قال أبو سعيد الخراز : إني ذاهب إلى ربي لما فنى الموجود وانقطعت القدرة وثبت المشهود بلا شاهد قال : إني ذاهب إلى ربي . قال الجنيد - رحمة الله عليه - : قوله ! ( إني ذاهب إلى ربي ) ! قال : كأنه نودي كيف تطلب الهداية وانت تتبع نداء الهيبة بداء السؤال كقولك ! ( رب هب لي من الصالحين ) ! ثم أمر بذبح ابنه ليخلو سره لربه لأنه سأل الهدى والهداية ، وخلو السر مما سوى الحق ، فإذا آل الحق إليه وقف السؤال والالتفات والوسائط حتى تم له مقام الهداية . قوله تعالى : ! ( فلما بلغ معه السعي ) { < الصافات : ( 102 ) فلما بلغ معه . . . . . > > [ الآية : 102 ] . قال ابن عطاء : لما بلغ في الطاعة سعيه وقام بحقوق الله حسب ما رضى الخليل وقرت عينه بقيامه لحقوق مولاه وآنس الخليل به وفرح بمكانه قيل له اذبحه فإنه لا يصلح للخليل أن يعرج على شيء دون خليله ولا يفرح بسواه فابتلى بذبحه ثم اسلم وقام مقام الاستقامة واتبع الأمر فداه بذبح عظيم . قوله عز وعلا : ! ( إني أرى في المنام أني أذبحك ) ! [ الآية : 102 ] . قال بعضهم : القربان ما تقرب به العبد إلى ربه والتقرب غير القرب فإن التقرب للعابدين والقرب للعارفين . سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت جعفر بن محمد يقول : سمعت الجنيد - رحمة الله عليه - يقول في قصة إبراهيم لما أمر بذبح ابنه حيث يقول : ! ( إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى ) ! اتعزم على الصبر فيما حل من البلاء وإبراهيم عليه السلام خلا من مساكنة الاشتقاق الذي نشأ من صفة الطبع الذي لا يمكن النفوس مباينته في حين مسوس البلاء فتلقى ذلك بالاستبشار وحسن اللقاء بنفس قد برئت من وجود ما ابتليت به قد فارق الرحمة التي لولا التمسك بالعصمة لجمت النفس على مسألة صرف البلاء . قال الواسطي - رحمة الله عليه - : نقل الله جل وعلا إبراهيم صلى الله عليه وسلم من حال البشرية إلى غيرها وهو انه لما امتحنه بذبح ابنه أراد أن يزيل عن سره محبة غيره وتثبيتا في محبته لأن وجود محبة الله في قلب إبراهيم مع رحمة الولد محال فنظر إلى اقرب الأشياء من قلبه ووحدانية الأقرب فأمر بذبحه وليس المبتغى منه تحصيل الذبح إنما هو اخلاء السر منه وترك عادة الطبيعة وحيث نودي وفديناه بذبح عظيم إني قد حصلت ما
____________________
(2/178)
طالبناك به وافيا وحصل لنا منك ما أردناه . قوله تعالى : ! ( يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) ! [ الآية : 102 ] . قال أبو سعيد الخراز : أسرع الإجابة بقوله افعل ما تؤمر لأنه قد اخلاهما من علم ما يراد بهما كي لا يعرجا على رؤية السلامة فيزول معنى البلاء ومن يقع موضع الخصوص لا يتقرب بالصبر على حقيقة موجودة . قال الواسطي - رحمة الله عليه - : الصبر إسبال التولي قبل مخامرة المحنة فإذا صادفت المحنة التولي حملها بلا كلفة . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت جعفر الخلدي يقول في قوله : ! ( افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) ! قال : أخلاهما فيما ابلاهما من علم يراد بهما كي لا يعرجا على رؤية السلامة والعافية فيزول معنى البلاء ويجعل مكانه الفضيلة ولا يتعلق على حقيقة موجودة وكذلك طوى عنه علم السلامة في حين القذف في النار ليعطي حقيقة التوكل ويكمل علم التفويض ويستحق اسم التسليم ويتلقى اختيار الله عز وجل بالإخبات والتعظيم وذلك قوله : ! ( إن هذا لهو البلاء المبين ) ! . سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا بكر الروزباري يقول : غاية البر في غاية الجفاء وهو في قصة الخليل صلوات الله وسلامه عليه . قوله تعالى : ! ( يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ) ! . حتى فدى بالذبح العظيم . قال الروزباري : عظيم قدر الذبح حين فدى مثل إسماعيل صلى الله عليه وسلم . قوله تعالى : ! ( فلما أسلما وتله للجبين ) { < الصافات : ( 103 ) فلما أسلما وتله . . . . . > > [ الآية : 103 ] . قال ابن عطاء : انفذا الأمر ورضيا به . وقال جعفر عليه السلام : اخرج إبراهيم من قلبه محبة ابنه إسماعيل وأخرج إسماعيل من قلبه محبة الحياة . قال بعضهم في قوله : ! ( فلما أسلما وتله للجبين ) ! قال فلما سلما من هواجس
____________________
(2/179)
نفوسهما ورأيا حسن اختيار الله لهما ، وعلما أن حقيقة المحبة في الطاعة سلم إسماعيل نفسه للامر وسلم قلب إبراهيم من الشفقة اتتهما البشرى بقوله ! ( وفديناه بذبح عظيم ) ! [ الآية : 107 ] . قوله تعالى : ! ( إن هذا لهو البلاء المبين ) ! . < < الصافات : ( 106 ) إن هذا لهو . . . . . > > قال الجريري : البلاء على ثلاثة اوجه على المخلطين نقم وعقوبات ، وعلى السابقين تمحيص وكفارات وعلى الأولياء والصديقين نوع من الاختبارات . قال الحسين : البلاء من الله والعافية من الله والأمر عن الله والنهي إجلال لله . قال الواسطي - رحمة الله عليه - : البلاء هو التقليب في أحواله وشواهده وشواهد التحقيق فهو في بلاء حتى يتقلب بالحق فالحق إذ ذاك يتولاه بنفسه فيسقط عنه البلاء ورؤيته فإن من صحب الأحوال فهو قدره ومن صحب الحق بالحق فهو حقه . قال الواسطي - رحمة الله عليه - : البسه نعتا من شاهده فسهل عليه بذلك البلايا فلم يؤثر عليه الإيقاع في النار وذبح الابن . قال سهل - رحمة الله عليه - : البلاء على وجهين بلاء رحمة وبلاء عقوبة ، فبلاء الرحمة يبعث صاحبه على إظهار فقره إلى الله وبلاء العقوبة يترك صاحبه على اختياره وتدبيره . سمعت أبا بكر الرازي يقول : سمعت نحير النساج يقول : دخلت بعض المساجد وإذا فيه بعض الفقراء وكنت اعرفه فلما رآني تعلق بي وقال : تعطف علي فإن محنتي عظيمة قلت : فما محنتك ؟ قال لي : فقدت البلاء وقورنت بالعافية وأنت تعلم أن هذه محنة عظيمة فبحثت عن حاله فإذا قد فتح عليه من الدنيا بشيء . قال الجنيد - رحمة الله عليه - : البلاء هو الغفلة عن المبلى . قوله عز وعلا : ! ( وفديناه بذبح عظيم ) { < الصافات : ( 107 ) وفديناه بذبح عظيم > > [ الآية : 107 ] . قال : عظيم محلها عند الله لأنه قتل عليها نبي ابن نبي وأحيا عليها نبي ابن نبي ، كذلك ذكر في التفسير انها كانت الشاة التي تقتل من إحدى بني آدم ترتع في الجنة إلى زمان إبراهيم ففدى به إسماعيل صلى الله عليهما وسلم . قال بعضهم : الحكمة في أمر الله إبراهيم بذبح ابنه قال : إنما أراد الله أن يزيل عن سر
____________________
(2/180)
إبراهيم محبة ولده عليهما السلام لكي لا يزاحم محبته محبة غيره . والمبتغى مما أمر الله به إبراهيم من ذبح الابن إجلاء السر وترك عادة الطبيعة لا حصول الذبح الا ترى انه لما أمر السكين انقلبت فلم تقطع فنودي ! ( وفديناه بذبح عظيم ) ! أي قد حصلت ما طالبناك به من طريق الإشارة فيما تقدمنا إليك . قوله عز وعلا : ! ( وتركنا عليه في الآخرين ) { < الصافات : ( 108 ) وتركنا عليه في . . . . . > > [ الآية : 108 ] . قال الواسطي - رحمة الله عليه - : ثناء حسنا وقولا عند جميع الأمم . قوله عز وعلا : ( كذلك نجزي المحسنين ) < < الصافات : ( 105 ) قد صدقت الرؤيا . . . . . > > [ الآية : 105 ] . سمعت أبا بكر الرازي يقول : سمعت أبا بكر الكتاني يقول : المحسن من أحسن إلى نفسه فلا يوقعها في الورطات ومحسن إلى الخلق فلا يؤذيهم بسوء خلقه ومحسن عبادة ربه فلا يشوبها بشيء من الرياء . سمعت محمد بن عبد الله يقول : سمعت الكتاني يقول : بين العبد وبين الله ألف مقام من نور وظلمة وإنما كان اجتهادهم في قطع الظلمة حتى وصلوا إلى النور فلم يكن له رجوع فذلك جزاء المحسنين . قوله عز وعلا : ! ( فلولا أنه كان من المسبحين ) { < الصافات : ( 143 ) فلولا أنه كان . . . . . > > [ الآية : 143 ] . قال سهل : من القائمين بحقوق الله قبل البلاء . قال الواسطي : من العارفين أن تسبيحه لا ينجيه مما هو فيه وإنما ينجيه منه : الفضل وسابق القضاء . قال بعضهم في قوله ! ( فلولا أنه كان من المسبحين ) ! أي من المتعرفين إلينا في الرخاء قبل الشدائد وهو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ' تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ' . قوله تعالى : ! ( فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين ) { < الصافات : ( 161 - 162 ) فإنكم وما تعبدون > > [ الآية : 161 ، 162 ] . قال أبو عثمان : من مال إلى شيء سوى الله أو عظم شيئا سواه فذلك لترادف الفتنة
____________________
(2/181)
عليه وبعد التوفيق منه بقوله تعالى : ! ( فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم ) ! . قال القاسم : ما انتم عليه بمضلين إلا من اوجبت عليه الضلالة في السابقة . قوله تعالى : ! ( وما منا إلا له مقام معلوم ) { < الصافات : ( 164 ) وما منا إلا . . . . . > > [ الآية : 164 ] . قال ابن عطاء : لك مقام الشهادة ولهم مقام الخدمة . قال جعفر : الخلق مع الله مقامات شتى ، من تجاوز حده هلك فللأنبياء مقام المشاهدة وللرسل مقام العيان وللملائكة مقام الهيبة وللمؤمنين مقام الدنو والخدمة وللعصاة مقام التوبة وللكفار مقام الطرد واللعنة هذا معنى قوله : ! ( وما منا إلا له مقام معلوم ) ! . قال أبو عثمان : معلوم في علم الله إلى ماذا يصير أهل كل مقام . قوله عز وعلا : ! ( وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون ) { < الصافات : ( 165 - 166 ) وإنا لنحن الصافون > > [ الآية : 165 ، 166 ] . قال بعضهم : لذلك قطعت بهم مقاماتهم عن ملاحظة المنة حتى قالوا بالمفتخر : ! ( وإنا لنحن الصافون ) ! فلما اظهروا سرائرهم عارضوا إظهار أفعال الربوبية بالمعارضة حتى قالوا : ! ( أتجعل فيها من يفسد فيها ) ! . * * *
____________________
(2/182)
<
> ذكر ما قيل في سورة ص <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله عز وعلا : ! ( ص ) { < ص : ( 1 ) ص والقرآن ذي . . . . . > > [ الآية : 1 ] . قال ابن عطاء - رحمة الله عليه - : صفاء قلوب العارفين وما اودعت فيها من لطائف الحكمة وشريف الذكر ونور المعرفة . قوله عز وعلا : ! ( والقرآن ذي الذكر ) ! [ الآية : 1 ] . ذي البيان الشافي والاعتبار والموعظة البليغة . قوله عز وعلا : ! ( بل الذين كفروا في عزة وشقاق ) { < ص : ( 2 ) بل الذين كفروا . . . . . > > [ الآية : 2 ] . أي في غفلة وإعراض عما يراد بهم وذلك منهم قريب . قوله تعالى : ! ( أن امشوا واصبروا على آلهتكم ) { < ص : ( 6 ) وانطلق الملأ منهم . . . . . > > [ الآية : 6 ] . قال عمر : لقد وبخ الله عز وجل التاركين للصبر على دينهم بما أخبر عن الكفار بقوله : ! ( أن امشوا واصبروا على آلهتكم ) ! هذا توبيخ لمن ترك الصبر من المؤمنين على دينه . قوله تعالى : ! ( اصبر على ما يقولون ) { < ص : ( 17 ) اصبر على ما . . . . . > > [ الآية : 17 ] . سمعت عبد الله الرازي يقول : كتبت هذا من كتاب أبي عثمان وذكر انه من كلام شاه : علامة الصبر ثلاثة أشياء ترك الشكوى وصدق الرضا وقبول القضاء بحلاوة القلب . سئل بعضهم عن الصبر قال : هو الفناء في البلاء بلا ظهور اشتكاء . قوله عز وعلا : ! ( وشددنا ملكه ) { < ص : ( 20 ) وشددنا ملكه وآتيناه . . . . . > > [ الآية : 20 ] . قال أبو بكر بن طاهر : بالعقل والتأني . قال أبو عثمان : بالتوفيق والإنابة . قال الجنيد : صرفنا نظره عن الملك بدوام نظره إلى الملك . قال سهل : بوزراء صالحين يدلونه على الخير كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ' إن الله إذا أراد
____________________
(2/183)
بوال خيرا جعل له وزير صدق إن نسى ذكره وإن ذكر اعانه ' . وقال أيضا : ! ( وشددنا ملكه ) ! قال : بالعدل . قوله تعالى : ! ( وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب ) ! [ الآية : 20 ] . قال سهل - رحمة الله عليه - : ! ( وآتيناه الحكمة ) ! أي اعطيناه علما بنفسه وألهمناه بمواعظ أمته ونصيحتهم . قال ابن عطاء : العلم والفهم . وقال في موضع آخر : العلم بنا والفهم عنا . وقال جعفر : صدق القول وصحة العقد والثبات في الأمور . قال ابن طاهر : مخالطة القول ومجانبة الأشرار . قوله تعالى : ! ( وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب ) { < ص : ( 24 ) قال لقد ظلمك . . . . . > > [ الآية : 24 ] . قال عثمان : ايقن داود بأوائل البلاء فالتجأ إلى التضرع . قال أبو سعيد الخراز : زلات الأنبياء في الظاهر زلات وفي الحقيقة كرامات وزلف الا ترى إلى قصة داود صلى الله عليه وسلم حين احسن بأوائل أمره كيف استغفر وتضرع فاخبر الله عنه بما ناله في حال خطيئته من الزلفى فقال : وظن داود أنما فتناه فتضرع ورجع وكان له بذلك عندنا زلفى وحسن مآب . قوله تعالى : ! ( وخر راكعا وأناب ) ! قال سهل : ! ( وأناب ) ! الإنابة هي الرجوع من الغفلة إلى الذكر مع انكسار القلب وانتظار المقت . قال أبو عثمان : الإنابة اجل من التوبة لأن التائب يرجع نفسه فيسمى تائبا ولا يسمى منيبا إلا من رجع على ربه بالكلية وفارق المخالفات اجمع . قال القاسم : إنابة العبد أن يرجع إلى ربه من نفسه وقلبه وروحه فإنابة النفس أن يشغلها بخدمته وطاعته وإنابة القلب أن يخليه مما سواه وإنابة الروح دوام الذكر حتى لا يذكر غيره ولا يتفكر إلا فيه . قوله تعالى : ! ( فغفرنا له ذلك ) { < ص : ( 25 ) فغفرنا له ذلك . . . . . > > [ الآية : 25 ] . قال جعفر : ومن ذلك ما ذكره الله جل وعز من نبيه داود صلى الله عليه وسلم وبلواه ومحنته ما خرج إليه من عظيم التنصل والاعتذار ودوام البكاء والأحزان والخوف العظيم حتى لحق
____________________
(2/184)
بربه فهذه وإن كانت المواقعة فيها تتسع فإن عاقبتها عظمت وجلت وعلت لأن الله قد أعطاه بذلك الزلفى والحظوة قال الله جل وعز : ! ( وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ) ! . قال أبو سليمان الداراني : ما عمل داود عملا أتم له من الخطية ما زال خائفا منها وهاربا عنها حتى لحق بالله عز وجل . قوله عز وعلا : ! ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض ) { < ص : ( 26 ) يا داود إنا . . . . . > > [ الآية : 26 ] . قال أبو سعيد الخراز : النفس مطبوعة إلى ما يجلب الهوى ما لم يحجزها الخوف وان الشر بحذافيره في حرمان والخوف ما تجلب النفس من الطبع واتباع الهوى وقد حرم الله عليك هواها في محكم الكتاب وحسبك من معرفة شرها أن جعل هواها ضد الحق فقال : ! ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ) ! . أعلمك في اتباع الهوى ضلالا . قال ابن عطاء رحمة الله عليه : ! ( جعلناك خليفة في الأرض ) ! لتحكم في عبادي بحكمي ولا تتبع هواك فيهم ورايك وتحكم لهم كحكمك لنفسك بل تضييق على نفسك وتوسع عليهم . قوله عز وعلا : ( كتاب انزلناه إليهك مباركا ) < < ص : ( 29 ) كتاب أنزلناه إليك . . . . . > > [ الآية : 29 ] . قال بعضهم : لا سبيل إلى فهم كتاب الله إلا بقراءته بالتدبر والتفكر والتيقظ والتذكر وحضور القلب فيه كما قال عز وجل ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ) . قال ابن عطاء : مبارك على من يسمعه منك فيفهم المراد منه وفيه ويحفظ آدابه وشرائعه وموعظة أولى العقول السليمة الراجحة إلى الله في المشكلات . قال بعضهم : من اصابته بركة القراءة رزق التدبر في آياته ومن رزق التدبر لم يحرم التذكر والاتعاظ به ، قال الله تعالى : ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ) . قوله تعالى : ! ( ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب ) { < ص : ( 30 ) ووهبنا لداود سليمان . . . . . > > [ الآية : 30 ] . قال بعضهم : العبودية هي الزبول عند موارد الربوبية والخمول تحت صفات الألوهية .
____________________
(2/185)
سئل الجنيد رحمة الله عليه من العبد ؟ فقال الذي يكون مطروحا عند ربه كالميت في يد الغاسل لا يكون له تدبير ولا حركة وإنما تدبيره ما يدبر فيه وحركته كما يحرك . قال بعضهم : العبد الذي لا يرى لنفسه ملكا ولا حكما بل الاملاك وما دارت عليه الأفلاك لسيده وعلامة صدق العبودية إظهار وسم العبودية فيه وهو الانكسار والتذلل والاستكانة والخضوع . وسئل أبو حفص من العبد ؟ قال من يرى نفسه مأمورا لا آمرا . قال عبد العزيز المكي : الأواب : الذي لا يطيع طاعة ولا يفعل خيرا إلا استغفر منها . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم المصري يقول عن ابن عطاء في قوله ! ( أواب ) ! . قال سريع الرجوع إلى ربه في كل نازلة تنزل به والأواب الراجع إليه الذي لا يستغنى بغيره ولا يستعين بسواه . قوله عز وجل : ! ( ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق ) { < ص : ( 33 ) ردوها علي فطفق . . . . . > > [ الآية : 33 ] . قال أبو سعيد القرشي من غار لله وتحرك له فإن الله يشكر له ذلك الا ترى سليمان لما شغلته الافراس عن الصلوات حتى توارت الشمس بالحجاب قال : ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والاعناق . وقيل : إنه كان عشرون ألف فرس منقش ذوات أجنحة اخرجتهم الشياطين من البحر فشكر الله له صنيعه فقال فسخرنا له الريح ابدله مركبا اهنى منهم وانعم . قال بعضهم : قالت النملة لسليمان عليه السلام تدري لم سخر لك الريح من جميع المملكة فقال لا قالت إنما فعل ذلك لتعتبروا لحكم أن جميع ما اعطيتك زواله كزوال الريح فلا تغتر به . قوله عز وعلا : ( رب هب لي ملكا لا ينبغي ) < < ص : ( 35 ) قال رب اغفر . . . . . > > [ الآية : 35 ] . أي المعرفة بك حتى لا أرى معك غيرك ولا تشغلني بكثرة عروض الدنيا عنك . قال سهل : الهم الله عز وجل سليمان أن يسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ليقصم به الجبابرة والكفرة الذين يخالفون ربهم ويدعون لأنفسهم قدرة وقوة من الجن والإنس فوقع من سليمان السؤال على اختيار الله له لا على اختياره لنفسه فقال حينئذ هب لي
____________________
(2/186)
ملكا على نفسي فإني إن ملكت الدنيا ولا املك نفسي أكون عاجزا . وقال أيضا : هب لي ملكا ثم رجع ونظر فيما سأل فقال : لا ينبغي لأحد من بعدي يسأل الملك فإنه يشغل عن الملك . سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت أبا القاسم البزاز يقول : قال ابن عطاء - رحمة الله عليه - : إنما سأله ذلك لينال حسن الصبر في الكف عن الدنيا ويظهر جميل الاجتهاد فيها لأن الزاهد في الدنيا من نالها فصبر عنها . قال جعفر : هب لي القنوع بقسمتك حتى لا يكون مع اختيارك اختيار . قال ابن عطاء - رحمة الله عليه - : لما سأل سليمان عليه السلام من الله الملك سخر له الريح وأعمله بذلك أن ما سواه ريح لا بقاء له ولا دوام وأن العاقل من يكون سؤاله الباقي والدائم . قال ابن عطاء - رحمة الله عليه - : سأله ملك الدنيا لينظر كيف صبره عن الدنيا مع القدرة عليها . قال محمد بن علي في قوله : ! ( هب لي ملكا ) ! قال : هو أن لا يشغله عن ربه شيء مما آتاه من الملك فيكون حجة على ما بعده من الملوك وأبناء الدنيا . قال محمد بن علي : في قوله ! ( هب لي ملكا ) ! كان سليمان بن داود عليه السلام في ملكه إذا دخل المسجد وجالس المساكين يقول : مسكين جالس مسكينا . قوله عز وعلا : ! ( فسخرنا له الريح ) { < ص : ( 36 ) فسخرنا له الريح . . . . . > > [ الآية : 36 ] . قال ابن عطاء : لما طفق سليمان بالأفراس مسحا بالسوق والأعناق لما فاته من الصلاة بالاشتغال بهن شكر الله له ذلك وأبدله فرسا لا تحتاج إلى رائض ولا علف ولا يبول ولا يورث وهو الريح قال الله تعالى : ! ( فسخرنا له الريح تجري بأمره ) ! لأن الفرس خلق من الريح على ما ذكر عن الشعبي لما غار سليمان على فوت أمر الله وهي الصلاة وافنى الذي شغله عن ذكر الله عوضه الله عليه ما هو اجل مما ترك في جنب الله وهو تأديب بأن من شغله عن الله شيء فتركه واقبل على ربه عوضه الله عز وجل عليه ما هو خير وأبقى . قوله تعالى : ! ( هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ) { < ص : ( 39 ) هذا عطاؤنا فامنن . . . . . > > [ الآية : 39 ] . قال ابن عطاء - رحمة الله عليه - في هذه الآية : أمنن على من أردت بعطايانا فإنا لا
____________________
(2/187)
نمن عليك بذلك ولا نمن عليك إلا بالمعرفة والهداية قال : ! ( بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان ) ! . قوله تعالى : ! ( إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب ) { < ص : ( 44 ) وخذ بيدك ضغثا . . . . . > > [ الآية : 44 ] . قال ابن عطاء : وقف معنا بحسن الادب لا يؤثر عليه دوام النعم ولا يزعجه تواتر البلاء والمحن لمشاهدة المنعم والمبلى ونعم العبد عبد لا يشغله مال عنا . وقال بعضهم : الصبر الفناء في البلايا بلا إظهار شكوى . قال أبو سعيد الخراز في قوله ! ( إنا وجدناه صابرا نعم العبد ) ! قال : يثنى عليه بوجود ما أوجده عليه من الصبر فما ظنك بولي تولاه في بلائه بتواتر النعماء وعرفه قدر الآلاء ولا تخلية طرفة عين من نظره يرى البلاء من حسن الاختيار هل يتلذذ بما اختار له وليه إذ لم يزل مختارا لمن اختاره فنعم العبد عبد صبر على مشاهدة مبليه لا على رؤية الثواب لذلك كان أيوب عليه السلام يرد الدود إلى نفسه ليستوفى منه رزقه كي لا يفوته جزء من البلاء في تلذذه بالبلاء في مشاهدة المبلى . قال القاسم : محنة الأنبياء تقاربت وترتبت وكشف عن حالهم للعوام كقوله : ! ( إنا وجدناه صابرا نعم العبد ) ! ، وقال في قوله : ! ( إنه أواب ) ! أي راجع إلينا في السراء والضراء . قال ابن عطاء - رحمة الله عليه - : ! ( إنه أواب ) ! أي راجع إلى الله في صبره لم يطالع نفسه فيه لأن تبدد الهم من اعظم العقوبات . قال بعضهم : لم يستعذب البلاء من لم ير البلاء عطاء . نعم العبد عبد سره بلاؤنا كما سره عطاؤنا نعم العبد عبد عرف أن لا رجوع له إلا إلى مولاه فرجع إليه . فقال ابن عطاء : إنه أواب عارف بتقصير الخلق ونقصانهم ، وكمال الحق ووجوده فرجع إلى حد الكمال والوجود . قال محمد بن حصيف في قوله : ! ( إنا وجدناه صابرا نعم العبد ) ! وقوله : ! ( مسني الضر ) ! فقال : مرة نطق عن نفسه ومرة كان مستنطقا . قال الجنيد - رحمة الله عليه - : الصبر إسبال التولي قبل مخامرة المحنة فإذا صادفت
____________________
(2/188)
المحنة التولي حملها بلا كلفة . قال ذو النون - رحمة الله عليه - : الصبر التباعد عن المخالفات والسكوت عند تجرع غصص البلية وإظهار العناء مع حلول الفقر بساحة المعيشة . وقال أبو سليمان الداراني : الأواب الذي لا يشغل إلا بربه . وقال أبو حفص : الاواب الشاكر بالسر والعلانية عند فوادح الأمور . سمعت محمد بن عبد الله يقول : سمعت أبا الحسن زرعان يقول في قوله : ! ( إنا وجدناه صابرا نعم العبد ) ! قال : معناه استلذ بوجود البلاء مع الله فاستزاد من البلاء وذلك في قوله : ! ( مسني الضر ) ! حيث ظهر على آثار العافية فإن العيش في البلاء مع الله عيش الخواص وعيش العافية مع الله عيش العوام . سمعت أبا بكر الرازي يقول : سمعت أبا سعيد بن الاعرابي يقول في قوله : إنا وجدناه صابرا أي مستغنيا بربه في صبره فتم له الصبر بذلك واستوجب الثناء بقوله : ! ( نعم العبد ) ! . قوله تعالى : ! ( إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار ) { < ص : ( 46 - 47 ) إنا أخلصناهم بخالصة . . . . . > > [ الآية : 46 ] . وليس من ذكر الله بالله كمن ذكر الله بذكر الله . قال الواسطي - رحمة الله عليه - : اخلصناهم بخالصة لم يبق عليهم معها ذكر وهو الكونين وما فيهما . وقال مالك بن دينار : نزع الله ما في قلوبهم من حب الدنيا ، واخلصهم بحب الآخرة . قال ابن عطاء - رحمة الله عليه - : اخلصه للمحبة فاتخذه خليلا . وقال ابن يعقوب السوسي : لما اخلصناهم بخالصة صفت قلوبهم لذكره عند ذلك ورقت أرواحهم بإرادته فهو في مكشوف ما تقدم لهم فالغيب ! ( سبقت لهم منا الحسنى ) ! ففازوا بدرجة المخلصين . وقال فارس : أخبر الله عن المريدين انهم أهل الصفوة من عبادة الخالصة من خلقه بقوله : ! ( إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار ) ! [ الآية : 46 ، 47 ] . فمن كان عنده خالصا كان وصفه شدة غلبة موافقة الحق على
____________________
(2/189)
ظاهره وباطنه . وقال الجنيد - رحمة الله عليه - : ما أراد الله به من أي عمل كان . سمعت أبا الحسين الفارسي يقول : سمعت ابن عاصم يقول : سمعت سهل يقول : الإخلاص التنزه مما سواه . قال بعضهم في قوله : ! ( أخلصناهم بخالصة ) ! قال : ابقينا عليهم في اعقابهم بحسن الثناء . وقيل اخلصناهم بخالصة وقفوا ها هنا والخالصة ذات الحق لمن اخلص بلا واسطة وذكر الدار فيه ومن افناهم عن ذكر الدار بإخلاص ذاته لهم فهنا إضمار حرف اقتصر على معرفته للاعتبار . قوله تعالى : ! ( إني خالق بشرا من طين ) { < ص : ( 71 ) إذ قال ربك . . . . . > > [ الآية : 71 ] . قيل : امتحنهم بالإعلام يحثهم بذلك على طلب الاستفهام فيزدادوا علما من عجائب قدرته وتتلاشى عندهم نفوسهم . قوله عز وعلا : ! ( فإذا سويته ) { < ص : ( 72 ) فإذا سويته ونفخت . . . . . > > [ الآية : 72 ] . أي كاملا يستحق التعظيم بخصائص الاختصاص التي خص بها من خصوص الخلقة ! ( فقعوا له ساجدين ) ! [ الآية : 72 ] . قوله تعالى : ( فنفخت فيه من روحي ) [ الآية : 72 ] . قال بعضهم : هو روح ملك وهو الذي خصه به فأوحيت تلك الخصوصية للملائكة فسجد الملائكة له . وقال ابن عطاء : بدت عليه آياتي وشواهد عزتي وروحت سره بما يكون به العبيد روحانيين . قوله تعالى : ! ( فسجد الملائكة كلهم أجمعون ) { < ص : ( 73 ) فسجد الملائكة كلهم . . . . . > > [ الآية : 73 ] . قال القناد : حذيهم بشهود التعظيم فلم يستجيزوا المخالفة وحجب إبليس برؤية الفخر بنفسه عن التعظيم ولو يرى تعظيم الحق لما استجاز الفخر عليه لأن من استولى عليه الحق قهره . قوله تعالى : ! ( وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين ) { < ص : ( 78 ) وإن عليك لعنتي . . . . . > > [ الآية : 78 ] .
____________________
(2/190)
قال جعفر : سخطتي الذي لم تزل مني جارية عليك وواصلة إليك في اوقاتك المقدورة وأيامك الماضية . قال الواسطي - رحمة الله عليه - : اللعنة على وجهين لعنة إبعاد وخذلان إلى مدة كقوله : ! ( ألا لعنة الله على الظالمين ) ! ولعنة إخلاد وإهلاك كقوله : ! ( وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين ) ! . قوله تعالى : ! ( إلا عبادك منهم المخلصين ) { < ص : ( 83 ) إلا عبادك منهم . . . . . > > [ الآية : 83 ] . قيل : العبد المخلص الذي يكون سره بينه وبين ربه بحيث لا يعلمه ملك فيكتبه ولا هوى فيميله ولا عدو فيفسده . وقال يحيى بن معاذ : الإخلاص تمييز العمل من العيوب كتمييز اللبن من بين الفرث والدم . قوله تعالى : ! ( إن هو إلا ذكر للعالمين ) { < ص : ( 87 ) إن هو إلا . . . . . > > [ الآية : 87 ] . قال ابن عطاء - رحمة الله عليه - : ليطرد به الغفلة وليعتبر به المعتبرون .
____________________
(2/191)
<
> ذكر ما قيل في سورة الزمر <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( ألا لله الدين الخالص ) { < الزمر : ( 3 ) ألا لله الدين . . . . . > > [ الآية : 3 ] . قال الواسطي - رحمة الله عليه - : ذكر وعيده على اللطافات فقال : ! ( ألا لله الدين الخالص ) ! وهو الذي يخلص فيه صاحبه من الشرك والبدعة ومن الرياء والعجب ورؤية النفس . قال القاسم : ! ( ألا لله الدين الخالص ) ! تهديد للمتزينين بالعبادات ، ولله الدنيا والآخرة كأنه أشار بهذه الآية إلى تحريض العباد على الإخلاص لأنه لا يقبل إلا ما كان مخلصا . قال القاسم في قوله : ! ( ألا لله الدين الخالص ) ! قال : الدين الخالص الذي لا يريد عليه صاحبه عوضا في الدارين ولاحظا من الكونين . قال حذيفة المرعشي : الإخلاص في العمل اشد من العمل . قوله تعالى : ! ( ولا يرضى لعباده الكفر ) { < الزمر : ( 7 ) إن تكفروا فإن . . . . . > > [ الآية : 7 ] . قال القاسم : لا يرضى لهم الكفر ولكن يقدر عليهم وليس الرضا من المشيئة والإرادة والقضاء في شيء . قوله تعالى : ! ( وإن تشكروا يرضه لكم ) ! [ الآية : 7 ] . قال سهل - رحمة الله عليه - : أول الشكر الطاعة وآخره رؤية المنة . وقال الروزباري : رؤية العجز عن الشكر . أنشدنا على بن داره البلخى قال : أنشدنا القناد لأبى علي الروزباري : ( لو كل جارحة مني لها لغة ** تثنى عليك بما اوليت من حسن ) ( لكان ما زان شكري إن شكرت له ** بالحسن ازين للإحسان والمنن ) قال : فعارضه القناد فقال : ( لو كان كلى شكر لا يغادره ** ألا تذكر ما أولاه من منن ) ( لكان ما زانني من أن شكرت له ** مستهلك الحسن في إحسانه الحسن )
____________________
(2/192)
قوله تعالى : ! ( وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا ) { < الزمر : ( 8 ) وإذا مس الإنسان . . . . . > > [ الآية : 8 ] . قال الواسطي - رحمة الله عليه - : الخلق محيرون تحت قسمته مقهورين تحت خلقته وتقديره ألا ترى إذا ضاقت القلوب واشتدت الأمور كيف نفزع بالإخلاص إلى الملك الغفور . قوله عز وعلا : ( أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما ) < < الزمر : ( 9 ) أم من هو . . . . . > > [ الآية : 9 ] . قال ابن عطاء - رحمة الله عليه - : القانت الذي يجتهد في العبادة ولا يرى ذلك من نفسه ويرى فضل الله عليه في ذلك فإذا رجع إلى نفسه في شيء من أحواله وافعاله فليس بقانت . قوله تعالى : ! ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) ! [ الآية : 9 ] . قال سهل - رحمة الله عليه - : العلم الاقتداء واتباع الكتاب والسنة لا الخواطر المذمومة . وقال سهل : كل علم لا يطلبه العبد من موضع الاقتداء يصير وبالا عليه لأنه يدعي به . قال الجنيد - رحمة الله عليه - : العلم أن تعرف العبودية وعلم الخدمة . وقال ذو النون - رحمة الله عليه - : العلم علمان مطلوب وموجود . فقال أبو يزيد - رحمة الله عليه - : العلم علمان علم بيان وعلم برهان . قال رويم : العلم مطبوع ومصنوع . وقال المقامات كلها علم والعلم حجاب . وقال الشبلي : العلم خبر ، والخبر موجود . قوله تعالى : ! ( نما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) { < الزمر : ( 10 ) قل يا عباد . . . . . > > [ الآية : 10 ] . قال حارث المحاسبي : الصبر التهدف بسهام البلاء . وقال الجنيد - رحمة الله عليه - : الصبر ذم الجوارح والحركات عن جميع المخالفات اجمع لالتماس ما وعد الله عليه بقوله : ! ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) ! . قال طاهر المقدسي : الصبر على وجوه : صبر منه وصبر له وصبر عليه وصبر فيه وأهونه الصبر على أوامره ونواهيه وهو الذي بين الله ثوابه فقال : ! ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) ! .
____________________
(2/193)
سئل الجنيد - رحمة الله عليه - عن الصبر ؟ فقال : حمل المؤن حتى تنقضى أيام المكروه . وقال الخواص : كذب اكثر الخلق في حمل اثقال الصبر بما لحوا إلى الطلب والأسباب ، واعتمدوا عليهما كأنهما أرباب . وانشد لذي النون : ( عبدات خططن في الخد سطرا ** قد قراه من ليس يحسن يقرأ ) ( عاين الصبر فاستغاث به الصبر ** فصاح المحب بالصبر صبرا ) قوله تعالى : ! ( إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين ) { < الزمر : ( 11 ) قل إني أمرت . . . . . > > [ الآية : 11 ] . قال الجنيد - رحمة الله عليه - : الإخلاص اصل كل عمل وهو مربوط بأول الأعمال ومنوط بآخر الأعمال مضمن في كل الأقوال وهو إفراد الله بالعمل . وقال : الإخلاص إخراج الخلق من معاملة الله والنفس أول . قال سهل : الإخلاص الإجابة فمن لم تكن له الإجابة فلا إخلاص له . وقال : نظر الاكياس في الإخلاص فلم يحمدوا شيئا غيره وهو أن يكون حركاته وسكونه في سره وعلانيته لله وحده لا يمازجها شيء من هوى أو نفس . قال الجنيد - رحمة الله عليه - : الإخلاص ارتفاع رؤيتك وفناؤك عن فعلك . سئل بعضهم عن الإخلاص فقال : إفراد القصد إلى الله بإخراج الخلق من معاملة الله وبترك الحول والقوة . قال ذو النون : من علامات والإخلاص استواء المدح والذم في العامة ونسيان رؤيتها في الأعمال نظرا إلى الله واقتضاء ثواب العمل في الآخرة . قال أبو يعقوب السوسي : الإخلاص : ما في طلبه أهل الإخلاص والعلم يشهد لهم بالإخلاص فهم خارجون عن رؤية الإخلاص في طلب الإخلاص ومتى شهدوا في إخلاصهم إخلاص احتاج إخلاصهم إلى إخلاص . قوله تعالى : ! ( والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها ) { < الزمر : ( 17 ) والذين اجتنبوا الطاغوت . . . . . > > [ الآية : 17 ] . قال سهل - رحمة الله عليه - : الطاغوت الدنيا واصلها الجهل وفرعها المأكل والمشرب وزينتها التفاخر وثمرتها المعاصي وميراثها القسوة والعقوبة .
____________________
(2/194)
قوله تعالى : ( فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ) < < الزمر : ( 18 ) الذين يستمعون القول . . . . . > > [ الآية : 18 ] . قال عيسى عليه السلام : من يذكركم الله رؤيته ويرغبكم في الآخرة عمله وقد قال الله تعالى : ( فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ) . فضيلة لمحمد صلى الله عليه وسلم على غيره أن الاحسن ما يأتي به وان الكل حسنا ولما وقعت له صحبة التمكين ومقارنة الاستقرار قبل خلق الكون ظهرت عليه الأنوار في الأحوال كان معه احسن الخطاب وله السبق في جميع المقامات ألا تراه صلى الله عليه وسلم يقول : ' نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ' . يعني الآخرين وجودا السابقين في الخطاب الأول في الفضل في محل القدس . قوله عز وعلا : ! ( إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب ) { < الزمر : ( 21 ) ألم تر أن . . . . . > > [ الآية : 21 ] . قال بعضهم : اللب والعقل مائة جزء تسعة وتسعون جزءا في النبي صلى الله عليه وسلم وجزء في سائر المؤمنين فعلى إحدى وعشرين سهما فسهم المؤمنين فيه سواء وهو شهادة أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله وعشرون جزءا يتفاوتون فيها في مقادير حقائق ايمانهم . قوله تعالى : ! ( أفمن شرح الله صدره للإسلام ) { < الزمر : ( 22 ) أفمن شرح الله . . . . . > > [ الآية : 22 ] . قال بعضهم : الإيمان خمسة ثم خمسة أولا الشرح والتنوير لقوله : ! ( أفمن شرح الله صدره للإسلام ) ! ثم الامتحان لقوله : أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ) ثم التحبيب والتزيين لقوله : ( حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم ) والكتب والتطهير بقوله : ( كتب في قلوبهم الإيمان ) و ( أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم ) . والخمس بعد ذلك معرفته بإثباته وأنه واحد لم يزل ولا يزال وليس كمثله شيء والخمس بعدها التصديق بالقول والإقرار باللسان والعمل بالاركان والاستقامة . قال السيارى : تولد الإسلام من الإيمان وتولد الإيمان من المعرفة وتولد المعرفة من
____________________
(2/195)
الهداية والنصرة ولا تكون الهداية والنصرة إلا بالشرح والتنوير قال الله تعالى : ! ( أفمن شرح الله صدره للإسلام ) ! . وقال علي بن عبد الحميد : الصدر ساحة والفؤاد البيت والقلب بيت المخدع وفيه الضمير مثلها كمثل القنديل فالفؤاد النار والقلب الفتيلة والصدر الدهن فإذا كان الدهن جيدا نظيفا نور نوره وصفى سراجه . قال الواسطي - رحمة الله عليه - : وسع الله صدره فاحتمل الذات بعد احتمال الصفات ما كذب الفؤاد ما رأى العين . قوله عز وعلا : ! ( فهو على نور من ربه ) ! [ الآية : 22 ] . على يقين من مشاهدة ربه بالغيبوبة عن الملك والملكوت فلم يبق عليه مقام إلا سلكه ولا حال إلى استوفاه فلما استوفى الأحوال وجاء على التمام شهد فشاهد فخوطب بأبهم الخطاب وأبهم عن ذلك الخطاب حين أخبر فقال : ' لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ' . وقال عمرو المكي في هذه الآية هو وقوع نظر العبد على عظيم علم الوحدانية وجلال الربوبية فيعمى بذلك عن كل ملحوظ إليه بعد ذلك . قال الواسطي في قوله : ! ( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ) ! قال : نور الشرح محبة عظيمة لا يحتمله كل أحد إلا المؤيدون بالعناية والرعاية فإن العناية تصون الجوارح والاشباح والرعاية تصون الحقائق والارواح . قال القاسم : أوائل الإيمان الشرح والتنوير والتزيين والشرح في حديث حارثة . قال الترمذي : أهل اليقين وحدوا الله قلبا وقولا وفعلا ووفوا له ذلك بشرح الصدر الذي من به الله عليهم وذلك قوله : ! ( أفمن شرح الله صدره للإسلام ) ! . قال ابن عطاء : من آمن بالله وصدقه فهو على نور من ربه أي على بيان من ربه .
____________________
(2/196)
قال بعضهم : تعرف إليهم حتى عرفوه وبصرهم حتى ابصروه وذلك حين شرح قلوبهم برؤية الصنع واعمى ابصارهم عن النظر إلى سواه فبشرح الصدر عرفوه وبالعمى عن غيره ابصروه . قال القاسم في قوله : ! ( على نور من ربه ) ! قال : الإيمان بالقدر . قوله عز وعلا : ! ( فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ) ! [ الآية : 22 ] . قال الحسين : قسوة القلب بالنعم اشد من قسوته بالنسيان والشدة فإنه بالنعمة يشكر وبالشدة يذكر . وأنشد في معناه : ( قد كنت في نعمة الهوى بطرا ** فأدركتني عقوبة البطر ) وقال : من هم بشيء مما اباحه العلم تلذذا عوقب بتضييع العمر وقسوة القلب وتعب الهم في الدنيا . وقال : عقوبة القلب الران والقسوة والعمى . قال يحيى بن معاذ : قسوة القلب من اتباع الهوى . قوله تعالى : ! ( قرآنا عربيا غير ذي عوج ) { < الزمر : ( 28 ) قرآنا عربيا غير . . . . . > > [ الآية : 28 ] . سئل مالك بن أنس عن هذه الآية فقال : غير مخلوق . قال الواسطي - رحمة الله عليه - : إن الله خلق الخلق فدعاهم إلى طاعته وقيض لهم عدوا امكنه منهم وحذرهم بأسه ثم أيدهم بخطابه وحيا وتنزيلا كاملا يكلم القلوب وخطابا يقرع الافئدة فسماه قرآنا وكتابا مبينا وهدى ورحمة ونورا وشفاء وذكرى وعلما وحكيما ومهيمنا ومباركا وحبلا وعهدا ومستقيما وقيما وصحفا مطهرة فالقرآن ما قرن من الحروف فصار كلاما كلم القلوب أي جرحها واثر عليها والكتاب هو النظام فكيف بنظام رب العالمين نظما والمبين الذي بين للخلق ما فيه والهدى اشتماله بما حشى فيه من عجائب الاشارات والرحمة وقاية تقيك كل سوء والنور قيما لانوار إيمانك استنار الصدر والشفاء هو شفاء لسقم القلوب والذكر هو الشخوص بالقلب إلى الرب والعلى هو الذي علا الكتب فصار مهيمنا عليه وحكيما فاصلا يقطع الخطاب والحكمة فيها أسراره ومباركا من مهيمنته صار مباركا وحبلا وسببا واتصالا بينه وبين ربه وعهدا عهد إلى صاحبه فيه فنون مباره ومستقيما يقوم تاليه بالتدبر والتفكر وقيما شهيدا على من اتبع لأوامر فيه وصحفا مطهرة تطهر القلوب بركات لمعانة .
____________________
(2/197)
قوله عز وعلا : ! ( والذي جاء بالصدق وصدق به ) { < الزمر : ( 33 ) والذي جاء بالصدق . . . . . > > [ الآية : 33 ] . قوله : ! ( جاء بالصدق ) ! محمد صلى الله عليه وسلم ! ( وصدق به ) ! هو الصديق الأكبر لأنه شرفه بخطاب الصدق وأقعده في مقعد الصدق وأقيم مقام الصدق وصدق به وبمقاماته من كان اقرب إليه حالا واتم به إيمانا واكثر فيضا عليه من بركات صدقه وهو أبو بكر الصديق رضى الله عنه صدقه في جميع ما جاء من الوحي غيره فقام بعده مقامه لحكم النبي صلى الله عليه وسلم له بالإيمان شاهدا وغائبا كما قال : فإني أؤمن به أنا وأبو بكر وعمر ثم قلده معظم الدين في حياته وهو الصلاة فقلده المسلمون بعده فروع دينهم . قوله عز وعلا : ! ( قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون ) ! .؟؟ قال القاسم : التوكل أن يكون بما في يد الله أوثق منه بما في يده وان يكون بضمانه ووعده ايقن مما في بيته وشغل المتوكل مولاه لا طلب دنيا ولا آخرة ليس له طلب ولا له هرب لأنه يعلم أن المقادير قد سبقت فلا تغيير ولا تبديل . قوله عز وجل : ! ( الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ) { < الزمر : ( 29 ) ضرب الله مثلا . . . . . > > [ الآية : 29 ] . قال ابن عطاء : لا يعلمون ما لهم في حمد الله من الذخر والفخر . قال جعفر : لا يعلمون أن أحدا من عباده لم يبلغ الواجب في حمده وما يستحق من الحمد على عباده بنعمه وأن أحدا لم يحمده حق حمده إلا حمده لنفسه . قوله تعالى : ! ( إنك ميت وإنهم ميتون ) { < الزمر : ( 30 ) إنك ميت وإنهم . . . . . > > [ الآية : 30 ] . قال ابن عطاء : ! ( إنك ميت ) ! أي غافل عما هم فيه من الاشتغال بالدنيا وانهم ميتون عما كوشفت به من حقائق التقريب والقرب . قال جعفر : ! ( إنك ميت وإنهم ميتون ) ! أي ميت عما هم فيه من الاشتغال بأنفسهم وأولادهم وكفاهم وإنهم ميتون مبعدون عما خصصت بها من أنواع الكرامات . وقال : إنك ميت ببشريتك لاطلاع بركات الحق عليك . وقيل : إنك ميت عن رؤية الأكوان بما فيها بمشاهدة المكون . وقال : إنك ميت عن شواهدنا ولولا ذلك ما أديت الرسالة وانهم ميتون ولولا ذلك ما قبلوك . وقال : إنك ميت عن شواهد ما استتر وانهم ميتون عن شواهد ما أخبر ولولا ذلك
____________________
(2/198)
ما طاقوا إقامة الأمر . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزار بمصر يقول : قال أبو العباس بن عطاء : إنك ميت عن شواهد ما استتر وإنهم ميتون عن شواهد ما اظهر . قال بعضهم : إنك ميت عن الدنيا وزينتها وإنهم ميتون الآخرة وحقائقها . قوله عز وجل : ! ( والذي جاء بالصدق وصدق به ) { < الزمر : ( 33 ) والذي جاء بالصدق . . . . . > > [ الآية : 33 ] قال ابن عطاء : الذي جاء بالصدق محمد صلى الله عليه وسلم فأفاض من بركات أنوار صدقه على أبي بكر فسمى صديقا وكذلك بركات الأنبياء صلوات الله عليهم والأولياء . وقال أبو سعيد الخراز : الصدق منزلة تبلغ الأمل . وقال : أن كان الدين أربعة الصدق واليقين والرضا والحب فعلامة الصدق الصبر وعلامة اليقين النصيحة وعلامة الرضا ترك الخلاف وعلامة الحب الافتقار والصبر يشهد للصدق . وقال بعضهم : الصادق من يعطيك خير الآخرة لا خير الدنيا ويصف لك اخلاق الله لا اخلاق المخلوقين . وقال الجنيد - رحمة الله عليه - : الصدق شيء به تمام الأحوال لكل حال خلا عنه كان ناقصا . وقيل لاحمد بن عاصم الانطاكي : ما انفع الصدق ؟ قال ما نفى عنك الكذب في مواضع الصدق . سمعت عبد لله بن محمد المعلم يقول : سمعت أبا بكر الطمستاني الفارسي يقول : كل من استعمل الصدق بينه وبين الله شغله صدقه مع الله عن الفراغ إلى خلق الله . قوله عز وعلا : ! ( أليس الله بكاف عبده ) { < الزمر : ( 36 ) أليس الله بكاف . . . . . > > [ الآية : 36 ] . قال أبو بكر بن طاهر : من لم يكتف بربه بعد قوله : ! ( أليس الله بكاف عبده ) ! فهو في درجة الهالكين . وقال ابن عطاء : خلع حبل العبودية من عنقه من نظر بعد هذه الآية إلى أحد من الخلق أو رجاهم أو خافهم أو طمع فيهم . قوله تعالى : ! ( الله يتوفى الأنفس حين موتها ) { < الزمر : ( 42 ) الله يتوفى الأنفس . . . . . > > [ الآية : 42 ] .
____________________
(2/199)
قال سهل : إن الله إذا توفى الأنفس اخرج الروح النورى من لطيف نفس الطبع الكثيف فالذي يتوفى في النوم من لطيف نفس الطبع لا لطيف نفس الروح فالنائم يتنفس نفسا لطيفا وهو نفس الروح الذي إذا زال لم يكن للعبد حركة وكان ميتا . وقال حياة النفس الطبيعي بنور لطيف وحياة لطيف نفس الروح بالذكر لله . وقال أيضا : الروح تقوم بلطيفة في ذاتها بغير نفس الطبع ألا ترى أن الله خاطب الكل في الذر بنفس روح وفهم عقل وعلم لطيف بلا حضور طبع كثيف . قوله تعالى : ! ( أم اتخذوا من دون الله شفعاء ) { < الزمر : ( 43 ) أم اتخذوا من . . . . . > > [ الآية : 43 ] . قال سهل : أي اتخذوا طريقة البدعة في الدين قربة إلى الله فلم ينفعهم ذلك . قوله عز وعلا : إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره ) < < الزمر : ( 38 ) ولئن سألتهم من . . . . . > > [ الآية : 38 ] . قال سهل : يعني أن نزع الله عني عتمة المخالفات والمعونة على الموافقات هل يقدر أحد أن يوصلها إلى أو إذا أرادني برحمة - أي بالصبر والمعونة على أمر الدين والدنيا والآخرة وهو التولي من البداية إلى النهاية . قوله تعالى : ( قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون ) [ الآية : 38 ] . قال سهل : المفوضون إليه في جميع أمورهم . قوله تعالى : ( إنا انزلنا عليك الكتاب بالحق ) < < الزمر : ( 41 ) إنا أنزلنا عليك . . . . . > > [ الآية : 41 ] . قال سهل : القرآن للناس بالحق ليهتدوا بالحق إلى الحق ويستضيئوا بأنواره . قوله تعالى : ( قل لله الشفاعة جميعا ) < < الزمر : ( 44 ) قل لله الشفاعة . . . . . > > [ الآية : 44 ] ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) . قال الواسطي - رحمة الله عليه - : قطع اطماع العباد اجمع عنه أن يصلوا إليه إلا به وبقوله : ( وإذا ذكرا الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ) < < الزمر : ( 45 ) وإذا ذكر الله . . . . . > > [ الآية : 45 ] . قال سهل : جحدت تلك القلوب مواهب الله عندها . قال أبو عثمان : كل قلب لا يعرف الله فإنه لا يأنس بذكره ولا يسكن ، إليه ولا يفرح به ألا ترى الله يقول : ( وإذا ذكر الله وحده أشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ) . قوله عز وعلا : ( وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ) < < الزمر : ( 47 ) ولو أن للذين . . . . . > > [ الآية : 47 ] . قال سهل : اثبتوا لأنفسهم اعمالا فلما بلغوا إلى المشهد الأعلى رأوها هباءا منثورا
____________________
(2/200)
فمن اعتمد الفضل نجى ومن اعتمد أفعاله بدا له منها الهلاك . قوله تعالى : ( وإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا . . ) < < الزمر : ( 49 ) فإذا مس الإنسان . . . . . > > [ الآية : 49 ] . قال الجنيد - رحمة الله عليه - : من ير البلاء ضرا فليس بعارف فإن العارف من يرى الضر على نفسه رحمة والضر على الحقيقة ما يصيب القلوب من القسوى والران والنعمة هي إقبال القلوب على الله ومن يرى النعمة على نفسه من حيث الاستحقاق فقد جحد النعمة . قوله تعالى : ! ( أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) { < الزمر : ( 52 ) أولم يعلموا أن . . . . . > > [ الآية : 52 ] . قال ابن عطاء - رحمة الله عليه - : رزق الله عباده وقلبهم في بسط العزة وتقدير القدرة فقال : ! ( أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ) ! . قوله تعالى : ! ( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ) { < الزمر : ( 53 ) قل يا عبادي . . . . . > > [ الآية : 53 ] . قال سهل : امهل الله عباده تفضلا منه إلى آخر نفس فقال لهم : لا تقنطوا من رحمة الله فلو رجعتم إلى بابي في آخر نفس لقبلتكم قال الجنيد - رحمة الله عليه - : وقد سئل ما العبودية ؟ فقال : الإعراض عما يشغله من عبادة ربه . وقال الجريري : أمر الله عباده أن لا يعتمدوا العبادة والأعمال ولا يقنطوا من التقصير فيها فإن العناية والرعاية سبقت العبادة ألا تراه يقول : ! ( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ) ! . قال يحيى بن معاذ : في كتاب الله كنوز موجبة للعفو عن جميع المؤمنين منها قوله : ! ( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ) ! . قوله تعالى : ! ( وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له ) { < الزمر : ( 54 ) وأنيبوا إلى ربكم . . . . . > > [ الآية : 54 ] . فوضوا الأمور إليه . قال محمد بن علي : اعتذروا إليه مما سلف منكم من التقصير واخلصوا على دوام الموافقة بعدها . قال الواسطي - رحمة الله عليه - : من قصد في قصوده غير الحق فقد عظمت استهانته للحق .
____________________
(2/201)
قال أبو سعيد الخراز : المنيب يعمل في إنابته ثلاثة أشياء يستبطئ الموت لما يخاف من الفتنة في الدنيا ويستبطئ الثواب في القبر لما يرجو من جزيل العطاء في الآخرة ويستبطئ القيامة لما يرجوا من الخلود في مجاورة الرحمن والنظر إليه . وقال محمد بن خفيف : همة المنيب حنين القلب إلى اوقاته العامرة وعبادته الكاملة . وقال الحسين : الإنابة جاءت من قبل المعرفة فأحسن الخلق إنابة إلى الله ورجوعا إليه أحسنهم به معرفة . قوله تعالى : ( أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ) < < الزمر : ( 56 ) أن تقول نفس . . . . . > > [ الآية : 56 ] . قال سهل : من ترك المراعات لحق الله وملازمة خدمته اشتغل بعاجل الدنيا ولذة الهوى ومتابعة النفس وضيع في جنب الله - أي في ذاته - من القصد إليه والاعتماد عليه . قال فارس : يقول الله من هرب مني احرقته أي هرب مني إلى نفسه احرقته بالتأسف على فوتي إذا شاهد غدا مقامات أرباب معارفتي تدل عليه . قوله : ! ( يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله ) ! وهذا لا يقوله إلا محترق . قوله تعالى : ! ( ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله ) { < الزمر : ( 60 ) ويوم القيامة ترى . . . . . > > [ الآية : 60 ] . قال يوسف بن الحسين : اشد الناس عذابا يوم القيامة من ادعى في الله ما لم يكن له ذلك واظهر من أحواله ما هو خال عنها قال الله تعالى : ( ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة . وقال الثوري في قوله : ( ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ) قال : هم الذين ادعوا محبة الله ولم يكونوا فيها صادقين . قوله تعالى : ( وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم . . ) < < الزمر : ( 61 ) وينجي الله الذين . . . . . > > [ الآية : 61 ] . قال أبو عثمان : التقوى فيه النجاة من المهالك قال الله تعالى : ( وينجي الله الذين اتقوا ) . قال الواسطي - رحمة الله عليه - : ينجيهم بما سبق لهم من الفوز لا يمسهم السوء بزوال النعمة ولا هم يحزنون على الفوت . قال القاسم : سعادتهم السابقة وقضيته فيهم الماضية لهم وعليهم لا بنفوسهم المتعبة
____________________
(2/202)
في العبادات . قوله تعالى : ( الله خالق كل شيء ) < < الزمر : ( 62 ) الله خالق كل . . . . . > > [ الآية : 62 ] . قال الحسين : كل شيء أراد الله به الاهانة والتذليل ألبسه لبسة المخلوقية ألا ترى كيف نزه عن ذلك صفاته وكلامه فالله خالق كل شيء والمخلوقات ليس لها عز إلا بالنسبة إلى خالقها وأنها مخلوقة فبنسبته إليها اعزها . قوله عز وعلا : ! ( له مقاليد السماوات والأرض ) { < الزمر : ( 63 ) له مقاليد السماوات . . . . . > > [ الآية : 63 ] . قال سهل : بيده مفاتيح القلوب يوفق من يشاء لطاعته وخدمته بالإخلاص ويصرف من يشاء عن بابه . قوله عز وعلا : ! ( أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ) { < الزمر : ( 64 ) قل أفغير الله . . . . . > > [ الآية : 64 ] . قال أبو عثمان في كتابه إلى أهل جورجان : عبادة الله على الإخلاص تنفى عن صاحبها الجهل والريب والشهبة ومن عبد الله خالصا رزق الحكمة ووفق للرشد وسهل عليه سبيل الخيرات اجمع قال الله تعالى : ! ( أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ) ! لنقص عقولكم وألبابكم دعوتموني إلى غيره ولو ساعدكم التوفيق منه لما حططتم رحالكم إلا على بابه فإنه باب الكرم والفضل . قوله عز وعلا : ! ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ) { < الزمر : ( 65 ) ولقد أوحي إليك . . . . . > > [ الآية : 65 ] . سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول : سمعت أبا العباس بن عطاء يقول في قوله : ! ( لئن أشركت ليحبطن عملك ) ! قال : من طالعت ؟ لئن طالعت بسرك غيري لتحرمن حظك من قربى . قال ابن عطاء : هذا شرك الملاحظة والالتفات إلى غيره . قال جعفر : إن نظرت إلى سواه لتحرمن في الآخرة لقاؤه . وقال سهل في قوله : ! ( ليحبطن عملك ) ! قال : لئن طالعت بسرك غيري لن تنال قربى . وقال أيضا : لئن اشركت في الأعمال الظاهرة وهي الرياء ليحبطن عملك ولئن اشركت باطنا وهو الهم ليحبطن إيمانك .
____________________
(2/203)
قوله تعالى : ! ( بل الله فاعبد وكن من الشاكرين ) { < الزمر : ( 66 ) بل الله فاعبد . . . . . > > [ الآية : 66 ] . سمعت السلمي يقول : حقيقة العبودية تسليم الأمور للربوبية . وقال أبو حفص العبودية زينة العبد فمن ترك العبودية فقد تعطل من الزينة . وذكر عن بعضهم انه قال : رأى الجنيد - رحمة الله عليه - في المنام فقيل : ما فعل الله بك ؟ قال : فنيت تلك العلوم وطاحت تلك الاشارات وأبيدت تلك العبارات وما نفعنا إلا ركعات نركعها في السحر . وقال محمد بن علي : من رأى منة الله عليه في أن وفقه لعبادته ألزمه الشكر له ومن وفق للشكر لم يحرم الزيادة . قوله عز وعلا : ! ( وما قدروا الله حق قدره ) { < الزمر : ( 67 ) وما قدروا الله . . . . . > > [ الآية : 67 ] . قال سهل : ما عرفوه حق معرفته في الأصل ولا في الفرع . قال الحسين : كيف يعرف قدر من لا يقدر سواه . قال الواسطي - رحمة الله عليه - : لو طالعوا حق حقه في محبتهم لعلموا العجز عن ذلك بالكلية فلم يعرف قدره من ادعى لنفسه معه مقاما قال الله : ! ( وما قدروا الله حق قدره ) ! . قوله عز وعلا : ! ( والسماوات مطويات بيمينه ) ! [ الآية : 67 ] . سئل الجنيد - رحمة الله عليه - عن ذلك فقال : متى كانت منشورة حتى صارت مطوية سبحانه نفى عن نفسه ما يقع على العقول من طيها ونشرها إذ كل الكون كخردلة أو كجناح بعوضة أو أقل منها ، كذلك قوله قائم على كل نفس كيف لا يستحيل قيامه على هذا الكون الذي لا يزن عنده ذرة بل قيامه بنفسه لنفسه . قوله تعالى : ! ( وأشرقت الأرض بنور ربها ) { < الزمر : ( 69 ) وأشرقت الأرض بنور . . . . . > > [ الآية : 69 ] . قال سهل : قلوب المؤمنين يوم القيامة تشرق بتوحيد سيدهم والاقتداء بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم . قال القاسم : اشرقت الأرض بأولياء الله فهم فيها أنوار الله ومواضع حججه وغياث عباده وملجأ خلقه . قوله تعالى : ! ( وقال لهم خزنتها سلام عليكم ) { < الزمر : ( 71 ) وسيق الذين كفروا . . . . . > > [ الآية : 71 ] .
____________________
(2/204)
قال ابن عطاء : السلام في الجنة من وجوه منهم من تسلم عليه خزنة الجنة يقولون ! ( سلام عليكم طبتم ) ! وهؤلاء ادناهم ومنهم من يكون سلامه من الملائكة بقوله : ( يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم ) وهؤلاء الأوساط ، ومنهم من يكون من الحق بقوله : ! ( سلام قولا من رب رحيم ) ! وهو ارفعهم درجة . قوله عز وعلا : ! ( الحمد لله الذي صدقنا وعده ) { < الزمر : ( 74 ) وقالوا الحمد لله . . . . . > > [ الآية : 74 ] . قال ابن عطاء : إن العبيد إذا شاهدوا في المشهد الأعلى آثار الفضل وما انعم الله عليهم من فنون النعم التي لم يكن يبلغونها بأعمالهم قالوا : ! ( الحمد لله الذي صدقنا وعده ) ! بفضله من غير استحقاق منا لذلك بل وفضلا وجودا وكرما . قال جعفر الصادق - رضي الله عنه - في قوله : ! ( الحمد لله الذي صدقنا وعده ) ! قال : هو حمد العارفين الذين استقروا في دار القرار مع الله وقوله : ! ( الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ) ! حمد الواصلين . قوله عز وعلا : ! ( وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم ) { < الزمر : ( 75 ) وترى الملائكة حافين . . . . . > > [ الآية : 75 ] . قال الجوزجاني : ما تقرب أحد إليه إلا بالافتقار والعبودية والتذليل والتنزيه له من كل ما نسب إليه مما لا يليق به الا ترى إلى مواضع الملائكة يحفون بالعرش يسبحون وذلك عبادتهم وتنزيههم .
____________________
(2/205)
<
> ذكر ما قيل في سورة المؤمن <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ) { < غافر : ( 1 - 2 ) حم > > [ الآية : 1 ، 2 ] . قال سهل في قوله : ! ( حم ) ! قال : الحي الملك هو الذي انزل عليك الكتاب ، وهو الذي وله به قلوب العارفين العزيز عن درك الخلق والعليم بما انشأ وقدر . قوله عز وعلا : ! ( غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ) { < غافر : ( 3 ) غافر الذنب وقابل . . . . . > > [ الآية : 3 ] . قال سهل : ! ( غافر الذنب ) ! أي ساتره على من يشاء ! ( وقابل التوب ) ! أي ممن تاب إليه واخلص العمل بالعلم له ! ( ذي الطول ) ! أي ذي الغنى عن الكل . قال بعضهم : ! ( غافر الذنب ) ! كرما ! ( وقابل التوب ) ! فضلا ! ( شديد العقاب ) ! عدلا ! ( لا إله إلا هو ) ! فردا ! ( وإليه المصير ) ! تصديقا للوعد . قال بعضهم : ! ( غافر الذنب ) ! للمذنبين وقابل توبة الراجعين ! ( شديد العقاب ) ! على المخالفين ذي الطول على العارفين . قال بعضهم : ! ( غافر الذنب ) ! للظالمين ! ( وقابل التوب ) ! للمقتصدين ! ( ذي الطول ) ! للسابقين ! ( شديد العقاب ) ! للكافرين والجاحدين والمنافقين ! ( إليه المصير ) ! يصل الظالم بجوده إلى رحمته ويصل المقتصد بفضله إلى رضوانه ويصل السابق بمنه وطوله بالنظر إلى وجهه الكريم تبارك وتعالى . قوله : ! ( ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ) { < غافر : ( 4 ) ما يجادل في . . . . . > > [ الآية : 4 ] . قال سهل : هو المجادلة في الذات دون الفروع وقال : ! ( إلا الذين كفروا ) ! قال : يدعون غير الحق . وقال بعضهم : هو الذي يجادل بالهوى لأن المتبع لا يجادل بل يقتدى . سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الطبري يقول : سمعت إبراهيم الخواص يقول : ما كانت زندقة ولا كفر ولا بدعة ولا جرأة في الدين إلا من قبل الكلام والمراء والجدال والعجب كيف تجترئ الرجل والمراء على الجدال والله يقول : ! ( ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ) ! .
____________________
(2/206)
قوله عز وعلا : ! ( فاغفر للذين تابوا ) { < غافر : ( 7 ) الذين يحملون العرش . . . . . > > [ الآية : 7 ] . قال سهل : هم الذين تابوا من الغفلة وانسوا بالذكر واتبعوا سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم . قوله عز وعلا : ( هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء زرقا ) < < غافر : ( 13 ) هو الذي يريكم . . . . . > > [ الآية : 13 ] . قال أبو بكر بن طاهر : من آياته في الأرض للعوام سوق الأرزاق إليهم من غير حركة وسعى منهم في ذلك ومن آياته للخواص من عباده مكان أوليائه وأهل صفوته فمن صحبهم وتبعهم وصبر على موافقتهم كفى اهتمام طلب الأرزاق ورزق من حيث لا يحتسب قال الله تعالى : ! ( هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا ) ! . قال ابن عطاء : من آياته انك لا تنظر إلى شيء من الموجودات إلا وهو يخاطبك بحقيقة التوحيد ويدلك على الحق وذلك ظاهر لمن تبين وكشف له وأيد بالعناية . وقوله عز وعلا : ! ( إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم ) ! ؟؟. قال سهل : المقت هو غاية الابعاد من الله فالكفار إذا دخلوا النار مقتوا أنفسهم ومقت الله لهم أشد عليهم من دخول النار . قوله عز وعلا : ! ( ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ) { < غافر : ( 11 ) قالوا ربنا أمتنا . . . . . > > [ الآية : 11 ] . قال بعضهم : أمت منا اثنتين السمع والبصر فعجزتنا أن نفقه الحق ونتخذ الرشد سبيلا واحييت منا النفس والهوى فكنا نسمع الباطل ونتخذ الغي سبيلا فاعترفنا بذنوبنا إنا مصرفون تحت القدرة وأنت القادر عليها فهل لنا خروج من سبيل . قوله عز وعلا : ! ( فادعوا الله مخلصين له الدين ) { < غافر : ( 14 ) فادعوا الله مخلصين . . . . . > > [ الآية : 14 ] . قال أبو عثمان : الإخلاص في الدعاء هو الذي إذا دعوته في كشف ضر فكشفه ألزمت نفسك شكره إلى الأبد وإذا دعوته لاستجلاب خير فأعطاك ألزمت نفسك الحمد إلى الأبد وان لا تخص نفسك بالدعاء دون سائر المؤمنين فإنه من خص نفسه بالدعاء كان من علامات النفاق والخذلان . قال بعضهم : من شرط الدعاء أن تدعوا بإخلاص قلب وسلامة صدر وتعلم ما تسأل ويكون سؤال مضطر لا سؤال مستغن . قال الجنيد - رحمة الله عليه - : الإخلاص سر بين الله وبين العبد لا يعلمه ملك فيكتبه ولا عدو فيفسده ولا هوى فيميله .
____________________
(2/207)
وقال يحيى بن معاذ : الإخلاص تمييز العمل من العيوب كتمييز اللبن من الفرث والدم . قوله تعالى : ! ( رفيع الدرجات ذو العرش ) { < غافر : ( 15 ) رفيع الدرجات ذو . . . . . > > [ الآية : 15 ] . قال سهل : يرفع درجات من يشاء بالمعرفة وقال في قوله : ! ( يلقي الروح من أمره ) ! أي ينزل الوحي من السماء بأمره وقال ابن عطاء : يرفع درجات من يشاء في الدارين يجعله عزيزا فيهما وخلق العرش إظهارا لقدرته لا مكانا لذاته يلقى الروح من أمره على ضروب فمن ألقى إليه روح الصفاء انطقه بها وأحياه حياة الأبد والروح روحان روح بها حياة الخلق وأخرى لطيفة بها ضياء الخلق . وقال فارس : زين العرش بأنوار ذاته فلا يوازيه شيء ولا يقابله مثل . وقال الحسين : العرش غاية ما أشار إليه الخلق . وقال ابن عطاء في قوله : ! ( يلقي الروح من أمره ) ! قال : حياة الخلق على حسب ما ألقى إليهم من الروح فمنهم من ألقى إليه روح الرسالة ومنهم من ألقى إليه روح النبوة ومنهم من ألقى إليه روح الصديقية ومنهم من ألقى إليه روح الهداية ومنهم من ألقى إليه روح الحياة فقط فهو ميت في الباطن وإن كان حيا في الظاهر . قوله تعالى : ! ( لينذر يوم التلاق ) ! [ الآية : 15 ] . قال ابن عطاء : نبيا كان أو داعيا إليه يرويه من غير أن تحدث له رؤية لأنهم لم يغيبوا عنه قط . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزار بمصر قال : قال ابن عطاء : يلقى المرء خصمه وعمله واحباءه ومواعيده . قوله عز وعلا : ( لا يخفى على الله منهم شيء ) < < غافر : ( 16 ) يوم هم بارزون . . . . . > > [ الآية : 16 ] . قال الواسطي - رحمة الله عليه - : كيف تخفى عليه وهو الذي يبديها عليهم وكيف يستترون عنه بشيء وهو الذي يظهر عليهم ما يستترون . قوله تعالى : ! ( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) ! [ الآية : 16 ] . قال جعفر : أخرس المكونات ذوات الأرواح عن جواب سؤاله في قوله لمن الملك
____________________
(2/208)
اليوم فلم يجسر أحد على الإجابة وما كان أن يجيب تحقيق سؤاله سواه فلما سكتت الألسن عن الجواب أجاب نفسه بما كان يستحق من الجواب فقال : ! ( لله الواحد القهار ) ! فقال : ! ( اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم ) ! قال ابن عطاء : من طالع من نفسه أفعاله وأذكاره وطاعاته جزى على ذلك ولا ظلم عليه فيه ومن طالع فضله ومننه أسقط على درجة الجزاء إلى مقام الإفضال والرحمة بقوله : ! ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ) ! . وقال أبو بكر بن طاهر : يريك جزاء كسبك وما تستحق ذلك لترى بعد ذلك محل الفضل والكرم . قوله عز وعلا : ! ( وأنذرهم يوم الآزفة ) { < غافر : ( 18 ) وأنذرهم يوم الآزفة . . . . . > > [ الآية : 18 ] . قال ابن عطاء : يوم يعطي كل عامل جزاء عمله . قوله تعالى : ! ( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ) { < غافر : ( 19 ) يعلم خائنة الأعين . . . . . > > [ الآية : 19 ] . قال أبو عثمان : خيانة العين هو أن لا يغضها عن المحارم ويرسلها في الهوى والشبهات . وقال أبو بكر الوراق : يعلم من يمد عينه إلى الشيء معتبرا ومن يمدها لإرادة وشهوة . قوله تعالى : ! ( وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ) { < غافر : ( 28 ) وقال رجل مؤمن . . . . . > > [ الآية : 28 ] . قال ابن عطاء : المؤمن يألف المؤمن ويذب عنه والمنافق يراءى المنافق . ويجادل عنه والمؤمن ينصح والمنافق يعترض . قوله عز وعلا : ! ( وكذلك زين لفرعون سوء عمله ) { < غافر : ( 37 ) أسباب السماوات فأطلع . . . . . > > [ الآية : 37 ] . قال بعضهم : من رأى من نفسه زلة فلم يداوها بدوائها وستر عليها ولم يجتهد في إزالتها زين في عينه مساوءه فيرى المساوئ محاسن وهو ذميما كما قال الله تعالى : ! ( وكذلك زين لفرعون سوء عمله ) ! ركض في ميادين الباطل وهو يراها حقا . قوله تعالى : ! ( وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد ) { < غافر : ( 38 ) وقال الذي آمن . . . . . > > [ الآية : 38 ] . قال محمد بن علي الترمذي : لم تزل الدنيا مذمومة في الأمم السالفة عند العقلاء منهم وطالبوها مهانين عند الحكماء المقاضين وما قام داع في أمة إلا حذر متابعة الدنيا
____________________
(2/209)
وجمعها الحب لها الا ترى مؤمن آل فرعون كيف قال : ! ( اتبعون أهدكم سبيل الرشاد ) ! كأنهم قالوا له : وما سبيل الرشاد ؟ قال : إنما هذه الحياة الدنيا متاع لم تصل إلى سبيل الرشاد وفي قلبك محبة الدنيا . قوله عز وعلا : ! ( ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة ) { < غافر : ( 41 ) ويا قوم ما . . . . . > > [ الآية : 41 ] . قال أبو يزيد - رحمة الله عليه - : النجاة هي الخلاص من اماني النفس . قال أبو حفص النجاة هي اتباع الاوامر على حد النشاط ومجاهدة الإخلاص فيها . وقال أبو عثمان : ما أراد النجاة فليترك ما لا يعنيه ويشتغل بما يعنيه فإن فيه نجاة الدارين . قوله تعالى : ! ( وأن مردنا إلى الله ) { < غافر : ( 43 ) لا جرم أنما . . . . . > > [ الآية : 43 ] . فقد حكى عن بعض السلف أنه قال : إن الله إذا قدر عفى ، وإنما يكون مراد العبد إلى ربه إذا أتاه على حد الإفلاس والفقر لا يرى لنفسه مقاما في إحدى الدارين وهو أن يكون في الدنيا خاضعا لمن يذله ولا يلتفت إليه هاربا ممن يكرمه وينزهه وتكون في الآخرة طالبا للفضل مشفقا من حسناته أكثر من إشفاق الكفار من كفرهم . قوله عز وعلا ^( وأفوض أمري إلى الله )^ [الآية : 44] < < غافر : ( 44 ) فستذكرون ما أقول . . . . . > > قال أبو عمرو المكي : قلت لأبي صالح حمدون أوصني بوصية فقال : إن استطعت أن تصبح مفوضا لا مدبرا فافعل . قال شاه : علامة التفويض ترك الاختيار وصدق التفويض الصحبة مع الله والثقة باختيار وترك الضر . سمعت عبد الله الرازي يقول : سمعت أبا عثمان - وذكر انه من كلام شاه - من علامات التفويض ترك الحكم في اقتدار الله وانتظار القضاء من وقت إلى وقت وتعطيل الإرادة لتدبير الله عز وجل . وقال بعضهم : التفويض قبل نزول القضاء والتسليم بعد نزول القضاء . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : قال أبو العباس ابن عطاء في قوله : ( وافوض امرئ إلى الله ) قال : اجعل أمري أمره ولا اتقدم حتى يأذن لي .
____________________
(2/210)
سمعت أبا عبد الله الرازي يقول : سمعت أبا عثمان يقول : من أراد أن يفوض أمره إلى الله فليحفظ أربعة أشياء . أولها : عدل الله عليه أن ذلك كان مكتوبا عليه . والثاني : يحفظ ذنوبه ويعلم أن ذلك عقوبة . والثالث : يحفظ إحسان الله إليه حيث عفى عن كثير من ذنوبه . والرابع : يرجو الخير الكثير في كراهيته لقوله تعالى : ( وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ) . سمعت أبا بكر الرازي يقول : سمعت أبا عثمان الدمشقي يقول : سمعت أبا عبد الله الحلاج يقول : سمعت ذا النون المصري رحمة الله عليه وقد سئل متى يكون العبد مفوضا ؟ قال : إذا يئس من نفسه وفعله والتجأ إلى الله في جميع أحواله ولم يكن له علاقة سوى ربه . قوله عز وعلا : ! ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ) { < غافر : ( 51 ) إنا لننصر رسلنا . . . . . > > [ الآية : 51 ] . قال جعفر : ننصر رسلنا بالمؤمنين ظاهرا وننصر المؤمنين بالرسل باطنا . وقال سهل في قوله : ( ننصر رسلنا في الحياة الدنيا ) قال : يكرمهم بالمعرفة والعلم ! ( ويوم يقوم الأشهاد ) ! قال : لم يرض بما ضمن لهم النصرة في الدنيا حتى ضمن لهم النصرة في القيامة ومن كان الله ناصره في الدنيا والآخرة فلا سوء عليه . قوله تعالى : ! ( يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ) { < غافر : ( 52 ) يوم لا ينفع . . . . . > > [ الآية : 52 ] . علمت أن السوابق هي المؤثرة لا الأوقات . قوله تعالى : ! ( فاصبر إن وعد الله حق ) { < غافر : ( 55 ) فاصبر إن وعد . . . . . > > [ الآية : 55 ] . سئل بعضهم : الصبر على العافية اشد أم الصبر على البلاء ؟ فقال : طلب السلامة في الأمن اشد من طلب السلامة في الخوف . قال النباحي : الصبر على الطاعة خوف فوق الآخرة . وقال أيضا : الصبر حصن من حصون الصدق ومنه يرحل إلى الآخرة والصبر في الطاعة سبب يوصل إلى منازل الصدق والصبر كهف من كهوف اللطيف . قوله عز وعلا : ! ( إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان ) { < غافر : ( 56 ) إن الذين يجادلون . . . . . > > [ الآية : 56 ] .
____________________
(2/211)
قال الواسطي رحمة الله عليه : اتاهم الكتاب والسنة والحجة لا يجحدها عاقل كحجة إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم ، والحجة حجتان : حجة قاطعة كحجة إبراهيم في معنى اليقين وحجة مردودة إلى المشيئة وهو قوله : ! ( قل فلله الحجة البالغة ) ! . قوله تعالى : ! ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) { < غافر : ( 60 ) وقال ربكم ادعوني . . . . . > > [ الآية : 60 ] . قال الوراق : ادعوني على جدارة الاضطرار والالتجاء دعاء من لا يكون له ملجأ ولا مرجع إلى سواي : استجب . وقال محمد بن علي : من دعا الله ولم يعمر قبل ذلك سبيل الدعاء بالتوبة والإنابة وأكل الحلال واتباع السنة ومراعاة السر كان دعاؤه مردودا فأخشى أن يكون جوابه الطرد واللعنة . وقال يحيى بن معاذ : ادعوني بصدق الالتجاء استجب لكم صالح الدعاء . وقيل لسهل : ما معنى قولهم : الدعاء افضل العمل ؟ فقال : لأن فيه الفقر والفاقة والالتجاء والتضرع . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز قال : قال ابن عطاء رحمة الله عليه : للدعاء أركان واجنحة وأسباب وأوقات فإن وافق اركانه قوى وإن وافق اجنحته طار في السماء وان وافق مواقيته فاز وإن وافق أسبابه افلح . فأركانه : حضور القلب والرقة والاستكانة والخشوع وتعلق القلب بالله وقطعه من الاسباب ، واجنحته : الصدق ، ومواقيته : الاسحار ، واسبابه : الصلوات على محمد صلى الله عليه وسلم . ! ( الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه ) ! قال بعضهم : لتسكنوا فيه إلى روح المناجاة ( والنهار مبصرة ) لتبصروا فيه بوادي القدرة . وقال بعضهم : لتسكنوا فيه عن حركات طلب الأرزاق . وقال بعضهم : لتحاسبوا أنفسكم بخيانات النهار . قوله عز وعلا : ( والله الذي جعل لكم الأرض قرارا ) < < غافر : ( 64 ) الله الذي جعل . . . . . > > [ الآية : 64 ] . قال سلمييان : القرار لمن استقر على طلب الموافقة واجتنب التخطي إلى المخالفة . وقال بعضهم : جعل الأرض قرارا لأوليائه والسماء بناء لملائكته . قوله عز وعلا : ! ( هو الحي لا إله إلا هو فادعوه ) { < غافر : ( 65 ) هو الحي لا . . . . . > > [ الآية : 65 ] .
____________________
(2/212)
قال الواسطي رحمة الله عليه : هو الذي أحيا القلوب بفوائد أنواره وسواطع عزته عن هواجس الهياكل وظلم الأجسام . وقال الحسين : هو الذي أحيا العالم بنظره فمن لم يكن به وبنظره حيا فهو ميت وإن نطق أو تحرك . وقال الجنيد رحمة الله عليه : الحي على الحقيقة من به حياة كل حي . قوله عز وعلا : ! ( وأمرت أن أكون من المسلمين ) ! . < < النمل : ( 91 ) إنما أمرت أن . . . . . > > قال ابن عطاء : اخضع لأوامره وأنقاد له ولا أخرج من رسوم العبودية بحال . قال جعفر : لا ألتجئ إلا إليه ولا اذل إلا له فإن الالتجاء إليه محل الفرج والتذلل له معدن العز . قوله تعالى : ! ( فاصبر إن وعد الله حق ) { < غافر : ( 77 ) فاصبر إن وعد . . . . . > > [ الآية : 77 ] . قال أبو بكر بن طاهر : اصبر على شدائد الدنيا فإن وعد الله حق لمن صبر فيها على الشدائد أن يوصله إلى الراحة الكبرى وهو مقعد صدق عند مليك مقتدر . قوله عز وعلا : ! ( فإذا جاء أمر الله قضي بالحق ) { < غافر : ( 78 ) ولقد أرسلنا رسلا . . . . . > > [ الآية : 78 ] . قال الواسطي رحمة الله عليه : من ذكر القسمة وما جرى له في السبق ينقطع عن السؤال والدعاء ويعلم أن المقضى كائن بالحق ومن الحق لذلك قال بعضهم : أمرونا بالسكوت والجمود ، ودعونا إلى الدعاء ، والثناء في الدعاء لمن لا سابقة له والثناء لا يصلح إلا لأهل الثناء فإنك إن سألت ما ليس لك استعجلت وأسأت الثناء وإن سألت ما لك اتهمت وإن سكت أجرى لك ما قضاه في الدهور لك وهذا كقوله : فإذا جاء أمر الله قضى بالحق . قوله تعالى : ! ( ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم ) { < غافر : ( 80 ) ولكم فيها منافع . . . . . > > [ الآية : 80 ] . وقال محمد بن علي : لكم فيها منافع استعمال السنة في الركوب فيما خلق للركوب واستعمال السنة في النحر والذبح فيما خلق لهما . قال أبو عثمان رحمة الله عليه : ! ( ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم ) ! قال الحج والغزو .
____________________
(2/213)
وقال أحمد بن حنبل رحمة الله عليه : لكم فيها منافع في أداء صدقاتها وزكاتها وتضعيف الأجر لكم في ذلك . قوله عز وعلا : ( ويريكم آياته فأي آيات لله تنكرون ) < < غافر : ( 81 ) ويريكم آياته فأي . . . . . > > [ الآية : 81 ] . قال سهل : اظهر آياته في أوليائه وجعل السعيد من عباده من صدقهم في كراماتهم وأعمى أعين الأشقياء عن ذلك وصرف قلوبهم عنه ومن أنكر آيات الأولياء إنما ينكر قدرة الله فإن القدرة تظهر على الأولياء آيات لأنهم بأنفسهم يظهرونها والله تعالى يقول : ! ( ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون ) ! . قوله تعالى : ! ( سنة الله التي قد خلت في عباده ) { < غافر : ( 85 ) فلم يك ينفعهم . . . . . > > [ الآية : 85 ] . قال سهل : السنة مشتقة من أسماء الله تعالى السين سنا الله والنون نور الله والهاء هداية الله فقوله : سنة الله التي قد خلت في عباده أي فطرة الله التي جبل عليها خواص عباده هداية منه لهم فهم على سنن الطريق الواضح إليه زيادة . قوله تعالى : ! ( ادعوني أستجب لكم ) { < غافر : ( 60 ) وقال ربكم ادعوني . . . . . > > [ الآية : 60 ] . سمعت منصور بن عبد الله الاصفهاني يقول : سمعت الشبلي يقول : وقد سئل عن قوله : ! ( ادعوني أستجب لكم ) ! فقال : اوه من أمر ولمن أمر وكيف أمر وبأي أمر أمر وبأي شيء أمر وما المراد فيما أمر ، بلى والله امرنا أن نكون بلا نحن في سر ظهر الغيب سرا بسر متصل وأما على الظاهر فقال : ادعوني ولا تدعوا معي سواي فإذا وجدتموني فقد وجدتم الكل . سمعت النصرآباذي يقول : ناب عن خلقه بالدعاء وناب عنهم بالاجابة فكل يدعو على ما ناب عنه ومن لم ينب عنه فهو المحروم في الدعاء والممنوع من الإجابة . قال ابن عطاء : ادعوني واستجيبوا استجب لكم . قال بعضهم : كم منا دعا ربه عند نفسه وهو في الحقيقة دعا غيره وعبد سواه .
____________________
(2/214)
<
> ذكر ما قيل في سورة فصلت <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( حم تنزيل من الرحمن الرحيم ) { < فصلت : ( 1 - 2 ) حم > > [ الآية : 1 ، 2 ] . قال سهل في قوله : ! ( حم ) ! قال : قضى في اللوح المحفوظ ، وكتب فيه ما هو كائن . وقال بعضهم في قوله : ! ( حم ) ! قال : الحافظ للملك هو الله . قال بعضهم : انزل هذا القرآن الرحمن الرحيم . وقال ابن عطاء في قوله : ! ( فصلت آياته ) { < فصلت : ( 3 ) كتاب فصلت آياته . . . . . > > قال بينت احكامه . قوله تعالى : ! ( بشيرا ونذيرا ) { < فصلت : ( 4 ) بشيرا ونذيرا فأعرض . . . . . > > [ الآية : 4 ] . قال محمد بن علي : بشيرا بمطالعة الرجاء ونذيرا بمطالعة الخوف . قال سهل : بشيرا بالجنة لمن اطاعه واتبع ما فيه ونذيرا بالنار لمن عصاه وخالف مراد الله فيه . وقال ابن عطاء : يبشر من آمن به برضا ربه وينذر من اعرض عنه بسخط ربه . قوله تعالى : ! ( وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ) { < فصلت : ( 5 ) وقالوا قلوبنا في . . . . . > > [ الآية : 5 ] . قال سهل : في أغطية الإهمال فمالت إلى الشهوى والهوى ولم تسمع داعي الحق ! ( وفي آذاننا وقر ) ! أي بها صمم عن الخير فلا تسمع هواتف الحق . قال بعضهم : قلوبهم في حجاب من دعوى وأسماءهم صمت من نداء الحق وكلت ألسنتهم عن ذكر الحق وجعل بينهم وبين الحق حجاب الوحشة وهو الحجاب الذي لا يرفع أبدا . قوله تعالى : ! ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ) { < فصلت : ( 6 ) قل إنما أنا . . . . . > > [ الآية : 6 ] . قال ابن عطاء في قوله : ! ( إنما أنا بشر مثلكم ) ! في ظاهر الأحكام ومحل الاتباع أمثل لكم سبل الشريعة واحكام الدين واكملكم بوحي من ربكم انه إله واحد فمن صدقني واتبع سنتي فقد وصل إلى الرضوان ومن خالفني وأعرض عني فقد اعرض عن طريقة
____________________
(2/215)
الحق فأنا بشر مثلكم في الظاهر ولست مثلكم في الحقيقة ألا تراه صلى الله عليه وسلم يقول : ' إني لست كأحدكم اني ابيت عند ربي فيطعمني ويسقيني يطعمني ربي ويسقيني ربي ' . قوله تعالى : ! ( فاستقيموا إليه واستغفروه ) ! [ الآية : 6 ] . قال بعضهم : الاستقامة مساواة الأحوال مع الأفعال والأقوال وهو أن لا يخالف الظاهر الباطن ولا الباطن الظاهر فإذا استقمت واستقامت احوالك فاستغفر من رؤية استقامتك واعلم أن الله هو الذي قومك لانك استقمت . قوله عز وعلا : ! ( وجعل فيها رواسي ) { < فصلت : ( 10 ) وجعل فيها رواسي . . . . . > > [ الآية : 10 ] . قال القاسم : الرواسي الاجلة من الأولياء الذين هم المشرفون على الخلق لأنهم الخواص منهم . وقوله : ! ( من فوقها ) ! أي من فوق عامة الأولياء واشرفهم نظرهم أصح وبركاتهم اعم ولا يشرف عليهم أحد إلا القطب الذي هو الواحد في العلا وبه قوام كل الأولياء والرواسي دونه . قوله عز وعلا : ! ( وزينا السماء الدنيا بمصابيح ) { < فصلت : ( 12 ) فقضاهن سبع سماوات . . . . . > > [ الآية : 12 ] . قال ابن عطاء : زينا قلوب العارفين بأنوار المعرفة وجعلنا فيها مصابيح الهداية وضياء التوحيد . وقال جعفر : زينا جوارح المؤمنين بالخدمة . وقال الجنيد رحمة الله عليه : زينا الجنة بنور مناجاة العارفين وزهرة خدمة العابدين . قوله عز وعلا : ( أولم يعلموا أن لله الذي خلقهم هو اشد منهم قوة ) < < فصلت : ( 15 ) فأما عاد فاستكبروا . . . . . > > [ الآية : 15 ] . قال عمرو المكي : من شاهد من نفسه قياما إلى شيء من الاوامر وقعودا عن شيء من النواهي فقد صغر ما عظمه الله وعظم ما صغره الله الا ترى أن الله هو الذي اقامه إليها وقواه عليها حينئذ يخلو من حاله وعمله ويرى قدرة الله وقوته عليه وضعفه عن القيام إلى حقائق أوامره ويعلم أن القوى على الحقيقة من يقدر على أن يقوى العبد على القيام بأحكامه . قال الله تعالى : ! ( أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ) ! . قوله تعالى : ! ( وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ) { < فصلت : ( 17 ) وأما ثمود فهديناهم . . . . . > > [ الآية : 17 ] . قال الواسطي رحمة الله عليه : لحاجة لما سبق فيهم من شوم الجبلة .
____________________
(2/216)
قال ابن عطاء : البسوا لباس الهداية ظاهرا عوارى فتحقق لباس الحقيقة فاستحبوا العمى على الهدى فردوا إلى الذي سبق لهم في الأزل . قوله عز وجل : ( ويوم نحشر اعداء الله إلى النار فهم يوزعون ) < < فصلت : ( 19 ) ويوم يحشر أعداء . . . . . > > [ الآية : 19 ] . قال الواسطي رحمة الله عليه : من لم يصحبه من الله ما يردعه عن جميع خلقه فهو مصحوب نفسه وان الله وصف حال الأعداء في عرصة القيامة تحذيرا لخلقه فقال : ( ويوم نحشر اعداء الله إلى النار فهم يوزعون ) . قوله تعالى : ! ( وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ) { < فصلت : ( 22 ) وما كنتم تستترون . . . . . > > [ الآية : 22 ] . قال أبو عثمان رحمة الله عليه : من لم يذكر في وقت مباشرته الذنوب شهادة جوارحه عليه تحرى على الذنوب ومن ذكر ذلك جبن عن مباشرتها وربما يلحقه التوفيق والعصمة فيمنعاه عنها . قوله عز وعلا : ! ( وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين ) { < فصلت : ( 24 ) فإن يصبروا فالنار . . . . . > > [ الآية : 24 ] . قال بعضهم : إن يستعتبوا لا يقالوا وإن اعتذروا لم يعذروا . قوله تعالى : ! ( وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم ) { < فصلت : ( 25 ) وقيضنا لهم قرناء . . . . . > > [ الآية : 25 ] . قال الجنيد رحمة الله عليه : النفس لا تألف الحق أبدا . قال ابن عطاء : النفس قرين الشيطان وأليفه ومتبعه فيما يشير عليه مفارقا للحق مخالفا له لا يألف الحق ولا يتبعه قال الله تعالى : ! ( وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم ) ! من طول الأمل وما خلفهم من نسيان الذنوب . قوله تعالى : ! ( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ) { < فصلت : ( 26 ) وقال الذين كفروا . . . . . > > [ الآية : 26 ] . قال ابن عطاء : من لم يكن قلبه منور بالإيمان لا يلتذ بسماع القرآن ولا تؤثر فيه مواعظه وأحكامه وإنما يتعظ به من كان مؤيد السر مشروح الصدر مفتوح السمع حاد البصر معانا بالتوفيق مسددا بالعصمة إذا سمعه وعى فوائد احكامه واتعظ بلطائف مواعظه . قوله تعالى : ! ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) { < فصلت : ( 30 ) إن الذين قالوا . . . . . > > [ الآية : 30 ] .
____________________
(2/217)
قال : استقاموا على انفراد القلب بالله سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : قال ابن عطاء في قوله : ! ( ثم استقاموا ) ! قال استقاموا على المشاهدة لأن من عرف شيئا لا يهاب غيره ولا يطالع سواه فتركوا المنازعة والاعتراض مع الحق . وقال بعضهم في قوله : ! ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) ! قال : قالوها صرفا غير ممزوجة ولم يعرجوا على معنى سواها لما اعتقدوا لأنفسهم من العبودية وله من تمام الربوبية . قال محمد بن الفضل : حاجة جميع الموحدين في خصلة بها كملت المحاسن وبفقدها قبحت القبائح وهي الاستقامة . سئل الشبلي عن هذه الآية فقال : ! ( قالوا ربنا ) ! هو خالقنا ( فاستقاموا ) معه على بساط المعرفة وداموا بأسرارها على سرير المحبة ! ( تتنزل عليهم الملائكة ) ! بانقطاع المدة أن لا تخافوا من دار الهوان ولا تحزنوا على ما فاتكم من دار الامتحان وابشروا بدوام النعيم وهو لقاء الله عز وجل الذي ليس بعده نصب ولا شدة . وقيل في قوله : ! ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) ! قال : استقاموا فعلا كما استقاموا قولا واستقاموا سرا كما استقاموا جهرا واستقاموا باطنا كما استقاموا ظاهرا فإن حقيقة الاستقامة القرار بعد الإقرار لا الإقرار بعد القرار تتنزل عليهم الملائكة للحماية أن لا تخافوا على الولاية ( ولا تحزنوا على ما فاتكم ) أي ما جرى عليكم من الجناية وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون في البداية . قوله عز وعلا : ! ( نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) { < فصلت : ( 31 ) نحن أولياؤكم في . . . . . > > [ الآية : 31 ] . قال جعفر : من لاحظ في أعماله الثواب والإعراض كانت الملائكة اولياؤه من تحقق من أفعاله وعملها على مشاهدة امرها فهو وليه لأنه يقول : ! ( الله ولي الذين آمنوا ) ! . قال الواسطي رحمة الله عليه : لا يردكم الله إلى معنى سواه في الدنيا والآخرة . قوله عز وعلا : ! ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله ) { < فصلت : ( 33 ) ومن أحسن قولا . . . . . > > [ الآية : 33 ] . قال سهل : أي ممن دل على الله وعلى عبادة الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واجتناب المناهي وإدامة الاستقامة مع الله .
____________________
(2/218)
قال بعضهم : هي الطريقة الوسطى والجادة التي من سلكها سلم ومن تعداها ندم . وقال ابن عطاء : دعا إلى الله حتى يدعو بالله فيكون هو داعي الحق ودعاؤه دعاء الحق . قال الله : ! ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله ) ! بالله لا بنفسه وعمل صالحا ولم ير لنفسه فيه اثرا . قال الواسطي رحمة الله عليه في قوله : ! ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله ) ! قال : الداعي على الحقيقة هو الذي لا يشير إلى غيره في جميع دعوته وقال : أول الدعاء إلى الله الحضور مع الله وترك الصور عند مشاهدة المحمود . قال ابن عطاء : الداعي إلى الله على الحقيقة الذي يرضى الله في دعوته فيمكنه في وقت اشتغال الخلق بأنفسهم من الشفاعة لما رضى من دعوته والداعي إلى الله على الحقيقة الذي لا يشير إلى غيره في جميع دعوته . قوله عز وعلا : ! ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ) { < فصلت : ( 34 ) ولا تستوي الحسنة . . . . . > > [ الآية : 34 ] . قال ابن عطاء : لا يستوي بين من احسن الدخول في خدمتنا والخروج منها وبين من اساء الأدب في الخدمة فإن سوء الادب في القرب اصعب من سوء الادب في البعد فقد تصفح عن الجهال الكبائر ويؤخذ الصديقون باللحظات والالتفات . قوله عز وعلا : ! ( وما يلقاها إلا الذين صبروا ) { < فصلت : ( 35 ) وما يلقاها إلا . . . . . > > [ الآية : 35 ] . قال بعضهم : لا يطيق أحد الهجوم على المعارف إلا من يصبر على احتمال النوائب والشدائد فيها ولا يرى لنفسه قمة ولا لزوجة خطرا إذ ذاك يمكنه مجاورة المعارف والهجوم عليها . قوله تعالى : ( وإما ينزغنك الشيطان نزغ فاستعذ بالله ) < < فصلت : ( 36 ) وإما ينزغنك من . . . . . > > [ الآية : 36 ] . قال بعضهم : من طرد الشيطان عن نفسه بنفسه فهو قرينه أبدا ومن طرد بالالتجاء إلى الله والاستعاذة به منه لم يجعل الله للشيطان عليه سبيلا لأن الله يقول : ! ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله ) ! . وسئل أبو حفص بماذا يتخلص المؤمن من الشيطان ؟ قال : بتصحيح العبودية لأن الله عز وجل يقول : ! ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ) ! .
____________________
(2/219)
قوله تعالى : ! ( ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر ) { < فصلت : ( 37 ) ومن آياته الليل . . . . . > > [ الآية : 37 ] . قال ابن عطاء : اظهر لك الآيات لتشتغل بمظهرها دونها فمن اشتغل بها شغلته عن مظهرها ومن اشتغل بمظهرها شغله ذلك عن الاشتغال بما يشغله عنه بحال وهو من عظيم الأحوال وسنن المراتب . قوله عز وعلا : ! ( ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة ) { < فصلت : ( 39 ) ومن آياته أنك . . . . . > > [ الآية : 39 ] . قال عمرو بن عثمان المكي : إن لله عز وجل قلوبا في الأوعية من الأجسام أودع بها ودائع وأخفاها على الخلق فإذا نزل عليها مياه رحمته وبركات نظره وآثار بره استخرج ودائعه فعرف القلوب محل الودائع واظهر على النفس بركاتها وألقى على الخلق هيبة صاحبها فهو في هيبة عند الخلق وانكسار عند نفسه وشفقة ونصيحة للخلق وخوف دائم من ذنوبه وذلك من آيات الله الظاهرة وهو حقيقة قوله : ! ( ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ) ! إن الذي أحيا تلك النفوس بتلك الودائع قادر أن يحيى ببركة نظره قلوبا غفلت عنه وأنفسا ماتت عن القيام بخدمته . قوله تعالى : ! ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) { < فصلت : ( 42 ) لا يأتيه الباطل . . . . . > > [ الآية : 42 ] . قال ابن عطاء : كيف يكون للباطل عليه سبيل وهو من حق بدأ وإلى حق يعود وهو الحق فلا يتحقق به إلا الحق . قوله تعالى : ! ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) { < فصلت : ( 44 ) ولو جعلناه قرآنا . . . . . > > [ الآية : 44 ] . قال جعفر : القرآن شفاء لمن كان في طلب العصمة وعمى على من كان في ظلمة الخذلان . قال بعضهم : شفاء القرآن إذا دخل الصدور اعتقها من سر الطباع ورعونات الهوى وأدخلها في فسحة التفويض والتسليم . قوله تعالى : ! ( لا يسأم الإنسان من دعاء الخير ) { < فصلت : ( 49 ) لا يسأم الإنسان . . . . . > > [ الآية : 49 ] . قال : لا يمل العبد من ذكر ربه وشكره وحمده والثناء عليه . قوله عز وعلا : ! ( وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه ) { < فصلت : ( 51 ) وإذا أنعمنا على . . . . . > > [ الآية : 51 ] . قال سهل : اعرض عن الدعاء والشكر لله على ما انعم ونظر في عطفيه وافتخر بغير
____________________
(2/220)
مفتخر به . قال بعضهم : إذا أصابه بلاء في الظاهر وهو في نعمة في الحقيقة اعرض عنه لم يصبر على البلاء ولا يطالع موضع الثواب فيه وإذا مسه الشر الاستدراج في النعم ألفه ونظر فيه ونسى حقوق الله عليه . قال الواسطي رحمة الله عليه : اعرض عن المنعم بالنعمة . قال بعضهم : الهداية والإيمان والولاية والعبادة والعبد لا ينفك عن أربعة أشياء من كسبه وكده وكدحه ومن فضل الله عليه وهو الذي يوجب له الأمر . قوله عز وعلا : ! ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم ) { < فصلت : ( 53 ) سنريهم آياتنا في . . . . . > > [ الآية : 53 ] . قال سهل : هي الموت والموت خاص وعام فالعام موت الخلقة والجبلة والخاص موت شهوات نفوس الأولياء . قال القحطاني : لا يزال العبد يرتقي من حال إلى حال حتى يبلغ إلى الأحوال السنية العالية ويرى الله قائما بالأشياء ثم ترقى به عن ذلك الحال حتى يرى الأشياء فانية في رؤية الحق ويتيقن أن القديم إذا قرن بالحديث لا يثبت له اثر وإن جل قدره وعظم خطره وهو معنى قوله : ! ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) ! وهو النظر في الدنيا بشاهد الحق ثم النظر إلى الحق بالفناء عن الكون وهو أن تصير النعوت نعتا واحدا ولا يشهد إلا حقا صرفا . وسئل أبو عثمان عمن يقول بالشاهد ؟ فقال : لا أنكر القول بالشاهد لمن يشهد الأشياء كلها شيئا واحدا . وقال الواسطي رحمة الله عليه : ظهر في كل شيء بما اظهر منه وإظهاره الأشياء ظهوره بها فإذا فتشها لا يجد غير الله قال الله تعالى : ! ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) ! دون غيره ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ' اصدق كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطل ' .
____________________
(2/221)
وكذلك حكى عن بعضهم انه انشد : ( اسمع فهذا كلام والله ما فيه علة ** أقل من كل شيء من لا يرى الكل قلة ) وقال بعضهم : ! ( سنريهم آياتنا في الآفاق ) ! قال : يرى الأشياء وجودها عدمها وعدمها وجودها كما أن كل قرب بعد وكل بعد قرب لأن إحاطة القدرة بالشيء وجود الشيء . قوله عز وعلا : ( أولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد ) [ الآية : 53 ] . قال الواسطي رحمة الله عليه : لو شهدوا شواهد الحق فيما جرى عليهم من المخالفة والموافقة لما اضطربوا فرحا ولا حزنا نفيا للشرك والمقارنة . سمعت عبد الله الرازي يقول : كان اكبر عمل أبي عثمان في المراقبة وكان كثيرا ما يتلو هذه الآية . وقال الواسطي : في هذه الآية أوائلها فيه وكان يتلو هذه الآية كثيرا : ! ( أولم يكف بربك ) ! أوائلها للطائفين والعابدين طالعوه وراقبوه وأواخرها للواجدين شاهدوه على آباده وسرمده الذي فيه فناء معانيهم . * * *
____________________
(2/222)
<
> ذكر ما قيل في سورة عسق <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( حم عسق ) { < الشورى : ( 1 - 2 ) حم > > [ الآية : 1 ، 2 ] . قال ابن طاهر : الحاء من الحكيم والميم من الملك والعين من العالم والسين من السيد والقاف من القادر هو الذي يوحى إليك إلى الذين من قبلك أنباء ما قد سلف من الأمم ويوحى إلى الذين من قبلك فضلك وفضل أمتك . قوله عز وعلا : ! ( وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه ) { < الشورى : ( 7 ) وكذلك أوحينا إليك . . . . . > > يوم يجمع بين كل عامل وعمله . وقال بعضهم : يوم يجمع بين الأجساد والأرواح . قوله عز وعلا : ! ( فريق في الجنة وفريق في السعير ) ! [ الآية : 7 ] . قال القاسم : فريق جرى عليهم حكم السعادة في الأزل فمكنوا من محل السعداء وفريق جرى عليهم حكم الشقاوة في الأزل فردوا إلى مكان الأشقياء والأزل يؤثر في الآباد وإن كان لا ازل ولا ابد في الحقيقة . قوله تعالى : ! ( فالله هو الولي وهو يحيي الموتى ) { < الشورى : ( 9 ) أم اتخذوا من . . . . . > > [ الآية : 9 ] . قال ابن عطاء في هذه الآية : الحق تعالى يتولى اولياءه في كل نفس برعاية وعناية طربه ، ومن كان الحق متولي سعاياته وحركاته كان في أصون صون وأحرز حرز وهو الذي يحمى القلوب بمشاهدته وبالتجلي بعد الاستتار . قال الواسطي رحمة الله عليه : يحيى القلوب بالتجلي ويميت النفوس بالاستتار . وقال أيضا جعفر : يحيى نفوس المؤمنين بخدمته ويميت نفوس المنافقين بمخالفته . وقال سهل : لا يحيي النفوس حتى يموت . قال بعضهم : قلوب أهل الحق مصانة عن كل معنى لأنها موارد الحق . قوله تعالى : ( ليس كمثله شيء ) < < الشورى : ( 11 ) فاطر السماوات والأرض . . . . . > > [ الآية : 11 ] . قال الواسطي رحمة الله عليه : ليس كذاته ذات ولا اسمه اسم من جهة المعنى ولا
____________________
(2/223)
كصفته صفة من جميع الوجوه إلا من جهة موافقة اللفظ وكما لم يجز أن يظهر من مخلوق صفة قديمة كذلك يستحيل أن يظهر من الذات الذي ليس كمثله شيء صفة حديثة وأن التكرار من حدوث الصفة جل ربنا أن يحدث له صفة أو اسم إذ لم يزل بجميع صفاته واحدا ولا يزال كذلك . وقال أيضا : أمور التوحيد كلها خرجت من هذه الآية : ( ليس كمثله شيء ) لأنه ما عبر عن الحقيقة بشيء إلا والعلة مصحوبة والعبارة منقوصة لأن الحق لا ينعت على اقداره لأن كل ناعت مشرف على المنعوت وجل أن يشرف عليه مخلوق . سمعت محمد بن عبد الله بن عبد العزيز المكي الرازي يقول : سمعت أبا بكر الشبلي يقول : كلما ميزتموه بأوهامكم وأدركتموه بعقولكم في أتم معانيكم فهو مصروف إليكم ومردود عليكم محدث مصنوع مثلكم لأن حقيقته عال عن أن تلحقه عبارة أو يدركه وهم وان يحيط به علم كلا وكيف يحيط به علم وقد اتفقت فيه الأضداد بقوله : ! ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن ) ! أي عبارة تخبر عن حقيقة هذه الألفاظ قصرت عنه العبارات وخرست الألسن لقوله : ( ليس كمثله شيء ) قال الواسطي : رحمة الله عليه : من احتجب عن خلقه بخلقه ثم عرفهم صنعه بصنعه وساقهم إلى أمره فلا يمكن الأوهام أن تناله ولا العقول أن تختاله ولا الأبصار أن تمثله ولا الاسماع أن تشمله ولا الأماني أن تمتهنه هو الذي لا قبل له ولا بعد ولا مقصر عنه ولا معدل ولا غاية وراءه ولا مهل ليس له امد ولا نهاية ولا غاية ولا ميقات ولا انقضاء لا يستره حجاب ولا ينقله مكان ولا يحويه هواء ولا يحتاطه فضاء ولا يتضمنه خلاء ( ليس كمثله شيء وهو السميع العليم ) . قوله تعالى : ! ( له مقاليد السماوات والأرض ) { < الشورى : ( 12 ) له مقاليد السماوات . . . . . > > [ الآية : 12 ] . قال ابن عطاء : مقاليد السموات الغيوب ومقاليد الأرض الآيات والبينات . وقال أيضا في هذه الآية مفاتيح السماوات والأرض هي المشيئة والقدرة في السماوات والأرض فبمشيئتي قامت السماء بغير عمد ترونها ولا علاقة فوقها وبقدرتي ثبتت الأرض بما فيها وعليها على الماء ولغامض علمي وقف الماء فلم يضطرب امواجه وبمشيئتي تمطر السماء على الأرض وبإذني يخرج النبات من الأرض ومفاتيح القلوب
____________________
(2/224)
بيدي اقلبها كيف اشاء والضر والنفع بيدي فكونوا لي صرفا اكن لكم حقا . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : قال ابن عطاء : عاتب الله اولياءه بنظرهم إلى ما سواه وقال بيدي مقاليد السماوات والأرض فلا يشتغلوا بها ولا بما فيها وعليها فإنها كلها قامت بي كونوا لي حقا اسخر لكم الأكوان وما فيها ألا ترى كيف قطعهم عن الاعتماد على الأنبياء بقوله : ( ومن ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) . قوله تعالى : ! ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ) { < الشورى : ( 13 ) شرع لكم من . . . . . > > [ الآية : 13 ] . قال سهل : أول من حرم الأمهات والبنات والأخوات نوح عليه السلام فشرع الله لنا محاسن شرائع الأنبياء اولهم نوح فقال : ! ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ) ! والذي وصى به إبراهيم وموسى وعيسى من إقامة الطاعة لله والإخلاص فيها وإظهار الأخلاق والأحوال . وقال بعضهم : ! ( شرع لكم من الدين ) ! أي من تعظيم محمد صلى الله عليه وسلم ما أمر به الأنبياء السالفة . قوله تعالى : ( فاستقم كما امرت ) . < < الشورى : ( 15 ) فلذلك فادع واستقم . . . . . > > سمعت أبا العباس البزاز يقول : قال بعض أصحابنا : حقيقة الاستقامة لا يطيقها إلا الأنبياء واكابر الأولياء لأنها الخروج من المعهودات ومفارقة الرسوم والعادات والقيام بين يدي الحق على حقيقة الصدق لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ' استقيموا ولن تحصوا ' أي لن تطيقوا الاستقامة التي أمرتم بها . قوله تعالى : ! ( يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها ) { < الشورى : ( 18 ) يستعجل بها الذين . . . . . > > [ الآية : 18 ] . سمعت أبا العباس البزاز يقول : كان أخي خادما للحلاج فقال لي : لما كانت الليلة التي توعد من العبد بقتله قلت له : يا سيدي أوصني فقال لي : عليك نفسك إن لم
____________________
(2/225)
تشغلها شغلتك . قال فلما كان الغد واخرج للقتل قام وقال : حسب الواحد إفراد الواحد له ، ثم خرج يتبختر في قيده ويقول : ( تديني غير منسوب إلى شيء من الحيف ** سقاني مثل ما يشرب فعل الضيف بالضيف ) ( فلما دارت الكأس دعانا لنطع والسيف ** كذا من يشرب الراح مع التين في الصيف ) ثم قال : ! ( يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ) ! ثم ما نطق بعد ذلك حتى فعل به ما فعل . قوله تعالى : ! ( الله لطيف بعباده ) { < الشورى : ( 19 ) الله لطيف بعباده . . . . . > > [ الآية : 19 ] . قال ابن عطاء : يعلم من أنفسهم ما لا يعلمون من نفوسهم فربط كلا بحده فمن بقى مع حده حجب ومن تجاوز حده هلك . قال بعضهم : تلطف بعبده من فنون المبار ما يتعجب فيها المتعجبون كما جاء في الخبر حتى يقول الناس أهذا نبي أو ولي فقيل لهم : المتحابون في الله . وقال علي بن عبد العزيز : اللطيف من يلطف بهم من الجهات الخفية ومن احسن إليك في خفاء فقد لطف بك يرزق من يشاء من عباده يدخلهم الجنة فضلا ولا يمن بها عليهم . قال أبو سليمان الداراني : من لطف الله بعبده أن يميز له كنه معرفته حتى لا تتكدر عليه نعماؤه . سمعت محمد بن أحمد بن إبراهيم الفارسي يقول : سمعت أبا محمد الجريري يقول في قوله : ! ( الله لطيف بعباده ) ! معناه لطيف بعبده حيث لم يكشف له ما سبق من الازلية لأنه لو كشف للسعيد سعادته لامتنع من عبادة الله والسعي في طلب رضاه وكذلك الشقاوة . وقال الجنيد رحمة الله عليه : اللطيف الذي لطف بأوليائه حتى عرفوه . وقال ابن عطاء : الذي يعرف العيوب بلا دليل . وقال بعضهم : اللطيف الذي ينسى العباد في الآخرة ذنوبهم لئلا يتحسروا .
____________________
(2/226)
وقال القاسم : اللطيف الذي لم يدع أحدا يقف على مائية أسمائه فكيف يقف على مائية وصفه وذاته . وقال اللطيف الذي لطفه في كل مكان حتى لا يبقى مكان إلا لطفه غالب عليه . قال بعضهم : اللطيف الذي لم يظهر شيئا من الأكوان يقف على مائيته . قال بعضهم : اللطيف الذي لم يدع أحدا يقف على مائية أسمائه . وقال الجنيد رحمة الله عليه : اللطيف من نور قلبك بالهدى وربى جسمك بالغذاء واخرجك من الدنيا مع الإيمان بغير بلوى ويحرسك وأنت في لظى ويمكنك حتى تنظر وترى هذا لطف اللطيف بالعبد اللطيف . قال أبو سعيد الخراز في قوله : ! ( لطيف بعباده ) ! موجود في الظاهر والباطن والأشياء كلها موجودة به لكن يوجد ذكره في قلب العبد مرة ويفقد مرة ليجدد بذلك افتقاره إليه . قال القاسم في قوله : ! ( يرزق من يشاء ) ! الفطنة والحكمة وهو القوى العزيز القوى بقوى الفطن والعزيز عزز عنايته ورعايته ولا يبذلها لكل أحد . قوله تعالى : ( ومن كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ) < < الشورى : ( 20 ) من كان يريد . . . . . > > [ الآية : 20 ] . قال سهل : حرث الدنيا القناعة وحرث الآخرة الرضا . قال بعضهم في هذه الآية : من عمل لله محبة له لا طلبا للجزاء صغر عنده كل شيء دون الله فلا يطلب حرث الدنيا ولا حرث الآخرة بل يطلب الله من الدنيا والآخرة . قوله تعالى : ! ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) { < الشورى : ( 23 ) ذلك الذي يبشر . . . . . > > [ الآية : 23 ] . قال سهل : أن تقربوا إلي باتباع سنتي . قال ابن عطاء : لا أسألكم على دعوتكم أجرا أن تتوددوا إلي بتوحيد الله وتتقربوا إليه بدوام طاعته وملازمة أوامره . وقال جعفر مثله . حدثنا محمد بن يعقوب الأصم قال : حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال : حدثنا وكيع بن الجراح عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس في قوله : ! ( قل لا أسألكم عليه أجرا ) ! الآية ، قال : كل من تقرب إلى الله بطاعته وحبب عليه محبته .
____________________
(2/227)
قوله تعالى : ! ( شكور ) ! قال بعضهم : الشاكرون ثلاثة : شاكر يشكر شخص النعمة وشاكر يشكر معنى النعمة وشاكر يشكر المنعم وهو على ثلاثة اوجه شاكر وشكور وشكار فالشاكر يشكر شخص النعمة والشكور يشكر معنى النعمة والشكار الذي لا يفتر عن شكر المنعم الا ترى كيف دعا النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : ' اللهم اجعلني شكارا ' . قوله عز وعلا : ! ( فإن يشأ الله يختم على قلبك ) { < الشورى : ( 24 ) أم يقولون افترى . . . . . > > [ الآية : 24 ] . قال سهل : يختم على قلبك ختم عليه الشوق والمحبة فلا تلتفت إلى الخلق ولا تشتغل بإجابتهم وإيابهم . قال الواسطي رحمة الله عليه في هذه الآية : يختم على قلبك بما يشاء ويمحو الله الباطل بنفسه ونعته حتى يعلم انه لا حاجة به إلى مبلغه ثم يتحقق الحق في قلوب أنشأها للحقيقة . قوله تعالى : ! ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ) { < الشورى : ( 25 ) وهو الذي يقبل . . . . . > > [ الآية : 25 ] . قال بعضهم : إنما يقبل التوبة من رزقه التوبة وتاب عليه فتاب فيكون تلك توبة صحيحة لا من يتوب من غير عزم ولا ندامة على معنى العادة والطبع وعلامة قبول التوبة مجران : اخدان السوء وقرناء السوء وعمل السوء ومجانبة البقعة التي فيها باشر الذنوب والخطايا وأن يبدل بالإخوان إخوانا وبالأخدان اخدانا وبالبقاع بقاعا ثم يكثر الندامة والبكاء على ما سلف منه والأسف على ما ضيع من ايامه ولا تفارقه حسرة ما فرط واهمل ايامه في البطالات ويرى نفسه مستحقا لكل عذاب وسخطه ، هذه علامات التوبة وقبولها . قوله تعالى : ! ( وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا ) { < الشورى : ( 28 ) وهو الذي ينزل . . . . . > > [ الآية : 28 ] . قال ابن عطاء : إن الله عز وجل يربى عباده بين طمع ويأس فإذا طمعوا فيه آيسهم بصفاتهم وإذا أيسوا أطمعهم بصفاته وإذا غلب على العبد القنوط وعلم العبد ذلك وأشفق منه اتاه من الله الفرح ألا تراه يقول : ! ( وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا ) ! معنى ينزل الغيث رحمته على قلوب أوليائه فيثبت فيها التوبة والإنابة والمراقبة والرعاية . قوله عز وعلا : ! ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ) { < الشورى : ( 30 ) وما أصابكم من . . . . . > > [ الآية : 30 ] . قال ابن عطاء : من لم يعلم أن ما وصل إليه من الفتن والمصائب باكتسابه وإنما عفا
____________________
(2/228)
عنه مولاه اكثر كان قليل النظر في إحسان ربه إليه لأن الله يقول : ! ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) ! فمن لم يشهد ذنبه وجنايته ويندم عليه لا يرجى له النجاة من المصائب والفتن . قال محمد بن حامد : العبد ملازم للجنايات في كل وقت واوان وجناياته في طاعاته اكثر من جناياته في معصيته لأن جناية المعصية من وجه وجناية الطاعة من وجوه والله يطهر عبده من جناياته بانواع المصائب ليخفف عنه اثقاله في القيامة ولولا عفوه ورحمته لهلك في أول خطوة قال الله تعالى : ! ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ) ! . قوله تعالى : ( فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا ) < < الشورى : ( 36 ) فما أوتيتم من . . . . . > > الآية : 36 ] . قال بعضهم : ما ظهر من أفعالك وطاعاتك اقل نعمة من نعيم الدنيا من سمع وبصر فكيف نرجو بها النجاة في الآخرة لتعلم أن النعم كلها بفضل الاستحقاق . قوله تعالى : ! ( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ) { < الشورى : ( 41 ) ولمن انتصر بعد . . . . . > > [ الآية : 41 ] . قال ابن عطاء : خاطب العوام بالانتصار بعد المظلمة واباح لهم ذلك واختار النبي صلى الله عليه وسلم الاخص بندبه إليه بقوله : ( ولئن صبرتم لهو خير الصابرين ) ثم لم يتركه ومخاطبة الندب حتى أمره بالافضل وحثه عليه بقوله : قوله تعالى : ! ( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ) { < الشورى : ( 43 ) ولمن صبر وغفر . . . . . > > [ الآية : 43 ] . قال أبو سعيد القرشي : والصبر على المكاره من علامات الأنبياء فمن صبر على مكروه يصيبه ولم يجزع اورثه الله الرضا وهو أحد الأحوال ومن جزع من المصائب وشكا وكله الله إلى نفسه ثم لم ينفعه شكواه . قوله تعالى : ! ( استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ) { < الشورى : ( 47 ) استجيبوا لربكم من . . . . . > > [ الآية : 47 ] . قال الجنيد رحمة الله عليه : استجابة الحق لمن يسمع هواتفه واوامره وخطابه فتحقق له الإجابة بذلك السماع ومن لم يسمع الهواتف كيف يجيب واني له محل للجواب . قوله تعالى : ! ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا ) { < الشورى : ( 51 ) وما كان لبشر . . . . . > > [ الآية : 51 ] . قال الواسطي : في هذه الآية أخبر عن اوصاف الحق على سنن واحد وخص السفير الأعلى والواسطة الأدنى مشافهة الخطاب ومكافحته فقال : ! ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا ) ! وهو قائم بصفة البشرية حتى ينزع عنه اوصاف البشرية ويحلى بحلية
____________________
(2/229)
الاختصاص حينئذ يكلم شفاها . قوله تعالى : ! ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ) { < الشورى : ( 52 ) وكذلك أوحينا إليك . . . . . > > [ الآية : 52 ] . قال الواسطي رحمة الله عليه : اظهر الأرواح من بين جماله وجلاله مكسوة بهاتين الكسوتين لولا انه سترها لسجد لها كل ما اظهر من الكون فمن رداه برداء الجمال فلا شيء اجمل من كونه في ستره يظهر منه كل درك وحذاقة وفطنة ومن رداه برداء الجلال وقعت الهيبة على شاهده يهابه كل من لقيه ولصحة الأرواح علامات ثلاث صحة النقية والتخلق بالأخلاق والتخطي في طريق الآداب . قوله عز وعلا : ! ( ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا ) ! [ الآية : 52 ] . قال ابن عطاء : أما الكتاب فما كتبت على خلقي من السعادة والشقاوة والإيمان فما قسمت للخلق من القربة . قال الواسطي رحمة الله عليه : عظم في صدره في شأن أمر الله ونهيه - لذلك كان يقول : من لم يؤمن بي ضربت عنقه - ووجد في قتال المخالفين جهادا لم تلحقه سآمة ولا كسل لما عظم في صدره من شأن الإيمان . قوله عز وعلا : ! ( ألا إلى الله تصير الأمور ) { < الشورى : ( 53 ) صراط الله الذي . . . . . > > [ الآية : 53 ] . قال القاسم : لأنه منه مبتدأ كل شيء وإليه منتهى كل شيء فما كان منه وله فهو الساعي له . وقال أبو عثمان : من علم أن أعماله تعرض على الله اجتهد في تحصين أعماله والإخلاص فيها والقيام على قلبه ومن تهاون بأوامر الله فهو في محل الهوان . * * *
____________________
(2/230)
<
> ذكر ما قيل في سورة الزخرف <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله عز وعلا : ! ( والكتاب المبين ) { < الزخرف : ( 2 ) والكتاب المبين > > [ الآية : 2 ] . قال سهل : بين فيه الهدى من الضلالة والخير من الشر وبين فيه سعادة السعداء وشقاوة الأشقياء . قوله تعالى : ! ( وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ) { < الزخرف : ( 4 ) وإنه في أم . . . . . > > [ الآية : 4 ] . قال سهل : أم الكتاب هو اللوح المحفوظ أي لرفيع مستولي على سائر الكتب . قوله تعالى : ! ( لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه ) { < الزخرف : ( 13 ) لتستووا على ظهوره . . . . . > > [ الآية : 13 ] . قال بعضهم : من لم يعرف نعم الله عليه إلا في مطعمه ومشربه ومركبه فقد صغر نعم الله عنده . قال ابن عطاء : خاطب العوام بأنهم يذكرون النعم في وقت دون وقت ولا يعرفون نعم الله عليهم في كل نفس وطرفة عين وحركة وسكون . قال سهل : خص الأنبياء وبعض الصديقين بمعرفة نعم الله عليهم قبل زوالها وحكم الله فيهم . قال أبو بكر بن طاهر في هذه الآية : ليكن ركوبكم على الدواب ضرورة عن المشي أو حربا في سبيل الله ولا يكن ركوبهم عليها ركوب لهو وافتخار . قوله تعالى : ! ( وجعلوا له من عباده جزءا ) { < الزخرف : ( 15 ) وجعلوا له من . . . . . > > [ الآية : 15 ] . قال ابن عطاء : لم يصحح التفويض والتسليم من كل وجه . قال سهل : ! ( وجعلوا له من عباده جزءا ) ! الا ترى النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ' إن أحدكم يصلي وليس له من صلاته إلا ثلثها وربعها . . ' الحديث .
____________________
(2/231)
قوله تعالى : ! ( وجعلها كلمة باقية في عقبه ) { < الزخرف : ( 28 ) وجعلها كلمة باقية . . . . . > > [ الآية : 28 ] . قال سهل : التوحيد في ذريته إلى يوم القيامة . قوله عز وعلا : ! ( فانظر كيف كان عاقبة المكذبين ) { < الزخرف : ( 25 ) فانتقمنا منهم فانظر . . . . . > > [ الآية : 25 ] . قال ابن عطاء : حسنا في اعينهم ما فيه هلاكهم فهلكوا من حيث طلبوا النجاة وهو الانتقام . قال أبو عثمان : انتقام الله من عبيده أن يجريهم في ميدان الغفلة ولا يحملهم على مدارج الذكر ورياض الأنس . قال أبو بكر بن طاهر : جعلناهم غرقى في الشهوات والأماني فلم يتفرغوا إلى تصحيح التوحد والمعاملات . قوله تعالى : ! ( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) { < الزخرف : ( 31 ) وقالوا لولا نزل . . . . . > > [ الآية : 31 ] . قال ابن عطاء : ليس العظيم عند الله والمكين من عظمته القرى واهلها وتبين آثار النعيم والغنى عليه ، إنما المكين والعظيم من أجرى عليه حكم السعادة في القدم . قوله تعالى : ! ( أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم ) { < الزخرف : ( 32 ) أهم يقسمون رحمة . . . . . > > [ الآية : 32 ] . قال الواسطي رحمة الله عليه : رزق قوما حلالا ومدحهم عليه ، وقوما شبهة وذمهم عليه ، وقوما حراما وعاقبهم عليه ، وغذى موسى بالحرام المحض ولم يلمه عليه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ' إن روح القدس نفث في روعى أن نفسا لا تموت حتى تستكمل رزقها ، ألا فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ' وقال : ! ( أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا ) ! . قال القاسم : إن الله تعالى خلق الخلق اقساما خلق الغزاة لقمع الكفار وخلق السلطان لقمع الأشرار وخلق العلماء لقمع الجهال وخلق العارفين لقمع المدعيين .
____________________
(2/232)
قال بعضهم : لم يترك قسم معاش الدنيا مع خستها للعبد فكيف يترك قسمة الرحمة للعبد مع جلالتها . قوله تعالى : ! ( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ) ! [ الآية : 32 ] . قال سهل : فضلنا بعضهم على بعض في المعرفة والطاعة عيشا لهم في الدنيا والآخرة . وقال الجنيد رحمة الله عليه : ! ( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ) ! قال : بالتمييز وحفظ السر . وقال بعضهم : بالحلم والأناة . وقال بعضهم : بالثقة والتوكل . وقال بعضهم : بمعرفة كيد النفس ووسوسة الشيطان . وقال أبو الحسين الوراق : بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر . قوله تعالى : ! ( ورحمة ربك خير مما يجمعون ) ! [ الآية : 32 ] . قال سهل : الذكر لله خالصا خير من كثرة الأعمال لطلب الجزاء . قال ابن عطاء : يعطيكم على سبيل الفضل خير لهم مما يجازيهم بأعمالهم . وقال بعضهم : طلب الرحمة في إتمام الفرائض والسنن خير من كثرة النوافل ورؤية النفس فيها والامتنان بها لأن ذلك محل الاستدراج والخداع . قوله تعالى : ! ( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة ) { < الزخرف : ( 33 ) ولولا أن يكون . . . . . > > [ الآية : 33 ] . قال ابن عطاء : اعتذار من الله إلى انبيائه انه لم يزو عنهم الدنيا إلا لأنها لا خطر لها عنده وانها فانية فآثر لهم الآخرة التي هي باقية وأهلها مبقون . قوله تعالى : ! ( والآخرة عند ربك للمتقين ) { < الزخرف : ( 35 ) وزخرفا وإن كل . . . . . > > [ الآية : 35 ] . قال محمد بن علي الترمذي : الآخرة الجنة أي ما وعد الله في الآخرة من الخيرات خير للمتقين لمن اتقى الشرك سرا وعلانية في ايمانه وأفعاله وأقواله . قال أبو بكر الوراق : التقوى سراج القلب يدله على مواضع الخلل منه فيصلحه ومن لم يكن له التقوى لم يكن له في قلبه نظر ولا بصر . قوله تعالى : ! ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا ) { < الزخرف : ( 36 ) ومن يعش عن . . . . . > > [ الآية : 36 ] . قال سهل : حكم الله تعالى انه لا يرى قلب عبد يسكن إلى شيء سواه إلا أعرض
____________________
(2/233)
عنه وسلط عليه الشيطان فيضله عن طريق الحق ويعوقه . قال ابن عطاء : من لم يداوم على الذكر فإن الشيطان قرينه ومن داوم عليه لم يقربه بحال . قوله عز وعلا : ( فإنما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون ) < < الزخرف : ( 41 ) فإما نذهبن بك . . . . . > > [ الآية : 41 ] . قال يحيى بن معاذ في هذه الآية : لله على عباده حجتان حجة ظاهرة وحجة باطنة فأما الظاهرة فالرسل وأما الباطنة فالعقول . قوله عز وعلا : ! ( استمسك بالذي أوحي إليك ) { < الزخرف : ( 43 ) فاستمسك بالذي أوحي . . . . . > > [ الآية : 43 ] . قال ابن عطاء : أمر الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم بالاستمساك والتمسك بالدين وهو صلى الله عليه وسلم الإمام فيه ولم يخل من التمسك بما أمر به لحظة لكنه خاطبه لرفيع درجاته وعظم محله لتكون أنت متأدبا بآداب التمسك والاقتداء والاستقامة وتعلم أن مثله إذا خوطب بمثل هذا الخطاب ما الذي يلزمك من الاجتهاد والمجاهدة . قوله عز وعلا : ! ( وإنه لذكر لك ولقومك ) { < الزخرف : ( 44 ) وإنه لذكر لك . . . . . > > [ الآية : 44 ] . قال ابن عطاء : شرف لك بانتسابك إلينا وشرف لقومك بالانتساب إليك . سمعت عبد الله بن محمد بن علي بن زياد يقول : سمعت عبد الله بن محمد بن أحمد بن زكريا يقول : سمعت أحمد بن سليمان الهروي يقول : سمعت هشام بن عمر ابن أبي سلمة عن أبيه عن مالك بن أنس في قوله : ! ( وإنه لذكر لك ولقومك ) ! قال : هو قول الرجل ابى عن جدي . قوله عز وعلا : ! ( فلما آسفونا انتقمنا منهم ) { < الزخرف : ( 55 ) فلما آسفونا انتقمنا . . . . . > > [ الآية : 55 ] . قال سهل : لما أقاموا مصرين على المخالفة في الأوامر وإظهار البدع في الدين وترك السنن اتباعا للآراء والأهواء والعقول نزعنا نور المعرفة من قلوبهم وسراج التوحيد من أسرارهم وركناهم إلى ما اختاروا فضلوا وأضلوا . قال سهل : الاتباع الاتباع والاقتداء الاقتداء فإنهما كانا سبيل السلف وما ضل من اتبع وما نجا من ابتدع . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول عن ابن عطاء : من لم يعز على عباده فليس بحكيم حال المعاصي لا له وانتقم منك لك لا له ، وهل انتقامه وغضبه إلا لتوفر حظه عليك .
____________________
(2/234)
سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول عن ابن عطاء في قوله : ! ( فلما آسفونا انتقمنا منهم ) ! قالوا : لما عصوا رسلنا انتقمنا منهم إذ كان عصيان الرسل عصياننا وأسفهم أسفنا . قوله عز وعلا : ! ( إن هو إلا عبد أنعمنا عليه ) { < الزخرف : ( 59 ) إن هو إلا . . . . . > > [ الآية : 59 ] . قال يحيى بن معاذ : أنعمنا عليه بأن جعلنا ظاهرة إماما للمريدين وباطنه نور قلوب العارفين . قال ابن عطاء : أنعمنا عليه بصحة الإخبار عنا وموافقتنا في كل الأحوال . قال بعضهم : أنعمنا عليه بالتوفيق . قال أبو الحسن الوراق : أنعمنا عليه بسياسة النفس ومنعها عن الشهوات . قوله عز وعلا : ! ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) { < الزخرف : ( 67 ) الأخلاء يومئذ بعضهم . . . . . > > [ الآية : 67 ] . قال ابن عطاء : كل اخوة وصلة منقطعة إلا ما كان في الله ولله فإنه كل وقت في زيادة لأن الله عز وجل يقول : ! ( الأخلاء يومئذ ) ! الآية ، أي في انف يطاع وبغضة إلا المتقين وانهم في راحة اخوتهم يرون فضل ذلك وثوابها . وقيل في قوله : ! ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) ! إلا من اجتنب اخلاء السوء ووالى من والى في الله وخالل من خالل في الله . قوله عز وجل : ( يا عبادي لا خوف عليك اليوم ولا انتم تحزنون ) < < الزخرف : ( 68 ) يا عباد لا . . . . . > > [ الآية : 68 ] . قال ابن عطاء : لا خوف عليكم اليوم في الدنيا خوف مفارقة الإيمان ولا انتم تحزنون في الآخرة لوحشة البعد والمفارقة . قال جعفر الصادق : لا خوف على من اطاعني في الأوامر والفرائض واتباع الرسول فيما أمر : وأيضا : لا خوف في الآخرة على من خافني في الدنيا ولا خوف على من احبني وأزال عن قلبه محبة الاغيار ولا خوف على من صار وديعتي عنده وهو الإيمان والمعرفة ولا خوف على من احسن ظنه بي فإني أعطيه مأمولة والخوف يكون على الجوارح والحزن على القلب من مخافة القطيعة . قوله تعالى : ! ( الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون ) { < الزخرف : ( 69 - 70 ) الذين آمنوا بآياتنا . . . . . > > [ الآية : 69 ، 70 ] . قال سهل : بلذة النظر جزاء لما من عليهم من التوحيد عند تجلي المكاشفة لأوليائه
____________________
(2/235)
وهو الباقي مع البقاء ألا ترى كيف خصهم بالإيمان على شرط التسليم . قوله تعالى : ( وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين ) < < الزخرف : ( 71 ) يطاف عليهم بصحاف . . . . . > > [ الآية : 71 ] . قال جعفر : شتان بين ما تشتهي وبين ما تلذ الأعين لأن جميع ما في الجنة من النعيم والشهوات واللذات في جنب ما تلذ الأعين كأصبع غمست في البحر لأن شهوات الجنة لها حد ونهاية لأنها مخلوقة ولا تلذ الأعين في الدار الباقية إلا بالنظر إلى الباقي تعالى ولا حد لذلك ولا صفة ولا نهاية . قال الواسطي رحمة الله عليه : هذا الذي ذكر ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين ثوابا لأوليائه لم يقدر أحد أن يصفه كيف يقدر أحد على وصف المثبت . سمعت النصرآباذي يقول : وانتم فيها خالدون على شهوة النفوس أو لذة الأعين أن كان خلودكم لهذين فالفناء خير من ذلك الخلود إن كان خلودكم لثناء اوصافكم واتصافكم لصفة الحق ومقامكم فيها على سرور الرضا وانس المشاهدة فأنتم إذن انتم . وقال سهل : فيها ما تشتهي الأنفس من ثواب الأعمال وتلذ الأعين بما فضل الله به من التمكين في وقت اللقاء . قوله تعالى : ! ( وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ) { < الزخرف : ( 72 ) وتلك الجنة التي . . . . . > > [ الآية : 72 ] . قال ابن عطاء : الجنة ميراث الأعمال لأنها مخلوقة فوارث المثل مثله والكتاب ميراث اصفيائه فإنهما صفتان من صفات الحق قال الله تعالى : ! ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) ! . قال تعالى : ! ( أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم ) { < الزخرف : ( 80 ) أم يحسبون أنا . . . . . > > [ الآية : 80 ] . قال يحيى بن معاذ : من ستر للناس ذنوبه وابداها للذي لا يخفى عليه شيء في السموات والأرض فقد جعل ربه اهون الناظرين إليه وهو من علامات النفاق ، قال الله تعالى : ! ( أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ) ! ما يسرون من الذنوب ! ( ونجواهم ) ! ما يخفون من المعاصي بلى والكرام الكاتبون شاهد على ظواهرهم وأنا شاهد على بواطنهم ، قال الله تعالى : ! ( ورسلنا لديهم يكتبون ) ! [ الآية : 80 ] . قوله عز وعلا : ^(فاصفح عنهم وقل سلام)^ < < الزخرف : ( 89 ) فاصفح عنهم وقل . . . . . > > [الآية : 89] قال ابن عطاء : اعذرهم في جهلهم بحقك واتركهم لحرماتك وسلم عليهم ليسلموا من توابع البلاء عليهم .
____________________
(2/236)
<
> ذكر ما قيل في سورة الدخان <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) { < الدخان : ( 3 ) إنا أنزلناه في . . . . . > > [ الآية : 3 ] . قال ابن عطاء : لمجاورة الملائكة ومقاربتهم . قال سهل : انزل الله في القرآن في هذه الليلة من اللوح المحفوظ على روح محمد صلى الله عليه وسلم وهو الروح المبارك فسمى الله الليلة مباركة لاتصال البركات بعضها ببعض . وقال بعضهم : اعظم الليالي عليك بركة ليلة اطعت فيها ربك واقلها عليك بركة ليلة غفلت فيها عن ربك وذكره ومناجاته . قوله عز وعلا : ! ( فيها يفرق كل أمر حكيم ) { < الدخان : ( 4 ) فيها يفرق كل . . . . . > > [ الآية : 4 ] . قال ابن طاهر : يعطى كل عامل من بركات أعماله فيلقى على لسان الخلق مدحه وفي القلوب هيبته . قوله عز وعلا : ! ( يوم تأتي السماء بدخان مبين ) { < الدخان : ( 10 ) فارتقب يوم تأتي . . . . . > > . قال : الدخان في الدنيا قسوة القلب والغفلة عن الذكر . قوله تعالى : ! ( لا إله إلا هو يحيي ويميت ) { < الدخان : ( 8 ) لا إله إلا . . . . . > > [ الآية : 8 ] . قال سهل : الإله على الحقيقة من يقدر على الايجاد من العدم وعلى العدم من الايجاد . قوله تعالى : ( فإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون ) < < الدخان : ( 21 ) وإن لم تؤمنوا . . . . . > > [ الآية : 21 ] . سمعت الحسين بن يحيى الشافعي يقول : سمعت النقاش يقول : بلغني أن بعض أصحاب الجنيد قال : يا فلان إن لم تؤمنوا بي فاعتزلون . قوله عز وعلا : ! ( فما بكت عليهم السماء والأرض ) { < الدخان : ( 29 ) فما بكت عليهم . . . . . > > [ الآية : 29 ] . قال أبو عمرو البيكندي : كيف تبكي السماء على من لم يصعد إليها منه طاعة وكيف تبكي الأرض على من يعصى الله عليها معناه ما بكت عليهم مصاعد عملهم من السماء ولا مواضع عبادتهم من الأرض . وقال بعضهم : ما بكت عليهم الإيمان والإسلام بخلوهم منهما .
____________________
(2/237)
قوله تعالى : ( ولقد اخترناهم على علم من العالمين ) . < < الدخان : ( 32 ) ولقد اخترناهم على . . . . . > > بجناياتهم وما يقترفون من أنواع المخالفات فلم يؤثر ذلك في سابق علمنا فيهم ليعلم أن الجنايات لا تؤثر في الرعايات . وقال الخراز : علمنا ما اودعنا فيهم من الخصائص برنا فاخترناهم بعلمنا على العالمين . قوله عز وعلا : ! ( إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين ) { < الدخان : ( 40 ) إن يوم الفصل . . . . . > > [ الآية : 40 ] . قال بعضهم : يوم الفصل يوم يفصل بين كل عامل وعمله ويطلب بإخلاص ذلك وتصحيحه فمن صحح له مقامه وأعماله قبل منه وجوزى عليه ومن لم يصحح له أعماله كان عمله عليه حسرة ووبالا . قوله تعالى : ! ( إلا من رحم الله ) { < الدخان : ( 42 ) إلا من رحم . . . . . > > [ الآية : 42 ] . قال : من رحم الله عليه في السبق فأدركته في العاقبة بركة تلك الرحمة حيث جعل المؤمنين بعضهم شفعاء في بعض . قوله تعالى : ! ( إن المتقين في مقام أمين ) { < الدخان : ( 51 ) إن المتقين في . . . . . > > [ الآية : 51 ] . قال الحسين : الإيمان ما أوجب الأمان والتقوى توجب الامان في الإيمان لأن الله في مقام أمين والتقوى أن تتقى الكل لتصل بذلك إلى من له الكل . قوله تعالى : ! ( لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ) { < الدخان : ( 56 ) لا يذوقون فيها . . . . . > > [ الآية : 56 ] . سمعت الحسين بن يحيى يقول : سمعت جعفر يقول : قلت للجنيد رحمة الله عليه : أهل الجنة باقين ببقاء الحق ؟ فقال : لا ولكنهم مبقون ببقاء الحق والباقي على الحقيقة لم يزل ولا يزال باقيا . قوله تعالى : ! ( فضلا من ربك ) { < الدخان : ( 57 ) فضلا من ربك . . . . . > > [ الآية : 57 ] . قال الواسطي رحمة الله عليه : هو الفضل لا استحقاقا بعمل العبد وسكونه وحركته . قال القاسم : اصل الإيمان رؤية الفضل في جميع الأحوال سمعت عبد الله المعلم يقول : لما احتضر أبو حفص قيل له أوصنا . قال : من رأى فضل الله في كل نفس ورأى تقصيره في شكر ربه وتقصيره في خدمته أرجو أن لا يهلك . قوله عز وعلا : ! ( فإنما يسرناه بلسانك ) { < الدخان : ( 58 ) فإنما يسرناه بلسانك . . . . . > > [ الآية : 58 ] . قال ابن عطاء : يسره ذكره على لسان من شاء من عباده فلا يفتر عن ذكره بحال وأغلق باب الذكر على من يشاء من عباده فلا يستطيع ذكره بحال .
____________________
(2/238)
<
> ذكر ما قيل في سورة الشريعة ' الجاثية ' <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين ) { < الجاثية : ( 3 ) إن في السماوات . . . . . > > [ الآية : 3 ] . قال سهل : علامات لمن أيقن بقلبه واستدل بكونها على مكون هذه الآيات الطاهرة . وقال أيضا : في خلقها دليل على وحدانيته لرفعه السماء بغير عمد . قوله عز وعلا : ! ( وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون ) { < الجاثية : ( 4 ) وفي خلقكم وما . . . . . > > [ الآية : 4 ] . قال بعضهم : في شواهد القدرة وآثار الصنع دلالات وآيات على وحدانيته فمن استشهد بها على وحدانيته فهو الموحد ومن كان نظره إلى القادر الصانع المبدى لها ثم رجع إلى الصنع والقدرة فهو العارف . قوله تعالى : ! ( وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا ) { < الجاثية : ( 9 ) وإذا علم من . . . . . > > [ الآية : 9 ] . قال ابن عطاء : من لم يجتهد في طاعة الله ولم يصرف همته إلى الدخول فيها بشرط الأمر والخروج منها بشرط الأدب نزع الله حب الطاعة من قلبه ورده إلى حوله وقوته قال الله : ! ( وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا ) ! علمها علم استدلال لا علم حقيقة . قوله تعالى : ! ( وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه ) { < الجاثية : ( 13 ) وسخر لكم ما . . . . . > > [ الآية : 13 ] . قال أبو يعقوب النهرجوري : سخر لك الكون وما فيها لئلا يسخرك منها شيء وتكون مسخرا لمن سخر لك الكل فمن ملكه شيء منها واسرته زينة الدنيا ونجحتها فقد جحد نعم الله عنده وجهل فضله وآلاؤه عنده إذ خلقه حرا من الكل عبدا لنفسه واستعبد به الكل ولم يشتغل بعبودية الحق بحال . قوله تعالى : ! ( من عمل صالحا فلنفسه ) { < الجاثية : ( 15 ) من عمل صالحا . . . . . > > [ الآية : 15 ] . قال الواسطي : الحق لا يصل إليه شيء من أفعال عباده فإن من احسن فلنفسه ومن شكر فلنفسه ومن ذكر فلنفسه إلا انه بفضله يحسن القبائح فيقبلها ولو قبل من الأعمال ما كان له خالصا أو أريد هو به للقيه الخلق اجمع على حد الإفلاس حتى الأنبياء والرسل ومن لاحظ شيئا من أفعاله فقد اظهر خسته .
____________________
(2/239)
قوله تعالى : ! ( وآتيناهم بينات من الأمر ) { < الجاثية : ( 17 ) وآتيناهم بينات من . . . . . > > [ الآية : 17 ] . قال سهل : فتحنا اسماعهم لفهم خطابنا وجعلنا افئدتهم وعاء لكلامنا وأعطيناهم فراسة صادقة يحكمون بها في عبادنا حكم يقين وإخبار صدق فهذه البينات من الأمر . قوله تعالى : ! ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر ) { < الجاثية : ( 18 ) ثم جعلناك على . . . . . > > [ الآية : 18 ] . قال سهل : على منهاج سنن من كان قبلك من الأنبياء والأولياء فإنهم على منهاج الهدى والشريعة هو الشارع الممتد الواضح إلى طريق النجاة وسبيل الرشد . قوله تعالى : ! ( إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا ) { < الجاثية : ( 19 ) إنهم لن يغنوا . . . . . > > [ الآية : 19 ] . قال سهل : من استغنى بغير الله فبغنائه افتقر ومن تعزز بغيره فبعزه ذل الا تراه يقول : ! ( إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا ) ! . قوله عز وعلا : ! ( وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض ) ! [ الآية : 19 ] . قال أبو عثمان : المنافق عون المنافق ونصيره والمؤمن مرآة المؤمن وناصحه يدله على عيوبه وينصحه في دينه . قوله تعالى : ! ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات ) { < الجاثية : ( 21 ) أم حسب الذين . . . . . > > [ الآية : 21 ] . قال سهل : ليس من اقعد على بساط الموافقة كمن اقيم في المخالفة فإن بساط الموافقة يجر صاحبه إلى مقاعد الصدق ومقام المخالفة يهوى بصاحبه في لظى . قال القناد في قوله : ! ( اجترحوا السيئات ) ! اتبعوا شهوات نفوسهم أم كالذين لزموا حدود الأمر واتبعوا السنن وطرق الأئمة . قوله تعالى : ! ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) { < الجاثية : ( 23 ) أفرأيت من اتخذ . . . . . > > [ الآية : 23 ] . قال سهل : من اتبع مراده ولم يسلك مسالك الاقتداء وآثر الشهوات على نعيم الآخرة طمع أن له في الآخرة ما للمؤمنين من الدرجات الرفيعة والمنازل السنية . قال سهل : ! ( وأضله الله على علم ) ! قال : ضل عليه علم نجاته وقال أيضا في قوله : ! ( من اتخذ إلهه هواه ) ! قال : مغمور في لذات الدنيا لنفسه من غير ورع ولا تقوى وهو الذي يطبع على قلبه . قوله تعالى : ! ( قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة ) { < الجاثية : ( 26 ) قل الله يحييكم . . . . . > > [ الآية : 26 ] . أولكم وآخركم لا ريب فيه .
____________________
(2/240)
قوله تعالى : ! ( وترى كل أمة جاثية ) { < الجاثية : ( 28 ) وترى كل أمة . . . . . > > [ الآية : 28 ] . قال سهل : على ركبها تجادل عن نفسها عند المواقفة الصادقة يجتهد في تحقيق صدقه والجاحد يجتهد في الدفع عن نفسه وكل محكوم عليه في الكتاب الذي أملاه مداده ريقه وقلمه لسانه وقرطاسه جوارحه . قوله تعالى : ! ( هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ) { < الجاثية : ( 29 ) هذا كتابنا ينطق . . . . . > > [ الآية : 29 ] . قال ابن عطاء : حكم الأزل ينطق عليهم بتصحيح ما في كتبهم وتحقيقها . قوله تعالى : ! ( وله الكبرياء في السماوات والأرض ) { < الجاثية : ( 37 ) وله الكبرياء في . . . . . > > [ الآية : 37 ] . قال سهل : العلو والقدرة والعظمة والحول والقوة له في جميع الملك فمن اعتصم به أيده بحوله وقوته ومن اعتمد نفسه وكله الله إليها . * * *
____________________
(2/241)
<
> ذكر ما قيل في سورة الاحقاف <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ) { < الأحقاف : ( 3 ) ما خلقنا السماوات . . . . . > > [ الآية : 3 ] . قال ابن عطاء : خلق الله السموات والأرض واظهر فيها بدائع صنعه وبوادي قدرته فمن نظر إليها ورأى فيها آثار الصنع فهو لتيقظه ومن نظر وشاهد الصانع فهو لتحققه . قوله عز وعلا : ! ( وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء ) { < الأحقاف : ( 6 ) وإذا حشر الناس . . . . . > > [ الآية : 6 ] . قال سهل : هي نفوسهم التي قارنهم إلى متابعتها في الجري على أحكام هواها . قوله عز وعلا : ! ( قل ما كنت بدعا من الرسل ) { < الأحقاف : ( 9 ) قل ما كنت . . . . . > > [ الآية : 9 ] . قال سهل : ما كنت عجبا في المرسلين . قال بعضهم : في هذه الآية : لم ادعكم إلا إلى التوحيد ولم ادلكم إلا على مكارم الأخلاق وبهذا بعث الأنبياء قبلى . قال جعفر في هذه الآية : لم يكن في نبوتي شيء وإنما هو شيء اعطيته لا بي بل بفضل من عند الله حيث اهلني لرسالته ووصفني في كتب الأنبياء السالفة صلوات الله عليهم اجمعين . قوله عز وعلا : ! ( وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ) ! [ الآية : 9 ] . قال الواسطي رحمة الله عليه : إن الله تعالى ستر أمر الروح على جميع خلقه وستر مائية ذاته وستر ما يعامل الخلق عند معاينته فقال : ! ( ما أدري ما يفعل بي ولا بكم ) ! . قوله تعالى : ! ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) { < الأحقاف : ( 13 ) إن الذين قالوا . . . . . > > [ الآية : 13 ] . استقاموا على ما سبق منهم من الإقرار بالتوحيد فلم يرو سواه منعما ولا شكروا سواه في حال ولا رجعوا إلى غيره وثبتوا معه على منهاج الاستقامة . قال ابن عطاء : الذين قالوا ربنا الله : في صفاء التوحيد ، ثم استقاموا : اجتهدوا في القيام بواجبه . قال جعفر : استقاموا مع الله بحركات قلوبهم على مشاهدات التوحيد .
____________________
(2/242)
قال أبو عثمان : استقاموا على مقالتهم بالفعل والعزم والنية . قوله عز وعلا : ! ( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ) { < الأحقاف : ( 15 ) ووصينا الإنسان بوالديه . . . . . > > [ الآية : 15 ] . قال بعضهم : أوصى الله العوام ببر الوالدين لما لهما عليه من نعمة التربية والحفظ فمن حفظ وصية الله تعالى في الأبوين وفقه ببركة ذلك الحفظ بركات الله تعالى ، وكذلك رعايات الأوامر والمحافظة عليها توصل بركاتها بصاحبها إلى محل الرضا والأمن . قوله تعالى : ! ( حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة ) ! [ الآية : 15 ] . قال ابن عطاء : خاطب الله الأنبياء ونعتهم عند كمال الأوصاف وتمام العقول وهو الوقت الذي أخبر الله عز وجل عن تمام خلقه عباده حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة . قوله تعالى : ! ( رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي ) ! [ الآية : 15 ] . قال سهل : الهمني التوبة والعمل بالطاعة . وقال بعضهم : تمام الشكر والمعرفة بالعجز عن الشكر لأن توفيق الشكر يوجب الشكر إلى ما لا نهاية لذلك قال محمود الوراق : ( إذا كان شكري نعمة الله نعمة ** علي له في مثلها يجب الشكر ) ( فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله ** وإن طالت الأيام واتصل العمر ) ( وما منهما إلا له فيه منة ** تضيق بها الأوهام والبر والبحر ) ( فإن مس بالسراء عم سرورها ** وإن مس بالضراء أعقبه الأجر ) قوله تعالى : ! ( وأن أعمل صالحا ترضاه ) ! [ الآية : 15 ] . قال سهل : العمل المرضى ما كان أوائله على الإخلاص مقيدا باتباع السنن . قال ابن عطاء : العمل الصالح المرضى ما يصلح للعرض على الحق . قوله تعالى : ! ( وأصلح لي في ذريتي ) ! [ الآية : 15 ] . قال سهل : اجعلهم خلف صدق لي ولك عبيد حق . قال ابن عطاء : وفقهم لصالح أعمال ترضى بهم عنهم . قال محمد بن علي : لا تجعل للشيطان والنفس والهوى عليهم سبيلا .
____________________
(2/243)
وقال أبو عثمان : اجعلهم ابرارا أي مطيعين لك . قوله تعالى : ! ( أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ) { < الأحقاف : ( 20 ) ويوم يعرض الذين . . . . . > > [ الآية : 20 ] . قال سهل : هو اتباع الشهوات وقضاء الأوطار ومتابعة النفس على ما تشتهيه من ركب هذه المراكب فقد ركب مركب الإعراض عن الله . قال الواسطي رحمة الله عليه : من اسره شيء من الأكوان الفانية دق أو جل أو لاحظها بعينه أو بقلبه فقد دخل تحت خطاب قوله : ! ( أذهبتم طيباتكم ) ! الآية . قال أبو عثمان : الناظر إلى الدنيا بعين الرضا والشهوة هو الآخذ بحظه منها والناقص حظه من الآخرة بقدرها . قوله عز وعلا : ! ( وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ) { < الأحقاف : ( 26 ) ولقد مكناهم فيما . . . . . > > [ الآية : 26 ] . قال الحسين : خلق الله القلوب والأبصار وجعل عليها أغطية وستورا وأكنة وأقفالا فيهتك الستور بالنور ويرفع الحجب بالذكر ويفتح الأقفال بالقرب ويخرج من الاكنة بمشاهدة الآيات . قال تعالى : ! ( فلما حضروه قالوا أنصتوا ) { < الأحقاف : ( 29 ) وإذ صرفنا إليك . . . . . > > [ الآية : 29 ] . سمعت الشيخ أبا سهل رضى الله عنه يقول : ليس في الحضرة إلا الذبول والخمود والسكوت تحت موارد الهيبة قال الله تعالى : ! ( فلما حضروه قالوا أنصتوا ) ! . سمعت النصرآباذي يقول : هيبة المشاهدة إذا طالعت السرائر بحق يقينا لخرست الألسن من النطق في ذلك المشهد كالجن لما حضرت النبي صلى الله عليه وسلم فاراد أن يقرأ عليهم أوصى بعضهم بعضا بالإنصات ! ( فلما حضروه قالوا أنصتوا ) ! . قال الواسطي رحمة الله عليه : لما شاهدوا عز الربوبية ظاهرا في أوصاف الربوبية اخرسهم المشهد لشدة الهيبة . قال الحسين : أعلى ما أشار إليه الخلق العرش ثم انقطعت الإشارة والعبارة لأنه وراء الإشارة والعبارة قال الله تعالى : ! ( فلما حضروه قالوا أنصتوا ) ! أي انقطعوا عن العبارات التي يعود إليكم أولها وآخرها ، وحارسة نظر إلى العرش فأخبر ولو نظر إلى رب العرش لخرس لقوله : ! ( أنصتوا ) ! لأنه مباين لكل ما خلق لا يسعه غيره ولا يحجبه سواه .
____________________
(2/244)
قوله تعالى : ! ( يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ) { < الأحقاف : ( 30 ) قالوا يا قومنا . . . . . > > [ الآية : 30 ] . قال جعفر : يدل على طريق الحق بالخروح من المعلومات والمرسومات والتحقق بالحق وهو الصراط المستقيم . قال ابن عطاء يهدي الحق في الباطن وإلى طريق مستقيم في الظاهر . قال ابن الفرحي : يهدي إلى الحق ببركاته وإلى طريق مستقيم بما فيه باتباع العلم . قوله تعالى : ! ( يا قومنا أجيبوا داعي الله ) { < الأحقاف : ( 31 ) يا قومنا أجيبوا . . . . . > > [ الآية : 31 ] . قال سهل : لا يجيب الداعي إلا من اسمع النداء ووفق للجواب ولقن وإلا فمن يحصل على جواب هذه الدعوة وقال في قلب كل مؤمن داع يدعوه إلى رشده والسعيد من سمع دعاء الداعي فاتبعه . ( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) < < الأحقاف : ( 35 ) فاصبر كما صبر . . . . . > > [ الآية : 35 ] . قال سهل : اصبر صبر أهل المعرفة كما صبر من كان قبلك من الرسل ابتلى إبراهيم بالنار وذبح الولد فرضى واسلم ، وأيوب بالبلاء فصبر ، وإسماعيل بالذبح فرضى ، ونوح بالتعذيب فصبر ، ويونس ببطن الحوت فدعا والتجأ ، ويوسف بالسجن والجب فلم يتغير ، ويعقوب بذهاب البصر وفقد الولد فصبر وشكا بثه إلى الله ولم يشك إلى غيره وهم أثنى عشر نبيا صبروا على ما أصابهم وهم أولو العزم من الرسل . قال الواسطي في قوله : ( أولو العزم ) أولو الجد منهم ، ذلك بأن المقادير تجري على خلاف المشيئة والتدابير وأن الدنيا أسست على المحن وليس للمحن دواء إلا الصبر . قوله تعالى : ! ( كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ) ! [ الآية : 35 ] . قال الواسطي : لما جعل الأذى كساعة من نهار ، فأين يقع ما في ساعة من نهار من طاعة ومعصية من كرمه . * * *
____________________
(2/245)
<
> ذكر ما قيل في سورة محمد صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم ) { < محمد : ( 1 ) الذين كفروا وصدوا . . . . . > > [ الآية : 1 ] . قال سهل : كفروا بتوحيده وصدوا عن سبيل الإسلام بطل أعمالهم . قال بعضهم : من جحد نعم الله عليه عنده وسلك مسلك المدعيين في إطلاق القول بلا حقيقة ضل به عن سنن المتحققين . قوله تعالى : ! ( ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل ) { < محمد : ( 3 ) ذلك بأن الذين . . . . . > > [ الآية : 3 ] . قال ابن عطاء : اتباع الباطل انكباب الشهوات واماني النفوس واتباع الحق اتباع الأوامر لا يوفق لسلوك طريق الحق من لم يحكم مبادئ أحواله مع الحق ومن اهمل مبادئ الأحوال كيف يرجى له التناهي فيها . قوله تعالى : ! ( أم على قلوب أقفالها ) { < محمد : ( 24 ) أفلا يتدبرون القرآن . . . . . > > [ الآية : 24 ] . قال سهل : إن الله خلق القلوب واقفل عليها بأقفال وجعل مفاتيحها الإيمان فلم يفتح بتلك المفاتيح على التحقيق إلا قلوب الأنبياء والمرسلين والصديقين وسائر الناس يخرجون من الدنيا ولم تفتح اقفال قلوبهم خرجوا منها وقلوبهم مقفلة : الزهاد والعباد والعلماء لأنهم طلبوا مفاتيحها في العقل فضلوا الطريق ولو طلبوه من جهة التوفيق والفضل لأدركوا ذلك ويفتح اقفال قلوبهم ، ومفتاح القلوب أن تعلم أن الله قائم عليك رقيب على جوارحك وتعلم أن العمل لا يكمل إلا بالإخلاص مع المراقبة . قوله تعالى : ! ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) { < محمد : ( 7 ) يا أيها الذين . . . . . > > [ الآية : 7 ] . قال ابن عطاء : هو أن تكون عونا لله على النفس فإن الله ينصرك عليها حتى تنقاد لك ومن لا يكون عونا على النفس فيصرع صرعة لا يقوم أبدا بعدها . قال محمد بن حامد : زلل الاقدام من ثلاثة أشياء : بترك الشكر لمواهب الله والخوف من غير الله والأمل في غيره وثبات الاقدام من ثلاثة أشياء : مداومة رؤية الفضل والشكر على النعم ورؤية التقصير في جميع الأحوال والخوف منه والسكون إلى ضمان
____________________
(2/246)
الله فيما ضمن من غير اتباع ولا اختلاج . وقال الترمذي : إن اكرمتم اوليائي اكرمتكم . قال بعضهم : نصرة من ترجو إن لم تقنع بنصرته . قوله تعالى : ! ( ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم ) { < محمد : ( 11 ) ذلك بأن الله . . . . . > > [ الآية : 11 ] . قال أبو عثمان : معين من أقبل عليه وناصر من استنصره . قوله تعالى : ! ( وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك ) { < محمد : ( 13 ) وكأين من قرية . . . . . > > [ الآية : 13 ] . قال بعضهم : لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم خوفا منهم كما خرج موسى حين خرج ألا ترى الله يقول : اخرجتك ولم يقل خرجت ولا جزعت لأنه بالله ولله في جميع اوقاته فلم يجز عليه التفات إلى الغير بحال ولم يجز عليه خطاب ذم . قوله عز وعلا : ! ( أفمن كان على بينة من ربه ) { < محمد : ( 14 ) أفمن كان على . . . . . > > [ الآية : 14 ] . لزم الاقتداء بالسنن سمعت أبا عثمان المغربي رحمة الله عليه يقول : البينة هي النور التي يفرق به المرء بين الالهام والوسوسة ولا تكون البينة إلا لأهل الحقائق في الإيمان والبينة نور والمترجم عنها البرهان . قوله تعالى : ! ( والذين اهتدوا زادهم هدى ) { < محمد : ( 17 ) والذين اهتدوا زادهم . . . . . > > [ الآية : 17 ] . قال ابن عطاء : الذين تحققوا في طلب الهداية أوصلناهم إلى مقام الهداية وزدناهم هدى بالوصول إلى الهادي . قوله تعالى : ! ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) { < محمد : ( 19 ) فاعلم أنه لا . . . . . > > [ الآية : 19 ] . قال الجنيد رحمة الله عليه : أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعو الخلق من الاصنام والأوثان فدعاهم فمن بين مجيب ومنكر ودعاه إليه من نفسه ومن الخلق ومن الأكوان فقال : فاعلم انه أي أن الذي اصطفاك على البشر لا إله إلا هو الذي يستحق الالوهية دون غيره . وقال الواسطي رحمة الله عليه : من قال : لا إله إلا الله على العادة فهو احمق ، ومن قالها تعجبا فهو مصروف عن الخلق ، ومن قالها على الإخلاص فهو مصروف عن الشرك ، ومن قالها على الحقيقة فقد تبتل عن الشواهد .
____________________
(2/247)
قال القاسم : العلماء أربعة عالم متروك ، وعالم متمكن ، وعالم موصول ، وعالم مجذوب ، فالعالم المتروك هو العامة ، وعالم موصول وهم الذين يطلبون الله وعالم مجذوب وهو الذي جذب سرائرهم إلى سره ، وعالم متمكن هو محمد صلى الله عليه وسلم وجد القرآن في محل المشاهدة والخطاب لذلك خوطب بقوله : ! ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ! . قال السلامي في قوله : ! ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ! أي ازدد علما وإيمانا فكلما كثرت النعم عليه أفادته علما بالمنعم فيترقى في العلوم والمعارف على حسب كثرة النعم وتعدادها وإنما يزيد عن غير نقص لأن العلوم لا تتناهي . قال حارث المحاسبي : أول علم التوحيد قوله : ! ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ! والثاني أن لا يضيف إليه إلا ما اضاف إلى نفسه والثالث علم أمره ونهيه ووعده ووعيده والرابع علم ما عرف من علم التوحيد فلم يخالف علمه معرفته . وقال الحارث في قوله : ! ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ! لتعلم انه ليس إليك من ضرك ونفعك شيء . وقال ابن عطاء : عالم قول لا إله إلا الله يحتاج إلى أربعة أشياء تصديق وتعظيم وحلاوة وحرمة فمن لم يكن له تصديق فهو منافق ومن لم يكن له تعظيم فهو مبتدع ومن لم يكن له حلاوة فهو مراء ومن لم يكن له حرمة فهو فاسق ولم يكمل هذه الخصال إلا للنبي صلى الله عليه وسلم قيل له : ! ( فاعلم ) ! لعظيم محله ودعاء الآخرين إلى قوله دون علمه . وقال جعفر في قوله : ! ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ! قال : ازل العلل عن الربوبية ونزه الحق عن الدرك . قال الجنيد رحمة الله عليه : العلم ارفع من المعرفة واتم واشمل واكمل لذلك تسمى الله بالعلم ولم يتسم بالمعرفة وقال : ! ( والذين أوتوا العلم درجات ) ! ثم لما خاطب النبي صلى الله عليه وسلم خاطبه بأتم الأوصاف واكملها واشملها للخيرات فقال : ! ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ! ولم يقل فاعرف لأن الإنسان قد يعرف الشيء ولا يحيط به علما وإذا علمه وأحاط به علما فقد عرفه . قال ابن عطاء : إن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعو الخلق إليه ثم قال له : ! ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ! وأعلم انك الداعي للخلق إلى وأنا أدعوك منك إلى لئلا تلاحظ شيئا من
____________________
(2/248)
أقوالك وأفعالك . قال الواسطي رحمة الله عليه : هما دعوتان دعا إبراهيم عليه السلام إلى قوله : اسلم ودعا محمد صلى الله عليه وسلم إلى قوله : فاعلم ، دعا أحدهما إلى العلم ، والآخر إلى الإسلام ، وأعلاهما العلم وهو مرتبة الأجلة والإسلام هو الانقياد إظهار العبودية والعلم إظهار الربوبية لاجرم ابتلى حين قال : اسلمت بالنار وذبح الولد وغيرهما . قال بعضهم : العلم حجة والمعرفة علة والغلبة غير محكوم بها . وقال الحسين : العلم الذي دعا إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم هو علم الحروف وعلم الحروف في لام ألف وعلم لام ألف في الألف وعلم الألف في النقطة وعلم النقطة في المعرفة الأصلية وعلم المعرفة الأصلية في علم الأول في المشيئة وعلم المشيئة في غيب الهو وهو الذي دعا الله إليه فقال : فاعلم انه والهاء راجعة إلى غيب الهوية . قال القاسم : في قوله ! ( فاعلم ) ! قال : بيانه فيما اردف من الاستغفار فقال : فاعلم انه والهاء راجعة إلى غيب الهوية . قال القاسم في قوله : ! ( فاعلم أنه ) ! قال بيانه فيما اردف من الاستغفار فقال : ! ( واستغفر لذنبك ) ! هل رأيت أدني أن يأتي شيء أو يوجد أو يفقد أو يفنى أو يبقى أو يضر أو ينفع كأنه يقول : فاعلم انه لا إله يوجد المكونات ويفقدها إلا الله . وقال : أضاف المعرفة إلى الخلق فقال : ! ( ولتعرفنهم في لحن القول ) ! وقال : ! ( يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ) ! واختص هو بالعلم وعلم السرائر وتسمى بالعلم ولم يتسم بالمعرفة وقال بأخص أنبيائه وأصفيائه فاعلم لقربه من مصدر الحقيقة وموردها واشرافه على الغيب والمغيبات ودعاه إلى العلم ووصفه به ووصف العوام بالمعرفة لأن العلم أتم وابلغ . وقال بعضهم : ما علمه خيرا فاعلمه يقينا . وقال بعضهم : ! ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ! من حيث الله يعتبك عن علمك انه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك من علمك بأن كل حقيقة لا تمحو آثار العبد ورسومه فليست بحقيقة وقيل في قوله : فاعلم أي أن الحقيقة انطقتك بهذه الكلمة ولم تظهر الكلمة بنطقك وأثابتك ولم تثبت بك . وقال بعضهم : ! ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ! قال : ادخل النبي صلى الله عليه وسلم في عين الجمع بما
____________________
(2/249)
دعاه إلى علم الهوية إذ الهوية علم الجمع وفرق الخلق في سائر الأسامي والصفات فطالع كل واحد منها قدره . قال سهل : خلق الله الخلق ثم احياهم باسم الحياة ثم اماتهم بجهلهم فمن حيا بالعلم فهو الحي وإلا فهم موتى بجهلهم لذلك دعا نبيه صلى الله عليه وسلم إلى محل الحياة بالعلم بقوله : فاعلم . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت عبد الله القاسم البزاز يقول : قال ابن عطاء في قوله : ! ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ! قال : طلب تنزيه العبد لئلا يكون له خاطر غيره في علمه بأن لا إله إلا هو علما لا قولا وهو حقيقة التوحيد حقائق تبني على الموجد لا حقائق تبنى على العبد . قال بعضهم : وهذا من المقامات الشريفة . سمعت عبد الله بن محمد الرازي يقول : سمعت أبا عثمان يقول : العلم ثلاثة علم الأحكام وعلم الإيقان وعلم العين فعلم الأحكام يورث البيان للعلماء ، وعلم الإيقان يورث الاحزان للأولياء ، وعلم الأعيان يورث القربى للأنبياء وذلك قوله : ! ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ! . قال بعضهم : العلم نور وضياء وقلوب العلماء لهم وعاء كلما ازداد العالم علما ازداد خشوعا وتواضعا فإذا تحقق في العلم فتح عليه أبواب التوحيد كما خاطب الله نبيه بقوله : ! ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ! فإذا دخل في مقام التوحيد استغرق في الأنوار فأضاءت الأنوار على شواهده واثرت على جوارحه فتكون كل جارحة منه مزينة بزينة من أنوار العلم . هذا من المقامات الشريفة . سمعت عبد الله قال : قال أبو سعيد الخراز في قوله : ! ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ! قال : دله بهذا على صفاء التوحيد ليعلمه علما بعد القول فيسكن إليه وينسى ما دونه . قال ابن عطاء : العلم أربعة علم المعرفة ، وعلم العبادة ، وعلم العبودية ، وعلم الخدمة . حمل الحق المصطفى صلى الله عليه وسلم على هذه الأحوال كلها حيث لم يطقها أحد سواه . قال ابن عطاء في قوله : ! ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ! قال : طلب التنزيه مع العبد مع علمه . سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الرازي يقول : سمعت على بن طاهر الحافظ وقد
____________________
(2/250)
سئل عن معنى قوله : ! ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ! قال : إن الله أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الخلق إليه فلما دعا الخلق إليه دعا من نفسه إليه بقوله : ! ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ! أي أنت تدعو الخلق إلى وأنا ادعوك من نفسك إلي . سمعت عبد الله الرازي يقول : سمعت أبا عثمان يقول في هذه الآية : إذا قيل للعالم أعلم يراد به اذكر لأن كل مؤمن عالم أن لا إله إلا الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيد العلماء واعلم العلماء وإنما يراد به : اذكر انه لا إله إلا هو . وازداد ذكرا أن لا إله إلا هو فإن من ذكره في نفسه وذكره في ذكر حتى يسقط كل مذكور عن قلبه إلا الله الواحد الأحد الصمد في ذلك الوقت فإن خطر بباله غيره استغفر منه ومنه قوله : ' إنه ليغان على قلبي ' . وقال أبو سعيد القرشي طلب الحق من النبي صلى الله عليه وسلم حضور القلب وان يليه علمه عما سواه . وقال الحسين : ! ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ! علما على جهل لأن العلوم في الله لا تتناهى . وقال ابن خفيف : أقام العالم في شاهد الخطاب فوحدوه موحدا ووحد نفسه بتوحيد نفسه فوحدوه بما وحد نفسه إذا كان واحدا وذلك مبلغ كشف الحق له في احديته قبل النقل له في فردانيته لخلوص إفراده لمفرد به إليه ( إليه يرجع الأمر كله فاعبده ) . قوله تعالى : ! ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) { < محمد : ( 24 ) أفلا يتدبرون القرآن . . . . . > > [ الآية : 24 ] . قال ابن عطاء : القلوب قلوب اقفلت عن التدبر وألسن منعت عن التلاوة واسماع صمت عن الاستماع ومن القلوب قلوب كشفت عنها الغطاء فلا يكون لها راحة إلا في تلاوة القرآن واستماعه والتدبر فيه فشتان ما بين الجانبين . قال ابن عطاء : المتدبر الناظر في دبر الأشياء وعواقبها وأواخرها ليغيب عن شواهد أوائلها مشاهدها ليشهد ما عدم . قال سهل : علامة التوحيد أن يجتهد في الخدمة ويفوض الأمر إليه ويقول : إن الله
____________________
(2/251)
خلق القلوب واقفل عليها بأقفال وجعل مفاتيحها الإيمان فلم يفتح إلا قلوب الأنبياء والمرسلين وسائر الناس يخرجون من الدنيا ولم تفتح أقفال قلوبهم وخرجوا من الدنيا وقلوبهم مقفلة . قوله عز وعلا : ! ( ولو نشاء لأريناكهم ) { < محمد : ( 30 ) ولو نشاء لأريناكهم . . . . . > > [ الآية : 30 ] . قال القاسم : أطلعناك على سرائرهم فلعرفتهم بسيماهم فطنة ولتعرفنهم في لحن القول ظاهرا والله يعلم اسرارهم لا يقف على ما لهم عند الله من الشقاوة والسعادة أحد . قوله عز وعلا : ! ( ولتعرفنهم في لحن القول ) ! [ الآية : 30 ] . قال القاسم : لأن الأكابر والسادة يعرفون صدق المريد من كذبه بسؤاله وكلامه لأن الله يقول : ! ( ولتعرفنهم في لحن القول ) ! . قال محمد بن حامد : تعرف من كانت قراءته لنا ومن كانت قراءته لرياء وسمعة . وقال أيضا : النصيحة من الكلام والموعظة منه ممن يريد استجلاب قلوب العوام إليه . وقال القاسم : اثبت المعرفة لنا ولم يثبت العلم واضاف علم السر إلى نفسه فقال : ! ( ولتعرفنهم في لحن القول ) { < محمد : ( 31 ) ولنبلونكم حتى نعلم . . . . . > > ولم يقل تعلمنهم . قوله تعالى : ! ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ) ! [ الآية : 31 ] . قال عمرو المكي : ايكم ازهد في الدنيا زهدا واترك لها تركا . وقال أيضا في قوله : ! ( حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ) ! إن البلوى إنما وقعت على المتعبدين لنعظم الله بذلك قدر معاملته ويعز بذلك قدر عبادته ويرفع بذلك درجة مولاته . قوله تعالى : ! ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم ) ! . < < محمد : ( 33 ) يا أيها الذين . . . . . > > [ الآية : 33 ] . أطيعوا الله في حرمة الرسول واطيعوا الرسول في تعظيم الله ولا تبطلوا أعمالكم برؤيتها وطلب النجاة بها . قال فارس : استجداء الطاعة والشرك سواء . قال أبو عثمان : لا تبطلوا أعمالكم بترك السنن . قال بعضهم : برؤيتها من أنفسكم ومطالعة الاعواض من ربكم وقيل : بالرياء والعجب .
____________________
(2/252)
وقال أبو الحسين الوراق : بالتكبر على الخلق بها . قوله تعالى : ! ( إنما الحياة الدنيا لعب ولهو ) { < محمد : ( 36 ) إنما الحياة الدنيا . . . . . > > [ الآية : 36 ] . قال بعضهم : الدنيا أربعة أحوال متمتع فيها بغفلة وآخذ من صحة في علة ومحمول من فراش إلى حفرة ومعذب في قبره للعبرة فمن يلهو فيها فلغفلة ومن يعش فيها فيلعب إلا من ينبهه الله من غفلته ويوفقه لرشده . قوله عز وعلا : ! ( والله الغني وأنتم الفقراء ) { < محمد : ( 38 ) ها أنتم هؤلاء . . . . . > > [ الآية : 38 ] . قال سهل : معرفة علم السر كله في الفقر وهو سر الله وعلم الفقر إلى الله وهو تصحيح علم الغني بالله . وسئل بعضهم : من الفقراء ؟ قال : الفقراء إلى الله فإن الفقير على الحقيقة من يفتقر إلى غني لا من يفتقر إلى دنى مثله أو فقير مثله . قال أبو الحسن بن سمعون : لكل شيء فقر فأضرها فقر النفس والقلب واشرفها فقرا الهم والعقل لأن نفسي إذا افتقرت طلبت دنيا فيأسر العدو من أول قدم وإذا افتقر قلبي طلب ملكا فحجبني وإذا افتقر عقلي طلب علما وحكما إن وجدهما شربت في الملك وحدى وإذا افتقر همي طلب وجدا وودا إن وجدت صرت حرا . قال الجنيد رحمة الله عليه في قوله : ! ( والله الغني وأنتم الفقراء ) ! . قال : لأن الفقر يليق بالعبودية والغنى يليق بالربوبية . قال بعضهم : الله الغني عن افعالكم وانتم الفقراء إلى رحمته والله الغني عنكم بقوله : ! ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ) ! [ الآية : 38 ] . قال بعضهم : الغنى القائم بنفسه والفقير القائم بفقره والحق مقيم الكل باينهم بالاستغناء عنهم كما باينوه بالافتقار إليه . قوله تعالى : ! ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ) ! [ الآية : 38 ] . قال بعضهم : لا يستقر على حقيقة بساط العبودية إلا أهل السعادة وقد يطأ البساط المتمرسون بالعبودية اوقاتا ثم لا يستقرون عليه يبدل الله مكانهم فيه من احب له السعادة ألا تراه يقول : ! ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) ! .
____________________
(2/253)
<
> ذكر ما قيل في سورة الفتح <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) { < الفتح : ( 1 ) إنا فتحنا لك . . . . . > > [ الآية : 1 ] . قال ابن عطاء : النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية بين نعم مختلفة بين الفتح المبين وهو من إعلام الإجابة ، والمغفرة وهو من اعلام المحبة ، وتمام النعمة وهو من اعلام الاختصاص ، والهداية وهو من التحقيق بالحق ، والنصر وهو من اعلام الولاية ، والمغفرة منزه من العيوب ، وتمام النعمة ابلاغ الدرجة الكاملة من الغنى به ، والهداية وهي الدعوة إلى المشاهدة ، والنصرة وهي رؤية الكل من الحق من غير أن يرجع إلى سواه . قوله عز وعلا : ! ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) { < الفتح : ( 2 ) ليغفر لك الله . . . . . > > [ الآية : 2 ] . قال ابن عطاء : لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأخر جبريل صلوات الله عليهما قال النبي لجبريل : يا جبريل تتركني في هذا الموضع وحدي فعاتبه الله حين سكن إلى جبريل فقال : ! ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك ) ! . قال ابن عطاء : كشف الله تعالى عن ذنوب الأولياء حتى نادوا على أنفسهم ونودي عليهم بالذنب والتوبة وستر ذنب محمد صلى الله عليه وسلم بقوله : ! ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك ) ! . قال ابن عطاء : ما كان من ذنب ابيك إذ كنت في صلبه حين باشر الخطيئة وما تأخر من ذنوب أمتك إذ كنت قائدهم ودليلهم والخلق كلهم موقوفون ليس لهم وصول إلى الله إلا معه . وقال : معنى استغفار النبي صلى الله عليه وسلم في الإعانة يستغفر لي حال صحوة من حال السكر بل يستغفر في حال السكر من الصحو بل يستغفر من الحالين جميعا إذ لا صحو ولا سكر في الحقيقة لا لأنه في الحضرة والقبضة لا يفارقها بحال . وقال أيضا : هو تعريف للأمة بحملهم على الاستغفار ولا حظ له فيه . قوله عز وعلا : ! ( ويتم نعمته عليك ) ! [ الآية : 2 ] . قال جعفر : من تمام نعمته على نبيه صلى الله عليه وسلم أن جعله حبيبه واقسم بحياته ونسخ به
____________________
(2/254)
شرائع الرسل وعرج به إلى المحل الأدنى وحفظ في المعراج حتى ما زاغ وما طغى وبعثه إلى الأسود والأبيض وأحل له ولامته الغنائم وجعله شفيعا مشفعا وجعله سيد ولد آدم وقرن ذكره بذكره ورضاه برضاه وجعله أحد ركني التوحيد فهذا وأمثاله من تمام النعمة عليه وعلى أمته به وبمكانه . قوله تعالى : ! ( ويهديك صراطا مستقيما ) ! [ الآية : 2 ] . قال ابن عطاء : يهدي بك الخلق إلى الطريق المستقيم وهو الطريق إلى الحق من جعله إمامه قاده إلى الحق ومن لم يقتد به في طلب الطريق إلى الحق ضل في طلبه وأخطأ طريق رشده . قوله تعالى : ! ( وينصرك الله نصرا عزيزا ) { < الفتح : ( 3 ) وينصرك الله نصرا . . . . . > > [ الآية : 3 ] . قال القاسم : هو أن ينصره على احتمال ما يلقاه من أذى قومه فيعزه بإبلاغ الرسالة ويذلهم بأن يجعلهم خولا له . قوله عز وعلا : ( وهو الذي انزل السكينة في قلوب المؤمنين ) < < الفتح : ( 4 ) هو الذي أنزل . . . . . > > [ الآية : 4 ] . قال الواسطي : البصيرة مكشوفة والسكينة مستورة الا ترى إلى قوله : ! ( هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ) ! فبالسكينة ظهرت البصيرة والسكينة هداية والبصيرة عناية وإذا اكرم العبد بالسكينة يصير المفقود عنده موجودا والموجود مفقودا . سئل بعضهم : ما أول ما كاشف الله به عباده ؟ قال : المعارف ثم الوسائل ثم السكينة ثم البصائر ، فلما كاشفه الحق بالبصائر عرف الأشياء من الجواهر كأبي بكر الصديق رضي الله عنه ما اخطأ في نطق . قوله عز وعلا : ! ( ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ) ! [ الآية : 4 ] . قال الترمذي : الطمأنينة في القلب من السكينة وزيادة الأنوار في القلب من زيادة الإيمان . قوله تعالى : ! ( ولله جنود السماوات والأرض ) ! [ الآية : 4 ] . قال سهل : جنوده مختلفة فجنوده في السماء الملائكة وجنوده في الأرض الغزاة . وقال أيضا : جنود السماوات القلوب وجنود الأرض النفوس . وقال بعضهم : ما سلط الله عليك فهو من جنوده إن سلط عليك نفسك أهلك
____________________
(2/255)
نفسك بنفسك وإن سلط عليك جوارحك أهلك جوارحك بجوارحك وإن سلط نفسك على قلبك قادتك في متابعة الهوى وطاعة الشيطان وإن سلط قلبك على نفسك وجوارحك زمها بالادب وألزمها العبادة وزينها بالإخلاص في العبودية وهذا تفسير قوله : ! ( ولله جنود السماوات والأرض ) ! . قوله تعالى : ! ( إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ) { < الفتح : ( 8 ) إنا أرسلناك شاهدا . . . . . > > [ الآية : 8 ] . قال سهل : شاهدا عليهم بالتوحيد ومبشرا لهم بالمغفرة وبالتأييد ونذيرا محذرا إياهم البدع والضلالات . قال ابن عطاء : شاهدا علينا ومبشرا بنا ونذيرا عنا وداعيا إلينا وأنت المأذون في الكل لانك أمين على الكل ولا يطلق هذه المراتب إلا للأمناء فأنت الأمين حق الأمين . قوله عز وعلا : ! ( لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا ) { < الفتح : ( 9 ) لتؤمنوا بالله ورسوله . . . . . > > [ الآية : 9 ] . قال سهل : لتؤمنوا تصديقا بما جاء به وتعزروه حقه في قلوبكم وطاعته على أبدانكم . قال أبو عثمان : لم يؤمن بالرسول من لم يعزر أوامره ولم يوقر أصحابه . قال الله تعالى : ! ( لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه ) ! . قوله تعالى : ! ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) { < الفتح : ( 10 ) إن الذين يبايعونك . . . . . > > [ الآية : 10 ] . قال الواسطي رحمة الله عليه : أخبر الله تعالى بقوله : ! ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) ! إن البشرية في نبيه عادية ، وإضافة دون الحقيقة . قال أيضا : اظهرت النعوت في محمد صلى الله عليه وسلم فقال : ! ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) ! . سمعت أبا القاسم النصرآباذي يقول : في وقت الاستنفار إلى الروم قد ظهرت صفة البيعة فهل من راغب فيها بيعة بلا واسطة ! ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) ! . قوله تعالى : ! ( يد الله فوق أيديهم ) ! [ الآية : 10 ] . قال بعضهم : حول الله وقوته فوق قوتهم وحركتهم . قوله تعالى : ! ( شغلتنا أموالنا وأهلونا ) { < الفتح : ( 11 ) سيقول لك المخلفون . . . . . > > [ الآية : 11 ] . قال بعض السلف : ما شغلك عن الله من أهل ومال وولد فهو عليك مشؤوم .
____________________
(2/256)
قال الجنيد رحمة الله عليه : من شغله عن ربه شيء من هذه الأعراض فقد أخبر عن نذالته وآثار خسته وظهرت عليه . وسئل بعضهم : بماذا يصح لنا الإقبال على الله ؟ قال : بترك الدنيا وما فيها فإنها تشغل عن ربها ألا ترى المنافقين كيف اعتذروا بقوله : ! ( شغلتنا أموالنا وأهلونا ) ! . قوله تعالى : ! ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ) { < الفتح : ( 18 ) لقد رضي الله . . . . . > > [ الآية : 18 ] . قال ابن عطاء رحمة الله عليه : رضى عنهم فارضاهم وأوصلهم إلى رضا اليقين والرضا والطمأنينة وانزل الله السكينة عليهم لتسكن قلوبهم إليه . وقال ابن عطاء : السكينة نور يقذف في القلب يبصر بها مواقع الصواب . قال بعضهم : ثبات السر عند ظهور المغيبات . قال بعضهم : السكينة استعمال الأوامر واستقبالها بالرحب والسعة . قوله تعالى : ( فلولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم ) < < الفتح : ( 25 ) هم الذين كفروا . . . . . > > [ الآية : 25 ] . قال سهل : المؤمن على الحقيقة من لا يغفل عن نفسه وقلبه يفتش أحواله ويراقب اوقاته فيرى زيادته من نقصانه فيسكن عند رؤية الزيادة ويتضرع ويدعو عند دخول النقصان هؤلاء الذين بهم يدفع الله البلاء عن أهل الأرض والمؤمن من لا يكون متهاونا بأذى التقصير فإن التهاون بالقليل يستجلب الكثير . قال أيضا : لا يجد طعم الإيمان من لم يدع ستة خصال ويتمسك بستة يدع الرياء والحرام والسحت والمكروه والشبهة والجهل ويتمسك بطلب العلم لتصحيح عمله ونصحا من قلبه وصدقا من لسانه وصلاحا مع الخلق في معاشرتهم وإخلاصا لربه في معاملته . قوله تعالى : ( إذا جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية ) < < الفتح : ( 26 ) إذ جعل الذين . . . . . > > [ الآية : 26 ] . متابعة للنفس في الانتقام من البرئ . وقال جعفر : الحمية المذمومة التخطي من الحدود إلى التشفي . قوله تعالى : وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها ) [ الآية : 26 ] . قال أبو عثمان : كلمة المتقين وهي شهادة أن لا إله إلا الله ألزمها الله السعداء من أوليائه المؤمنين وكانوا أحق بها في علم الله أن خلقهم لها وخلق الجنة لاهلها ، وأيضا
____________________
(2/257)
وكانوا أهلها إذ سماهم الله بها وأيضا وكانوا أحق بها ممن تركها كفرا بها واستغناء عنها ، وأيضا كانوا أهلها لأن الله بعثهم لها يحيوا عليها ويموتوا عليها . قال القاسم : من ألزم كلمة التقوى وهم الصالحون لأن الله خلقهم للملازمة لا يجاوزون حدود الأمر إلى ما وصف لهم من الكرامات عليها لما رأوا في أنفسهم من التقصير في التقوى ورعاية حقائقه . قال بعضهم : في هذه الآية لا يكون الرجل من أهل الله حتى يكون فيه ثلاث خصال الفرار من كل شيء إلى الله والسكون في كل شيء مع الله والرضا بكل شيء عن الله . قال الواسطي رحمة الله عليه : كلمة التقوى صيانة النفس عن المطامع ظاهرا وباطنا . قال سهل : خير الناس المسلمون وخير المسلمين المؤمنون وخير المؤمنين العلماء وخير العلماء الخائفون وخير الخائفين المخلصون وخير المخلصين المتقون الذي وصلوا إخلاصهم وتقواهم بالموت وهم أصحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى : ! ( وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها ) ! . قوله تعالى : ! ( لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله ) { < الفتح : ( 27 ) لقد صدق الله . . . . . > > [ الآية : 27 ] . سئل سهل بن عبد الله رحمة الله عليه : ما هذا الاستثناء من الله ؟ قال : تأكيدا في الافتقار إليه وتأديبا لعباده في كل حال ووقت وتنبيها أن الحق إذا استثنى مع كمال علمه أن أحدا لا يجوز له الحكم من غير استثناء مع قصور علمه . قوله عز وعلا : ! ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ) { < الفتح : ( 28 ) هو الذي أرسل . . . . . > > [ الآية : 28 ] . قال القاسم : أرسل رسوله وعظم حرمته بإضافته إلى نفسه ممن لم يعظم من عظمه الله فهو لقلة معرفته بعظمة الله أرسله مبينا للشريعة مبينا لأحكامه داعيا إليه وجعل طاعته لم ينفصل عن الرسول عن الحق في الإيجاب والنفي والبلاغ والمشاهدة ولم يتصل به من حيث الحقيقة . قول عز وعلا ! ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار ) { < الفتح : ( 29 ) محمد رسول الله . . . . . > > [ الآية : 29 ] . قال ابن عطاء : وصف محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه رسول والرسول لا يكون إلا أمينا مأمونا ظاهرا وباطنا سرا وعلنا ووصف الصحابة الذين معه بأوصاف ثمانية وهي أحوال خصت بها الخواص من أصحابه وهو حال البقاء واللقاء والحمد والوفاء والصدق والحياء والصحبة والرضاء فخص أبا بكر منها بأحوال وهي حالة اللقاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ' إن
____________________
(2/258)
الله يتجلى للخلق عامة ويتجلى لأبي بكر خاصة ' . وحال الصحبة لقوله تعالى : ! ( إذ يقول لصاحبه ) ! وحال الرضا بقوله : ! ( ولسوف يرضى ) ! وحال الوفاء لقوله : ' لو منعوني عناقا أو عقالا مما كانوا يؤدونها إلى رسول الله لجاهدتهم أو لقاتلتهم ' وحال الصدق لقوله : ! ( والذي جاء بالصدق ) ! وخص عمر بالجهد وعثمان بالحياء وعليا بالتقي رضي الله عنهم جميعا . قال القاسم في قوله : ! ( والذين معه ) ! قال : كان عمر في وقت الكفر من الذين معه في القبضة والقسمة ، ومن الذين معه في الحكم والشريعة ، سئل الحسين متى كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيا ؟ وكيف جاءت رسالته ؟ فقال نحن بعد في الرسول والرسالة ، والنبي والنبوة . أين أنت عن ذكر ما لا ذاكرا له في الحقيقة إلا هو ، وعن هوية من لا هوية له إلا بهويته ؟ وأين كان النبي عن نبوته حيث جرى القلم بقوله محمد رسول الله ، والمكان علة ، والزمان علة ، وأين أنت عن الحق والحقيقة ، ولكن إذا اظهر اسم محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة عظم محله بذكره له بالرسالة فهو الرسول المكين والسفير الأمين جرى ذكره في الأزل ، لتمكين من الملائكة والأنبياء على اعظم محل واشرف مكان . قوله تعالى : ! ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) ! [ الآية : 29 ] . قال سهل : المؤمن وجه لله بلا قفا مقبل عليه غير معرض عنه ، وذلك سيماء المؤمنين . قال عامر بن عبد قيس : كان وجه المؤمن مخبر عن مكنون علمه وكذلك وجه الكافر وذلك قوله : ! ( سيماهم في وجوههم ) ! . وقال الفضيل : سيماء المؤمنين للخشوع والتواضع ، وسيماء المنافقين الترفع والتكبر . وقال بعضهم في هذه الآية : هي على وجوههم هيبة لقرب عهدهم بمناجاة سيدهم . وقال ابن عطاء : هي عليهم خلع للأنوار لائحة . قال القاسم : هو اثر الخضوع والاستكانة تحت قضاء الله وقسمه . وقال بعضهم : هو شغل قلوبهم بما عملوا هل قبل منهم أم رد عليهم . قال عبد العزيز المكي : ليس هي النحولة والصفرة لكنه نور يظهر على وجوه العابدين يبدوا من باطنهم على ظاهرهم ذلك للمؤمنين ولو كان ذلك في زنجي أو حبشي . * * *
____________________
(2/259)
<
> ذكر ما قيل في سورة الحجرات <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله عز وجل : ! ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) { < الحجرات : ( 1 ) يا أيها الذين . . . . . > > [ الآية : 1 ] . قال سهل : لا تقولوا قبل أن يقول وإذا قال فاقبلوا منه منصتين له سامعين إليه ، واتقوا الله في إهمال حقه وتضييع حرمته إن الله سميع لما تقولون عليم بما تعملون . قال بعضهم : لا تطلبوا وراء منزلته منزلة . قوله عز وعلا : ! ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ) { < الحجرات : ( 2 ) يا أيها الذين . . . . . > > [ الآية : 2 ] . قال ابن عطاء : زجر عن الأذى لئلا يتخطى أحد إلى ما فوقه من ترك الحرمة . قال سهل : لا تخاطبوه إلا مستفهمين . وقال أبو بكر بن طاهر : لاتبدأوه بالخطاب ولا تجيبوه إلا على سبيل الحرمة . قوله تعالى : ! ( أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ) { < الحجرات : ( 3 ) إن الذين يغضون . . . . . > > [ الآية : 3 ] . قال الحسين : من امتحن الله قلبه بالتقوى كان شعاره القرآن ودثاره الايمان ، وسراجه التفكير ، وطيبه التقوى ، وطهارته التوبة ، ونظافته الحلال ، وزينته الورع ، وعلمه الآخرة ، وثقته بالله ومقامه عند الله ، وصومه إلى الممات ، وإفطاره من الجنة ، وجمعه للحسنات وكنزه اخلاقه ، وحصته المراقبة ، ونظره المشاهدة . قال القاسم : هو الخروج من البشرية ومفارقة ما هو موجب في الطبيعة وهو حقيقة التوحيد . لذلك دعا إليه نبيه إبراهيم صلى الله عليه وسلم حيث نقله من دعاء البشرية إلى غيره وهو انه لما امتحنه بذبح ولده أراد أن يزيل عن سره كل سبب فلما اطمأن إلى ذلك وسمحت نفسه به قيل له ! ( قد صدقت الرؤيا ) ! وهو امتحان القلب للتقوى . وقال بعضهم : ! ( أولئك الذين امتحن الله ) ! اخلص الله قلوبهم حتى كسبوا التقوى . قوله عز وعلا : ! ( ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم ) { < الحجرات : ( 5 ) ولو أنهم صبروا . . . . . > > [ الآية : 5 ] . قال أبو عثمان : الأدب عند الأكابر في مجالس السادات من الأولياء يبلغ بصاحبه إلى
____________________
(2/260)
الدرجات العلي ، والخير في الأولى ، والعقبى ، ألا ترى الله يقول : ! ( ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم ) ! . قوله عز وعلا : ! ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) { < الحجرات : ( 6 ) يا أيها الذين . . . . . > > [ الآية : 6 ] . قال أبو بكر بن طاهر : الفاسق الذي لا يستحي من الله مما يستحي من المخلوقين . قال سهل : الفاسق الكذاب . وقال الوراق : الفاسق المعلن بالذنب . قوله تعالى : ! ( ولكن الله حبب إليكم الإيمان ) { < الحجرات : ( 7 - 8 ) واعلموا أن فيكم . . . . . > > [ الآية : 7 ] . قال سهل : حبب إليكم العمل بأوامر الإيمان وزين في قلوبكم تلك الأوامر . قوله تعالى : ! ( فضلا من الله ونعمة ) ![ الآية : 8 ] . قال سهل : تفضل الله عليهم فيما ابتدأهم به وهداهم إليه من أنواع القرب والزلف . قوله تعالى : ! ( وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان ) ! . قال الواسطي رحمة الله عليه : المؤمن يكره العصيان ولكن يغيب عن شاهده التغلب على شواهد شهوته فيأتيها ذلك لنفاد نصيبه وتنبيها على ضعفه . قال سفيان الثوري : من كره الله إليه هذه الخصال المذمومة فأولئك هم الراشدون الصادقون في إيمانهم قوله تعالى : ! ( وإن طائفتان من المؤمنين ) { < الحجرات : ( 9 ) وإن طائفتان من . . . . . > > [ الآية : 9 ] . قال سهل : هو الروح والعقل والقلب والطبع والهوى والشهوة فإن بغى الطبع والهوى على العقل والروح والقلب ، فليقاتله العبد بسيوف المراقبة وسهام المطالعة وانوار الموافقة ليكون الروح والعقل غالبين والهوى والشهوة مغلوبين . قوله تعالى : ! ( إنما المؤمنون إخوة ) { < الحجرات : ( 10 ) إنما المؤمنون إخوة . . . . . > > [ الآية : 10 ] . قال بعض الحكماء : بئس الأخ اخ تحتاج أن تعتذر إليه وبئس الأخ اخ تحتاج أن تستقرضه وبئس الأخ اخ تحتاج أن تقول له اذكرني في دعائك ومعناه انك إذا كنت من اخيك على بال فاطلع على حاجتك لم يحوجك إلى السؤال وإذا احسن الظن بك عذرك من غير أن تعتذر إليه وهذا حكم الاخوة في الله . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت جعفر يقول سمعت أبا محمد المغازلي يقول : من أراد أن تصح اخوته فليحفظ مودة إخوانه القدماء .
____________________
(2/261)
سمعت الحسين بن يحيى يقول : سمعت أبا بكر النقاش يقول : سألت الجنيد رحمة الله عليه عن الأخ الحقيقي ؟ فقال : هو أنت في الحقيقة إلا انه غيرك في الهيكل . وحكى عن أبي عثمان الجريري يقول : اخوة الدين أثبت من اخوة النسب فإن اخوة النسب تنقطع لمخالفة الدين واخوة الدين لا تنقطع لمخالفة النسب . وأنشدني عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري الزاهد قال : انشد أبو بكر محمد بن الحسين الآجري قال : أنشدني بعض إخواني وذكر أنها لجعفر بن محمد الصادق رضوان الله عليه : ( أخوك الذي لو جئت بالسيف عائدا ** لتضربه لم يستغشك في الود ) ( ولو جئت تدعوه إلى الموت لم يكن ** يردك إبقاء عليك من الوجد ) ( يرى انه في الود نزر مقصر ** على انه قد زاد فيه على الجهد ) قال بعضهم : الاخوة في الدين ترك العادة الجارية في الرسم والتزام الشفقة والنصيحة للإخوان ظاهرا وباطنا . انشدني يوسف بن صالح الدسكوى قال : أنشدني بعض إخواني : ( وقلت أخي قالوا أخ من قرابة ** قلت نعم إن الشكول أقارب ) ( نسيبي في عرفي ورأى ومنصبي ** وإن باعدتنا في الديار المناسب ) ( عجبت لصبري بعده وهو ميت ** وقد كنت ابكيه دما وهو غائب ) ( ألا إنما الأيام قد صرن كلها ** عجائب حتى ليس فيها عجائب ) سمعت أبا علي البيهقي يقول : سمعت أبا بكر الصولي يقول : سألت بعض الحكماء من الأخ على الحقيقة ؟ فقال : من تلقاه في الغيبة وتأنس بذكره في الخلوة وتعذره من غير معذرة وتنبسط إليه من غير حشمة ولا تخفى منه ما يعلمه منك وتأمن وأنشدني في هذا المعنى : ( أبلغ أخاك الإحسان بي حسنا ** إني وان كنت لا ألقاه ألقاه ) ( وإن طرفي موصولا برؤيته ** وإن تباعد عن مثواي مثواه ) ( الله يعلم اني لست أذكره ** وكيف اذكره من لست أنساه ) أنشدني الحسين بن يحيى لأبي بكر بن داود :
____________________
(2/262)
( إن اخ الإحسان من يسعى معك ** ومن يضر نفسه لينفعك ) ( ومن إذا ريب الزمان صدعك ** بدد شمل نفسه ليجمعك ) قوله تعالى : ! ( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم ) { < الحجرات : ( 11 ) يا أيها الذين . . . . . > > [ الآية : 11 ] . قال يحيى بن معاذ : نهى الله عز وجل عن احتقار المؤمنين والازدراء بهم وتثاقل النظر إليهم وترك حرماتهم بقوله : ! ( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم ) ! الآية . قوله تعالى : ! ( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ) { < الحجرات : ( 12 ) يا أيها الذين . . . . . > > [ الآية : 12 ] . قال ابن سمعون : الظن ما يتردد في النفس من حيث املها باستدلالها على حظها بوصفها فيتردد ولا يقف فيمكن من الايواء إليه فما كان هذا وصفه فهو ظن . وقال أبو عثمان : من وجد في قلبه عيبا لأخيه ولا يعمل في صرف ذلك عن قلبه بالدعاء له خاصة والتضرع إلى الله حتى يخلصه منه اخاف أن يبتليه الله في نفسه بتلك المعايب . قال سهل : من سلم من الظن سلم من الغيبة ومن سلم من الغيبة سلم من الزور ومن سلم من الزور سلم من البهتان . وسئل بعضهم عن قول الحكيم : احترزوا من الناس بسوء الظن ؟ فقال : بسوء الظن بأنفسكم لا بهم . قوله تعالى : ! ( ولا تجسسوا ) ! [ الآية : 12 ] . قال سهل : لا تبحثوا عن طلب معايب ما ستره الله على عباده . قوله تعالى : ! ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) { < الحجرات : ( 13 ) يا أيها الناس . . . . . > > [ الآية : 13 ] . قال بعضهم في هذه الآية : قال الله تعالى جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا لا لتتفاخروا فمن افتخر بغير الدين والإيمان والاسلام أو ممن وفقه الله لهذه المراتب قد افتخر بلا شيء . سمعت عبد الله بن محمد يقول : دخل أبو يعلى العلوي على عبد الله فنظر إليه عبد الله وإلى ثيابه وزيه فقال : يا سيدي إن الذي به افتخارك لم يكن يفتخر بنفسه ، الا تراه كيف يرى نفسه من الفخر لما أخبر بما أمر به من السيادة قال : ' أنا سيد ولد آدم
____________________
(2/263)
ولا فخر ' . وقال عبد الله المعلم : لا فخر في سيادتي ولد آدم وإنما فخري بمن سودني . قوله تعالى : ! ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ! [ الآية : 13 ] . قال جعفر : هو التقى على الحقيقة والمتقى المنقطع عن الأكوان إلى الله . وقال أبو عثمان في قوله : ! ( أكرمكم عند الله أتقاكم ) ! قال الكريم من يتقي الشرك واتقى من بعد الشرك المعاصي وفضيلة التقوى العلم بالله ولا انتهاء العلم بالله في طريق الفضل فمن ازداد علما بالله وأمره ازداد خوفا ومن ازداد خوفا ازداد كرما عند الله عز وجل . قوله تعالى : ! ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ) { < الحجرات : ( 14 ) قالت الأعراب آمنا . . . . . > > [ الآية : 14 ] . قال : ليس في الإيمان أسباب إنما الأسباب في الإسلام والمسلم محبوب إلى الخلق والمؤمن غني عن الخلق . قال بعضهم : الإيمان هو الذي يوجب الأمان وليس للنفس فيه دعوى وقد أكثرت الشرح للإيمان في مسألة الإيمان وتثبيت معانيه . قوله تعالى : ! ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ) { < الحجرات : ( 15 ) إنما المؤمنون الذين . . . . . > > [ الآية : 15 ] . قال ابن عطاء : المؤمن من جعل السبيل إلى الإيمان الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وعلم انه لا سبيل إلى الحق إلا بمتابعته عليه السلام فمن ترك الحق الأدنى كيف يصل إلى الحق الأعلى ؟ قوله عز وعلا : ! ( يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم ) { < الحجرات : ( 17 ) يمنون عليك أن . . . . . > > [ الآية : 17 ] . قال الواسطي رحمة الله عليه : لفظة المنة في محل التلبيس لأن العباد إن لم يصحبهم رؤية المنة هلكوا لأن رؤية المنة حجاب كبير وفي رؤية المنة استدراج عظيم وكيف وهؤلاء
____________________
(2/264)
من على أحد يعرفه وانما المنن على من حجبه فذكر المنن جواب في الحقيقة لمن من عليه الا ترى إلى قوله : ! ( يمنون عليك أن أسلموا ) ! وفي كرمه لا تجوز المنة على أحد من الناس إذ المنة تقع على من هو خارج من ملكه فالمن على نبيه يستحيل أما علمت أن الكريم في الحقيقة لا يمن إذا كان الممتن عليه من خدمة . قال الحسين في قوله : ! ( بل الله يمن عليكم ) ! قال : جواب لما سلف من قولهم لأن أحدا لا يستطيع حمل مننه فكيف يمن على من لا خطر له عنده فكيف يمن بما لا وزن له عنده على أحد . قال القاسم : لو حققنا المنة لذات الكرم فإن الكريم لا يمن لأن الكل له عبده ولا خطر ولا زيادة في وجوده ولا نقصان في فقده والمنة على من هو خارج من ملكه ومن ملكه ومملكته . قال الواسطي : آيسهم أن يكون لهم شيء من عندهم إلا ما أعطوا والمنة رؤية ما منك معظما وترك رؤية ما إليك يطهر سرائرهم بذلك أن يروا لأنفسهم حالا . قال سهل : استعملت الورع أربعين سنة ثم وقع منى إليها التفاتة فأدركني حياء ذلك بقوله : يمنون عليك أن اسلموا . * * *
____________________
(2/265)
<
> ذكر ما قيل في سورة ق <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( ق والقرآن المجيد ) { < ق : ( 1 ) ق والقرآن المجيد > > [ الآية : 1 ] . قال سهل : أقسم بقدرته وقوته . قال ابن عطاء : اقسم بقوة قلب حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم حيث حمل الخطاب والمشاهدة ولم يؤثر ذلك فيه لعلو حاله . قال سهل في قوله : ! ( والقرآن المجيد ) ! المشرف على سائر الكلام . قال الحسين : القرآن المجيد المطهر لمن اتبعه عن دنس الأكوان وهواجس الأسرار . وقال بعضهم في قوله : ! ( القرآن المجيد ) ! المهيمن المشرف على جميع الكتب . قوله تعالى : ! ( تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ) { < ق : ( 8 ) تبصرة وذكرى لكل . . . . . > > [ الآية : 8 ] . قال سهل : اعتبارا واستدلالا على توحيدهم لربهم وشكرهم له وذكرى لمن كان له قلب حاضر مع الله وعلم يكتسب به علم الورع لكل عبد منيب أي مخلص التوبة إلى ربه وإدامة الذكر بواجباته . قوله تعالى : ! ( ونزلنا من السماء ماء مباركا ) { < ق : ( 9 ) ونزلنا من السماء . . . . . > > [ الآية : 9 ] . قال ابن عطاء : أنزلنا من السماء الفهم والعلم والمعرفة فربينا به قلوب أولى الألباب وأهل المعرفة والفهم ففقهوا الخطاب واستعملوه وانسوا به واتبعوه فاسبغ الله بذلك الماء في قلوبهم معرفته وعلى لسانه ذكره وعلى جوارحهم خدمته . قوله تعالى : ! ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ) { < ق : ( 16 ) ولقد خلقنا الإنسان . . . . . > > [ الآية : 16 ] . قال أبو سعيد الخراز : هم قوم ساروا مع الله بلا سبب ولا طلب ولا هرب لأنه مدركهم وهو معهم يعلم ما في ضمائرهم ويشهد حركات ظاهرهم ألم تسمع قوله سبحانه : ! ( ولقد خلقنا الإنسان ) ! الآية . قوله تعالى : ! ( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) ! قال الواسطي رحمة الله عليه : أي نحن أولى به واحق لأنا جمعناه بعد الافتراق
____________________
(2/266)
وأنشأناه بعد العدم ونفخنا فيه الروح فالاقرب إليه من هو أعلم به منه بنفسه . قال أيضا في هذه الآية : به عرفت نفسك وبه عرفت روحك كان ذلك إظهار النعوت على قدر طاقة الخلق فأما الحقيقة فلا يتحملها أحد سماعا . قال بعضهم : القرب لعبد شاهد بقلبه قرب الله منه فتقرب إلى الله بطاعته وجمع همه بين يديه بدوام ذكره في علانيته وسره . قوله تعالى : ! ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) { < ق : ( 18 ) ما يلفظ من . . . . . > > [ الآية : 18 ] . قال الواسطي رحمة الله عليه : هذا خطاب العام من الخلق وهو قوله : ! ( ما يلفظ من قول ) ! الآية ، ردهم إلى ما يليق بهم من المخلوقات وخطاب للخاص قوله : ! ( إن الله كان عليكم رقيبا ) ! أي حافظا لانفاسكم وما تبدي منكم ولكم وعليكم فمن راقب مراقبة الحق إياه شغله عن كل ذي دعوة واخرسه عن كل نجوى وذيل تحت مراقبته حتى لا يجد له حسا . قوله تعالى : ! ( وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ) { < ق : ( 21 ) وجاءت كل نفس . . . . . > > [ الآية : 21 ] . قال : ما ساقهم إلا قدرته ولا شهيد عليهم إلا جوارحهم . قال الواسطي رحمة الله عليه : شاهدها الحق وشهيدها الحق . قوله تعالى : ! ( لقد كنت في غفلة من هذا ) { < ق : ( 22 ) لقد كنت في . . . . . > > [ الآية : 22 ] . قال الواسطي رحمة الله عليه : من كشفت عنه غطاء الغفلة ابصر الأشياء كلها في اسرار القدرة . قال عامر بن عبد قيس : لو كشف الغطاء ما ازددت إلا يقينا . قوله تعالى : ! ( فبصرك اليوم حديد ) ! [ الآية : 22 ] . قال سهل : بصر قلبك في مشاهدة الأحوال كلها . قال أبو سليمان الداراني : هو البصيرة التي تفرق بها بين الحلال والشبهات . قال الواسطي رحمة الله عليه : أي علمك نافذ في المقدورات وحكمك ماض على الخلائق . قوله تعالى : ! ( ما يبدل القول لدي ) { < ق : ( 29 ) ما يبدل القول . . . . . > > [ الآية : 29 ] . قال سهل : ما يتغير عندي حكم قد سبق علمي فيه فيكون خلاف ما سبق به العلم .
____________________
(2/267)
قال الواسطي رحمة الله عليه : ماذا ينفع البكاء على ما سبق من قضائه المحتوم وحكمه المعلوم الذي لا يتغير ولا يبدل على قومه ! ( ما يبدل القول لدي ) ! . قوله تعالى : ! ( لكل أواب حفيظ ) { < ق : ( 32 ) هذا ما توعدون . . . . . > > [ الآية : 32 ] . قال سهل : هو الراجع بقلبه من الوسوسة إلى السكون إلى الله والحفيظ المحافظ على الطاعات والأوامر . قال ابن عيينة : الأواب الحفيظ الذي لا يقوم من مجلس حتى يستغفر الله منه خيرا كان أو شرا لما يرى فيه من الخلل والتقصير . قال حارث المحاسبي : الأواب الراجع بقلبه إلى ربه والحافظ قلبه في رجوعه إليه أن يرجع منه إلى أحد سواه . قال القاسم : الذي لا يشتغل إلا بالله . قال بعضهم : الأواب الذي لا يوافق غير ربه ولا يطالع غير حده . قوله تعالى : ! ( من خشي الرحمن بالغيب ) { < ق : ( 33 ) من خشي الرحمن . . . . . > > . قال أبو عثمان في قوله : ! ( من خشي الرحمن بالغيب ) ! قال : من كان باطنه احسن من ظاهره وظاهره سليما للخلق والمنيب الراجع إلى الله والمقيم عنده . قال أبو بكر الوراق : علامة المنيب أن يكون عارفا حرمته مواليا له متواضعا لجلاله تاركا الهوى نفسه . قال بعضهم في قوله : ! ( من خشي الرحمن بالغيب ) ! انه يفعل ما يشاء من غير علة ورحمة الرحمانية خاصة توجب المغفرة رحمة الرحمية عامة لا توجب المغفرة إلا للخواص . قال الجنيد رحمة الله عليه : افضل الأعمال علم الأوقات وهو أن يكون حفيظا وحفيظا لدينه . قال الواسطي رحمة الله عليه : الخشية ارق من الخوف لأن المخاوف للعامة لا يعاين إلا عقوبته والخشية هي نيران الله في الطبع فيها نظافة الباطن للعلماء ومن رزقه الخشية لن يعدم الإنابة ومن رزق لم يعدم التفويض والتسليم ومن رزق التفويض والتسليم لم يعدم الصبر على المكاره ومن رزق الصبر على المكاره لن يعدم الرضا .
____________________
(2/268)
قال بعضهم : أوائل العلم الخشية ثم الاجلال ثم التعظيم ثم الهيبة ثم الفناء . قوله تعالى : ( لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد ) < < ق : ( 35 ) لهم ما يشاؤون . . . . . > > [ الآية : 35 ] . قال عبد العزيز المكي : لهم في الجنة ما تبلغه امانيهم من النعيم ثم نزيدهم من عندنا ما لا يبلغه السمع وهو شهيد . قال الشبلي : موعظة القرآن لمن كان له قلب حاضر مع الله لا يغفل عنه طرفة عين . قال يحيى بن معاذ : القلب قلبان قلب قد احتشى باشتغال الدنيا حتى إذا حضر أمر من أمر الطاعات لم يدر ما يصنع من شغل قلبه بالدنيا وقلب قد احتشى بأحوال الآخرة حتى إذا حضر أمر من اوامر الدنيا لم يدر ما يصنع لذهاب قلبه في الآخرة فانظر كم بين بركة تلك الأوهام وشؤم هذه الأشغال الفانية التي اقعدتك عن الطاعات . قال أبو بكر الوراق : للقلب ستة أشياء حياة وموت وصحة وسقم ويقظة ونوم ، فحياته الهدى وموته الضلالة وصحته الطهارة والصفا وعلته الكدورة والعلاقة ويقظته الذكر ونومه الغفلة ولكل واحد من ذلك علامات فعلامات الحياة الرغبة والرهبة والعمل بهما والميت بخلاف ذلك وعلامات الصحة القوة واللذة والسعي والسقم بخلاف ذلك وعلامات اليقظة السمع والبصر والتدبير والمنام بخلاف ذلك . قال جعفر : يعني قلبا يسمع ويعقل ويبصر فكل ما سمع الخطاب بلا واسطة فيما بينه وبين الخلق يغفل ما مر عليه بالإيمان والإسلام من غير مسألة ولا شفيع ولا وسيلة كانت له عند الله في الأزل ويبصر قدرة القادر البارئ في نفسه وملكوته وأرضه وسمائه فاستدل بها على وحدانيته وفردانيته وقدرته ومشيئته . قال بعضهم : ! ( لمن كان له قلب ) { < ق : ( 37 ) إن في ذلك . . . . . > > قال : ما كان عليه قلوب الأبرار والأخيار . قال بعضهم : من كان له قلب سليم من الأعراض سليم من الأمراض . وقال الحسين : لمن كان له قلب قال : لا يخطر فيه إلا شهود الرب وانشد لنفسه : ( أنعى إليك قلوبا طالما هطلت ** سحائب الوحي فيها أبحر الحكم ) قال ابن عطاء : قلب لاحظ الحق بعين التعظيم فدان له وانقطع إليه عما سواه . قال الواسطي رحمة الله عليه : أي لذكرى لقوم واحد لا لسائر الناس : ! ( لمن كان له قلب ) ! أي في الأزل وهم الذين قال الله تعالى : ! ( أو من كان ميتا فأحييناه ) ! .
____________________
(2/269)
قال ابن سمعون : ! ( لمن كان له قلب ) ! يعني يعرف آداب الخدمة وآداب القلب ثلاثة أشياء فالقلب إذا ذاق طعم العبادة عتق من رق الشهوة فمن وقف عن شهوته فقد وجد ثلاثة آداب ومن افتقر إلى ما لم يجد بعد الاشتغال بما وجد فقد وجد ثلثي الأدب والثالث هو الامتلاء بالذي بدأ بالفضل عند الوفاء تفضلا . قال محمد بن علي : موت القلب من شهوات النفوس فكلما رفض شهوته نال من الحياة بقسطها . قال القاسم في قوله : ! ( ألقى السمع وهو شهيد ) ! قال : هم الأنبياء فإن الله خلقهم للمشاهدة يشهدون له بقلوبهم عن إقبالهم وإدبارهم فإنه المنشئ والمبدئ والمعيد . قال الواسطي في هذه الآية : ما تنفع المشاهدة ما دامت مقارنة للآمال ولا تنفع العلوم ما دامت مفارقة للأعمال . وقال بعضهم : خلق الله الأنبياء للمشاهدة ليشهدونه بقلوبهم وقد وصفهم الله في كتابه : ! ( أو ألقى السمع وهو شهيد ) ! [ الآية : 37 ] أي يشهد ما قرب منه وما بعد عنه وذلك لمشاهدة الحق إياه . قال سهل : القلب رقيق يؤثر فيه الشيء اليسير فاحذروا عليه من الخطرات المذمومة فإن اثر القليل عليه كثير . وقال الحسين : بصائر المبصرين ومعارف العارفين ونور العلماء الربانيين وطرق السابقين المناجين من الأزل وللأبد وما بينهما من الحدث غيره : ! ( لمن كان له قلب أو ألقى السمع ) ! . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : قال ابن عطاء : هو القلب الذي يلاحظ الحق فيشاهده ولا يغيب عنه خطرة ولا فترة فيسمع به بل يسمع منه ويشهد بل يشهده فإذا لاحظ القلب بعين التخويف فزع وارتعد وهاب إذا طالعه بعيني الجمال والجلال هدأ واستقر . قال ابن عطاء : ! ( لمن كان له قلب ) ! قال : موعظة بالغة لمن كان له قلب يصبر ويقوى على التجريد والتفريد له حتى يخرج من الدنيا والخلق فلا يشتغل بغيره ولا يركن إلى سواه . قال الصبيحي : ! ( لمن كان له قلب ) ! خاطب أصحاب القلوب لأن القلوب في قبضة
____________________
(2/270)
الحق يقلبها كيف يشاء ووسعه وصفاه من الدنق ونقاه وشرحه وفسحه ثم حشاه محبته وإيمانه ويقينه لذلك خاطب أصحاب القلوب بخصائص ما أودع فيها . قال القاسم : لمن كان له قلب حي والقى السمع إلى كل موعظة وذكر وهو شهيد يشهد ربه بقلبه وروحه فيستفيد منه طرف الفوائد الموجودة في تلك المشاهدة . قال ابن عطاء : قلب لاحظ الحق بعين التعظيم فدان وانقطع عما سواه وإذا لاحظ القلب الحق بعين التعظيم لان وحسن . قال أبو سعيد الخراز : قلب المؤمن رأس ماله وزاد المريد موضع نظر الحق . وقال بندار بن الحسين : القلب مضغة وهو محل الأنوار وموارد الزوائد من الخيار وبها يصح الاعتبار جعل القلب للأسر اميرا فقال : ! ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ) ! ثم جعله لربه أسيرا فقال : ! ( يحول بين المرء وقلبه ) ! . سمعت محمد عبد الله الرازي يقول : سمعت أبا بكر محمد بن موسى رحمة الله عليه يقول : خلق الله الخلق فجعل الأنبياء للمشاهدة لقوله : ! ( أو ألقى السمع وهو شهيد ) ! فحقيقة المشاهدة هؤلاء الأنبياء . وقال بعضهم : ! ( أو ألقى السمع وهو شهيد ) ! قال حاضر القلب . وقال ابن سعيد الخراز : ! ( أو ألقى السمع ) ! لا يستمع القرآن وهو أن يسمعه كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ عليه ثم يترقى عن ذلك كأنه يسمعه من جبريل وقراءته في النبي صلى الله عليه وسلم لقوله : ! ( نزل به الروح الأمين ) ! ثم يرقى كأنه يسمعه من الحق : ! ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ) ! وهذا تأويل قوله : ! ( أو ألقى السمع وهو شهيد ) ! . وقال جعفر في قوله : ! ( لمن كان له قلب ) ! قال : إذا هم عوقب القلب على المكان ولا يعرفه إلا العلماء بالله . سمعت الحسين بن يحيى يقول : سمعت ابن عيون الضراب يقول : قال الحارث بن أسد المحاسبي : سمى القلب قلبا لأنه يتقلب في الأمور وإنما جعل مصدره الصدر لأنه تصدر منه العلوم . وقال بعض الحكماء : القلب قلب كما سمى مسميه إذا سمى وعلا تمت معانيه . قوله تعالى : ! ( وما مسنا من لغوب ) { < ق : ( 38 ) ولقد خلقنا السماوات . . . . . > > [ الآية : 38 ] .
____________________
(2/271)
قال الحسين : الحق المنشأ بلا عناء ولا لغوب أظهر وأخفى وأوجد وافقد وأبقى وأفنى وقرب وبعد ، ظهر من غير ظهور وبطل من غير بطلان أمر بالطاعة من غير حاجة ونهى عن المعصية من غير كراهية اثاب لا لعوض عاقب ولا لحقد ، اظهر الربوبية عن غير افتخار احتجب عن خلقه بخلقه لا مقصر عنه ولا عابه ورآه لا يذكر بالأزمان والأوان جل ربنا وتعالى . قوله تعالى : ! ( وما أنت عليهم بجبار ) { < ق : ( 45 ) نحن أعلم بما . . . . . > > [ الآية : 45 ] . قال بعضهم : بمجبر لهم على الطاعة والإيمان . قوله تعالى : ! ( فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ) ! [ الآية : 45 ] . قال أحمد بن حمدان : لا يتعظ لمواعظ القرآن إلا الخائفون على ايمانهم وإسلامهم وعلى كل نفس من انفاسهم لأنهم في محل البعد والهلاك قال الله تعالى : ! ( فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ) ! . * * *
____________________
(2/272)
<
> ذكر ما قيل في سورة الذاريات <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( إن المتقين في جنات وعيون ) { < الذاريات : ( 15 ) إن المتقين في . . . . . > > [ الآية : 15 ] . قال سهل : المتقي في الدنيا في جنات الرضا يتقلب وفي عيون الأنس يسبح . قوله تعالى : ! ( إنما توعدون لصادق وإن الدين لواقع ) { < الذاريات : ( 5 - 6 ) إنما توعدون لصادق > > [ الآية : 5 ، 6 ] . قال بعضهم : إن ما توعدون من الوقوف والحسنات والمجازات لصادق وإن الدين أي الحساب لواقع عليكم أي لنازل بكم . قوله تعالى : ! ( يؤفك عنه من أفك ) { < الذاريات : ( 9 ) يؤفك عنه من . . . . . > > [ الآية : 9 ] . قال فارس : يدفع عن الحق عند الحق اللقاء من دفع عند الحكم والقضاء . قوله تعالى : ! ( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ) { < الذاريات : ( 17 ) كانوا قليلا من . . . . . > > [ الآية : 17 ] . قال سهل : لا يغفلون عن الذكر في حال . قال بعضهم : ذاقوا حلاوة الأنس في الذكر فتهجدوا وهجروا النوم وقاموا له آناء الليل والنهار طالبين مرضاته مطلعين إلى ما يرد عليهم من زوائد مناجاتهم وفوائدهم . قال محمد بن المنكدر : كابدت صلوات الليل عشرين سنة وتنعمت بها عشرين سنة . وقال بعضهم : افضل الأعمال اتباع السنن ومن السنن الجليلة قيام الليل فإنه خلوة بالله والمناجاة معه لذلك حكى عن بعض السلف انه قال : كذب من ادعى محبتي إذا جنة الليل نام عني أليس كل محب يحب خلوة حبيبه أنا ذا مطلع على أحبابي أناديهم ألا من مجيب . قوله تعالى : ! ( وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ) { < الذاريات : ( 19 ) وفي أموالهم حق . . . . . > > [ الآية : 19 ] . قال بعضهم : الحق في أموالهم أن لا يبخلوا منها بالحقوق . وقال السائل : المفصح والمحروم : المعرض . قوله تعالى : ! ( وفي الأرض آيات للموقنين ) { < الذاريات : ( 20 ) وفي الأرض آيات . . . . . > > [ الآية : 20 ] . قال سهل : للعارفين بالله يستدلون بها على معروفهم .
____________________
(2/273)
قال أبو بكر الوراق : الموقن يتيقن والمؤمن يشاهد بحذر والمرتاب يضطرب والموقن يعزم والمرتاب يتمنى والموقن يمضي والمرتاب يتربص . قال بعضهم : أراه رؤية الحجة دون رؤية الفضل . ومن لا يريه الله لا يرى . قال يحيى بن معاذ : من ذكر انه من الموقنين ثم لم يكن فيه ثلاث خصال فهو من الكذابين الصبر والقناعة والورع . قال الواسطي رحمة الله عليه في هذه الآية : كلما وقع بصره على شيء رأى الصانع القائم به الصانع المقوم له به بهجة الخضر حلاوة الثمار وانتم لا ترون إلا كسوتها . قوله تعالى : ! ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) { < الذاريات : ( 21 ) وفي أنفسكم أفلا . . . . . > > [ الآية : 21 ] . قال الواسطي رحمة الله عليه : تعرف إلى قوم بصفاته وأفعاله وهو قوله : ! ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) ! وتعرف إلى الخواص في ذاته فقال : ! ( ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ) ! . قال بعضهم في قوله : ! ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) ! فمن لم يبصرها ولم يعرفها اضاع حظه منها . قال بعضهم : أي علامات ودلالات في الحق لمن أيقن الحق حيث يعرفه الحق . قال الحسين : إذا عرج على نفسه بأن نفسه لنفسه ومن لم يعرج على حملته كان مجشما له بين خلقه لخلقه وكان كأن لم يزل خوطب بلسان الأزل وجميع نعوته عدم بقوله : بلى فكان المخاطب لهم والمجيب عنهم بلى هم . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزار يقول : قال ابن عطاء في قوله : ! ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) ! إنكم لا تدركونها وكيف تدركون من له السماوات ومشيئته نافذة في كل شيء . قال أبو الحسين : العبد يعرف نفسه على قدر حضوره واستعماله للعلم وعلى قدر رجوعه إلى الله نعمه وفضله وكلياته إذ ذاك ينجو من الاستدراج . وقال الواسطي رحمة الله عليه : في كتاب إلى أهل بلخ إن الله تعالى ذكره بدأ الخلق بلا مشير وصورهم بلا تفكير وقدر أمورهم باحسن التقدير فوقت الأوقات وقدر الأقوات وانبتهم من الأرض نباتا ابتدأهم نطفا ثم انشأهم إنشاء ثم نقلهم من طبق إلى
____________________
(2/274)
طبق وجعلهم مضغا بعد العلق ثم جعلهم بعد المضغة لحما ثم كسى العظم لحما ثم أنشأناها خلقا آخر ثم شقق فيه الشقوق وخرق فيه الخروق وأمرج فيه العصب ومد فيه القصب وجعل العروق السائرة كالأنهار الجارية بين القطع المتجاورة وألبسه جلدا ومده عليه مدا ثم اولج الروح في الجسد فإذا الجوارح سليمة والقامة مستقيمة وإذا هو بعد أن كان مواتا حيا وبعد أن لم يكن شيئا فشيئا متحركا بعد السكون في رقة ولين بين احشاء متحركة وضلوع متسقة ولهوات في فم يجد منها كل مطعم وانف وخيشوم يأخذ بها كل منسوم أيد بلسان ناطق يشهد انه ليس من صنع الخلائق حكمة إلا أظهرها الحكيم ثم قال : ! ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) ! فهذه عبرة أهل الافتكار والبصيرة والأفكار والحكمة والإتقان . قوله تعالى : ! ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) { < الذاريات : ( 22 ) وفي السماء رزقكم . . . . . > > [ الآية : 22 ] . قال يحيى بن معاذ : الأرزاق على ثلاثة اوجه رزق طلبه فرض وهو الجنة ، ورزق طلبه جهل وهو الغذاء لا يعدو صاحبه فيه ولا يفوته ، ورزق طلبه فضل وهو فضول الدنيا يشتري بها الجنة . قال القاسم : ! ( ما توعدون ) ! من الفناء والبقاء والهداية والضلالة والهلاك والعقوبة . قال إبراهيم بن شيبان : ! ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) ! من الفناء . قال بعضهم : أي من السماء ينزل رزقكم ولا ينزل إلا بإذنه ولا يثبت إلا بإذنه وما توعدون من الوعد والوعيد في كل شيء اطلبوا الرزق من السماء ولا تطلبوا من عند غيره من المخلوقين . قال الجنيد رحمة الله عليه : علامة المتقين ترك الاهتمام بما تكفل الله لهم من الرزق . قوله تعالى : ! ( هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين ) { < الذاريات : ( 24 ) هل أتاك حديث . . . . . > > [ الآية : 24 ] . قال ابن عطاء : ضيف الكرام لا يكون إلا كريما فلما نزلوا بابراهيم عليه السلام وكان سيد الكرام سماهم المكرمين . وقال جعفر : مكرمين حيث أنزلهم بأكرم الخليقة وأطهرهم وأشرفهم نفسا وأعلاهم همة وهو الخليل صلى الله عليه وسلم . قالوا أبو يعقوب السوسي : ما تكلف لهم ولا اعتذر إليهم وهذا من أخلاق الكرام .
____________________
(2/275)
وقال بعضهم : استبشرهم لما رآهم كما قيل من إكرام الضيف طلاقة الوجه . قوله تعالى : ! ( فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين ) { < الذاريات : ( 26 ) فراغ إلى أهله . . . . . > > [ الآية : 26 ] . قال أبو العباس الدينوري : تعجيل الغداء من المروءة ألا ترى الله كيف حكى عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم : ! ( فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين ) ! . قوله تعالى : ( ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ) < < الذاريات : ( 49 ) ومن كل شيء . . . . . > > [ الآية : 49 ] . قال لينظر الموحد إلى الاعتبار شيئا فيراها أزواجا مثاني واربعا فيفر منها ويرجع إلى الواحد الأحد ليصح له التوحيد بذلك . قال أبو سعيد الخراز : اظهر معنى الربوبية والوحدانية بأن خلق الأزواج لتخلص له الفردانية . قال أبو عثمان في قوله : ! ( ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ) { < الذاريات : ( 50 ) ففروا إلى الله . . . . . > > داع إلى الباطل والهوى حتى يوقع في الشر ، والنفس امارة بالسوء تتمنى الشهوات وتدخل الشبهات للحرص على الشهوات . قوله تعالى : ! ( ففروا إلى الله ) ! [ الآية : 50 ] . قال سهل : فروا مما سوى الله إلى الله ومن سخطه إلى رضوانه وفروا من المعصية إلى الطاعة ومن الجهل إلى العلم ومن عذابه إلى رحمته . قال محمد بن حامد : حقيقة الفرار إلى الله ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : ' والجأت ظهري إليك ' . وما روى عنه في خبر عائشة انه قال : ' اعوذ بك منك ' فهذا غاية الفرار منه إليه . قال الواسطي رحمة الله عليه : ! ( ففروا إلى الله ) ! معناه لما سبق لهم من الله لا إلى علمهم وحركاتهم أنفسهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ' اعوذ بك منك ' .
____________________
(2/276)
قال بعضهم : ! ( ففروا إلى الله ) ! اهربوا إليه والمعنى اخرجوا من أنفسكم فإن مونتها عظيمة عليكم فإنها مأوى كل سوء . قال الواسطي رحمة الله عليه : فروا إلى الله عز وجل من رؤية الاكتساب واجتلاب قواك وفعلك . وقال بعضهم : من فر من نفسه فلينظر إلى أحد يصل إليه إلا من يفر من نفسه . قال الواسطي رحمة الله عليه : علم العلماء ونسب المنتسبين لا ينفع عندما سبق من السوابق فلا نسب اشرف من نسب من خلقه الله بيده فلم يعصمه ولا علم ارفع من علم من علمه الأسماء كلها ولا عبادة اجهل من عبادة إبليس لم ينفع ذلك مما سبق بل الفرار إليه مما ينفع لأنه يقول : ! ( ففروا إلى الله ) ! ففروا حينئذ من الله إلى الله بأجمعهم على ما امرهم الله لا إلى أعمالهم ولا إلى علومهم ولا إلى انسابهم ولا إلى أنفسهم كما قال عليه السلام : ' اعوذ بك منك ' . قال الواسطي رحمة الله عليه : عند التذكر أمر بالفرار إليه لم يكن للجسد اكتساب الروح ولم يكن للروح أن يكسب الجسد عجزا وضعفا قال : ! ( ففروا إلى الله ) ! عن رؤية الاكتساب فإنه اجتلاب قول وفعل وهما شيئان الروح والعقل فالروح لا يسري إلى الروح والعقل لا يتهيأ له أن يدفع عن العقل مكروها . سئل بعضهم عن قول النبي صلى الله عليه وسلم : ' سافروا تغنموا وصوموا تصحوا ' . قال : سافروا إلينا تجدونا في أول القدم ثم قرأ : ! ( ففروا إلى الله ) ! . قوله تعالى : ( فتول عنهم فما انتم بملوم ) < < الذاريات : ( 54 ) فتول عنهم فما . . . . . > > [ الآية : 54 ] . قال سهل : اعرض عنهم فقد جهدت بالإبلاغ .
____________________
(2/277)
قال الواسطي رحمة الله عليه : ذرهم إلى ما سبق عليهم في الأزل من السعادة والشقاوة وإسقاط الملامة عن نبيه صلى الله عليه وسلم لما نصح وجهد وعانى بقوله : ! ( فتول عنهم فما أنت بملوم ) ! . قال ابن عطاء : ارجع إلينا فما قصرت فيما امرت . قوله عز وعلا : ! ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) { < الذاريات : ( 55 ) وذكر فإن الذكرى . . . . . > > [ الآية : 55 ] . قال جعفر الصادق : يعني يا محمد ذكر عبادي جودي وكرمي وآلائي ونعمي وما سبق من العناية القديمة بالإيمان والمعرفة واليقين والتوفيق للطاعة والعصمة عن المعاصي . قال جعفر : كل من ذكر الله فإن نسي ذكره كان مجهولا عن ذكره والله تعالى ذكره احديته وأزليته ومشيئة وقدرته وعلمه لا يقع عليه النسيان والجهل لأنهما من صفات البشرية وكل من ذكر الله فبذكره له يذكره . قال ابن عطاء : الذكرى لموعظة والموعظة للعوام والنصيحة للإخوان والتذكرة للخواص فرض افترضه الله على عقلاء المؤمنين ولولا ذاك لبطلت السنة وتعطلت الفرائض . قوله عز وعلا : ! ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) { < الذاريات : ( 56 ) وما خلقت الجن . . . . . > > [ الآية : 56 ] . قال محمد بن حامد : علامة العبودية خمسة : اولها : أن يقيم بجهده على صحة عزيمته . والثاني : أن لا يميل بقلبه عن صحة إرادته وحسن زينته . والثالث : أن يعرف ما في ضميره من عيوبه فيداويها . والرابع : أن يفهم ما عاتبه ربه . فيرجع إلى ربه بما عاتب في قوله : ! ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) ! . قال : إلا ليعرفون ثم ليعبدون على بساط المعرفة ليتبرؤا من الرياء والسمعة . قال ابن عطاء : لا يعرفون ولا يعرفه حقيقة من وصفه بما لا يليق به سمعت أبا بكر الرازي يقول : سمعت محمد بن موسى الواسطي رحمة الله عليه يقول : إن الله تعالى خلق الدنيا إظهارا لقدرته وخلق الآخرة جزاء لخلقه ورفع السماء تبيانا لملكه ونصب الجبال تعظيما لجبروته ومد الأرض إعلاما ببطشه وأجرى الانهار إخبارا برأفته وخلق الجنة لأوليائه بيانا لفضله وخلق النار لأعدائه اظهارا لعدله وخلق الأنبياء تأكيدا لحجته وخلق ما في الدنيا إظهارا لبره ولطفه واستشهادا لربوبيته وكبريائه ثم قال : ( وما خلقت
____________________
(2/278)
الجن والإنس إلا ليعبدون ) . وقال الجنيد رحمة الله عليه : الزمهم دوام العبادة وضمن لهم عليها في العاجل الكفاية وفي الآخرة جزيل الثواب . قوله تعالى : ( إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) < < الذاريات : ( 58 ) إن الله هو . . . . . > > [ الآية : 58 ] . قيل لحاتم الأصم على ماذا شبست زهدك ؟ قال : على أربع أشياء علمت اني لا أخلو من نظره طرفة عين فاستحييت أن اعصيه وعلمت أن لي رزقا لا يجاوزني وقد ضمن لي الرزاق ذلك بذلك فوثقت فيه وقعدت عن طلبه وعلمت أن لي فرضا لا يؤديه غيري فاشتغلت به وعلمت أن لي اجلا يبادرني فبادرته . قال بعضهم : اعتبروا كيفية الأرزاق باللبيب الطالب وحرمانه والطفل العاجز وتواتر الأرزاق عليه لتعلموا أن الرزق طالب وليس بمطلوب فإن الله هو الرزاق ذو القوة المتين . * * *
____________________
(2/279)
<
> ذكر ما قيل في سورة الطور <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( والطور وكتاب مسطور ) { < الطور : ( 1 - 2 ) والطور > > [ الآية : 1 ، 2 ] . قال جعفر : ما يطوى على قلب احبابي من الأنس بذكرى والالتذاذ بحبي ! ( وكتاب مسطور ) ! وهو ما كتب الحق على نفسه لهم من الاقتراب والقربة . قوله تعالى : ! ( والبيت المعمور والسقف المرفوع ) { < الطور : ( 4 - 5 ) والبيت المعمور > > [ الآية : 4 ، 5 ] . قال سهل : البيت المعمور هو القلب قلوب العارفين معمورة بمعرفته ومحبته والأنس به والسقف المرفوع العمل المرضي الذي لا يراد به جزاء من الله في الظاهر . قال القاسم : البيت المعمور هو مواضع العبادات والمتعبدين المعمورة بهم وبمحاسن أعمالهم . قوله تعالى : ! ( يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم ) { < الطور : ( 23 ) يتنازعون فيها كأسا . . . . . > > [ الآية : 23 ] . قال ابن عطاء : أي لغو يكون في مجلس محله جنة عدن ، والساقي فيه الملائكة ، وشربهم على ذكر الله ، وتحيتهم تحية من الله ، وسكرهم على المشاهدة ، والقوم جلساء الله . قوله تعالى : ! ( إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين ) { < الطور : ( 26 ) قالوا إنا كنا . . . . . > > [ الآية : 26 ] . قال سهل : أي خائفين وجلين من سوء القضاء وشماته الأعداء . قال الجنيد رحمة الله عليه : الإشفاق ارق من الخوف والخوف اصلب . وقال أيضا : الإشفاق للأولياء ، والخوف لعامة المؤمنين . وقال الخراز : نظر القوم فلم يروا لأنفسهم حالا أحمد من الخوف والخشية فوقفوا عندهما الا ترى النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ' إني لأعلمكم بالله واشدكم له خشية ' . قال الواسطي رحمة الله عليه : لاحظوا دعاءهم وشفقتهم ولم يعلموا أن الوسائل قطعت المتوسلين عن حقيقته وحجبت من إدراك من لا وسيلة إليه إلا به . قوله تعالى : ( أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ) < < الطور : ( 35 ) أم خلقوا من . . . . . > > [ الآية : 35 ] .
____________________
(2/280)
قال الواسطي رحمة الله عليه : القلوب مختلفة قلب ممتحن بقوله : ! ( أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ) ! وقلب مستشف طالع أحواله في اوائله فلم يكن شيئا مذكورا في المملكة ( أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ) وقلب مظلم عن معاينة طالع الحق بحقائقه فانقطع عن الصفات والذات ولزمه الخرس فانقمع كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : ' لا احصى ثناء عليك ' . قوله تعالى : ! ( فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم ) { < الطور : ( 27 ) فمن الله علينا . . . . . > > [ الآية : 27 ] . قال ابن طاهر : من علينا بإحسانه إلينا بأن جعلنا من أهل دار كرامته ووقانا من دار إهانته . قوله عز وعلا : ( فاصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا ) < < الطور : ( 48 ) واصبر لحكم ربك . . . . . > > [ الآية : 48 ] . قال سهل : أي بما نظهره عليك من فعل وقدرة نتولى حملتك بالرعاية والرضا والمحبة والحراسة من الأعداء . قال ابن عطاء : ! ( فإنك بأعيننا ) ! أي مغمور في حفظنا وغريق في فضلنا ومستور بحفظنا من اختص بالله كان في حفظه ومن كان في حفظه كان في مشاهدته ومن كان في مشاهدته استقام معه ووصل إليه ومن وصل إليه انقطع عما سواه ومن انقطع عما سواه عاش معه عيش الربانيين . وقال بعضهم : ! ( واصبر لحكم ربك ) ! أي في حكمه عليك فليس بغافل عنك وإن أصابك من المحن ما أصابك . قال الحسين : اصبر فإن صبرك بتوفيقنا وبشهود عيوننا فلذلك حصلت الظنون منك ظنونا وإذا أنت الناظر الينا بنا ولم تنظر إلينا بما لنا وعنا فيكون ذلك محجوبا عن واجبنا . قال جعفر : عند هذا الخطاب سهل عليه معالجة الصبر واحتمال مؤنة وكذلك كل حال ترد على العبد في محل المشاهدة . سمعت عبد الواحد بن بكر يقول : سمعت همام بن الحارث يقول : سمعت يوسف ابن الحسين يقول : سأل رجل ذا النون رحمة الله عليه فقال : علمني علما يجمع الله به همي ويحمي قلبي . فقال : انظر لا تتقدم في همة ولا تتأخر في أخرى . فقال رجل : اشرح لي يرحمك الله .
____________________
(2/281)
فقال ذو النون : تلقى عن قلبك ذكر ما مضى وذكر ما بقى وتكون قائما بوقتك ودوام علمك كما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : ! ( واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا ) ! . قال الحسين : ! ( واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا ) ! وقال للكليم : ! ( ولتصنع على عيني ) ! ليس من هو بالعين كمن هو على العين وليس من فنى بالشيء كمن فنى عن الشيء لأن الفناء بالشيء لمعنى الجمع والفناء عن الشيء لمعنى الاحتجاب . قوله تعالى : ! ( وسبح بحمد ربك حين تقوم ) ! [ الآية : 48 ] . قال سهل رحمة الله عليه : صل المكتوبة بالإخلاص لربك حتى تقوم إليها . وقال بعضهم : نزه ربك عن ظلمه إياك فيما نسب إليك أي فيما أصابك من المحن أي حين تقوم إلى طاعته نزهه بمعرفتك باستغنائه عنك وعن طاعتك . وقال بعضهم : سبح واحمد ربك على ما يسر لك من التسبيح . قوله تعالى : ! ( ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم ) { < الطور : ( 49 ) ومن الليل فسبحه . . . . . > > . قال سهل : لا تغفل صباحا ومساء عن ذكر من لا يغفل عن برك وحفظك في كل الاوقات . * * *
____________________
(2/282)
<
> ذكر ما قيل في سورة النجم <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( والنجم إذا هوى ) { < النجم : ( 1 ) والنجم إذا هوى > > [ الآية : 1 ] . قال ابن عطاء رحمة الله عليه : اقسم بنجوم المعرفة وضيائها وتجليها ونورها والاهتداء بها . قال جعفر : هو محل التجلي والاستتار من قلوب أهل المعرفة . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم الاسكندراني يقول : سمعت أبا جعفر الملطي يقول عن علي بن موسى الرضى عن أبيه جعفر بن محمد رضي الله عنهم في قوله : ! ( والنجم إذا هوى ) ! اسرح منه الأنوار ! ( والنجم ) ! قلب محمد صلى الله عليه وسلم ! ( إذا هوى ) ! انقطع عن جميع ما سوى الله عز وجل . قوله تعالى : ! ( ما ضل صاحبكم وما غوى ) { < النجم : ( 2 ) ما ضل صاحبكم . . . . . > > [ الآية : 2 ] . قال جعفر : ما ضل عن قربه طرفة عين سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : قال ابن عطاء رحمة الله عليه يقول : ! ( ما ضل ) ! عن الرؤية طرفة عين . قال سهل : ! ( ما ضل ) ! عن حقيقة التوحيد قط ولا اتبع الشيطان بحال . قوله تعالى : ! ( وما ينطق عن الهوى ) { < النجم : ( 3 ) وما ينطق عن . . . . . > > [ الآية : 3 ] . قال جعفر : كيف ينطق عن الهوى من هو ناطق بإظهار التوحيد وإتمام الشريعة وإيجاب الأمر والنهي بل ما ينطق إلا بأمر ولا سكت إلا بأمر وكان أمره قربة من الحق وكان نهيه ادبا وزجرا . قال الحسين : من عرف اللطائف علت اخطاره وجلت اقداره وكان الشيخ فتنة عليه . قال لصفيه ! ( وما ينطق عن الهوى ) ! اخذته النعوت مبتدلا في شواهد شعاعها فلا يهتم لآدم ومن دونه لفنائهم عنده ومن لبس الأولية بتيقنه وارتدى الآخرية بتودده ارتفع كل حدث عن صفاته واحواله . قوله تعالى : ! ( إن هو إلا وحي يوحى ) { < النجم : ( 4 ) إن هو إلا . . . . . > > [ الآية : 4 ] .
____________________
(2/283)
قال الواسطي رحمة الله عليه : الوحي للانبياء دروب والوحي للعامة من الأولياء والرسل من الملائكة والثاني آداب نفوسهم من قوة الفهم ( لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) لأن الوحي الهام ! ( يومئذ تحدث أخبارها ) ! والثالث : ما كان منه في المنامات وهو أعلى شيء له ليس لغير الله فيه معنى . قوله عز وعلا : ( ثم دنى فتدلى ) < < النجم : ( 8 ) ثم دنا فتدلى > > [ الآية : 8 ] . قال جعفر : انقطعت الكيفية عن الدنو إلا ترى أن الله حجب جبريل عن دنوه ودنو ربه منه ؟ . وقال أيضا : ! ( دنى ) ! محمد صلى الله عليه وسلم إلى ما أودع في قلبه من المعرفة والإيمان ! ( فتدلى ) ! بسكون قلبه إلى ما أدناه وزال عن قلبه الشك والارتياب . قال القاسم : وقعت المواصلة فاشرف والإشراف هو المشاهدة وقال : ! ( قوسين ) ! موضع الاشكال إشكال ليتبين العارف ويهلك الجاحد . قال الواسطي رحمة الله عليه : ! ( دنى ) ! محمد صلى الله عليه وسلم ! ( فتدلى ) ! الحجاب حتى جاء إلى غيره من الحجاب فما زال الحجب تدلى عن محمد صلى الله عليه وسلم حتى وصل إلى ما أشار إليه من قوله : كان ! ( قاب قوسين ) ! التدلى التكشف . وقال : من توهم انه بنفسه دنى جعل ثم مسافة إنما التدلي انه كلما قربه بنفسه بعده من المعرفة إذ لا دنو للخلق ولا بعد فكلما دنى بنفسه من الحق تدلى بعدا فانقلب في الحقيقة خاسئا وهو حسير إذ لا سبيل اتاه مطالعة الحقيقة وأما الاخبار عن الفصل فإنه أخذه من اتاه واشهده إياه فكان في الحقيقة ذاته مشاهد ذاته في الاخبار أن محمدا صلى الله عليه وسلم شهده . قوله عز وعلا : ! ( فكان قاب قوسين أو أدنى ) { < النجم : ( 9 ) فكان قاب قوسين . . . . . > > [ الآية : 9 ] . والدنو من الله لا حد له والدنو من العبد بالحدود . قوله عز وعلا : ! ( فأوحى إلى عبده ما أوحى ) { < النجم : ( 10 ) فأوحى إلى عبده . . . . . > > [ الآية : 10 ] . قال جعفر : ! ( فأوحى إلى عبده ما أوحى ) ! قال بلا واسطة فيما بينه وبين سره إلى قلبه لا يعلم به أحد سواه بلا واسطة إلا في العقبى حين يعطيه الشفاعة لأمته . قال الواسطي رحمة الله عليه في هذه الآية : ألقى إلى عبده ما القي ولم يظهر ما
____________________
(2/284)
الذي أرجئ لأنه خص به وما كان مخصوصا به كان مستورا وما بعثه به إلى الخلق كان ظاهرا . قال الصادق : ( دنى فتدلى * فأوحى إلى عبده ما أوحى ) . قال : لما قرب الحبيب من الحبيب بغاية القرب نالته غاية الهيبة وألطفه الحق بغاية اللطف لأنه لا يحمل غاية الهيبة إلا غاية اللطف وذلك قوله : ! ( فأوحى إلى عبده ما أوحى ) ! أي ما كان وجرى وما جرى قال الحبيب للحبيب ما يقول الحبيب للحبيب وألطف به الطاف الحبيب لحبيبه واسر إليه ما يسر إلى حبيبه فاخفيا ولم يطلعا على سرهما أحدا سواهما فلذلك قال : ! ( فأوحى إلى عبده ما أوحى ) ! ولا يعلم ذلك الوحي الا الذي أوحى والذي أوحى إليه . قوله تعالى : ! ( ما كذب الفؤاد ما رأى ) { < النجم : ( 11 ) ما كذب الفؤاد . . . . . > > [ الآية : 11 ] . قال سهل رحمة الله عليه : ! ( ما كذب الفؤاد ما رأى ) ! البصر قال : هو في مشاهدة ربه كفاحا يبصره بقلبه . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : قال ابن عطاء رحمة الله عليه : ما اعتقد القلب خلاف ما رأته العين . قال بندار بن الحسين : الفؤاد وعاء القلب فما ارتاب الفؤاد فيما رأى الأصل وهو القلب . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز قال : قال ابن عطاء : ليس كل من رأى مكن فؤاده من إدراكه إذ العيان قد يظهر فيضطرب السر عن حمل الفؤاد عليه والرسول صلى الله عليه وسلم محمول فيها في فؤاده وعقده وحسه ونظره وهذا يدل على صدق صلابته وجملة فيما شوهد به . قال جعفر : لا يعلم أحد ما رأى إلا الذي أرى والذي رأى صار الحبيب إلى الحبيب قريبا وله نجيا وبه انيسا ! ( نرفع درجات من نشاء ) ! . قوله تعالى : ! ( أفتمارونه على ما يرى ) { < النجم : ( 12 ) أفتمارونه على ما . . . . . > > [ الآية : 12 ] . قال بعضهم : على ما يرى منا بنا وما يراه منا بنا افضل مما يراه به منا . قال الواسطي رحمة الله عليه : أفتشكون على دنو مقامه منا وقربه فلا يشك في دنوه إلا من هو محجوب عن علو محله ومرتبته . قوله تعالى : ! ( عند سدرة المنتهى ) { < النجم : ( 14 ) عند سدرة المنتهى > > [ الآية : 14 ] .
____________________
(2/285)
قال الواسطي رحمة الله عليه : لم يسجد محمد صلى الله عليه وسلم عند سدرة المنتهى تعظيما للمحل ولما كان فيه من وجه الانبساط والدنو ويسجد في القيامة عند الشفاعة لأن ذلك موضع الحاجة والحاجة توجب التضرع فعوض على تلك السجدة فيما لا وزن له من الذرية . وقال أيضا : إلى سدرة المنتهى يبلغ كشف الهموم إلا لرجل واحد وهو الذي ! ( دنا فتدلى ) ! مرة على سدرة المنتهى فما زاغ البصر وما طغى . قال الواسطي رحمة الله عليه : لم يسجد محمد صلى الله عليه وسلم عند سدرة المنتهى . قال سهل : لم يرجع محمد صلى الله عليه وسلم إلى شاهد نفسه ولا إلى مشاهدتها وإنما كان مشاهدا بكليته لربه عز وجل يشاهد ما يظهر عليه من الصفات التي اوجبت الثبوت في ذلك المحل . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : قال ابن عطاء لم يره بطغيان يميل بل رآه على شروط اعتدال القوى فلا شك فيه ولا امتراء . قوله تعالى : ! ( لقد رأى من آيات ربه الكبرى ) { < النجم : ( 18 ) لقد رأى من . . . . . > > [ الآية : 18 ] . قال سهل : ! ( لقد رأى من آيات ربه الكبرى ) ! فلم يذهب بذلك عن مشهوده ولم يفارق مجاوره معبوده . قال ابن عطاء : رأى الآيات فلم تكبر في عينه لكبر همته وعلو محله ولاتصاله بالكبير المتعال . وقال بعضهم : من الآيات ما لو رآها غيره لكبر في عينه وعظم ولكنه لتمام تمكينه لم يستكبر كبيرا ولم يعر طرفه شيئا ! ( ما زاغ ) ! عن قصده ! ( وما طغى ) ! عن يقينه . قال ابن عطاء : رأى من آيات ربه الكبرى فهرب منها والتجئ حتى أدنى من محل الرؤية فشكر . وقال جعفر : شاهد من علامات المحبة ما كبر عن الإخبار عنها . قوله تعالى : ! ( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ) { < النجم : ( 23 ) إن هي إلا . . . . . > > [ الآية : 23 ] . قال الجنيد : رأيت سبعين عارفا قد هلكوا بالتوهم أي توهموا انهم عرفوه وهو قوله : ! ( إن يتبعون إلا الظن ) ! . قال الشبلي : من تحقق في حقيقة الحق فهو نفس الحقيقة لأن الله يقول : ! ( إن يتبعون إلا الظن ) ! .
____________________
(2/286)
قوله تعالى : ! ( أم للإنسان ما تمنى ) { < النجم : ( 24 ) أم للإنسان ما . . . . . > > [ الآية : 24 ] . قال الحسين رحمة الله عليه : الاختيار طلب الربوبية والتمني الخروج من العبودية وسبب عقوبة الله عباده ظفرهم بمنيهم . قوله تعالى ذكره : ! ( فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ) { < النجم : ( 39 ) وأن ليس للإنسان . . . . . > > [ الآية : 29 ] . قال بعضهم : ضيع وقته من اشتغل بموعظة طالبي الدنيا والراغبين فيها لأن أحدا لا يقبل على الدنيا إلا بعد الاعراض عن الله قال الله تعالى : ! ( فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ) ! . قوله تعالى : ! ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ) { < النجم : ( 32 ) الذين يجتنبون كبائر . . . . . > > [ الآية : 32 ] . قال ذو النون . ذكر الفاحشة من العارف كفعلها من غيره . قوله تعالى : ! ( إن ربك واسع المغفرة ) ! [ الآية : 32 ] . ! ( واسع المغفرة ) ! لمن استغفره ورأى تقصيره بالقيام بواجب أمره . قوله تعالى : ! ( هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض ) ! [ الآية : 32 ] . قال جعفر : أعلم بكم لأنه خلقكم وقدر عليكم السعادة والشقاء قبل إيجادكم فإنكم ستقبلون في ما جرى عليكم في السبق من الأجل والرزق والسعادة والشقاوة ولا تستجلب الطاعات سعادة ولا المخالفات ولكن سابق المقدور هو الذي يحتم بما بدأ به . قوله تعالى : ! ( فلا تزكوا أنفسكم ) ! [ الآية : 32 ] . قال أبو عثمان رحمة الله عليه : من علم أين هو وإلى أين هو في الوقت علم انه ليس بمحل التزكية ومع هذا هو مخاطب بقوله : ! ( فلا تزكوا أنفسكم ) ! وبماذا يزكى نفسه أبأخلاقه أم أفعاله أم أقواله أم احواله ؟ كلا لكن نفسه هي الأمارة بالسوء التي إلى أي جانب أبصر رأى نقص الرق وذل العبودية . قوله تعالى : ! ( وإبراهيم الذي وفى ) { < النجم : ( 37 ) وإبراهيم الذي وفى > > [ الآية : 37 ] . قال : خرج من نفسه فيما تحمل خفض محنه فشاهد المحن كلها نعمة في جنبه ومشاهدته . قال ابن عطاء رحمة الله عليه : وفى بأربعة أشياء نفسه للنيران وقلبه للرحمن وولده للقربان وماله للإخوان . قال جعفر : معاينة الصدق والوفاء في كل حال وفعل .
____________________
(2/287)
قال الله : ! ( وإبراهيم الذي وفى ) ! . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم قال : وفى بتسليم المال والولد والروح لله في الدنيا في نفسه بحفظها حين ألقى في النار وبولده حين بطحه للذبح بقوله : ! ( وفديناه بذبح عظيم ) ! . قوله تعالى : ! ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) { < النجم : ( 39 ) وأن ليس للإنسان . . . . . > > [ الآية : 39 ] . قال الواسطي رحمة الله عليه : ليس للإنسان إلا ما جحد من سعيه وتبرأ منه . وقال ابن عطاء : ليس له من سعيه إلا ما نواه إن كان سعيه لرضا الرحمن فإن الله يرزقه الرضوان وإن كان سعيه للثواب والعطاء والاعواض فله ذلك . قال محمد بن عيسى الهاشمي : اقرب الطريق من السلامة معرفة المرء بنفسه ومنعها من شهواتها لأنها اكثر سعيها . قال النصرآباذي : سعى الإنسان في طريق السلوك لا في طريق الحقيقة فإذا تحقق سعى به ولا يسعى هو بنفسه وأنشد : ( الطرق شتى وطريق الحق منفرد ** والسالكون طريق الحق أفرادا ) سمعت النصرآباذي يقول : ساعٍ يسعى في طريق ليرى فيه المملكة وساعٍ يسعى في طريق ليشهد فيه الملك فشتان ما بين السعيين وأنشد : ( أيا وجه من اهوى جعلت لك الفدا ** متى نلتقي في مجلس أنت واحدا ) قال أبو بكر الوراق في قوله : ! ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) ! ذلك في بداياتهم ! ( وأن سعيه سوف يرى ) ! في توسط أمورهم ! ( ثم يجزاه الجزاء الأوفى ) ! وذلك في نهاياتهم ! ( وأن إلى ربك المنتهى ) ! وذلك عن فناء العبد من إرادته وصفاته ! ( وأنه هو أضحك وأبكى ) ! النشوء الثاني . قوله تعالى : ! ( وأن سعيه سوف يرى ) { < النجم : ( 40 ) وأن سعيه سوف . . . . . > > [ الآية : 40 ] . قال الواسطي رحمة الله عليه : إنه لم يكن مما يستجلب به شيئا من الثواب . وقال أبو حفص : من نظر إلى آفات عمله والتقصير في مواجبه كره أن يذكر به وانف عن أن ينسب ذلك إلى نفسه أو ينسب إليه ذلك . قال سهل : سوف يرى سعيه فيعلم انه لا يصلح للحق ويعلم ما الذي يستحق لسعيه وانه لو لم يلحق فضل ربه لهلك سعيه .
____________________
(2/288)
قوله تعالى : ! ( وأن إلى ربك المنتهى ) { < النجم : ( 42 ) وأن إلى ربك . . . . . > > [ الآية : 42 ] . قال ابن عطاء : إذا وصل العبد إلى معرفة الربوبية تنحرف عنه كل فتنة ولا يكون له مشيئة غير اختيار الله له . قيل للحسين : ما التوحيد ؟ فقال : أن يعتقد انه مع الكل بقوله : ! ( هو الأول ) ! عند ذلك يطلب المعلولات منه الابتداء إليه والانتهاء قال الله : ! ( وأن إلى ربك المنتهى ) ! ذهبت المعلولات وبقى المعل لها ! ( وأنه هو أضحك وأبكى ) ! . قال سهل : ! ( أضحك ) ! المطيع بالرحمة ! ( وأبكى ) ! العاصي بالسخط . قال بعضهم : ! ( أضحك ) ! الأشجار بالأنوار ! ( وأبكى ) ! عيون العارفين عن نظر العبرة وقيل ! ( أضحك ) ! قلوب العارفين بالحكمة ! ( وأبكى ) ! عيونهم بالحزن والحرقة . قال ابن عطاء : ! ( أضحك ) ! قلوب أوليائه بأنوار معرفته ! ( وأبكى ) ! قلوب اعدائه بظلمات سخطه . قوله تعالى : ( وأنه أمات وأحيا ) < < النجم : ( 44 ) وأنه هو أمات . . . . . > > [ الآية : 44 ] . قال القاسم : يميته عن ذكره وطاعته ويحييه بذكره وطاعته ثم لا يعذرهم . قال ابن عطاء : أمات بعدله وأحيا بفضله . قال النصرآباذي : يميت بالاستتار ويحيي بالتجلي . قال جعفر : أمات بالإعراض عنه وأحيا بالمعرفة به وقال : امات النفوس بالمخالفة وأحيا القلوب بأنوار الموافقة . قوله تعالى : ! ( وأنه هو أغنى وأقنى ) { < النجم : ( 48 ) وأنه هو أغنى . . . . . > > [ الآية : 48 ] . سمعت عبد الله بن محمد الرازي يقول : سمعت إسحاق بن إبراهيم بن أبي حسان الانماطي يقول : سمعت أحمد بن الحواري يقول : سمعت سفيان بن عيينة يقول : في قوله : أغنى وأقنى وأرضى . قال الجنيد في قوله : ! ( وأنه هو أغنى وأقنى ) ! قال : اغنى قوما به وافقر قوما عنه . قوله تعالى : ! ( أزفت الآزفة ) { < النجم : ( 57 ) أزفت الآزفة > > [ الآية : 57 ] . قال الواسطي رحمة الله عليه في هذه الآية : هو الذي أوجب الحواس عن الدعاء والثناء والالتماس واذهب المطالعات والمشاهدات . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : قال ابن عطاء في قوله : ! ( أزفت الآزفة ) ! قال : قرب الأمر القريب .
____________________
(2/289)
<
> ذكر ما قيل في سورة القمر <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) { < القمر : ( 1 ) اقتربت الساعة وانشق . . . . . > > [ الآية : 1 ] . قال عبد العزيز المكي : الاقتراب يدل على مضى الأكثر ويمضي الأقل عن قريب كما قضى الأكثر عن قريب . قوله تعالى : ! ( وكل أمر مستقر ) { < القمر : ( 3 ) وكذبوا واتبعوا أهواءهم . . . . . > > [ الآية : 3 ] . قال القاسم : كل أمر من الأمور امضيته على خلقي واستقر قراره لا يزول أبدا لا يغالطني أحد بخلاف ولا يدافع أمري بجهد وذلك لاستقرار أموري قرارها . قوله تعالى : ! ( حكمة بالغة ) { < القمر : ( 5 ) حكمة بالغة فما . . . . . > > [ الآية : 5 ] . قال أبو يزيد رحمة الله عليه : كل آية تمر بالعارف له في ذلك حكمة واكبر آية له في الحكمة البالغة لأنها ثابتة في حدود المعرفة بالغة منتهاها . قوله تعالى : ! ( فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ) { < القمر : ( 10 ) فدعا ربه أني . . . . . > > [ الآية : 10 ] . قال بعضهم : لولا ما جرى الله في الوسائط لتأديب العبيد لضلوا ممن ينصر في أين الغالب وأين المغلوب إذا كان الحق صرفا ينطق ويسكت معناه ! ( أني مغلوب فانتصر ) ! الله غالبه وهازمه ! ( تجري بأعيننا ) ! . قال ابن عطاء : عيون الله في ارضه إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم اجمعين وهي تجري بهم وليس بينهما واسطة إذا كانوا به وكانوا له وعنه وفيه ومنه وهم يشهدون فعل ذاته وهو يجري بهم تجري بأعيننا التنقل في الدرجات والمقامات والكرامات وفي المواجيد في الأسرار يلقون فيها تحية وسلاما . قوله تعالى : ! ( جزاء لمن كان كفر ) { < القمر : ( 14 ) تجري بأعيننا جزاء . . . . . > > [ الآية : 14 ] . قال ابن عطاء رحمة الله عليه : أي لمن صرفه الله عن استعمال الطاعة وستره عن الحقيقة . قوله تعالى : ! ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) { < القمر : ( 17 ) ولقد يسرنا القرآن . . . . . > > [ الآية : 17 ] .
____________________
(2/290)
قال الواسطي رحمة الله عليه : يسر القرآن لمن ذكره وعلم روحه قلبه فهل من مدكر أي هل من ذاكر لما جرى منه إليه . قوله تعالى : ( إنا كل شيء خلقناه بقدر ) < < القمر : ( 49 ) إنا كل شيء . . . . . > > [ الآية : 49 ] . قال القاسم : دخل في هذا المعنى نفوس الخلق واعمالهم وآثارهم وخطرت قلوبهم وأنفاسهم في اوقاتهم وأخلاقهم المحمودة والمذمومة وآجالهم ومعايشهم إظهارا لما سبق فيهم من العلم وإيجاد القدرة انه ضبط كل شيء بتقديره لا انفكاك لأحد من ذلك تقديرا من العزيز العليم وقهر جميع الأشياء بإجراء إرادته عليهم وتيسيرهم على ما قدر عليهم ولهم . سمعت نصر بن محمد الصيدلاني يقول : سمعت محمد بن أبي العباس الحافظ يقول : سمعت محمد بن علي بن أبي خالد يقول : سمعت يوسف بن الحسين وقد سئل عن شيء من القدر فقال : من اصولنا أن القضاء امضى بنا من عزمنا . قوله تعالى : ( وكل شيء فعلوه في الزبر ) < < القمر : ( 52 ) وكل شيء فعلوه . . . . . > > [ الآية : 52 ] . قال بعض السلف : من عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه . وقوله تعالى : ! ( في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) { < القمر : ( 55 ) في مقعد صدق . . . . . > > [ الآية : 55 ] . قال جعفر : مدح المكان بالصدق فلا يقعد فيه إلا أهل الصدق وهو المقعد الذي يصدق الله فيه مواعيد أوليائه أن يبيح لهم النظر إلى وجهه الكريم . قال الواسطي رحمة الله عليه : ليس محل من اشتغل بنفسه وتلذذ بمطعمه ومشربه كمن كان شغله بالحق والقيام بأوامره ونظره إلى ربه في مقعد صدق عند مليك مقتدر . وقال : من طلب الأعواض هتكته الأطماع ومن ذهب فيما لا خطر له عقل عما فيه الأخطار ومن عوقب بزينة الدنيا حجب عن مطالعة الآخرة ومن شغلته الجنة ونعيمها فقد حجب عن رؤيته في وقت دون وقت وأهل الصفوة والمتحققون في أنوار المعارف لا تحجبهم الجنة ولا النعيم ولا شيء منه أولئك في مقعد صدق عند مليك مقتدر . * * *
____________________
(2/291)
<
> ذكر ما قيل في سورة الرحمن <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( الرحمن علم القرآن ) { < الرحمن : ( 1 - 2 ) الرحمن > > [ الآية : 1 ، 2 ] . قال بعضهم : علم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة وعلم محمدا القرآن وعرضه على نفسه فقال : فيما يختصم الملأ الأعلى يعني الملائكة . وقال بعضهم : علم الروح القرآن قبل الجسد ، فالأجساد أخذت القرآن وتعلمته تبعا للأرواح . وقال الواسطي رحمة الله عليه : اورثهم تعليم الحق إياهم الاصطفائية وهو انه لما كان الحق معهم اجيز عنهم فقال : ! ( أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) ! أي أورثنا القرآن من خصصناهم بتعليمنا ومن ذلك قوله : ! ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم ) ! بأن تولى الحق تعليمهم . وقال أيضا : ! ( الرحمن علم القرآن ) ! ذكر بلفظ الماضي عناية ودعاية . وقال ابن عطاء : لما قال الله تعالى : ! ( وعلم آدم الأسماء كلها ) ! أراد أن يخص أمة محمد صلى الله عليه وسلم بخاصية مثله فقال : ! ( الرحمن علم القرآن ) ! أي الذي علم آدم الأسماء وفضله بها على الملائكة هو الذي علمهم القرآن وفضلكم به على سائر الأمم فقيل له : متى علمهم ؟ قال : علمهم حقيقة في الأزل واظهر عليهم تعليمه وقت الايجاد والتعليم حيث كان في جملة العلم فلما كشف العلم عن الإيجاد اظهر عليهم آثار التعليم . قال الحسين : الرحمن علم الأرواح القرآن شفاها ومخاطبة فأخذته الأنفس وتعلمته بتلقين الوسائط . وقال بعضهم في قوله : ! ( الرحمن علم القرآن ) ! هو تفسير قوله : ! ( وعلمك ما لم تكن تعلم ) ! .
____________________
(2/292)
قوله تعالى : ! ( خلق الإنسان علمه البيان ) { < الرحمن : ( 3 - 4 ) خلق الإنسان > > [ الآية : 3 ، 4 ] . قال الجنيد رحمة الله عليه : خص آدم بأن خلقه بيده ونفخ فيه من روحه واسجد له الملائكة وهو تخصيص الخلقة . قال سهل في قوله : ! ( علمه البيان ) ! أي الكلام الذي هو ذهن الخلق ونفس الروح فهم العقل وفطنة القلب وعلم النفس الطبع . قال الواسطي رحمة الله عليه : ! ( خلق الإنسان علمه البيان ) ! . قال : كاشف روحه قديما والبيان لا يكون إلا بكشف ما تقدم وهو كشف ذلك التعليم الذي سبق . وقال الجنيد : خلق الإنسان جاهل به فعلمه السبيل إليه . وقال الواسطي رحمة الله عليه : الإنسان شيئان ذكر وفكر فإن كان ذكره وفكره إلى حظ نفسه انقطع عن الله وإن كان ذكره وفكره لله وبالله اتصل بالله وصفت حسوسه وتفتت من المزاج والكدر وبقى بصفاء قلبه ناظرا إلى ملكوت ربه كلما ازداد فكرا أو ذكرا زاد قربا وعلما . قوله تعالى : ! ( وأقيموا الوزن بالقسط ) { < الرحمن : ( 9 ) وأقيموا الوزن بالقسط . . . . . > > [ الآية : 9 ] . قال ابن عطاء : اظهر الوحدانية بصدق الظاهر وصفاء الباطن وحقيقة السر واستقامة العزيمة وقال : كن لي صرفا اكن لك حقا . قوله تعالى : ! ( فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام ) { < الرحمن : ( 11 ) فيها فاكهة والنخل . . . . . > > [ الآية : 11 ] . قال جعفر : جعل الحق قلوب أوليائه رياض انسه فغرس فيها اشجار المعرفة أصولها نابتة في أسرارهم فروعها قائمة بالخضرة في المشهد فهم يجنون منها ثمار الأنس في كل أوان وهو قوله : ! ( فيها فاكهة والنخل ذات ) ! أي ذوات الوان كل يجتنى منها لونا على قدر سعيه وما كشف من بوادي المعرفة وآثار الولاية . قوله تعالى : ! ( رب المشرقين ورب المغربين ) { < الرحمن : ( 17 ) رب المشرقين ورب . . . . . > > [ الآية : 17 ] . مشرق القلب ومغربه ومشرق اللسان ومغربه . قال بعضهم : مشرقه توحيده ومغربه مشاهدته ورب المشارق الجوارح المستعملة بالإخلاص ومغاربها الطاعة لله بالسنة .
____________________
(2/293)
قوله تعالى : ! ( مرج البحرين يلتقيان ) { < الرحمن : ( 19 ) مرج البحرين يلتقيان > > [ الآية : 19 ] . قال سهل : البحرين هما اوامر الخير وأوامر الشر بينهما برزخ لا يبغيان وهو العصمة والتوفيق . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : في قوله : ! ( مرج البحرين يلتقيان ) ! قال : بين العبد وبين الرب بحران عميقان أحدهما بحر النجاة وهو القرآن من تعلق به نجا لأن الله تعالى يقول : ! ( واعتصموا بحبل الله جميعا ) ! وبحر الهلاك وهو الدنيا من ركن إليها هلك . قوله تعالى : ! ( كل من عليها فان ) { < الرحمن : ( 26 ) كل من عليها . . . . . > > [ الآية : 26 ] . سمعت جعفر بن محمد الخواص يقول : سئل الجنيد رحمة الله عليه عن قوله : ! ( كل من عليها فان ) ! فقال : من كان بين طرفي فناء فهو فان . قال ابن عطاء : من كان مقيما على اتباع هواه فهو فان هالك من حيث لا يشعر . سئل بعضهم عن علم الفناء والبقاء قال : هو علم فناء الدنيا وزوالها وبقاء الآخرة ودوامها دليله من القرآن قوله : ! ( كل من عليها فان ) ! . قوله تعالى : ( ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام ) < < الرحمن : ( 27 ) ويبقى وجه ربك . . . . . > > [ الآية : 27 ] . قال الواسطي : الذي أخفى من شاهده للخاصة ولا يظهره للعوام فسئل أفرق بين الدارين ؟ قال : نعم اعطاهم في الدنيا بما اظهر على السرائر واعطاهم في الآخرة على الظواهر استتر في الدنيا بما اظهر من عجائبه واستتر في الآخرة بما اظهر على اقدارهم وهو الذي لا يطيق الخلق إخفاءه إلا على من تولاه بإسبال تغيبه عن شاهده . قوله تعالى : ! ( يسأله من في السماوات والأرض ) { < الرحمن : ( 29 ) يسأله من في . . . . . > > [ الآية : 29 ] . قال ابن عطاء : الغني على الحقيقة من استغنى عن الأكوان وما فيها وعن ما أبدا لهم وعليهم من أحوالهم ونظر إلى الأكوان كلها على الاحتياج إليه والرجوع إلى بابه سائلين محتاجين مظهرين لفقرهم وفاقتهم وحاجتهم وعجزهم فقال : ! ( يسأله من في السماوات ) ! القوة على العبادة وهم الملائكة ومن في الأرض الرزق والعافية وفي حملتهم خواص شغلهم عن سؤاله واغناهم علمه بهم عن التعرض لهم بحال الناظرين إليه بالأسرار الذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم بقوله جل ذكره : ' من شغله ذكرى عن مسألتي
____________________
(2/294)
أعطيته افضل ما أعطى السائلين ' . قال الواسطي : من سأل الله أعطاه سؤله على قدره ومن ابتدأه بالعطاء ابتدأه بما يليق بفضله وجوده وكرمه قال الله تعالى : ! ( حبب إليكم الإيمان ) ! وقال النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل : ' أعطيتكم قبل أن تسألوني واستجبت لكم قبل أن تدعوني ' . قوله تعالى : ! ( كل يوم هو في شأن ) ! [ الآية : 29 ] . قال أبو سليمان الداراني في هذه الآية : معناه كل يوم إلى عبيده بر جديد . وقال : هو ايصال نعمه إليك ودفع ضره عنك فلم تغفل عن طاعة من لا يغفل عن برك ؟ قال القاسم : ومن عجائب شأنه إخفاء اماراته وعلاماته فيها ويظهرها وقتا ويغفلها وقتا ويوقظها وقتا . قال الواسطي : تغييب ظاهر وإظهار غائب وقال : سوق المقادير إلى أوقاتها . وقال في قوله : ! ( كل يوم هو في شأن ) ! يعني شأن الخلق فإذا سألت لك أمرا منهم ومن الذين هو في شأنهم أنشأتك مرضيا عنده فتشربه وقد رضيت بما اختار لك ربك . مما يسوق إليك في اوقاتك من قضائه وقدره مرضى بقى بلا جواب لأن ذلك من علم الغيب . سمعت أحمد بن جعفر بن مالك يقول : سمعت الجنيد يقول : يا من هو كل يوم في شأن اجعلنا في بعض شأنك . قوله تعالى : ! ( سنفرغ لكم أيها الثقلان ) { < الرحمن : ( 31 ) سنفرغ لكم أيها . . . . . > > [ الآية : 31 ] . قال ابن عطاء : الأشغال منفى عن الحق ومعناه انه لا يتم شغله إلا بمعونته ولا يكمل شيء من ذلك إلا بتقديره وتدبيره . قوله تعالى : ! ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) { < الرحمن : ( 46 ) ولمن خاف مقام . . . . . > > [ الآية : 46 ] .
____________________
(2/295)
قال بعضهم : هو المقام الذي يقوم بين يدي ربه يوم القيامة عند كشف الستور وإظهار حقائق الأمور وسكوت الكل من الأولياء والأنبياء وظهور القدرة والجبروت . وقال البصري : الخوف على ثلاثة اوجه خوف في الدين وهو خوف العامة وخوف عارض عند تلاوة القرآن وخوف مزعج ينخل القلب والبدن وهو الخوف الحقيقي . وقال أيضا : شيئان مزعجان الخوف المزعج والشوق المقلق . قال ذو النون رحمة الله عليه : علامة خوف الله أن يؤمنك خوفه في كل خوف . وقال بعضهم في قوله : ! ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) ! قال : ذلك عند الهم بالمعصية وعند مباشرة الطاعات . قوله تعالى : ! ( فيهن قاصرات الطرف ) { < الرحمن : ( 56 ) فيهن قاصرات الطرف . . . . . > > [ الآية : 56 ] . قال سهل : من قصر طرفه في الدنيا عن الحرام ، والشبهات ، وعن اللذات وزينتها ، أعطاه الله في الآخرة قاصرات الطرف التي وعد . قوله تعالى : ! ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) { < الرحمن : ( 60 ) هل جزاء الإحسان . . . . . > > [ الآية : 60 ] . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت جعفر بن محمد يقول : سمعت إبراهيم الخواص يقول في قوله : ! ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) ! قال : هل جزاء الإسلام إلا دار السلام والسلامة من المخاوف اجمع وهل جزاء الطاعات الا الدرجات وهل جزاء الشكر ورؤية المنة إلا الزيادة والرؤية وهل جزاء من ترك الكفر إلا التحقق له في الإيمان وهل جزاء من ترك الدنيا إلا الآخرة وهل جزاء من ترك الأنس بالمخلوقين إلا أن يوصل إلى محل الأنس بربه وهل جزاء من انقطع بنفسه إلا وجود القلب مع الله . وهل جزاء من صبر مع الله إلا الوصول إليه وهل جزاء من خاف في الدنيا إلا الأمن في العقبى وهل جزاء من آمن وعمل صالحا مخلصا إلى البشرى عند الموت . وقال الجنيد : هل جزاء من ترك الكل لنا وفينا إلا أن يكون عوضه عن الكل . وقال بعضهم : هل جزاء من احسن إليك إلا أن تحسن بينك وبينه لأن الله يقول : ! ( وبشر المحسنين ) ! . وقال بعضهم : هل جزاء من وفق للإحسان إلا الإحسان إليه ، وهل جزاء من عاملنا على المشاهدة في دنياه إلا أن نكرمه بالنظر الينا في دار السلام واصله قول النبي صلى الله عليه وسلم :
____________________
(2/296)
' اعبد الله كأنك تراه ' . سمعت النصرآباذي يقول : محسن يرى الإحسان من نفسه ومحسن يرى الإحسان من المحسن ورؤية الإحسان من النفس على رؤية المنة حسن ورؤية المحسن احسن ، فإن قيل : متى احسن اليهم ؟ فقل : حين لا متى ، لذلك قيل في الدعاء : يا قديم الإحسان . وقال ابن عطاء : هل جزاء الهداية والتقرب إلا الانقطاع عما دونه والفخر به . وقال عبد العزيز المكي : ليس للتائب من الكريم اللطيف إلا المغفرة والرحمة والزلفى والترحيب . وقال جعفر : هل جزاء من احسنت إليه في الأزل إلا حفظ الإحسان عليه إلى الأبد . وقال بعض الحكماء : الإحسان في ثلاثة أشياء الإحسان في أن تعبده ولا تشرك به والثاني أن تعمل له على المشاهدة كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك والثالث أن تسرع إلى أوامره وتتباعد عن مناهيه . وقال بعضهم في قوله : ! ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) ! قال : هل جزاء الطاعات إلا الدرجات وهل جزاء الإسلام إلا دار السلام والسلامة من المهالك وهل جزاء المتقين إلا الرؤية وهل جزاء من انقطع عن الأنس بالمخلوقين إلا الأنس بالله وهل جزاء من غاب عن نفسه إلا وجود القلب مع الله . قوله تعالى : ! ( فيهن خيرات حسان ) { < الرحمن : ( 70 ) فيهن خيرات حسان > > [ الآية : 70 ] . قال ابن عطاء : احل الخيرات في الجنة أنها محل القربى وتصديق بالوعد ومحل الإيجاب والرضا للعبيد من ربهم كما روى في الخبر أن الله عز وجل يقول لأهل الجنة احل لكم داري وانالكم كرامتي . قوله تعالى : ! ( حور مقصورات في الخيام ) { < الرحمن : ( 72 ) حور مقصورات في . . . . . > > [ الآية : 72 ] . قال يحيى بن معاذ : التي لا يقدر أحد على حكايتها وتعمى عيون المبصرين عن بلوغ حسنها كأن السنة العشق تنطق بمنيات العقول عن وحيها وأنامل الافراح المستبصرين تضرب بدفوف الفتن في صورتها معشوقة لو رآها الخلق لتحيروا فيها التي قال الله
____________________
(2/297)
تعالى : ! ( حور مقصورات في الخيام ) ! . قوله تعالى : ! ( تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام ) ! . < < الرحمن : ( 78 ) تبارك اسم ربك . . . . . > > قال بعضهم : تبارك ربك أي جل ربك وتنزه وعظم قدره عما يقول الملحدون المبطلون جميعا لأن كل مثن يثنى عليه بقدره وكل ذاكر يذكره على قدر طاقته وطبعه وعلمه وفهمه والحق تعالى ذكره خارج عن أوهام الآدميين لأن الثناء والمعارف دون الغايات فسبحانه وتعالى عما أثنى عليه غيره ولا وصفه بما يليق به سواه عجزا إلا الأنبياء جميعهم عن ذلك حتى قال اجلهم قدرا واعلاهم ذكرا وارفعهم محلا صلى الله عليه وسلم : ' سبحانك لا احصى ثناء عليك أنت كما اثنيت على نفسك ' لا احصى مدحك ولا الثناء عليك أنت كما اثنيت على نفسك . * * *
____________________
(2/298)
<
> ذكر ما قيل في سورة الواقعة <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( إذا وقعت الواقعة ) { < الواقعة : ( 1 ) إذا وقعت الواقعة > > [ الآية : 1 ] . قال سهل : إذا ظهر لكل سالك بيان سلوكه فمن كان سلوكه على منهاج النبوة والاقتداء قاده ذلك على منهاج الحق ومن كان سلوكه على الظن والحسبان قاده ذلك إلى منهاج الباطل . قال ابن عطاء رحمة الله عليه : إذا تبين مراد المريد من مراده . قوله تعالى : ! ( خافضة رافعة ) { < الواقعة : ( 3 ) خافضة رافعة > > [ الآية : 3 ] . قال ابن عطاء : تخفض اقواما بالعدل وترفع اقواما بالفضل . قال سهل رحمة الله عليه يخفض أقواماً بالدعاوى ورفع أقواماً بالحقائق . وقال أبو بكر بن طاهر : يخفض النفوس ويرفع القلوب . وقال جعفر : يخفض قوما بالطلب ويرفع قوما بالتوكل . وقال النصرآباذي رحمة الله عليه : خافضة رافعة خافضة باتباع الأسباب دافعة برؤية المسبب . قوله تعالى : ( وأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة ) < < الواقعة : ( 8 - 9 ) فأصحاب الميمنة ما . . . . . > > [ الآية : 8 ، 9 ] . قال ابن عطاء رحمه الله : أزواج ثلاثة فأصحاب الميمنة هم أصحاب الجنة وأصحاب المشأمة هم أصحاب النار والسابقون هم العبيد المخلصون ثم يصير أصحاب الميمنة على ثلاثة طبقات ظالم ومقتصد وسابق . قوله تعالى : ! ( والسابقون السابقون ) { < الواقعة : ( 10 ) والسابقون السابقون > > [ الآية : 10 ] . هم الذين سبقت لهم من الله الولاية قبل كونهم هم المقربون أي في منازل القربة وروح الأنس . وقال : سبق الأنبياء إلى الإيمان بالله والصديقون والشهداء إلى الإيمان بالأنبياء .
____________________
(2/299)
وقال الجريري في قوله : ( والسابقون السابقون أولئك هم المقربون ) قال : إنما قربوا إلى ربهم لأنهم لم يكن لهم همة غيره . وقال : في النفس أزواج ثلاثة فإذا استقامت للسبق استقامت : الروح بالرعاية والقلب بالحراسة والجوارح بالخدمة ، والروح من الله الحياء والقلب الصفاء والجوارح الجزاء . قال القاسم أضاف الله عز وجل الأفعال إلى عباده بقوله : ! ( والسابقون السابقون ) ! ثم قال : ! ( أولئك المقربون ) ! ولم يكونوا مقربين لما كانوا سابقين ولو كانت الأفعال إليهم حقيقة لكانوا مقربين ولم يكونوا مقربين . سمعت عبد الله بن محمد الشعراني يقول سمعت أبا علي الجوزجاني يقول : السابقون هم المقربون بالعطيات والمكرمون بالبشارات وهم العلماء بالله من بين البرية عرفوا الله حق معرفته وعبدوه بأخلص العبادة وانقادوا إليه بالشوق والمحبة فهم الذين قال الله : ! ( والسابقون السابقون أولئك المقربون ) ! . قوله تعالى : ! ( ثلة من الأولين ) ! قال سهل هم أهل المعرفة : ! ( وثلة من الآخرين ) { < الواقعة : ( 13 - 14 ) ثلة من الأولين > > هم الذين آمنوا بالكتب والرسل ومحمد صلى الله عليه وسلم . قوله تعالى : ! ( لا يصدعون عنها ولا ينزفون ) { < الواقعة : ( 19 ) لا يصدعون عنها . . . . . > > [ الآية : 19 ] . قال جعفر : لا يذهل عقولهم عن موارد الحقائق ولا يغيبون عن مجلس المشاهدة بحال . قوله تعالى : ! ( جزاء بما كانوا يعملون ) { < الواقعة : ( 24 ) جزاء بما كانوا . . . . . > > [ الآية : 24 ] . قال الحسين : رد الشيخ إلى الشيخ والمخلوق إلى المخلوق لما كانت أفعالهم مخلوقة وأذكارهم مخلوقة معلولة جعل جزاءها فاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين وما يشبهها ولما كان فضله واحسانه إلى عباده بالدين وهو غير مخلوق جعل ثوابه وجزاءه مما يليق به فقال : ! ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) ! . قوله تعالى : ! ( لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما ) { < الواقعة : ( 25 ) لا يسمعون فيها . . . . . > > [ الآية : 25 ] . قال : ما ذاك بمشهد لغو ولا مكان إثم لأنه قدس بالاخوان المقدسين من العباد فلا يظهر منهم ولا عليهم إلا ما يصلح لذلك المقام . قوله تعالى : ! ( إلا قيلا سلاما سلاما ) { < الواقعة : ( 26 ) إلا قيلا سلاما . . . . . > > [ الآية : 26 ] .
____________________
(2/300)
قال ابن عطاء : سلم بساط القربة عن اللغو والإثم لكنه محشو بالأنس مكشوف لأهلها عن محل السلامة وسماع السلام على حدود الدرجات فمنهم من يكون من أهل سلام الجنس ومنهم من يكون من أهل سلام الملائكة ومنهم من يكون من أهل سلام الحق على مراتبهم . قوله تعالى : ! ( وظل ممدود ) { < الواقعة : ( 30 ) وظل ممدود > > [ الآية : 30 ] . سمعت أبا نصر الاصفهاني يقول : سمعت أبا جعفر الملطي عن علي بن موسى الرضى عن أبيه عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهم اجمعين قال : الظل : رحمة الله التي ثبتت لمحمد صلى الله عليه وسلم والممدود فضله على الموحدين وعدله على الموحدين . قوله تعالى : ! ( لا مقطوعة ولا ممنوعة ) { < الواقعة : ( 33 ) لا مقطوعة ولا . . . . . > > [ الآية : 33 ] . قال : لم يقطع عنهم المعونة والتأييد ولو قطع عنهم ذلك لهلكوا ولا شبعوا من التلذذ بمجاورة الحق ولو منعوا عن ذلك لاستوحشوا . قوله تعالى : ! ( وننشئكم في ما لا تعلمون ) { < الواقعة : ( 61 ) على أن نبدل . . . . . > > [ الآية : 61 ] . قال الواسطي : من أسباب الشقاوة والسعادة . وقال الخراز : حصرهم القلم وحصرهم العلم أقل القليل وبعينهم اكثر الكثير فلا يعلمون في شاهد علم الظاهر معروفين غير مجهولين وربما جهلوا أنفسهم في علم الظاهر وجهلتهم الخليقة وهم في سر الغيب محفوظين جاري عليهم من الله بضد ما تعلمون . قوله تعالى : ! ( ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون ) { < الواقعة : ( 62 ) ولقد علمتم النشأة . . . . . > > [ الآية : 62 ] . قال القاسم : الم تعلموا أنا خلقناكم من تراب ثم من مضغة ثم من علقة ثم من ماء مهين أفلا تتعظون من هذه المواعظ وتبصرون إلى عجائب الصنع فيكم وتستحون من هذه الدعاوي والأماني والإضافات وتلزمون الادب فإن من تعدى دوره هتك ستره . قوله تعالى : ! ( نحن جعلناها تذكرة ) { < الواقعة : ( 73 ) نحن جعلناها تذكرة . . . . . > > [ الآية : 73 ] . قال جعفر : موعظة للمتقين وآله للأولياء من العارفين في حمله . قوله تعالى : ! ( فسبح باسم ربك العظيم ) { < الواقعة : ( 74 ) فسبح باسم ربك . . . . . > > [ الآية : 74 ] . قال الواسطي : سبحه باسمه فإن اسم الشيء هو الشيء بعينه وهو العظيم .
____________________
(2/301)
وقال ابن عطاء : سبحه أن الله هو اعظم من أن يلحقه تسبيحك أو يحتاج إلى شيء منك لكنه شرف عبيده بأن أمرهم أن يسبحوه ليظهروا أنفسهم مما ينزهونه به . قوله تعالى : ! ( فلا أقسم بمواقع النجوم ) { < الواقعة : ( 75 ) فلا أقسم بمواقع . . . . . > > [ الآية : 75 ] . قال ابن عطاء : هو مواقع ما يظهر على سر النبي صلى الله عليه وسلم من أنوار الحق وزوائد التحقيق مما خص به من الدنو والقربى والزلف التي لم يؤمر بإظهارها والإخبار عنها . قوله تعالى : ! ( إنه لقرآن كريم ) { < الواقعة : ( 77 ) إنه لقرآن كريم > > [ الآية : 77 ] . قال : يدل على مكارم الأخلاق ومعالي الأمور وشريف الأفعال . وقيل : قرآن كريم بنزوله من كريم بواسطة كريم إلى اكرم الخلق أجمعين . قوله تعالى : ! ( لا يمسه إلا المطهرون ) { < الواقعة : ( 79 ) لا يمسه إلا . . . . . > > [ الآية : 79 ] . قال بعضهم : لا ينال بركته وخيره إلا من طهر يوم القيامة عن الشقاوة وخلقه يوم خلقه مطهرا من المخالفات . قال ابن عطاء : لا يفهم إشارات القرآن إلا من طهر سره عن الأكوان بما فيها . وقال الجنيد : الا العارفون بالله المطهرون سرهم عما سواه . وقال جعفر : إلا القائمون بحقوقه المتبعون أوامره والحافظون حرماته . قوله تعالى : ! ( فلولا إذا بلغت الحلقوم ) { < الواقعة : ( 83 ) فلولا إذا بلغت . . . . . > > [ الآية : 83 ] . قال ابن معاذ : وانتم حينئذ تنظرون وقد بلغت نفسه الحلقوم وخلا منها عند ذلك الكشح والحيزوم وهو ذابل الشفتين غابر العينين يلتفت يمينا وشمالا . قوله تعالى : ! ( ونحن أقرب إليه منكم ) { < الواقعة : ( 85 ) ونحن أقرب إليه . . . . . > > [ الآية : 85 ] . قال ابن عطاء : إنما ذكر هذا ليعرفوا اقربه منهم لأن بينه وبينهم مسافة ولكن خطاب التحذير والترهيب . قال بعضهم : يتقرب المتقربون إليه بانواع الطاعات لعلمهم بعلم الله بهم وقدرته عليهم ، ومن تحقق بذلك كان كعامر بن عبد قيس حين قال : ما نظرت إلى شيء إلا ورايت الله اقرب إلى منه . كما قال بعضهم : ( وتحققتك في سرى فناجاك لساني ** فاجتمعنا لمعان وافترقنا لمعاني ) ( إن يكن غيبك التعظيم عن لحظ عياني ** فلقد سيرك الوجد من الاحشاء داني )
____________________
(2/302)
قال الجنيد : قرب الحق إلى قلوب العبيد على حسب ما يرى من قرب قلوب عبيده منه فانظر ماذا يقرب من قلبك . وقال بعضهم : إن لله عبادا قربهم منه بما هو قريب منهم فكانوا قريبين منه بما هو قريب إليهم . وقال أبو الحسين الثوري : قرب القرب في معنى ما يشيرون إليه بعد البعد . وقال أبو يعقوب السوسي : ما دام العبد في القرب لم يكن قربا حتى يغيب عن القرب بالقرب فإذا ذهب عن رؤية القرب بالقرب فذاك قرب . قوله تعالى : ! ( فأما إن كان من المقربين فروح وريحان ) { < الواقعة : ( 88 ) فأما إن كان . . . . . > > [ الآية : 88 ] . سمعت السلامي يقول : الروح لقلوبهم والريحان لنفوسهم والجنة لأبدانهم . وقال بعضهم : روح في الدنيا وراحة في القبر وجنة نعيم في الآخرة . وقال بعضهم : ترويح الأرواح في المشاهدة واستراحة النفوس إلى آداب الأوامر وجنة نعيم مستقر يستقرون فيه عند المجاورة . وقال ذو النون : مقامات المقربين عشرة سلامة الصدر واعتقاد الرضا والتوكل على الله والرفق بعباده والرحمة للضعفاء وإصلاح ذات البين والفرح بصلاح الأمة والغنم بفسادها واعتقاد حسن الظن بالله . وقال بعضهم : الذين قربهم في الأزل الروح لهم عند الموت والريحان في الجنة عند اللقاء وهو استرواح الأسرار إلى المشاهدة والتنعم في الجنة بالمجاورة . وقال ابن عطاء : الروح النظر إلى وجه الحنان والريحان الاستماع لكلامه وجنة النعيم هو أن لا يحجب العبد فيها عن مولاه إذا تصدر نازلة وللمقربين ذلك في الدنيا روحهم المشاهدة وريحانهم سرور الخدمة وجنة نعيم الستر وبالذكر . وقال بعضهم : الروح النظر والريحان السماع . قوله تعالى : ! ( وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين ) { < الواقعة : ( 90 - 91 ) وأما إن كان . . . . . > > [ الآية : 90 ، 91 ] . قال سهل : أصحاب اليمين هم الموحدون أي العاقبة لهم بالسلامة لأنهم امناء الله قد أدوا الأمانة يعني أمره ونهيه والتابعين بإحسان لم يحدثوا شيئا من المعاصي والزلات قد
____________________
(2/303)
أمنوا الخوف والهول الذي ينال غيرهم . وقال بعضهم : أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن أصحاب اليمين سلموا من درك الشقاء وسوء القضاء بانهم ينالون الكرامة بحفظهم الأمانة . قوله تعالى : ! ( إن هذا لهو حق اليقين ) { < الواقعة : ( 95 ) إن هذا لهو . . . . . > > [ الآية : 95 ] . قال ابن عطاء : إن هذا القرآن لحق ثابت في صدور المؤمنين واهل اليقين وهو الحق من عند الحق فلذلك تحقق في قلوب المحققين واليقين استقر في قلوب أوليائه . قوله تعالى : ! ( فسبح باسم ربك العظيم ) { < الواقعة : ( 96 ) فسبح باسم ربك . . . . . > > [ الآية : 96 ] . شكرا لما وفقنا أمتك من التمسك بسنتك . * * *
____________________
(2/304)
<
> ذكر ما قيل في سورة الحديد <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( سبح لله ما في السماوات والأرض ) { < الحديد : ( 1 ) سبح لله ما . . . . . > > [ الآية : 1 ] . قال ابن عطاء رحمة الله عليه : أمر الله عباده بتسبيحه وقد سبح نفسه في الأزل فغيب كنه تسبيحه عن عباده فسبحه الخلق على العادة إلى أن يتحقق تسبيحه فيصل تسبيحهم بتسبيحه فيتحقق لهم التسبيح . قال جعفر : سبح الكل وهو غني عن تسبيحهم كيف يصل إليه ذلك وهو الذي أخرجه وتولى إظهاره . قوله تعالى : ! ( وهو العزيز الحكيم ) ! [ الآية : 1 ] . قال القاسم : هو الذي لا يدركه طالبوه لتمام عزه ولا يلحقه الاشارات لكمال حكمته لأن المشار تدركه الأين ثم تلحقه . وقال جعفر : هو الذي لا يدركه طالبوه ولا يعجزه هاربوه . قوله تعالى : ! ( له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت ) { < الحديد : ( 2 ) له ملك السماوات . . . . . > > [ الآية : 2 ] . قال ابن عطاء هو مالك الكل وله الملك اجمع يميت من يشاء بالأشتغال بالملك ويحيى من يشاء للإقبال على الملك . قوله تعالى : ! ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن ) { < الحديد : ( 3 ) هو الأول والآخر . . . . . > > [ الآية : 3 ] . قال الواسطي : لم يدع للخلق نفسا بعدما أخبر عن نفسه انه الأول والآخر والظاهر والباطن . قال سهل : اسم الله الأعظم مكنى عنه في ست آيات في أول سورة الحديد من قوله : هو الأول والآخر والظاهر والباطن وليس في الأسماء معنى المعرفة في المسمى ولا المعنى في عبادته إلا المعرفة بالمعبود . سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول : سمعت محمد بن الفضل وقد سئل عن قوله : ! ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن ) ! فقال : أول ببره وآخر بعفوه وظاهر
____________________
(2/305)
بإحسانه وباطن بستره . وقال الواسطي رحمة الله عليه : من كان حظه من اسمه الأول كان شغله بما سبق ومن لاحظ اسمه الآخر كان مرتبطا بما يستقبله ومن كان حظه من اسمه الظاهر لاحظ عجائب قدرته ومن كان من اسمه الباطن لاحظ ما جرى في السرائر من انواره . قال جعفر : هو الذي أول الأول واخر الآخر واظهر الظاهر وابطن الباطن فسقطت هذه المعاني وبقى هو . قال أبو بكر بن طاهر : ! ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن ) ! هو الأول لآخره والآخر لأوله والظاهر لباطنه والباطن لظاهره . وقال أبو الحسين الواسطي : الأول المتقدم لكل أول والموجود قبل كل موهوم . قال بعضهم : الأول السابق إلى فعل الخير والمتقدم كل محسن إلى فعل الإحسان . وقال بعضهم : الآخر الباقي بعد فقد الخلق لفعل الإحسان والظاهر الغالب لكل أحد ومن ظهر على شيء فقد غلبه والظاهر الذي يعلم الظواهر ويشرف على السرائر والظاهر الذي ظهر للعقول بالأعلام وظهر للأرواح باليقين وإن خفي على اعين الناظرين والباطن الذي عرف الغائبات واشرف على المستترات واستبطن علم المغيبات والباطن الذي خفى على الظاهر فلم يدرك إلا على السرائر . قال ابن عطاء : من كان شغله من هذه : الأول كان شغله بما سبق في السبق من مشيئته وقضائه ومنعه وعطائه ومن كان شغله بالآخرة كان شغله بما يستقبله من الأمر في التنقيل والتحويل على الدهور ومن كان شغله بالظاهر لاحظ عجائب قدرته وسلطانه وفضله وعدله ومن كان شغله الباطن دهش وذهل وتحير وخرس لسانه فلا له عبارة تعبر عنه ولا إشارة تشير وكوشف على قدر طاقته وطبعه فذهل فيها إلا من تولاه ببره وقام عنه بنفسه . قال أيضا : من كان حظه من اسمه الظاهر زين ظاهره بأنواع الخدمة ومن كان حظه من اسمه الباطن زين اسمه بأنوار العصمة . قال الواسطي : حظوظ الأنبياء مع تباينها من أربعة اسام وقيام كل فريق باسم فمن جمعها كلها فهو اوسطهم ومن فتئ عنها بعد ملابساتها فهو الكامل التام وهو قوله : ! ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن ) ! .
____________________
(2/306)
وقال القناد : الأول السابق لكل خير والمتقدم لكل محسن إلى فعل الإحسان والآخر هو الخاتم بفعل الإحسان وكل من ختم بفعل الخير فهو ممدوح به إذ هو آخر فيه كما أن من سبق فيه فهو ممدوح لذلك . كان النبي صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء فكان خاتم النبيين . قوله تعالى : ! ( يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها ) { < الحديد : ( 4 ) هو الذي خلق . . . . . > > [ الآية : 4 ] . قال سهل : يعلم ما يدخل قلبه من الصلاح والفساد وما يخرج منها من فنون الطاعات فتبين آثارها وأنوارها على الجوارح . قوله تعالى : ( وهو معكم أينما كنتم ) [ الآية : 4 ] . قال الحسين : ما فارق الأكوان الحق ولا قاربها كيف يفارقها وهو موجدها وحافظها وكيف يقارن الحدث العدم وبه قوام الكل وهو بائن عن الكل ألا تراه يقول : ( وهو معكم أينما كنتم ) . قوله تعالى : ! ( يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ) { < الحديد : ( 6 ) يولج الليل في . . . . . > > [ الآية : 6 ] . قال سهل : الليل نفس الطبع والنهار نفس الروح فإذا أراد الله بعبد خير ألف بين نفس طبعه ونفس روحه على إدامة الذكر فاظهر بذلك على صفاته انوارا . قوله تعالى : ! ( وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) { < الحديد : ( 7 ) آمنوا بالله ورسوله . . . . . > > [ الآية : 7 ] . قال أبو عثمان الأموال عوارى في أيدي أربابها فمن أراد التوفيق انفق من تلك العوارى طالبا لراحة يوم المعاد ومن لم يوفق جمع للعارية عارية وافنى فيها ايامه حتى يسلمها بأجمعها إلى من يخلفه فيها بعده قال الله تعالى : ! ( آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) ! [ الآية : 7 ] . قوله تعالى : ! ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ) { < الحديد : ( 10 ) وما لكم ألا . . . . . > > [ الآية : 10 ] . قال جعفر : الإرادة القوية والإيمان السليم للمهاجرين واهل الصفة وإمامهم وسيدهم الصديق الأكبر وهم الذين لم يؤثروا الدنيا على الآخرة بل بذلوها ولم يعرجوا عليها واعتمدوا في ذلك على ربهم وطلبوا رضاه وموافقة الرسول صلى الله عليه وسلم فخصهم الله من بين الأمة بقوله : ! ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ) ! . قوله تعالى : ! ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) { < الحديد : ( 11 ) من ذا الذي . . . . . > > [ الآية : 11 ] . قال سهل : أعطى الله العباد فضلا ثم يسألهم قرضا فقال : ! ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) ! .
____________________
(2/307)
قال الواسطي : القرض الحسن للعام وللخاص الخروج عن جميع الاملاك عن طيب النفس والرضا كأبي بكر الصديق رضي الله عنه . وقال بعضهم : القرض الحسن أن يصرف بصره عن النظر إلى فعله والامتنان به وطلب العوض عليه ويلزم قلبه معرفة الشكر لما أهل له من اتباع موافقة الخطاب . وقال بعضهم : خاطب بالقرض السادة من الأولياء لأنهم قرضوا عن سرائرهم محبة الكونين وقطعوا عن قلوبهم حب ما دونه بأحد المقاريض فما بقى في سرائرهم اثر من العظيمتين فذلك القرض الحسن . قوله تعالى : ! ( يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ) { < الحديد : ( 12 ) يوم ترى المؤمنين . . . . . > > [ الآية : 12 ] . قال سهل : نور المؤمن يسير من بين يديه هيبة له في قلوب الموافق والمخالف فالموافق يعظمه ويعظم شأنه والمخالف يهابه ويخافه وهو من النور الذي جعله الله في أوليائه لا يظهر ذلك النور لأحد إلا انقاد له وخضع وذلك من نور الإيمان . قوله تعالى : ! ( يوم يقول المنافقون والمنافقات ) { < الحديد : ( 13 ) يوم يقول المنافقون . . . . . > > [ الآية : 13 ] . قال القاسم : أنوار المؤمن سبعة نور الطبع ونور النفس ونور العلم ونور الهداية ونور التوفيق ونور الاستقامة ونور الوقوف بين يدي الله . قوله تعالى : ! ( ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا ) ! [ الآية : 13 ] . قال سهل : ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا بمعقولكم الذي كنتم تدبرون به اموركم في الدنيا فيرجعون إلى ورائهم فيضرب الله بين أنفسهم وعقولهم بسترة الحيرة فلا يصلون إلى هدى . قوله تعالى : ! ( ينادونهم ألم نكن معكم ) { < الحديد : ( 14 ) ينادونهم ألم نكن . . . . . > > [ الآية : 14 ] . قال الحسين بن معاذ : من خالف عقدك عقده خالف قلبك قلبه . قال حاتم الأصم : لا تصلح الموافقة إلا بالأسرار فأما موافقة الظاهر فإنه الرياء والمدامجة والموافقة موافقة الدين ثم موافقة الاعتقاد ثم موافقة الاخوة ثم موافقة المؤانسة ثم موافقة الصحبة ثم موافقة السنن والشريعة فمن صحت شريعته وصحت موافقته في هذه الأصول تصح عشرته وإلا فهو كما قال الله : ! ( ينادونهم ألم نكن معكم ) ! في الظاهر ! ( قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم ) ! بمخالفة الأصول في الباطن .
____________________
(2/308)
قوله تعالى : ! ( قالوا بلى ولكنكم ) ! الآية . قال أبو بكر الوارق : الفتنة من أربعة أشياء فمن فر منها ينبغي أن يمحو عنوانه منها وهو الكلام والصحبة والزي والفضائل فإن ترك الكلام جعل الفعل عوضا منه وإن ترك زي النساك جعل اخلاقهم عوضا منه ، فذلك الناجي من الفتنة إن شاء الله . قال أبو سعيد بن الاعرابي : ! ( فتنتم أنفسكم ) ! بالمعاصي : ! ( وتربصتم وارتبتم ) ! تشككتم و ! ( غرتكم الأماني ) ! فلم تستغفروا لما سلف منكم وركنتم إلى الدنيا ! ( وغركم بالله الغرور ) ! الشيطان والنفس والهوى والدنيا . قوله تعالى : ! ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ) { < الحديد : ( 15 ) فاليوم لا يؤخذ . . . . . > > [ الآية : 16 ] . قال سهل رحمة الله عليه : الم يحن لهم أوان الخشوع عند سماع الذكر فيشاهدوا الوعد والوعيد مشاهد الغيب . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا الحسن بن ذرعان يقول : سمعت أحمد ابن الحواري يقول : بينما أنا في بعض طرقات البصرة إذ سمعت صعقة فأقبلت نحوها فرأيت رجلا مغشيا عليه فقلت : من هذا ؟ قالوا : كان رجلا حاضر القلب فسمع آية من كتاب الله فخر مغشيا عليه . فقلت : وما هي ؟ قال : ( قوله ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ) . فأفاق الرجل عند سماع كلامنا وأنشأ وجعل يقول : ( أما آن للهجران أن يتصرما ** وللغصن غصن البان أن يتنسما ) ( وللعاشق الصب الذي ذاب وانحنى ** ألم يأن أن يبكى عليه ويرحما ) ( كتبت بماء الشوق بين جوانحي ** كتابا بأجلى نقش الوشي المنمنما ) ثم قال : أشكال أشكال أشكال وخر مغشيا عليه فحركناه فإذا هو ميت . قوله تعالى : ! ( مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير ) ! [ الآية : 15 ] . قال الواسطي : إذا تليتم الحق في السريرة ظهر الحق بالوسيلة وهو قوله : ! ( مأواكم النار هي مولاكم ) ! أي أولى الأشياء بكم واقربها إليكم . قوله تعالى : ( فقست قلوبكم ) [ الآية : 16 ] . قال سهل : باتباع الشهوات . قال أبو بكر الوراق : القسوة تتولد من قلة المراقبة .
____________________
(2/309)
وقال النباحي : القسوة عقوبة المعصية . وقال الواسطي : هي انحراف القلب وهو أن يكله الله إلى تدبيره . وقال : قسوة القلب من العلم اشد من القسوة بالفعل . قال أبو عثمان : علامة قسوة القلب أن لا تعمل فيه الموعظة ولا تؤثر فيه النصيحة ولا تظهر يه بركة مجالسة الصالحين . قوله تعالى : ! ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون ) { < الحديد : ( 19 ) والذين آمنوا بالله . . . . . > > . سمعت عبد الله الرازي : يقول : سمعت أبا علي الجوزجاني يقول : الصديقون حزب الله خواصهم أهل المعرفة واوساطهم العقلاء . قال : وسمعت أبا علي يقول : قلوب الابرار معلقة في الملكوت مقبلين ومدبرين وقلوب الصديقين معلقة بالعرش مقبلين بالله ولله . قوله تعالى : ! ( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو ) { < الحديد : ( 20 ) اعلموا أنما الحياة . . . . . > > [ الآية : 20 ] . قال ذو النون : خلق الدنيا مذمومة واكثر منها ذما من طلبها وركن إليها وافتخر بها وارغب الناس فيها من أخفى طلبها واكثر ذمها عند طلابها ولا سيما إذا كان ذمه للدنيا حرفة وهو الذي لا دواء لرأيه . سمعت أبا الحسين الفارسي يقول : سمعت أحمد بن مزاحم يقول : سمعت أبا بكر الوراق يقول : الدنيا دار بلاء ودار تعب وهوى فمن افنى مراده منها سلم من كل شيء . سمعت أبا الحسين يقول : سمعت أحمد يقول : سمعت أبا بكر الوارق يقول : الدنيا ما يفنى والآخرة ما يبقى ولا يفنى . وقال سهل : اصل الدنيا الجهل وفرعها المأكل والمشرب وحب اللباس والنوم والراحة والنساء والطيب والأموال وثمرتها المعاصي وهي التي تورث العقوبة وقسوة القلب وحب المعصية . وقال عمر المكي : ذكر الله الزهد في الدنيا تعريضا بالمدح والذم واشار إليه تعريفا بالترغيب والترهيب والتشويق والتحذير فقال : ! ( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو ) ! الآية . قوله تعالى : ! ( وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) ! [ الآية : 20 ] .
____________________
(2/310)
سمعت أبا الحسن الفارسي يقول : سمعت ابن عطاء يقول : ما شغل العبد عن الآخرة فهو الدنيا ومنهم من دنياه ضيعة عامرة ومنهم من دنياه تجارة دارة ومنهم من دنياه عزه وسلطانه ومنهم من دنياه عمله والمفاخرة به ومنهم من دنياه مجلسه ومختلفيه ومنهم من دنياه نفسه وشهوته كل أحد من الخلق مربوط منها بحظ . وقال ذو النون : يا معشر المريدين لا تطلبوا الدنيا فإن طلبتموها فلا تحبوها فإ ، الزاد منها والمقيل في غيرها . وقال ابن عطاء : وضعت سياسة الدنيا على القوة والتدبير وسياسة الدين على ملازمة الأمر والنهي والقصد إلى الله على التبري من الحول والقوة . قال سهل : الدنيا نفس نائمة والآخرة نفس يقظانة . قوله تعالى : ! ( سابقوا إلى مغفرة من ربكم ) { < الحديد : ( 21 ) سابقوا إلى مغفرة . . . . . > > [ الآية : 21 ] . سمعت محمد بن شاذان يقول : سمعت أبا عمرو الانماطي يقول : سمعت الجنيد قال : هذا الخطاب لما باشرته العقول نهضت مستحثة للجوارح بحسن التوجه لإقامة ما به يحظون عند من استجابوا لدعوته وفطنوا لإشارته وأقاموا تحت العلم بقربه وقرت عيونهم بما ورد على قلوبهم بالسرور بالخلوة جلاسا أناسا اكياسا لا يرهبون في الطريق غيره ولا يتوسلون إليه إلا به ولا يسألونه شيئا غير التمتع بخدمته وحسن المعرفة على موافقته . سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله يقول : سمعت أبا سعيد القرشي يقول في قوله : ! ( سابقوا إلى مغفرة من ربكم ) ! قال : سارعوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم يوجب لكم المغفرة . قوله تعالى : ! ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب ) { < الحديد : ( 22 ) ما أصاب من . . . . . > > [ الآية : 22 ] . قال الجنيد : الصبر على درجات فصابر ما مسه من البلاء عين التدبير مخرجه ومن حقيقة الحكمة في الأزل كونه فلم يراجع لعلمه بما في القضاء لا محالة قبل أن ينسى أباه آدم عليه السلام إذ هو جزء من ذريته التي برأهم على مشيئته وأجرى عليهم ما شاء من نفاذ قدرته على ما سبق لهم منهم حيث قال : ! ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ) ! . فيسمع هذا من ربه وشهد بقلبه فوقع في الروح والراحة وانشرح صدره وهان عليه ما يصيبه .
____________________
(2/311)
قوله تعالى : ! ( لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ) { < الحديد : ( 23 ) لكي لا تأسوا . . . . . > > [ الآية : 23 ] . قال سهل رحمة الله عليه في هذه الآية دلالة على حال الرضا في الشدة والرخاء . قال القاسم : ما عند الله للعبد فيما يكره خيرا له مما يختاره فيما يحب . وقال : لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم من توبتكم وطاعتكم فإنك لا تدري ما قدر الله فيك وما قضى . قال الواسطي : تسليما للاقتدار ورضا بما قسم . قال بعضهم : لا تأسوا على القوم الذين تولى الله إضلالهم وصرف قلوبهم عن إدراك حقائق الحكمة . قال بعضهم : في قوله : ! ( إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ) ! أي قبل أن نخلق المصيبة ونظهرها على العبد فإنما أخبركم بذلك لكي لا تأسوا على ما فاتكم من المصائب في الاهل والمال ولا تفرحوا بما آتاكم من نعمة وصحة نفس وزيادة مال فإن الخيرة فيما اختار الله لكم وانتم لا تدرون ما فيه الخيرة لكم فكم من نعمة تجلت عن غمة وكم ترحة انفرجت عن فرحة وانشد في أثره : ( كم فرحة مطوية لك بين أثناء المصائب ** ومسرة قد أقبلت من حيث تنتظر المصائب ) قال الواسطي في قوله : ! ( لكي لا تأسوا على ما فاتكم ) ! لأن ذلك من عظم المطالبة ولو طالعوا النعوت طبعا لما حزنوا لحظة ، وأن الله كشفها لنا لكي نعتبر بذلك ونعلم أن النواصي بيد القائم عليهم في كل نفس . وقال السوسي : معناه لا تغتموا بمصائب الدنيا وتركنوا إلى سرورها فإنها فانية . قال الواسطي : الفرح بالكرامات من الاغترارات والجهالات والتوسل بالافضال نوع من الابتهال والخمود تحت جريان الأمور زين لكل مأمور . وقال العارف : مستهلك في كنه المعروف فإذا حصل بمقام المعرفة لا يبقى عليه فضل فرح ولا إساءة : قال الله : ! ( لكي لا تأسوا على ما فاتكم ) ! الآية . قوله تعالى : ! ( الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ) { < الحديد : ( 24 ) الذين يبخلون ويأمرون . . . . . > > [ الآية : 24 ] . قال الحريري : البخيل الذي يستأثر بشيء دون أخيه . وقال أبو عبيد البسري : البخل أن ترى لنفسك ملكا .
____________________
(2/312)
وقال الجنيد : البخيل من كتب اسمه على خاتمة فقد اظهر بخله لأنه أخبر بذلك انه ليس لأحد فيه رفق . وقال أبو عثمان : البخل سجية النفس والسخاء تكلف فيها . سئل أبو حفص : من البخيل ؟ قال : الذي لا يعطى عند السؤال والحاجة . قال محمد بن الفضل : البخيل من يلتذ بالامساك كما يلتذ السخى بالبذل . ! ( وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ) { < الحديد : ( 25 ) لقد أرسلنا رسلنا . . . . . > > [ الآية : 25 ] . قال بعضهم : ليبين الله للناس من ينصره . قوله : ! ( إن الله قوي عزيز ) ! [ الآية : 25 ] . عن حاجته إلى أحد لتمام قدرته وغير بصير من ظن أن نصره من المخلوقين . قوله تعالى : ( ورهبانية ابتدعوها * < < الحديد : ( 27 ) ثم قفينا على . . . . . > > [ الآية : 27 ] . قل سهل : الرهبانية مشتقه من الرهبة وهو الخوف وملازمة خوف ما تعبدناهم به . قوله تعالى : ( فما رعوها حق رعايتها ) [ الآية : 27 ] . قال محمد بن خفيف : المريد الحذر من مطالعة عمله تقعده عن إقامة الأحوال الموظفة ويجره إلى دواعي الرخص بورود الفترة ويحذر أن يورده الاغماض في مناولة الدنيا والمسامحة في أخذها فإن الله عليكم رقيب . قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله ) < < الحديد : ( 28 ) يا أيها الذين . . . . . > > [ الآية : 28 ] . سمعت محمد بن عبد الله يقول : سمعت أبا الحسن المالكي يقول : من كان رأس ماله التقوى كلت الألسن عن وصف ربحه . قوله تعالى : ( يؤتكم كفلين من رحمته ) [ الآية : 28 ] . قال سهل : هو السر والغني والسر سر المعرفة والغنى غنى الطاعة لله ورسوله . قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا ) يا أيها المؤمنون اتقوا الله أن يسلبكم حلاوة معرفته وسرور محبته وآمنوا برسوله أي اقتدوا به في محبته لمولاه واستسلام نفسه إليه يؤتكم كفلين من رحمته : نور من نوره وهو نور تقوون به في ذكره ونور تقوون به ويؤيدكم بنوره الساطع في أرواح أهل محبته الذي يقوون به على سماع كلامه والتمتع بمخاطبته لهم على الانقطاع عن الأكوان والاتصال به ويغفر لكم ذنوبكم وملاحظاتكم أنفسكم .
____________________
(2/313)
<
> ذكر ما قيل في سورة المجادلة <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( أحصاه الله ونسوه ) { < المجادلة : ( 6 ) يوم يبعثهم الله . . . . . > > [ الآية : 6 ] . قال بعضهم : من نسي جرائمه ولم يكثر عليها بكاؤه ولم يتأسف عليها بالندم وطلب التوبة فقد ضيع عمره لأن الله أحصى أعماله وسيريه إياها في المشهد الأعظم حين لا تنفع توبة تائب ولا يسمع دعاء داع ولا تقبل معذرة معتذر قال الله : أحصاه الله ونسوه . قوله تعالى : ! ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ) { < المجادلة : ( 7 ) ألم تر أن . . . . . > > [ الآية : 7 ] . علما وحكما لا نفسا وذاتا . قوله تعالى : ! ( إنما النجوى من الشيطان ) { < المجادلة : ( 10 ) إنما النجوى من . . . . . > > [ الآية : 10 ] . قال سهل : هو إلقاء من العدو إلى نفس الطبع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ' للملك لمة وللشيطان لمة ' . قوله تعالى : ! ( وتناجوا بالبر والتقوى ) { < المجادلة : ( 9 ) يا أيها الذين . . . . . > > [ الآية : 9 ] . قال سهل : بذكر الله وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . قوله تعالى : ! ( فافسحوا يفسح الله لكم ) { < المجادلة : ( 11 ) يا أيها الذين . . . . . > > [ الآية : 11 ] . قال فارس : وسعوا صدوركم لقبول الحق يمن الله عليكم بالحقيقة . قوله تعالى : ! ( استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ) { < المجادلة : ( 19 ) استحوذ عليهم الشيطان . . . . . > > [ الآية : 19 ] . قال شاه : علامة استحواذ الشيطان على العبد ثلاث أن يشغله بعباده ظاهرة من المأكل والملبس وأن يشغل قلبه عن التفكر في الآء الله ونعمه عليه والقيام بشكرها ويشغل لسانه عن ذكر ربه بالكذب والغيبة والبهتان ويشغل قلبه عن المراقبة والتفكر بتدبير الدنيا وجمعها ويمنعه أكل الحلال ويرزقه الحرام .
____________________
(2/314)
! ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ) { < المجادلة : ( 21 ) كتب الله لأغلبن . . . . . > > [ الآية : 21 ] . قال أبو طاهر : أهل الحق لهم الغلبة أبدا وراية الحق تسبق الرايات أجمع لأن الله جعلهم أعلاما في خلقه وأوتادا في أرضه . ومفزعا لعباده وعمارة لبلاده فمن قصدهم بسوء كبه الله لوجهه واذله في ظاهر عزه كذلك قال جل من قائل : ! ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ) ! . قوله : ! ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ) { < المجادلة : ( 22 ) لا تجد قوما . . . . . > > [ الآية : 22 ] . قال سهل : من صح إيمانه وأخلص توحيده فإنه لا يأنس إلى مبتدع ولا يجالسه ولا يؤاكله ولا يشاربه ولا يصاحبه ويظهر له من نفسه العداوة والبغضاء من داهن مبتدعا سلبه الله حلاوة السنن ومن تحبب إلى مبتدع لطلب عز في الدنيا أو عرض منها اذلة الله بذلك العز وافقره بذلك الغنى ومن ضحك إلى مبتدع نزع الله نور الإيمان من قلبه . قوله تعالى : ! ( أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ) ! [ الآية : 22 ] . قال سهل : كتب الله الإيمان في قلوب أوليائه سطورا فالسطر الأول التوحيد والثاني المعرفة والثالث اليقين والرابع الاستقامة والخامس الثقة والسادس الاعتماد والسابع التوكل وهذه الكتابة هي فعل الله لا فعل العبيد وفعل العبيد في الإيمان هو ظاهر الإسلام وما يبدو منه ظاهرا وما كان باطنا فهو عقل الله عز وجل . وقال أيضا : الكتاب في القلب موهبة الإيمان التي وهبها الله لهم قبل خلقهم في الاصلاب والارحام ثم ابدأ سطر النور في القلب ثم كشف الغطاء عنه حتى ابصر ببركته الكتاب ونور الإيمان والمغيبات . وقال : حياة الروح بالقلب وحياة النفس بالروح وحياة الروح بالذكر وحياة الذكر بالذاكر وحياة الذاكر بالمذكور وقال الحسين في قوله : ! ( أولئك كتب في قلوبهم الإيمان ) ! . قال : اقبل عليهم بنظره وملكهم بقدرته واحصاهم بعلمه واحاطهم بنوره ودعاهم إلى معرفته . قال الواسطي : هو الذي كتب الإيمان في قلوب المؤمنين ليكون أثبت وابقى كوقوع المناسبات .
____________________
(2/315)
وقال أيضا : الإيمان سواطع الأنوار وله لمعة في القلوب وتمكين معرفة حملت السرائر في الغيوب . قال النصرآباذي : كتابة من الحق ونقشا منه كتبها ونقشها في قلوب أوليائه ثم اطلعهم عليها فقرأه كل قارئ وغير قارئ لعناية للحق فيه مستترة . قوله تعالى : ! ( أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ) ! [ الآية : 22 ] . قال سهل : الحزب سبعة وهم الابدال والارفع منهم الصديقون ، ألا إن حزب الله هم المفلحون الغالبون إلا أن الوارثين لأسرار علومهم المشرفين على معادن ابتدائهم إلى انتهائهم هم المفلحون . قال الحسين : حزب الله الذين إذا نطقوا بهروا وإن سكتوا ظهروا وإن غابوا حضروا وإن ناموا شهدوا واكملوا فكملوا وأزيحت عنهم علل التخليط فظهروا . قال أبو سعيد : حزب الله هم قوم علاهم البهاء والبهجة فنعموا فلم يحتملوا الأذى وصاروا في حرزه وحماه فغلب نورهم الأنوار اجمع وعلت مقاماتهم المقامات اجمع وكانوا في عين الجمع مع الحق أبدا . قال ابن عطاء : إن لله عبادا اتصالهم به دائم واعينهم به قريرة أبدا لا حياة لهم إلا به لاتصال قلوبهم به والنظر إليهم بصفاء اليقين فحياتهم بحياته موصوله لا موت لهم أبدا ولا صبر لهم عنه لأنه قد سبى أرواحهم فعلقها عنده فتم مأواها قد غشى قلوبهم من النور ما أضاءت به واشرقت ونمى زياداتها على الجوارح وصاروا في حرزه وحماه . ! ( أولئك حزب الله ) ! الآية . قال محمد بن علي الترمذي : حزب الله رجاله في ارضه والذابون عن حرمه والناصرون لحقه . قال أبو عثمان : حزب الله من يغضب لله ولا تأخذه فيه لومة لائم .
____________________
(2/316)
<
> ذكر ما قيل في سورة الحشر <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( فاعتبروا يا أولي الأبصار ) { < الحشر : ( 2 ) هو الذي أخرج . . . . . > > [ الآية : 2 ] . قال أبو علي الجوزجاني : المعتبر يعتبر إذا رأى من الدنيا شيئا ليس له إليه حاجة فكأنه جاء من الآخرة وهو يريد العود إليها يرى الدنيا للفناء وينظر العاملين فيها للموت وعمارتها للخراب وأولو الأبصار هم أهل البصائر في أمر الله وطاعته رأوا الدنيا بعين الفناء والآخرة بعين البقاء فهم المعتبرون لا غير . وقال يحيى بن معاذ : من لم يعتبر بالمعاينة لم ينتفع بالموعظة من اعتبر بالمعاينة استغنى عن الموعظة قال الله : ! ( فاعتبروا يا أولي الأبصار ) ! . قوله تعالى : ! ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ) { < الحشر : ( 8 ) للفقراء المهاجرين الذين . . . . . > > [ الآية : 8 ] . قال ابن عطاء : هم الذين تركوا كل علاقة وسبب ولم يلتفتوا من الكون وفرغوا أنفسهم لعبادة ربهم واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم وشغلهم فرحهم بما وفق لهم من معرفة ربهم وطاعة رسوله عن عن حب الاهل والولد والديار والأموال وفقوا له من أولئك الذين أثنى الله عليهم وجعلهم ائمة العارفين ومحل أدب المريدين . سمعت سعيد بن أحمد يقول : سئل أبو الحسين البوشيخي عن التصوف ما هو ؟ فقال : فراغ القلب وخلو اليدين وقلة المبالاة بالاشكال أما فراغ القلب ففي قوله : ( والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم . . ) [ الآية : 9 ] . وأما خلو اليدين فقوله : ! ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ) ! الآية . وأما قلة المبالاة بالأشغال فقوله : ! ( ولا يخافون لومة لائم ) ! . وقال الخراز : من عطف بقلبه على شيء سوى ربه فليس بفقير لأن الله يقول : ! ( للفقراء المهاجرين ) ! الآية . وسئل الحسين : من الفقراء ؟ فقال : الذين وقفوا مع الحق راضين على جريان إرادته فيهم . قوله تعالى : ! ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) { < الحشر : ( 7 ) ما أفاء الله . . . . . > > [ الآية : 7 ] .
____________________
(2/317)
قال ابن عطاء : لما عظم أمانته في نفسه ولاه الحق وضع الشرع فجعل أمره أمره ونهيه نهيه . أخبرنا على بن أحمد بن عبد العزيز قال : حدثنا المنكدري قال : حدثنا أحمد ابن مهدي وإبراهيم بن الحسين قال : حدثنا نعيم بن حماد قال : حدثنا بقية عن عيسى ابن أبي عيسى عن موسى بن أبي حبيب انه سمع الحكم بن عمير يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم : ' إن القرآن صعب مستصعب على من كرهه يسير ميسر على من يتبعه وإن حديثي صعب مستصعب على من كرهه وهو الحكم فمن استسمك بحديثي وفهمه وحفظه جامع القرآن ومن تهاون بالقرآن وحديثي خسر الدنيا والآخرة أمرت أمتي أن يأخذوا بقولى ويطيعوا أمري ويتبعوا سنتي فمن رضي بقولي فقد رضى بالقرآن ومن استهزأ بقولي فقد استهزأ بالقرآن قال الله تعالى : ! ( ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ! . قوله تعالى : ( والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم . . ) < < الحشر : ( 9 ) والذين تبوؤوا الدار . . . . . > > الآية . سمعت سعيد بن أحمد يقول : سئل أبو الحسين البوشيخي عن الفتوة ؟ فقال : الفتوة عندي ما وصف الله تعالى به الأنصار من قوله : ( والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم . . ) الآية . وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم : ' المؤمن الذي يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه ' . قال القاسم : من عمر داره للفتوة والفتيان كان محمودا ومن عمرها لنفسه والتزين به كان مذموما قال الله تعالى : ( والذين تبوءوا الدار والإيمان . . ) الآية . قوله تعالى : ! ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) ! [ الآية : 9 ] . قال أبن عطاء : يؤثرون به جودا وكرما ولو كان بهم خصاصة يعني جوعا . وقال أبو حفص : الإيثار هو أن تقدم حظوظ الاخوان على حظك في أمر دنياك وآخرتك . وقال بعضهم : الإيثار لا يكون عن اختيار إنما الإيثار أن تقدم حقوق الخلق اجمع على حقك ولا تميز في ذلك بين أخ وصاحب وذي معرفة .
____________________
(2/318)
وقال يوسف بن الحسين : إنما الإيثار من رأى لنفسه ملكا لا يصح له الإيثار لأنه يرى نفسه أحق بالشيء لرؤية ملكه إنما الإيثار لمن يرى الأشياء للحق فمن وصل إليه فهو أحق به وإذا وصل الشيء من ذلك إليه يرى نفسه ويده فيه يد غصب أو يد أمانة يوصلها إلى صاحبها أو يؤديها إليه . قال بعضهم : الإيثار أن تؤثر بحظ آخرتك على إخوانك فإن الدنيا أقل خطرا من أن يكون لإيثارها محل أو ذكر . قوله تعالى : ! ( يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ) { < الحشر : ( 2 ) هو الذي أخرج . . . . . > > [ الآية : 2 ] . قال سهل : يبطلون أعمالهم باتباع البدع وهجرانهم طريقة الاقتداء أو السنة . وأيدي المؤمنين أي في مجانبة المؤمنين ومشاهدتهم ومجالستهم فيحرمون بركاتهم . قال بعضهم : ! ( يخربون بيوتهم بأيديهم ) ! أي قلوبهم بجهلهم وغفلتهم ! ( فاعتبروا يا أولي الأبصار ) ! من فعل ذلك بهم على بصيرة أن الأمر كله إليه ( ليس لك من الأمر شيء ) . قوله تعالى : ! ( وما آتاكم الرسول فخذوه ) { < الحشر : ( 7 ) ما أفاء الله . . . . . > > [ الآية : 7 ] . قال الجنيد : العبد مبتلى بالامر والنهي ولله عز وجل في سره اسرار بالليل والنهار فكلما خطر خاطر عرضه على الكتاب والسنة فما امراه به ائتمر وما نهياه عنه انتهى فإن عجز استعان واستغاث . إن عجز عن الكتاب استعان بالسنة وإن عجز عن السنة استعان بالصحابة وإن عجز عن الصحابة استعان بالسلف الصالحين وإن عجز عن ذلك استعان بالرجوع إلى أهل زمانه فيعرض ذلك عليهم لأن الله يقول : ! ( ما آتاكم الرسول فخذوه ) ! الآية . سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول : سمعت أبا يعقوب النهرجوري يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : أصول مذهبنا ثلاثة أشياء : أكل الحلال والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في الأفعال والأخلاق وإخلاص النية في جميع الأعمال . وسئل سهل عن شرائع الإسلام فقال : ! ( وما آتاكم الرسول فخذوه ) ! الآية . قوله تعالى : ! ( ومن يوق شح نفسه ) { < الحشر : ( 9 ) والذين تبوؤوا الدار . . . . . > > [ الآية : 9 ] . قال سهل : حرص نفسه على شيء هو غير الله والذكر له فأولئك هم المفلحون الباقون مع الله أحياء بحياته .
____________________
(2/319)
سئل الواسطي : متى ينجو العبد من شح نفسه ؟ قال : لو أتى بإخلاص الكليم وأدب الخليل وخلق الحبيب ثم كان لسره على سره أثرا ولشيء على قلبه خطرا كان محروما في وقته ومرتبطا بحظه . قال محمد بن الفضل : ما شح أحد إلا ظلم غيره وطلب ما ليس له . وقال بعضهم : الشح متابعة الطبع والإيثار مخالفة النفس . قوله تعالى : ! ( لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون ) { < الحشر : ( 13 ) لأنتم أشد رهبة . . . . . > > [ الآية : 13 ] . إن في ترك الدنيا مشاهدة الآخرة وفي مشاهدة الآخرة رفض الدنيا كما أن في مشاهدة الفاسد وحضوره زوال عزة النفس وفي مطالعة صفات الله سقوط صفات العبد وملاحظة الحق لا يقارنها حب الدنيا ولا عزة النفس ولا رؤية الأفعال ولا رؤية الصفات فما دامت للشواهد والأعراض على سره أثر لم يفقه الا ترى الله يقول : ! ( لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ) ! . والحق إذا تجلى لقلب عبد ذهبت عنه اخطار الأكوان وأهلها . قوله تعالى : ! ( تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ) { < الحشر : ( 14 ) لا يقاتلونكم جميعا . . . . . > > [ الآية : 14 ] . قال سهل : أهل الحق مجتمعين أبدا موافقين وإن تفرقوا بالأبدان وتباينوا بالظواهر وأهل الباطل متفرقين أبدا وإن اجتمعوا بالابدان وتوافقوا بالظواهر لأن الله عز وجل يقول : ! ( تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ) ! . قال الصادق : اتقوا مخالفتي ثم اتقوا مفارقتي . وقال بعضهم : قلوب أهل الحق قلوب مجتمعة لموافقة الحقائق وقلوب أهل الباطل متفرقة لمخالفة الباطل . قوله تعالى : ! ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد ) { < الحشر : ( 18 ) يا أيها الذين . . . . . > > [ الآية : 18 ] . قال أبو عثمان : من نظر لغده احسن مراعاة يومه ومن غفل عن غده أهمل أوقاته وساعاته أولئك هم الخاسرون . قال بعضهم : أهل التقوى شغلهم بغدهم وبخاتمتهم ونهايتهم وأهل الحقائق شغلهم بأسهم وسابقتهم وبدايتهم وما جرى عليهم في الأزل وكل منهم على وتيرة صحيحة وطريقة مستقيمة والمغبون من اغفل هاتين الدرجتين .
____________________
(2/320)
قوله تعالى : ! ( ولا تكونوا كالذين نسوا الله ) { < الحشر : ( 19 ) ولا تكونوا كالذين . . . . . > > [ الآية : 19 ] . قال سهل : نسوا الله عند الذنوب فأنساهم الله الاعتذار وطلب التوبة . قال الواسطي : هو من فرغ من شاهده إلى شاهده ولم يفرغ إلى ربه فيما أمره به ودعاه إليه . قال ابن عطاء في هذه الآية : من ابلاه الله بنسيان نفسه ومشاهدة ذلته وقلبه كان ذلك بدأ عقوبة من الله إياه على إعراضه عن الله واغماضه عن صنعه ثم يزداد على الله جزاؤه لقلة مشاهدته فمن كان كذلك لا ترجى له السلامة لفقدان آثار السلامة . قال بعض الحكماء : رأينا أنفسنا متبعة لما تهوى فيجب علينا الوقوف عندها حتى تنظر ما هذا الذي يقطعنا عن الله ونحن بقربه فلم نجد لأنفسنا آفة إلا النسيان ولم نجد للنسيان آفة إلا سوء الرعاية ولم نجد لسوء الرعاية آفة إلا قلة التفكير فيما وعد الله وأنذر ولم نجد لقلة التفكر آفة إلا اعتقاد حب الدنيا ثم وجدنا اعتقاد حب الدنيا ميراث إيثار النفس على ربها واختيار محبتها على محبته وهواها على رضاه وذلك ميراث الغفلة على الله ومن نسى الله أداه موارث نسيانه إلى نسيان نفسه . قال الله : ! ( ولا تكونوا كالذين نسوا الله ) ! الآية . فمن أراد بإذن الله تنبيه نفسه عن رقدة الغفلة والنسيان فليشغل نفسه بطلب ما أراد الله منها دون ما ارادت نفسه منها وليتخذ عقله دليلا على هوى نفسه فهنالك يصفو ذكره فإذا صفى ذكره آثره على نفسه فإذا آثر رضاه على هدى نفسه زال حب الدنيا عن قلبه لأن حب الدنيا إنما احجبها عن قلبه انحلت عقدتها . قوله تعالى : ( لون أنزلنا هذا القرآن على جبل ) < < الحشر : ( 21 ) لو أنزلنا هذا . . . . . > > [ الآية : 21 ] . قال ابن عطاء : أشار إلى فضله وإلى أوليائه واهل معرفته أن شيئا من الأشياء لا يقول بصفاته ولا يبقى مع تجليه إلا من قواه الله على ذلك وهو قلوب العارفين فقاموا له به لا بغيره فهو القائم بهم لا هم . قوله تعالى : ! ( عالم الغيب والشهادة ) { < الحشر : ( 22 ) هو الله الذي . . . . . > > [ الآية : 22 ] . قال سهل : الغيب السر والشهادة العلانية . وقال أيضا : عالم بالدنيا والآخرة . وسئل بعضهم عن ذات الله ؟ فقال : إن سألت عن قوله فقوله : ( إنما قولنا لشيء إذا أردناه . . ) الآية . وإن سألت عن فعله : ! ( كل يوم هو في شأن ) ! وإن سألت عن وصفه فقوله : ! ( هو الله أحد ) ! الآية . وإن سألت عن اسمه فقوله . ( هو الذي لا إله إلا هو
____________________
(2/321)
عالم الغيب والشهادة . . ) إلى آخره . وإن سألت عن ذاته : ( فليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) . قوله تعالى : ( الملك القدوس . . ) < < الحشر : ( 23 ) هو الله الذي . . . . . > > [ الآية : 23 ] . قال ابن عطاء : القدوس المنزه عما لا يليق به عن الأضداد والأنداد . وقال بعضهم : المؤمن الذي لا يخاف ظلمة والمهيمن الحافظ لعباده وإن لم يحفظوا أوامره والعزيز الذي عجز طالبه عن إدراكه ولو أدركه زل والجبار الذي جبر العباد على ما أراد ويصرفهم على ما يريد . وقال بعضهم : المؤمن : الموفى بما وعد لأوليائه . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : سمعت ابن عطاء في قوله : ( المؤمن ) قال : المصدق لمن اطاعه . وأيضا فإنه أمن المؤمنين عن خوف ما سواه حتى لم يخافوا غيره . قال القاسم : الباري الذي لا يتلون بتلوين العباد ولا ينتقل من صفة الرضا إلى صفة الغضب بتنقيل الكسوة . قال بعضهم : أسماء الله من حيث الإدراك اسم ومن حيث الحق حقيقة . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم المصري يقول : قال ابن عطاء : الباري المبدع للأشياء من غير شيء والمصور المتمم تصويره على غاية الكمال . وقال ابن عطاء : المهيمن هو الأمين على الكتب الماضية والعزيز الذي لا يجري عليه سلطان غيره ولا يمنع من تنفيذ مراده . وأيضا العزيز الذي لا نظير له في الأشياء ولا تتناوله الأيدي . وقال أيضا : المهيمن المطلع على سرائر العباد فلا تخفى عليه خافية والسلام هو الذي سلم من النقص والآفات والسلام هو الذي منه السلامة للخلق من الظلم والحيف والمؤمن من أمن الخلق ظلمه والمصدق لمن اطاعه والمهيمن العالي على الكل . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم الاسكندراني يقول : سمعت الملطي يحكي عن الرضى عن أبيه عن الصادق في قوله : ( القدوس ) . قال الطاهر عن كل عيب وظهر من شاء من العيوب والمهيمن الذي ليس كمثله شيء وسمى القرآن مهيمنا لأنه لا يشبه غيره من الكلام .
____________________
(2/322)
<
> ذكر ما قيل في سورة الممتحنة <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) { < الممتحنة : ( 1 ) يا أيها الذين . . . . . > > [ الآية : 1 ] . روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : ' افضل الإيمان الحب في الله والبغض في الله ' . وقال أبو حفص : من احب نفسه فقد اتخذ عدو الله وعدوه خليلا ووليا لأن النفس تخالف ما أمرت به وتعرض عن سبل الرشد ومحبها في أول قدم . قوله تعالى : ! ( وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ) ! [ الآية : 1 ] . قال أبو الحسين الوراق : بما اخفيتم في باطنكم من المعصية وما اعلنتم في ظاهركم للخلق من الطاعة . قوله تعالى : ( وقد كانت لكم اسوة حسنة في إبراهيم ) < < الممتحنة : ( 4 ) قد كانت لكم . . . . . > > [ الآية : 4 ] . قال ابن عطاء : الاسوة القدوة بالخليل في الظاهر من الأخلاق الشريفة وهي السخاء وحسن الخلق واتباع ما أمر به على الطرب وفي الباطن الإخلاص لله في جميع الأفعال والإقبال عليه في كل الأوقات وطرح الكل في ذات الله ألا ترى النبي صلى الله عليه وسلم كيف مدح من اخلص وجرد بقوله : ' اصدق كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد : ألا كل شيء ما خلا الله باطل ' . الإشارة إلى الكون وما فيه . قوله تعالى : ! ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) ! . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : قال ابن عطاء : في الظاهر والعبارات ، دون البواطن والاسرار ، لأن أسراره لا يطيق من الخلق احد ، لأنه باين الأمة بالمكان ، ووقع الصفة عليه ، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك :
____________________
(2/323)
' احفظ سري ' . قوله تعالى : ! ( عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة ) { < الممتحنة : ( 7 ) عسى الله أن . . . . . > > [ الآية : 7 ] . سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت أبا القاسم البزاز يقول : قال ابن عطاء : لا تبغضوا عبادي كل البغض فإني قادر على أن أنقلكم من البغض إلى المحبة كنقلى من الحياة إلى الموت ومن الموت إلى النشور وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ' أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما ' . قوله تعالى : ! ( ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) { < الممتحنة : ( 10 ) يا أيها الذين . . . . . > > [ الآية : 10 ] . قال سهل : لا توافقوا أهل البدع على شيء من ارائهم . قوله تعالى : ! ( ولا يعصينك في معروف ) { < الممتحنة : ( 12 ) يا أيها النبي . . . . . > > [ الآية : 12 ] . قال عطاء : لا يخالفنك في شيء من الطاعات . وقال بعضهم : لا يخالفن ازواجهن في أوامرهن ولا محرفي فرشهن .
____________________
(2/324)
<
> ذكر ما قيل في سورة الصف <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ) { < الصف : ( 2 ) يا أيها الذين . . . . . > > [ الآية : 2 ] . قال أبو العباس بن عطاء : من شهد من نفسه نفسا في الطاعات كان إلى العصيان أقرب لأن النسيان من العمى عن المنان وأما زجره لأهل الحقائق والمشاهدة في طريق الاشارات فقوله : ! ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ) ! هذا زجر وتهديد لأهل التحقيق والمشاهدة إذ ليس للعبد فعل ولا تدبير لأنه أسير في قبضة العزة تجري عليه أحكام القدرة وتصاريف المشيئة فمن قال فعلت أو شهدت فقد نسى مولاه وأعرض عن بره وادعى ما ليس له . قال سفيان بن عيينة : لم تقولون ما ليس الأمر فيه إليكم لا تدرون تفعلون أو لا تفعلون . قوله تعالى : ! ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) { < الصف : ( 5 ) وإذ قال موسى . . . . . > > [ الآية : 5 ] . قال جعفر : لما تركوا أوامر الخدمة نزع الله نور الإيمان من قلوبهم وجعل للشيطان إليهم طريقا فزاغه عن طريق الحق وأدخله من مسالك الباطل . قال الواسطي : لما زاغوا عن القربة في العلم أزاغ الله قلوبهم في الخلقة . قوله تعالى : ! ( ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ) { < الصف : ( 6 ) وإذ قال عيسى . . . . . > > [ الآية : 6 ] . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : قال ابن عطاء في قوله : ! ( اسمه أحمد ) ! قال : أحمد الحامدين له حمدا وأحمد المطيعين له طاعة وأحمد العارفين له معرفة واحمد المشتاقين إليه شوقا على نسق قوله أحمد . قوله تعالى : ! ( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ) { < الصف : ( 8 ) يريدون ليطفئوا نور . . . . . > > [ الآية : 8 ] . قال بعضهم : جحدوا ما ظهر لهم من صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم فأنكروه بألسنتهم وأعرضوا عنه بنفوسهم فقيض الله لقبلوه انفسا وأوجدها على حكم السعادة وقلوبا زينها بأنوار المعرفة واسرار نورها بالتصديق فبذلوا له المهج والأموال كالصديق والفاروق وأجله الصحابة رضي الله عنهم أجمعين .
____________________
(2/325)
قوله تعالى : ! ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ) { < الصف : ( 9 ) هو الذي أرسل . . . . . > > [ الآية : 9 ] . قال ابن عطاء : أرسل الرسول هاديا ومبينا طريق الوصول إليه وواضعا أركان الدين مواضعه وداعيا إليه وباعثا عليه أرسله بأتم شرف واعز نصر من الله ليهدي به قلوبا عميا ويسمع به آذانا صما . قوله تعالى : ! ( وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب ) { < الصف : ( 13 ) وأخرى تحبونها نصر . . . . . > > [ الآية : 13 ] . قال جعفر : إشارة إلى رؤيتة في مقعد صدق عند مليك مقتدر . قال ابن عطاء : النصر التوحيد والإيمان والمغفرة والفتح القريب النظر إلى السيد . * * *
____________________
(2/326)
<
> ذكر ما قيل في سورة الجمعة <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) { < الجمعة : ( 4 ) ذلك فضل الله . . . . . > > [ الآية : 4 ] . سمعت عبد الله الرازي يقول : سمعت أبا على الجوزجاني يقول : ذلك الفصل هو الأنس بالله إذا وجدوا نعمة الأنس نسوا كل نعمة دونه ووجدوا نعمة فوق كل نعمة لأن ربهم نعمهم في معرفته . قال الحسين : جاد الجواد بجوده لغير علة وتفضل بالتفضل ونعمها بالمنن وغشاها بالنعم إذ يقول : ! ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) ! فقطع بالمشيئة ومحا بالأسباب فكان الكرم منه صرفا لا تمازجه العلل ولا تكتسبها الحيل جارية في الدهور قبل إظهار الأمور . قوله تعالى : ! ( فاسعوا إلى ذكر الله ) { < الجمعة : ( 9 ) يا أيها الذين . . . . . > > [ الآية : 9 ] . قال النصرآبادي : العوام في قضاء الحوائج في الجمعات والخواص في السعي إلى ذكره لاستغنائهم بالغنى لم تبق لهم حاجة لعلمهم أن المقادير قد جرت فلا زيادة فيها ولا نقصان ولكنهم يسعون إلى ذكره سعى مشتاق إلى مذكوره يطلب منه محل القربة إليه والدنو منه . قوله تعالى : ! ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ) { < الجمعة : ( 11 ) وإذا رأوا تجارة . . . . . > > [ الآية : 11 ] . قال سهل : من شغله عن ربه شيء من الدنيا والآخرة فقد أخبر عن خمسة نفسه وطبعه ونذالته لأن الله فتح له الطريق إليه وأذن له مناجاته وقد اشتغل بما يفنى عما لم يزل ولا يزال . قوله تعالى : ! ( قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة ) ! [ الآية : 11 ] . قال سهل : ما أخر لكم في الآخرة خير مما أعطيكم في الدنيا . * * *
____________________
(2/327)
<
> ذكر ما قيل في سورة المنافقين <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( قالوا نشهد إنك لرسول الله ) { < المنافقون : ( 1 ) إذا جاءك المنافقون . . . . . > > [ الآية : 1 ] . قال سهل : لأنهم اقروا بلسانهم ولم يعرفوا بقلوبهم فلذلك سماهم منافقين ومن عرف بقلبه وأقر بلسانه ولم يعرف بأركانه ما فرض الله عليه من غير عذر ولا جهل كان كإبليس . قوله تعالى : ! ( لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ) { < المنافقون : ( 7 ) هم الذين يقولون . . . . . > > [ الآية : 7 ] . قال الواسطي : من طالع الأسباب في الدنيا والإعراض في الآخرة لم يفقه قلبه وبقى في حجاب نفسه ومراده الا ترى المنافقين كيف احتالوا بالبخل عليهم بالدنيا ولم يعلموا أن ذلك لا يحجبهم عن التوفيق وكيف حكى الحق عنهم بقربه ولكن المنافقين لا يفقهون . قوله تعالى : ! ( ولله خزائن السماوات والأرض ) ! [ الآية : 7 ] . قال أبو يعقوب النهرجوري : قال الجنيد : خزائنه في السموات الغيوب وخزائنه في الأرض القلوب فما انفصل من الغيوب وقع في القلوب وما انفصل من القلوب صار إلى الغيوب والعبد مرتهن بشيئين بتقصير الخدمة وارتكاب الزلة . وقال رجل لحاتم الأصم : من أين تأكل ؟ فقال : ! ( ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون ) ! . قوله تعالى : ! ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) { < المنافقون : ( 8 ) يقولون لئن رجعنا . . . . . > > [ الآية : 8 ] . سئل الواسطي : ما الذي يدفع به الحسد ؟ قال : مجانبة التعزز في الأوقات كلها إلا في ذات الله لأن الله يقول : ! ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) ! حقيقة العزة لله وتمام العزة للرسول صلى الله عليه وسلم وظاهر العزة للمؤمنين . قال الواسطي : عزة الله أن لا يكون شيء إلا بمشيئته وإرادته وعزة المرسلين انهم آمنون من زوال الإيمان وعزة المؤمنين امنهم من دوام العقوبة . وقال ابن عطاء : عزة الله العظمة والقدرة وعزة الرسول النبوة والشفاعة وعزة
____________________
(2/328)
المؤمنين التواضع والسخاء . قال الكتاني : لا تطلب العزة إلا في طاعة الله لأنها وضعت في ذلك ولا السرور إلا في الذكر ولا السلامة إلا في الخلوة . وقال القاسم في قوله : ! ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) ! . قال : العزة لله أن لا يكون الشيء إلا بمشيئته وعزة الرسول انهم آمنون من زوال النبوة وعزة المؤمنين أنهم آمنون من دوام العقوبة وعزة العامة خروجهم من ذل المعصية إلى عز الطاعة . سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن شاذان يقول : سمعت محمد بن علي الكتاني يقول : غاية العز الافتقار إلى الله جل وعز . سمعت عبد الله بن محمد الرازي يقول : سمعت أبا سعيد قعنب بن أحمد بن عمرو ابن مجاشع يقول : سمعت محمد بن أحمد بن وردان يقول : سمعت الربيع بن سليمان يقول : قال عبد الله بن عبد الحليم الشافعي قال : يا أبا محمد من لم تعزه التقوى فلا عز له ولقد ولدت بغزة وربيت بالحجاز وما عندنا قوت ليلة وما بتنا جياعا قط . قوله تعالى : ! ( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ) { < المنافقون : ( 9 ) يا أيها الذين . . . . . > > [ الآية : 9 ] . قال سهل : لا تشغلكم أموالكم ولا أولادكم عن أداء الفرائض في أول مواقيتها فإن من شغله عن ذكر الله وخدمته عرض من عروض الدنيا فهو من الخاسرين . * * *
____________________
(2/329)
<
> ذكر ما قيل في سورة التغابن <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ) { < التغابن : ( 2 ) هو الذي خلقكم . . . . . > > [ الآية : 2 ] . قال القاسم : خاطبهم مخاطبة قبل كونهم فسماهم كافرين ومؤمنين في ازلة فأظهرهم حين اظهرهم على ما سماهم وقدر عليهم واخبر انه علم ما يعملون من خير وشر . قوله تعالى : ! ( والله بما تعملون بصير ) ! [ الآية : 2 ] . قال سهل : بصير هل وافق العمل الطبع والخلقة . قوله تعالى : ! ( وصوركم فأحسن صوركم ) { < التغابن : ( 3 ) خلق السماوات والأرض . . . . . > > [ الآية : 3 ] . قال الحسين : احسن الصورة صورة اعتقت من ذل كن وتولى الحق تصويرها بيده ونفخ فيه من روحه والبسه شواهد النعت وحلاه بالتعليم شفاها واسجد له الملائكة المقربين واسكنه في المجاورة وزين باطنه بالمعرفة وظاهرة بفنون الخدمة قال النبي صلى الله عليه وسلم : ' إن الله خلق آدم على صورته أي صورته التي صوره عليها فأحسن صورته ' . قوله تعالى : ! ( يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ) { < التغابن : ( 9 ) يوم يجمعكم ليوم . . . . . > > [ الآية : 9 ] . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزار يقول : قال ابن عطاء : يغبن أهل الطاعة أهل المعصية . وقال : تغابن أهل الحق على مقادير الضياء عند الرؤية والتجلي والتغابن في رؤية القلب اعظم واجل من رؤية العين لأن رؤية العين تذهل عن التأمل وهو مقصر عما أطلق لغيره عندها يظهر لكل أحد من ظهر له الحق لحقه أخرسه عن جميع نطقه من منازلته ومنازعته . قوله تعالى : ! ( ومن يؤمن بالله يهد قلبه ) { < التغابن : ( 11 ) ما أصاب من . . . . . > > [ الآية : 11 ] . قال أبو عثمان في هذه الآية : من صحح إيمانه بالله يهد قلبه لاتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وعلامة صحة الإيمان المداومة على السنن وملازمة الاتباع وترك الآراء والأهواء المضلة .
____________________
(2/330)
قوله تعالى : ! ( يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ) { < التغابن : ( 14 ) يا أيها الذين . . . . . > > . قال سهل : من حملك من ازواجك وأولادك على جمع الدنيا والركون إليها فهو عدو لك ومن حثك على ذلها وإنفاقها ودلك على القناعة والتوكل فليس بعدو لك . ! ( أنما أموالكم وأولادكم فتنة ) ! . قال ابن عطاء : فتنة بأن تلهيكم عن تأدية واجباته فذلك موضع الفتنة . وقال جعفر : أموالكم فتنة لانشغالكم بجمعها من غير وجهها ووضعها في غير أهلها وأولادكم فتنة باشتغالكم بإصلاحهم فتفسدون انتم ولا تصلحونهم . وقال ابن عطاء : أي يصرفكم يلهوكم بها واشتغالكم عن تأدية واجبها بتزيين البخل لتتوفر لهم الدنيا . قوله تعالى : ! ( فاتقوا الله ما استطعتم ) { < التغابن : ( 16 ) فاتقوا الله ما . . . . . > > [ الآية : 16 ] . قال السري : علامة المتقي أن يكون زرقه من كسبه . وقال الشبلي : المتقي من اتقى ما دون الله . وقال أبو عثمان : ترفيها ورفقا بخلقه أي قد رضيت به إخلاصا . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت البزار يقول : سمعت ابن عطاء يقول : هذا لمن رضى من الله بالثواب فأما من لم يرض منه إلا به فإن خطابه : ! ( اتقوا الله حق تقاته ) ! . قوله تعالى : ! ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) ! [ الآية : 16 ] . قال بعضهم : من عوفي من بلاء الجمع أو المنع والرغبة والحرص عليها فقد دخل في ميدان الفلاح . وقال بعضهم : علامة الشح أن ينفق الإنسان في أبواب الخير على مجاهدة النفس لا عن طوع . قال بعضهم : من انفق بكره فهو الشح ومن انفق بطوع فهو القرض . قوله تعالى : ! ( إن تقرضوا الله قرضا حسنا ) { < التغابن : ( 17 ) إن تقرضوا الله . . . . . > > [ الآية : 17 ] . قال سهل : المشاهدة بقلوبكم لله في أعمالكم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ' أعبد الله كأنك تراه ' .
____________________
(2/331)
<
> ذكر ما قيل في سورة الطلاق <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ) { < الطلاق : ( 1 ) يا أيها النبي . . . . . > > [ الآية : 1 ] . سمعت جدي إسماعيل بن عبد الله يقول : التهاون بالأمر من قلة المعرفة بالأمر . وقال بعضهم : حد الله لك حدودا في كل شيء فالزم حدوده وهو ما أظهره على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من آداب السنن فمن لزمها هدى إلى المعرفة بالله ومن تخطى شيئا من السنن بحال نزع من قلبه أنوار الإيمان وحرم مقام العارفين . قوله تعالى : ! ( ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ) { < الطلاق : ( 2 ) فإذا بلغن أجلهن . . . . . > > [ الآية : 2 ] . قال سهل : لا يقبل الموعظة إلا مؤمن والموعظة هي ما خرج من قلب سليم لا يكون فيه غل ولا حسد ولا حقد ولا يكون فيه حظ لنفسه . وقال محمد بن حامد : لا تصح الموعظة إلا للمؤمنين ولا يتعظ بالموعظة الا التائبون . قوله تعالى : ! ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ) ! [ الآية : 2 ] . قال سهل : أي التبري من الحول والقوة والأسباب وكل من دونه والرجوع إليه يجعل له مخرجا مما كلفه بالمعونة عليه والعصمة من الطوارق فيها . وقال : لا يصح التوكل إلا للمتقين ولا يتم التقوى إلا بالتوكل كذلك قرن الله بينهما فقال : ! ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ) ! . قال ابن عطاء : من فارق من يشغله عن الله اقبل الله عليه وشغل جوارحه بخدمته وآنس قلبه بالتوكل وزين سره بالتقوى وأيد روحه بالقين . قال حمدون : ما يحتاج إليه ابن آدم الضعيف فإنما ينساق إليه باليسير وإنما زيادة حركاته للفضول قال الله تعالى : ! ( ويرزقه من حيث لا يحتسب ) ! . وقال أيضا : إن السلف وجدوا بركات أعمالهم وصفاء أسرارهم في ملازمة التقوى لا غير . وقال ذو النون : التقوى في أشياء كثيرة فمن تلبس بالتقوى وكملت له المعرفة لا
____________________
(2/332)
يحوج إلى أن يتعب في طلب الرزق . قال الله تعالى : ! ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ) ! . قال بعضهم : من تحقق في التقوى هون الله على قلبه الإعراض عن الدنيا ويسر له أمره في الإقبال عليه والتزيين بخدمته وجعله إماما لخلقه يقتدي به أهل الإرادة فيحملهم على أوضح السنن وأوضح المناهج وهو الإعراض عن الدنيا والإقبال على الله عز وجل وذلك منزلة المتقين . وقال بعضهم : التقوى هو أخذ الرزق من الرزاق وقطع الأسباب عن القلب بالاعتماد على المسبب . وقال بشر بن الحارث : التقوى هو طريق الجادة إلى الله من ركب ذلك الطريق اوصله إلى ربه ومن لم يركب طريق التقوى فقد اخطأ في طلب النجاة والوصول إلى الله عز وجل . قوله تعالى : ! ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) { < الطلاق : ( 3 ) ويرزقه من حيث . . . . . > > [ الآية : 3 ] . قال سهل : يكل اموره إلى ربه فإن الله يكفيه الدارين اجمع . قال محمد بن الفضل : إذا وقع العبد في باب التمني شغل قلبه عن المعرفة والشكر وإذا ترك العبد نفسه وتدبيره ورضي بتدبير الله فيه وتوكل عليه فالله حسيبه ومن ترك مشيئته فمشيئة الله له عوض عن مشيئته . وسئل حمدون عن التوكل ؟ فقال : تلك درجة لم ابلغها بعد وكيف يتكلم في التوكل من لم تصح له حال الإيمان . سمعت محمد بن عبد الله يقول : سمعت الجريري يقول : سألت الجنيد - رحمة الله عليه - عن المتوكلين ؟ فقال : هم على أربع درجات من الأسباب وهي ثلاثة سبب ومسبب ومتسبب فالذي يقع له السكون على ما يجري من الأسباب من غير مؤنة هو أتمهم . وقال أبو عثمان رحمة الله عليه : قد يكون الرجل متوكلا من الأسباب إذا انقطعت الأسباب عن قلبه وإذا ترك الأسباب بنفسه ولم ينقطع بقلبه لا يكون متوكلا لأن التوكل اصله في انفراد القلب عن أسباب المعيشة . وقال شاه : التوكل سكون القلب في الموجود والمفقود . وقال : التوكل قطع القلب عن كل علاقة والتعلق بالله في كل الأحوال .
____________________
(2/333)
وقال بعضهم : من يتوكل على الله حقيقة التوكل هو انتظار الفرج من محن الله والمنتظر هو مقيم على مخالفته فنفس التوكل عقوبة وكذا الصبر . وقال القاسم : التوكل الرضا بما يجري من القضاء وزيادة الإيمان كزيادة الهلاك . وقال الحسين : التوكل على الحقيقة لا تأكل شيئا وفي البلد أحق منه ومن رأى السبب فهو المدعي . وقال سئل يحيى بن معاذ متى يكون الرجل متوكلا ؟ قال : إذا رضي الله وكيلا وإذا وثق بوعد الله في رزقه ولم يتبرع باكتساب الآثام من جنب رزق مضمون . قال الحسين : التوكل هو الاستكفاء بالله والاعتماد على الله ومن يتوكل على الله كفاه وصدق التوكل أن لا يخاف من غير الله وحقيقة التوكل الاستئناس بالله . قال سهل : التوكل معرفة معطى ارزاق المخلوقين . قال : وجاء رجل إلى الشبلي يشكو إليه كثرة العيال فقال : ارجع إلى بيتك فمن تعلم أن رزقه ليس على الله فاطرده . وقال الدقاق : بالتوكل على الله قاموا مع الله وبالتوكل فتحت لهم أحكام الله وبالتوكل تركوا أمورهم على الله ونفس التوكل الكفاية . وقال عمرو المكي : التوكل حسن الاعتماد على الله . وقال أبو عبد الله بن خفيف بالاكتفاء بضمانه وإسقاط التهمة في قضائه . وقال بعضهم : إستياد الوجد على الإشارة وحذف التشرف إلى الإرفاق . وقال عطاء : قد شرف الله التوكل وعظم مقامه ولو لم يكن من شرف التوكل إلا قوله تعالى : ( ومن يتوكل الله فهو حسبه ) لكان في هذا القول من الله عز للمتوكلين . سمعت محمد بن شاذان يقول : سمعت محمد بن علي الكتابي يقول : التوكل في الأصل اتباع العلم وفي الحقيقة استعمال اليقين . سمعت أبا بكر الرازي يقول : سمعت الدراج يقول : التوكل مقرون مع الإيمان فكل إنسان توكله على قدر إيمانه فمن أراد التوكل فعليه بحفظ إيمانه مع إقامة النفس على أحكامه ويستعمل الصبر ويستعين بالله . وقال ذو النون : خص الله أهل ولايته بالانقطاع إليه ليعرفهم فضله وإحسانه
____________________
(2/334)
فانصرفت هموم الدنيا عن قلوبهم وعظم شغل الآخرة في صدورهم لما سكنها من هيبة ربهم فألزموا قلوبهم من العبودية وطرحوا أنفسهم في شرائح التوكل . قوله تعالى : ! ( فاتقوا الله يا أولي الألباب ) { < الطلاق : ( 10 ) أعد الله لهم . . . . . > > [ الآية : 10 ] . قال شاه : التقوى التورع عن المباحات خوفا من الوقوع في المحارم . وقال أيضا : أولو الألباب هم الواقفون مع الله على الحدود لا يتجاوزونها ولا يقصرون عنها . وقال الفضيل بن عياض : لا يكون الرجل من المتقين حتى يأمنه عدوه . قوله تعالى : ( أحاط بكل شيء علما ) < < الطلاق : ( 12 ) الله الذي خلق . . . . . > > [ الآية : 12 ] . قال ابن عطاء : احاط علمه بالأشياء لأنه اوجدها ولم يحط أحد به علما لامتناع الأزل أن يلحقه شيء من الحوادث . * * *
____________________
(2/335)
<
> ذكر ما قيل في سورة التحريم <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( تبتغي مرضات أزواجك ) { < التحريم : ( 1 ) يا أيها النبي . . . . . > > [ الآية : 1 ] . قال ابن عطاء : لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو دائما ويقول : ' اللهم إني اعوذ بك من كل قاطع يقطعني عنك ' . قال : لا يدع الحق أحدا يسكن إليه حتى يشغله بغيره لأنه عزيز . قال تعالى : ! ( عرف بعضه وأعرض عن بعض ) { < التحريم : ( 3 ) وإذ أسر النبي . . . . . > > [ الآية : 3 ] . روى عن الحسن البصري - رحمة الله عليه - : انه قال : ما استقصى كريم قط الا ترى الله تعالى يحكي عن نبيه صلى الله عليه وسلم قوله : ! ( عرف بعضه وأعرض عن بعض ) ! . قوله تعالى : ! ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ) { < التحريم : ( 6 ) يا أيها الذين . . . . . > > [ الآية : 6 ] . قال سهل : بطاعة الله واتباع السنن . وقال ابن عطاء : بقبول نصيحة الناصحين . قال أبو عثمان : امرنا باستماع المواعظ وقبولها والعمل بها . وقال أبو الحسن الوراق : علموهم الفرائض والسنن لتنقذوهم بها من النار . وقال يحيى : قوا أنفسكم وأهليكم نارا يا أيها الناس النار التي لو اعدت للحديد لم يقم لها فكيف تطيق الأبدان احتمال عذابها وكيف لها الصبر على اليم عقابها . أهلها فيها لا ينامون ولا فيها حل بهم من المصائب يقرون ولا يعزون بكلمات ولا يؤذن لهم فيعتذرون . قال القاسم : زينوا أنفسكم بالطاعات واحملوا عليها اهاليكم ليستتروا بها عن النار . قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى لله توبة نصوحا ) < < التحريم : ( 8 ) يا أيها الذين . . . . . > > [ الآية : 8 ] . قال أبو عبد الله : التوبة على عشر مقامات أولها الخروج من الجهل والندم على الفعل والتجافي عن الشهوة واعتقاد مقت النفس المسئولة وإخراج المظلمة وإصلاح الكسرة واسقاط الكذب وترك قرين السوء والخلو من المعصية والعدول عن طريق الغفلة
____________________
(2/336)
هذه باجمعها وسلوك سبيل التوبة فإذا اجتمعت صحت التوبة دخلت في جملة التوبة النصوح . وقال محمد بن خفيف : طالب عبادة بالتوبة وهو الرجوع إلى الله تعالى : من حيث ذهبوا عنه والنصوح في التوبة الصدق فيها وترك ما منه تاب سرا وعلنا وقولا وفكرة . قال الواسطي : التوبة النصوح لا يبقى على صاحبها اثر من المعصية سرا ولا جهرا . وقال أبو سليمان الداراني : من التوبة النصوح أن يكون صاحبها نادما على ما مضى مجمعا عقده وعزمه فيما بقى أن لا يعود وجل القلب فيما بين ذلك ويكون من ذنوبه على يقين ومما احدث من التوبة على وجل لا يدري أهي مقبولة منه أو مضروب بها وجهه . وقال بعضهم : التوبة النصوح أن تترك الذنب كما اتيته وتبغضه كما احببته . وقيل : التوبة النصوح التي يديم العبد فيها على الاستغفار . وقال أبو بكر الوراق : التوبة النصوح توبة لا عقد عوض وهي التوبة التي لا يحتاج منها إلى توبة . سمعت محمد بن الحسن البغدادي يقول : سمعت محمد بن أحمد بن سهل يقول : سمعت سعيد بن عثمان يقول : قال ذو النون : التوبة النصوح هي إدمان البكاء على ما سلف من الذنوب والخوف المقلق من الوقوع فيها وهجران أخذان السوء وملازمة أهل الخير . قوله تعالى : ! ( يوم لا يخزي الله النبي ) ! [ الآية : 8 ] . قال بعضهم : لا يرد شفاعته في أمته والذين آمنوا لا نرد شفاعتهم في اخوانهم وأقاربهم . قوله تعالى : ! ( نورهم بين أيديهم ) ! [ الآية : 8 ] . قال ابن عطاء : إنما هي أنوار التوحيد ونور المعرفة ونور الحقيقة يسعى بهذه الأنوار إلى محل القرار . قوله تعالى : ! ( يقولون ربنا أتمم لنا نورنا ) ! [ الآية : 8 ] . قال بعضهم : لا تقطعنا بك عنك وكن دليلنا منك عليك حتى تتم لنا الأنوار وإن تمام
____________________
(2/337)
النور بإتمام المنور له . وقال بعضهم : أتمم لنا نورنا أي ارزقنا لقاءك فإنه غاية الطلبات . وقال سهل : لا يسقط الافتقار إلى الله تعالى عن المؤمنين في الدنيا والآخرة اشد افتقارا إليه وإن كانوا في دار العز والغنى لشوقهم إلى لقائه يقولون : ! ( ربنا أتمم لنا نورنا ) ! . قوله تعالى : ! ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ) { < التحريم : ( 9 ) يا أيها النبي . . . . . > > . أمره بالإغلاظ عليهم ليشفي غيظه منهم مع قلة دعائهم وأمر موسى باللين مع فرعون مع علو دعواه . قوله تعالى : ( ونفخنا فيه من روحنا ) < < التحريم : ( 12 ) ومريم ابنة عمران . . . . . > > [ الآية : 12 ] . قال بعضهم : نفخ من نوره في روح عبده ليحي بذلك الروح ويحيى به ويطلب النور لا يغفل عن طلب المنور ويعيش في الدنيا حميدا ويبعث في الآخرة شهيدا . وقال أيضا : أي من وحينا فحييت بذكرنا فحياة الروح بالنور الذي ألقاه الله إليها وحياة النفس بالروح وحياة الروح النور . * * *
____________________
(2/338)
<
> ذكر ما قيل في سورة الملك <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ( تبارك الذي بيد الملك ) < < الملك : ( 1 ) تبارك الذي بيده . . . . . > > [ الآية : 1 ] . قال بعضهم : ! ( تبارك ) ! كالكناية والكناية كالإشارة والإشارة لا يدركها إلا الأكابر . وقال سهل : تعالى من عظم عن الأشباه والأولاد والأضداد والأنداد بيده الملك يقلبه بحوله وقوته ويؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء وهو القادر عليه وعلى كل شيء جل وتعالى . سئل بعضهم عن قوله : ! ( تبارك ) ! فقال : تبارك هو ابتداء النهايات والغايات الذي لا يخلو علمه من شيء ولا يحاوله العجز والجهل ولا تعارضه الزيادة والنقصان كل مصنوع صنعه ولا علة لصنعه ربط كل شيء بضده وقطعه بحده وانفرد هو بنفسه وهو الذي جاز الغاية قدره والفطنة كهذه وهو الذي بيده الملك لا يستوجب بذلك أحدا إلا هو . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : قال ابن عطاء : ! ( تبارك الذي ) ! أي بارك في الخلق ووهب لهم البركة فنفعهم وكل بقاع مبارك . وقال أيضا : تبارك أي تعالى عن خلقه فضلا . وقال جعفر : أي هو المبارك على من انقطع إليه أو كان له . قوله تعالى : ! ( الذي خلق الموت والحياة ) { < الملك : ( 2 ) الذي خلق الموت . . . . . > > [ الآية : 2 ] . قال سهل : الموت في الدنيا بالمعصية وفي الآخرة بالطاعة في الدنيا . وقال عبد العزيز في قوله : ! ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) ! أي ايكم احسن استقامة على الأوامر ، وقال : ! ( أيكم أحسن عملا ) ! أي ايكم الذي يدركه التوفيق فيحببه في الطاعة ويبعده عن المعصية . وقال في قوله : ! ( العزيز الغفور ) ! العزيز الممتنع في ملكه والغفور الحكيم في تدبيره لخلقه . وقال الواسطي : حسن العمل ترك التزيين به .
____________________
(2/339)
قال الجنيد : حياة الأجساد مخلوقة ، وهي التي قال الله : ! ( خلق الموت والحياة ) ! وحياة الله دائمة لا انقضاء لها أوصلها إلى أوليائه في قديم الدهر الذي ليس له ابتداء بمراده قبل أن يخلقهم فكانوا في علمه أحياء يراهم قبل إيجادهم ثم أظهرهم وأعارهم الحياة المخلوقة التي أحيا بها الخلق وأماتهم فكانوا في سره بعد الوفاة كما كانوا ثم رد عليهم حياة الأبد وكانوا أحياء واتصل الأبد بالأبد فصار أبدا في الأبد . قال عبد العزيز : أي أيكم احسن استقامة على الأوامر . قال بعضهم : أيكم أفرغ قلبا واصفى ذهنا واحسن سمتا وهديا . وقيل : حسن العمل نسيان العمل ورؤية الفضل . وقال عطاء : الذي خلق الموت للعبرة والحياة للأمل والغفلة . قال الواسطي : من احياه الله عند ذكره في ازلة لا يموت أبدا من أماته في ذلك لا يحيى أبدا وكم حي غافل عن حياته وميت غافل عن مماته . قال سهل : ! ( أيكم أحسن عملا ) ! أي ايكم احسن توكلا . وقال بعضهم : أيكم احسن عملا ) أي اعرف بالطريق إلى الله . وقال بعضهم : ايكم اصدق لهجة . وقال بعضهم : أيكم اعرف بعيوب نفسه . قوله تعالى : ( فأرجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين . . ) < < الملك : ( 3 ) الذي خلق سبع . . . . . > > [ الآية : 3 ] . قال الواسطي : كرتين : أي قلبا وبصرا لأن الأول كان بالعين خاصة . ( هل ترى من فطور ) أي أبدا لم يكن في خلقي فطور فأنا اشد امتناعا من الاستغراق والاستحراق . قوله تعالى : ( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح ) < < الملك : ( 5 ) ولقد زينا السماء . . . . . > > [ الآية : 5 ] . قال عطاء : زينا قلوب الأولياء بأنوار المعرفة وزينا قلوب المريدين بالخوف والرجاء وزينا قلوب الزاهدين بالتوبة والإنابة وزينا قلوب المؤمنين بالإيمان والتصديق وكل متجل بزينته لا يشرف على من فوقه في الدرجة . قوله تعالى : ( وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ) < < الملك : ( 10 ) وقالوا لو كنا . . . . . > > [ الآية : 10 ] . قال بعضهم : لو سمعنا مواعظ الواعظين وعقلنا نصيحة الناصحين لاتبعناهم فيما
____________________
(2/340)
امرونا به وما كنا إذا في أصحاب السعير . قوله تعالى : ! ( الذين يخشون ربهم بالغيب ) { < الملك : ( 12 ) إن الذين يخشون . . . . . > > [ الآية : 12 ] . قال بعضهم : الخشية تصيب القلب والسر والخوف يصيب البدن . وقال بعضهم : الخشية انزعاج القلب على كل حال لا يسكن إلى طاعة فيهدأ ولا يميل إلى رجاء فيستروح ويكون من معاصيه على وجل أبدا . قوله تعالى : ! ( ألا يعلم من خلق ) { < الملك : ( 14 ) ألا يعلم من . . . . . > > [ الآية : 14 ] . قال سهل : ألا يعلم من خلق القلب ما أودع فيه من التوحيد والجحود وهو اللطيف في علمه بما في لب القلوب . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : قال ابن عطاء في قوله : الا يعلم من خلق الصدور ما في الصدور بلى وهو اللطيف الخبير واللطيف من علم المغيبات بلا مرشد واللطيف من عرف الغائبات بلا دليل واللطيف المشرف على الغائبات كإشرافه على الحاضرات واللطيف من احسن إليك في لطف الخفاء والخبير من يخبرك بما في غيبك والخبير من يختبر امرك فيأتيك بالألطاف على حسب المصالح لئلا تستبطئه في المنع . وقال الواسطي : حجب الأشياء عن الوقوف على حقائقها واستبد بمعرفة الحقائق فقال : ! ( ألا يعلم من خلق ) ! . قوله تعالى : ! ( الذي جعل لكم الأرض ذلولا ) { < الملك : ( 15 ) هو الذي جعل . . . . . > > [ الآية : 15 ] . قال سهل : خلق الأنفس ذلولا فمن اذلها لمخالفتها فقد نجاها من الفتن والبلاء والمحن ومن لم يذلها واتبعها أذلته نفسه وأهلكته . قوله تعالى : ! ( قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا ) { < الملك : ( 28 ) قل أرأيتم إن . . . . . > > [ الآية : 28 ] . قال عبد العزيز المكي حكمه جار وأمره نافذ ومشيئته ماضية ما شاء فعل رضينا بجميع ذلك لأن فعله واقع في ملكه . قوله تعالى : ! ( قل إنما العلم عند الله ) { < الملك : ( 26 ) قل إنما العلم . . . . . > > [ الآية : 26 ] . قال يحيى : أخفى الله علمه في عباده عن عباده وكل يتبع أمره على جهة الإشفاق لا يعلم ما سبق له وبماذا يحكم له وذلك قوله : ! ( إنما العلم عند الله ) ! .
____________________
(2/341)
قوله تعالى : ! ( قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا ) { < الملك : ( 29 ) قل هو الرحمن . . . . . > > [ الآية : 29 ] . قال عبد العزيز المكي : امرهم ربهم أن يفتخروا بعبوديته وما امرهم بذلك إلا وقد رضى بهم عبيدا وهذا الشرف غاية الشرف لأنه ما رضيهم إلا بعلمه بأنهم متساهلون بما يصيبهم له . قال بعضهم : التوكل نتيجة صحة الإيمان فمن لم يصح إيمانه لا يكون له في التوكل حظ لأن الله يقول : ! ( قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا ) ! . * * *
____________________
(2/342)
<
> ما قيل في سورة ن <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( ن والقلم وما يسطرون ) { < القلم : ( 1 ) ن والقلم وما . . . . . > > [ الآية : 1 ] . قال سهل : النون اسم من أسماء الله وذلك انه إذا جمعت أوائل هذه الثلاث سور ! ( الر ) ! و ! ( حم ) ! و ! ( ن ) ! يكون الرحمن . وروى عن ابن عباس انه قال : النون الدواة التي كتب بها الذكر وما يسطرون وما كتب الذكر في اللوح المحفوظ من الشقاوة والسعادة . وقيل : وما يسطرون من الخط الذي تولى الله تعليمه لعباده . قال جعفر : نون الأزلية الذي اخترع منه الأنوار كلها فجعل ذلك لمحمد صلى الله عليه وسلم فلذلك قيل له : ! ( وإنك لعلى خلق عظيم ) ! أي على النور الذي خصصت به في الأزل . وقال بعضهم : النون نون القدرة وقلم القضاء وما يسطرون الملائكة الكرام الكاتبون . قوله تعالى : ! ( وإن لك لأجرا غير ممنون ) { < القلم : ( 3 ) وإن لك لأجرا . . . . . > > [ الآية : 3 ] . قال سهل : غير محدود ولما لم يطالع الاعراض ولم يعتمد على شيء سوانا كان لك اجر غير ممنون وهو ما شاهدت من المشاهد والمواقف . سمعت أبا الفتح القواس الزاهد يقول : سمعت جعفر بن محمد يقول : قال الجنيد : ! ( وإن لك لأجرا غير ممنون ) ! . قال : غير مستكثر ذلك لك بل هو لك مقيم دائم . قوله تعالى : ! ( وإنك لعلى خلق عظيم ) { < القلم : ( 4 ) وإنك لعلى خلق . . . . . > > [ الآية : 4 ] . قال سهل : تأدبت بأدب القرآن ولم تتجاوز حدوده وهو قوله : ! ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) ! الآية . قال الواسطي : إنه جاد بالكونين عوضا عن الحق . وقال أيضا : الخلق العظيم أن لا يخاصم ولا يخاصم من شدة معرفته بربه في ليلة المسرى . قال الحسين : لأنك تنظر إلى الأشياء بشاهد الحق ولا تنظر إلى الأشياء بشاهدك فإن من نظر إلى الأشياء بشاهده هلك .
____________________
(2/343)
وقال الواسطي : لوجدانك حلاوة المطالعة على سرك . وقال أيضا : إنك قبلت فنون اسديت إليك من نعمي احسن مما قبله غيرك من الأنبياء والرسل لأني جبلتك على خلق عظيم . وقال الحسين : معناه أنه لم يؤثر فيك جفاء الخلق بعد مطالعة الحق . وقال : صغرت الأكوان في عينك بعد مشاهدة مكنونها . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : قال ابن عطاء في قوله : ! ( وإنك لعلى خلق عظيم ) ! قال : جدت بالدنيا والآخرة عوضا منا . وقال الجنيد : احتمل في الله البلاء وقال : ' اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ' . وقال القاسم : ليس للكون عليه أثر . وقال الواسطي : اظهر الله قدرته في عيسى ونفاذه في آصف وسخطه في عصى موسى واظهر اخلاقه ونعوته في محمد صلى الله عليه وسلم بقوله : ! ( وإنك لعلى خلق عظيم ) ! فإذا فتشت هؤلاء في الحقيقة لا تجد إلا نعوتا قائمة بنعوت قائمة بنعوت للمنعوت لا لغيره . وقال فارس : من عظم خلقه كان يتبتل إليه تبتيلا فغيبه بعد الحضور . وقال يحيى بن معاذ : في علو الأخلاق كنوز الأرزاق . قال أبو سعيد الخراز في ذلك : ليست لك همة إلا الله . قال الواسطي : كيف لا يكون كذلك من يحلى الله سره بأنوار أخلاقه وحق لمن وقعت له المباشرة الثالثة أن يكون مفضلا على الخلق . قال جعفر : هو صرف الإيمان وحقيقة التوحيد . وقال الواسطي : الخلق لا يحتمله العام والخلق لمن تخلق لأن الله أوحى إلى داود صلى الله عليه وسلم أن تخلق بأخلاقي فإني أنا الصبور فمن اوتى الخلق فقد اوتي اعظم المقامات لأن المقامات ارتباط بالعامة والخلق ارتباط بالصفات والنعوت . قال محمد بن علي الترمذي : أي خلق اعظم من خلق خص به نبيه وحبيبه وهو ترك مشيئته ونبذها وراء ظهره . وقال الجنيد : وخلق اجمع في أربعة أشياء في السخاوة والأنفة والنصيحة والشفقة
____________________
(2/344)
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن شاذان يقول : سمعت ابن عطاء يقول في قوله : ! ( وإنك لعلى خلق عظيم ) ! الخلق العظيم أن لا يكون له اختيار ويكون تحت الحكم والصفح والعفو مع فناء النفس وفناء المألوفات . قال أبو سعيد القرشي : العظيم هو الله ومن اخلاقه الجود والكرم والصفح والعفو والإحسان الا ترى إلى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ' إن لله مائة وبضعة عشر خلقا من أتى بواحد منها دخل الجنة ' فتخلق بأخلاق سيده فوجب الثناء عليه بقوله : ! ( وإنك لعلى خلق عظيم ) ! . وقال أبو سعيد : عظمه حيث زينه به . وقال الحسين : عظم خلقك حيث لم ترض بالأخلاق وسرت ولم تسكن إلى النعوت حتى وصلت إلى الذات ثم فنيت عن الذات بالذات حتى وصلت إلى حقيقة الذات ، ومن فنى بالفناء عن الفناء كان القائم عنه غيره بالبقاء . وقال الحسين : كيف لا يكون سره عظيما وقد حلى الله سره بأنوار اخلاقه وحق له لمن وفقت له المباشرة الثالثة أن يكون مفضلا في خلقه . قال الواسطي : لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاز حجبه بها عن اللذات والشهوات وألقاه في الغربة والجفوة فلما صفاه بذلك عن دنس الأخلاق قال : ! ( وإنك لعلى خلق عظيم ) ! . قوله تعالى : ! ( إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم ) { < القلم : ( 34 ) إن للمتقين عند . . . . . > > [ الآية : 34 ] . قال جعفر : من اتقى الذنوب كان مأواه الجنة ومن اتقى الله كشف عنه الغطاء والحجب حتى يشاهد الحق في جميع الأحوال . قوله تعالى : ! ( يوم يكشف عن ساق ) { < القلم : ( 42 ) يوم يكشف عن . . . . . > > [ الآية : 42 ] . قال جعفر : عن الأهوال والشدائد والصراط والحساب وعبدي المؤمن الذي سبقت له عنايتي ورحمتي سالم من تلك الأهوال والشدائد ولا يكون له علم بشدائدها واهوالها وكل ما سبقت له من الله تعالى العناية يسجد بين يديه مفتقرا ومن سبق له من الله العدل لا يقدر أن يسجد وظهره كالحجر لا يلين بسجود رب العالمين . وقال أيضا : إذا التقى الولي مع الولي انكشف عنه الشدائد . قوله تعالى : ! ( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) { < القلم : ( 44 ) فذرني ومن يكذب . . . . . > > [ الآية : 44 ] . قال القتاد : لم يعاقبهم في وقت مخالفتهم فيستيقظوا بل امهلناهم ومددناهم في
____________________
(2/345)
النعم حتى زال عنهم خاطر التذكير وكانوا منعمين في الظاهر مستدرجين في الحقيقة . قال بعضهم : إذا استقل النعم واشتكى فهو مستدرج . قال الواسطي : لو كشف للخلق لصاروا حيارى ولكن بدأهم بالتلبيس والستر ثم يكشف ليعرفوا قدر ما هم عليه وأما الغاية فهو الاستدراج . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : قال ابن عطاء : كلما احدثوا خطيئة جددنا لهم نعمة وننسيهم الاستغفار . وقال أبو الحسن بن هند : المستدرج سكران والسكران لا يصل إليه ألم فجع المصيبة إلا بعد إفاقة فإذا أفاقوا من سكرتهم خلص إلى قلوبهم ذلك فانزعجوا ولم يطمئنوا والاستدراج هو السكون إلى اللذات والتنعم بالنعمة ونسيان ما تحت النعم من المحن والاعتداد بحكم الله عز وجل . قال الخراز : الاستدراج فقدان اليقين لأن باليقين تستبين فوائد باطنه فإذا فقد اليقين فقد فوائد باطنه واشتغل بظاهره واستكثر من نفسه حركاته وسعيه لغيبوبته عن المنة . قوله تعالى : ! ( فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت ) { < القلم : ( 48 ) فاصبر لحكم ربك . . . . . > > [ الآية : 48 ] . قال أبو بكر الوراق : لا يستقيم الزهد إلا بالصبر لأن الصبر يجنبك آفات الدنيا ويحملك على الروح والراحة ويزيد في عقلك ويشفيك من كل داء ويخلصك من كل مهم والصبر يفيدك كل يوم من أدويته دواء يدلك به على رشدك والصبر لا يسقيك مرارة إلا مشوبة بحلاوة والصبر يقهر اعداءك ويغلبهم وهو النفس والهوى والشيطان والصبر سائق إليك جميع مصالحك ومحاسنك عاجلا وآجلا . قال ابن عطاء : لم يكن هذا نقصا لصاحب الحوت ولكنه طلب استزادة من النبي صلى الله عليه وسلم . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت جعفر بن محمد يقول : سمعت الجنيد يقول : في كتاب صبر الأنبياء قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : ! ( فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت ) ! يستكشف بندائه ما مسه من ألم بلائه ويستغيث مع وجود العزم على القيام بواجب الصبر خوف دخول العجز وإشفاقا من ملامة العلم عند الإصغاء إلى الإبقاء على النفس التي لولا تدارك المنعم بالحفظ عند أول بادئ من البلاء لدخل العجز بسلطان قهره عليها لكن لوح له تعريض الخطاب : ! ( لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم ) ! [ الآية : 49 ] .
____________________
(2/346)
<
> ذكر ما قيل في سورة الحاقة <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( الحاقة ما الحاقة ) { < الحاقة : ( 1 - 2 ) الحاقة > > [ الآية : 1 ، 2 ] . قال سهل : اليوم الذي يلحق كل أحد بعمله . وقال بعضهم : تحقق جزاء كل الأعمال على كلا الطائفين . قال بعضهم : حق على كل من يعقل أن يخاف ذلك اليوم ويفزع من ذلك المشهد . قوله تعالى : ! ( إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية ) { < الحاقة : ( 11 ) إنا لما طغى . . . . . > > [ الآية : 11 ] . قال القاسم : الأجسام لم تكن والأرواح لا تحمل الجاري إنما هو جريان الحق عليه بشرط الأقسام وإذا عاين الروح هذه المقامات عرف سره . قال الواسطي : مسح أحد شقى آدم وأخرج منه الذرية . قال : حملناكم بشواهدنا وأجرينا لكم الأوقات على مقاديرنا . قوله تعالى : ! ( وتعيها أذن واعية ) { < الحاقة : ( 12 ) لنجعلها لكم تذكرة . . . . . > > [ الآية : 12 ] . قال الواسطي آذان وعت عن الله أسراره . وواعية في معادنها ليس فيها من شاهدها شيء هي الخالية عما سواه فما اضطراب الطبائع إلا ضرب من الجهل . قوله تعالى : ! ( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ) { < الحاقة : ( 18 ) يومئذ تعرضون لا . . . . . > > [ الآية : 18 ] . قال محمد بن حامد : الغافل من غفل عن العرض الأكبر حين تشهد على العبد جوارحه لا شاهد عليه إلا منها ثم تجري كل نفس بما تسعى لا تخفى على الله منهم خافية فمن لم يهتم لذلك العرض ولم يصلح نفسه له ولم يدم تضرعه إلى الله في استيفائه له ما سبق منه فهو الغريق في بحار الغفلة . قوله تعالى : ( كلوا واشربوا بما اسلفتم في الأيام الخالية ) < < الحاقة : ( 24 ) كلوا واشربوا هنيئا . . . . . > > [ الآية : 24 ] . قال الواسطي : أي الأيام الخالية عن ذكر الله لتعلموا انكم في فضله دون جزاء الأعمال . قوله تعالى : ! ( فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون ) { < الحاقة : ( 38 - 39 ) فلا أقسم بما . . . . . > > [ الآية : 38 ، 39 ] .
____________________
(2/347)
قال جعفر : بما تبصرون من صنعي في ملكي وما لا تبصرون من بري بأوليائي . قال الجنيد : بما تبصرون من آثار الرسالة على حبيبي وصفي صلى الله عليه وسلم وما لا تبصرون من سرى معه الذي أخفيته على الخلق . قال ابن عطاء : ما تبصرون من آثار القدرة وما لا تبصرون من سر القدرة . قال الحسين : أي ما اظهر الله للملائكة والقلم واللوح وما لا تبصرون مما اختزن عن خلقه الذي لم يجر القلم به ولم تشعر الملائكة بذلك وما اظهر الله للخلق من صفاته وأراهم من صنعه وأبدى لهم من علمه في جنب ما اختزن عنهم إلا كذرة في جميع الدنيا والآخرة ولو اظهر الله من حقائق ما اختزن لذابت الخلائق عن آخرهم فضلا عن جملها . قوله تعالى : ! ( ولو تقول علينا بعض الأقاويل ) { < الحاقة : ( 44 ) ولو تقول علينا . . . . . > > [ الآية : 44 ] . قال الواسطي : أي ما كشفنا له من الحقيقة لو نطق به ما قبلنا أوصافه مع أن كل ذكر ليس بذكر وليس لله وقت ماض ولا حين مستأنف . وقال : علامة مجذوب الحق إذا رغب حجب وإذا جذب قال : لعمرك انهم حجب . ! ( ولو تقول علينا بعض الأقاويل ) ! حدث إذا أظهره لنفسه حجبه وإذا أظهره لنفسه حجبه وإذا اظهره لغيره جذبه مع أن كل منيب محجوب . قوله تعالى : ! ( وإنه لتذكرة للمتقين ) { < الحاقة : ( 48 ) وإنه لتذكرة للمتقين > > [ الآية : 48 ] . قال سهل : لرحمة للمطيعين . قال ابن عطاء : بيان للمتبينين . وقال جعفر : موعظة للموفقين . قال بعضهم : بصيرة لأهل الاستقامة ونجاة للقانتين . قوله تعالى : ! ( وإنه لحسرة على الكافرين ) { < الحاقة : ( 50 ) وإنه لحسرة على . . . . . > > [ الآية : 50 ] . ما يرون من ثواب أهل التوحيد ومنازلهم وكريم مقامهم . قوله تعالى : ! ( وإنه لحق اليقين ) { < الحاقة : ( 51 ) وإنه لحق اليقين > > [ الآية : 51 ] . قال الجنيد : حق اليقين ما يحقق العبد بذلك معرفته بالحق وهو أن يشاهد العيون كمشاهدته المرئيات مشاهدة عيان ويحكم على المغيبات ويخبر عنها بالصدق كما أخبر
____________________
(2/348)
الصديق الأكبر في مشاهدة النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه حين الرسالة ماذا ابقيت لنفسك . قال الله تعالى : ورسوله فاخبر عن تحققه بالحق وقطعه عن كل ما سواه ووقوفه معه ولم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن كيفية ما أشار إليه لما عرف من صدقه وبلوغه المتمني فيه ، ولما قصر حال حارثة عن حاله لما قال : أصبحت مؤمنا حقا فاخبر عن حقيقة ايمانه سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك لما كان يجد في نفسه من عظيم دعواه ثم لم اأخبر لم يحكم له بذلك . وقال : عرفت فالزم أي عرفت الطريقة في حقيقة الإيمان فالزم الطريقة حتى تبلغ وترك حال أبي بكر رضي الله عنه مستورا من غير استخبار عنه ولا استكشاف لما علم من صدقه فيما ادعى هذا مقام حق اليقين . * * *
____________________
(2/349)
<
> ذكر ما قيل في سورة المعارج <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( تعرج الملائكة والروح إليه ) { < المعارج : ( 4 ) تعرج الملائكة والروح . . . . . > > [ الآية : 4 ] . قال سهل : أي أعمال بني آدم إلى الله عز وجل والروح إليها ناظر في ذلك المشهد . قوله تعالى : ! ( فاصبر صبرا جميلا ) { < المعارج : ( 5 ) فاصبر صبرا جميلا > > [ الآية : 5 ] . قال سهل : رضا بغير شكوى . قال أبو عثمان : الصبر الجميل مخ العبادة والعبودية لله . وقال ابن عطاء : صبرا على ما ابتليتك به جميلا علما أن رؤيتي إليك اسبق من البلاء . وقال الواسطي : أرض بما يصيبك رضي جامعا لا تسخط فيه بحال فهو الصبر الجميل الذي يورث الرضا التام . قوله تعالى : ! ( إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ) { < المعارج : ( 6 - 7 ) إنهم يرونه بعيدا > > [ الآية : 6 ، 7 ] . وقال سهل : انهم يرون المقضى عليهم من الموت والبعث والحساب بعيدا لبعد مآلهم ونراه قريبا فإن كل كائن قريب والبعيد ما لا يكون . قال بعضهم : يتوهمون بعدهم عن الحق وبعد الحق منهم وهم منه على قرب قال الله تعالى : ! ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ) ! وقال : ! ( ما يكون من نجوى ) ! الآية . قوله تعالى : ! ( إن الإنسان خلق هلوعا ) { < المعارج : ( 19 ) إن الإنسان خلق . . . . . > > [ الآية : 19 ] . قال سهل : متقلب في حركات الشهوات واتباع الهوى . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : سمعت ابن عطاء قال الهلوع الذي عند الموجود يرضى وعند المفقود يسخط . وقال أيضا : جهولا ، وقال أيضا طموعا يرضيه القليل من الدنيا ويسخطه مثلها . قال أبو الحسن الوراق : نساء عند النقمة ودعاء عند المحنة . قوله تعالى : ! ( إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين ) { < المعارج : ( 20 - 22 ) إذا مسه الشر . . . . . > > [ الآية : 20 ، 22 ] .
____________________
(2/350)
قال سهل : إذا افتقر جزع وإذا اثرى منع إلا المصلين الموفقين من العباد . وقال ابن عطاء : المصلين العارفين بمقادير الأشياء فلا يكون لهم بغير الله فرج ولا إلى غيره سكون . وقال الواسطي : جزوعا جهل من القسمة وأما المنع فهو من صفة المنافقين . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : قال ابن عطاء : ! ( إلا المصلين ) ! فإنه لا يكون لهم هلع لثقتهم بربهم وثقتهم بتقديره . وقال : إذا عمل فاحشة أو معصية جهل التوبة وقنت . ! ( وإذا مسه الخير منوعا ) ! إذا سمع بشيء من العلوم النافعة والأعمال الصالحة يحن قلبه إلى ذلك . قوله تعالى : ! ( الذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ) { < المعارج : ( 32 ) والذين هم لأماناتهم . . . . . > > [ الآية : 32 ] . قال بعضهم : الأمانة سر الله عند عباده يساورهم بها في خواطرهم ويساورونه باللجوء والافتقار إليه أبدا فإذا سكن القلب إلى ما خطر من وسوسة النفس نادته الأمانة بحفظها ففارق الأمانة عنها الله ورسوله لقوله : ! ( ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم ) ! الآية . وقيل : الأمانة الأصلية هي المعرفة . وقيل : الأمانة هي الإقرار بلفظة بلى . قال ابن عطاء : الذين صدقوا في محبته واشتاقوا إليه . قوله تعالى : ! ( الذين في أموالهم حق معلوم ) { < المعارج : ( 24 ) والذين في أموالهم . . . . . > > [ الآية : 24 ] . قال أبو عثمان : هم أهل الإيثار . وقال : هم الذين لا يرون لأنفسهم ملكا دون غيرهم . قوله تعالى : ! ( والذين هم بشهاداتهم قائمون ) { < المعارج : ( 33 ) والذين هم بشهاداتهم . . . . . > > [ الآية : 33 ] . قال سهل : قائمون بحفظ ما شهدوا به من شهادة أن لا إله إلا الله فلا يشركون به في شيء من الأفعال والأقوال والأحوال . قوله تعالى : ! ( كلا إنا خلقناهم مما يعلمون ) { < المعارج : ( 39 ) كلا إنا خلقناهم . . . . . > > [ الآية : 39 ] . قال الواسطي : ما يؤسهم من دخول الجنة أي خلقناهم للكفر والثواب والعقاب . قوله تعالى : ! ( خاشعة أبصارهم ) { < المعارج : ( 44 ) خاشعة أبصارهم ترهقهم . . . . . > > [ الآية : 44 ] . قال محمد بن علي : خاضعة لما يرون من رؤية التقصير .
____________________
(2/351)
<
> ما قيل في سورة نوح <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( أصروا واستكبروا استكبارا ) { < نوح : ( 7 ) وإني كلما دعوتهم . . . . . > > [ الآية : 7 ] . قال سهل : الإصرار على الذنب يورث الاستكبار والاستكبار يورث الجهل والجهل يورث التخطي في الباطل والتخطي في الباطل يورث قساوة القلب وقساوة القلب تورث النفاق والنفاق يورث الكفر . قال بعضهم الإصرار هو المقام على الذنب من غير ندم ولا توبة . قوله تعالى : ! ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا ) { < نوح : ( 10 ) فقلت استغفروا ربكم . . . . . > > [ الآية : 10 ] . سئل بعضهم ما افضل ما يعطى العبد ؟ قال : أن يلهم الاستغفار عند التقصير والشكر عند النعمة . وقال بعضهم الاستغفار أو طلب التوبة . قوله تعالى : ! ( ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ) { < نوح : ( 12 ) ويمددكم بأموال وبنين . . . . . > > [ الآية : 12 ] . قال جعفر ظاهركم يزينه الخدمة وباطنكم بأنوار الإيمان . قوله تعالى : ! ( والله جعل لكم الأرض بساطا ) { < نوح : ( 19 ) والله جعل لكم . . . . . > > [ الآية : 19 ] . قال : اباح الله لك ما لا بد لك منه فجعل لك الأرض بساطا يحملك عليها وسترك فيها ميتا واحسن البسط ما يحملك في حياتك ويواري عوراتك بعد وفاتك وجعل فيها رزقك وجعلها مطيعا كنت أو غاضبا فاتق الله في نفسك من لا ترد شهادته من مجالستك ومساكنك . قوله تعالى : ! ( أغرقوا فأدخلوا نارا ) { < نوح : ( 25 ) مما خطيئاتهم أغرقوا . . . . . > > [ الآية : 25 ] . قال سهل : اغرقوا في الحيرة عن الهدى فادخلوا نارا فاوجب الله عليهم الهوان والزمهم دار الشقاء . * * *
____________________
(2/352)
<
> ذكر ما قيل في سورة الجن <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن ) { < الجن : ( 1 ) قل أوحي إلي . . . . . > > [ الآية : 1 ] . قال : تعجبت الجن من بركات القرآن لما سمعوه ووجدوا في قلوبهم روحا في أسرارهم نورا على أرواحهم راحة وفي أبدانهم نشاطا للائتمار بأوامره فقالوا : ! ( إنا سمعنا قرآنا عجبا ) ! أي كتابا عجيب البركة . قوله تعالى : ! ( يهدي إلى الرشد ) { < الجن : ( 2 ) يهدي إلى الرشد . . . . . > > [ الآية : 2 ] . قال ابن عطاء : يبين اتباع آداب الخدمة وسلوك العبودية فاتبعناه . قوله تعالى : ! ( وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا ) { < الجن : ( 7 ) وأنهم ظنوا كما . . . . . > > [ الآية : 7 ] . قال الجنيد : فهذا اخذ عن النفوس الكاذبة والأماني الحاملة والوساوس الحاجبة من قبل انهم جعلوا أنفسهم علما الوصول إليه من الجهة التي من اجلها لم يجعلها دليلا فشاهدوا النفوس بشهود التفرط . قوله تعالى : ! ( وأنه تعالى جد ربنا ) { < الجن : ( 3 ) وأنه تعالى جد . . . . . > > [ الآية : 3 ] . قال الجنيد : ارتفع عن أن يتخذ صاحبه وولدا . وقال النووي : تعالى عظمته عن أن يكون إليه السبيل إلا به . أو يليق به ما احدثه بل لا دليل على الله سواه ولا اثر لشيء عليه إنه الذي أيد الآثار . قوله تعالى : ! ( فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا ) { < الجن : ( 13 ) وأنا لما سمعنا . . . . . > > [ الآية : 13 ] . قال الواسطي : حقيقة الإيمان ما أوجب الامان فمن بقى في مخاوف المرتابين لم يبلغ إلى حقيقة الإيمان . قوله تعالى : ! ( وأن لو استقاموا على الطريقة ) { < الجن : ( 16 ) وأن لو استقاموا . . . . . > > [ الآية : 16 ] . قال الواسطي : أي على معنى الإخلاص والرضا والصدق واليقين لاسقيناهم شربة تقويهم على المكث على طريق الاستقامة فيثبتون بتولية من هو قائم على كل نفس بما كسبت وكل من أمره بإقامة شيء حجبه عن نفسه لما بدل لهم عند أنفسهم من الربوبية متوحدين بذلك الأمر وإقامتها كلما ضربهم بالاقتدار حجبهم بالعزة والافتخار . قوله تعالى : ! ( وأن المساجد لله ) { < الجن : ( 18 ) وأن المساجد لله . . . . . > > [ الآية : 18 ] .
____________________
(2/353)
قال سهل : لا يدع مع الله شريكاً أي ليس لأحد معي شركة في بيتي أن يمنع عبادي عن دعوتي كذلك ما كان لله على هذه الجهة ليس لأحد فيه سبيل أن يمنع منه . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : قال ابن عطاء : مساجدك اعضاؤك التي امرت أن تسجد عليها لا تخضعها ولا تذلها لغير خالقها . قوله تعالى : ! ( قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا ) { < الجن : ( 21 ) قل إني لا . . . . . > > [ الآية : 21 ] . قال الجنيد : كيف املك لكم شيئا وانا عاجز أن املكه لنفسي إلا ما ملكته . وقال ابن عطاء : لا أملك لمن يحقق في الإيمان ضرا ولا لمن يحقق في الكفر رشدا . قوله تعالى : ! ( قل إني لن يجيرني من الله أحد ) { < الجن : ( 22 ) قل إني لن . . . . . > > [ الآية : 22 ] . قال القاسم : هذه لفظة تدل على الإخلاص والتوحيد ، إذ التوحيد هو صرف النظر إلى الحق لا غير وهذا لا يصح إلا بالإقبال على الله والإعراض عما سواه والاعتماد عليه دون ما عداه . قوله تعالى : ! ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا ) { < الجن : ( 26 ) عالم الغيب فلا . . . . . > > [ الآية : 26 ] . قال بعضهم : أخفى الحق الغيب عن الخلق فلم يطلع عليه أحدا من عباده إلا الأولياء على طرف منه بإخبار صدق أو تلقف من الحق والاولياء الامناء أصحاب الفراسة الصادقة فإنهم ينظرون بنور الغيب فيحكمون على الغيب . سئل الجنيد عن هذه الآية . فقال : هذا قولي فيه وأنشأ يقول : ( تحيرت القلوب لذي علوم ** حقوق بيانها محو الصفات ) ( ستبدي ما توارى عن اناس ** ويخبر علمها قوم ثقات ) ( فيا لك مغنهم فصل لوصل ** صفات لاحقات بالصفات ) ( فما لي علم ماض على ** وما للحق رفعى في الذوات ) ثم قال : كل علم يشرح فهو عموم وكل علم علم ولم يشرح فهو خصوص وذلك أن الأوامر مشروحة والحقائق معلومة لأن الأمر منقول والحق مشار إليه من جهة العموم وموجود من جهة الخصوص وهو سماء العموم وهو أرض الخصوص والإشارة وراء ذلك والكل صغير فيها . قول : ( واحصى كل شيء عددا ) < < الجن : ( 28 ) ليعلم أن قد . . . . . > > [ الآية : 28 ] . وقال البزاز : هو اوجدها فأحصاها عددا .
____________________
(2/354)
<
> ذكر ما قيل في سورة المزمل <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا ) { < المزمل : ( 1 - 2 ) يا أيها المزمل > > [ الآية : 1 ، 2 ] . قال ابن عطاء : يا أيها المخفى ما يظهر عليك من آثار الخصوصية آن أوان كشفه فأظهره فقد ايدناك ممن يتبعك ويوافقك ولا يخذلك ولا يخالفك وهو أبو بكر رضي الله عنه وعلى بن أبي طالب رضي الله عنه . قوله تعالى : ! ( ورتل القرآن ترتيلا ) { < المزمل : ( 4 ) أو زد عليه . . . . . > > [ الآية : 4 ] . قال أبو بكر بن طاهر : تدبر لطائف خطابه وطالب نفسك بالقيام بأحكامه وقلبك بفهم معانيه وسرك بالإقبال عليه . قوله تعالى : ! ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) { < المزمل : ( 5 ) إنا سنلقي عليك . . . . . > > [ الآية : 5 ] . على المخالفين سماعه . وقال أبو بكر : قولا لا يحمله القلب مؤيد بالتوفيق ونفس مزينة بالتوحيد وهو قلبك ونفسك يا محمد ومن يطيق حمل ما اطقته من تلقف الخطاب عن مشاهدة لانك مؤيد بالعصمة . قال القاسم : سماع العلم من لعالم ثقيل : لكنه يأتي بالفرج إذا استعمله العبد على حد السنة وتمام الأدب . قوله تعالى : ( إن ناشئة الليل هي اشد وطئا وأقوم قيلاً ) < < المزمل : ( 6 ) إن ناشئة الليل . . . . . > > [ الآية : 6 ] . ما ينشئه العبد من عبادة الليل هي اشد مواطأة على السمع والقلب من الاصغاء والفهم واقوم قيلا واثبت رتبة . وقيل : واقوم قيلا واصوب قولا لأنه ابعد من الرياء . وقال بعضهم : عبادة الليل أتم اخلاصا واكثر بركة . قوله تعالى : ! ( إن لك في النهار سبحا طويلا ) { < المزمل : ( 7 ) إن لك في . . . . . > > [ الآية : 7 ] . قال ابن طاهر : أشتغالا بالخدمة وإقبالا على الله وانتظارا لموارد الوحي . قوله تعالى : ! ( واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا ) { < المزمل : ( 8 ) واذكر اسم ربك . . . . . > > [ الآية : 8 ] .
____________________
(2/355)
قال سهل : اقرا باسم الله الرحمن الرحيم في ابتداء صلاتك توصلك بركة قراءتها إلى ربك وتقطعك عن كل ما سواه . وقال ذو النون : سبحان من دلى من الذكر اغصانا إلى الدنيا أشجارها في الملكوت فاطعم القلوب من ثمارها فاستعظمهم بها في الدنيا والآخرة هذا فعل الذكر به فكيف إذا انهجم الحب عليه وانشد لنفسه : ( مفرد في هواه قد ذاب شوقا ** مستطار الفؤاد يعشق فردا ) وقال : لكل شيء عقوبة وعقوبة العارف انقطاعه عن الذكر . قال أبو عثمان : من لم يذق وحشة الغفلة لا يجد طعم أنس الذكر . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : قال ابن عطاء في قوله : ! ( وتبتل إليه تبتيلا ) ! لتصل به اتصالا وما رجع من رجع إلا من الطريق وما وصل إليه أحد فرجع عنه . قال بعضهم : فتح على النبي صلى الله عليه وسلم أولا أسباب التأديب ثم أسباب التهذيب ثم أسباب التذويب ثم التعييب فالتأديب الأمر والنهي والتهذيب القسمة والقدرة والتذويب ليس لك من الأمر شئ والتعييب وتبتل إليه تبتيلا . قوله تعالى : ! ( لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ) { < المزمل : ( 9 ) رب المشرق والمغرب . . . . . > > [ الآية : 9 ] . قال سهل : أي كفيلا وما عدك من المعونة على الأمر والعصمة عن النهي والتوفيق للشكر والصبر في البلوى والخاتمة المحمودة . قوله تعالى : ! ( إن هذه تذكرة ) { < المزمل : ( 19 ) إن هذه تذكرة . . . . . > > [ الآية : 19 ] . قيل : القرآن موعظة للمتقين وطريقا للسالكين ونجاة للهالكين وبيانا للمستبصرين وأمانا للخائفين وشفاء للمتحيرين وأنسا للمريدين ونورا لقلوب العارفين وهدى لمن أراد الطريق إلى ربه لأن الله يقول : ! ( إن هذه تذكرة ) ! . قوله تعالى : ! ( علم أن لن تحصوه ) { < المزمل : ( 20 ) إن ربك يعلم . . . . . > > [ الآية : 20 ] . قال الواسطي : أي لن تطيقوا القيام بأمره ولن تضبطوا أعمالكم بالصحة والبرأة من العيوب فتاب عليكم فعاد عليكم بفضله وقبل منكم أعمالكم مع أن من لقيه بنعمه كان منقطعا عن المنعم بالنعم ومحجوبا بالصفات عن الذات .
____________________
(2/356)
قوله تعالى : ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) [ الآية : 20 ] . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم الاسكندراني يقول : سمعت أبا جعفر الملطي يقول : عن علي بن موسى الرضي عن أبيه عن جعفر بن محمد في قوله : ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) قال : ما تيسر لكم فيه خشوع القلب وصفاء السر . قوله تعالى : ! ( وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه ) ! [ الآية : 20 ] . قال بعضهم : ما تنفقوه في مرضات الله خير لكم من الإمساك والشح . قوله تعالى : ! ( هو خيرا وأعظم أجرا ) ! [ الآية : 20 ] . من النظر للورثة واستغفروا الله على الوجوه كلها لأن الصدقة على ثلاث اوجه : رياء وهوى وبلاء وما كان من ذلك خالصا لوجه الله تعالى فهو عزيز ولا يصل إليه إلا الأبرار المقربون . * * *
____________________
(2/357)
<
> ذكر ما قيل في سورة المدثر <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( يا أيها المدثر قم فأنذر ) { < المدثر : ( 1 - 2 ) يا أيها المدثر > > [ الآية : 1 ، 2 ] . قال سهل : يا أيها المستعتب من إعانة نفسك على صدرك وقلبك قم بنا واسقط عنك ما سوانا وانذر عبادنا فإنا قد هيأناك لاشرف المواقف واعظم المقامات . قال بعضهم : ازعج سره بالتجريد عن سكونه إلى القيام في الطلب وعن طمأنينته حتى ورمت قدماه ثم قال : ! ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ! فدل على دعوته إياه على التفريد ! ( وربك فكبر وثيابك فطهر ) { < المدثر : ( 3 - 4 ) وربك فكبر > > [ الآية : 3 ، 4 ] . قوله تعالى : ! ( وربك فكبر وثيابك فطهر ) ! [ الآية : 3 ، 4 ] . قال الجريري : كبر الكبير واعلم انك لا تنال كنه كبريائه . قال يحيى بن معاذ : طهر قلبك من مرض الخطايا واشتغال الدنيا تجد حلاوة العبادة فإنه من لم يصح جسمه لا يجد شهوة الطعام . وقال الحسن : عظم قدره عن احتياجه إليك في الدعوة إليه فإن إجابة دعوتك ممن سبقت له الهداية . قال بعضهم : طهر قلبك عن فضولات الدنيا . قوله تعالى : ! ( لا تمنن تستكثر ) { < المدثر : ( 6 ) ولا تمنن تستكثر > > [ الآية : 6 ] . قال بعضهم : لا تمنن على عبادنا بما لم نمن به عليك . وقال القاسم : لا ترى ما أنت فيه لله كبير اتمن به وتستكثره فإنه لا أحد يقول بمواجبه ولوازمه ولربك فاصبر تحت القضاء والقدر ، وقيل : فاصبر وفارق الملالة والسآمة . وقال الواسطي : لا تقدم تستدعي الأكثر وفي الحقيقة لا تستكثر ما يكون منك . وقال ابن عطاء : لا تمن بعملك فتستكثر طاعتك ولا تكون رؤية الاستكثار إلا برؤية النفس فمن اسقط عنه رؤية نفسه فقد ازال عنه رؤية الأعمال والطاعات والاستكثار بها .
____________________
(2/358)
وقال بعضهم : من رآها من الله ورآه توفيقه ومعونته شغله الشكر عن الاستكثار وان يرى لنفسه فيه حظا ونصيبا فمن لاحظها من نفسه فقد دخل في باب الاشراك . قوله تعالى : ! ( وما يعلم جنود ربك إلا هو ) { < المدثر : ( 31 ) وما جعلنا أصحاب . . . . . > > [ الآية : 31 ] . قال القاسم : قال الله تعالى : لمحمد صلى الله عليه وسلم : إنكم لا تقفون على المخلوقات فكيف تقفون على الاسامي والصفات . قوله تعالى : ! ( كلا والقمر ) { < المدثر : ( 32 ) كلا والقمر > > [ الآية : 32 ] . قال القاسم : ورب القمر جذب عباده إليه بالاشارة والليل إذا اظلم . قوله تعالى : ! ( والصبح إذا أسفر ) { < المدثر : ( 34 ) والصبح إذا أسفر > > [ الآية : 34 ] . قال القاسم : وضياء الأنوار إذا ظهر على القلوب . قال : ! ( إنها لإحدى الكبر ) { < المدثر : ( 35 - 36 ) إنها لإحدى الكبر > > [ الآية : 35 ] : أي لإحدى العظائم في باب التحذير عن عود الظلم . ! ( نذيرا للبشر ) ! [ الآية : 36 ] تحقيقا لمن عنده ضياء المباشرة . قال الواسطي : معناه إذا اظهر على أرواح الموحدين الأنوار ! ( إنها لإحدى الكبر ) ! قال : ظلم الليل ما اوجبت الرسل نذيرا للبشر لاشتغالهم بمعاني الموافقة فإذا صار مأخوذا عن شاهده فالنذير يرده إلى شاهده فتعود عليه ظلم مطالعات الموافقة إذ ليس للموافقة عند المعاينة خطر . قوله تعالى : ! ( كل نفس بما كسبت رهينة ) { < المدثر : ( 38 ) كل نفس بما . . . . . > > [ الآية : 38 ] . قال القاسم : بما باشرت من الأعمال مأخوذة بكسبها من خير أو شر إلا من اعتمد الفضل والرحمة دون الكسب والسعاية . سمعت أبا بكر الرازي يقول : سمعت أبا عمرو البخاري يقول في قوله : ! ( كل نفس بما كسبت رهينة ) ! . قال : فاين الفرار من القدر وكيف الفرار . قوله تعالى : ! ( بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ) { < المدثر : ( 52 ) بل يريد كل . . . . . > > [ الآية : 52 ] . قال الحسين : كيف لهم بهذه الإرادة ولهم نفوس خالية من الحق معرضة عن أمور الحق غافلة عن الوقوف بين يدي الحق كيف تفهم الصحف المنشورة اسرار خافية انكار ما اقتضاها خاطر حق قط فأوصلها أن البشرية لا تضاد الربوبية . قوله تعالى : ! ( هو أهل التقوى وأهل المغفرة ) { < المدثر : ( 56 ) وما يذكرون إلا . . . . . > > [ الآية : 56 ] .
____________________
(2/359)
قال سهل : من أراد التقوى فليترك الذنوب كلها وكل شيء يقع عليه اسم الذنب فإن التقوى اسم من أسماء الله وفعل التقوى ترك النهي والفواحش ، والتقوى في الأمر ترك التسويف والتقوى في النهي ترك النكرة والتقوى في الآداب مكارم الأخلاق والتقوى في الترغيب أن لا يظهر ما في سره والتقوى في الترهيب أن لا يقف عند الجهل والتقوى هي التبري من كل شيء سوى الله تعالى فمن لزم هذه الآداب في التقوى فهو من أهل التقوى . * * *
____________________
(2/360)
<
> ذكر ما قيل في سورة القيامة <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ( فلا اقسم بالنفس اللوامة ) < < القيامة : ( 2 ) ولا أقسم بالنفس . . . . . > > [ الآية : 2 ] . قال سهل : النفس اللوامة هي النفس الامارة بالسوء وهي قرينة الحرص والامل . قال أبو بكر الوراق : النفس كافرة في وقت منافقة في وقت مرائية في وقت على الأحوال كلها هي كافرة لأنها لا تألف الحق أبدا وهي منافقة لأنها لا تفي بالوعد وهي مرائية لأنها لا تحب أن تعمل عملا ولا تخطو خطوة إلا لرؤية الحق فمن كانت هذه صفاته فهي حقيقة بداوم الملامة لها . قوله تعالى : ! ( ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ) { < القيامة : ( 13 ) ينبأ الإنسان يومئذ . . . . . > > [ الآية : 13 ] . سمعت أبا سعيد بن أبي بكر بن أبي عثمان يقول : سمعت أبي يقول : سمعت أبا عثمان يقول : خمس مصائب في الذنب أعظم من الذنب : اولها خذلان الله لعبده حين عصاه ولو عصمه ما عصاه ، والثانية أن سلبه حلية أوليائه وكساه لباس اعدائه ، والثالثة أن اغلق عنه أبواب رحمته وفتح عليه أبواب عقوبته ، والرابعة نظره وهو يعصيه ، والخامسة وقوفه بين يديه يعرض عليه ما قدم وأخر من قبائحه فهؤلاء المصائب الخمسة في الذنب اعظم من الذنب . قوله تعالى : ! ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ) { < القيامة : ( 14 ) بل الإنسان على . . . . . > > [ الآية : 14 ] . قال الواسطي : مخلص فهذه البصائر أورثت مطالعات المعارف وسلامة البصائر أورثت الضياء في الضمير وملاحظة الكريم اوجبت النعيم . قوله تعالى : ! ( إن علينا جمعه وقرآنه ) { < القيامة : ( 17 ) إن علينا جمعه . . . . . > > [ الآية : 17 ] . قال الواسطي : جمعه في السر وقراءته في العلانية . وقال : أودع القرآن سرائرهم واودع البيان بواطنهم . وقال بعضهم : قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : لا تستعن بنفسك على شيء من اسبابك فإنا لا نكلك إلى نفسك بل نتولاك في جميع امورك علينا وعلينا جمعه في صدرك وتسهيله على لسانك .
____________________
(2/361)
قوله تعالى : ! ( كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة ) { < القيامة : ( 20 - 21 ) كلا بل تحبون . . . . . > > [ الآية : 20 ، 21 ] . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت جعفر الخلدي يقول سمعت الجنيد رحمة الله عليه يقول : من احب الدنيا واقبل عليها وطلبها فليتيقن بفوت حظه من الآخرة لأن الله يقول : ! ( كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة ) ! إن من يحب الدنيا يذر الآخرة ويعرض عنها . قوله تعالى : ! ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) { < القيامة : ( 22 - 23 ) وجوه يومئذ ناضرة > > [ الآية : 22 ، 23 ] . قال النصرآباذي : من الناس ناس طلبوا الرؤية واشتاقوا إليها ومنهم العارفون الذين اكتفوا برؤية الله لهم فقالوا : رؤيتنا ونظرنا فيه علل ورؤيته ونظره بلا علة فهو أتم بركة واشمل نفعا . قال عبد العزيز : الخلق في لقاء الله عز وجل على ضروب : منهم من يطمع فيه غفلة ومن يطمع فيه جرأة ومنهم من لا يطمع هيبة وهو افضلهم واشرفهم وارجاهم أن يؤهل لذلك . قال الواسطي : نظرت بالتوحيد وابتهجت بالتفريد وزهت بالتجريد . قال أبو سليمان الداراني : لو لم يكن لأهل المعرفة سرور إلا قوله : ! ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) ! لاكتفوا به وأي سرور أتم من وصول المحب إلى حبيبه والعارف إلى معروفه . قوله تعالى : ! ( والتفت الساق بالساق ) { < القيامة : ( 29 ) والتفت الساق بالساق > > [ الآية : 29 ] . قال ابن عطاء : اجتمعت عليه شدة مفارقة الوطن من الدنيا والأهل والولد والقدوم على ربه لا يدري بما يقدم عليه لذلك قال عثمان بن عفان رضي الله عنه : ما رأيت منظرا إلا والقبر افظع منه ولأنه آخر منازل الدنيا وأول منازل الآخرة .
____________________
(2/362)
<
> سورة الانسان <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر ) { < الإنسان : ( 1 ) هل أتى على . . . . . > > [ الآية : 1 ] . قال جعفر : هل أتى عليك يا إنسان وقت لم يكن الله ذاكرا لك فيه . قال أبو سعيد القرشي : سمى الإنسان إنسانا لأنه نسي العهود والمواثيق . وقال بعضهم : سمى الإنسان إنسانا لأن عوامهم يستأنس بعضهم ببعض وخواصهم يستأنسون بكلام الله وعبادته والأولياء يستأنسون بعجائب القدرة والاكابر يستأنسون به دون غيره . قوله تعالى : ! ( إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه ) { < الإنسان : ( 2 ) إنا خلقنا الإنسان . . . . . > > [ الآية : 2 ] . سمعت أبا عثمان المغربي يقول : سئلت وأنا بمكة عن قول الله ! ( أمشاج نبتليه ) ! فقلت : ابتلاء الله بتسعة أمشاج ثلاث مفتنات وثلاث كافرات وثلاث مؤمنات فأما الثلاث المفتنات فسمعه وبصره ولسانه وأما الثلاث الكافرات فنفسه وعدوه وهواه وأما الثلاث المؤمنات فعقله وروحه وقلبه فإذا أيد الله العبد بالمعونة ففر العقل على القلب فملكه واستأسر النفس والهوى فلم يجد إلى الحركة سبيلا فجانست النفس الروح وجانس الهوى العقل وصارت كلمة الله هي العليا ! ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ) ! . قوله تعالى : ! ( إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ) { < الإنسان : ( 5 ) إن الأبرار يشربون . . . . . > > [ الآية : 5 ] . قال سهل : الأبرار الذين فيهم خلق من أخلاق العشرة الذين وعد النبي صلى الله عليه وسلم لهم الجنة . قال الواسطي : من كان تحت قوله إن الأبرار يشربون من كاس بردت الدنيا في صدورهم وانقطعت عن قلوبهم . وقال أيضا : لما اختلفت أحوالهم في الدنيا كذلك اختلفت اشربتهم في الآخرة بل سبقت الاشربة الأحوال من قدر له شرابا طهورا في الآخرة طهره الحق في الدنيا عن رؤية السعايات بالموافقة والمخالفة وهو تحت قوله : ! ( إن الأبرار يشربون من كأس ) ! بردت الدنيا في صدورهم وانقطعت عن قلوبهم .
____________________
(2/363)
قوله تعالى : ! ( عينا يشرب بها عباد الله ) { < الإنسان : ( 6 ) عينا يشرب بها . . . . . > > [ الآية : 6 ] . إنها عيون يشربون منها في الدنيا فيورثهم ذلك شراب الخضرة وذلك من عيون الحياء وعيون البصر وعيون الوفاء . قوله تعالى : ! ( ويخافون يوما كان شره مستطيرا ) { < الإنسان : ( 7 ) يوفون بالنذر ويخافون . . . . . > > [ الآية : 7 ] . قال سهل : البلايا والشدائد في الآخرة عامة والبلاء منه خاص لخاص . وقال بعضهم : خوفهم لله مع الوفاء بالنذور لعلمهم بما بقى عليهم من حقوق الله التي لم يهتدوا إليها فيعرفوها ولا يفزعوا إليها فيشكروا ، فخوفهم من تقصير الشكر على النعم . قوله تعالى : ! ( ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا ) { < الإنسان : ( 17 ) ويسقون فيها كأسا . . . . . > > [ الآية : 17 ] . قال بعضهم : حرارتها بعثتهم على طلبها وصفح عنهم الاثقال والمحن والمؤن وهذا تفسير قول القائل على قدر المجاهدات بل على قدر الملاحظات ظهرت السعادات . وقال الصبيحي : سقى الحق أهله بكاسات منها كأس منى ومنها كأس غنى ومنها كأس هيام . وقال إبراهيم له : حتى الممات بحبه وحولي من الحب المرح ومنها كأس دنف ومنها كاس تقلقل ومنها كأس أحزان ومنها كأس اشجان ومنها كأس عموم ومنها كأس هموم ومنها كاس سكر ومنها كاس صحو ومنها كأس إفاقة ومنها كأس شقاء ومنها كأس حلاوة ومنها كأس بشاشة ومنها كأس اشتياق ومنها تبسم ومنها كأس ذوق ومنها كأس عيش . قوله تعالى : ! ( وسقاهم ربهم شرابا طهورا ) { < الإنسان : ( 21 ) عاليهم ثياب سندس . . . . . > > [ الآية : 21 ] . قال سهل : فرق الله بهذه اللفظة بين الطهور والطهر وبين خمر الجنة وخمور الدنيا فخمور الدنيا نجسة تنجس صاحبها وشاربها بالآثام وخمر الجنة طهور تطهر شاربها من كل دنس وتصلحه لمجلس القدس ومشهد العز . قال بعضهم في قوله : ! ( وسقاهم ربهم ) ! الآية إن لله شرابا طاهرا شهيا ادخرها في كنوز ربوبيته لأوليائه وأصفيائه يفجر لهم من ينبوع المعرفة في انهار المنة فسقاهم ربهم بكأس المحبة شراباً طهورا فإذا شربوا بقلوبهم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله سقاهم ذلك في الدنيا في ميدان ذكره بكأس محبته على منابر أنسه بمخاطبة الإيمان .
____________________
(2/364)
وسقاهم في الآخرة في ميدان قربه بكأس رؤيته على منابر النور بمخاطبة العيان سقاهم في الدنيا الماء البارد العذب حظ أجسامهم وسقاهم في الآخرة برؤية ما وعدهم من أنواع الكرامات . قوله تعالى : ! ( وسقاهم ) ! . قال جعفر : سقاهم التوحيد في السر فنأى هو عن جميع ما سواه فلم يفيقوا إلا عند المعاينة ورفع الحجاب فيما بينهم وبينه واخذ الشراب فيها اخذ عنه فلم يبق عليه منه باقية وحصله في ميدان الحصول والقبضة . سمعت أبا بكر الرازي يقول : سمعت طيب الحمال يقول : صليت خلف سهل بن عبد الله العتمة فقرأ قوله : ! ( وسقاهم ربهم شرابا طهورا ) ! فجعل يحرك فمه كأنه يمص شيئا فلما فرغ من الصلاة قيل له : اتشرب أم تقرأ ؟ قال : والله لو لم أجد لذته عند قراءته كالذي عند شربه ما قرأته . وقال فارس منهم من سقاهم شراب الهداية فهداه ومنهم من سقاه شراب التوحيد فيسره ومنهم من سقاه شراب الولاية فوالاه ومنهم من سقاه شراب المعرفة فقربه وأدناه . قال بعضهم : من ظهر الحق في الدنيا سره عن رؤية السعايات بالموافقات والمخالفات وبردت الدنيا في صدره سقاه الله في الآخرة شرابا طهورا . وقال جعفر : قوله : ! ( شرابا طهورا ) ! طهرهم به عن كل ما سواه إذ لا طاهر من يدنس بشيء من الأكوان . وقال أبو سليمان الرازي : سقاهم ربهم على حاشية بساط الود فأزواهم عن صحبة الخلق وأراهم رؤية الحق ثم اقعدهم على منابر القدس وحياهم بتحف المزيد وأمطر عليهم مطر التأييد فسالت عليهم اأودية الشوق والقرب وكفاهم هموم الفرقة وحباهم بسرور القربة . وقال بعضهم في قوله : ! ( وسقاهم ربهم شرابا طهورا ) ! قال : صب على صدورهم ماء المحبة فشرحت صدورهم بنور المحبة ولانت بنور المعرفة وانفسحت جوارحهم بنور الطاعة وبردت ضمائرهم بنسيم الهيبة وأحيا أرواحهم بنور القربة فيا له من ساقي ويالها من مسقى . وقال بعضهم في هذه الآية : سقوا شراب المودة في كأس المحبة في دار الكرامة
____________________
(2/365)
فسكروا بها فمشوا في ميدان الشوق ولم يفيقوا لشيء غير الرؤية . قوله تعالى : ! ( يدخل من يشاء في رحمته ) { < الإنسان : ( 31 ) يدخل من يشاء . . . . . > > [ الآية : 31 ] . قال الواسطي : إن الله حكم بصفته على صفتك ولم يحكم بصفتك على صفته فقال : يدخل من يشاء في رحمته كما أن جميع الكون به كذلك جميع الصفات بصفاته وكما انه بنفسه يصرف النفوس لا النفوس تصرفه على ما تريد كذلك بصفته يصرف الصفات والنعوت اجمع . وقال أبو بكر بن طاهر : المشيئة أوجبت للخلق الرحمة لا الأعمال فإن الرحمة صفته ولا علة لصفاته وأعمال الخلق مشوبة بالعلل ولا يستوجب العبد بمعلول من الأفعال ما لا علة له من الصفات . * * *
____________________
(2/366)
<
> ذكر ما قيل في سورة المرسلات <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( فإذا النجوم طمست ) { < المرسلات : ( 8 ) فإذا النجوم طمست > > [ الآية : 8 ] . قال ابن عطاء : إذا طمست نجوم المعارف وكشف عن سرائر المعاملات وهو اليوم الذي يفصل فيه بين المرء وقرنائه وإخوانه وخلانه إلا ما كان منها لله وفي الله . قوله تعالى : ! ( ويل يومئذ للمكذبين ) { < المرسلات : ( 15 ) ويل يومئذ للمكذبين > > [ الآية : 15 ] . قال الجنيد : الويل يومئذ لمن يدعى الدعاوي في الدنيا الباطلة . وقال سهل : الويل يومئذ لمن ادعى من غير حقيقة تكذبه دعواه على رءوس الاشهاد وذلك حين الافتضاح . قوله تعالى : ! ( هذا يوم لا ينطقون ) { < المرسلات : ( 35 ) هذا يوم لا . . . . . > > [ الآية : 35 ] . قال أبو عثمان - رحمة الله عليه - : اسكتتهم رؤية العيبة وحياء الذنوب . قال سهل : لا ينطق عن نفسه بحجة إلا إظهار العجز والعبودية والتزام المخالفات والجرائم . قوله تعالى : ( ولا يؤذن لهم فيعتذرون ] . < < المرسلات : ( 36 ) ولا يؤذن لهم . . . . . > > [ الآية : 36 ] . قال الجنيد - رحمة الله عليه - : أني له أوان العذر فيعتذر أي عذر لمن اعرض عن منعمه وكفر وجحد بنعمه وأياديه . قوله تعالى : ( كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون ) < < المرسلات : ( 46 ) كلوا وتمتعوا قليلا . . . . . > > [ الآية : 46 ] . قال سهل : من كانت همته بطنه وفرجه فقد أظهر خسارته . وقال بعضهم : التمتع بالدنيا من أفعال المنافقين وحبها والطمأنينة إليها من أفعال الكافرين والسعي لها من أفعال الظالمين والكون فيها على حد الإذن والأخذ منها قدر الحاجة من أفعال عوام المؤمنين والإعراض عنها والبغض لها من أفعال الزاهدين وأهل الحقيقة اجل خطرا من أن يؤثر عليهم حب الدنيا وبغضها .
____________________
(2/367)
<
> ذكر ما قيل في سورة النبأ <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( جزاء وفاقا > < < النبأ : ( 26 ) جزاء وفاقا > ) ! [ الآية : 26 ] . قال بعضهم : وافقت أعمالهم الخبيثة ووافقت الأعمال ما جرى لهم في الأزل . وقال القاسم : جزاء وافق القسمة ليس الجزاء معاوض العطاء ولكن الجزاء رحمة من المعطي . وقال بعضهم : القسمة القضاء قبل كون الأرض والسماء . قوله تعالى : ! ( إن للمتقين مفازا ) { < النبأ : ( 31 ) إن للمتقين مفازا > > [ الآية : 31 ] . على قدر قصورهم وثباتهم . قال القاسم : من اتقى الشرك فهو متق وليس من اتقى الشرك في أول أمره كمن اتقى الشرك في آخره فإن الأمور عند أهل الشريعة بالخواتيم وهي عند أهل الحقيقة بالسوابق وتقوى الأولياء أن يتقوا رؤية تقواهم فلا يرون العصمة إلا من الله تعالى لا ينقطع إلا إليه . قوله تعالى : ! ( لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا ) { < النبأ : ( 35 ) لا يسمعون فيها . . . . . > > [ الآية : 35 ] . قال جعفر : لأن الله أمره بتوفيقه وعصمته لا يجري في الدنيا منه عليه لغو ولا يسمع في الحضرة لغو لأن اللغو ذكر كل مذكور سواه ولا كذابا أي ولا قولا إلا القول الصادق بالشهادة على وحدانيته وأزليته وفردانيته . قال الشبلي - رحمة الله عليه - : لا يسمعون فيها أي كلام إلا من الحق فإذا ظهرت الحقيقة حسب المقادير وصار الكل هباء في الحقائق ومن تحقق بالحق في الدنيا لا يسمعه الحق إلا منه ولا يشهده سواه لأن مستغرق في معادن التحقيق قال الله تعالى : ! ( لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا ) ! . قوله تعالى : ! ( جزاء من ربك عطاء حسابا ) { < النبأ : ( 36 ) جزاء من ربك . . . . . > > [ الآية : 36 ] . قال جعفر : العطاء من الله على وجهين في الابتداء الإيمان والإسلام من غير مسألة
____________________
(2/368)
وفي الانتهاء التجاوز عن الزلات والغفلات والمعاصي ودخول الجنة برحمته من عطاياه وكذلك النظر إلى وجهه الكريم . قال الواسطي : في كل طائفة تفاوت في الدرجات وتفاضل في الكرامات وخاطب وقال : ! ( إن للمتقين مفازا ) ! أي محل الفوز ولا يكون إلا من كرامة وخاطب قوما فقال : ! ( جزاء من ربك عطاء حسابا ) ! أي حسبهم من العطاء حصول المعطى ومن الكرامة مشاهدة الكريم . قال بندار بن الحسين : الجزاء إذا كان من الله لا تكون له نهاية لأنه لا يكون على أحد الإعراض بل يكون فوق الحدود لأنه ممن لا حد له ولا نهاية فعطاؤه لا حد له ولا نهاية . قوله تعالى : ! ( لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ) { < النبأ : ( 38 ) يوم يقوم الروح . . . . . > > [ الآية : 38 ] . قال : لما كان إليهم من بره فمن كان مأذون في الكلام كان موافقاً على قدر علمه . قال أبو عثمان : علامة المأذون له في الكلام : صوابا قوله وصدقه ، ومن ظهر في كلامه خلل وزلل أو ظهر في خطابه كذب دل بذلك على انه غير مأذون له في الكلام .
____________________
(2/369)
<
> ذكر ما قيل في سورة النازعات <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى ) { < النازعات : ( 16 ) إذ ناداه ربه . . . . . > > [ الآية : 16 ] . قال سهل : جوع نفسه طائعا تعبدا ثم نادى ليكون النداء أبلغ . قال أبو عثمان : طوى اياما قبل القصد ثم قصد طاويا مقدسا فطوى الواد المقدس فنادى ربه على التقديس . وقال بعضهم : قدس المكان للكلام وقدس المكالمة وكلمه القدوس كلمات مقدسة لتقدسه بها عن الرجوع إلى نفسه والاعتماد على أحد سواه هذا معنى قوله : ! ( إذ ناداه ربه بالواد المقدس ) ! . قوله تعالى : ! ( اذهب إلى فرعون إنه طغى ) { < النازعات : ( 17 ) اذهب إلى فرعون . . . . . > > [ الآية : 17 ] . سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله يقول : سمعت أبا العباس يقول : سمعت ابن الفرحى يقول في قوله : ! ( اذهب إلى فرعون إنه طغى ) ! . قال : الإشارة إلى فرعون وهو المبعوث إلى السحرة فإن الله لم يرسل أنبياءه على أعدائه ولم يكن لأحد من أعدائه من الخطر ما يرسل إليهم أنبياءه ولكن يبعث الأنبياء إليهم ليخرج أولياءه من المؤمنين من بين أعدائه الكفرة . قوله تعالى : ! ( فقل هل لك إلى أن تزكى ) { < النازعات : ( 18 ) فقل هل لك . . . . . > > [ الآية : 18 ] . قال ابن عطاء : هل لك أن اطهرك من الجنايات التي تلطخت بها وأردك إلى حد العبودية الذي بها الفخر والنجاة . قوله تعالى : ! ( وأهديك إلى ربك فتخشى ) { < النازعات : ( 19 ) وأهديك إلى ربك . . . . . > > [ الآية : 19 ] . قال محمد بن علي الترمذي : الخشية ميراث صحة الهداية الا ترى الله يقول : ! ( وأهديك إلى ربك فتخشى ) ! . قوله تعالى : ! ( أنا ربكم الأعلى ) { < النازعات : ( 24 ) فقال أنا ربكم . . . . . > > [ الآية : 24 ] . سئل الواسطي : لماذا خلق الله المعاصي وأظهرها واظهر هذه الألفاظ التي لا تليق بالربوبية ؟ قال : لأنه لم يؤثر على الذات ما اظهر في الحدث من الصفات لأن الصمدية
____________________
(2/370)
ممتنعة عن الاشارات فضلا عن العبارات . قوله تعالى : ! ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ) { < النازعات : ( 25 ) فأخذه الله نكال . . . . . > > [ الآية : 25 ] . قال بشر في هذه الآية : انطق الله لسانه بالتعريض من الدعاوي واخلاه من حقائقها . وقال سرى - رحمة الله عليه - : العبد إذا تزيا بزي السيد صار نكالا الا ترى الله تعالى كيف ذكر فرعون لما ادعى الربوبية بقوله : ! ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ) ! . كذبه كل شيء حتى نفسه . قوله تعالى : ! ( فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا ) { < النازعات : ( 37 - 38 ) فأما من طغى > > [ الآية : 37 ، 38 ] . قال سهل : جحد حقوق الله وكفر نعمه وآثر الحياة الدنيا اتباعا في طلب الشهوات ومتابعة المراد . وقال الجنيد - رحمة الله عليه - : الطغيان تعدى الحقوق . وقال أبو عثمان : الطغيان الإعراض عن الآخرة والإقبال على الدنيا قال الله تعالى : ! ( فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا ) ! . قوله تعالى : ! ( وأما من خاف مقام ربه ) { < النازعات : ( 40 ) وأما من خاف . . . . . > > [ الآية : 40 ] . قال بعضهم : علم مقام الله بأسبابه في الدنيا وخاف من وقوفه يوم القيامة بين يديه . قال ذو النون - رحمة الله عليه - : مقامات الخائفين عشرة الحزن الدائم والفقر الغالب والخشية المقلقة وكثرة البكاء والتضرع والهرب من طريق الراحة وكثرة الوله وحل القلب وتنغيص العيش وموافقة الكمد . وقال بعضهم : من تحقق في الخوف ألهاه خوفه عن كل مفروج به وألزمه الكمد إلى أن يظهر له الآمن من خوفه . قوله تعالى : ! ( ونهى النفس عن الهوى ) ! [ الآية : 40 ] . قال سهل : لا يسلم من الهوى إلا الأنبياء وبعض الصديقين ليسوا كلهم وإنما من سلم الهوى تحركوا ولم يتم هواهم حتى ركب فيهم الشهوات وهو تمام الهوى وقال الشهوة والهوى يغلبان العقل والبيان . قال أبو بكر الوراق : لم يجعل في الدنيا والآخرة شيء اخبث من الهوى المخالف للحق .
____________________
(2/371)
وقال الفضيل افضل الأعمال خلاف هوى النفس ، قال الله تعالى : ! ( ونهى النفس عن الهوى ) ! . وقال الجريري : من أجأب الله في هذا الخطاب اقبل على المجاهدة والمكابدة وافنى عمره في مخالفة نفسه . قال الجنيد - رحمة الله عليه - : أرقت ذات ليلة فقمت إلى وردي فلم أجد ما كنت أجد من الحلاوة فأردت النوم فلم اقدر عليه واردت القعود فلم اطق ففتحت الباب وخرجت إلى السكة فلما سرت إلى أقصى السكة فإذا رجل ملتف في عباءة مطروح فلما أحس بي رفع رأسه وقال لي : يا أبا القاسم إلى الساعة فقلت : يا سيدي من غير موعد تقدم . قال لي : بلى سألت محرك الأشياء أن يحرك إلى قلبك فقلت له : يا سيدي قد فعل فما حاجتك ؟ قال : يا أبا القاسمممتى يصير داء النفس دواءها ؟ قلت : إذا خالفت هواها صار داؤها دواءها فاقبل على نفسه وهو يقول : اسمعي قد اجبتك بهذا الجواب سبع مرات فأبيت إلا أن تسمعيه من أبي القاسم وقد سمعتيه فانصرفت عنه ولم اقف عليه ولم اعرفه . * * *
____________________
(2/372)
<
> ذكر ما قيل في سورة عبس <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( عبس وتولى ) { < عبس : ( 1 ) عبس وتولى > > [ الآية : 1 ] . قال بعضهم في قوله : ! ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) ! عاتب الله نبيه صلى الله عليه وسلم بألطف عتاب وهو ما عاتبه به في الفقراء الصادقين أكلمه بذلك رتبة الفقر وتعظيم أهله . قوله تعالى : ! ( أما من استغنى فأنت له تصدى ) { < عبس : ( 5 - 6 ) أما من استغنى > > [ الآية : 5 ، 6 ] . قال أبو عثمان : أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بمجالسة الفقراء وحثه على تعظيمهم ونهاه عن محبة الأغنياء بقوله : ! ( أما من استغنى فأنت له تصدى ) ! . قوله تعالى : ! ( وما عليك ألا يزكى ) { < عبس : ( 7 ) وما عليك ألا . . . . . > > [ الآية : 7 ] . قال الواسطي : استهانة بمن اعرض عنه . قال جعفر الخلدي : لم يكرم بالإقبال على من لم يكرمه بالهداية ولم يريه بالمعرفة . قوله تعالى : ! ( كلا إنها تذكرة ) { < عبس : ( 11 ) كلا إنها تذكرة > > [ الآية : 11 ] . قال ابن عطاء : موعظة بليغة مباركة فمن شاء الله له التوفيق قبلها . قوله تعالى : ! ( قتل الإنسان ما أكفره ) { < عبس : ( 17 ) قتل الإنسان ما . . . . . > > [ الآية : 17 ] سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : قال ابن عطاء : منع الإنسان عن طريق الخيرات لجهله بطلب رشده وسكونه إلى ما وعد له ربه . وقال الواسطي - رحمة الله عليه - : ما اجهله بالمعرفة وذلك لجهله . قوله تعالى : ! ( ثم السبيل يسره ) { < عبس : ( 20 ) ثم السبيل يسره > > [ الآية : 20 ] . قال ابن عطاء : يسر على من قدر له التوفيق طلب رشده واتباع نجاته . وقال أبو بكر بن طاهر : يسر على كل أحد ما يخلقه له وقدر عليه . قوله تعالى : ! ( كلا لما يقض ما أمره ) { < عبس : ( 23 ) كلا لما يقض . . . . . > > [ الآية : 23 ] . قال القاسم : ذكر أوائله وأواخره وأراد به أن كل ذلك من عنده ثم أمره بالتبتل إليه ورؤية مننه .
____________________
(2/373)
قوله تعالى : ! ( أنا صببنا الماء صبا ) { < عبس : ( 25 ) أنا صببنا الماء . . . . . > > [ الآية : 25 ] . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : سمعت ابن عطاء يقول : صب من ماء معانيه على قلوب أهل معاملته صبا فشق منها معرفة وحدا ثم انبت فيها محبة وهيبة وحكما وفهما . قوله تعالى : ! ( يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه ) { < عبس : ( 34 - 35 ) يوم يفر المرء . . . . . > > [ الآية : 34 ، 35 ] . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت ابن عمر عن ابن طاهر يقول في قوله : ! ( يوم يفر المرء ) ! قال : يفر منه إذا ظهر له عجزه وقلة حيلته إلى من يملك كشف تلك الكروب والهموم عنهم ولو ظهر له ذلك في الدنيا لما اعتمد سوى ربه الذي لا يعجزه شيء وتمكن من فسحة التوكل واستراح في ظل التفويض . قوله تعالى : ! ( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) { < عبس : ( 37 ) لكل امرئ منهم . . . . . > > [ الآية : 37 ] . قال يحيى بن معاذ : شغلك في نفسك وفي دنياك وعقباك عن ربك أما في الدنيا ففي طلب مرادها واتباع شهواتها وأما في الآخرة فقد أخبر الله عنه بقوله : ! ( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) ! فمتى تتفرغ إلى معرفة ربك وطاعته ؟ . قوله تعالى : ( وجوه يومئذ مستقرة ) < < عبس : ( 38 ) وجوه يومئذ مسفرة > > [ الآية : 38 ] . قال ابن عطاء : كشف عنه ستور الغفلة فضحكت بالدنو من الحق واستبشرت بمشاهدته وقال : اسفرت تلك الوجوه بنظرها إلى مولاها واضحكها رضا الله عنها . وقال القاسم في هذه الآية : وجوه يومئذ منورة بضياء التوحيد ضاحكة إلى مولاها مستبشرة برضاه عنها . قوله تعالى : ! ( وجوه يومئذ عليها غبرة ) { < عبس : ( 40 ) ووجوه يومئذ عليها . . . . . > > [ الآية : 40 ] . قال سرى : ظاهر عليها حزن البعاد لأنها صارت محجوبة وعن الباب مطرودة . * * *
____________________
(2/374)
<
> ذكر ما قيل في سورة كورت <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( وإذا الجنة أزلفت ) { < التكوير : ( 13 ) وإذا الجنة أزلفت > > [ الآية : 13 ] . قال القاسم : ازلفت بسرور اللقاء وحسن الجزاء ورضا المولى ومواصلة العطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ' من احب أن ينظر إلى القيامة عيانا فليقرأ سورة كورت ' . قوله تعالى : ! ( علمت نفس ما أحضرت ) { < التكوير : ( 14 ) علمت نفس ما . . . . . > > [ الآية : 14 ] قال الواسطي : أيقنت إذ ذاك الأنفس أن كل ما عانت واجتهدت وعملت لا يصلح لذلك المشهد وأنه من اكرم بخلع الفضل نجا ومن قرن بجزاء عمله خاب وهلك . قوله تعالى : ! ( إنه لقول رسول كريم ) { < التكوير : ( 19 ) إنه لقول رسول . . . . . > > [ الآية : 19 ] . قال الواسطي رحمة الله عليه : جمعهم في علمه وفرقهم في قسمه واستعملهم في حكمه فلا العقل يزيد على العلم ولا العلم يزيد عليهم الا ترى انه أضاف إليهم ما ليس لهم بقوله : ! ( إنه لقول رسول كريم ) ! . قال بعضهم فيه قوله ! ( رسول كريم ) ! . قال إنه المؤيد بالأمانة ومن كمال أمانته ائتمنه على وحيه وجعله سفيرا بينه وبين أنبيائه صلوات الله عليهم أجمعين . قوله تعالى : ! ( فأين تذهبون ) { < التكوير : ( 26 ) فأين تذهبون > > [ الآية : 26 ] . قال الواسطي رحمة الله عليه : الخلق كلهم مقبوضون تحت رق الملك محجوبون بعزة الملك فأين يذهبون وهو الذي يطمث الرسول ويعمى الفهوم ويترك الأجسام قاعا صفصفا لأنه لا تلحلقه الإشارة فإن الكون أقل خطرا واضعف اثرا من أن يكون له سبيل إلى تحقيق الإشارة فأين تذهبون من ضعف إلى ضعف ارجعوا إلى فسحة الربوبية
____________________
(2/375)
ليستقر بكم القرار . قال الجنيد : معنى الآية مقرون إلى آية أخرى وهي قوله : ( وإن من شيء إلا عندنا خزائنه ) . فأين تذهبون فمن طلب ما لنا لا يجده من غير عندنا ومن طلبنا اسقطنا عنه تعب الطلب وكنا له . قوله تعالى : ! ( لمن شاء منكم أن يستقيم ) { < التكوير : ( 28 ) لمن شاء منكم . . . . . > > [ الآية : 28 ] . قال سهل : لمن شاء منكم أن يستقيم على الطريق بالإيمان به ولا تصح لكم تلك المشيئة والاستقامة إلا بأن يشاء الله لكم ذلك ويرزقكموه . قوله تعالى : ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) < < التكوير : ( 29 ) وما تشاؤون إلا . . . . . > > [ الآية : 29 ] . قال الواسطي : أعجزك في جميع أوصافك وصفاتك فلا تشاء إلا بمشيئتي ولا تعمل إلا بقوتي ولا تطمع إلا بفضلي ولا تعصي إلا بخذلاني فماذا سيبقى لك وبماذا تفخر من أفعالك وليس لك من فعلك شيء . * * *
____________________
(2/376)
<
> ما قيل في سورة انفطرت <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( علمت نفس ما قدمت وأخرت ) { < الإنفطار : ( 5 ) علمت نفس ما . . . . . > > [ الآية : 5 ] . قال أبو عثمان : ما قدمت من خير وأخرت من شر . وقال بعضهم : ما قدمت من الأعمال وأخرت من المظالم . وقال بعضهم : ما قدمت من حق وأخرت من باطل . وقال أبو القاسم المذكر : ما قدمت من الصدقات وأخرت من الخيرات . قوله تعالى : ! ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ) { < الإنفطار : ( 6 ) يا أيها الإنسان . . . . . > > [ الآية : 6 ] . قال ابن عطاء : ما قطعك عن مولاك . وقال جعفر : ما الذي أقعدك عن خدمة مولاك . قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لو قيل لي ما غرك بي ؟ لقلت : يا رب كرمك . وقال يحيى بن معاذ : لو قيل لي ما غرك بي ؟ لقلت يا رب ما غرني إلا ما علمته من فضلك على عبادك وصفحك عنهم . قوله تعالى : ! ( الذي خلقك فسواك فعدلك ) { < الإنفطار : ( 7 ) الذي خلقك فسواك . . . . . > > [ الآية : 7 ] . قال الجنيد : تسوية الخلق بالمعرفة وتعديلها بالإيمان . وقال : تسوية الخلق بالعقل . وقال ذو النون : خلقك فسواك أوجدك فسخر لك المكونات اجمع ولم تسخر لشيء منها . وقال بعضهم : خلقك فسواك انطق لسانك وركب فيك العقل وزينك بالمعرفة ونورك بالإيمان وأكرمك بالإسلام وشرفك بالامر والنهي وفضلك على جميع مخلوقاته بالتمييز . قوله تعالى : ! ( في أي صورة ما شاء ركبك ) { < الإنفطار : ( 8 ) في أي صورة . . . . . > > [ الآية : 8 ] . قال الواسطي رحمة الله عليه : في أي حالة ما شاء قصد بك إليه .
____________________
(2/377)
وقال بعضهم : أي ضياء الأرواح وظلمتها فمن ركبه في صورة الولاية ليس كمن فطره على نعت العداوة ، ومنهم من صورته على صورة العناية والدعاية فذلك العالي الفائق في شرفه ، وإن لم يكن اكتسب من شرفه شيئا . وقال بعضهم : في أي حالة ما شاء قصد بك إليه . قال الحسن : من قصده بنفسه صرف عن حظه ، ومن قصده به فهو المحجوب عن نفسه لأنه يقول : في أي صورة ما شاء ركبك . أي في أي حالة ما شاء أنشأك لأنه خلق آدم عليه السلام لألطاف بره ، وباشره بإعلاء قدره وأظهر الأرواح من بين جلاله ، وجماله فخصه بنفخ الروح فيه ، وكساه كسوة لولا انه سيدها لسجد لها كل ما اظهر من الكون فمن رداه برداء الجمال فلا شيء اجمل من كونه ، ومن رداه برداء الجلال وقعت الهيبة على شاهده . قوله تعالى : ! ( وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين ) { < الإنفطار : ( 11 ) كراما كاتبين > > [ الآية : 11 ] . قال أبو عثمان : من [ ] عن الجان ، وعن المعاصي ، مراقبة الله اياما نظره إليه ، ومحافظته عليه ، كيف يرده عنها الكرام الكاتبين ، والله يقول : ! ( وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين ) ! . قوله تعالى : ! ( إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم ) { < الإنفطار : ( 13 - 14 ) إن الأبرار لفي . . . . . > > [ الآية : 13 ، 14 ] . قال جعفر : النعيم المعرفة ، والمشاهدة ، والجحيم النفوس فإن لها نيران تتقد . وقال بعضهم : النعم القناعة ، والجحيم الطمع ، وقيل النعيم التوكل والجحيم الحرص . وقيل النعيم هو الرضا بالقضاء والجحيم هو السخط له . وقال الحسين الوراق : النعيم أن تملك نفسه ، وتغلب شهوته وهواه ، والجحيم أن تغلبه نفسه ويملكه شهوته وهواه . سمعت عبد الله الرازي يقول : سمعت محمد بن الفضل يقول في قوله : ! ( إن الأبرار لفي نعيم ) ! . ؟ قال في التنعم بذكر مولاهم ، وإن الفجار لفي جحيم في التقلب في الشهوة . والغفلات .
____________________
(2/378)
وقال ابن الورد في قوله : ! ( إن الأبرار لفي نعيم ) ! قال : النعيم الذكر ، والمعرفة وإن الفجار لفي جحيم المعصية والسكون إلى النفس . وقال إبراهيم الخواص في هذه الآية : طاب النعيم إذا كان منه وطاب الجحيم إذا كان به . قوله تعالى : ! ( يصلونها يوم الدين ) { < الإنفطار : ( 15 ) يصلونها يوم الدين > > [ الآية : 15 ] . قال الواسطي رحمه الله : عند أنفسهم وما هم عنها بغائبين في علم الله . قوله تعالى : ! ( يوم لا تملك نفس لنفس شيئا ) ! [ الآية : 19 ] . قال الواسطي رحمه الله : ذهبت الرسالات ، والكلمات ، والشفاعات فمن كانت صفته في الدنيا كذلك فقد افرد التوحيد . قوله تعالى : ! ( والأمر يومئذ لله ) { < الإنفطار : ( 19 ) يوم لا تملك . . . . . > > [ الآية : 19 ] . قال الواسطي رحمه الله : الأمر اليوم ، ويومئذ ، لم يزل ولا يزال الله ، ولكن الغيب بحقائقه لا يشاهده إلا الأكابر من الأولياء ، وهذا خطاب العام إذا شاهدوا الغيب عيانا على مشاهدتهم له تصديقا كعامر بن قيس يقول : لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ولجارته أخبر حضرة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : كأني انظر وكأني وكأني . . * * *
____________________
(2/379)
<
> ما قيل في سورة المطففين <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( ويل للمطففين ) { < المطففين : ( 1 ) ويل للمطففين > > [ الآية : 1 ] . قال أبو صالح حمدون : إذا أخذت الميزان بيدك فاذكر ميزان القسط عليك ، واحذر من الويل الذي وعد الله فيه بقوله : ! ( ويل للمطففين ) ! . وقال أيضا : ويل لمن يبصر عيوب أخيه ، ويعمى عن عيوبه فإن ذلك التطفيف . سئل أبو حفص عن قوله : ! ( ويل للمطففين ) ! قال : الذي يستوفى حقه من الخلق ، ولا يوفيهم حقوقهم ، ويقتفي حقه ، ولا يقضي حقوقهم ، ويبصر عيوبهم فيعيرهم بها وهو يرتكب مثل ذلك وأفظع منها فيغفل عنها . وقال أبو عثمان : حقيقة هذه الآية والله أعلم عندي هو : من يحسن العبادة على رؤية الناس وينسى إذا خلا . قال الله : ! ( ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون > ( < المطففين : ( 4 ) ألا يظن أولئك . . . . . > } إنهم لا بد لهم من المحاسبة والرجوع إلى بأعمالهم . قوله تعالى : ! ( ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ) ! [ الآية : 4 ] . قال أبو حفص : من علم انه مبعوث ، وكاسب ثم لا يجتنب المعاصي ، والذنوب ، والمخالفات اجمع وقد أخبر عن سره انه غير مؤمن بالبعث والحساب . قوله تعالى : ! ( كتاب مرقوم ) { < المطففين : ( 9 ) كتاب مرقوم > > [ الآية : 9 ] . قال أبو عثمان المغربي رحمه الله : الكتاب المرقوم هو ما يجري الله على جوارحك من الخير والشر ، رقمها بذلك الرقم فهو لا يخالف ما رقم به وذلك الرقم معلق بالقضاء والقدر ، والقدرة تمشيه عليه ، ولا رجوع له عن ذلك ولا حيلة له فيه فهو في ذلك مقدور في الظاهر غير مقدور في الحقيقة هذا لعوام الخلق ، وأما للخاص والأولياء وأهل الحقائق فإنه رقم الله على كل شيء أوجده لم يشرف على ذلك الرقم من المقربين عرف صاحبه بما رقم به من الولاية ، والعداوة فيخير عنه وهو الاشراق والفراسة كما كان لعمر بن الخطاب كرم الله وجهه حين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قال : ' إنه إن كان في الأمم مكلمون
____________________
(2/380)
فإن يكن في أمتي فعمر ' أي : من اشرف على حقائق الرقم ، وعلى معاني الكتاب المرقوم فمن كان بهذه الحالة فهو مكلم من جهة الحق بلا واسطة . قوله تعالى : ! ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) { < المطففين : ( 14 ) كلا بل ران . . . . . > > [ الآية : 14 ] . قال أبو سليمان : الران ، القسوة هما ميراث الغفلة فمن يقظ وتذكر خلص من القسوة والدين ودواؤها إدمان الصوم فإن وجد بعد ذلك قسوة فليترك الإدوام . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : قال ابن عطاء في قوله : ! ( كلا بل ران على قلوبهم ) ! . قال : الطاعة على الطاعة حتى يحجب قلبه عن مشاهدة المنة لأن العجب والدنيا في الطاعة يورثان نسيان المنة وترك الحرمة . قوله تعالى : ! ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) { < المطففين : ( 15 ) كلا إنهم عن . . . . . > > [ الآية : 15 ] . قال القاسم : حجبهم في الدنيا عن مولاهم المعاصي ، وحجبهم في الآخرة عن مولاهم البدع . وقال بعضهم : الحجاب حجابان : حجاب غفلة ، وحجاب كفر فمن حجب في دنياه بالغفلة حجب في الجنة بالرحمة ومن حجب في دنياه بالكفر حجب في النار بالغضب . قال الواسطي رحمه الله : الكفار في حجاب لا يرونه ، والمؤمنون في حجاب يرونه في وقت دون وقت ، ولا حجاب له غيره ولا يسعه سواه ما اتصلت بشرية بربوبية قط ولا فارقت عنه . قوله تعالى : ! ( إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون ) { < المطففين : ( 22 - 23 ) إن الأبرار لفي . . . . . > > [ الآية : 22 ، 23 ] . قال أبو سعيد الخراز : للأبرار علامات : اولها أن يكون معصوما عن المخالفات بعصمة الله محفوظا بطاعة الله لا يؤذي أحدا من المخلوقين ، ويرحم الضعفاء لضعفهم ويعرف نعم الله في جميع الأحوال ، ويرى نقصانه في جميع الأفعال . وقال ابن عطاء : على ارائك المعرفة وينظرون إلى المعروف وعلى ارائك القربة ينظرون إلى الرءوف ، وللإسلام أركان كما أن للنفس اركانا : فالرجلان الصبر والورع ، واليدان
____________________
(2/381)
الزهد والقناعة ، والأذنان الخوف والرجاء ، والعينان الشوق والمحبة ، واللسان العلم والفطنة فمن استعمل هذه الأركان في رضا محبوبه ، وشغلها بخدمة معبوده فهو من الأبرار الذين هم على الأرائك ينظرون . قوله تعالى : ! ( تعرف في وجوههم نضرة النعيم ) { < المطففين : ( 24 ) تعرف في وجوههم . . . . . > > [ الآية : 24 ] . قال جعفر رحمه الله : تبقى لذة النظر تتلألأ مثل الشمس في وجوههم إذا رجعوا من زيارة الله إلى أوطانهم . قال بعضهم : ترى في ذلك الوجوه إقبال الحق عليها فنعمت بإقبال المنعم عليها . قوله تعالى : ! ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) { < المطففين : ( 26 ) ختامه مسك وفي . . . . . > > [ الآية : 26 ] . قال ذو النون رحمه الله : علامة المتنافسين تعلق القلب به ، وطيران الضمير إليه ، والحركة عند ذكره ، والهرب من الناس والأنس بالوحدة ، والبكاء على ما سلف ، وحلاوة سماع الذكر ، والتدبر في كلام الرحمن ، ويلقى النعم بالفرح والشكر والتعرض للمناجات . قوله تعالى : ! ( ومزاجه من تسنيم ) { < المطففين : ( 27 ) ومزاجه من تسنيم > > [ الآية : 27 ] . كؤوسا مزجت بالانس فتنسموا رائحة القرب منها قوله تعالى : ! ( عينا يشرب بها المقربون ) { < المطففين : ( 28 ) عينا يشرب بها . . . . . > > [ الآية : 28 ] . قال بعضهم : قال يشرب بها المقربون صرفا ، ويمزج لأصحاب اليمين فليس كل من احتمل حمل الصفات قوى على مشاهدة الذات ، وشراب المقربين لحملهم الذات ، والصفات جميعا . وقال الواسطي رحمه الله : يشرب بها المقربون صرفا على مشاهدة محبوبهم . قال الجريري : يشرب بها المقربون على بساط القرب في مجلس الأنس ، ورياض القدس بكأس الرضا على مشاهدة الحق عز وجل . قوله تعالى : ! ( على الأرائك ينظرون ) { < المطففين : ( 23 ) على الأرائك ينظرون > > [ الآية : 23 ] . قال القاسم : ينظرون متعجبين إلى أهل الشهوات في الجنة وهم على الارائك والمراتب التي تدنيهم من ربهم وكيف يشتهون شيئا ، وهم مشتغلون في تصريفهم ومغيبون عن شواهدهم في تدبيره بلا شهوة ولا إقبال ولا فترة ولا إدبار إذ الأمور بحقوقها عنه مصروفة .
____________________
(2/382)
<
> ذكر ما قيل في سورة الانشقاق <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت ) { < الإنشقاق : ( 1 - 2 ) إذا السماء انشقت > > [ الآية : 1 - 2 ] . قال بعضهم : خطاب الأمر إذا وقع على الهياكل فمن بين مطيع ، وعاص وخطاب الهيبة إذا ورد يغني ويعجز ولا فواد معه كقوله : ! ( إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت ) ! وردت عليها صفة الهيبة فانشقت وأذنت لربها ، وأطاعت وانقادت وحق لها ذلك وهو الذي أوجده . فقال سهل رحمه الله : سمعت لربها وحق لها أن تفعل ذلك . قوله تعالى : ! ( وينقلب إلى أهله مسرورا ) { < الإنشقاق : ( 9 ) وينقلب إلى أهله . . . . . > > [ الآية : 9 ] . قال ابن عطاء رحمه الله : مسرورا بما نال من رضا الحق . وقال الوراق : مسرورا بنجاته . وقال بعضهم : بما يرى من تفضل الله عليه وإحسانه إليه . وقال بعضهم : مسرورا بقبول أعماله . وقال عبد الواحد بن زيد : مسرورا بتحقيق ميعاد اللقاء . قال إبراهيم بن ادهم رحمة الله في قوله : ! ( وينقلب إلى أهله مسرورا ) ! بدخول الجنة والنجاة من النار . قال أبو عثمان : مسرورا بإنزاله في منازل الأولياء الصادقين . قوله تعالى : ! ( بلى إن ربه كان به بصيرا ) { < الإنشقاق : ( 15 ) بلى إن ربه . . . . . > > [ الآية : 15 ] . قال الواسطي رحمه الله : خلقه لماذا خلقه ؟ ، ولأي شيء أوجده . وما قدر عليه من السعادة والشقاوة وما كتب له وعليه من رزقه وأجله . قوله تعالى : ! ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون ) { < الإنشقاق : ( 25 ) إلا الذين آمنوا . . . . . > > [ الآية : 25 ] . سمعت عبد الله بن موسى السلامي يقول : سمعت عبدان الهيتي يقول سمعت الجنيد رحمه الله يقول : من استوى عنده المدح والذم فهو زاهد ، ومن حافظ على أداء
____________________
(2/383)
الفرائض والأوامر فهو عابد ، ومن رأى الأشياء كلها من الله فهو موحد . قوله تعالى : ! ( إنه كان في أهله مسرورا ) { < الإنشقاق : ( 13 ) إنه كان في . . . . . > > [ الآية : 13 ] . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم المصري يقول : قال ابن عطاء في قوله : ! ( إنه كان في أهله مسرورا ) ! قال : لنفسه متابعا ، وفي مراتع هواه ساعيا . * * *
____________________
(2/384)
<
> ذكر ما قيل في سورة البروج <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ( والسماء ذات البروج * واليوم الموعود 8 وشاهد ومشهود ) < < البروج : ( 1 - 3 ) والسماء ذات البروج > > [ الآية : 1 - 3 ] . قال سهل رحمه الله : الشاهد والملائكة ، والمشهود الإنسان وقال : الشاهد نفس الروح ، والمشهود نفس الطبع . وقال الواسطي رحمه الله : الشاهد هو ، والمشهود الكون ، لا يقال متى شهدهم ، ولا اتخذت لله شهادة ، فحيث كانت الربوبية كانت العبودية ، وتصريفا في الإيجاد والإبقاء ، والإفتاء لهم يحدث لله في شواهدهم مشاهدة ، ولم تحدث له في أحداث الخلق أحداث ، لأنه لا فصل ، ولا وصل ، والموجود معدوم ، والمعدوم موجود ، لم يحضرهم آباد وقته ، وأحضرهم أحداث أوقاتهم ، ولما ثبت المشهود بالشاهد وجب انه لم يكن عنده مفقودا ابدا ، ويستحيل أن يكون الباري مفقودا . قال ابن عطاء : في قوله : ! ( وشاهد ومشهود ) ! قال : هو الذي يشهد له بأحواله على أحواله لما كان الحق تولاها في ازليته قبل أن خلقها ويسرها بتقديره حتى اخرجها إلى الكون بتدبيره كذلك في صفاته ، واحواله . قال فارس : كلاهما عائد عليه أي - هو الناظر والمنظور وهو الشاهد لخلقه ، والمشاهد لهم بوجود الإيمان وحقائقه . قال الواسطي رحمه الله : الشاهد والمشهود أنت كما يقال متى شهد ، ولا تحدث لله شهادة . وقال الخلق مشهودون بما شاهدهم به في الأزل وبظهورهن ظهر عليهم . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : سمعت ابن عطاء يقول : هو الذي شهد له بأحواله على أحواله . وقال : الشاهد الحق والمشهود الكون اأعدمهم ثم اوجدهم على قوله : ! ( وما كنا عن الخلق غافلين ) ! [ المؤمنون : 17 ] .
____________________
(2/385)
قال ابن عطاء : هو الذي يشهد بأحواله على أحواله لما كان تولاها في ازليته قبل أن خلقها ويسرها بتقديره حتى اخرجها إلى الكون بتدبيره كذلك في صفاتها وأحوالها في العرصة والقيامة فيسوقها إلى محشرها كما ساقها في الأزل والأبد دون غيره فانطق من شاء في تيسيره في الدارين وأخرس من شاء عما شاء بتدبيره فما مضى في الأزل اجرى في الأبد ، وما اجرى في الأبد هو ما امضى في الأزل عباده والحقيقة لا يقارنها شيء ولا يثبت فإزائها شيء . وقال الحسين في قوله : ! ( وشاهد ومشهود ) ! قال : الشاهد العبد ، والمشهود عليه أفعاله . وقيل : الشاهد : أفعال العبد ، والمشهود عليه : العبد . وقيل في قوله : ! ( وشاهد ومشهود ) ! أن الخلق مشهودون لما شهدهم به قبل خلقهم . قوله تعالى : ! ( إنه هو يبدئ ويعيد ) { < البروج : ( 13 ) إنه هو يبدئ . . . . . > > [ الآية : 13 ] . قال ابن عطاء : يبدئ بإظهار القدرة فيوجد المعدوم ثم يعيده بإظهار الهيبة فيفقد الموجود . وقال جعفر : يبدئ فيغنى عمن سواه ثم يعيد فيبقى ببقائه . وقال الواسطي رحمه الله : قيل إن ذلك في أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم انه يبدي عليهم آثار سخطه ويعيدهم إلى آثار رحمته . وقال أيضا : يبدي على أوليائه صفات أعدائه ثم يعيدهم إلى صفات حقائقهم . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : قال ابن عطاء : يبدئ بالكشف لقلوب الأولياء فيمحو كل خاطر سواه ، وتخشع له القلوب فلا تخضع إلا له . قوله تعالى : ! ( وهو الغفور الودود ) { < البروج : ( 14 ) وهو الغفور الودود > > [ الآية : 14 ] . قال الواسطي رحمه الله : الغفور لما يرتكبه من أنواع المخالفات ، والودود لما ابدى عليهم من آثار فضله . وقال أيضا : الغفور لما ابدى عليهم ، والودود بهم بردهم إلى طبائعهم ، والحكمة في ذلك حفظ مواضع الفضل .
____________________
(2/386)
قوله تعالى : ! ( ذو العرش المجيد ) { < البروج : ( 15 ) ذو العرش المجيد > > [ الآية : 15 ] . قال الواسطي رحمه الله : هو أعلى من أن يكون له فيه وإليه حاجة بل اظهر العرش إظهارا للقدرة لا مكانا للذات . قوله تعالى : ( فعال لما يريد ) < < البروج : ( 16 ) فعال لما يريد > > [ الآية : 16 ] . إظهار ربوبيته والهيبة . قال ابن عطاء : فعال لما يريد بإظهار فعله في إظهار عدله وإظهار فضله ولو حول عدله إلى أهل فضله ما أطاقوا ولو حول فضله إلى أهل عدله ما أطاقوا ولا احتملوا . قوله تعالى : ! ( في لوح محفوظ ) { < البروج : ( 22 ) في لوح محفوظ > > [ الآية : 22 ] . قال سهل : المحفوظ في صدر المؤمن محفوظ عليه أن يناله غير أهله لأن أهل القرآن أهل الله . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : سمعت ابن عطاء يقول : حفظ ما استحفظ فيه أن يحفظه ، واجرى القلم بعلمه في خلقه وستر على القلم أن يعلم بما جرى فهو الحافظ عليه مما استحفظه . * * *
____________________
(2/387)
<
> ذكر ما قيل في سورة الطارق <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( نهم يكيدون كيدا ) { < الطارق : ( 15 ) إنهم يكيدون كيدا > > [ الآية : 15 ] . قال ابن عطاء : الكيد : استدراجك من حيث لا تعلم . * * *
____________________
(2/388)
<
> ذكر ما قيل في سورة الأعلى <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( سبح اسم ربك الأعلى ) { < الأعلى : ( 1 ) سبح اسم ربك . . . . . > > [ الآية : 1 ] . قال بعضهم : نزه اسم ربك في تسبيحك له . وقال نزه لسانك بعد ذكرك ربك عن لغو وكذب . قال بعضهم : ! ( الذي خلق فسوى ) { < الأعلى : ( 2 ) الذي خلق فسوى > > . خلق الخلق فسوى ، وميز بينهم في اختصاص الهداية ، وليس لأحد أن يفتخر على أحد بالخلقة إلا بخواص الهداية ، والتقوى كما قال : ! ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ! [ الحجرات : 13 ] . قوله تعالى : ! ( والذي قدر فهدى ) { < الأعلى : ( 3 ) والذي قدر فهدى > > [ الآية : 3 ] . قال الواسطي رحمه الله : قدر السعادة والشقاوة عليهم ثم يسر لكل واحد من الطائفتين سلوك ما قدر عليه . وقال بعضهم : قدر الأرزاق وهداهم لطلبها . وقال بعضهم : قدر الأرزاق فهدى قوما بالسكون إلى ضمانه عن الحركة في طلبها . وقال بعضهم : قدر الذنوب عليهم بمن هداهم إلى التوبة . قوله تعالى : ! ( سنقرئك فلا تنسى ) { < الأعلى : ( 6 ) سنقرئك فلا تنسى > > [ الآية : 6 ] . سمعت محمد بن الحسن البغدادي يقول : سمعت محمد بن عبد الله العزقاني يقول : كان يغشى الجنيد في مجلسه أهل النسك من أهل العلوم وكان أحد من يغشاه ابن كيسان النحوي وكان في وقته رجلا جليلا فقال له يوما : يا أبا القاسم ما تقوم في قوله عز وجل : ! ( سنقرئك فلا تنسى ) ! وأجابه مسرعا كأنه تقدم السؤال قبل ذلك بأوقات . قال الجنيد رحمه الله : لا تنسى العمل به فاعجب ابن كيسان إعجابا شديدا فقال : لا يفضض الله فاك ، مثلك من تصدر . قوله تعالى : ! ( إنه يعلم الجهر وما يخفى ) { < الأعلى : ( 7 ) إلا ما شاء . . . . . > > [ الآية : 7 ] .
____________________
(2/389)
قال محمد بن حامد : يعلم إخفاء الصدقة وإعلانها . قوله تعالى : ! ( فذكر إن نفعت الذكرى ) { < الأعلى : ( 9 ) فذكر إن نفعت . . . . . > > [ الآية : 9 ] . قال أبو بكر بن طاهر : عظهم فلا يتعظ بموعظتك إلا أهل الخشية الا تراه يقول : ! ( سيذكر من يخشى ) ! . قوله تعالى : ! ( ثم لا يموت فيها ولا يحيى ) { < الأعلى : ( 13 ) ثم لا يموت . . . . . > > [ الآية : 13 ] . سمعت أبا القاسم يقول : قال ابن عطاء : لا يموت فيتدرج من غم القطيعة ولا يحيا فيصل إلى روح الوصلة . قوله تعالى : ! ( قد أفلح من تزكى ) { < الأعلى : ( 14 ) قد أفلح من . . . . . > > [ الآية : 14 ] . قال سهل رحمه الله : فاز وسعد من اتقى الله في السر والعلانية . قال الجريري : افلح من طهر من شهوات نفسه ، ومتابعة هواه ورعونات طبعه . قوله تعالى : ! ( بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى ) { < الأعلى : ( 16 - 17 ) بل تؤثرون الحياة . . . . . > > [ الآية : 16 ، 17 ] . قال أبو العباس الدينوري : من خسأ طبعه وحقرت همته آثر الدنيا بخستها وحقارتها ، ومن علت همته وعظم قدره آثر الاخرة ، ومن شرفت حاله وصحت حقائقه آثر ربه على الدارين وما فيها . * * *
____________________
(2/390)
<
> ذكر ما قيل في سورة الغاشية <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة ) { < الغاشية : ( 2 - 3 ) وجوه يومئذ خاشعة > > [ الآية : 2 ، 3 ] . قال السلامي : من خشى أوقاته الفناء كان ثمرته المنى . وقال بعضهم : خشوع الظاهر ونصب الأبدان لا يقربان من الله بل يقطعان عنه ألا تراه يقول : ! ( وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة ) ! ، وإنما يقرب منه سعادة الأزل وخشوع السر من هيبة الله عز وجل وهو الذي يمنع صاحبه عن جميع المخالفات . قوله تعالى : ! ( وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية ) { < الغاشية : ( 8 - 9 ) وجوه يومئذ ناعمة > > [ الآية : 8 ، 9 ] . قال الجنيد رحمه الله : جعل الله الطاعة والخون على الاشباح وخص بالمعرفة الأرواح . وقال الحسين : ! ( وجوه يومئذ ناعمة ) ! ، أي شاهدة بمشاهد وحقيقة عين الحق . قال بعضهم : في قوله : ! ( لسعيها راضية ) ! قال سعى فيها على رضى من اعانة على ذلك . قوله تعالى : ! ( في جنة عالية ) { < الغاشية : ( 10 ) في جنة عالية > > [ الآية : 10 ] . قال : في كوامن القدس مقربة . قوله تعالى : ! ( لا تسمع فيها لاغية ) { < الغاشية : ( 11 ) لا تسمع فيها . . . . . > > [ الآية : 11 ] . قال بعضهم : لاستغراقه في سماع الحق . وقال القاسم : تلك آذان مصونة عن سماع الاغيار بعد سماعهم من الحق وانشد في ذلك : ( اصمني سرهم أيام فرقتهم ** هل كنت تعرف سرا يورث الصمما ) قوله تعالى : ! ( فيها عين جارية ) { < الغاشية : ( 12 ) فيها عين جارية > > [ الآية : 12 ] . قال الجريري : يجري بأربابها إلى معادن الأنوار . وقال الحسين : جريان الأحوال عليه يجري به من عين إلى عين حتى يحصله في
____________________
(2/391)
عين العين . قوله تعالى : ! ( فيها سرر مرفوعة ) { < الغاشية : ( 12 ) فيها عين جارية > > [ الآية : 13 ] . قال القاسم : رتب مقربة . وقال الخراز : هي سرائر رفعت عن النظر إلى الأعراض والأكوان . قوله تعالى : ! ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ) { < الغاشية : ( 17 ) أفلا ينظرون إلى . . . . . > > [ الآية : 17 ] . قال بعضهم : ولنا بهذا الخطاب انه ليس له آلة ينظر بها إلى عجائب القدرة ، ومبادئ العزة ، كيف يطمع بهذه الآلة من الإشراف على الحق والعلم به كلاما وصل إليه مستدلا عليه بالعقل حتى أيده بالتوفيق ، وأمره بالتحقيق ، والتوفيق أوصله إليه ، والعقل عاجز عن إدراك المكونات . فكيف لا يعجز عن تصحيح المكون ، والأصل في ذلك انه لا دليل على الله سواه . وقال بعضهم : إشارة إلى من رئى إلى نفسه في الحمل ولم يكن محمولا كيف خلقت ؟ أي : كيف ميزت ممن كان محمولا في حاله ، ووقته . وقال بعضهم : تعرف إلى العوام بأفعاله بقوله : ! ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ) ! ، وتعرف إلى الخواص بصفاته قوله : ! ( أفلا يتدبرون القرآن ) ! [ النساء : 82 ] ، وتعرف إلى الأنبياء بنفسه بقوله : ! ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ) ! [ الشورى : 52 ] ، وتعرف إلى نبينا صلى الله عليه وسلم بأخص التعريف بقوله : ! ( ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ) ! [ الفرقان : 45 ] . قوله تعالى : ! ( وإلى الجبال كيف نصبت ) { < الغاشية : ( 19 ) وإلى الجبال كيف . . . . . > > [ الآية : 19 ] . قال بعضهم : إشارة إلى قلوب العارفين كيف أطاقت حمل المعرفة . وقال بعضهم : إشارة إلى الأولياء كيف نصبوا اعلاما للخلق ومفزعا . قوله تعالى : ! ( وإلى السماء كيف رفعت ) { < الغاشية : ( 18 ) وإلى السماء كيف . . . . . > > [ الآية : 18 ] . قال : إلى الأرواح كيف سموا بأربابها إلى محل القدس . قال بعضهم : إلى الأرواح كيف جالت في الغيوب . قال الحسين : إلى الأسرار كيف اشرقت بالمكاشفات . قوله تعالى : ! ( وإلى الأرض كيف سطحت ) { < الغاشية : ( 20 ) وإلى الأرض كيف . . . . . > > [ الآية : 20 ] .
____________________
(2/392)
قال بعضهم : إلى العقلاء كيف احتملوا موتة الجهال . قوله تعالى : ! ( فذكر إنما أنت مذكر ) { < الغاشية : ( 21 ) فذكر إنما أنت . . . . . > > [ الآية : 21 ] . سمعت أبا بكر الرازي يقول : سمعت أبا العباس بن عطاء يقول : الموعظة للعوام ، والنصيحة للإخوان ، والتذكرة للخواص فرض افترضه الله على عقلاء المؤمنين ، ولولا ذلك لبطلت السنة ، وتعطلت الفرائض . قال الجنيد رحمه الله : الواعظ على الحقيقة من تكون موعظته على حد الإشراق يعط كلا من مقداره وهو النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى : ! ( فذكر إنما أنت مذكر ) ! عظ فإن الواعظ على الحقيقة من يعظ بإذن ، ثم تكون موعظته نصيحة . قوله تعالى : ! ( إن إلينا إيابهم ) { < الغاشية : ( 25 ) إن إلينا إيابهم > > [ الآية : 25 ] . قال أبو بكر بن طاهر : إلينا بالفضل ! ( ثم إن علينا حسابهم ) ! في العدل . قوله تعالى : لست عليهم بمصيطر ) < < الغاشية : ( 22 ) لست عليهم بمصيطر > > [ الآية : 22 ] . قال الواسطي رحمه الله : لأنك بعثت داعيا ، ولم تبعث هاديا . * * *
____________________
(2/393)
<
> ذكر ما قيل في سورة الفجر <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( والفجر وليال عشر ) { < الفجر : ( 1 - 2 ) والفجر > > [ الآية : 1 ، 2 ] . قال ابن عطاء رحمه الله : ! ( والفجر ) ! هو محمد صلى الله عليه وسلم لأنه به تفجرت أنوار الايمان ، وغابت ظلم الكفر . ! ( وليال عشر ) ! ليال موسى عليه السلام التي اكتمل بها ميعاده . بقوله : ! ( وأتممناها بعشر ) ! . قوله تعالى : ! ( والشفع والوتر ) { < الفجر : ( 3 ) والشفع والوتر > > [ الآية : 3 ] . قال أبن عطاء رحمه الله : ! ( الشفع ) ! الفرائض ، ! ( والوتر ) ! السنن . وقال : ! ( الشفع ) ! الخلق ، ! ( والوتر ) ! الحق . وقال بعضهم : ! ( الشفع ) ! الأفعال ، ! ( والوتر ) ! النية وهو الإخلاص . قوله تعالى : ! ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) { < الفجر : ( 22 ) وجاء ربك والملك . . . . . > > [ الآية : 22 ] . قال الواسطي رحمه الله : ظهرت قدرة ربك وقد استوت الأمور . وقال بعضهم : الحق ليس له تحول من مكان إلى مكان وكيف له التحول والتنقل ، ولا مكان له ولا آذان له ، ولا يجري عليه وقت لأن في جريان الوقت على الشيء قوت الأوقات ومن فاته شيء فهو عاجز ، والحق متنزه أن تحوى صفاته الطبائع أو تحيط به الصدور . قوله تعالى : ! ( يا أيتها النفس المطمئنة ) { < الفجر : ( 27 ) يا أيتها النفس . . . . . > > [ الآية : 27 ] . قال القاسم في هذه الآية : ! ( يا أيتها النفس المطمئنة ) ! يا أيتها الروح المتصلة بالحق اطمأنت ورضيت بما قضى لها وعليها ! ( ارجعي ) ! إلى الذي زينك بهذه الزينة العظيمة حتى أصلحك للرجوع منه إليه . وقال الجنيد رحمه الله : النفس المطمئنة ألبسها الحق اوصاف الهداية فصارت نفسا لوامة . وقال بعضهم في قوله : ! ( يا أيتها النفس المطمئنة ) ! ، إلى الدنيا ! ( ارجعي ) ! إلى الله بتركها ، والرجوع إلى الله سلوك سبيل الآخرة . وقال ابن عطاء : المطمئنة هي العارفة بالله التي لا تصبر عن الله طرفة عين .
____________________
(2/394)
<
> ما ذكر في سورة البلد <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ) { < البلد : ( 1 - 2 ) لا أقسم بهذا . . . . . > > [ الآية : 1 ، 2 ] . أي بحلولك بها اقسم ، فبك عظم البلد ، كما سماها طابة ، طابت به وبمكانه . قال ابن عطاء رحمه الله : اقسم الله بالمدينة لطيبها ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سماها طيبة ، وشرفها بأن جعل تربة رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ، ومقامه فيها ، وهجرته إليها فقال : ! ( بهذا البلد ) ! الذي شرفته بمكانك حيا ، وببركاتك ميتا . قوله تعالى : ! ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) { < البلد : ( 4 ) لقد خلقنا الإنسان . . . . . > > [ الآية : 4 ] . قال ابن عطاء رحمه الله : في ظلمة وجهد . وقال جعفر : في بلاء وشدة . وقال محمد بن علي الترمذي : مضيعا لما يعنيه ، مشتغلا بما لا يعنيه . وقال بعضهم : ما دام الإنسان قائما بطبعه ، واثقا حاله فإنه في ظلمة وبلاء فإذا فنى عن اوصاف انسانيته يعني طبائعه عنه صار في راحة ، وذلك قوله : ! ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) ! . قوله تعالى : ! ( ألم نجعل له عينين ) { < البلد : ( 8 ) ألم نجعل له . . . . . > > [ الآية : 8 ] . قال ابن عطاء رحمه الله : عينا في رأسه يصبر بها آثار الصنع ، وعينا في قلبه يرى بها مواقع الغيب . قال الواسطي رحمه الله : عينا يرى بها الأكوان وعينا خاصا في محل الخاص يرى بها المكون . قوله تعالى : ! ( فلا اقتحم العقبة ) { < البلد : ( 11 ) فلا اقتحم العقبة > > [ الآية : 11 ] . قال القاسم : العقبة : نفسك ، ألا ترى إلى قوله : ! ( وما أدراك ما العقبة فك رقبة ) !
____________________
(2/395)
وهو أن يعتق نفسك من رق الخلق ، وشغلها بعبودية ربك . قال الحارث المحاسبي : تلك عقبة لا يجاوزها إلا من خمص بطنه عن الحرام ، والشبهات ، وتناول من الحلال مقدار إبقاء المهجة . قال بعضهم : تلك العقبة هي مجانبة الرضا والاختبار بتصاريف الاقدار . قوله تعالى : ! ( فك رقبة ) { < البلد : ( 13 ) فك رقبة > > [ الآية : 13 ] . قال الواسطي رحمه الله : فك الرقاب من أربعة أشياء : من نفوسهم وأفعالهم ، ورؤية الفضل ، وطلب القربة . وقال القاسم : هو فك الرقاب من ذل الطمع . قوله تعالى : ! ( أو إطعام في يوم ذي مسغبة ) { < البلد : ( 14 ) أو إطعام في . . . . . > > [ الآية : 14 ] . سمعت المغربي يقول في قوله : ! ( أو إطعام في يوم ذي مسغبة ) ! قال : هو أن تجوع عشرة أيام فيفتح لك بطعام فتؤثر به على نفسك فيكون في مسغبة ، ومن يأكله في متربة . قوله تعالى : ! ( يتيما ذا مقربة ) { < البلد : ( 15 ) يتيما ذا مقربة > > [ الآية : 15 ] . قال جعفر رحمه الله : هو ما يتقرب به إلى ربك في تعهد الايتام وتفقدهم . * * *
____________________
(2/396)
<
> ما ذكر في سورة الشمس <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ) { < الشمس : ( 7 - 8 ) ونفس وما سواها > > [ الآية : 7 ، 8 ] . قال القاسم : ألهم أهل السعادة التقوى ، واهل الشقاوة الفجور . وقال أيضا : الهمها فجورها . أي تعبها وكسبها في طلب الرزق وتقواها قال : هو سكون القلب بالتوكل ، وطمأنينته بضمان الله تعالى : ذكره . قوله تعالى : ! ( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) { < الشمس : ( 9 - 10 ) قد أفلح من . . . . . > > [ الآية : 9 ، 10 ] . قال ابن عطاء : لمن وفق لمراعات أوقاته . قال سهل : افلح من رزق النظر أمر ميعاده . قال أبو عثمان المغربي : افلح من نظر من أين مطعمه ، وخسر من غفل عن ذلك . قال أبو بكر بن طاهر : افلح من طهر ستره عن التدنس بالدنيا ، وخاب من شغل سره بها . وقال بعضهم : افلح من علم ما يراد منه وما يخاطب به ، وخاب من أهمل ذلك . وقال بعضهم : أفلح من داوم على العبادة والعبودية لربه ، ولم يتخذ غيره إلها . وقال بعضهم : أفلح من أقبل على ربه ، وخاب من اعرض عنه . قوله تعالى : ! ( ولا يخاف عقباها ) { < الشمس : ( 15 ) ولا يخاف عقباها > > [ الآية : 15 ] . سمعت محمد بن عبد الله يقول : سمعت الجريري يقول : سئل الجنيد رحمه الله : هل يسقط الخوف عن العبد ؟ قال : لا ما كان العبد أعلم بالله سبحانه كان اشد له خوفا والخائفون على طبقات : خائف من الإجرام ، وخائف من الحسنات أن لا تقبل ، وخائف من العواقب . قال الله : ! ( ولا يخاف عقباها ) ! . قال الواسطي رحمه الله : من البسه بقوته لا يخاف عقباها كما لا يخاف الحق عقبى ما اجرى على خلقه فإذا اعترض عليه معترض يخاف الخوف من خوفه .
____________________
(2/397)
<
> ما ذكر في سورة الليل <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( إن سعيكم لشتى ) { < الليل : ( 4 ) إن سعيكم لشتى > > الآية : 4 ] . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم يقول : قال ابن عطاء : هذه الآية تدل على أن من الناس من يكون سعيه بقوله وفعله ، ومنهم من يكون سعيه بنيته دون قوله وفعله ، ومنهم من يكون سعيه بنيته وقلبه وفعله ، ومنهم من يكون سعيه في طلب الدنيا ، ومنهم من يكون سعيه في طلب الآخرة ومنهم من يكون سعيه لوجهه لا للدنيا ولا للآخرة . وأدون الناس سعيا من سعى لهذه الفانية ، واعظمهم همة من سعى لوجهه فذاك الذي لا يغيب سعيه ولا يبطله عمله . سمعت الحسين بن يحيى يقول : قال : أبو عبد الله النهرواني : إذا ابغض الله عبدا أعطاه ثلاثة ومنعه ثلاثا يحبب إليه الصالحين ويمنعه القبول منهم ويحبب إليه الأعمال ويمنعه الاخلاص ، ويجري على لسانه الحكمة ويمنعه الصدق فيها . قال ابن عطاء رحمه الله : باطن هذه الآية أن يرى سعيه قسمة من الحق له من قبل التكوين ، والتخليق لقوله : ! ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم ) ! [ الزخرف : 32 ] وإن السعي مراتب كمراتب المتصلين بالسلطان . والواصلين إليه ، والندماء : والجلساء وأصحاب الأسرار كذلك سعى المريدين ، والمرادين ، والعارفين ، والمحبين ، والمشتاقين ، والواصلين والفانين عن اوصافهم ، والمتصفين بأوصاف الحق هذا إلى ما لا عبارة له ولا غاية ، إن سعيكم لشتى . قوله تعالى : ! ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى ) { < الليل : ( 5 - 6 ) فأما من أعطى . . . . . > > [ الآية : 5 ، 6 ] . قال بعضهم : أعطى الدارين ، ولم يرهما شيئا في طلب رضا الله واتقى اللغو ، والشبهات وصدق بالحسنى أقام على طلب الزلفى . قال سهل رحمه الله : المعرفة . وقال بعضهم : العافية في الدنيا ، والمغفرة في العقبى .
____________________
(2/398)
قوله تعالى : ! ( وإن لنا للآخرة والأولى ) { < الليل : ( 13 ) وإن لنا للآخرة . . . . . > > [ الآية : 13 ] . قال بعضهم : العاقل من ينظر إلى الآخرة فيشاهدها مشاهدة اليقين ، وينظر إلى الدنيا فيشاهدها مشاهدة الاعتبار . وقال بعضهم : من طلب الآخرة والدنيا من غير مالكهما فقد اخطأ الطريق . قوله تعالى : ! ( وسيجنبها الأتقى ) { < الليل : ( 17 ) وسيجنبها الأتقى > > [ الآية : 17 ] . قال ابن عطاء رحمه الله : الزهاد في الدنيا هم المتقون والاتقى من تركها جملة واعرض عنها بالكلية . كالصديق رضي الله عنه فإن الكل اعطوا واتقوا ، والصديق رضي الله عنه أعطى الفانية جملة ، وأبقى لنفسه الباقي الذي لم يزل ولا يزال ألا ترى لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ' ماذا ابقيت لنفسك قال : الله ورسوله ' . قوله تعالى : ! ( ولسوف يرضى ) { < الليل : ( 21 ) ولسوف يرضى > > [ الآية : 21 ] . قال الجنيد رحمه الله : تصل إليه إنوار الرضا ، ويتحقق له مقامه برضانا عنه ، فإنه لا يصل إلى مقام الرضا عن الله أحد إلا برضى الله عنه . وقال الواسطي رحمه الله : ولسوف يرضى بنا عوضا عما انفق ، فما خسرت تجارته من كنت له عوضا عن تجارته . وقال بعضهم : ولسوف يعطى حتى يرضى جزاء لعمله فإن رضا الحق ، ومشاهدته محل الفضل لا محل الثواب .
____________________
(2/399)
<
> ما ذكر في سورة الضحى <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( والضحى والليل إذا سجى ) { < الضحى : ( 1 - 2 ) والضحى > > [ الآية : 1 ، 2 ] . قال ابن عطاء : مكاشفات سرك بنا ، واشتغالك بالدعوة نظرا إلى الخلق . وقال الجنيد رحمه الله : والضحى هو مقام الأشهاد والليل إذا سجى مقام العين الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم إنه ليغان على قلبي . قوله تعالى : ! ( ما ودعك ربك وما قلى ) { < الضحى : ( 3 ) ما ودعك ربك . . . . . > > [ الآية : 3 ] . قال ابن عطاء رحمه الله : ما حجبك عن قربه حين بعثك إلى خلقه . قال الواسطي رحمه الله : ما اهملك بعد أن اصطفاك . قوله تعالى : ! ( وللآخرة خير لك من الأولى ) { < الضحى : ( 4 ) وللآخرة خير لك . . . . . > > [ الآية : 4 ] . قال سهل : ما ادخرت في الآخرة من المقام المحمود ومحل الشفاعة خير مما أعطيتك في الدنيا من النبوة والرسالة . وقال بعضهم : ما لك عندي من مخزون الكرامات اجل مما يشاهده الخلق لانك الشفيع المطاع والناطق بالإذن حين لا تؤذن لأحد في الكلام . وقال يحيى بن معاذ : الآخرة لا تنال إلا بالمشقة والدنيا لا تنال إلا بالمشقة فاطلب لنفسك أبقاهما . وقال الجنيد رحمه الله : ترك الدنيا شديد ، وفوت الآخرة اشد . قوله تعالى : ! ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) { < الضحى : ( 5 ) ولسوف يعطيك ربك . . . . . > > [ الآية : 5 ] . قال ابن عطاء : كأنه يقول لنبينا صلى الله عليه وسلم افترضنا بالعطاء عوضا عن المعطى فيقول : ' لا ' ! ( إنك لعلى خلق عظيم ) ! [ القلم : 4 ] أي : على همة جليلة إذا لم يؤثر فيك شيء من الاكوان ، ولا يرضيك شيء منها . قوله تعالى : ! ( ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى ) { < الضحى : ( 6 - 8 ) ألم يجدك يتيما . . . . . > > [ الآية : 6 - 8 ] .
____________________
(2/400)
سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : قال ابن عطاء : معناه وجد اليتيم فآوى بك ، ووجد الضال فهدى بك . ووجد العائل فأغنى بك ، وقوله : ووجدك ولا يكون الوجدان إلا بعد الطلب وكان طالبا في الأزل فوجده ثم أوجده سفيرا بينه وبين خلقه . وقال أيضا : وجدك بين قوم ضلال فهداهم بك . وقال أيضا : وجدك أي طلبت حتى وجدت ، والمطلوب هو المراد في معنى الظاهر . وقال أيضا : الم يجدك متحيرا في مشاهدته فآواك إلى نفسه ، واعطاك الرسالة ، ووجدك عائلا أي فقيرا بمشاهدة الخلق فأغناك بمكاشفته عن مشاهدتهم . وقال سهل رحمه الله : وجد نفسك نفس الطبع فقيرة إلى سبيل المعرفة . وقال ابن عطاء : وجدك فقير النفس فأغنى قلبك بغناه فصرت غنيا بغنى القلب عن النفس قال النبي صلى الله عليه وسلم ' ليس الغني عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى القلب ' . قال جعفر : كنت ضالا عن محبتي لك في الأزل فمننت عليك بمعرفتي . وقال ابن عطاء : الضال في اللغة هو المحب أي : وجدك محبا للمعرفة فمن عليك بها وذلك قوله في يوسف : ! ( إنك لفي ضلالك القديم ) ! [ يوسف : 95 ] أي محبتك القديمة . وقال الجريري : وجدك مترددا في غوامض معاني المحبة فهداك بلطفه إلى ما رمته في وجهك وهذا مقام الوله عندنا . وقال ابن عطاء في قوله : ! ( ووجدك عائلا فأغنى ) ! أي ليس معك كتاب ، ولا وحي فأغناك بهما ، وأيضا وجدك غير عالم بما لك عنده من المنزلة فهداك له ، وأغناك به . وقال بعضهم : وجدك ضالا أي طالبا لمحبته فهداك لها . قال بعضهم : وجدك جاهلا بقدر نفسك فأشرفك على عظيم محلك . وأيضا : وجدك ضالا عن معنى محض المودة فسقاك كأسا من شراب القربة ، والمودة فهداك به إلى المعرفة . وقال الجنيد رحمه الله في قوله : ! ( ضالا ) ! أي متحيرا في بيان الكتاب المنزل عليك فهداك لبيانه بقوله : ! ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين ) ! [ النحل : 44 ] .
____________________
(2/401)
وقال بعضهم : مستترا في أهل مكة لم يعرفك أحدا بالنبوة حتى اظهرك فهدى بك السعداء ، واهلك بك الأشقياء . وقال : ! ( ووجدك عائلا ) ! أي : فقيرا لم تكن معك حجة حتى ايدك بالحجج ، والبراهين . وقال بعضهم : ! ( ووجدك ضالا ) ! عائلا أي : طاهرا في الخلق كأحدهم حالا ، وجسما ، وطبعا ، حتى اكرمت بمحل الخصوص من المعراج ، والكلام ، والعيان ، ورفع الصفة وتعليم المشاهدة في غير واسطة . وقال الواسطي رحمه الله : إذا كان هو المعلاء في شرفه ، فأين الضلالة ، والهدى ، والفقر ، والغنى ، والضعف ، والقوة ، واليتم ، والإيواء ؟ وكل أحد أقل وأولى أن يكون غيره تولى منه ما ظهر وما خفى . وقال بندار بن الحسين : كنت قائما مقام الاستدلال فتعرفت إليك واغنيتك بالمعرفة عن الشواهد والأمة . وقال ابن عطاء : وجدك ضالا عن الرسوم لا عن المعرفة . وقال بعضهم : في قوله : ( ووجدك يتيما ) أي : واجدا الأمثل لك ولا نظير في شرفك ومهمتك فآواك إليه . وقال بعضهم : ومن ضاله في قومه لا يعرفون مقداره فخصه بخصائص بره ، وأظهر عليه مكنون فضله . فجعله عزيزهم وأظهر محله فيهم . وقال بعضهم في قوله : ! ( ووجدك عائلا فأغنى ) ! أي وجدك مترددا بين الصبر والرضا فذلك علم الرضا ، ونزهك عن مقام الصبر . وقال بعضهم : في قوله : ! ( ووجدك ضالا ) ! أي طالبا لفضيلتك ضالا عنها فهداك إليها . وقال بعضهم : مستور النبوة في أهل بيتك فكشف عنك حتى عرفوك نبيا ثم هدى بك واضل . وقال بعضهم : ! ( ووجدك عائلا فأغنى ) ! قال : كنت غنيا بالمعرفة فقيرا عن أحكامها فأغناك باحكام المعرفة حتى تم لك الغناء .
____________________
(2/402)
قوله تعالى : ! ( ووجدك ضالا ) ! تعرف قدر نفسك فأعلمك قدرك ، ووجدك طالبا لمحض المودة فسقاك من شراب المودة بكأس المحبة حتى هداك به إلى معرفته . قوله تعالى : ! ( فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر ) { < الضحى : ( 9 - 10 ) فأما اليتيم فلا . . . . . > > [ الآية : 9 ، 10 ] . قال جعفر : اليتيم العاري عن خلعه الهداية لا تقنطه من رحمتي فإني قادر أن البسه لباس الهداية ، والسائل إذا سألك عني فدله علي بألطف دلالة فإني قريب مجيب . قال ابن عطاء : المؤمنون كلهم أيتام الله وفي حجره ، فلا تقهرهم أي تبعدهم عنك ، والسوال هم اسراء الله فلا تنهرهم ولن لهم ، وألطف بهم . وقال بعضهم : في قوله : ! ( وأما السائل فلا تنهر ) ! قال : ليس هو المسكين الذي يسلك الإرفاق إنما هو طالب العلم يسلك عن العلم . قوله تعالى : ! ( وأما بنعمة ربك فحدث ) { < الضحى : ( 11 ) وأما بنعمة ربك . . . . . > > [ الآية : 11 ] . قال جعفر : أخبر الخلق بما أنعمت عليهم بك ، وبمكانك . وقال ابن عطاء : حدث نفسك كي لا تنسى فضلي بك وعليك قديما وحديثا . * * *
____________________
(2/403)
<
> ذكر ما قيل في سورة الشرح <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( ألم نشرح لك صدرك ) { < الشرح : ( 1 - 2 ) ألم نشرح لك . . . . . > > [ الآية : 1 ] . قال سهل رحمه الله : الم نوسع صدرك بنور الرسالة فجعلناه معدنا للحقائق . وقال : ألم نوسع صدرك لقبول ما يرد عليك وقال في قوله : ! ( ووضعنا عنك وزرك ) ! [ الآية : 2 ] : أعباء النبوة والرسالة فكنت فيها محمولا لا حاملا . وقال أيضا : ! ( ووضعنا عنك وزرك ) ! ألم نمن عليك بالاحتمال من المخالفين ، ووضعنا عنك وزرك ، كادت نفسك أن تتلف عند حمل النبوة فأعناك عليه ، وقويناك عند الإبلاغ . وقال جعفر : ! ( ألم نشرح لك صدرك ) ! بمشاهدي ومطالعتي . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم يقول : قال ابن عطاء : في قوله : ! ( ألم نشرح لك صدرك ) ! قال : الم نخل سرك عن الكل فغبت عن مشاهدة الكون وما سوى الحق ، فشرح لك صدرك للنظر ، وشرح صدر موسى للكلام صلى الله عليهما . وقال في قوله : ! ( ووضعنا عنك وزرك ) ! ألم أزل ملاحظة المخلوقين عن سرك . وقال بعضهم خففنا عنك بحفظ ما استحفظت وحفظنا عنك . وقال في قوله : ! ( ووضعنا عنك وزرك ) ! قال : حفظتك في الأربعين من الأدناس إلى أن ظهرت لك النبوة وألقى إليك الرسالة . قوله تعالى : ! ( ورفعنا لك ذكرك ) { < الشرح : ( 4 ) ورفعنا لك ذكرك > > [ الآية : 4 ] . قال ابن عطاء : جعلت تمام الإيمان بي بذكرك معي قال : لا يذكرك أحد بالرسالة إلا ذكرني بالربوبية . وقال ذو النون رحمه الله : همم الأنبياء تحول حول العرش ، وهمة محمد صلى الله عليه وسلم تحول فوق العرش لذلك قال : ! ( ورفعنا لك ذكرك ) ! فذكره عند ربه علة عنده . ومفزع الخلق
____________________
(2/404)
يوم القيامة إلى محمد صلى الله عليه وسلم لمفزعهم إلى الله لعلمهم بجاهه عنده . وقال ابن عطاء : جعلتك ذكرا من ذكري فكأن من ذكرك ذكرني . قوله تعالى : ! ( إن مع العسر يسرا ) { < الشرح : ( 6 ) إن مع العسر . . . . . > > [ الآية : 6 ] . قال أبو بكر الوراق : مع اجتهاد الدنيا جزاء الجنة . قال الجوزجاني : مع الصبر عن الحرام ، والشبهات ، الاسترواح إلى عز التوكل . قال القاسم : يرد أهل السعادة من سجن الدنيا إلى رضوان الآخرة ، واهل الشقاوة مقتر عليهم في الحالين . قوله تعالى : ! ( فإذا فرغت فانصب ) { < الشرح : ( 7 ) فإذا فرغت فانصب > > [ الآية : 7 ] . قال جعفر أذكر ربك على فراغ منك عن كل ما دونه وقال ابن عطاء : ! ( فإذا فرغت ) ! من تبليغ الرسالة ! ( فانصب ) ! لطلب الشفاعة . وقال القاسم : ! ( فإذا فرغت ) ! من أمر الخلق ! ( فانصب ) ! نفسك في عبادته . قوله تعالى : ! ( وإلى ربك فارغب ) { < الشرح : ( 8 ) وإلى ربك فارغب > > [ الآية : 8 ] . قال ابن عطاء : ليعطيك في أمتك ما تقر به عينك . قال القاسم : تكون رغبتك فيه وإليه . * * *
____________________
(2/405)
<
> ما قيل في سورة التين <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ( والتين والزيتون * وطور سنين ) < < التين : ( 1 - 2 ) والتين والزيتون > > [ الآية : 1 ، 2 ] . سمعت أبا الفتح القواس يقول : سمعت جعفرا الخلدي يقول : سئل الجنيد عن قوله : ! ( والتين والزيتون ) ! قال : مسجد البيت المقدس ، ( وطور سنين ) مسجد الطور ! ( وهذا البلد الأمين ) ! المسجد الحرام وإنما هذه مساجد عظمها الله لأنها بقاع كان يذكر الله تعالى فيها فاقسم الله بها ، وكل بقعة ذكر الله فيها فتلك البقعة معظمة لما اجرى الله تعالى ذكره فيها . قوله تعالى : ! ( وهذا البلد الأمين ) { < التين : ( 3 ) وهذا البلد الأمين > > [ الآية : 3 ] . قال ابن عطاء : امناه بمقامك فيه وكونك به ، فإن كونك أمان حيث ما كان . قوله تعالى : ! ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) { < التين : ( 4 ) لقد خلقنا الإنسان . . . . . > > [ الآية : 4 ] . قال جعفر : احسن صوره . وقال بعضهم : احسن مثال . وقال ابن عطاء : في أتم معرفة . وقال بعضهم : التقويم كمال السر عند جريان الخواطر . وقال بعضهم : احسن التقويم وصف قائم بالحق لا عبادة عنه ، وكل عبادة عن تمام تقويمه من تفسيره وليس بنهاية العبادة عنه لفظ . وقال أبو بكر بن طاهر : مزينا بالعقل ، مؤيدا بالأمر ، مهديا بالتمييز ، مديد القامة ، يتناول مأكوله بيده . * * *
____________________
(2/406)
<
> ذكر ما قيل في سورة العلق <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( اقرأ باسم ربك ) { < العلق : ( 1 ) اقرأ باسم ربك . . . . . > > [ الآية : 1 ] . قال بعضهم : أهل الإرادة في الطلب ، والمرادون مطلوبون ألا ترى إبراهيم عليه السلام كان طالبا بقوله : ! ( هذا ربي ) ! وليس لمن يهدي ربي ) ( وإني ذاهب إلى ربي ) والمراد مطلوب ذلك صفة الحبيب ألا ترى انه لما قيل له : ( اقرأ باسم ربك ) استقبله الأمر من غير طلب . قوله تعالى : ( كلا إن الإنسان ليطغى * أن رءاه استغنى ) < < العلق : ( 6 - 7 ) كلا إن الإنسان . . . . . > > [ الآية : 6 ، 7 ] . قال ابن عطاء : رؤية الغنى تورث الطغيان والبطر ، لأنه يورث الفخر ، والفخر يورث الطغيان . وقال يحيى بن معاذ : في الدنيا طغيانان : طغيان العلم ، وطغيان المال ، فالذي يعيذك من طغيان العبادة الزهد في الدنيا ، والذي يؤديك إلى الزهد الجوع الدائم ، فإن الجوع الدائم يقطع شهوة الذنب عنك . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم يقول : قال ابن عطاء : طغيان الغني لمن لا يصلح له إلا الفقر فإن اغناه اضره غناه ، وقال : إذا أغناه غناه عن المغني أبطره ذلك الغنى . قوله تعالى : ( واسجد واقترب ) < < العلق : ( 19 ) كلا لا تطعه . . . . . > > [ الآية : 19 ] قال ابن عطاء : ( اقترب ) إلى بساط الربوبية فقد اعتقناك من بساط العبودية . وقال الواسطي رحمه الله : العوام متقلبون في صفات العبودية ، والخواص مكرمون بأوصاف الربوبية ولا يشاهدون غير صفات الحق لأن العوام لا تحتمل الصفات لضعف اسرارهم ، وبعدهم عن مصادر الحق . وقال الحسين : في هذه الآية معناه أن الله لم يبح للجوارح ترك التجلي بمحاسنها ، وذلك نفس إظهار الربوبية على العبودية لذلك قال : ( واسجد واقترب ) وهو معنى
____________________
(2/407)
التحريض على العبادة أي : اقترب إلى ظاهر معدتك ومرجعك هو التراب ، ومن يمكنه أن يقترب بنفسه إلا أن يقرب بقوله : ! ( فأما إن كان من المقربين ) ! [ الواقعة : 88 ] . وقال ذو النون : في قوله : ! ( واسجد واقترب ) ! قال : إذا رأيت اني أذنت لك في السجود فاعلم اني قد قربت منك فاقترب مني بسرك فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ' أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ' . * * *
____________________
(2/408)
<
> ذكر ما قيل في سورة القدر <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) { < القدر : ( 1 ) إنا أنزلناه في . . . . . > > [ الآية : 1 ] . قال سهل : ليلة قدرت فيها الرحمة على عبادي . قوله تعالى : ! ( تنزل الملائكة والروح ) { < القدر : ( 4 - 5 ) تنزل الملائكة والروح . . . . . > > [ الآية : 4 ] . قال بعضهم : نزول الملائكة في تلك الليلة لاسترواح قلوب الصادقين . قوله تعالى : ! ( بإذن ربهم ) ! [ الآية : 4 ] . قال بعضهم : إذن الله للملائكة في زيارة عباده المؤمنين . قوله تعالى : ! ( من كل أمر سلام ) ! [ الآية : 4 ، 5 ] . قال سهل : سلم من القطع أوقات العارفين به والقائمين معه على حدود الأحكام في الأوامر والنواهي . * * *
____________________
(2/409)
<
> ما قيل في سورة لم يكن <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) { < البينة : ( 5 ) وما أمروا إلا . . . . . > > [ الآية : 5 ] . قال سهل : الأخلاص هو الإجابة فمن لم يكن له إجابة فلا إخلاص له ، وقال : لا يكمل للعبد شيء حتى يوصل عمله بالخشية وفعله بالورع ، وورعه بالإخلاص ، وإخلاصه بالمشاهدة ، والمشاهدة بالتبري عما سواه قال : نظر الاكياس في الإخلاص فلم يجدوا شيئا غير هذا أن تكون حركاته وسكونه في سره وعلانيته لله ، وحده لا شريك له لا يمازجه شيء ولا نفس ، والإخلاص على ثلاثة معان : إخلاص العبادة لله ، وإخلاص العمل لله ، واخلاص القلب لله . وقال القاسم في قوله : ! ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله ) ! الآية قال : هو أن لا ترجع مما لله إلى حظ نفسك إلا على حسب القوام . وقال ابن منصور : الإخلاص تصفية العمل من شوائب الكدر . وقال بعضهم : الإخلاص باطن والخشوع ظاهر . وقال بعضهم : الإخلاص أن لا يطلع على عملك إلا الله ولا ترى نفسك فيه ، وتعلم أن المنة لله عليك في ذلك حيث اهلك لعبادته ، ووفقك لها ولا تطلب من الله ثوابا . وقال ذو النون : الإخلاص لا يتم إلا بالصدق ، والصبر عليه والصدق لا يتم إلا بالإخلاص فيه ، والمداومة عليه . سمعت محمد بن عبد الله يقول : سمعت أبا عثمان الآدمي يقول : سمعت أبا القاسم يقول : سمعت إبراهيم الخواص يقول : النفس صنم والروح شريكة فمن عبد النفس فهو يعبد الصنم ومن عبد الله بالإخلاص فهو الذي قهر نفسه . سمعت أبا الفضل نصر بن محمد يقول : اخبرني جعفر بن محمد قال : سألت الجنيد عن الصدق ، والإخلاص أهما أو بينهما فرق ؟ قال : فرق وحال . قلت : ما الفرق وما الحال ؟ قال : الصدق اصل وهو الأول والإخلاص فرع وهو تابع ، والصدق اصل كل
____________________
(2/410)
شيء والإخلاص لا يكون إلا بعد الدخول في الأمان ثم قال : ها هنا حال إخلاص ومخالصة في الإخلاص وخالصه . كأسه في المخالصة ، قيل له : فالصدق ما هو ؟ قال : هو تجري مع موافقة الله في كل موطن فالصدق غير مفارق للعبد ، والإخلاص فإنما يكون في فعل وذلك قوله : ! ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) ! . إنما هو العقل . سمعت عبد الله يقول : سمعت العباس بن يوسف الشبلي يقول : سمعت ابن العزجي يقول : الإخلاص فيه ثلاثة أقوال : اولها : صدق القلب في طلب الثواب للأعمال والهرب منها من العقاب ، والثاني : الإرادة للأعمال بالخروج من كل شبهة ، والثالث : لا يحب حمد المخلوقين ولا ذمهم ، ولا ما في أيديهم . وقال أبو يعقوب السوسي ، الإخلاص إفراد الله بالأعمال الصالحة . قوله تعالى : ! ( خالدين فيها أبدا ) { < البينة : ( 8 ) جزاؤهم عند ربهم . . . . . > > [ الآية : 8 ] . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت الشبلي وقد سئل عن الأبد ؟ فقال : الأبد البقاء الذي لا يزول ، وإذا زالت الأسماء والصفات بزوال الخلق فإن الله باق بأسمائه وصفاته . قال الحسين : الأبد إشارة إلى ترك القطع في العدد ومحو الأوقات في السرمد . قوله تعالى : ! ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ) ! [ الآية : 8 ] . قال الحسين : الرضا يكون لي قدر قوة العلم ، والرسوخ في المعرفة ، فكل قوى علمه كان من الراضين في معرفته ويكون قويا في حاله بقوة علمه ، والرضا حال يصحب العبد في الدنيا والآخرة وهي حالة تصحبهم في الجنة لأنه منعمون بالرضا ويسألونه الله حتى يقول لهم : برضاي أحلكم داري أي : برضاي عنكم أرضيتكم وذلك الذي أحلكم المحل وليس كل الرضا محل الخوف والرجاء ، والصيد ، والإشفاق وسائر الأحوال التي تزول عن العبد في الآخرة ، وحال الرضا والمحبة يصحبان العبد في الدنيا والآخرة ، وهي حالة رقيقة لا يجدها إلا الأنبياء ، والصديقون ، وأكابر الأولياء من المؤمنين . قال الواسطي رحمه الله : الرضا والسخط نعتان قويمان يجريان على الأبدان بما جريا في الأزل يظهران الوسمين على المقبولين ، والمطرودين فقد بانت شواهد المقبولين بضيائهما عليهم كما بانت شواهد المطرودين بظلمتها لديهم فأنى ينفع ، ومع ذلك
____________________
(2/411)
الألوان المصفرة والأقدام المنفخة ، والأكمام المقصرة . وقال الصادق عليه السلام في قوله ! ( رضي الله عنهم ) ! بما كان سبق لهم من الله العناية والتوفيق ! ( ورضوا عنه ) ! بما من عليهم بمتابعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقبول ما جاء به ، وإنفاقهم الأموال والمهج بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال الواسطي رحمه الله : استعمل الرضا جهدك ، ولا تدع الرضا يستعملك فيكون محجوبا بلذته عن حقيقة ما يطالع بعد درجته . قال محمد بن الفضل : الروح والراحة في الرضا ، واليقين والرضا بأن الله الأعظم ، ومستراح العابدين . وقال سمى الرضا في رياضته العبد نفسه راضيا فانقادت ورضيت ممن استوى عنده المقضى والقضاء ، والقاضي ورأى ذلك ذكرا ذكره به ربه بما تبين أوائل الصبر . وقال محمد بن خفيف : ينقسم قسمين : رضا به ، ورضى عنه فالرضا به ربا ، ومدبرا باستغنائه عن كل ما سواه والرضا عنه فيما يجري ، ويقضي ، ويقدر ، وهو من أصول التوحيد . وقال بعضهم : الرضا رفع الاختيار . وقال ذو النون : الرضا سرور القلب بمر القضاء . وقال الحارث : الرضا سكون القلب تحت جريان الحكم . وقال أبو عمرو الدمشقي : الرضا نهاية الصبر . وقال أبو بكر بن طاهر : الرضا خروج الكراهية من القلب حتى لا يكون إلا فرح ، وسرور . وقال أبو سليمان الداراني : الراضي الذي لا يسئل الله جنته ، ولا يستعيذ من ناره . وقال ابن زانيار : رضا الخلق عن الله رضا بما يرد عليهم من احكامه ، ورضاه عنهم أن يوفقهم الرضا عنه . وقال بعضهم : لذكر الله اكبر أي : اقدم حين قال : ! ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ) ! . سمعت محمد بن أحمد بن إبراهيم يقول : سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت علي بن عبد الحميد يقول : سمعت السرى رحمه الله يقول : إذا كنت لا ترضى عن الله
____________________
(2/412)
فكيف تسأله الرضا . قال الواسطي رحمه الله : الرضا هو النظر في الأشياء بعين الرضا لا يسخطك شيء إلا ما سخط مولاك . سمعت أبا بكر الرازي يقول : سمعت أبا علي القلانسي يقول : الراضون ثلاثة : راض بالقضاء عند نزول القضاء فهو مقتصد ، وراض بالقضاء بعد نزول القضاء فهو ظالم . وقال النوري : الرضا استقبال الأحكام بالفرح . وقال ابن عطاء : هو النظر إلى قديم اختيار الله للعبد يختار الأفضل فيترك التسخط عليه . قوله تعالى : ! ( ذلك لمن خشي ربه ) ! [ الآية : 8 ] . قال سهل : الخشية سره ، والخشوع ظاهر . وقال عمرو المكي : اشترط على الراضين الخشية في رضاهم عند ذلك أوجب لهم رضاه عنهم بأن يرضوا عنه ويخشونه في رضاه عنهم ولا يكون ذلك إلا بالاجتناب للمحارم وعقد موافقتهم لموافقته أن يكرهوا ما كره ويرضوا ما رضى . * * *
____________________
(2/413)
<
> ذكر ما قيل في سورة الزلزلة <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( يومئذ يصدر الناس أشتاتا ) { < الزلزلة : ( 6 ) يومئذ يصدر الناس . . . . . > > [ الآية : 6 ] . قال سهل : يتبع كل أحد ما كان يعتمده فمن اعتمد فضل الله اتبع فضل الله ، ومن اعتمد عمله اتبع عمله ، ومن اعتمد الشفاعة اتبع الشفاعة . قوله تعالى : ! ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ) { < الزلزلة : ( 7 ) فمن يعمل مثقال . . . . . > > [ الآية : 7 ] . قال الواسطي رحمه الله : إذا كان من أهل الإسلام أن الأعراض لا ترى ، ولا تبقى وقتين كيف يجوز أن ترى قبل القرآن صفة الله فإن الصفة لا تبين ما الموصوف ، وهو يرى في الأرض مكتوبا كذلك الأعمال ، وجاء رجل إلى بعض الحكماء فقال : اعطني فقرأ عليه ! ( ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) ! فقال الرجل حسبي فقد انتهت الموعظة . * * *
____________________
(2/414)
<
> ما قيل في سورة العاديات <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( إن الإنسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشهيد ) { < العاديات : ( 6 - 7 ) إن الإنسان لربه . . . . . > > [ الآية : 6 ، 7 ] . قال القاسم : هو الذي تشهد بأحواله على أحواله لأن الحق تولاها في ازليته قبل أن يخلقها ، وسيرها بتقديره ، وأخرجها إلى الكون بتدبيره وفي عرضة القيامة يسوقها إلى المحشر كما ساقتها في الأزل ، والأبد دون غيره فانطلق بما شاء ما شاء في تسييره في الدارين ، وأخرس من شاء عما شاء بتدبيره . وقال بعضهم في قوله : ! ( إن الإنسان لربه لكنود ) ! قال : رأسه على وسادة النعمة ، وقلبه في ميدان الغفلة . وقال بعضهم : يرى ما منه ، ولا يرى ما إليه . قال عمر بن عبد العزيز : قيدوا نعم الله بالشكر ، وشكرها ترك المعصية فإن الإنسان لربه لكنود يعد المصائب وينسى النعمة . قال الواسطي رحمه الله : يطالع ما جرى منه في ذات الله ، ولا يطالع ما جرى من الله إليه فإذا شاهدت الأرواح حق استحقاقه نسيت قيامها بالطاعات عن مشادهدته . قوله تعالى : ! ( وإنه على ذلك لشهيد ) ! [ الآية : 7 ] . قال بعضهم : امرها راجع إلى الله ، أي : إن الله شهيد على اسراره ، واحواله ، وأفعاله . * * *
____________________
(2/415)
<
> ما قيل في سورة القارعة <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية ) { < القارعة : ( 6 - 7 ) فأما من ثقلت . . . . . > > [ الآية : 6 ، 7 ] . وقيل للواسطي رحمه الله : هل يجوز أن تثقل الموازين بأعمالنا فإن لو جاز ذلك لا من كل من كثرت أعماله وضعت بل الله تعالى يثقل موازين من شاء ويخفف موازين من شاء ألا ترى النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ' الميزان بيد الله يخفض اقواما ويرفع آخرين رفعهم في ازليته ووضع آخرين في أزليته قبل كون كل كون ' . * * *
____________________
(2/416)
<
> ما قيل في سورة التكاثر <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ألهاكم التكاثر ) < < التكاثر : ( 1 ) ألهاكم التكاثر > > [ الآية : 1 ] . قال بعضهم : شغلكم التكاثر بموتاكم عن الحياة بذكرى . قوله تعالى : ( كلا سوف تعلمون ) < < التكاثر : ( 3 ) كلا سوف تعلمون > > [ الآية : 3 ] . قال سهل : سيعلم من اعرض عني انه لا يجد مثلي وانشده في معناه : ( ستحمدني إذا جربت غيري ** وتعلم انني لك كنت كنزا ) قوله تعالى : ( كلا لو تعلمون علم اليقين ) < < التكاثر : ( 5 ) كلا لو تعلمون . . . . . > > [ الآية : 5 ] . قال سهل : اليقين نارا ، والإقرار باللسان من فتيلة والعمل زينة ، وابتداء اليقين المكاشفة ثم المعاينة ، والمشاهدة . وقال يحيى بن معاذ : اليقين كشف الغطاء عن القلب . وقال أبو بكر الوراق : النفس عمياء وقائدها القلب والقلب أعمى وقائدها الروح ، والروح اعمى وقائدها المولى . وسئل بعضهم : عن اليقين وعن عين اليقين . قال علم اليقين استجلاب الدلائل ، وعين اليقين عين الحكمة . وقال بعضهم : اليقين حال التفرقة ، وعين اليقين حال الجمع . وقال بعضهم : يروا علم اليقين موهبة الله . فإذا استقر اليقين فهو مشاهدة الغيوب بكشف القلوب ، وملاحظة الأسرار بمخاطبة الأفكار . وقال بعضهم : اليقين علم لا تعترضه الشكوك . وقال أبو سعيد الخراز : نجاة القلب في ثلاثة : في علم عين اليقين ، وفي وجود عين اليقين وفي شهود حق اليقين . وقال فارس : علم اليقين لا اضطراب فيه وعين اليقين هو علم تودعه الله الأسرار .
____________________
(2/417)
وقال الحسين : علم اليقين ما يستجلب بالدلائل وعين اليقين هو علم لا منازع فيه ، ولا اضطراب . قال الشبلي رحمة الله : علم اليقين ما وصل إلينا على لسان الرسل ، وعين اليقين ما اوصله الينا من أنوار هدايته إلى اسرار القلوب من غير توسط ، وحق اليقين لا سبيل إليه . قوله تعالى : ! ( ثم لترونها عين اليقين ) { < التكاثر : ( 7 ) ثم لترونها عين . . . . . > > [ الآية : 7 ] . قال الخراز رحمه الله : عين اليقين هو أن يرفع الحجب عن قلوبهم ، ويتجلى لأسرارهم ، وأرواحهم ، ويكشف عن اوهامهم حتى يرونه عين اليقين فيراجعوا عنه سكري وينتهوا عنه خيارى . قال الحسين رحمه الله : إذا كان الرجل في عين اليقين لا علم اليقين فجلس عن الكسب ، وضعف عن القيام وكان ممن لا يسكن ولا يتحرك إلا بيقين ومطالبته نفسه بالحركة والاكتساب فقال : لست أعلم أن بقى لي اجل ولا رزق فاتحرك فيه لم يجب عليه الحركة إذا لم يكن له أمل في النفس الثاني . وقال سهل بن عبد الله : عين اليقين ليس هو من اليقين لكنه نفس الشيء . وقال بعضهم : اليقين شعبة من الإيمان . وقال بعضهم : علم اليقين إظهار ما سبق له من عناية الحق ، وعين اليقين العلم بإظهار ذلك . وقال بعضهم : عين اليقين هو المشاهدة . قال فارس : العلم إذا انفرد من نعت اليقين كان علما يشبهه فإذا انضم إلى اليقين كان علما بلا شبهة . وقال بعضهم : عين اليقين اختلفوا فيه فقالوا : وجود اليقين مكاشفة الحق بشهادة اليقين الحق ، واليقين ما شهد الحق لنفسه بأنه الحق المبين . وقيل : لترونها عن اليقين هو المشاهدة مع شهادة محمد صلى الله عليه وسلم . قال الحسين : علم اليقين ما يستجلب بالدلائل وعين اليقين هي عين الحكمة وهو علم لا منازع فيه ولا اضطراب . وقال بعضهم : عين اليقين النظر إلى الشيء لله ، وبالله . وقال بعضهم : عين اليقين هو عين البقاء .
____________________
(2/418)
<
> ذكر ما قيل في سورة العصر <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( والعصر إن الإنسان لفي خسر ) { < العصر : ( 1 - 2 ) والعصر > > [ الآية : 1 ، 2 ] . قال بعضهم : إذا لم يراع حقوق الله عليه ، واتبع الشهوات ولم يخش الله . قوله تعالى : ! ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) ! [ الآية : 3 ] . قال بعضهم : إلا الذين ادوا الحقوق التي لزمتهم في جميع العبادات . قوله تعالى : ! ( وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) { < العصر : ( 3 ) إلا الذين آمنوا . . . . . > > [ الآية : 3 ] . قال بعضهم : التواصي بالحق هو المقام مع الحق والقيام بأوامره على حدود الاستقامة . وقال بعضهم : التواصي بالصبر هو أن لا تشهد البلاء بحال وانشد : ( صبرت ولم اطلع هواك على صبري ** وأخفيت ما بي منك عن موضع الصبر ) ( مخافة أن يشكو ضميري صبابتي ** إلى دمعتي سرا فتجري ولا أدري ) * * *
____________________
(2/419)
<
> ذكر ما قيل في سورة الهمزة <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( الذي جمع مالا وعدده ) { < الهمزة : ( 2 ) الذي جمع مالا . . . . . > > [ الآية : 2 ] . قال بعضهم : من كان غناه بماله فهو فقير ، ومن كان غناه بجاهه فهو حقير ، ومن كان غناه بطاعته فهو مفلس ، ومن كان غناه بعشيرته فهو ذليل ومن كان غناه بمولاه فهو الغني على الحقيقة . قال بعضهم : جمع المال من علامة الجهل ، وحب المال من علامة النفاق ، والبخل بالمال من علامة الكفر . قوله تعالى : ! ( يحسب أن ماله أخلده ) { < الهمزة : ( 3 ) يحسب أن ماله . . . . . > > [ الآية : 3 ] . قال أبو بكر بن طاهر : يظن أن ماله يوصله إلى مقام الخلد . قوله تعالى : ! ( نار الله الموقدة > ( < الهمزة : ( 6 ) نار الله الموقدة > } [ الآية : 6 ] . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم الاسكندراني يقول : سمعت أبا جعفر الملطي عن علي بن موسى الرضي عن أبيه عن جعفر بن محمد رضي الله عنهم أجمعين في قوله : ! ( نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة ) ! قال : النيران شتى مختلفة فمنها نار المحبة والمعرفة تتقد في افئدة الموحدين ونيران جهنم في افئدة الكافرين ، ونيران المحبة إذا اتقدت في قلوب المؤمنين تحرق كل هم غير الله ، وكل ذكر سوى ذكره . * * *
____________________
(2/420)
<
> ما قيل في سورة الماعون <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) { < الماعون : ( 5 ) الذين هم عن . . . . . > > [ الآية : 5 ] . قال بعضهم : الذين لا يحضرونها بشهود قلب ، ورعاية حق المناجاة ، وخشوع الجوارح فيها الا يعلموا أن الصلاة مواصلة بين العبيد وبين ربهم فإذا لم يرع حقوقها حقوق كاتب مفاصله . سمعت عبد الله بن علي البغدادي يقول : سمعت أحمد بن فاتك يقول : سمعت أبا العباس بن عطاء يقول : ليس في القرآن وعيد صعب إلا وبعده وعد لطيف غير هذه الآية : ! ( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ) ! ذكر الويل لمن صلاها بلا حضور من قلبه فكيف بمن تركها وأساء . وسئل ما الصلاة ؟ فقال : اتصال بالله من حيث لا يعلمه إلا الله . قوله تعالى : ( الذين هم يراءون ) < < الماعون : ( 6 ) الذين هم يراؤون > > [ الآية : 6 ] . قال الذين هم لا يخلصون لله عملا ، ولا يطالبون أنفسهم بحقيقة الإخلاص ، ولا يرد عليهم من ربهم وارد يشغلهم عن رؤية الخلق ، والتزين لهم يعلمون انهم في أعين الناس بمقدار ما وضع الله لهم في اعينهم من المقدار . قوله تعالى : ! ( ويمنعون الماعون ) { < الماعون : ( 7 ) ويمنعون الماعون > > [ الآية : 7 ] . قال بعضهم : يبخلون ببذل الأموال والمهج في رضا الحق ، كما فعله الصديق رضي الله عنه لما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ' ماذا أبقيت لنفسك ؟ قال : الله ورسوله ' .
____________________
(2/421)
<
> سورة الكوثر <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( إنا أعطيناك الكوثر ) { < الكوثر : ( 1 ) إنا أعطيناك الكوثر > > [ الآية : 1 ] . قال الصادق في قوله : ! ( إنا أعطيناك الكوثر ) ! قال : نور في قلبك دلك على ، وقطعك عما سواي . قال أيضا : الشفاعة لأمتك . وقال بعضهم : ' أعطيناك ' معجزة أكثرت بها أهل الإجابة لدعوتك . وقال بن عطاء : الرسالة والنبوة . وقال ابن عطاء معرفة بربوبيتي ، وانفردا بوحدانيتي وقدرتي ، ومشيئتي . وقال سهل : الحوض ، تسقى من شئت بإذني وتمنع من شئت بإذني . وقال القاسم في قوله : ! ( إن شانئك هو الأبتر ) { < الكوثر : ( 3 ) إن شانئك هو . . . . . > > [ الآية : 3 ] . أي : متعطل منقطع عن خيرات الدارين اجمع . وقال أبو سعيد القرشي : لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم : ! ( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ) ! قال النبي صلى الله عليه وسلم : يا رب اتخذت إبراهيم خليلا ، وموسى كليما فبماذا خصصتني فانزل الله تعالى : ! ( ألم نشرح لك صدرك ) ! فلم يكتف بذلك فأنزل الله : ! ( ألم يجدك يتيما فآوى ) ! فلم يكتف بذلك ، وحوله أن لا يكتفي لأن السكون إلى الحال سبب قطع المزيد فأنزل الله : ! ( إنا أعطيناك الكوثر ) ! فلم يكتف
____________________
(2/422)
بذلك حتى بلغنا أن جبريل صلى الله عليه وسلم قال : إن الله تعالى يقرئك السلام وقال : إن كنت اتخذت إبراهيم خليلا ، وموسى كليما فقد اتخذتك حبيبا ، وعزتي لأختار حبيبي على خليلي وكليمي فسكن ، وهذا اجل من الرضا لأن هذه الدالة ، والمجادلة لأن الرضا للحبيب ، والواله والانبساط للخليل ، ألا ترى إلى قصة إبراهيم صلوات الله عليه وحاله البشرى يجادلنا وهو على الانبساط . * * *
____________________
(2/423)
<
> ما قيل في سورة الكافرون <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( قل يا أيها الكافرون ) { < الكافرون : ( 1 ) قل يا أيها . . . . . > > [ الآية : 1 ] . قال الحسين : أن الله أورد تكليفه على ضروب : منهم من اسعد بخصائص العبودية كما خاطب به نبيه صلى الله عليه وسلم ! ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) ! إنك لن تبلغ استحقاق العبودية بالجهد ، وخطاب تكليف خاطب به الكفار وذاك انه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخاطبهم بقوله : ! ( لا أعبد ما تعبدون ) ! . * * *
____________________
(2/424)
<
> ما ذكر في سورة النصر <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( إذا جاء نصر الله والفتح ) { < النصر : ( 1 ) إذا جاء نصر . . . . . > > [ الآية : 1 ] . قال ابن عطاء : إذا شغلك به عما دونه فقد حال الفتح من الله ، والفتح هو النجاة من السجن والبشرى بلقاء الله . سمعت أبا الحسين بن يحيى الشافعي يقول : سألت أبا الحسين اليوشجي عن قوله : ! ( واستغفره إنه كان توابا ) ! [ النصر : 3 ] ما هذا الاستغفار ؟ ما هذه التوبة ؟ فقال : أما لسان العارفين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم سر بدخول الناس عليه افواجا فنظر إلى الناس والسبب وإلى دعوتك ، ولم ينظر إلى المسبب فأنزل الله تعالى : ! ( فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ) ! [ الشورى : 24 ] . أي : المجيب إلى دعوتك من كتبنا له السعادة في الأزل . قال الواسطي رحمه الله : ! ( إذا جاء نصر الله والفتح ) ! أي فتح عليك العلوم ، ! ( فسبح بحمد ربك واستغفره ) ! على ما كان من قلة العلم بما أريد منك ! ( إنه كان توابا ) ! . قال النبي صلى الله عليه وسلم : ' بعثت إلى نفسي ' . وقال ابن عطاء : إذا فتح عليك علوم القربة ، وأحوال الاشتياق . وقال بعضهم : ! ( فسبح بحمد ربك واستغفره > ( < النصر : ( 3 ) فسبح بحمد ربك . . . . . > } على ما كان منك من قلة العلم بما أريد منك . * * *
____________________
(2/425)
<
> ما قيل في سورة تبت ' المسد ' <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( تبت يدا أبي لهب ) { < المسد : ( 1 ) تبت يدا أبي . . . . . > > [ الآية : 1 ] . قال أبو بكر بن طاهر رحمه الله : ظهر حيران من لم ينزلك المنزلة التي انزلناكها من القرب ، والدنو والنبوة ، والمحبة خسرانا ظاهرا وضل ضلالا بعيدا . * * *
____________________
(2/426)
<
> ما قيل في سورة الإخلاص <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قوله تعالى : ! ( قل هو الله أحد ) { < الإخلاص : ( 1 ) قل هو الله . . . . . > > [ الآية : 1 ] . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم البزاز يقول : قال ابن عطاء : قل في غير هذا الموضع في القرآن أي : اظهر ما بينا لك وأوحينا إليك بتأليف الحروف التي قرأناها عليك ليهتدي بها أهل الهداية والهاء تنبيه عن معنى ثابت والواو إشارة إلى ما يدريك حقائق نعوته ، وصفاته بالحواس ، والأحد المتفرد الذي لا نظير له والتوحيد هو الإقرار بالأحدية والوحدانية وهو الانفراد . قال الواسطي رحمه الله في قوله : ! ( قل هو ) ! قال : ' حرف ' ليست ' هو ' باسم ، ولا وصف ، ولكنه كتابه عن الذات وإشارة إلى الذات ، علم الحق من يلحد في الأسماء والصفات ويفرقون بين الصفة والموصوف فقال : ' هو ' لا يكون فرقا بين هويته ، و ' هو ' إذ لم يكن فرقا بين هويته ، و ' هو ' لم يكن فرقا بين أسمائه وصفاته . قال أبو سعيد الخراز : إن الله أول ما دعا عباده دعاهم إلى كلمة واحدة فمن فهمها فهم ما ورائها وهو قوله : ! ( قل هو الله أحد ) ! فتم به المراد للخواص ثم زاد بيانا للخلق فقال : ! ( لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) ! فمن فهم معنى الله استغنى به عن غيره . وقال ابن عطاء : ! ( هو ) ! ، هو ولا يقدر أحدا أن يخبر عن هويته إلا هو لا عبارة لأحد عنه ، حقيقة الإله عن نفسه فيخبر عن نفسه بحقيقة حقه ، والاغيار يخبرونه عنه على حد الأذن فيه ، والأمر فأخبر عن نفسه بأنه هو الله أشار من نفسه إلى نفسه إذ لم يستحق أحد أن يشير إليه سواه فمن أشار إليه فإنما أشار إلى إشارته إلى نفسه فمن تحقق إشارته إلى بشارته بالتعظيم والحرمة ، كانت إشارته صحيحة على حد الصواب ومن وقعت إشارته على حد الدعوة بطلت إشارته وبعدت عن معادن الحقيقة . قيل للحسين : اهو هو قال : بل هو وراء كل هو ، وهو عبارة عن ملك ما لا يثبت له شيء دونه .
____________________
(2/427)
سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم يقول : قال ابن عطاء في قوله : ! ( قل هو الله أحد ) ! هو المنفرد بإيجاد المفقودات والمتوحد بإظهار الخفيات . قال الحسين : الأحد الكائن عند كل منعوت ، وإليه يصير كل مربوب يطمس من ساكنه ، ويطرح من تأوله أن أشهدك إياه فإنك وان غيبك عنه رعاك . وقال الحسين : توحيد الأئمة توحيد رضى به لهم فأما الذي يستحقه الحق فلا لأن القائل عنكم سواكم ، والمغير عنكم غيركم فسقطتم انتم ، وبقى من لم يزل كما لم يزل . قال بعضهم : توحدتم وحد ، ولا سبيل إلى ذلك إلا أن يوحد الحق له . قال فارس : أحد في وحدانيته ، واحد في احديته ليس يحس بالغير كيف ، ولا حس ، ولا غير منه الكائن كل منعوت ، وإليه يصير كل مربوب . قال الحسين : خلق الله الخلق على علمه ، وأظهر الأشياء فيهم بقدرته ، ودعاهم إلى توحيده ووحدانيته في المعرفة الأصلية بلسان الطبائع فقال : ! ( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) ! . قال القاسم : قوله : ! ( الله ) ! تعرفهم أن له الأسماء الحسنى فكل مربوط منه بصفة واسم . وقال في قوله : ! ( قل هو الله أحد ) ! لم تقتصر على اسمه بل عدك بهم إلى أسامي أخر ، وأخبر بانحطاط رتبتهم فقال : ! ( لم يلد ولم يولد ) ! أني كان يخطر بقلوب العارفين شبهة حتى أخبر بهذه الصفة ، ولكن الله تعالى علم ما في سرائر العوام من الخواطر الفاسدة فأزالها عنهم بقوله : ! ( لم يلد ولم يولد ) ! فأهل الحقائق عرفوا الله وواجههم به من اسمه الله . قال الواسطي رحمه الله في قوله : ! ( قل هو الله أحد ) ! ، ! ( قل هو ) ! : جواب لمن زعم أن معه إلها ، لأن نفي الغيب حيث يستحيل الغيب غيب ، فرق بين جواب توهم السرائر ، وجواب توثب العقول . وقال الحسين : الواحد في معناه ، والكامل في ذاته هو الأيدي في دوام الأوقات الكائن عنه كل منعوت . وقال ابن عطاء : ! ( قل هو الله أحد ) ! إشارة منه إليه ، حين قال الكفار : انسب لنا ربك .
____________________
(2/428)
قال أبو بكر بن عبدوس : ! ( الصمد ) ! المستغنى عن كل أحد . قال ابن عطاء : ! ( الصمد ) ! الذي لم يتبين عليه اثر فيما أظهره . وقال جعفر : ! ( الصمد ) ! الذي لم يعط خلقه من معرفته إلا الاسم ، والصفة . قال الجنيد رحمه الله : الصمد ؟ الذي لم يجعل لأعدائه سبيلا إلى معرفته . وسئل بعضهم ما الصمد ؟ فقال : إن ما يتسع له اللسان أو يشير إليه البيان من تعظيم أو تفريد أو توحيد أو تجريد فهو مطول ، والحقيقة وراء ذلك لا تحبط به العلوم ولا يشرق عليه أحد لأن الصمد به ممتنعة عن جميع ذلك . وقيل : ! ( الصمد ) ! الذي لا تدرك حقيقة نعوته ، ولا صفاته . قال الواسطي رحمه الله : امتنع الحق بصمديته عن وقوف العقول عليه ، وإشارتها إليه ، ولا يعرف إلا بألطاف اسدى بها الأرواح ، وقال : ! ( الصمد ) ! هو قطع التوهم في العبارة وخفى الالحاظ في الإشارة لا يجري عليه جريان ما اجرى علينا مما ذكرها . وقال ابن عطاء : ! ( الصمد ) ! المتعالي عن الكون والفساد . وقال جعفر : ! ( الصمد ) ! خمس حروف الألف دليل على احديته ، واللام دليل على الوهيته ، وهما مدعمان لا يظهران على اللسان ، ويظهران في الكتابة فدل ذلك على أن أحديته ، وألوهيته خفية لا تدرك بالحواس ، ولا تقاس بالناس فخفاؤه في اللفظ دليل على أن العقول لا تدركه ، ولا تحيط به علما وإظهاره في الكتابة دليل على انه يظهر على قلوب العارفين ويبدو لأعين المحبين في دار السلام والمعاد لأنه صادق فيما وعد فعله صدق وكلامه صدق ، ودعا عباده إلى الصدق ، والميم : دليل على ملكه فهو الملك على الحقيقة ، والدال : علامة دوامه في ابديته وأزليته وإن كان لا أزل ، ولا ابد لأنهما ألفاظ تجري على العوام عبارة ، وقيل : والصمد الذي لا يتناهى سؤدده .
____________________
(2/429)
قال الواسطي : الصمد الذي لا يستحرق ، ولا يستغرق ولا يفترض عليه القواطع والعلل . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم يقول : قال ابن عطاء : ! ( قل هو الله أحد ) ! ظهر لك منه التوحيد ، ! ( الله الصمد ) ! ظهر لك منه المعرفة ، ! ( لم يلد ) ! ، ظهر لك منه الإيمان ، ! ( ولم يولد ) ! ظهر لك منه الإسلام ، ! ( ولم يكن له كفوا أحد ) ! ظهر لك منه اليقين . وقال الجنيد رحمه الله : الصمد الذي لا تدركه حقيقه نعوته وصفاته كما قال : ! ( ولا يحيطون به علما ) ! [ طه : 110 ] . قال بعضهم : ! ( قل هو الله أحد ) ! على سبيل انه معبود بالرسم ، وهو وراء الرسم فجل عن أن يشار إليه بذكر التأله . وقال بعضهم : ! ( الصمد ) ! المصمود إليه في الحوائج ، والذي ! ( لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) ! الذي لا نظير له في ذات ، ولا فعل . سمعت أبا بكر الرازي يقول : سمعت أبا علي الروذباري يقول : وجدنا أنواع الشرك على ثمانية أنواع : التنقص ، التقلب ، والكثرة ، والعدد ، والعلة ، والمعلول ، والأشكال ، والأضداد فنفى عز وجل عن صفته نوع الكثرة ، والعدد بقوله : ! ( قل هو الله أحد ) ! ونفى التقلب والتنقص بقوله : ! ( الله الصمد ) { < الإخلاص : ( 2 ) الله الصمد > > ونفى العلل والمعلول بقوله : ! ( لم يلد ولم يولد ) ! ونفى الاشكال والأضداد بقوله : ! ( ولم يكن له كفوا أحد ) ! . ويقال سمى سورة الإخلاص لأنه أخلص فيها معاني التوحيد . وقيل : الأحد للعامة ، والواحد للفضل . وقيل : ! ( الصمد ) ! الذي لا يستغنى عنه في شيء من الأشياء . وقيل : ! ( الصمد ) ! الذي آيست العقول من الاطلاع عليه . وقال الحسين بن الفضل : ! ( الصمد ) ! الأول بلا ابتداء والآخر بلا انتهاء . وقال بعضهم : الصمدية القطع بالإياس عن المطالعة والوقوف على شيء من لطائف الصفات ، وقيل : ! ( الصمد ) ! الذي لا يؤثر فيه شيء . وقيل : ! ( الصمد ) ! الذي لا يتغير بإظهار الكون لأن الحدث لا يحدث لله صفة لم تكن .
____________________
(2/430)
وقوله تعالى : ! ( لم يلد ولم يولد ) { < الإخلاص : ( 3 ) لم يلد ولم . . . . . > > [ الآية : 3 ] . قال ابن علي : ! ( لم يلد ) ! دليل على الفردانية ، ! ( ولم يولد ) ! دليل على الربوبية . وقال جعفر : جل ربنا أن تدركه الأوهام ، والعقول والعلوم بل هو كما وصف نفسه والكيفية عن وصفه غير معقولة سبحانه أن تصل الفهوم والعقول إلى كيفيته ( كل شيء هالك إلا وجه ) ، وله البقاء والسرمدية ، والأبدية ، والوحدانية ، والمشيئة والقدرة عز وجل تبارك وتعالى . وقال الواسطي : نفى الحقائق ، والإحاطة ثم اكده بقوله : ! ( ولم يكن له كفوا أحد ) ! فلا يشار إلى ما لا كقوله بوجه كيف يطلق اللسان بما لا كقوله ، ولا مثل له إلا إثبات دون المباينة وكيفية الصفات . وقال عمرو المكي : تنزل الخلق بوادي العلم يبشر ما توحد به منه في القدم في تيه العمى فيما اخفاه وعدوه عن الأعداء في صحبة الأول بعلمه وذلك قوله : ! ( لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) ! . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم الاسكندراني يقول : سمعت أبا جعفر الملطي يحكي عن علي بن موسى عن أبيه عن جعفر بن محمد رضي الله عنهم في قوله : ! ( قل هو الله أحد ) ! . قال معناه اظهر ما تريده النفس بتأليف الحروف فإن الحقائق مصونة على أن يبلغها ، وهم اوفهم وإظهار ذلك بالحروف ليهتدي بها من ألقى السمع ، وهو إشارة إلى غائب وإنما هو تنبيه على معنى ثابت والواو إشارة إلى الغائب عن الحواس ، والأحد الفرد الذي لا نظير له فمعنى قوله : ! ( احد ) ! أي معبود يأله الخلائق إليه فيعجزوا عن إدراكه فإنه بألوهيته متعال عن الإدراك بالعقول والحواس ، و ! ( الصمد ) ! المتعال عن الكون والفساد ، و ! ( الصمد ) ! الذي لا يوصف بالتغاير ، وسورة الإخلاص خمس كلمات : ! ( الله إحد ) ! دلالة على الفردانية ! ( الله الصمد ) ! دلالة على العز ( ولم يلد ) معرفة الربوبية ! ( لم يولد ) ! معرفة التنزيه ! ( ولم يكن له كفوا أحد ) ! معرفة أن ( ليس كمثله شيء ) وهذه بأجمعها تدلك على الانقطاع إليه ، والتبرئ مما سواه . * * *
____________________
(2/431)
<
> سورة الفلق <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> سئل الواسطي رحمه الله : ما الربوبية ، فقال : التفرد بإيجاد المفقودات والتوحد بإظهار الخفيات من الموافقة والمخالفة . قال بعضهم في قوله : ! ( الفلق ) ! قال : فلق الملكوت من القلوب فأبداها على الألسنة . قال محمد بن علي الترمذي : عطف الله على القلوب خواص عباده المسلمين فقذف النور فيها فانفلق الحجاب وانكشف الغطاء وهو قوله : ! ( قل أعوذ برب الفلق ) ! < < الفلق : ( 1 ) قل أعوذ برب . . . . . > > [ الآية : 1 ] . قال الحسين : أشار الحق إلى جميع خلقه في معنى القطيعة عنه بكلمة واحدة ، وهي من لطائف القرآن ! ( قل أعوذ برب الفلق ) ! و ! ( فالق الإصباح ) ! ، و ! ( فالق الحب والنوى ) ! ، وفالق البحر لموسى ، وفالق الاسماع والابصار ، وفالق القلوب حتى انكشف لها الغيوب ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ' سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره ' وفلق الصدور وفتقها وشرحها لتدارك ما جرى فيها من المباشرة إذ في ذلك صحة الحيرة وصفائها وصفادها . ( ومن شر ما خلق ) < < الفلق : ( 2 ) من شر ما . . . . . > > أن يكون مربوطا فإن علت أحواله وعظمت اخطاره فإن الانقطاع علامته الارتباط بما دونه من خلقه وفلقه .
____________________
(2/432)
<
> ذكر ما قيل في سورة الناس <
> <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> قال عمرو المكي : ! ( الوسواس ) { < الناس : ( 4 ) من شر الوسواس . . . . . > > من وجهين : من النفس والعدو ، فوسواس النفس بالمعاصي ، التي توسوس بها العدو كلها غير شيئين فإن النفس لا توسوس بهما أحدهما التشكيك والامر . القول على الله بغير علم قال الله في وصف الشيطان : ! ( إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) ! [ البقرة : 169 ] . وقال أبو بكر الوراق : الوسواس من شر العوارض واخبثها وأبعدها من الصواب . وأشدها غرورا وأشهاها إلى النفس وأجلاها إلى القلب ، وازينها في العين لأنها على موافقة النفس ، والنفس ارضية وهي ليست سماوية كالحقوق النازلة منه و ! ( الوسواس ) ! يقع في أصول الدين وهو الآراء والمقاييس فإن الإنسان يقبل من ابليس مقاييسه ، ووسواسه وإنما عبدت الشمس والقمر بالمقاييس ، وقاس إبليس لما قال : في مقابلة الأمر من الله إليه من مواجهته حين أمره بالسجود لآدم عليه السلام أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ، وهو الذي أخبر الله عنه أنه الخناس الذي يوسوس في صدور الناس بدأ في وسوسته وشؤم قياسه بآدم فقال : ! ( ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين ) ! وسوس اليهما في ذلك بالملك وقاس مقال إنما خوطبت في الشجرة ولم يخاطب في غيرها فاترك ما خوطبت فيها وتناول من جنسها فوقع ذلك من آدم موقعا لحرصه على مجاوزة ربه . وقال يحيى بن معاذ : الوسوسة بذر الشيطان فإن لم تعطه أرضا وماء ضاع بذره ، وإن اعطيته الأرض والماء بذر فيه الشيطان ، فسئل ما الأرض والماء ؟ فقال : الشبع ارضه والنوم ماؤه . وقال يحيى بن معاذ : إنما هو جسم ، وروح ، وقلب ، وصدر ، وشغاف ، وفؤاد . فالجسم بحر الشهوات ، قال الله تعالى : ! ( إن النفس لأمارة بالسوء ) ! [ يوسف : 53 ] . والروح بحر المناجاة .
____________________
(2/433)
والصدر بحر الوسواس ، قال الله تعالى : ! ( الذي يوسوس في صدور الناس ) ! [ الآية : 5 ] . والشغاف بحر المحبة ، قال الله تعالى : ! ( قد شغفها حبا ) ! [ يوسف : 30 ] . والفؤاد بحر الرؤية . وقال سهل : من أراد الدنيا لم ينج من الوسوسة . ومقام الوسوسة من العبد مقام النفس الأمارة بالسوء . وقال : الوسوسة ذكر الطبع . وقال أبو عمرو النجاري ، اصل الوسوسة ونتيجتها من عشرة أشياء : أولها : الحرص فقابله بالتوكل والقناعة . والثانية : الأمل . فاكسره بمفاجأة الأجل . والثالثة : التمتع بشهوات الدنيا فقابله بزوال النعم وطول الحساب . والرابعة الحسد فاكسره برؤية العدل . والخامسة : البلاء فاكسره برؤية المنة والعوافي . والسادسة : الكبر فاكسره التواضع . والسابعة : الاستخفاف بحرمة المؤمنين فأكسره بتعظيم حرمتهم . والثامنة : حب الدنيا ، والمحمدة من الناس فاكسره بالإخلاص ، والتاسعة ، طلب العلو والرفعة فاكسره بالخشوع ، والعاشرة : البخل والمنع فاكسره بالجود والسخاء . تمت بحمد الله وحسن توفيقه ، وعونه ، ولطفه وصلواته على نبيه محمد وآله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما . قد فرغنا من كتابته ومقابلته ليلة الثلاثاء الثالث والعشرين من شهر الله الحرام المحرم سنة ستمائة هجرية . رحم الله من قرأ ودعا لصاحبه وكاتبه ولجميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
____________________
(2/434)