كذا قال قتادة أو قالت الملائكة الموت أيكم يرقى بر وجه ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب من الرق كذا قال سليمان التميمي ومقاتل بن سليمان.
وَظَنَّ المحتضر أَنَّهُ أى الذي نزل به الْفِراقُ أى سبب للفراق من الدنيا ومما يحبه.
وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ أى التوت ساقه بساقه فلا يقدر تحريكهما كذا قال الشعبي والحسن ونحوه وقال ابن عباس التوت امر الدنيا بامر الاخرة فكان اخر يوم من ايام الدنيا وأول يوم من ايام الاخرة فيجتمع عليه شدة فراق الدنيا بشدة اقبال الاخرة وقال الضحاك معناه ان الناس يجهزون جسده والملائكة يجهزون روحه.
إِلى رَبِّكَ لا إلى غيره يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ ط أى سوق ومرجعه يحكم فيه ما يشاء.(1/6866)
فَلا صَدَّقَ الرسول والقران أو لا صدق ماله أى لم يزك وَلا صَلَّى للّه ما فرض عليه قوله فلا صدق عطف على مضمون أ يحسب الإنسان فان التوبيخ يستلزم الوقوع تقديره حسب الإنسان ان لن نجمع عظامه ولا نبعثه فلا صدق ولا صلى والضمير فيهما راجع إلى الإنسان فالسياق يقتضى ان يكون ذلك حكاية عن عدى بن ربيعة المذكور وقال البغوي المراد أبو جهل ولو حمل الإنسان على الجنس لكان شاملا لهما.
وَلكِنْ كَذَّبَ النبي صلى اللّه عليه واله وسلم وَتَوَلَّى عن الايمان به.
ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى ط أى يسرع فى سيره فى القاموس مطى جد فى السير والسرع فى الصحاح معناه يمد مطاه أى ظهره ومنه يقال لا يركب ظهره مطيه كالبعير وقيل أصله يتمطط أبدلت الطاء ياء اجتماع ثلثة أحرف مماثلة والطا هو المد وحاصل المعنى يتبختر لان المتبختر يمد عنقه ويمد خطاياه.
أَوْلى لَكَ جملة دعائية بمعنى ويل لك أو تهديد ووعيد وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب فَأَوْلى ثُمَّ أَوْلى لَكَ ف َأَوْلى
ط كرره للتاكيد ويحتمل ان يراد به ويل لك فى الدنيا بالقتل واللعن وذكر السوء والتعذيب وويل لك يوم الموت وويل لك إذ بعثت ويل لك إذا دخلت النار فهو نقيض ما قيل فى يحى عليه السلام والسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا فهو افعل من الويل بعد القلب كاونى من دون وقيل أصله أولاك اللّه ما تكريهه واللام مزيدة كما فى قوله ردف لكم أى ردفكم وقيل أصله اولى لك الهلاك وقيل
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 146(1/6867)
هو فعل من ال يول أمرك إلى الشرك وقيل هو اسم فعل بمعنى وليك ما تكرهه فى القاموس اولى لك تهدد ووعيد أى قاربك الهلاك فهو من الولي بمعنى القرب قال قتادة ذكر لنا ان النبي صلى اللّه عليه وسلم لما نزلت هذه الآية أخذ بمجامع ثوب أبى جهل بالبطحاء وقال له اولى لك فاولى ثم اولى لك فاولى فقال أبو جهل أ توعدني يا محمد واللّه لا تستطيع أنت وربك ان تفعلا بي شيئا والى لاغر من مشى بين جبلها فلما كان يوم بدر صرعه اللّه أشد مصرع وقتله أسوأ قتل وقال النبي صلعم ان لكل أمة فرعونا وان فرعون هذه أبو جهل واخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس قال لما نزلت عليها تسعة عشر قال أبو جهل للقريش ثكلتكم أمهاتكم يخبركم ابن أبى كبشة ان خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدهم أ يعجز كل عشرة منكم ان يبطشوا برجل من خزنته جهنم فأوحى اللّه تعالى إلى رسوله ان يأتي أبا جهل فيقول له اولى لك فأولى ثم اولى لك فاولى واخرج النسائي عن سعيد بن جبير انه سال ابن عباس عن قوله اولى لك فاولى قاله رسول اللّه صلعم من قبل نفسه أم امره اللّه به قال بل قاله من قبل نفسه ثم انزل اللّه.
أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً ط امال حمزة والكسائي مهملا لا يومر ولا ينهى ولا يبعث ولا يجازى حيث ينكر البعث فان انكار البعث يقتضى كونه مهملا مع ان الحكمة فى خلقه ليس الا التكليف قال اللّه تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون وقال قل لا يعبأ بكم ربى لولا دعاءكم وكيف ينكر الإنسان البعث ويستحيله.
أَ لَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى يصب فى الرحم قرأ حفص بالياء على التذكير راجعا إلى المنى والباقون بالتاء ردا إلى النطفة.
ثُمَّ كانَ الإنسان بعد كونه نطفة عَلَقَةً بعد أربعين يوما ثم مضغة كذلك ثم عظاما فكسبت لحما فَخَلَقَ اللّه تعالى إياه وإيانا بنفخ روحه فيه فَسَوَّى وعدل خلقه بلا نقصان.(1/6868)
فَجَعَلَ اللّه سبحانه مِنْهُ أى من المنى الذي صار علقة ثم مضغة ثم عظاما ولحما الزَّوْجَيْنِ الصنفين يجتمعان فى الرحم تارة وينفرد كل منهما عن الاخر اخرى الذَّكَرَ وَالْأُنْثى أَلَيْسَ ذلِكَ اللّه الذي يفعل ذلك ويوجد بلا سبق وجود بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى ع انكار جواز البعث مع مشاهدة ما هو اعجب منه يقتضى كمال الحمق أو العناد عن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلعم من قرأ منكم بالتين فانتهى إلى آخرها أ ليس اللّه ما حكم الحكمين فليقل بلى وانا على ذلك من الشاهدين ومن قرأ لا اقسم بيوم القيمة فانتهى إلى أ ليس ذلك بقادر على ان يحيى الموتى فليقل بلى وانا على ذلك من الشاهدين ومن قرأ والمرسلات فبلغ فباى حديث بعده يومنون فليقل أمنا باللّه وعن موسى بن عائشة قال كان رجل يصلى فوق بيته فكان إذا قرأ أ ليس ذلك ويقدر على ان يحيى الموتى قال سبحانك بلى فسالوه عن ذلك فقال سمعته من رسول اللّه صلعم روى الحديثين أبو داود.
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 147
سورة الدّهر
مكيّة وهى احدى وثلثون اية قال قتادة ومجاهد مدنية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(1/6869)
هَلْ أَتى استفهام تقرير ومعناه قد اتى ومضى عَلَى الْإِنْسانِ المراد به الجنس أو آدم عليه السلام حِينٌ قال البيضاوي أى طائفة محدودة من الزمان وفى القاموس الجنس وقت مبهم يصلح لجميع الا زمان طال أو قصر وقيل يختص بأربعين سنة أو ستين سنة أو شهر أو شهرين مِنَ الدَّهْرِ أى من الممتد الغير المحدود وفى القاموس الدهر الزمان الطويل أو الف سنة قلت هو مدة عمر آدم عليه السلام وفى الصحاح الدهر فى الأصل اسم لمدة العالم من مبدأ وجوده إلى انقضائه وعلى ذلك قوله هل اتى على الإنسان حين من الدهر الآية ثم يعبر به عن كل مدة كثيرة دهر فلان مدة حيوته لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً حال من الإنسان أى حال كونه لا يذكر ولا يعرف ولا يدرى ما اسمه ولا ما يراد أو صفة لحين والعائد محذوف أى لم يكن فيه شيئا مذكورا وهذا الكلام يقتضى كونه شيئا والا لم يوصف بانه قد اتى عليه ويقتضى كونه غير مذكور بل منسيا فقال المفسرون وذلك ان أريد به آدم عليه السلام فذلك الحين حين صورة اللّه تعالى من الطين فكان ملقى بين مكة والطائف أربعين سنة قبل ان ينفخ فيه الروح وقال ابن عباس ثم خلقه اللّه تعالى بعد عشرين ومائة سنة وان أريد به الجنس فذلك الحين اربعة أشهر حين كان نطفة أو علقة أو مضغة إلى نفخ الروح وستة أشهر اقل مدة الحمل وسنتين أكثرها وقيل اكثر مدة الحمل سبع سنين وعلى التقديرين لا يخلو الكلام عن التسامح لان ذلك الحين لم يأت على الإنسان بل على الطين المصور النطفة ونحوها والظاهر ان الكلام يقتضى كونه إنسانا لان عقد الوضع قبل عقد الحمل فالاولى ان يحتمل ذلك الكون على كونه فى مرتبة الأعيان الثابتة التي اهتدى إليها الصوفية ويدل على هذا التأويل تنكير حين فانه للتكثير روى عن ابن عمر انه سمع رجلا يقرأ هذه الآية لم يكن شيئا مذكورا فقال ليتها تمت يريد ليته بقي على ما كان غير مذكور ابدا وهذا القول اولى بالتأويل(1/6870)
الأخير دون ما سبق وللصوفية هاهنا
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 148
تاويل اخر هل اتى على الإنسان أى على الصوفي حين من الدهر لم يكن لا شيئا مذكورا بعد ما كان مذكورا بالانسانية وغيرها من الصفات وذلك حين الاستهلاك والفناء الأتم بحيث لا يبقى فى علمه شيئا مذكورا قال المجدد رض نعم رب قد اتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا لا عينا ولا اثرا ولا شهودا ولا وجودا ثم يصير بعد ذلك ان شئت حيا بحياتك وباقيا ببقائك ومتخلقا باخلاقك بل صار باقيا بك وبفضلك فى عين الفناء وما ينافيك فى عين البقاء قلت وقول المجدد رض ثم يصير بعد ذلك إلخ كأنَّه تفسير لقوله تعالى فمن ابتدائية والدهر يعد من اسماء اللّه تعالى الحسنى كذا فى القاموس وفى الصحيحين عن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلعم قال اللّه تعالى يوذينى ابن آدم يسب الدهر وانا الدهر بيدي الأمر اقلب الليل والنهار.
إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ أى ذريته ان كان المراد بالإنسان الأول آدم عليه السلام والا فالمراد فيهما الجنس مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ ق جمع شئيج أو شيج من الشجب الشيء إذا خلطته وصف النطفة بالجمع لان المراد به مجموع منى الرجل والمرأة وكل منها مختلفة الاجزاء والأوصاف فى الرقة والقوام والخواص وقيل أمشاج مفرد بمعنى مختلطة يختلط فيه منى الرجل والمرأة فهو حينئذ على وزن أعشار يقال برمة أعشار بمعنى يحمله عشرة يقال يمان كل يومين اختلطا فهو أمشاج وقال قتادة معناه أطوار أي ذات أطوار فان النطفة تصير علقة ثم مضغة أى تمام الخلق نَبْتَلِيهِ حال من الإنسان ذكر الابتلاء وأراد به نقله من حال إلى حال مجازا أو حال مقدرة أى مقدرين ابتلائه فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً ج لتمكن من استماع الدلائل ومشاهدة الآيات فهو كالمسبب للابتلاء ولذا عطف على ما قيد به.(1/6871)
إِنَّا هَدَيْناهُ أى بيناه أى الإنسان السَّبِيلَ إلى اللّه والى مرضياته وجنته بنصب الدلائل وبعث الرسل وإنزال الكتب والمراد بالهداية هاهنا اراءة الطريق دون إيصال بخلاف قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً حالان من الهاء أى هديناه السبيل مقدرين منه أحد الامرين امر الشكر على الهداية وقبولها أو الكفر والإنكار وقيل حال من السبيل يعنى هديناه السبيل حال كون السبيل سبيل الشكر أو الكفر ان وصف السبيل بالشكر والكفر مجازا والترديد انما هو فى حالتى السبيل من الشكر والكفران دون الاراءة تعلقت يقسمى السبيل وحاليته معافلا يجوز يقال ان هذا التأويل غير مستحسن فان اراءة طريق الحق حقا وطريق الباطل باطلا مستلزم أحدهما
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 149
الاخر فلا يتصور هناك الترديد فالترديد يقتضى ان يكون معناه أريناه أحد الطريقين دون الاخر أريناه الحق أو الباطل حقا فسلك تلك الطريق وحينئذ يلزم كون الإنسان مقدورا على سلوك طريق الباطل وقيل معنى الكلام الشرط والجزاء فاما مركبا ان الشرطية وما الزائدة فمعناه ان كان شاكرا أو كفورا فقد هديناه السبيل ولم نترك عذرا وقال كفورا ولم يقل كافرا حتى طابقت قسميه لرعاية الفواصل ولان الشاكر فلما يخلو عن نوع من الكفران فقسمه هو المبالغ فى الكفران وجملة انا هديناه السبيل مستأنفة فكانه فى جواب من قال فما فعل بالإنسان وما فعل هو بعد ما خلق وجعل له السمع والبصر.(1/6872)
إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ فى جهنم سَلاسِلَ قرأ نافع والكسائي وأبو بكر وهشام سلاسلا بالتنوين للمناسبة وصلا وقفوا بالألف عوضا منه وقرأ الباقون بغير تنوين وصلا وقف حمزه وقنبل وحفص بغير الف وكذا روى عن البزي وابن ذكوان وقف الباقون بالألف صلة للفتحة وَأَغْلالًا فى أيديهم نقل إلى عنقهم وَسَعِيراً وقودا شديدا وهذه الجملة والتي بعدها مستانفين كانهما فى جواب ما نصيب الشاكرين وما نصيب الكافرين وقدم وعيد الكافرين مع تأخر ذكرهم لان إنذارهم انفع وتصدير الكلام وختمه بذكر المؤمنين احسن.
إِنَّ الْأَبْرارَ جمع بر بفتح الباء كارباب أو بار كالشهادة يعنى المؤمنين الصادقين فى ايمانهم والمطيعين لربهم ومصدره البر كسر الباء بمعنى الصلة والخير والاتساع فى الإحسان والصدق والطاعة كذا فى القاموس وكل ذلك صفات المؤمنين يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ قال فى الصحاح الكأس الا نائما فيه من الشراب ويسمى كل واحد منهما بانفراده كاسا يقال كأس خال ويقال شربت كأسا وكاسا طيبة وفى القاموس الكأس الإناء يشرب فيه أو ما دام الشراب فيه ولا تخصيص فى الشراب بخمر أو لبن أو عسل أو ماء وهاهنا يحتمل ان يكون الإناء أو من للابتداء والمعنى يشربون مشروبا خمرا ولبنا وماء وعسلا من كاس أى من ظرفه ويحتمل ان يكون بمعنى المشروب اما حقيقة أو مجازا تسمية الحال باسم المحل نحو جرى النهر ومن حينئذ اما زايدة أو للتبعيض أو للبيان ويحتمل ان يكون الإناء بما فيه ويكون من للابتداء كانَ مِزاجُها ما تمزج الضمير عايد إلى كاس حقيقة ان كان بمعنى الشرب ومجازا على طريقة إذا نزل السماء بأرض قوم وعينا ان كان بمعنى الإناء يعنى كان مزاج ما فيها كافُوراً ج قال قتادة يمزج بهم بالكافور ويختم بالمسك وقال عكرمة مزاجها
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 150(1/6873)
طعمها كافورا أى ككافور فى طيب الطعم والريح كما فى قوله تعالى حتى إذا جعله نارا أى كنار وقال عطاء والكلبي الكافور اسم لعين الماء فى الجنة ونظيره قوله تعالى ومزاجه من تسنيم.
عَيْناً بدل من كافور ان جعل اسم ماء أو بدل من محل من كاس على تقدير مضاف أى ماء عين أو منصوب على الاختصاص أو المدح أو بفعل يفسره ما بعده يَشْرَبُ بِها الباء زائدة أى يشربها أو صلة على تضمين يعنى ملتذا بها أو ممزوجا بها أو بمعنى من الابتداء عِبادُ اللَّهِ الذين عبدوا اللّه وحده مخلصين له الدين يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً أى يقودون تلك العين ويجرونها اجراء سهلا حيث شاؤا من منازلهم وقصورهم أخرج عبد اللّه بن احمد فى رواية الزهد عن ابن شوذب قال فهم قضيان من ذهب يفجرونها بها بتبع قضائهم.(1/6874)
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ جملة مستانفة فى جواب ما بالهم يثأبون كذلك أو فى جواب الأبرار ما هم فهو تعريف للابرار بانهم يودون الواجبات ويخافون اللّه فيجتنبون المكروهات ويرحمون العباد ويفعلون الحسنات خالصا للّه تعالى ابتغاء مرضاته هذا شأن الأبرار ويحصل ذلك المراتب بعد فناء النفس وزوال رزائله واما المقربون فشأنهم ارفع من ذلك أو تعليل لما سبق يعنى ان الأبرار يشربون إلخ لانهم يوفون النذر فى الدنيا والنذر فى اللغة ان توجب على نفسك ما ليس بواجب كذا فى الصحاح وايفائهم ما يوجبوا على أنفسهم ما ليس بواجب عليه يدل بالطريق الاولى على ايفائهم ما فرض اللّه عليهم من الصلاة والزكوة والصوم والحج والعمرة والجهاد وغيرها فلعله هو المراد بما قال قتادة يوفون بما فرض اللّه عليهم من الصلاة والزكوة والحج والعمرة وغيرها من الواجبات - (فصل) للايجاب ولما كان النذر عبارة عن إيجابه على نفس ما ليس بواجب ظهر انه لا بد لانعقاده من شرطين أحدهما ان يكون طاعة فان ما ليس بطاعة لا يصلح للايجاب قال رسول اللّه صلعم انما النذر ما ابتغى به وجه اللّه رواه احمد من حديث عبد اللّه بن عمرو بن العاص والثاني ان لا يكون واجبا بايجاب اللّه تعالى وقال أبو حنيفة ولا بد أيضا ان يكون العبادة مقصودة بنفسها وان يكون من جنسها واجب بايجاب اللّه وعند الجمهور لا يشترط ذينك الشرطين والإجماع على وجوب الاعتكاف بالنذر يقتضى انتفاء هذين الشرطين فانه عبادة لاجل انتظار الصلاة لا بنفسه وليس منه عينه واجب ومن ثم قال الشافعي يجب بالنذر كل قربة لا تجب ابتداء كعيادة المريض
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 151(1/6875)
و تشييع الجنازة والسلام ويدل على التعميم حديث عائشة من نذر ان يطيع اللّه فليطعه ومن نذران يعصى اللّه فلا يعصه رواه البخاري وزاد الطحاوي وفى هذه الوجه وليكفر عنه عن يمينه قال ابن العطاء عند الشك فى رفع هذه الزيادة (مسئلة : ) من نذر بطاعة وقيده بقيود للطاعة فيها يلغو تلك القيود وينعقد النذر بالطاعة كمن نذر بالصلوة فى مكان معين وبالصوم قايما ونحو ذلك فيجب الصلاة والصوم ويتادى بكل مكان وعلى كل حال اجماعا الا ان أبا يوسف والشافعي وغيرهما قالوا لو نذران يصلى فى المسجد الحرام لم يجزه فى غيره ولو نذر فى المسجد الأقصى أو مسجد النبي صلى اللّه عليه وسلم يجوز له الأداء فى المسجد الحرام ولم يجزه فيما هو اقل منه فضلا وقال أبو حنيفة رض فى جميع الصور يجوز الأداء فى كل مكان وفى حديث جابر ان رجلا قال يوم الفتح يا رسول اللّه صلعم انى نذرت ان افتح اللّه عليك مكة ان أصلي فى البيت المقدس فقال له رسول اللّه صلعم صل هاهنا فاعادها على النبي صلعم مرتين أو ثلثا فقال النبي صلعم شانك إذا رواه أبو داود والدارمي فبهذا الحديث الغى أبو حنيفة تقييده بالمسجد الأقصى قال أبو يوسف والشافعي تقييده الصلاة بمسجد من هذا المساجد الثلاثة كثرة الثواب والمعنى الطاعة فلا يلغى عن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلعم صلوة فى مسجدى هذا خير من الف صلوة فيما سواه الا المسجد الحرام متفق عليه وعن انس قال قال رسول اللّه صلعم صلوة الرجل فى بيته بصلوة وصلوته فى مسجد القبائل بخمس وعشرين صلوة وصلوته فى المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلوة وصلوته فى المسجد الأقصى بألف صلوة وصلوته فى مسجدى بخمسين الف صلوة وصلوته فى المسجد الحرام مائة الف صلوة رواه ابن ماجه وقال انما ذلك على الصلاة المكتوبات لا على النوافل عن زيد بن ثابت قال قال رسول اللّه صلعم صلوة المرأ فى بيته أفضل من صلوته فى مسجدى هذا الا المكتوبة رواه(1/6876)
ابو داود والترمذي وما يدل على الغاء قيود لا طاعة وفيها حديث ابن عباس قال بينا رسول اللّه صلعم يخطب إذا هو برجل قائم فى الشمس فسال عنه فقال أبو إسرائيل نذران يكون ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ولا يصوم فقال مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه رواه أبو داود وابن ماجة وابن حبان ورواه البخاري وليس فيه فى الشمس ورواه مالك فى المؤطأ مرسلا وفيه تأمره بإتمام ما كان للّه طاعة وتترك ما كان معصية قال مالك ولم
يبلغنى انه امر بكفارة
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 152(1/6877)
و أخرجه الشافعي وفى آخره ولم يأمره بكفارة ورواه البيهقي من حديث محمد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس وفيه الأمر بالكفارة ومحمد بن كريب ضعيف (مسئلة : ) من فاته ما وجب عليه بالنذر يجب قضاءه بمثله حقيقة أو حكما فيقتضى الصلاة بالصلوة والصوم بالصو م والشيخ الفاني يطعم بكل صوم مسكينا ومن نذر الحج ماشيا فركب بعذر يهدى هديا وبه قال الجمهور وهو الصحيح من مذهب أبى حنيفة وفى رواية الأصل عن أبى حنيفة لا يجب عليه المشي فى الحج بالنذر فلا يجب عليه الهدى لحديث عقبة بن عامر الجهني قال نذرت أختي ان تمشى إلى الكعبة حافية حاسرة فاتى عليها رسول اللّه صلعم فقال ما بال هذه قالوا نذرت ان تمشى إلى الكعبة حافية حاسرة قال مروها فلتركب ولتخمر متفق عليه وحديث انس ان رسول اللّه صلعم راى شيخا يهادى بين ابنين له فسأل عنه فقال نذران يمشى فقال ان اللّه لغنى عن تعذيب هذا ويأمره بان يركب متفق عليه قلنا اما حديث عقبة بن عامر فقد رواه أبو داود بسند جيد نذرت أختي ان تمشى إلى البيت فامر النبي صلعم ان تركب وتهدى هديا وروى داود من حديث زيد بن عباس بلفظ ان اخت عقبة بن عامر نذرت ان تحج ماشية وان لا تطيق ذلك فقال النبي صلعم ان اللّه غنى عن مشى أختك فلتركب ولتهد بدنة وروى الطحاوي من حديث عقبة بن عامر نحوه بسند حسن فظهران ما فى الصحيحين فيه اختصار على ذكر بعض المروي وما ذكرنا من الروايات يقتضى تخصيص البدنة بالهدى وروى عبد الرزاق عن على بسند صحيح فيمن نذران يمشى إلى البيت قال يمشى فان عيى ركبوا هدى جذورا واخرج نحوه عن ابن عمر وابن عباس وقتادة والحسن (مسئلة) ومن نذر بمعصية أو بامر مباح لا يصلح للطاعة لا يجب ولا ينعقد النذر اجماعا فيلغو عند أبى حنيفة وعند الجمهور يتعقد يمينا للتحرز عن الغاء كلام العاقل وصيغته أكيد يصلح لكونه يمينا لفظا لاشتماله على ذكر اسم اللّه تعالى ومعنى لان فيه تحريم ضد(1/6878)
المنذور فضدهم يجب ان يحنث ويكفر فى المعصية وفى المباح يخير بين ان يفعل أو يكفر والحجة لهم أحاديث حديث عقبة بن عامر كفارة النذر كفارة اليمين رواه مسلم وحديث عمران بن حصين مرفوعا لا نذر فى معصية اللّه وكفارته اليمين رواه النسائي والحاكم والبيهقي ومداره على محمد بن زبير الحنظلي وهو ليس بالقوى وقال الحافظ بن الحجر له طرق اخر إسنادها صحيح الا انه معلول ورواه احمد واصحاب السنن
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 153(1/6879)
و البيهقي من رواية الزهري عن أبى سلمة عن أبى هريرة وهو منقطع لم يسمع أبو سلمة عن أبى هريرة ورواه اصحاب السنن عن عائشة وفيه سليمان بن أرقم متروك ورواه الدار قطنى عن عائشة مرفوعا من جعل عليه نذرا فى معصية اللّه فكفارته كفارة اليمين وفيه غالب بن عبد اللّه متروك وروى أبو داود من حديث كريب عن ابن عباس واسناده حسن قال النووي حديث لا نذر فى معصية اللّه فكفارته كفارة يمين ضعيف باتفاق المحدثين وقال الحافظ قد صححه الطحاوي وأبو على ابن السكن وحديث ابن عباس ان رسول اللّه صلعم قال من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا فى معصية فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا اطاقته فليف به رواه أبو داود وابن ماجة وحديث ثابت بن الضحاك ان رجلا نذر ان ينحرا بلا فى موضع وفى رواية ببوانة فقال له رسول اللّه صلعم هل كان فيه وثن من الأوثان الجاهلية تعبد قالوا لا قال هل كان فيها عيد من أعيادهم قالوا لا قال رسول اللّه صلعم أوف بنذرك رواه أبو داود وسنده صحيح وروى من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ونحوه روى ابن ماجة عن ابن عباس وهذا الحديث يدل على جواز وفاء النذر بما ليس بطاعة ولا معصية وكذا حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان امرأة قالت يا رسول اللّه انى نذرت ان اضرب على راسك بالدف تعنى عند قدومك قال أو فى بنذرك رواه أبو داود ولعل ذلك قبل تحريم الضرب بالدف والنذر المعلق عند(1/6880)
وجود الشرط حكمه حكم المنجز مطلقا عند أبى حنيفة فى ظاهر الرواية وعند أبى يوسف وهى رواية عن الشافعي وبه قال مالك غير انه قال فى صدقة جميع المال يلزمه التصدق بالثلث وفيما سوى ذلك فعنده يجب عليه الوفاء بما أوجب لا غير وروى عن أبى حنيفة انه رجع عن هذا القول وقال أجزأه عن المعلق كفارة يمين ويخرج عن العهدة بفعله وبه قال محمد واختار صاحب الهداية والمحققون عن علماء الحنفية ان المراد بالشرط الذي يجزء عنه الكفارة عند أبى حنيفة الشرط الذي لا يريد وجوده نحو ان دخلت الدار وكلمت فلانا أو فعلت كذا فعلىّ حج أو صوم سنة ويسمى هذا النذر نذر الحاج واما الشرط الذي يريد وجوده نحو ان شعبت أو قدم غايبى أو مات عدوى أو ولدت امرأتى ابنا فعلىّ كذا قالوا وجب عليه الوفاء لا غير ويسمى هذا النذر نذر تبرد ولهذا التفصيل قال احمد وهى الأظهر من الروايات عن الشافعي
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 154(1/6881)
و الرواية الثالث عن الشافعي ان الواجب فى النذر الحاج الكفارة لا غير وهى رواية عن احمد عن سعيد بن المسيب ان أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث فسال أحدهما صاحب القسمة فقال ان عدت بشانهما القسمة فكل مالى فى رباح الكعبة فقال له عمران الكعبة غنية عن مالك كفر عن يمينك وكلم أخاك فانى سمعت رسول اللّه صلعم يقول لا يمين عليك ولا نذر فى معصية الرب ولا فى قطعة الرحم ولا فى فيما لا يملك رواه أبو داود - (مسئلة : ) ومن نذر بعبادة لا يطيقها جاز له ان يكفر عنه وقال أبو حنيفة يستغفر اللّه ولا كفارة عليه لنا ما مر من حديث ابن عباس من نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين وحديث فى قصة اخت عقبة قال النبي صلعم ان اللّه لا يصنع بشقاء أختك مشيا فلتركب ولتحج راكبة وتكفر يمينها رواه أبو داود وعن عبد اللّه بن مالك عن عقبة بن عامر قال نذرت أختي ان أحج للّه ماشية غير مختمرة فذكرت ذلك لرسول اللّه صلعم قال قل لاختك فلتخمر ولتركب ولتصم ثلثة رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي وروى الطحاوي نحوه ووجه الجمع ان النبي صلعم لعله امر بالكفارة بعد ما علم عجزها عن هذا واللّه تعالى أعلم وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ أى مكروهة وفى الصحاح الشر الذي يرغب عنه مُسْتَطِيراً منتشر غاية الانتشار من استطار الحريق والفجر قال مقاتل كان شره فاشيا فى السموات فانشقت وتناثر كواكبها وكورت الشمس والقمر وفزعت الملائكة وفى الأرض فنسفت الجبال وغارت المياه فكسر كل شىء على الأرض من جبال وبناء فيه اشعار إلى حسن عقيدتهم واجتنابهم عن المعاصي كما ان فى يوفون بالنذر دلالة على إتيانهم الواجبات وقوله تعالى.(1/6882)
وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ إلى آخره اشارة إلى ترحمهم على عباد اللّه وإتيانهم الحسنات النافلات خالصا للّه تعالى ابتغاء مرضاته عَلى حُبِّهِ أى على حب اللّه تعالى أو على حبهم الإطعام وحاجتهم إليه مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً أخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال لم يكن النبي صلعم ياسر أهل الإسلام ولكنها نزلت فى أهل الشرك كانوا يأسرونهم فى اللّه فنزلت فيهم فكان النبي صلعم يأمر بالإحسان إليهم كذا قال قتادة وقال مجاهد وسعيد بن جبير هو المسبحون من أهل القبلة والاول اظهر وقيل الأسير المملوك وقيل المرأة قال رسول اللّه صلعم اتقوا اللّه سبحانه فى الضعيفين المملوك والمرأة رواه ابن عساكر عن أبى عمرو عن أم سلمة اتقوا اللّه فى الصلاة وما ملكت
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 155(1/6883)
رواه الخطيب وروى البخاري فى الأدب عن على مرفوعا اتقوا اللّه فى ما ملكت ايمانكم وروى البغوي اتقوا اللّه فى النساء فانهن عندكم عوان قال البغوي اختلفوا فى سبب نزول هذه الآية قال مقاتل نزلت فى رجل من الأنصار اطعم فى يوم واحد مسكينا ويتيما وأسيرا وروى مجاهد وعطاء عن ابن عباس انها نزلت فى على بن أبى طالب وذلك انه عمل لليهودى بشئ من شعير فقبض الشعير فطحن منه ثلثه ، فاصلحوا منه شيئا لياكلوه فلما تم إنضاجه اتى مسكين فساله فاخرجوا إليه الطعام ثم عمل الثلث الثاني فلما ثم إنضاجه اتى يتيم فسال فاطعموه ثم عمل الثلث الباقي فلما تم إنضاجه اتى أسير من المشركين فسال فاطعموه وطووا ليومهم ذلك وروى الثعلبي عن ابن عباس ان الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول اللّه صلعم فقال يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك فنذر على وفاطمة وقضة جاريته لهما ان يصوموا ثلثة ايام ان برأ فشفيا وما معهم طعام فاستقرض علىّ من سمعون الخيبري ثلث أصوع من الشعير فطحنت فاطمة رضى اللّه عنها صاعا وأخبزت خمسة أقراص فوضعوا بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم مسكين فاثروه وباتوا ولم يذوقوا الا الماء وأصبحوا صياما فلما امسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم فوقف عليهم فى الثالثة أسير فافعلوا مثل ذلك فنزل جبرئيل بهذه السورة وقال خذها يا محمد هناك اللّه فى أهل بيتك قال الحكيم الترمذي هذا حديث مفصل لا يروح الا على أحمق وجاهل وأورده ابن الجوزي فى الموضوعات وقال هذا لا يشك فى وضعه قال السيوطي لان السورة مكية ودخول على على فاطمة بعد الهجرة بسنتين قلت وهذا الاعتراض ملحق بما قال مقاتل وما قال مجاهد وعطاء أيضا فان نزول الآية فى رجل من الأنصار يقتضى كون الآية مدنية وكذا عمل على لليهودى بشئ من الشعير أيضا لا يتصور الا فى المدينة لان اليهود لم يكونوا بمكة بل نفس الآية يقتضى كونها مدنية لان الأسارى لم تكن الا بالمدينة لم يكن بمكة جهاد اولا(1/6884)
اسرا فالظاهر ان بعض هذه الصورة مدنية وان كانت بعضها مكية وعلى كون كلها مكية ففى الآية اخبار بالغيب عن حال المسلمين بعد الهجرة.
إِنَّما نُطْعِمُكُمْ حال من يطعمون بتقدير القول أى قائلين نطعم لهم هذا القول اما تحقيقا أو تقدير القول بلسان الحال قال المجاهد وسعيد بن جبير انهم لم يتكلموا به ولكن علم اللّه ذلك من قلوبهم فاثنى عليهم لِوَجْهِ اللَّهِ لفظ الوجه مقحم أى للّه وطلب مرضاته ثوابه لا نُرِيدُ مِنْكُمْ
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 156
جَزاءً
عوضا بدنيا ولا ماليا وَلا شُكُوراً مصدر كالدخول والجروح والقبول روى عن عائشة انها كانت تبعث بالصدقة إلى أهل بيت ثم تسال المبعوث ما قالوا فان ذكر دعاء دعت لهم بمثله ليبقى صواب الصدقة لها خالصا عند اللّه.
إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا تعليل للاطعام بعد تعليل كأنَّه معطوف على لوجه اللّه بحذف العاطفة وحذف حرف الجر يعنى نطعمكم طمعا وخوفا من اللّه المطلوب مرضاته وثوابه للخوف من غضبه وعذابه عن انس قال قال رسول اللّه صلعم ان الصدقة لتطفى غضب الرب ويدفع منه السوء رواه الترمذي يَوْماً ظرف لمقدر أى نخاف من عذاب ربنا عَبُوساً العبوس الذي يجمع ما بين عينيه حزنا وصف اليوم به مجازا على طريقة نهارك صايم قَمْطَرِيراً شديد العبوس كذا قال الكلبي وقال اخفش قمطرير أشد ما يكون من الأيام وأطوله فى بلاء وفى القاموس القمطرير الشديد واقمطر اشتد نفسه ترقى من الأدنى إلى الأعلى.
فَوَقاهُمُ اللَّهُ ذكر المستقبل بلفظ الماضي اشعار القطع وقوعه الفاء للسببية أى لاجل خوفهم واجتنابا بموجب العذاب فى ذلك اليوم وقاهم اللّه شَرَّ أى مكاره ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ أعطاهم بدل العبوسة نَضْرَةً حسنا فى الوجه وَسُرُوراً فى القلب.(1/6885)
وَ جَزاهُمْ اللّه حيث لم يطلب الجزاء عن غيره بِما صَبَرُوا على طاعات اللّه عن معاصية وعلى الجوع عند اطعام المسكين وعلى القتل فى الجهاد وعلى المعصية عند الصدقة جَنَّةً دخلوها وَحَرِيراً ألبسوه.
مُتَّكِئِينَ حال من الضمير المنصوب فى جزاء أو من المرفوع فى ادخلوا المقدر فِيها فى الجنة عَلَى الْأَرائِكِ ج أى السرر فى الحجال أخرج البيهقي عن ابن عباس قال لا يكون الأرائك حتى يكون السرير فى الحجلة فان كان سرير بغير حجلة لا يكون أرائكه وان كان حجلته بغير سرير لا يكون أرائكه فإذا اجتمعا كان أرائكه لا يَرَوْنَ حال من فاعل متكئين أو من ذى حاله فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً قال فى القاموس الزمهرير شدة البرد القمر وازمهرت الكواكب أى لمعت فالمراد بالزمهرير اما شدة البرد وبالشمس لازمه أى الحر فالمعنى لا حر فيها ولا برد ليدوم فيها هواء معتدل أخرج ابن المبارك وعبد اللّه بن احمد فى زوايدة وابن مسعود قال الجنة سجيح لاحر فيها ولا قرأ والمراد بالزمهرير القمر اولا مع من الكواكب
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 157
فالمعنى ان الجنة مضية بنفسها ومشرقة بنور ربها لا يحتاج إلى شمس ولا إلى قمر أخرج البيهقي عن شعيب بن الجيحان قال خرجت انا وأبو عالية الرباحي قبل طلوع الشمس فقال ينسب ان الجنة هكذا ثم تلا وظلّ مّمدود وقلت ليس معنى قول أبى العالية الجنة هكذا تشبيه بنور الصبح فانه نور ضعيف مختلط بالظلمة كما لا يخفى بل تشبيه فى انبساط نوره بل انقطاع.(1/6886)
وَ دانِيَةً أى قريبة عطف على متكئين أو على محل لا يرون ويرون دانية أو على جنة بتقدير الموصوف أى وجنة اخرى دانية عليهم ظلالها فيكون نظير القوله تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان لكن لهذا التأويل ضعف لاقتضائه ان لا يكون الجنة الاولى دانيه الظلال إذا القسمة تنافى الشركة عَلَيْهِمْ أى منهم ظِلالُها فاعل دانية وَذُلِّلَتْ حال من ظلالها بتقدير قد أو عطف على دانية على طريقة فالق الإصباح وجعل الليل سكنا أو حال من ذى حال دانية والعائد محذوف أى ذللت لهم قُطُوفُها أى ثمارا تَذْلِيلًا أى جعلت سهل التناول لا يمتنع على قطوفها كيف شاؤا أخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن البراء بن عازب ان أهل الجنة يأكلون من ثمار الجنة قياما وقعودا ومضطجعين على أى حال شاؤا.
وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ أى أباريق بلا عرى كذا أخرج هناد عن مجاهد كانَتْ أى الكواكب الجملة صفة بها قَوارِيرَا حال من فاعل كانت على تقدير كونها تامة أى تكونت أكواب حال كونها قوارير أى مثل قوارير وخبرها على تقدير كونها ناقصة أى تكون مثلها فى الصفاء أخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس قال آنية من فضة صفائها كصفاء القوارير واخرج سعيد بن مسعود بن عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عباس لو أخذت فضة من فضة الدنيا فضربتها حتى تجعلها مثل جناح الذباب لم يرى الماء من ورائها لكن من أواني الجنة بياض الفضة فى صفاء القوارير.(1/6887)
قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ بدل من الأول أخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس قال ليس فى الجنة شىء الا قد أعطيتم فى الدنيا شبه القوارير من فضة قال الكلبي ان اللّه جعل قوارير كل قوم من تراب ارضهم وان ارض الجنة من فضة فجعل منها قوارير يشربون فيها قرأ ابن كثير قوارير الأول بالتنوين لتناسب رؤس الاى والثاني بلا تنوين بعدم الانصراف وقرأ نافع والكسائي وأبو بكر كلاهما بالألف تبعا للخط لا حمرة
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 158
فيغير الالف ومن نون الثاني أيضا بالألف عوضا من التنوين ومن لم ينون وقف بغير الف على القياس الا هشام فبالالف صلة للفتحة على الرواية قَدَّرُوها تَقْدِيراً صفة ثانية لاكواب أو حال بتقدير قد والمعنى قدرها لهم السقاة والخدم الذين يطوفون عليهم على قدر ريهم لا يزيد ولا ينقص كذا أخرج الفريابي فى نفسه عن ابن عباس قال الشيخ الاجل يعقوب الكرخي رضى اللّه عنه لعل هذا اشارة إلى ان مقادير الأكواب يكون على حسب مقادير استعدادات الأرواح فى المعارف الالهية واخرج هناه عن مجاهد تقديرها انها ليست بالملأى التي تفيضه ولا ناقصة بقدر أو المعنى قدرها أهل الجنة فى أنفسهم فجاءت مقاديرها وأشكالها لما تمنوه أو قدروه بأعمالهم الصالحة فجاءت على حسبها.(1/6888)
وَ يُسْقَوْنَ فِيها معطوف على يطاف عليهم كَأْساً المراد بالكأس هاهنا المشروب اما حقيقة أو على طريق جرى النهر كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا صفة لكاس كانت العرب يستلذون الشراب الممزوج بالزنجبيل قواعد اللّه بذلك قال ابن عباس ما ذكر اللّه فى القرآن بما فى الجنة وسماه ليس له فى الدنيا مثل وقيل عين فى الجنة يوجد منها طعم الزنجبيل وقال قتادة يشربها المقربون صرفا ويمزج لسائر أهل الجنة قلت ذكر اللّه تعالى فى الجنة كاسا كان مزاجها كافورا وكاسا كان مزاجها زنجبيلا ذلك على اختلاف رغبة الشاربين فان محرور الطبيعة يعجبه التبريد فيرغب إلى كاس كان مزاجها كافورا والمبرود يعجبه التسخين فيرغب إلى كاس كان مزاجها زنجبيلا ولكل يرغب فيه.
عَيْناً بدل من زنجبيلا ان كان الزنجبيل اسما لعين والا فهو بدل من كاس على حذف المضاف أى كاس عين فِيها تُسَمَّى تلك العين سَلْسَبِيلًا أخرج سعيد ابن منصور وهناد والبيهقي عن مجاهد قال هى حديدة الحربة انتهى ويقر شراب سهل الانحدار فى الخلق والمساغ سلسل سلسالا وسلسبيلا فقيل الباء فيه زائدة وقال الزجاج سميت بذلك لانها منقادة لهم يصرفونها حيث شاؤا وقال مقاتل وأبو العالية سميت به لانها تسيل عليهم فى الطريق ...... . وفى منازلهم ينبع من اصل العرش من جنة عدن إلى أهل الجنان وشراب الجنة على برد الكافور وطعم الزنجبيل وريح المسك.
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ عطف على الجملة السابقة - وِلْدانٌ ينشئهم اللّه لخدمة المؤمنين أو ولدان الكفرة يجعلهم اللّه خدما لاهل الجنة مُخَلَّدُونَ أى لا يموتون ولا يهرمون إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً لا يموتون ولا يهرمون
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 159(1/6889)
إذا رأيتهم لانتثارهم فى الخدمة ولو كانوا صفا شبهوا بالمنظوم والجملة الشرطية صفة ثانية للولدان أخرج ابن المبارك وهناد والبيهقي عن ابن عمر قال ان ادنى أهل الجنة من يسعى عليه الف خادم على عمل ليس معه صاحبه وتلى هذه الآية واخرج ابن أبى الدنيا عن انس قال قال رسول اللّه صلعم ان أسفل أهل الجنة أجمعين درجة من يقوم على راسه عشرة آلاف خادم واخرج ابن أبى الدنيا عن أبى هريرة ان ادنى أهل الجنة منزلا من يغدوا ويروح عليه خمسة آلاف خادم ليس منهم خادم الا ومعا ظرف ليس مع صاحبه واللّه تعالى أعلم أخرج ابن المنذر عن عكرمة قال دخل عمر بن الخطاب على النبي صلى اللّه عليه واله وسلم وهو راقد على حصير من جريد فاثر فى جنبه فبكى عمر فقال ما يبكيك قال ذكرت كسرى وملكه وهرمز وملكه وصاحب الحبشة وملكه وأنت رسول اللّه على حصير من جريد فقال رسول اللّه صلعم اما ترضى ان لهم الدنيا ولنا الاخرة فأنزل اللّه تعالى.
وَإِذا رَأَيْتَ حذف مفعوله ونزل منزلة اللازم - ثَمَّ ظرف لرايت أى فى الجنة رَأَيْتَ نَعِيماً كثيرا وَمُلْكاً كَبِيراً الجملة الشرطية معترضة فى الجنة وقد مر فيما سبق عن ابن عمر مرفوعا ادنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جناته وأزواجه وخدمه وسرره مسيرة الف سنة وفى رواية مسيرة الفى عام يرى أقصاه كما يرى أدناه وقيل « لك لا يزول ويسلم عليهم الملائكة ويستاذنهم فى الدخول ولهم فيها ما يشاؤن ويرون الرب الجليل.(1/6890)
عالِيَهُمْ قرأ نافع وحمزة بإسكان الياء على انه مبتداء وما بعده خبره من جملته حال من ضمير عليهم فى يطوف عليهم أو من المنصوب فى حسبتهم أو من ملكا كبيرا بحذف المضاف أى أهل ملك كبير والباقون بالنصب على انه ظرف مستقر بمعنى فوقهم خبر لما بعده أو حال مما ذكرنا وما بعده فاعل الظرف ثِيابُ سُندُسٍ بالاضافة مبتداء أو خبر أو فاعل لما قبله والسندس معرب ضرب من رقيق الديباج كذا فى القاموس خُضْرٌ اخضر قرأ نافع وحفص وأبو عمرو ابن عامر بالرفع على انه صفة ثياب والباقون بالجر على انه صفة سندس وَإِسْتَبْرَقٌ زاى الديباج الغلظ معرب استبره أو ديباج يعمل بالذهب أو ثياب حرير صفاق نحو الديباج كذا فى القاموس قرأ نافع وابن كثير وعاصم بالرفع عطفا على ثياب والباقون بالجر عطفا على سندس عن ابن عمر قال قال رجل يا رسول اللّه صلعم أخبرنا عن ثياب أهل الجنة اخلق يخلق أم نسج ينسج فقال بلى ينشق عنها
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 160(1/6891)
ثمر الجنة رواه النسائي والبزار والبيهقي بسند جيد وعن جابر قال فى الجنة شجرة ينبت السندس يكون ثياب أهل الجنة رواه البزار والطبراني وأبو يعلى بسند صحيح وعن عمر بن الخطاب ان النبي صلى اللّه عليه وسلم قال من لبس الحرير فى الدنيا لم يلبسه فى الاخرة متفق عليه وروى النسائي والحاكم وعن أبى هريرة نحوه وزاد ومن شرب الخمر فى الدنيا لم يشربه فى الاخرة ومن شرب من آنية الذهب والفضة فى الدنيا لم يشرب بهما فى الاخرة وفى الصحيحين عن انس والزبير نحو حديث عمر وعن أبى سعيد الخدري أيضا نحو حديث عمر وزاد وان دخل الجنة لم يلبسه رواه الطيالسي بسند صحيح والنسائي وابن حبان والحاكم وَحُلُّوا عطف على ويطوف عليهم أو حال من الضمير فى عاليهم بإضمار قد أَساوِرَ منصوب بنزع الخافض مِنْ فِضَّةٍ ج من بيانية وهذا لا يخالف قوله تعالى أساور من ذهب لا مكان الجمع والعاقبة والتبعيض وعلى تقدير كون الجملة حالا من ضمير للخدم فيجوز ان يكون أساور من فضة للخدم ومن ذهب وسوار من فضة وسوار من لؤلؤ واخرج أبو الشيخ فى العظمة عن كعب الأحبار قال ان للّه تعالى ملكا يصوغ على أهل الجنة من أول خلقه إلى ان تقوم الساعة ولو ان حليا يخرج من حلى أهل الجنة لذهب بضوء الشمس وفى الصحيحين عن أبى هريرة ان رسول اللّه صلعم قال يبلغ الحلي من المؤمن حيث يبلغ الضوء واخرج النسائي والحاكم عن عقبة بن عامر قوله صلى اللّه عليه واله وسلم ان كنتم تحبون حلية الجنة وحريرها فلا تلبسوها فى الدنيا وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ معطوف على الجمل السابقة شَراباً طَهُوراً من الاقذار لم تمسه الأيدي كخمر الدنيا قال أبو قلابة وابراهيم انه لا يصير لو لا نجسا ولكن يصير رشحا فى أبدانهم كريح المسك وذلك انهم يوتون بالطعام وإذا كان اخر ذلك أتوا بالشراب الطهور فيشربون فيطهر بذلك بطونهم ويصير ما أكلوا رشحا يخرج من جلودهم أطيب من المسك(1/6892)
الأذفر تعود شهوتهم وقال مقاتل هو عين ماء على باب الجنة من شرب منها نزع اللّه ما كان فى قلبه من غل أو حسد قال البيضاوي ولنعم ما قال هو ان اللّه سبحانه يريد نوعا اخر من الشراب يفوق على النوعين المتقدمين ولذلك أسند إلى نفسه ووصفه بالطهورية فانه يطهر شاربه عن الميل إلى الذات الحسنة والركون إلى ما سوى الحق فتجرد لمعاينة جماله ملتذا بلقائه وهى منتهى درجة الصديقين ذلك ختم به ثواب الأبرار وتختم ثوابهم ومبدأ ثواب الصادقين وادنى درجتهم قال فى المدارك قيل ان الملائكة تعرضون
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 161
عليهم الشراب فيأبون قبوله منهم ويقولون لقد طال أخذنا من الوسائط فإذا هم بكأسات تلاقى أفواههم بغير اكف من غيب إلى عبد ويؤيد هذا القول ما أخرج ابن أبى الدنيا بسند جيد عن أبى امامة قال ان الرجل من أهل الجنة يشتهى الشراب من شراب الجنة فيقع فى يده فيشرب ثم يعود إلى مكانه قال الشيخ الاجل يعقوب الكرخي رض ان السابقين المقربين يعطون الكاسات من تحت العرش بلا واسطة والمقتصدين يعنى الأبرار يعطيهم الملائكة وغيرهم من أهل الجنة يعنى الذين دخلوها بعد المغفرة أو العذاب يعطيهم الولدان انتهى قلت و
هذه الآيات اخبار عن شان الأبرار فلعلهم يعطون الكاسات تارة بتوسط الولدان وتارة بتوسط الملائكة وتارة بلا توسط واما المقربون فلعلهم يعطون بلا توسط غالبا.
إِنَّ هذا النعيم كانَ لَكُمْ جَزاءً لاعمالكم وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ع محمودا مقبولا مرضيا عندنا مجازا فقال فهذا قول لهم من اللّه تعالى كأنهم شكر لهم من اللّه تعالى حيث لم يريدوا مشكورا من غيره تعالى من المسكين واليتيم قلت جعل اللّه سبحانه نعيم الجنة جزاء لاعمالهم تفضلا لهم والا فأى عمل يتصور ان يكون جزاءه كذلك.(1/6893)
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا ج قال ابن عباس يعنى متفرقا اية بعد اية ولم ينزل جملة واحدة وتأكيد الجملة بتقديم المسند إليه على الجزاء الفعلى وتصديرها بان وتكرير الضمير لاشعار بأن الحكمة والصواب منحصر فى هذا النوع من التنزيل كأنَّه كرر الاسناد إلى نفسه وجعله مختصا به والحكيم لا يفعل الا ما هو حكمته.
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ الفاء للسببية يعنى إذا عرفت حال الأبرار والفجار وتأخير جزاء الفريقين أى دار القرار فاصبر على أذى الكفار ولا تعجل فى عقوبتهم ولا تحزن بتأخير نصرك عليهم وإذا علمت ان تنزيل القرآن مختص به تعالى فاصبر نفسك على ما امر به وعما نهى عنه وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ أى من الكفار للضجر من تأخير الظفر آثِماً أى مرتكبا لاثم داعيا لك إليه وان لم يكن ذلك كفرا - أَوْ كَفُوراً ج مرتكبا للكفر داعيا لك إلى الكفر فاو لاحد الامرين منكر وقعت فى حيز النفي فافادت العموم أى لا تطع أحدا دعاك إلى اثم أو دعاك إلى كفر أو إليهما جميعا فانه داع إلى كل واحد منهما ولو وقعت هناك الواو لكان المعنى لا تطع من دعاك إلى الكفر والإثم جميعا ولا يستفاد منه عدم إطاعة الداعي إلى الإثم فقط ومقتضى هذه الآية انه لا بأس فى إطاعة كافر فيما ليس بإثم ولا كفر
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 162(1/6894)
و قيل أو هاهنا بمعنى الواو والمراد بالإثم والكفور أبو جهل لعنه اللّه تعالى وذلك انه لما فرضت الصلاة نهى أبو جهل النبي صلعم عنها وقال لان رايت محمدا يصلى لاطان عنقه فانزل اللّه هذه الآية كذا روى عبد الرزاق وابن المنذر وابن جرير عن قتادة وقال مقاتل أراد بالإثم عتبة بن ربيعة وبالكفور وليد بن المغيرة قالا للنبى صلعم ان صنعت ما صنعت لاجل النساء والمال فارجع عن هذه الأمر وقال عتبة فانا أزوجك ابنتي وأسوقها إليك بغير مهر وقال الوليد انا أعطيك من المال ما ترضى فارجع من هذه الأمر فانزل اللّه تعالى هذه الآية .
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ أى صل شبه عن الصلاة بذكر اسم اللّه تعالى تسمية الشيء باسم جزئه فان التحريمة ركن من اركان الصلاة أو يقال افعال الصلاة وأقوالها كلها ذكر قال رسول اللّه صلعم ان هذه الصلاة ليس فيها شىء من كلام الناس انما هى التسبيح والتكبير وقراءة القرآن رواه المسلم من حديث معاوية بن حكم بُكْرَةً أى أول النهار عنى به صلوة الفجر منصوب على الظرفية وكذا وَأَصِيلًا أى اخر النهار عنى به صلوة الظهر والعصر.
وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ عبر هاهنا عن الصلاة بالسجود وأراد به صلوة المغرب والعشاء ولما كان فى صلوة الليل زيادة كلفته أكده بتقديم الظرف وزيادة الفاء فى فاسجد على تقدير اما أى واما من الليل فاسجد وَسَبِّحْهُ لَيْلًا عبر هاهنا عن الصلاة بالتسبيح والمراد به قيام الليل طَوِيلًا صفة لمصدر محذوف أى تسبيحا طويلا نصف الليل أو اقل أو اكثر منه.(1/6895)
إِنَّ هؤُلاءِ يعنى الكفار مكة يُحِبُّونَ الدار الْعاجِلَةَ فى الدنيا وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ أى قدامهم أو خلف ظهورهم يَوْماً ثَقِيلًا شديدا مستعار من الشغل البالغ فى المشقة على الحال وجملة ان هؤلاء تعليل لقوله تعالى لاتطع منهم اثما أو كفورا يعنى انهم آثمون لا يعملون ما يعملون فى الدنيا ولا يصأون بالاخرة فلا تطعهم.
نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ ج أحكمنا اسرهم خلقهم وارحالهم وربط مفاصلهم وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ فى الخلق وشدة الاسر تَبْدِيلًا مصدر للتاكيد وجملة الشرطية معطوفة على شددنا وجملة نحن خلقناهم مع ما عطف عليه لبيان تشنيع الكفار على كفرهم فى مقابلة النعم وذكر نعمة إيجادهم وتمكينهم لانها اصل النعمة كلها وفى جملة إذا شئنا تسلية للنبى صلى اللّه عليه واله وسلم فى احتمال الاذية منهم ووعد لهم باهلاكهم وتبديلهم بقوم
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 163
مطيع فى الخلق وقد اهلكهم يوم بدر وقيل إذا هاهنا بمعنى ان يعنى ان يشاء اللّه لكن لم يشاء.
إِنَّ هذِهِ السورة أو الآيات تَذْكِرَةٌ ج وموعظة وتذكرة توضح السبيل إلى اللّه سبحانه والى مرضاته فَمَنْ شاءَ التقرب إلى اللّه وسلوك السبيل اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا بالطاعة ودوام الذكر والإخلاص وتقليد النبي صلى اللّه عليه واله وسلم.(1/6896)
وَ ما تَشاؤُنَ قرأ نافع والكوفيون بالتاء على الخطاب والباقون بالياء على الغيبة إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ لا توجد مشيتكم أيها الناس أو مشية الكفار باتخاذ السبيل إلى اللّه وبشئ من الأشياء فى وقت من الأوقات الا وقت مشية اللّه تلك المشية عن عبد اللّه بن عمرو قال قال رسول اللّه صلعم ان قلوب بنى آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء ثم قال رسول اللّه صلعم اللّهم مصرف القلوب صرف قلبى على طاعتك رواه مسلم فلما وجد مشية اللّه بهداية المؤمنين شاء اتخذ السبيل إلى اللّه ولما لم توجد مشية اللّه بهداية الكفار لم يشأ ذلك إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً بما يستاهل كل أحد فيفعل به ما هو أهل له وذلك يستدعى سبق استعدادهم الخير والشر وانما هو يكون المبادي تعينات المؤمنين ماشية من اسم اللّه الهادي ومبادى تعينات الكفار من اسم المضل حَكِيماً لا يشاء الا ما تقضيه الحكمة.
يُدْخِلُ اللّه سبحانه مَنْ يَشاءُ من عباده ورحمته فِي رَحْمَتِهِ ط أى فى جنته فانها محل الرحمة يقذف الايمان والتصديق فى قلبه ومحبة اللّه فى سره وتوفيقه للطاعة وحفظه وتنفيره عن الكفر والمعصية وَالظَّالِمِينَ منصوب بفعل محذوف تفسيره بعده ويعذب الظالمين أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً ع جملة والظالمين معطوف على يدخل والجملتين يقرر ان مضمون ما يشاؤن الا ان يشاء اللّه - واللّه تعالى أعلم - تمت سورة الدهر.
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 164
سورة المرسلات
مكيّة وهى خمسون اية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(1/6897)
وَ الْمُرْسَلاتِ عُرْفاً فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً وَالنَّاشِراتِ نَشْراً فَالْفارِقاتِ فَرْقاً فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً ادغم أبو عمرو الخلاد التاء فى الذال واظهر الجمهور قال مقاتل معنى الملائكة التي أرسلت بالمعروف من امر اللّه ونهيه وهى رواية عن مسروق عن ابن مسعود فعرفا حينئذ مفعول له ويحتمل ان يكون عرفا حالا بمعنى متتابعات من عرف الفرس يعنى أرسلت للاحكام متتابعات فغصفن إلى عصر من عصف الرياح فى امتثال ما أمروا به ونشرن الشرائع فى الأرض بنشر الكتب وانزالها ونشرن ان احين النفوس الموتى بالجهل بما اوتين من العلم ففرقن بين الحق والباطل فالقينا إلى الأنبياء ذكرا أى وحيا أو اليقين فى قلوب المؤمنين ذكر اللّه سبحانه وقال مجاهد وقتادة هى الرياح المرسلات أرسلت متتابعة وقيل عرفا كثير العاصفات شديدة الهبوب عصفا الناشرات السحاب فى الجو نشر الفارقات بين السحاب بالقصر فرقا أو فارقات السحاب بعد المطر فالملقيات ذكر أى تستبين لذلك فان العاقل إذا شاهد هبوبها واثارها ذكر اللّه تعالى وكمال قدرته وشكره على نعمة المطر بعد ما قنطوا ويحتمل ان يكون المراد به آيات القرآن المرسلات إلى محمد صلعم بكل عرف أى معروف فعصفن الاكتاب والأديان بالنسخ ونشرن اثارى الهدى والاحكام فى الشرق والغرب وفرقن بين الحق والباطل فايقين ذكر اللّه بين العالمين أو المراد بها نفوس الأنبياء المرسلات إلى الخلق للهداية والإرشاد وتبليغ الاحكام فغصفن واسرعن وامتثال الأوامر والانتهاء عن المناهي ونشرن الهداية وفرقن بين الحق والباطل فالقين ذكر اللّه تعالى فى قلوب الامة وألسنتهم.
عُذْراً روى عن أبى بكر عن عاصم ضم الذال وهو قراءة الحسن والمشهور عنه ونحن ساير القراء السكون أَوْ نُذْراً قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وأبو بكر بضم الذال والباقون باسكاتها وهما
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 165(1/6898)
بسكون الذال مصدران العذر أو امحى اساءة وانذر إذا خوف وبالضم جمعان للعذير بمعنى المعذرة ونذير بمعنى الانذار أو المعنى العاذر والمنذر ونصبهما على أولين بالعلية أى عذر المؤمنين إمحاء لاساتهم ونذر للكفار تخويفا لهم والرياح سبب بوعيد الكفار بالعذاب إذا أسند والمطرا إلى الأنواء مثلا أو هما منصوبان بالبدلية من ذكر على ان المراد به الوحى وعلى الثالث بالحالية.
إِنَّما تُوعَدُونَ من القيامة والجزاء لَواقِعٌ ط كائن لا محالة الجملة جواب للقسم.
فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ محقت وذهبت بنورها جواب إذا محذوف وهو العامل فيها أى يفصل بين أهل الجنة واهل النار.
وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ أى شقت فصارت لها فرجا.
وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ قلعت من أماكنها وإذا مليت.
وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ قرأ أبو عمر وقتت بالواو وعن أبى جعفر رواية بالواو بالهمزة كالجمهور عوضا عن الواو أى أظهرت وقت جمعهم وشهادتهم على الأمم.
لِأَيِّ يَوْمٍ متعلق بما بعده وقدم عليه لاقتضاء صدر الكلام أُجِّلَتْ ط أخرت وضرب الاجل لذلك الوقت استفهام استعير للتعجب والتهويل.
لِيَوْمِ الْفَصْلِ بدل من لاى يوم وبيان له وجملة لاى يوم معترضة ويحتمل ان يكون ثانى مفعولى أقتت لتضمينه معنى أعلمت.
وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ ط تعجيب اخر وتعظيم امره يعنى انه شىء أعظم لا تعلم كنهه ولم تر مثله.(1/6899)
وَيْلٌ مصدر بمعنى حلول الشر والهلاك فى الأصل منصوب على المصدرية بإضمار فعله عدل به إلى الرفع يجعله مبتداء لدلالته على ثبات الهلاك والشر والجملة دعائية أخرج احمد والترمذي وابن جرير وابن أبى حاتم والحاكم وصححه والبيهقي وابن أبى الدنيا وهناد عن أبى سعيد الخدري عن رسول اللّه صلعم قال ويل واد فى جهنم يهويه الكافر أربعين خريفا قبل ان يبلغ قعره واخرج البيهقي وابن المنذر عن مسعود قال الويل واد فى جهنم يسيل صديد أهل النار جعل اللّه للمكذبين واخرج ابن أبى حاتم عن النعمان بن بشير نحوه واخرج البيهقي وابن جرير وابن المبارك عن عطاء بن يسار قال الويل واد من صديد جهنم لو سيرت فيه الجبال لانذابت من حره واخرج ابن جرير عن عثمن بن عفان عن رسول اللّه صلعم قال الويل جبل فى النار واخرج البزار بسند ضعيف عن سعيد بن أبى وقاص قال قال رسول اللّه صلعم ان فى النار حجرا يقال له ويل يصعد عليه
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 166
العرفاء وينزلون يَوْمَئِذٍ أى يوم إذا النجوم طمست إلى آخره لِلْمُكَذِّبِينَ ليوم الفصل ظرف مستقر خبر لويل يومئذ متعلق به ويحتمل ان يكون يومئذ ظرفا مستقرا صفة لويل.
أَ لَمْ نُهْلِكِ بالعذاب المكذبين أو الْأَوَّلِينَ نحو قوم نوح وعاد وثمود استفهام تقرير.
ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ يعنى كفار مكة السالكين سبيل الأولين فى تكذيب الرسل عطف على مضمون الم نهلك يعنى أهلكنا الأولين ثم نتبعهم الآخرين.
كَذلِكَ صفة مصدر محذوف أى فعلا مثل ذلك الفعل نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ أى نجس المجرمين.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بما اوعدنا.
أَ لَمْ نَخْلُقْكُمْ استفهام تقرير أى خلقناكم مِنْ ماءٍ مَهِينٍ حقير قدرا وهى النطفة.(1/6900)
فَجَعَلْناهُ أى الماء فِي قَرارٍ مَكِينٍ ما يتمكن فيه وهو الرحم ظرف مستقر مفعول ثان لجعلناه ان كان ناقصا بمعنى صيرناه والا فظرف لغو متعلق به وجملة جعلناه معطوفة على مضمون الم نخلقكم الفاء للتفسير لا للتعقيب أو محمول على القلب فى التركيب.
إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ متعلق بقوله فى قرار مكين ان كان ظرفا مستقرا والا فبفعل محذوف أى مؤخرا أى مقدار من الوقت المعلوم عرفا أدناه ستة أشهر وأكثره سنتين أو معلوم عند اللّه مدة لبثه.
فَقَدَرْنا قرأ نافع والكسائي بالتشديد من التقدير أى فقدرنا مدة لبثه فى بطن امه وقت ولادته وعمله واجله ورزقه وشقى أو سعيد عن ابن مسعود قال حدثنا رسول اللّه صلعم وهو الصادق المصدوق ان حلق أحدكم يجمع فى بطن امه أربعين يوما النطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث اللّه إليه ملكا بأربع كلمات فيكتب عمله واجله ورزقه وشقى أو سعيد ثم ينفح فيه الروح فو الذي لا اله غيره ان أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها متفق عليه والباقون من القراء قرؤا بالتخفيف من القدرة يعنى فقدرنا يعنى إيجاده واعدامه وإعادته فَنِعْمَ الْقادِرُونَ نحن أى على كل شىء ويحتمل ان يكون القادر بمعنى المقدر على قراءة نافع.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بقدرتنا وهم الكفار أو بتقديرنا وهم القدرية مجوس هذه الامة.
أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ استفهام تقرير كِفاتاً اسم لما يكفت فيه بضم أو مصدر نعت به مبالغة أو جمع كافت
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 167
كصيام وصائم أو جمع كفت بمعنى الوفاء اجرى الجمع على الأرض باعتبار اقطاعها.(1/6901)
أَحْياءً وَأَمْواتاً حال عن المفعول المحذوف لكفاتا ان كان مشتقا والا فالفعل محذوف دل عليه كفاتا يعنى نكفت الناس احياء على ظهرها فى دورهم ومنازلهم وأمواتا فى بطنها بخروجهم كذا قال الفراء وانما حذف المفعول للعلم به ويحتمل ان يكون مفعولين لكذلك أى نكفت الاحياء والأموات وتنكيرهما للتفخيم أو لان احياء الناس وأمواتهم بعض الاحياء والأموات ويحتمل ان يكونا ثانى مفعول نجعل وكفاتا حال منهما قدم عليهما لتنكيرهما ويحتمل ان يكونا حالين عن مفعول نجعل يعنى الأرض أو كفاتا والمراد بالاحياء والأموات ما ينبت من الأرض وما لا ينبت.
وَجَعَلْنا عطف على مضمون لم نجعل فِيها أى فى الأرض رَواسِيَ جبال شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً ط عاليات والتنكير للتعظيم نابعات من الأرض.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بامثال هذه النعم قال مقاتل وهذه الأمور المذكورة كلها اعجب من المبعث.
انْطَلِقُوا جملة مستأنفة كأنَّه فى جواب ما يصنع بالمكذبين يومئذ وتقديره يقال لهم يومئذ انطلقوا أى سيروا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ج فى الدنيا يعنى نار جهنم.(1/6902)
انْطَلِقُوا بدل من الأول وتأكيد وفيه بيان لما يسيرون إليه إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ قال المفسرون أريد به دخان جهنم قال البيضاوي وغيره الدخان العظيم إذ يرتفع يتفرق ذوائب وفى خصوصية شعب دخان جهنم بالثلث ذكر البيضاوي وغيره وجوها لا ترضيه وعندى وجه الخصوصية بالثلث ان اسباب الدخول فى نار جهنم منحصرة فى ثلث أحدها الكفر باللّه وتكذيب الرسل صريحا وعبارة كقول الكفار افترى على اللّه كذبا ثانيها اتباع الهوى وتكذيب الرسل وآيات اللّه اقتضاء كقوله أهل الهواء من المجسمة والقدرية والروافض والخوارج والمرجئة على خلاف ظواهر النصوص القطعية بتأويلات فاسدة على خلاف الإجماع كما ان المجسمة يكذبون قوله تعالى وجوه يومئذ ناظرة وما دلت من الآيات على وزن الأعمال والصراط ونحو ذلك والروافض والخوارج يكذبون ما تواتر عن الرسول صلعم فى مدح أبى بكر وعمر وعثمان وعلى تواترا معنويا ثالثها اتباع الشهوات فى ارتكاب الكبائر والصغائر وترك الواجبات فهذه الأمور الثلاثة تصلح ان تكونا أسبابا لانشعاب دخان جهنم إلى
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 168
ثلث وشعب قال البغوي قيل يخرج عنق من النار فيشعب ثلث شعب اما النور فتقف على رؤس المؤمنين والدخان تقف على روس المنافقين واللهب تقف على رؤس الكافرين قلت وأيضا يكون هذا القول مرفوعا لكونه مما لا يدرك بالرأي فتأويله انه عبر عن شعبة من شعب الثلث الدخان جهنم بالنور لخفته فى الظلمة بالنسبة إلى أختيه والا فما معنى النور فى نار جهنم وقد قال رسول اللّه صلعم أوقد على نار جهنم الف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها الف سنة حتى اسودت فهى سوداء مظلمة أخرج الترمذي والبيهقي عن أبى هريرة فهذه الشعبة الخفيفة الظلمة بالنسبة إلى أختيها تقف على رؤس عصاة المؤمنين من أهل النار وعن الشعبة ....(1/6903)
الثانية بالدخان لكثرة اجزاء النار فيها وشدة ظلمتها فهى تقف على رؤس المنافقين والمراد بالمنافقين هاهنا هم أهل الهواء الذين يدعون الايمان ويلزمهم الكفر وتكذيب الرسول عليه الصلاة والسلام وليس المراد بالمنافقين هاهنا الذين قالوا أمنا بأفواههم فى العلانية دون السر ولم يؤمن قلوبهم فانهم أشد فى الكفر من الجاهرين وهم فى الدرك الأسفل من النار وقد ذكرنا فى تفسير سورة البقرة وجه اطلاق المنافقين على أهل الهواء وتطبيق ما ضرب اللّه تعالى به مثل المنافقين عليهم وعن الشعبة الثالثة باللهب لكمال احتراقها وشدة التهابها فهو تقف على رؤس الكافرين قلت ويمكن ان يقال المراد بالظل نار جهنم نفسها عبر عنها بالظل مجازا لظلمته واسوداده فان الظل لا يخلو من الظلمة وفيه استهزاء وتهكم بالكفار كما فى ذق انك أنت العزيز الكريم وفى بشره بعذاب اليم فمعنى قوله تعالى انطلقوا إلى ظل ذى ثلث شعب انطلقوا إلى نار جهنم التي هى ذى ثلث طرق موصلة إليها أحدها تكذيب الرسل صريحا ثانيها تكذيبهم اقتضاء ثالثها ارتكاب المعاصي لما ذكرنا.
لا ظَلِيلٍ كظل العرش وظل الجنة للمؤمنين صفة الظل بعد صفة وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ ط أى لا يرد لهب جهنم صفة لموصوف محذوف أى ولا ظل يغنى من اللهب ويحتمل ان يكون معطوفا على ظليل على طريقة فالق الإصباح وجعل الليل فيكون صفة ثالثة لظل مذكورة فى هاتين الصفتين تهكم بهم وروى أوهم لفظ الظل من وقاية الحر والإغناء من اللهب.
إِنَّها الضمير راجع إلى ظل من حيث المعنى ان كان المراد به النار كما ذكرت والا فهو راجع إلى غير مذكور دل عليه الكلام أى جهنم تَرْمِي تعليل لعدم الإغناء بِشَرَرٍ جمع شررة وهى ما تطاير من النار كَالْقَصْرِ ج أى كل شررة فى عظمها كالقصر أى كبيت من حجر أو قرية أو حصن كذا فى القاموس فهو مفرد وقيل هو جمع
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 169(1/6904)
قصرة بمعنى اصل النخل أو الشجر الغليظ.
كَأَنَّهُ أى القصر أفرد الضمير نظرا إلى لفظه جِمالَتٌ جملة كأنَّه صفة ثانية لشرر قرأ حفص وحمزة والكسائي جملة بغير الف وهو جمع جمل والباقون جمالات بالألف على انه جمع جمال فهو جمع الجمع صُفْرٌ جمع اصفر فان الشرر لما فيه من النار به يكون اصفر وقيل معناه اسود كما جاء فى الحديث ان شرر نار جهنم سود كالقير والعرب يسمى سواد الإبل صفر الضربة إلى الصفرة والاول تشبيه فى العظمة وهذا فى اللون والكثرة والتتابع والاختلاط وسرعة الحركة.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بالنار والعذاب - .
هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ أى الكفار نطقا يفيدهم أو لا ينطقون شيئا من فرطا الدهشة والحيرة وهذا فى بعض المواقف وينطقون فى بعضها.
وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فى الاعتذار عطف على لا ينطقون فَيَعْتَذِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ عطف على لا يوذن فيدل على نفى الاذن والاعتذار مطلقا ولعله لم يجعل جوابا عن النفي كيلا يدل على ان عدم اعتذارهم بعد الاذن فيوهم ان لهم عذرا قال حينئذ أى عذرا لمن اعرض عن منعمه وكفر باياديه ونعمه.
هذا يَوْمُ الْفَصْلِ ج بين أهل الجنة واهل النار جَمَعْناكُمْ خبر ثان لهذا أو حال عن يوم الفصل والعامل معنى الاشارة والعائد محذوف أى جمعناكم فيه أو تعليل يعنى هذا يوم الفصل لانا جمعناكم فيه للفصل بين المؤمن والمكذب أو تقرير وبيان للفصل وَالْأَوَّلِينَ فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ حيلة لدفع العذاب كما كنتم تكيدون بالمؤمنين فى الدنيا كما كنتم تقولون أ يعجز كل عشرة منكم ان يبطش بواحد من تسعة عشر خزنة.
فَكِيدُونِ الياء محذوفة أى فكيدونى الان توبيخ وتعجيز جملة الشرطية بتقدير فيقال لكم معطوفة على جمعناكم.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ع بالعذاب إذ لا حيلة لهم يومئذ فى تخليص أنفسهم من العذاب.(1/6905)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ من الشركة أو من المعاصي مطلقا على تفاوت درجاتهم فِي ظِلالٍ كناية عن تكاسف أشجار الجنة كقوله زيد طويل النجاد بمعنى طويل القامة وان لم يكن له نجاد والا فلا شمس حتى يتصور الظل وَعُيُونٍ جارية من ماء غير أسن ولبن لم يتغير طعمه وخمر لذة للشاربين وعسل مصفى.
وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ ط أى لذيذة شتهاه وفيه اشعار بان المآكل والمشارب فى الجنة بحسب شهواتهم بخلاف الدنيا فان فيها يحسب ما يجد الناس.
كُلُوا وَاشْرَبُوا حال من ضمير المرفوع فى الظرف أى مستقرون فى ظلل حال كونهم مقولا لهم ذلك
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 170
او جملة معترضة بتأويل يقال لهم هَنِيئاً صفة المصدر المحذوف أى أكلا هنيئا أو حال أى مهنئين والهنأ ما لا يلحق فيه مشقة ولا يعقبه وخامة بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من عقد القلب بالايمانيات ومعالجته الطاعات وجملة ان المتقين مستأنفة كأنَّه فى جواب سائل يسئل عن حال غير المكذبين بعد ما سمع حال المكذبين.
إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ كذلك فى محل النصب على المصدرية لما بعده والجملة الفعلية خبر ان والاسمية تأكيد لما سبق فان المراد بالمحسنين هم المتقون لا ما هو أخص منه والا يلزم تشبيه الا على بالأدنى وفيه حث على الإحسان يعنى فأحسنوا أيها الناس يجزينكم كما ذكرنا والإحسان بالمعنى الأخص ان تعبد ربك كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك كذا قال رسول اللّه صلعم فى جواب جبرئيل سال عنه رواه الشيخان فى الصحيحين عن عمر بن الخطاب.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بالجنة حيث يحرمون من النعيم.
كُلُوا وَتَمَتَّعُوا كلام مستأنف خطاب للمكذبين فى الدنيا على وجه التهديد قَلِيلًا منصوب على المصدرية وعلى الظرفية أى أكلا قليلا أو زمانا قليلا ما دمتم فى الدنيا ثم ينقطع ذلك عنكم إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ تعليل للتهديد.(1/6906)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ حيث عرضوا أنفسهم على العذاب الأليم لاجل التمتع القليل أخرج ابن المنذر عن مجاهد ان النبي صلعم امر وفد ثقيف بالايمان والصلاة فقالوا ولكن لا نجبى فانها مسبة فى القاموس التجبية وضع يديه على ركبة أو على الأرض أو الإكباب على وجهه قولهم فانها مسبة إلى عار فنزلت.
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ فهذه جملة معترضة لذم الكفار ويحتمل ان يكون معطوفة على المجرمون على سبيل الالتفات من الخطاب إلى الغيبة يعنى انكم مجرمون وانهم لا تركعون إذا دعيتم إلى الصلاة ويحتمل ان يكون معطوفة على مضمون المكذبين يعنى ويل الذين كذبوا ولم يصلوا عند الدعاء إليها.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بالأوامر والنواهي.
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ أى بعد القرآن يُؤْمِنُونَ استفهام إنكاري أى لا يومنون بشئ من الحجج إذ لم يؤمنوا بالقران الذي هو مشتمل على وجوه من الاعجاز نظما ومعنى وعلى الحجج الواضحة والبراهين الساطعة ولما كان سياق هذه السورة على التخويف والتهديد غالبا كما ان كان سياق سورة الإنسان على اللطف لتطيع غالبا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم شيبتنى هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت رواه الحاكم وصححه عن ابن عباس وابن مردوية عن سعيد.
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 171
سورة النّبإ
مكيّة وهى أربعون اية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(1/6907)
عَمَّ أصله عن ما يحذف الالف من ما الاستفهامية إذا وقعت بعد حرف الجر نحو لم وفيم وعم ومم تخفيفا لكثرة الاستعمال وفرقا بينهما وبين الموصولة وضم الميم بعن فى الخط لبقائه على حرف واحد بعد الحذف والاستفهام فى كلامه تعالى مستعار عن التفخيم والتهويل فى شان ما وقع فيه الاستفهام فانه تعالى لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء يَتَساءَلُونَ ج والضمير لاهل مكة وذلك ان النبي صلعم لما دعاهم إلى التوحيد وأخبرهم عن البعث بعد الموت وتلا عليهم القرآن جعلوا يتساءلون بينهم فيقولون ماذا جاء بهم محمد صلعم كذا ذكر البغوي واخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن الحسن نحوه عن المعنى يتساءلون الرسول صلعم والمؤمنين عنه استهزاء كقوله يتداعون لهم أى يدعون لهم.
عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ متعلق بيتساءلون المذكور وعلى هذا النبأ متعلق بفعل مضمر يفسره ما بعده أو متعلق بيتساءلون مضمر وهذه الجملة جواب للسوال لفظا بيان لشان المفخم معنى ويحتمل ان يكون عن النبأ العظيم ويحتمل ان يكون هذه الجملة استفهامية بتقدير حرف الاستفهام فتكون تأكيدا للجملة السابقة وتفخيم بعد تفخيم تقديره عم يتساءلون أ يتساءلون عن النبأ العظيم ويحتمل ان يكون الاستفهام الثاني للانكار يعنى لا ينبغى السؤال عن النبأ العظيم بل الواجب الايمان به فانه واضح عظيم شانه وشديد وضوحه عن ان يسال والمراد بالنبإ العظيم على قول مجاهد والأكثرين القرآن بدليل قوله تعالى قل هو نبأ عظيم وقال قتادة هو البعث ويحتمل ان يكون خبر بعث النبي صلعم.(1/6908)
الَّذِي الموصول مع صلة صفة للنباء هُمْ الضمير راجع إلى ما رجع إليه المرفوع فى يتساءلون وهم كفار مكة على تقدير كون السؤال استهزاء أو انكار أو على هذا فمعنى قوله فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ط ان منهم من يقطع بانكاره ومنهم من يشك ويحتمل ان يكون ضمير يتساءلون راجعا إلى أهل مكة مومنهم وكافرهم أجمعين وعلى هذا فالمعنى
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 172
ان من هم من يصدق ويسال عنه لكشف الحال وازدياد اليقين ومنهم من ينكر ويسأل عنه استهزاء وإنكارا.
كَلَّا ردع عن الاختلاف المبنى على انكار بعضهم أو كلهم سَيَعْلَمُونَ أى الكافرون المنكرون كونه حقا عند الشرع وفى القبر.
ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ يوم القيامة والتكرير للمبالغة والدلالة على لحوق الوعيد مرتين أحدهما فى القبر وثانيهما بعد البعث وكلمة ثم يشعر بأن الوعيد الثاني ابلغ من الأول ثم ذكر اللّه سبحانه صنائعه ما يستدل به على التوحيد والقدرة على البعث بعد الموت ووجوب شكر النعم باتباع من يدعو إلى التوحيد والعبادة فقال.
أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً فراشا لكم استفهام تقرير أى حمل المخاطب على الإقرار والعبادة اخرى استفهام انكار وانكار النفي اثبات فمضمونه جعلنا الأرض مهادا.
وَالْجِبالَ أَوْتاداً ص للارض كيلا تميد بكم.
وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً أصنافا ذكورا وإناثا.
وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً قطعا لاعمالكم حتى تستريح أبدانكم والسبت القطع.
وَجَعَلْنَا عطف على خلقنا اللَّيْلَ لِباساً لبسه كل شىء بظلمة فبمنع الابصار ويسكن الأصوات فيستريح النائم فيه.
وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً ص أى سببا للمعاش من فضل اللّه ما قسم لكم من رزقه حيث ينقلبون فيه فى حوائجكم وفيما لا بد منه فى الحيوة.
وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً أى سبع سموات شِداداً محكمات لا يوثر فيه مر الدهور.(1/6909)
وَ جَعَلْنا أى خلقنا ويحتمل ان يكون المفعول الأول محذوفا أى جعلنا الشمس سِراجاً وَهَّاجاً متلاليا وقادا قال مقاتل جعل فيه نورا وحرارة والوهج يجمع النور والحرارة.
وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ قال مجاهد ومقاتل والكلبي هى الرياح التي تعصر السحاب وهى رواية العوفى عن ابن عباس فعلى هذا من للنسبة وقال أبو العالية والضحاك المعصرات هى السحائب وهى رواية الوالي عن ابن عباس قال الفراء المعصرات السحاب ينجلب بالمطر ولم يمطر كالمرأة المعصرة هى التي دنا حيضها ولم تحض يعد وقال ابن كيسان هى المغيثات من قوله وفيه تعصرون وقال الحسن وسعيد بن جبير وزيد بن اسلم ومقاتل بن حبان من المعصرات من السموات فمن على هذه التأويلات للابتداء ماءً ثَجَّاجاً قال مجاهد صبابا مدراراة قال قتادة متتابعا وقال ابن زيد كثيرا ومرجع الكل واحد.
لِنُخْرِجَ بِهِ أى بذلك حَبًّا يأكله الناس كالبر والشعير
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 173
وَ نَباتاً تأكله الدواب.
وَجَنَّاتٍ بساتين أَلْفافاً ط ملتفة بالأشجار بعضها ببعض واحدها لف كجذع وجذاع أو لفيف كشريف واشراف أو لا واحد له كاوضاع وهى جمع الجمع فهى جمع لف واللف جمع لفافة وهى شجرة محتمعة يقال جنة لفاف ولما ثبت ان من هو قادر على اختراع تلك الأمور قادر على إعادتها وان تلك الأمور العظام لا يتصور وجودها الا من فاعل الحكيم ولا يتصور ان يكون عبثا أو منافيا للحكمة فكان السامع اشتاق إلى معرفة صفات وقت الفصل فاستأنف وقال.
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ بين الحق والباطل كانَ فى علم اللّه أو حكمه مِيقاتاً ميعادا للثواب والعقاب وقتا معينا لهما أو المعنى حدا يؤقت فى الدنيا وينتهى عنده أو حدا للخلائق ينتهون اليه.(1/6910)
يَوْمَ يُنْفَخُ بدل من يوم الفصل أو عطف بيان له أو بدل من ميقاتا أو خبر ثان لكان فِي الصُّورِ أخرج مسدد بسند صحيح عن ابن مسعود قال الصور كهيئة القرآن ينفخ فيه وعن ابن عمر نحوه وقد مر فى الحاقة وعن وهب انها من لؤلؤ بيضاء فى صفاء الزجاجة وبه ثقب بعدد كل زوج وقد مر فى المدثر فَتَأْتُونَ عطف على ينفخ أَفْواجاً حال من فاعل تأتون يعنى جماعات مختلفة من القبور إلى مكان الحساب عن أبى ذر قال حدثنا الصادق المصدوق صلى اللّه عليه وسلم ان الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاث أفواج فوج طاعمين كاسيين راكبين وفوج يمشون ويسعون وفوج يسحبون على وجوههم رواه النسائي والحاكم والبيهقي وعن معاذ بن جبل ان النبي صلعم تلا هذه الآية يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً قال يحشر أمتي عشرة أفواج صف على صورة القردة وهم القدرية وصف على صورة الخنازير وهم المرجئة وصف على صورة القردة والكلاب وهم الحرورية وصف على صورة الحمر وهم الروافضة وصف على صورة الذر وهم المتكبرون وصف على صورة البهائم وهم أكلة الربوا وصف على صورة السباع وهم الزنادقة وصف يحشرون على وجوههم وهم المصورون والهمازون واللمازون وصف دكيان وهم المقربون وصف مشبعاة وهم أهل اليمين رواه ابن عساكر وقال هذا حديث منكر فى اسناده مجاهيل ورواه الخطيب بلفظ يحشر عشر اصناف من أمتي اسباتا فمنهم على صورة القردة وهم النامون وبعضهم على صورة الخنازير وهم أهل السحت والحرام وبعضهم منكبين أرجلهم فوق وأعينهم ووجوههم أسفل يسحبون عليهم وهم أكلة الربوا وبعضهم عمى يترددون وهم من يجوز فى الحكم وبعضهم صم بكم
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 174(1/6911)
لا يعقلون وهم الذين يعجبون بأعمالهم وبعضهم يمضقون ألسنتهم مدلاة على صدورهم لسيل ايقح من أفواههم يقذرون أهل الجمع وهم العلماء والقصاص الذين يخالف قولهم فعلهم وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم وهم الذين يوذون الجيران وبعضهم مصلبين على جزوع من النار وهم السعاة بالناس إلى السلطان وبعضهم أشد نتنا من الجيف وهم الذين يتمتعون بالشهوات واللذات ويمنعون حق اللّه فى أموالهم وبعضهم يلبسون جلابيب سابغة من القطران وهم أهل الكبر والفخر والخيلاء وكذا روى الثعلبي من حديث البراء بن عاذب عن معاذ.
وَفُتِحَتِ السَّماءُ أى شقت قرأ أهل الكوفة بالتخفيف والباقون بالتشديد للمبالغة والتكثير عطف على تأتون ومعناه الاستقبال أو حال بتقدير قد وكذا سيرت فَكانَتْ السماء أَبْواباً أى ذات أبواب أو حمل على المبالغة يعنى صارت من كثرة الشقوق كانها كلها أبواب.
وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ عن وجه الأرض فى الهواء كالهباء فَكانَتْ الجبال سَراباً ط السرب فى الأصل الذهاب كذا فى الصحاح ويقال للامع فى المفازة كالماء سرابا مالا سرابه فى راى العين والمراد هاهنا صارت الجبال شيئا لا حقيقة لها لتفتت اجزائها ولما ذكر اللّه سبحانه مجيئ الناس أجمعين للحساب بقوله فتاتون أفواجا فكان السامع اشتاق إلى تفصيل أحوالهم فذكر أهل الطاغين اولا لان الترهيب أهم من يرصد عند أذهان الناس فقال.(1/6912)
إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً الرصد الاستعداد للترقيب وموضع يرصد فيه والمعنى ملائكة العذاب وملائكة الرحمة يرصدون الناس جسر جهنم فاما ملائكة العذاب فيرصدون الكفار لياخذوهم ويلقونهم فى النار ويعذبونهم واما ملائكة الرحمة فيرصدون المؤمنين ليحرسونهم فى مجاوزتهم عليها من قيح جهنم وكل ليب الصراط فهذه الآية بهذا التأويل تدل على كون جهنم طريقا وممرا للناس أجمعين كقوله تعالى وان منكم الا واردها فمن فسر المرصاد بالطريق أو المعنى الالتزامي وقيل مرصاد أى معدة للكفار يقال أرصدت الشيء إذا اعددته ويحتمل ان يكون المرصاد صيغة مبالغة أى مجدة مجتهد فى ترصد الكفار كيلا يشذ منها واحد أخرج البيهقي عن انس قال سمعت النبي صلعم يقول الصراط أحد كحد السيف وان الملائكة يحفظون للمؤمنين والمؤمنات وان جبرئيل لاخذ بحجزتي وانى لا قول يا رب سلم سلم والزالون والذالات كثير واخرج ابن المبارك والبيهقي وابن أبى الدنيا عن عبيد بن عمير
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 175(1/6913)
عن النبي صلى اللّه عليه واله وسلم قال الصراط على جهنم مثل حد السيف بجهة الكلاليب والجسك فى ركبه الناس فيخطفون والذي نفسى بيده وانه ليوخذ بالكلوب الواحد اكثر من ربيعة ومضر والملئكة على جهة يقولون رب سلم سلم واخرج البيهقي عنه قال ان الصراط مثل حد السيف دحض منزلة تنكفاء الملائكة والأنبياء قياما يقولون رب سلم سلم والملائكة يخطفون بكلاليب قال البيهقي روى مقسم عن ابن عباس ان على جسر بجهنم سبع محابس يسأل العبد عند أولها عن شهادة ان لا اله الا اللّه فان جاء بها تامة جاز إلى الثاني فيسأل عن الصلاة فان جاء بها تامة جاز إلى الثالث فيسأل عن الزكوة فأن جاء بها تامة جاز بها إلى الرابع فيسأل عن الصوم فان جاء بها قامة جاز إلى الخامس فيسأل عن الحج فان جاء به تاما جاز إلى السادس فيسأل عن العمرة فان جاء بها تامة جاز إلى السابع فيسأل عن المظالم فان خرج منها والا يقال انظروا فان كان له تطوع أكمل به اعماله فإذا فرغ به انطلق به إلى الجنة.
لِلطَّاغِينَ يجوز بخمسة أوجه ان يكون خبر ثانيا لكانت أو صفة لمرصاد أو لماب قدم عليه ما انتصب حالا أو ظرف مرصاد أو لماب والطاغي الذي جاوز الحد فى العصيان ولا يكون ذلك حتى يقطع فى الكفر والتكذيب اما صريحا فحينئذ يسمى كافرا أو اما التزاما واقتضاء فيسمى رافضيا أو قدريا أو مرجئا أو نحو ذلك من أهل الهواء مَآباً خبر اخر لكانت.(1/6914)
لابِثِينَ قرأ حمزة ويعقوب لبثين بغير الالف والباقون بألف حال مقدرة من الضمير فى الطاغين فِيها فى جهنم أَحْقاباً ج جمع حقب والحقب الواحد ثمانون سنة كل سنة اثنى شهرا كل شهر ثلثون يوما كل يوم الف سنة قال البغوي روى ذلك عن على بن أبى طالب رض وكذا أخرج هناد عن أبى هريرة وقال مجاهد الاحقاب ثلثة وأربعون حقبا كل حقب سبعون خريفا كل خريف سبعمائة سنة كل سنة ثلاثمائة وستون يوما كل يوم الف سنة وقال مقاتل بن حبان الحقب الواحد سبعة عشر الف سنة لما كانت هذا المدة متناهية وقد دلت الآيات المحكمات على خلود الكفار فى النار والعذاب حيث قال اللّه تعالى وفى العذاب هم خالدون وعليه انعقد الإجماع وروى السدى عن مرة بن عبد اللّه قال لو علم أهل النار انهم يلبثون فى النار عدد حصى الدنيا لفرحوا ولو علم أهل الجنة انهم يلبثون فى الجنة عدد حصى الدنيا لحزنوا ذهب المفسرون إلى تأويل هذه الآيات فقيل انها منسوخة بقوله تعالى فلن نزيدكم الا عذابا قالوا
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 176(1/6915)
فالعدد قد ارتفع والخلود قد حصل قلت هذه خبر والخبر لا يحتمل النسخ وقال الحسن فى تأويلها ان اللّه لم يجعل لاهل النار مدة بل قال لابثين فيها أحقابا فو اللّه ما هو الا انه إذا مضى حقب دخل حقب اخر ثم اخرى إلى الابد فليس للاحقاب مدة الا الخلود ومن هاهنا قال البيضاوي والمراد دهورا متتابعة وليس فيه دلالة على خروجهم منها وان كان فمن قبيل المفهوم فلا يعارض المنطوق الدال على الخلود الكفار قلنا نعم المنطوق لا يزاحمه المفهوم ومن ثم قلنا بخلود الكفار فى النار وعليه انعقد الإجماع ووجب تأويل هذه الآية وتأويله بالاحقاب الغير المتناهية والدهور المتتابعة ضعيف إذ لا يظهر حينئذ فائدة لتقييد بالاحقاب الرهم خلاف المراد كيف والاحقاب بالنسبة إلى غير المتناهي من الزمان كالايام بالنسبة إليها ولا شك انه لو قيل لابثين فيها أياما لا يتبادر الذهن منه إلى الخلود بل إلى الخروج فكذا هنا وقيل أحقابا جمع حقب من حقب الرجل إذا اخطأ الرزق وحقب العالم إذا قل مطره وخيره فيكون حالا بمعنى لابثين فيها حقبين أى ممنوعين عنهم الرزق كلمه وقوله لا يذوقون تفسير له قلت وهذا التأويل يأبى عنه الآثار المروية عن على رض وغيره المذكورة مع انها فى حكم المرفوع لعدم مساغ الرأي فيه وقول ان قوله تعالى.(1/6916)
لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً حالا من المستكن فى لابثين أو صفة لاحقابا أو أحقابا ظرف بلا يذوقون فالمعنى انهم يلبثون أحقابا على هذه الصفة غير ذائقين الا حميما وغساقا فالاحقاب زمان بعدم الذوق لا المطلق اللبث فلعلهم يبدلون بعد ذلك جنسا اخر من العذاب أشد من ذلك والظاهر انه حال مرادف بقوله تعالى لابثين والتأويل عندى ان لفظ الطاغين ليس على عموم اتفاقا فانتم تحملونه على الكفار دون أهل الهواء فيلزمكم التكلفات فى هذا الآية ليندفع المعارضة بينها وبين المحكمات ونحن نحمل الطاغين هاهنا على أهل الهواء دون الكفار فلا يلزمنا ما يلزمكم ويويد ما قلت ما أخرج البزار عن ابن عمر عن النبي صلعم قال واللّه لا يخرج أحد من النار حتى يمكث فيه أحقابا والحقب بضع وثمانون سنة وكل سنة ثلاثمائة وستون يوما مما تعدون فان هذا الحديث يدل على الخروج بعد تلك المدة واللّه تعالى أعلم قرأ الحمزة والكسائي وحفص غساقا بالتشديد كالخباز والباقون بالتخفيف كالعذاب اما الحميم فماء فى غاية الحرارة وفى الحديث يرفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد فإذا دنت وجوههم شوت وجوههم فإذا دخلت بطونهم قطعت ما فى بطونهم الحديث
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 177(1/6917)
رواة الترمذي والبيهقي عن أبى الدرداء واما الغساق فاخرج هناد عن مجاهد قال الغساق الذي لا يستطيعون ان يذوقوه لشدة برده قال البغوي قال ابن عباس يحرقهم ببرده كما يحرق النار بحرها قال مقاتل هو الذي انتهى برده واخرج هناد عن أبى العالية فى هذه الآية انه استثنى من الشراب الحميم ومن البرد الغساق قال البيضاوي اخر الغساق ليوافق رؤس الاى واخرج هناد عن عطية قال الغساق الذي يسيل من صديدهم واخرج مثله عن ابراهيم وابى زرين فهو مشتق من قولهم غسقت وانصبت والغساق الانصباب واخرج ابن أبى حاتم وابن أبى الدنيا وأيضا عن كعب قال الغساق عين فى جهنم يسيل إليها حمة كل ذى حمة من حية وعقرب وغير ذلك فيستنقع يوتى بالآدمي فينغمس غمسة واحدة فيخرج وقد سقط جلده عن العظام وتعلق جلده ولحمه فى كعبيه فتجر لحمه كما يجر الرجل ثوبه فعلى هذه الأقوال ان كان الغساق باردا كان المستثنى من البرد والا فهو والحميم كلاهما مستثنى من الشراب والمراد بالبرد حينئذ برد جهنم ويستثنى عن حر النار أو المراد بالبرد النوم وقيل الاستثناء منقطع والمراد بالشراب ما يسكن عطشهم.(1/6918)
جَزاءً منصوب على المصدرية من فعل المحذوف أى يجزون جزاء وِفاقاً ط أى وافقا أو موافقا أو يوافق وفاقا لاعمالهم وأباطيلهم قال مقاتل وافق العذاب الذنب فلا ذنب أعظم من الشرك هذا على تفسير القوم بان المراد بالطاغين الكفار فعلى هذا جزاء مصدر وقع بعد جملة لا محتمل لها غيره من قبيل له على الف درهم اعترافا إذ لا محتمل من جملة ان جهنم إلخ الا الجزاء فهو تأكيد لنفسه واما على ما ذكرت من ان المراد بالطاغين أهل الهواء فمعناه يجزون لجنس ما ذكر من العذاب موافقا لبعدهم عن الحق فى عقائدهم فيكون لبث بعضهم فى جهنم اكثر من بعض وعذابهم أشد منهم غير انه يبلغ هذا اللبث أو ما هم فيه إلى الاحقاب وأذاه حقب وعلى هذا التأويل فالمصدر تأكيد لغيره إذا الجملة السابقة عليه يحتمل غير ذلك والحمل على كونه تاكيدا لغيره اولى من الحمل على كونه تاكيدا لنفسه فان التأسيس اولى من التأكيد.
إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ أى لا يخافون ولا يعتقدون حِساباً تعليل لما سبق من الجزاء فالكافرون لا يعتقدون البعث والحساب والجزاء مطلقا واما أهل الهواء فان هذه الصفة موجودة فى بعضهم فان المرجبة لا يعتقدون الحساب والجزاء وكذا الروافض يقولون شيعة على ومحبه لا يعذب بشئ من الذنوب كبيرة
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 178
كانت أو صغيرة.(1/6919)
وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً ط عطف على كانوا وهذه الصفة عامة فى جميع أهل الهواء كما ذكرنا فى المرسلات الا ترى إلى الروافض انهم ينكرون مناقب جميع الصحابة ويدعون ارتدادهم أو نفاقهم أجمعين الا ثلثة منهم أو نحو ذلك ويزعمون ان عمر بن الخطاب وغيره من الخلفاء حين مكنهم اللّه تعالى فى الأرض أفسدوا فى الأرض ويزعمون ان الصحابة شر الأمم وأسوأ القرون وقد قال اللّه تعالى كنتم خير أمة وقال اللّه تعالى الذين اخرجوا من ديارهم إلى قوله الذين مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة الآية وقال اللّه تعالى لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ وقال السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الآية إلى غير ذلك من آيات لا تكاد تحصى وكذابا المصدر بمعنى التكذيب مطرد شايع أو بمعنى المكاذبة فانهم كاذبون عند المسلمين والمسلمون كا ذبون عندهم أو المعنى انهم مبالغون فى الكذب مبالغة المبالغين فيه وعلى المعنيين يجوز ان يكون حالا بمعنى كاذبين أو مكاذبين ويجوز ان يكون صفة لمصدر محذوف أى تكذيبا مفرطا كذبه - (مسئلة : ) هذه الآية على ما ذكرت من التأويل تدل على عذاب أهل الهواء واما عذاب أهل الكبائر من المؤمنين فاطول مدة مكثهم بقدر الدنيا سبعة آلاف سنة ولا يجرعون الحميم ونحو ذلك أخرج ابن أبى حاتم وابن شاهين عن على بن أبى طالب قال قال رسول اللّه صلعم ان اصحاب الكبائر من موحدى الأمم كلها الذين ماتوا على الكبائر غير تائبين من دخل منهم جهنم لا يرزق أعينهم ولا تسود وجوههم ولا يقرنون بالشياطين ولا يغلون بالسلاسل ولا يجرعون الحميم ولا يلبسون القطران حرم اللّه أجسادهم على الخلود وصورهم على النار من أجل السجود فمنهم من تأخذه النار إلى قدميه ومنهم من تأخذه النار إلى عقبيه ومنهم من تأخذه النار إلى حنجرة ومنهم من(1/6920)
تأخذه إلى عنقه على قدر ذنوبهم وأعمالهم ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج وأطولهم فيها مكثا بقدر الدنيا منذ خلقت إلى ان تفنى الحديث واخرج الحاكم فى نوادر الأصول عن أبى هريرة نحوه فهم فى الباب الأول من جهنم ولا يضربون بالمقامع ولا يطرحون فى الدرك فمنهم من يمكث فيها ساعة ثم يخرج منها ومنهم من يمكث وفيها يوما ثم يخرج ومنهم من يمكث فيها سنة وأطولهم فيها مكثا منذ خلقت الدنيا إلى يوم فنيت وذلك سبعة آلاف قلت والمراد بالسنة هاهنا السنة الدنيوية حتى يتحقق مساواتهم فيها بمدة الدنيا
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 179
و ورد فى بعض الروايات عن ابن سعيد مرفوعا ان ناسا أصابتهم النار بذنوبهم يميتهم اللّه فى النار فإذا كانوا اذن بالشفاعة يحيون بخلاف الكفار فانهم لا يموتون فيها ولا يحيون.
وَكُلَّ شَيْ ءٍ منصوب بفعل مضمر على شريطة التفسير أى أحصينا كل شىء من اعمال الطاغين وأباطيلهم أَحْصَيْناهُ كِتاباً منصوب على التميز أو على الحال بمعنى مكتوبا أو على المصدرية من قبيل ضربتهم سوطا أى أحصيناه إحصاء كتاب أو بفعل محذوف أى أحصيناه كتبناه كتابا فى اللوح المحفوظ أو فى صحف الحفظة قيل هذه الجملة معترضة والظاهر عندى انها تعليل لقوله تعالى وفاقا كما ان قوله انهم كانوا لا يرجون إلخ تعليل لقوله جزاء يعنى جزيناهم كذلك لاجل انكارهم للحساب وتكذيبهم بالآيات ويوافق الجزاء أعمالهم وفاقا حيث كتبنا أعمالهم وأباطيلهم لا يغادر فيها شىء فيجزيهم وفاق ذلك.(1/6921)
فَذُوقُوا الفاء للسببية بمعنى ذوقوا العذاب بسبب إحصاء أعمالهم خطاب مع الطاغين على طريقة التفات للمبالغة فَلَنْ نَزِيدَكُمْ أيها الطاغون ما دمتم فى النار إِلَّا عَذاباً ع أخرج ابن أبى حاتم وابن مردوية وابن أبى هريرة الأسلمي مرفوعا ان هذه الآية أشد ما فى القرآن على أهل النار ورواه الطبراني والبيهقي فى البعث موقوفا واللّه اعلم ولما ذكر الطاغين ذكر اللّه سبحانه حال المتقين فقال.
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً فوزا ونجاة من النار أو موضع فوز.
حَدائِقَ بدل بعض من مفاز ان كان بمعنى الموضع والا فبدل اشتمال وَأَعْناباً هذا وما بعده بدل اشتمال من مفازا ويجوز عطفه على بدل البعض تقول أعجبني زيد وجهه وعلمه.
وَكَواعِبَ جوارى نواهد قد تكعبت ثديهن واحدتها كاعب أَتْراباً مستويات السن.
وَكَأْساً دِهاقاً قال ابن عباس والحسن وقتادة مملوة وقال سعيد بن جبير متابعة وقال عكرمة صافية - .
لا يَسْمَعُونَ حال من الضمير فى للمتقين الراجع إلى مفازا وهو الحدائق والجنات أو صفة لكاسا وعلى هذا فالضمير فِيها راجع إلى كاس أى لا يسمعون فى شربها كما كانوا يسمعون فى شرب كاسات الدنيا لَغْواً باطلا من الكلام وَلا كِذَّاباً ج قرأه الكسائي بالتخفيف على انه مصدر الكاذبة وقيل هو الكذب وقيل هو كالمشدد فى المعنى والباقون بالتشديد بمعنى التكذيب يعنى لا يكذب بعضهم بعضا ولا يوجد فى الجنة الكذب.
جَزاءً مِنْ رَبِّكَ
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 180(1/6922)
مصدر فعل محذوف موكد بجملة وقعت قبله كما ذكرنا فى قوله تعالى جزاء وفاقا عَطاءً مصدر كذلك أى يجزون جزاءا ويعطون عطاء حِساباً صفة لعطاء بمعنى كافيا وافيا من أحسبت فلانا أى أعطيته ما يكفيه حتى قال حسبى قال ابن عتبة عطاء حسابا أى كثيرا فعلى هذا يكون تأكيدا لنفسه من قبيل اللّه اكبر دعوة الحق وله على الف اعترافا وقيل حسابا معناه على حسب الأعمال وقدرها فى القاموس هذا بحسبه أى بعدده وعلى هذا يستقيم المقابلة بما سبق جزاء وفاقا يعنى الطاغون يجزون جزاء موافقا لاعمالهم وأباطيلهم والمتقون يجزون جزاء على حسب أعمالهم وقدرها قلت بل على حسب مشية اللّه تعالى وفضله لقوله تعالى كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مأته حبة واللّه يضاعف لمن يشاء واللّه واسع عليم ط وعلى حسب اخلاص العالمين ومراتب قربهم فان المقربين يعطون الاجر على القليل من العمل لا يعطى الأبرار على الكثير لما روى الشيخان فى الصحيحين عن أبى سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلعم لا تسبوا أصحابي فلو ان أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه وهذا التفاوت فيما بين المقربين على تفاوت درجات قربهم قال المجدد رضى اللّه عنه الصحابة كانوا كلهم مستغرقين فى التجليات الذاتية الدائمة بكمالات النبوة وكثيرا من التابعين وقليل من اتباعهم كانوا كذلك وهم المقربون وبعد القرون الثلاثة المشهود لهم بالخير انطفت أنوار تلك الدولة العظمى ودرست اثارها ثم بعد مضى الف سنة من الهجرة خلق اللّه سبحانه بعض الكرام وأعطاهم كمالات مثل كمالات الأولين كما نطق به الصادق المصدوق صلى اللّه عليه واله وسلم مثل أمتي كمثل المطر لا يدرى اوله خير أم آخره رواه الترمذي عن انس شبه رسول اللّه صلعم اخر هذه الامة باوله بحيث لا يدرى أيها خير من الاخر وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال قال رسول اللّه صلعم أبشروا ابشروا ان مثل أمتي مثل الغيث لا يدرى(1/6923)
آخره خير أم اوله أو كحديقة اطعم منها فوج عاما وفوج عاما لعل آخرها أفواجا يكون اعرضهم عرضا واعمقهم عمقا وأحسنهم حسنات الحديث رواه البيهقي ورواه رزين وعن صحابى بهم سمع النبي صلعم انه يقول سيكون فى اخر هذه الامة قوم لهم اجر مثل اجرا ولهم رواه البيهقي فى دلائل النبوة وعلى هذا التأويل يكون قوله تعالى جزاء من ربك عطاء حسابا تأكيد الغيرة كما ذكرت فى جزاء وفاقا واللّه تعالى أعلم .
رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 181(1/6924)
قرأ الكوفيون بالجر والباقون بالرفع الرَّحْمنِ قرأ عاصم وابن عامر بالجر والباقون بالرفع فعلى قراءة عاصم بالجر فيهما كلا الا سماين صفتان لربك فى قوله تعالى جزاء من ربك أو بدل منه وعلى قراءة أهل الحجار والبصرة بالرفع فيهما رب السموات مبتداء والرحمن صفة له وما بعده خبره ويحتمل ان يكون رب السموات خبر مبتداء المحذوف أى هو رب السموات الرحمن صفة له أو خبر ثان وما بعده خبر ثالث ويحتمل ان يكون الرحمن مبتداء وما بعده خبره وعلى قراءة حمزة والكسائي بالجر فى الأول والجر فى الثاني رب السموات خبر مبتداء محذوف فهو جملة معترضة والرحمن بدل من ربك وما بعده استيناف لا يَمْلِكُونَ أى أهل السموات والأرض مِنْهُ أى من الرحمن خِطاباً ج أى لا يقدر أحد ان يخاطبه منه وقال الكلبي معناه لا يملكون الشفاعة الا باذنه ويحتمل ان يكون معناه لا يمكن لاحد الاعتراض عليه سبحانه فى إعطاء الاجر بعضهم اكثر من بعضهم لانهم مملوكون على الإطلاق ولا يستحق أحد عليه شيئا والاجر تفضل منه فعلى هذا لا اعتراض عن ابن عمر عن رسول اللّه صلعم قال انما اجلكم من أجل ما خلا من الأمم من العصر إلى مغرب الشمس وانما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عملا فقال من يعمل لى من نصف النهار على قيراط فعملت اليهود إلى النصف النهار على قيراط قيراط ثم قال من يعمل لى من نصب النهار إلى صلوة العصر على قيراط قيراط فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلوة العصر على قيراط قيراط ثم قال من يعمل لى من صلوة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين الا فانتم الذين تعملون من صلوة العصر إلى مغرب الشمس الا لكم الاجر مرتين فغضبت اليهود والنصارى فقالوا نحن اكثر عملا واقل إعطاء قال اللّه تعالى فهل ظلمتكم من حقكم شيئا قالوا لا قال اللّه تعالى فانه فضلى أعطيته من شئت رواه البخاري قلت معناه قوله صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم انما اجلكم(1/6925)
من أجل ما خلا من الأمم مانين العصر إلى مغرب الشمس ان أعمار هذه الامة قصيرة وأعمالهم قليلة والمراد بالقيراطين الكثرة مطلقا كما فى قوله تعالى ارجع البصر كرتين لا تعيين الكثرة بقدر التضعيف واللّه اعلم وبتأويلنا هذا يرتبط هذه الآية بما سبق أى جزاء من ربك عطاء حسابا واللّه تعالى أعلم .
يَوْمَ يَقُومُ ظرف للا يملكون أو للا يتكلمون والاول اظهر الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ فى ذلك اليوم واختلفوا فى الروح فاخرج ابن جرير عن ابن مسعود
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 182(1/6926)
قال الروح فى السماء الرابعة وهو أعظم من السموات والجبال ومن الملائكة وزاد البغوي انه يسبح كل يوم اثنى عشر الف تسبيح يخلق اللّه من كل تسبيحه ملكا يجئ يوم القيامة صفا واحدا واخرج أبو الشيخ عن الضحاك فى هذه الآية قال الروح صاحب اللّه يقوم بين يدى اللّه وهو أعظم ملائكة لو فتح فاه لوسع جميع الملائكة ما يخلق ينظرون إليه فمن مخافته لا يرفعون طرفهم إلى من فوقهم واخرج أبو الشيخ عن على بن أبى طالب رض قال الروح ملك له سبعون الف وجهة لكل وجهة سبعون الف لسان لكل لسان سبعون لغة يسبح اللّه بتلك اللغات كلها واخرج من طريق عطاء عن ابن عباس قال الروح ملك واحد له عشرة وآلاف جناح ومن طريق أبى طلحة عنه انه من أعظم الملائكة خلقا وزاد البغوي فى قول عطاء عنه انه قال إذا كان يوم القيامة قام هو وحده صفا والملائكة صفا واحدا فيكون أعظم خلقة مثلهم واخرج أبو الشيخ عن مقاتل بن حبان قال الروح اشرف الملائكة وأقربهم إلى اللّه وهو صاحب الوحى واخرج من وجه اخر عن الضحاك فى هذه الآية فالروح جبرئيل عليه السلام واخرج عن ابن عباس ان جبرئيل عليه السلام يوم القيامة لقايم بين يدى الجبار تبارك وتعالى يرغد فرايصه فرقا من عذاب اللّه يقول سبحانك لا اله الا أنت ما عبدناك حق عبادتك وان ما بين المشرق والمغرب وذلك قوله تعالى يوم يقوم الروح والملائكة صفا واخرج أبو نعيم عن مجاهد وابن المبارك عن أبى صالح مولى أم هانى قال الروح خلق على صورة ابن آدم وليسوا بالإنسان زاد البغوي يقومون صفا والملائكة صفا هؤلاء جند وهؤلاء جند وكذا ذكر البغوي عن قتادة واخرج أبو الشيخ من طريق مجاهد عن ابن عباس مرفوعا قال الروح جند من جنود اللّه ليسوا بالملائكة لهم رؤس وايدوا رجل ثم قرأ يوم يقوم الروح والملائكة صفا قال هؤلاء جنده وهؤلاء جنده وذكر البغوي عن مجاهد عنه قال خلق على صورة بنى آدم وما ينزل من السماء ملك الا معه(1/6927)
واحد منهم أخرج ابن المبارك وأبو الشيخ فى العظمة عن البيهقي قوله تعالى يوم يقوم الروح والملائكة صفا قال يقوم سماطين لرب العالمين يوم القيامة سماط من الملائكة وسماط من الروح وذكر البغوي
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 183
انه قال الحسن هم بنو آدم ورواه قتادة عن ابن عباس وقال هذا مما كان يكتمه ابن عباس صَفًّا حال مفرد من فاعل يقومون أو مصدر بفعل محذوف أى يصفون صفا والجملة حالان يتكلمون يعنى الروح والملائكة وهذه الجملة حال من فاعل يقوم وجملة يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يَتَكَلَّمُونَ تقرير وتوكيد لقوله لا يملكون منه خطابا فان هؤلاء الذين أفضل الخلائق وأقربهم إلى اللّه إذا لم يقدروا على التكلم فكيف من عداهم إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ فى الكلام أو الشفاعة استثناء من فاعل لا يتكلمون أو من فاعل لا يملكون والاول اظهر لفظا لاتصاله والثاني معنى فان الاذن فى الشفاعة والكلام غير مختص بالروح والملائكة وَقالَ صَواباً أى حقا وصدقا واعتقد به فالقول هاهنا كأنَّه كناية عن الاعتقاد والاعتقاد لا يظهر الا بالقول عطف على اذن له الرحمن يعنى من قال صوابا فى الدنيا يعنى لم يقل باطلا من الكلام كاذبا وأكذب الكذب الكفر باللّه العظيم لعدم إمكان صدقه ثم قول أهل الهواء لان القرآن يكذبهم وقيل معنى قال صوابا قال لا اله الا اللّه فالكفار لا يوذن لهم ان يتكلموا أو يعتذروا واهل الهواء وانى لهم درجة الشفاعة.
ذلِكَ الْيَوْمُ اشارة إلى ما سبق من اليوم المذكور بالصفات المذكورة مبتدأ الْحَقُّ خبره عرف للقصر على كونه حقا ثابتا لا شبهة فيه فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً مرجعا وسبيلا مقربا إليه بطاعاته واتباع رسله والهادين إلى سبيله بالجذب والتسليك فليتخذ الفاء السببية فان كون ذلك اليوم حقا موجب الاتخاذ السبيل إلى اللّه والى ربه متعلق بمآبا أو ظرف مستقر حال منه.(1/6928)
َّا أَنْذَرْناكُمْ
ايها الكفارذاباً قَرِيباً
ج يعنى عذاب الاخرة فان كل ما هوات قريب أو عذاب القبر والموت اقرب من شراك النعل وْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ
الظرف متعلق بعذابا فانه بمعنى التعذيب ا قَدَّمَتْ يَداهُ
ما استفهامية منصوبة بقدمت أو موصولة منصوبة بينظر والعائد من الصلة محذوف المعنى لتعذيب انه يرى كل امرأ يوم القيامة ما قدم من العمل شيئا فى صحيفة أو يرى جزائه فى الاخرة أو فى القبر انما أسند تقديم الأعمال إلى اليد لان عامة الأعمال الجوارح منها أو لان اليد كناية عن القدرة والقوة عن عثمان قال قال رسول اللّه صلعم ان القبر أول منزلة من منازل الاخرة فان نجا منه
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 184
فما بعده أيسر منه وان لم ينج منه فما بعده أشد منه والأحاديث فى العذاب القبر كثيرة وفى الصحيحين عن ابن عباس قال مر النبي صلى اللّه عليه واله وسلم بقبرين فقال انهما يعذبان فى الكبيرة اما أحدهما فكان لا يستتر من البول وفى رواية لمسلم لا يستنزه من البول واما الاخر فكان يمشى بالنميمة الحديث ويدل على روية العمل فى القبر حديث البراء بن عاذب بطوله وفيه فى ذكر المؤمن فيفسح له فى قبره مد بصره ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول ابشر بالذي يسرك هذا يومك كنت توعد فيقول له من أنت فوجهك الوجه تجئ بالخير فيقول انا عملك الصالح الحديث وفيه فى ذكر الكافر ويضيق عليه قبره حتى يختلف أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه وقبيح الثياب نتن الريح فيقول انا عملك الصالح الحديث ابشر بالذي يسؤك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول من أنت فوجهك الوجه تجئ بالشر فيقول انا عملك الخبيث الحديث رواه احمد يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً(1/6929)
ع أخرج الحاكم عن عبد اللّه بن عمر وقال إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم وحشر اللّه تعالى الخلائق الانس والجن والدواب والوحش فإذا كان ذلك اليوم جعل اللّه القصاص بين الدواب حتى يقضى للشاة الجماء من القرناء فإذا فرغ اللّه من القصاص بين الدواب قال لها كونى ترابا فيرنها الكافة فيقول يا ليتنى كنت ترابا واخرج الدينوري عن يحى بن جعدة نحوه واخرج ابن جرير وابن حاتم والبيهقي عن أبى هريرة نحوه وذكر البغوي قول مقاتل نحوه وفيه يقول الكافر يا ليتنى كنت فى الدنيا فى صورة خنزير وكنت اليوم ترابا وذكر البغوي عن الزياد وعبد اللّه بن ذكوان قال إذا قضى بين الناس وامر أهل الجنة إلى الجنة واهل النار إلى النار قيل لسائر الأمم ولمومنى الجن عودوا ترابا فيعودون ترابا فحينئذ يقول الكافر يا ليتنى كنت ترابا وبه قال ابن أبى سليم مومنوا الجن يعودون ترابا وقيل المراد بالكافر هاهنا إبليس وذلك انه عاب آدم انه خلق من التراب وافتخر بانه خلق من النار فإذا عاين يوم القيامة ما فيه آدم وبنوه المؤمنون من الثواب والرحمة وما هو فيه من الشدة والعقاب قال يا ليتنى كنت ترابا قال أبو هريرة فيقول التراب لا ولا كرامة لك من جعلك مثلى.
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 185
سورة النّازعات
مكيّة وهى ست وأربعون اية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَ النَّازِعاتِ غَرْقاً وَالنَّا شِطاتِ نَشْطاً(1/6930)
الواو للقسم وجواب القسم محذوف أى لتبعثن ولتحاسبين يدل عليه ما بعده والمراد بالنازعت غرقا الملائكة التي تنزع أرواح الكفار غرقا فى النزع فغرقا اسم أقيم مقام المصدر فهو مفعول مطلق من غير لفظ العامل نحو قعدت جلوسا يقال أغرق النازع فى القوس أى استوفى مدها بقوة وشدة وبالناشطات نشطا الملائكة التي يخرجون أرواح المؤمنين برفق من نشط الدلو إذا أخرج بلا كره أو من نشط الحبل أو امده حتى انحل فان المؤمن كان فى مصائب الدنيا كأنَّه معقود محبوس فالملائكة الناشطات أخلصته وحلت حلا رقيقا كما ينشط العقال من يد البعير كذا حكى القراء وفى الحديث فى حال أرواح المؤمن كانما انشط من عقال عن البراء بن عاذب قال قال رسول اللّه صلعم ان العبد المؤمن إذا كان فى انقطاع من الدنيا واقبال من الاخرة تنزل إليه ملائكة بيص الوجوه كان وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجئ ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند راسه فيقول أيتها النفس المطمئنة اخرجى إلى مغفرة من اللّه ورضوان قال فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء فياخذها فإذا أخذها لم يدعها فى يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلها فى ذلك الكفن وفى ذلك الحنوط ويخرج كاطيب نفحة مسك الحديث وان العبد الكافر إذا كان فى انقطاع من الدنيا تنزل إليه من السماء ملائكة سوداء الوجوه معهم المسوح فيجسلون منه مد البصر ثم تجئ ملك الموت حتى تجلس عند راسه فيقول أيتها النفس الخبيثة اخرجى إلى سخط من اللّه قال فتفرق فى جسده فينزعها كما ينزع السفود من الصوف المبلول فياخذها فإذا أخذها لم يدعوها فى يده طرفة عين حتى يجعلوها فى تلك المسوح ويخرج منها كنتن ريح جيفة وفى رواية وينزع نفسه يعنى الكافر مع العروق
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 186(1/6931)
رواه احمد قال البغوي قال ابن مسعود ينزعها يعنى نفس الكافر ملك الموت من تحت كل شعره ومن الأظافير واصول القدمين ويرددها فى جسده بعد ما ينزعها حتى إذا كادت تخرج ردها جسده فهذا عمله بالكافر وقال مقاتل ملك الموت وأعوانه ينزعون روح الكافر كما ينزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبتل (فائده) ومن هاهنا يظهر ان النفس جسم لطيف على حسب الجسم الكثيف سار فى البدن ناش من العناصر الاربعة تفاميه الروح والقلب وغيرهما من لطايف عالم الأمر الجواهر المجردة الا مكانية التي تظهر فى النظر الكشف للطافتها وتجردها فى عالم المثال فوق العرش قالت الصوفية انه بكمال قدرته تعالى لا جعلت النفس فى معاملتها بمنزلة المرآة فى مقابلة الشمس فى النفس واقتلت النفس بها كما تمتلى المرآة بالشمس إذا قوبلت بها واتضاءت كالقمر إذا اتسق بانوار الشمس على راى الفلاسفة فحيوة البدن بالنفس وحيوة النفس بالأرواح المجردة وتنزع النفس من البدن عند أجل مسمى ولا يحل انتزاع الأرواح المجردة بالنفس ابدا كذا ما ورد فى الحديث ان النفس ينزع من البدن ويجعل فى الأكفان والحنوط والمسوح يسعد بها فيفتح أبواب السماء لنفس المؤمنة إلى السماء السابعة فيقول اللّه تعالى اكتبوا كتاب عبدى فى عليين واعيدوه إلى الأرض فانى منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة اخرى ولا يفتح أبواب السماء للكافر بل يطرح روحه إلى الأرض صريح على كونه جسما مخلوقا من الأرض وعلى هذا التحقيق لا مجال لانكار عذاب القبر على ما ذهب إليه أهل الهواء مع قطع النظر من البدن الكثيف وعند أهل الحق عذاب القبر يمكن على البدن الكثيف أيضا ولا يمنعه الموت كما مر تحقيقه فى سورة البقرة واللّه تعالى أعلم .
وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً قال مجاهدهم الملائكة ينزلون من السماء مسرعين كالفرس الجواد.(1/6932)
فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً قال مجاهد هى الملائكة سبقت ابن آدم بالخير والعمل الصالح وقال مقاتل هى الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة يعنى إلى الثواب قلت وأرواح الكفار إلى العذاب قلت وهم الذين ورد ذكرهم فى حديث البراء المذكور ان ملك الموت إذا أخذ نفسا لم يدعها فى يده طرفة عين حتى يأخذها وعن ابن مسعود السابقات هى انفس المؤمنين تستبق إلى الملائكة الذين يقبضونها شوقا إلى لقاء اللّه وكرامة غاية السرور.
فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً أخرج ابن أبى الدنيا عن ابن عباس فى المدبرات امرا قال
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 187(1/6933)
ملائكة مع ملك الموت يحضرون الموتى عند قبض أرواحهم فمنهم من يعرج بالروح ومنهم من يؤمن على الدعاء ومنهم من يستغفر للميت حتى يصلى عليه ويدلى فى حفرته وقال البغوي قال ابن عباس هم الملائكة الذين وكلوا بامور عرفهم اللّه عز وجل العمل بها قال عبد الرحمن بن سابط يدبر الأمر فى الدنيا اربعة جبرئيل وميكائيل وملك الموت واسرافيل اما جبرئيل فوكل بالرياح والجنود واما ميكائيل فوكل بالمطر والنبات واما ملك الموت فوكل بقبض الأنفس واما اسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم قال قتادة.(1/6934)
غير بجمعيتها غير المدبرات بالنجوم فانها تنزع من أفق إلى أفق ثم تغيب وتنشط من أفق إلى أفق أى تذهب وقال اللّه تعالى فيها كل فلك يسبحون وتسبق بعضها على بعض فى السير وهذا قول ضعيف فانه لا فرق حينئذ بين النزع والنشط والسبح ولا وجه لذكر شىء واحد اربع مرات والفرق بين النزع والنشط بان حركتها من المشرق إلى المغرب قسرية فتغرب بالنزع غرقا وحركاتها من برج إلى برج طبعية ملايمة فسمت بالنشط مبنى على مذهب الفلاسفة القائلين بانطباق السموات بعضها على بعض حتى يتصور القصر والثابت من الشرع ان مسافة ما بين السماء إلى السماء خمسمائة عام وذكر فى تاويل هذه الآية وجوه اخر بناء على احتمال العقل من غير نقل من السلف قال البيضاوي هى صفات للنفوس الفاضلة حال المفارقة فانها تنزع من الأبدان نزعا شديدا من إغراق النازع فى القوس فتنشط إلى عالم الملكوت وتسبح فيه وتستبق فى خطاير القدس حتى يصير لشرفها وقوتها من المدبرات أو حال سلوكها فانها تنزع عن الشهوات وتنشط إلى عالم القدس فتسبح فى مراتب الارتقاء فتسبق إلى الكمالات حتى تصير من الكمالات أو صفات انفس الغزاة أى أيديهم بنزع القسي بإغراق السهم وينشطون بالسهم للرحى ويسبحون فى البر والبحر فيسبقون إلى حرب العدو فيدبرون أمرها أو صفات خيلهم فانها تنزع فى أعنتها وتغرق فى عرقها والاعنة أطول أعناقها ويخرج من دار الإسلام إلى دار الكفر وتسبح فى جريها وتسبق إلى العدو فتدبر امر الظفر واللّه تعالى أعلم .
يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ متعلق بجواب القسم المحذوف يعنى لتبعثن ولتحاسبين يوم ترجف الراجفة وظرفية ذلك اليوم باعتبار اجزائها فان مقدار ذلك اليوم خمسين الف سنة من النفخة الاولى إلى دخول الجنة أو النار أخرج البيهقي عن مجاهد فى قوله تعالى ترجف الراجفة فقال ترجف الأرض والجبال وهى الزلزلة
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 188(1/6935)
تتبعها الرادفة قال دكتا دكة واحدة.
تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ فى موضع الحال من فاعل ترجف والمراد بالراجفة النفخة الاولى وبالرادفة النفخة الثانية كذا أخرج البيهقي عن ابن عباس وانما سميت الاولى بالراجفة لانها توقع الزلزلة فيحرك بها كل شىء ويموت منها الخلائق والثانية بالرادفة لانها رديفة الاولى أخرج ابن المبارك من مرسل الحسن بين النفختين أربعون سنة الاولى يميت اللّه بها كل ميت قال الحليمي اتفقت الروايات على ان بين النفختين أربعون سنة وفى الصحيحين عن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلعم ما بين النفختين أربعون قالوا يا أبا بريرة أربعون يوما قال أبيت قالوا أربعون شهرا قال أبيت ثم ينزل اللّه من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل وليس من الإنسان شى الا يبلى الا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة واخرج ابن أبى داود فى البعث عن أبى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم نحوه وفيه بين النفختين أربعون عاما والاول أصح واخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس يسيل واد من ماء فيما بين النفختين ومقدار ما بينهما أربعون فينبت كل خلق بلى من انسان أو حيوان ودابه ولو مر عليهم مار قد عرفهم قيل ذلك على وجه الأرض لعرفهم فتنبتون ثم يرسل الأرواح فيزوج بالأجساد فذلك قول اللّه تعالى.
وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ.
قُلُوبٌ مبتداء يَوْمَئِذٍ متعلق بفعل يدل عليه واجِفَةٌ خبر أى مضطربه اضطرابا شديدا مستعار من الواجف بمعنى سريع السير.
أَبْصارُها أى أبصار أصحابها خاشِعَةٌ ذليلة من الخوف الجملة خبر بعد خبر لقلوب أو صفة لواجفة.(1/6936)
يَقُولُونَ تعليل لواجف قلوبهم وخشوع أبصارهم يعنى يلحقهم الاضطراب والزلزلة انهم ينكرون البعث ويقولون فى الدنيا هذا القول أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ الاستفهام للانكار يعنى كنا مردودين قرأ أبو جعفر انا بحذف همزة الاستفهام لفظا وإرادته معنى فِي الْحافِرَةِ أى فى الحيوة الاولى يعنى حيوة بعد الموت يقال رجع فلان فى الحافرة يعنى طريقه التي جاء فيها فحفرها أى اثر فيها بمشيته كقولهم عيشة راضية أو على تشبيه القابل ما يقابل وقال ابن زيد الحافرة النار.
أَ إِذا كُنَّا عِظاماً قرأ نافع والكسائي ويعقوب والحمزة وعامر إذا كنا بغير همزة الاستفهام والباقون بالهمزة للانكار بعد الإنكار للتاكيد والظرف متعلق بمحذوف تقديره انبعث إذا كنا ويحتمل ان يكون متعلقا بمردودون نَخِرَةً يابسة قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 189
بالألف ناخرة والباقون بغير الف أخرج سعيد بن منصور عن محمد بن كعب قال لما نزل قوله تعالى يقولونء إنا لمردودون فى الحافرة قال كفار قريش لئن رجعنا بعد الموت لنخسرن فنزل.
قالُوا عطف على يقولون أو حال بتقدير قد من فاعل يقولون لكن نزول تلك الآية كما يدل عليه رواية سعيد بن منصور عن محمد بن كعب يابى على كونه حالا تِلْكَ اشارة إلى الرجعة المفهوم من قولهء إنا لمردودون فى الحافرة مبتداء إِذاً أى كان كذلك أى كما يقول محمد شرط استغنى عن الجزاء لوقوعه فى وسط جملة تدل على الجزاء تقديره إذا كان كذلك فتلك الرجعة كَرَّةٌ رجعة خاسِرَةٌ أى ذات خسران وخاسر أصحابها والمعنى انها ان صحت فنحن خاسرون لتكذيبنا وهذا استهزاء منهم.(1/6937)
فَإِنَّما هِيَ أى النفخة الثانية زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فى الصحاح الزجر الطرد بالصوت يقال زجرته فانزجر ومنه هذه الآية فان الناس يطردون فى الأرض بصوت ينفخ فى الصور ثم يستعمل تارة فى الصوت كما فى قوله تعالى والزاجرات زجرا يعنى الملائكة التي زجرن السحاب بالصوت وتارة بالطرد كما فى قوله تعالى مجنون وازدجر يعنى طرد ومنع.
فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ الفاء للعطف وإذا للمفاجاة أضيفت إلى جملة اسمية جعلها فى قوة الفعلية معطوفا على فعلية تقديره يقولون فى الدنيا كذا فيفاجئون وقت كونهم بالساهرة وجملة فانما هى زجرة واحدة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه لبيان كون الرجفة التي أنكروها سهلة بينة عند اللّه تعالى استفهام أى قد اتيك إلى غير مستصعبة والساهرة وجه الأرض يعنى إذا هم احياء بوجه الأرض وقيل هى ارض القيامة وقال قتادة هى جهنم.
هَلْ أَتاكَ استفهام تقرير أى قد اتيك حَدِيثُ مُوسى جملة معترضية تسلية النبي صلى اللّه عليه واله وسلم على تكذيب قومه وتهديدهم بأن يصيبهم مثل ما أصاب من كان أعظم منهم.
إِذْ ناداهُ رَبُّهُ الظرف متعلق مفهوم حديث موسى أى هل اتيك الحديث المتعلق بموسى وقت نداء ربه إياه بِالْوادِ والباء بمعنى فى الْمُقَدَّسِ طُوىً قرأ الكوفيون بالتنوين ويكسرون نونها لالتقاء الساكنين بتأويل كونه علما للمكان وقيل هى كثنى من الطى مصدر لنودى أو المقدس أى نودى ندائين أو قدس مرتين وقرأ الباقون بغير تنوين لأنه معدول تقديرى أى عن طاو واسم لواد فعدل عن الصرف أو لأنه علم لمونث بتأويل البقعة
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 190
فهو عطف بيان للوادى واذهب بيان لنادى بتقدير القول أى قال.
اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى قبيل الذهاب.(1/6938)
فَقُلْ عطف على اذهب هَلْ لَكَ ميل إِلى أَنْ تَزَكَّى قرأ أهل الحجاز ويعقوب بتشديد الزاء والباقون بالتخفيف بحذف احدى التاءين أى تسلم وتطهر من الشرك قال ابن عباس تشهد ان لا اله الا اللّه.
وَأَهْدِيَكَ أريك لسبيل إِلى رَبِّكَ أى معرفته وعبادته وتوحيده فَتَخْشى ج عقابه فتؤدى الواجبات وتترك المحرمات على ان أهديك والفاء للسببية فان الخشية مسبب للمعرفة والمعرفة مسبب للهداية.
فَأَراهُ معطوف على محذوف يعنى ذهب وبلغ فاراه الْآيَةَ على صدقه الْكُبْرى صلى أى المعجزات الباهرة العظيمة فى الدلالة على صدقه وافرادها لان كلها من حيث الدلالة كالاية الواحدة أو المراد بها قلب العصى حية.
فَكَذَّبَ فرعون موسى وَعَصى اللّه ورسوله بعد ظهور صدقه بالمعجزات.
ثُمَّ أَدْبَرَ من ذلك المكان حين راى الثعبان مسرعا فى مشيه إليه يَسْعى صلى حال من فاعل أدبر أو المعنى عن الايمان والطاعة حال كونه يسعى فى الفساد فى الأرض.
فَحَشَرَ جمع جنودا والسحرة فَنادى صلى فى مجمعه.
فَقالَ بيان لنادى والفاء للتفسير أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى صلى يعنى لا رب لكم فوقى أو ان أعلى من كل من يلى أمركم وقيل أراد ان الأصنام ارباب وانا ربها وربكم.(1/6939)
فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى ط النكل فى اللغة الضعف والعجز ويقال لا يمنع الشيء عن الشيء ويعجزه عنه فيطلق على قيد الدابة وحديدة اللجام لكونهما مانعين والنكال اسم من التنكيل يقال نكلت به إذا فعلت به من عقاب الشديد ما يمنع غيره عن ارتكاب مثله فالنكال هاهنا اما صفة لمصدر محذوف مؤكد لما قبله أى اخذه اللّه أخذ أنكالا مانعا لمن أراه أو سمعه ان يفعل مثله أو اخذه اللّه نكله نكالا وإضافته اما بمعنى فى يغنى نكالا فى الاخرة بالإحراق وفى الدنيا بالاغراق كذا قال الحصن وقتادة أو بمعنى اللام يعنى نكله نكالا للكلمة الاخرة وهى هذه قوله ما علمت لكم من اله غيرى وكان بينهما أربعون سنة كذا قال مجاهد وجماعة.
إِنَّ فِي ذلِكَ الاخذ والنكال لَعِبْرَةً موعظة لِمَنْ يَخْشى ط لمن كان من شانه الخشية صفة لعبرة ثم خاطب منكرى البعث على سبيل الالتفات واحتج عليهم على البعث وكونه تعالى قادرا عليه بما ظهر من قدرته
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 191
فى إيجاد العالم فقال.
أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ ط مبتداء محذوف الخبر تقديره أنتم أشد خلقا أم السماء أشد خلقا منكم والاستفهام للتقرير والمراد بالسماء هى وما فيها بقرينة ذكر الأرض والجبال فى مقام التفصيل والحاصل ان السماء وما فيها أشد خلقا منكم البتة لانكم بعض ما فيها والكل أعظم وأشد من الجزء بالبداية والاعادة أهون من اللّه بَناها صفة للسماء اما على ان اللام زايدة على طريقة لقد امر على اللئيم يسبنى أو على حذف الموصول أى التي بناها أو جملة ثانية معطوفة على الأول بحرف مقدر ويحصل من القضيتين مادة البرهان تقديره ان اللّه بنى السماء التي هى أشد خلقا منكم وكل من هو قادر على بناءها قادر على إعادة ما هو أضعف منها.(1/6940)
رَفَعَ سَمْكَها السمك الارتفاع والمعنى جعل مقدار ارتفاعها من الأرض أو جعل تحتها الذاهب فى العلو رفيعها والجملة بيان لجملة بناها أو بدل اشتمال منه فَسَوَّاها عمد لها وجعلها مستوية بلا قطور.
وَأَغْطَشَ لَيْلَها أى جعلها ذا ظلمة يقال غطش الليل إذا اظلم أضاف الليل إلى السماء لحدوثها بحركة الشمس المستقر فيها وَأَخْرَجَ ضُحاها أى ابرز ضوء شمسها وجعل النهار موجودا منها.
وَالْأَرْضَ منصوب بفعل محذوف على شريطة التفسير يعنى ودحى الأرض بَعْدَ ذلِكَ أى بعد خلق الس ماء دَحاها بسطها للسكنى قال ابن عباس خلق اللّه الأرض بأقواتها فى يومين من غير ان يدحوها قبل السماء ثم استوى إلى السماء فسويهن سبع سموات فى يومين بعد ذلك ثم دحى الأرض فى يومين بعد ذلك فخلقت الأرض وما فيها من شىء فى اربعة ايام وقيل معناه الأرض مع ذلك دحيها كقوله تعالى عتلّ بعد ذلك زنيم فى التفسير البيضاوي حمل كلمة بعد هاهنا على الحقيقة وقال فى قوله تعالى ثم استوى إلى السماء ان ثم لتفاوة ما بين خلقتى السماء والأرض من الفصل كما فى قوله تعالى ثم كان من الذين أمنوا والتأويل الأول لكونه مستفادا من كلام السلف اولى.
أَخْرَجَ مِنْها أى من الأرض ماءَها ينفجر العيون فيها وَمَرْعاها ص كلائها تسمية الحال باسم المحل أو مصدر بمعنى المفعول وجملة أخرج معطوفة على الأرض نظيره له.
وَالْجِبالَ أَرْساها مَتاعاً أى تمتيعا منصوب على العلية من دحى وارسى على سبيل التنازع لَكُمْ أيها الناس وَلِأَنْعامِكُمْ فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 192(1/6941)
الفاء للسببية يعنى إذا ثبت البعث بأخبار اللّه تعالى بعد إمكانه وظهور قدرته سبحانه تعالى عليه بما ظهر من قدرته فى إيجاد العالم فاعلموا صفته وقت مجيئه وغيرها بالطامة الكبرى ليعلم بعض صفاته من عنوانه والطم فى اللغة الغلبة ويقال للبحر لأنه يغلب كل شىء والطامة عند العرب الداهية التي لا يستطاع من ذلك سميت القيامة طامة لانها تطم الدواهي كلها وتغلبها ثم وصفها بالكبرى لمزيد تأكيدها فى الطم وإذا ظرف يتضمن معنى الشرط و.
يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ بدل منه ما سَعى ما مصدرية أو موصولة يعنى يرى اعماله عدد ما فى صحيفته وكان قد نسيها من قبل لفرط الغفلة أو طول المدة.
وَبُرِّزَتِ عطف على يتذكر أى يوم يبرز يظهر الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى لكل من يرى قال مقاتل يكشف عنها الغطاء فيظهر إليها الخلق اما الكفار فيدخلها واما المؤمن فيمرون من الصراط على ظهرها أو المراد لمن يرى الكفار وجواب إذا قيل محذوف دل عليه يوم يتذكر والظاهر ان جوابه ما بعده من التفضل ولا ضرورة فى التقدير.
فَأَمَّا مَنْ طَغى أى جاوز الحد فى العصيان حتى كفر.
وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا على الاخرة باتباع الشهوات وهواء النفس.
فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى هى فصل أو مبتداء واللام فى المأوى يدل على المضاف إليه عند الكوفيين أى ماواه وعند السيبويه والبصريين تقديره هى المأوى له عن أبى موسى قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم من أحب دنياه اخر آخرته ومن أحب آخرته اخر بدنياه فاثروا ما يبقى على ما يغنى رواه احمد والبيهقي فى الشعب وعن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره متفق عليه وعند مسلم حفت مكان حجبت وعنه ان الدنيا ملعونة وملعون ما فيها الا ذكر اللّه وما والاه وعالم أو متعلم رواه الترمذي وابن ماجه.(1/6942)
وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ أى مقامه يوم القيامة لحساب ربه وَنَهَى النَّفْسَ الامارة بالسوء عَنِ الْهَوى فى الصحاح الهوى ميل النفس مما يشتهيه قيل سمى به لأنه يهوى صاحبه فى الدنيا إلى كل داهية وفى الاخرة إلى الهاوية والهوى الانهدار والسقوط عن علو اعلم ان الهوى راس المنهيات وأساس المحرمات قال أبو بكر الوراق ان اللّه لم يخلق خلقا أخبث من الهوى قلت وهو قبيح عقلا وشرعا اما عقلا فلان حقايق الأشياء كما هى فى نفس الأمر لا سيما حقائق المبدأ والمعاد وعواقب الأمور
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 193(1/6943)
من الأخلاق والافعال وغيرها المستدعية لحسنها وقبحها مما لا يدرك غالبا بالرأي وان أدرك بعضها بالرأي فلا يليق بالوثوق ما لم يستفاد من علام الغيوب بتوسط الرسل عليهم السلام والا لما احتيج إلى الرسل فتحصيل العقائد الصحيحة والعلم بالأعمال الحسنة والقبيحة والعمل بها وبالأخلاق الشريفة والرذيلة لا يتصور الا باتباع الرسل على خلاف الهوى واتباع الهوى يضاده واما شرعا فلان اللّه سبحانه قال وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون وفى الصحاح العبودية اظهار التدلل والعبادة ابلغ منها وهى ضربان عبادة بالتسخير كما يدل عليه قوله تعالى وللّه يسجد من فى السموات والأرض طوعا وكرها وعبادة بالاختيار وهو مطلوبة من الثقلين فكما ان الأشياء كلها بالتسخير والاضطرار لا يتصور منه الا ما شاء اللّه وأراد فلا بد ان يكون كذلك بالاختيار لا يصدر منه شىء من افعال القلوب والجوارح وصفات النفس الا ما أراد اللّه وامر به بلا مدخل للهواء فيه وضده واتباع الهوى فهو ينافى العبودية فكل باطل قبيح منشعب من الهوى ومنبعث من الآراء الكاسدة قالت الكفار بناء على فساد رأيهم ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق ابشرا منا واحدا نتبعه قالت المجسمة الباري موجود وكل موجود جسم متحيز وقالت المعتزلة وغيرهم لا يتصور عذاب القبر ووزن الأعمال والصراط ونحو ذلك والفساق مع اعترافهم بوجوب امتثال الرسول والقران وعلمهم بعذاب الاخرة وعلى مساوى الأخلاق والأعمال لم يثبتوا على الشرائع باتباع الهوى والشهوات فتركوا الواجبات وارتكبوا المحرمات والمكروهات فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم ثلث مهلكات هوى إلى بئس العبد عبد الهوى يضله رواه الترمذي والبيهقي عن اسماء بنت عميس وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم ثلث مهلكات هوى متبع وشح مطاع وإعجاب المرأ بنفسه وهى أشد هن رواه البيهقي عن أبى هريرة(1/6944)
قلت والثلث كلها راجعة إلى الهوى وان كان المراد فى الحديث بالهوى بعض افرادها (فائدة) ترك الهوى على مراتب أدناه اجتناب ما هو يخالف ظاهر النصوص واجماع السلف فى العقائد وبه يصير مسلما سنيا وأوسطه ما قال مقاتل ان يهم الرجل المعصية فيذكر مقامه للحساب فيتركها ومن تمام هذه المرتبة ترك المشتبهات واجتناب عمالا بأس به حذرا
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 194
عما به بأس قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم من اتقى المشتبهات ويتر العرضه ودينه ومن وقع فى المشتهيات وقع فى المحرمات كراعى يرعى حول الحمى يوشك ان يواقع متفق عليه عن النعمان بن بشير وأيضا من تمامه قصر دايرة المباح على بالابد منه وترك الهوى فى الفضول منها قال رسول اللّه صلعم من الإسراف ان تأكل كل ما اشتهيت رواه ابن ماجه والبيهقي عن انس قال المجدد رض قال سيدنا قبلتنا الشيخ الاجل الشيخ بهاء والدين النقشبندي وجدت طريقا اقرب طرق إلى اللّه سبحانه وهى المخالفة مع النفس يعنى مع زيادة الرعاية الشريعة واللّه تعالى أعلم وهاهنا تدقيق وهى ان المعصية منها ما هو ظاهر يمكن التحرز عنها مخالفة المقام لجانب ربه العلام ومنها ما هو أدق من دبيب النمل وذلك ما كان منها فى لباس الحسنات كالرياء أو العجب وتزكية النفس المنهي عنها فى كثرة النوافل والطاعات وهذا من مزال الاقدام قال بعض الاكابرة لمريده يا بنى لا أخاف طرق الشيطان إليك من سبيل السيئات ولكن أخاف ان يطرق إليك من طريق الحسنات والتحفظ فى هذا المقام اتهام نفسه فى كل مأتى به والتضرع والاستغفار - (أبيات)
خالف النفس والشيطان واعصهما وان هما محضاك النصح فاتهم
و لا تطع منهما خصما ولا حكما فانت تعرف كيد الخصم والحكم
استغفر اللّه من قول بلا عمل لقد نسبت به نسلا لذى عقم(1/6945)
و الحصين فى كل الحصين فى هذه المقام التشبث بذيل شيخ فإن فى اللّه باق به وان لا يفعل شيئا الا بامره واجازته ذكر الشيخ الامام يعقوب الكرخي رحمة اللّه عليه من بدأ حاله انه قال كنت نجارا فادركت فى نفسى تكاسلا وفى باطني شيئا من الظلمة فاردت ان أصوم أياما ليذهب ذلك فصمت وأصبحت عند الشيخ الامام الاجل بهاء الملة والدين النقشبندي فامر الشيخ بإحضار الطعام وقال لى كل فانه بئس العبد عبد هوى تضاله وقال ان الاكل أفضل من الصوم ان كان بهوى النفس ففهمت انه لا بد فى العبادة النافلة أيضا من اذن من الشيخ الفاني فى اللّه المستخلص عن الهوى قال قلت للشيخ بهاء الدين ان لم يوجد شيخ كذلك فماذا يفعل المرء قال فقال الشيخ ليستغفر اللّه كثيرا أو يستغفر بعد كل صلوة عشرين مرة فانه قال رسول اللّه صلعم انه ليغان على قلبى وانى لاستغفر اللّه كل يوم مأية مرة وأعلى المراتب الانتهاء عن الهوى سلب الهوى عن نفسه بالكلية بحيث لا يكون له مراد ومطلب غير اللّه سبحانه وغير مراده ولتحصيل هذه المرتبة تكثير الصوفية تكرار لا اله الا اللّه بملاحظة
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 195(1/6946)
لا مقصود الا اللّه قال المجدد رض ان العبد ما دام فى هوى نفسه فهو عبد نفسه مطيع الشيطان وهذه الدولة العظمى يعنى سلب الهوى بالكلية منوط بالولاية الخالصة ومربوط بالفناء والبقاء الأكملين قلت وفى هذه المرتبة يحصل للصوفى الرضاء بما قدر اللّه له وان كان خلاف طبعه وانه يدعو لدفع ضرر نزل به بناء على انه مامور بالدعاء أو طلب العافية لا لاجل ضيق صدره من فقدان مراده وفى هذه المرتبة يكون عبد اللّه تعالى بالاختيار كما هو عبد اللّه بالتسخير والاضطرار وح لا يجد الشيطان إليه سبيلا الا نادر الان سبيله إلى الإنسان غالبا يكون بتوسط لهوى الا ترى ان من هو محرور المزاج مغلوب الغضب يزين له الشيطان من اعماله القتل والظلم ونحو ذلك ومن هو مبرود المزاج ضعيف القلب يزين له الشيطان القرار من الزحف وترك الغيرة فى الحق والنفاق ونحو ذلك وقس على هذا فإذا أزال الهوى منه انسد طرق الشيطان إليه كلها وذلك مصداق قوله تعالى ان عبادى ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا ومن هذا المقام قال شيخ الاجل يعقوب الكرخي ان الرجل لا يبلغ مبلغ الرجال حتى يخلص من الهوى وفى هذا المقام يطلق على العبد انه مومن حقيقى وهو المراد من قوله صلى اللّه عليه واله وسلم لا يومن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به رواه البغوي فى الشرح الستة وقال النووي فى اربعينه حديث صحيح.
فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى ليس له ماوى سواها أخرج ابن حاتم من طريق جبير عن الضحاك عن ابن عباس ان مشركى مكة سالوا النبي صلى اللّه عليه واله وسلم فقالوا متى تقوم الساعة استهزاء منهم فأنزل اللّه تعالى.(1/6947)
يَسْئَلُونَكَ أى كفار قريش عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها ط أى متى قيامها مصدر من الراس بمعنى القيام والثبوت واخرج الحاكم وابن جرير عن عائشة قالت كان النبي صلى اللّه عليه واله وسلم يسال عن الساعة حتى انزل اللّه عليه يسالونك عن الساعة إلخ فانتهى واخرج الطبراني وابن جرير عن طارق بن شهاب قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم يكثر ذكر الساعة حتى نزلت.
فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها ط احرج ابن حاتم عن عروة مثله والحاصل ان النبي صلعم بشدة حرصه على جواب السائلين عن وقت قيامها كان يسال اللّه سبحانه عنها نزلت هذه الآية فظهران فى اخفائها حكمة وانه لا يرجى علمها فانتهى عن السؤال عنها وما فى فيم استفهامية للانكار
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 196
و من ذكريها بيان لما أى فى شىء أنت فى ذكر الساعة وبيان وقتها لا يجوز كذلك ولا يتصور لانك لا تعلمها ولا يجوز ان يعلم لحكمة فى اخفائها أو المعنى فى أى شىء أنت حال كون ذلك الشيء من ذكر الساعة وبيان وقتها يعنى لست فى شىء من ذكرها وعلمها يعنى ليس شىء من علمها عندك يقال ليس فلان فى العلم من شىء يعنى ليس شىء من العلم عنده ويحتمل ان يكون فيم خبر مبتداء محذوف يعنى فيم هذا السؤال واى فايدة فيه ثم استأنف وقال أنت من ذكريها أى من علاماتها وموجب تذكرها فانك ختم الأنبياء عن انس قال قال رسول اللّه صلعم بعثت انا والساعة كهاتين متفق عليه وعن المستورد بن شداد عن النبي صلعم قال بعثت فى نفس الساعة فاسبقتها كما سبقت هذه هذه بإصبعيه السبابة والوسطى رواه الترمذي وقيل فيم أنت من ذكريها متصل بالسؤال يعنى يسئلونك عن الساعة أيان مرسها ويقولون واين أنت من ذكرانها وبيان وقتها فتذكر وقتها على التعيين.(1/6948)
إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها ط يعنى مدة تقوم الساعة عند انقضائها مفوض إلى ربك لا يعلمها غيره فهذه التعليل للانكار السابق جوابا للسوال وان كان من تتمة السؤال فهذا جواب.
إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها ط يعنى لم تبعث لبيان وقت الساعة انما بعثت لتنذر منها من يخشى شدايدها حتى تجتنب من موجباتها من يخشى لأنه هو المنتفع الشدائد والعلم بوقوع الساعة قطعا يكفى للانذار ولا حاجة فيه إلى بيان وقت وقوعها وتخصيص من يخشى لأنه هو المنتفع بالإنذار وهذه الجملة تأكيد لما سبق من التعليل لانكار السؤال.
كَأَنَّهُمْ أى الناس يَوْمَ يَرَوْنَها أى الساعة والظرف متعلق بمعنى التشبيه المفهوم من كان لَمْ يَلْبَثُوا خبر كان أى لم يلبثوا فى الدنيا والقبور زمانا إِلَّا عَشِيَّةً أى عشية يوم واحد أَوْ ضُحاها امال حمزة والكسائي اواخر هذه السورة من قوله تعالى هل اتيك حديث موسى إلى آخرها الا دحيها فان حمزة فتحها وورش ما ليس فيه هاؤ الف بين بين وغيرها بالفتح الا ذكريها فبين بين وأبو عمرو ما فيه راء امال وغيرها بين بين والباقون بالفتح كلها أى ضحى تلك العشية أضيف الضحى إلى العشية لملابسة اجتماعها فى يوم واحد يعنى انهم يزعمون مدة لبثهم فى الدنيا والقبور لكونها متناهية ولانقضائها وانعدامها كان لم يكن ولعدم تناهى زمان للعذاب ولشدة ذلك العذاب زمان قصير جدا نظيره قوله تعالى لبثنا يوما أو بعض يوم وهذه الآية كأنَّه جواب لسوالهم عن وقت مجيئها يعنى ان قيام الساعة قريب جدا.
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 197(1/6949)
سورة عبس
مكيّة وهى اثنتان وأربعون اية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ذكر البغوي ان ابن أم مكتوم واسمه عبد اللّه بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بنى عامر ابن لوى اتى رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم وهو يناجى عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب وابى وامية ابني خلف يدعوهم إلى اللّه يرجوا إسلامهم فقال ابن أم مكتوم يا رسول اللّه اقرئنى وعلمنى مما علمك اللّه فجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدرى انه مقبل على غيره حتى ظهرت الكراهية فى وجهه صلعم لقطع كلامه وقال فى نفسه يقول هؤلاء الصناديد انما اتباعه العميان والعبيد والسفلة فعبس وجهه واعرض عنه واقبل على القوم الذين كان يكلمهم فانزل اللّه تعالى
عَبَسَ محمد أى كلح وَتَوَلَّى اعرض وجهه.
أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى ومحله النصب على انه مفعول لاحد الفعلين على التنازع أو لان جاءه الأعمى وهو ابن أم مكتوم المذكور كذا أخرج الترمذي والحاكم عن عائشة وفيه قال ابن أم مكتوم أ ترى عما أقوله بأسا قال رسول اللّه صلعم لا واخرج مثله عن انس وكذا روى ابن أبى حاتم عن ابن عباس وفيه فكان رسول اللّه صلعم بعد ذلك إذا راه يكرمه ويقول مرحبا بمن عاتبتى فيه ربى ويقول له هل لك من حاجة وفيما روى الترمذي والحاكم عن عائشة ان النبي صلعم استخلفه على المدينة مرتين فى غزوتين غزاهما وذكر الأعمى فى الآية اشعار بعذره فى الاقدام على قطع كلام النبي صلى اللّه عليه وسلم.(1/6950)
وَ ما يُدْرِيكَ ما نافية أو استفهامية للانكار ومعناه النفي يعنى أنت ما أدريت بحاله واى شىء يجعلك داريا بحاله وفيه ايماء إلى العذر فى حق النبي صلعم يعنى انك لو كنت عالما بحال الأعمى لم تعرض عنه مقبلا على غيره وفى الآية إجلال للنبى صلعم بوجوه أحدها انه ذكر موجب الإنكار والاعراض عنه فى بدأ الكلام بلفظ الغيبة ولم يسند ذلك الفعل إليه بالتخاطب إيهاما بان من صدر ذلك الفعل كأنَّه غيره وليس من شأنه ان يصدر منه مثله وتوجيه ذلك
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 198
ان الأعمال انما هى بالنيات وما كانت فى نية النبي صلعم الاعراض عنه مطلقا بل كان غرضه ان هذا الرجل مؤمن لا يضره التأخير فى تعليمه ولا يخاف منه التولي والانحراف وان صناديد قر يش عند الاعراض عنهم يذهبون ولا ينظرون ولو انهم أمنوا لا من معهم خلق كثير وتساع كلمة اللّه فبهذا الغرض كأنَّه لم يصدر عن النبي صلعم التولي عن الأعمى وان وجد منه صورة التولي وثانيها انه ذكر الإيماء إلى الاعتذار منه صلى اللّه عليه وسلم بانك لم تكن تعلم والا لما صدر عنك ذلك وثالثها الالتفات إليه من الغيبة إلى التخاطب أينا ساله دفعا للايحاش وإقبالا عليه دفعا لتوهم الاعراض ورابعها اسناد موجب العذر إليه صلى اللّه عليه وسلم بالتخاطب تصريحا بكونه معذورا فيما صدر عنه لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أصله يتزكى أى يتطهر بكماله من الشرك الجلى والخفي ورزائل النفس وهوائها وتعلق القلب بغير اللّه سبحانه وذهاب الغفلة عن سائر لطايف عالم الأمر وزوال صولة كل عنصر من عناصر عالم الخلق بفيض صحبة النبي صلعم وبركة أنفاسه الشريفة واقتباس أنواره الظاهرة والباطنة.(1/6951)
أَوْ يَذَّكَّرُ أصله يتذكر أى يشتغل بما يذكر اللّه سبحانه ويزيد حضوره ويفيد خشيته من عذابه ورجاء ثوابه فَتَنْفَعَهُ قرأ عاصم بالنصب على جواب لعل والباقون بالرفع عطفا على يذكر الذِّكْرى فى الصحاح الذكرى كثرة الذكر وهو ابلغ من الذكر لقوله تعالى لعله يزكى اشعار إلى غاية منازل الأبرار وقوله أو يذكر اشارة إلى بداية حال الأخيار ولم يذكر هاهنا حال المقربين الصديقين لان المقام مقام الانانية واما المقربون فملاك أمرهم على الاجتباء وذلك بالاصالة مختص بالأنبياء وبالوراثة والطفيل لمن شاء اللّه تعالى من الأصفياء وكلمة أو بين لمنع الخلو دون الجمع كما فى قوله جالس الحسن أو ابن سيرين والجملة معترضة لما ذكرنا من الفوائد والبيان صلوح الأعمى للخطاب وفيه تعريض بان صناديد قريش ليسوا بأهل للخطاب وفيه تعريض لا يرجى ما يقصد منهم كمن يقرا مسئلة لمن لا يفهمها وعنده اخر قابل لفهمها فيقال بل هذا يفهم ما تقول وقيل ضمير لعله راجع إلى الكافر يعنى انك تطمع منه تزكى أو تذكر وما يدريك ان ما تطمع فيه كاين وعلى هذا جملة لعله يزكى مفعول ثان ليدريك واللّه تعالى أعلم .
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى قال ابن عباس استغنى عن اللّه وعن الايمان بماله من المال.
فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى قرأ نافع وابن كثير بتشديد الصاد
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 199
بإدغام التاء التفعل فى الصاد والباقون بالتخفيف بحذف احدى التاءين وأصله يتصدى أى تعرض له وتقبل عليه كيلا يفوت منه التزكى والتطهر.
وَما عَلَيْكَ بأس فى أَلَّا يَزَّكَّى ط حتى يبعثك الحرص على إسلامه إلى الاعراض عمن اسلم انما عليك البلاغ ويحتمل ان يكون لا زائدة والا يزكى اسم ما عليك خبره والمعنى انه ليس الواجب عليك تزكية انما عليك البلاغ والجملة فاعل تصدى أو معترضة.
وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى حال أى ساعيا طالبا لما عندك من الخير.(1/6952)
وَ هُوَ يَخْشى اللّه عز وجل حال مرادف يسعى أو متداخل.
فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ج امال حمزة والكسائي أو اخر الآيات من أول السورة إلى هاهنا وورش بين بين الا ذكرى فاما لها والباقون بالفتح أى تتشاغل إلى غيره الجملتين تفصيل لما أجمل فى عبس وتولى وبيان لما عليه العتاب وهو إهمال الطالب وبذل الجهد فى الغافل مع ان الاولى عكس ذلك.
كَلَّا ردع عما فعل أى لا نفعل مثل ذلك ابدا إِنَّها أى القرآن انث الضمير لتأنيث خبره أو بتأويل الآيات تَذْكِرَةٌ ج عظة وموجب لذكر اللّه سبحانه.
فَمَنْ شاءَ الاتعاظ وذكره تعالى ذَكَرَهُ حفظه أى القرآن والجملة معترضة تعليق الذكر بالمشية تخيير صيغة وتوبيخ للمعرضين عنه وثناء للمشتغلين به معنى.
فِي صُحُفٍ أى مثبة مكتوبة فيها صفة لتذكرة أو خبر ثان لان أو خبر مبتداء محذوف أى هى فى صحف والمراد بالصحف اللوح المحفوظ أو صحف ينسخها الملائكة من اللوح أو صحف الأنبياء بدليل قوله تعالى وانه لفى الزبر الأولين ان هذا لفى الصحف الاولى صحف ابراهيم وموسى أو المصاحف التي كتبها الصحابة عن النبي صلى اللّه عليه واله وسلم مُكَرَّمَةٍ عند اللّه.
مَرْفُوعَةٍ القدر عند اللّه سبحانه وقيل مرفوعة فى السماء السابعة مُطَهَّرَةٍ منزهة عن مس الجنب والحائض والنفساء والمحدث.(1/6953)
بِأَيْدِي سَفَرَةٍ جمع سافر بمعنى كاتب ومنه يقال الكتاب سفر وجمعه اسفار كذا قال ابن عباس ومجاهد فالمراد بهم الملائكة الكرام الكاتبون أو الأنبياء أو كتبة الوحى وقال الآخرون هم الرسل جمع سفير بمعنى الرسل يقال سفير القوم للذى يسعى بينهم للصلح فالمراد هم الرسل من الملائكة ومن المبشر قلت وكذا اكتبه الوحى وعلماء الامة فان كل منهم سفير بين الرسول وبين الامة قال رسول اللّه صلعم الذي يقرؤن القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام الأبرار والذي يقرأه وينتفع فيه وهو عليه شاق له اجر ان رواه الشيخان عن عائشة رضى اللّه عنها
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 200
يعنى له أجران اجر القراءة واجر المشقة وبهذا يظهران للماهر أجور غير متناهية.
كِرامٍ على اللّه منعطفين على المؤمنين يكملونهم ويستغفرون لهم بَرَرَةٍ ط أتقياء صفة بعد صفة لسفرة هكذا ينبغى شان العلماء.(1/6954)
قُتِلَ الْإِنْسانُ أى لعن ما أَكْفَرَهُ دعاء عليه باشنع الدعوات وتعجب من افراطه فى الكفر بعد هجوم الدواعي على التشكر والايمان وهذا الكلام مع قصره يدل على سخط عظيم وذم بليغ أخرج ابن المنذر عن عكرمة وكذا قال مقاتل انها نزلت فى عتبة بن أبى لهب قال كفرت برب النجم قلت وقصة ذلك على ما فى السير انه كان النبي صلى اللّه عليه واله وسلم زوّجه ابنة أم كلثوم وزوّج أخيه عتبة أختها عليهما السلام فلما نزلت تبّت يدا أبى لهب وتبّ قال أبو لهب راسى من راسكما حرام ان لم تطلقا ابنتي محمد فطلقا لهما ولم يبنيا بهما وجاء عتبة حين فارق أم كلثوم عند النبي صلعم وقال كفرت بدينك وفارقتك ابنتك وسطا عليه وشق قميص النبي صلى اللّه عليه واله وسلم قال النبي صلى اللّه عليه وسلم اما انى أسأل اللّه ان يسلط عليك كلبا من كلابه وكان خارجا إلى الشام تاجرا مع نفر من قريش حتى نزّلوا مكانا من الشام (يقال له الزوراء) ليلا فطاف بهم الأسد تلك الليلة عتبة يقول يا ويل فانى أخاف دعوة محمد فجمعوا حمالهم فعرشوا العتبة فى أعلاها وناموا حوله فقيل ان الأسد انصرف عنهم حتى ناموا وعتبة فى وسطهم ثم اقبل الأسد يتخطاهم ويتفشمهم حتى أخذ برأس عتبة فقدعه قلت واما عتبة ومعيتيب ابني أبى لهب فقد اسلم بعد ذلك وكان من التائبين مع النبي صلى اللّه عليه واله وسلم يوم حنين.
مِنْ أَيِّ شَيْ ءٍ خَلَقَهُ ط بيان لموجبات الايمان والشكر وذكر مبدأ خلقه لكونها اسبق النعم وضمير الفاعل راجعا إلى مذكور تقديرا يعنى من أى شىء خلقه اللّه الاستفهام للتقرير إلى حمل المخاطب على الإقرار بانه خلقه اللّه من نطفة بيان لما وهذا الوجه أوقع فى الذهن وفيه تحقير ينافى التكبر.(1/6955)
مِنْ نُطْفَةٍ ط متعلق بمحذوف أى خلق اللّه من نطفة بيان لما أبهم ثم بين ما اعترض عليه من الأحوال من مبدأ خلقه إلى منتهاه فقال خَلَقَهُ أوجده فى الرحم من نطفة تاما فَقَدَّرَهُ أى كتب باذنه ملك الموكل اربع كلمات مقدرة مقادير عمله واجله ورزقه وسعادته أو شقاوته كما ذكرنا فى سورة المرسلات حديث ابن مسعود المتفق عليه وهذا التأويل اولى مما ذكره المفسرون بان معناه هاهنا لا يصلح من الأعضاء والاشكال أو قدره أطوارا
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 201
من نطفة إلى ان تم خلقه.
ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ إضمار على شريطة التفسير معطوف على قدر يعنى سهل طريق خروجه من بطن امه كذا قال السدى والمقاتل أو المعنى سهل له طريق الحق وسبيل الوصول إلى اللّه تعالى ببعث الرسل وإنزال الكتاب ليتم عليه الحجة نظيره قوله تعالى امّا من اعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى واما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى أو المعنى سهل له الحيوة الدنيا وما يتوقف عليه فان الدنيا سبيل اما إلى الجنة واما إلى النار وليست بدار القرار قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم كن فى الدنيا كانك غريب أو عابر سبيل رواه البخاري من حديث ابن عمرو رواه احمد والترمذي وابن ماجة ورادوا وعد نفسك من اصحاب القبور ويناسب هذا التأويل قوله.(1/6956)
ثُمَّ أَماتَهُ عد الاماتة من النعم لكونها موصلة إلى دار القرار قال رسول اللّه صلعم تحفة المؤمن الموت رواه الطبراني والحاكم والبيهقي فى الشعب وأبو نعيم فى الحلية من حديث ابن عمرو اما كونه سبيلا إلى النار فلفساد اختياره ولا جبر بالكلية قال رسول اللّه صلعم قيل لى سيد بنى دار أو وضع مأدبة وأرسل داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ورضى عنه السيد ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة وسخط عليه السيد فقال فاللّه السيد ومحمد الداعي والدار الإسلام والمأدبة الجنة رواه الدارمي من حديث ربيعة الجرسى والبخاري عن جابر نحوه فَأَقْبَرَهُ أى امر الناس بجعل الميت فى القبر صيانة عن السباع وهذا نعمة اخرى صبت أكرم الإنسان ولم يجعله كساير الحيوانات جيفة ملقاة.
ثُمَّ إِذا شاءَ اللّه بعثه من القبر أَنْشَرَهُ أحياه بعد الموتة فان من هو قادر على خلقه قادر على نشره من القبر وقد اخبر بذلك على لسان رسله ولو لا البعث والجزاء لصار الشاكر كالكافر وذلك قبيح.
كَلَّا ردع عما عليه الكافر من الإنكار والكفران مع تلك الدلائل الموجبة للايمان والنعماء المستوجبة للشكر لَمَّا يَقْضِ أى بعد ما علم تلك النعم الجليلة والدلائل الواضحة لم يقض إلى الان ما أَمَرَهُ اللّه من الايمان والنعماء المستوجبة لشكر المنعم.
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ عطف على مفهوم ما سبق أى لينظر اولا إلى نفسه من مبدأ خلقه إلى منتهاه وما أنعم عليه وفيه فينظر إِلى طَعامِهِ كيف خلقناه ومتعناه به.
أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ المطر من السماء
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 202
قرأ الكوفيون بفتح همزة انا على انه بدل اشتمال للطعام لبيان كيفية خلقه والباقون بالكسر على الاستيناف صَبًّا مفعول مطلق للتاكيد.(1/6957)
ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا بإخراج شطأ الزرع من الأرض أو بالكراب وحينئذ اسناد الفعل إلى اللّه اسناد إلى السبب.
فَأَنْبَتْنا فِيها أى فى الأرض حَبًّا كالحنطة والشعير وغير ذلك.
وَعِنَباً وَقَضْباً يعنى الرطبة سميت بمصدر قضبه أو اقطعه لانها يقضب مرة بعد اخرى وفى الصحاح القضب يستعمل فى البقل وفى القاموس القضب كل شجرة طالت وبسطت أغصانها.
وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا وَحَدائِقَ غُلْباً وهى الحديقة المتكاثفة أشجارها كذا فى القاموس.
وَفاكِهَةً ما يراد بها التفكه فقط من الثمار ومن ثم قال الفقهاء من حلف لا يأكل فاكهة لا يحنث بأكل التمر والعنب والزيتون ولان العطف دليل المغايرة وكذا أكل ما يراد به الغذاء والدواء كالرمان وَأَبًّا أى كلاء ومرعى كذا فى القاموس.
مَتاعاً مفعول له لانبتنا لَكُمْ كالحب من الحنطة وغيرها وَلِأَنْعامِكُمْ كالاب.
فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ فى القاموس الصاخة صيحة بضم شدتها والمراد بها نفخة الصور وفى الصحاح الصاخة الشدة الصوت ذى نطق وعلى هذا وصفت نفخة الصور بها مجازا لان الناس يصيحون بها وهذا الشرط محذوف الجزاء والجملة متصل لقوله تعالى انها تذكرة أو بقوله قتل الإنسان ما اكفره فعلى الأول تقديره انها تذكرة وعظته فإذا جاءت الصاخة يختلف حال المتعظين بها وغير المتعظين وبيانه وجوه يومئذ إلخ ويحتمل حينئذ ان يكون جزاءه وجوه يومئذ إلخ وعلى الثاني تقديره قتل الإنسان ما اكفره فإذا جاءت الصاخة يرى جزاء كفرانه.(1/6958)
يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ط لاشتغاله بشان نفسه وعلمه بانهم لا ينفعونهم أو لبغضهم وكراهتهم لاجل كفرهم وسوء حالهم عن على رضى اللّه تعالى عنه قال سالت خديجة ولدين ماتا لها فى الجاهلية فقال رسول اللّه صلعم هما فى النار فلما راى الكراهة فى وجهها قال لو رايت مكانهما لا بغضتهما الحديث رواه احمد وتأخير الأحب للمبالغة كأنَّه قيل يفر المرء من أخيه بل من أبويه بل من صاحبته وبنيه والظرف اعنى يوم يفر بدل من إذا.
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أى من الناس يَوْمَئِذٍ متعلق بالظرف المستقر شَأْنٌ فاعل للظرف المستقر
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 203
او مبتداء والظرف خبره يُغْنِيهِ ط أى يشغله عن شأن غيره صفة لشأن وهذا التعليل للفراء عن سودة زوج النبي صلى اللّه عليه واله وسلم قالت قال رسول اللّه صلعم يبعث اللّه الناس حفاة عراة غرلا لقد الجسم العرق وبلغ شحوم الاذان فقلت يا رسول اللّه وا سوأتاه ينظر بعضنا إلى بعض فقال قد شغل الناس لكل امرئ منهم يومئذ شان يغنيه رواه الطبراني والبيهقي والبغوي وفى الصحيحين عن عائشة نحوه وفيه قالت عائشة الأمر منهم يومئذ أشد من ذلك يعنى من ان ينظر بعضهم إلى بعض واخرج البيهقي عن ابن عباس نحوه.
وُجُوهٌ المؤمنين أو وجوه كثيرة أو وجوه منهم أى من الناس المفهوم من كل امرئ يَوْمَئِذٍ متعلق بما بعده مُسْفِرَةٌ أى مضية من اسفار الصبح.
ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ج وصفت الوجوه بصفة أصحابها مجازا.
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ متعلق بظرف مستقر بعده عَلَيْها ظرف مستقر غَبَرَةٌ فاعل الظرف أو مبتداء أى استقر عليها غبار أو كدورة والجملة خبر لوجوه.(1/6959)
تَرْهَقُها تعلوها وتغشاها قَتَرَةٌ أى سواد وظلمة قال ابن عباس تغشاها ذلة قال ابن زيد فرق بين الغبرة والقترة ان القترة ما ارتفع من الغبار فلحق بالماء والغبرة ما كان أسفل فى الأرض وجملة ترهقها صفة بغبرة أو خبر بعد خبر بوجوه.
أُولئِكَ مبتداء يعنى الذين وجوههم عليها غبرة هُمُ ضمير الفصل الْكَفَرَةُ جمع كفر خبر الْفَجَرَةُ ع جمع فاجر صفة لكفرة أو خبر والجملة مستانفة كانها جواب من اصحاب تلك الوجوه والفجور شق شر الدين والديانة وكماله فى الكفر - واللّه اعلم بالصواب.
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 204
سورة كوّرت
مكية وهى تسع وعشرون اية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم من سره ان ينظر إلى يوم القيامة راى العين فليقرأ إذا الشمس كورت وإذا السماء انفطرت وإذا السماء انشقت رواه احمد والترمذي وحسنه ورواه البغوي من غير ذكر إذا السماء انفطرت وإذا السماء انشقت(1/6960)
إِذَا الشَّمْسُ إذا شرطية والشمس مرفوعة بفعل شرط محذوف يفسره كُوِّرَتْ وكذا كل ما عطف عليه أى لغت فذهب ضوءه واظلمت أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم والبيهقي من طريق أبى طلحة عن ابن عباس قال اظلمت واخرج ابن أبى حاتم وابن أبى الدنيا فى كتاب فى البحر والأحوال وأبو الشيخ فى كتاب العظمة عنه فى تلك الآيات قال يكور اللّه الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة فى البحر ويبعث اللّه ريحا دبورا فينفخه حتى يرجع نارا قال بعضهم إذا ألقيت الشمس فى البحر فيه انحمى وتنقلب نارا واخرج ابن أبى حاتم عن ابن أبى مريم ان النبي صلى اللّه عليه وسلم قال فى قوله تعالى إذا الشمس كورت فى جهنم وإذ النجوم انكدرت قال انكدرت فى جهنم وكل من عبد من دون اللّه فهو فى جهنم الا ما كان من عيسى وامه قلت لعل التطبيق بين تكويرها فى البحر وفى جهنم ان البحر يصير نارا حميما لاهل النار واخرج البخاري عن أبى هريرة عن النبي صلعم قال الشمس والقمر يكوران يوم القيمة واخرج البزار فى مسنده وزاد فى النار.
وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ص أى انقضت وتناثرت من السماء وتساقطت إلى الأرض يقال انكدر الطير أى أسقط قال الكلبي يمطر السماء يومئذ نجوما فلا يبقى نجم الا وقع.
وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ ص عن وجه الأرض فصارت هباء منبثا.
وَإِذَا الْعِشارُ أى التوق اللاتي مر على حملها عشرة أشهر جمع عشراء ولا يزال ذلك اسمها ح تى تضع لتمام سنة وهى النفيس اموال العرب يكونون ملازمى اذنابهن عُطِّلَتْ تركت بلا راع
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 205
أهملها أهلها لما جاء اهوال يوم القيامة أو المراد بالعشار السحايب عطلت عن المطر.(1/6961)
وَ إِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ قال أبى بن كعب معناه اجتلت وماجت بعضها فى بعضها وقيل معناه جمعت بعد البعث للقصاص بين الدواب كما مر فى تفسير قوله تعالى يا ليتنى كنت ترابا وروى عكرمة عن ابن عباس حشرها موتها قال حشر كل شى الموت غير الجن والانس.
وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ ص قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتخفيف والباقون بالتشديد قال ابن عباس أوقدت فصارت نارا تضطرم وهو قول أبى وقال الكلبي ملئت يقال المسجور المملو وقال مجاهد ومقاتل يعنى قحم بعضها فى بعض العذب والملح فصارت البحور كلها بحرا واحدا من الحميم لاهل النار وقال الحسن وقتادة يبست وذهب ماءها فلم يبق من الماء قطرة قلت والجمع بين الأقوال انه يجمع البحار كلها وملئت بحرا واحدا وكورت الشمس فيها فحينئذ تحمى البحر وتصير نارا ولم يبق من الماء قطرة بصيرورتها نارا وماء حميما لاهل النار واخرج ابن أبى حاتم وابن أبى الدنيا عن أبى بن كعب قال ست آيات قبل يوم القيامة بينما الناس فى أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس فبينما هم كذلك إذا وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت وفزعت الإنس والجن فتقول الجن للانس نحن ناتيكم بالخبر فانطلقوا إلى البحر فإذا هو نار تأجج فبينما هم كذلك إذا جاءت بهم ريح فاماتتهم وقال البغوي روى أبو العالية عنه فذكر نحوه غير ان فى رواية فانطلقوا الجن إلى البحر فإذا هى نار تأجج فبينما هم كذلك إذ انصدعت الأرض صدعة واحدة أى الأرض السابعة السفلى إلى السماء العليا فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فاماتتهم وعن ابن عباس أيضا قال هى اثنى عشر خصلة ست فى الدنيا ستة فى الاخرة وهى ما ذكر بعدها.(1/6962)
وَ إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ أخرج ابن أبى حاتم عن النعمان بن بشير قال قال رسول اللّه صلعم فى هذه الآية الضرباء كل رجل مع قومه كانوا يعملون عمله وذلك بإذن اللّه ويقول وكنتم أزواجا ثلثة فأصحب الميمنة ما اصحب الميمنة واصحب المشئمة ما اصحب المشئمة والسابقون السابقون واخرج البيهقي من النعمان بن بشير قال سمعت عمر بن الخطاب يقول وإذا النفوس زوجت قال هما الرجلان يعملان العمل يدخلان به الجنة أو النار وسمعته يقول احشروا الذين ظلموا
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 206
و أزواجهم قال ضربائهم واخرج سعيد بن منصور بلفظ يقرن الرجل الصالح مع الصالح فى الجنة ويقرن الرجل السوء مع السوء فى النار واخرج البيهقي عن ابن عباس قال احشروا الذين ظلموا وأزواجهم قال أشياعهم وقيل تزوجت النفوس باعمالها وقال عطاء ومقاتل زوجت النفوس المؤمنين بالحور العين وقرنت نفوس الكفار بالشياطين وروى عن عكرمة قال إذا النفوس زوجت أى ردت الأرواح فى الأجساد.(1/6963)
وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ وهى الجارية المدفونة حية سميت بذلك لما يطرح عليها من التراب فيودها أى يثقلها حتى تموت وكانت العرب تدفن البنات مخافة العار والفقر تبكيتا للوائدة كتبكيت النصارى بقوله تعالى يا عيسى بن مريم أنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين أو يقال أسند الفعل إلى الموؤدة محازا والمعنى سُئِلَتْ عنها كما فى قوله تعالى ان العهد كان مسئولا أى مسئولا عنه أو المراد بالموؤدة الوائدة وقد يطلق المفعول بمعنى الفاعل كما فى قوله تعالى كان وعده ماتيا والمراد بالموءودة الموؤدة لهما كما فى قوله عليه السلام الوائدة والموؤدة فى النار رواه أبو داود بسند حسن عن ابن مسعود قال وائدة هى القابلة والموؤدة لها هى الام ولا يمكن فى الحديث الا هذا التأويل - (فائده) الواد كبيرة لأنه قتل النفس بغير حق وفى حكمه إسقاط الحمل بعد اربعة أشهر لتمام خلقة الجنين ونفخ الروح فى تلك المدة واقل منه وزرا إسقاط الحمل قبل اربعة أشهر لكنه حرام ولذلك تجب الغرة اجماعا فيما ضرب بطن امرأة حبلى فسقط جنينا كامل الخلقة أو ناقصا إذ تصور فيها خلق آدمي هذا إذا انفصل ميتا واما إذا انفصل حيا فمات ففيه كمال دية الكبير عن أبى هريرة قال قضى رسول اللّه صلعم فى جنين امرأة من بنى لحيان سقط بغرة عبدا وامة متفق عليه (مسئلة : ) يجوز العزل عن الامة ولا يجوز عن الحرة الا بإذنها لكنه يكره مطلقا لما روى مسلم عن حذامة بنت وهب انهم سالوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن العزل فقال رسول اللّه صلعم ذلك الواد الخفي وهى وإذا الموؤدة سئلت ووجه الجواز حديث جابر كنا نعزل والقران ينزل متفق عليه وزاد مسلم فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم فلم ينهنا وفى رواية عنه صلعم قال فى الامة اعزل عنها ان شئت فانه سيأتيها ما قدر لها وفى روايتها ما عليكم ان لا تفعلوا ما من نسمة كاينة إلى يوم القيامة الا وهى كاينة متفق عليه ووجه الاحتياج(1/6964)
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 207
الى الاذن فى الحرة حديث عمر بن الخطاب قال نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ان يعزل عن الحرة الا بإذنها رواه ابن ماجة.
بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ أى الموؤدة قرأ أبو جعفر بالتشديد المبالغة والجمهور بالتخفيف فى التاء.
وَإِذَا الصُّحُفُ صحف الأعمال نُشِرَتْ للحساب أو فرقت بين أصحابها قراءة نافع وابن عامر وعاصم بتخفيف الشين والباقون بالتشديد للمبالغة فى النشر أو لكثرة الصحف أو شدة الطائر.
وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ قلعت وأزيلت كما تكشط الإهاب عن الذبيحة قلت والظاهر ان يكون هذا قبل نفخة الصعق حين كورت الشمس وانتشرت الكواكب أو عند تلك النفخة ويحتمل ان يكون بين النفختين فتطوى السماء والأرض وتبدل السماء سماء اخر وتبدل الأرض غير الأرض قال القرظي جمع صاحب الإفصاح بين الاخبار فقال تبديل السموات والأرض تقع مرتين إحداهما تبديل صفاتها فقط وذلك قبل نفخة الصعق فتنثر الكواكب وتخسف الشمس والقمر وتصير السماء كالمهل وتكشط عن الروس وتسير الجبال ويصير البحر نارا وعوج الأرض وينشق إلى ان تصير الهيئة غير الهيئة ثم بين النفختين تطوى السماء والأرض وتبدل السماء بسماء اخرى.
وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ قرأ نافع وحفص وابن زكوان بتشديد العين والباقون بالتخفيف أى أوقدت إيقاد شديدا لاعداء اللّه تعالى.
وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ أدنيت للمتقين قال اللّه تعالى وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد.
عَلِمَتْ نَفْسٌ مكرمة عامة فى الأسباط بمعاونة المقام أى كل نفس ما أَحْضَرَتْ ط أى ما فعلت من خير أو شر وهذا جواب لاذا الشرطية فى إذا الشمس كورت وفيما عطف عليه والمراد بذلك الزمان الزمان المتسع الشامل لجميع ما ذكرهما قبل النفخة الاولى إلى دخول الجنة.(1/6965)
فَلا أُقْسِمُ الكلام هاهنا كالكلام فى المفتتح « 1 » سورة القيامة والفاء يعنى لما أنزلنا عليكم الآيات فى شأن الساعة فاعلموا انه كلام اللّه غير متقول اقسم بِالْخُنَّسِ الخنوس الرجوع من منتهى السير إلى مكان ابتدأ منه والمراد بها الكواكب الخمسة المسمات بالمتحيرة وهى عطارد والزهرة والمشترى والمريخ والزحل فانها ترى سيارة من المغرب
_________
(1) مضت التفصيل فى سورة القيامة لكن خلاصة كلامه ان قنبل وفى رواية البزي أيضا قرأ لاقسم من دون الالف واللام لتاكيد القسم اما الباقون من القراء فقراءتهم كقراءة حفص فحينئذ لا زائدة 12 -
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 208
الى المشرق ثم ترجع إلى المغرب وقد ترى ساكنة ولذلك سميت متحيرة والسبب فى ذلك عند الهيئة انها مرتكزة فى أفلاك جزئية غير مجوفة تسمى تدويرات وللتدويرات حركات برأسها وحركات أعاليها على نسق أفلاكها من المغرب إلى المشرق وحركات أسافلها على عكس ذلك فالكواكب إذا كان فى أعلى التدوير فتساعد الحركتين حركة التدوير وحركة الفلك الكلى يرى متحركا إلى المشرق بسرعته وإذا كان فى أسفلها فلتراجم الحركتين أو عدم التساعد قد يرى متحركا نحو المغرب وهو الرجوع والخنوس وقد يرى ساكنا واما عندنا فالكواكب كل منها فى فلك يسبحون على ما أراد اللّه سبحانه ولا امتناع لخرق السموات والتيامها فحركات الخمسة المتحيرة قد تكون نحو المشرق وقد تكون نحو المغرب وقد تكون بطيئة وقد تكون سريعة كما أراد اللّه تعالى وجرى به عادته وحركات ساير الكواكب جرت العادة بكونها دائما على نسق واحد وقال قتادة الخنس هى النجوم كلها تبدوا بالليل وتخنس بالنهار فتخفى فالمراد بالخنوس حينئذ الخفاء وهو لازم يعنى الرجوع وقيل خنوسها ان يغيب قلت وعلى هذا يكون الخنس والكنس مترادفين فلا وجه للتكرار.(1/6966)
الْجَوارِ فى الفلك الْكُنَّسِ والكنوس ان تأوي الأرنب والظبى فى مكانها والمراد هاهنا بالكنس اختفائها عند غروبها أو عند المحاق قلت ويحتمل ان يقال المراد بمكانها مستقرها تحت العرش عن أبى ذر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم حين غربت الشمس أ تدري اين تذهب قلت اللّه ورسوله اعلم قال فانها تذهب حتى نسجد تحت العرش الحديث.
وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ قال الحسن اقبل بظلامه وقال أدبر وهو من الاضداد.
وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ أى بدأ اوله وقبل امتد ضوئه وارتفع جواب القسم.
إِنَّهُ يعنى القرآن لَقَوْلُ رَسُولٍ من حيث انه رسول يعنى ليس بمتقول محمد عليه الصلاة والسلام بل هو قول مرسل وهو اللّه سبحانه والمراد بالرسول جبرئيل أو محمد صلى اللّه عليه وسلم كَرِيمٍ على اللّه صفة رسول.
ذِي قُوَّةٍ ان المراد جبرئيل فمن قوته انه اقتلع قريات قوم لوط ومن الماء الأسود حملها على جناحه فرفعها إلى السماء ثم قلبها وانه صاح صيحة بثمود فاصبحوا جاثمين وانه يهبط من السماء إلى الأرض ويصعد فى اسرع من الطرف وان المراد به محمد صلى اللّه عليه واله وسلم فهو ذو قوة فى الجذب إلى اللّه من الإرشاد لبث
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 209
نوح عليه السلام فى قومه الف سنة الا خمسين عاما وما أمن قوم الا قليل ولبث محمد صلى اللّه عليه واله وسلم فى أمته ثلثا وعشرين سنة وانتشر دينه فى الآفاق كان الناس يدخلون فى دين اللّه أفواجا وكان معه حجة الوداع ماية الف واربعة وعشرين الفا من الصحابة وانه صعد من السماء السابعة والى ما لم يستطع جبرئيل الصعود إليه ثم هبط الأرض فى اقل من ساعة وانه راى ربه ولم يستطع أحد غيره فلما تجلّى ربه للجبل جعله دكا وخرّ موسى صعقا عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ أى اللّه سبحانه الظرف متعلق بما بعده مَكِينٍ ذى مكانة وجاه ومنزلة.(1/6967)
مُطاعٍ للعالمين قال اللّه تعالى من يطع الرّسول فقد أطاع اللّه ثَمَّ أى عند ذى العرش أَمِينٍ ط على الوحى والظرف اعنى ثمّ الظاهر انه متعلق بامين ويجوز ان يكون متعلق بمطاع يعنى مطاع فى الملاء الا على قال البغوي من إطاعة الملائكة إياه يعنى جبرئيل انهم فتحوا أبواب السماوات ليلة المعراج بقوله لرسول اللّه صلعم وفتح خزنة الجنة ابوابها قلت وهذا بعينه إطاعة لمحمد صلى اللّه عليه واله وسلم ويحتمل ان يراد بالاطاعة ان الاحكام الالهية تنزل اولا عليه ثم بواسطته تصل تلك الاحكام إلى غيره من الملائكة عن النواس بن سمعان قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أراد اللّه ان يوحى بالأمر تكلم بالوحى أخذت السموات منه رجفة أو قال رعدة شديدة خوفا من اللّه تعالى فإذا سمع ذلك أهل السموات صعقوا وخروا للّه سجدا فيكون أول من يرفع راسه جبرئيل فيكلمه اللّه وحيه بما أراد ثم يمر جبرئيل على الملائكة كلما مر بسماء سأله ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبرئيل فيقول جبرئيل قال الحق وهو العلى الكبير قال فيقول كلهم مثل ما قال جبرئيل بالوحى حيث امره اللّه وهذا يدل على كون جبرئيل مطاعا واما كون محمد صلى اللّه عليه وسلم مطاعا فى الملائكة فوجه ذلك ان الحقيقة المحمدية عند أهل التحقيق هو التعين الأول بفيوض الوجود ومراتب القرب ومنها مرتبة كونه يوحى إليه كليما للّه لا يصل فى أحد الا بتوسط الحقيقة المحمدية وهذا امر كشفى ويشهد من النصوص قوله تعالى وما أرسلناك الا رحمة للعالمين وقوله عليه السلام اما وزير أى فى السماء فجبرئيل وميكائيل ووزير أى فى الأرض أبو بكر وعمر فجبرئيل مطاع بالطريق الاولى.
وَما صاحِبُكُمْ يعنى محمد صلى اللّه عليه واله وسلم عطف على انه فهو أيضا جواب للقسم فان كان المراد بالرسل
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 210(1/6968)
فيما سبق محمد صلى اللّه عليه وسلم فوضع المظهر موضع المضمر للتنبيه على انه صاحبكم منذ أربعين سنة قبل ذلك لم يظهر منه الا وفور العقل وكماله فالحكم فيه بِمَجْنُونٍ ج مكابرة أو جنون ففى هذا الكلام رد لقول الكفار افترى على اللّه كذبا أم به جنة.
وَلَقَدْ رَآهُ الضمير المرفوع راجع إلى صاحبكم محمد صلى اللّه عليه وسلم بالاتفاق والضمير المنصوب اما راجع إلى ذى العرش فعلى هذا قوله تعالى بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ج ظرف مستقر حال من الضمير المرفوع والمعنى انه راى محمد ذا العرش ليلة المعراج حال كون محمد بالأفق للعالم على منتهى السموات السبع قال البغوي روينا فى قصة المعراج عن شريك بن عبد اللّه عن انس قال دنى جبار رب العزة فتدلى كان حتى قاب قوسين أو ادنى وهو رواية أبى سلمة عن ابن عباس وكذا قال الضحاك والقائلون بهذا القول اختلفوا فقال بعضهم جعل بصره فى فؤاده فراه بفؤاد استنباطا من قوله تعالى ما كذب الفؤاد ما راى وهذا قول ابن عباس روى مسلم عن أبى العالية عنه ما كذب الفؤاد ما راى ولقد راه نزلة اخرى قال راه بفؤاده مرتين وذهب جماعة إلى انه راه بعينه وهو قول انس والحسن وعكرمة قالوا راى محمد ربه وروى عكرمة عن ابن عباس قال ان اللّه اصطفى ابراهيم بالخلة واصطفى موسى بالكلام واصطفى محمد بالروية وعن أبى ذر قال سالت رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم هل رايت ربك قال نورانى راه رواه مسلم قلت ويحتمل ان يراد بالأفق المبين والأفق الأعلى منتهى درجات سير السالكين ان أقصى حقايق العابدية وهى الحقيقة الاحمدية المعبر فيها بالمحبوبية الصرفة وراء ذلك مرتبة اللائعين ولا مساغ للسير والسلوك فى مرتبة اللاتعين والسير فى تلك المرتبة العليا السير النظري فحسب كذا قال المجدد رض وقال الجمهور المفسرين الضمير المنصوب راجع إلى رسول كريم والمراد بالرسول جبرئيل قال قتادة ومجاهد الأفق المبين هو الأفق(1/6969)
الأعلى من ناحية المشرق روى البغوي بسنده عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلعم لجبرئيل انى أحب ان أراك فى صورتك التي تكون فيها فى السماء قال لن تقوى على ذلك قال بلى قال فاين تشاء ان اتخيل لك قال بالأبطح قال لا يسعنى قال فى منى قال لا يسعنى قال فبعرفات قال لا يسعنى ذلك قال بحراء قال ان يسعنى قواعده فخرج النبي صلعم للوقت فإذا هو بجبرئيل قد اقبل من جبال عرفات بخشخشة وكلكلة قد ملأ ما بين المشرق والمغرب
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 211(1/6970)
و راسه فى السماء ورجلاه فى الأرض فلما راه النبي صلى اللّه عليه واله وسلم كبر وخر مغشيا عليه قال فتحول جبرئيل فى صورته فضمه إلى صدره وقال يا محمد لا تخف فكيف لك لو رايت اسرافيل وراسه من تحت العرش ورجلاه فى تخوم الأرض السابعة وان العرش لعلى كاهله وانه ليتضاول أحيانا من مخافة اللّه عز وجل حتى يصير مثل الصعو يعنى العصفور حتى ما يحمل عرش ربك الا عظمته ومن القائلين بهذا القول عائشة رضى اللّه عنها روى البخاري فى صحيحه وغيره انها كذب من فال راى محمد ربه مستدلة بقوله تعالى لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وقوله تعالى ما كان لبشر ان يكلمه اللّه الا وحيا أو من وراء حجاب الآية والفقه فى الباب ان المثبتين للروية اولى من قولها وقوله تعالى لا تدركه الابصار لا ينفى الروية فى الاخرة اجماعا فكذا فى ليلة المعراج حين خرج النبي صلعم فى الدنيا وراى الجنة والنار وما ذ كر ابن عباس وعائشة قصة روية النبي صلى اللّه عليه واله وسلم جبرئيل على صورته حق لكن لا يستلزم ان يكون المراد بالآية تلك القصة كيف وسوق الكلام لبيان فضل رسول اللّه صلعم وبيان كماله وروية جبرئيل وهو مفضول من النبي صلعم بالإجماع ليست من الفضائل كيف وقوله عند ذى العرش مكين يدل على كمال قربه والترقي منه اثبات روية اللّه دون روية الجبرئيل ولو كان عند ذى العرش صفة جبرئيل وروية جبرئيل صفة محمد عليه الصلاة والسلام يلزم الانعكاس الأمر فى الفضل واللّه تعالى أعلم .
وَما هُوَ يعنى محمد صلى اللّه عليه واله وسلم عَلَى الْغَيْبِ أى على ما يخبره من ما يوحى إليه بِضَنِينٍ قرأ ابن كثير وأبو عمرو الكسائي بظنين بالظاء أى ليس هو بمتهم يعنى لا يجوز ان يتهم والباقون بالضاد أى ليس هو ببخيل عن تبليغ ما يوحى إليه وتعليمه.(1/6971)
وَ ما هُوَ أى القرآن بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ اسرق سمعه فالقاه على وليه الكاهن رد لقول الكفار انه كاهن هذه الجملة وما عطف عليه من الجمل السابقة جواب للقسم معطوفات على انه لقول رسول كريم.
فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ الفاء المسببة والاستفهام للانكار على ذهابهم إلى الباطل فيما قالوا انه شاعر تقوله أو مجنون أو كاهن قال الزجاج أى طريق يسلكون أبين من هذه الطريقة التي بنيت لكم ثم بين ما هو كأنَّه فى جواب سائل يقوله فما هو.
إِنْ هُوَ أى القرآن إِلَّا ذِكْرٌ فى القاموس الذكر بالكسر الحفظ للشئ كالتذكار
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 212
و الشيء الذي يجرى على اللسان والصيت والشتاء والشرف والصلاة والدعاء وكتاب فيه تفصيل الذين ووضع الملة والمعنى الأخير ظاهر هاهنا لا غبار عليه ويمكن الحمل على معان اخر أيضا فان القرآن ذكر اللّه وحفظ ما يجب حفظه وشىء ينبغى ان يكون جاريا على اللسان دايما أو غالبا وثناء للّه تعالى وصلوة له وشرف للانسان ودعاء له لِلْعالَمِينَ عموما لا النبي صلى اللّه عليه واله وسلم مبعوث إلى كافة الأنام الانس والجن بل هو رحمة للعالمين وفيوض القرآن شامل للملائكة أيضا يدل عليه قوله تعالى بايدى سفرة كرام بررة وروى الحاكم فى المستدرك عن جابر انه قال لما نزلت سورة الانعام سبح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم قال لقد سبح هذه من الملائكة فسدو الأفق ثم خصه وقال.(1/6972)
لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ أى القرآن لمن يتبع الحق ويستقيم عليه خصوصا من حيث انهم هم المنتفعون به بدل بعض من العالمين والاستقامة لفظ جامع لجميع الاحكام عن سفيان بن عبد اللّه الثقفي قال قلت يا رسول اللّه قل لى فى الإسلام قولا لا اسئل عنه أحدا بعدك وفى رواية غيرك قال عليه الصلاة والسلام قل امنت باللّه ثم استقم رواه مسلم أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن سليمان بن يسار قال لما نزلت لمن شاء منكم ان يستقيم قال أبو جهل جعل الأمر إلينا ان شئنا استقمنا وان شئنا لم تستقم فانزل اللّه تعالى.
وَما تَشاؤُنَ الاستقامة على الحق إِلَّا وقت أَنْ يَشاءَ اللَّهُ شئكم واستقامتكم رَبُّ الْعالَمِينَ ع فانه رب كل شىء وخالق كل شىء من الأعيان والاعراض وافعال العباد وغير ذلك حتى مشيتكم فمن شاء الاستقامة واستقام فذلك من فضل اللّه ونعمه واخرج ابن أبى حاتم من طريق بقية عن عمر بن محمد عن زيد بن مسلم عن أبى هريرة مثل ما روى عن سليمان واخرج ابن المنذر من طريق سليمان عن القاسم بن مخيمرة نحوه واللّه اعلم بالصواب.
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 213
سورة الانفطار
مكيّة وهى تسع عشرة اية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ انشقت.
وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ تساقطت متفرقة.
وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ فتح بعضها فى بعض واختلط العذب بالملح فصار الكل بحرا واحدا.
وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ قلب ترابها واخرج موتاها.(1/6973)
عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ط جواب إذا وهذا نظير ما مر فى إذا الشمس كورت إلى قوله علمت قيل معناه ما قدمت من عمل صالح وسئ ما أخرت من سنة حسنة أو سيئة والمعنى ما قدمت أى ضعت وما أخرت أى تركت من العمل وقيل ما قدمت من الصدقات وأخرت من الزكوة وقيل معناه بل قدمت الدنيا على الاخرة أو بالعكس وقد مر نظيره قوله تعالى ينبّأ الإنسان بما قدم واخر.
يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ أى ما خدعك وسوّل لك الباطل غرورا ملصقا بِرَبِّكَ موجبا للجرأة على عصيانه وترك ما امر به الْكَرِيمِ الصفوح جملة يايّها الإنسان معترضة ذكر توبيخا على الاساءة فى أعمالهم المفهوم من قوله تعالى علمت نفس ما قدمت وأخرت قال نزلت فى الوليد بن مغيرة كذا قال البغوي واخرج ابن أبى حاتم عن عكرمة انها نزلت فى أبى بن خلف وقال الكلبي نزلت فى الاسيد بن كلده ضرب النبي صلعم فلم يعاقب اللّه عز وجل فانزل اللّه تعالى هذه الآية يقول ما الذي غرك بربك الكريم التجاوز عنك أو لم يعاقبك عاجلا بكفرك وصفه بالكريم لأنه منشأ غروره وبه يغره الشيطان فانه يقول له ان شئت فربك لا يعذب أحدا ولا يعاجل فى العقوبة وهو المعنى من قول مقاتل غره عفو اللّه حين لم يعاقبه فى امره وقال السدى غره رفق اللّه به والاستفهام للانكار ولا يجوز ذلك الغرور بكرمه وعدم تعجيله بالعقوبة ان تمحض لا يقتضى إهمال الظالم مطلقا وتسوية الموالي والمعادى فكيف قد انضم معه صفات اخر من القهر والانتقام وغيره وفيه مبالغة فى الإنكار على الكفر
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 214(1/6974)
فان كثرة كرمه يقتضى ان يشكر ولا يكفر ويستدعى الجد فى الطاعة لا الانهماك فى عصيانه اغترارا بكرمه وقال بعض أهل الإشارة انما قال بربك الكريم دون سائر أسمائه وصفاته كأنَّه لقنه الإجابة حتى يقول غرنى كرم الكريم وهو المعنى مما قال يحيى بن معاذ لو إقامتي بين يديه فقال يا يحيى ما غرك بي قلت غرنى برك بي سابقا وآنفا وقال أبو بكر الوراق لو قال بي ما غرك بربك الكريم لقلت غرنى كرم الكريم قال ابن مسعود ما منكم من أحد الا يسخر اللّه به يوم القيامة فقال يا ابن آدم ما غرك بي يا ابن آدم ماذا عملت فيما علمت يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين قال عطاء تاويل الآية ما غرك بربك وقطعك وأشغلك عنه إلى نفس بئس للظالمين بدلا حكى ان امرأة رفعت إلى قاض ان زوجها نكح عليها امرأة اخرى فقال القاضي لا سبيل لك بالاعتراض عليه فان اللّه تعالى أباح للرجال ما طاب لهم من النساء مثنى وثلث ورباع فقال الضعيفة أيها القاضي لو لا منعنى الحجاب والحياء لبرزت حسنى لك وسألتك بان من كان له فى الجمال والحسن مصاحبا مثلى هل يجوز له ان يشتغل عنه بغيره فسمع قولها رجل من أهل القلوب فصاح وخر مغشيا عليه فلما أفاق قال سمعت الهاتف يقول الم تسمع قول الضعيفة ولو لا حجاب الكبرياء والعظمة لا برزت لكم من الجلال والجمال الذي لا يسعه المقابل وسألتكم انه من استطاع الاشتغال بمثلى فهل يجوز الاشتغال بغيري ومن مثلى واين يكون مثلى فليس يكون فاطلبنى تجدنى عن جابر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا قام الرجل فى الصلاة اقبل اللّه عز وجل بوجهه فإذا التفت قال يا ابن آدم إلى من تلتفت إلى من هو خير منى اقبل إلى فإذا التفت الثانية قال مثل ذلك فإذا التفت الثالثة صرف اللّه تبارك وتعالى عنه وجهه رواه البزار.(1/6975)
الَّذِي خَلَقَكَ من تراب ثم من نطفة بعد ما لم يكن شيئا - فَسَوَّاكَ أى فجعلك بشرا سويا مستوى الخلق وتسويته جعل أعضائه سليمة معدة لمنافعها فَعَدَلَكَ قرأ الكوفيون بالتخفيف أى فصرفك وامالك إلى أى صورة شاء أو صرفك عن خلقه غيرك حتى تميزت وفارقت عن ساير الحيوانات أو صرف طبعة بعض اجزائك إلى بعض فكسر حرارة الصفراء ويبوستها ببرودة البلغم ورطوبته وبالعكس ويبوسة السوداء وبرودتها برطوبة الدم وحرارته حتى اعتدلت وصرت اعدل الحيوانات مزاجا وقرأ الباقون بالتشديد أى جعل بنيتك متناسبة الأعضاء لعدلته معدة لا يستعدها من القوى.
فِي أَيِّ صُورَةٍ
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 215
ما مزيدة لتأكيد التنكير والتنكير للتكثير ما شاءَ صفة لصورة ركبك قال مجاهد والكلبي ومقاتل فى أى شبيه من اب أو أم أو خال أو عم وحاء فى الحديث ان النطفة إذا استقرت فى الرحم احضر كل بينه وبين آدم ثم قرأ فى أى صورة ما شاء رَكَّبَكَ ط رواه ابن جرير والطبراني بسند ضعيف من طريق موسى بن على بن رباح عن أبيه عن جده عنه صلى اللّه عليه وسلم قوله فى أى صورة اما متعلق بركبك أو ظرف مستقر حال من مفعول ركبك وفيه معنى الشرط والجزاء والجملة بيان لعدلك ومن ثم لم يعطف الموصول مع صلاته صفة اخرى لربك مقررة للربوبية مبينة للكرم منبه على ان من قدر على ذلك اولا قدر عليه ثانيا موكدة للانكار والتوبيخ على الغرور والكفر فان من هذا شانه لا يجوز كفرانه.
كَلَّا ردع على الاغترار بكرم اللّه تعالى بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ لا بالإسلام أو بالجزاء إضراب عن الاغترار بكرم الكريم يعنى ليس أمركم أيها الناس مقتصرا على الإقرار بل مع ذلك تكذبون بالدين ويحتمل ان يكون إضرابا عن مفهوم علمت نفس ما قدمت وأخرت أى ما قدمت من العصيان وأخرت من الطاعة فان حاصل المعنى انكم تعصون بل تكذبون.(1/6976)
وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ أى والحال ان عليكم لَحافِظِينَ لاعمالكم وأقوالكم من الملائكة.
كِراماً على اللّه كاتِبِينَ صحف الأعمال للجزاء.
يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ من خير وشر عقب الحافظين بتلك الصفات تعظيما لهم وتنبيها على انه لا يفوت من علمهم شىء من الأعمال والأقوال فيه توبيخ على تكذيبهم وتحقيق لما يكذبون به وروى يتوقعون من التسامح والإهمال.
إِنَّ الْأَبْرارَ الذين بروا وصدقوا بايمانهم باجتنابهم عما نهى اللّه عنه من العقائد الفاسدة والأخلاق الذميمة والأعمال القبيحة وامتثالهم أوامره واخرج ابن عساكر فى تاريخه عن ابن عمر عن النبي صلعم قال انما سماهم اللّه الأبرار لانهم بروا الآباء والأبناء لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ الذين شقوا ستر الدين والديانة بالكفر والمعاصي والفجور الشقي لَفِي جَحِيمٍ جملة ان الأبرار إلى اخر السورة متصل بقوله تعالى علمت نفس ما قدمت وأخرت فان فى هذا الكلام بيان لا يعلم كل نفس من خير أو شر عمله بإدراك جزائه روى ابن سليمان بن عبد الملك قال لابى حازم المدني ليت شعرى ما لنا عند اللّه قال اعرض عملك إلى كتاب اللّه فانك تعلم
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 216
مالك عند اللّه قال فاين أجد فى كتاب اللّه فقال عند قوله ان الأبرار لفى نعيم وان الفجار لفى حجيم قال سليمان فاين رحمة اللّه قال قريب من المحسنين انتهى.
يَصْلَوْنَها يدخلونها يَوْمَ الدِّينِ يوم الجزاء.(1/6977)
وَ ما هُمْ الضمير إلى بعض الفجار اعنى الكفار أو المراد بالفجار الكفار عَنْها أى عن الجحيم بِغائِبِينَ ط لخلودهم فيها أو المعنى ما هم كانوا عنها غائبين قبل ذلك أو كانوا يجدون سمومها فى القبور عن عبد اللّه بن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ان أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشى ان كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وان كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك اللّه إليه يوم القيمة متفق عليه وفى حديث البراء بن عاذب عن رسول اللّه صلعم ذكر حال الكافر فى القبر يسال عن دينه فيقول هاه هاه لا أدرى فقال فينادى من السماء ان كذب فافرشوه من النار وألبسوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار ثم عظم ذلك اليوم فقال.
وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ الاستفهام للتعجب والتوبيخ يعنى انه يوم عظيم البلاء شديد غاية الشدة لا تدرى عظمته وشدته حيث لا يدرك كنه امره دراية دار.
ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ط تأكيد للتفخيم.
يَوْمَ لا تَمْلِكُ قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالرفع على انه بدل من اليوم فى ما يوم الدين أو خبر مبتداء محذوف أى هو والباقون بالنصب على انه بدل من اليوم فى يصلونها يوم الدين أو متعلق بمحذوف أى يجزى الفريقان كذلك فى يوم لا تملك نفس أو اذكر يوم لا تملك أو هو مبنى على الفتح لاضافة إلى غير التمكن ومحله الرفع نَفْسٌ أى أحد لِنَفْسٍ يعنى كافرة كذا قال مقاتل شَيْئاً ط من المنفعة - وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ع وحده لا يملك اللّه فى ذلك اليوم أحدا شيئا من الأمر كما ملكهم فى الدنيا واما الاذن فى الشفاعة للمؤمنين فليس بتمليك أو يقال الأمر يومئذ عيانا وفى زعم كل أحد كما كان الأمر كله للّه فى الحقيقة وفى زعم أهل البصيرة واللّه اعلم بالصواب.
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 217(1/6978)
سورة التطفيف
مكيّة وهى ستّ وثلثون اية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
عن ابن عباس قال لما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا فانزل اللّه تعالى ويل للمطففين فاحسنوا الكيل بعد ذلك رواه الحاكم والنسائي وابن ماجة بسند صحيح وقال السدى قدم رسول اللّه صلعم المدينة وبها رجل يقال له أبو جهينة ومعه صاعان يكيل بأحدهما ويكتال بالاخر فانزل اللّه تعالى
وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ والطف الحقير والمراد بالمطففين ما بين بقوله.
الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا أى أخذوا الكيل أو اتزنوا ولم يذكره اكتفاء بذكر الوزن فى القرنية الثانية ولعل الكيل كان هو الغالب فى الاستعمال عَلَى النَّاسِ متعلق بقوله اكتالوا أو بقوله يَسْتَوْفُونَ وقع على موضع من تقديره إذا اكتالوا من الناس يستوفون منهم للدلة على ان اكتيالهم لما لهم على الناس أو ان اكتيالهم بتحامل فيهم عليهم قال الفراء من وعلى يتعاقبان فى هذه الموضع فإذا اكتلت عليك كأنَّه قال أخذت ما عليك وإذا قال اكتلت منك فكأنه قال استوفيت منك.(1/6979)
وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ الضمير المنصوب راجع إلى الناس أى كالوهم أو وزنوهم حذف الجار وأوصل الفعل روى التقدير كالوا مكيلهم فحذف المضاف وأقيم مضاف إليه مقامه وليس تأكيد المتصل بالمنفصل إذ المقصود بيان اختلاف حالهم فى الاخذ والإعطاء لا فى المباشرة وعدمها وأيضا يابى عنه الخط فانه يستدعى عن اثبات الف بعد الواو يُخْسِرُونَ ط أى ينقصون الكيل والوزن يقال خسر الميزان واخسره وسمى هذا العمل بالتطفيف لان ما يبخس فى الكيل والوزن لا يكون الا حقيرا وفيه ايماء إلى ان بخس الحقير موجب للويل والعذاب فبخس الكثير بالطريق الاولى قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خمس بخمس ما نقض العهد قوم الا سلط اللّه عليهم عدوهم وما حكموا بغير ما انزل اللّه الا فشا فيهم الفقر وما ظهرت فيهم الفاحشة الا فشا فيهم الموت ولا طففوا
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 218
المكيال الا منعوا لنبات وأخذوا بالسنين ولامنعوا الزكوة الا حبس عنهم القطر رواه الحاكم من حديث بريدة ومن حديث عبد اللّه بن عمرو بن العاص رواه الطبراني من حديث ابن عباس قال قال رسول اللّه صلعم ما ظهر الغلول فى قوم الا القى اللّه فى قلوبهم الرعب ولا فشا الربوا فى قوم الأكثر فيهم الموت ولا نقص قوم المكيال والميزان الا قطع عنهم الرزق ولا حكم قوم بغير حق الا فشا فيهم الدم وماختر قوم بالعهد الا سلط اللّه عليهم العدو رواه مالك موقوفا والختر الغدر قلت وقطع الرزق بالتطفيف قد يكون بجعله فقيرا لا يقدر على شىء يكون بمنع الرزق عنه مع قدرته عليه فلا يقدر الاكل منه فى حقه كما فى البقالين من ديارنا قال البغوي كان ابن عمر يمر بالبائع فيقول اتق اللّه أوف الكيل والوزن فان المطففين يوقفون يوم القيمة حتى ان العرق ليلجمهم إلى انصاف آذانهم.(1/6980)
أَ لا يَظُنُّ ذكر الظن مكان اليقين ايماء إلى ان من كان يظن ذلك ينبغى ان لا يرتكب موجبات تلك الشدائد فكيف من يستيقن والاستفهام للانكار وفيه تعجيب من مالهم وتوبيخ أُولئِكَ المطففين فاعل ليظن أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ قام مقام المفعولين ليظن.
لِيَوْمٍ عَظِيمٍ متعلق مبعوثون وللتعليل أى لحساب يوم عظيم أو بمعنى فى يوم عظيم وهو يوم القيمة عظمه لعظم ما يكون فيه أخرج ابن المبارك عن الحسن قال لقد مضى بين ايديكم أقوام لو ان أحدهم اتفق عدد هذا الحصى تخشى ان لا ينجوا من عظمة ذلك اليوم.
يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ من القبور منصوب بمبعوثون على الظرفية أو بدل من يوم عظيم وفتحه على البناء لاضافته إلى غير متمكن لرب العلمين أى لحسابه وجزائه عن ابن عمر عن النبي صلعم قال يوم يقوم النّاس لِرَبِّ الْعالَمِينَ ط أى حسابه وجزائه عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال يوم يقوم النّاس لرب العالمين حين يغيب أحدهم فى رشحه إلى انصاف اذنيه متفق عليه واخرج الحاكم مثله عن أبى سعيد الخدري وفى الصحيحين عن أبى هريرة ان رسول اللّه صلعم قال يعرق الناس يوم القيمة حتى يذهب عرقهم فى الأرض سبعين باعا ويلجمهم حتى آذانهم واخرج الطبراني وأبو يعلى وابن حبان عن ابن عباس ان الكافر يلجم بعرقه يوم القيمة حتى يقول يا رب أرحني ولو إلى النار واخرج الحاكم عن جابر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم ان العرق ليلجم الرجل فى الموقف
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 219(1/6981)
حتى يقول يا رب ارسالك لى إلى النار أهون على مما أجد وهو يعلم ما فيها من شدة العذاب واخرج البيهقي عن قتادة فى قوله تعالى يوم يقوم الناس لرب العلمين قال بلغني ان كعبا كان يقول يقومون مقدار ثلاثمائة عام واخرج مسلم عن المقداد بن الأسود قال سمعت رسول اللّه صلعم يقول تدنوا الشمس يوم القيمة من الخلق حتى يكون منهم مقداد ميل قال سليم بن عامر فو اللّه ما أدرى ما يعنى بالميل أ مساق الأرض أم الميل الذي يكحل به العين فيكون الناس على قدر أعمالهم فى العرق فمنهم من يكون إلى كعبه ومنهم من يكون إلى ركبته ومنهم من يكون إلى حقوته ومنهم من يلجمه العرق الجاما وأشار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيده إلى فيه واخرج احمد والطبراني وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن عقبة بن عامر نحوه واخرج احمد والطبراني عن أبى امامة الباهلي عنه صلى اللّه عليه وسلم وفيه ويزاد فى حرها كذا وكذا تغلى منها الهوام كما تغلى القدور واخرج احمد والطبراني بسند جيد عن انس رفعه قال لم يلق ابن آدم شيئا منذ خلق اللّه أشد عليه من الموت وهو أهون مما بعده وانهم ليلقون من هول ذلك اليوم شدة حتى يلجمهم حتى ان السفن لو أجريت لجرت واخرج البيهقي عن ابن عمر وقال يشتد كرب ذلك اليوم حتى يلجمهم الكافر العرق قبل الحساب قيل له فاين المؤمنون قال على كراسى من ذهب ويظلل عليهم الغمام واخرج هناد عن ابن مسعود نحو هذا كله وفيه ما طول ذلك اليوم عليهم أى على المؤمنين الا كساعته من نهار واخرج هناد وابن المبارك عن سلمان قال تدنى الشمس من رؤس الخلائق يوم القيمة قاب قوسين أو قوسين ويعطى حر عشر سنين وليس أحد من الناس عليه يومئذ صحره إلى خرقة ولا يرى عورة مومن ولا مؤمنة ولا يجد حرها مومن ولا مؤمنة واما الكافر فيطبخهم طبخا حتى يسمع لاجوافهم عق عق.(1/6982)
كَلَّا ردع عن التطفيف وتم الكلام وقال الحسن كلا ابتداء يتصل بما بعده بمعنى حقا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ يعنى صحف أعمالهم التي كتبتها الحفظة الكرام والمراد بالفجار الكفار لَفِي سِجِّينٍ مشتق من السجن بمعنى الحبس فى القاموس السجين كالسكين الحبس الدائم الشديد قال الأخفش فعيل من السجن كما يقال فسيق وشريب معناه لفى حبس شديد وقال عكرمة لفى سجين أى فى خساء وضلال لما كان كتاب الفجار أى ما فى الكتاب من الأعمال موجبا لكونهم فى الحبس والخساء والضلال أسند ذلك إلى الكفار مجازا والظاهر من الأحاديث والآثار ان السجين اسم موضع فى كتاب الفجار كذا فى القاموس وكون الكتاب فى ذلك الموضع بان يوضع صحف أعمالهم هناك أو يكتب هناك كتاب جامع الصحف
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 220(1/6983)
اعمال الفجار من الثقلين ووجه تسمية ذلك الموضع بالسجين ان هناك يحبس أرواح الكفار أجمعين وذلك الموضع هو الأرض السابعة أو تحت الأرض السابعة أخرج ابن مندة والطبراني وأبو الشيخ عن حمزة بن حبيب مرسلا قال سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن أرواح المؤمنين فقال فى طير خضر تسرح فى الجنة حيث شاءت قالوا يا رسول اللّه وأرواح الكفار قال محبوسة فى سجين وروى ابن المبارك والحكيم الترمذي وابن أبى الدنيا وابن مندة عن سعيد بن المسيب عن سلمان قال نفس الكافر فى سجين قال البغوي قال عبد اللّه بن عمر وقتادة ومجاهد والضحاك سجين هى الأرض السابعة السفلى فيها أرواح الكفار وقلت كذا أخرج ابن أبى الدنيا عن عبد اللّه بن عمر روى البغوي بسنده عن البراء قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سجين أسفل سبع ارضين وعلّيون فى السماء السابعة تحت العرش وقد ورد فى حديث طويل عن البراء بن عازب مرفوعا فى ذكر موت المؤمنين وموت الكفار فذكر فى الكفار انه لا يفتح لهم أبواب السماء فيقول اللّه عز وجل اكتبوا كتابه فى سجين فى الأرض السفلى فتطرح روحه طرحا الحديث أخرج احمد وغيره وذكر البغوي قول شبرمة بن عطاء جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار فقال أخبرني عن قول اللّه عز وجل ان كتب الفجار لفى سجين فقال ان روح الفاجر يصعد بها إلى السماء فتابى السماء ان تقبلها ثم تهبط بها إلى الأرض فتابى الأرض ان تقبلها فتدخل تحت سبع ارضين حتى ينتهى بها إلى سجين وهى موضع جند إبليس فيخرج لها من سجين من تحت جند إبليس رق فيرقم ويختم ويوضع تحت جند إبليس لمعرفتها الهلاك بحساب يوم القيمة وقال الكلبي هى صخرة تحت الأرض السابعة السفلى خضراء خضرة السماء منها يجعل كتاب الفجار تحتها وروى عن ابن نجيح عن مجاهد قال سجين صخرة تحت الأرض السفلى تقلب فيجعل كتاب الفجار فيها وقال البغوي جاء فى الحديث الفلق جب فى جهنم مغطى والسجين جب فى جهنم(1/6984)
مفتوح قلت ويمكن الجمع بينهما اعنى بين كون السجين تحت الأرض السابعة وكونه فى جهنم ان جهنم تحت الأرض السابعة السفلى أخرج أبو الشيخ فى العظمة والبيهقي من طريق أبى الزعراء عن عبد اللّه قال الجنة فى السماء السابعة والنار فى الأرض السابعة السفلى واخرج البيهقي فى الدلائل
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 221
عن عبد اللّه بن سلام الجنة فى السماء والنار فى الأرض واخرج ابن جرير فى تفسيره عن معاذ قال سئل رسول اللّه صلعم من اين يجاء بجهنم يوم القيمة قال لجاء بها من الأرض السابعة بها الف زمام لكل زمام سبعون الف ملك فإذا كانت من العباد على مسيرة الف سنة زفرت زفرة فلا يبقى ملك مقرب ولا نبى مرسل إلا جثا على ركبتيه يقول رب نفسى نفسى.
وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ ط تفخيم وتهويل قال الزجاج ليس ذلك مما كنت تعلمها أنت ولا قومك.
كِتابٌ مَرْقُومٌ ط أى مكتوم فيه أعمالهم ثبت عليهم كالرقم فى الثوب لا ينسى ولا يمحى حتى يجازوا به أو المعنى معلم يعلمه من راه انه عرف لا خير فيه وقيل معناه مختوم بلغة حمير قال البغوي ليس هذا تفسيرا للسجين بل هو بيان الكتاب المذكور ان كتب الفجار وقال البيضاوي هذا تفسير للسجين لقب به الكتاب لأنه سبب للحبس فقال هذا ظرفية السجين الكتاب لكونه كتابا جامعا لكتب الفجار من الثقلين والظاهر ان السجين فيه مقر أرواح الكفار ومقر صحف أعمالهم وفى الكلام حذف مضاف اما أى فى السجين أى ما كتاب سجين أو فى كتاب مرقوم أى محل كتاب مرقوم بالشر.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بالحق.(1/6985)
الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ط صفة موضحة أو ذامة أو مخصصة أو بدل من المكذبين وجملة ويل يومئذ إلخ معترضة للذم قلت ويحتمل ان يكون فى محل الرفع من مرقوم بمعنى رقم فيه ويل يومئذ إلخ أو صفة الكتاب أى كتاب موجب للويل والتأويل الأول اظهر من حيث اللفظ وللاخيرين من حيث المعنى لان كونه كتابا مرقوما ليس من خصائص كتاب الفجار بل قيل مثل ذلك فى كتب الأبرار أيضا يتصور كونه جوابا لقوله ما سجين.
وَما يُكَذِّبُ بِهِ أى بيوم الدين إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ مجاوز عن الحد فى الجهل وتقليد الآباء الجهلة حتى أنكر قدرة اللّه على الاعادة أَثِيمٍ منهمك فى الشهوات اشتغل بها عما ورائها وحمله على الإنكار لما عداها.
إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا يعنى القرآن شرط جزائه قالَ من فرط جهله وغفلته عن كونه معجزا أو من غباوته واعراضه عن الحق تعنتا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ط خبر مبتداء محذوف أى هى والأساطير جمع اسطورا واسطارا أو اسطر بمعنى الأحاديث التي لا نظام بها فى القاموس وفى الصراح أساطير الأولين أى شى كتبوه كذبا والجملة الشرطية
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 222
صفة بعد صفة لمعتد لبيان انه لا ينفعه من الادلة العقلية والنقلية شى والجملة وما يكذب به معترضة.(1/6986)
كَلَّا ردع عن التكذيب وعما قالوا وقال مقاتل معناه أى لا يومنون بَلْ سكته إضراب عن الردع ينفى قابلية قلوبهم عن درك الحق وتميزه من الباطل يسكت حفص هاهنا سكتة ويدغم غيره رانَ قال أبو بكر وحمزه والكسائي فتح الراء والباقون بتفخيمها عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ والرين الغلبة يقال ران الخمر على قلبه إذا غلب عليه سكره والمعنى غلب على قلوبهم ظلمت ما كانوا يكسبون من المعاصي حتى عمى قلوبهم عن التميز بين الحق والباطل عن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلعم المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء فى قلبه فان تاب وفزع واستغفر صقل قلبه منها وان زاد زادت حتى تعلو قلبه فذالكم الران الذي ذكر اللّه فى كتابه كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون رواه البغوي وكذا أخرج احمد والترمذي وصححه واحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وفى بعض الروايات ان العبد كلما أذنب ذنبا الحديث ولفظ المؤمن يدل على شدة السوداء قلب الكافر بطريق الاولى.
كَلَّا ردع عن كسب المعاصي الموجبة للرين أو هو بمعنى حقا لتحقيق الرين قال يريد انهم لا يصدقون إِنَّهُمْ أى الكفار عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ أى يوم الدين يوم يرى اللّه سبحانه المؤمنون لَمَحْجُوبُونَ ط لحجب ظلماتهم الناسبة عنهم فلا يرون اللّه سبحانه كما كانوا لا يرون الحق من الباطل فى الدنيا قال الحسن لو علم الزاهدون والعابدون انهم لا يرون ربهم لزهقت أنفسهم فى الدنيا سئل مالك عن هذه الآية فقال لما حجب أعداءه فلم يروه تجلى لاولياءه حتى رأوه وقال الشافعي فى الآية دلالة على ان اولياء اللّه يرون اللّه.(1/6987)
ثُمَّ أى بعد كونهم محجوبين عن روية اللّه إِنَّهُمْ لَصالُوا أى لداخلوا الْجَحِيمِ ثُمَّ يُقالُ يقول لهم خزنة جهنم هذَا هذا العذاب الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ كَلَّا ان التطفيف تكرير للاول ليعقب وعد الأبرار كما عقب وعيد الفجار اشعارا بأن التطفيف فجور كما ان الإيفاء برا وردع عن تكذيب العذاب أو هو بمعنى حقا وقال مقاتل معناه لا يؤمن بالعذاب الذي يصلاه إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ قال بعض أهل المعاني هو علو وشرف بعد شرف ولذلك جمع بالواو والنون وقال الفراء
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 223
اسم موضع على صيغة الجمع لا واحد له من لفظ كعشرين وقال بعض المحققين هو منقول من جمع على وزن فعيل من العلو وقد مر حديث البراء المرفوع عليين فى السماء السابعة تحت العرش وفى الحديث البراء الطويل فى ذكر الموت المؤمنين والكفار ذكر فى نفس المؤمن انه يصعد بها حتى ينتهى بها إلى السماء السابعة فيقول اللّه تعالى اكتبوا كتاب عبدى فى عليين وأعيدوا الأرض الحديث أخرجه احمد وأبو داود والحاكم وغيرهم من طرق صحيحة وقال ابن عباس هو يعنى عليين لوح زبرجد خضراء معلق تحت العرش أعمالهم مكتوبة فيها ومن هاهنا قالوا هو كتاب جامع الأعمال الخير من الملئكة ومومنى الثقلين وقال كعب وقتادة هو قائمة العرش اليمنى وقال عطاء عن ابن عباس هو الجنة وقال عطاء والضحاك هو سدرة المنتهى.
وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ الكلام فيه كما مر فى نظيره.(1/6988)
يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ط صفة لكتاب كما كان ويل للمكذبين صفة هناك والمقربون قال البغوي يعنى الملائكة قلت وأرواح الأنبياء والصديقين والشهداء أيضا فان هناك لعزها كما أخرج مسلم عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم أرواح الشهداء عند اللّه فى حواصل طير خضر تسرح فى انهار الجنة حيث شاءت تأوي إلى قناديل تحت العرش وكذا روى سعيد بن منصور عن ابن عباس وتقى بن مخلد عن ابن أبى سعيد الخدري وروى أبو الشيخ عن انس قال يبعث اللّه شهداء من حواصل طير بيض كانوا فى قناديل معلقة بالعرش واخرج ابن مندة عن ابن شهاب بلاغا بلغني ان أرواح الشهداء كطير خضر المعلقة بالعرش تغدوا ثم ترجع إلى رياض الجنة يأتى ربها سبحانه وتعالى كل يوم يسلم عليه واخرج ابن أبى حاتم عن أبى الدرداء قال هى يعنى أرواح الشهداء طائر خضر فى قناديل الحديث واخرج البخاري عن انس انه قال لما قتل حارثة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم انه جنان وانه فى الفردوس الأعلى وقال اللّه تعالى فى حبيب نجار قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومى يعلمون بما غفر لى ربى الآية ولا منافاة بين كونهم فى الجنة وكونهم تحت العرش فى قناديل لان العرش بمنزلة السماء للجنة قلت وهذا الحكم غير مختص بالشهداء فان الأنبياء والصديقين أعلى منهم منزلة وقد ورد فى الحديث بلفظ المؤمنين مطلقا أخرج مالك والنسائي بسند صحيح عن كعب بن مالك ان رسول اللّه صلعم
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 224(1/6989)
قال انما نسمة المؤمن طاير المتعلقة فى شجرة الجنة حتى ترجع إلى جسده يوم القيمة وكذا أخرج احمد والطبراني عن أم هانئ عنه صلى اللّه عليه واله وسلم قال يكون النسم طير التعلقه بالشجر حتى إذا كان يوم القيمة دخلت كل نفس فى جسده واخرج ابن عساكر عن أم بشر امرأة أبى معروف نحوه والمراد فى تلك الأحاديث الكاملين منهم كما يدل عليه قوله تعالى يشهده المقربون وقد ورد فى بعض الأحاديث ان مقر أرواح المؤمنين فى السماء السابعة ينظرون إلى منازلهم فى الجنة أخرجه أبو نعيم بسند ضعيف عن أبى هريرة واخرج أيضا عن وهب بن منبه ان للّه تعالى فى السماء السابعة دارا يقال لها البيضاء تجتمع فيها أرواح المؤمنين وفى بعض الأحاديث إذا أخرج من الجسد كان بين السماء والأرض رواه سعيد بن منصور عن سلمان وروى ابن المبارك والحكيم الترمذي وابن أبى الدنيا وابن مندة عن سعيد بن المسيب عن سلمان أرواح المؤمنين فى برزخ من الأرض تذهب حيث شاءت ونفس الكافر فى سجين وفى هذه الحديث حكاية عن حال المؤمنين على تفاوت درجاتهم قال الشعبي فى بحر الكلام الأرواح على اربعة أوجه أرواح الأنبياء تخرج من جسدها وتصير مثل صورتها المسك والكافور وتكون فى الجنة تأكل وتشرب وتنعم وتأوي بالليل إلى قناديل معلقة بالعرش وأرواح الشهداء تخرج من جسدها ويكون فى أجواف طير خضر فى الجنة تأكل وتشرب وتنعم وتأوي بالليل إلى قناديل معلقة بالعرش وأرواح المطيعين من المؤمنين يربص بالجنة لا تأكل ولا تتمتع ولكن تنظر فى الجنة وأرواح العصاة من المؤمنين تكون بين السماء والأرض فى الهواء واما أرواح الكفار فهى فى السجين فى جوف طير سود تحت الأرض السابعة قلت وما ذكر فى أرواح الأنبياء انها تصير فى مثل صورتها المسك والكافور يعنى ان لها أجسادا كالاجساد الإنسان وعبرها بالمسك لتطيب ريحها وعبر المجدد عن تلك الأجساد بالجسم الموهب ويكون ذلك للانبياء و(1/6990)
لكمل اتباعهم الصديقين قبل الموت فان قيل بعض الأحاديث الصحاح تدل على ان أرواح المؤمنين حتى الأنبياء وأرواح الكفار كلها فى القبور كما ورد فى حديث البراء الطويل يقول اللّه تعالى فى حق المؤمنين اكتبوا كتاب عبدى فى عليين واعيدوه إلى الأرض فانى منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة اخرى فيعاد روجه فى جسده وكذا قال فى الكافر فيعاد روحه فى قبره قال ابن عبد البر هذا أصح ما قيل
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 225
و قد راى النبي صلى اللّه عليه وسلم موسى عليه السلام فى قبره يصلى ليلة اسرى به وانه صلى اللّه عليه وسلم قال من صلى على عند قبرى سمعته ومن صلى على غائبا بلغته فكيف تطبيق قلنا وجه التطبيق
أن مقر أرواح المؤمنين فى عليين أو فى السماء السابعة ونحو ذلك كما مر ومقر أرواح الكفار فى سجين ومع ذلك لكل روح منها اتصال لجسده فى قبره لا يدرك كنهه الا اللّه تعالى وبذلك الاتصال يصح ان يعرض على الإنسان المجموع المركب من الجسد والروح مقعده من الجنة أو النار ويحس اللذة أو الألم ويسمع سلام الزائر ويجيب المنكر والنكير ونحو ذلك بما ثبت بالكتاب والسنة كما ان جبرئيل مع كون مستقره من السموات كان يدنوا من النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى يضع يديه على فخذيه قال الشعبي فى بحر الكلام هى متصلة بأجسادها فتعذب الأرواح ويتالم الأجساد منها كالشمس فى السماء ونورها فى الأرض واللّه تعالى أعلم .
إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ مستأنفة.
عَلَى الْأَرائِكِ أى على الاسرة فى الحجال حال من المستكن فى ظرف المستقر يَنْظُرُونَ حال بعد حال مترادف لما سبق أو متداخل قال اكثر المفسرين يعنى ينظرون إلى ما أعطاهم اللّه تعالى من الكرامة والنعمة وقال قتادة ينظرون إلى أعدائهم كيف يعذبون فى النار قلت ينظرون إلى ربهم تبارك وتعالى كما ان الكفار عن ربهم يومئذ لمحجوبون.(1/6991)
تَعْرِفُ أيها المخاطب كذا قرأ الجمهور وقرأ أبو جعفر ويعقوب على المبنى للمفعول فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ بالرفع عند جعفر ويعقوب وبالنصب عند الجمهور النَّعِيمِ ج أى بجنة النعيم قال الحسن النضرة فى الوجه والسرور فى القلب.
يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ أى جنة صافية طيبة بيضاء مَخْتُومٍ أى ممنوع من ان تمسه يد إلى ان يفك ختامه الأبرار.
خِتامُهُ مِسْكٌ ط قرأ الكسائي خاتمه بتقديم الالف على التاء على وزن عالم والباقون على وزن كتاب فى القاموس ختام ككتاب الطين يختم على الشيء والخاتم ما يوضع على الطينة والمراد بالقراءتين واحد أى مختوم أو آنية بالمسك مكان الطين وكذا قال ابن زيد وقال ابن مسعود مختوم أى ممزوج ختامه أى اخر طعمه وعاقبته مسك فى القاموس والختام من كل شىء آخره وَفِي ذلِكَ الرحيق والنعيم فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ ط التنافس مشتق من النفس أو من النفيس ومعناه اختيار الشيء النفيس لنفسه بحيث ينفسه به أى يضن به على غيره وحاصل المعنى فليرغب
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 226
الراغبون يعنى ان التنافس لا يليق على الامتعة الدنيوية لبخستها وقلتها ونفادها بل على النعم الاخروية فان قيل التنافس من الرذائل فكيف يكون مرغوبا فيه قلت انما هو من الرذائل إذا كان متعلقا بالأمور الدنيوية لانها غير مرضية للّه تعالى ولانها يستلزم الإضرار بغيره إذا لامتعة الدنيوية فافدة قليلة إذا اختار لنفسه فات عن غيره بخلاف النعم الاخروية فانها مرضية للّه تعالى ولا ينفد فايثارها لنفسه لا يضر بغيره.(1/6992)
وَ مِزاجُهُ أى يمزج به الرحيق مِنْ تَسْنِيمٍ قال البغوي شراب ينصب عليهم من علو فى غرفهم ومنازلهم قلت الظاهر انها تنصب من فوق العرش فان العرش بمنزلة السقف للجنة وقيل يجرى فى الهواء متسنما فينصب فى أواني أهل الجنة على قدر ملئها فإذا امتلئت امسك وهذا معنى قول قتادة واصل الكلمة من العلو يقال للشئ المرتفع سنام ومنه سنام البعير قال الضحاك هو شراب اسمه تسنيم وهو من اشرف اشربة الجنة قال ابن مسعود وابن عباس هو خالص للمقربين يشربونها صرفا ويمزج لساير أهل الجنة ثم فسره بقوله.
عَيْناً منصوب على المدح أو بتقدير اعنى أو حال من تسنيم يَشْرَبُ بِهَا أى منها أو بتضمين يلتذ صفة لعينا الْمُقَرَّبُونَ ط أى اصحاب كمالات النبوة بالاصالة أو بالوراثة وهم الصديقون قال البغوي روى يوسف بن مهران عن ابن عباس انه سئل عن قوله من تسنيم قال هذا مما قال اللّه تعالى فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين.
إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا يعنى كفار قريش أبو جهل والوليد بن مغيرة والعاص بن وائل وأصحابهم من مشركى مكة كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا عمار وصهيب وخباب وبلال وأصحابهم من فقراء المؤمنين يَضْحَكُونَ استهزاء بهم.
وَإِذا مَرُّوا
اى المؤمنون بِهِمْ
اى بالكفار يَتَغامَزُونَ
اى الكفار يشيرون إليهم بالجفن والحواجب استهزاء والجملة الشرطية معطوفة على يضحكون خبر لكانوا وكذا الشرطيتين الأخريين.
وَإِذَا انْقَلَبُوا أى الكفار إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ معجبين ملتذين بالسخرية منهم قرأ حفص فكهين بغير الف والباقون بالألف فاكهين.
وَإِذا رَأَوْهُمْ يعنى الكفار المؤمنين قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ أى خدعهم محمد فضلوا عن دين ابائهم وتركوا اللذات لما يرجون فى الاخرة من الكرامات فقد تركوا الحقيقة بالخيال.
وَما أُرْسِلُوا أى الكفار عَلَيْهِمْ
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 227(1/6993)
على المؤمنين حافِظِينَ ط لاعمالهم ويشهدون برشدهم وصلاحهم جملة وما أرسلوا حال من فاعل قالوا.
فَالْيَوْمَ أى يوم كون المؤمنين على الأرائك ينظرون إلى اللّه تعالى الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ حين يرونهم فى السلاسل والاغلال فى النار قال البغوي قال أبو صالح وذلك انه يفتح للكفار فى النار ابوابها ويقال لهم اخرجوا فإذا رأوها مفتوحة اقبلوا إليها ليخرجوا والمؤمنون ينظرون إليهم فإذا انتهوا إلى ابوابها غلقت دونهم يفعل بهم ذلك مرارا والمؤمنون يضحكون من الكفار كما كان الكفار يضحكون منهم فى الدنيا وقال كعب بين الجنة والنار كوى فإذا أراد المؤمن ان ينظر إلى عدو له فى الدنيا اطلع عليه من تلك الكوى كما قال اللّه تعالى فاطلع فراه فى سواء الجحيم فإذا اطلعوا من الجنة إلى أعدائهم وهم يعذبون فى النار فضحكوا فذلك قوله تعالى هذه الآية واخرج البيهقي عن الحسن قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم ان المستهزئين بالناس يفتح لاحدهم باب من الجنة فيقال لاحدهم هلم فجيئ بكربه وغمه فإذا جاء اغلق دونه فما زال كذلك حتى ان أحدهم ليفتح له الباب من أبواب الجنة فيقال له هلم فما يأتيه من الا يأس.
عَلَى الْأَرائِكِ حال من فاعل يضحكون يَنْظُرُونَ أى الكفار فى النار حال مترادف أو متداخل لما قبله - .
هَلْ ثُوِّبَ أى جوزى الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ ع أى جزاء ما كانوا يعملون من الاستهزاء والاستفهام للتقرير أى نعم واللّه اعلم بالصواب.
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 228
سورة الانشقاق
مكيّة وهى خمس وعشرون اية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ السماء مرفوع بفعل مقدر يفسره ما بعده.(1/6994)
وَ أَذِنَتْ أى استمعت وانقادت لِرَبِّها لامره بالانشقاق وَحُقَّتْ أى حق لها الانقياد وإذ الممكن لا يمكن منه الا الانقياد لما أراده الواجب جل شانه إذا هو فى نفسه لا يقتضى شيئا.
وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وزيدت فى سعتها قال المقاتل سويت كمد الأديم فلا يبقى فيها جبل ولا بناء أخرج الحاكم عن ابن عمرو قال إذا كان يوم القيامة مدت الأرض كالاديم وحشر الخلائق واخرج الحاكم بسند جيد عن جابر عن النبي صلعم تمد الأرض يوم القيمة مد الأديم ثم لا يكون لابن آدم منها الا موضع قدميه ثم ادعى أول الناس فاخر ساجدا فيوذن لى فاقول يا رب يا رب أخبرني هذا جبرئيل وهو عن يمين الرحمن واللّه ما راه جبرئيل قبلها قطانك أرسلته إلى قال وجبرئيل ساكت لا يتكلم حتى يقول اللّه صدق ثم يأذن اللّه لى فى الشفاعة فاقول يا رب عبادك أطراف الأرض فذلك المقام المحمود.
وَأَلْقَتْ الأرض ما فِيها من الموتى والكنوز وَتَخَلَّتْ أى تكلفت فى خلوها عما فيها حتى لم يبق شىء فى بطنها.
وَأَذِنَتْ لِرَبِّها فى الإلقاء والتخلية وَحُقَّتْ ط جواب إذا محذوف يدل عليه ما بعده أى يلاقى الإنسان ما كدح ويوتى كتابه اما بيمينه فينقلب مسرورا أو بشماله فيدعوا ثبورا وتكرير إذا لاستقلال كل من الجملتين بنوع من القدرة أخرج أبو القاسم الختلي فى الديباج بسند حسن عن ابن عمر عن النبي صلعم فى قوله تعالى إذا السماء انشقت الآية قال اما أول من ينشق عنه الأرض فاجلس جالسا فى قبرى فيفتح باب إلى السماء بحيال رسى حتى انظر إلى العرش ثم يفتح لى باب من تحتى حتى انظر إلى الأرض السابعة حتى انظر إلى الثرى ثم يفتح باب عن يمينى حتى انظر إلى الجنة ومنازل أصحابي وان الأرض تحركت بي
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 229(1/6995)
فقلت لها مالك أيتها لارض فقالت ان ربى أمرني أن القى ما فى جوفى وان أتخلى فاكون كما كنت ان لا شى فى ذلك قوله تعالى والقت ما فيها وتخلت واخرج ابن المنذر فى تفسيره عن ابن عباس فى قوله تعالى والقت ما فيها وتخلت قال سوارى الذهب وكذا أخرج ابن أبى حاتم عن عطية يعنى ما فيها من الكنوز واخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس والفريابي عن مجاهد أخرجت الأرض اثقالها قال الموتى.
يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ خطاب للجنس إِنَّكَ كادِحٌ أى كدح عمل الإنسان وجهده فى الأمر من خير أو شر حتى يكدح ذلك فيه أى يوثر من كدحه إذا خدشه إِلى رَبِّكَ إلى لقاء ربك يعنى الموت وما بعده يعنى انك جاهد فى العمل إلى الموت كَدْحاً سعيا بليغا مصدر للتأكيد فَمُلاقِيهِ ج عطف على كادح والضمير اما راجع إلى الكدح يعنى فملاقى كدحه يعنى جزاء ما عمل أو إلى الرب أى فملاقى ربك بعد الموت يوم يقوم الناس لرب العالمين أو بحذف المضاف أى فملاقى حساب ربك وجملة يايها الإنسان مستأنفة للوعد والوعيد ولما بين اللّه سبحانه اولا بعض الناس ولقاء كل منهم كدحد اجمالا فصل ذلك بقوله.
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ ديوان عمله بِيَمِينِهِ وهم المؤمنون.
فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً روى البخاري بسنده عن ابن أبى مليكة ان عائشة كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه الا راجعت فيه حتى تعرفه وان النبي صلى اللّه عليه وسلم قال من حوسب عذب قالت عائشة أو ليس اللّه يقول فسوف يحاسب حسابا يسيرا قالت فقال انما ذلك العرض ولكن من نوقش فى الحساب يهلك واخرج احمد عن عائشة قلت يا رسول اللّه ما الحساب اليسير قال أى ينظر فى كتابه فيتجاوز عنه انه من نوقشه فى الحساب يهلك واخرج احمد يومئذ هلك.(1/6996)
وَ يَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ أخرج البيهقي عن مجاهد فى هذه الآية قال يجعل شماله وراء ظهره فياخذ بها كتابه قال ابن السابت بلوى يده اليسرى من صدره انى خلف ظهره.
فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً والثبور الهلاك أى يتمنى الهلاك ويقول وا ثبوراه.
وَيَصْلى قرأ عاصم وحمزة وأبو عمرو بفتح الياء وسكون الصاد وتخفيف اللام والباقون بضم الياء وفتح الصاد وتشديد اللام من التصلية على البناء للمفعول أى يدخل سَعِيراً إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ فى الدنيا مَسْرُوراً بالمال والجاه غافلا عن الاخرة غير خائف
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 230
و هذا تعليل لقوله تعالى فسوف يدعوا ثبورا.
إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ ج أى لن يرجع إلى ربه للحساب والجزاء تكذيبا بالبعث تعليل للسرور.
بَلى ج إيجاب للنفى أى بلى ليحورن إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً ط فى موضع التعليل لاثبات الرجوع أى ليحورن وليعذبن لان اللّه بصير بما يعمل فلا يهمله بل ينتقم منه.
فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ البيضاء بعد الحمرة.
وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ أى جمعه الليل بعد ما كان منتشرا بالنهار من الدواب وروى منصور عن المجاهد الف واظلم عليه وقال سعيد بن جبير وما عمل فيه.
وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ أى اجتمع وثم نوره فى الليالى البيض افتعال من الوسق بمعنى الجمع.(1/6997)
لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ اما صفة بطبقا أو حال من الضمير المرفوع فى لتركبن بمعنى مجاوز عن طبق أو بمجاوزين له على اختلاف القراءتين قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بفتح التاء اما على صيغة المخاطب الواحد المذكر خطابا للنبى صلعم قال الشعبي ومجاهد يعنى لتركبن يا محمد سماء بعد سماء وقال اللّه تعالى وهو العزيز الغفور الذي خلق سبع سموات طباقا ففى هذه الآية بشارة للنبى صلى اللّه عليه واله وسلم بالمعراج والأحاديث الواردة فى قصة المعراج ذكرت فى سورة الأسرى وسورة النجم ويجوز ان يكون المراد انه يصعد درجة بعد درجة تتبع بعد رتبه فى القرب من اللّه والرفعة روى البخاري بسنده وعن ابن عباس قال لتركبن طبقا عن طبق حال بعد حال قال هذا نبيكم صلعم واما على صيغة الواحد المؤنث والضمير حينئذ عايد إلى السماء يعنى لتركبن السماء حالا بعد حال أخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن مسعود فى هذه الآية قال يعنى السماء تنفطر ثم تنشق ثم تحمر واخرج البيهقي عنه قال السماء تكون الوانا تكون كالمهل وتكون وردة كالدهان وتكون واهية وتشق فيكون حالا بعد حال وقرأ الآخرون بضم الياء على صيغة جمع المخاطبين يعنى لتركبن أيها الناس حالا بعد حال وامرا بعد امر فى مواقف القيمة وقال مقاتل يعنى الموت ثم الحيوة وقال عطاء حالا فى الدنيا مرة فقيرا ومرة غنيا وقال عمرو ابن دينار عن ابن عباس يعنى الشدائد والأهوال والموت ثم البعث ثم العرض وقال عكرمة حالا بعد حال رضيع ثم فطيم ثم غلام ثم شاب ثم شيخ وقال أبو عبيدة لتركبن سنن من كان قبلكم روى الحاكم وصححه عن ابن عباس عن النبي صلعم لتركبن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 231
و ذراعا بذراع حتى لو ان أحدهم دخل حجر ضب لدخلتم وحتى لو ان أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه وروى البخاري عن أبى سعيد الخدري نحوه.(1/6998)
فَما لَهُمْ استفهام للانكار والتعجب متصل بما مر من الوعد والوعيد وجملة فلا اقسم معترضة قلت ويحتمل ان يكون هذه الجملة متصلة لقوله تعالى لتركبن طبقا عن طبق يعنى انقلابهم عن حال إلى حال دليل على تحول الأحوال فما لهم لا يُؤْمِنُونَ حال من الضمير المجرور والعامل فيه معنى الفعل أى ما يصنعون.(1/6999)
وَ إِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ ط إذا متعلق بلا يسجدون والجملة الشرطية معطوفة على لا يومنون حال مرادف له وهذه الآية نزل على وجوب السجود حين استماع القرآن فانه ذم لمن سمع القرآن ولم يسجد فاما ان يكون المراد بالسجود الخضوع مجازا وهو الظاهر لاطلاق القرآن على كل اية وان لم يكن اية السجدة مع الإجماع على عدم وجوب السجود عند استماع القرآن مطلقا واما يكون المراد بالسجود سجود التلاوة واللام فى القرآن للعهد والمراد اية السجدة فحينئذ يكون حجة لابى حنيفة فى القول بوجوب التلاوة ولم يقل بالافتراض للشك فى التأويل ووقوع الخلاف فى المسألة والظاهر ان الوجوب لا يثبت بالشك بل بدليل ظنى يفيد الوجوب واحتج أبو حنيفة وصاحبيه بحديث أبى هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال إذا قرأ ابن آدم السجدة اعتزل الشيطان يبكى يقول يا ويله امر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فابيت فلى النار رواه مسلم ووجه الاحتجاج ان الحكيم إذا حكى عن غير الحكيم كلاما ولم يعقبه بالإنكار كان دليلا على صحته واخرج ابن أبى شيبة فى مصنفه عن ابن عمر انه قال السجدة على من سمعها وعند جمهور الفقهاء والمحدثين سجود التلاوة سنة واحتجوا بحديث زيد بن ثابت قرأت على النبي صلعم النجم فلم يسجد اخرجاه فى الصحيحين وأخرجه اصحاب السنن والدار قطنى وزاد ولم يسجد منا أحد قالت الحنفية هذا لا يدل على عدم وجوب السجدة لأنه واقعة حال ويجوز ان يكون ترك السجود لكون القراءة فى وقت مكروه أو على غير وضوء أو لتبين انه غير واجب على الفور قلنا لو كان الترك لاحد هذه الأمور لبين ذلك ولئلا يلزم ترك بيان المجمل فى وقت الحاجة وبحديث عمر بن الخطاب انه قرأ سجدة وهو على المنبر يوم الجمعة فنزل فسجد وسجد الناس معه ثم قرأها يوم الجمعة الاخرى فتهيا الناس السجود وفقال على المنبر رسلكم اللّه لم يكبتها التفسير(1/7000)
المظهري ، ج 10 ، ص : 232
الا ان يشاء رواه البخاري ومالك فى المؤطا قال الشيخ ابن حجر زعم المزني انه من تعليقات البخاري وهم رواه البيهقي وأبو نعيم قلت فى هذه الحديث حكاية عن الإجماع حيث لم ينكر أحد على قول عمر مع حضورهم لصلوة الجمعة وما ورد فى قول الشيطان امر ابن آدم بالسجود والظاهر ان المراد بالسجود هناك الجنس دون السجود المخصوص عند التلاوة كيف وانما امر الشيطان بالسجود للّه تعالى متوجها إلى آدم من غير سبق تلاوة اية (مسئلة) اختلف العلماء فى سجود المفضل فقال الجمهور بالسجود فى النجم وإذا السماء انشقت واقرأ فعندهم سجود القرآن اربعة عشر أو خمسة عشر بناء على خلافهم فى الثاني سجدتى الحج وسجدة ص ويذكر هناك إنشاء اللّه تعالى وقال مالك فى رواية لا سجود فى المفصل محتجا بحديث ابن عباس انه صلى اللّه عليه واله وسلم لم يسجد فى شىء من المفصل منذ تحول إلى المدينة رواه أبو داود وأبو على ابن السكن من طريق أبى قدامة الحارث بن عبيد عن مطر عن عكرمة وأبو قدامة ومطر قال الشيخ ابن حجرهما من رجال مسلم لكنهما مضعفان وقال ابن الجوزي قال احمد أبو قدامة مضطرب الحديث وقال يحيى ليس بشئ ولا يكتب حديثه وروى الطحاوي وغيره سئل أبى بن كعب هل فى المفصل سجدة قال لا لنا حديث أبى هريرة ان النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يسجد فى إذا السماء انشقت واقرأ انفرد بإخراجه مسلم وفى الصحيحين من طريق اخر عن أبى نافع قال صليت مع أبى هريرة العتمة فقرأ إذا السماء انشقت فسجد فقلت ما هذا قال سجدت بها خلف أبى القاسم صلى اللّه عليه وسلم فلا أزال اسجد هنا حتى ألقاه واسلام أبى هريرة كان سنة ست من الهجرة وحديث ابن عباس قال سجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيها يعنى النجم والمشركون رواه البخاري ورواه الترمذي وصححه وحديث عمرو بن العاص ان رسول اللّه صلعم قرأ خمس عشر سجدة فى القرآن منها ثلث فى المفصل وفى(1/7001)
سورة الحج سجدتان رواه أبو داود وابن ماجة والدار قطنى والحاكم وحسنه المنذرى والنووي وضعفه عبد الحق وقال ابن الجوزي لا يعتمد عليه فيه محمد بن راشد كذبوه وحديث
عبد الرحمن بن عوف قال رايت رسول اللّه صلعم سجد فى إذا السماء انشقت عشر مرات رواه البزار (مسئلة) قال أبو حنيفة يجب السجدة على التالي والسامع سواء قصد سماع القرآن أو لم يقصد لاطلاق الموجب اعنى الذم على ترك السجود فى هذه الآية وعند الجمهور لا يتاكد السجود
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 233(1/7002)
على السامع ما لم يقصد السماع لحديث عثمن انه مر بعاص فقرأ اية السجدة يسجد معه عثمان فقال عثمن انما السجود على من استمع ثم مضى ولم يسجد رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب عنه وذكره البخاري تعليقا وفى مصنف ابن أبى شيبة عن عثمان انما السجدة على من جلس لها وحديث ابن عباس انه قال انما السجدة لمن جلس لها رواه البيهقي وابن أبى شيبة (مسئلة) يجب السجود على السامع وان لم يسجد القاري عند أبى حنيفة لاطلاق الأمر وعند الجمهور لا يتاكد على السامع ما لم يسجد القاري لحديث زيد بن اسلم ان رجلا قرأ عند رسول اللّه صلعم فسجد النبي صلعم ثم قرأ اخر عنده السجدة فلم يسجد النبي صلعم فقال سجدت لقراءة فلان ولم تسجد لقراءتى قال كنت اماما فلو سجدت سجدنا رواه أبو داود فى المراسيل عن زيد ابن اسلم ورواه أيضا زيد ابن اسلم عن عطاء بن يسار بلاغا وكذا روى الشافعي وقال البيهقي رواه قرة عن الزهري عن أبى هريرة وقرة ضعيف وعند البخاري معلقا عن ابن مسعود (مسئلة) قال أبو حنيفة يكره قراءة اية السجدة فيما يسر فيها القراءة من الصلاة ان كان اماما لا فيما يجهر بها ولا ان كان مفردا به قال احمد حتى قال ان اسر بها لا يسجد وعند الشافعي لا يكره مطلقا لحديث ابن عمر سجد رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم فى الظهر فراى أصحابه انه قرأ اية السجدة فسجدوا رواه أبو داود والطحاوي والحاكم (مسئلة) إذا سجد الامام سجدوا وكذا عند الشافعي مع قوله انها سنة وكذا قوله فى القنوت - .
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ القرآن إضراب عن السجود عند استماع القران.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ بما يجمعون فى الصدور من الكفر والعداوة قال مجاهد بما يكتمون والجملة حال من فاعل يكذبون.
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ الفاء للسببية فان التكذيب سبب للتبشير وذكر التبشير مقام التنذير تهكم واستهزاء.(1/7003)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا منهم وتابوا عن الكفر ما لاستثناء متصل أو منقطع بمعنى لكن الذين أمنوا غير مبشرين بالعذاب وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ غير مقطوع ولا منقوص أو ممنون عليهم تعليل الاستثناء.
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 234
سورة البروج
مكيّة وهى اثنتان وعشرون اية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ البرج الحصن سمى الحصن بها لظهوره يقال تبرجت المرأة أى ظهرت والظاهر ان فى السماء بيوتا سميت بالبروج قال عطية العوفى البروج أى القصور فيها الحرس ورد فى الصحيحين فى حديث المعراج ثم رفع إلى البيت المعمور يعنى فى السماء السابعة بحذاء الكعبة وقد مر فى سورة المطففين قول وهب بن منبه ان للّه فى السماء السابعة دارا يقال لها البيضاء يجتمع فيها أرواح المؤمنين أو المراد بالبروج أبواب السماء فان النوازل يخرج منها وتظهر وزعم العوام باتباع الفلاسفة ان السماء منقسم بالقسمة الوهمية إلى اثنى عشر حصة سميت كل حصة منها ببرج يكون فيها الثوابت وينزلها السيارات وسموا البروج بالحمل والثور والجوزاء ونحوها نظرا إلى هيئة الكواكب الثوابت على سورة الحمل والثور ونحو ذلك وهذا ليس بشئ لان مبنى ذلك على كون السموات متحركة دائما وكون الكواكب مرتكزة فيها وكل ذلك باطل والثابت من الكتاب والسنة ان الكواكب كل منها فى فلك يسبحون فليس فى السموات كواكب ثوابت حتى يسمى حصة من السماء برجا بحسب تلك الثوابت ولا يجوز ان يكون المراد فى كلام اللّه تعالى مصطلح الفلاسفة الكفرة فكيف الحصص الموهومة بالبروج التي اصل تركيبها الظهور واللّه تعالى أعلم وقيل المراد بالبروج عظام الكواكب سميت بروجا لظهورها كذا قال الحسن ومجاهد وقتادة.
وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ أى يوم القيمة.(1/7004)
وَ شاهِدٍ أى يوم الجمعة أو جنس شاهد يشهد بالحق - وَمَشْهُودٍ ط أى يوم عرفة أو جنس ما شهد عليه شاهد صدق اقسم اللّه تعالى بهذه الأمور لتعظيمها روى احمد والترمذي عن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلعم اليوم الموعود يوم القيمة والمشهود يوم عرفة والشاهد يوم الجمعة فيه ساعة لا يوافقها عبد مومن يدعو اللّه فيها بخير الا استجاب له ولا يستعيذ من شر الا أعاذه منه قال الترمذي هذا حديث غريب لا يعرف الا من حديث موسى
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 235(1/7005)
ابن عبيدة وهو يضعف وروى الطبراني بسند ضعيف عن أبى مالك الأشعري نحوه وفيه يوم الجمعة خصه اللّه لنا والصلاة الوسطى صلوة العصر وروى يوسف بن مهران عن ابن عباس الشاهد محمد صلعم قال اللّه تعالى وجئنا بك على هؤلاء شهيدا والمشهود يوم القيمة قال اللّه تعالى ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ولكن هذا يلزم التكرار فى اليوم الموعود والمشهود وقيل الشاهد الحفظة والمشهود ابن ادعم وقال الحسين بن الفضل الشاهد هذه الامة والمشهود سائر الأمم قال اللّه تعالى جعلنكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس وقال سالم بن عبد اللّه سألت سعيد بن جبير عن قوله تعالى وشاهد ومشهود قال الشاهد هو اللّه تعالى والمشهود نحن بيانه وكفى باللّه شهيدا وقيل الشاهد أعضاء بنى آدم قال اللّه تعالى يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم وقيل الشاهد الأنبياء والمشهود محمد صلى اللّه عليه وسلم وإذ أخذ اللّه ميثاق النبيين إلى قوله فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين قلت وعندى انه لو صح الحديث فى تاويل الآية فذاك والّا فلا وجه للتخصيص بل المقسم جنس شاهد يشهد بالحق وجنس الحق المشهود به قال اللّه تعالى شهد اللّه انه لا اله الا اللّه الا هو والملائكة وأولوا العلم فالشاهد هو اللّه تعالى والملائكة والحفظة منهم والأنبياء ومحمد صلى اللّه عليه واله وسلم والمؤمنون خصوصا أمة محمد صلعم خصوصا أولوا العلم منهم ومن يشهد بالحق الخصومات واقامة الحدود ومشهود هو كلمة التوحيد وصدق الأنبياء وتبليغهم واعمال بنى آدم وكل كلمة حق اشهد به شاهد صدق قال رسول اللّه صلعم أكرموا الشهود فان اللّه يستخرج بهم الحقوق ويدفع بهم الظلم رواه الخطيب وابن عساكر عن ابن عباس بسند ضعيف واللّه تعالى أعلم وجواب القسم قيل قوله تعالى.(1/7006)
قُتِلَ أى لعن لكن هذا القول ضعيف لشذوذ جواب القسم بدون اللام والاولى ان يقال جواب القسم محذوف يدل عليه ما بعده يعنى اقسم ان كفار قريش ملعونون كما قيل وقال أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ عن صهيب ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال كان ملك باليمن فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبر الساحر قال للملك انى قد كبرت فابعث إلى غلاما اعلمه السحر فبعث اللّه غلاما يعلمه وكان فى طريقه راهب إذا سلك إليه وسمع كلامه فاعجبه فكان إذا اتى الساحر مر بالراهب فقعد إليه فإذا اتى الساحر ضربه وإذا رجع من عند الساحر فقعد إلى الراهب وسمع كلامه فإذا اتى اهله ضربوه فشكى إلى الراهب فقال إذا خشيت الساحر فقل حبسنى أهلي فإذا خشيت أهلك فقل حبسنى الساحر فبينما هو كذلك إذ اتى عليه دابة عظيمة قد حبست الناس فقال اليوم اعلم
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 236(1/7007)
ان الراهب أفضل أم الساحر فاخذ حجرا فقال اللّهم ان كان امر الراهب أحب إليك من امر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضى الناس فرماها فقتلها فمضى الناس فاتى الراهب فأخبره فقال الراهب أى بنى أنت اليوم أفضل منى قد بلغ من أمرك ما ترى وانك ستبتلى فان ابتليت فلا تدل على فكان الغلام يبرء الأكمه والأبرص ويداوى الناس لسائر الأدواء فسمع جليس للملك وكان قد عمى فاتاه بهدايا كثيرة فقال انها لك ان أنت شفيتنى قال لا أشفي أحدا انما يشفى اللّه فان امنت باللّه دعوت اللّه فشفاك فامن باللّه فشفاه اللّه فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك ومن رد عليك بصرك قال ربى قال ولك رب غيرى قال ربى وربك اللّه فاخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام فجيئ بالغلام فقال له الملك أى بنى قد بلغ من سحرك ما يبرء الأكمه والأبرص وتفعل ما تفعل قال انى لا أشفي أحدا انما يشفى اللّه فاخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب فجئ بالراهب فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدعى ووضع المنشار فى مفرق راسه حتى وقع شقاه ثم جئ بالغلام فقيل له ارجع عن دينك فابى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال اذهبوا إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به فإذا بلغتم ذروته فان رجع عن دينه والا فاطرحوا فذهبوا به الجبل فقال اللّهم اكفينهم بما شئت فرجعت بهم الجيل فسقطوا فجاء يمشى إلى الملك فقال له الملك ما فعل أصحابك فقال كفانيهم اللّه فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال اذهبوا به فاحملوه فى قرقور فتوسطوا به البحر فان رجع عن دينه والا فاقذفوه فذهبوا به فقال اللّهم اكفينهم بما شئت فانكفات بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشى إلى الملك فقال له الملك ما فعل أصحابك قال كفانيهم اللّه فقال للملك لست بقاتلي حتى تفعل ما أمرك قال وما هو قال تجمع الناس فى صعيد واحد وتصلبنى على جذع ثم خذ سهما من كنانتى ثم ضع السهم فى كبد القوس وقل بسم اللّه رب الغلام ثم ارمنى فانك إذ فعلت ذلك(1/7008)
قتلتنى فجمع الناس فى صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهما من كنانته ثم وضع السهم فى كبد قوسه ثم قال بسم اللّه رب الغلام ثم رماه فوقع السهم فى صدغه فمات فقال الناس أمنا برب الغلام ثلثا فاتى الملك فقيل له رايت بما كنت تحذر قد نزل بك حذرك قد أمن الناس فامر بالأخدود بأفواه السكك فخدت واضرم النيران وقال من لم يرجع عن دينه فاقحموه فيها أو قيل لاقتحم قال فافعلوا حتى جاءت امرأة معها صبى لها فتقاعست ان تقع فيها فقال لها الغلام يا أماه اصبري فانك على الحق رواه مسلم فى صحيحه و
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 237
روى عطاء عن ابن عباس نحو هذه القصة وذكر انه كان بنجران ملك من ملوك حمير يقال له يوسف ذو نواس بن شرحبيل فى الفترة قبل مولد النبي صلى اللّه عليه وسلم بسبعين سنة وذكر اسم الغلام عبد اللّه بن تامر وذكر محمد بن اسحق عن وهب بن منبه القصة وذكر انه احرق اثنى عشر الفا ثم غلب ارباط على اليمين فخرج ذو نواس هاربا فاقتحم البحر بفرسه فغرق فقال الكلبي ذو نواس قتل عبد اللّه بن تامر وقال محمد بن عبد اللّه بن أبى بكر ان جارية اختفرت فى زمن عمر بن الخطاب فوجد عبد اللّه بن تامر واضعا يده على ضربة فى راسه إذا بسطت يده عنها انبعث دما وإذا تركت
ارتدت مكانها وفى يده خاتم من حديد فيه ربى اللّه فبلغ ذلك عمر فكتب ان العبد والخاتم على أى على الذي وجدتم عليه وقد روى فى اصحاب الأخدود روايات اخر ، لا يوازى رواية المسلم فى القوة فلا يلتفت إليها.
النَّارِ بدل اشتمال من الأخدود ذاتِ الْوَقُودِ وصف أى النار بالعظمة لكثرة الالتهاب واللام للجنس قال الربيع بن انس نجى اللّه المؤمنين الذين القوا فى النار بقبض أرواحهم قبل ان تمسهم النار وخرجت النار إلى من على شفير الأخدود من الكفار فاحرقتهم.
إِذْ هُمْ عَلَيْها أى على حافات الأخدود قُعُودٌ قال مجاهد كانوا قعودا على الكراسي عند الأخدود والظرف متعلق بقعود.(1/7009)
وَ هُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ من التعذيب شُهُودٌ أى حضور لم يكن هذا التعذيب منهم على غفلة أو المعنى كان يشهد بعضهم لبعض عند الملك بانه لم يقصر فيما امر به أو يشهدون على أنفسهم يوم القيمة حين يشهد ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم والجملة اما معطوفة على هم عليها قعود أو حال من فاعل قعود.
وَما نَقَمُوا أى ما كره الكفار وما أنكروا مِنْهُمْ أى من المؤمنين إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا أى لايمانهم فعلى هذا مفعول له وصيغة المضارع بمعنى الماضي بقرينة نقموا أى لان أمنوا بِاللَّهِ يعنى ما كان منهم حسنا لذاته وكمالا وشرفا زعموه لفرط جهلهم وشقاوتهم عيبا منكرا موجبا للعذاب الْعَزِيزِ فى ملكه الغالب على كل شىء يخشى عذابه الْحَمِيدِ المحمود المنعم الذي يرجى ثوابه.
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ط وما فيهن لا اله غيره تقرير لحصر الخوف والرجاء عليه سبحانه وصف اللّه سبحانه نفسه بهذه الأوصاف لدلالته على كون المؤمنين محقين فى ايمانهم مستحقين للثواب وكون الكفار مبطلين ظالمين فيما فعلوا مستحقين اللعن والعذاب وَاللَّهُ
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 238
عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيدٌ
يجازى كلا على حسب ما عمل من خير أو شر والجملة تذئيل أو حال من مفعول يومنوا وجملة ما نقموا معترضة أو حال من شهود.(1/7010)
إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا أى عذبوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ الموصول شامل لاصحاب الأخدود وغيرهم سواء كانوا مؤمنين أو كفارا والمؤمنون يعم المطروحين فى الأخدود وغيرهم ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا من تلك المعصية فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ فى الاخرة يعنى هم مستحقون العذاب بتعذيبهم وذلك لا ينافى المغفرة ان كانوا مؤمنين ويحتمل ان يكون المراد بالموصول الكفار فقط للملاحظة الحيثية فى المؤمنين يعنى الذين فتنوا المؤمنين لاجل ايمانهم وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ تأكيد لما سبق أو المراد لهم عذاب الحريق فى الدنيا فان من الغالب انه من حفر بيرا لاخيه فقد وقع فيه وقد مر فى ما سبق انها خرجت النار إلى من على شفر الأخدود من الكفار فاحترقتهم وان ذو نواس غرق فى البحر وجملة ان الذين فتنوا مستأنفة كأنَّه قيل ما يفعل باصحاب الأخدود وأمثالهم.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ يصغر بالنسبة إليها الدنيا وما فيها.
إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ أى اخذه بعنف لَشَدِيدٌ لا يمكن مدافعته هذه الجملة متصلة بجملة ان الذين فتنوا كانها تعليل لها وجملة ان الذين أمنوا معترضة بينهما لذكر جزاء المؤمنين رديف الجزاء الكفار كما هو عادة اللّه تعالى فى المثال.
إِنَّهُ أى ربك هُوَ يُبْدِئُ الخلق وَيُعِيدُ لا اله غيره حتى يمكنه دفع بطشه أو المعنى يبدء البطش بالكفار فى الدنيا ويعيده فى الاخرة.
وَهُوَ الْغَفُورُ لذنوب المؤمنين الْوَدُودُ المحب لمن أطاعه والمحبوب إليهم.
ذُو الْعَرْشِ قال العرش مالكه القاهر على كل شىء الْمَجِيدُ قرأ حمزة والكسائي بالجر صفة للعرش ومجده وعظمته وكونه مطرحا لتجليات رحمانية مختصة به والباقون بالرفع على انه خبر بعد حبر لهو ومجده تعالى كونه عظيما فى ذاته وصفاته واجبا وجوده تاما قدرته وحكمته.(1/7011)
فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ لا يعجزه شىء ولا يمنع عليه ما أراد خبر بعد خبر لهو أو خبر مبتداء محذوف أى هو فعال لما يريد وجملة انه هو يبدء ويعيد إلخ معترضة مادحة للّه تعالى يوضح ما يفعل بالمؤمنين من المغفرة والمودة وبالكافرين من انواع التعذيب.
هَلْ أَتاكَ استفهام للتقرير بمعنى قد اتيك حَدِيثُ الْجُنُودِ الكافرة الذين يجندوا على الأنبياء.
فِرْعَوْنَ بدل من الجنود وبحذف المضاف أى جنود فرعون وَثَمُودَ أمثالها انهم
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 239
اهلكوا بالغرق أو الصيحة أو نحو ذلك ثم ادخلوا نارا واصبر على تكذيب قومك وحذرهم بمثل ما أصاب من كان من قبلهم أمثالهم فى الكفر.
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا من قومك اولى بنزول العذاب من الجنود الماضية والأمم الخالية فانهم سمعوا قصة السابقين وراوا اثار هلاكهم ومع ذلك هم فِي تَكْذِيبٍ عظيم للقران أشد من تكذيبهم مع انه معجز نظمه دون الكتب السابقة والتنكير للتعظيم وقيل بل هنا ليس للاضراب بل ابتدائية بمعنى لكن والجملة للاستدراك متصلة بجواب القسم وما بينهما معترضات وجه الاتصال انه لما اتضح جواب القسم بالقسم نشأ تصديق السامعين من الكفار فلدفع هذا الوهم استدرك وقال بل الذين كفروا أى لكن الذين كفروا فى تكذيب وقوله فى تكذيب ظرف اعتباري فان الصفة يعتبر محيطا بالموصوف بناء على المبالغة.
وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ ط احاطة ذاتية بلا كيف مستكرما لقربه وقهرمانه فهو عالم بأحوالهم قادر على الانتقام منهم لا يمكن ان يفوتون والجملة معترضة للوعيد أو حال من فاعل الظرف المستقر فى تكذيب.
بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ كريم شريف عالى الطبقة فى الكتب وحيد معجز نظمه ومعناه والجملة معناه متصل بقوله بل الذين كفروا فى تكذيب يعنى ليس تكذيبهم على شايبة من الحق بل هو يعنى ما كذبوا به لا ينبغى ان يكذب به من له ادنى شعور فى النظم والمعنى.(1/7012)
فِي لَوْحٍ أخرج الطبراني عن ابن عباس ان رسول اللّه صلعم قال ان اللّه خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء وصفحاتها من ياقوت حمراء قلمه نور وكتابته نور اللّه فى كل يوم ستون وثلاثمائة لحظة يخلق ويرزق ويميت ويحى ويعز ويذل ويفعل ما يشاء روى البغوي بسند عن ابن عباس قال ان فى صدر اللوح لا اله الا اللّه وحده دينه الإسلام ومحمد عبده ورسوله فمن أمن باللّه عز وجل وصدق بوعده واتبع رسله ادخله الجنة قال واللوح لوح من درة بيضاء طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق إلى المغرب وحافتاه الدر والياقوت ودفتاه ياقوت حمراء وقلمه نور وكتابه نور وكل شىء فيه مسطور وقيل أعلاه معقود بالعرش وأصله فى حجر ملك قال مقاتل اللوح المحفوظ عن يمين العرش مَحْفُوظٍ قرأ الجمهور بالجر على انه صفة لوح فانه محفوظ من الشياطين ومن الزيادة والنقصان ولذلك سمى باللوح المحفوظ وهو أم الكتاب ومنه نسخ الكتاب وقرأ نافع بالرفع على انه صفة القرآن قال اللّه تعالى انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون فلا يجوز أى لا يمكن فيه الإلحاق لحفظه تعالى وأيضا لاعجاز نظمه ولا التحريف ولا الحذف وقالت الروافض الحق بالقرآن ما ليس منه وحذف منه بقدر عشرة اجزاء من أربعين جزء فبقيت ثلثون جزء مغيرة محرفة فعليهم قوله تعالى بل الذين كفروا فى تكذيب لما بين دفتى المصحف واللّه من ورائهم محيط بل هو قران مجيد فى لوح محفوظ - واللّه تعالى أعلم ه.
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 240
سورة الطّارق
مكيّة وهى سبع عشرة اية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال الكلبي اتى أبو طالب النبي صلعم فاتحفه بخبز ولبن فبينما هو جالس يأكل إذا نحط نجم فامتلأ ماء ثم نارا ففزع أبو طالب وقال أى شى هذا فقال رسول اللّه صلعم هذا نجم رمى به وهو اية من آيات اللّه عز وجل فعجب أبو طالب فانزل اللّه تعالى(1/7013)
وَ السَّماءِ وَالطَّارِقِ وهو فى الأصل لسانك الطريق واختص عرفا بالآتي ليلا ثم استعمل للبادى وفيه الإجمال هاهنا فسره فيما بعد.
وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ فانه مجمل ويحتمل ان يكون الاستفهام لتعظيم امره فان فيه منافع كثيرة من طرد الشياطين وزينة السماء وتخويف العباد وغير ذلك وجملة ما الطارق فى محل المفعول الثاني لادريك ثم فسر المجمل فقال.
النَّجْمُ اللام للجنس والمراد به جنس النجوم أو جنس الشهب التي يرجم بها أو للعهد والمراد به الثريا كذا قال ابن زيد والعرب تسميه النجم وقيل هو الزحل الثَّاقِبُ فمن قال المراد بالنجم الزحل قال انما سمى به لارتفاعه قال العرب للطاير إذ الحق ببطن السماء ارتفاعا قد ثقب وهذا لا يستقيم الأعلى قول الحكماء القائلين بكون الزحل فى السماء السابعة والظاهر ان المراد بالثاقب المعنى المتوهج كذا قال مجاهد كأنَّه يثقب الظلام لضوئه فينفذ فيه.
إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة لما بتشديد الميم بمعنى الا على لغة هذيل استثناء مفرغ فعلى هذا ان نافية والمعنى ماكل نفس كاينا على حال الأعلى حال ثبوت حافظ عليها والباقون بالتخفيف فعلى هذا ان مخففة من المثقلة واسمها ضمير الشان محذوف فاصلة وما مزيدة يعنى انه كل نفس من البشر ثابت أو ثبت عليها حافظ من ربها يحفظ عملها ويحصى عليها ما يكتب من خير أو شر قال ابن عباس هم الحفظة من الملائكة وقيل حافظ يحفظها من الآفات فإذا استوفى رزقها وأجلها ماتت والمراد بحافظ الجنس حتى يصدق على الواحد والكثير فلا منافاة بين هذه الآية وقوله تعالى وان عليكم لحافظين بصيغة الجمع أو المراد لحافظ هاهنا هو اللّه سبحانه والحفظة ان يحفظون بامره فيضاف فعلهم إليه تعالى والجملة على القراءتين
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 241(1/7014)
جواب للقسم أخرج ابن أبى حاتم عن عكرمة ان أبا اسد كان يقوم على الأديم فيقول يا معشر قريش من أذى النبي صلعم عنه فله كذا ويقول ان محمدا يزعم ان خزنة جهنم تسعة عشر فانا أكفيكموهم وحدي عشرة واكفوني تسعة فنزلت.
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ ط الفاء للسببية فان وجود الحفظة سبب لوجوب المراقبة على اعماله حتى يستدل به على صحة إعادة فيستوجب الايمان باللّه ورسوله والإتيان بما امر به من الأعمال والانتهاء عما نهى عنه ومن ابتدائية وما استفهامية والجار والمجرور متعلق بخلق نايب مناب فاعله والجملة فى محل النصب بالمفعولية من النظر أى فى جواب هذا السؤال الحاصل بالنظر فقال.
خُلِقَ مِنْ ماءٍ أى منى والمراد به الممزوج من المائين ماء الرجل وماء المرأة دافِقٍ صفة لماء أسند الدفق إلى الماء مجازا أو كما فى عيشة الراضية أى مرضية فهو فاعل بمعنى المفعول أى مدفوق والدفق هو الصب بمرة فالاسناد على الحقيقة.
يَخْرُجُ صفة اخرى لماء مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ صلب الرجل أى ظهره قال فى الصراح الصلب الشديد باعتبار الشدة سمى الظهر صلبا وَالتَّرائِبِ ط أى ترائب المرأة فى القاموس الترائب عظام الصدر أو ما ولى الترقوتين أو ما بين الثديين والترقوتين أو لربع أضلاع من يمين الصدر واربع من يسرته أو لليدان والرجلان والعينان أو موضع القلادة فى البيضاوي ان النطفة تتولد من فضل الهضم الرابع وتنفصل عن جميع الأعضاء حتى تستعد بان يتولد منها مثل تلك الأعضاء ومقرها عروق ملتف بعضها عند البيضتين والدماغ أعظم الأعضاء معونة لى توليدها لذلك تشيع وتسرع الفراط فى الجماع بالضعيفة وله خليفة وهو النخاع وهو فى الصلب وشعب كثيرة نازلة إلى الترائب وهما اقرب إلى اوعية المنى فلذلك خصا بالذكر.(1/7015)
إِنَّهُ الضمير راجع إلى الخالق المفهوم من قوله خلق من ماء عَلى رَجْعِهِ أى إعادته بعد الموت كذا قال قتادة لَقادِرٌ ط لامكان الاعادة فمن خلق اولا فلا يجوز إنكاره بعد ما اخبر به مخبر صادق شهد المعجزة على صدقة والجملة مستأنفة.
يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ متعلق برجعه أو بمضمر دل عليه رجعه أى يبعث الإنسان يوم يظهر الخفايا من الأعمال والعقائد والنيات والضمائر يعنى يوم القيمة قال ابن عمر يبدئ اللّه يوم القيامة كل سر فيكون زينا فى وجوه.
فَما لَهُ أى للانسان المنكر للبعث والفاء جزاء لشرط مقدر تقديره فإذا رجع فما له مِنْ قُوَّةٍ منعة فى نفسه يمتنع بها من العذاب وَلا ناصِرٍ ط يعينه ويدفع عنه العذاب.
وَالسَّماءِ قسم اخر معطوف على القسم السابقة ذاتِ الرَّجْعِ أى المطر سمى لأنه يرجع كل عام ويتكرر الكواكب فيها إلى موضع
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 242
من السماء الذي يتحرك منها بعد يوم وليلة أو بعد شهر أو بعد سنة.
وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ أى الشق بالنبات والعيون ونحو ذلك وجواب القسم.
إِنَّهُ أى القرآن لَقَوْلٌ فَصْلٌ فاصل بين الحق والباطل.
وَما هُوَ بِالْهَزْلِ باللعب والباطل بل هو جد كله فمن حقه يرتفع قاريه وسامعه من ان يلم بهزل أو يتفكه بمزاح وان يخشع له القلب.
إِنَّهُمْ أى أهل مكة يَكِيدُونَ النبي صلى اللّه عليه واله وسلم كَيْداً ويظهرون ما هم على خلافه أو المعنى انهم يجيلون فى ابطال امر النبي صلى اللّه عليه واله وسلم واطفاء نور الحق حيلة.
وَأَكِيدُ كَيْداً ج كيد اللّه استدراجه إياهم من حيث لا يعلمون أو المعنى اجزيهم فى الاخرة جزاء كيدهم وجملة انهم يكيدون كيدا مستانفة كأنَّه فى جواب سائل فما شان منكرى البعث.(1/7016)
فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ ولا تشتغل بالانتقام منهم أو لا تستعجل باهلاكهم بالدعاء عليهم وهذا منسوخ باية القتال على تقدير النهى عن الانتقام منهم أَمْهِلْهُمْ تأكيد لمهل والتأكيد مع تغير البناء لزيادة التسكين أو التحسين فى اللفظ رُوَيْداً ع أى اروادا أى امهالا يسيرا أو رويدا تصغير أى الارواد بحذف الزوائد ويسمى تصغير ترخيم مشتق من راودت الريح ترود رودا إذا تحركت حركة ضعيفة ولا يستعمل بها الا مصغرة قال ابن عباس هذا وعيد من اللّه عز وجل قد أخذهم اللّه يوم بدر - واللّه تعالى أعلم .
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 243
سورة الأعلى
مكيّة وهى تسع عشرة اية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(1/7017)
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى أى نزه اسم ربك عن الحاد فيه وإطلاقه على غيره أو المعنى نزه تسمية ربك بان تذكره وأنت له معظم ولذكره محترم وان لا تسمية باسم من قبل نفسك بل سمى به نفسه فى كتابه أو على لسان نبيه وقيل أريد بالاسم الذات المسماة كما فى قوله تعالى ما تعبدون من دونه الا اسماء سميتموها أنتم واباءكم أى مسميات وقيل لفظ الاسم مقحم والمعنى سبح ربك الأعلى قولا ونزهه عما يصفه الملحدون وهذا امر بالتسبيح قولا قال البغوي يعنى قل سبحان ربى الأعلى واليه ذهب جماعة من الصحابة والتابعين واحتج عليه البغوي بما رواه بسند عن ابن عباس ان النبي صلعم قرأ سبح اسم ربك الأعلى فقال سبحان ربى الأعلى وقال قوم امر بالتنزيه مطلقا قولا واعتقادا أو عملا ولا وجه للتخصيص بالقول والحديث المذكور لا يصلح حجة للتخصيص بالقول بل التسبيح باللسان بمواطاة القلب أحد محتملاته وقول من غير مواطأ القلب لا يعتاد به قال البغوي قال ابن عباس سبح أى صل بامر ربك الأعلى فهو امر بالصلوة ويحتمل ان يكون امرا بالتسبيح باللسان فى الصلاة يدل عليه ما ذكرنا فى سورة الحاقة من حديث عقبة بن عامر اجعلوها فى سجودكم وحديث حذيفة كان رسول اللّه صلعم يقول فى سجوده سبحان ربى الأعلى وحديث ابن مسعود وقد ذكرنا (مسئلة : ) تسبيحات الركوع والسجود هناك فلا نعيدها وتوصيفه بالأعلى اشارة إلى موجب التسبيح فان علو شانه عن ادراك العقول وكما قال قهرمانه واقتداره بمنع عن تسميته بشئ الا بما وصف به نفسه ويوجب تنزيهه عما وصف به الملحدون سبحانه ما أعظم شانه.(1/7018)
الَّذِي خَلَقَ حذف المفعول للدلالة على العموم أى خلق كل شىء من الجواهر والاعراض وافعال العباد - فَسَوَّى أى جعل كل شىء متناسب الاجزاء غير متفاوت أو المعنى سوى ما شاء تسويه بحيث لا يتطرق إليه تصور مما خلق لاجله من منفعة ومصلحة أو المعنى سوى مجموع الخلق على ما يقتضيه النظام الجملي ومن ثم قالوا ليس فى الإمكان أبدع مما قد كان يعنى بحسب النظام.
وَالَّذِي
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 244
قَدَّرَ
قرأ الكسائي بتخفيف الدال يعنى هو قادر على كل ممكن والباقون بالتشديد وقال البغوي هما بمعنى واحد أى قدر أجناس الأشياء وأنواعها واشخاصها ومقاديرها وصفاتها وافعالها وأرزاقها واجالها على ما يشاء عن عبد اللّه بن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كتب اللّه مقادير الخلائق قبل ان يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة قال وكان عرشه على الماء رواه مسلم وعن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلعم كل شىء بقدر حتى العجز والكيس رواه مسلم فَهَدى إلى ما خلق لاجله من خير أو شر قال مجاهد هدى الإنسان سبيل الخير والشر والسعادة وهدى الحيوان لمراتعها وقال مقاتل والكلبي عرف الذكر كيف يأتي ذكر الأنثى وقيل خلق المنافع فى الأشياء وهدى الإنسان بوجه استخراجها منها وقال السدى قدر مدة الجنين فى الرحم ثم هدى للخروج من الرحم أو المعنى فهدى من شاء هدايته وأضل من شاء ضلالته والتقدير فهدى وأضل لكن حذف وأضل اكتفاء لقوله يضل من يشاء ويهدى من يشاء.
وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى أى أنبت ما ترغاه الدواب.
فَجَعَلَهُ بعد خضرته غُثاءً يابسا منفتتا أَحْوى ط اسود صفة لغثاء وقيل حال من مرعى أى أخرجه احوى من شدة حضرته كان النبي إذا نزل عليه جبرئيل يفرغ من اخر الآية حتى يتكلم رسول اللّه صلعم باولها مخافة ان ينساها فانزل اللّه.(1/7019)
سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى وفى اسناده جويبر ضعيف جدا وكذا قال مجاهد والكلبي وقال فلم ينس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد ذلك شيئا يعنى سنجعلك قاريا بالهام القراءة كما أنزلنا عليك بلسان جبرئيل وقيل لا تنس والالف مزيد الفاصلة عن أبى موسى الأشعري قال قال رسول اللّه صلعم تعاهدوا القرآن فو الذي نفسى بيده وهو أشد تفصيا من الإبل فى عقلها متفق عليه وفى الصحيحين عن ابن مسعود نحوه وعن ابن عمران رسول اللّه صلعم قال انما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة ان عاهدها أمسكها وان أطلقها ذهبت متفق عليه وعن سعد بن مسعد قال قال رسول اللّه صلعم ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه الا لقى اللّه يوم القيامة أجذم رواه أبو داود والدارمي.
إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ ط ان ينساه والاستثناء مفرغ فى محل النصب والمراد على تاويل الجمهور كما هو الظاهر ما نسخ اللّه تلاوته وحكمه معا كما قال ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها والانساء نوع من النسخ وعلى هذا التأويل فى الآية المعجزة بوجهين فان عدم النسيان مطلقا مع ان النسيان مجبول فى الإنسان معجزة وفى الاخبار فيما يستقبل وقوعه كذلك معجزة اخرى واما على ما قيل ان لا ينسى تهى فمعنى الاستثناء ان معاهدة القرآن بقدر الطاقة البشرية واجب
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 245
فان شاء اللّه نسيانه مع معاهدته فهو معذور له إِنَّهُ أى اللّه يَعْلَمُ الْجَهْرَ من القول والفعل وَم ا يَخْفى
ط منهما أى يعلم السر والعلانية ويعلم جهرك بالقراءة مع جبرئيل وما دعاك إليه من مخافة النسيان.(1/7020)
وَ نُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى أى لوفقك ونهون عليك عمل الجنة ومنه القراءة على حسب ما انزل عليك وحفظه والعمل بمضمونه وفى الكلام قلب تقديره نيسر اليسرى لك وفيه مبالغة فان اليسرى كان مطلوبا للنبى صلعم فجعل طالبا له صلعم قلت وهذا هو شان المحبوبية الصرفة قال ابن عباس اليسرى عمل الخير وقيل معناه نوفقك للشريعة السمحة الحنيفية والجملة معطوفة على سنقرءك وجملة انه يعلم الجهر وما يخفى معترضة مادحة فذكر الفاء للسببية يعنى لما يسرنا لك القرآن والشريعة السمحة.
فَذَكِّرْ به إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى ط شرط مستغن عن الجزاء بما سبق قيل انما جاءت الشرطية بعد تكرير التذكير وحصول الياس عن البعض لئلا يتعب نفسه ويتلهف عليهم كقوله وما أنت عليهم بجبار وقيل ظاهره شرط ومعناه استبعاد لتأثير الذكرى فيهم وذم لهم وقيل التذكير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر انما يجب إذا ظن نفعه ولذلك امر بالاعراض عمن تولى وقيل شرط الجملة محذوف والمراد انه ذكر ان نفعت الذكرى أو لم ينفع كما فى قوله سرابيل تقيكم الحر وأراد الحر والبرد جميعا ثم بعد ذلك من ينفعه فقال.
سَيَذَّكَّرُ أى يتعظ وينفع بها مَنْ يَخْشى اللّه تعالى فانه يتامل فيها ويعمل بمضمونها مخافة عذاب اللّه تعالى.
يَتَجَنَّبُهَا
اى الذكرَْشْقَى
اى الكافر فانه أشقى من الفاسق أو الأشقى من الكفرة لتوغله فى الكفر واللام حينئذ للعهد قيل هو الوليد بن المغيرة أو عتبة بن ربيعة.
الَّذِي يَصْلَى أى يدخل النَّارَ الْكُبْرى ج أى نار جهنم أو ما فى الدرك الأسفل منها انه.
ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها فتستريح من العذاب وَلا يَحْيى ط حيوة طيبة عطف على يصلى بثم لان التأبيد فى العذاب أفزع من التصلى فهو متراخ عنه فى مراتب الشدة وفى فى الوجود ايضا.(1/7021)
قَدْ أَفْلَحَ أى فاز مَنْ تَزَكَّى أى تطهر باطنه عن الشرك وظاهره عن النجاسة للصلوة وما له عن الخبث بالزكاة وقلبه من الاشتغال بذكر اللّه سبحانه ونفسه عن الرذائل وجوارحه عن خبث المعاصي من الزكوة كتصدق من الصدقة وجملة قد أفلح مستانفة كأنَّه فى جواب من نجا منها.
وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ط أخرج البزار عن جابر بن عبد اللّه عن النبي صلعم قال قد أفلح من تزكى قال من شهد ان لا اله الا اللّه وخلع الانداد وشهد انى
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 246(1/7022)
رسول اللّه وذكر اسم ربه فصلى قال هى الصلاة الخمس والمحافظة عليها والاهتمام بها قالت الحنفية كبر لافتتاح الصلاة فصلى ومن ثم قالوا ان تكبيرة الافتتاح ليست ركنا من الصلاة بل هو شرط عملا بمقتضى الفاء العاطفة الدالة على المغايرة والتعقيب لا يقال عطف العام على الخاص جايز اجماعا مع كون العام مشتملا على الخاص فكذا عطف الكل على الجزء لانا نقول جواز عطف العام على الخاص لنكتة بلاغية وهى منعدمة فى عطف الكل على الجزء ولا نظير له فى الاستعمال فعلى هذا جوز وأبناء النافلة على الفريضة وعلى النافلة وروى عن أبى اليسر جواز بناء الفريضة على النافلة أيضا وجمهور الحنفية على منعه وكذا على منع بناء الفرض على الفرض قلت وكونه شرطا لا يقتضى جواز البناء الا ترى ان النية شرط ولا يجوز الصلاتان بنية واحدة والوضوء شرط وكان فى صدر الإسلام واجبا لكل صلوة غير ان بناء النفل على الفرض يجوز تبعا كمن صلى الظهر خمسا ناصيا وقعد للاخيرة ضم إليها السادسة وسجد للسهو والركعتان نافلة وقال الشافعي وغيره تكبيرة الإحرام ركن لأنه يشترط له كسائر الأركان وهذا اية الركنية قالت الحنفية مراعاة الشرائط لما يتصل بها من القيام لا لنفسها ولذا قالوا لو تحرم حامل النجاسة أو مكشوف العورة أو قبل ظهور الزوال أو متحرفا عن القبلة والقاها واستتر لعمل يسير وظهر الزوال واستقبل مع اخر الجزء من التحريمة جاز وذكر فى الكافي انها عند بعض أصحابنا ركن انتهى وهو ظاهر كلام الطحاوي فيجب على قول هؤلاء ان لا يصح هذا الفروع واللّه تعالى أعلم قلت ويحتمل ان يكون المراد بذكر اسم ربه الاذان والاقامة يعنى اذن واقام فصلى وحينئذ لا دليل على نفى ركنية تكبيرة الافتتاح وقيل تزكى أى تصدق للفطر وذكر اسم أى كبر يوم العيد فصلى صلوته كذا قال عطاء وقال ابن مسعود رحم اللّه امرأ تصدق ثم صلى ثم قرأ هذه الآية وقال نافع كان ابن عمر إذا(1/7023)
صلى الغداة يعنى يوم العيد قال يا نافع أخرجت الصدقة فان قلت نعم مضى إلى المصلى وان قلت لا قال فالان فاخرج فانما نزلت هذه الآية فى هذا قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى وهو قول أبو العالية وابن سيرين وقال بعضهم لا أدرى ما وجه هذا التأويل فان هذه السورة مكية ولم يكن بمكة عيد ولا زكوة ولا فطر قال البغوي يجوز ان يكون النزول سابقا عن الحكم قال اللّه تعالى وأنت حل بهذا البلد فان السورة مكية وظهر اثر الحل يوم الفتح وكذا نزل بمكة سيهزم الجمع ويولون الدبر قال عمر بن الخطاب لا أدرى أى جمع يهزم فلما كان يوم بدر رايت النبي صلعم يثب فى الدرع ويقول سيهزم الجمع ويولون الدبر قلت سيهزم الجمع
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 247
صيغة الاستقبال فلا محذور فى نزوله سابقا واما هنا فقوله تعالى وذكر اسم ربه فصلى صيغة لا يتصور الحكاية عن شىء من قبل وجوده وقيل المراد بالصلوة هاهنا الدعاء فان من سنة الدعا الثناء على اللّه اولا وآخرا عن فضالة قال بينما رسول اللّه صلعم قاعد إذ دخل رجل وصلى فقال اللهم اغفر لى وارحمني قال رسول اللّه صلعم عجلت أيها المصلى إذا صليت فقعدت فاحمد اللّه بما هو اهله وصل على ثم ادعه قال ثم صلى رجل اخر بعد ذلك فحمد اللّه وصلى على النبي صلعم فقال رسول اللّه صلعم أيها المصلى ادع تجب رواه الترمذي وروى أبو داود والنسائي نحوه عن عبد اللّه بن مسعود قال كنت أصلي والنبي صلعم وأبو بكر وعمر معه فلما جلست بدأت بالثناء على اللّه ثم الصلاة على النبي صلعم ثم دعوت لنفسى فقال النبي صلعم سل تعط سل تعط رواه الترمذي قال الشيخ الاجل يعقوب الكرخي رض ان فى الآية اشارة إلى منازل السلوك الأول التوبة والتزكية بقوله قد أفلح من تزكى والثاني المداومة بالذكر اللساني والقلبي والروحي والسرى بقوله وذكر اسم ربه والثالث بالمشاهدات بقوله فصلى فان الصلاة(1/7024)
معراج المؤمنين قال رسول اللّه صلعم جعلت قرة عينى فى الصلاة رواه احمد والنسائي والحاكم والبيهقي قلت وأيضا فى عطف الذكر على التزكى بالواو وعطف الصلاة عليه بالفاء اشارة إلى ما ذكر المجدد رض من الترتيب فى اذكار الطريقة حيث عين للمبتدى الذكر باسم الذات أو النفي والإثبات فى أثناء تزكية النفس وقال ان الصلاة لا تقيد فائدة تامة الا بعد تزكية النفس وفى التجليات الذاتية والترقي هناك بالصلوة واللّه تعالى أعلم .
بَلْ تُؤْثِرُونَ قرأ أبو عمرو بالياء على الغيبة والضمير عائد إلى الأشقياء والباقون بالتاء على الخطاب لهم على سبيل الالتفات أو على إضمار قل جملة بل توثرون على محذوف أى وهم يعنى الأشقياء لا يزكون وأنتم أيها الأشقياء لا تزكون ولا تذكرون اسم ربكم ولا يصلون بل توترون الْحَياةَ الدُّنْيا على الحيوة الاخرى.
وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ فان نعمها فلذات بالذات خال عن الغوائل وأجل نعمها الروبة والوصال ورضوان اللّه ذى الجلال وَأَبْقى أى الانقطاع لها بخلاف الدنيا وهذه الجملة حال من فاعل توثرون.
إِنَّ هذا يعنى ما ذكر من قوله تعالى قد أفلح من تزكى إلى اخر اربع آيات لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى أى الكتب السماوية على الأنبياء والماضين فانه جامع امور الديانة وخلاصة الكتب كلها.
صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى ع بدل بعض تخصيص بعد التعميم امال حمزة والكسائي اواخر السورة وورش بين بين.
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 248(1/7025)
و امال أبو عمرو الذكرى واليسرى وما عداها بين بين والباقون بالفتح أخرج البزار عن ابن عباس قال لما نزلت ان هذا لفى الصحف الاولى قال النبي صلعم كان هذا وكل هذا فى صحف ابراهيم وموسى وقيل هذا فى ان هذا اشارة إلى ما فى السورة كلها واستدل بعض الحنفية بهذه الآية على جواز قراءة القرآن فى الصلاة بالفارسية لان اللّه سبحانه امر بقراءة ما تيسر من القرآن ثم قال ان هذا لفى الصحف الاولى وقال انه لفى زبر الأولين ولم يكن فى الصحف الاولى بهذا النظم بل بالمعنى قلت هذا ليس بشى فان القرآن اسم للنظم والمعنى جميعا لقوله تعالى قرانا عربيا غير ذى عوج وقوله تعالى فاتوا بسورة من مثله يغنى فى النظم فانه هو المعجز فى كل سورة غالبا ولذا جاز مس المحدث والجنب وقراءة الجنب والحائض ترجمة القرآن بالفارسية والاشارة إلى المعنى فى هذه الآية وكذا إرجاع الضمير إلى القرآن من حيث المعنى مجاز الا يستلزم كون القرآن اسما للمعنى فقط واللّه تعالى أعلم عن على قال كان رسول اللّه صلعم يحب هذه السورة سبح اسم ربك الأعلى رواه احمد وعن عائشة قالت كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقرأ فى الركعتين يوتر بعدهما سبح اسم ربك الأعلى وقل يايها الكافرون وفى الوتر بقل هو اللّه أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وفى حديث أبى بن كعب عند أبى داود والترمذي وحديث ابن عباس عند أبى داود والنسائي واحمد وابن ماجة وقال وإذا صلى الوتر ثلثا يقرأ فى الاولى سبح اسم ربك الأعلى وفى الثانية قل يايها الكافرون وفى الثالث قل هو اللّه أحد وعن النعمان بن بشير قال كان النبي صلعم يقرأ فى العيدين والجمعة سبح اسم ربك الأعلى وهل اتيك حديث الغاشية رواه مسلم وروى أبو داود والنسائي وابن حبان من حديث سمرة انه صلعم كان يقرأ فى صلوة الجمعة سبح اسم ربك الأعلى وهل اتيك حديث الغاشية - ((1/7026)
فائده) فى هذه السورة تأثير عظيم فى العروج كما ان فى سورة الم نشرح تأثير قوى فى النزول كذا قال المجدد رض - واللّه تعالى أعلم .
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 249
سورة الغاشية
مكيّة وهى ست وعشرون اية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
هَلْ أَتاكَ استفهام تقرير أى قد اتيك حَدِيثُ الْغاشِيَةِ أى الساعة التي تغشى كل شىء بالشدائد والأهوال وقيل المراد بالغاشية النار قال اللّه تعالى وتغشى وجوههم النار لكن تعقيبها بذكر الكفار والمؤمنين بقوله وجوه يومئذ يدل على صحة التأويل الاول.
وُجُوهٌ تنوينه للتكثير أو عوض عن المضاف إليه أى وجوه كثيرة أو وجوه الكفار فصح جعلها مبتداء لأنه مخصصة أو فى قوة المعرفة والمراد بها اصحاب وجوه حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وأعرب باعرابه واجرى عليه من الاخبار ما كانت جارية على المضاف يَوْمَئِذٍ متعلق بغاشية أى يوم إذا كانت الغاشية وجوه خاشِعَةٌ ذليلة من الحزن والهوان.
عامِلَةٌ ناصِبَةٌ يعنى فى النار والنصب التعب قال الحسن لم تعمل للّه فى الدنيا فاعملها وأنصبها فى النار بمعالجة السلاسل والاغلال وبه قال قتادة وهو رواية العوفى عن ابن عباس قال ابن مسعود يخوض فى النار كما يخوض الإبل فى الوحل وقال الكلبي يجرون على وجوههم فى النار وقال الضحاك يرتقى جبلا من حديد فى النار وقيل معناه الذين عملوا ونصبوا فى الدنيا على غير دين حق من عبده الأوثان وكفار أهل الكتاب مثل الرهبان وغيرهم لا يقبل اللّه منهم اجتهادا فى ضلالته يدخلون النار يوم القيمة وهو قول سعيد بن جبير وزيد بن اسلم رواه عطاء عن ابن عباس وقال عكرمة والسدى عاملة فى الدنيا بالمعاصي ناصبة فى الاخرة فى النار.
تَصْلى قرأ أبو عمرو أبو بكر تصلى بضم التاء والباقون بفتح التاء ناراً حامِيَةً قال ابن عباس قد حميت فهى تتلظى على اعداء اللّه.(1/7027)
تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ ط أخرج ابن أبى حاتم عن السدى انه قال يعنى ما انتهى حرها فلا يكون فوقه حروا خرج البيهقي عن الحسن انه قال كانت العرب يقول للشئ إذا انتهى حره حتى لا يكون شيئا أحر منه قد انى حره فقال اللّه سبحانه من عين آنية يقال قد أوقدت عليها فى جهنم منذ خلقت يانى حرها قال المفسرون
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 250
وردوا إلى جهنم ورودا عطاشا فسقوا من عين آنية لو وقعت منها قطرة على الجبال الدنيا لذابت.
لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ أخرج عبد اللّه بن احمد من طريق نهشل عن الضحاك عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلعم الضريع شىء يكون فى النار شبه الشوك امر من الصبر وأنتن من الجيفة وأشد حرا من النار إذا اطعم صاحبه لا يدخل البطن ولا يرتفع إلى الفم فسقى بين ذلك لا يسمن ولا يغنى من جوع واخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير قال هو الزقوم واخرج الترمذي والبيهقي عن أبى الدرداء قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب وقد مر فيما قبل وقال مجاهد وعكرمة وقتادة نبت ذو شوكة لا لحى بالأرض تسميه قريش الشبرق فإذا هاج العود تسميه الضريع هو أخبث طعام قال الكلبي لا يقربه دابة إذا يبس وقال ابن أبى زيدا ما فى الدنيا فان الضريع الشوك اليابس الذي ليس له ورق وهو فى الاخرة شوك من نار قال المفسرون لما نزلت هذه الآية قال المشركون ان إبلنا يسمن من الضريع وكذا فى ذلك فان الإبل انما يرعاه ما دام رطبا وسيما شدقا فإذا يبس لا يأكله شىء فانزل اللّه تعالى.(1/7028)
لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ صفة ضريع والمقصود من الطعام أحد الامرين والمراد أيضا فى ليس لهم طعام الا من ضريع أو شبه لا يسمن أو يغنى من جوع كما فى قوله تعالى وما محمد الا رسول يعنى ليس كاهنا أو شاعرا ونحو ذلك مما ينافى الرسالة والمراد هاهنا بعض من الكفار لا يكون طعامهم الا من ضريع ويكون الضريع والزقوم طعام غيرهم من الكفار.
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ كثيرة أو وجوه المؤمنين يعنى أصحابها مبتداء وما بعد اخبار ناعِمَةٌ منتعمة ذات بهجة.
لِسَعْيِها فى الدنيا فى طاعة اللّه متعلق بقوله راضِيَةٌ فى الاخرة لما رأت ثوابها.
فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ المحل والقدر.
لا تَسْمَعُ قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء المضمومة على البناء للمفعول الواحد المذكر فِيها لاغِيَةً ط بالرفع على انه مسند إليه والتأنيث غير حقيقى وقرأ نافع ذلك الا انه قرأ لا تسمع بالتاء التأنيث المسند إليه والباقون بالتاء المفتوحة على البناء للفاعل والضمير للمؤنث راجع إلى وجوه أو للخطاب مع النبي صلعم والمخاطب غير معين وقرأ لاغية بالنصب على المفعولية يعنى لا تسمع لغوا أو باطلا أو كلمة ذات لغو المراد نفسا تلغوا فان كلام أهل الجنة للذكر والحكمة أخرج البيهقي فى هذه الآية قال لا تسمع صفة لجنة بعد صفة وكذا الجملة بعدها.
فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 251
لا يقطع جريانها والتنكير للتعظيم أخرج ابن حبان والحاكم والبيهقي والطبراني عن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلعم انهار الجنة تفجر من جبل مسك.(1/7029)
فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ رفيعة السمك والقدر أخرج البيهقي من طريق أبى طلحة عن ابن عباس فى قوله تعالى سرر مصفوفة واخرج احمد والترمذي وحسنه وابن ماجة عن أبى سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلعم فى قوله تعالى وفرش مرفوعة قال ما بين الفراشين كما بين السماء والأرض ولفظ الترمذي ارتفاعها كما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة قال الترمذي قال بعض أهل العلم فى تفسيره معناه ان الفرش فى الدرجات كما بين السماء والأرض أخرج ابن أبى الدنيا عن أبى امامة فى قوله تعالى وفرش مرفوعة قال لو ان أعلاها سقط ما بلغ أسفلها أربعين خريفا واخرج الطبراني عنه مرفوعا لو طرح منها فراش من أعلاها لهوى إلى قرارها مائة خريف قال البغوي قال ابن عباس الواح السرر من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت مرتفعة ما لم يجئ أهلها فاذ ا أراد ان يجلس عليها تواضعت له حتى يجلس عليها ثم يرتفع إلى مواضعها.
وَأَكْوابٌ جمع كوب أخرج هناد عن مجاهد قال التي ليست لها اذن يعنى لا عروة له مَوْضُوعَةٌ على حافة العيون معدة للشرب.
وَنَمارِقُ جمع نمرقة بالفتح والضم مَصْفُوفَةٌ بعضها إلى جنب بعضها أينما أراد ان يجلس جلس واستند.
وَزَرابِيُّ بسط عريضه فاخرة جمع زربية مَبْثُوثَةٌ ط مبسوطة أو متفرقة فى المجالس أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة قال لما نعت اللّه ما فى الجنة عجب من ذلك أهل الضلالة فكذبوه فأنزل اللّه تعالى.(1/7030)
أَ فَلا يَنْظُرُونَ قال صاحب المدارك لما انزل اللّه فيها سرر مرفوعة إلخ وفسره النبي صلعم بان ارتفاع السرائر كذا والأكواب الموضوعة لا تدخل فى حساب الخلق لكثرتها وطول النمارق كذا وعرض الزرابي كذا أنكر الكفار وقالوا كيف يصعد على تلك السرر وكيف يكثر الأكواب هذه الكثرة وطول النمارق هذا الطول وبسط الزرابي هذا الانبساط ولم تشاهد ذلك فى الدنيا قال اللّه تعالى أ فلا ينظرون نظر اعتبار الاستفهام للتوبيخ والفاء للعطف والمعطوف عليه محذوف تقديره أ تعجبون ويغفلون أ فلا ينظرون.
إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وقفه طويلة ثم يبرك لركوب ثم تقوم فكذا سرر يطأطأ للمومنين كما يطأطأ الإبل.
وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ رفعا بعيدا ونجومها تكثر هذه الكثيرة فلا يدخل فى حساب الخلق فكذا الأكواب.
وَإِلَى الْجِبالِ
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 252
كَيْفَ نُصِبَتْ وقفه راسخة لا تميل مع طولها فكذا النمارق.(1/7031)
وَ إِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ سطحا مستويا بساطا واحدا فكذا الزرابي ويجوز ان يكون المعنى أ فلا ينظرون إلى أنواع المخلوقات من البسائط والمركبات الشاهد على كمال قدرة الخالق فيستدلوا به على اقتداره على البعث فيسمعوا إلى اخبار مخبر الصادق الصدوق بشهادة المعجزات وليؤمنوا به ويستعدوا للغاية وتخصيص الإبل من المركبات والثلاثة من البسائط لان الخطاب للعرب والمراد انما يستدل به بما يكثر مشاهدته والعرب تكون فى البوادي ونظرهم فيها إلى السماء والأرض والجبال والإبل وكان الإبل أعز أموالهم وهم لها اكثر استعمالا منهم لسائر الحيوانات وهى تجمع جميع المآرب المطلوبة من الحيوان من النسل والدر والحمل والركب والأكل بخلاف غيرها فقال أ فلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت خلقا والأعلى كمال قدرته وحسن تدبيره حيث جعلها مع عظمها باركة للحمل ناهضة بالحمل منقادة لمن اقتادها طويلة الأعناق ليناول الأوراق من الأشجار ولترعى كل نابت ويحتمل العطش إلى عشرة فصاعدا ليتاتى بها قطع البوادي وقيل المراد بالإبل السحاب قال فى القاموس الإبل بكسرتين ويسكن بالمعروف السحاب الذي يحمل ماء المطر واللّه تعالى أعلم عن ابن عباس قال هل يقدر أحد ان يخلق مثل الإبل وليرفع مثل السماء وينصب مثل الجبال ويسطح مثل الأرض غبرى.
فَذَكِّرْ لهم بالادلة ليتفكروا فيها ولتهتم إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ تعليل التذكير أى ليس عليك ان لم ينظروا ولم يذكروا انما أنت عليك البلاغ.
لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ تأكيد لمضمون انما أنت مذكر قرأ هشام بمسيطر بالسين وحمزة بخلاف عنه فلاوين الصادة والباقون بالصاد خالصة أى لست بمسلط عليهم قايم وحافظ عليهم كما فى قوله تعالى لست عليهم بجبار.
إِلَّا مَنْ تَوَلَّى عن الايمان وكفر باللّه استثناء منقطع بمعنى لكن والخبر محذوف يعنى لكن من تولى منهم وَكَفَرَ فاللّه مسلط قاهر عليه.(1/7032)
فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ ط بالنار فى الاخرة وقيل استثناء متصل كأنَّه أوعد بالجهاد فى الدنيا وعذاب النار فى الاخرة وقيل استثناء متصل من الضمير المنصوب المحذوف فى قوله تعالى فذكر يعنى فذكرهم الا من تولى منهم وكفر واخر طلبه بحيث انقطع طمعك فى إيمانه وما بينهما اعراض.
إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ رجوعهم وتقديم الظرف لتشديد الوعيد يعنى ليس إيابهم الا إلى جبار قهار مقتدر على الانتقام.
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ ع فتحاسبهم ويجازيهم على حسب غلوهم فى الكفر وعلى فى الأصل للوجوب واستعير هاهنا لتأكيد الوعيد إذ لا يجب على اللّه شىء فان الوجوب ينافى الالوهية - واللّه تعالى أعلم .
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 253
سورة الفجر
مكيّة وهى ثلثون اية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَ الْفَجْرِ اقسم اللّه تعالى بالفجر أى انفجار صبح كل يوم كذا روى أبو صالح عن ابن عباس وهو قول عكرمة وقال عطية هو صلوة الفجر وقال قتادة هو أول فجر المحرم ينفجر منه السنة وقال الضحاك فجر أول يوم من ذى الحجة لأنه قرن به الليالى العشرة.(1/7033)
وَ لَيالٍ عَشْرٍ تنكير للتعظيم روى عن ابن عباس انها العشر الأول من ذى الحجة وهو قول قتادة ومجاهد والضحاك والسدى والكلبي عن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما من ايام أحب إلى اللّه ان يتعبد فيها من عشر ذى الحجة يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر رواه الترمذي وابن ماجة بسند ضعيف وقال أبو روق عن الضحاك هى العشر الأول من شهر رمضان وروى أبو ظبيان هى العشر الاخر من شهر رمضان وقد ذكرنا فضايل رمضان فى سورة البقرة وأيضا فى العشر الأخير ليلة القدر وسنذكرها فى سورة ليلة القدر إنشاء اللّه تعالى وقال ايمان بن رباب هى العشر الأول من المحرم التي عاشرها يوم عاشوراء عن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلعم أفضل الصيام بعد رمضان شهر اللّه المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلوة الليل رواه مسلم.
وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ قرأ حمزة والكسائي بكسر الواو والباقون بالفتح قيل الشفع الخلق قال اللّه تعالى وخلقناكم أزواجا والوتر الخالق الواحد روى ذلك عن أبى سعيد الخدري وهو قول عطية والعوفى وقال مجاهد ومسروق نحوه فقال الخلق كله شفع يعنى يقابل بعضها بعضا قال اللّه تعالى ومن كل شىء خلقنا زوجين الكفر والايمان والهدى والضلال والسعادة والشقاوة والليل والنهار والسماء والأرض والبر والبحر والشمس والقمر والجن والانس والذكر والأنثى والوتر هو اللّه أحد سئل أبو بكر عن الشفع والوتر قال الشفع تضاد أوصاف المخلوقين الحيوة والموت والعز والذل والعجز والقدرة والقوة والضعف والعلم والجهل والبصر والعمى والسمع وإليكم والكلام والسكوت والغنى والفقر والوتر انفراد صفات اللّه تعالى حيوة بلا موت وعز بلا ذل وقدرة بلا عجز
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 254(1/7034)
و قوة بلا ضعف وعلم بلا جهل وكلام بلا سكوت وغنا بلا فقر وقال الحسن وابن زيد الشفع والوتر الخلق كله شفع ومنه وتر وروى قتادة عن الحسن قال هو العدد منه شفع ومنه وتر قال هى الصلاة منها شفع ومنها وتر روى ملك عن ابن حصين مرفوعا رواه احمد والترمذي وعن عبد اللّه بن زبير الشفع النفر الأول من الحج والوتر النفر الثاني قال اللّه تعالى فمن تعجل فى يومين فلا اثم عليه وقال مقاتل بن حيان الشفع الأيام والليالى والوتر يوم القيمة لا ليلة لها وقال الحسن الشفع درجات الجنة الثمان والوتر درجات النار لانها سبع كأنَّه اقسم بالجنة والنار.
وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ إذا سار وذهب كما قال والليل إذا أدبر وقال قتادة إذا جاء واقبل وانما قيد بذلك لما فى التعاقب من قوة الدالة على كمال القدرة ووفور النعمة المراد يسرى فيه من قولهم صلى المقام بمعنى صلى فيه وأراد بالليل كل ليلة وقال مجاهد وعكرمة هى ليلة مزدلفة قرأ ابن كثير يسرى بإثبات الياء وصلا ووقفا لانها لام الفعل فلا يحذف منه وقرأ نافع وأبو عمرو بالياء وصلا وبالحذف وقفا والباقون بالحذف فى الحالين لوفاق روس الاى سئل الأخفش عن العلة فى سقوط الياء فقال الليل ما يسرى ولكن يسرى فيه فهو مصروف فلما صرف بحسبه صفة من الاعراب كقوله وما كانت أمك بغيا ولم يقل بغية لأنه صرف عنه باغية.
هَلْ فِي ذلِكَ أى فيما ذكرت قَسَمٌ التنكير للتعظيم مقنع ويكتفى فى القسم والاستفهام للتقرير والجملة الاستفهامية معترضة لتفخيم شأن المقسم به فانه من عجائب قدرة اللّه تعالى وبدايع حكمته لِذِي حِجْرٍ ص أى لذى عقل سمى العقل بذلك لأنه يحجر صاحبه عن القبائح وجواب القسم ان ربك لبالمرصاد وما بينهما اعتراض جيئ لتاكيد الجواب أو الجواب محذوف وهو لا هلكن هؤلاء الكفار ان لم يومنوا كما أهلكنا عاد أو ثمود يدل عليه ما بعده.(1/7035)
أَ لَمْ تَرَ استفهام لانكار النفي فهو للتقرير للاثبات وللتعجب والروية هنا لمعنى اليقين والجملة الاستفهامية بعده فى محل النصب بالمفعولية كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ كانوا أطول أعمارا وأشد قوى من هؤلاء الكفار يعنى اهلكهم وسلط عليهم ريحا دمرهم فكيف هؤلاء.
إِرَمَ بدل أو عطف بيان ومنع الصرف للعلمية والعجمية والتأنيث وانها اسم قبيلة من عاد كان فيهم الملك وكانوا يموت وكان فى الأصل اسما لابى قبيلة وهو ارم بن عاد بن سام بن نوح عليه السلام وقال محمد بن اسحق هو جدعاء وهو عاد بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام وعلى هذا التقرير عاد سبط ارم وقال الكلبي ارم هو الذي يجتمع إليه نسب عاد
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 255
و ثمود واهل السواد واهل الجزيرة كان يقال عاد ارم وثمود ارم فاهلك اللّه عادا ثم ثمود وبقي أهل السواد والجزيرة فعلى هذا الأقوال ارم اسم أمة قال مجاهد ثم وصف تلك الامه بقوله ذاتِ الْعِمادِ ص أى ذات العدد والطوال كذا قال ابن عباس يعنى كان طولهم مثل عماد قال مقاتل كان طولهم اثنى عشر ذراعا يعنى من ذراع النبي عليه السلام وقيل اكثر من ذلك وقيل سمى تلك الامة بذلك لانهم كانوا أهل اعمدة وخيام وماشية سيارة فى الربيع فإذا أباح العود رجعوا إلى منازلهم وكان أهل جنان وزروع ومنازلهم بوادي القرى وقيل سموا ذات عماد لبناء بعضهم فشدا عمدة ورفع بنائه يقال بناء شداد بن عاد على صفة لم يخلق فى الدنيا مثله وسار إليه فى قومه فلما كان منه على مسيرة يوم وليلة بعث اللّه عليه وعلى من معه صيحة من السماء فاهلكتهم جميعا وقال سعيد بن المسيب ارم ذات العماد بلدة يقال لها دمشق وقال القرطبي هى الاسكندرية فتقدير الكلام عاد أهل ارم ذات العماد أى ذات البناء الرفيع وأساطين.(1/7036)
الَّتِي صفة اخرى لارم سواء كانت بلدة أو قبيلة لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها أى مثل ذلك الامة فى القامة والقوة أو مثل تلك البلدة فى رفعة البناء والاستحكام والحسن إليها فِي الْبِلادِ وَثَمُودَ عطف على عاد الَّذِينَ جابُوا أى قطعوا الصَّخْرَ واحدتها صخرة وهى الحجر كانوا ينحتون بيوتا بِالْوادِ ص أى بواد القرى اثبت ياء الوادي فى الحالين البذي وكذا روى عن قنبل وفى الوصل فقط ورش وقنبل وحذف الباقون فى الحالين لموافقة روس الاى.
وَفِرْعَوْنَ عطف على ثمود ذِي الْأَوْتادِ ص قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرطبي أى ذى البناء المحكم وقيل المراد باوتاد الملك الشديد الثابت يقول العرب هم فى العز ثابت الأوتاد ويريدون الدائم الشديد وقال عطية ذى الجنود والجوع الكثيرة وسميت الجنود الأوتاد لكثرة المضار التي كانوا يضربونها ويرتدونها فى أسفارهم وهى رواية عطية عن ابن عباس وقال مقاتل والكلبي الأوتاد جمع الوتد وكانت له أوتاد يعذب الناس عليها فكان إذا غضب على أحد مده مستلقيا بين اربعة أوتاد وشد كل يدو كل رجل إلى سارية وتركه كذلك فى الهواء بين السماء والأرض حتى يموت وقال مجاهد ومقاتل بن حيان كان يمد الرجل مستلقيا على الأرض ثم يمديديه ورجليه على الأرض بالأوتاد وقال السدى كان يمد الرجل ويشده بالأوتاد ويرسل عليه العقارب والحيات وقال قتادة وعطاء كانت له أوتاد
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 256(1/7037)
و أرسان وملاعب يلعب عليها بين يدى روى البغوي بسنده عن ابن عباس ان فرعون سمى بذي الأوتاد لأنه كانت له امرأة وهى امرأة خازنه حزقيل وكان مؤمنا وكتم إيمانه مائة سنة وكانت امرأته ماشطة بنت فرعون فبينما هى ذات يوم يمشط رأس بنت فرعون إذ سقط للشطه من يدها فقالت تعس من كفر باللّه فقالت بنت فرعون وهل لك من اله غير أبى فقالت الهى واله أبيك واله السموات والأرض واحد لا شريك له فقامت ودخلت على أبيها وهى تبكى فقال ما يبكيك فقالت الماشطة امرأة خازنك تزعم ان إلهك والهها واله السموات والأرض واحد لا شريك له فارسل إليها فسألها عن ذلك فقالت يوعدينى سبعين شهرا ما كفرت باللّه وكانت لها ابنتان فجاء ابنتها الكبرى فذبحها على فيها وقال لها اكفر باللّه والا ذبحت الصغرى على فيك وكانت رضيعا فقالت لو ذبحت من على الأرض على فى ما كفرت باللّه عز وجل فاتى فلما أضجعت على صدرها وأرادوا ذبحها جزعت المرأة فاطلق اللّه لسان ابنتها فتكلمت وهى من الاربعة الذين تكلموا أطفالا فقالت يا أماه لا تجزعى فان اللّه قد بنى لك بيتا فى الجنة أميري فانك تفضين إلى رحمة اللّه وكرامته فذبحت فلم تلبث ان ماتت فاسكنها اللّه الجنة قال وبعث فى طلب زوجها حزقيل فلما تقدروا عليه فقيل لفرعون انه قد راى فى موضع كذا فى جبل كذا فبعث رجلين فى طلبه فلما انتهيا إليه وهو يصلى وثلثة صفوف من الوحوش خلفه يصلون فلما رأى ذلك انصرفا فقال حزقيل اللّهم كتمت إيماني مأية سنة ولم يظهر على أحد فايما هذين الرجلين اظهر علىّ فعجل عقوبته فى الدنيا واجعل مصيره فى الاخرة إلى النار فانصرف رجلان إلى فرعون فاما أحدهما فاعتبروا من واما الاخر فاخبر فرعون بالقصة على رؤس الملأ فقال وهل كان معك غيرك قال نعم فلان فدعا به فقال أحق ما يقول هذا قال لا ما رايت مما قال شيئا فاعطاه فرعون وأجزل واما الاخر فقتله ثم صلبه وكان فرعون قد تزوج امرأة من(1/7038)
أجمل نساء بنى إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاهم فرأت ما صنع فرعون بالماشطة فقالت كيف يسعنى ان اصبر على ما يأتي فرعون وانا مسلمة وهو كافر فبينما هى كذلك تؤامر نفسها إذ دخل عليها فرعون فجلس قريبا منها فقالت يا فرعون أنت اشر الخلق وأخبثه عمدت إلى الماشطة فقتلتها فقال فلعل بك الجنون الذي كان بها قالت ما بي جنون وان الهى والهها وإلهك واله السموات والأرض واحد لا شريك له فمزق عليها ثيابها وضربها وأرسل إلى أبويها فدعاهما فقال لهما الا تريان ان الجنون الذي كان بالماشطة أصابها قالت أعوذ باللّه
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 257
من ذلك انى اشهد ان ربى وربك رب السموات والأرض واحد لا شريك له فقال أبوها يا آسية الست من خير نساء عماليق وزوجك اله العماليق قالت أعوذ باللّه من ذلك ان كان ما تقول حقا فقولا له ان يتوجنى تاجا تكون الشمس امامه والقمر خلفه والكواكب حوله فقال لهما فرعون اخرجا عنى فمدها بين اربعة أوتاد يعذبها ففتح اللّه لها بابا إلى الجنة ليهون عليها ما يصنع بها فرعون فعند ذلك قالت رب ابن لى عندك بيتا فى الجنة ونجنى من فرعون وعمله فقبض اللّه روحها وأسكنها فى الجنة انتهى وامرأة فرعون هذا
هى التي منعت فرعون عن قتل موسى عليه السلام حين التقطه آل فرعون من اليم وقد ألقيها أمها بإذن ربها حين خافت القتل على موسى وذكر القصة فى سورة القصص وقالت امرأة فرعون قرة عين لى ولك عسى ان ينفعنا وقد نفعها اللّه به حيث امنت.
الَّذِينَ مجرور صفة للمذكورين أو منصوب على الذم أو مرفوع خبر مبتداء محذوف أى هم الذين طَغَوْا أى جاوزوا فى الحد والعصيان فِي الْبِلادِ متعلق بطغوا - .
فَأَكْثَرُوا عطف على طغوا فِيهَا أى فى البلاد الْفَسادَ بالكفر والظلم.(1/7039)
فَصَبَّ عطف على طغوا والفاء للسببية عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ أى عذابا مختلطا بعضها ببعض فهى اضافة صفة إلى موصوفها كاخلاق ثياب واصل السوط الخلط ومنه يقال ال سوط للحد لكونه مخلوط الطاقات بعضها ببعض وشبه بالسوط ما حل بهم فى الدنيا من العذاب اشعارا بانه بالقياس إلى ما أعد لهم فى الاخرة من العذاب كالسوط إذا قبس بالسيف وقال قتادة يعنى سوطا من العذاب صبه عليهم وقال أهل المعاني هذا على الاستعارة لان السوط عندهم غاية العذاب فالمعنى انه دفع العذاب بهم على ابلغ الوجوه دفعة واحدة كما يشير به الصب.
إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ ط جواب للقسم أو مقرر بجواب محذوف والمرصاد المكان الذي يترقب فيه الرصد وكونه بالمرصاد كناية من انه تعالى يريد من العباد الطاعة والسمع لاجل الاخرة فيترصد أعمالهم ويحيط علمه بها بحيث لا يفوته شىء منها كما لا يفوت ممن يرصد فى المرصاد من يمر بها يجازيهم عليها والإنسان غافل عن ذلك لابيهم الا لدنيا ولذاتها ولذلك عطف عليه قوله.
فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ أى امتحنه بالغنى واليسرى حتى يظهر انه يشكر المنعم أو يكفر والظرف متعلق بيقول فَأَكْرَمَهُ فى الدنيا بالجاه وَنَعَّمَهُ بالأموال والأزواج
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 258
و الأولاد وغير ذلك بيان للابتلاء فَيَقُولُ اخبر للانسان والفاء بمعنى الشرط فى افادته معلولية القول رَبِّي قرأ الكوفيون وابن عامر بسكون الياء والباقون بالفتح وكذا فى ربى أهانن أَكْرَمَنِ ط أى فضلنى بما أعطني اثبت الياء فى أكرمني وأهانني يعقوب والبزي وصلا ووقفا ونافع فى الوصل فقط وجر فيها أبو عمرو قياس قوله فى رؤس الآي يوجب حذفها فى الحالين قال أبو عمر الدالاني بذلك قرأت وبه أخذوا والباقون حذفها فى الحالين.(1/7040)
وَ أَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ أى امتحنه بالفقر حتى يظهر انه يصبر ويرجع إلى اللّه تعالى أو يحزع ويكفر من غير رجوع إليه تعالى فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ قرأ ابن عامر وأبو جعفر قدر بالتشديد والباقون بالتخفيف فقيل اولى بمعنى قتر والثاني بمعنى أعطاه ما يكفيه وقيل معناهما واحد أى ضيق ولم يقل هاهنا اهانه وقدر عليه رزقه كما قال هناك فاكرمه ونعمه لان توسعته المال فى الدنيا تفضل يوجب الشكر وقد يكون موجبا للاكرام فى الاخرة أيضا عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلعم لا حسد الأعلى اثنين رجل أتاه اللّه القرآن فهو يقوم به اناء الليل واناء النهار ورجل أتاه مالا فهو ينفق منه اناء الليل واناء النهار متفق عليه واما التقتير فلا يكون اهانة فقط فَيَقُولُ الإنسان رَبِّي أَهانَنِ ويقول ذلك لقصور نظره على الدنيا وانهماكه فيها قال الكلبي ومقاتل نزلت فى امية ابن خلف الجمحي الكافر واللّه تعالى أعلم .(1/7041)
كَلَّا أى ليس الأمر كما يقول فان الغنى والنعماء الدنيوية قد يكون استدراجا من اللّه إذا لم يقترن بالشكر بل مع الشكر أيضا لا تقبل عند اللّه للغنى الشاكر على الفقير الصابر عند مصعب بن سعد قال راى سعد ان له فضلا على من دونه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هل تنصرون وترزقون الا بضعفائكم رواه البخاري وعن عبد اللّه بن عمر قال قال رسول اللّه صلعم ان فقراء المهاجرين اسبقون الأغنياء يوم القيمة إلى الجنة بأربعين خريفا رواه مسلم وعن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلعم يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام ونصف يوم رواه الترمذي والفقر والضعف إذا اقترن بالصبر والرضا يكون نعمة لا اهانة عن قتادة بن النعمان ان رسول اللّه صلعم قال إذا أحب اللّه عبدا حماه الدنيا كما بطل أحدكم تحمى سقيمه الماء رواه احمد والترمذي وفى الباب أحاديث كثيرة بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ بالنفقة ولا تحبون إليه مع ان اللّه تعالى
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 259
أكرمكم بالغنى وقيل لا تعطونه حقه عطف على يقولون يعنى بل قولهم دال على انهماكهم فى الدنيا حيث لا يكرمون اليتيم قال مقاتل كان قدامة بن مظعون يتيما فى حجر امية بن خلف فكان يدفعه عنه حقه قرأ أبو عمرو لا يكرمون ولا يحضون ويأكلون ويحبون بالياء على الغيبة والضمير راجع إلى الإنسان نظرا إلى معناه الجمعى من حيث كونه جنسا وما سبق من الضمائر المفردة راجع إليه نظرا إلى لفظه والباقون الافعال الاربعة بالتاء الخطاب إليهم على سبيل الالتفات.
وَلا تَحَاضُّونَ قرأ الكوفيون بالألف بعد الحاء من التفاعل بحذف أحد التاءين أى لا يحض بعضكم بعضا والباقون بغير الالف أى لا تحضون غيركم عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ فضلا ان تطعموا من أموالكم.(1/7042)
وَ تَأْكُلُونَ التُّراثَ أى الميراث أصله الوارث أَكْلًا لَمًّا أى ذا لم أى جمع بين الحلال والحرام كانوا يأكلون مع أبضاعهم ابضاع ضعفاء من النساء والصبيان قال ابن زيد الاكل اللم الذي يأكل شيئا يجده لا يسال عنه إحلال أم حرام وقيل يأكلون ما جمعه المورث من حلال وحرام عالمين بذلك.
وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا أى كثيرا مع حرص وشره.
كَلَّا ردع عما يفعلون وقال مقاتل أى لا يفعلون ما أمروا به أو هو بمعنى حقا تحقيقا لما يذكر بعده من الوعيد ويخبر عنه تحسرهم حين لا ينفعهم الحسرة إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا أى زلزالا بعد زلزال حتى تنكسر ما عليها من الجبال والأشجار والابنية وصارت هباء منبثا.
وَجاءَ رَبُّكَ عطف على دكت وهى من المتشابهات وقد ذكرنا ما فيها من القول السلف والخلف واصحاب القلوب فى سورة البقرة فى قوله تعالى ان يأتيهم اللّه فى ظلل من الغمام وَالْمَلَكُ اللام للجنس أى وجاءت الملائكة صَفًّا صَفًّا ج حال من الملك أى جاؤا يصفون صفا بعد صف أخرج ابن جرير وابن المبارك عن الضحاك قال إذا كان يوم القيامة امر اللّه سبحانه السماء الدنيا فنشققت باهلها فتكون الملائكة على حافاتها حين يأمرهم الرب فينزلون فيحيطون بالأرض ومن عليها ثم الثانية ثم الرابعة ثم الخامسة ثم السادسة ثم السابعة فصفوا صفا دون صف ثم ينزل الملك الا على بجنبه اليسرى جهنم فإذا أراها أهل الأرض فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض الا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة فرجعوا إلى مكان الذي كانوا فيه وذلك قوله تعالى انى أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين الآية وذلك قوله تعالى وجاء ربك والملك صفا صفا وجئ يومئذ بجهنم وقوله تعالى يا معشر
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 260(1/7043)
الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من أقطار السموات والأرض الآية قوله تعالى وانشقت السماء فهى يومئذ واهية والملك على أرجائها يعنى ما تشقق منها فبينما كذلك إذ سمعوا الصوت فأقبلوا إلى الحساب.
وَجِي ءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ عطف على جاء أخرج مسلم والترمذي عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلعم يوتى بجهنم يومئذ لها سبعون الف زمام مع كل زمام سبعون الف ملك يجرونها واخرج ابن وهب فى كتاب الأهوال عن زيد بن اسلم قال اتى جبرئيل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم لتكسر الطرف فساله على رضى اللّه عنه فقال أتاني جبرئيل فقال لى كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِي ءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ بما تقاد سبعين الف زمام تقاد سبعين الف ملك فبينما هم إذا خردت انفلتت من أيديهم فلو لا انهم أدركوها لاحرقت من فى الجمع فاخذوها قال القرطبي يجاء بها من المحل الذي خلقها اللّه فيه فيدار بأرض الحشر لا يبقى للجنة طريق الا الصراط واخرج أبو نعيم عن كعب قال إذا كان يوم القيامة فنزلت الملائكة فصاروا صفوفا فيقول اللّه لجبرئيل ايت بجهنم فياتى بها تقاد سبعين زماما حتى إذا كانت من الخلائق على قدر مأية عام زفرت طارت بها افئدة الخلائق ثم زفرت الثانية فلا يبقى ملك مقرب ولا نبى مرسل إلا جثى لركبته ثم تزفر الثالثة فبلغ القلوب الحناجر وتزيل العقول فيفزع كل امرؤ عمله حتى ابراهيم يقول بخلتي لا أسئلك الا نفسى ويقول موسى بمناجاتي لا أسألك الا نفسى وقال عيسى بما أكرمني لا أسألك الا نفسى ولا أسألك مريم التي ولدتني ومحمد صلى اللّه عليه وسلم يقول أمتي أمتي لا أسئلك اليوم نفسى فيجيب جل جلاله ان الأولياء من أمتك لا حوف عليهم ولا هم يحزنون فو عزتى لا قرن عينيك فى أمتك فقم تقف الملائكة بين يدى اللّه ينتظرون ما يومرون يَوْمَئِذٍ بدل من إذا دكت أى يوم إذا دكت الأرض وجئ(1/7044)
بجهنم والعامل يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ الكافر الذي قال ربى أكرمن ربى أهانن على سراء الدنيا وضرائها جزاء بمعنى الشرط فى الظرف أى يتذكر معاضيه بتعظ ويتوب وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى ط استفهام للانكار أى ليس له منفعة الذكر فان من شرط قبول التوبة الايمان بالغيب.
يَقُولُ ذلك الإنسان تحسرا جملة مستانفة كأنَّه فى جواب فما يصنع حين يتذكر يا لَيْتَنِي يعنى يقول يا ليتنى
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 261
قَدَّمْتُ فى الدنيا أعمالا صالحا لِحَياتِي ج التي لا ينطلق إليها الموت أو اللام بمعنى الوقت والمعنى يا ليتنى قدمت الأعمال الصالحة وقت حياتى فى الدنيا.
فَيَوْمَئِذٍ عطف على يومئذ السابق والظرف متعلق بما بعده لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ منصوب بنزع الخافض أى كعذابه وكذا وثاقه أحد أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ قرأ الكسائي ويعقوب لا يعذب ولا يوثق بفتح العين على البناء للمفعول أى لا يعذب أحد من الناس يعنى عصاة المؤمنين كعذاب ذلك الإنسان أى الكافر ان كان المراد بالأمم الجنس أو المعنى لا يعذب أحد كعذاب ذلك الإنسان المعهود وهو امية بن خلف ولا يوثق أحد فى السلاسل والاغلال كوثاقه والباقون بكسر العين فيهما على البناء للفاعل وحينئذ الضمير المجرور فى عذابه ووثاقه اما راجع إلى اللّه سبحانه والاضافة إلى الفاعل أى لا يتولى عذاب اللّه ووثاقه يوم القيمة أحد سواه والأمر يومئذ كله للّه أى والإنسان الكافر والاضافة أى المفعول أى لا يعذب أحد من الزبانية مثل ما يعذبونه أحدا وعلى هذا التأويلات يومئذ متعلق بلا يعذب ولا يوثق على سبيل التنازع والمعنى لا يعذب أحد أحدا من الأزل إلى الابد كعذاب اللّه يومئذ ولا يوثق أحد أحدا من الأزل إلى الابد كوثاق اللّه يومئذ فيومئذ وحينئذ متعلق بالمصدر أى عذابه وثاقه.(1/7045)
يا أَيَّتُهَا بتقدير يقال جملة مستانفة كأنَّه فى جواب السائل انما ذكر شان الكفر فما شان المؤمن فقال وتقديره يقال للمومنين يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ فى ذكر اللّه تعالى وطاعته كما تطمئن السمكة فى الماء وذلك الاطمينان لا يتصور الا بعد زوال صفاتها الرذائل الموجبة لكونه امارة بالسوء وزوال تلك الصفات لا يمكن الا بتجليات صفات اللّه الحميدة الحسناء وفنائها فيها وبقائها فتصير حينئذ مومنة ايمانا حقيقيا كما ان الكلب لا يمكن طهارته الا بوقوعه فى الملح وفنائه فيها وبقائه بصفات الملح حتى يصير حلالا طيبا.
ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ أى إلى ذات البحت بلا حجب الأسماء والصفات راضِيَةً باللّه ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا وبما قدر اللّه لها حال من فاعل ارجعي قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذاق طعم الايمان من رضى باللّه ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا متفق عليه وذاق طعم الايمان المراد به
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 262(1/7046)
هو الايمان الحقيقي مَرْضِيَّةً ج فان رضا العبد باللّه موجب لرضاء اللّه سبحانه عنه بل رضاء العبد اثر لرضائه تعالى ودليل عليه قال الحسن إذا أراد اللّه قبضها اطمأنت ورضيت عن اللّه ورضى اللّه عنها عن عبادة بن الصامت قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أحب لقاء اللّه أحب اللّه لقائه ومن كره لقاء اللّه كره اللّه لقائه فقالت عائشة أو بعض أزواجه انا نكره الموت فقال ليس ذلك ولكن المؤمن إذا حضره الموت يبشر برضوان اللّه وكرامته فليس شىء أحب إليه مما امامه فاحب لقاء اللّه فاحب اللّه لقاءه واما الكافر إذا حضره الموت يبشر بعذاب اللّه وعقوبته فليس شىء اكره إليه مما امامه فكره لقاء اللّه وكره اللّه لقائه متفق عليه وفى رواية عائشة والموت قبل لقاء اللّه وعن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلعم إذا حضر المؤمن الموت أتت ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فيقولون اخرجى راضية مرضية عنك إلى روح اللّه وريحانه ورب غير غضبان فيخرج كاطيب ريح المسك حتى انه ليناوله بعضه بعضا حتى يأتوا به أبواب السماء فيقولون ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض فياتون به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحا به من أحدكم بغائب يقدم عليه فيسئلوا ماذا فعل فلان فيقول دعوه فانه كان فى غم الدنيا فيقول قد مات اما أتاكم فيقولون قد ذهب به إلى امه الهاوية وان الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسح فيقولون اخرجى ساخطة مسخوطا إليك أى عذاب اللّه عز وجل فتخرج كانتن ريح جيفة حتى يأتون به إلى باب الأرض فيقولون ما أنتن هذه الريح حتى يأتون به أرواح الكفار رواه احمد والنسائي وفى رواية ابن ماجة نحوه وفيه ثم يعرج بها أى بالمؤمنة إلى السماء فيفتح لها فيقال مرحبا بالنفس الطيبة كانت فى الجسد الطيب الحديث وقال فى النفس الكافر ثم يعرج بها إلى السماء فيقال لا مرحبا بالنفس الخبيثة كانت فى الجسد الخبيث ارجعي ذميمة فانها لا يفتح لك(1/7047)
أبواب السماء ثم ترسل من السماء ثم يصير إلى القبور وفى الباب أحاديث كثيرة واختلفوا فى وقت هذا المقالة فقال قوم يقال لها ذلك عند الموت كما دلت عليه الأحاديث وقال أبو صالح فى قوله ارجعي إلى ربك راضية مرضية قال هذا عند خروجها من الدنيا فإذا كان يوم القيمة قيل فادخلى فى عبادى وادخلى جنتى وقال آخرون انها يقال لها ذلك عند البعث ارجعي
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 263
الى ربك وادخلى فى أجساد عبادى يعنى جسدك فيامر اللّه تعالى الأرواح ان ترجعى إلى الأجساد وهذا قول عكرمة وعطاء والضحاك ورواية العوفى عن ابن عباس وقال الحسن معناه ارجعي إلى ثواب ربك وكرامة راضية من اللّه تعالى بما أعد اللّه مرضية رضى عنها ربها فادخلى فى عبادى أى مع عبادى جنتى قلت سياق الآية يؤيد هذا القول يعنى انها يقال عند البعث لان اللّه ذكر حال الكفار عند البعث بقوله فيومئذ لا يعذب عذابه إلخ فكذلك ذكر ما يقال للمؤمنين يومئذ والأحاديث المذكورة يؤيد القول الأول والجمع بينهما انه يقال فى الوقتين جميعا عند الموت وعند البعث بل التحقيق ان استحقاق هذا الخطاب يحصل للنفس فى الدنيا حصول الاطمينان فيقال لها ارجعي إلى ربك أى مدارج قربه وتجلياته الذاتية راضية مرضية.
فَادْخُلِي فِي عِبادِي أى فى جملة عبادى الصالحين الذين سال سليمان عليه السلام الدخول فيهم فقال وأدخلني برحمتك فى عبادك الصالحين وسال يوسف عليه السلام اللحوق بهم حيث قال توفنى مسلما والحقنى بالصالحين وقال اللّه تعالى فيهم لابليس ان عبادى ليس لك عليهم سلطان والفاء فى فادخلى للسببية فان اطمينان النفس وكونها راضية مرضية سبب لخلوص العبودية للّه سبحانه وذلك رقبة عن رقبة الالهية الباطلة الهوائية ووساوس الخناسية قال اللّه تعالى أ فمن اتخذ الهه هواه وقال رسول اللّه صلعم نفس عبد الدينار والدراهم والقطيفة والخميسة الحديث.(1/7048)
وَ ادْخُلِي جَنَّتِي ع اضافة الجنة إلى اللّه سبحانه يقتضى خصوصا تلك الجنة من بين الجنات كما لا يخفى قال البغوي قال سعيد بن جبير مات ابن عباس بالطائف فشهدت جنازته فجاء طاير لم ير على خلقه فدخل نعشه ثم لم نر خارجا منه فلما دفن تليت هذه الآية على شعير القبر لم يدر من تلاها يايّتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلى فى عبادى وادخلى جنتى واخرج ابن أبى حاتم عن بريدة فى قوله تعالى يايتها النفس المطمئنة إلخ قالت نزلت فى حمزة رضى اللّه عنه واخرج من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس ان النبي صلى اللّه عليه واله وسلم قال من اشترى هذه الامة يستعذب بها غفر اللّه له فاشتر بها عثمان يايتها النفس المطمئنة الآية (فائده) قال بعض الصوفية تاويل هذه الآية يايتها النفس المطمئنة إلى الدنيا ارجعي إلى ربك بترك الدنيا والسلوك إليه فى الطريق الصوفية - واللّه تعالى أعلم .
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 264
سورة البلد
مكيّة وهى عشرون اية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لا زايد لتاكيد القسم اشارة إلى وضوح المقسم بحيث استغنى عن القسم أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ يعنى مكة.(1/7049)
وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ الجملة حال من المقسم به اقسم اللّه سبحانه بمكة مقيدا بحلوله صلى اللّه عليه واله وسلم اظهار المزيد فضائلها بشرف المتمكن على فضل لها فى نفسها قال رسول اللّه صلعم لمكة ما اطيبك من بلد وأحبك إلى اللّه ولو لا ان قومى أخرجوني منك ما سكنت غيرك رواه الترمذي عن ابن عباس وقال حديث حسن صحيح غريب اسنادا وكذا روى الترمذي وابن ماجة عن عبد اللّه بن عدى بلفظ واللّه انك لخير ارض اللّه وأحب ارض اللّه إلى اللّه ولو لا انى أخرجت منك ما خرجت وقيل معنى مستحل لاخراجك فيه كما يستحل تعرض الصيد فى غيرها والجملة معترضة لذم الكفار بهذا البلد فيستحلون اخراجك وقتلك فان اللّه سبحانه اقسم بمكة إظهارا لتحريمها وشرفها ثم قال وأنت مستحل فى زعم الكفار بهذا البلد فيستحلون اخراجك وقتلك مع انهم يحرمون قتل الصيد فيها وقيل معناه وأنت حلال ان تصنع فيه ما تريد من قتل واسر ليس عليك ما على الناس فيه من الإثم فهو وعد بما أحل اللّه له مكة يوم الفتح حتى قاتل فيه وامر بقتل عبد اللّه بن حنظل وهو متعلق بأستار الكعبة ومقيس بن خبابة وغيرهما قال رسول اللّه صلعم يوم فتح مكة ان هذا البلد حرمه اللّه يوم خلق اللّه السموات والأرض فهو حرام بحرمة اللّه تعالى إلى يوم القيمة وانه لن يحل القتال فيه لاحد قبلى ولم يحل لى الا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة اللّه إلى يوم القيمة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقيطه الا من عرفها ولا يختلا خلاها الحديث متفق عليه.
وَوالِدٍ عطف على بلد والمراد آدم وابراهيم عليهما السلام أو أى والد كان وَما وَلَدَ ذريته آدم عليه السلام أو الأنبياء من أولاد ابراهيم عليه السلام أو محمد صلى اللّه عليه واله وسلم
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 265
و التنكير للتعظيم وإيثار ما على من لمعنى التعجب كما فى قوله واللّه اعلم بما وضعت وجواب القسم.(1/7050)
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ اللام للجنس أو للعهد على ما قيل انها نزلت فى أبى الأشر اسمه أسيد بن كلدة بن حج وكان شديدا قويا يصنع الأديم العكاظي تحت قدميه فيقول من ازالنى عنه فله كذا وكذا فلا يطاق ان ينزع من تحت قدميه الا قطعا ويبقى موضع قدميه فِي كَبَدٍ على تقدير كون المراد من الإنسان الجنس فالمراد من كبد النصب والمشقة كذا روى عن ابن عباس وقتادة قال عطاء عن ابن عباس فى شدة حمله وولايته ورضاعته وقطامه ومعاشه وحيوته وموته وقال عمرو بن دينار منه نبات أسنانه قلت وما ذكر من المكابد يشارك فيها الإنسان وغيره من الحيوانات فتخصيصه بالذكر لاجل عقله وشعوره فان مشقة تحمل المكايد مع كمال الشعور أشد منها ما كان وعندى ان المراد بالمكابد حمل ميثاق الامانة التي أبى عن تحملها السموات والأرض والجبال وحملها الإنسان انه كان ظلوما جهولا فان ادى ما وجب فاز ويتوب اللّه على المؤمنين والمؤمنات وان صبها تردى فى مكابد الاخرة ليعذب اللّه المنافقين والمنافقات والكافرين والكافرات فعلى هذا النظير الآية فى المعنى قوله تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون وفيه تسلية للنبى صلى اللّه عليه وسلم على تحمل المكابد من قومه فيما وجد عليه من التبليغ وقال مقاتل بناء على نزول الآية فى أبى الأشد ان معنى فى كبد فى قوة وشدة.(1/7051)
أَ يَحْسَبُ الضمير راجع إلى الإنسان والاستفهام للانكار والتوبيخ فان كان المراد بانسان المعهود يعنى أبى الأشد فظاهر ان اللّه سبحانه أنكر على اغتراره وبقوله وان كان المراد به الجنس فالضمير راجع إليه باعتبار بعض افراده وهو الذي كان النبي صلى اللّه عليه وسلم فى كبد منه اكثر من غيره وهو أبو الأشد وقيل الوليد بن مغيرة أَنْ لَنْ يَقْدِرَ ان مخففة من المثقلة اسمها ضمير الشان محذوف والجملة قائمة مقام المفعولين ليحسب عَلَيْهِ أَحَدٌ نكرة موضع النفي للعموم كان أبو الأشد يزعم انه لا يقدر عليه ملائكة العذاب أو المراد به الأحد الصمد يعنى أ يحسب أبو الأشد انه لا يقدر عليه اللّه الذي خلقه بهذه القوة فلا ينتقم منه.
يَقُولُ ذلك الإنسان حال من فاعل يحسب ومقولة القول أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً ط أى كثرا جمع لبدة وهى ما تلبد وكثر واجتمع لعله كان يذكر كثرة إنفاقه مفاخرة ورياء أو بعد ما أنفق فى معادات النبي صلعم حتى يعترف بفضله كفار قريش
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 266
أعدائه صلى اللّه عليه وسلم.
أَ يَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ بل اللّه سبحانه يراه حين أنفق رياء وفى معادات النبي صلى اللّه عليه وسلم فيسأل من اين اكتسبه واين أنفقه فيجازيه وينتقم منه كذا قال سعيد بن جبير وقتادة وقال الكلبي انه كان كاذبا فى افتخاره وقوله أنفقت كذا وكذا لم يكن أنفق جميع ما قال وهذه الجملة بعد قوله أ يحسب ان لن يقدر عليه أحد تأكيد التوبيخ والإنكار بمنزل النكير ثم عد اللّه سبحانه نعمه ليقره وليكون دليلا وتقريرا على كون اللّه سبحانه مقتدرا على انتقامه فقال.
أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ يبصر بهما.(1/7052)
وَ لِساناً يتكلم به وَشَفَتَيْنِ ليستر بهما فاه ويستعين بهما على النطق والاكل والشرب والنفخ قال البغوي جاء فى الحديث ان اللّه عز وجل يقول ابن آدم ان نازعك لسانك فيما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فاطبق وان نازعك بصرك على ما حرمت عليك فقد امنتك عليه بطبقتين فاطبق وان نازعك فرجك أى ما حرمت عليك فقد أعنتك بطبقتين فاطبق.
وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ج يعنى الثديين كذا روى محمد بن كعب عن ابن عباس وهو قول سعيد بن المسيب والضحاك وقال اكثر المفسرين طريقى الخير والشر والحق والباطل والهدى والضلال يعنى أظهرنا له الخير من الشر بايجاد العقل فيه وإرسال الرسل فمن ضل واختار طريق الشر بعد ذلك فلا عذر له.
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ قيل لا هاهنا ليس على معناها فانها لا تدخل على الماضي الا مكررا فهى بمعنى هلا والمعنى فهلا اقتحم العقبة بانفاق ماله فيما يجوز به العقبة من الطاعات فيكون خيرا له من إنفاقه فى عداوة النبي صلى اللّه عليه وسلم والجملة معطوف يقال أهلكت مالا لبدا وقيل هاهنا تكرار تقدير التعدد معنى العقبة فكان تقديره فلا فك رقبة ولا اطعم مسكينا ولا كان من الذين أمنوا فلا هاهنا بمعناها والجملة معطوف على جواب القسم يعنى لقد خلقنا الإنسان فى كبد التكليفات فلا اقتحم ما كلف به دكان عليه الاقتحام وإتيان ما خلق لاجله أو معطوفة على مضمون الم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين فلا اقتحم العقبة بإتيان الطاعات حتى يكون شكر النعم وصرفا للنعمة فيما ينبغى والعقبة فى الأصل الطريق فى الجبل استعير هاهنا لمشاق التكاليف واقتحامها الدخول فيها وهذا معنى قول قتادة وقيل اقتحامها التجاوز عنها والخروج من عهدة ما وجب عليه فانه شبه ثقل الذنوب على مرتكبها واشتغال الذمة بالواجبات بالغفلة فإذا أعتق رقبة أو اطعم مسكينا يزكوة ماله كان كمن
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 267(1/7053)
اقتحمها وجاوز عنها روى عن ابن عمران هذه العقبة جبل فى جهنم وقال الحسن وقتادة عقبة شديدة فى النار دون الجسر فاقتحموها بطاعة اللّه وقال مجاهد بطاعة اللّه وقال المجاهد والضحاك والكلبي هى الصراط على جهنم كحد السيف مسيرة ثلثة آلاف سنة سهلا وصعودا وهبوطا وان لجنبيه كلاليب وخطاطيف كانها شوك السعدان فناج مسلم وناج مخدوش ومكدوس فى النار منكوس فمنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالريح العاصف ومنهم من يمر كالفارس ومنهم من يمر كالراجل ومنهم من يزحف ومنهم كالزالون ومنهم من يكردس فى النار فقال ابن زيد يقول فهلا يسلك الطريق التي فيه النجاة ثم بين ما هى فقال ما أدريك.
وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ ط فانك لم تدر صعوبتها على النفس وكثرة ثوابها وقال سفيان ابن عيينة كل شىء قال وما أدريك فانه اخبر به وما قال وما يدريك فانه لم يخبر به انتهى فان كان المراد بالعقبة الطاعات فلا حاجة إلى التقدير وان كان المراد به ثقل الذنوب فالتقدير ما أدريك ما اقتحام العقبة والخروج عنها.(1/7054)
فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ قرأ ابن كثير وأبو عمرو الكسائي فك بفتح الكاف على الماضي ورقبة بالنصب على المفعولية واطعم بفتح الهمزة على الماضي بناء على انه بدل من اقتحم أو بيان له وما أدريك ما العقبة اعتراض والباقون بضم الكاف ورقبة بالجر على الاضافة واطعام بالتنوين على المصدر بناء على انه خبر مبتداء محذوف أى هى فك رقبة والمراد بفك الرقبة أعم من الإعتاق ومن ان يعين فى ثمنها يريد عتقها أو يعين المكاتب أو معتق البعض فى فك رقبتها عن البراء بن عازب قال جاء أعرابي إلى النبي صلعم فقال علمنى عملا يدخلنى الجنة قال لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة أعتق النسمة وفك الرقبة قال أو ليسا واحد قال لاعتق النسمة ان تفرد بعتقها وفك الرقبة ان تعين فى ثمها والمنحة الوكوف والفيء على ذى الرحم الظالم فان لم تطق ذلك فاطعم الجائع واسق الظمآن وامر بالمعروف وانه عن المنكر فان لم تطق ذلك فكف لسانك الا من خير رواه البيهقي فى شعب الايمان عن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلعم من أعتق رقبة مسلمة أعتق اللّه بدل عضو منه عضوا من النار حتى فرجه بفرجه متفق عليه وقال عكرمة قوله فك رقبة يعنى من الذنوب بالتوبة.
فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ.
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 268
أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ المسغبة والمتربة والمقربة مفعلات من مسغب إذا جاع وقرب فى النسب والترب إذا أفقر أى التصق بالتراب بشدة الحاجة ووصف اليوم لمسغبة مجازى والظرف متعلق باطعام وانتصب على المفعولية يتيما ومسكينا.
ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا عطف على اقتحم أو فك وعطفه بثم لتباعد الايمان عن العتق والإطعام بالرتبة واستقلاله واشتراط الطاعات به وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ عن المعاصي وعلى الطاعة والمصائب وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ عباد اللّه أو بموجبات رحمة اللّه.(1/7055)
أُولئِكَ اشارة الموصوفين بتلك الأوصاف أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ط أى اصحاب اليمين والبركة فى أنفسهم والجملة مستانفة كأنَّه فى جواب ما شان من اقتحم.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا الذي نصبنا دلايل على الحق من كتاب وحجة أو بالقران هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ أى اصحاب الشمال أو الشوم والتكرير ذكر المؤمنين بالاشارة والكفار بالضمير الشان لا يخفى.
عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ مطبقة من أوصدت الباب إذا طبق أو اغلق قرأ حفص وأبو عمرو حمزة وهناد فى سورة الهمز بالهمزة وهمزة إذا وقف أبدلها واوا والباقون بغير همزة وهما لغتان - واللّه تعالى أعلم .
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 269
سورة الشمس
مكيّة وهى خمس عشرة اية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَ الشَّمْسِ وَضُحاها قال مجاهد والكلبي يعنى ضوءها حين تطلع الشمس فيصفوا ضوئها وقال قتادة هو النهار كله وقال مقاتل حرها فى القاموس الضحية كالعشية ارتفاع النهار والضحى ويذكر ويصغر ضحيها بلا هاء والضحاء بالمد إذ اقرب انتصاب النهار.
وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها أى تبع طلوعه طلوع الشمس وذلك فى النصف الأول من الشهر أو تبع طلوعه غروب الشمس أو تبع فى الاستدارة وكمال النور كذا قال الزجاج وكلا الامرين فى الليالى البيض.
وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها اسناد التجلية إلى النهار مجازى كما فى صام نهاره والضمير المنصوب اما عايد إلى الشمس فانها تتجلى إذا انبسط النهار واما إلى غير مذكور يعنى جلية الظلمة أو الأرض والدنيا.(1/7056)
وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها يعنى يغشى الشمس أو الآفاق أو الأرض والظروف اعنى إذا تليها وإذا جلّها وإذا يغشيها متعلقة بفعل القسم عند الجمهور وقال فى البحر المواج لا يجوز ذلك فان الاقسام ليس فى تلك الأوقات وأيضا لا يجوز ان يكون صفة للقمر والنهار والليل فان ظرف الزمان لا يكون صفة لامر حسى فتاويله ان يقال بحذف المضاف وتقديره وانجلاء القمر إذا تليها أى وقت تبيعتها للشمس وحصول النهار إذا جلّيها أى وقت تجلية الشمس وحدوث الليل إذا يغشيها أى وقت غشيانها فالظرف اما صفة للمضاف فانه اسم معنى أو متعلق به ويحتمل ان يقال ان إذا هاهنا بمعنى الوقت من غير الظرفية على طريقة إذا يقوم زيد إذا يقعد عمرو فيكون حينئذ بدل اشتمال مما قبله فيكون مقسما به.
وَالسَّماءِ وَما بَناها ومن بنيها وهو اللّه سبحانه كذا قال عطاء والكلبي لا يقال يلزم حينئذ اساءة الأدب بتقديم القسم لغير اللّه تعالى على القسم بدلا نقول فيه ترق من الأدنى إلى الأعلى وذلك هو الأدب واوثرت ما على الارادة معنى الوصفية كأنَّه قيل والشيء القادر الذي بناها ودل على وجوده كمال قدرته بناءها وقال الزجاج والفراء ما مصدرية أى وبناها وكذا الكلام فى قوله.
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 270
وَ الْأَرْضِ وَما طَحاها أى بسطها وكذا الكلام فى.
وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها أى عدل خلقها وسوى بقضائها على ما يقتضيها الحكمة قال البيضاوي تبعا لصاحب الكشاف جعل ما مصدرية تجرد الفعل عن الفاعل ويخيل بنظم قوله تعالى.(1/7057)
فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها بقوله وما سوّيها حيث يلزم عطف الفعل على المصدر الا ان الضمير فيها اسم اللّه المعلم به وقال فى بحر الأمواج ألهمها معطوفة على سوّيها والمعنى ونفس وتسويه فالهمها فجورها وتقويها فلا يلزم ما ذكر انتهى وتنكير نفس للتكثير والتعميم كما فى قوله تعالى علمت نفس ما أحضرت أو للتعظيم والافراد والمراد به نفس آدم عليه السلام وقال عطاء يريد جميع ما خلق اللّه من الانس والجن والمراد بالهام الفجور والتقوى ان بين لها الخير والشر والطاعة والمعصية حتى يأتي بالخير والطاعة ويتقى عن الشر والمعصية كذا روى عن ابن عباس والمراد به إلزامها الفجور أو التقوى وخلق الميل فى قلبه إلى أيهما شاء وتوفيقه إياها بالتقوى وخلق بالتقوى على يد المؤمن وخذلانه إياها للفجور وخلق الفجور يد الكافر كذا قال سعيد بن جبير وابن زيد واختاره الزجاج عن عمران بن حصين ان رجلين من مزنية قالا يا رسول اللّه ارايت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه شىء قضى عليهم ومضى فيهم من قدر سبق أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به تبيهم وثبت الحجة عليهم فقال لا بل شىء قضى عليهم ومضى فيهم وتصديق ذلك فى كتاب اللّه ونفس وما سوّيها فالهمها فجورها وتقويها رواه مسلم وعن عبد اللّه بن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ان قلوب بنى آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء ثم قال رسول اللّه صلعم اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعاتك رواه مسلم قدم الفجور على التقوى لان الأصل كونها امارة بالسوء أيضا فيه رعاية رؤس الاى والواو الأول للقسم بالاتفاق وكذا الثانية والثالثة وما بعدها عند البعض وليست للعطف لزم العطف على معمول عاملين مختلفين فى مثل قوله والليل إذا يغشيها فان قوله الليل مجرور بواو القسم وإذا يغشى منصوب بفعل القسم المقدر فلو جعلت الواو فى والنهار(1/7058)
إذا جليها للعطف كانت الواو قايمة مقام الفعل وحرف الجر معا والصحيح ان كلها للعطف سوى الاولى منها فان إدخال القسم فى القسم قبل تمام الأول لا يجوز وواو العطف قائمة مقام واو القسم فقط لكن واو القسم نزلت منزلة الباء
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 271 والفعل حتى لم يجز إبراز الفعل معها فصارت كانها هى العاملة نصبا وجرا فصارت كعامل واحد له عملان فيجوز العطف على معموليه وذلك جائز بالاتفاق ونحو ضرب زيد عمرو أو بكر خالدا هذا إذا كانت الظروف متعلقة بفعل القسم واما على تاويل صاحب البحر فلا حاجة إلى هذا التوجيه.(1/7059)
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها ص الضمير المرفوع راجع إلى اللّه سبحانه والمنصوب إلى من باعتبار انه عبارة عن النفس يعنى فازت وسمعت نفس طهر اللّه تعالى عن الرذائل بتجليات صنافه الكاملة عليها حتى صارت راضية باللّه تعالى وأحكامه مطمئنة بذكره وطاعته محترزة عما نهى عنه وما يشغلها عنه لما أخرج ابن جرير من طريق جويبر عن ابن عباس قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم يقول فى قول اللّه تعالى قد أفلح من زكيها افلحت نفس زكيها اللّه كذا قال عكرمة روى مسلم والترمذي والنسائي وابن أبى شيبة عن زيد بن أرقم عن النبي صلى اللّه عليه واله وسلم قال اللهم انى أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر اللّهم ات نسى تقويها وزكيها أنت خير من زكيها أنت وليها وهو موليها - اللهم انى أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعاء لا يستجاب لها وقال الحسن معناه قد أفلح من زكى نفسه فاصلحها وحملها على طاعة اللّه يعنى ان الضمير المرفوع راجع إلى من معنى الإنسان والمنسوب إلى نفسه فعلى التأويل الأول بيان لحال المرادين وعلى الثاني لحال المريدين فان اللّه يجتبى إليه من يشاء ويهدى إليه من ينيب والجملة جواب للقسم قال الزجاج صار طول الكلام عوضا عن اللام وكانه لما أراد من الحث على تزكية النفس والمبالغة والمجاهدة فيه اقسم عليه مجاهدا لهم على وجود الصانع ووجوب ذاته وكمال صفاته فيستفاد منها أقصى درجات القوة النظرية ويذكرهم عظايم الآية لحملهم على الاستغراق فى شكر نعمائه الذي هو منتهى كمال القوة العملية فيترتب على العلم والعمل الجذب من اللّه سبحانه بفضله ومن قبلهم التقوى ويحصل التزكية وقيل هذه الجملة معترضة جيئت بعد قوله فالهمها فجورها وتقويها استرادا لبيان الفرق بين الفريقين وجواب القسم محذوف يدل عليه قوله تعالى كذبت ثمود حين كذبت بطغويها وهو انه(1/7060)
يدمدم اللّه تعالى على الكفار بمكة بتكذيبهم محمدا صلى اللّه عليه واله وسلم كما دمدم على ثمود حين كذبت صالحا عليه السلام.
وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 272
و الكلام فى هذه الجملة كما فى قبلها واصل دسا دسس أبدلت حرف التضعيف بحرف العلة كتقضى وتقضض ومعنى التدسس الإخفاء قال اللّه تعالى أم يدسه فى التراب والمراد هاهنا الإهلاك فأنه يستلزم الإخفاء يعنى خابت وخسرت نفس أهلكها اللّه تعالى بالإضلال أو أهلك هو نفسه بكسب الضلالة.
كَذَّبَتْ ثَمُودُ هذه الجملة إلى اخر السورة تأكيد لقوله تعالى قد خاب من دسيها والمفعول ما وقع فيه التكذيب محذوف والباء فى قوله بِطَغْواها للسببية وتقديره كذبت ثمود بطغويها بسبب طغيانها فى الكفر صالحا علم بالتوحيد والنبوة حين قال انى لكم رسول أمين فاتقوا اللّه وأطيعون قالوا انما أنت بشر مثلنا فات باية ان كنت من الصادقين وطلبوا منه اية على صدقه ان يخرج ناقة عشراء من صخرة عينوه فدعا صالحا فخرجت من تلك الصخرة ناقة وولدت فى الحال ولدا مثلها وكانت الناقة تشرب الماء كله فجعل صالحا لها نصيبا من الماء وقال هذه ناقة لها شرب يوم ولكم شرب يوم معلوم فارادوا قتل الناقة ليسلم لهم الماء كله ذلك قوله تعالى.(1/7061)
إِذِ انْبَعَثَ أى قام لعقر الناقة بالاسراع حين أمروها كما قال اللّه تعالى فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقروا لانبعاث هو الاسراع بالطاعة للباعث والظرف متعلق بكذبت أَشْقاها أى أشقى ثمود وهو قدار بن سالف كان رجلا أشقر ازرق قصيرا فضلت شقاوته غيره لتولية العقر روى البخاري عن عبد اللّه بن زمعة انه سمع النبي صلى اللّه عليه واله وسلم يخطب ذكر الناقة والذي عقرها فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم إذ انبعث أشقيها انبعث لها عزيز عازم فى اهله مثل أبى زمعة وعن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أشقى الناس عاقر ناقة ثمود وابن آدم الذي قتل أخاه ما سفك على الأرض من دم إلا لحقه منه لأنه أول من سن القتل رواه الطبراني والحاكم وأبو نعيم فى الحلية بسند صحيح.
فَقالَ فقال عطف على انبعث لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صالح ناقَةَ اللَّهِ أى ذروا ناقة اللّه واحذروا عقرها للّه والاضافة إلى اللّه لتعظيم الناقة وكمال التحذير وَسُقْياها ط عطف على الناقة أى ذروا سقيها فلا ترددوها علينا ولا تمسوها بسوء أى يعقر فياخذكم عذاب عظيم - .
فَكَذَّبُوهُ أى صالحا فيما أوعدهم من نزول العذاب ان عقروها فَعَقَرُوها أى الناقة عطف على كذبوا أسند الفعل إليهم وان كان العاقر واحدا منهم لامرهم به وقال مقاتل
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 273(1/7062)
الذين عقروا الناقة كانوا تسعة ويجوز التعبير عن التسعة بقوله تعالى أشقاها لان افعل التفضيل إذا أضيفه صلح للواحد والجمع فقال صالح تمتعوا فى ثلثة ايام فتصبحوا فى اليوم الأول وجوهكم مصغرة وفى اليوم الثاني وجوهكم محمرة وفى اليوم الثالث وجوهكم مسودة ثم تهلكون بعد ثلثة فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بعد ثلثة ايام قال فى المواج الدمدمة الإهلاك باستيصال قال عطاء ومقاتل أى دمر عليهم ربهم أى هلكهم وقيل الدمدمة حكاية صوت لا مده وفى القاموس الدمدمة الغضب ودمدم عليه كلمته مغضبا وقيل دمدم عليهم أطبق عليهم بِذَنْبِهِمْ أى بسبب ذنبهم وهو تكذيب الرسول وعقر الناقة - فَسَوَّاها أى سوى الدمدمة عليهم جميعا وعمهم لها ولم يفلت فيها صغير منهم ولا كبير.
وَلا يَخافُ قرأ نافع وابن عامر فلا يخاف بالفاء وكذلك هو فى مصاحفهم والباقون بالواو والضمير راجع إلى اللّه يعنى لا يخاف اللّه عُقْباها ع امال حمزة والكسائي اواخر هذا السورة الا تلاها وضحها فان حمزة فتحها وأبو عمرو كلها بين بين والباقون بالفتح أى عاقبته الدمدمة أو عاقبته إهلاك ثمود فيبقى بعض الإبقاء كذا قال الحسن وهى رواية على بن طلحة عن ابن عباس قال الضحاك والسدى والكلبي الضمير راجع إلى العاقر وفى الكلام تقديم وتأخير تقديره إذ انبعث أشقيها ولا يخاف عقبيها والجملة حال من فاعل دمدم أو من فاعل انبعث على ما قيل والواو للحال وعلى قراءة الفاء عطف على فسويها - واللّه تعالى أعلم .
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 274
سورة اللّيل
مكّيّة وهى احدى وعشرون اية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(1/7063)
وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى الشمس أو النهار كما فى قوله تعالى يغشى الليل النهار أو كل شىء يوارى بظلامه والكلام فى إذا يغشى كما مر فى والليل إذا يغشها من كونه متعلقا بفعل القسم أو بمضاف محذوف أى حصول الليل وكونه صفة له أو بمعنى الوقت فينسلخا عن الظرفية.
وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى أى ظهر يزوال ظلمة الليل أو بطلوع الشمس.
وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى أى القادر الذي خلق صنفى الذكر والأنثى من كل نوع له توالد أو آدم وحوا ويجوز ان يكون مصدرية وجواب القسم.
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ط يعنى ان عملكم لمختلف منكم ساغ فكاك رقبة من النار وصعود درجات القرب ومدارج الجنة ومنكم ساع فى عطيها قال البغوي عن أبى مالك الأشعري قال قال رسول اللّه صلعم كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها ثم فصل اللّه سبحانه فقال.
فَأَمَّا مَنْ أَعْطى ماله فى سبيل اللّه أو ادى كل ما وجب عليه وَاتَّقى عذاب ربه فاجتنب مجاريه وفى الحديث اتقوا النار ولو بشق ثمرة رواه الشيخان عن عدى بن حاتم واحمد عن عائشة والبزار والطبراني عن انس فى الأوسط وعن ابن عباس وابى امامة فى الكبير والبراء عن النعمان بن بشير وابى هريرة.
وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى قال أبو عبد الرحمن السلمى والضحاك وصدق بلا اله الا اللّه وهى رواية عطية عن ابن عباس وقال مجاهد بالجنة قال اللّه تعالى للذين أحسنوا الحسنى يعنى الجنة وقيل أيقن ان اللّه سيخلفه وهو رواية عكرمة عن ابن عباس وقال قتادة ومقاتل والكلبي بموعود اللّه تعالى ان يفى به.
فَسَنُيَسِّرُهُ أى نسهله ونهيئه لِلْيُسْرى أى للخلقت اليسرى التي يودى إلى يسر وراحة وهى العمل وما يرضى اللّه ودخول الجنة من يسر الفرس لا هبته المركوب باليسر بالسرج واللجام.
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ بالنفقة بالخير وبما امر به اللّه تعالى وفى الحديث البخيل
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 275(1/7064)
من ذكرت عنده فلم يصل على رواه الترمذي والنسائي عن على وابن حبان والحاكم عن انس وَاسْتَغْنى بشهوات الدنيا عن الثواب فى الاخرة وعن القادر به.
وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى بالكلمة الحسنى.
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى أى لخصلة التي يودى إلى العسر والشدة وهى العمل بما يكرهه اللّه تعالى ودخول النار قال مقاتل يعسر عليه ان يأتي خيرا عن على رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلعم ما منكم من أحد الا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة قالوا يا رسول اللّه أ فلا نتكل على كتابنا وندع العمل قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له اما من كان من أهل السعادة فسنيسره بعمل أهل السعادة واما من كان من أهل الشقاوة فسنيسره بعمل أهل الشقاوة ثم قرأ فاما من اعطى واتقى وصدق بالحسنى قسنيسره لليسرى متفق عليه قال البغوي قيل نزلت فى أبى بكر الصديق اشترى بلالا عن امية بن خلف ببردة وعشر أواق فانزل اللّه تعالى سورة الليل إلى قوله ان سعيكم لشتى سعى أبو بكر وسعى امية كذا روى عن ابن مسعود واخرج ابن أبى حاتم وغيره من طريق الحاكم بن ابان عن عكرمة عن ابن عباس ان رجلا كانت له نخلة فرعها فى دار رجل فقير ذى عيال فكان الرجل إذا جاء فدخل الدار فصعد إلى النخلة لياخذ منها الثمرة وبما يقع التمرة فياخذها صبيان الفقير فينزل من نخلة فياخذ الثمرة من أيديهم وان وجدها فى فم أحدهم ادخل إصبعيه يخرج التمرة من فيه فشكى ذلك الرجل يعنى الفقير إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال اذهب ولقى النبي صلعم صاحب النخلة فقال له أعطني نخلتك التي فرعها فى دار فلان لك نخلة فى الجنة فقال الرجل لقد أعطيت وان لى نخلا كثيرا وما فيه نخلة اعجب إلى تمرة منها ثم ذهب الرجل ولقى رجلا كان يسمع الكلام من رسول اللّه صلعم ومن صاحب النخلة فاتى إلى رسول اللّه صلعم فقال أ تعطيني يا رسول اللّه ما أعطيت الرجل يعنى صاحب النخلة وان انا أخذتها قال نعم فذهب(1/7065)
الرجل فلقى صاحب النخلة ولكليهما نخل فقال له أشعرت ان محمدا صلى اللّه عليه واله وسلم أعطاني بنخلتك التي فى دار فلان نخلة فى الجنة فقلت له لقد أعطيت ولكن يعجبنى تمرها ولى نخل كثير ما فيه نخل اعجب إلى تمرة منها فقال له الاخر أ تريد بيعها فقال لا الا ان أعطني بها ما أريد ولا أظنه اعطى وقال فكم فيها قال أربعين نخلة قال لقد جئت بامر عظيم ثم سكت عنه فقال له انا أعطيك أربعين نخلة قال فاشهد لى
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 276(1/7066)
ان كنت صادقا فدعا قومه فاشهد له ثم ذهب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال يا رسول اللّه ان النخلة قد صارت لى فهى لك فذهب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى صاحب الدار فقال النخلة لك فأنزل اللّه تعالى والليل إذا يغشى قال ابن كثير غريب جدا وذكر البغوي عن على بن حجر عن اسحق بن نجيح عن عطاء نحوه وفيه ان صاحب النخلة شكى إلى النبي صلعم تناول صبيان الجار من نخلة فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم بعينها بنخلة فى الجنة فابى فخرج فلقيه أبو الدحداح إلى اخر القصة قال فأنزل اللّه تعالى والليل إذا يغشى إلى قوله ان سعيكم لشتى والصحيح هى الرواية الاولى يعنى نزلت فى أبى بكر الصديق وامية بن خلف لان السورة مكية وقصة صاحب النخلة وابى الدحداح يقتضى كونها مدنية وعلى تقدير صحة الرواية الثانية فنقول نزول الآية بمدح أبى الدحداح رضى اللّه عنه قال اللّه تعالى فاما من اعطى واتقى كابى الدحداح وصدق بالحسنى أى بما وعد النبي صلى اللّه عليه وسلم فسنيسره لليسرى يعنى الجنة ولما كان حكم الآية عاما وان كان موردها خاصا عقبه بما يقيده من الوعيد فقال واما من بخل واستغنى الآية وليست هذه الجملة للوعيد فى حق صاحب النخلة فانه كان رجلا من الأنصار لم يكن ممن استغنى من ثواب اللّه تعالى ونعيم الجنة وكذب بالحسنى بل كان مصدقا بها والنخل المستوجب للنار انما هو منع الزكوة المفروضة كما لا يخفى واللّه تعالى أعلم .
وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ الذي بخل فيه نفى أو استفهام انكار إِذا تَرَدَّى الظرف متعلق بيغنى وتردى تفعل من الردى بمعنى الهلاك قال مجاهد أى بات إذ المراد بالهلاك استيجاب العذاب أو بمعنى السقوط يعنى تردى فى حفرة القبر أو قعر جهنم قال قتادة وأبو صالح هوى فى جهنم.(1/7067)
إِنَّ عَلَيْنا كلمة على للتاكيد يعنى التزمنا الهداية بموجب قضائنا السابق أو بمقتضى كلمتنا لَلْهُدى أى الإرشاد إلى الحق بنصب الدلائل وبيان الشرائع كذا قال الزجاج وقتادة وقال الفراء معناه من سلك الهدى فعلى اللّه سبيله كقوله تعالى وعلى اللّه قصد السبيل يقول من أراد اللّه فهو على السبيل القاصد يعنى من سلك على طريق الهدى يصل إلى اللّه سبحانه.
وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى ملكا وخلقا وتقديم الخبر للحصر فمن طلبها من غير مالكهما فقد اخطأ الطريق أو فنعطى ثواب الهداية للمهتدين أو فلا يضرنا ترككم الاهتداء.
فَأَنْذَرْتُكُمْ أى خوفتكم والفاء للسببية فان كون الاخرة والاولى
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 277
كلاهما خالصا للّه تعالى سبب للتخويف ناراً تَلَظَّى ج احدى التاءين محذوف أى تتلظى تتوقد وتتلهب صفة للنار.
لا يَصْلاها صفة اخرى إِلَّا الْأَشْقَى قيل الأشقى هاهنا بمعنى الشقي فهو يعم الكافر والفاسق الغير المغفور وصفه تعالى.(1/7068)
الَّذِي كَذَّبَ الرسول صلى اللّه عليه وسلم وَتَوَلَّى عن الايمان باعتبار بعض افراده وليس الاحتراز بل لان العادة ومقتضى الايمان ان لا يكون المؤمن شقيا إذ الايمان يقتضى التقوى والسعادة والكافر المكذب هو الذي يكون شقيا عاصيا غالبا فتقيد الشقي بوصف التكذيب والتولي خرج مخرج العادة كما فى قوله تعالى وربائبكم اللّتى فى حجوركم أو المراد بالتكذيب أعم من التكذيب صريحا وهو الكفر أو دلالة وهو ارتكاب المحرمات مع الايمان بتحريمها أو أعم مما هو صادر عن اللسان والقلب فيكون كفر أو نفاقا ومما هو صادر عن النفس الامارة بالسوء حال كون قلبه مطمئنة بالايمان ولسانه ما خلقنا به فيكون ايمانا مجازيا عاما وقيل الأشقى بمعناه للتفضيل والمراد به الكافر فانه أشقى من الفاسق لكن يصلى هاهنا ليس على إطلاقه بل المراد منه المقيد باللزوم والشدة قال البيضاوي لا يصليها لا يلزمها مقاسيا شدتها الا الأشقى أى الكافر فان الفاسق وان دخلها ان لم يغفر لا يلزمها فلا نقض فى الحصر وقيل لا حاجة إلى هذه التكليف بل الضمير فى لا يصلها عائد إلى نارا تلظى ولا يصلى نارا تتلظى وتتلهب الا الكافر واما الفاسق فادخل جهنم لا يصلى نارا تتلهب بل نارا ضعيفة بالنسبة إلى الكافر وهى الطبقة العليا من النار وعندى ان المراد بالأشقى هو الكافر كما هو الظاهر النار أيضا على عمومها فان التلهب توصف بها نار الدنيا أيضا ونار جهنم وان كانت ضعيفة فهى أشد من نار الدنيا البتة لكن الحصر فى الآية إضافي بالنسبة إلى المؤمنين الموجودين فى زمان النبي صلى اللّه عليه وسلم فالاية تدل على عدم دخول أحد من الصحابة فى النار كيف وقد انعقد الإجماع على ان الصحابة كلهم عدول وقد قال اللّه تعالى وكلا وعد اللّه الحسنى وقال كنتم خير أمة أخرجت للناس وقال محمد رسول اللّه والذين معه الآية وقال رسول اللّه صلعم لا تمس النار مسلما رانى أو راى من رانى(1/7069)
رواه الترمذي عن جابر وقال أصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم رواه رزين عن عمر بن الخطاب فمن صدر منه معصية فهم على سبيل الندرة وفق غالبا للتوبة فان التائب كمن لا ذنب له رواه ابن ماجة عن ابن مسعود مرفوعا أو أدركته الرحمة ببركة صحبة النبي صلى اللّه عليه وسلم كيف وقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى حق الصلحاء من أمته هم قوم لا يشقى جليسهم ولا يخاب انيسهم
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 278(1/7070)
فى حديث فى الصحيحين والترمذي عن أبى هريرة فما أظنك فيمن جالس سيد المرسلين فى حين من الدهر واللّه تعالى أعلم ولما كان الناس فى زمن النبي صلى اللّه عليه وسلم منحصرين فى فريقين اما مومن تقى اتقى الناس ممن سواهم أو كافر فلذلك ترى كلام اللّه مشحونا من ذكر هذين الفريقين وقلما يستفاد حال عصاة المؤمنين من القرآن لان الكلام غالبا يبحث عن احوال الموجودين واللّه تعالى أعلم فلا يجوز بهذه الآية استدلال المرجئة على ان المؤمن ان كان فاسقا لا يدخل النار وان السيئات من الكبائر والصغائر مطلقا لا يضر مع الايمان لان الحسنات مطلقا لا تنفع مع الكفر وبه قال الروافض شيعة على ولا استدلال المعتزلة على ان مرتكب الكبيرة مخلد فى النار وليس بمؤمن وجه استدلالهم ان ارتكاب الكبيرة موجب لدخول النار بالإجماع وان خالف المرجئة فلو كان مرتكب الكبيرة مومنا لم يكن أشقى الناس فلا يصلها بهذه الآية واهل السنة يأولون هذه الآية بما ذكرنا من التأويلات جمعا بين النصوص وجريا على ما انعقد عليه الإجماع من ان اللّه تعالى لا يغفران يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء سواء تاب أو لم يتب وقال اللّه تعالى يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه ان اللّه يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم وقال يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وقال من يعمل مثقال ذرة خيرا يره فلا يجوز فى حق المؤمن الخلود فى النار وان كان فاسقا غير مغفور وقد تواتر قوله صلى اللّه عليه وسلم من قال لا اله الا اللّه دخل الجنة وقال اللّه تعالى ومن يعمل مثقال ذرة شرايره يعنى ان شاء اللّه ان يعذبه ولم يغفره يرى جزاء السيئة فى النار ولو لا مقتضى إتيان المحرمات و
ترك الواجبات دخول النار كما قالت المرجئة لصارت الشريعة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر كلها سفسطة ولا يقولها الا كاهن أو مجنون.(1/7071)
وَ سَيُجَنَّبُهَا عطف على لا يصليها والسين للتحقيق الْأَتْقَى أى الذي اتقى الشرك الجلى والخفي والمعاصي القلبية والقالبية والنفسانية وذلك بعد تزكية النفس واطمينانها.
الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ الفقراء وفى فك الرقاب ووجوه الخير يَتَزَكَّى بدل من يوتى ولا محل له من الاعراب أو منصوب على الحالية من فاعله أى يطلب ان يكون عند اللّه زاكيا لا يريد به رياء ولا سمعة أو يتفعل من الزكوة والمفهوم عندنا غير معتبر فلا تدل تلك الآية
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 279(1/7072)
على دخول تقى فى النار وكذا عند الشافعي إذا الكلام خارج مخرج الجواب فى حادثة لاتفاق المفسرين على ان الآية نزلت فى أبى بكر الصديق فالغرض منه توصيف الصديق بكونه اتقى الناس أجمعين غير الأنبياء وانما خصصنا بغير الأنبياء دلالة العقل والإجماع والنصوص وليس الغرض منه الاحتراز والحكم بدخول التقى دون اتقى فى النار ولو سلمنا المفهوم فالمراد بالتقى الذي جاز دخوله فى النار التقى عن الشرك فقط دون المعاصي واللّه تعالى أعلم أخرج ابن أبى حاتم عن عروة ان أبا بكر الصديق أعتق سبعة كلهم يعذب فى اللّه فنزلت وسيجنبها الأتقى إلى اخر السورة قلت فحينئذ اللام للعهد واخرج حاكم عن عامر بن عبد اللّه بن الزبير عن أبيه قال قال أبو قحافة لابى بكر أراك تعتق رقابا ضعفا فلو انك اعتقت رجالا اجلد يمنعونك ويقومونك دونك فقال يا أبت انما أريد ما عند اللّه فنزلت هذه الآية فاما من اعطى واتقى إلى اخر السورة وذكر محمد بن اسحق قال كان بلال لبعض بنى جمع وهو بلال بن رباح واسم امه حمامه وكان صادق الإسلام طاهر القلب وكان امية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره ببطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول لا يزال على هذا حتى يموت أو تكفر لمحمد فيقول وهو فى ذلك البلاء أحد أحد قال محمد بن اسحق عن هشام بن عروة عن أبيه قال مر به أبو بكر يوما وهم يصنعون به ذلك وكانت دارابى بكر فى جمح فقال لاميّة الا تتقى فى هذا المسكين قال أنت أخذته فانقذه مما ترى قال افعل عندى غلام أسودا جلد منه وأقوى على ذلك أعطيتك قال قد فعلت فاعطاه أبو بكر غلامه واخذه فاعتقه ثم أعتق معه على الإسلام قبل ان يهاجر رقاب بلال سابعهم عامر بن فهيرة شهد بدرا وأحدا وقتل يوم بير معونة شهداء وأم عميس وزبير فاصيب بصرها حين أعتقها فقالت قريش ما اذهب بصرها وأعتق ابنتها الهدنة وكانتا لامراة من عبد الدار بمنزلهما وقد(1/7073)
بعثتها سيدتها يطحنان وهى تقول واللّه لا اعتقكما ابدا فقال أبو بكر حلا فلان فقالت حلا أنت افدتهما فاعتقهما قال فيكم قالت بكذا وكذا قال فاخذتهما وهما حرتان ومر بجارية بنى مومل وهى يعذب فابتاعها فاعتقها وقال سعيد بن المسيب بلغني ان امية بن خلف قال لابى بكر فى بلال حين قال ابتعيه قال نعم أبيعه بنسطاس عبد لابى بكر صاحب عشر آلاف دينار وغلمان وجوارى ومواش وكان حمله أبو بكر على الإسلام
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 280
على ان يكون ماله له فابى فابغضه أبو بكر فلما قال له امية أبيعه بغلامك نسطاش اغتنمه أبو بكر وباعه منه فقال المشركون ما فعل ذلك أبو بكر ببلال الا ليد كان له عنده فانزل اللّه عز وجل.
وَما لِأَحَدٍ بلال ولا لغيره من الغلمان عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى وكذا أخرج البزار عن ابن الزبير انها نزلت فى أبى بكر والجملة حال من فاعل يوتى ماله أو مستأنفة كأنَّه فى جواب بل كان لاحد ممن يوتيه ماله عنده يجزى ان يكافيه عليهما ويقصد بإعطائه أو اعتاقه مجازا بها.
إِلَّا استثناء منقطع أى لكن يفعل ذلك أبو بكر ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى ج طلبا لرضاه ويجوز ان يكون متصلا عن محذوف تقديره لا يوتى ماله لغرض من الأغراض ومكافاته لنعمة الا لغرض ابتغاء وجه اللّه وطلب رضائه.(1/7074)
وَ لَسَوْفَ يَرْضى ع اللّه عنه بما يفعل أو يرضى عن اللّه تعالى بما يعطيه من الجزاء فى الاخرة من الجنة والكرامة عطف على وسيجنبها وهذه الآية لابى بكر كقوله تعالى لنبيه صلى اللّه عليه واله وسلم ولسوف يعطيك ربك فترضى وكون أبى بكر اتقى الناس بعد الأنبياء دليل على كونه أفضلهم لقوله تعالى ان أكرمكم عند اللّه أتقاكم وعليه انعقد الإجماع عن ابن عمر قال كنا فى زمن النبي صلى اللّه عليه وسلم لا نعدل بابى بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ثم نترك اصحاب النبي صلى اللّه عليه واله وسلم لا تفاضل بينهم رواه البخاري وسال محمد بن الحنيفة عن على أى الناس خير بعد النبي صلى اللّه عليه واله وسلم قال أبو بكر قال ثم من قال عمر رواه البخاري وقد بسطنا الكلام فى هذه المسألة وذكرنا فيها الأحاديث والآثار وروايات الإجماع والمنقول فى كتابنا السيف المسلول انصرافا على الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا امال حمزة والكسائي اواخر هاتين السورتين والليل والضحى الا قرنه تعالى سبحى فان حمزة فتحها وامال أبو عمرو للعسرى ولليسرى وما سواهما بين بين وورش جميع ذلك بين بين والباقون بإخلاص الفتح فى الكل - واللّه تعالى أعلم .
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 281
سورة الضّحى
مكيّة وهى احدى عشر اية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أخرج الشيخان فى الصحيحين وغيرهما عن جندب بن عبد اللّه قال اشتكى النبي صلعم فلم يقم ليلة وليلتين فقالت امرأة يا محمد ما ارى لشيطانك الا قد تركك فانزل اللّه تعالى(1/7075)
وَ الضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى وقال البغوي قال يعنى جندب ان امرأة التي قالت ذلك أم جميل امرأة أبى لهب واخرج الحاكم عن زيد بن أرقم قال مكث رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم أياما لا ينزل عليه الوحى فقالت أم جميل امرأة أبى لهب ما ارى صاحبك الا قد ودعك وقلاك فانزل اللّه والضحى الآيات واخرج سعيد بن منصور وغيره عن جندب قال ابطأ جبرئيل على النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال المشركون قد ودع محمد فنزلت واخرج ابن جرير عن عبد اللّه بن شداد ان خديجة قالت للنبى صلعم ما ارى ربك الا قد قلاك مما ترى من جزعك فنزلت وكلاهما مرسل ورجالهما ثقات قال الحافظ ابن حجر والذي يظهر ان كلا من أم جميل وخديجة قالت ذلك لكن أم جميل قالت شماتة وخديجة قالت توجعا واخرج ابن شيبة والطبراني بسنه فيه من لا يعرف عن حفص بن ميسرة القرشي عن امه عن أمها وكانت خادمة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ان جروا دخل بيت النبي صلى اللّه عليه وسلم فدخل تحت السرير فمات فمكث النبي صلى اللّه عليه وسلم اربعة ايام لا ينزل عليه الوحى فقال يا خولة ما حدت فى بيت رسول اللّه صلعم جبرئيل لا يأتيني فقلت فى نفسى لو نقيات البيت وكنسة فاهويت بالكناسة تحت السرير فاخرجت الجر وفجاء النبي صلى اللّه عليه وسلم ترعد لحيته وكان إذا انزل عليه أخذته الرعد فانزل اللّه والضحى إلى قوله ترضى قال الحافظ ابن حجر قصة إبطاء جبرئيل بسبب الجر ومشهورة لكن كونها سبب نزول الآية غريب بل شاذ مردود كما فى الصحيح قال البغوي
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 282(1/7076)
فى مدة احتباس الوحى عنه اختلاف فقال ابن جريج اثنى عشر يوما وقال مقاتل أربعون يوما فقال المشركون ان محمدا ودعه ربه وقلاه فانزل اللّه تعالى هذه السورة كذا أخرج ابن مردوية عن ابن عباس فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم يا جبرئيل ما جئت اشتقت إليك فقال جبرئيل انى كنت أشد شوقا إليك ولكنى عبد مامور بما انزل اللّه وما نتنزل الا بامر ربك قوله تعالى والضحى قبل أريد به النهار كله بدليل مقابلة الليل نظيره قوله تعالى ان يأتيهم بأسنا ضحى يعنى نهارا وقال قتادة ومقاتل يعنى وقت الضحى وهى الساعة التي فيها ارتفاع الشمس قيل خص ذلك الوقت لانها الساعة التي كلم فيها موسى عليه السلام والقى فيها السحرة سجدة وهى الساعة يعدل فيها النهار فى الحر والبرد فى الصيف والشتاء والليل إذا سجى الظرف اما متعلق بفعل القسم أو بمضاف مقدر على الليل أى وحصول الليل إذا سجى أو صفة الليل بتقدير المضاف وإذا بمعنى الوقت منسلخا عن معنى الظرفية بدل من الليل مقسم به قال الحسن اقبل بظلام وهى رواية العوفى عن ابن عباس وقال الوالبي إذا ذهب وقال عطاء والضحاك غطى كل شىء بالظلمة وقال مجاهد استوى وقال قتادة وابن سكن استقر ظلامه فلا يزداد بعد ذلك أو المراد سكن الناس فيه والأصوات يقال ليل ساج وبحر ساج إذا كان ساكنا وتقديم الليل فى السورة السابقة باعتبار الأصل وتقديم الضحى هاهنا للشرف وجواب القسم قوله تعالى ما وَدَّعَكَ أى ما تركك وقطع عنك قطع مودع ربّك وما قلى وما أبغضك حذف الضمير المنصوب اكتفاء بما سبق اختصار أو رعاية للفواصل أخرج الطبراني فى الأوسط بإسناد حسن عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عرض على ما هو مفتوح لامتى بعدي فسرنى فانزل اللّه تعالى.(1/7077)
وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى ط يجوز ان يكون هذه الآية متصلا بما سبق ووجه اتصاله ان قوله تعالى ما ودعك ربك وما قلى يتضمن ان اللّه مواصلك بالوحى إليك وانك حبيب اللّه ولا يكون كرامته أعظم ذلك فاخبره بأن حاله فى الدار الاخرة خير له وأعظم من ذلك لتقدمه على الأنبياء واختصاصه بالمقام المحمود الذي يغبطه الأولون والآخرون وشهادة أمته على الأمم وقد ذكرنا بعد ما يختص به النبي صلى اللّه عليه وسلم فى الاخرة من الفضائل
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 283
فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض الآية وروى البغوي بسنده من طريق ابن أبى شيبة عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم انا أهل بيت اختار اللّه لنا الاخرة على الدنيا أو المعنى وللاخرة أى الحالة الاخرة خير لك من الاولى ونهاية أمرك خير من بداية يعنى لا تزال تتصاعد فى الرفعة والكمال قالت الصوفية من استوى يوماه فهو مغبون واخرج الحاكم والبيهقي فى الدلائل والطبراني وغيرهم عن ابن عباس قال عرض على رسول اللّه صلعم ما هو مفتوح على أمته فسرته فأنزل اللّه تعالى.(1/7078)
وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى حذف المفعول الثاني ليعطيك ليدل على العموم والشمول أى يعطيك عطاء جزيلا من النصر والتمكين وكثرة المؤمنين وشيوع دينك فى الأرضين فى الدنيا ومن الشفاعة وكثرة الثواب وغير ذلك لا يخفى وما لا يعلمه الا اللّه تعالى فى الاخرة وأفضل العطيات روية اللّه سبحانه على حسب كمال النبي صلعم وأعلى درجات القرب قال رسول اللّه صلعم اذن لا ارضى وواحد من أمتي فى النار وعن على ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال اشفع لامتى حتى ينادى ربى أ رضيت يا محمد فاقول أى ربى رضيت وقال عطا عن ابن عباس المراد يعطيك ربك الشفاعة فى أمتك حتى ترضى وهو قول على والحسن عليهما السلام وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص ان النبي صلى اللّه عليه وسلم قال اللهم أمتي أمتي وبكى فقال اللّه يا جبرئيل اذهب إلى محمد فقل انا سنرضيك فى أمتك ولا تسؤك به رواه مسلم وروى حرب بن شريح سمعت أبا جعفر محمد بن على يقول انكم معشر أهل العراق تقولون أرجى اية فى القرآن يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه وانا أهل البيت نقول أرجى اية فى كتب اللّه ولسوف يعطيك ربك فترضى واللام قيل للابتداء دخل على الخبر بعد حذف المبتدا والتقدير ولانت سوف يعطيك لا للقسم فانها لا تدخل على المضارع الا مع النون المؤكدة وجمعها مع سوف للدلالة على ان اللام لام القسم لا لاما لابتداء وقد علم انها ليس للابتداء لدخولها على سوف ولام الابتداء لا تدخل على سوف ثم عد اللّه سبحانه ما أنعم عليه من أول حاله ليقيس ما يترقب من فضل اللّه على ما سلف منه فقال.
أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً ان كان من وجدت بمعنى علمت يتيما مفعول الثاني وان كان بمعنى المصادفة فمنصوب على الحال والاستفهام للانكار وانكار النفي اثبات والغرض منه التقرير أى اقرار المخاطب به
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 284(1/7079)
و المعنى وجدك يتيما يعنى صغيرا فقيرا حين مات أبوك ولم يخلف لك مالا ولا ماوى وفى هذه الجملة تأكيد لقوله فاودعك فَآوى يعنى اولك إلى عمك أبى طالب وضمك إليه حتى كفلك روى البغوي من طريق الترمذي عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلعم سالت ربى مسالة وددت انى لم أكن سالته قلت يا رب انك أتيت سليمان بن داود ملكا عظيما وأتيت فلانا كذا قال يا محمد الم يجدك يتيما فاويتك قلت بلى أى رب قال الم أجدك ضالا فهديتك قلت بلى أى رب قال الم أجدك عائلا فاغنيتك قلت بلى أى رب وزاد فى بعض الروايات الم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك بلى أى رب زعم اكثر الناس ان النبي صلى اللّه عليه وسلم سال ربه هذه المسألة المال والغنى حيث قالوا ان النبي صلى اللّه عليه وسلم كان مفلسا وكانت قريش تعير بذلك حتى قالوا ان كان بك طلب الغنى جمعنا لك مالا حتى تكون كايسر أهل مكة فاغتم النبي صلى اللّه عليه وسلم وظن ان قومه انما كذبوه بفقره فسال ربه هذه المسألة فعدد اللّه عليه نعمه ووعده الغنى ليسليه وهذا ليس بشئ بوجوه أحدها ان رفعة شأن النبي صلى اللّه عليه وسلم لا يقتضى ان سال ربه الدنيا وراودته الجبال الشم من ذهب عن نفسه فاراها أيما شمم وأكدت وهذه فيها ضرورته ان الضرورة لا تعدوا على العصم وثانيها ان قوله تعالى ووجدك عائلا فاغنى يابى عنه فان صيغة الماضي تدل على الحصول وسوال الغنى بعد حصول محال وثالثها انه لو سال ربه لاعطاه وقد صح انه ما شبع ال محمد من خبز الشعير يومين حتى قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كذا فى الصحيحين من حديث عائشة وقالت الصوفية العلية فى تحقيق مثل هذا المقام ان الصوفي قد يعرضه حالة الانقطاع من الخلق بالكلية وخلوص التوجه إلى اللّه سبحانه ويسمونها بالعروج والسير إلى اللّه أو السير في اللّه وقد يعترضه حالة التوجه إلى الخلق لاجل الإرشاد والدعوة إلى اللّه فيسرى نفسه فى هذه ال حالة فى(1/7080)
بادى النظر منقطعا عن اللّه متوجها إلى الخلق وهو فى الحقيقة وعند التعمق غير منقطع كمال الانقطاع وأيضا لما كان هذا الانقطاع مامورا به مرضيا للمحبوب فهو فى حكم الوصل والاتصال بل اولى منه ويسمونه بالنزول والبر من اللّه باللّه فيغتم الصوفي فى هذه الحالة غاية يكون فى الشدة والبلاء مثله كمثل سمكة ألقيت من البحر إلى الصحراء وقد ذكر مرارا ان من كان نزوله أتم كان إرشاده أشمل وأعم
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 285
قالوا ان نوحا عليه السلام لم يبلغ فى النزول غاية ولذلك ما أمن معه الا قليل وهم اصحاب السفينة مع لبثه فيهم الف سنة الا خمسين عاما وان محمدا صلى اللّه عليه وسلم كان نزوله أتم واوفى ولم يبلغ تلك المنزلة أحد من الأنبياء ولذلك شاع دينه فى الورى مع لبثه فيهم ثلثة وعشرين عاما كما كان عروجه أعلى وأسنى فكان قاب قوسين أو ادنى قال الشيخ الأكبر أنكروا دعوة نوح بما كان من الفرقان وأجابوا دعوة محمد صلى اللّه عليه وسلم بما كان من القرآن ولاجل كمال نزول كان رسول اللّه صلعم دايم الهم واصل الحزن وهذا معنى قوله صلى اللّه عليه وسلم ما أوذي أحد مثل ما أوذيت رواه ابن عدى وابن عساكر عن جابر وأبو نعيم فى الحلية عن انس ولو لا هذا التأويل فلا يظهر المعنى لهذا القول وقد أوذي نوح عليه السلام الف سنة الا خمسين عاما وأوذي عيسى ع حتى ارتقى إلى السماء ويحيى وغيرهم حتى قتلوا فى البلاء فلعل نزول هاتين السورتين اعنى والضحى والم نشرح كان لتسلية النبي صلعم فى حالة النزول فى بدو امره حين راى نفسه فى بادى النظر منقطعا عن اللّه متوجها إلى الخلق ووافق ذلك فترة الوحى وحزن حزنا شديدا حتى قال فى صحيح البخاري بلغنا انه غدا مرارا كى يتردى من رؤس شواهق الجبل وكلما أو فى بذروة الجبل لكى(1/7081)
يلقى نفسه منه ينادى جبرئيل فقال يا محمد انك رسول اللّه حقا فيسكن لذلك جاشه تقر نفسه وقالت خديجة انى ارى ربك قد قلاك مما نرى من جزعك وكان سوال النبي صلى اللّه عليه وسلم لسلب تلك الحالة الموجبة للانقطاع عن الخالق والتوجه إلى الخلق التي زعمها وداعا وقليا وحزن عليها والوصل بلا انقطاع ولا حجاب دائما فعلى هذا معنى قوله ما ودعك ربك وما قلى انه ليس الفراق الذي اعترضك وداعا وقليا حتى تغتم به بل هو كمال عروج ووصل معنى وان كان هبوطا وفراقا صورة وللاخرة خير لك من الاولى يعنى كل حالة آخرة تأتى عليك خير من الحالة الاولى لا يتطرق فى أحوالك قصور وفتور قط حتى تكون فى الدار الاخرة روية ووصالا بالكلية ولا يكون هناك تكليف التبليغ والتوجه إلى الخلق ومشقة الفراق أصلا ولسوف يعطيك ربك عاجلا وأجلا ما تحب وترضى ألم يجدك يتيما فاوى.
وَوَجَدَكَ عطف على معنى الم يجدك يتيما فان معناه وجدك فهو عطف الخبر على الخبر دون الإنشاء ضَالًّا عن معالم النبوة واحكام الشريعة غافلا
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 286(1/7082)
عن كل مالا طريق إلى دركه الا السمع نظيره قوله تعالى وان كنت من قبله لمن الغافلين وقوله ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الايمان كذا قال الحسن والضحاك وابن كيسان وقيل ووجدك ضالا فى شعاب مكة صبيا صغيرا حين فطمتك حليمة وجاءت بك لترد إلى جدك عبد المطلب كذا روى أبو الضحى عن ابن عباس وقال السعيد بن المسيب خرج رسول اللّه صلعم مع عمه أبى طالب فى قافلة ميسرة غلام خديجة فبينما هو راكب ذات ليلة ظلماء ناقة جاء إبليس فاخذ بزمام الناقة فعدل به عن الطريق فجاء جبرئيل فنفخ إبليس نفخة وقع منها إلى الحبش ورده إلى القافلة وقيل وجدك ضالا نفسك لا تدرى من أنت وقال بعض الصوفية معناه وجدك محبا عاشقا مفرطا فى الحب والعشق يكنى باتصال لاستلزام السكر غالبا والسكران يغاط الطريق غالبا وفى الحديث حبك الشيء يعمى ويصم فهى تسمية السبب باسم المسبب كما فى قوله تعالى انزل اللّه من السماء من رزق يعنى من مطر قال اللّه تعالى عن اخوة يوسف ان أبانا لفى ضلال مبين وانك لفى ضلالك القديم وقال نسوة فى المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبّا انّا لنريها فى ضلال مبين فَهَدى أى فهداك إلى معالم الدين أو إلى جدك عبد المطلب أو إلى القافلة أو عرفك نفسك وحالك ومن عرف نفسه فقد عرف ربه أو هديك إلى وصل محبوبك حتى كنت قاب قوسين أو ادنى.
وَوَجَدَكَ عائِلًا فقيرا فَأَغْنى أى اعطاك بمال خديجة أو بما حصل لك ربح فى التجارة بالغنائم والمراد بالغناء على هذا التقادير دفع الحاجة وان كان بالقليل لا بمالكية النصاب وقال مقاتل يعنى اغنى قلبك فارخاك بما اعطاك من الرزق واختاره الفراء وقال لم يكن النبي صلى اللّه عليه وسلم غنيا بكثرة المال والعرض لكن الغنى عنى النفس متفق عليه وعن عبد اللّه بن عمرو قال قال رسول اللّه صلعم قد أفلح من اسلم ورزق كفافا فقنعه اللّه بما أتاه رواه مسلم.(1/7083)
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ هذه الجملة وما بعدها إلى اخر السورة معترضات أوردت استطرادا بين قوله الم يجدك إلى آخره الم نشرح لك أو هى تذئيل بما سبق ذكر اليتيم والعائل الفقير السائل غالبا واتصال السائل للارشاد غالبا وذكر نعمة الإيواء والهداية والغناء فضل ما أجمل ذكره باما وأورد بالفاء للسببية فى فاما اليتيم فلا تقهر لان كونه صلى اللّه عليه وسلم يتيما وقال الفراء والزجاج لا تقهر على ماله فتذهب بحقه بضعفه كما كانت العرب تفعل كذلك نهى لامته وان كان
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 287
خطاب إليه بشرفه عن أبى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال خير بيت فى المسلمين بيت فيه يتيم بحسن إليه وشر بيت فى المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه قال صلعم اما انا وكافل اليتيم فى الجنة هكذا يشير بإصبعيه رواه البغوي وكذا روى البخاري فى الأدب وابن ماجة وأبو نعيم فى الحلية.
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ قال المفسرون السائل على الباب لا تنهره وتزجره فقد كنت فقيرا عائلا فاما ان تطعمه واما ان ترده رد إلينا برفق وروى عن الحسن فى قوله واما السائل فلا تنهر قال طالب العلم إذا سال عن مسئلة فلا تنهره وعن ابن مسعود من كتم علما عن اهله الجم يوم القيامة لجام من نار وهذه الجملة على التأويل الثاني يتصل بقوله ووجدك ضالا فهدى ويكون النشر على ترتيب اللف واما على التأويل الأول فيتصل بقوله ووجدك عائلا.(1/7084)
وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ع يعنى اشكر على ما أنعم ربك عليك وهذه الجملة على تقدير اللف والنشر المرتب متصل بقوله تعالى ووجدك عائلا فاغنى عن سنان بن سنية عن أبيه قال قال رسول اللّه صلعم الطاعم الشاكر له مثل اجر الصائم الصابر رواه احمد وابن ماجة والدارمي بإسناد صحيح ورواه الترمذي من حديث أبى هريرة وعن اشعث بن قيس قال قال رسول اللّه صلعم ان اشكر الناس للّه اشكرهم للناس وفى رواية لا يشكر اللّه من لا يشكر الناس رواه احمد ورواته ثقاة وعن جابر بن عبد اللّه ان رسول اللّه صلعم قال من صنع إليه معروف فليجزيه فان لم يجد ما يجزيه فليثن عليه فانه إذا اثنى عليه فقد شكر وان كتمه فقد كفره ومن تحلى بما لم يعطه كان كلابس ثوبين من زور رواه البغوي وعن النعمان بن بشير قال سمعت رسول اللّه صلعم يقول على المنبر من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير من لم يشكر الناس لم يشكر اللّه والتحدث بنعمة اللّه شكر وتركه كفر والجماعة رحمة اللّه والفرقة عذاب اللّه رواه البغوي هذه الأحاديث يقتضى شكر المشائخ والاساتذة وحسن الثناء عليهم ورضوان اللّه عليهم أجمعين قال المجاهد المراد بالنعمة فى الآية النبوة روى عنه بشير واختاره الزجاج والمعنى بلغ ما أرسلت به وحدث بالنبوة التي أتاك وقال الليث عن مجاهد يعنى القرآن وهو قول الكلبي امره ان يقراه فعلى هذا هذه الآية متصل بقوله ووجدك ضالا فهدى قال مقاتل اشكر ما ذكر فى هذه الآية مما أنعمنا عليك من الإيواء والهداية والأغنياء والتحدث
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 288(1/7085)
بنعمة اللّه شكر وهذا اظهر فان النعمة المذكورة مطلق لا وجه للتخصيص والشكر على كل نعمة دينية كانت أو دنيوية واجب فعلى هذا هذه الآية متصل بالجمل الثلث المذكورات وقد ذكر ما فى هذه الآية من اختلاف القراءة فى الامالة والفتح فى اخر سورة الليل - (مسئله) يجب الشكر على كل نعمة والشكر صرف النعمة فى رضاء المنعم فشكر نعمة المال صرفها بالإخلاص فى سبيل الحق وشكر نعمة البدن أداء الواجبات والاجتناب عن المعاصي وشكر نعمة العلم والعرفان التعليم والإرشاد - (مسئله) تحديث النعمة شكر ومن هذا القبيل قوله صلى اللّه عليه وسلم انا سيد ولد آدم ولا فخر ونحو ذلك وقد ذكرنا فى سورة البقرة ومن هذا القبيل ما قال الشيخ محى الدين عبد القادر رضى اللّه عنه وكل ولى له قدم وانى على قدم النبي بدر الكمال وقوله قدمى هذه على رقبة كل ولى اللّه ومنه ما ذكر المجدد رض مما أعطاه اللّه سبحانه مدارج القرب من الولايات الثلاث وكمالات النبوة والرسالة واولى العزم أيضا بالتبعية والوراثة وحقائق الأنبياء كذلك وغير ذلك وكونه مخلوقا فى طينة النبي صلى اللّه عليه وسلم وكونه مجددا وقيوما فمن أنكر على ما هؤلاء الرجال فى مثل هذه المقال فكانه أنكر هذه الآية الكريمة من اللّه ذى الجلال غير انه لا بد للتحديث بمثل هذه الأقوال تنزه القائل عن صفات النفس بالكلية فلا يجوز لكل أحد الاجزاء على مثل هذه الأقوال كيلا يتردى فى ورطة انا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين - (فصل) قال البغوي السنة فى قراءة أهل مكة ان يكبروا من أول السورة والضحى على راس كل سورة حتى يختم القرآن فيقول اللّه اكبر قال البغوي كذلك قرائته على الامام المقري أبى نصر محمد وذكر سلسلة اسناد قراءة أبى كثير وقال ابن كثير انه قرأ على مجاهد وهو على ابن عباس وهو على ابن كعب ثم ذكر سلسلة اخرى لاسناد قراءة أبى اسمعيل بن قسطنطين وشبل بن عباد قال فلما بلغت و(1/7086)
الضحى قال لى كبر حتى تختم مع خاتمة كل سورة فانا قرأنا على ابن كثير فامرنا بذلك وأخبره ابن عباس انه قرأ على أبى بن كعب فامره بذلك وأخبره انه قرأ على النبي صلعم فامره بذلك وكان سبب التكبير ان الوحى لما احتبس قال المشركون هجره شيطانه وردعه فاغتم النبي صلعم لذلك فلما نزل والضحى كبر رسول اللّه صلعم فرحا بنزول الوحى فاخذوه سنة انتهى
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 289
و ما ذكره البغوي آخرا ذكره أبو عمرو الداني فى التيسير اولا وما ذكره اولا ذكره الداني آخرا فانه قال ان البزي(1/7087)
روى عن ابن كثير بإسناده انه كان يكبر اخر والضحى مع فراغته ومن كل سورة إلى اخر قل أعوذ برب الناس يصل التكبير فان كان اخر السورة متحركا نحو إذا حسد والناس والأبتر وصل التكبير وأسقط همزة الوصل منه وان كان ساكنا نحو فحدّث وفارغب أو منونا نحو توابا ولخبير ومن مسد حرك الساكن ونون التنوين بالكسر ووصل بالتكبير فان شاء القاري قطع عليه أى على التكبير وابتداء بالبسملة موصولة باول السورة التي بعدها قلت أو مفصولة وان شاء وصل التكبير بالبسملة ووصل البسملة باول السورة ولا يجوز القطع على بسملة إذا وصلت التكبير بها يعنى إذا وصلت التكبير باخر السورة فالاحتمالات اربعة القطع على التكبير والبسملة أو الوصل فيها أو القطع على الأول دون الثاني أو بالعكس فيجوز الثلاثة الأول ولا يجوز الرابع قال الداني وقد كان بعض أهل الأداء يقطع على اواخر السورة ثم يبتدئ بالتكبير موصولا بالبسملة قال أبو عمرو كذلك روى النقاش عن أبى ربيعة عن البزي وبذلك قرأه على الفارسي عنه وهذا ما ذكره البغوي اولا قلت وبكلا الوجهين قرأت على الشيخ المقري صالح المصري وهو على شيخ القراء قدوة المتأخرين الشيخ عبد الخالق المتوفى وذكر الشيخ الصالح المصري صفة التكبير على رواية البزي لا اله الا اللّه واللّه اكبر فان قرأ التكبير أول سورة والضحى لا يقرأ بعد سورة والناس ولا يقطع على التكبير بين السورتين موصوله للتكبير بالأولى منها فان وصل التكبير باخر السورة الاولى وجب الوصل بين التكبير والبسملة وأول السورة جميعا وان قطع التكبير عن اخر السورة فله الخيار فى الوصل والقطع بين التكبير والبسملة وبينها وبين السورة واللّه تعالى أعلم .
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 290
سورة الانشراح
مكية وهى ثمان آيات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(1/7088)
أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ هذه الجملة وما بعدها على ما روى البغوي عن ابن عباس متصل بقوله تعالى الم يجدك يتيما فاوى إلى قوله تعالى فاغنى فان صح تلك الرواية فذلك والا فالظاهر ان هذه السورة أيضا نازلة فى مثل تلك الحالة بعد سوال من النبي صلى اللّه عليه وسلم محققا أو مقدرا ومعنى الآية على مثل ما سبق شرحنا لك صدرك حتى اتسع فى صدرك من العلوم الحقة والمعارف الدينية المبصرة بنور اللّه تعالى ما لا سبيل إليها لعقل العقلاء واجمع فيه التوجه إلى اللّه تعالى والحضور التام مع التوجه إلى الخلق لاجل الدعوة فى مرتبة النزول فليس لك فى حالة النزول انقطاعا عن اللّه تعالى فى الحقيقة حتى تغتم به وشرح الصدر قد وقع للنبى صلى اللّه عليه وسلم فى مرتبة العيان مرتين مرة فى صباه كما روى مسلم عن انس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أتاه جبرئيل وهو يلعب فى الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج منه علقة فقال هذا حظ الشيطان منك ثم غسله فى طشت من ماء الزمزم ثم لأمه وإعادة فى مكانه وجاء الغلمان يسعون إلى امه أى ظئره فقالوا ان محمدا قد قتل فاستقبلوه وهو منتقع اللون قال انس فكنت ارى اثر المخيط فى صدره ومرة ثانية ليلة المعراج كما فى الصحيحين عن انس قال كان أبو ذر يحدث ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال ذكر أيضا قصة المعراج وفيه فنزل جبرئيل ففرج صدرى ثم غسله بماء الزمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلى حكمة وايمانا فافرغه فى صدرى ثم اطبقه وفى رواية فى الصحيحين عن انس عن مالك بن صعصعة ان نبى اللّه حدثهم فشق ما بين هذه إلى هذه يعنى من ثغرة نحره إلى شعرته فاستخرج قلبى ثم أتيت بطست من ذهب مملو ايمانا فغسل قلبى ثم حشى ثم أعيد وفى رواية ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملى ايمانا وحكمة الحديث
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 291(1/7089)
قلت والعلقة التي أخرجت من قلب النبي صلى اللّه عليه واله وسلم هى رزائل العناصر والنفس والقلب الداعية للنفس على كونها امارة بالسوء وباعثة للجوارح على المعاصي ثم عطف على شرحنا لك صدرك المفهوم من الم نشرح قوله تعالى.
وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الوزر فى الأصل الجبل قال اللّه تعالى كلّا لا وزر يعنى جبل هناك يلتجى إليه والمراد هاهنا الثقل على سبيل الاستعارة وذلك الثقل اما ان يراد به غم الفراق وتوهم الوداع الذي احزن النبي صلى اللّه عليه واله وسلم وانقض ظهره فزال اللّه سبحانه ذلك الغم والحزن بانزال الآيات من سورة الضحى والم نشرح حتى سكن للنبى صلى اللّه عليه واله وسلم جاشه واستقر نفسه وعلم ان ذلك الفراق ليس على سبيل الوداع والقلى بل لحكمة ومنفعة فعد اللّه سبحانه ازالة هذا النعم من النعم واما ان يراد به ثقل التكاليف الشرعية من دعوة الحق وتبليغ الاحكام وإتيان ما امر اللّه به وانتهاء كل ما نهى فان التكاليف الشرعية شاق إتيانها الم تر ان السموات والأرض والجبال أبين ان يحملنها وأشفقن منها وقال اللّه تعالى وانها لكبيرة الا على الخاشعين فلما شرح اللّه صدره صلى اللّه عليه وسلم للايمان والحكمة وأزال عنه حظ الشيطان ورزائل النفس التي جبلت عليها النفوس صارت التكاليف الشرعية له صلى اللّه عليه واله وسلم طبيعته ومرغوبة ومحبوبة حتى قال وجعلت قرة عينى فى الصلاة وهذه المرتبة التي عبر اللّه سبحانه عنها بوضع الوزر يسمونها الصوفية بالايمان الحقيقي وهذا هو المعنى من قولهم بسقوط التكليف عن الصوفي وهذه المرتبة العليا اعنى شرح الصدر ووضع الوزر حصلت للنبى صلعم ظاهرا وعيانا كما روينا وتحصل لاولياء أمته بوراثته باطنا بحيث يظهر فى المثال وذلك بعد فناء النفس وزوال العين والأثر وهناك يحكم الصوفية العلمية ويبشرون بشرح الصدر والايمان الحقيقي كذا قال المجدد رض و(1/7090)
استعدنا من المشائخ الكرام عليهم الرحمة والرضوان وما قال عبد اللّه بن يحى وأبو عبيدة يعنى حققنا عنك أعباء النبوة والقيام بامرها يناسب التأويل الثاني مما قلنا وما ذكرنا من التأويلين اولى مما قيل ان معناه خططنا عنك ما سلف منك فى الجاهلية من الزلات لان النبي صلعم ارفع شانا من ان يصدر عنه زلة وما قيل المراد بالوزر ترك الأفضل مع إتيان الفاضل وغيرها من التكلفات.
الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ أى أثقله فاوهنه حتى سمع له نقيض أى صوت مثل صوت الرجل عند ثقل الحمل صفة الوزر فان كان المراد من الوزر غم الفراق كما ذكرنا اولا فلا حاجة إلى التكلف
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 292
و التأويل فأنه كان انقض ظهره وان كان المراد به كلفة التكليف كما ذكرنا ثانيا فمعناه لو لا شرحنا صدرك ووضعنا وزرك انقض كلفة التكليف ظهرك ولم تستطع إذا ما وجب عليك حق ادائه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم لو لا اللّه ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا يعنى لو لا فضل اللّه ولما كان كلفة التكليف موجبا لنقض الظهر فى الدنيا مانعا عن إتيان الواجبات أورد النقض بصيغة الماضي كما قيل مع كون النبي صلى اللّه عليه واله وسلم معصوما كان المناسب حينئذ إيراد صيغة المستقبل فان المعاصي لا تنقض الظهر الا فى الاخرة حين يجازى عليها.(1/7091)
وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ ط روى البخاري عن أبى سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم انه سال جبرئيل عن هذه الآية ورفعنا لك ذكرك قال اللّه تعالى إذا ذكرت ذكرت معى قلت هذه الآية والحديث يقتضى ان الملأ الأعلى إذا يذكرون اللّه تعالى يذكرون معه محمدا صلى اللّه عليه واله وسلم وقد سبق انه مكتوب على ساق العرش وقد مر فى سورة البروج ما روى البغوي بسنده عن ابن عباس قال ان فى صدر اللوح لا اله الا اللّه وحده دينه الإسلام ومحمد عبده ورسوله الحديث قال عطاء عن ابن عباس يريد الاذان والاقامة والتشهد والخطبة على المنابر ولو ان عبدا عبد اللّه وصدقه فى كل شىء ولم يشهد ان محمدا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم ينفع بشئ وكان كافرا قال الحسان ابن ثابت رض أعز عليه بالنبوة خاتم من اللّه مشهود يلوح ويشهد وضم الإله اسم النبي باسمه إذا قال فى الخمس الاذان اشهد فشق له من اسمه لحله فذو العرش محمود ذاك محمد صلى اللّه عليه واله وسلم وقيل رفعه بأخذ ميثاقه على النبيين والزمهم الايمان به والإقرار بفضله.
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ الذي أنت فيه يُسْراً عظيما فان تنكيره للتعظيم وهذه الجملة واقع موقع التعليل المحذوف تقديره لا تحزن على ما أصابك من العسر فان مع العسر يسرا انّ مع العسر يسرا قيل التنكير لتاكيد الوعد وتعظيم الرجاء والصحيح انه استيناف وعده بان العسر مشفوع ميسر اخر لما روى عبد الرزاق فى تفسيره والحاكم فى المستدرك والبيهقي فى شعب الايمان مرسلا انه لما نزلت هذه الآية قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم ابشروا قد جاءكم اليسر انه لن يغلب عسر يسرين ورواه ابن مردويه بإسناد ضعيف عن جابر وله شاهد موقوف على عمر رواه مالك فى الموطإ والحاكم وقال هذا أصح طرقه وقال البغوي قال ابن مسعود لو كان العسر
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 293(1/7092)
فى حجر لطلبه اليسر حتى يدخله انه لن يغلب عسر يسرين قال أهل العربية ان الكلمة إذا أعيد معرفة فالثانية عين الاولى سواء كانت اولى معرفة أو نكرة لان الأصل فى اللام العهد وإذا أعيدت نكرة فالثانية غير الاولى سواء كانت اولى معرفة أو نكرة لان حمل الكلام على التأسيس اولى من حمله على التكرير والتأكيد قال فى تنقيح الأصول ان أقر بألف مقيدا بصك مرتين يجب الالف وان أقربه منكرا يجب الفان عند أبى حنيفة رحمة اللّه تعالى الا ان يتحد المجلس قلت معنى إذا قامت القرينة ان المراد بالثاني هو الأول فان قيل هذا قول مدخول فيه فانه إذا قال الرجل ان مع الفارس سيفا ان مع الفارس سيفا لا يوجب ان يكون الفارس واحدا والسيف اثنان قلنا نعم إذا قامت القرينة ان الثانية هى الاولى يحمل على الاتحاد ومثال الفارس والسيف من هذا القبيل واما الآية فانه تصلح التأويلين لكن ما فسر به النبي صلى اللّه عليه وسلم والصحابة رضى اللّه تعالى عنهم هو التأويل الصحيح وقال البغوي ما حاصله ان المراد بالآية ان مع العسر الواحد يسران لكن لا لتكرير النكرة بل لاجل ان قوله تعالى مع العسر يسرا متصل بما سبق ليليه ووعده النبي صلى اللّه عليه وسلم خاصة باليسر والغنى فى الدنيا عاجلا بعد الفقر الذي كان فيه ثم أنجز ما وعد وفتح عليه القرى ووسع ذات يده حتى كان يعطى المائتن من الإبل ويهب الهبات المسنية وقوله.(1/7093)
إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ط كلام مبتداء يدل عليه بقرينة عن الفاء والواو وهذا وعد لجميع المؤمنين ومجازة ان مع العسر فى الدنيا للمومنين يسر فى الاخرة فصار للنبى صلى اللّه عليه وسلم مع عسر واحد يسران يسر فى الدين ويسر فى الاخرة وقوله لن يغلب عسر يسرين فانه وان غلب يسرا واحدا وهو اليسر فى الدنيا فلن يغلب يسر الاخرة البتة وهو قوى أبدى قال البغوي رحمة اللّه تعالى جعل اللام فى العسر للعهد وفى الثاني للجنس واللّه تعالى أعلم فبعض المفسرين قالوا المراد بالعسر الفقر والشدة والبلاء من المشركين الذين كان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فيه واشتكى منه إلى ربه والمراد باليسر الأول زوال تلك الحالة بنصر اللّه تعالى والغنى بعد الفقر وقال البيضاوي المراد بالعسر ضيق الصدر والوزر المنقض للظهر وضلال القوم وإيذائهم وباليسر الأول شرح الصدر ووضع الوزر والتوفيق للاهتداء والطاعة واما اليسر الثاني فالمراد به
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 294(1/7094)
عند كلهم ثواب الاخرة قالوا معنى الكلام ان بعد العسر يسرا وانما أورد مع موضع بعد مبالغة فى معاقبة اليسر للعسر واتصاله به اتصال المتقاربين وعندى المراد بالعسر التوجه إلى الخلق فى مقام النزول الموجب للحزن والغم والمراد باليسر الأول التوجه إلى الخالق فى عين مقام النزول فان الصوفي فى تلك الحالة وان كان فى بادى النظر معرضا من اللّه تعالى متوجها إلى الخلق لكنه فى الحقيقة ليس بمعرض عنه تعالى بل مقبل إليه أيضا واتسع صدره للتوجهين جميعا بل التوجه إلى الخلق لما كان بإذن اللّه وعلى حسب امره ومرضاته فهو أيضا فى الحقيقة توجه إلى اللّه سبحانه ومن ثم سمى هذا اليسر السير من اللّه باللّه فعلى هذا كلمة مع فى قوله تعالى فان مع العسر يسرا بمعناه الحقيقي بمعنى المقارنة واما كلمة مع فى الجملة الثانية فلا شك انه على المجاز كما قالوا أو معنى الكلام على هذا التأويل لا تحزن فان مع العسر والتوجه إلى الخلق الموجب لحزنك يسرا وتوجها إلى الخالق ليست بهجوب عنه الاخرة وخلوص التوجه إلى اللّه تعالى فى الاخرة من غير شائبة حجاب وغيبة.(1/7095)
فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ قال المفسرون النصب التعب والمعنى فإذا فرغت من دعوة الخلق فانصب واتعب بالعبادة شكرا لما عددنا عليك من النعم السابقة ووعدناك بالنعم الآتية أو المعنى إذا فرغت من عبادة فانصب فى عبادة اخرى ولا تجعل وقتا من أوقاتك ضائعا خاليا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم ليس يتحسر أهل الجنة الأعلى ساعة مرت بهم ولم يذكروا اللّه فيها وقال ابن عباس وقتادة والضحاك ومقاتل والكلبي إذا فرغت من الصلاة المكتوبة أو مطلق الصلاة فانصب إلى ربك فى الدعاء وارغب إليه فى المسألة يعنى قبل السلام بعد التشهد أو بعد السلام وقال الشعبي إذا فرغت من التشهد فادع لدنياك وآخرتك وقال ابن مسعود إذا فرغت من الفرائض فانصب فى قيام الليل وقال الحسن وزيد بن اسلم إذا فرغت من جهاد عدوك فانصب فى عبادة ربك وهذا معنى قوله صلى اللّه عليه وسلم رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر وقال منصور عن مجاهد إذا فرغت من امر الدنيا فانصب فى عبادة ربك وقال حبان عن الكلبي إذا فرغت من تبليغ الرسالة فانصب أى استغفر لذنبك وللمومنين فوجه اتصال هذه الآية بما سبق ان عند النعماء سبب للشكر واما على تأويلنا فمعنى الآية إذا فرغت
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 295
من دعوة الخلق المقصود من النزول الأتم فانصب أى انتصب وارتفع إلى مدارج العروج ومقام الشهود فى الصحاح نصب الشيء وضعه وضعا ثانيا كنصب الزرع والبناء والحجر وفى القاموس نصب كفرج اعنى وهم ناصب أى منصب ونصب الشيء وضعه ورفعه ضد كنصبه فانتصب وتنصب وناقة نصباء مرتفعة الصدر وتنصب الغراب ارتفع فعلى هذا التأويل هذه الآية فى مقام التسلية مرادف بقوله تعالى ان مع العسر يسرا الآية .(1/7096)
وَ إِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ ع عطف تفسيرى يقوله فانصب يعنى ارغب بالسؤال إلى ربك ولا تسال غيره قال عطاء تضرع إليه راهبا من النار راغبا فى الجنة وقيل فارغب إليه فى جميع أحوالك قال الزجاج اجعل رغبتك إلى اللّه وحده والجار والمجرور متعلق بمحذوف دل عليه ما بعده يعنى فانصب وارغب إلى ربك فارغب قلت تكرار الأمر بالرغبة لان الرغبة الاولى إلى آلاء اللّه وصفاته والثانية إلى ذاته المجردة الرفيعة عن الشيون والاعتبارات قرأة سورة الم نشرح لك صدرك يؤيد فى مقام النزول كما ان سبح اسم ربك الأعلى يؤيد فى مقام العروج وقد ذكرنا هناك واللّه تعالى أعلم .
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 296
سورة التّين
مكّيّة وهى ثمان آيات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَ التِّينِ وَالزَّيْتُونِ قال ابن عباس والمجاهد والحسن وابراهيم وعطاء ومقاتل والكلبي تينكم الذي تأكلون وزيتونكم هذا الذي تعصرون منه الزيت قيل خص التين بالقسم لأنه فاكهة مخلقة لا عجم لها شبيهة بفاكهة الجنة قيل فى الحديث انه بقطع البواسير وينفع من النقرس رواه الثعلبي وأبو نعيم فى الطب من حديث أبى ذر بإسناد مجهول والزيتون شجرة مباركة وهو ثمر دهن يصلح للاصطباع وقال عكرمة هما جبلان وقال قتادة التين الجبل الذي عليه دمشق والزيتون مسجد بيت المقدس وقال أبو محمد بن كعب التين مسجد اصحاب كهف والزيتون ايليا.(1/7097)
وَ طُورِ يعنى الجبل الذي كلم اللّه تعالى موسى عليه السلام بين مصر وايلة سِينِينَ قال الضحاك هو لغة نبطية ومعناه الحسن وقال مقاتل كل جبل فيه أشجار شمرة فهو سنين وسينا بلغة بنط وقال عكرمة اسم للمكان الذي به هذا الجبل وكذا سيناء وقيل سريانية معناه الملتف بالأشجار وقيل لغة حبشية وقال مجاهد معناه البركة أى جبل مبارك وقال قتادة معناه الحسن أى جبل حسن وقال الكلبي معناه الشجر أى جبل ذو شجر وقيل اسم حجارة بعينها أضيف الجبل إليها بوجودها عنده.
وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ أى ذا امانة يحفظ من دخل فيه كما يحفظ الامين ما ائتمن عليه أو بمعنى فاعل أو مفعول يعنى أمن من دخل فيه أو المأمون فيه يا من فيه من دخله والمراد به مكة يا من الناس فيه فى الجاهلية والإسلام اقسم اللّه سبحانه بهذه الأشياء لان منبت التين والزيتون مهاجر ابراهيم ومقر الأنبياء ومهبط الوحى وطور المكان الذي نودى به موسى ومكة بيت اللّه الحرام ومولد النبي صلى اللّه عليه وسلم ومهبط الوحى إليه جواب القسم.
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ أى الجنس فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ تفعيل من القيام والقوام قال فى الصحاح القيام والقوام اسم لما يقوم به الشيء أى تثبت قلت وهو ما يتحقق به الشيء يعنى احسن حقيقته وماهيته وذلك لاستجماعه ما فى عالم الكبير من لطائف عالم الأمر وعناصر عالم الخلق والنفس الناطقة المنشاة عن العناصر ولذلك
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 297(1/7098)
الاستجماع يظهر فيه خصائص الكائنات كلها من الصفات الملكية والسبعية والبهيمية والشيطانية ويتصف بالصفات الكاملة المنعكسة من الصفات الالهية من الحيوة والعلم والقدرة والارادة والسمع والبصر والكلام والمجنة التي سميت بناء العشق يتزين بنور العقل ويستعد للتجليات الظلية والصفاتية والذاتية ومن ثم اعطى خلعة الخلافة انى جاعل فى الأرض خليفة وقيل معنى احسن تقويم أى احسن صورة فان التقويم مصدر بمعنى التعديل فى القاموس قومته عدلته فهو قويم ومستقيم والمصدر هاهنا بمعنى المفعول أو بمعنى الفعيل أى احسن صورة ومعدل قويم وذلك لان كل حيوان خلق مكبا على وجهه الا الإنسان خلق مستقيم القامة بادى البشرة يتناول ماكوله بيده.(1/7099)
ثُمَّ رَدَدْناهُ أى صيرناه أَسْفَلَ سافِلِينَ قال البغوي نكرة تعم الجنس يعنى بمعونة المقام كما يقال كريم قائم ويؤيده ما فى مصحف ابن مسعود أسفل سافلين وان لم تعم فهو مهملة فى قوة الجزئية فيجوز ان يكون بعض السافلين أسفل منه ويوافق هذه الآية اعنى خلق الإنسان فى احسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين قوله عليه الصلاة والسلام ما من مولد الا يولد على فطرة الإسلام ثم أبويه يهوادنه وينصرانه ويمجسانه متفق عليه من حديث أبى هريرة غير ان فى الآية أسند الرد إلى اللّه تعالى نظرا إلى انه خالق لافعال العباد وفى الحديث إلى الأبوين نظرا إلى الكسب ولعل المراد بالسافلين ما جعله اللّه سبحانه سافل الاستعداد بحيث لا يمكنه تحصيل كمال من الكمالات الانسانية والصعود إلى مصاعد القرب والتجليات الرحمانية من السباع والبهائم والشياطين والاجنة وجمعه سالما تغليبا للعقلاء منهم على غيرهم وهم الشياطين ومردة الجن فالانسان لما ضيع استعداده وترك شكر المنعم وإتيان موجبات الفوز ورضوان اللّه تعالى واتى بموجبات سخطه من الكفر ومقتضياته جعل أخبث من كل خبيث وأحط مرتبة من كل دنى وأسوأ حالا وابتر مالا من الكلاب والخنازير بل من الشياطين أيضا لما ورد فى حديث انس قال ويعرج له أى للكافر فرجة قبل الجنة فينتظر إلى زمرتها وما فيها فيقال به انظر إلى ما صرف اللّه عنك ثم يعرج له فرجة إلى النار الحديث رواه ابن ماجة من حديث أبى هريرة وذلك ليفرح المؤمن كمال الفرح ويتحسر الكافر كمال الحسرة وروى البخاري عن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلعم لا يدخل الجنة أحد الا ارى مقعده
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 298(1/7100)
من النار لو أساء ليزداد شكرا ولا يدخل النار أحد الا ارى مقعده من الجنة لو احسن ليكون عليه حسرة واما الشياطين فليس كذلك ولم يكن لهم مقعد فى الجنة لعدم استعدادهم دخولها وقال الحسن ومجاهد وقتادة معنى الآية ثم رددناه أسفل سافلين يعنى إلى النار لان جهنم بعضها أسفل من بعض وقال أبو العالية يعنى إلى النار فى شر صورة فى صورة خنزير ونحوه.
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الص َّالِحاتِ(1/7101)
استثناء متصل من الإنسان لاخراجهم من حكم الرد فانهم لا يرددون إلى النار ولا يصيرون إلى أخبث الأحوال فَلَهُمْ أى للمومنين الصالحين أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ط أى غير مقطوع أو لا يمن به عليهم الفاء للسببية والجملة فى مقام التعليل للاستثناء مقرر له وقيل معنى الآية خلقنا الإنسان فى احسن تقويم أى اعدل صورة أو أقوم حالة بحيث تيسر له كل ما أراد به وبتسخير له الحيوانات كلها والبر والبحر بل الجن والشياطين أيضا ثم رددناه فى بعض الافراد أى صيرناه بالهرم وأرذل العمر أسفل السافلين والسافلون هم الضعفاء والزمناء والأطفال فان الشيخ الكبير إذا زال عقله وضعف بدنه وغلب عليه العوارض والأمراض يصير أضعف من الضعفاء فعلى هذا قوله تعالى الا الذين أمنوا وعملوا الصالحات استثناء منقطع بمعنى لكن للاستدراك ودفع توهم نشأ وهو ان المؤمنين أيضا بعد الهرم وسوء الكبر يكونون أسوأ حالا من الضعفاء ووجودهم فى هذه الحالة وبال عليهم فقال اللّه لكن الذين أمنوا وعملوا الصالحات قبل الهرم فى حالة القوة والشباب فاجورهم غير مقطوعة لا يزال يكتب حسناتهم على حسب ما كانوا يعملون قال الضحاك اجرا بغير عمل أخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس فى هذه الآية قال هم نفر ردوا إلى أرذل العمر على عهد رسول اللّه صلعم فسئل حين اسفت عقولهم فأنزل اللّه عذرهم ان لهم أجرهم الذي عملوا قبل ان تذهب عقولهم قال البغوي قال عكرمة لا يضر هذا الشيخ كبره إذا ختم اللّه له بأحسن ما كان يعمل وروى العاصم الأحول عن عكرمة عن ابن عباس قال الا الذين أمنوا وعملوا الصالحات قال الا الذين قرؤا القرآن لم يردوا إلى ارزل العمر وقال جلال الدين المحلى رحمة اللّه تعالى إذا بلغ المؤمن من الكبر بالعجز عن العمل كتب له ما كان يعمل وروى عن انس ان رسول اللّه صلعم قال إذا ابتلى المسلم ببلاء فى جسده قال للملك اكتب له صالح عمله الذي كان يعمل وعن(1/7102)
عبد اللّه ابن عمر ونحوه رواهما البغوي فى شرح السنة وروى البخاري عن أبى موسى نحوه فى المريض
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 299
و المسافر فان قيل مقتضى البلاغة تأكيد الكلام على قدر انكار المخاطب وكون الإنسان مخلوقا على احسن صورة ثم رده بالهرم إلى ضعف امر بديهي لا ينكره أحد فكيف أورد الكلام بالقسم ولام التأكيد وكلمة قد على هذا التأويل قلنا لما كان تحول الأحوال على الإنسان دليلا واضحا على جواز الاعادة والجزاء والكفار كانوا ينكرون الاعادة والجزاء كانهم أنكروا التحول لأنه من أنكر المدلول فكانه أنكر الدليل الواضح لاستلزام أحدهما الاخر.
فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ المخاطب به الإنسان على سبيل الالتفات يعنى فاى شىء يحملك أيها الإنسان على التكذيب بالجزاء أو أى شىء جعلك كاذبا حيث تقول خلاف الحق ان لا بعث ولا جزاء بعد تلك الدلائل الواضحة من نفسك ان خلقك فقويك ثم ضعفك فاماتك قادر على اعادتك وجزاء أعمالك والاستفهام للتوبيخ والإنكار يعنى لا ينبغى لك التكذيب بالجزاء أو المخاطب به النبي صلعم وما للنفى وللاستفهام الإنكاري والمعنى لا شىء يكذبك أو فاى شىء يكذبك أى يدل على كذبك فى قولك بالجزاء بالدلائل الواضحة على صدقك فينظر هذه الآية قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين وقيل ما بمعنى من والاستفهام للتعجب يعنى من ينسبك إلى الكذب بعد تلك الشواهد على الصدق عجبا منه.(1/7103)
أَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ ع استفهام إنكاري للنفى ونفى النفي اثبات فهو تحقيق وتقرير لما سبق والمعنى أ ليس الذي فعل ذلك من الخلق والرد باحكم الحاكمين صنعا وتدبير أو من كان كذلك كان قادرا على الاعادة والجزاء والجملة لتسلية النبي صلى اللّه عليه وسلم على تكذيب الكفار إياه مكابرة وعنادا أو وعيد للكفار والمعنى أ ليس اللّه باقضى القاضين فهو يحكم بينك وبين من كذبك يا محمد كذا قال مقاتل أو هى فى مقام التعليل بقوله تعالى فما يكذبك لا ينبغى لك أيها الإنسان التكذيب قال اللّه احكم الحاكمين عليك بالعذاب عن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم من قرأ بالتين فانتهى إلى آخرها أ ليس اللّه باحكم الحاكمين فليقل بلى وانا على ذلك من الشاهدين رواه أبو داود وعن البراء ان رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم كان فى سفر فقرأ فى العشاء فى أحد الركعتين بالتين والزيتون رواه البخاري واللّه تعالى أعلم .
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 300(1/7104)
سورة العلق
مكيّة وهى تسع عشرة اية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
روى البغوي بسنده عن عائشة قالت أول سورة نزلت اقرأ باسم ربك وعليه اكثر المفسرين وأول ما نزل خمس الآيات من أولها إلى قوله تعالى ما لم يعلم عن عائشة أم المؤمنين انها قالت ما بدأ به رسول اللّه صلعم من الوحى الرؤيا الصالحة فى النوم وكان لا يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو تعبد الليالى ذوات العدد قبل ان ينزع إلى اهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود امثلها حتى جاءه الحق وهو فى حراء فجاءه الملك فقال اقرأ فقلت ما انا بقاري قال فاخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما انا بقاري قال فاخذنى فغطنى الثانية حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما انا بقاري قال فاخذنى فغطنى الثالثة ثم أرسلني فقال(1/7105)
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ فرجع بها رسول اللّه صلعم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد فقال زملونى فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر وقال لقد خشيت على نفسى فقالت كلا واللّه ما يحزنك اللّه ابدا انك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على توايب الحق فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسيد بن عبد العزى ابن عم خديجة وكان امرأ تنصر بالجاهلية وكان يكتب الكتاب العبرى فيكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء اللّه ان يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمى فقالت له خديجة يا ابن عم اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة يا ابن أخي ما ذا ترى فاخبره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خبر ما راى فقال له ورقة هذا الناموس انزل اللّه على موسى يا ليتنى فيها جذعا يا ليتنى أكون حيا أو يخرجك قومك قال رسول اللّه صلعم أو مخرجىّ هم قال نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به الا أوذي
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 301(1/7106)
و ان يدركنى يومك ينصرك نصرا مؤزرا ثم لم يلبث ورقة ان توفى وفتر الوحى متفق عليه وقيل المدثر أول القرآن نزولا وقد ذكرنا هناك وقيل أول ما انزل سورة الفاتحة لما روى البيهقي فى الدلائل ان خديجة قالت لابى بكر يا عتيق اذهب به إلى ورقة فاخذه أبو بكر فقص عليه ما راى فقال عليه الصلاة والسلام إذا خلوت وحدي سمعت نداء يقول يا محمد يا محمد فانطلق هاربا فقال لا تفعل إذا قال فاثبت حتى تسمع ثم انتهى فأخبرنى فلما خلا فناداه يا محمد فثبت فقال قل
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ إلى آخرها ثم قال قل لا اله الا اللّه الحديث والصحيح هو الأول قال البغوي وهو الصواب الذي عليه جماهير الخلف والسلف وما قيل انه أول ما نزل فيها يايها المدثر فمحمول على انه أول ما نزل بعد فترة الوحى وأول سورة نزلت بكمالها الفاتحة أو يقال أوليتها اضافية أول اكثر القرآن بعد اقرأ والمدثر واختلفوا فى مدة الخلو بغار حراء وفى الصحيحين جاورت بحراء شهرا وهو شهر رمضان كما رواه ابن اسحق فى السيرة وأفاد الزرقانى انه لم يصح اكثر منه وروى مسوار بن مصعب أربعون يوما لكنه متروك الحديث قاله الحاكم وغيره ورجح بعض العلماء هذا قياما على ميقات موسى عليه السلام واستدلالا بقوله صلى اللّه عليه وسلم من أخلص للّه أربعين يوما ظهر ينابيع الحكمة من قلبه إلى لسانه رواه أبو نعيم فى الحلية عن أيوب لكن الحديث ضعيف وكذا القياس لان ميعاد موسى كان ثلثين ليلة فاتمها اللّه أربعين بعارضة قال اللّه تعالى وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً واختلفوا فى كيفية تعبده فقيل مشرع نوح وابراهيم وعيسى وليس بشئ لكونه اميا والصحيح انه كان يتعبد بالانقطاع عن الخلق والنيل إلى الحق والتفكر قال القسطلاني ولم تكن الرجفة المذكورة فى الحديث(1/7107)
خوفا من جبرئيل عليه السلام فانه صلى اللّه عليه وسلم أجل من ذلك واثبت جنانا بل خشية ان يشتغل بغير اللّه عنه تعالى قيل خاف من ثقل أعباء النبوة وروى أبو نعيم ان جبرئيل وميكائيل شقا صدره هنا وغسلاه ثم قالا اقرأ باسم ربك الآيات (مسئلة) وهذه القصة تدل على ان التسمية ليست جزء من كل سورة لكن روى ابن جرير عن ابن عباس قال أول ما نزل جبرئيل على محمد صلعم قال يا محمد استعذ قال
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 302
أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم ثم قال قل بسم اللّه الرحمن الرحيم ثم قال اقرأ باسم ربك الذي خلق وهذه الرواية شاذة فى مقابلة الصحاح - (فائده) ومدة فترة الوحى ذكر السهيلي ان الفترة كانت سنتين ونصفا ووقع فى التاريخ الامام احمد عن الشعبي أنزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين فقرن نبوته اسرافيل ثلث سنين فكان يعلمه الكلمة والشيء ولم ينزل عليه القرآن على لسانه فلما مضت ثلث سنين قرن نبوته جبرئيل فينزل عليه القرآن على لسانه عشرين سنة وقد ذكرنا حزن النبي صلعم فى ايام الفترة فى سورة والضحى قوله تعالى اقْرَأْ امر بالقراءة والمفعول محذوف أى اقرأ القرآن مفتحا او(1/7108)
متبركا بِاسْمِ رَبِّكَ فهو منصوب على الحال يعنى قل باسم اللّه ثم اقرأ القرآن ويحتمل ان يكون باسم ربك فى محل النصب على المفعولية والباء زائدة يعنى اقرأ اسم ربك ولم يقل اسم اللّه لان اللّه علم لذات الواجب ولا بسبيل إلى معرفة الذات الا بالتفكر فى الآثار والصفات واظهر الصفات بالنسبة إلينا صفة الخلق والتربية التي تنبه على التحول احوال الممكنات الدال على حدوث العالم الموصل إلى العلم بالمحدث القديم المنزه عن شوايب النقص والزوال واحتمال التحول عن حال إلى حال وفيه اشارة إلى ان الصوفي يلتزم أو لا على ذكر الاسم لكى يهتدى به إلى المسمى لكن الصوفية اختاروا من الأسماء اسم الذات لان سلوك الطريقة يكون بعد الايمان المجازى بذات الواجب فالاول فى حقه اسم الذات لاستجماعه فى الدلالة على الصفات كلها ولو اجمالا ولكونه اقرب من الذات والمقصود هو الذات وقال الطيبي هذا امر بايجاد القراءة مطلقا وهو لا يختص بمفرد دون مفرد فهو بمنزلة اللام والباء للاستعانة والجملة فى جواب قوله صلى اللّه عليه وسلم ما انا بقاري والمعنى قاريا لا بقوتك ومعرفتك بل باعانة ربك وقوته لفظة اسم على هذا مقحم كما فى قوله تعالى سبح اسم ربك الَّذِي خَلَقَ ج صفة موضحة للرب فان الربوبية يقتضى الخلق والتربية من النقصان إلى الكمال وحذف مفعول خلق للدلالة على التعميم أى خلق كل شىء ومن جملته خلق القدرة على القراءة ونزل خلق منزلة اللازم يعنى الذي له صفة الخلق والتكوين ولا يمكن اتصاف أحد غيره بتلك الصفة خَلَقَ الْإِنْسانَ الظاهر انه جملة مستانفة كأنَّه فى جواب سوال ما خلق وانما خص الإنسان بالذكر بوجوه أحدها انه أشمل المخلوقات اجزاء فان كل ما هو
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 303(1/7109)
فى العالم الكبير فهو ثابت فيه ولذا سمى عالما صغيرا فالحكم بانه خلق الإنسان حكم بخلق كل شىء من عوالم الخلق والأمر ثانيها انه اشرف المخلوقات مستعد لتجليات الصفات والذات اولى بالمعرفة التي هى المقصود بخلق الكائنات قال اللّه تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون أى ليعرفون وفى الحديث القدسي لولاك لما خلقت الافلاك ولما أظهرت الربوبية خص النبي صلعم هاهنا بالذكر لكونه أكمل افراد الناس معرفة وفى الحديث كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق فخص الإنسان فى هذه الآية بالذكر إظهارا لشرفه وبيانا لأنه المقصود بالخلق وثالثها انه هو المخاطب بالشرائع والمكلف بالتكليفات الشرعية اولا وانه اعرف بحاله من حال غيره فاستدلاله على الصانع بانقلابات أحواله اولى واقرب لحصول المعرفة ويجوز ان يكون المحذوف من الجملة الاولى كاف الخطاب أى الذي خلقك الجملة الثانية مستانفة فى جواب سوال مقدر وهو من أى شىء خلقه قال اللّه تعالى خلق الإنسان بلفظ الجنس لاشتراك افراد الإنسان فيه اختصاص ما منه الخلق بالمخاطب ويحتمل ان يكون المفعول المحذوف من الجملة الاولى هو الإنسان والجملة الثانية تأكيد لها فسر بعد الإبهام تفخيما لخلقه وليكون أوقع فى النفس ويحتمل ان يكون المراد بالإنسان هو النبي صلى اللّه عليه وسلم خص بالذكر إظهارا لشرفه ولانه هو المخاطب به مِنْ عَلَقٍ ج جمع علقة أورد صيغة جمع لان الإنسان جنس فى معنى الجمع ولعل العدول من قوله خلق الإنسان من نطفة أو من تراب لمراعاة الفواصل والاشارة إلى جميع أطوار خلقه حيث أشار إلى ما توسط منها فان هذا خلقه من الطين ثم من الاغذية التي تصير بعد تحويلات منيا ثم تصير المنى علقة ثم العلقة مضغة ثم المضغة عظاما ثم تكسى العظام لحما ثم ينفخ فيه الروح فذكر المتوسط يشعر بما سبقه وما لحقه من الأطوار اقْرَأْ تكرير للتاكيد وللمبالغة والاول مطلق والثاني للتبليغ(1/7110)
او فى الصلاة وجاز ان يكون باسم ربك متعلقا بهذا ويكون الأول نازلا منزلة اللازم والثاني مستانفة تقديره اقرأ أى صرقاريا فكانه قال ما اقرء وكيف اقرء فقال اللّه تعالى اسم ربك اقرأ أو باسم ربك اقرأ القرآن وعلى هذا يحتمل ان يكون ما فى قوله صلى اللّه عليه وسلم ما انا بقاري فى جواب قول جبرئيل اقرأ استفهامية والباء فى الخبر زائدة على لغة أهل المصر ويمكن ان يقال ما فى المرتبة الاولى
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 304
نافية وبعد ما غطه جبرئيل كانت استفهامية وَرَبُّكَ مبتداء والواو للحال الْأَكْرَمُ صفة للمبتداء أو خبر له الزائد فى الكرم(1/7111)
على كل كريم فرض وجوده حيث ينعم بلا غرض ما لا يمكن إحصاءه كمّا وكيفا ومورد أو بحلم عن جهل العباد فاما ان يعفو اولا يعجل فى العقوبة مع العلم وكمال القدرة على الانتقام فورا فالافضلية على سبيل الفرض ولو كان المفروض محالا أو فى الحقيقة هو الكريم وحده لا شريك له فى الذات ولا فى صفة من الصفات ولذا قالوا افعل وفعيل فى صفات اللّه تعالى بمعنى واحد فاطلاق لفظ الكريم أو الرحيم أو السميع أو البصير ونحو ذلك على غيره تعالى كأنه بالمجاز لكونه مرأة لصفة كرمه ورحمته وغير ذلك الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ قيل بالقلم متعلق بمفعول محذوف بعلم تقديره علم الخط بالقلم ليفيد به العلوم والكتب المنزلة فيبقى بعد مضى الدهور ويعلم به البعيد وانما خص علم الخط اولا بذكر اظهار الشرفة فان الغرض من التعلم الحفظ وتبقية العلوم وحفظها غالبا بالكتابة عادة قيل أول من خط إدريس عليه السلام قلت والظاهر ان قوله بالقلم متعلق بعلم معنى علم العلوم بتوسط القلم وانما قدمه فى الذكر لكون التعليم بالقلم اسبق التعليمات قال رسول اللّه صلعم ان أول ما خلق اللّه القلم الحديث وقد مر فى سورة ن والقلم والموصول مع الصلة خبر للمبتداء اولا أو بعد خبر أو صفة بعد صفة كاشفة للتكريم فان من كمال كرمه تعليم العلوم وتعليم ما يفيد به العلوم عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ بخلق العقل والقوى ونصب الدلائل والوحى والإلهام وخلق العلم الضروري فى الأذهان وإنزال الكتب وإرسال الرسل وتواتر الاخبار وغير ذلك هذه الجملة خبر للمبتداء ان كان ما سبق صفات وبدل اشتمال من علم بالقلم ان كان الموصول خبر للمبتداء تقييد العلم اولا بالقلم مع حذف المفعول الأول على التعميم وعدم تقييده به ثانيا مع تقييده بالإنسان دليل على ان علوم العالمين بعض علم الإنسان وأخص ولو من وجه فان علوم الملائكة مثلا بتوسط القلم وقد أحاط بها اللوح المحفوظ(1/7112)
الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها ولا رطب ولا يابس الا فيه واما علم الإنسان فمنها ما هو فى اللوح مكتوب بالقلم ومنها ما لا يحيط به الكتاب ولا يتصد به القلم يدل عليه قوله تعالى وعلم آدم الأسماء كلها الآية وذلك لان العلم بكنه ذات اللّه تعالى ليس من قبيل العلم الحصولى حتى يتسعه اللوح ويكتبه القلم
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 305(1/7113)
بل هو من قبيل العلم الحضوري بل وراء العالمين يحصل للانسان بعد ماهية اللّه تعالى ذاتا موهوما ومن هاهنا قال قائل فان من جودك الدنيا وحزنتها ومن علومك علم اللوح والقلم وجملة وربك الأكرم حال من فاعل اقرأ فانه لما قيل للنبى صلى اللّه عليه وسلم اقرأ فقال ما انا بقاري قيل له اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان يعنى آدم عليه السلام أو جنس الإنسان الشامل لجميع الأنبياء ما لم يعلم فيعلمك القراءة وان لم يكن قاريا ويحتمل ان يكون المراد بالإنسان محمدا صلى اللّه عليه وسلم فلعله قال النبي صلعم ما انا بقاري فأخذه جبرئيل فغطه ثلثا حتى بلغ منه الجهد وافعال العباد كلها مخلوقة للّه تعالى فاللّه سبحانه علم نبيه صلى اللّه عليه وسلم بتلك اللفظات الثلاث علوم الأولين والآخرين ثم عد نعمة عليه فقال علّم الإنسان ما لم يعلم وقال فى موضع اخر وعلّمك ما لم تكن تعلم فان قيل أى فائدة فى إيراد قوله ما لم يعلم مع ان التعليم لا يتصور الا فيما لا يعلم قلنا فائدته التصريح بعجز الإنسان التعرف بجهله من قبل العلم ويشكر على تلك النعمة العظمى وذكر فى مواهب اللدنية روى ان جبرئيل بدأ له صلى اللّه عليه وسلم فى احسن صورة وأطيب رائحة فقال يا محمد ان اللّه يقرأك السلام ويقول لك أنت رسول إلى الجن والانس فادعهم إلى قول لا اله الا اللّه ثم ضرب برجله الأرض فنبعت عين ماء فتوضا منها جبرئيل ثم امره ان يتوضا وقام جبرئيل يصلى وامره ان يصلى معه فعلمه الوضوء والصلاة ثم عرج إلى السماء ورجع رسول اللّه صلعم لا يمر بحجر ولا مدر ولا شجر وهو يقول السلام عليكم يا رسول اللّه حتى اتى خديجة فاخبرها فغشى عليها من الفرح ثم أمرها فتوضأ وصلى(1/7114)
بها كما صلى له جبرئيل فكان ذلك أول فرضها ركعتين ثم ان اللّه أمرها فى السفر كذلك وأتمها فى الحضر وقال ابن حجر فى فتح الباري كان صلى اللّه عليه وسلم قبل الاسراء يصلى قطعا وكذلك أصحابه ولكن اختلف هل فرض قبل الخمس شىء من الصلاة فقيل ان الفرض كان صلوة قبل طلوع الشمس وغروبها انتهى وقال أول ما وجب الانذار والدعاء إلى التوحيد ثم فرض من قيام الليل ما ذكره فى أول سورة المزمل ثم نسخه بما فى آخرها ثم نسخه بايجاب الصلاة الخمس ليلة الاسراء بمكة واما ذكره فى هذه الرواية من ان جبرئيل علمه الوضوء وامره فيدل على فرضية
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 306
الوضوء قبل الاسراء واللّه تعالى أعلم واخرج ابن المنذر عن أبى هريرة قال قال أبو جهل هل يغفر محمد وجهه بين أظهركم فقيل نعم فقال واللات والعزى لئن رايته يفعل لاطان على رقبته ولاغفرن وجهه فى التراب فأنزل اللّه تعالى.
كَلَّا ردع لمن كفر باللّه لطغيانه وينهى عن الصلاة وان لم يذكر فى الكلام لدلالة الكلام أو الحال عليه أو هى بمعنى حقا تحقيقا لما بعده إِنَّ الْإِنْسانَ اطلق لفظ الجنس باعتبار بعض افراده يعنى أبا جهل لَيَطْغى ليجاوز حده فى الكفر والتكبر على ربه.
أَنْ رَآهُ قرأ قنبل بقصر الهمزة والباقون بالمد اسْتَغْنى ط ان راى نفسه منصوب على العلية أو على الظرفية بتقدير المضاف أى لان راى أو وقت ان راى نفسه غنيا استغنى مفعول ثان للروية فانها من افعال القلوب ولو كان بمعنى الابصار لا متنع كون الشيء الواحد مرجعا للضميرين المرفوع والمنصوب كان أبو جهل إذا أصاب ما لا ارتفع فى طعامه وثيابه ومركبه.
إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى(1/7115)
ط الرجعى مصدر كالبشرى اسم ان والظرف خبره والجملة مستأنفة للتهديد والتحذير كأنَّه فى جواب ما عاقبة الطاغي والخطاب للانسان على سبيل الالتفات أى رجوعك إلى ربك فيجازيك على طغيانك واخرج ابن جرير عن ابن عباس قال كان رسول اللّه صلعم يصلى فجاءه أبو جهل فنهاه فانزل اللّه تعالى.
أَ رَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى إلى قوله كاذبة خاطئة قوله تعالى أَرَأَيْتَ يا محمد استفهام عن الروية للتقرير فهو بمعنى قد رايت فأقر به أو يقال الغرض من الاستفهام الروية ان يخبر المخاطب عما راى فحاصل المعنى أخبرني ويستعمل فى مقام التعجب والروية من الافعال القلوب يتعدى إلى المفعولين وهما مبتداء أو خبر فى المعنى والغرض هاهنا تقرير نسبة بينهما والاستخبار عنها الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى ط الظرف متعلق بينهى والمراد بالموصول أبو جهل وبالعبد محمد صلى اللّه عليه وسلم على الالتفات من الخطاب إلى الغيبة أورد اللّه سبحانه لفظ العبد موقع كاف الخطاب للدلالة على كمال عبوديته وكونه على الحق المبين فان المقتضى العبودية العبادة وعلى كمال طغيان الناهي وتقبيحه والموصول مع الصلة أحد مفعولى رايت ومفعول الثاني محذوف فى حكم المذكور حملا
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 307
على ذكره فى قوله تعالى ليطغى تقديره أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى كيف يطغى.
أَ رَأَيْتَ يا محمد إِنْ كانَ العبد عَلَى الْهُدى حين يصلى.(1/7116)
أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى ط حين يدعون الناس إلى التوحيد والصلاة والظاهر النهى كان عن الصلاة وعن الأمر بالتقوى معا فاقتصر فى الجملة الاولى على أحدهما اكتفاء بذكرهما فى الثانية ولانه دعوة بالفعل ولان نهى العبد إذا صلى يحتمل ان يكون لها ولغيرها وعامة أحواله محصورة فى تكميل نفسه بالعبادة وتكميل غيره بالدعوة وهذا شرط حذف جزاءه بدلالة السياق وهو كيف ينهاه أو فيهلك الناهي ويفوز العبد والشرطية قايم مقام مفعولين لرايت وكذا فى قوله تعالى.
أَ رَأَيْتَ يا محمد إِنْ كَذَّبَ الناهي ما هو الحق وَتَوَلَّى ط عن الايمان كيف ينجو من عذاب اللّه بل يهلك والدليل على المحذوف فى الجملتين قوله تعالى.(1/7117)
أَ لَمْ يَعْلَمْ استفهام إنكاري للتوبيخ والوعيد فان انكار النفي اثبات تقديره وقد علم بِأَنَّ اللَّهَ يَرى ط متعلق بيعلم قايم مقام مفعولية ويرى بمعنى يعلم حذف مفعولية بدلالة ما سبق أى يرى اللّه الناهي ناهيا عن الهدى والأمر بالتقوى بكذبا بالحق متوليا عن الايمان والعبد على الهدى والأمر بالتقوى وعلم اللّه يستلزم الجزاء على حسب ما علم فاطلق الروية وأريد به الجزاء تسمية اللازم باسم الملزوم فتقدير الكلام وقد علم الناهي ان اللّه يجزى كلا من الناهي والعبد المصلى على حسب ما علم فهذه جمل اربع وقال صاحب البحر المواج مثل ما قلت غير انه قال الم يعلم جزاء الشرطية الثانية وجزاء الشرطية اولى محذوف يقدر مثل الثانية تقديره ارايت ان كان على الهدى أو أمر بالتقوى الم يعلم بان اللّه يرى وقيل الخطاب فى ارايت الاولى والثالثة إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وفى الثانية إلى الكافر تقديره ارايت يا محمد الذي ينهى إذا صليت طغى ارايت يا أبا جهل ان كان محمد على الهدى أو أمر بالتقوى كيف نهاه ارايت يا محمد ان كذب أبو جهل وتولى فكيف ينجو الم يعلم بان اللّه يرى كما ان الحاكم بين الخصمين يخاطب تارة هذا وتارة ذاك وقال الشيخ الجلال الدين المحلى معناه وعجب منه يا مخاطب من حيث نهيه عن الصلاة ومن حيث ان المنهي على الهدى امر بالتقوى ومن حيث ان الناهي مكذب متول عن الايمان فعلى هذا أيضا الجمل اربع وقيل معناه ارايت
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 308(1/7118)
يا محمد الذي ينهى عبدا إذا صلى كيف صددناه عنك ارايت يا محمد ان كان أبو جهل على الهدى أو امر بالتقوى لكان خيرا له ارايت يا محمد ان كذب أبو جهل وتولى لاعذبنه الم يعلم بان اللّه يرى فيجازى على حسب ما عمل وكرر لفظ ارايت ثلثا ولم يكتف على الأول ولم يعطف الشرطيتين على الذي ينهى لغاية التعجب وقال البيضاوي الذي ينهى أول مفعولى ارايت والشرطتين مفعوله الثاني على التوزيع وجزاء الشرطية الثانية قوله تعالى الم يعلم بان اللّه يرى وجزاء الاولى محذوف اكتفاء بذكره فى الثانية وكلمة ارايت فى الأخريين لتكرير الاولى غير عاملة فى ما بعدها والمعنى أخبرني عمن ينهى بعض عباد اللّه عن صلوته ان كان ذلك الناهي على الهدى فيما ينهى عنه أو أمر بالتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقده أو ان كان على التكذيب بالحق والتولي عن الصواب كما تقول الم يعلم ذلك الناهي بان اللّه يرى ويطلع على أحواله من هداه وضلاله فالكل على هذا جملة واحدة قال البغوي تقدير النظم ارايت الذي ينهى عبدا إذا صلى وهو على الهدى امر بالتقوى الناهي مكذب متولى عن الايمان فما اعجب من هذا فالشرطتين فى محل النصب على الحالية اولى عن مفعول ينهى والثانية عن فاعله والم يعلم جملة مستأنفة للوعيد وضمير الفاعل راجع إلى الذي ينهى.
كَلَّا ردع للناهى الذي كذب وتولى لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الذي ينهى عما هو فيه من النهى عن المعروف وتكذيب الحق والتولي عن الايمان لَنَسْفَعاً جواب للقسم لفظا وللشرط معنى ويكتب النون الخفيفة كتنوين المنصوب على صورة الالف والسفع القبض على الشيء وجذبه بشدة أى لنا جذبة فلنجذبه إلى النار بِالنَّاصِيَةِ وهى مقدم الراس أى ناصيه والاكتفاء باللام عن الاضافة للعلم بان المراد ناصية المذكور.(1/7119)
ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ ج وصف الناصية بالكذب والخطأ وهما لصاحبها على الاسناد المجازى المبالغة وناصية بدل من الناصية وانما جاز لوصفها وجملة لئن لم ينته مستانفة كانها من جواب ما يفعل اللّه بالطاغي أخرج الترمذي وصححه وابن جرير عن ابن عباس قال كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يصلى فجاء أبو جهل فقال الم أنهك عن هذا فزجره النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال أبو جهل أشهرني فو اللّه لأملان عليك هذا الوادي خيلا جردا ورجالا مردا فانزل اللّه تعالى.
فَلْيَدْعُ نادِيَهُ
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 309
النادي المكان الذي يجتمع فيه القوم والمراد أهل النادي أى قومه وعشيرته بحذف المضاف فى اللفظ أو بالمجاز بالإسناد.
سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ قال ابن عباس يريد زبانية جهنم قال الزجاج هم الملائكة الغلاظ الشداد والزبانية جمع زنبى أو زبينة كعفرية وفى الأصل الشرط ماخوذ من الزبن بمعنى الدفع قال ابن عباس لو دعا ناديه لاخذته زبانية اللّه عيانا وذكر المحلى هذا الحديث مرفوعا.(1/7120)
كَلَّا ط أى حقا ما ذكر من السفع بالناصية ودعاء الزبانية ان دعانا به أو المعنى لا يستطيع ان يدعو ناديه - لا تُطِعْهُ فى ترك الصلاة جملة مستانفة كأنَّه فى جواب ماذا اصنع حين ينهى - وَاسْجُدْ عطف على لا تطعه لفظا وتأكيد معنى وَاقْتَرِبْ ع من اللّه بالصلوة روى أبو داود وغيره عن أبى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم قال اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فاكثروا الدعاء امال حمزة والكسائي اواخر هذه السورة من قوله عز وجل ليطفى إلى قوله بان اللّه يرى واما أبو عمرو يرى وحده وما عداه بين بين ودرش جميع ذلك بين بين والباقون بالفتح وقد ذكرنا بحث سجدة التلاوة فى سورة انشقت فعند أبى حنيفة رحمه اللّه تعالى اسجد امر بسجدة التلاوة بدلالة فعله عليه الصلاة والسلام انه صلى اللّه تعالى عليه وسلم سجد فى إذا السماء انشقت واقرأ رواه مسلم من حديث أبى هريرة والجمهور على انه امر بالصلوة تسمية الكل باسم الجزء فانه معطوف على لا تطعه عطفا تفسير يا قالوا بسنية السجود اقتداء بفعله صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم وذا لا يقتضى الوجوب - واللّه تعالى أعلم .
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 310
سورة القدر
مكّيّة وهى خمس آيات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أخرج الترمذي والحاكم وابن جرير عن الحسن بن على عليهما السلام قال ان النبي صلى اللّه عليه وسلم ارى بنى امية على منبره فساءه ذلك فنزلت انا أعطيناك الكوثر ونزلت(1/7121)
إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ يملكها بنى امية قال القاسم بن الفضل الهمداني فعددنا فإذا هى الف شهر لا يزيد ولا ينقص قال الترمذي غريب وقال المزني وابن كثير منكر جدا واخرج ابن أبى حاتم والواحدي عن المجاهد ان رسول اللّه صلعم ذكر رجلا من بنى إسرائيل لبس من السلام فى سبيل اللّه الف شهر فحجب المسلمون من ذلك فنزلت انا أنزلناه فى ليلة القدر وما ادراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من الف شهر التي ليس ذلك الرجل السلاح فى سبيل اللّه فيها واخرج ابن جرير عن مجاهد قال كان فى بنى إسرائيل رجلا يقوم حتى يصبح ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسى فعمل ذلك الف شهر فانزل اللّه تعالى ليلة القدر خير من الف شهر عملها ذلك الرجل وروى مالك فى المؤطا انه سمع من يثق به من أهل العلم يقول ان رسول اللّه صلعم تفاصر فى أعمار أمته لا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم فى طول العمر فاعطاه اللّه ليلة القدر خير من الف شهر قلت هذا مرسل لكنه أصح ما ورد فى الباب وهذا يدل على ان ليلة القدر من خصائص هذه الامة وبه جزم ابن حبيب من المالكية ونقله عن الجمهور صاحب العدة من الشافعية ويرد عليه حديث أبى ذر عند النسائي حيث قال قلت يا رسول اللّه أ يكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رفعت قال بل هى باقية ورجح الحافظ ابن حجر كونها فى الأمم الماضية وقال ما رواه المالك بلاغا يحمل التأويل فلم يدفع الصريح قلت ما رواه مالك اصرح فى الدلالة من المرفوع فى حديث أبى ذر فان لفظ المرفوع بل هى باقية يحتمل ان يكون معناه بل هى باقية بعد نبينا صلعم لكن حديث أبى ذر يدفع قول من قال انها لم تكن الا فى سنة واحدة فى حبور النبي صلعم وما قيل انها رفعت بعده صلى اللّه عليه وسلم وكذا يدل على تأييده ما روى عن أبى هريرة قيل زعموا ان ليلة القدر رفعت قال كذب من(1/7122)
قال ذلك رواه عبد الرزاق قال الراوي قلت هى فى كل شهر
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 311
رمضان استقبله قال نعم قوله تعالى إِنَّا أَنْزَلْناهُ يعنى القرآن كناية عن غير مذكور تفخيما وشهادة له بالعظمة المغنية عن تصريح فى انتقال الذهن إليه كما عظمه بان أسند انزاله إلى نفسه وقدم المسند إليه على الخبر الفعلى لزيادة التأكيد والتقوى أو للتخصيص ثم عظمه باعتبار وقت نزوله فقال فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ يقدر اللّه تعالى فيها امر السنة فى عباده وبلاده إلى السنة المستقبلة قيل للحسين بن الفضل أ ليس قد قدر اللّه تعالى المقادير قبل ان يخلق السموات والأرض قال نعم قيل فما معنى ليلة القدر قال سوق المقادير إلى المواقيت وتنفيذ القضاء المقدر يعنى اطلاع الملائكة الموكلة على الأمور فى تلك الليلة على ما قدر اللّه تعالى امر السنة فى عباده وبلاده إلى السنة المقبلة وقال عكرمة تقدير المقادير وإبرام الأمور فى ليلة النصف من الشعبان فيها ينسخ الاحياء من الأموات فلا يزداد فيهم ولا ينقص منهم ويؤيده ما رواه البغوي ان رسول اللّه صلعم قال يقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى ان الرجل لينكح ويولد له ولقد خرج اسمه فى الموتى قلت لعل تقدير المقادير بنحو من الانجاء أو بعضها فى ليلة النصف من شعبان وتقديرها كلها وتسليمها إلى أربابها انما هو فى ليلة القدر قال اللّه تعالى فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ قال ابن عباس يكتب من أم الكتاب فى ليلة القدر ما هو كاين فى السنة من الخير والشر والأرزاق والآجال حتى الحاج يقال يحج فلان وفلان وروى أبو الضحى عن ابن عباس ان اللّه يقضى الا قضية ليلة النصف من شعبان ويسلمها إلى أربابها فى ليلة القدر كذا ذكر البغوي وقال الزهري سميت بها للعظمة والشرف قال اللّه تعالى وما قدروا اللّه حق قدره أى ما عظموه وقيل لان العمل الصالح فيه يكون ذا قدر عند اللّه واجر جزيل ومعنى نزول(1/7123)
القران فى ليلة القدر على ما روى مفهم عن ابن عباس انه قال انزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ ليلة القدر من شهر رمضان إلى بيت العزة فى السماء الدنيا ثم نزل به جبرئيل عليه السلام على رسول اللّه صلعم نجوما نجوما فى
عشرين سنة فذلك قوله بمواقع النجوم وروى عن أبى ذر عن النبي صلعم قال انزل صحف ابراهيم فى ثلث مضين من رمضان ويروى فى أول ليلة من رمضان وأنزلت تورية موسى فى ست ليال مضين من رمضان وإنزال الإنجيل فى ثلث عشرة مضت من رمضان وانزل
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 312(1/7124)
زبور داود فى ثمان عشرة ليلة من رمضان وانزل القرآن على النبي صلعم فى اربعة وعشرين لست بقين بعدها واخرج احمد والطبراني من حديث وأيلة بن الأسقع نزلت صحف ابراهيم أول ليلة من رمضان وأنزلت التورية لست مضين والإنجيل لثلث عشرة والقران لاربع وعشرين وبناء على تلك الأحاديث قال بعض العلماء ان ليلة القدر ليلة اربع وعشرين من رمضان وروى هذا القول عن ابن مسعود والشعبي والحسن وقتادة ويويد قولهم ما روى احمد عن بلال مرفوعا التمسوا ليلة القدر ليلة اربع وعشرين وفيه ابن لهيعة قال الحافظ ابن حجر اخطأ ابن لهيعة فى رفعه قلت وتلك الأحاديث لو صحت لا تدل على ان يكون ليلة القدر فى كل عام ليلة اربع وعشرين بل كونها كذلك سنة نزول القرآن إلى بيت العزة أو فى سنة حكى عنه بلال (فائدة) اختلف العلماء فى تعيين ليلة القدر على نحو من أربعين قولا والصحيح انها ليلة منتقلة فى العشر الأواخر من كل رمضان جمعا بين الأحاديث الصحاح وإعراضا عما يخالفها منها حديث سلمان الفارسي قال خطب رسول اللّه صلعم فى اخر يوم من شعبان فقال يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك شهر فيه ليلة خير من الف شهر وقد مر هذا الحديث فى سورة البقر وفضائل رمضان وهذا الحديث يدفع ما قيل انها يكون فى رمضان وغيره كذا ذكر قاضيخان مذهب أبى حنيفة لا يقال لعلها كانت فى سنة نزول القرآن أو عما حكى عنه سلمان خاصة فى رمضان فلا يدفع بهذا الحديث ولا بالآية لانا نقول ورد فى حديث سلمان نعوت شهر رمضان مطلقا حيث قال جعل اللّه صيامه فريضة وقيام ليلة تطوعا ومن تطوع فيه كان كمن ادى فريضة فى غيره ومن ادى فريضة كان كمن ادى سبعين فريضة وانه شهر الصبر وشهر المواساة وغير ذلك وليس شىء من تلك النعوت مختصا برمضان تلك السنة فكذا هذا ومنها حديث عائشة قالت كان رسول اللّه صلعم يجتهد فى عشر الأواخر ما لا يجتهد فى غيره رواه مسلم وقالت كان إذا(1/7125)
دخل العشر شد ميزره وأحيا ليله وأيقظه اهله متفق عليه وقالت كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه اللّه ثم اعتكف أزواجه بعده متفق عليه وقالت كان يجاور العشر الأواخر من رمضان ويقول تحروا الليلة القدر فى العشر الأواخر من رمضان رواه البخاري ومنها حديث أبى سعيد الخدري ان رسول اللّه صلعم اعتكف العشر الأول
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 313
من رمضان ثم اعتكف العشر الأوسط فى قبة تركية ثم اطلع رأسه فقال انى اعتكف العشر الأول التمس هذه الليلة ثم اعتكف العشر الأوسط ثم أتيت فقيل لى انها فى العشر الأواخر فمن اعتكف معى ظيعتكف العشر الأواخر فانى اريت هذه الليلة ثم أتيتها وقد رايتنى اسجد فى الماء والطين من صبيحتها فالتمسوها فى كل وتر قال فمطر السماء تلك الليلة وكان المسجد على عريش فوكف المسجد فيضرب عينى رسول اللّه صلعم وعلى جبهته اثر الماء والطين من صبيحة احدى وعشرين متفق عليه فى المعنى وروى مسلم من حديث أبى سعيد قال اعتكف رسول اللّه صلعم العشر الأوسط من رمضان يلتمس ليلة القدر فلما انقضين امر بالبناء نوقض ثم أنسيت وانها فى العشرة الأواخر فامر بالبناء فاعيد ثم خرج على الناس فقال يا أيها الناس انها كانت اريت لى ليلة القدر وانى خرجت لاخبركم فجاء رجلان معهما شيطان فنسيتها فالتمسوها فى العشرة الأواخر من رمضان والتمسوها فى التاسعة والسابعة والخامسة قال قلت يا أبا سعيد انكم اعلم بالعدد منا قال أجل نحن أحق بذلك منكم قال التاسعة والسابعة والخامسة قال إذا مضت واحدة وعشرون فالتى تليها ثنتان وعشرون فهى التاسعة وإذا مضى ثلث وعشرون فالتى تليها السابعة وإذا مضى خمس وعشرون فالتى تليها الخامسة وروى الطيالسي عن أبى سعيد مرفوعا ليلة القدر ليلة اربع وعشرين ومنها حديث عبد اللّه بن أنيس مرفوعا اريت ليلة القدر ثم أنسيتها و(1/7126)
أراني صبيحتها اسجد فى الماء والطين قال فمطرنا ليلة ثلث وعشرين فصلى بنا رسول اللّه صلعم يعنى الفجر فانصرف واثر الماء والطين على جبهته وانفه رواه مسلم وأبو داود عنه قال قلت يا رسول اللّه ان لى بادية أكون فيها فمر لى بليلة انزل فقال انزل ليلة ثلث وعشرين وفى رواية عنه انه سال رسول اللّه صلعم عن ليلة القدر صبيحة احدى وعشرين فقال كم الليلة قلت ليلة اثنين وعشرين قال هى الليلة أو القابلة ومنها حديث ابن عمر قال قال رسول اللّه صلعم من كان متحريا فليتحرها ليلة سبع وعشرين رواه احمد وابن المنذر معناه وحديث جابر بن سمرة نحوه أخرجه الطبراني وحديث معاوية بن أبى سفيان عن النبي صلعم فى ليلة القدر قال ليلة القدر سبع وعشرين رواه أبو داود بأحاديث ليلة سبع وعشرين أخذ احمد وهى رواية عن أبى حنيفة وبه جزم أبى بن كعب وحلف عليه فقيل لابى باى شىء تقول ذلك يا أبا المنذر
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 314(1/7127)
قال بالعلامة التي أخبرنا رسول اللّه صلعم انها يعنى الشمس تطلع يومئذ لا شعاع لها رواه مسلم وروى هذا القول ابن أبى شيبة عن عمرو حذيفة وأناس من الصحابة ويستدل بهذه المقالة بما رواه مسلم عن أبى هريرة قال تذاكرنا ليلة القدر فقال رسول اللّه صلعم أيكم يذكركم حين طلع القمر كأنَّه شق جفنه قال أبو الحسن الفارسي أى ليلة سابع وعشرين فان القمر يطلع فيها بتلك الصفة قال المراد به كمال وقته وذا بالسابع والعشرين وهذا الاستدلال ضعيف لان الظاهر من الحديث انه كما ان الشمس من صبيحتها تطلع بلا شعاع كذلك القمر فى تلك الليلة يطلع بلا شعاع لا لاجل كمال وقته بل لمعنى اخر فهذه الأحاديث لا تدل الا على كون ليلة القدر تارة ليلة سابع وعشرين لا على انها لا تكون الا تلك الليلة ومنها حديث ابن عمر راى رجل ليلة القدر ليلة السابعة وعشرين فقال النبي صلعم اراى روياكم فى العشر الأواخر فاطلبوها فى الوتر فيها رواه مسلم ومنها حديث ابن عمر مرفوعا فليتحرها ليلة السابعة رواه عبد الرزاق وروى احمد عن ابن عباس نحوه يعنى السابعة بعد العشرين أو السابعة من الليالى الباقية ومنها حديث النعمان بن بشير مرفوعا سابعة تمضى أو سابعة تبقى رواه احمد عن ابن عباس مرفوعا هى فى العشر الأواخر فى تسع يمضين أو سبع يبقين وفى لفظ تسع يمضين رواه البخاري وفى لفظ للبخارى التمسوها فى العشر الأواخر فى تاسعة تبقى فى سابعة تبقى فى خامسة تبقى ومنها حديث عبادة بن الصامت قال خرج النبي صلعم ليخبرنا بليلة القدر فتلاقى رجلان من المسلمين فقال خرجت لاخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت عسى ان يكون خيرا لكم فالتمسوها فى التاسعة والسابعة والخامسة اواه أو سبع يبقين ومنها حديث أبى بكر فقال سمعت رسول اللّه صلعم يقول التمسوها يعنى ليلة القدر فى تسع يبقين أو خمس يبقين أو ثلث اواخر ليلة رواه الترمذي وروى احمد من حديث عبادة بن الصامت نحوه(1/7128)
منها حديث ابن عمران رجلا من اصحاب النبي صلعم راى ليلة القدر فى المنام فى السبع الأواخر فقال عليه السلام ارى روياكم قد تواطئت فى السبع الأواخر فمن كان متحريا فليتحرها فى السبع الأواخر فقال النبي صلعم التمسوها فى السبع الأواخر ومنها عن على مرفوعا ان غلبتم فلا تغلبوا فى
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 315
السبع البواقي رواه احمد وحديث ابن عمر مرفوعا التمسوها فى العشر الأواخر فان ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقي رواه مسلم ويظهر من هذه الأحاديث كلها ان ليلة القدر تكون فى العشر الأواخر من رمضان فتارة تكون ليلة احدى وعشرين كما ثبت من حديث أبى سعيد نحوه وتارة تكون ليلة ثلث وعشرين كما ثبت بحديث عبد اللّه بن أنيس وتارة ليلة اربع وعشرين التي انزل فيها القرآن وتارة ليلة سبع وعشرين كما ظهر على أبى بن كعب بالعلامة وتارة ليلة تاسع تبقى يعنى الثانية والعشرين أو خامسة تبقى وهى السادسة والعشرين أو ثلث تبقين وهى الثامنة والعشرين أو تسع تمضين وهى التاسعة والعشرين اواخر ليلة وهى الثلثين فلا تعارض فى الأحاديث على هذا التأويل واللّه تعالى أعلم وقيل معنى الآية انا أنزلنا القرآن فى فضل ليلة القدر وذلك قوله تعالى وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ما(1/7129)
فى قوله ما أدريك استفهامية للانكار والغرض منه التعظيم والتعجب وكذا فى ما ليلة القدر وجملة ما ليلة القدر بتأويل المفرد مفعول ثان لادراك والمعنى أى شىء ادراك عظمة ليلة القدر وفضلها فان عظمتها وفضلها اكثر من ان يدرك والجملة معترضة ثم بين اللّه فضلها وعظمها بجملة مستأنفة فقال لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ط ليس فيها ليلة القدر يعنى ان من أحياها بالعبادة كان له اجرا كثيرا لمن عمر الف شهر بالعبادة وعن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلعم من قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه رواه البخاري وعند مسلم بلفظ من يقم ليلة القدر فيوافقها وعند احمد من حديث عبادة بن الصامت من قامها ثم وافقت له يعنى قامها بطن ليلة القدر فوافقها فى نفس الأمر غفر له.
تَنَزَّلُ حذف أحد التاءين من تتنزل الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ مر تحقيق الروح فيما سبق فِيها فى تلك الليلة من السماء إلى الأرض عن انس قال قال رسول اللّه صلعم إذا كان ليلة القدر ينزل جبرئيل فى كبكبة من الملائكة يصلون على كل عبد قائم أو قاعد يذكروا اللّه عز وجل بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ج متعلق بتنزل وجملة تنزل خبر بعد خبر لليلة القدر بين فضله اخرى لها أو واقع مواقع التعليل للخبرية مِنْ كُلِّ أَمْرٍ قدر فيها.
سَلامٌ اما خبر مبتداء محذوف أى هو سلام والجملة صفة الأمر والمعنى تنزل الملائكة والروح من أجل كل امر هو سلام والحمل على المبالغة نحو زيد عدل أو بحذف المضاف أى امر هو موجب للسلامة عن كل مكروه والظاهر ان هذا الأمر هو الرحمة والبركة فى أجور الأعمال والسكينة النازلة على المؤمنين الذاكرين اللّه تعالى وعلى هذا قوله هِيَ مبتداء خبره حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ع والضمير هى راجع إلى الليل لا مطلقا فانه حمل غير مفيد فان ثبوت الليل إلى مطلع الفجر امر معلوم
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 316(1/7130)
بديهي بل مقيد بصفة الخيرية ونزول الملائكة أو يقال هى مبتداء وسلام خبر مقدم عليه والجملة خبر بعد خبر ليلة القدر وتقديم الخبر على المبتدا لقصد الحصر أى ما هى الإسلام وخير كلها ليس فيها شر قال الضحاك لا يقدر اللّه فى تلك الليلة الشر ولا يقتضى الإسلام وقال مجاهد ليلة شاملة لا يستطيع الشيطان ان يعمل فيها سوء اولا ان يحدث فيها أذى وقيل ما هى الإسلام لكثرة ما يسلم الملائكة على المؤمنين وعلى هذا الظرف اعنى حتى مطلع الفجر اما متعلق بمفهوم سلام بمعنى تسليم يعنى ما تلك الليلة الا مقصورة على التسليم حتى مطلع الفجر أو هو ظرف مستقر خبر مبتداء محذوف أى تلك حتى مطلع الفجر وهذه الجملة خبر اخر لليلة القدر أو متعلق يتنزل وعلى هذين التقديرين سلام هى جملة معترضة قرأ الكسائي مطلع الفجر بكسر اللام والباقون بفتح اللام وهو اما مصدرا بمعنى الطلوع أو ظرف زمان وقت طلوعه - (فائدة) قيل يرى فى ليلة القدر كل شىء ساجدا والأنوار فى كل مكان ساطعة ويسمع سلام وخطاب من الملائكة قلت وهذا امر قد يظهر بنظر الكشف على بعض الأكابر لا على كل منهم ولا يشترط لحصول الثواب ظهور شىء فيها ولو كان ظهور تلك الأشياء امرا كليا أو أكثريا لم يتصور خفاءها وابهامها على الامة لا سيما على الصحابة والتابعين ومن يليهم وأكابر الأولياء ولكن يشترط لحصول ثواب ليلة القدر عبادة اللّه تعالى كما يدل عليه قوله عليه السلام من قام ليلة القدر ايمانا وقوله عليه السلام يصلون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر اللّه (مسئلة) من ادى صلوة العشاء والفجر فى تلك الليلة بالجماعة فقد أدرك ثواب تلك الليلة ومن زاد زاده اللّه عن عثمن رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من صلى العشاء فى جماعة فكانما قام نصف الليل ومن صلى الصبح فى جماعة فكانما صلى الليل كله رواه مسلم يعنى من صلى الصبح فى جماعة بعد ما صلى العشاء فكانما صلى(1/7131)
الليل كله فكل صلوة قايم مقام نصف الليل فانهما فريضتى الليل واما المغرب فانها وتر النهار يستحب ان يكثر فى ليلة القدر اللّهم انك عفو تحب العفو فاعف عنى لحديث عايشة قالت قلت يا رسول اللّه ارايت ان علمت أى ليلة القدر ما أقول فيها قال قولى اللّهم انك عفو إلخ رواه احمد وابن ماجة والترمذي - واللّه تعالى أعلم .
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 317
سورة البيّنة
مدنيّة وهى ثمان آيات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا فى زمان الماضي قبل مبعث النبي صلعم مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ من لبيان الموصول وكفرهم بالإلحاد فى صفات اللّه تعالى وقولهم عزير ابن اللّه والمسيح ابن اللّه وَالْمُشْرِكِينَ يعنى عبدة الأوثان عطف على أهل الكتاب مُنْفَكِّينَ زائلين متعضلين عن كفرهم الذي كانوا عليه حذف صلة منفكين لدلالة صلة الذين عليه حَتَّى تَأْتِيَهُمُ لفظه مستقبل أريد به الماضي أى حتى أتتهم الْبَيِّنَةُ يعنى ما يبين الحق من الباطل وهو.
رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يعنى محمدا صلى اللّه عليه وسلم بدل من البينة يَتْلُوا صُحُفاً الجملة صفة لرسول اللّه صلعم وانه صلى اللّه عليه وسلم وان كان اميا لكنه لما كان متلوه مما يكتب فى الصحف كان كمن يتلو صحفا أى مصاحف مُطَهَّرَةً من الباطل وتصرف الشياطين أو ممنوعة من مس المحدث والجنب والحائض قال اللّه تعالى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وقال لا يمسه الا المطهرون.
فِيها أى فى تلك الصحف كُتُبٌ مكتوب قَيِّمَةٌ ط عادلة مستقيمة لا عوج فيها فإذا أتاهم الرسول بين لهم ضلالتهم وأزال عنهم جهلهم ودعاهم إلى الايمان فانفك عن كفره من وفقه اللّه للايمان وقدر له السعادة.(1/7132)
وَ ما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ فى الايمان بالنبي صلى اللّه عليه وسلم وكفرهم به إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ما مصدرية والاستثناء مفرغ منصوب المحل على الظرفية متعلق بتفرق أى ما تفرقوا فى امر النبي صلعم فى وقت من الأوقات الا بعد مجيئه وكانوا قبل ذلك مجتمعين على تصديقه منتظرين لمجيئه يَسْتَفْتِحُونَ به عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ حسدا وعنادا وجملة ما تفرق عطف على لم يكن والحاصل ان أهل الكتاب وان كان بعضهم ملحدا فى صفات اللّه ونسبة الولد إليه لكنهم كانوا مجتمعين فى امر النبي صلعم لوضوح بيان امره فى كتبهم ولما كان صفة اجتماعهم على تصديق النبي صلعم مختصا باهل الكتاب دون المشركين أفرد فى هذه الآية ذكرهم لاظهار زيادة شتاعة من بقي منهم على الكفر والآية الاولى لبيان حال المؤمنين
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 318
من أهل الكتاب ومن المشركين والآية الثانية لبيان من بقي على الكفر من أهل الكتاب قال البغوي وقال بعض ائمة اللغة معنى قوله منفكين هالكين من قولهم انفك صدر المرأة عند الولادة وهو ان ينفصل فلا يلتئم حتى تهلك ومعنى الآية لم يكونوا هالكين معذبين الا بعد قيام الحجة عليهم من إرسال الرسول وإنزال الكتاب نظيره قوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا.(1/7133)
وَ ما أُمِرُوا يعنى هؤلاء الكفار كلهم إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ قيل اللام زايدة والفعل منصوب بان مقدرة حذفت ان وزيدت اللام والجملة فى محل النصب على انه مفعول به لامروا أى ما أمروا الا بان يعبدوا اللّه وقيل المفعول به محذوف واللام لام كى والجملة فى محل النصب على العلية والمعنى ما أمروا بما أمروا به بشئ الا ليعبدوا والحاصل انهم ما أمروا على لسان محمد صلعم الا بشئ حسن ذاته تدل الادلة العقلية على حسنه وقد أمروا بذلك فيما سبق من الكتب المنزلة فعجبا من المنكرين كيف أنكروا وكيف يفرقوا فيه مُخْلِصِينَ حال من فاعل يعبدوا لَهُ أى للّه الدِّينَ أى الاعتقاد عن الشرك بغيره حُنَفاءَ حال مرادف أو متداخل لمخلصين أى مائلين عن الأديان الباطلة كلها قال ابن عباس معناه وما أمروا فى التورية والإنجيل الا بإخلاص العبادة للّه موحدين وَيُقِيمُوا عطف على يعبدوا الصَّلاةَ المكتوبة فى أوقاتها وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ عند محلها وَذلِكَ الذي أمروا به على لسان محمد صلعم دِينُ الْقَيِّمَةِ ط أى الامة القائمة الراسخة على الحق من الأنبياء والماضيين واتباعهم الصالحين قال البغوي قال النضر بن شميل سالت الخليل بن احمد عن قوله تعالى ذلك دين القيمة فقال القيمة والقيم والقائم واحد مجازا الآية وذلك دين القيمة للّه بالتوحيد أو المعنى وذلك دين الكتب القيمة التي لا عوج فيها التي جرى ذكرها فى ضمن الذين أوتوا الكتاب وقيل معناه ذلك طريق الملة والشريعة القيمة المستقيمة قال البغوي أضاف الدين إلى القيمة وهى لغة لاختلاف اللفظين وأنت القيمة بتأويلها إلى الملة ولما ورد ذكر المؤمنين والكافرين استأنف اللّه سبحانه بالوعد والوعيد للفريقين فقال.(1/7134)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ اسم وخبره ما بعده فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها ط حال مقدرة من فاعل الظرف أُولئِكَ
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 319
هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ
اى شر الخلائق أجمعين حتى الكلاب والخنازير والجملة اما تذئيل أو خبر لان بع د خبروهم ضمير الفصل قرأ نافع وابن ذكوان البرية فى الموضعين بالهمزة والباقون بتشديد الياء بغير همزة.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ أجمعين حتى الْبَرِيَّةِ ط الملائكة المعصومين ومن هاهنا قالوا ان خواص البشر أفضل من خواص الملائكة وعوام البشر اعنى المؤمنين الصالحين ارباب القلوب الصافية النفوس الزاكية أفضل من عوام الملائكة واما غير الصالحين من المؤمنين فيلتحقون بالصالحين بعد ما يتمحضون من الذنوب اما بالمغفرة أو بالعقاب ويدخلون الجنة.(1/7135)
جَزاؤُهُمْ مبتداء عِنْدَ رَبِّهِمْ ظرف لجزاءهم جَنَّاتُ عَدْنٍ أى اقامة خبر لجزائهم تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا أى من تحت قصورها وأشجارها الْأَنْهارُ فاعل تجرى على المجاز والجملة صفة لجنات خالِدِينَ فِيها فى جنات حال منهم فى جزاءهم أَبَداً ط ظرف لخالدين قال البيضاوي فيه مبالغات تقديم المدح وذكر الجزاء المؤذن بان ما منحوا فى مقابلة ما وصفوا به والحكم عليه بأنه من عند ربهم وجمع جنات وتقيدها اضافة ووصفها بما يزداد بها نعيما وتأكيد الخلود بالتابيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ هذا نعمة زاد من الجنات وما فيها فضل اللّه عن أبى سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلعم ان اللّه يقول لاهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير كله فى يديك فيقول هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم يعط أحد من خلقك فيقول الا أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون يا رب أى شىء أفضل من ذلك فيقول أحل عليكم رضوانى فلا أسخط عليكم بعده ابدا متفق عليه قلت لعل المراد من قوله ما لم يعط أحد من خلقك ما لم يعط الملائكة والا فليس غير أهل الجنة الا أهل النار ولا يجوز القول بالتفضيل عليهم وَرَضُوا عَنْهُ ط قال البغوي قيل الرضاء ينقسم قسمين رضى اللّه به ورضى عنه رضى به ربا ومدبرا ورضى عنه فيها يقضى ويقدر قلت والرضى عنه على اقسام قسم منه معناه ترك الاعتراض عليه والاعتقاد بان كل ما فعل هو الحسن فى نفس الأمر وان خفى علينا وجه حسنه وهذا القسم من الرضا واجب على العباد فى كل ما قضى اللّه عليه من مرغوب ومكروه عنده غير انه ان صدر عنه المعصية أو عن غيره لا يرضى عن الكفر والمعصية من حيث صدوره عن العبد وكسبه فان صدور الكفر والمعصية عن العبد وكسبه به غير مرضى اللّه وان كان صادرا
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 320(1/7136)
بارادة اللّه وخلقه ومناط التكليف فى وجوب هذا القسم من الرضاء العقل والاستدلال فان العاقل إذ لاحظ ان اللّه تعالى مالك للاشياء كلها والمالك يتصرف فى ملكه كيف يشاء والاعتراض انما يتوجه على من يتصرف فى ملك غيره بغير اذنه ولاحظ انه تعالى حكيم لا يفعل الأعلى ما اقتضاه الحكمة رضى اللّه به وان اختلج شىء فى صدره فذلك لاجل نقصان فى عقله ودينه وبقية كفر فى نفسه الامارة بالسوء والى هذا القسم من الرضاء أشار السرى السقطي رضى اللّه عنه إذا كنت لا ترضى عن اللّه فكيف تساله الرضى عنك وقسم منه معناه كون مقتضيات اللّه محبوبا له مرغوبا عنده وان كان على خلاف هواه ومنشأه العشق والمحبة باللّه سبحانه فان فعل المحبوب ومراده أحب عند المحب من مراد نفسه ومن هاهنا قال الشاعر فان فرحت بهجرى رضيت بالضروري وقسم منه معناه بلوغ المراد أقصى ما يتمناه ويشتهيه وهو المراد هاهنا ومن قوله تعالى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اذن لا ارضى وواحد من أمتي فى النار وقد مر فى سورة والضحى ذلك المذكور من الجزاء والرضوان لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ع فان الخشية ملاك الأمر والباعث على كل خير والناهي عن كل معصية وشر وجملة ذلك لمن خشى ربه فى مقام التعليل بقوله تعالى جزاءهم عن انس بن مالك قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم لابى ان اللّه أمرني ان اقرأ عليك القرآن وفى رواية ان اقرء عليك لم يكن الذين كفروا قال أ اللّه سمانى لك قال نعم قال وقد ذكرت عند رب العالمين قال نعم قذرفت عينه متفق عليه قلت وما ذكر فى الحديث من حال أبى هواية عشاق - واللّه تعالى أعلم .
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 321
سورة الزّلزال
مدنيّة وهى ثمان آيات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(1/7137)
إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها أى حركت حركة واضطرابا مناسبا بشأنها فى العظمة ولابقاء بها فى الحكمة أو حركة ممكنا لها أو مقدرا لها أخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس قال تحركت من أسفلها واختلفوا فى تلك الزلزلة هل هى بعد النفخة الثانية وقيام الناس من قبورهم أو قبل النفخة الاولى فى الدنيا من اشراط الساعة فاختاره الحليمي وغيره الأول وابن العربي ومن معه الثاني محتجين بقوله تعالى يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وأجاب أهل المقالة الاولى انه خرج مخرج المجاز والتمثيل لشدة الهول لا على حقيقته مستدلين بما أخرج الترمذي وصححه عن عمران ابن حصين قال كنا مع رسول اللّه صلعم فنزلت يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْ ءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كل مرضعة الآية فقال أ تدرون أى يوم ذلك يوم يقول اللّه لادم ابعث بعث النار الحديث وله طرق وفى الصحيحين عن أبى سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلعم يقول اللّه يوم القيامة لادم قم فابعث بعث النار من ذريتك فيقول أى رب وما بعث النار فيقول من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعون ويبقى واحد فعتد ذلك يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب اللّه شديد فشق ذلك على الناس فقالوا يا رسول اللّه وأينا ذلك الواحد فقال من يأجوج وماجوج الف ومنكم واحد وهل أنتم فى الأمم الا كالشعرة السوداء فى الثور الأبيض أو كالشعر البيضاء فى الثور الأسود وقال أهل المقالة الثانية هذا الحديث لا يدل على ان الزلزلة يكون حين الأمر ببعث النار بل فى ذلك اليوم والأمر متاخر عنها فكانه صلى اللّه عليه وسلم لما اخبر عن الزلزلة التي يكون متقدمة على النفخة الاولى ذكر ما يكون فى ذلك اليوم من الأهوال إلى العظام قلت وعبارة حديث الصحيحين يابى عن هذا التأويل فانه(1/7138)
فيه فعند ذلك أى عند بعث النار
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 322
يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها واللّه تعالى أعلم قلت جاز ان يتكرر الزلزلة مرة فى اشراط الساعة ومرة بعد البعث.
وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ اسناد الإخراج إلى الأرض مجازى أَثْقالَها أخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس قال يعنى الموتى من القبور كذا أخرج الفريابي عن ابن مجاهد وعلى هذا فهى حكاية عما بعد النفخة الثانية واخرج ابن أبى حاتم عن عطية قال يعنى ما فيها من الكنوز عن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلعم يلقى الأرض أفلاذ كبدها أمثال أسطوان من الذهب والفضة ويجئ القاتل فيقول فى هذا قتلت ويجئ القاطع فيقول فى هذا قطعت رحمى فيقول فى هذا قطعت يدى ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا رواه مسلم وفى الصحيحين عنه مرفوعا يوشك الفرات ان يحسر عن اكثر من ذهب فمن حضر فلا يأخذ منه شيئا وفى رواية لمسلم عنه لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب فتقتل الناس عليه فتقتل من مائة تسعة وتسعون ويقول كل رجل منهم لعلى أكون انا الذي أنجو قلت لعل القتال يكون فى بادى الأمر ثم يؤل الأمر إلى ان لا يأخذ أحد منهم شيئا.
وَقالَ الْإِنْسانُ تعجبا ما لَها ج أى ما للارض تزلزل هذه الزلزلة الشديدة وتلفظ ما فى بطنها قيل المراد بالإنسان الكافر يقول ذلك حين يبعث ولم يكن يرجو البعث واما المؤمن فيقول هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون قال البغوي فى الآية تقديم وتأخير تقديره.(1/7139)
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ الأرض أَخْبارَها فيقول الإنسان مالها تخبر وتتكلم بما عمل عليها يومئذ بدل من إذا زلزلت والعامل فيه تحدث ويحتمل ان يكون يومئذ أصلا وإذا اقتضى بمحذوف أى لتحاسبن إذا زلزلت يومئذ تحدث اخبارها عن أبى هريرة قال قرأ رسول اللّه صلعم هذه الآية فقال أ تدرون ما اخبارها قالوا اللّه ورسوله اعلم قال فان اخبارها ان تشهد على كل عبدو أمة بما عمل على ظهرها تقول عمل كذا وكذا فذاك اخبارها رواه احمد والترمذي وصححه والنسائي وابن حبان والبيهقي واخرج الطبراني عن ربيعة الحرثى ان رسول اللّه صلعم قال تحفظوا من الأرض فانها امكم وانه ليس من أحد عمل عليها خيرا وشرا الا وهى مخبرة وكذا أخرج الطبراني عن مجاهد.
بِأَنَّ أى بسبب ان رَبَّكَ أَوْحى لَها ط اللام بمعنى إلى يعنى اوحى ربك إليها ان تخبر أو بمعناها
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 323
اذن لها فى ذلك تشقى فى العصاة وجاز ان يكون بان ربك بدلا من اخبارها يقول أخبرته كذا وأخبرته هكذا وحينئذ يكون جوابا لقول الإنسان مالها يعنى تقول اوحى ربك إلى وحكم بالزلزلة وإخراج الأثقال.
يَوْمَئِذٍ ظرف لما بعده يَصْدُرُ أى يرجع النَّاسُ عن موقع الحساب بعد عرض أَشْتاتاً متفرقين فاخذ ذات اليمين إلى الجنة وأخذ ذات الشمال إلى النار قوله تعالى يومئذ يتفرقون لِيُرَوْا متعلق بيصدر أى لكن يروا أعمالهم قال ابن عباس أى ليروا جزاء أَعْمالَهُمْ ط يعنى يرجعون عن الموقف لينزلوا منازلهم من الجنة أو النار وجملة يومئذ يصدر مستأنفة وقول.(1/7140)
فَمَنْ يَعْمَلْ إلى اخر السورة تفصيل ليروا واخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير انه لما نزلت ويطعمون الطعام على حبه كان المسلمون يرون انهم يوجرون على الشيء القليل إذا اعطوا وكان آخرون يرون انهم لا يلامون على الذنبا ليسير الكذبة والنظرة وأشباه ذلك وانما وعد اللّه على الكبائر فانزل اللّه تعالى فمن يعمل مِثْقالَ ذَرَّةٍ الآية أى وزن نملة صغيرة أو أصغر من نملة خَيْراً تميز المثقال ذرة يَرَهُ ط قرأ هشام بإسكان الهاء فى الموضعين والباقون بالإشباع فيهما أى يرى جزاءه قال مقاتل يرغبهم فى القليل من الخير ان يعطوه فانه يوشك ان يكبر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل اللّه الا الطيب فان اللّه يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبه كما يربى أحدكم فلوة حتى تكون مثل الجبل متفق عليه وعن أبى ذر قال قال رسول اللّه صلعم لا تحقرن من المعروف شيئا ولو ان تلقى أخاك بوجه طليق رواه مسلم وهذا الآية حجة لاهل السنة على المعتزلة ان المؤمن وان كان مرتكبا للكبائر لا يخلد فى النار بل يصير عاقبته إلى الجنة فان اللّه وعد بايفاء الجزاء على مثقال ذرة من الخير والخلف عن وعد اللّه محال والايمان نفسه راس الخيرات وأساس العبادات كلها فكيف يتلاشى بارتكاب المعاصي ومحل روية الجزاء انما هو الجنة فالمؤمن وان كان فاسقا ومات من غير توبة يصير لا محالة إلى الجنة وعليه انعقد الإجماع وبه تواترت الروايات عن النبي صلعم قال رسول اللّه صلعم يخرج من النار من قالها وفى قلبه وزن ذرة من خير ومن ايمان متفق عليه من حديث انس وعند مسلم عن عثمان بلفظ من مات وهو يعلم ان لا اله الا اللّه دخل الجنة وعنده عن جابر بلفظ من مات
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 324(1/7141)
يشرك باللّه دخل النار ومن مات لا يشرك باللّه دخل الجنة وعنده عن عبادة بن الصامت بلفظ من شهد ان لا اله الا اللّه وان محمدا رسول اللّه حرم اللّه عليه النار وكذا عن انس وعن عتبان بن مالك فى الصحيحين وعن عمر عند الحاكم وعن معاذ عند مسلم وعنده عن ابن مسعود بلفظ لا يدخل النار أحد فى قلبه مثقال حبة من خردل من ايمان يعنى حرم اللّه عليه النار المؤبد ولا يدخل نارا مقدر الخلود فيه وعن أبى ذر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم ما من عبد قال لا اله الا اللّه ثم مات على ذلك دخل الجنة قلت وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق قلت وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق قلت وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق على رغم انف أبى ذر متفق عليه وعند احمد والبزاز والطبراني مثله قال السيوطي الأحاديث فى ذلك كثيرة زائدة على التواتر فان قيل هذه الآية يشتمل من عمل صالحا كانفاق وصلة الرحم ونحو ذلك من الكفار مع دلالة النصوص والإجماع على خلودهم فى النار قلنا الآية لا يشملهم لان شرط إتيان الحسنات الايمان باللّه واخلاص العمل له تعالى قال عليه الصلاة والسلام انما الأعمال بالنيات فإذا فات منهم شرط فات المشروط فمثل حسناتهم كمثل صلوة بلا وضوء فانها ليست بصلوة حقيقة بل يعد استهزاء ومعصية ومن ثم قال العلماء انه من نذر بالصلوة أو بالصوم أو بالاعتكاف فى حالة الكفر ثم اسلم لا يجب عليه الوفاء لان الصلاة والصوم والاعتكاف من الكافر ليس للّه خالصا فهى كفر ومعصية ليس من الطاعة فى شىء ولا نذر بالمعصية وأَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ.(1/7142)
وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ع أى يرى جزاءه ان لم يتداركه المغفرة والدليل على هذا التقييد الآيات والأحاديث الدالة على جواز مغفرة المعاصي من غير توبة قال اللّه تعالى ان اللّه لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقال اللّه تعالى يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وقال من يقنط من رحمة ربه الا الضالون وقال لا تقنطوا من رحمة اللّه ونحو ذلك وعن حذيفة بن اليمان قال قال رسول اللّه صلعم
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 325(1/7143)
و الذي نفسى بيده ليغفر اللّه يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس وجاء ان يصيبه رواه البيهقي وفى الباب أحاديث كثيرة بالغة حد التواتر وهذه الآية حجة لاهل السنة على المرجئة فى قولهم ان اللّه لا يعذب المؤمن وان كان فاسقا وان المؤمن لا يضره سيئة كما ان الكافر لا ينفعه حسنة وقد ورد فى تعذيب المؤمنين على الصغائر والكبائر آيات وأحاديث كثيرة لا يحصى يطول الكلام بذكرها فثبت ان الحق ما قال أهل السنة ان اللّه سبحانه ان شاء يعذب على صغيرة عدلا وان شاء يغفر الكبائر فضلا قال مقاتل الإثم الصغير فى عين صاحبه أعظم من الجبال يوم القيامة عن سعيد بن حبان قال لما فرغ النبي صلى اللّه عليه واله وسلم من حنين نزلنا قفرا من الأرض ليس فيها شىء فقال النبي صلى اللّه عليه واله وسلم اجمعوا من وجد شيئا فليات به قال فما كان الا ساعة حتى اجمعوا ركابا فقال النبي صلى اللّه عليه واله وسلم أ ترون هذا فكذلك تجمع الذنوب على الرجل منكم كما جمعتم هذا فليتق اللّه عز وجل فلا يذنب صغيرة ولا كبيرة فانها محصاة عليه رواه الطبراني وعن عائشة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم قال يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب فان لها من اللّه طالبا رواه النسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان وعن انس انكم لتعملون أعمالا هى أدق فى أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الموبقات رواه البخاري ولاحمد مثله من حديث أبى سعيد بسند صحيح قال ابن مسعود احكم اية فى كتاب اللّه فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ وورد فى الحديث الطويل عن انس عند مسلم ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سمى هذه الآية الفاذة الجامعة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وقال الربيع بن حيثم مر رجل بالحسن وهو يقرأ هذه السورة فلما بلغ آخرها قال(1/7144)
حسبى قد انتهيت الموعظة عن عبد اللّه بن عمرو قال اتى رجل النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال أقرأني يا رسول اللّه قال اقرأ ثلثا من ذوات الرا قال كبر سنى واشتد قلبى وغلظ لسانى قال فاقرأ ثلثا من ذوات حم فقال مثل مقاله فقال الرجل يا رسول اللّه أقرأني
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 326
سورة الجامعة فاقرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم إذا زلزلت الأرض حتى فرغ منها فقال الرجل والذي بعثك بالحق لا أزيد عليه ابدا ثم أدبر الرجل فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم أفلح الرويجل مرتين رواه احمد وأبو داود وعن انس وابن عباس قالا قال رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم إذا زلزلت تعدل نصف القرآن وقل هو اللّه أحد يعدل ثلث القرآن وقل يايها الكافرون ربع القرآن رواه الترمذي والبغوي وفى رواية عند الترمذي وابن أبى شيبة عن انس إذا زلزلت الأرض ربع القرآن قال الجزري كونها ربع القرآن لانها مشتملة على الحسنات وهو بالنسبة إلى الحيوة والموت والبعث والحساب ربع وكونها نصف القرآن لان ها مشتملة على احوال الاخرة واحوال الاخرة بالنسبة إلى احوال الدنيا والاخرة نصف فهى ربع من وجه ونصف من وجه وروى من حديث على بسند ضعيف جدا قوله صلى اللّه عليه واله وسلم من قرأ إذا زلزلت اربع مرات كان كمن قرأ القرآن كله - واللّه تعالى أعلم .
سورة العاديات
مكيّة وهى احدى عشرة اية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أخرج البزاز والدار قطنى والحاكم وابن أبى حاتم عن ابن عباس قال بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خيلا فلبث شهرا الا يأتيه فيها خيرا فنزلت(1/7145)
وَ الْعادِياتِ قرأ أبو عمرو بالإدغام الكبير بين التاء والضاد اقسم بخيل الغزاة التي تعدو فى سبيل اللّه كذا قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن والكلبي وقتادة ومقاتل وأبو العالية وغيره ولهذا التأويل وبما ذكرنا من سبب النزول يظهر ان السورة مدنية لأنه لم يكن قبل الهجرة جهاد وجاز ان يكون القسم بها
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 327
بمنزلة الاخبار لوجودها فى الاستقبال على تقدير كونها مكية ضَبْحاً أى تضبح ضبحا مصدر موقع الجملة التي وقعت حالا من فاعل العاديات وهى صوت أنفاس الخيل إذا عدون قال ابن عباس لا يضبح من الحيوانات غير الفرس والكلب والثعلب وما يضبحن الا إذا تغير حالهن من التعب وقال على العاديات هى الإبل فى الحج تعدو من عرفة إلى مزدلفة ومن مزدلفة إلى منى وقال كانت أول غزوة فى الإسلام بدرا وما كان معنا الا فرسان فرس الزبير وفرس المقداد بن الأسود فكيف تكون العاديات واليه ذهب ابن مسعود ومحمد بن كعب والسدى وعلى هذا معنى قوله ضبحا يعنى تمد أعناقها فى السير مدا.
فَالْمُورِياتِ الخيل التي نورى النار إذا سارت ليلا فى ارض ذات حجارة قَدْحاً يعنى تقدح أى تفك الحجارة بحوافرها قدحا.
فَالْمُغِيراتِ قرأ أبو عمرو وخلاد بالإدغام بين التاء والصاد أى الخيل التي تغير بفرسانها على عدو والاغارة سرعة سير صُبْحاً ظرف للمغيرات أى التي تغير فى وقت الصبح هذا قول اكثر المفسرين وقال القرظي هى الإبل تدفع بركبانها يوم النحر من جمع بمنى وقت الصبح وهو السنة بل الواجب ان لا يدفع حتى يصبح وقد رخص رسول اللّه صلعم للنساء والضعفاء بالدفع بعد طلوع الفجر من ليلة النحر.(1/7146)
فَأَثَرْنَ عطف على مضمون صلة اللام الموصول يعنى اللاتي عدون قادرين فاغرن فاثرن أى هيجن بِهِ الباء بمعنى فى والضمير عائد إلى الزمان المفهوم تضمنا من مضمون الصلة أى اثرن فى ذلك الوقت أى وقت الاغارة على العدو أو إلى المكان المفهوم منه اقتضاء أى اثرن فى مكان العدو نَقْعاً غبارا مفعول لاثرن.
فَوَسَطْنَ أى فوسطن تلك الخيل بِهِ الضمير عائد إلى النقع أى متلبسا بالنقع أو إلى الوقت أو المكان كما مر فى ذلك الوقت أو المكان جَمْعاً من جموع الأعداء وجواب القسم.
إِنَّ الْإِنْسانَ أريد به الجنس نظرا إلى اكثر افراده حيث قال اللّه تعالى وقليل من عبادى الشكور لِرَبِّهِ متعلق بما بعده قدم لرعاية الفواصل لَكَنُودٌ ج أى لكنود لنعمة ربه بلسان مضر كذا قال ابن عباس ومجاهد وقتادة أو العاصي بلغة كنده أو البخيل بلغة بنى مالك قال أبو عبيدة هو قليل الخير والأرض الكنود مالا ينبت شيئا.
وَإِنَّهُ قال ابن كيسان الضمير للانسان أى وان الإنسان عَلى ذلِكَ أى على كونه كفورا عاصيا بخيلا لَشَهِيدٌ ج يشهد به
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 328
على نفسه عند ادنى تأمل بظهور اثره أو يشهد على نفسه ويعترف بذنبه فى الاخرة يقول لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وقال اكثر المفسرين ضمير انه راجع إلى ربه يعنى وان ربه على كونه كنود الشهيد لا يعزب عنه شىء فيواخذ به فهو وعيد.
وَإِنَّهُ أى الإنسان لِحُبِّ الْخَيْرِ أى المال كما فى قوله تعالى ان ترك خيرا لَشَدِيدٌ ط لقوى مبالغ فيه فلا ينفقه فى سبيل المنعم شكرا للنعمة أو المعنى البخيل شديد وعلى هذا فاللام فى لحب الخير للتعليل أى لاجل حب المال لبخيل وعلى الأول لام الصلة.(1/7147)
أَ فَلا يَعْلَمُ همزة الاستفهام للتعجب والفاء للعطف على محذوف تقديره الا ينظر الإنسان فلا يعلم ومعناه لينظر وليعلم الان ما سيعلم غدا ان ربهم خبير لهم يجازيهم على ما يفعلون يوم نبعث من فى القبور ويبرز ما فى الصدور إِذا بُعْثِرَ أى بعث واثير ما فِي الْقُبُورِ من الموتى أورد لفظ ما بمعنى من لمشاكلة ما فى الصدور أو لأنه فى هذه الحالة مما لا يعقل لكونه موتى ملحقا بالجمادات.
وَحُصِّلَ أى جمع محصلا فى الصحف أو ميز وابرز ما فِي الصُّدُورِ أى ما فى صدورهم يعنى صدور جنس الإنسان من الخير والشر وتخصيص ما فى الصدور بالذكر دون اعمال الجوارح لأنه الأصل إذا بعثر شرط حذف جزاءه لتوسط فى جملة تدل على جزائه تقديره إذا بعثر ما فى القبور يعلم والجملة الشرطية معترضة للتهديد والفظاعة.
إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ ع هذه الجملة قائم مقام المفعولين ليعلم لدخول اللام على الخبر أو يقال مفعولاه محذوفان يدل عليهما هذه الجملة يعنى انا نجازيه وقت ما ذكروا بهم ويومئذ متعلق بمضمون خبير خص ذلك اليوم بالذكر وهو عالم بهم فى جميع الا زمان لان الجزاء يقع يومئذ فيظهر كونه خبيرا يومئذ أو يقال الخبير مجاز عن المجازى والمعنى ان ربهم يجازى بهم يومئذ كذا قال الزجاج واللّه تعالى أعلم .
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 329
سورة القارعة
مكّيّة وهى احدى عشرة اية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْقارِعَةُ سبق بيانه فى الحاقة والتاء اما لتانيث الساعة أو للمبالغة فى القرع.(1/7148)
مَا الْقارِعَةُ وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ الظرف اما متصف بفعل مضمر دلت عليه القارعة أى تقرع الناس يوم يكون الناس أو مبنى على الفتح لاضافته إلى الجملة فى محل الرفع على انه خبر مبتداء محذوف أى هى يوم يكون بيان للقارعة كَالْفَراشِ الطير التي يتهافت فى النار الْمَبْثُوثِ المفرق وجه الشبه كثرتهم وهو انهم وتموج بعضهم فى بعض وركوب بعضهم على بعض بشدة الهول.
وَتَكُونُ الْجِبالُ عطف على يكون كَالْعِهْنِ الصوف ذى الألوان لاجل اختلاف ألوان الجبال الْمَنْفُوشِ ط المندوف لتفرق اجزائها وتطائرها فى الجو.
فَأَمَّا تفصيل لما أجمل حاله من الناس عطف على يكون ذكر الناس فريقين مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ جمع موزون يعنى اعماله التي توازن معه والمراد بها الأعمال الصالحة فانها المقص بوجودها أو هو جمع ميزان وعلى هذا أيضا المراد به كفة الحسنات من ميزانه وقد صح ان الميزان له لسان وكفتان أخرجه ابن المبارك فى الزهد والآجري وأبو الشيخ فى تفسير عن ابن عباس واخرج ابن مردوية عن عائشة قالت سمعت رسول اللّه صلعم يقول خلق اللّه عز وجل كفتى الميزان مثل السماء والأرض وأورد الموازين بلفظ الجمع لان من ثقلت جمع معنى وافراد الضمير الراجع إليه نظرا إلى افراد لفظه فمقابلة الجمع بالجمع تقتضى انقسام الآحاد على الآحاد لكن على هذا التأويل تدل الآية على كون الميزان كل رجل على حدة وجاز ان يعتبر تعدد الموازين من حيث تعدد من يوزن أعمالهم.
فَهُوَ هذا أيضا باعتبار لفظة من فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ ط أسند الرضى إلى العيشة مجازا وهى صفة لصاحبها كما فى ناصية كاذبة وقيل الفاعل هاهنا بمعنى المفعول أى عيشة مرضية كعكسه فى وعدا ماتيا أو بمعنى ذات رضى.
وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ أى اعماله الحسنة أو كفة حسناته وهذا يعم الكافر الذي لا حسنة له لفقد الايمان الذي
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 330(1/7149)
هو شرط إتيان الحسنات والمؤمن الفاسق الذي ترجحت سيئاته على حسناته بخلاف الأول يعنى من ثقلت موازينه فانه لا يكون الا مؤمنا معصوما أو مغفورا أو ترجحت حسناته على سياته قال القرطبي قال علماؤنا الناس فى الاخرة على ثلث طبقات فرقة متقون لا كبائر لهم توضع حسناته فى اكفة النيرة فلا ترتفع وترتفع المظلمة ارتفاع الفارغ الخالي وفرقة كفار توضع كفرهم وأوزارهم فى الكفة المظلمة وان كان له عمل برّ كصلة الرحم ونحوها وضعت فى الكفة الاخرى فلا يقاومها ويرتفع كفة الحسنات ارتفاع الفارغ الخالي قال رسول اللّه صلعم انه لياتى الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا تزن عند اللّه جناح بعوضة ثم قرأ لا يقيم لهم يوم القيامة وزنا متفق عليه من حديث أبى هريرة وفرقة فساق المؤمنين يوضع حسناتهم فى كفة النيرة وسيئاتهم فى كفة المظلمة ان كانت كفة الحسنات أثقل دخل الجنة أو السيئات أثقل ففى مشية اللّه يعنى ان شاء ادخل النار وان شاء غفروا دخل الجنة وان كان مساويا كان من اصحاب الأعراف هذا إذا كانت الكبائر بينه وبين اللّه وان كان عليه تيعات اختص من ثواب حسناته بقدرها فان لم يوف زيد عليه من أوزار من ظلمة ثم يعذب على الجميع قال احمد بن حرث يبعث الناس يوم القيامة ثلث فرق فرقة اغنياء بالأعمال الصالحة وفرقة الفقراء وفرقة اغنياء ثم يصيرون فقراء مفاليس بالتبعات وقال سفيان الثوري انك ان تلقى اللّه تبارك وتعالى بسبعين ذنبا فيما بينك وبينه أهون عليك من ان تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد واخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس قال تحاسب الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته اكثر من سياته بواحدة دخل الجنة ومن كانت سياته اكثر من حسناته دخل النار قال وان الميزان يخف بمثقال حبة ويرجح ومن استوت حسناته وسياته كان من اصحاب الأعراف فوقفوا على الصراط يعنى حتى يوفوا جزاء بعض سياته ويرجح حسناته فيدخل الجنة قال السيوطي وانما(1/7150)
يوزن اعمال المتقى من لا سيئة عليه اظهار الفضلة واعمال الكافر اظهار الذلة قلت والمذكور فى القرآن غالبا جزاء الكفار فى مقابله جزاء الصلحاء المؤمنين واما حال الذين خلطوا صالحا واخر سيئا من المؤمنين فمسكوت عنه غالبا فى القرآن فالظاهر ان المراد هاهنا بمن خفت موازينه هم الكفار فهم المحكوم عليهم بقوله تعالى.
فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ ط يعنى مسكنه النار
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 331(1/7151)
يسمى المسكن اما لان الأصل سكون الأولاد إلى الأمهات والهاوية اسم من اسماء جهنم وهو المهواة لا يدرك قعرها الا اللّه وقال قتادة كلمة عربية كان الرجل إذا وقع فى امر شديد يقال هوت امه وقيل أراد راسه يعنى انهم يهوون فى النار على رؤسهم قال البغوي والى هذا التأويل ذهب قتادة وأبو صالح قلت وكذا الكفار هم المرادون فى مقابلة المتقين فى حديث انس عن النبي صلعم قال يوفى ابن آدم فيوقف بين كفتى الميزان به ملك فان ثقلت موازينه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق سعد فلان سعادة لا يشقى بعده ابدا وان خفت ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق شقى فلان شقاوة لا يسعد بعده ابدا وحال المخلط مسكوت فى الحديث والظاهر ان الملك لا ينادى عليه شىء من الصوتين ولذلك لم يذكر - (فائدة) قال القرطبي الميزان لا يكون فى حق كل أحد وان الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا ينصب لهم ميزان وكذلك من يعجل به إلى النار بغير حساب وهم المذكورون فى قوله تعالى يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي والاقدام وقال السيوطي يحتمل تخصيص الكفار الذين يوزن أعمالهم ولا يجدون ثقلا بالمنافقين فانهم يبقون فى المسلمين بعد لحوق كل مسلم أمة بما يعيدوهم يصلون ويصومون مع المؤمنين فى الدنيا رياء وسمعة فيميز اللّه الخبيث من الطّيّب بالميزان وقال الغزالي السبعون الف الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا يوضع لهم ميزان ولا يأخذون صحفا انما هى براة مكتوبة هذه براة فلان بن فلان أخرج الاصبهانى عن انس قال قال رسول اللّه صلعم تنصب الموازين ويوتون باهل الصلاة فيوفون أجورهم بالموازين ويوتون بأهل الحج فيوفور أجورهم بالموازين ويوتون باهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان ويصب لهم أجرا صبا بغير حساب حتى يتمنى أهل العافية انهم كانوا فى الدنيا تقرض أجسادهم بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل وذلك انما يوفى(1/7152)
الصابرون أجرهم بغير حساب واخرج الطبراني وأبو يعلى بسند لا بأس به عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال يوتى بالشهيد يوم القيامة فينصب للحساب ثم يوفى بالمتصدق فينصب للحساب ثم يوتى باهل البلاء فلا ينصب لهم الميزان ولا ينشر لهم ديوان فيصب عليهم الاجر صبا حتى ان أهل العافية ليتمنون بالموقف ان أجسادهم قرضت بالمقاريض من حيث
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 332(1/7153)
ثواب اللّه لهم وقد ذكر فيما سبق ان الذين يدخلون الجنة بغير حساب هم الصوفية العلية لعل المراد بأهل البلاء هاهنا أيضا بلاء العشاق المحبين للّه لرضائهم بالبلاء كرضائهم بالعطاء وكذا المراد بالبكاء فى قوله صلى اللّه عليه وسلم ما من شىء الا وله مقدار وميزان الا الدمعة فانها يطفى بها بحار من نار رواه البيهقي من حديث معقل بن يسار بكاء أهل العشق والا فقد صح فى الأحاديث وزن اعمال أهل البلاء كما فى قوله صلى اللّه عليه وسلم بخ بخ بخمس ما أثقلهن فى الميزان لا اله الا اللّه وسبحان اللّه والحمد للّه واللّه اكبر والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فتحبسه رواه النسائي وابن حبان والحاكم والبزار واحمد والطبراني من حديث ثوبان وأبو سلمى ولا شك ان وفات الولد من البلاء والشهادة التي ذكرت فى حديث ابن عباس أيضا من البلاء واللّه تعالى أعلم فان قيل روى احمد بسند صحيح عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلعم يوضع الموازين يوم القيامة فيوتى بالرجل فيوضع فى كفة ويوضع ما احصى عليه فتمايل به الميزان فيبعث به إلى النار فإذا أدبر إذ صايح يصيح من عند الرحمن لا تعجلوا فانه قد بقي له فيوتى ببطاقة فيها لا اله الا اللّه فيوضع مع الرجل حتى يميل به الميزان وروى الحاكم وصححه وابن حبان والترمذي عنه نحوه وعن أبى سعيد وابن عباس وغيرهما ما يؤيده فى عمره فكيف يخف ميزان المؤمن فانه لا يخلو مؤمن من قول لا اله الا اللّه ولو مرة واحدة فى عمره قلنا احكام الاخرة كلها يعنى أكثرها من القضايا المهملة فى قوة الجزئية فلما تكون منها كلية والأمر منوط بفضل اللّه ومدار الأعمال على الإخلاص ومقداره واللّه اعلم.(1/7154)
وَ ما أَدْراكَ ما هِيَهْ ط قرأ حمزة ما هى بغير الهاء وصلا فقط والباقون بالهاء للسكت فى الحالين والضمير راجع إلى الهاوية والاستفهام للتهويل وجملة ما أدريك معترضة لاستعظام أمرها وقوله تعالى نار بدل من هاوبة أو بيان لها أو خبر مبتداء المحذوف أى هى.
نارٌ حامِيَةٌ ع ذات حمى بلغت النهاية فى الحرارة.
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 333
سورة التكاثر
مكّيّة وهى ثمان آيات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَلْهاكُمُ أى إلهكم فى اللهو وهو الباطل من الأمر وما لا يعيد فائدة معتبرة وشغلكم عن طاعة اللّه وما ينجيكم من سخطه التَّكاثُرُ التباهي والتفاخر بكثرة المال والجاه والعدد.(1/7155)
حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ ط يعنى حتى متم ودفنتم بالمقابر أخرج ابن أبى حاتم عن زيد بن اسلم قال قال رسول اللّه صلعم ألهيكم التكاثر عن الطاعة حتى زرتم المقابر حتى يأتيكم الموت قال قتادة كانت اليهود يتفاخرون بكثرتهم ويقولون نحن اكثر من بنى فلان شغلهم ذلك حتى ماتوا فنزلت هذه الآية فيهم فعلى هذا حتى للغاية واخرج ابن أبى حاتم عن ابن بريدة قال نزلت الآية فى قبيلتين من قبائل الأنصار بنى حارثة وبنى الحارث تفاخروا وتكاثروا فقالت إحداهما فيكم مثل فلان وفلان وقال آخرون مثل ذلك تفاخروا بالاحباء ثم قال انطلقوا بنا إلى القبور فجعلت احدى الطائفتين يقول فيكم مثل فلان ومثل فلان ويشيرون إلى القبور وقال الكلبي نزلت فى حيين من قريش بنى عبد مناف وبنى قصى وبنى سهم قالت كل واحد نحن اكثر سيدا وأعز عزيزا واكثر عددا فكثرهم بنو عبد مناف ثم قالوا نعد موتانا حتى زارو القبور فعدوهم فقالوا هذا القبر فلان وهذا قبر فلان فكثرهم بنو سهم بثلاثة أبيات لانهم كانوا فى الجاهلية اكثر عددا فانزل اللّه تعالى هذه الآية وعلى هذين الروايتين معنى قوله حتى زرتم المقابر حتى عددتم الأموات لاجل التكاثر بالأموات بعد ما استوعبتم عدد الاح ياء فعبر عن انتقالهم إلى ذكر الأموات بزيارة القبور مجازا أو يحمل على زيارة القبور حقيقة حيث انطلقوا إلى المقابر بعد القبور حتى هذا للسببية عن عبد اللّه ابن السخير قال انتهيت إلى رسول اللّه صلعم هو يقرأ هذه الآية ألهيكم التكاثر قال ابن آدم مالى مالى وهل لك من مالك الا ما أكلت فافنيت أو لبست فابليت أو تصدقت فامضيت رواه البغوي وعن انس بن مالك قال قال رسول اللّه صلعم يتبع الميت ثلثة فيرجع اثنان ويبقى معه واحد يتبعه اهله وماله وعمله فيرجع اهله وماله ويبقى عمله رواه البخاري وعن عياض بن حمار المجاشعي ان رسول اللّه صلعم قال ان اللّه اوحى إلى ان تواضعوا حتى لا يفتخر أحد على(1/7156)
أحد ولا يبغى أحد على أحد رواه مسلم وعن أبى هريرة عن النبي صلعم قال لينتهين أقوام يفخرون بآبائهم الذين ماثوا انما هم محم من جهنم أو ليكونن أهون
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 334
على اللّه من الجعل الذي يد هده الخراء بانفه ان اللّه قد اذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء انما هو مؤمن تقى أو فاجر شقى الناس كلهم بنو آدم وآدم من تراب رواه الترمذي وأبو داود عن عقبة بن عامر قال قال رسول اللّه صلعم انسابكم هذه ليست بمسبة على أحد كلكم بنو آدم طف الصاع بالصاع لم تملوه ليس لاحد على أحد فضل الآبدين وتقوى كفى بالرجل ان يكون بذيا فاحشا بخيلا رواه احمد والبيهقي وعن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلعم إذا كان يوم القيامة امر اللّه مناديا ينادى الا انى جعلت نسبا وجعلتم نسبا فجعلت أكرمكم أتقاكم فابيتم الا ان تقولوا فلان ابن فلان خير من فلان بن فلان فاليوم ارفع نسبى واضع نسبكم اين المتقون رواه الطبراني فى الأوسط.
كَلَّا ردع عن التكاثر سَوْفَ تَعْلَمُونَ حذف مفعوله لدلالة السياق أى سوف تعلمون سوأ عاقبة تفاخركم وتكاثركم حين تعذبون عليه.
ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ط تكرير لتأكيد الوعيد أو تنصيص بوعيد اخر وفى ثم دلالة على ان الثاني ابلغ من الأول قيل الأول عند الموت أو فى القبر والثاني بعد البعث أخرج ابن جرير عن على قال كنا نشك فى عذاب القبر حتى نزلت إلهكم التكاثر إلى كلا سوف تعلمون فى عذاب القبر.
كَلَّا تأكيد للردع بعد تأكيد لَوْ تَعْلَمُونَ ما بين ايديكم عِلْمَ الْيَقِينِ ط أى علما كعلم الأمر المتيقن الموجود عندكم وجواب لو محذوف لتفخيمه يعنى لشغلكم ذلك عن غيره أو لما تكاثرتم قال قتادة كنا نحدث ان علم اليقين ان يعلم ان اللّه باعث بعد الموت قلت يعنى علما بالغيب حاصلا بالاستدلال ولا يجوز ان يكون.(1/7157)
لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ جوابا للشرط لأنه محقق الوقوع بل هو جواب قسم محذوف أكد به الوعيد وأوعد ما انذرهم به بعد إبهامه تفخيما لشانه قلت وجاز ان يكون لو مجازا عن إذا تعلمون علم اليقين وذلك عند الموت لترون الجحيم ولا ينفعكم علمكم حينئذ لفوات وقت التدارك قرأ ابن عامر والكسائي لترون بضم التاء على البناء للمجهول من اريت الشيء والباقون بفتح التاء والمراد بالروية هاهنا المعرفة والعلم وجاز ان يكون الروية بالأبصار فى القبور فان الكافرين يعرضون على النار فى القبور غدوا وعشيا كما ذكرنا فى تفسير قوله تعالى وما هم عنها بغائبين.
ثُمَّ لَتَرَوُنَّها بفتح التاء بلا خلاف يعنى ثم لترون الجحيم بعد النشور عَيْنَ الْيَقِينِ
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 335
منصوب على المصدرية عن غير لفظ الفعل فان راى وعاين بمعنى واحد وبه اندفع احتمال ان يكون الروية هاهنا بمعنى العلم والمعنى لترون رويته موجبة لليقين ومن هاهنا سمى عين اليقين علما حاصلا بالروية والمشاهدة ولا شك ان الروية أقوى من اسباب العلم قال رسول اللّه صلعم ليس الخبر كالمعائنة أخرجه الخطيب عن أبى هريرة والطبراني عن انس بسند حسن وروى احمد والطبراني بسند صحيح والحاكم عن ابن عباس هذا ومع زيادة ان اللّه تعالى اخبر موسى بما صنع قومه فى العجل فلم يلق الألواح فلما عاين ما صنعوا القى الألواح فانكسرت وقيل عين اليقين صفة لمصدر محذوف أى روية هى نفس اليقين مبالغة.(1/7158)
ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ يعنى لم تركتم شكر النعم وكفرتم بها قال البغوي فيسألون يوم القيمة عن شكر ما كانوا فيه قال مقاتل كان كفار مكة فى الدنيا فى الخير والنعمة ولم يشكروا رب النعم حيث عبدوا غيره ثم يعذبون على ترك الشكر هذا قول الحسن وعن ابن مسعود رفعه انتهى والخطاب فى الآية مخصوص بالكفار الذين ألهاكم التكاثر وجاز ان يكون قوله تعالى لترون الجحيم إلى اخر السورة خطابا عاما للناس أجمعين كقوله تعالى ان منكم الا واردها الآية وقد مر فى الحديث ان المؤمن يرى فى القبر اولا مقعدا من النار الذي أبدل منها مقعدا فى الجنة ليزداد شكرا (فائده) السؤال عن النعيم وان كان بدلالة سياق الآية واحد تأويلها مختصا باهل التكاثر لكن ثبت بما تواتر من الأحاديث ان السؤال عام يسأل الكفار والمؤمنون أخرج ابن أبى حاتم عن ابن مسعود عن النبي صلعم فى هذه الآية قال الا من والصحة وكذا عن ابن عباس فى الآية قال صحة الأبدان والاسماع والابصار يسال اللّه العباد فيما استعملوها واخرج الفريابي وأبو نعيم عن مجاهد فى هذه الآية قال كل شىء من لذة الدنيا وعبد الرزاق عن قتادة فى هذه الآية انه قال ان اللّه سائل كل نعمة فيما أنعم عليه واخرج احمد فى الزهد عن أبى قلابة عن النبي صلعم فى هذه الآية قال ناس من أمتي يعقدون الثمن والعسل بالنفي فياكلونه واخرج الترمذي عن أبى هريرة قال لما نزلت هذه الآية قال الناس يا رسول اللّه عن أى النعيم نسال وانما هى الأسود ان والعدو حاضر وسيوفنا على عواتقنا قال اما ان ذلك سيكون واخرج ابن أبى حاتم عن عكرمة قال لما نزلت هذه الآية قالوا يا رسول اللّه واى نعيم نحن فيه وانما نأكل فى انصاف بطوننا خيز الشعير فاوحى إليهم أ ليس تتخذون النعال
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 336(1/7159)
و تشربون الماء البارد فهذا من النعيم وعن على رضى اللّه عنه قال من أكل خبز البرّ وكان له ظل وشرب الماء الفرات فذلك من النعيم الذي يسئل عنه وروى الحاكم فى المستدرك عن أبى هريرة فى حديث مسيره صلى اللّه عليه وسلم وابى بكر وعمر إلى بيت أبى الهيثم وأكلهم الرطب واللحم وشربهم الماء قوله صلعم ان هذا هو النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة فلما كبر أصحابه قال إذا أصبتم مثل هذا وخبزتم بايديكم فقولوا بسم اللّه وعلى بركة اللّه وإذا أشبعتم فقولوا الحمد للّه الذي هو أشبعنا وأروانا وأنعم علينا وأفضل فان هذا وعن ابن عباس هذه القصة نحوه وعن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلعم تناصحوا فى العلم ولا يكتم بعضكم بعضا فانه خيانة الرجل فى علمه أشد من خيانة فى ماله وان اللّه يسألكم عنه رواه الطبراني والاصبهانى وعن أبى الدرداء أول ما يسئل عنه العبد ما عملت فيما علمت رواه احمد وابن المبارك وعن ابن عمر مرفوعا يسئل العبد عن جاهه كما يسئل عن ماله رواه الطبراني وعن ابن عباس ما من عبد يخطو خطوة الا يسئل اللّه عنها ما أراد بها رواه أبو نعيم وعن معاذ مرفوعا ان المؤمن يسئل يوم القيامة عن جميع سعيه حتى كحل عينيه رواه أبو نعيم وابن أبى حاتم عن الحسن مرفوعا ما من عبد يخطب الا اللّه سائله منها ماذا أراد بها مرسل جيد الاسناد رواه البيهقي وكلمة ثم فى الآية تدل على ان السؤال بعد روية الجحيم قلت وذلك لاجل ان السؤال يكون على الصراط قال اللّه تعالى وقفوهم انهم مسئولون وعن أبى هريرة الأسلمي قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يزال قد ما عبد عن الصراط حتى يسئل عن اربع عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن علمه فيما عمل فيه وعن ماله من اين اكتسبه وفيما أنفقه رواه مسلم وروى الترمذي وابن مردويه عن ابن مسعود مثله قال القرطبي هذه العمومات مخصوصة بأحاديث من يدخل الجنة بغير حساب عن(1/7160)
ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم لا يستطيع أحدكم ان يقرأ الف اية فى كل يوم قالوا ومن يستطيع ان يقرأ الف اية فى يوم قال اما يستطيع أحدكم ألهيكم التكاثر رواه الحاكم والبيهقي واللّه تعالى أعلم
.
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 337
سورة العصر
مكيّة وهى ثلث آيات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَ الْعَصْرِ قال ابن عباس والدهر قيل اقسم به لان فيه عبرة للناظرين وقال ابن كيسان أراد بالعصر الليل والنهار وقال الحسن بعد زوال الشمس إلى غروبها وقال قتادة اخر ساعة من نهار وقال مقاتل صلوة العصر وهى الصلاة الوسطى كما ذكرنا فى سورة البقر.
إِنَّ الْإِنْسانَ أى جنسه لَفِي خُسْرٍ التنكير للتعظيم أى فى خسر عظيم فان الخسر ذهاب راس المال والإنسان فى هلاك نفسه وعمره وماله فيما لا يفيد له فى حيوة الابدية شعر ومن يبع أجلا منه بعاجله بين له الغبن فى بيع وفى سلم.(1/7161)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فانهم اشتروا الاخرة القوية الباقية بالدنيا الفانية فربحت تجارتهم وَتَواصَوْا بينهم بِالْحَقِّ بالمعروف قال الحسن وقتادة بالقران وقال مقاتل بالايمان والتوحيد وَتَواصَوْا بينهم بِالصَّبْرِ ع وكف النفس عن المنكرات فالشهوات الغير المرضية للّه تعالى أو بالصبر مطلقا على الطاعات والمصائب وترك المنكرات فالمراد بالأعمال الصالحة اما مطلقا فهو عطف الخاص على العام للمبالغة واما مقصورا على موجبات الكمال فالمراد بالمواصات موجبات التكميل وما عدا ذلك موجبات خسر وروى عن ابراهيم ان الإنسان إذا عمر فى الدنيا وهرم فهو لفى نقص وتراجع الا المؤمنين فانهم يكتب لهم أجورهم ومحاسن أعمالهم التي كانوا يعملونها فى شبابهم وصحتهم فهو نظير قوله تعالى. لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ (مسئلة : ) الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجب من ترك كان من الخاسرين عن أبى سعيد الخدري عن رسول اللّه صلعم من راى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان رواه مسلم وروى البغوي فى شرح السنة عن النبي صلعم قال لا يعذب اللّه العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكرين ظهرانيهم وهم قادرون على ان ينكروه فلم ينكروه فإذا فعلوا ذلك عذب اللّه العامة والخاصة وروى أبو داود وابن ماجة عن جرير بن عبد اللّه مرفوعا نحوه وأبو داود عن أبى بكر الصديق ما من قوم يعمل فيهم المعاصي ثم يقدرون على ان يغيروا ثم لا يغيرون الا يوشك ان يعمهم العقاب وفى الباب أحاديث كثيرة - واللّه تعالى أعلم .
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 338
سورة الهمزة
مكيّة وهى تسع آيات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(1/7162)
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ قال ابن عباس هم المشاءون بالنميمة المفرقون بين الاحبة الباغون للبراء العيب ومعناهما واحد وهو عياب وقال مقاتل الهمزة الذي يعيبك فى الوجه واللمزة الذي يعيبك فى الغيبة وقال أبو العالية والحسن على ضده وقال سعيد بن جبير وقتادة الهمزة الذي يأكل لحوم الناس ويغتابهم واللمزة الطعان فيهم وقال ابن زيد الهمزة من يهمز الناس بيده ويضرهم واللمزة الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم وقال سفيان الثوري يهمزه بلسانه ويلمز بعينه ومثله وقال ابن كيسان الهمزة الذي يوذى جليسه باللفظ واللمزة الذي يومض بعينه ويشير برأسه ويرمز بحاجبه قلت الهمزة فى الأصل الكسر والنخس فى الحديث اللهم انى أعوذ بك من همزات الشياطين واللمز الطعن ثم شاعا فيما ذكره هو الكسر فى اعراض الناس والطعن فيهم وبناء فعله للاعتياد فلا يق ضحكة وشجرة ولعهة وهمزة ولمزة الا للمكثر المتعود واخرج ابن أبى حاتم عن عثمن بن عمر قال مازلنا نسمع ان ويل لكل همزة نزلت فى أبى بن خلف واخرج عن السدى قال نزلت فى اخنس بن شريق بن وهب الثقفي واخرج ابن جرير عن رجل من أهل الرقة قال نزلت فى جميل بن عامر واخرج ابن المنذر عن ابن اسحق كان امية بن خلف الجمحي إذا راى رسول اللّه صلعم همزة ولمزة فانزل اللّه تعالى ويل لكل همزة السورة كلها وقال مقاتل نزلت فى الوليد بن المغيرة كان يغتاب النبي صلعم من ورائه ويطعن عليه فى وجهه والآية عامة بصيغتها لكل من هذه صفة وان كانت نازلة فى واحد منهم.
الَّذِي جَمَعَ قرأ جعفر وابن عامر وحمزة والكسائي بتشديد الميم على التكثير والباقون بالتخفيف والموصول اما مجرور بدل من كل أو منصوب على الذم أو مرفوع خبر مبتداء محذوف أى هو الذي جمع مالًا وَعَدَّدَهُ أى أحصاه وجعله عدة للنوازل وعده مرة بعد اخرى.(1/7163)
يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ ان مع الجملة قائم مقام المفعولين ليحسب أى يجعله خالدا فى الدنيا لا يموت مع يساره كأنَّه يزعم ان من لا مال له يموت بالجوع ومن كان
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 339
له مال لا يموت ابدا وهذا كناية عن طول أمله وغفلته عن الموت وحبه للمال وليس على الحقيقة فان أحدا لا يزعم انه لا يموت ابدا أو فيه تعريض بان المخلد هو الايمان والأعمال الصالحة دون المال عن عبد اللّه بن مسعود قال خط النبي صلعم خطا مربعا وخط خطا فى الوسط خارجا منه وخط خطوطا صغارا إلى هذا الذي فى الوسط من جانب الذي فى الوسط فقال هذا انسان وهذا اجله محيط به وهذا الذي هو خارج أمله وهذه الخطط الصغار الاعراض فان أخطأه هذا نهشه هذا وان أخطأه نهشه هذا وعن انس قال خط النبي صلى اللّه عليه وسلم خطوطا فقال هذا الأمل وهذا اجله فبينما هو كذلك إذ جاءه الخطا الأقرب روى من المحدثين البخاري.
كَلَّا ردع عن الخصال المذكورة من الهمزة واللمزة وحب المال وطول الأمل لَيُنْبَذَنَّ جواب قسم محذوف وجاز ان يكون كلا بمعنى حقا مفيد المعنى القسم فعلى هذا قوله لينبذن جواب قسم مذكور فِي الْحُطَمَةِ ج وهى اسم من اسماء جهنم وانما سميت به لانها تحطم وتكسر كل ما يطرح فيها ثم بين شدة أمرها بقوله.
وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ ط استفهام للتفخيم والتهويل والجملة معترضة لاستعظام شانها يعنى أنت لا تدرى شدة أمرها فانها أعظم من ان يدرك أو يخيل ثم فسرها بعد الإبهام بقوله.(1/7164)
نارُ اللَّهِ خبر مبتداء محذوف أى هى نار اللّه أضاف إلى نفسه للتعظيم فانها مظهر قهر اللّه نعوذ باللّه منها وصفات اللّه تعالى كلها جلالية كانت أو جمالية بالغة فى الكمال إلى مرتبة لا يمكن فوقها ولا يدرك قدرها الْمُوقَدَةُ صفة للنار على البناء للمجهول يعنى أوقدها اللّه تعالى وما اوقده اللّه تعالى لا يقدر غيره ان يطفئه عن أبى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال أوقد على النار الف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها الف سنة حتى ابيضت ثم أوقد عليها الف سنة حتى اسودت فهى سوداء مظلمة رواه الترمذي.
الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ط أى تبلغ إلى الافئدة والاطلاع والبلوغ بمعنى واحد يحكى عن العرب من اطلعت ارضنا أى بلغت أخرج ابن المبارك عن خالد بن عمران بسنده إلى النبي صلعم قال ان النار تأكل أهلها حتى إذا طلعت إلى افئدتهم انتهت ثم يعود كما كان ثم تستقبله فتظلع على فواده فهو كذلك فذلك قوله تعالى نار اللّه الموقدة التي تطلع على الافئدة
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 340
و كذا قال القرطبي والكلبي قلت فذكر الفواد هاهنا للدلالة على تابيد العذاب فان نار الدنيا إذا أحرقت أحدا تميته قبل ان تطلع على فواده بخلاف نار جهنم أو لان الفواد ألطف ما فى البدن وأشد تألما أو لأنه محل العقائد الزائغة ومنشأ الأعمال القبيحة فكانه هو منبع نار جهنم.(1/7165)
إِنَّها عَلَيْهِمْ جمع الضمير رعاية لمعنى كل والظرف متعلق بما بعده مُؤْصَدَةٌ جملة مستانفة كانها فى جواب ما بالهم لا يخرجون ولا يفرون فقال انها عليهم موصدة أى مطبقة كذا أخرج ابن مردوية عن أبى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه واله وسلم يعنى مغلقة من أوصدت الباب إذا اطبقه أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وابن أبى الدنيا والبيهقي عن ابن مسعود قال إذا بقي فى النار من يخلد فيها جعلوا فى توابيت من حديد فيها مسامير من حديد ثم جعلت تلك التوابيت فى توابيت من حديد ثم قذفوا فى أسفل الجحيم فما يرى أحدا بعذاب غيره واخرج أبو نعيم والبيهقي عن سويد بن غفلة نحوه.
فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ع الظرف متعلق بمحذوف فى محل النصب على الحالية أى موثقين فى عمد وجاز ان يكون متعلقا بمؤصدة فيكون النار داخل العمد قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عمد بضم العين والميم والآخرون بفتحها وهما جمع عمود مثل أديم وآدم وآدم قاله القراء وقال أبو عبيد جمع عماد مثل إهاب واهب قال ابن عباس أدخلهم فى عمد فمدت عليهم بعماد وفى أعناقهم السلاسل وسدت عليهم بعماد لهما الأبواب وقال قتادة بلغنا انها عمد يعذبون بها فى النار وقيل هى أوتاد الاطباق الذي يطبق على أهل النار أى انها مطبقة عليهم بأوتاد ممدودة وهى فى قراءة عبد اللّه بعمد بالباء وقال مقاتل أطبقت الأبواب عليهم ثم سدت بأوتاد من حديد من نار حتى يرجع عليهم باب ولا يدخل عليهم ممددة صفة لعمد أى مطولة فتكون ارسخ من القصيرة - واللّه تعالى أعلم .
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 341
سورة الفيل
مكيّة وهى تسع آيات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(1/7166)
أَ لَمْ تَرَ خطاب للنبى صلعم والاستفهام للانكار وانكار النفي اثبات والغرض منه التقرير يعنى قد رايت يا محمد وهو صلى اللّه عليه وسلم وان لم يشهد تلك الوقعة لكن شاهد اثارها وسمع بالتواتر اخبارها فكانه راها وجاز ان يكون الروية بمعنى العلم والجملة الاستفهامية التي بعدها سدت مسد مفعولى ترو فيه اشارة إلى نظره صلعم وان يفعل باعدائه مثل ما فعل باصحاب الفيل كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ استفهام للتعجب ولذا لم يقل ما فعل لان المراد تذكير ما فيها من وجوه الدلالة على كمال علم اللّه وقدرته وعزة بيته وشرف نبيه صلعم فانها من الارهامات وكانت قصة الفيل توطية لنبوته ومقدمة لظهوره وبعثته والا فاصحاب الفيل كما قال ابن نعيم كانوا نصارى أهل الكتاب وكان دينهم خيرا من دين أهل مكة إذ ذلك لانهم كانوا عبدة الأوثان وكان قدوم الفيل يوم الأحد لثلث عشر ليلة بقيت من المحرم وبه قال ابن عباس ومن العلماء من حكى الاتفاق عليه وقال كل قول يخالفه وهم وفى ذلك العام ولد النبي صلعم بعد نحو من الشهرين فى شهر ربيع الأول من تلك السنة كذا قال الأكثرون وهر الأصح وقيل بعده بثلثين عاما وقال مقاتل بأربعين عاما وقيل بسبعين عاما وقال الكلبي بثلث وعشرين سنة والاول أصح كذا فى خلاصة السير بِأَصْحابِ الْفِيلِ وهم ابرهة ملك اليمن وأصحابه قال الضحاك وكانت الفيلة ثمانية وقيل اثنى عشر سوى الفيل الأعظم الذي يقال له المحمود وانما وحد لأنه نسبهم إلى الفيل الأعظم وقيل لوفاق رءوس الآي وقصة اصحاب الفيل على ما ذكره محمد بن اسحق عن بعض أهل العلم عن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس وذكره الواقدي ان النجاشي ملك الحبشة كان قد بعث ارياطا إلى الأرض اليمن فغلب عليها فقام رجل يقال له ابرهة بن الصباح من رجال الحبشة فساخط ارياط فى امر الحبشة حتى انصدعوا صدعين فكانت طائفة مع ارياط وطائفة مع ابرهة فتزاحما فقتل ابرهة(1/7167)
ارياطا
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 342
و اجتمعت الحبشة لابرهة وغلب على اليمن وأفرد النجاشي ثم ان ابرهة راى الناس يتجهزون ايام الموسم إلى مكة لحج بيت اللّه فبنى كنيسة بصنعاء وكتب إلى النجاشي انى صنعت لك بصنعاء كنيسة لم يبن لملك مثلها بيت فتهيأ حتى اصرف إليها حج العرب فسمع به رجل من بنى مالك بن كنانة فخرج إليها ليلا فقعد فيها ليلا ولطخ بالعذرة قبلتها فبلغ ذلك ابرهة فحلف ابرهة ليسيرن إلى كعبة حتى يهدمها فكتب إلى النجاشي يخبره بذلك وساله ان يبعث إليه بفيلة يقال له محمود ولم ير مثله عظيما وقوة فبعث إليه فخرج ابرهة سايرا إلى مكة فسمعت العرب بذلك فعظموه ورأو جهاده حقا عليهم فخرج ملك من ملوك اليمن يقال له ذو نفر مقاتله فهزمه ابرهة وأخذ ذا نفر ولم يقتله وأوثقه ثم سار حتى إذا دنى من بلاد خثعم خرج نفيل بن حبيب الخثعمي فى خثعم واجتمع إليه قبائل اليمن فقاتلوه وأخذ نفيلا فقال نفيل أيها الملك انى دليل بأرض العرب فاستبقاه وخرج معه يدله على الطريق حتى إذا مر بالطائف خرج مسعود بن مغيث الثقفي فى رجال من ثقيف فقال أيها الملك نحن عبيدك ليس لك عندنا خلاف انما تريد البيت الذي بمكة نحن نبعث معك من يدلك عليه فبعثوا بارغال مولى لهم فخرج حتى إذا كان بالمغمس يأت أبو رغال وهو الذي يرجم قبره فبعث ابرهة من المغمس رجلا من الحبشة يقال له الأسود يسوق إليه اموال الحرم وأصاب لعبد المطلب مأتى بعير ثم ان ابرهة بعث بحناطة الحميرى إلى أهل مكة فقال أسأل عن شريفها ثم أخبره انى لم ات لقتال انما جئت لاهدم هذا البيت فانطلق حتى دخل مكة فلقى عبد المطلب وقال له ما قال ابرهة فقال عبد المطلب ماله عندنا قتال فتخلى به وبين ما جاء به فان هذا بيت اللّه الحرام وبيت خليل عليه السلام فان يمنعه فهو بيته وحرمه وان يخل بينه وبين ذلك فو اللّه ما لنا به قوة فقدم عبد المطلب العسكر لطلب ابله وكان ذو نفر صديقا له(1/7168)
فاتاه فقال له ذو نفر إلى رجل أسير ولكن سابعثك إلى أنيس سائس الفيل فانه لى صديق قال ذو نفر لا تيس هذا سيد القريش وصاحب عير مكة
الذي يطعم الناس فى السهل والوحوش فى الجبال ليستاذن عليك وقد جاء غير ناصب لك ولا مخالف عليك فاذن له وكان عبد المطلب رجلا جسيما وسيما فلما رآه ابرهة أعظمه وأكرمه وكره ان يجلس معه على سريره وان يجلس تحته فهبظ إلى البساط فجلس عليه ثم دعاه فاجلسه معه وقال لترجمانه قل له ما حاجتك إلى الملك فقال عبد المطلب حاجتى مأتى بغير
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 343(1/7169)
فقال ابرهة لقد كنت أعجبتني حين رايتك ولقد زهدت فيك جيئت إلى بيت هو دينك ودين ابائك وهو شرفكم وعصمتكم لاهدمه لم لا تكلمنى فيه وتكلمنى فى مائتى بعير أصبتها فقال عبد المطلب انا رب هذا الإبل وان لهذا البيت ربا سيمنعه قال ما كان ليمنعه منى فأمر بإبله فردت عليه وجاء عبد المطلب واخبر قريشا الخبر وأمرهم ان يتفرقوا فى الشعاب ويتحرزوا فى رؤس الجبال تخوفا عليهم من معرفة الحبش ففعلوا واتى عبد المطلب الكعبة وأخذ بحلقة الباب وجعل يقول يا رب لا رجو لهم سواك يا رب فامنع منهم حماك ان عدو البيت من عداك امنعهم ان يخربوا قراك وقال أيضا لا هم ان العبد يمنع رحلة فامنع رحالك وانصر على ال الصليب وعابد له اليوم الك لا يغلبن صليبهم ومحالهم وعدو محالك جروا هموع بلادهم والفيل كى يسبو عيالك عمدوا حماك بكيدهم جهلا وما رقبوا جلالك ان كنت تاركهم وكعبتنا فامر ما بدا لك ثم ترك عبد المطلب الحلقة وتوجه فى بعض تلك الوجوه مع قومه وأصبح ابرهة بالمغمس قد تهيا للدخول وهيأ جيشه وهيأ فيله وكان فيلا لم ير مثله فى العظمة والقوة ويقال كانت معه اثنى عشر فيلا فأقبل نفيل إلى الفيل الأعظم ثم أخذ باذنه وقال ابرك محمود وارجع راشدا من حيث جئت فانك فى بلد اللّه الحرام فبرك الفيل فبعثوه فأبى فضربوه بالمعول راسه فأبى فادخلوا محاجنهم تحت مراثقة ففزعوه ليقوم فأبى فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول ووجهوه إلى الشام ففعل ذلك ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك فصرفوه إلى الحرم فابى ان يقوم وخرج نفيل يشتد حتى صعد إلى الجبل وأرسل اللّه عز وجل طيرا من البحر مثل الخطاطيف مع كل طاير منها ثلثة أحجار حجران فى رجليه وحجر فى منقاره مثل الحمص والعدس فلما غشين القوم ارسلنها عليهم فلم يصب تلك الحجارة أحدا الا هلك وليس كل القوم أصاب وخرجوا هاربين لا يهتدون إلى الطريق الذين جاؤا يتساءلون عن نفيل بن حبيب ليدلهم(1/7170)
الى الطريق إلى اليمن ونفيل ينظر إليهم من بعض تلك الجبال وصرح القوم وماج بعضهم فى بعض يتساقطون كل طريق ويهلكون على كل منهل ما كان على الطريق وبعث اللّه إلى ابرهة داء فى جسده فجعل يتساقط أنامله كلما سقطت انملة اتبعتها مدة من قيح ودم فانتهى إلى صنعاء وهو مثل فرخ الطير فيمن بقي من أصحابه وما مات حتى انصدع صدره من قبله ثم هلك قال الواقدي واما محمود فيل النجاشي فركض
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 344
و لم يشجع على الحرم فنجا والفيل الاخر شجع يضرب أى رمى بالحصاء وزعم مقاتل بن سليمن ان السبب الذي جرى اصحاب الفيل ان فئة من قريش خرجوا تجارا إلى الأرض النجاشي فدنوا من ساحل البحر ثم بيعة النصارى تسميا قريش الهيكل فنزلوا فاججوا نارا فاشتورا فلما ارتحلوا تركوا النار كما هى فى يوم عاصف فهبت الريح فاضطرم الهيكل نارا فانطلق الصريخ إلى النجاشي فاسف غضبا للبيعة فبعث ابرهة لهدم الكعبة وقال انه كان بمكة يومئذ سعيد الثقفي وكان مكفوف البصر يصيف بالطائف ويشتوا بمكة وكان رجلا نبيها ونبيلا يستقيم الأمور برايه وكان خليل عبد المطلب فقال له عبد المطلب ماذا عندك هذا يوم يستغنى فيه من رايك فقال أبو مسعود اصعد بنا إلى حراء وصعد الجبل فقال أبو مسعود لعبد المطلب اعمد إلى مائة ابل فاجعلها اللّه وقلدها فعلا ثم ابعثها فى الحرم لعل بعض هذا السودان يعقر منها فيغضب رب هذا البيت فياخذهم ففعل ذلك عبد المطلب فعمد القوم إلى تلك الإبل فحملوا عليها وعقروا بعضها وجعل عبد المطلب يدعو فقال أبو مسعود ان لهذا البيت ربا يمنعه وقد نزل تبع ملك من اليمن صحن هذا البيت وأراد هدمه فمنعه اللّه وابتلاه واظلم عليه ثلثة ايام(1/7171)
فلما راى تبع ذلك كساه القباطي البيض وعظمه ونحر له الجزور فنظر أبو مسعود إلى البحر فراى شيئا فقال لعبد المطلب فانظر نحو البحر فنظر عبد المطلب فقال ارى طيرا بيضا نشأت من شاطى البحر فقال ارفعها يبصرك اين قرارها فدارت على رؤسنا قال هل تعرفها قال واللّه ما اعرفها ما هى نجدية ولا تهامية ولا عربية ولا شامية قال ما قدرها قال أشباه اليعاسيب فى منقارها حصى كانها حصى الحذف قد أقبلت كالليل يتبع امام كل فرقة طير يقودها احمر المنقار اسود الراس طويل العنق فجاءت حتى حاذت بعسكر القوم ركدت فوق رؤسهم فلما توافقت الرجال كلها اهالت الطير ما فى مناقيرها على ما تحتها مكتوب فى كل حجر اسم صاحبه ثم انها انضاغت راجعة من حيث جاءت فلما أصبحا تحطا من ذروة الجبل فمشيا ربوة فلم يونسا أحدا ثم أتوا ربوة فلم يسمعها حسا فقال بات القوم خامدين فاصبحوا نياما فلما دنوا عن عسكر القوم فإذا هم خامدون فكان يقع الحجر على بيضة أحدهم فيخرقها حتى يقع فى دماغه ويخرق الفيل والدابة ويغيب الحجر فى الأرض من شدة وقعة فعمد عبد المطلب فاخذ فأسا من قوسهم فتحفر حتى اعمق من الأرض فملاه من الذهب الأحمر والجوهر وحفر لصاحبه فملاه ثم قال لانى مسعود هات فاختر ان شئت حفرتى
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 345
و ان شئت حفرتك وان شئت فهما لك معا قال أبو مسعود اختر على نفسك قال عبد المطلب انى لم ال ان اجعل أجود المتاع فى حفرتى فهو لك وجلس كل منها على حفرته ونادى عبد المطلب فى الناس فراجعوا وأصابوا من فضلهما حتى ضاقوا به ذرعا وساد عبد المطلب بذلك قريشا فاعطته القادة فلم يزل عبد المطلب وأبو مسعود فى أهلها فى غناء من ذلك المال ودفع اللّه عن كعبة.
أَ لَمْ يَجْعَلْ استفهام للانكار مثل الم تر كَيْدَهُمْ مكرهم وسعيهم فى تخريب البيت فِي تَضْلِيلٍ تضيع وابطال.(1/7172)
وَ أَرْسَلَ عطف على مضمون الم يجعل أى جعل عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ صفة طيراى كثيرة متفرفة تبع بعض جماعة جماعة اخرى يقال جاءت الخيل ابابيلا من هاهنا ومن هاهنا جمع ابالة وهى الحزمة الكبيرة شبهت بها الجماعة من الطير فى تضامها كذا قال أبو عبيد وقال الفراء لا واحد لها من لفظها وقال الكسائي جمع أبول مثل عجول وعجاجيل وقيل جمع ابل.
تَرْمِيهِمْ أى اصحاب الفيل صفة اخرى للطير بِحِجارَةٍ كائنة مِنْ سِجِّيلٍ من طين متحجر معرب سنك كل وقيل مشتق من السجل وهو الدلو الكبير أو الاسجال وهو إرسال أو من السجل ومعناه من الجملة العذاب المكتوب لاجلهم قال ابن عباس طيرا لها خراطيم الطير واكف كاكف الكلاب قال عكرمة لها روس كرؤس السباع وقال الربيع لها أنياب كانياب السباع وقال سعيد بن جبير طير خضر لها مناقير صفر وقال قتادة طير سود جاءت من قبل البحر فوجا فوجا قال ابن مسعود صاحب الطير ورقهم بالحجارة وبعث اللّه له بها فضربت الحجارة فزادته شدة فما وقع منها حجر على رجل الا خرج من الجانب الاخر وان وقع فى راسه خرج من دبره.
فَجَعَلَهُمْ عطف على أرسل كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ع مفعول ثان لجعل أى جعلهم كزرع وتبن أكلته الدواب فراتّه وتفرقت اجزاءه شبه تقطع أوصالهم بتفرق اجزاء الروث وقال مجاهد العصف ورق الحنطة وقال قتادة هو التبن وقال ابن عباس هو القشر الخارج الذي يكون على حب الحنطة كهيئة الغلاف ومعنى مأكول يعنى أكلته الدواب - واللّه تعالى أعلم .
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 346
سورة قريش
مكيّة وهى اربع آيات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(1/7173)
لِإِيلافِ قُرَيْشٍ قرأ ابن عامر لالاف بغير ياء بعد الهمزة وأبو جعفر ليلاف بغير همزة والباقون بهمزة وياء بعدها واللام للتعجب عند الكسائي والأخفش متعلق بمحذوف أى اعجبوا لايلاف قريش وقال الزجاج هى مردودة إلى ما بعدها تقديره فليعبدوا رب هذا البيت لايلاف قريش والفاء للجزاء لان الكلام فى معنى الشرط إذ المعنى ان نعم اللّه عليهم لا تحصى فان لم يعبدوا لساير نعمته فليعبدوا لايلاف قريش لكن يرد عليه ان ما فى حيز الجزاء لا يعمل قبله فالاولى ان يقال حينئذ الفاء زائدة وجاز ان يكون متعلقا بما قبله فى السورة السابقة كالنظمين فى الشعر وهو ان يتعلق معنى البيت التالي بالذي قبله تعلقا لا يصلح الا به والمعنى انه أهلك اصحاب الفيل وجعلهم كعصف مأكول لايلاف قريش رحلة الشتاء والصيف أى ليتسامع الناس ذلك الإهلاك لاجلهم فيحرموهم فضل إحرام حتى ينتظم لهم الا من فى رحيلتهم فلا يجترئ عليهم أحد ولاجل هذا التعلق المعنوي عد بعض الناس سورة الفيل وهذه السورة سورة واحدة منهم أبى بن كعب لافضل بينهما فى مصحفه فاللام على هذا متعلق بجعل وقريش هم ولد النضر بن كنانة فمن ولده النضر فهو قريش ومن لم يلده فليس بقريش سموا قريشا من القرش والتقرش وهو التكسب والجمع يقال فلان يقرش لعياله ويتقرش أى يكتسب وهم كانوا تجارا حراصا على جمع المال والإفضال وسأل معاوية عن عبد اللّه بن عباس لم سميت قريشا قال الدابة فى البحر من أعظم الدواب يقال لها القرش لا تمر بشى من الغيث والسمين الا أكلته وهى تأكل ولا توكل تعلو ولا تعلى وفى القاموس قرشه أى قطعه وجمعه من هاهنا وهاهنا وضم بعضه إلى بعض ومنه قريش لتجمعهم إلى الحرم ولانهم كانوا يتفرشون البياعات فيشترونها ولان نضر بن كنانه اجتمع فى ثوبه يوما فقالوا تقرش أو لأنه جاء إلى قومه فقالوا كأنَّه جمل قريش أى شديدا ولانهم كانوا يقرشون الحاج فيسدون خلتها أو سميت؟؟؟(1/7174)
القرش وهى دابة بحرية يخافها دواب البحر كلها (فائدة) عن واثلة بن الاشقع قال قال رسول اللّه صلعم ان اللّه اصطفى كنانة من بنى اسمعيل
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 347
و اصطفى من بنى كنانة قريشا واصطفى من قريش بنى هاشم واصطفاني من بنى هاشم رواه البغوي وعن أبى هريرة عن النبي صلعم الناس تبع بقريش فى هذا الشان مسلمهم وكافرهم متفق عليه وعن جابر مرفوعا الناس تبع لقريش فى الخير والشر رواه مسلم قلت لعل المراد من الحديث الأول قوة استعداد قريش ومن ثم ترى أفضل الصحابة واكثر اولياء منهم وبالآخرين انه تعالى لما بعث خاتم النبيين منهم فكانهم هم المخاطبون اولا بالشرائع والايمان وساير الناس تبع لهم قال اللّه تعالى وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم وقال اللّه تعالى وانذر عشيرتك الأقربين فمن أمن منهم سن سنة حسنة باتباع الرسول فلهم أجرهم واجر من تبعهم ولذا صاروا أفضل الناس بعد الأنبياء ومن كفر منهم وسلك طريق مخالفة النبي صلعم فى بدو الأمر ثم مات على ذلك فعليه اثم من كفر بعدهم كما ان قابيل أول من قتل يقاسم أهل النار بضعف عذاب جهنم قسمه صحابا أخرجه البيهقي عن ابن عمرو قد مر فى سورة والشمس فى حديث انه أشقى الناس وعن ابن عمر مرفوعا قال لا يزال هذا الأمر فى قريش ما بقي منهم اثنان متفق عليه وعن معاوية قال سمعت رسول اللّه صلعم يقول ان هذا الأمر فى ق ريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين رواه البخاري قلت المراد بالأمر الخلافة والغرض من حديث ابن عمر وجواب استخلاف قريش وليس الغرض منه الاخبار والغرض من حديث معاوية الدعاء بالسوء على من نبى من خليفة قريشى عادل وعن سعد رض عن النبي صلعم قال من يرد هو ان قريش اهانه اللّه رواه الترمذي وعن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلعم فضل اللّه قريشا بسبع خصال لم يعطها أحدا قبلهم ولا يعطها أحدا بعدهم فضل اللّه قريشا انى(1/7175)
منهم وان النبوة فيهم وان الحجابة فيهم وان السقاية فيهم ونصرهم على الفيل وعبدوا اللّه عشر سنين لم يعبدوه غيرهم وانزل اللّه فيهم سورة من القرآن لم يذكر فيها أحدا غيرهم ليلاف قريش رواه الحاكم والطبراني والبخاري فى التاريخ وعن زبير بن العوام مثله غير انه لم يذكر انى منهم بل ذكران فيهم النبوة والخلافة والحجابة والسقاية والثلاثة النصر على الفيل وعبدوا اللّه عشر سنين ونزلت فيهم ليلاف قريش رواه الطبراني فى الأوسط.
إِيلافِهِمْ بدل من الإيلاف الأول اتفق غير أبى جعفر على انها بياء بعد الهمزة فى اللفظ دون الخط الا عبد الوهاب بن فليح عن ابن كثير فانه قرأ الفهم ساكنة اللام واطلاق الإيلاف اولا
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 348(1/7176)
ثم ابدال المقيد عنه بقوله رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ ج للتفخيم فانه كان من أعظم نعم اللّه عليهم وذاك لان الحرم كان واديا جديا لا زرع فيه ولا ضرع فلولا الرحلتان لهم بالتجارة لم يكن لهم مقام ولا معاش ولو لا ان جعل اللّه مكة حرما محترما بحيث يكون الناس ويتقرضون لهم بالسوء قائلين قريش سكان حرم اللّه ولاة بيته لم يقدروا على الرحلتين فكانوا يرتحلون رحلة فى الشتاء إلى اليمن لانها ادفأ وفى الصيف إلى الشام لانها برد فيمتارون ويتجرون ويربحون قال عطاء عن ابن عباس انهم كانوا فى ضر ومجاعة حتى جمعهم هاشم على الرحلتين وكانوا يقسمون ربحهم بين الفقير والغنى حتى كان فقيرهم كغنيهم قال الكلبي كان أول من حمل السمراء من الشام ورحل إليها الإبل هاشم بن عبد مناف قال البغوي فشق عليهم الاختلاف إلى اليمن والشام فاخصبت تبالة وحرش من اليمن فحملوا الطعام إلى مكة أهل الساحل من البحر على السفن واهل البر على الإبل والحمير فألقى أهل الساحل بجدة واهل البر بالمحصب وأخصبت أهل الشام فحملوا الطعام إلى مكة فالقوا بالأبطح فامتاروا من قريب وكفاهم اللّه مونة الرحلتين وأمرهم بعبادة رب هذا البيت فقال.
ْيَعْبُدُوا
ان كان لام لايلاف متعلقا بما قبله أو للتعجب فالفاء للعطف والسببية وان كان متعلقا بما بعده فهى زايدة أو فى جواب شرط مقدر كما مربَّ هذَا الْبَيْتِ
اى الكعبة يعنى اللّه سبحانه ذكر اللّه تعالى بصفة ربوبية البيت ولكون البيت باعثا لامنهم.(1/7177)
الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ع خوف اصحاب الفيل أو التخطف ببلدهم أو فى السفر يجعلهم من اصحاب الحرم وقال الضحاك والربيع والسفيان امنهم من خوف انهدام فلا يصيب ببلدهم ذلك كله بدعاء ابراهيم عليه السلام رب اجعل هذا بلدا أمنا وارزق اهله من الثمرات عن أبى الحسن القزويني موقوفا ان خاف من عدو أو غيره فقراءة لايلاف قريش أمان عن كل سوء ذكره الجزري فى الحصن الحصين وقال مجرب قلت وقد أمرني شيخى وامامى قدس اللّه سره السامي بقراءته فى المخاوف لدفع كل سوء وبلاء وقال مجرب قلت وقد جربته كثيرا واللّه تعالى أعلم .
فسير المظهري ، ج 10 ، ص : 349
سورة الماعون
مكّيّة وهى سبع آيات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ الاستفهام للتعجب والروية بمعنى الابصار والمعرفة فاقتصر على مفعول واحد وهو الموصول مع الصلة وقال فى البحر المواج الاستفهام للتقرير والروية بمعنى العلم والموصول خبر محذوف يعنى ذلك تقديره ارايت ذلك الذي يكذب بالدين قال مقاتل نزلت فى العاص بن وائل السهمي وقال السدى ومقاتل وابن كيسان هو الوليد بن مغيرة وقال الضحاك نزلت فى عمرو بن عائذ المخزومي فصدر السورة على هذا الأقوال مكية واخر السورة مدنية كذا قيل وقال عطاء عن ابن عباس ارايت الذي يكذب بالدين نزلت فى رجل من المنافقين فالموصول للعهد وقيل للجنس بِالدِّينِ ط أى بالإسلام أو بالجزاء.
فَذلِكَ خبر مبتداء محذوف تقديره فهو ذلك والفاء للسببية والجملة فى مقام التعليل للجملة السابقة وقيل الفاء جزائية والشرط محذوف تقديره ارايت وعرفت الذي يكذب بالدين فان لم تعرفه فهو ذلك الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ أى يقهره ويدفعه عن حقه والدع والدفع بالعنف.
وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ ط أى لا يأمر نفسه واهله وغيره باطعامه لأنه يكذب بالجزاء.(1/7178)
فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ الفاء جزائية يعنى إذا كان عدم المبالات باليتيم من ضعف الدين والموجب للذم والتوبيخ فالسهو عن الصلاة التي هى عماد الدين والريا الذي هو شعبة الكفر ومنع الزكوة التي هى قنطرة الإسلام اولى بذلك ولذلك رتب عليه الويل أو للسببية على معنى فويل لهم وانما وضع المصلين موضع الضمير للدلالة على معاملتهم مع الخالق وساهون أى غافلون غير مبالين به روى البغوي بسنده عن مصعب بن سعد بن أبى وقاص عن أبيه قال سئل رسول اللّه صلعم هم عن صلاتهم ساهون قال اضاعة الوقت وفى رواية ابن جرير وابى يعلى قال هم الذين يوخرون الصلاة عن وقتها قال أبو العالية صلوتها لمواقيتها ولا يتمون ركوعها وسجودها وقال قتادة سأه عنها لا يبالى صلى أو لم يصل قيل لا يرجون ثوابا ان صلوا ولا يخافون عليها عقابا ان تركوا وقال مجاهد غافلون فيها متهاونون بها
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 350
و قال الحسن وهو الذي عليها ان صليها رياء وان فاتته لم يندم.
الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ مفاعلة من الروية أى يراؤن الناس أعمالهم ليردوا الثناء عليها قال عليه الصلاة والسلام من صلى يراى فقه أشرك ومن صام يراى فقد أشرك ومن تصدق يراى فقد أشرك رواه احمد عن شداد بن أوس.(1/7179)
وَ يَمْنَعُونَ الْماعُونَ ع قال قطرب الماعون فى الأصل الشيء القليل والمراد هاهنا الزكوة كذا روى عن على وابن عمر والحسن وقتادة والضحاك وانما سمى الزكوة ماعونا لكونها قليلا من الكثير وقال ابن مسعود الماعون الفاس والدلو والقدر وأشباه ذلك وهى رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس وقال مجاهد الماعون العارية وقال عكرمة أعلاها الزكوة المفروضة وأدناها عارية المتاع وقال محمد بن كعب والكلبي الماعون المعروف الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم وقيل الماعون ما لا يحل منعه مثل الماء والملح والنار قال قلت يا رسول اللّه هذا الماء فما بال الملح والنار قال يا حميراء من اعطى نارا فكانما تصدق بجميع ما أنضجت تلك النار من اعطى ملحا فكانما تصدقت بجميع ما طيب تلك الملح ومن سقى مسلما شربة من ماء حيث يوجد الماء فكانما أعتق رقبة ومن سقى مسلما شربة من ماء من حيث لا يوجد الماء فكانما أحياها رواه ابن ماجة واخرج ابن المنذر من طريق أبى طلحة عن ابن عباس قال قوله تعالى فويل للمصلين الذين إلخ نزلت فى المنافقين كانوا يراؤن المؤمنين بصلوتهم إذا حضروا ويتركونها إذا غابوا ويمنعون العارية قال فى المدارك روى عن انس والحسن قالا الحمد للّه الذي قال عن صلاتهم ساهون ولم يفل فى صلاتهم لان معنى عن سهو ترك واعراض عنها وقلة التفات إليها وذلك فعل المنافقين ومعنى فيما يقع فى الصلاة من حديث النفس ووسوسة الشيطان والحكم فى ذلك التعوذ ودفع الوسوسة ما استطاع والعفو فيما لم يستطع عن عثمن ابن أبى العاص قال قلت يا رسول اللّه ان الشيطان قد حال بين صلوتى وبين قراءتى يلبسها على فقال رسول اللّه صلعم ذاك شيطان يقال لها خسرت فإذا احسسته فتعوذ باللّه منه واتفل عن يسارك ثلثا ففعلت ذلك فاذهبه اللّه عنى رواه مسلم وعن القاسم بن محمد ان رجلا ساله فقال انى أهم فى صلوتى فيكثر ذلك على فقال امض فى صلوتك فانه لم يذهب ذلك(1/7180)
عنك حتى تنصرف وتقول ما أتممت صلوتى واللّه تعالى أعلم .
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 351
سورة الكوثر
مكيّة وهى ثلث آيات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
روى مسلم عن انس قال بينا رسول اللّه صلعم ذات يوم بين أظهرنا إذا أغفى اغفاءة ثم رفع رأسه متبسما فقلنا ما اضحكك يا رسول اللّه قال أنزلت على آنفا سورة فقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم انا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر ان شانئك هو الأبتر قال أ تدرون ما الكوثر قلنا اللّه ورسوله اعلم قال فانه نهر وعدنيه ربى عليه خير كثير هو حوض يرد عليه أمتي يوم القيامة انيته عدد النجوم فيختلج العبد منهم فاقول رب انه أمتي فيقول ما تدرى ما أحدث بعدك واخرج الطيراني بسند ضعيف عن أبى أيوب قال لما مات ابراهيم ابن رسول اللّه صلعم مشى المشركون بعضهم إلى بعض فقالوا ان هذا الصابي قد بتر الليلة فانزل اللّه تعالى انا أعطيناك الكوثر وكذا أخرج ابن المنذر عن ابن جريج واخرج ابن جرير عن شهر بن عطية قال كان عقبة بن أبى معيط يقول لا يبقى لمحمد ولد وهو ابتر فانزل اللّه فيه ان شانئك هو الأبتر واخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير فى قوله فصل لربك وانحر قال أنزلت يوم الحديبية أتاه جبرئيل فقال انحر وارجع فقام فخطب خطبة القصر والنحر ثم ركع ركعتين ثم انصرف إلى البدن فنحرها وفيه غرابة شديدة واخرج البزار وغيره بسند صحيح عن ابن عباس قال قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش أنت سيد أهل المدينة الا ترى إلى هذا المتصبر المنتبز من قومه يزعم انه جرمنا ونحن أهل الحجيح واهل السقاية واهل السدانة قال أنتم خير منه فنزلت ان شانئك هو الأبتر واخرج ابن أبى شيبة فى المصنف وابن المنذر عن عكرمة قال لما اوحى إلى النبي صلعم قالت قريش بتر محمد منا فنزلت ان شانئك هو الأبتر واخرج ابن أبى حاتم عن السدى قال كانت قريش تقول إذا مات ذكورا الرجل بتر فلان فلما مات ولد النبي صلى اللّه عليه و(1/7181)
سلم قال العاص بن وائل بتر محمد فنزلت واخرج البيهقي فى الدلائل مثله عن محمد ابن على بن الحسين وسمى الولد القاسم واخرج البيهقي فى الدلائل عن مجاهد قال فنزلت فى العاص ابن وائل قال انا شاتى محمد وذكر البغوي ان العاص بن وائل السهمي راى النبي صلعم يخرج من المسجد وهو يدخل فالتقيا عند باب بنى سهم وتحدثا وأناس من صناديد قريش جلوس فى المسجد
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 352
فلما دخل العاص قالوا من الذي تحدث معه قال ذلك الأبتر يعنى النبي صلعم وكان قد توفى ابن رسول اللّه صلعم من خديجة وذكر محمد بن اسحق عن يزيد بن رومان قال كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول اللّه صلعم قال دعوه فانه رجل ابتر لا عقب له فإذا هلك انقطع ذكره فانزل اللّه هذه السورة قلت والصحيح عندى ان نزول انا أعطيناك الكوثر لم يكن عند وفات ابن النبي صلعم فان القاسم مات بمكة قبل الهجرة وفى رواية قبل البعثة وما روى عن محمد بن على فهو من رواية جابر الجعفي وهو كذاب وابراهيم مات سنة عشر جزم به الواقدي وقال يوم الثلثاء بعشر خلون من ربيع الأول كذا فى سبيل الرشاد والصحيح فى نزول هذه السورة رواية مسلم عن انس ورواية البزار عن ابن عباس حين قدم كعب بن الأشرف مكة واللّه اعلم قوله تعالى(1/7182)
إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ قال أهل اللغة الكوثر فوعل من الكثرة كنوفل من النفل والعرب تسمى كل شىء كثير فى العدد أو كثير فى القدر والخطر كوثر ومن هاهنا ما روى البخاري ومن طريق أبى بشر وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الكوثر الخير الكثير الذي أعطاه اللّه إياه قال أبو بشر قلت لسعيد بن جبير ان ناسا يزعمون انه نهر فى الجنة قال سعيد النهر الذي فى الجنة من الخير الذي أعطاه إياه فعلى هذا احمل ابن عباس اللام فى الكوثر للجنس وزعم ان الحوض فرد من افراده وكذا من قال هو النبوة والقران والاولى حمل اللام على العهد تفسيره بما فسر به النبي صلعم كما ذكرنا حديث مسلم عن انس وفى الصحيحين عن انس قال قال رسول اللّه صلعم دخلت الجنة فإذا انا ينهر حافتاه خيام اللؤلؤ فضربت يدى إلى ما يجرى فيه الماء فإذا مسك ازفر قلت ما هذا يا جبرئيل قال هذا الكوثر الذي اعطاك اللّه وعند احمد والترمذي عنه مرفوعا قال هو أشد بياضا من اللبن واحلى من العسل وفيه طيور أعناقها كاعناق الجزر قال عمر يا رسول اللّه انها لناعمة قال أكلها أنعم منها يا عمر واخرج الطبراني عن اسامة بن زيد ان امرأة حمزة بن عبد المطلب قالت يا رسول اللّه انك أعطيت نهرا فى الجنة تدعى الكوثر قال أجل وارضه ياقوت ومرجان وزبرجد ولؤلؤ هو ما بين ايله وصنعاء فيه أباريق مثل عدد النجوم واخرج الطبراني عن حذيفة فى قوله تعالى انا أعطيناك الكوثر قال نهر فى الجنة أجوف فيه آنية من الذهب والفضة لا يعلمها الا اللّه تعالى واخرج احمد والترمذي وصححه وابن ماجة عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلعم الكوثر نهر فى الجنة حافتاه من ذهب والماء
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 353(1/7183)
يجرى على اللؤلؤ الحديث واخرج البخاري عن عائشة انها سالت عن قوله تعالى انا أعطيناك الكوثر قالت نهر أعطاه اللّه تعالى نبيكم صلى اللّه عليه وسلم ذكر الحوض فى رواية بضع وخمسين صحابيا الخلفاء الاربعة وابن مسعود وابن عباس والحسن بن على وحمزة بن عبد المطلب وعائشة وأم سلمة وأبو هريرة وابى بن كعب وعبد الرحمن بن عوف وجابر بن عبد اللّه وغيرهم وسرد السيوطي فى البدور السافرة الأحاديث الواردة فيه نحوا من سبعين.
فَصَلِّ الفاء للسببية يعنى فصل شكر اللّه تعالى على ما اعطاك فان الصلاة جامعة لاقسام الشكر باللسان والقلب والجوارح وقيل معناه دم على الصلاة لِرَبِّكَ خالصا بوجهه خلافا لمن يصلون وينحرون بغير اللّه وخلافا لمن يراؤن فيها وَانْحَرْ ط البدن التي هى خيار اموال العرب وتصدق على اليتامى والمساكين خلافا لمن يدعون اليتامى والمساكين ويمنعون الماعون فهذه السورة كالمقابلة لسورة المقدمة قال عكرمة وعطاء وقتادة فصل لربك صلوة العيد يوم النحر ونحر نسكك فعلى هذا يثبت به وجوب صلوة العيد والاضحية وقال سعيد بن جبير فصل الصلاة المفروضة بجمع وانحر البدن بمنى وروى عن ابن الجوزاء عن ابن عباس قال فصل لربك وانحر وضع اليمين على الشمال فى الصلاة عند النحر.(1/7184)
إِنَّ شانِئَكَ عدوك مبغضك هُوَ الْأَبْتَرُ ع أى لا عقب له بمعنى انه لا يعقبه ذكر حسن ويعقبه اللعنة من اللّه والملائكة والناس أجمعين فلا يرد ما قيل ان العاص بن وائل كان له عقب وهو عمرو وهشام فكيف يثبت له البتر وانقطاع الولد وان عمرو وهشام أسلما فقد انقطعت بينه وبينهما حتى لا يرثانه فهم من أبناء رسول اللّه صلعم وأزواجه أمهاتهم وذكر خبر ان معرفا باللام وإيراد ضمير الفصل للدلالة على الحصر يعنى لست بأبتر فانه يبقى ذكرك مع ذكر اللّه تعالى ابدا ويدوم حسن صيتك واثار فضلك إلى يوم القيامة والاخرة خير لك من الاولى ويبقى ذكر المؤمنين من أمتك على السنة الملائكة والمؤمنين فى قولهم اللّهم اغفر للمومنين والمؤمنات واللّه تعالى أعلم .
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 354
سورة الكافرون
مكّيّة وهى ست آيات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أخرج الطبراني وابن أبى حاتم عن ابن عباس ان قريشا دعت رسول اللّه صلعم إلى ان يعطوه ما لا فيكون اغنى رجل بمكة ويزوجوه ما أراد من النساء فقالوا هذا لك يا محمد وكف عن شتم الهتنا ولا تذكرها بسوء فان لم تفعل فاعبد الهتنا سنة ونعبد إلهك سنة قال حتى انظر ما يأتيني من ربى واخرج عبد الرزاق عن وهب بلفظ قالت قريش ان سرك ان يعقبك عاما وترجع فى ديننا عاما واخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن ميناء لقى الوليد بن مغيرة والعاص ابن وائل والأسود بن عبد المطلب وامية بن خلف رسول اللّه صلعم فقالوا يا محمد هلم فلتعبد ما نعبد ونعبد ما تعبد ونشترك نحن وأنت فى امر ناكله فانزل اللّه تعالى
قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ خطاب ل جماعة مخصوصة سالوا المسالمة قد علم اللّه منهم انهم لا يومنون.(1/7185)
لا أَعْبُدُ ابدا ما تَعْبُدُونَ غير اللّه تعالى من الأوثان نفى لموافقهم فى العبادة فى المستقبل من الزمان حتى يطابق السؤال لان سوالهم كان عن المسالمة والمصالحة فى الاستقبال مع ظهور مباينة النبي صلعم الكفار فى الحال وكما قال البيضاوي ان لا لا يدخل على المضارع بمعنى الاستقبال كما ان ما لا يدخل الا على المضارع بمعنى الحال.
وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ فيما يستقبل لأنه فى مقابلة لا اعبد ما أَعْبُدُ ج أورد ما موضع من للمطابقة أو لان المراد الصفة كأنَّه قال لا اعبد الباطل ولا أنتم عابدون الحق وقيل ما مصدرية.
وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ ط قرأ هشام عابدون فى الموضعين وعابد بالامالة والباقون بالفتح قال اكثر أهل المعاني ان القرآن نزلت بلسان العرب وعلى مجارى خطابهم وعلى هذا مذاهبهم التكرار لارادة التوكيد والافهام كما ان من مذاهب الاختصار لارادة التخفيف والإيجاز فهذا تكرير للتأكيد وقال القيبتى تكرار الكلام لتكرار الوقت وذلك انهم قالوا ان سرك ان تدخل دينك عاما فادخل فى ديننا عاما فنزلت السورة كأنَّه نفى المشاركة فى الوقتين وقيل كلمتان الأوليان بمعنى الذي والأخريان مصدريتان فالمقصود نفى المشاركة
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 355
من حيث المعبودون حيث كيفية العبادة.(1/7186)
لَكُمْ دِينُكُمْ الذي أنتم عليه لا تتركونه ابدا فهو اخبار كقوله تعالى وَلِيَ دِينِ ع أى دينى الذي انا عليه لا ارفضه ابدأ إنشاء اللّه تعالى فليس فيه اذن فى الكفر ولا منع عن الجهاد بل تذئيل وتأكيد لما سبق وتقديم الخبر للحصر فلا يحكم بكون الآية منسوخة باية القتال ولا يجوز تفسيره بالمشاركة وتقرير كل من الفريقين الاخر على دينه لان النبي صلعم لم يزل يدعوهم إلى الإسلام ما زال الكفار على إيذائه وإيذاء أصحابه وجاز ان يكون المعنى لكم جزاء أعمالكم ولى جزاء أعمالي قرأ نافع وحفص وهشام لى دين والباقون بإسكانها وهى رواية مشهورة عن البزي وقال الدالاني وبه أخذ وقد مر فى حديث انس وابن عباس فى تفسير إذا زلزلت قوله عليه السلام قل يايها الكافرون تعدل ربع القرآن وعن عائشة قالت قال رسول اللّه صلعم نعم السورتان هما تقران فى الركعتين قبل الفجر الكافرون والإخلاص رواه ابن هشام وعن فروة بن نوفل بن معاوية عن أبيه انه قال يا رسول اللّه علمنى شيئا أقوله إذا أويت إلى فراشى قال اقرأ قل يايها الكافرون فانها براءة من الشرك رواه الترمذي وأبو داود والدارمي وعن جبير بن مطعم قال قال رسول اللّه صلعم أ تحب يا جبير إذا خرجت فى سفر تكون أمثل أصحابك هيئة واكثر زادا فقلت نعم بابى أنت وأمي قال فاقرأ هذه السورة الخمس قل يايها الكافرون وإذا جاء نصر اللّه وقل هو اللّه أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس وافتح كل سورة ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم واختم قراءتك بها قال جبير وكنت غنيا وكثير المال فكنت أخرج فى سفر فاكون ابذلهم هيئة وأقلهم زادا فما تركت منذ علمتهن من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقرأت بهن أكون أحسنهم هيئة وأكثرهم زادا حتى ارجع من سفرى رواه أبو يعلى وعن على رض قال لدغت النبي صلى اللّه عليه واله وسلم عقرب فدعا بماء وملح وجعل يمسح عليها ويقرء قل يا أيها الكافرون و(1/7187)
قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس واللّه تعالى أعلم .
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 356
سورة النّصر
مدنيّة وهى ثلث آيات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أخرج عبد الرزاق فى مصنفه عن معمر عن الزهري قال لما دخل رسول اللّه صلعم مكة عام الفتح بعث خالد بن وليد فقاتل بمن معه صفوف قريش بأسفل مكة حتى هزمهم اللّه ثم امر بالسلاح فرفع عنهم فدخلوا فى الدين فانزل اللّه تعالى(1/7188)
إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ أى إظهاره إياك على أعدائك وعلى تقدير نزول هذا السورة بعد فتح مكة يعنى يوم الفتح فإذا هاهنا بمعنى إذ كما فى قوله تعالى حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور وقوله تعالى حتى إذا بلغ مغرب الشمس وَالْفَتْحُ يعنى فتح مكة روى الطبراني عن أبى سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلعم يوم الفتح هذا ما وعدني ربى ثم قرأ إذا جاء نصر اللّه والفتح وكانت قصة الفتح على ما ذكر اصحاب الاخبار ان رسول اللّه صلعم لما صالح قريشا عام الحديبية على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيه الناس وانه من أحب ان يدخل فى عقد رسول اللّه صلعم دخل فيه ومن أحب ان يدخل فى عقد قريش دخل فيه فدخلت بنو بكر فى عقد قريش وخزاعة فى عقد رسول اللّه صلعم وكان بينهما شر قديم ثم ان بنى نفاثة من بنى بكر عدت على خزاعة فخرج نوفل بن معاوية الديلمي منهم حتى بيت خزاعة بالوتير موضع أسفل مكة وقاتلوهم حتى دخلوا الحرم وما تركوا القتال وامدت قريش بنى بكر بالسلاح وقاتل بعضهم معهم ليلا مستخفيا منهم صفوان بن امية وعكرمة بن أبى جهل وسهيل بن عمرو وشيبة بن عثمن وخويطب بن عبد العزى مع عبيدهم ثم ندم قريش على نقض العهد ولام بعضهم بعضا وخرج عمرو بن سالم الخزاعي فى أربعين راكبا بعد القتال إلى رسول اللّه صلعم يخبرونه بالذي أصابهم ويستنصرونه واخبر رسول اللّه صلعم يوقفه بنى نفاثة وخزاعة قبل بلوغ الخبر وقال ينقضون العهد لامر يريد اللّه قالت عائشة خير قال خير روى محمد بن عمرو عنها والطبراني عن ميمونة نحوها ولما قدم عمرو بن سالم قام رسول اللّه صلعم يجر رداءه ويقول لا نصرت ان لم أنصرك يا عمرو وبما انصر به نفسى وذلك فى شعبان على راس اثنين وعشرين شهرا من صلح الحديبية فارسل رسول اللّه صلعم حمزة إلى قريش يخبرهم بين امور ثلثة ان أدوا دية قتلى خزاعة وهم ثلثة وعشرون قتيلا أو نيروا
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 357(1/7189)
من خلف من نقض الصلح وهم بنو نفاثة أو ينبذ إليكم على سواء فاختلف قول قريش ثم ال أمرهم إلى نبذ الصلح ورجع حمزة بالنبذ وشاور النبي صلعم أبا بكر وعمر فاشار أبو بكر بالصلح واللين وقال هم قومك حتى راى انه سيتبعنى وأشار عمر بالحرب وقال هم راس الكفو زعموا انك ساحر كاهن كذاب ولم يدع شيئا مما كان يقولونه وقال لا تذل العرب حتى يذل أهل مكة فاختار النبي صلعم راى عمر فخير رسول اللّه صلعم مخفيا امره وحرض العرب فجاء اسلم وغفار ومزنية وحرفية وأشجع وسليم فمنهم من وافاه بالمدينة ومنهم من لحقه فى الطريق والمسلمون عشرة آلاف وقيل اثنا عشر الفا ويجمع بان العشرة حين الخروج من المدينة وتلاحق به الفان ثم ندم قريش على نبذ الصلح فبعث أبا سفيان ودخل على ابنته أم حبيبة فلما ذهب ليجلس على فراش رسول اللّه صلعم طوته عنه وقالت هو فراش رسول اللّه صلعم فقال واللّه لقد أصابك يا بنية بعدي شر قالت هدانى اللّه للاسلام وأنت يا أبت سيد قريش وكبيرها كيف يسقط عنك الدخول فى الإسلام وتعبد حجرا لا يسمع ولا يبصر فقام من عندها فدخل على رسول اللّه صلعم فكلمه فلم يرد عليه شيئا ثم ذهب إلى أبى بكر فكلمه وان يكلم له رسول اللّه صلعم فقال ما انا بفاعل ثم اتى عمر فكلمه فقال واللّه لو لم أجد الا الذر لجاهدتكم به فدخل على على وعنده فاطمة والحسن فقال يا على انك أمس القوم منى رحيما اشفع لنا إلى رسول اللّه صلعم فقال ويحك يا أبا سفيان لقد عزم رسول اللّه صلعم ما يستطيع أحد ان يكلمه فالتفت إلى فاطمة فقال هل لك ان تامرى نبيك هذا فيجبر بين الناس فابت فقال يا أبا الحسن اشتد الأمر على فانصحنى فقال واللّه لا اعلم شيئا يغنيك ولكنك سيد بنى كنانة فقم فاجر بين الناس ثم الحق بأرضك قال وترى ذلك مغنيا عنى شيئا قال لا ولكن لا أجد غير ذلك فقام أبو سفيان فى المسجد فقال يايها الناس انى قد اجرت بين الناس ثم ركب بعيرة(1/7190)
فانطلق وقدم على قريش وقضى
القصة قالوا واللّه ان أراد على الا ان لعب لك فاستخلف النبي صلعم على المدينة ابن أم كلثوم وقيل أبا ذر الغفاري وهو الصحيح رواه الطبراني خرج رسول اللّه صلعم الأربعاء لعشر خلون من رمضان سنة ثمان من الهجرة وقيل غير ذلك وقال رسول اللّه صلعم اللهم خذ العيون والاخبار عن قريش روى البخاري عن على يقول بعثني رسول اللّه صلعم انا وزبير أو المقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فان بها ظعينة معها كتاب فخذوا منها قال فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى اتينا روضة فإذا نحن
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 358(1/7191)
بالظعينة قلنا اخرجى الكتاب قالت ما معى كتاب فقلنا لتخرجى الكتاب أو لتلقين الثياب فاخرجته من عقاصها فاتينا به رسول اللّه صلعم فإذا فيه من حاطب بن بلتعة إلى الناس بمكة من المشركين يخبرهم ببعض امر رسول اللّه صلعم فقال يا حاطب ما هذا قال يا رسول اللّه لا تعجل علىّ انى كنت امرأ ملصقا فى قريش وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم فاحببت إذا فاتنى ذلك من انتسب فيهم ان اتخذوا عندهم هذا يحمون قرابتى ولم افعله ارتدادا عن دينى ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول اللّه صلعم اما انه قد صدقكم فقال عمر يا رسول اللّه دعنى اضرب عنق هذا المنافق فقال انه قد شهد بدرا وما يدريك يا عمر ان اللّه تعالى عز وجل اطلع على من شهد بدرا فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فرقت عينا عمر فانزل اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ إلى قوله سواء السبيل وصام رسول اللّه صلعم وصام الناس معه فلما بلغ الكديد أفطروا فطروا فلم يزل مفطرا حتى انسلخ الشهر وخرج العباس بن عبد المطلب مهاجرا فلقيه بالجحفة وكان قبل مقيما بمكة على سقاية برضاه ولقيه بالأبواء أبو سفيان بن الحارث ابن عمه وابنه جعفر بن أبى سفيان وأسلما قبل دخول مكة قيل بل لقيه هو وعبد اللّه بن امية ابن عمته عاتكة فاعرض رسول اللّه صلعم عنهما وقال لا حاجة لى بهما فقد هتكا عرضى وقالا لى ما قالا فالجئا وكلمت أم سلمة فيهما فاذن لهما فلما كان لقديد عقد الالوية والرايات ودفعها إلى القبائل وراية النبي صلعم مع الزبير ثم نزل بمر الظهران عشاء وقد عميت الاخبار عن قريش فخرج تلك الليلة أبو سفيان بن حرب وحكم بن حزام وبديل بن ورقة يتجسسون الاخبار وامر النبي صلعم أصحابه فاوقدوا عشر آلاف نارا وقال العباس بن عبد المطلب ليلتئذ ووا صباح قريش واللّه لئن دخل النبي صلعم مكة عنوة(1/7192)
انها لهلاك قريش إلى اخر الدهر فخرج عباس على بغلة رسول اللّه صلعم ليرى حطابا أو صاحب لبن أو ذا حاجة يدخل مكة فيخبرهم بمكان رسول اللّه صلعم فيستامنونه قبل ان يدخلها عليهم عنوة فسمع عباس صوت أبى سفيان يقول واللّه ما رايت كالليل نيرانا فقال عباس ويحك يا أبا سفيان هذا رسول اللّه صلعم قد جاء بما لا قبل لكم به فقال ما الحيلة فقال عباس يا أبا سفيان لئن ظفر بك ليضربن عنقك فاركب فى عجز هذه البغلة حتى اتى بك رسول اللّه صلعم فتستامنه فرجع فكلما مرا بنار نظروا إليه وقالوا هذا عم رسول اللّه صلعم على بغلة رسول اللّه صلعم حتى مرا بنار عمر فلما راى عمر أبا سفيان قام عمر فقال هذا أبو سفيان عدو اللّه
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 359
الحمد للّه الذي أمكن منه بغير عهد ولا عقد فاشتد نحو رسول اللّه صلعم فدخل عباس مع أبى سفيان على رسول اللّه صلعم ودخل عليه عمر ما تصنع هذا الا انه رجل من بنى عبد مناف ولو كان من بنى كعب ما قلت هذا قال مهلا يا عباس لاسلامك يوم أسلمت كان أحب إلى من اسلام الخطاب فقال رسول اللّه صلعم اذهب به يا عباس إلى رحلك فلما أصبح غدا به عباس إلى رسول اللّه صلعم قال ويحك يا أبا سفيان أ لم يأن لك ان تعلم ان لا اله الا اللّه قال بابى أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك واللّه لقد ظننت ان لو كان مع اللّه غيره لقد اغنى شيئا بعد قال ويحك يا أبا سفيان أ لم يأن ان تعلم انى رسول اللّه قال بابى أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك اما هذه ففى نفسى منها شىء قال عباس(1/7193)
ويحك اسلم واشهد ان لا اله الا اللّه قبل ان يضرب عنقك فشهد شهادة الحق واسلم واسلم حكيم وبديل قبل أبى سفيان هذا رواية اسحق بن راهويه بسند صحيح وعند الطبراني ان رسول اللّه صلعم قال يعنى يا عباد اللّه ان أبا سفيان بالأراك فخذوه وعند ابن أبى شيبة ان أبا سفيان وأصحابه أخذهم حرس رسول اللّه صلعم من الأنصار وكان الحرس تلك الليلة عمر فقال احبسوه فحبسوه حتى أصبح وعند ابن أبى شيبة قال أبو سفيان دلونى على العباس وفى رواية فيهم عباس فذهب به إلى رسول اللّه صلعم إلى اخر القصة وقال رسول اللّه صلعم من دخل دار أبى سفيان فهو أمن ومن دخل المسجد فهو أمن ومن اغلق بابه فهو أمن فصرخ أبو سفيان فى المسجد يا على صوته يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به واخبر بما اتى به من الامان فتفرق الناس إلى دورهم والى المسجد ولما اسلم حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء وبايعاه بعثهما رسول اللّه صلعم بين يديه إلى قريش يدعوهم إلى الإسلام وبعث رسول اللّه صلعم الزبير وأعطاه الراية وامره على خيل المهاجرين والأنصار وامره ان يركز راية با على مكة بالجحون وقال لا تبرح حتى امرتك ومن ثم دخل رسول اللّه صلعم وضربت هناك قبت وامر خالد بن وليد فيمن اسلم من قضاعنة وبنى سليم ان يدخل من أسفل مكة وبها بنو بكر قد استنفرتهم قريش وبنو الحارث بن عبد مناف ومن كان من الأحابيش امرتهم قريش ان يكونوا بأسفل مكة وقال النبي صلعم لخالد والزبير حين بعثهما لا تقاتلا الا من قاتلكم وامر سعد بن عبادة ان يدخل فى بعض الناس من كداء وأعطاه رسول اللّه صلعم راية فقال سعد حين توجه داخلا اليوم يوم الملحمة اليوم يستحل الحرمة فسمعها رجل من المهاجرين فقال يا رسول اللّه اسمع ما قال
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 360(1/7194)
سعد بن عبادة من ابن يكون له فى قريش صولة فقال رسول اللّه صلعم لعلى أدركه فخذ الراية فكن أنت تدخل بها فذهب على بالراية حتى غرزها عند الركن وروى أبو يعلى عن الزبير ان النبي صلعم دفع الراية إليه فدخل مكة بلوائين فلم يكن بأعلى مكة من قبل الزبير فقال واما خالد ابن وليد فلما دخل من أسفل مكة منعه من كان هناك من المشركين قريش وغيرهم ان تشتهروا له السلاح ورموه بالنبل وقالوا لا تدخلها عنوة فصاح خالد فى أصحابه فقاتلهم وقتل منهم اربعة وعشرون رجلا من قريش واربعة من هذيل وقال ابن اسحق أصيب من المشركين اثنى أو ثلاثة عشر وانهزموا أقبح الانهزام حتى قتلوا بالحروة وهم مولون من كل وجه وانطلقت طائفة منهم فوق رؤس الجبال واتبعهم المسلمون ولم يقتل من المسلمين الا رجل من جهينة يقال له سلمة بن الميلاء من خيل خالد بن الوليد ورجلان يقال لهما كرز بن جابر الفهري وحبيش بن خالد بن ربيعة كانا فى خيل خالد بن الوليد فشذا عنه وسلكا طريقا غير طريقه فقتلا جميعا وكان رسول اللّه صلعم قد عهد إلى امرائه من المسلمين حين أمرهم ان يدخلوا بمكة ان لا تقتلوا أحدا الا من قاتلهم الا نفر أسماهم فامرهم بقتلهم وان وجدوا تحت أستار الكعبة عبد اللّه بن أبى سرح كان اسلم ثم ارتد فشفع فيه عثمن يوم الفتح فحقن دمه واسلم بعد ذلك وعكرمة ابن أبى جهل فقبل إسلامه وحويرث بن نقيد كان يوذى رسول اللّه صلعم ونحن نرهب حين هاجرت إلى المدينة فقتله على ومقيس بن صبابة كان اسلم ثم اتى على رجل من الأنصار فقتله وكان الأنصاري قتل أخاه هشاما خطاء فى غزوة ذى قردة ظنه من العدو فجاء مقيس فاخذ الدية ثم ارتد فقتله غيلة بن عبد اللّه رجل من قومه وهبار بن الأسود كان شديد الأذى للمسلمين وعرض لزينب بنت رسول اللّه صلعم فتحس بها فاسقطت ولم يزل ذلك المرض بها حتى ماتت اسلم يوم الفتح فعفا عنه رسول اللّه صلعم والحارث بن الطلاطل الخزاعي(1/7195)
قتله على رض ذكره ....
ابو معشر وكعب بن الزبير الشاعر كان يهجو فاسلم ومدح رسول اللّه صلعم ذكره الحاكم ووحش ابن حرب قاتل بن حمزة فهرب إلى الطائف ثم جاء فاسلم وعبد اللّه بن حنظل كان اسمه عبد العزى كان قد اسلم وسماه رسول اللّه صلعم عبد اللّه وبعثه ساعيا وبعث معه رجلا من خزاعة وكان يصنع له طعاما ويخدمه فنزلا منزلا وامره ان يذبح له .... ويصنع طعاما وقام نصف النهار فاستيقظ
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 361(1/7196)
و لم يضع له شيئا قعدا عليه فقتله ثم ارتد وهرب إلى مكة وكانت له قينتان تغنيان بهجا رسول اللّه صلعم فأمر رسو ل اللّه صلعم بقتلهما معه فقتلت يوم الفتح إحداهما وهربت الاخرى فقتله سعيد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي اشتركا فى دمه وأسلمت التي هربت وسارة مولاة عمر ابن هاشم كانت مغنية نواحة بمكة وهى التي وجد معها كتاب حاطب بن بلتعة أسلمت وهند بنت ابن عتبة امرأة أبى سفيان تنقت عن كبد حمزة عم رسول اللّه صلعم أسلمت فعفى عنها وهرب صفوان بن امية إلى جدة ليركب منها إلى اليمن فاستامن له عمير بن وهب فأتى رسول اللّه صلعم اجعلنى فى امرى بالخيار إلى شهرين فخيره رسول اللّه صلعم إلى اربعة أشهر ثم اسلم بعد ذلك ودخل رسول اللّه صلعم مكة وعلى راسه سواء رواه احمد ومسلم واربعة فى الصحيحين على راسه المغفر وجمع بانه كان على راسه المغفر ثم نزع المغفر ولبس العمامة وكان يقرأ سورة الفتح يرجع صوته بالقراءة كذا فى الصحيحين فنزل رسول اللّه صلعم ومعه أم سلمة وميمونة روجتيه فى قبة من آدم بالحجون لخيف بنى كنانة حيث تقاسم قريش وكنانة على بنى هاشم وبنى المطلب ان لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم رسول اللّه صلعم فقيل الا تنزل منزلك من الشعب فقال هل تركت لنا عقيل منزلا وقد باع عقيل منزل رسول اللّه صلعم ومنزل اخوته من الرجال والنساء بمكة فقيل فانزل فى بعض بيوت مكة غير منازلك فأبى وقال لا ادخل البيوت وكان يأتي فى المسجد لكل صلوة من الحجون فمكث فى منزله ساعة من النهار فاغتسل وسترها فاطمة وصلى ثمان ركعات سبحة الضحى رواه مسلم وعند البخاري عن أم هانى انه صلى اللّه عليه واله وسلم اغتسل فى بيتها وصلى ثم ركب راحلة واتى الكعبة واستلم الركن بمحجنه وكبر وكبر المسلمون حتى ارتجت مكة تكبيرا وجعل رسول اللّه صلعم يشير إليهم ان اسكنوا والمشركون فوق الجبال ينظرون ثم طاف بالبيت على(1/7197)
راحلة سبعا يستلم الركن بمحجنه وكان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما مرصعة بالرصاص وكان هبل أعظمها وهو وجاه الكعبة على بابها واساف ونايله حيث ينحرون ويذبحون فجعل رسول اللّه صلعم كلما مر بصنم منها يشير إليه ويطعن فى عينه ويقول جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا فما يشير بصنم الا سقط بوجهه أو بقفاه من غير ان يمسه وأراد فضالة بن عمر الليثي قتل رسول اللّه صلعم وهو يطوف فلما دنى منه قال يا فضالة قال نعم قال ماذا كنت
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 362
تحدث به نفسك قال لا شىء كنت اذكر اللّه فضحك رسول اللّه صلعم وقال استغفر اللّه ثم وضع يده على صدره فكان فضالة يقول واللّه ما رفع يده عن صدرى حتى لم يكن شىء أحب إلى منه فلما فرغ من طوافه نزل عن راحلته على أيدي الرجال لم يجد مناخا فى المسجد وأناخ البعير خارج المسجد ثم انتهى إلى مقام وهو لاحق بالكعبة والدرع عليه والمغفر وعمامة بين كتفيه فصلى ركعتين ثم انصرف إلى زمزم فاطلع فيها وقال لو لا ان يغلب بنو عبد المطلب لنزعت منها دلوا فنزعه عباس ويقال الحارث بن عبد المطلب دلوا فشرب منه وتوضأ المسلمون يتبدرون بوضوئه يصبونه على وجوههم والمشركون ينظرون إليهم ويتعجبون ويقولون ما راينا ملكا قط ابلغ منه فلا سمعنا به امر يهبل فكسر وعن على قال قال رسول اللّه صلعم اجلس فجلست إلى جنب الكعبة فصعد رسول اللّه صلعم ثم قال يا على اصعد على منكبى ففعلت فلما نهض بي خيل إلى لو شئت نلت أفق السماء فصعدت فوق الكعبة فقال انقض صنمهم الأكبر وكان من نحاس موتدا باوتاد من حديد الى(1/7198)
الأرض فقال عالجة ويقول جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا فرميت به فارسل بلا لا إلى عثمن بن طلحة يأتي بمفتاح الكعبة فقال عثمن هو عند أمي فارسل إليها فقالت لا واللات والعزى لا ادفعه إليك ابدا فقال لها عثمان لا لات ولا عزى ان لم تفعلى قتلت انا وأخي فابطأ عثمن ورسول اللّه صلعم ينتظره فبعث أبا بكر وعمر فلما سمعت صوت أبى بكر وعمر قالت يا بنى خذ المفتاح فان تأخذ أنت أحب إلى من ان يأخذوا منه هم عدوى فاخذه عثمن فجاء به رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم فتناول رسول اللّه صلعم منه المفتاح ففتح الكعبة بيده وكان هو طلحة يقولون لا يفتح الكعبة الا هم فامر رسول اللّه صلعم عمر بازالة الصور عن البيت قبل دخوله فتجرد المسلمون فى الأزر وأخذ الولاء وارتجزوا على زمزم ويغسلون الكعبة ظهرها وبطنها فلم يدعوا اثرا من المشركين الا محوه وغسلوه فدخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الكعبة هو واسامة بن زيد وطلحة وأغلقوا عليهم الباب فجعل رسول اللّه صلعم عمودا عن يمينه وعمودين عن يساره وثلثة اعمدة نحو باب البيت ورائه بينه وبين الجدار ثلثة ازرع أو ذراعين فصلى ركعتين ثم خرج وصلى ركعتين قبل القبلة وقال هذه القبلة ثم قام على باب البيت قال لا اله الا اللّه وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 363(1/7199)
الا ان كل ماثرة ودم أو مال يدعى فهو تحت قدمى هاتين وأول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث إلا سدانة البيت وسقاية الحاج الا فى قتيل العصاء والسوط والخطا شبه والعمد الدية المغلظة مائة ناقة منها أربعون فى بطونها أولادها ولا وصية لوارث وان الولد للفراش وللعاهر الحجر ولا يحل لامراة ان تعطى من مال زوجها الا باذنه والمسلمون يد واحد على من سواهم ولا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد فى عهده ولا يتوارث أهل ملتين ولا جلب ولا جنب ولا يوخذ صدقات المسلمين الا فى بيوتهم وأفنيتهم ولا تنكح امرأة على عمتها ولا على خالتها والبينة على من ادعى واليمين على من أنكر ولا تسافر امراة الا مع ذى محرم ولا صلوة بعد العصر وبعد الصبح وأنهاكم عن صوم يومين يوم الفطر ويوم الأضحى وعن اللبستين لا يحتبى فى ثوب واحد ولا يشتمل الصماء يا معشر قريش ان اللّه قد ذهب عنكم الجاهلية وتعظمها بالآباء الناس ابن آدم وآدم خلق من تراب ثم تلا يايها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى الآية يا أهل مكة ماذا ترون انى فاعل بكم قالوا خير أخ كريم وابن أخ كريم قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر اللّه لكم وهو ارحم الراحمين اذهبوا فانتم طلقاء فاعتقهم رسول اللّه صلعم فخرجوا كما نشروا من القبور وروى البخاري عن أبى هريرة ان عام الفتح قتلت خزاعة رجلا من بنى ليث بقتيل لهم فى الجاهلية فقام رسول اللّه صلعم فقال ان اللّه قد حبس عن مكة الفيل وسلط عليهم رسوله والمؤمنين الا وانها لم تحل لاحد قبلى ولا يحل لاحد بعدي وانما حلت لى ساعة من نهار الا وانها ساعتى هذه حرام لا يختلى شوكها ولا يعضد شجرتها ولا يلتقط ساقطها الا متشدد من قتل له قتيل فهو بخير النظرين اما يودى واما يقاد فقال له رجل من أهل اليمن يقال له أبو شاه اكتب لى يا رسول اللّه فقال اكتبوا له وقام رجل من قريش فقال يا رسول اللّه الا الاذخر قال الا الاذخر وفى رواية قام(1/7200)
رجل فقال يا رسول اللّه انى قد عاهرت فى الجاهلية فقال عليه السلام من عاهر بامرأة لا يملكها أو أمة قوم آخرين ثم ادعى ولده بعد ذلك فانه لا يجوز له ولا يرث ولا يورث ولاء خالكم الا قد عرفتموها أقول قولى هذا واستغفر اللّه لى ولكم ونادى منادى رسول اللّه صلعم بمكة من كان يومن باللّه وباليوم الاخر فلا يدع ما فى بيته صنما الا كسره فلما حانت الظهر امر بلالا ان يوذن بالظهر يومئذ فوق الكعبة يغبط بذلك المشركون وقريش فوق رؤس الجبال وقد فسر وجوههم وتعيبوا
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 364
و(1/7201)
ابو سفيان وخالد بن أسيد وحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة فقال خالد بن أسيد لقد أكرم اللّه أسيدا ان لا يكون يسمع هذا وقال الحارث اما واللّه لو اعلم انه محق لاتبعه وقال بعض بنى سعيد بن العاص لقد أكرم اللّه سعيدا إذ قبضه قبل ان يرى هذا الأسود على ظهر الكعبة وقال أبو سفيان لا أقول شيئا لو تكلمت لاخبرت عنى هذه الحصا فاتى جبرئيل بما قالو فاخبرهم رسول اللّه صلعم بما قالوا فقالوا شهد انك رسول اللّه فاسلم أهل مكة ورمى بعض المسلمين أبا قحافة فشبحه فاخذت قلادة اسماء بنت فادركه أبو بكر وهو يستد من فمسح الدم على وجهه وجاء به إلى رسول اللّه صلعم فقال هلا تركت الشيخ حتى ايته فمسح صدره فاسلم وكان راس أبى قحافة ولحيته كالثغامة فقال عليه الصلاة والسلام غيروا هذا الشيء وجنبوه السواد فجلس رسول اللّه صلعم على الصفا وعمر أسفل منه يأخذ عن الناس البيعة على الايمان باللّه وشهادة ان لا اله الا اللّه وحده وان محمدا عبده ورسوله فجاء الكبار والصغار والرجال والنساء فبايعهم ولما فرغ عن بيعة الرجال بايع النساء قالت عائشة واللّه ما مست يد رسول اللّه صلعم امرأة قط ما كان يبايعهن الا كلاما وروى مسلم عن أبى هريرة ان رسول اللّه صلعم لما فرغ من طوافه اتى الصفا فعلا منه حتى يرى البيت فرفع يديه وجعل يحمد اللّه تعالى ويذكره ويدعو بما شاء اللّه ان يدعوه والأنصار تحته فقال بعضهم لبعض اما الرجل فادركته رغبة فى قربته ورافة فى عشيرته فجاء الوحى فقال رسول اللّه صلعم يا معشر الأنصار قالوا لبيك يا رسول اللّه قال قلتم كذا قالوا نعم قال فحاشا وكلا انى عبد اللّه ورسوله هاجرت إلى اللّه وإليكم المحيا محياكم والممات مماتكم فاقبلوا إليه يبكون ويقولون واللّه يا رسول اللّه ما قلنا الذي قلنا الا للضنين باللّه وبرسوله فقال رسول اللّه صلعم فان اللّه ورسوله بعد ردتكم بصدقاتكم واستقرض رسول اللّه(1/7202)
صلعم من ثلثة نفر من قريش خمسين الف درهم من صفوان بن امية وأربعين الف درهم من عبد اللّه بن ربيعة وأربعين الف من حويطب بن عبد العزى فقسمها بين أهل الضعف من أصحابه فلما فتح اللّه هوازن ردها وقال انما جزاء السلف الحمد والأداء وقال رسول اللّه صلعم لا تعزى مكة بعد اليوم وقال لا هجرة بعد الفتح وروى أبو يعلى وأبو نعيم عن ابن عباس قال لما فتح مكة ان إبليس ان رنة فاجتمعت ذريته فقال ايئسوا ان ترد أمة محمد إلى الشرك وروى
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 365(1/7203)
ابن أبى شيبة عن مكحول لما دخل رسول اللّه صلعم مكة تلقته الجن يرمونه بالشرر فقال جبرئيل عليه السلام تعوذ يا محمد بهؤلاء الكلمات أعوذ بكلمات اللّه التامة التي لا يجاوزهن برو لا فاجر من شر ما نزلا من السماء وما يعرج فيها ومن شر ما بث فى الأرض وما يخرج منها ومن شر الليل والنهار ومن شر كل طارق يطرق الا طارق يطرق بخير يا رحمن وروى البيهقي عن ابن أبى بزى قال لما فتح مكة جاءت عجوز حبشية شمطاء تخمش وجها وتدعو بالويل فقيل يا رسول اللّه راينا عجوزا شمطاء حبشية تخمش وجهها وتدعو بالويل فقال تلك قائلة أيست ان تعبد ببلدكم هذا ابدا ونزلت يوم الفتح ان اللّه يأمركم ان تؤدوا الأمانات إلى أهلها الآية فدعا رسول اللّه صلعم عثمن بن طلحة فدفع إليه المفتاح وقال خذها خالدة تالدة لا ينزعها منكم الا ظالم ان اللّه استامنكم على بيته فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف وروى انه جاء جبرئيل فقال ما دام هذا البيت أوليته من لبناته قائمة فان المفتاح والسدانة فى ال عثمن فكان المفتاح معه فلما مات دفعه إلى أخيه شيبة فالمفتاح والسدانة فى أولادهم إلى يوم القيمة واقام رسول اللّه صلعم بمكة تسع عشرة ليلة يقصر الصلاة رواه البخاري وفى رواية أبى داود سبع عشرة وعند الترمذي والبخاري ثمان عشر وجه الجمع انه تسع عشر مع يوم الدخول والخروج وسبع عشر باسقاطهما وثمان عشر من حيث الساعات وما روى خمس عشرة فضعفها النووي فى الخلاصة ولما فتح اللّه مكة قالت العرب بعضهم لبعض إذا ظفر محمد يا اهل
الحرم وقد كان اللّه اجارهم من اصحاب الفيل فليس لكم به يدان فكانوا يدخلون فى دين اللّه أفواجا بعد ان كانوا يدخلون واحدا وواحدا واثنين اثنين وهو قوله تعالى.(1/7204)
وَ رَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ جملة يدخلون حال من مفعول رايت ان كان بمعنى روية البصر والا فمفعوله الثاني أَفْواجاً حال من فاعل يدخلون قال مقاتل وعكرمة أراد بالناس أهل اليمن عن أبى هريرة عن النبي صلعم قال أمتكم أهل اليمن هم ارق افئدة وألين قلوبا للايمان والحكمة يمانية والفخر والخيلاء فى اصحاب الإبل والسكينة والوقار فى أهل الغنم متفق عليه وجواب إذا جاء قوله تعالى.
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ أى متلبسا بحمد ربك يعنى قل سبحان اللّه وبحمده متعجبا حامدا لما تيسر اللّه لك ما لم يخطر ببال أحد ان يفتح عنوة وقد منعها اللّه من اصحاب الفيل عن انس قال لما دخل رسول اللّه صلعم مكة استشرفه الناس فوضع راسه صلى اللّه عليه وسلم على رحله متخشعا رواه الحاكم بسند جيد وعن أبى هريرة نحوه بلفظ ليمس وسط رحله ويقرب منها
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 366(1/7205)
تواضعا حتى راى من فتح اللّه وكثرة المسلمين ثم قال اللّهم ان العيش عيش الاخرة رواه أبو يعلى وَاسْتَغْفِرْهُ تواضعا وهضما لنفسك واستغفارا لعملك واستدراكا لما فات منك الأفضل باختيار الفاضل شفقة على الامة أو المعنى استغفر لامتك قال رسول اللّه صلعم انى لاستغفر اللّه فى اليوم والليلة سبعين مرة وفى رواية اكثر من سبعين مرة وفى رواية مائة مرة رواه البخاري والنسائي وابن ماجة والطبراني وأبو يعلى من حديث أبى هريرة وانس وشداد بن أوس وتقديم التسبيح ثم الحمد على الاستغفار على طريقه النزول من الخالق إلى الخلق وهذا من سنة الدعاء ولا بد لغير النبي صلعم تقديم الصلاة على النبي صلعم أيضا على استغفار إِنَّهُ لم يزل كانَ تَوَّاباً للمستغفرين منذ خلق المكلفين روى الثعلبي ان رسول اللّه صلعم لما قرئها بكى عباس فقال عليه السلام ما يبكيك فقال نعيت نفسك إليك فقال انه لكما تقول قال البيضاوي وجه الاستدلال بالسورة على نعى رسول اللّه صلعم دلالتها على تمام الدعوة وكمال امر الدين كقوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم الآية أو لان الأمر بالاستغفار تنبيه له على دنو الاجل وروى البخاري عن ابن عباس قال كان عمر يدخلنى مع أشياخ بدر فقال بعضهم لم يدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله فقال انه ممن قد علمتم قال فدعاهم ذات يوم ودعانى معهم قال وما رايته دعانى يومئذ الا ليريهم منى فقال ما تقول إذا جاء نصر اللّه والفتح حتى ختم السورة فقال بعضهم أمرنا ان نحمد اللّه ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا وقال بعضهم لا ندرى ولم يقل بعضهم شيئا قال لى ابن عباس كذلك تقول قلت لا قال فما تقول قلت هو أجل رسول اللّه صلعم اعلمه اللّه إذا جاء نصر اللّه والفتح فتح مكة فذاك علامة أجلك فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا قال عمر ما اعلم الا ما تعلم أخرج احمد عن ابن عباس قال لما نزلت إذا جاء نصر اللّه والفتح قال رسول(1/7206)
اللّه صلعم نعت إلى نفسى أخرج الترمذي من حديث انس إذا جاء نصر اللّه والفتح ربع القرآن وروى البخاري عن عائشة قالت كان رسول اللّه صلعم يكثر فى ركوعه وسجوده سبحانك اللّهم وبحمدك اللّهم اغفر يتاول وروى مسلم عنها قالت كان يكثر من قول سبحان اللّه وبحمده استغفر اللّه وأتوب إليه قال أخبرني ربى إلى سارى علامة فى أمتي فإذا رايتها اكثر من قول سبحان اللّه وبحمده استغفر اللّه وأتوب إليه رايتها إذا جاء نصر اللّه والفتح فتح مكة ورايت الناس يدخلون فى دين اللّه أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا قال الحسن اعلمه قد اقترب اجله فامر بالتسبيح والتوبة ليختم له بالزيادة فى العمل الصالح قال قتادة ومقاتل عاش النبي صلى اللّه عليه وسلم بعد نزول هذه السورة سنتين - واللّه اعلم.
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 367
سورة اللّهب
مكيّة وهى خمس آيات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
روى الشيخان فى الصحيحين انه لما نزلت قوله تعالى وانذر عشيرتك الأقربين جمع رسول اللّه صلعم أقاربه فانذرهم وفى رواية عند البخاري وغيره صعد على الصفا فنادى فاجتمعت إليه قريش ارايتم لو أخبرتكم ان العدو مصبحكم أو ممسيكم اما كنتم مصدقى قالوا بلى قال فانى نذير لكم بين يدى عذاب شديد فقال أبو لهب تبا لك أ لهذا جمعتنا وأخذ حجرا ليرميه فنزلت(1/7207)
تَبَّتْ التباب خسران يودى إلى الهلاك أى هلكت يَدا أَبِي لَهَبٍ أى نفسه كما فى قوله تعالى ولا تلقوا بايديكم إلى التهلكة وقيل انما خصتا بالذكر لما أخذ حجر الرمي وقيل أراد بها دنياه وآخرته وقيل أراد ماله وملكه يقال فلان قليل ذات يد قرأ ابن كثير أبى لهب بإسكان الهاء والباقون بفتحها واسمه عبد العزى بن عبد المطلب قال مقاتل كنى باللهب لحسنه واشراق وجهه وانما ذكر هاهنا بالكنية لاستكراه ذكر اسمه ولانه لما كان من اصحاب النار كانت الكنية أوفق بحاله وبمجانسة قوله ذات لهب وَتَبَّ ط اخبار بعد اخبار للتاكيد أو الاولى دعائية والثاني اخبارية والتعبير بالماضي لتحقق وقوعه قال ابن مسعود لما دعا رسول اللّه صلعم أقرباءه إلى اللّه عز وجل قال أبو لهب ان كان ما يقول ابن أخي حقا فاننى افتدى نفسى بمالى وولدي فانزل اللّه تعالى.
ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ ما نافية أو استفهامية للانكار يعنى ما يدفع عنه عذاب ما جمع من المال أو أى شىء يغنى عنه ماله وكان صاحب مال ومواش وَما كَسَبَ ط من المال والولد عن عائشة مرفوعا أطيب ما أكلتم من كسبكم وان أولادكم كسبكم رواه البخاري فى التاريخ والترمذي وقد افترس ولده عتبة اسد فى طريق الشام كما ذكرنا فى سورة عبس ومات أبو لهب بالعدس بعد وقعة بدر بايام معدودة وترك ثلثا حتى أنتن ثم استاجروا بعض السودان حتى دفنوه أوعده اللّه تعالى بالنار فقال.
سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ أى تلتهب جملة مستانفة أو فى مقام التعليل لقوله ما اغنى اتفق القراءة على فتحة هاء لهب هاهنا لرعاية القوافي.(1/7208)
وَ امْرَأَتُهُ ط عطف على المستكن فى سيصلى سوغه الفصل أو مبتداء بعده خبره وهى أم جميل بنت حرب بن امية اخت أبى سفيان حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ج قرأ عاصم بالنصب على الذم والشتم والباقون بالرفع على انه خبر مبتداء أخرج ابن جرير عن ابن اسحق عن رجل من همدان يقال له
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 368
يزيد ان امرأة أبى لهب كانت تلقى فى طريق النبي صلى اللّه عليه وسلم الشوك والعضاة لتعقرهم فنزلت وكذا روى عن الضحاك واخرج ابن المنذر عن عكرمة مثله وهى رواية عطية عن ابن عباس وقال قتادة ومجاهد والسدى كانت تمشى بالنميمة وتنقل الحديث فتلقى العداوة بين الناس وتوقد نارا كما توقد الحطب نارا وقال سعيد بن جبير حمالة الخطايا قال اللّه تعالى وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم.(1/7209)
فِي جِيدِها عنقها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ع خبر لامرأته بعد خبر على تقدير كونه مبتداء أو حال منه على تقدير كونه فاعلا سيصلى قال ابن عباس وعروة بن الزبير المراد به سلسلة فتلت من حديد قتلا محكما ذرعها سبعون ذراعا يدخل فى فمها ويخرج من دبرها ويكون سائرها فى عنقها والمسد ما قتل واحكم من أى شىء كان وروى الأعمش عن مجاهد من مسد أى من حديد وقال الشعبي ومقاتل من ليف مقتول وذلك الليف هو الحبل الذي كانت تحتطب به فبينما هى ذات يوم حاملة حزمة فأعيت فقعدت على حجر تستريح فاتيها ملك فجذبها من خلفها فأهلكها وقال ابن زيد حبل من شجر ينبت باليمن يقال له مسد وقال قتادة هى قلادة قال الحسن كانت خرزات فى عنقها وقال سعيد بن المسيب كانت لها قلادة فى عنقها فأخرة فقالت لانفقها فى عداوة محمد صلعم قلت فان كان المراد بثبوت حبل كائنا من مسد أى حديد فى جيدها فى الاخرة فهى اما خبر لامرأته بعد خبر ان كان مبتداء أو حال منه إن كان فاعلا سيصلى وحمالة الحطب على تقدير النصب يكون معترضة للذم ولا يجوز ان يكون فى جيدها حبل من مسد حالا من الضمير المستكن فى حمالة الحطب لعدم اتحاد زمان الحال حينئذ لان حمل الحطب كان فى الدنيا الا ان يقال معنى حمالة الحطب انها تحمل حطب جهنم كالزقوم والضريع أو ما يوقد به جهنم جزاء لما كانت تحمل الحطب فى الدنيا بعداوة النبي صلعم وأصحابه كذا ذكر البيضاوي لكن لم ينقل هذا التأويل من السلف وان المراد به ثبوت حبل فى عنقها فى الدنيا فحينئذ اما خبر مبتداء محذوف أى هى أو خبر بعد خبر لامرأته أو حال من الضمير المستكن فى حمالة الحطب بلا إشكال والظاهر على هذا التأويل ان يكون فى الكلام ترشيحا للمجازا وتصويرا لها بصورة الخطابة التي يحتمل لتحرمه وتربطها فى جيدها كيلا يسقط من راسها لتحقيرها ولا يكون الكلام على الحقيقة وما قال الشعبي فهو مستبعد جدا لكونها وزوجها فى بيت عز وثروة وجدة - (1/7210)
و اللّه تعالى أعلم .
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 369
سورة الإخلاص
مكيّة وهى اربع آيات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أخرج الترمذي والحاكم وابن خزيمة من طريق أبى العالية عن أبى بن كعب ان المشركين قالوا لرسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم انسب من ربك فانزل اللّه تعالى قل هو اللّه أحد إلى اخر السورة واخرج الطبراني وابن جرير مثله من حديث جابر بن عبد اللّه فبناء على هذين الروايتين قيل السورة مكية واخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس ان اليهود جاءت إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم منهم كعب بن الأشرف وحيى بن اخطب فقالوا يا محمد صف لنا ربك الذي بعثك فانزل اللّه قل هو اللّه أحد إلى آخرها واخرج ابن جرير عن قتادة وابن المنذر عن سعيد بن جبير مثله وذكر البغوي قول الضحاك وقتادة ومقاتل جاء ناس من أحبار اليهود إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالوا صف لنا ربك لعلنا نومن بك فان اللّه انزل نعته فى التورية فأخبرنا من أى شىء هو وهل يأكل ويشرب ممن ورث ومن يرثه فانزل اللّه هذه السورة واخرج أبو شيخ فى كتاب العظمة من طريق ابان عن انس قال أتت يهود خيبر إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالوا يا أبا القاسم خلق اللّه الملائكة من نور الحجاب وآدم من حمأ مسنون وإبليس من لهب النار والسماء من دخان والأرض من زبد الماء فاخيرنا عن ربك فلم يجبهم فاتاه جبرئيل بهذه السورة وبناء على هذا الروايات قيل السورة مدنية واخرج ابن جرير عن أبى العالية قال قادة الأحزاب انسب لنا ربك فاتاه جبرئيل بهذه السورة وعلى هذا الرواية يرتفع التعارض ويظهر ان السورة مدنية والمراد بالمشركين من حديث أبى بن كعب هم قادة الأحزاب ولعل اليهود وقادة الأحزاب من المشركين كلا الفريقين سالوا عن اللّه تعالى حين نزلت السورة وذكر البغوي عن أبى الظبيان وابى صالح عن ابن عباس ان عامر بن الطفيل واربد بن ربيعة أتيا النبي صلى(1/7211)
اللّه عليه واله وسلم فقال عامر إلى ما تدعونا يا محمد قال إلى اللّه تعالى قال صفه لنا أمن ذهب هو
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 370
أم من فضة أم من حديد أم من خشب فنزلت هذه السورة فاهلك اللّه أريد بالصاعقة وعامرا بالطاعون قوله تعالى
قُلْ يا محمد هُوَ الضمير اما للشأن والجملة الواقعة بعدها خبر له ولا حاجة إلى العائد لأنه هى هو واما عائد إلى ما سئل عنه يعنى الذي سالتمونى هو اللَّهُ خبر لهو أَحَدٌ ج بدل من اللّه أو خبر ثان لهو أصله وحد بمعنى واحد أبدلت الواو همزة وفى قراءة ابن مسعود قل هو اللّه لواحد وكذا قرأ عمر بن الخطاب وعلى تقدير كون الضمير للشأن وكون اللّه أحد مبتداء وخبر فالكلام ليس على ظاهره لان اللّه علم للجزء الحقيقي لا يكون الا واحدا يمتنع فرض صدقه على كثيرين كزيد فيلزم الاستدراك ولا يفيد الكلام فالواجب ان يراد بلفظ اللّه معنى كليا يعنى مستحقا للعبادة لكل من سواه وذلك الاستحقاق لا يتصور الا بافاضة الوجود وتوابعه على ما عداه وذلك الافاضة لا يتصور الا من الذات الواجب وجوده وصفات كماله الممتنع عليه صفات النقص والزوال المباين للممكنات فى حقيقة ذاته وصفاته لان اقتضاء وجود غيره فرع اقتضاء وجوده فى نفسه وما لا يقتضى وجوده فى نفسه كيف يقتضى وجود غيره سواء كان ذلك الغير جوهرا أو عرضا أو فعلا من افعال العباد وذلك معنى الوجوب والنقص والزوال ومشابهة الممكنات ينافى الوجود واستحقاق العبادة فمعنى الجملة المستحق للعبادة على الإطلاق الواجب لذاته وجوده وصفاته الكاملة الممتنع عليه صفات النقص والزوال واحد لا شريك له وحينئذ أفاد الكلام فائدة تامة غير انه على هذا التأويل لا يطابق الجواب السؤال لانهم لم يسالوا النبي صلى اللّه عليه واله وسلم عن كونه تعالى واحدا أو متكثرا فان النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يدعوهم بأعلى صوته إلى التوحيد وقول لا اله الا اللّه بل سالوه(1/7212)
عن حقيقة الذاتية وقالوا يا محمد صف لنا ربك الذي بعثك أمن الذهب هو أم من فضة أو نحو ذلك وكذا إن كان الضمير عائدا إلى المسئول عنه لا جائز ان يقال معنى الجملة انه واحد غير متكثر فانه لا يطابق السؤال فالواجب على كلا التأويلين ان يكون المراد بأحد ما يكون منزها عن أنحاء التركيب والتعدد وما يستلزم أحدهما من الجسمية والمتحيز والمشاركة لشئ من الأشياء فى الحقيقة والمشابهة لشئ من الأشياء فى صفة من صفات الكمال وإذا لم يشابهه أحد فى الذات
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 371(1/7213)
و لا فى صفة من الصفات لا يكون له ند ولا ضد ولا مثل ومن هاهنا قالت الصوفية العلية أحديته تعالى وعدم مشابهة أحد له تعالى فى صفة من الصفات يقتضى ان لا يشاركه أحد فى الوجود فانه اصل الصفات والحيوة التي هى أم الصفات وامامها من العلم والقدرة والارادة والكلام والسمع والتكوين فرع للوجود بالمعنى المصدري فهو امر انتزاعي مترتب عليه ومن ثم قالوا يعنى لا اله الا اللّه لا موجود الا اللّه فالموجود الحقيقي فى الخارج ليس الا اللّه تعالى وما عداه من الممكنات الموجودة متصفة بوجوده كالظل لوجوده فى الخارج أو هو كالظل للخارج الحقيقي وكذا الحال فى العلم والقدرة وسائر الصفات قال اللّه تعالى ذلك بان اللّه هو الحق يعنى الثابت المتحقق المتأصل فى وجوده وصفاته وان ما يدعون من دونه هو الباطل يعنى اللاشيء فى نفسه وقال اللّه تعالى كل شىء هالك الا وجهه فصفات الممكنات انما يشارك صفات الواجب تعالى اشتراكا اسميا لا اشتراكا حقيقيا ومن لا يفهم كلام الصوفية فعليه التشبث باذيا لهم حتى يتبين لهم انه الحق أو لم يكف بربك انه على كل شىء شهيد الا انهم فى مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شىء محيط ففى جملة واحدة ثم الاشارة إلى مباحث الذات والصفات كلها فى كلمة قل اشارة إلى النبوة والتبليغ واعجاز الآية شاهد على النبوة فكفى بقل هو اللّه أحد عن المجلدات وان بقي الكلام فى مثل ان صفاته تعالى عين ذاته أو زائدة عليها فلا محذور فيه ولا يتعلق به غرض بل البحث عن مثل هذه الأبحاث الفلسفة يقضى إلى المهلكة قال اللّه تعالى يسئلونك عن الروح قل الروح من امر ربى وما أوتيتم من العلم الا قليلا فإذا لم يوت البشر العلم بحقيقة الروح وهو من الخلائق فانى له العلم بذات الخالق وصفاته الا العجز عن درك إدراكه ..... والبحث عنه اشراك والسبيل إليه المعية الجيبية لا غير عن أبى هريرة قال خرج علينا رسول(1/7214)
اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم ونحن متنازع فى القدر فغضب حتى احمر وجهه حتى كانما فقئ وجنتيه حب الرمان فقال أ بهذا أمرتم أ بهذا أرسلت إليكم انما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا فى هذا الأمر عزمت عليكم الا تنازعوا فيه رواه الترمذي وروى ابن ماجة نحوه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
اللَّهُ الصَّمَدُ ج قال ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير الصمد الذي لا خوف له كذا أخرج ابن جرير عن بريدة
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 372(1/7215)
الا اعلمه الا قد رفعه قلت لعله مجاز مما لا ينفذ إليه العقول والأوهام ولا يدركه الافهام وقال الشعبي الذي لا يأكل ولا يشرب وقيل تفسيره وما بعده ولذا روى أبو العالية عن أبى بن كعب وقال أبو الوائل شقيق بن سلمة هو السيد الذي قد انتهى سودده وهى رواية عن أبى طلحة عن ابن عباس يعنى الذي قد كمل فى جميع انواع السودد وعن سعيد ابن جبير هو الكامل فى جميع صفاته وأفعاله وقيل هو السيد المقصود فى الحوائج قال السيد هو المقصود إليه فى الرغائب المستغاث به عند المصائب يقال صمدته إذا قصدته قال قتادة الصمد الباقي بعد فناء خلقه وقال عكرمة الصمد الذي ليس فوقه أحد وهو قول على رض وقال الربيع الصمد الذي لا يعتريه الآفات قال مقاتل بن حبان الذي لا عيب فيه قلت وعندى معناه الحقيقي المقصود قال فى القاموس الصمد القصد بالتحريك السيد لأنه يقصد وإدخال اللام عليه لافادة كونه فى أجل درجات الصمدية وأعلاها وأكملها فان الناس قد يقصدون غير اللّه سبحانه من الدنيا وما فيها لفساد رايهم وعدم اهتدائهم إلى مرتبة حق اليقين فكل ما ذكر فى اقوال السلف من المعاني فهى تعبيرات عن لوازمه لان المقصود على الإطلاق من يحتاج كل ما عداه إليه ولا يحتاج هو إلى غيره فى شىء من الأشياء فيكون البتة جامعا لجميع الكمالات وانواع السودد ومنزها عن العيوب وان تعتريه الآفات غير محتاج إلى الاكل والشرب قديما بما لم يولد غير مجانس لاحد حتى يلد مثله ولا يكون فوقه بل ليس مثله أحد فيكون البتة بحيث لا ينفذ إليه فهم وادراك ولما كانت الجملة السابقة تغنيه عن هذه الجملة وعن الجمل الثلث اللاحقة وهذه الجملة وما بعدها كالتأكيد للاولى أوردت لزيادة الاهتمام من قبيل إيراد الخاص بعد العام للمبالغة فى التنزيه والتصريح بالرد على المخاطبين المنكرين المشركين فى القصد والعبادة غيره تعالى القائلين باتخاذ اللّه تعالى البنات والبنين بغيره(1/7216)
لم يذكر العاطف على هذه الجملة ولا على ما بعدها وكرر اسم اللّه تعالى للاشعار بان لم يتصف به لم يستحق الالوهية وان المقصد يجب ان لا يكون غيره تعالى ومن ثم قالت الصوفية معنى لا اله الا اللّه لا مقصود الا اللّه وقالوا ما هو مقصد لك فهو معبود لك فان المرء لا تزال يلقى نفسه فى كمال التذلل لتحصيل مقصوده والعبادة عبارة عن كمال التذلل
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 373
فالصوفية العلية يذكرون النفي والإثبات مع ملاحظة نفى مقصودية ما عدا اللّه ويجتهدون فيه غاية الاجتهاد حتى يزول عن صدورهم كون غيره تعالى مقصودا بوجه من الوجوه واللّه الميسر لكل عسير.
لَمْ يَلِدْ كما زعمت المشركون ان الملائكة بنات اللّه واليهود بان عزير ابن اللّه والنصارى بان المسيح ابن اللّه لاستحالة المجانسة وعدم الاقتضاء إلى من يعينه أو يخلف عنه لاستحالة الاحتياج والفناء عليه تعالى أورد بلفظ الماضي وان كان عدم توالده ابدا ردا على ما قالوا ولمطابقة قوله وَلَمْ يُولَدْ لان الحدوث ينافى الالوهية.(1/7217)
وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ع أى مكافيا ومماثلا قرأ حفص كفوا بضم الفاء وفتح الواو وحمزة بإسكان الفاء مع الهمزة فى الوصل فإذا وقف أبدل الهمزة واوا مفتوحة اتباعا للخط والقياس ان يلقى حركتها على الفاء والباقون بضم الفاء مع الهمزة أحد اسم يكن وكفوا خبره والظرف متعلق بكفوا قدم الخبر على الاسم والظرف التعلق بالخبر عليه للاهتمام لان المقصد تنزيه اللّه تعالى ونفى المكافاة عنه تعالى الرعاية الفواصل ويجوز ان يكون الظرف حالا من المستكن فى كفوا وان يكون خبرا أو كفوا حال من أحد أورد الجمل الثلث منتسقات بالعطف لان المقصد منها نفى اقسام الأمثال وتنزيهه عن كل ما يتصف به فهى كجملة واحدة عن أبى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه واله وسلم قال قال اللّه تعالى كذبنى ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمنى ولم يكن له ذلك فاما تكذيبه إياي بان يقول لن يعيدنى كما بدأنى وليس أول الخلق باهون على من إعادته واما شتمه إياي فقوله اتخذ اللّه ولدا وانا الأحد الصمد لم الد ولم اولد ولم يكن لى كفوا أحد - (فصل) - عن أبى الدرداء قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم أ يعجز أحدكم ان يقرأ فى ليلة ثلث القرآن بالواو كيف يقرأ ثلث القرآن قال قل هو اللّه أحد تعدل ثلث القرآن رواه مسلم ورواه البخاري عن أبى سعيد ومثله فى حديث ابن عباس وانس وذكرناه فى تفسير سورة الزلزال وعن عائشة ان النبي صلى اللّه عليه واله وسلم بعث رجلا على سرية وكان يقرأ لاصحابه فى صلوتهم بقل هو اللّه أحد فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبى صلى اللّه عليه واله وسلم فقال سلوه لاى شىء تصنع ذلك فسالوه فقال لانها صفة الرحمن
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 374(1/7218)
و انا أحب ان اقرءها فقال النبي صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم اخبروه ان اللّه يحبه متفق عليه وعن انس قال رجل يا رسول اللّه انى أحب هذا السورة قل هو اللّه أحد قال ان حبك إياها أدخلك الجنة رواه الترمذي وروى البخاري معناه وعن أبى هريرة ان النبي صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم سمع رجلا يقرأ قل هو اللّه أحد فقال وجبت قلت ما وجبت قال الجنة رواه مالك والترمذي والنسائي وعن انس عن النبي صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم قال من أراد ان ينام على فراشه فنام على يمينه ثم قرأ مائة مرة قل هو اللّه أحد إذا كان يوم القيامة يقول له الرب يا عبدى ادخل على يمينك الجنة رواه الترمذي وقال حسن غريب وعنه عن النبي صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم قال من قرأ كل يوم مأية مرة قل هو اللّه أحد محى عنه ذنوب خمسين الا ان يكون عليه دين رواه الترمذي والدارمي وفى رواية خمسين مرة ولم يذكر الا ان يكون عليه دين وعن سعيد بن المسيب مرسلا عن النبي صلى اللّه عليه واله وسلم قال من قرأ قل هو اللّه أحد عشر مرات بنى له قصر فى الجنة ومن قرأ عشرين مرة بنى له قصر ان فى الجنة ومن قرأها ثلثين مرة بنى له بها ثلثة قصور فى الجنة فقال عمر بن الخطاب واللّه يا رسول اللّه إذا لتكثرن قصورنا فقال رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم اللّه أوسع من ذلك واللّه تعالى أعلم .
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 375(1/7219)
سورة الفلق
مدنيّة وهى خمس آيات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أخرج البيهقي فى دلائل النبوة من طريق الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس قال مرض رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم مرضا شديدا فاتاه ملكان فقعد أحدهما عند راسه والاخر عند رجليه فقال الذي عند رجليه للذى عند راسه ما ترى قال طب قال ما طب قال سحر قال من سحره قال لبيد بن الأعصم اليهودي قال اين هو قال فى شراك فلان تحت صخرة فى ركية فاتو الركية فانزحوا وارفعوا الصخرة ثم خذوا الكدية وأحرقها فلما أصبح رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم بعث عمار بن ياسر فى نفر فاتوا الركية فإذا ماءها مثل ماء الحناء ثم رفعوا الصخرة واخرجوا الكدية واحرقوها فإذا فيها وتد فيه أحد عشر عقدة وأنزلت عليه هاتان السورتان فجعل كلما قرأ اية انحلت عقدة قل أعوذ برب الفلق قل أعوذ برب الناس واخرج أبو نعيم فى الدلائل من طريق أبى جعفر الرازي عن انس قال صنعت اليهود لرسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم شيئا فاصابه من ذلك وجع شديد فدخل عليه أصحابه فظنوا انه المايه فاتاه جبرئيل بالمعوذتين فعوذبهما فخرج إلى الصحابة صحيحا وله شاهد فى الصحيحين بدون نزول السورة وذكر البغوي قول ابن عباس وعائشة كان غلام من اليهود يخدم رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم فدبت إليه اليهود فلم يزالوا به حتى أخذوا مشاطة راس النبي صلى اللّه عليه واله وسلم وعدة أسنان مشطة فاعطاها اليهود فسحروا فيها وتولى ذلك لبيد بن الأعصم رجل من اليهود فنزلت السورتان وروى البغوي بسنده عن عائشة ان النبي صلى اللّه عليه واله وسلم طب حتى انه ليخيل انه قد صنع شيئا وما صنعه وانه دعا ربه ثم قال ان اللّه أفتاني فيما استفتيته فيه فقالت عائشة وما ذاك يا رسول اللّه قال جاءنى رجلان فجلس أحدهما عند راسى والاخر عند رجلى
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 376(1/7220)
فقال أحدهما لصاحبه ما وجع الرجل قال الاخر مطبوب قال من طبه قال لبيد بن الأعصم قال فيما ذا قال فى مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر قال فاين هو قال فى ذروان بير بنى زريق قالت عائشة فاتاها رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم ثم رجع إلى عائشة فقال واللّه لكان ماءها نقاعة الحناء ولكان نخلها رؤس الشياطين فقلت يا رسول اللّه فلا أخرجته قال اما انا قد شفانى اللّه كرهت ان اثير على الناس شرا قال البغوي وروى انه كان تحت صخرة فى البير فرفعوا الصخرة واخرجوا جف الطلعة فإذا فيه مشاطة راسه وأسنان مشطة وروى البغوي بسنده عن يزيد بن أرقم قال سحر النبي صلى اللّه عليه وسلم رجل من اليهود فاشتكى لذلك إياها قال فاتاه جبرئيل فقال ان رجلا من اليهود سحرك فعقد لك عقدا فارسل رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم عليا فاستخرجها كلما حل عقد وجد لذلك خفة فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم كانما نشط عن عقال فما ذكر ذلك اليهودي ولا راه فى وجهه واخرج ابن مردوية والبيهقي فى الدلائل عن عائشة ان يهوديا سحر النبي صلى اللّه عليه واله وسلم فى أجد عشر عقدة فى وتردسه فى بير فمرض النبي صلى اللّه عليه واله وسلم ونزلت معوذتان وأخبره جبرئيل بموضع السحر فارسل عليا فجاء به فقرأهما عليه فكان كلما قرأ اية انحلت عقدة ووجد بعض الخفة وروى انه لبث فيه ستة أشهر واشتد عليه ثلث ليال فنزلت معوذتين وروى مسلم عن أبى سعيد ان جبرئيل اتى النبي صلى اللّه عليه واله وسلم فقال يا محمد اشتكيت فقال نعم قال بسم اللّه أرقيك من كل شىء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد اللّه يشفيك بسم اللّه أرقيك قوله تعالى(1/7221)
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ أى فلق الصبح وهو قول جابر بن الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة من قوله تعالى فالق الإصباح وقيل فلق الحب والنوى بالشطا والسحاب بالماء والأرض بالعيون والأرحام بالأولاد وقال الضحاك يعنى الفلق وهى رواية الوالبي عن ابن عباس والمشهور هو الأول وقال اكثر المفسرين وهى رواية عن ابن عباس انه سجن فى جهنم رواه ابن جرير وقال الكلبي واد فى جهنم واخرج ابن جرير عن أبى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال الفلق جب فى جهنم مغطى واخرج ابن جرير والبيهقي
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 377
عند عبد الجبار الخولاني قال قدم علينا رجل من اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم فى دمشق فراى ما فيه الناس من الدنيا قال وما يغنى عنهم أ ليس ورائهم الفلق قالوا وما الفلق قال جب فى النار إذا فتح هرب منه أهل النار واخرج ابن أبى حاتم وابن أبى الدنيا وأيضا عن عمرو بن عتبة قال الفلق بير فى جهنم إذا سعرت جهنم فمنه تسعر جهنم لتتاذى منه كما يتاذى بنو آدم من جهنم عليها الغطاء فإذا كشفت عنه خرجت منه نار تصيح منه جهنم من شدة حرما يخرج منه واخرج ابن أبى حاتم وابن جرير عن كعب قال الفلق بيت فى جهنم إذا فتح صاح أهل النار من شدة حره واخرج ابن أبى حاتم عن زيد بن على عن ابائه الكرام الفلق جب فى قعر جهنم وانما خص ذكر اللّه سبحانه فى الاستعاذة بهذه الصفة لان جهنم والفلق الذي هو أشد من اجزائه لما كان أدهى الا داهى وأعظم الأشياء شرا فخالقه وربه اقدر على دفع كل شر وان كان المراد بالفلق الصبح فالصبح دافع ومظهر الشرور غسق الليل فربه قادر على دفع كل شر فذكره تعالى بهذه الصفة داع إلى دفع الشرور واللّه تعالى أعلم .(1/7222)
مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ أى من شر كل مخلوق فان الممكن لا يخلو من شر لان العدم داخل فى ماهيته غير انه كلما استضاء بالتجليات الذاتية والصفاتية زال شره وتبدل بالخير أولئك يبدل اللّه سياتهم حسنات وقال عليه الصلاة والسلام اسلم شيطانى فلا يأمرنى الا بخير قال البيضاوي خص عالم الخلق بالاستعاذة منه لانحصار الشر فيه فان عالم الأمر خير كله وشر عالم الخلق اما اختياري لازم كالكفر متعد كالظلم واما طبيعى كاحراق النار وإهلاك السموم.
وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ الغسق معناه الامتلاء قال اللّه تعالى انى غسق الليل أى امتلاءها ظلمة ويقال غسق العين إذا امتلئت دمعا وغسق القمر إذا امتلأ نورا وفى القاموس الغاسق القمر والليل إذا غاب الشفق والغسوق والاغساق الاظلام وقيل معناه السيلان غسق الليل الضباب ظلامه وغسق العين سيلان دمعه وغسق القمر سرعة سيره وقيل الغسق البرد سمى الليل غاسقا لانها أبرد من النهار والقمر غاسقا لكونه أبرد من الشمس ولهذا يقال للقمر الزمهرير والمراد بالغاسق هاهنا القمر لحديث عائشة قالت أخذ النبي صلى اللّه عليه واله وسلم بيدي فنظر إلى القمر فقال يا عائشة
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 378
استعيذى باللّه من شر غاسق إذا وقب رواه البغوي بسنده فعلى هذا التقدير معنى قوله تعالى إِذا وَقَبَ إذا دخل فى الخسوف وأخذ فى الغيبوبة فان القمر لا يتخسف الا عند امتلاء نور الليلة البدر قال ابن عباس والحسن ومجاهد المراد به الليل إذا اقبل ودخل سواده فى ضوء النهار وقال ابن زيد المراد به الثريا إذا أسقطت يقال الانتظام تكثر عند وقوعها وترفع عند طلوعها.
وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ يعنى النفوس السواحر أو النساء الساحرات اللاتي ينفثن فى عقد الخيط حين يرقين ويسحرن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال أبو عبيد بناته بامره.(1/7223)
وَ مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ أى إذا اظهر حسده وعمل فى الإضرار بمقتضى حسده وانما قيد به لان ضرر الحسد قبل ذلك يعود إلى نفس الحاسد لاغتمامه لسرور غيره ولا يتجاوز إلى المحسود انما خص هذه الأشياء بالذكر بعد التعميم بقوله من شر ما خلق لكون دخل هذه الأشياء الثلاثة فى هذا الشر المخصوص اعنى سحر النبي صلى اللّه عليه وسلم ووسوسة شيطان الجن اعنى إبليس وشيطان الانس اعنى لبيد بن الأعصم أورد النفاثات بصيغة الجمع ولام العهد بخلاف غاسق وحاسد حيث أوردهما منكرا إذا الغرض فى الاستعاذة ملاحظة بنات لبيد بالتخصيص والتعين بخلاف غاسق وحاسد فان الغرض هناك استعاذة من شر أى غاسق وحاسد كان لان حساد النبي صلى اللّه عليه واله وسلم كانوا اكثر من ان يحصى وكانوا دائمين فى الحسد فاستعاذ منهم على وجه يأمن من شرهم فى المستقبل أيضا عن عقبة بن عامر قال قلت يا رسول اللّه اقرأ سورة هود وسورة يوسف قال لن تقرأ شيئا ابلغ عند اللّه من قل أعوذ برب الفلق رواه احمد والنسائي والدارمي واللّه تعالى أعلم .
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 379
سورة النّاس
مدنيّة وهى ست آيات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ يا محمد أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ خالقهم ومربيهم ومصلح أمورهم.
مَلِكِ النَّاسِ مالكهم ومدبر أمورهم.(1/7224)
إِلهِ النَّاسِ معبودهم هما عطف بيان لرب الناس فان المربى قد يطلق على الوالد ورب الدار ويطلق على المالك وهو لا يكون ملكا ولا معبودا والملك قد يطلق على السلطان وهو لا يكون معبودا مستحقا للعبادة واللام فى الناس للعهد والمراد به النبي صلى اللّه عليه واله وسلم واتباعه وتخصيصهم بالذكر مع كونه تعالى ربا وملكا والها بكل شىء لاظهار شرفهم ولان المقصود بانزال السورتين دفع شر السحر وغيره عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وعن اتباعه لان من حق الرب والملك والا له حفظ المربوب والمملوك والعائد عن الشر قال غوث الثقلين أ يدركني صنم وأنت ظهرى أ أظلم فى الدنيا وأنت نصيرى فعار على حامى الحمى وهو قادر إذا أضاع فى البيداء عقال بعيري والكفار وان كانوا مربوبين مملوكين لكن لعدم اعترافهم به غير مستحقين للحماية ولدا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم يوم الأحزاب اللّه مولانا ولا مولا لكم وتكرير الناس بالإظهار من غير إضمار لان عطف البيان موضوع للبيان وفى الإظهار زيادة البيان وللاشعار بشرف النبي صلى اللّه عليه وسلم واتباعه وقال البيضاوي ولما كانت الاستعاذة فى السورة المتقدمة من المضار البدنية وهى تعم الإنسان وغيره والاستعاذة فى هذه السورة من الإضرار اللتي تعرض النفوس البشرية وتخصها عمم الاضافة ثمه وخصصها بالناس هاهنا فكانه قال أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك أمورهم ويستحق عبادتهم وقيل وجه التكرير لفظ الناس ان المراد بالناس الأول الأطفال ومعنى الربوبية يدل عليه وبالثاني الشاب المجاهدين فى سبيل اللّه ولفظ الملك المنبئ عن السياسة يدل عليه وبالثالث
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 380(1/7225)
الشيوخ المنقطعين إلى اللّه تعالى ولفظ الإله المنبئ عن العبادة يدل عليه وبالرابع الصالحون إذا الشيطان حريص على عداوتهم وبالخامس المفسدون لعطفه على معوذ منه وفى ذكر أطفال المؤمنين والرجال الصالحين استجلاب للرحمة واستدفاع للعذاب قال رسول رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم لو لا رجال ركع وأطفال وضع وبهائم رتع نصب عليكم صبا رواه أبو يعلى والبزار والبيهقي من حديث أبى هريرة وله شاهد مرسل أخرجه أبو نعيم عن الزهري وقال اللّه تعالى لو لا رجال مومنون ونساء مومنات لم تعلموهم الآية قال البيضاوي فى هذا النظم دلالة على انه تعالى حقيق بالاعادة قادر عليها غير ممنوع عنها واشعار على مراتب الناظر فى العارف فانه يعلم اولا بما يرى عليه من النعم الظاهرة والباطنة ان لم ربا ثم بعد النظر يتحقق انه غنى عن الكل ذوات كل شى ملكه ومصارف أمورهم منه فهو الملك الحق ثم يستدل على انه هو المستحق للعبادة.
مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الوسواس اسم بمعنى الوسوسة وهو الصوت الخفي الذي يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع كالزلزال والمراد هاهنا الموسوس يعنى الشيطان على طريقه المبالغة أو بتقدير المضاف أى ذى الوسواس كذا قال الزجاج الْخَنَّاسِ صفة للوسواس يعنى الشيطان لان عادته ان يخنس أى يتاخر عند ذكر اللّه تعالى عن عبد اللّه بن شقيق قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما من آدمي الا بقلبه بيتان فى أحدهما الملك وفى الاخر الشيطان فإذا ذكر اللّه خنس وإذا لم يذكر اللّه وضع الشيطان منقاره فى قلبه ووسوس له رواه أبو يعلى وروى أبو يعلى عن انس عنه صلى اللّه تعالى عليه واله وسلم نحوه.
الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ إذا لم يذكر اللّه والموصول فى محل الجر على انه صفة بعد صفة للوسواس وجاز ان يكون منصوبا على الذم أو مرفوعا على انه خبر لمبتداء محذوف أى هو.(1/7226)
مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ع بيان للوسواس أو الذي فالوسوسة فعل من الجنة والناس جميعا قال اللّه تعالى وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الانس والجن الآية امر اللّه تعالى نبيه صلى اللّه عليه واله وسلم ان يستعيذ من شر الجن والانس جميعا فان قيل الناس لا يوسوسون فى صدور الناس انما هى فعل بالجن قلنا الناس أيضا يوسوسون بمعنى يليق بهم
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 381(1/7227)
يقولون أقوالا يرتكز فى صدور الناس منها الوسوسة أو هو متعلق بيوسوس أى يوسوس فى صدورهم من جهة الجنة والناس وقال الكلبي هو بيان للناس من قوله فى صدور الناس وأراد بالناس هناك ما يعم القبيلتين سمى الجن ناسا كما سموا رجالا فى قوله تعالى وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن قال البغوي فقد ذكر من بعض العرب انه قال وهو يحدث جاء قوم من الجن فوقفوا ففيل من أنتم فقالوا أناس من الجن وهذا معنى قول الفراء وجاز ان يكون من الجنة بيانا للوسواس ويكون الناس هاهنا معطوفا على الوسواس والمعنى أعوذ برب الناس من شر الشيطان الموسوس من الجنة ومن شر الناس عن عقبة بن عامر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الم تر آيات أنزلت الليلة لم تر مثلهن قط قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس رواه مسلم ورواه احمد بلفظ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم الا أعلمك سورا ما انزل فى التورية ولا فى الزبور ولا فى الإنجيل ولا فى القرآن بمثلها قلت بلى قال قل هو اللّه أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس وعن عائشة ان النبي صلى اللّه عليه واله وسلم قال إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما قل هو اللّه أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على راسه ووجهه وما اقبل من جسده يفعل ذلك ثلث مرات متفق عليه وعن عقبة بن عامر بينا انا أسير مع رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم بين الجحفة والأبواء إذ غشينا ريح وظلمة شديده فجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم يتعوذ بأعوذ برب الفلق وأعوذ برب الناس ويقول يا عقبة تعوذ بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما رواه أبو داود وعن عبد اللّه بن حبي ب قال خرجنا فى ليلة مطيرة وظلمة شديدة نطلب رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم ما دركناه فقال قل قلت ما أقول قال قل هو اللّه أحد(1/7228)
والمعوذتين حين تصبح وحين تمسى ثلث مرات يكفيك من كل شىء رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وعن عائشة ان النبي صلى اللّه عليه واله وسلم قال إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث فلما اشتد
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 382
وجعه كنت اقرأ عليه وامسح عنه بيده رجاء بركتها رواه البغوي - (فصل) - فى فضائل القرآن العظيم عن عثمان بن عفان رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم خيركم من تعلم القرآن وعلمه رواه البخاري ومسلم وزاد البيهقي فى الأسماء وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل اللّه على خلقه وعن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم لا حسد الا على الاثنين رجل أتاه اللّه القرآن يقوم به اناء الليل واناء النهار ورجل أتاه اللّه مالا فهو ينفق منه اناء الليل واناء النهار متفق عليه وعن عبد الرحمن بن عوف رضى اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه واله وسلم قال ثلث تحت العرش يوم القيامة القرآن يحاج العباد له ظهر وبطن والامانة والرحم ينادى الا من وصلني وصله اللّه ومن قطعى قطعه اللّه رواه البغوي فى شرح السنة وعن عبد اللّه بن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا فان منزلتك عند اخر الآية تقرأها رواه احمد والترمذي وأبو داود والنسائي وعن أبى سعيد الخدري رض قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم يقول الرب تبارك وتعالى من شغله القرآن عن ذكرى ومسئلتى(1/7229)
أعطيته أفضل ما اعطى السائلين وفضل كلام اللّه على سائر الكلام كفضل اللّه تعالى على خلقه رواه الترمذي والدارمي والبيهقي وعن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم من قرأ حرفا من كتاب اللّه فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف الف حرف ولام حرف وميم حرف رواه الترمذي والدارمي وقال الترمذي حسن صحيح غريب اسناده وعن الحارث الأعور قال مررت بالمسجد فإذا الناس يخوضون فى الأحاديث فدخلت على على رضى اللّه تعالى عنه فاخبرته قال أو قد فعلوها قلت نعم قال واما انى سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم يقول الا انها ستكون فتنة قلت ما المخرج منها يا رسول اللّه قال كتاب اللّه فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه عن جبار فصمه اللّه ومن ابتغى الهدى من غيره أضله اللّه وهو حبل اللّه المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 383(1/7230)
هو الذي لا يزيغ الأهواء ولا تلتبس به الا السنة ولا تشبع منه العلماء ولا يخلق عن كثرة الرد ولا ينقضى عجايبه هو الذي لم ينبه الجن إذا سمعته حتى قالوا انا سمعنا قرانا عجبا يهدى إلى الرشد فأمنا به من قال به صدق ومن عمل به اجر ومن حكم به عدل ومن دعى إليه هدى إلى صراط مستقيم رواه الترمذي والدارمي وعن معاذ الجهني قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم من قرأ القرآن وعمل به بما فيه البس والداه تاجا يوم القيامة ضوءه احسن من ضوء الشمس فى بيوت الدنيا لو كانت فيكم فما ظنكم بالذي عمل بهذا رواه احمد وأبو داود وعن عقبة بن عامر قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم يقول لو جعل القرآن فى إهاب ثم القى فى النار ما احترق رواه الدارمي وعن على رض قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من قرأ القرآن فاستظهره وأحل حلاله وحرم حرامه ادخله اللّه الجنة وشفعه فى عشرة من أهل بيت كلهم قد وجبت لهم النار رواه احمد والترمذي وابن ماجة والدارمي وعن عائشة ان النبي صلى اللّه عليه وسلم قال قراءة القرآن فى الصلاة أفضل من قراءة القرآن فى غير الصلاة وقراءة القرآن فى غير الصلاة أفضل من التسبيح والتكبير والتسبيح أفضل من الصدقة والصدقة أفضل من الصوم والصوم جنة من النار وعن أوس الثقفي .... قال قال رسول اللّه صلى اللّه ......(1/7231)
عليه واله وسلم قراءة الرجل القرآن فى غير المصحف الف درجة وقراءته فى المصحف المضعف ذلك الفى درجة وعن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ان هذا القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد إذا أصابه الماء قيل يا رسول اللّه وما جلاء ذلك قال كثرة ذكر الموت وتلاوة القرآن روى الأحاديث الثلاثة البيهقي فى شعب الايمان وعن أبى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما اذن اللّه لشئ ما اذن لبنى يتغنى بالقران متفق عليه وعنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما اذن اللّه لشئ يعنى حسن الصوت بالقران يجهر به متفق عليه وعنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليس منا من لم يتغن بالقران رواه البخاري وعن جابر قال خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نحن نقرأ القرآن وفينا الاعرابى والعجمي فقال اقرؤا فكل حسن وسيجئ أقوام يقيمونه كما يقام القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه
التفسير المظهري ج 10 ، ص : 384
رواه أبو داود والبيهقي يعنى يتعجلون ثوابه فى الدنيا وعن حذيفة رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اقرأ القرآن بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل العشق ولحون أهل الكتابيين وسيجئ بعدي قوم يرجعون القرآن ترجيع الغناء والنوح لا يتجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شانهم رواه البيهقي وابن رزين وعن عبيدة المليكي رضى اللّه عنه وكانت له صحبة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم يا أهل القرآن لا تتوسدوا القرآن واتلوه حق تلاوته من اناء الليل والنهار وأفشوه وتغنوه و(1/7232)
تدبروا ما فيه لعلكم تفلحون ولا تعجلوا ثوابه فان له ثوابا رواه البيهقي فى شعب الايمان وعن على رض عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال خير الدواء القرآن رواه ابن ماجة وفى اللفظ القرآن هو الدواء وروى عن ابن مسعود عليكم بالشفاءين العسل والقرآن وعن واثلة بن الأسقع رضى اللّه عنه ان رجلا شكى النبي صلى اللّه عليه واله وسلم وجع حلقه قال عليك بقراءة القرآن رواه البيهقي فى شعب الايمان وعن أبى سعيد الخدري رضى اللّه تعالى عنه جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه واله وسلم فقال انى اشتكى صدرى قال اقرأ القرآن يقول اللّه تعالى شفاء لما فى الصدور وعن طلحة بن مطرف رضى اللّه عنه قال كان يقال إذا قرأ القرآن عند المريض وجد لذلك خفة رواه أبو عبيدة واللّه تعالى أعلم - والحمد للّه رب العالمين وصلى اللّه تعالى على خير خلقه محمد واله وأصحابه أجمعين.(1/7233)