" صفحة رقم 225 "
من قولهم ظهرت به إذا نبذته خلف ظهرك فيكون كقوله ) ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم )
الفرقان : ( 56 ) وما أرسلناك إلا . . . . .
) وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا ( للمؤمنين والكافرين
الفرقان : ( 57 ) قل ما أسألكم . . . . .
) قل ما أسألكم عليه ( على تبليغ الرسالة الذي يدل عليه ) إلا مبشرا ونذيرا ( من أجر ) إلا من شاء ( إلا فعل من شاء ) أن يتخذ إلى ربه سبيلا ( أن يتقرب إليه ويطلب الزلفى عنده بالإيمان والطاعة فصور ذلك بصورة الأجر من حيث إنه مقصود فعله واستثناه منه قلعا لشبهة الطمع وإظهارا لغاية الشفقة حيث اعتد بإنفاعك نفسك بالتعرض للثواب والتخلص عن العقاب أجرا وافيا مرضيا به مقصورا عليه وإشعارا بأن طاعتهم تعود عليه بالثواب من حيث إنها وافيا بدلالته وقيل الإستثناء منقطع معناه لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه سيلا فليفعل
الفرقان : ( 58 ) وتوكل على الحي . . . . .
) وتوكل على الحي الذي لا يموت ( في استكفاء شرورهم والإغناء عن أجورهم فإنه الحقيق بأن يتوكل عليه دون الأحياء الذين يموتون فإنهم إذا ماتوا ضاع من توكل عليهم ) وسبح بحمده ( ونزهه عن صفات النقصان مثنيا عليه بأوصاف الكمال طالبا لمزيد الأنعام بالشكر على سوابغه ) وكفى به بذنوب عباده ( ما ظهر منها وما بطن ) خبيرا ( مطلعا فلا عليك أن آمنوا وكفروا
الفرقان : ( 59 ) الذي خلق السماوات . . . . .
) الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن ( قد سبق الكلام فيه ولعل ذكره زيادة تقرير لكونه حقيقا بأن يتوكل عليه من حيث إنه الخالق للكل والمتصرف فيه وتحريض على الثبات والتأني في الأمر فإنه تعالى مع كمال قدرته وسرعة نفاذ أمره في كل مراد خلق الأشياء على تؤدة وتدرج و ) الرحمن ( خبر للذي إن جعلته مبتدأ ولمحذوف إن جعلته صفة للحي أو بدل من المستكن في ) استوى ( وقرىء بالجر صفة للحي ) فاسأل به خبيرا ( فاسأل عما ذكر من الخلق والإستواء عالما يخبرك بحقيقته وهو الله تعالى أو جبريل أو من وجده في الكتب المتقدمة ليصدقك فيه وقيل الضمير ) للرحمن ( والمعنى إن أنكروا إطلاقه على الله تعالى فاسأل عنه من يخبرك من أهل الكتاب ليعرفوا مجيء ما يرادفه فيكتبهم وعلى هذا يجوز أن(4/225)
" صفحة رقم 226 "
يكون ) الرحمن ( مبتدأ والخبر ما بعده والسؤال كما يعدى بعن لتضمنه معنى التفتيش يعدى بالياء لتضمنه معنى الأعتناء وقيل إنه صلة ) خبيرا )
الفرقان : ( 60 ) وإذا قيل لهم . . . . .
) وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن ( لأنهم ما كانوا يطلقونه على الله أو لأنهم ظنوا أنه أراد به غيره ولذلك قالوا ) أنسجد لما تأمرنا ( أي للذي تأمرناه يعني تأمرنا بسجوده أو لأمرك لنا من غير عرفان وقيل ه كان معربا لم يسمعوه وقرأ حمزة والكسائي / يأمرنا / بالياء على أنه قول بعضهم لبعض ) وزادهم ( أي المر بالسجود ) للرحمن ( ) نفورا ( عن الإيمان
الفرقان : ( 61 ) تبارك الذي جعل . . . . .
) تبارك الذي جعل في السماء بروجا ( يعني البروج الإثني عشر سميت به وهي القصور العالية لأنها للكواكب السيارة كالمنازل لسكانها واشتقاقه منا لتبرج لظهوره ) وجعل فيها سراجا ( يعني الشمس لقوله ) وجعل الشمس سراجا ( وقرأ حمزة والكسائي / سرجا / وهي الشمس والكواكب الكبار ) وقمرا منيرا ( مضيئا بالليل وقرىء ) وقمرا ( أي ذا قمر وهو جمع قمراء ويحتمل أن يكون بمعنى القمر كالرشد والرشد والعرب و العرب
الفرقان : ( 62 ) وهو الذي جعل . . . . .
) وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة ( أي ذوي خلفة يخلف كل منهما الآخر بأن يقوم مقامه فيما ينبغي أن يعمل فيه أو بأن يعتقبا لقوله تعالى ) واختلاف الليل والنهار ( وهي للحالة من خلف كالركبة والجلسة ) لمن أراد أن يذكر ( بأن يتذكر آلاء الله ويتفكر في صنعه فيعلم أن لا بد له نم صانع حكيم واجب اللذات رحيم على العباد ) أراد شكورا ( أن يشكر الله تعالى على ما فيه من النعم أو ليكونا وقتين للمتذكرين والشاكرين من وفاته ورده في أحدهما تداركه في الآخرة وقرأ حمزة ) أن يذكر ( من ذكر بمعنى تذكر وكذلك ليذكروا وافقه الكسائي فيه(4/226)
" صفحة رقم 227 "
الفرقان : ( 63 ) وعباد الرحمن الذين . . . . .
) وعباد الرحمن ( مبتدأ خبره ) أولئك يجزون الغرفة ( أو ) الذين يمشون على الأرض ( وإضافتهم إلى ) الرحمن ( للتخصيص والتفضيل أو لأنهم الراسخون في عبادته على أن عباد جمع عابد كتاجر وتجار ) هونا ( هينين أو مشيا هينا مصدر وصف به والمعنى أنهم يمشون بسكينة وتواضع ) وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ( تسلما منكم ومتاركة لكم لا خير بيننا ولا شر أو سداد من القول يسلمون فيه من الإيذاء والإثم ولا ينافيه آية القتال لتنسخه فإن المراد به الإغضاء عن السفهاء وترك مقابلتهم في الكلام
الفرقان : ( 64 ) والذين يبيتون لربهم . . . . .
) والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ( في الصلاة في الصلاة وتخصيص البيتوتة لأن العبادة بالليل أحمز وأبعد عن الرياء وتأخير القيام للروي وهو جمع قائم أو مصدر أجري مجراه
الفرقان : ( 65 ) والذين يقولون ربنا . . . . .
) والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما ( لازما ومنه الغريم لملازمته وهو إيذان بأنهم مع حسن مخالطتهم مع الخلق واجتهادهم في عبادة الحق وجلون من العذاب مبتهلون إلى الله تعالى في صرفه عنهم لعدم اعتدادهم بأعمالهم ووثوقهم على استمرار أحوالهم
الفرقان : ( 66 ) إنها ساءت مستقرا . . . . .
) إنها ساءت مستقرا ومقاما ( أي بئست مستقرا وفيها ضمير مبهم يفسره المميز والمخصوص بالذم ضمير محذوف به ترتبط الجملة باسم إن أو أحزنت وفيها ضمير أسم أن ومستقرا حال أو تمييز والجملة تعليل للعلة الأولى أو تعليل ثان وكلاهما يحتملان الحكاية والابتداء من الله
الفرقان : ( 67 ) والذين إذا أنفقوا . . . . .
) والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ( لم يجاوزا حد الكرم ) ولم يقتروا ( ولم يضيقوا تضييق الشحيح وقيل الإسراف هو الإنفاق في المحارم والتقتير منع الواجب وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء وكسر التاء ونافع وابن عامر والكوفيون بضم الياء وكسر التاء من(4/227)
" صفحة رقم 228 "
أقتر وقرئ بالتشديد والكل واحد ) وكان بين ذلك قواما ( وسطا عدلا سمي به لاستقامة الطرفين كما سمي سواء لاستوائهما وقرئ بالكسر وهو ما يقام به الحاجة لا يفضل عنها ولا ينقص وهو خير ثان أو حال مؤكدة ويجوز أن يكون الخبر بين ذلك لغوا وقيل إنه اسم ) كان ( لكنه مبني لإضافته إلى غير متمكن وهو ضعيف لأنه بمعنى القوام فيكون كالإخبار بالشيء عن نفسه
الفرقان : ( 68 ) والذين لا يدعون . . . . .
) والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله ( أي حرمها بمعنى حرم قتلها ) إلا بالحق ( متعلق بالقتل المحذوف أو بلا يقتلون ) ولا يزنون ( وإشعارا بأن الأجر المذكور موعود للجامع بين ذلك وتعريضا للكفرة بأضداده ولذلك عقبه بالوعيد تهديدا لهم فقال ) ومن يفعل ذلك يلق أثاما ( جزاء إثم أو إثما بإضمار الجزاء وقرئ ) أياما ( أي شدائد يقال يوم ذو أيام أي صعب
الفرقان : ( 69 - 70 ) يضاعف له العذاب . . . . .
) يضاعف له العذاب يوم القيامة ( بدل من ) يلق ( لأنه في معناه كقوله " متى تأتينا تلمم بنا في ديارنا تجد حطبا جزلا ونارا تأججا " وقرأ أبو بكر بالرفع على الاستئناف أو الحال وكذلك ) ويخلد فيه مهانا ( وأين كثير ويعقوب يضعف بالجزم وابن عامر بالرفع فيهما مع التشديد وحذف الألف في / يضعف / وقرئ ) ويخلد ( على بناء المفعول مخففا وقرئ مثقلا وتضعيف العذاب مضاعفته لانضمام المعصية إلى الكفر ويدل عليه قوله ) إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ( بأن يمحو سوابق معاصيهم بالتوبة ويثبت مكانها لواحق طاعتهم أو يبدل ملكة المعصية في النفس بملكة الطاعة وقيل بأن يوفقه لأضداد ما سلف منه أو بأن يثبت له بدل كل عقاب ثوابا ) وكان الله غفورا رحيما ( فلذلك يعفو عن السيئات ويثبت على الحسنات
الفرقان : ( 71 ) ومن تاب وعمل . . . . .
) ومن تاب ( عن المعاصي بتركها والندم عليها ) وعمل صالحا ( يتلافى به ما فرط أو خرج عن المعاصي ودخل في الطاعة ) فإنه يتوب إلى الله ( يرجع إلى الله بذلك(4/228)
" صفحة رقم 229 "
) متابا ( مرضيا عند الله ماحيا للعقاب محصلا للثواب أو يتوب متابا إلى الله الذي يحب التائبين ويصطنع بهم أو فإنه يرجع إلى الله وإلى ثوابه مرجعا حسنا وهو تعميم بعد تخصيص
الفرقان : ( 72 ) والذين لا يشهدون . . . . .
) والذين لا يشهدون الزور ( لا يقيمون الشهادة الباطلة أو لا يحضرون محاضر الكذب فإن مشاهدة الباطل شركة فيه ) وإذا مروا باللغو ( ما يجب أن يلقى ويطرح ) مروا كراما ( معرضين عنه مكرمين أنفسهم عن الوقوف عليه والخوض فيه ومن ذلك الإغضاء عن الفواحش والصفح عن الذنوب والكناية فيما يستهجن التصريح به
الفرقان : ( 73 ) والذين إذا ذكروا . . . . .
) والذين إذا ذكروا بآيات ربهم ( بالوعظ أو القراءة ) لم يخروا عليها صما وعميانا ( لم يقيموا عليها غير واعين لها ولا متبصرين بما فيها كمن لا يسمع ولا يبصر بل أكبوا عليها سامعين بآذان واعية مبصرين بعيون راعية فالمراد من النفي نفي الحال دون الفعل كقولك لا يلقاني زيد مسلما وقيل الهاء للمعاصي المدلول عليها ) باللغو )
الفرقان : ( 74 ) والذين يقولون ربنا . . . . .
) والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ( بتوفيقهم للطاعة وحيازة الفضائل فإن المؤمن إذا شاركه أهله في طاعة الله سر بهم قلبه وقرت بهم عينه لما يرى من مساعدتهم له في الدين وتوقع لحوقهم به في الجنة و ) من ( ابتدائية أو بيانية كقولك رأيت منك أسدا وقرأ حمزة وأبو عمرو والكسائي وأبو بكر / وذريتنا / وقرأ ابن عامر والحرميان وحفص ويعقوب ) وذرياتنا ( بالألف وتنكير ال ) أعين ( لإرادة تنكير ال ) قرة ( تعظيما وتقليلها لأن المراد أعين المتقين وهي قليلة بالإضافة إلى عيون غيرهم ) واجعلنا للمتقين إماما ( يقتدون بنا في أمر الدين بإضافة العلم والتوفيق للعمل وتوحيده إما للدلالة على الجنس وعدم اللبس كقوله ) ثم يخرجكم طفلا ( أو لأنه مصدر في أصله أو لأن المراد واجعل كل واحد منا أو لأنهم كنفس واحدة لاتحاد طريقتهم(4/229)
" صفحة رقم 230 "
واتفاق كلمتهم وقيل جمع آم كصائم وصيام ومعناه قاصدين لهم مقتدن بهم
الفرقان : ( 75 ) أولئك يجزون الغرفة . . . . .
) أولئك يجزون الغرفة ( أعلى مواضع الجنة وهي اسم جنس أريد به الجمع كقوله تعالى ) وهم في الغرفات آمنون ( وللقراءة بها وقيل هي من أسماء الجنة ) بما صبروا ( وبصبرهم على المشاق من مضض الطاعات ورفض الشهوات وتحمل المجاهدات ) ويلقون فيها تحية وسلاما ( دعاء بالتعمير والسلامة أي يحييهم الملائكة ويسلمون عليهم أو يحيي بعضهم بعضا ويسلم عليه أو تبقيه دائمة وسلامة من كل آفة وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر ) يلقون ( من لقي
الفرقان : ( 76 ) خالدين فيها حسنت . . . . .
) خالدين فيها ( لا يموتون فيها ولا يخرجون ) حسنت مستقرا ومقاما ( مقابل ) ساءت مستقرا ( معنى ومثله إعرابا
الفرقان : ( 77 ) قل ما يعبأ . . . . .
) قل ما يعبأ بكم ربي ( ما يصنع بكم من عبأت الجيش إذا هيأته أو لا يعتد بكم ) لولا دعاؤكم ( لولا عبادتكم فإن شرف الإنسان وكرامته بالمعرفة والطاعة وإلا فهو وسائر الحيوانات سواء وقيل معناه ما يصنع بعذابكم لولا دعاؤكم معه آلهة إن جعلت استفهامية فمحلها النصب على المصدر كأنه قيل أي عبء يعبأ بكم ) فقد كذبتم ( بما أخبرتكم به حيث خالفتموه وقيل قصرتم في العبادة من قولهم كذب القتال إذا لم يبالغ فيه وقرئ / فقد كذب الكافرون / أي الكافرون منكم لأن توجه الخطاب إلى الناس عامة بما وجد في جنسهم من العبادة والتكذيب ) فسوف يكون لزاما ( يكون جزاء التكذيب لازما يحيق بكم لا محالة أو أثره لازما بكم حتى يكبكم في النار ووإنما أضمر من غير ذكر للتهويل والتنبيه على أنه لا يكتنهه الوصف وقيل المراد قتل يوم بدر وأنه لوزم بين القتلى لزاما وقرئ ) لزاما ( بالفتح بمعنى اللزوم كالثبات والثبوت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الفرقان لقي الله وهو مؤمن بأن الساعة آتية لا ريب فيها وأدخل الجنة بغير نصب(4/230)
" صفحة رقم 231 "
سورة الشعراء
مكية إلا قوله تعالى والشعراء يتبعهم الغاوون إلى آخرها وهي مائتان وست أو سبع وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الشعراء : ( 1 ) طسم
) طسم ( قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر بالإمانة ونافع بين بين كراهة للعود إلى الياء المهروب منها وأظهر نونه حمزة لأنه في الأصل منفصل عما بعده
الشعراء : ( 2 ) تلك آيات الكتاب . . . . .
) تلك آيات الكتاب المبين ( الظاهر إعجازه وصحته والإشارة إلى السورة أو القرآن على ما قرر في أول البقرة
الشعراء : ( 3 ) لعلك باخع نفسك . . . . .
) لعلك باخع نفسك ( قاتل نفسك وأصل البخع أن يبلغ بالذبح النخاع وهو عرق مستبطن الفقار وذلك أقصى حد الذبح وقرىء ) باخع نفسك ( بالإضافة ولعل للإشفاق أي أشفق على نفسك أن تقتلها حسرة ) ألا يكونوا مؤمنين ( لئلا يؤمنوا أو خيفة أن لا يؤمنوا
الشعراء : ( 4 ) إن نشأ ننزل . . . . .
) إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية ( دلالة ملجئة إلى الإيمان أوبلية قاسرة عليه ) فظلت أعناقهم لها خاضعين ( منقادين واصله فظلوا لها خاضعين فأقحمت العناق لبيان موضع الخضوع وترك الخبر على أصله وقيل لما وصفت الأعناق بصفات العقلاء أجريت مجراهم وقيل المراد بها الرؤساء أو الجماعات من قولهم جاءنا عنق من الناس لفوج(4/231)
" صفحة رقم 232 "
منهم وقرىء / خاضعة / و ) ظلت ( عطف على ) ننزل ( عطف وأكن على فأصدق لأنه لو قيل أنزلنا بدله لصح
الشعراء : ( 5 ) وما يأتيهم من . . . . .
) وما يأتيهم من ذكر ( موعظة أو طائفة من القرآن ) من الرحمن ( يوحيه إلى نبيه ) محدث ( مجدد إنزاله لتكرير التذكير وتنويع التقرير ) إلا كانوا عنه معرضين ( إلا جددوا إرضا عنه وإصرارا على ما كانوا عليه
الشعراء : ( 6 ) فقد كذبوا فسيأتيهم . . . . .
) فقد كذبوا ( أي بالذكر بعد إرابضهم وأمعنوا في تكذيبه بحيث أدى بهم إلى الإستهزاء به المخبر به عنهم ضمنا في قوله ) فسيأتيهم ( أي إذا مسهم عذاب الله يوم بدر أو يوم القيامة ) أنباء ما كانوا به يستهزؤون ( من أنه كان حقا أم باطلا وكان حقيقا بأن يصدق ويعظم قدره أو يكذب فيستخف أمره
الشعراء : ( 7 ) أو لم يروا . . . . .
) أو لم يروا إلى الأرض ( أو لم ينظروا إلى عجائبها ) كم أنبتنا فيها من كل زوج ( صنف ) كريم ( محمود كثير المنفعة وهو صفة لكل ما يحمد ويرضى وههنا يحتلم أن تكون مقيدة لما يتضمن الدلالة على القدرة وأن تكون مبينة منبهة على أنه ما من نبت إلا وله فائدة إما وحده أو مع غيره و ) كل ( لإحاطة الزواج ) وكم ( لكثرتها
الشعراء : ( 8 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك ( إن في إنبات تلك الأصناف أو فيكل واحد ) لآية ( على أن منبتها تام القدرة والحكمة سابغ النعمة والرحمة ) وما كان أكثرهم مؤمنين ( في علم الله وقضائه فلذلك لا ينفعهم أمثال هذه الآيات العظام
الشعراء : ( 9 ) وإن ربك لهو . . . . .
) وإن ربك لهو العزيز ( الغالب القادر على الإنتقام من الكفرة ) الرحيم ( حيث أمهلهم أو العزيز في إنتقامه ممن كفر الرحيم لمن تاب وآمن
الشعراء : ( 10 ) وإذ نادى ربك . . . . .
) وإذ نادى ربك موسى ( مقدر باذكر أو ظرف لما بعده ) أن ائت ( أي ) ائت ( أو بأن ) ائت ( ) القوم الظالمين ( بالكفر واستعباد بني إسرائيل وذبح أولادهم
الشعراء : ( 11 ) قوم فرعون ألا . . . . .
) قوم فرعون ( بدل من الأول أو عطف بيان له ولعل الإقتصار على القوم للعلم بأن(4/232)
" صفحة رقم 233 "
فرعون كان أولى بذلك ) ألا يتقون ( استئناف أتبعه إرساله إليهم للإنذار تعجيبا له من إفراطهم في الظلم واجترائهم عليه وقرئ بالتاء على الالتفات إليهم زجرا لهم وغضبا عليهم وهم وإن كان غبيا حينئذ أجروا مجرى الحاضرين في كلام المرسل إليهم من حيث أنه مبلغه إليهم وإسماعه مبدأ إسماعهم مع ما فيه من مزيد الحث على التقوى لمن تدبره وتأمل مورده وقرئ بكسر النون اكتفاء بها عن ياء الإضافة ويحتمل أن يكون بمعنى ألا يا ناس اتقون كقوله ألا يا اسجدوا
الشعراء : ( 12 - 13 ) قال رب إني . . . . .
) قال رب إني أخاف أن يكذبون ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون ( رتب استدعاء ضم أخيه إليه وإشراكه له في الأمر على الأمور الثلاثة خوف التكذيب وضيق القلب انفعالا عنه وازدياد الحبسة في اللسان بانقباض الروح إلى باطن القلب عند ضيقه بحيث لا ينطلق لأنها إذا اجتمعت مست الحاجة إلى معين يقوي قلبه وينوب منابه متى تعتريه حبسه حتى لا تختل دعوته ولا تنبثر حجته وليس ذلك تعللا منه وتوقفا في تلقي الأمر بل طلبا لما يكون معونة على امتثاله وتمهيد عذره فيه وقرأ يعقوب ) ويضيق ( ) ولا ينطلق ( بالنصب عطفا على ) يكذبون ( فيكونان من جملة من خاف منه
الشعراء : ( 14 ) ولهم علي ذنب . . . . .
) ولهم علي ذنب ( أي تبعه ذنب فحذف المضاف أو سمي باسمه والمراد قتل القبطي وإنما سماه ذنبا سماه ذنبا على زعمهم وهذا اختصار قصته المبسوطة في مواضع ) فأخاف أن يقتلون ( به قبل أداء الرسالة وهو أيضا ليس تعللا وإنما هو استدفاع للبلية المتوقعة كما أن ذاك استمداد واستظهار في أمر الدعوة
الشعراء : ( 15 ) قال كلا فاذهبا . . . . .
وقوله ) قال كلا فاذهبا بآياتنا ( إجابة له إلى الطلبتين بوعده بدفع بلائهم اللازم ردعه عن الخوف وضم أخيه إليه في الإرسال والخطاب في ) فاذهبا ( على تغليب الحاضر لأنه معطوف على الفعل الذي يدل عليه ) كلا ( كأنه قيل ارتدع يا موسى عما تظن فاذهب أنت والذي طلبته ) إنا معكم ( يعني موسى وهارون وفرعون ) مستمعون ( سامعون لما يجري بينكما وبينه فأظهركما عليه مثل نفسه تعالى بمن حضر مجادلة قوم استماعا لما يجري بينهم وترقبا لإمداد أوليائه منهم مبالغة في الوعد بالإعانة ولذلك تجوز بالاستماع الذي هو بمعنى الإصغاء للسمع الذي هو مطلق إدراك الحروف والأصوات وهو خبر ثان أو الخبر وحده ) معكم ( لغو
الشعراء : ( 16 ) فأتيا فرعون فقولا . . . . .
) فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين ( أفرد الرسول لأنه مصدر وصف به فإنه مشترك بين المرسل والرسالة قال الشاعر(4/233)
" صفحة رقم 234 "
" لقد كذب الواشون ما فهت عندهم بسر ولا أرسلتهم برسول " ولذلك ثنى تارة وأفراد أخرى أو لاتحادهما للأخوة أو لوحد المرسل والمرسل به أو لأنه أراد أن كل واحد منا
الشعراء : ( 17 ) أن أرسل معنا . . . . .
) أن أرسل معنا بني إسرائيل ( أي أرسل لتضمن الرسول معنى الإرسال المتضمن معنى القول والمراد خلهم ليذهبوا معنا الشام
الشعراء : ( 18 ) قال ألم نربك . . . . .
) قال ( أي فرعون لموسى بعد ما أتيناه فقالا له ذلك ) ألم نربك فينا ( في منازلنا ) وليدا ( طفلا سمي به لقربه من الولادة ) ولبثت فينا من عمرك سنين ( قيل لبث فيهم ثلاثين سنة ثم خرج إلى مدين عشر سنين ثم عاد إليهم يدعوهم إلى الله ثلاثين ثم بقي بعد الغرق خمسين
الشعراء : ( 19 ) وفعلت فعلتك التي . . . . .
) وفعلت فعلتك التي فعلت ( يعني قتل القبطي وبخه به معظما إياه بعدما عدد عليه نعمته وقرئ فعلتك بالكسر لأنها كانت قتلة بالوكز ) وأنت من الكافرين ( بنعمتي حتى عمدت إلى قتل خواصي أو ممن تكفرهم الآن فإنه عليه الصلاة والسلام كان يعايشهم بالتقية فهو حال من إحدى التاءين ويجوز أن يكون حكما مبتدأ عليه بأنه من الكافرين بآلهيته أو بنعمته لما عاد عليه بالمخالفة أو من الذين كانوا يكفرون في دينهم
الشعراء : ( 20 ) قال فعلتها إذا . . . . .
) قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ( من الجاهلين وقد قرئ به والمعنى من الفاعلين فعل أولي الجهل والسفه أو من الخاطئين لأنه لم يتعمد قتله أو من الذاهلين عما يؤول إليه الوكز لأنه أراد به التأديب أو الناسين من قوله تعالى ) أن تضل إحداهما )
الشعراء : ( 21 ) ففررت منكم لما . . . . .
) ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما ( حكمة ) وجعلني من المرسلين ( رد أولا بذلك ما وبخه به قدحا في نبوته ثم كر على ما عد عليه من النعمة ولم يصرح برده لأنه كان صدقا غير قادح في دعواه بل نبه على أنه كان في الحقيقة نقمة لمونه مسببا عنها فقال(4/234)
" صفحة رقم 235 "
الشعراء : ( 22 ) وتلك نعمة تمنها . . . . .
) وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل ( أي وتلك التربية نعمة تمنها علي ظاهرا وهي في الحقيقة تعبيدك بني إسرائيل وقصدهم بذبح أبنائهم فإنه السبب في وقوعي إليك وحصولي في تربيتك وقيل إنه مقدر بهمزة الإنكار أي أو تلك نعمة تمنها علي وهي ) أن عبدت ( ومحل ) أن عبدت ( الرفع على أنه خبر محذوف أو بدل ) نعمة ( أو الجر بإضمار الباء أو النصب بحذفها وقيل تلك إشارة إلى خصلة شنعاء مبهمة و ) أن عبدت ( عطف بيانها والمعنى تعبيدك بني إسرائيل نعمة ) تمنها ( علي وإنما وحد الخطاب في تمنها وجمع فيما قبله لأن المنة كانت منه وحده والخوف والفرار منه ومن ملئه
الشعراء : ( 23 ) قال فرعون وما . . . . .
) قال فرعون وما رب العالمين ( لما سمع جواب ما طعن به فيه ورأى أنه لم يرعو بذلك شرع في الإعتراض على دعواه فبدأ بالإستفسار عن حقيقة المرسل
الشعراء : ( 24 ) قال رب السماوات . . . . .
) قال رب السماوات والأرض وما بينهما ( عرفه بأظهر خواصه وآثاره لما امتنع تعريف الأفراد إلا بذكر الخواص والأفعال وإليه أشار بقوله ) إن كنتم موقنين ( أي إن كنتم موقنين الأشياء محققين لها علمتم أن هذه الأجرام المحسوسة ممكنة لتركبها وتعددها وتغير أ والها فلها مبدىء واجب لذاته وذلك المبدىء لا بد وأن يكون مبدأ لسائر الممكنات ما يمكن أن يحس بها وما ر يمكن وإلا لزم تعدد الواجب أو استغناء بعض الممكنات عنه وكلاهما محال ثم ذلك الواجب لا يمكن تعريفه غلا بلوازمه الخارجية لامتناع التعريف بنفسه وبما هو داخل فيه لا ستحالة التركيب في ذاته
الشعراء : ( 25 ) قال لمن حوله . . . . .
) قال لمن حوله ألا تستمعون ( جوابه سألته عن حقيقته وهو يذكر أفعاله أو يزعم أنه ) رب السماوات ( وهي واجبة متحركة لذاتها كما هو مذهب الدهرية أو غير معلوم افتقارها إلى مؤثر
الشعراء : ( 26 ) قال ربكم ورب . . . . .
) قال ربكم ورب آبائكم الأولين ( عدولا إلى ما لا يمكن أن يتوهم فيه مثله ويشك في افتقاره إلى مصور حكيم ويكون أقرب إلى الناظر وأوضح عند التأمل(4/235)
" صفحة رقم 236 "
الشعراء : ( 27 ) قال إن رسولكم . . . . .
) قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ( اسأله عن شيء ويجيبني عن آخر وسماه رسولا على السخرية
الشعراء : ( 28 ) قال رب المشرق . . . . .
) قال رب المشرق والمغرب وما بينهما ( تشهدون كل يوم أه يأتي بالشمس من المشرق ويحركها على مدار غير مدار اليوم الذي قبله حتى يبلغها إلى المغرب على وجه نافع تنظيم به أمور الكائنات ) إن كنتم تعقلون ( إن كان لكم عقل علمتم أن لاجواب لكم فوق ذلك لا ينهم أولا ثم لما رأى شدة شكيمتهم خاشنهم وعارضهم بمثل مقالهم
الشعراء : ( 29 ) قال لئن اتخذت . . . . .
) قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين ( عدولا إلى التهديد عن المحاجة بعد الإنقطاع وهكذا دين المعاند المحجوج واستدل به على ادعائه الألوهية وإنكاره الصانع وأنت عجبه بقوله ) ألا تستمعون ( من نسبة الربوبية إلى غيره ولعله كان دهريا اعتقد أن من ملك قطرا أو تولى أمره بقوة طالعه استحق العبادة من أهله واللام في ) المسجونين ( للعهد أي ممن عرفت حالهم في سجوني فإنه كان يطرحهم في هوة عميقة حتى يموتوا ولذلك جعل أبلغ من لأسجنك
الشعراء : ( 30 ) قال أولو جئتك . . . . .
) قال أولو جئتك بشيء مبين ( أي أتفعل ذلك ولو جئتك بشيء يبين صدق دعواي يعني المعجزة فإنها الجامعة بين الدلالة على وجود الصانع وحكمته والدلالة على صدق مدعي نبوته فالواو للحال وليها الهمزة بعد حذف الفعل
الشعراء : ( 31 ) قال فأت به . . . . .
) قال فأت به إن كنت من الصادقين ( في أن لك بينة أو في جعواك فإن مدعي النبوة لا بد له من حجة
الشعراء : ( 32 ) فألقى عصاه فإذا . . . . .
) فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ( ظاهر ثعبانيته واشتقاق الثعبان من ثعبت الماء فانثعب إذا فجرته فانفجر
الشعراء : ( 33 ) ونزع يده فإذا . . . . .
) ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين ( روي أن فرعون لما رأى الآية الأولى قال فهل غيرها فأخرج يديه قال فما فيها فأدخلها في إبطة ثم نزعها ولها شعاع يكاد يغشي الأبصار ويسد الأفق(4/236)
" صفحة رقم 237 "
الشعراء : ( 34 ) قال للملإ حوله . . . . .
) قال للملإ حوله ( مستقرين حوله فهو ظرف وقع موقع الحال ) إن هذا لساحر عليم ( فائق في علم السحر
الشعراء : ( 35 ) يريد أن يخرجكم . . . . .
) يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون ( بهره سلطان المعجزة حتى حطه عن دعوى الربوبية إلى مؤامرة القوم وائتمارهم وتنفيرهم وتنفيرهم عن موسى وإظهار الاستشعار عن ظهوره واستيلائه على ملكه
الشعراء : ( 36 ) قالوا أرجه وأخاه . . . . .
) قالوا أرجه وأخاه ( أي أخر أمرهما وقيل احبسهما ) وابعث في المدائن حاشرين ( شرطا يحشرون السحرة
الشعراء : ( 37 ) يأتوك بكل سحار . . . . .
) يأتوك بكل سحار عليم ( يفضلون عليه في المدائن عليه في هذا الفن وأمالها ابن عامر وأبو عمرو والكسائي وقرئ ) بكل ساحر )
الشعراء : ( 38 ) فجمع السحرة لميقات . . . . .
) فجمع السحرة لميقات يوم معلوم ( لما وقت به من ساعات يوم معين وهو وقت الضحى من يوم الزينة
الشعراء : ( 39 ) وقيل للناس هل . . . . .
) وقيل للناس هل أنتم مجتمعون ( فيه استبطاء لهم في الاجتماع حثا على مبادرتهم إليه كقول تأبط شرا " هل أنت باعث دينار لحاجتنا أو عبد رب أخا عون بن مخراق "
الشعراء : ( 40 ) لعلنا نتبع السحرة . . . . .
) لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين ( لعلنا نتبعهم في دينهم إن غلبوا والترجي باعتبار الغلبة المقتضية للاتباع ومقصودهم الأصل أن لا يتبعوا موسى لا أن يتبعوا موسى لا أن يتبعوا السحرة فساقوا الكلام مساق الكناية لأنهم إذا اتبعوهم لم يتبعوا موسى عليه الصلاة والسلام
الشعراء : ( 41 - 42 ) فلما جاء السحرة . . . . .
) فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين ( التزم لهم الأجر والقربة عنده زيادة عليه إن اغلبوا فإذا على ما يقتضيه من الجواب والجزاء وقرئ ) نعم ( بالكسر وهما لغتان
الشعراء : ( 43 ) قال لهم موسى . . . . .
) قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون ( أي بعدما قالوا له ) إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين ((4/237)
" صفحة رقم 238 "
ولم يرد به أمرهم بالسحر والتمويه بل الإذن في تقديم ما هم فاعلوه لا محالة توسلا به إلى إظهار الحق
الشعراء : ( 44 ) فألقوا حبالهم وعصيهم . . . . .
) فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون ( أقسموا بعزته على أن الغلبة لهم لفرط اعتقادهم في أنفسهم أو لإتيانهم بأقصى ما يمكن أن يؤتى به من السحر
الشعراء : ( 45 ) فألقى موسى عصاه . . . . .
) فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ( تبتلع وقرأ حفص ) تلقف ( بالتخفيف ) ما يأفكون ( ما يقبلونه عن وجهه بتمويههم وتزويرهم فيخيلون حبالهم وعصيهم أنها حيات تسعى أو إفكهم تسمية للمأفوك به مبالغة
الشعراء : ( 46 ) فألقي السحرة ساجدين
) فألقي السحرة ساجدين ( لعلمهم بأن مثله لا يتأتى بالسحر وفيه دليل على أن منتهى السحر تمويه وتزويق يخيل شيئا لا حقيقة له وأن التبخر في كل فن نافع وإنما يدل الخرور بالإلقاء ليشاكل ما قبله ويدل على أنهم لما رأوا ما رأوا لم يتمالكوا أنفسهم كأنهم أخذوا فطرحوا على وجوههم وأنه تعالى ألقاهم بما خولهم من التوفيق
الشعراء : ( 47 ) قالوا آمنا برب . . . . .
) قالوا آمنا برب العالمين ( بدل من ) ألقى ( بدل الاشتمال أو حال بإضمار قد
الشعراء : ( 48 ) رب موسى وهارون
) رب موسى وهارون ( إبدال للتوضيح ودفع التوهم والإشعار على أن الموجب لإيمانهم على أيديهما
الشعراء : ( 49 ) قال آمنتم له . . . . .
) قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ( فعلمكم شيئا دون شيء ولذلك غلبكم أو فواعدكم على ذلك وتواطأتم عليه وأراد به التلبيس على قومه كي لا يعتقدوا أنهم أمنوا على بصيرة وظهور حق وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر وروح ) أأمنتم ( بهمزتين ) فلسوف تعلمون ( وبال ما فعلتم وقوله ) لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين ( بيان له
الشعراء : ( 50 ) قالوا لا ضير . . . . .
) قالوا لا ضير ( لا ضرر علينا في ذلك ) إنا إلى ربنا منقلبون ( بما توعدنا به فإن الصبر عليه محاء للذنوب موجب للثواب والقرب من الله تعالى أو بسبب من أسباب الموت والقتل أنفعها وأرجاها(4/238)
" صفحة رقم 239 "
الشعراء : ( 51 ) إنا نطمع أن . . . . .
) إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا ( لأن كنا ) أول المؤمنين ( من أتباع فرعون أو من أهل المشهد والجملة في المعنى تعليل ثان لنفي الضمير أو تعليل للعلة المتقدمة وقرىء ) إن كنا ( على الشرط لهضم النفس وعدم الثقة بالخاتمة أو على طريقة المدل بأمره نحو إن أحسنت إليك فلا تنس حقي
الشعراء : ( 52 ) وأوحينا إلى موسى . . . . .
) وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي ( وذلك بعد سنين أقامها بين أظهرهم يدعوهم إلى الحق ويظهر لهم الآيات فلم يزيدوا إلا عتوا وفسادا وقرأ ابن كثير ونافع ) أن أسر بعبادي ( بكسر النون ووصل الألف من سرى وقرىء / أن سر / من السير ) إنكم متبعون ( يتبعكم فرعون وجنوده وهو علية الأمر بالإسراء أي أسر بهم حتى إذا اتبعوكم مصبحين كان لكم تقدم عليهم بحيث لا يدركونكم قبل وصولكم إلى البحر بل يكونون على أثركم حين تلجون البحر فيدخلون مدخلكم فأطبقه عليهم فأغرقهم
الشعراء : ( 53 ) فأرسل فرعون في . . . . .
) فأرسل فرعون ( حين آخر بسراهم ) في المدائن حاشرين ( العساكر ليتبعوهم
الشعراء : ( 54 ) إن هؤلاء لشرذمة . . . . .
) إن هؤلاء لشرذمة قليلون ( على إرادة القول وإنما استقلهم وكانوا ستمائة ألف وسبعين ألفا بالإضافة إلى جنوده إذ روي أنه خرج وكانت مقدمته سبعمائة ألف والشرذمة الطائفة القليلة ومنها ثوب شراذم لما بلي وتقطع و ) قليلون ( باعتبار أنهم أسباط كل سبط منهم قليل
الشعراء : ( 55 ) وإنهم لنا لغائظون
) وإنهم لنا لغائظون ( لفاعلون ما يغيظنا
الشعراء : ( 56 ) وإنا لجميع حاذرون
) وإنا لجميع حاذرون ( وإنا لجمع من عادتنا الحذر واستعمال الحزم في الأمور أشار أولا إلى عدم ما يمنع اتباعهم من شوكتهم ثم إلى تحقق ما يدعو إليه من فرط عداوتهم ووجوب التيقظ في شأنهم حثا عليه أو اعتذر بذلك إلى أهل المدائن كي لا يظن به ما يكسر سلطانه وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان والكوفيون ) حاذرون ( والأول للثبات والثاني للتجدد وقيل الحاذر المؤدي في السلاح وهو أيضا من الحذر لأن ذلك إنما يفعل حذرا وقرىء ) حاذرون ( بالدال المهملة أي أقوياء قال(4/239)
" صفحة رقم 240 "
" أحب الصبي السوء من أجل أمه وأبغضه من بغضها وهو حادر "
الشعراء : ( 57 ) فأخرجناهم من جنات . . . . .
) فأخرجناهم ( بأن خلقنا داعية الخروج بهذا السبب فحملتهم عليه ) من جنات وعيون )
الشعراء : ( 58 ) وكنوز ومقام كريم
) وكنوز ومقام كريم ( يعني المنازل الحسنة والمجالس البهية
الشعراء : ( 59 ) كذلك وأورثناها بني . . . . .
) كذلك ( مثل ذلك الإخراج أخرجنا فهو مصدر أو مثل ذلك المقام الذين كان لهم على أنه صفة مقام أو الأمر كذلك فيكون خبر المحذوف ) وأورثناها بني إسرائيل )
الشعراء : ( 60 ) فأتبعوهم مشرقين
) فأتبعوهم ( وقرىء ) فأتبعوهم ( ) مشرقين ( داخلين في وقت شروق الشمس
الشعراء : ( 61 ) فلما تراءى الجمعان . . . . .
) فلما تراءى الجمعان ( تقاربا بحيث رأى كل واحد منهما الأخر وقرىء ) تراءت ( الفئتان ) قال أصحاب موسى إنا لمدركون ( لملحقون وقرىء ) لمدركون ( من أدرك الشيء إذا تتابع ففني أي لمتتابعون في الهلاك على أيديهم
الشعراء : ( 62 ) قال كلا إن . . . . .
) قال كلا ( لن يدركوكم فإن الله وعدكم بالخلاص منهم ) إن معي ربي ( بالحفظ والنصرة ) سيهدين ( طريق النجاة منهم روي أن مؤمن آل فرعون كان بين يدي موسى فقال أين أمرت فهذا البحر أمامك وقد غشيك آل فرعون فقال أمرت بالبحر ولعلي أومر بما أصنع(4/240)
" صفحة رقم 241 "
الشعراء : ( 63 ) فأوحينا إلى موسى . . . . .
) فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر ( بحر القلزم أو النيل ) فانفلق ( أي فضرب فانفلق وصار اثني عشر فرقا بينهما مسالك ) فكان كل فرق كالطود العظيم ( كالحبل المنيف الثابت في مقره فدخلوا في شعابها كل سبط في شعب
الشعراء : ( 64 ) وأزلفنا ثم الآخرين
) وأزلفنا ( وقربنا ) ثم الآخرين ( فرعون وقومه حتى دخلوا على أثرهم مداخلهم
الشعراء : ( 65 ) وأنجينا موسى ومن . . . . .
) وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ( بحفظ البحر على تلك الهيئة إلى أن عبروا
الشعراء : ( 66 ) ثم أغرقنا الآخرين
) ثم أغرقنا الآخرين ( بإطباقه عليهم
الشعراء : ( 67 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك لآية ( وأية آية ) وما كان أكثرهم مؤمنين ( وما تنبه عليها أكثرهم إد لم يؤمن بها أحد ممن بقي في مصر من القبط وبنو إسرائيل بعد ما نجوا سألوا بقرة يعبدونها واتخذوا العجل وقالوا ) لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة )
الشعراء : ( 68 ) وإن ربك لهو . . . . .
) وإن ربك لهو العزيز ( المنتقم من أعدائه ) الرحيم ( بأوليائه
الشعراء : ( 69 ) واتل عليهم نبأ . . . . .
) واتل عليهم ( على مشركي العرب ) نبأ إبراهيم )
الشعراء : ( 70 ) إذ قال لأبيه . . . . .
) إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون ( سألهم ليريهم أن ما يعبدونه لا يستحق العبادة
الشعراء : ( 71 ) قالوا نعبد أصناما . . . . .
) قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين ( فأطالوا جوابهم بشرح حالهم معه تبجحا به وافتخارا و ) فنظل ( ها هنا بمعنى ندوم وقيل كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل
الشعراء : ( 72 ) قال هل يسمعونكم . . . . .
) قال هل يسمعونكم ( أيسمعون دعاءكم أو يسمعونكم تدعون فحذف ذلك لدلالة ) إذ تدعون ( عليه وقرئ ) يسمعونكم ( أي يسمعونكم الجواب عن دعائكم ومجيئه مضارعا مع ) إذ ( على حكاية الحال الماضية استحضارا لها
الشعراء : ( 73 ) أو ينفعونكم أو . . . . .
) أو ينفعونكم ( على عبادتكم لها ) أو يضرون ( من أعرض عنها
الشعراء : ( 74 ) قالوا بل وجدنا . . . . .
) قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ( أضربوا عن أن يكون لهم سمع أو يتوقع منهم ضر أو نفع والتجأوا إلى التقليد(4/241)
" صفحة رقم 242 "
الشعراء : ( 75 ) قال أفرأيتم ما . . . . .
) قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون )
الشعراء : ( 76 ) أنتم وآباؤكم الأقدمون
) أنتم وآباؤكم الأقدمون ( فإن التقدم لا يدل على الصحة ولا يتقلب به الباطل حقا
الشعراء : ( 77 ) فإنهم عدو لي . . . . .
) فإنهم عدو لي ( يريد أنهم أعداء لعابديهم من حيث إنهم يتضررون من جهتهم فوق ما يتضرر الرجل من جهة عدوه أو أن المغري بعبادتهم أعدى أعدائهم وهو الشيطان لكنه صور الأمر في نفسه تعريضا لهم فإنه انفع في النصح من التصريح وإشعارا بأنها نصيحة بدأ بها نفسه ليكون أدعى إلى القبول وإفراد العدو لأنه في الأصل مصدر أو بمعنى النسب ) إلا رب العالمين ( استثناء منقطع أو متصل على أن الضمير لكل معبود عبدوه وكان من آبائهم من عبد الله
الشعراء : ( 78 ) الذي خلقني فهو . . . . .
) الذي خلقني فهو يهدين ( لأنه يهدي كل مخلوق لما خلق له من أمور المعاش والمعاد كما قال تعالى ) والذي قدر فهدى ( هداية مدرجة من مبدأ إيجاده إلى منتهى أجله يتمكن بها من جلب المنافع ودفع المضار مبدؤها بالنسبة إلى الإنسان هداية الجنين إلى امتصاص دم الطمث من الرحم ومنهاها الهداية إلى طريق الجنة والتنعم بلذائذها والفاء للسببية إن جعل الموصول مبتدأ وللعطف إن جعل صفة رب العالمين فيكون اختلاف النظم لتقدم الخلق واستمرار الهداية
الشعراء : ( 79 ) والذي هو يطعمني . . . . .
وقوله ) والذي هو يطعمني ويسقين ( على الأول مبتدأ محذوف الخبر لدلالة ما قبله عليه وكذا اللذان بعده وتكرير الموصول على الوجهين للدلالة على أن كل واحدة من الصلات مستقلة باقتضاء الحكم
الشعراء : ( 80 ) وإذا مرضت فهو . . . . .
) وإذا مرضت فهو يشفين ( عطف على ) يطعمني ويسقين ( لأنه من روادفها من حيث إن الصحة والمرض في الأغلب يتبعان المأكول والمشروب وإنما لم ينسب المرض إليه تعالى لأن المقصود تعديد النعم ولا ينتقص بإسناد الإماتة إليه فإن الموت من حيث إنه(4/242)
" صفحة رقم 243 "
لا يحسن به لا ضرر فيه وإنما الضرر في مقدماته وهي المرض ثم إنه لأهل الكمال وصلة إلى نيل المحاب التي تستحقر دونها الحياة الدنيوية وخلاص من أنواع المحن والبليات ولأنت المرض في غالب الأمر إنما يحدث بتفريط من الإنسان في مطامعه ومشاربه وبما اجتماعهما والاعتدال المخصوص عليها قهرا وذلك بقدرة الله العزيز العليم
الشعراء : ( 81 ) والذي يميتني ثم . . . . .
) والذي يميتني ثم يحيين ( في الآخرة
الشعراء : ( 82 ) والذي أطمع أن . . . . .
) والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ( ذكر ذلك هضما لنفسه وتعليما للأمة أن يجتنبوا المعاصي ويكونوا على حذر وطلب لأن يغفر لهم ما يفرط منهم واستغفارا لما عسى يندر منه من الصغائر وحمل الخطيئة على كلماته الثلاث ) إني سقيم ( ) بل فعله كبيرهم هذا ( وقوله هي أختي ضعيف لأنها معاريض وليس خطايا
الشعراء : ( 83 ) رب هب لي . . . . .
) رب هب لي حكما ( كما في العلم والعمل أستعد به لخلافة الحق ورياسة الخلق ) وألحقني بالصالحين ( ووفقني للكمال في العمل لأنتظم به في عداد الكاملين في الصلاح الذين لا يشوب صلاحهم كبير ذنب ولا صغيره
الشعراء : ( 84 ) واجعل لي لسان . . . . .
) واجعل لي لسان صدق في الآخرين ( جاها وحسن صيت في الدنيا يبقى أثره إلى يوم الدين ولذلك ما من أمة إلا وهم محبون له مثنون عليه أو صادقا من ذريتي يجدد أصل ديني ويدعو الناس إلى ما كنت أدعوهم إليه وهو محمد ( صلى الله عليه وسلم )
الشعراء : ( 85 ) واجعلني من ورثة . . . . .
) واجعلني من ورثة جنة النعيم ( في الآخرة وقد مر معنى الوراثة فيها
الشعراء : ( 86 ) واغفر لأبي إنه . . . . .
) واغفر لأبي ( بالهداية والتوفيق للإيمان ) إنه كان من الضالين ( طريق الحق(4/243)
" صفحة رقم 244 "
وإن كان هذا الدعاء بعد موته فلعله كان يخفي الإيمان تقية من نمرود ولذلك وعده به أو لأن لم يمنع بعد من الاستغفار للكفار
الشعراء : ( 87 ) ولا تخزني يوم . . . . .
) ولا تحزني ( بمعاتبتي على ما فرطت أو بنقص رتبتي عن رتبة بعض الوارث أو بتعذيبي لخفاء العاقبة وجواز التعذيب عقلا أو بتعذيب والدي أو ببعثه في عداد الضالين وهو من الخزي بمعنى الهوان أو من الخزاية بمعنى الحياء ) يوم يبعثون ( الضمير للعباد لأنهم معلومون أو ل ) الضالين )
الشعراء : ( 88 - 89 ) يوم لا ينفع . . . . .
) يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ( أي لا ينفعان أحدا إلا مخلصا سليم القلب عن الكفر وميل المعاصي وسائر آفاته أو لاينفعان إلا مال من هذا شأنه وبنوه حيث أنفق ماله في سبيل البر وأرشد بنيه إلى الحق وحثهم على الخير وقصد بهم أن يكونوا عباد الله مطيعين شفعاء له يوم القيامة وقيل الاستثناء مما دل عليه المال والبنون أي لا ينفع غنى إلا غناه وقيل منقطع والمعنى لكن سلامة ) من أتى الله بقلب سليم ( تنفعه
الشعراء : ( 90 ) وأزلفت الجنة للمتقين
) وأزلفت الجنة للمتقين ( بحيث يرونها من الموقف فيتبجحون بأنهم المحشورون إليها
الشعراء : ( 91 ) وبرزت الجحيم للغاوين
) وبرزت الجحيم للغاوين ( فيرونها مكشوفة ويتحسرون على أنهم المسوقون إليها وفي اختلاف الفعلين ترجيح لجانب الوعد
الشعراء : ( 92 ) وقيل لهم أين . . . . .
) وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون ( أين آلهتكم الذين تزعمون أنهم شفعاؤكم
الشعراء : ( 93 ) من دون الله . . . . .
) من دون الله هل ينصرونكم ( بدفع العذاب عنكم ) أو ينتصرون ( بدفعه عن أنفسهم لأنهم وآلهتهم يدخلون النار كما قال
الشعراء : ( 94 ) فكبكبوا فيها هم . . . . .
) فكبكبوا فيها هم والغاوون ( أي الآلهة وعبدتهم والكبكبة تكرير لاكب لتكرير معناه كأن من ألقي في النار ينكب مرة بعد أخرى حتى يستقر في قعرها
الشعراء : ( 95 ) وجنود إبليس أجمعون
) وجنود إبليس ( متبعوه من عصاة الثقلين أو شياطينه ) أجمعون ( تأكيد لل ) جنود ( إن جعل مبتدأ خبره ما بعده أو للضمير و ) ما ( عطف عليه وكذا الضمير المنفصل وما يعود إليه في قوله(4/244)
" صفحة رقم 245 "
الشعراء : ( 96 - 97 ) قالوا وهم فيها . . . . .
) قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين ( على أن الله ينطق الأصنام فتخاصم العبدة ويؤيده الخطاب في قوله
الشعراء : ( 98 ) إذ نسويكم برب . . . . .
) إذ نسويكم برب العالمين ( أي في استحقاق العبادة ويجوز أن تكون الضمائر للعبد كما في ) قالوا ( والخطاب للمبالغة في التحسر والندامة والمعنى أنهم مع تخاصمهم في مبدأ ضلالهم معترفون بانهماكهم في الضلالة متحسرون عليها
الشعراء : ( 99 ) وما أضلنا إلا . . . . .
) وما أضلنا إلا المجرمون )
الشعراء : ( 100 ) فما لنا من . . . . .
) فما لنا من شافعين ( كما للمؤمنين من الملائكة والأنبياء
الشعراء : ( 101 ) ولا صديق حميم
) ولا صديق حميم ( إذ الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين أو فما لنا من شافعين ولا صديق ممن نعدهم شفعاء وأصدقاء أو وقعنا في مهلكة لا يخلصنا منها شافع ولا صديق وجمع الشافع ووحدة ال ) صديق ( لكثرة الشفعاء في العادة وقلة الصديق أو لأن ال ) صديق ( الواحد يسعى أكثر مما يسعى الشفعاء أو لإطلاق ال ) صديق ( على الجمع كالعدو لأنه في الأصل مصدر كالحنين والصهيل
الشعراء : ( 102 ) فلو أن لنا . . . . .
) فلو أن لنا كرة ( تمن للرجعة اقيم فيه ) لو ( مقام ليت لتلاقيهما في معنى التقدير أو شرط حذف جوابه ) فنكون من المؤمنين ( جواب التمني أو عطف على ) كرة ( أي لو أن لنا أن نكر فنكون من المؤمنين
الشعراء : ( 103 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك ( أي فيما ذكر من قصة إبراهيم ) لآية ( لحجة وعظة لمن أراد أن يستبصر بها ويعتبر فإنها جاءت على أنظم ترتيب وأحسن تقرير يتفطن المتأمل فيها لغزارة علمه لما فيها من الإشارة إلى أصول العلوم الدينية والتنبيه على دلائلها وحسن دعوته للقوم وحسن مخالفته معهم وكمال إشفاقه عليهم وتصور الأمر في نفسه وإطلاق الوعد(4/245)
" صفحة رقم 246 "
والوعيد على سبيل الحكاية تعريضا وإيقاظا لهم ليكون أدعى لهم إلى الاستماع والقول ) وما كان أكثرهم ( أكثر قومه ) مؤمنين )
الشعراء : ( 104 ) وإن ربك لهو . . . . .
) وإن ربك لهو العزيز ( القادر على تعجيل الانتقام ) الرحيم ( بالإمهال لكي يؤمنوا هم أو أحد من ذريتهم
الشعراء : ( 105 ) كذبت قوم نوح . . . . .
) كذبت قوم نوح المرسلين ( ال ) قوم ( مؤنثة ولذلك تصغر على قويمة وقد مر الكلام في تكذيبهم المرسلين
الشعراء : ( 106 ) إذ قال لهم . . . . .
) إذ قال لهم أخوهم نوح ( لنه كان منهم ) ألا تتقون ( الله فتتركوا عبادة غيره
الشعراء : ( 107 ) إني لكم رسول . . . . .
) إني لكم رسول أمين ( مشهور بالأمانة فيكم
الشعراء : ( 108 ) فاتقوا الله وأطيعون
) فاتقوا الله وأطيعون ( فيما أمركم به من التوحيد والطاعة لله سبحانه
الشعراء : ( 109 ) وما أسألكم عليه . . . . .
) وما أسألكم عليه ( على ما أنا عليه من الدعاء والنصح ) من أجر إن أجري إلا على رب العالمين )
الشعراء : ( 110 ) فاتقوا الله وأطيعون
) فاتقوا الله وأطيعون ( كرره للتأكيد والتنبيه على دلالة كل واحد من أمانته وحسم طمعه على وجوب طاعته فيما يدعوهم إليه فكيف إذا اجتمعا وقرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو وحفص بفتح الياء في ) أجري ( في الكلمات الخمس
الشعراء : ( 111 - 112 ) قالوا أنؤمن لك . . . . .
) قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون ( الأقلون جاها ومالا جمع الأرذل على الصحة وقرأ يعقوب / وأتباعك / وهو جمع تابع كشاهد وأشهاد أو تبع كبطل وأبطال وهذا من سخافة عقلهم وقصور رأيهم على الحطام الدنيوية حتى جعلوا أتباع المقلين فيها مانعا عن أتباعهم وإيمانهم بم يدعوهم إليه ودليلا على بطلانه وأشاروا بذلك إلى أن أتباعهم ليس عن نظر وبصيرة وإنما هو لتوقع مال ورفعة فلذلك ) قال وما علمي بما كانوا يعملون ( إنهم عملوه إخلاصا أو طمعا في طعمة وما علي إلا اعتبار الظاهر
الشعراء : ( 113 ) إن حسابهم إلا . . . . .
) إن حسابهم إلا على ربي ( ما حسابهم على بواطنهم إلا على الله فإنه المطلع عليها ) لو تشعرون ( لعلمتم ذلك ولكنكم تجهلون فتقولون ما لا تعلمون
الشعراء : ( 113 ) إن حسابهم إلا . . . . .
) وما أنا بطارد المؤمنين ( جواب لما أوهم قولهم من استدعاء طردهم وتوقيف إيمانهم عليه حيث جعلوا أتباعهم المانع عنه
الشعراء : ( 115 ) إن أنا إلا . . . . .
وقوله(4/246)
" صفحة رقم 247 "
) إن أنا إلا نذير مبين ( كالعلة له أي ما أنا إلا رجل مبعوث لإنذار المكلفين عن الكفر والمعاصي سواء كانوا أعزاء أو أذلاء فكيف يليق بي طرد الفقراء لاستتباع الأغنياء أو ما علي إلا إنذاركم إنذارا بينا بالبرهان الواضح فلا علي أن أطردهم لاسترضائكم
الشعراء : ( 116 ) قالوا لئن لم . . . . .
) قالوا لئن لم تنته يا نوح ( عما تقول ) لتكونن من المرجومين ( من المشتومين أو المضروبين بالحجارة
الشعراء : ( 117 ) قال رب إن . . . . .
) قال رب إن قومي كذبون ( إظهارا لما يدعو عليهم لأجله وهو تكذيب الحق لا تخويفهم له واستخفافهم عليه
الشعراء : ( 118 ) فافتح بيني وبينهم . . . . .
) فافتح بيني وبينهم فتحا ( فاحكم بيني وبينهم من الفتاحة ) ونجني ومن معي من المؤمنين ( من قصدهم أو شؤم عملهم
الشعراء : ( 119 ) فأنجيناه ومن معه . . . . .
) فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ( المملوء
الشعراء : ( 120 ) ثم أغرقنا بعد . . . . .
) ثم أغرقنا بعد ( بعد إنجائه ) الباقين ( من قومه
الشعراء : ( 121 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك لآية ( شاعت وتواترت ) وما كان أكثرهم مؤمنين )
الشعراء : ( 122 ) وإن ربك لهو . . . . .
) وإن ربك لهو العزيز الرحيم )
الشعراء : ( 123 ) كذبت عاد المرسلين
) كذبت عاد المرسلين ( أنثه باعتبار القبيلة وهو في الأصل اسم أبيه
الشعراء : ( 124 ) إذ قال لهم . . . . .
) إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون )
الشعراء : ( 125 ) إني لكم رسول . . . . .
) إني لكم رسول أمين )
الشعراء : ( 126 ) فاتقوا الله وأطيعون
) فاتقوا الله وأطيعون )
الشعراء : ( 127 ) وما أسألكم عليه . . . . .
) وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ( تصدير القصص بها دلالة على أن البعثة مقصورة على الدعاء إلى معرفة الحق فيما يقرب المدعو إلى ثوابه ويبعده عن عقابه وكان الأنبياء متفقين على ذلك وإن اختلفوا في بعض التفاريع مبرئين عن المطامع الدنيئة والأغراض الدنيوية
الشعراء : ( 128 ) أتبنون بكل ريع . . . . .
) أتبنون بكل ريع ( بكل مكان مرتفع ومنه ريع الأرض لارتفاعها ) آية ( علما للمارة ) تعبثون ( ببنائها إذ كانوا يهتدون بالنجوم في اسفارهم فلا يحتاجون إليها أو(4/247)
" صفحة رقم 248 "
بروج الحمام أو بنيانا يجتمعون إليه للعبث بمن يمر عليهم أو قصورا يفتخرون بها
الشعراء : ( 129 ) وتتخذون مصانع لعلكم . . . . .
) وتتخذون مصانع ( مآخذ الماء وقيل فصورا مشيدة وحصونا ) لعلكم تخلدون ( فتحكمون بنيانها
الشعراء : ( 130 ) وإذا بطشتم بطشتم . . . . .
) وإذا بطشتم ( بسيف أو سوط ) بطشتم جبارين ( متسلطين غاشمين بلا رأفة ولا قصد تأديب ونظر في العاقبة
الشعراء : ( 131 ) فاتقوا الله وأطيعون
) فاتقوا الله ( بترك هذه الأشياء ) وأطيعون ( فيما أدعوكم إليه فإنه أنفع لكم
الشعراء : ( 132 ) واتقوا الذي أمدكم . . . . .
) واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون ( كرره مرتبا على إمداد الله تعالى إياهم بما يعرفونه من أنواع النعم تعليلا وتنبيها على الوعد عليه بدوام الإمداد والوعيد على تركه بالانقطاع
الشعراء : ( 133 - 134 ) أمدكم بأنعام وبنين
ثم فصل بعض تلك النعم كما فصل بعض مساويهم المدلول عليها إجمالا بالإنكار في ) ألا تتقون ( مبالغة في الإيقاظ والحث على التقوى فقال ) أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون )
الشعراء : ( 135 ) إني أخاف عليكم . . . . .
ثم أوعدهم فقال ) إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ( في الدنيا والآخرة فإنه كما قدر على الانتقام
الشعراء : ( 136 ) قالوا سواء علينا . . . . .
) قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين ( فإنا لا نرعوي عما نحن عليه وتغيير شق النفي عما تقتضيه المقابلة للمبالغة في قلة اعتدادهم بوعظه
الشعراء : ( 137 ) إن هذا إلا . . . . .
) إن هذا إلا خلق الأولين ( ما هذا الذي جئتنا به إلا كذب الأولين أو ما خلقنا هذا إلا خلقهم نحيا ونموت مثلهم ولا بعث ولا حساب وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة ) خلق الأولين ( بضمتين أي ما هذا الذي جئت به إلا عادة الأولين كانوا يلفقون مثله أو ما هذا الذي نحن عليه من الدين إلا خلق الأولين وعادتهم ونحن بهم مقتدون أو ما هذا الذي نحن عليه من الحياة والموت إلا عادة قديمة لم تزل الناس عليها
الشعراء : ( 138 ) وما نحن بمعذبين
) وما نحن بمعذبين ( على نحن عليه
الشعراء : ( 139 ) فكذبوه فأهلكناهم إن . . . . .
) فكذبوه فأهلكناهم ( بسبب التكذيب بريح صرصر ) إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين ((4/248)
" صفحة رقم 249 "
الشعراء : ( 140 ) وإن ربك لهو . . . . .
) وإن ربك لهو العزيز الرحيم )
الشعراء : ( 141 ) كذبت ثمود المرسلين
) كذبت ثمود المرسلين )
الشعراء : ( 142 ) إذ قال لهم . . . . .
) إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون )
الشعراء : ( 143 ) إني لكم رسول . . . . .
) إني لكم رسول أمين )
الشعراء : ( 144 ) فاتقوا الله وأطيعون
) فاتقوا الله وأطيعون )
الشعراء : ( 145 ) وما أسألكم عليه . . . . .
) وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين )
الشعراء : ( 146 ) أتتركون في ما . . . . .
) أتتركون في ما ها هنا آمنين ( إنكار لأن يتركوا كذلك أو تذكير في تخلية الله إياهم وأسباب تنعمهم ) آمنين ( إنكار لأن يتركوا كذلك أو تذكير للنعمة في تخلية الله إياهم وأسباب تنعمهم آمنين
الشعراء : ( 147 ) في جنات وعيون
ثم فسره بقوله ) في جنات وعيون )
الشعراء : ( 148 ) وزروع ونخل طلعها . . . . .
) وزروع ونخل طلعها هضيم ( لطيف لين للطف الثمر أو لأن النخل أنثى وطلع وأناث النخل ألطف وهو ما يطلع منها كنصل السيف في جوفه شماريخ القنو أو متدل منكسر من كثرة الحمل وإفراد ال ) نخل ( لفضله على سائر أشجار الجنات أو لأن المراد بها غيرها من الأشجار
الشعراء : ( 149 ) وتنحتون من الجبال . . . . .
) وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين ( بطريف أو حاذفين من الفراهة وهي النشاط فإن الحاذق يعمل بنشاط وطيب قلب وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو / فرهين / وهو أبلغ من ) فارهين )
الشعراء : ( 150 - 151 ) فاتقوا الله وأطيعون
) فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين ( استعير الطاعة التي هي انقياد الأمر لامتثال الأمر أو نسب حكم الآمر إلى أمره مجازا
الشعراء : ( 152 ) الذين يفسدون في . . . . .
) الذين يفسدون في الأرض ( وصف موضع لإسرافهم ولذلك عطف ) ولا يصلحون ( على يفسدون دلالة على خلوص فسادهم
الشعراء : ( 153 - 154 ) قالوا إنما أنت . . . . .
) قالوا إنما أنت من المسحرين ( الذين سحروا كثيرا حتى غلب على عقلهم أو من ذوي السحر وهي الرئة أي من الأناسي فيكون ) ما أنت إلا بشر مثلنا ( تأكيدا له ) فأت بآية إن كنت من الصادقين ( في دعواك
الشعراء : ( 155 ) قال هذه ناقة . . . . .
) قال هذه ناقة ( أي بعدما أخرجها الله من الصخرة بدعائه كما اقترحوها ) لها شرب ((4/249)
" صفحة رقم 250 "
نصيب من الماء كالسقي وألقيت للحظ من السقي والقوت وقرئ بالضم ) ولكم شرب يوم معلوم ( فاقتصروا على شربكم ولا تزاحموها في شربها
الشعراء : ( 156 ) ولا تمسوها بسوء . . . . .
) ولا تمسوها بسوء ( كضرب وعقر ) فيأخذكم عذاب يوم عظيم ( عظم اليوم لعظم ما يحل فيه وهو أبلغ من تعظيم العذاب
الشعراء : ( 157 ) فعقروها فأصبحوا نادمين
) فعقروها ( أسند العقر إلى كلهم لأن عاقرها إنما عقرها برضاهم ولذلك أخذوا جميعا ) فأصبحوا نادمين ( على عقرها خوفا من حلول العذاب لا توبة أو عند معاينة العذاب ولذلك لا ينفعهم
الشعراء : ( 158 ) فأخذهم العذاب إن . . . . .
) فأخذهم العذاب ( أي العذاب الموعود ) إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين ( في نفي الإيمان عن أكثرهم في هذا المعرض إيماء بأنه لو آمن أكثرهم أو شطرهم لما أخذوا بالعذاب وإن قريشا إنما عصموا من مثل ببركة من آمن منهم
الشعراء : ( 159 ) وإن ربك لهو . . . . .
) وإن ربك لهو العزيز الرحيم )
الشعراء : ( 160 ) كذبت قوم لوط . . . . .
) كذبت قوم لوط المرسلين )
الشعراء : ( 160 ) كذبت قوم لوط . . . . .
) إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون )
الشعراء : ( 162 ) إني لكم رسول . . . . .
) إني لكم رسول أمين )
الشعراء : ( 163 ) فاتقوا الله وأطيعون
) فاتقوا الله وأطيعون )
الشعراء : ( 164 ) وما أسألكم عليه . . . . .
) وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين )
الشعراء : ( 165 ) أتأتون الذكران من . . . . .
) أتأتون الذكران من العالمين ( أتأتون من بين عداكم من العالمين الذكران لا يشارككم فيه غيركم أو أتأتون الذكران من أولاد آدم مع كثرتهم وغلبة الإناث فيهم كأنهن قد أعوزنكم فالمراد ب ) العالمين ( على الأول كل من ينكح وعلى الثاني الناس
الشعراء : ( 166 ) وتذرون ما خلق . . . . .
) وتذرون ما خلق لكم ( لأجل استمتاعكم ) ربكم من أزواجكم ( للبيان إن أريد به جنس الإناث أو للتبعيض إن أريد به العضو المباح منهن فيكون تعريضا بأنهم كانوا يفعلون مثل ذلك بنسائهم أيضا ) بل أنتم قوم عادون ( متجاوزون عن حد الشهوة حيث زادوا على سائر الناس بل الحيوانات أو مفرطون في المعاصي وهذا من جملة ذاك أو أحقاء بأن توصفوا بالعدوان لارتكابكم هذه الجريمة(4/250)
" صفحة رقم 251 "
الشعراء : ( 167 ) قالوا لئن لم . . . . .
) قالوا لئن لم تنته يا لوط ( عما تدعيه أو عن نهينا وتقبيح أمرنا ) لتكونن من المخرجين ( من المنفيين من بين أظهرنا ولعلهم كانوا يخرجون من أخرجوه على عنف وسوء حال
الشعراء : ( 168 ) قال إني لعملكم . . . . .
) قال إني لعملكم من القالين ( من المبغضين غاية البعض لا أقف عن الإنكار عليه بالإيعاد وهو أبلغ من أن يقول ) إني لعملكم ( قال لدلالته على أنه معدود في زمرتهم مشهور بأنه من جملتهم
الشعراء : ( 169 ) رب نجني وأهلي . . . . .
) رب نجني وأهلي مما يعملون ( أي من شؤمه وعذابه
الشعراء : ( 170 ) فنجيناه وأهله أجمعين
) فنجيناه وأهله ( مما يعلمون أهل بيته والمتبعين له على دينه بإخراجهم من بينهم وقت حلول العذاب بهم
الشعراء : ( 171 ) إلا عجوزا في . . . . .
) إلا عجوزا ( هي أمرأة لوط ) في الغابرين ( مقدرة في الباقين في العذاب إذ أصابها حجر في الطريق فأهلكها لأنها كانت مائلة إلى القزم راضية بفعلهم وقيل كائنة فيمن بقي في القرية فإنها لم تخرج مع لوط
الشعراء : ( 172 ) ثم دمرنا الآخرين
) ثم دمرنا الآخرين ( أهلكناهم
الشعراء : ( 173 ) وأمطرنا عليهم مطرا . . . . .
) وأمطرنا عليهم مطرا ( وقيل أمطر الله على شذاذ القوم حجارة فأهلكهم ) فساء مطر المنذرين ( اللام فيه للجنس حتى يصح وقوع المضاف إليه فاعل ساء والمخصوص بالذم محذوف وهو مطرهم
الشعراء : ( 174 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين )
الشعراء : ( 175 ) وإن ربك لهو . . . . .
) وإن ربك لهو العزيز الرحيم )
الشعراء : ( 176 - 177 ) كذب أصحاب الأيكة . . . . .
) كذب أصحاب الأيكة المرسلين ( الأيكة غيظة تنبت ناعم الشجر يريد غيضة بقرب مدين تسكنها طائفة فبعث الله إليهن شعيبا كما بعثه إلى مدين وكان أجنبيا منهم فلذلك قال ) إذ قال لهم شعيب ألا تتقون ( ولم يقل أخوهم شعيب وقيل الأيكة شجرة ملتف وكان شجرهم الدوم وهو المقل وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر / ليكة / بحذف الهمزة وإبقاء حركتها على اللام وقرئت كذلك مفتوحة على أنه ليكة وهي اسم بلدتهم وإنما كتبت ها هنا وفي ص بغير ألف أتباعا للفظ
الشعراء : ( 178 ) إني لكم رسول . . . . .
) إني لكم رسول أمين )
الشعراء : ( 179 ) فاتقوا الله وأطيعون
) فاتقوا الله وأطيعون )
الشعراء : ( 180 ) وما أسألكم عليه . . . . .
) وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ((4/251)
" صفحة رقم 252 "
الشعراء : ( 181 ) أوفوا الكيل ولا . . . . .
) وأوفوا الكيل ( أتموه ) ولا تكونوا من المخسرين ( الناقصين حقوق الناس بالتطفيف
الشعراء : ( 182 ) وزنوا بالقسطاس المستقيم
) وزنوا بالقسطاس المستقيم ( بالميزان السوي وهو إن كان عربيا فإن كان من القسط ففعلاس بتكرير العين وإلا ففعلال وقرأ حمزة والكسائي وحفص بكسر القاف
الشعراء : ( 183 ) ولا تبخسوا الناس . . . . .
) ولا تبخسوا الناس أشياءهم ( ولا تنقصوا شيئا من حقوقهم ) ولا تعثوا في الأرض مفسدين ( بالقتل والغارة وقطع الطريق
الشعراء : ( 184 ) واتقوا الذي خلقكم . . . . .
) واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين ( وذوي الجبلة الأولين يعني من تقدمهم من الخلائق
الشعراء : ( 185 - 186 ) قالوا إنما أنت . . . . .
) قالوا إنما أنت من المسحرين وما أنت إلا بشر مثلنا ( أتوا بالواو وللدلالة على أنه جامع بي وصفين متنافين للرسالة مبالغة في تكذيبه ) وإن نظنك لمن الكاذبين ( في دعواك
الشعراء : ( 187 ) فأسقط علينا كسفا . . . . .
) فأسقط علينا كسفا من السماء ( قطعة منها ولعله جواب لما اشعر به الأمر بالتقوى من التهديد وقرأ حفص بفتح السين ) إن كنت من الصادقين ( فيدعواك
الشعراء : ( 188 ) قال ربي أعلم . . . . .
) قال ربي أعلم بما تعملون ( وبعذابه منزل عليكم ما أوجبه لكم عليه في وقته المقدر له لا محالة
الشعراء : ( 189 ) فكذبوه فأخذهم عذاب . . . . .
) فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة ( على نحو ما اقترحوا بأن سلط الله عليهم البحر سبعة أيام حتى غلت أنهارهم وأظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا ) إنه كان عذاب يوم عظيم )
الشعراء : ( 190 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين )
الشعراء : ( 191 ) وإن ربك لهو . . . . .
) وإن ربك لهو العزيز الرحيم ( هذا آخر القصص السبع المذكورة على سبيل الإختصار تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتهديدا للمكذبين به وإطراد نزول العذاب على تكذيب الأمم بعد أنزال الرسل به واقتراحهم له استهزاء وعدم مبالاة به يدفع أن يقال إنه كان بسبب اتصالات فلكية أو كان ابتلاء لهم لا مؤاخذة على تكذيبهم
الشعراء : ( 192 ) وإنه لتنزيل رب . . . . .
) وإنه لتنزيل رب العالمين )
الشعراء : ( 193 ) نزل به الروح . . . . .
) نزل به الروح الأمين )
الشعراء : ( 194 ) على قلبك لتكون . . . . .
) على قلبك ( تقرير لحقية تلك القصص وتنبيه على إعجاز القرآن ونبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فإن الإخبار عنها ممن لم يتعلمها لا يكون إلا وحيا من اله عز وجل والقلب إن أراد به(4/252)
" صفحة رقم 253 "
الروح فذاك وإن أرادبه العضو فتخصيصه لأن المعاني الروحانية إنما تنزل أولا على الروح ثم تنقل منه إلى القلب لما بينهما من التعلق ثم تتصعد منه إلى الدماغ فينتفش بها لوح المتخيلة و ) الروح الأمين ( جبريل عليه الصلاة والسلام فإنه أمين الله على وحيه وقرأ ابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي بتشديد الزاي ونصب ) الروح الأمين ( ) لتكون من المنذرين ( عما يؤدي إلى عذاب من فعل أو ترك
الشعراء : ( 195 ) بلسان عربي مبين
) بلسان عربي مبين ( واضح المعنى لئلا يقولوا ما نصنع بما لا نفهمه فهو متعلق ب ) نزل ( ويجوز أن يتعلق بالمنذرين أي لتكون ممن أنذروا بلغة العرب وهم هود وصالح وإسماعيل وشعيب ومحمد عليهم الصلاة والسلام
الشعراء : ( 196 ) وإنه لفي زبر . . . . .
) وإنه لفي زبر الأولين ( وإن ذكره أو معناه لفي الكتب المتقدمة
الشعراء : ( 197 ) أو لم يكن . . . . .
) أو لم يكن لهم آية ( على صحة القرآن أو نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) أن يعلمه علماء بني إسرائيل ( أن يعرفوه بنعته المذكور فيكتبهم وهو تقرير لكونه دليلا وقرأ ابن عامر تكن بالتاء و ) آية ( بالرفع على أنها الأسم والخبر ) لهم ( و ) أن يعلمه ( بدل أو الفاعل و ) أن يعلمه ( بدل و هم حال أو أن الإسم ضمير القصة و ) آية ( خبر ) أن يعلمه ( والجملة خبرتكن
الشعراء : ( 198 ) ولو نزلناه على . . . . .
) ولو نزلناه على بعض الأعجمين ( كما هو زيادة في إعجازه أو بلغة العجم
الشعراء : ( 199 ) فقرأه عليهم ما . . . . .
) فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين ( لفرط عنادهم واستكبارهم أو لعدم فهمهم واستنكافهم من أتباع العجم و ) الأعجمين ( جمع أعجمي على التخفيف ولذلك جمع جمع السلامة
الشعراء : ( 200 ) كذلك سلكناه في . . . . .
) كذلك سلكناه ( أدخلناه ) في قلوب المجرمين ( والضمير للكفر المدلول عليه بقوله ) ما كانوا به مؤمنين ( فتدل الآية على أنه بخلق الله وقيل للقرآن أي أدخلناه فيها فعرفوا معانيه وإعجازه ثم لم يؤمنوا به عنادا
الشعراء : ( 201 ) لا يؤمنون به . . . . .
) لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم ( الملجىء إلى الإيمان
الشعراء : ( 202 ) فيأتيهم بغتة وهم . . . . .
) فيأتيهم بغتة ( في الدنيا والآخرة ) وهم لا يشعرون ( بإتيانه(4/253)
" صفحة رقم 254 "
الشعراء : ( 203 ) فيقولوا هل نحن . . . . .
) فيقولوا هل نحن منظرون ( تحسرا وتأسفا
الشعراء : ( 204 ) أفبعذابنا يستعجلون
) أفبعذابنا يستعجلون ( فيقولون أمطر علينا حجارة من السماء ) فأتنا بما تعدنا ( وحالهم عند نزول العذاب طلب النظرة
الشعراء : ( 205 ) أفرأيت إن متعناهم . . . . .
) أفرأيت إن متعناهم سنين )
الشعراء : ( 206 ) ثم جاءهم ما . . . . .
) ثم جاءهم ما كانوا يوعدون )
الشعراء : ( 207 ) ما أغنى عنهم . . . . .
) ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون ( ليغن عنهم تمتعهم المتطاول في دفع العذاب وتخفيفه
الشعراء : ( 208 ) وما أهلكنا من . . . . .
) وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون ( أنذروا أهلها إلزاما للحجة
الشعراء : ( 209 ) ذكرى وما كنا . . . . .
) ذكرى ( تذكرة ومحلها النصب على العلة أو المصدر لأنها في معنى الإنذار أو الرفع على أنها صفة ) منذرون ( بإضمار ذوو أو بجعلهم ذكرى لإمعانهم في التذكرة أو خبر محذوف والجملة اعتراضية ) وما كنا ظالمين ( فنهلك غير الظالمين أو قبل الإنذار
الشعراء : ( 210 ) وما تنزلت به . . . . .
) وما تنزلت به الشياطين ( كما زعم المشركون أنه من قبيل ما يلقى الشياطين على الكهنة
الشعراء : ( 211 ) وما ينبغي لهم . . . . .
) وما ينبغي لهم ( وما يصح لهم أن يتنزلوا به ) وما يستطيعون ( وما يقدرون
الشعراء : ( 212 ) إنهم عن السمع . . . . .
) إنهم عن السمع ( لكلام الملائكة ) لمعزولون ( لأنه مشروط بمشاركة في صفاء الذات وقبول فيضان الحق والإنتقاش بالصور المكلوتية ونفوسهم خبيثة ظلمانية(4/254)
" صفحة رقم 255 "
شريرة بالذات لا تقبل ذلك والقرآن مشتمل على حقائق ومغيبات لا يمكن تلقيها إلا من الملائكة
الشعراء : ( 213 ) فلا تدع مع . . . . .
) فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين ( تهييج لازياد الإخلاص ولطف لسائر المكلفين
الشعراء : ( 214 ) وأنذر عشيرتك الأقربين
) وأنذر عشيرتك الأقربين ( الأقرب منهم فالأقرب فإن الإهتمام بشأنهم أهم روي أنه لما صعد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الصفا وناداهم فخذا فخذا حتى اجتمعوا إليه فقال أخبرتكم أن بسفح هذا الجبل خيلا أكنتم مصدقي قالوا نعم قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد
الشعراء : ( 215 ) واخفض جناحك لمن . . . . .
) واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ( لين جانبك لهم مستعار من خفض الطائر جناحه إذا أراد أن ينحط و ) من ( للتبيين لأن من اتبع أعم ممن اتبع لدين أو غيره أو للتبغيض على أن المراد ) من المؤمنين ( المشارفون للإيمان أو المصدقون باللسان
الشعراء : ( 216 ) فإن عصوك فقل . . . . .
) فإن عصوك ( ولم يتبعوك ) فقل إني بريء مما تعملون ( بما تعلمونه أو من أعمالكم
الشعراء : ( 217 ) وتوكل على العزيز . . . . .
) وتوكل على العزيز الرحيم ( الذي يقدر على قهر أعدائه ونصر أوليائه يكفك شر من يعصيك منهم ومن غيرهم وقرأ نافع وابن عامر ) فتوكل ( على الإبدال من جواب الشرط
الشعراء : ( 218 ) الذي يراك حين . . . . .
) الذي يراك حين تقوم ( إلى التهجد
الشعراء : ( 219 ) وتقلبك في الساجدين
) وتقلبك في الساجدين ( وترددك في تصفح أحوال المجتهدين كما روي أنه عليه السلام لما نسخ قيام فرض الليل طاف عليه السلام تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون حرصا على كثرة طاعاتهم فوجدها كبيوت الزنانير لما سمع بها من دندنتهم بذكر الله وتلاوة القرآن أو تصرفك فيما بين المصلين بالقيام والركوع والسجود والقعود إذا أممتهم وإنما وصفه الله تعالى بعلمه بحاله التي بها يستأهل ولايته بعد وصفه بأن من شأنه قهر أعدائه ونصر أوليائه تحقيقا للتوكل وتطمينا لقلبه عليه
الشعراء : ( 220 ) إنه هو السميع . . . . .
) إنه هو السميع ( لما تقوله ) العليم ( بما تنويه(4/255)
" صفحة رقم 256 "
الشعراء : ( 221 - 222 ) هل أنبئكم على . . . . .
) هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم ( لما بين أن القرآن لا يصح أن يكون مما تنزلت به الشياطين أكد ذلك بأن بين أن محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) لا يصح ان يتنزلوا عليه من وجهين أحدهما أنه إنما يكون على شرير كذاب كثير الإثم فإن اتصال الإنسان بالغائبات لما بنيهما من التناسب والتواد وحال محمد ( صلى الله عليه وسلم ) على خلاف ذلك
الشعراء : ( 223 ) يلقون السمع وأكثرهم . . . . .
وثانيهما قوله ) يلقون السمع وأكثرهم كاذبون ( أي الأفاكون يلقون السمع إلى الشياطين فيتلقون منهم ظنونا وأمارات لنقصان علمهم فيضمون إليها على حسب تخيلاتهم اشياء لا يطابق أكثرها كما جاء في الحديث " الكلمة يخطفها الجني فيقرها فأذن وليه فيزيد فيها أكثر من مائة كذبه " ولا كذلك محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فإنه أخبر ع مغيبات كثيرة لا تحصى وقد طابق كلها وقد فسر الأكثر بالكل لقوله تعالى ) كل أفاك أثيم ( والأظهر أن الأكثرية باعتبار أقوالهم على معنى أن هؤلاء قل من يصدق منهم فيما يحكي عن الجني وقيل الضمائر للشياطين أي يلقون السمع إلى الملاء العلى قبل أن يرجموا فيختطفون منهم بعض المغيبات ويوحون به إلى أوليائهم أو يلقون مسموعهم منهم إلى أوليائهم وأكثرهم كاذبون فيما يوحون به إليهم إذ يشمعونهم لا على نحو ما تكلمت به الملائكة لشرارتهم أو لقصور فهمهم أو ضبطهم أو إفهامهم
الشعراء : ( 224 ) والشعراء يتبعهم الغاوون
) والشعراء يتبعهم الغاوون ( وأتباع محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ليسو كذلك وهو استئناف أبطل كونه عليه الصلاة والسلام شاعرا وقرره بقوله
الشعراء : ( 224 ) والشعراء يتبعهم الغاوون
) ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ( لأن أكثر مقدماتهم خيالات لا حقيقة لها وأغلب كلماتهم في النسيب بالحرم والغزل والإبتهار وتمزيق الأعراض والقدح في الأنساب والوعد الكاذب والإفتخار الباطل ومدح من لا يستحقه والإطراء فيه وإليه أشار بقوله
الشعراء : ( 226 ) وأنهم يقولون ما . . . . .
) وأنهم يقولون ما لا يفعلون ( وكأنه لما كان إعجاز القرآن من جهة اللفظ(4/256)
" صفحة رقم 257 "
والمعنى وقد قدحوا في المعنى بأنه مما تنزلت به الشياطين وفي اللفظ بأنه من جنس كلام الشعراء تكلم في القسمين وبين منافاة القرآن لهما ومضادة حال الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لحال أربابهما وقرأ نافع ) يتبعهم ( على التخفيف و قرىء بالتشديد وتسكين العين تشبيها لبعضه بعضا
الشعراء : ( 227 ) إلا الذين آمنوا . . . . .
) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا ( استثناء للشعراء المؤمنين الصالحين الذين يكثرون ذكر الله ويكون أكثر أشعارهم في التوحيد والثناء على الله تعالى والحث على طاعته ولو قالوا هجوا أرادوا به الانتصار ممن هجاهم ومكافحة هجاة المسلمين كعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت والكعبين و كان عليه الصلاة والسلام يقول لحسان " قل وروح القدس معك " وعن كعب بن مالك أنه عليه الصلاة والسلام يقول لحسان " قل وروح القدس معك " وعن كعب بن مالك أنه عليه الصلاة السلام قال لله " اهجوا فو الذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من النبل " ) وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ( تهديد شديد لما في سيعلم من الوعيد البليغ وفي الذين ظلموا من الإطلاق والتعميم وفي أي منقلب ينقلبون أي بعد الموت من الإيهام والتهويل وقد تلاها أبو بكر لعمر رضي الله تعالى عنهما حين عهد إليه وقرىء / أي منفلت ينفلتون / من الإنفلات وهو النجاة والمعنى أن الظالمين يطمعون أن ينفلتوا عن عذاب الله وسيعلمون أن ليس لهم وجه من وجوه الانفلات عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الشعراء كان له من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بنوح وكذب به وهود وصالح وشعيب وإبراهيم وبعدد من كذب بعيسى وصدق بمحمد عليهم الصلاة والسلام(4/257)
" صفحة رقم 258 "
سورة النمل
مكية وهي ثلاث أو أربع أو خمس وتسعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
النمل : ( 1 ) طس تلك آيات . . . . .
) طس ( ) تلك آيات القرآن وكتاب مبين ( الإشارة إلى آي السورة والكتاب المبين إما اللوح المحفوظ وإبانته أنه خط فيه ما هو كائن فهو يبينه للناظرين فيه وتأخيره باعتباره تعلق علمنا به وتقديمه في الحجر باعتبار الوجود أو القرآن وإبانته لما أودع فيه من الحكم والأحكام أو لصحته بإعجازه وعطفه على القرآن كعطف إحدى الصفتين على الاخرى وتنكيره للتعظيم وقرىء ) وكتاب ( بالرفع على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه
النمل : ( 2 ) هدى وبشرى للمؤمنين
) هدى وبشرى للمؤمنين ( حالان من ال ) آيات ( والعامل فيهما معنى الإشارة أو بدلان منها أو خبران آخران أو خبران لمحذوف
النمل : ( 3 ) الذين يقيمون الصلاة . . . . .
) الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ( الذين يعملون الصالحات من الصلاة والزكاة ) وهم بالآخرة هم يوقنون ( من تتمة الصلة والواو للحال أو للعطف وتغيير النظم للدلالة على قوة يقينهم وثباته وأنهم الأوحدون فيه أو جملة اعتراضية كأنه قيل وهؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات هم الموقنون بالآخرة فإن تحمل المشاق إنما يكون لخوف العاقبة والوثوق على المحاسبة وتكرير الضمير للاختصاص
النمل : ( 4 ) إن الذين لا . . . . .
) إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم ( زين لهم أعمالهم القبيحة بأن جعلها مشتهاة للطبع محبوبة للنفس أو الأعمال الحسنة التي وجب عليهم أن يعملوها بترتيب المثوبات عليها ) فهم يعمهون ( عنها لا يدركون ما يتبعها من ضر أو نفع(4/258)
" صفحة رقم 259 "
النمل : ( 5 ) أولئك الذين لهم . . . . .
) أولئك الذين لهم سوء العذاب ( كالقتل والأسر يوم بدر ) وهم في الآخرة هم الأخسرون ( أشد الناس خسرانا لفوات المثوبة واستحقاق العقوبة
النمل : ( 6 ) وإنك لتلقى القرآن . . . . .
) وإنك لتلقى القرآن ( لتؤتاه ) من لدن حكيم عليم ( أي حكيم وأي عليم والجمع بينهما مع أن العلم داخل في الحكمة لعموم العلم ودلالة الحكمة على اتقان الفعل والإشعار بأن علوم القرآن منها ما هو حكمه كالعقائد والشرائع ومنها ما ليس كذلك كالقصص والأخبار عن المغيبات
النمل : ( 7 ) إذ قال موسى . . . . .
ثم شرع في بيان بعض تلك العلوم بقوله ) إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا ( أي اذكر قصته ) إذ قال ( ويجوز أن يتعلق ب ) عليم ( ) سآتيكم منها بخبر ( أي عن حال الطريق لأنه قد ضله وجمع الضمير إن صح أنه لم يكن معه غير امرأته لما كنى عنها بالأهل والسين للدلالة على بعد المسافة والوعد بالإتيان وإن أبطأ ) أو آتيكم بشهاب قبس ( شعلة نار مقبوسة نار وإضافة الشهاب إليه لأنه قد يكون قبسا وغير قبس ونونه الكوفيون ويعقوب على أن ال ) قبس ( بدل منه أو وصف له لأنه بمعنى المقبوس و العدتان على سبيل الظن ولذلك عبر عنهما بصيغة الترجي في ) طه ( والترديد للدلالة على أنه إن لم يظفر بهما لم يعدم أحدهما بناء على ظاهر الأمر أو ثقة بعبادة الله تعالى أنه لا يكاد يجمع حرمانين على عبده ) لعلكم تصطلون ( رجاء أن تستدفئوا بها والصلاء النار العظيمة
النمل : ( 8 ) فلما جاءها نودي . . . . .
) فلما جاءها نودي أن بورك ( أي ) بورك ( فإن النداء فيه معنى القول أو ب ) أن بورك ( على أنها مصدرية أو مخففة من الثقيلة والتخفيف وإن اقتضى التعويض بلا أو قد أو السين أو سوف لكنه دعاء وهو يخالف غيره في أحكام كثيرة ) من في النار ومن حولها ( ) من ( في مكان ) النار ( وهو البقعة المباركة المذكورة في قوله تعالى ) نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة ( ومن حول مكانها والظاهر أنه عام في كل من تلك الأرض وفي ذلك الواد وحواليها من أرض الشام الموسومة بالبركات لكونها مبعث الأنبياء وكفاتهم أحياء وأمواتا وخصوصا تلك البقعة التي كلم الله فيها موسى وقيل المراد موسى(4/259)
" صفحة رقم 260 "
والملائكة الحاضرون وتصدير الخطاب بذلك بشارة بأنه قد قضى له أمر عظيم تنتشر بركته في أقطار الشأم ) وسبحان الله رب العالمين ( من تمام ما نودي به لئلا يتوهم من سماع كلامه تشبيها وللتعجيب من عظمة ذلك الأمر أو تعجب من موسى لما دهاه من عظمته
النمل : ( 9 ) يا موسى إنه . . . . .
) يا موسى إنه أنا الله ( الهاء للشأن و ) أنا الله ( جملة مفسرة له أو للمتكلم و ) إنا ( خبره و ) الله ( بيان له ) العزيز الحكيم ( صفتان لله ممهدتان لما أراد أن يظهره يريد أنا القوي القادر على ما يبعد من الأوهام كقلب العصا حية الفاعل كل ما أفعله بحكمة وتدبير
النمل : ( 10 ) وألق عصاك فلما . . . . .
) وألق عصاك ( عطف على ) بورك ( أي نودي أن بورك من في النار وأن ألق عصاك ويدل عليه قوله ) وأن ألق عصاك ( بعد قوله ) أن يا موسى إني أنا الله ( بتكرير أن ) فلما رآها تهتز ( تتحرك باضطراب ) كأنها جان ( حية خفيفة سريعة وقرىء ) جان ( على لغة من جد في الهرب من التقاء الساكنين ) ولى مدبرا ولم يعقب ( ولم يرجع من عقب المقاتل إذا كر بعد الفرار وإنما رعب لظنه أن ذلك الأمر أريد به ويدل عليه قوله ) يا موسى لا تخف ( أي من غيري ثقة بي أو مطلقا لقوله ) إني لا يخاف لدي المرسلون ( أي حين يوحى إليهم من فرط الإستغراق فإنهم أخوف الناس أي من الله تعالى أو لا يكون لهم عندي سوء عاقبة فيخافون منه
النمل : ( 11 ) إلا من ظلم . . . . .
) إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم ( استثناء منقطع استدرك به ما يختلج في الصدر من نفي الخوف عن كلهم وفيهم من فرطت منه صغيرة فإنهم وإن فعلوها أتبعوا فعلها ما يبطلها ويستحقون به من الله مغفرة ورحمة فإنه لا يخاف أيضا وقصد تعريض موسى بوكزه القبطي وقيل متصل وثم بدل مستأنف معطوف على محذوف أي عن ظلم ثم بدل ذنبه بالتوبة
النمل : ( 12 ) وأدخل يدك في . . . . .
) وأدخل يدك في جيبك ( لأنه كان بمدرعة صوف لا كم لها وقيل الجيب القميص لأنه يجاب أي يقطع ) تخرج بيضاء من غير سوء ( آفة كبرص ) في تسع آيات ( في جملتها أو معها على أن التسع هي الفلق والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمسة والجدب في بواديهم والنقصان في مزارعهم ولمن عد العصا واليد من التسع أن يعد الأخيرين واحدا ولا يعد الفلق لأنه لم يبعث به إلى فرعون أو إذهب في تسع(4/260)
" صفحة رقم 261 "
آيات على أنه استئناف بالإرسال فيتعلق به ) إلى فرعون وقومه ( وعلى الأولين يتعلق بنحو مبعوثا أو مرسلا ) إنهم كانوا قوما فاسقين ( تعليل للإرسال
النمل : ( 13 ) فلما جاءتهم آياتنا . . . . .
) فلما جاءتهم آياتنا ( بأن جاءهم موسى بها ) مبصرة ( بينة اسم فاعل أطلق للمفعول وإشعارا بأنها لفرط اجتلائها للأبصار بحيث تكاد تبصر نفسها لو كانت مما يبصر أو ذات تبصر من حيث إنها تهدي والعمي لا تهتدي فضلا عن أن تهدي أو مبصرة كل من نظر إليها وتأمل فيها وقرىء ) مبصرة ( اي مكانا يكثركم فيه التبصر ) قالوا هذا سحر مبين ( واضح سحريته
النمل : ( 14 ) وجحدوا بها واستيقنتها . . . . .
) وجحدوا بها ( وكذبوا بها ) واستيقنتها أنفسهم ( وقد استيقنتها لأن الواو للحال ) ظلما ( لأنفسهم ) وعلوا ( ترفعا عن الإيمان وانتصابهما على العلة من ) جحدوا ( ) فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ( وهو الإغراق في الدنيا والإحراق في الآخرة
النمل : ( 15 ) ولقد آتينا داود . . . . .
) ولقد آتينا داود وسليمان علما ( طائفة من العلم وهو علم الحكم والشرائع أو علما أي علم ) وقالا الحمد لله ( عطفه بالواو إشعارا بأن ما قالاه بعض ما أتيا به في مقابلة هذه النعمة كأنه قال ففعلا شكرا له ما فعلا ) وقالا الحمد لله ( ) الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين ( يعني من لم يؤت علما أو مثل علمهما وفيه دليل على فضل العلم وشرف أهله حيث شكرا على العلم وجعلاه أساس الفضل ولم يعتبرا دونه ما أوتيا من الملك الذي لم يؤت غيرهما وتحريض للعالم على أن يحمد الله تعالى على ما أتاه من فضله وأن يتواضع ويعتقد أنه وإن فضل على كثير فقد فضل عليه كثير
النمل : ( 16 ) وورث سليمان داود . . . . .
) وورث سليمان داود ( النبوة أو العلم أو الملك بأن قام مقامه في ذلك دون سائر بنيه وكانوا تسعة عشر ) وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء ( تشهيرا لنعمة الله وتنويها بها ودعاء الناس إلى التصديق بذكر المعجزة التي هي علم منطق الطير وغير ذلك من عظائم ما أوتيه والنطق والمنطق في المتعارف كل لفظ يعبر به عما في الضمير مفردا كان أو مركبا وقد يطلق لكل ما يصوت به على التشبيه أو التبع كقولهم نطقت الضمير مفردا كان أو مركبا وقد يطلق لكل ما يصوت به على التشبيه أو التبع كقولهم نطقت الحمامة ومنه الناطق والصامت للحيوان والجماد فإن الأصوات الحيوانية من حيث إنها تابعة للتخيلات منزلة منزلة العبارات سيما وفيها ما يتفاوت باختلاف الأغراض بحيث يفهمها ما من جنسه ولعل سليمان عليه الصلاة والسلام مهما سمع صوت حيوان علم بقوته القدسية التخيل الذي صوته والغرض الذي توخاه به ومن ذلك ما حكي أنه مر ببلبل(4/261)
" صفحة رقم 262 "
يصوت ويترقص فقال يقول إذا أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء وصاحت فاختة فقال إنها تقول ليت الخلق لم يخلقوا فلعله كان صوت البلبل عن شبع وفراغ بال وصياح الفاختة عن مقاساة شدة وتألم قلب والضمير في ) علمنا ( ) وأوتينا ( له ولأبيه عليهما الصلاة والسلام اوله وحده على عادة الملوك لمراعاة قواعد السياسة والمراد ) من كل شيء ( كثرة ما أوتي كقولك فلان يقصده كل أحد ويعلم كل شيء ) إن هذا لهو الفضل المبين ( الذي لا يخفى على أحد
النمل : ( 17 ) وحشر لسليمان جنوده . . . . .
) وحشر ( وجمع ) لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون ( يحبسون بحبس اولهم على آخرهم ليتلاحقوا
النمل : ( 18 ) حتى إذا أتوا . . . . .
) حتى إذا أتوا على وادي النمل ( واد بالشام كثير النمل وتعدية الفعل إليه ب ) على ( إما لأن اتيانهم كان من عال أو لأن المراد قطعة من قولهم أتى على الشيء إذا انفده وبلغ آخره كأنهم أرادوا أن ينزلوا اخريات الوادي ) قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ( كأنها لما رأتهم متوجهين إلى الوادي فرت عنهم مخافة حطمهم فتبعها غيرها فصاحت صيحة نبهت بها ما بحضرتها من النمال فتبعتها فشبه ذلك بمخاطبة العقلاء ومناصحتهم ولذلك اجروا مجراهم مع انه لا يمتنع أن خلق الله سبحانه وتعالى فيها العقل والنطق ) لا يحطمنكم سليمان وجنوده ( نهي لهم عن الحطم والمراد نهيها عن التوقف بحيث يحطمونها كقولهم لا أرينك ها هنا فهو استئناف أو بدل من الأمر لا جواب له فإن النون لا تدخله في السعة ) وهم لا يشعرون ( بأنهم يحطمونكم إذ لو شعروا لم يفعلوا كأنها شعرت عصمة الأنبياء من الظلم والايذاء وقيل استئناف أي فهم سليمان والقوم لا يشعرون
النمل : ( 19 ) فتبسم ضاحكا من . . . . .
) فتبسم ضاحكا من قولها ( تعجبا من حذرها وتحذيرها واهتدائها إلى مصالحها وسرورا بما خصه الله تعالى به من إدراك همسها وفهم غرضها ولذلك سأل توفيق شكره ) وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك ( أي اجعلني ازع شكر نعمتك عندي أي اكفه وارتبطه لا ينفلت عني بحيث لا انفك عنه وقرأ البزي وورش بفتح ياء ) أوزعني ( ) التي أنعمت علي وعلى والدي ((4/262)
" صفحة رقم 263 "
ادرج فيه ذكر والديه تكثيرا للنعمة أو تعميما لها فإن النعمة عليهما نعمة عليه والنعمة عليه يرجع نفعها إليهما سيما الدينية ) وأن أعمل صالحا ترضاه ( إتماما للشكر واستدامة للنعمة ) وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ( في عدادهم الجنة
النمل : ( 20 ) وتفقد الطير فقال . . . . .
) وتفقد الطير ( وتعرف الطير فلم يجد فيها الهدهد ) فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ( أم منقطعة كأنه لما لم يره ظن انه حاضر ولا يراه لساتر أو غيره فقال ما لي لا أراه ثم احتاط فلاح له انه غائب فأضرب عن ذلك واخذ يقول اهو غائب كأنه يسأل عن صحة ما لا له
النمل : ( 21 ) لأعذبنه عذابا شديدا . . . . .
) لأعذبنه عذابا شديدا ( كنتف ريشه والقائه في الشمس أو حيث النمل يأكله أو جعله مع ضده في قفص ) أو لأذبحنه ( ليعتبر به أبناء جنسه ) أو ليأتيني بسلطان مبين ( بحجة تبين عذره والحلف في الحقيقة على أحد الأولين بتقدير عدم الثالث لكن لما اقتضى ذلك وقوع أحد الأمور الثلاثة ثلث المحلوف عليه بعطفه عليهما وقرأ ابن كثير أو / ليأتينني / بنونين الأولى مفتوحة مشددة
النمل : ( 22 ) فمكث غير بعيد . . . . .
) فمكث غير بعيد ( زمانا غير مديد يريد به الدلالة على سرعة رجوعه خوفا منه وقرأ عاصم بفتح الكاف ) فقال أحطت بما لم تحط به ( يعني حال سبأ وفي مخاطبته إياه بذلك تنبيه له على أن في أدنى خلق الله تعالى من أحاط علما بما لم يحط به لتتحاقر إليه نفسه ويتصاغر لديه علمه وقرئ بإدغام الطاء في التاء بإطباق وبغير اطباق ) وجئتك من سبإ ( وقرأ ابن كثير برواية البزي وأبو عمرو غير مصروف على تأويل القبيلة والبلدة والقواس بهمزة ساكنة ) بنبإ يقين ( بخبر متحقق روي انه عليه الصلاة والسلام لما أتم بناء بيت المقدس تجهز للحج فوافى الحرم وأقام بها ما شاء ثم توجه إلى اليمن فخرج من مكة صباحا فوافى صنعاء ظهيرة فأعجبته نزاهة أرضها فنزل بها ثم لم يجد الماء وكان الهدهد رائده لأنه يحسن طلب الماء فتفقده لذلك فلم يجده إذ حلق حين نزل سليمان فرأى هدهدا واقعا فانحط الهي فتواصفا وطار معه لينظر ما وصف له ثم رجع بعد العصر(4/263)
" صفحة رقم 264 "
وحكى ما حكى ولعل في عجائب قدرة الله وما خص به خاصة عباده أشياء اعظم من ذلك يستكبرها من يعرفها ويستنكرها من ينكرها
النمل : ( 23 ) إني وجدت امرأة . . . . .
) إني وجدت امرأة تملكهم ( يعني بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن الريان والضمير لسبأ أو لأهلها ) وأوتيت من كل شيء ( يحتاج إليه الملوك ) ولها عرش عظيم ( عظمه بالنسبة إليها أو إلى عروش امثالها وقيل كان ثلاثين ذراعا في ثلاثين عرضا وسمكا أو ثمانين من ذهب وفضة مكللا بالجواهر
النمل : ( 24 ) وجدتها وقومها يسجدون . . . . .
) وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله ( كأنهم كانا يعبدونها ) وزين لهم الشيطان أعمالهم ( عبادة الشمس وغيرها من مقابح أعمالهم ) فصدهم عن السبيل ( عن سبيل الحق والصواب ) فهم لا يهتدون ( إليه
النمل : ( 25 ) ألا يسجدوا لله . . . . .
) ألا يسجدوا لله ( فصدهم لئلا يسجدوا أو زين لهم أن لا يسجدوا على انه بدل من ) أعمالهم ( أو ) لا يهتدون ( إلى أن يسجدوا بزيادة ) لا ( وقرأ الكسائي ويعقوب ) إلا ( بالتخفيف على إنها للتنبيه ويا للنداء مناداه محذوف أي ألا يا قوم اسجدوا كقوله " وقالت إلا يا اسمع اعظك بخطة فقلت سميعا فانطقي واوصيبي " وعلى هذا صح أن يكون استئنافا من الله أو من سليمان والوقف على ) لا يهتدون ( فيكون امرا بالسجود وعلى الأول ذما على تركه وعلى الوجهين يقتضي وجوب السجود في(4/264)
" صفحة رقم 265 "
الجملة لا عند قراءتها وقرئ / هلا / و / هلا / بقلب الهمزة هاء و / ألا تسجدون / و / هلا تسجدون / على الخطاب ) الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون ( وصف له تعالى بما يوجب اختصاصه باستحقاق السجود من التفرد بكمال القدرة والعلم حثا على سجوده وردا على من يسجد لغيره و ) الخبء ( ما خفي في غيره واخراجه اظهاره وهو يعم اشراق الكواكب وانزال الامطار وانبات النبات بل الانشاء فإنه إخراج ما في الشيء بالقوة إلى الفعل والابداع فإنه إخراج ما في الإمكان والعدم إلى الوجوب والوجود ومعلوم انه يختص بالواجب لذاته وقرأ حفص والكسائي ) ما تخفون وما تعلنون ( بالتاء
النمل : ( 26 ) الله لا إله . . . . .
) الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم ( الذي هو أول الاجرام وأعظمها والمحيط بجملتها فبين العظيمين بون
النمل : ( 27 ) قال سننظر أصدقت . . . . .
) قال سننظر ( سنعرف من النظر بمعنى التأمل ) أصدقت أم كنت من الكاذبين ( أي أم كذبت والتغيير للمبالغة ومحافظة الفواصل
النمل : ( 28 ) اذهب بكتابي هذا . . . . .
) اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم ( ثم تنح عنهم إلى مكان قريب تتوى ر فيه ) فانظر ماذا يرجعون ( ما يرجع بعضهم إلى بعض من القول
النمل : ( 29 ) قالت يا أيها . . . . .
) قالت ( أي بعد ما ألقى إليها ) يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ( لكرم مضمونه أو مرسله أو لأنه كان مختوما أو لغرابة شأنه إذ كانت مستلقية في بيت مغلقه الابواب فدخل الهدهد من كوة والقاه على نحرها بحيث لم تشعر به(4/265)
" صفحة رقم 266 "
النمل : ( 30 ) إنه من سليمان . . . . .
) إنه من سليمان ( استئناف كأنه قيل لها ممن هو وما هو فقالت إنه أي إن الكتاب أو العنوان من سليمان ) وإنه ( أي وإن المكتوب أو المضمون وقرئ بالفتح على الابدال من ) كتاب ( أو التعليل لكرمه )
بسم الله الرحمن الرحيم
)
النمل : ( 31 ) ألا تعلوا علي . . . . .
) ألا تعلوا علي ( أن مفسرة أو مصدرية فتكون بصلتها خبر محذوف أي هو أو المقصود أن لا تعلو أو بدل من ) كتاب ( ) وأتوني مسلمين ( مؤمنين أو منقادين وهذا كلام في غاية الوجازة مع كمال الدلالة على المقصود لاشتماله على البسملة الدالة على ذات الصانع تعالى وصفاته صريحا أو التزاما والنهي عن الترفع الذي هو أم الرذائل والأمر بالإسلام الجامع لامهات الفضائل وليس الأمر فيه بالانقياد قبل إقامة الحجة على رسالته حتى يكون استدعاء للتقليد فإن إلقاء الكتاب إليها على تلك الحالة من اعظم الدلالة
النمل : ( 32 ) قالت يا أيها . . . . .
) قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ( اجيبوني في أمري الفتى واذكروا ما تستصوبون فيه ) ما كنت قاطعة أمرا ( ما أبت أمرا ) حتى تشهدون ( إلا بمحضركم استعطفتهم بذلك ليمالئوها على الإجابة
النمل : ( 33 ) قالوا نحن أولوا . . . . .
) قالوا نحن أولوا قوة ( بالاجساد والعدد ) وأولو بأس شديد ( نجدة وشجاعة ) والأمر إليك ( موكول ) فانظري ماذا تأمرين ( من المقاتلة أو الصلح نطعك ونتبع رأيك
النمل : ( 34 ) قالت إن الملوك . . . . .
) قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية ( عنوة وغلبة ) أفسدوها ( تزييف لما احست منهم من الميل إلى المقاتلة بإدعائهم القوى الذاتية والعرضية واشعار بأنها ترى الصلح مخافة أن يتخطى سليمان خططهم فسرع إلى افساد ما يصادفه من أموالهم وعماراتهم ثم أن الحرب سجال لا تدري عاقبتها ) وجعلوا أعزة أهلها أذلة ( بنهب أموالهم وتخريب ديارهم إلى غير(4/266)
" صفحة رقم 267 "
ذلك من الاهانة والاسر ) وكذلك يفعلون ( تأكيد لما وصفت من حالهم وتقرير بأن ذلك من عاداتهم الثابتة المستمرة أو تصديق لها من الله عز وجل
النمل : ( 35 ) وإني مرسلة إليهم . . . . .
) وإني مرسلة إليهم بهدية ( بيان لما ترى تقديمه في المصالحة والمعنى إني مرسلة رسلا بهدية ادفعه بها عن ملكي ) فناظرة بم يرجع المرسلون ( من حاله حتى اعمل بحسب ذلك روي إنها بعثت منذر بن عمرو في وفد وارسلت معهم غلمانا على زي الجواري وجواري على زي الغلمان وحقا في درة عذراء وجزعة معوجة الثقب وقالت إن كان نبيا ميز بين الغلمان والجواري وثقب الدرة ثقبا مستويا وسلك في الخرزة خيطا فلما وصلوا إلى معسكره ورأوا عظمة شأنه تقاصرت إليهم نفوسهم فلما وقفوا بين يديه وقد سبقهم جبريل بالحال فطلب الحق وأخبر عما فيه فأمر الارضة فأخذت شعرة ونفذت في الدرة وأمر دودة بيضاء فأخذت الخيط ونفذت في الجزعة ودعا بالماء فكانت الجارية تأخذ الماء بيدها فتجعله في الأخرى ثم تضرب به وجهها والغلام كما يأخذه يضرب به وجهه ثم رد الهدية
النمل : ( 36 ) فلما جاء سليمان . . . . .
) فلما جاء سليمان ( أي الرسول أو ما أهدت إليه وقرئ / فلما جاؤوا / ) قال أتمدونن بمال ( خطاب للرسول ومن معه أو للرسول والمرسل على تغليب المخاطب وقرأ حمزة ويعقوب بالادغام وقرئ بنون واحدة وبنونين وحذف الياء / فلما آتاني الله / من النبوة والملك الذي لا مزيد عليه وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها بإمالتها الكسائي وحده ) خير مما آتاكم ( فلا حاجة لي إلى هديتكم ولا وقع لها عندي ) بل أنتم بهديتكم تفرحون ( لانكم لا تعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا فتفرحون بما يهدى اليكم حبا لزيادة أموالكم أو بما تهدونه افتخارا على امثالكم والاضراب عن انكار الامداد بالمال عليه وتقليله إلى بيان السبب الذي حملهم عليه وهو قياس حاله على حالهم في قصور الهمة بالدنيا والزيادة فيها
النمل : ( 37 ) ارجع إليهم فلنأتينهم . . . . .
) أرجع ( أيها الرسول ) إليهم ( إلى بلقيس وقومها ) فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ((4/267)
" صفحة رقم 268 "
لا طاقة لهم بمقاومتها ولا قدرة لهم على مقابلتها وقرئ ) بهم ( ) ولنخرجنهم منها ( من سبأ ) أذلة ( بذهاب ما كانوا فيه من العز ) وهم صاغرون ( أسراء مهانون
النمل : ( 38 ) قال يا أيها . . . . .
) قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها ( أراد بذلك أن يريها بعض ما خصه الله تعالى به من العجائب الدالة على عظم القدرة وصدقه في دعوى النبوة ويختبر عقلها بأن ينكر عرشها فينظر اتعرفه أم تنكره ) قبل أن يأتوني مسلمين ( فإنها إذا أتت مسلمة لم يحل اخذه إلا برضاها
النمل : ( 39 ) قال عفريت من . . . . .
) قال عفريت ( خبيث مارد ) من الجن ( بيان له لأنه يقال للرجل الخبيث المنكر المعفر أقرانه وكان اسمه ذكوان أو صخرا ) أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ( من مجلسك للحكومة وكان يجلس إلى نصف النهار ) وإني عليه ( على حمله ) لقوي أمين ( لا أختزل منه شيئا ولا أبدله
النمل : ( 40 ) قال الذي عنده . . . . .
) قال الذي عنده علم من الكتاب ( آصف بن برخيا وزيره أو الخضر أو جبريل عليهما السلام أو ملك ايده الله به أو سليمان عليه السلام نفسه فيكون التعبير عنه بذلك للدلالة على شرف العلم وأن هذه الكرامة كانت بسببه والخطاب في ) أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ( للعفريت كأنه استبطأه فقال له ذلك أو أراد اظهار معجزة في نقله فتحداهم اولا ثم اراهم انه يتأتى له ما لا يتأتى لعفاريت الجن فضلا عن غيرهم والمراد ب ) الكتاب ( جنس الكتب المنزلة أو اللوح و ) آتيك ( في الموضعين صالح للفعلية والاسمية والطرف تحريك الاجفان للنظر فوضع موضعه ولما كان الناظر يوصف بإرسال الطرف كما في قوله " وكنت إذا ارسلت طرفك رائدا لقلبك يوما أتعبتك المناظر " (4/268)
" صفحة رقم 269 "
وصف برد الطرف والطرف بالارتداد والمعنى انك ترسل طرفك نحو شيء فقبل أن ترده احضر عرشها بين يديك وهذا غاية في الاسراع ومثل فيه ) فلما رآه ( أي العرش ) مستقرا عنده ( حاصلا بين يديه قال تلقيا للنعمة بالشكر يعلى شاكلة المخلصين من عباد الله تعالى ) هذا من فضل ربي ( تفضل به علي من غير استحقاق والاشارة إلى التمكن من احضار العرش في مدة ارتداد الطرف من سيرة شهرين بنفسه أو غيره والكلام في إمكان مثله قد مر في آية الاسراء ) ليبلوني أأشكر ( بأن أراه فضلا من الله تعالى بلا حول مني ولا قوة واقوم بحقه ) أم أكفر ( بأن أجد نفسي في البين أو اقصر في أداء مواجبه ومحلها النصب على البدل من الياء ) ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ( لأنه به يستجلب لها دوام النعمة ومزيدها ويحط عنها عبء الواجب ويحفظها عن وصمة الكفران ) ومن كفر فإن ربي غني ( عن شركه ) كريم ( بالانعام عليه ثانيا
النمل : ( 41 ) قال نكروا لها . . . . .
) قال نكروا لها عرشها ( بتغيير هيئته وشكله ) ننظر ( جواب الأمر وقرئ بالرفع على الاستئناف ) أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون ( إلى معرفته أو الجواب الصواب وقيل إلى الإيمان بالله ورسوله إذا رأت تقدم عرشها وقد خلفته مغلقة عليه الابواب موكلة عليها الحراس
النمل : ( 42 ) فلما جاءت قيل . . . . .
) فلما جاءت قيل أهكذا عرشك ( تشبيها عليها زيادة في امتحان عقلها إذ ذكرت عنده بسخافة العقل ) قالت كأنه هو ( ولم تقل هو هو لاحتمال أن يكون مثله وذلك من كمال عقلها ) وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين ( من تتمة كلامها كأنها ظنت انه أراد بذلك اختبار عقلها واظهار معجزة لها فقالت وأوتينا العلم بكمال قدرة الله وصحة نبوتك قبل هذه الحالة أو المعجزة مما تقدم من الآيات وقيل انه من كلام سليمان عليه السلام وقومه وعطوفه على جوابها لما فيه من الدلالة على ايمانها بالله ورسوله حيث جوزت أن يكون ذلك عرشها تجويزا غالبا وإحذار ثمة من المعجزات التي لا يقدر عليها غير الله تعالى ولا تظهر إلا على يد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أي واوتينا العلم بالله وقدرته صحة ما جاء به عنده قبلها وكنا منقادين لحكمه ولم نزل على دينه ويكون غرضهم فيه التحدث بما أنعم الله عليهم من التقدم في ذلك شكر الله تعالى(4/269)
" صفحة رقم 270 "
النمل : ( 43 ) وصدها ما كانت . . . . .
) وصدها ما كانت تعبد من دون الله ( أي وصدها عبادتها الشمس عن التقدم إلى الإسلام أو وصدها الله عن عبادتها بالتوفيق للايمان ) إنها كانت من قوم كافرين ( وقرئ بالفتح على الابدال من فاعل صدها على الأول أي صدها نشؤها بين اظهر الكفار أو التعليل له
النمل : ( 44 ) قيل لها ادخلي . . . . .
) قيل لها ادخلي الصرح ( القصر وقيل عرضة الدار ) فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها ( روي انه أمر قبل قدومها ببناء قصر صحنه من زجاج ابيض واجرى من تحته الماء والقى فيه حيوانات البحر ووضع سريره في صدره فجلس عليه فلما أبصرته ظننته ماء راكدا فكشفت عن ساقيها وقرأ ابن كثير برواية قنبل ) ساقيها ( بالهمز حملا على جمعه سؤوق وأسؤق ) قال إنه ( إن ما تظنينه ماء ) صرح ممرد ( مملس ) من قوارير ( من الزجاج ) قالت رب إني ظلمت نفسي ( بعبادتي الشمس وقيل بظني بسليمان فإنها حسبت انه يغرقها في اللجة ) وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ( فيما أمر به عباده وقد اختلف في أنه تزوجها أو زوجها من ذي تبع ملك همدان
النمل : ( 45 ) ولقد أرسلنا إلى . . . . .
) ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله ( بأن اعبدوا الله وقرئ بضم النون على اتباعها الباء ) فإذا هم فريقان يختصمون ( ففاجئوا التفرق والاختصام فآمن فريق وكفر فريق والواو لمجموع الفريقين
النمل : ( 46 ) قال يا قوم . . . . .
) قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة ( بالعقوبة فتقولون ائتنا بما تعدنا ) قبل الحسنة ( قبل التوبة فتؤخرونها إلى نزول العقاب فإنهم كانوا يقولون إن صدق ايعاده تبنا حينئذ ) لولا تستغفرون الله ( قبل نزوله ) لعلكم ترحمون ( بقبولها فإنها لا تقبل حينئذ
النمل : ( 47 ) قالوا اطيرنا بك . . . . .
) قالوا اطيرنا ( تشاءمنا ) بك وبمن معك ( إذ تتابعت علينا الشدائد أو وقع بيننا الافتراق منذ اخترعتم دينكم ) قال طائركم ( سببكم الذي جاء منه شركم ) عند الله ( وهو قدره أو عملكم المكتوب عنده ) بل أنتم قوم تفتنون ( تختبرون بتعاقب السراء والضراء والاضراب من بيان طائرهم الذي هو مبدأ ما يحيق بهم إلى ذكر ما هو الداعي إليه
النمل : ( 48 ) وكان في المدينة . . . . .
) وكان في المدينة تسعة رهط ( نسعة انفس وانما وقع تمييزا للتسعة باعتبار المعنى والفرق بينه وبين النفر أنه من الثلاثة أو السبعة إلى العشرة النفر من الثلاثة إلى(4/270)
" صفحة رقم 271 "
التسعة ) يفسدون في الأرض ولا يصلحون ( أي شأنهم الافساد الخالص عن شوب الصلاح
النمل : ( 49 ) قالوا تقاسموا بالله . . . . .
) قالوا ( أي قال بعضهم لبعض ) تقاسموا بالله ( أمر مقول أو خبر وقع بدلا أو حالا بإضمار قد ) لنبيتنه وأهله ( لنباغتن صالحا وأهله ليلا وقرأ حمزة والكسائي بالتاء على خطاب بعضهم لبعض وقرئ بالياء على أن تقاسموا خبر ) ثم لنقولن ( فيه القراءات الثلاث ) لوليه ( لولي دمه ) ما شهدنا مهلك أهله ( فضلا أن تولينا اهلاكهم وهو يحتمل المصدر والزمان والمكان وكذا ) مهلك ( في قراءة حفص فإن مفعلا قد جاء مصدرا كمرجع وقرأ أبو بكر بالفتح فيكون مصدرا ) وإنا لصادقون ( ونحلف إنا لصادقون أو والحال ) وإنا لصادقون ( فيما ذكرنا لأن الشاهد للشيء غير المباشر له عرفا أو لأنا ما شهدنا مهلكهم وحده بل مهلكه ومهلكهم كقولك ما رأيت ثمة رجلا بل رجلين
النمل : ( 50 ) ومكروا مكرا ومكرنا . . . . .
) ومكروا مكرا ( بهذه المواضعة ) ومكرنا مكرا ( بأن جعلناها سببا لأهلاكهم ) وهم لا يشعرون ( بذلك روي أنه كان لصالح في الحجر مسجد في شعب يصلي فيه فقالوا زعم انه يغفر منا إلى ثلاث فنفرغ منه ومن أهله قبل الثلاث فذهبوا إلى الشعب ليقتلوه فوقع عليهم صخرة حيالهم فطبقت عليهم فم الشعب فهلكوا ثمة وهلك الباقون في اماكنهم بالصيحة كما أشار إليه قوله
النمل : ( 51 ) فانظر كيف كان . . . . .
) فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين ( و ) كان ( إن جعلت ناقصة فخبرها ) كيف ( و ) أنا دمرناهم ( استئناف أو خبر محذوف لا خبر ) كان ( لعدم العائد وان جعلتها تامة ف ) كيف ( حال وقرأ الكوفيون ويعقوب ) أنا دمرناهم ( بالفتح على انه خبر محذوف أو بدل من اسم ) كان ( أو خبر له و ) كيف ( حال
النمل : ( 52 ) فتلك بيوتهم خاوية . . . . .
) فتلك بيوتهم خاوية ( خالية من خوى البطن إذا خلا أو ساقطة منهدمة من خوى النجم إذا سقط وهي حال عمل فيها معنى الاشارة وقرئ بالرفع على انه خبر مبتدأ(4/271)
" صفحة رقم 272 "
محذوف ) بما ظلموا ( بسبب ظلمهم ) إن في ذلك لآية لقوم يعلمون ( يتعظون
النمل : ( 53 ) وأنجينا الذين آمنوا . . . . .
) وأنجينا الذين آمنوا ( صالحا ومن معه ) وكانوا يتقون ( الكفر والمعاصي فلذلك خصوا بالنجاة
النمل : ( 54 ) ولوطا إذ قال . . . . .
) ولوطا ( واذكر لوطا أو وأرسلنا لوطا لدلالة ولقد ارسلنا عليه ) إذ قال لقومه ( بدل على الأول وظرف على الثاني ) أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون ( تعلمون فحشها من بصر القلب واقتراف القبائح من العالم بقبحها أقبح أو يبصرها بعضكم من بعض لأنهم كانوا يعلنون بها فتكون افحش
النمل : ( 55 ) أئنكم لتأتون الرجال . . . . .
) أئنكم لتأتون الرجال شهوة ( بيان لإتيانهم الفاحشة وتعليله بالشهوة للدلالة على قبحه والتنبيه على أن الحكمة في المواقعة طلب النسل لا قضاء الوطر ) من دون النساء ( اللاتي خلقن لذلك ) بل أنتم قوم تجهلون ( تفعلون فعل من يجهل قبحها أو يكون سفيها لا يميز بين الحسن والقبيح أو تجهلون العاقبة والتاء فيه لكون الموصوف به في معنى المخاطب
النمل : ( 56 ) فما كان جواب . . . . .
) فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ( أي يتنزهن عن افعالنا أو عن الاقذار ويعدون فعلنا قذرا
النمل : ( 57 ) فأنجيناه وأهله إلا . . . . .
) فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين ( قدرنا كونها من الباقين في العذاب
النمل : ( 58 ) وأمطرنا عليهم مطرا . . . . .
) وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين ( مر مثله
النمل : ( 59 ) قل الحمد لله . . . . .
) قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ( أمر رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بعدما قص عليه القصص الدالة على كمال قدرته وعظم شأنه وما خص به رسله من الآيات الكبرى والانتصار من العدا بتحميده والسلام على المصطفين من عبادة شكرا على ما أنعم عليهم أو علمه ما جهل من أحوالهم وعرفانا لفضلهم وحق تقدمهم واجتهادهم في الدين أو لوطا بأن يحمده على هلاك كفرة قومه ويسلم على من اصطفاه بالعصمة من الفواحش والنجاة من الهلاك(4/272)
" صفحة رقم 273 "
) آلله خير أما يشركون ( إلزام لهم وتهكم بهم وتسفيه لرأيهم إذ من المعلوم أن لا خير فيما اشركوه رأسا حتى يوازن بينه وبين من هو مبدأ كل خير وقرأ أبو عمرو وعاصم ويعقوب بالتاء
النمل : ( 60 ) أم من خلق . . . . .
) أمن ( بل أمن ) خلق السماوات والأرض ( التي هي اصول الكائنات ومبادئ المنافع وقرأ أمن بالتخفيف على انه بدل من الله ) وأنزل لكم ( لأجلكم ) من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ( عدل به من الغيبة إلى التكلم لتأكيد اختصاص الفعل بذاته والتنبيه على أن انبات الحدائق البهية المختلفة الانواع المباعدة الطباع من المواد المتشابهة لا يقدر عليه غيره كما شاار الهي بوقله ) ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ( شجر الحدائق وهي البساتين من الاحداق وهو الاحاطة ) أإله مع الله ( أغيره يقرن به ويجعل له شريكا وهو المنفرد بالخلق والتكوين وقرئ / أإلها / بإضمار فعل مثل أتدعون أو أتشركون وبتوسيط مدة الهمزتين واخراج الثانية بين بين ) بل هم قوم يعدلون ( عن الحق الذي هو التوحيد
النمل : ( 61 ) أم من جعل . . . . .
) أم من جعل الأرض قرارا ( بدل من ) أم من خلق السماوات ( وجعلها قرارا بإبداء بعضها من الماء وتسويتها بحيث يتأتى استقرار الإنسان والدواب عليها ) وجعل خلالها ( وسطها ) أنهارا ( جارية ) وجعل لها رواسي ( جبالا تتكون فيها المعادن وتنبع من حضيضها المنابع ) وجعل بين البحرين ( العذب والمالح أو خليجي فارس والروم ) حاجزا ( برزخا وقد مر بيانه في سورة الفرقان ) أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون ( الحق فيشركون به
النمل : ( 62 ) أم من يجيب . . . . .
) أم من يجيب المضطر إذا دعاه ( المضطر الذي أحوجه شدة ما به إلى اللجوء إلى الله(4/273)
" صفحة رقم 274 "
تعالى من الاضطرار وهو افتعال من الضرورة واللام فيه للجنس لا للاستغراق فلا يلزم منه اجابة كل مضطر ) ويكشف السوء ( ويدفع عن الإنسان ما يسوءه ) ويجعلكم خلفاء الأرض ( خلفاء فيها بأن ورثكم سكناها والتصرف فيها ممن قبلكم ) أإله مع الله ( الذي خصكم بهذه النعم العامة والخاصة ) قليلا ما تذكرون ( أي تذكرون آلاءه تذكرا قليلا وما مزيدة والمراد بالقلة العدم أو الحقارة المزيحة للفائدة وقرأ أبو عمرو وهشام وروح بالياء وحمزة والكسائي وحفص بالتاء وتخفيف الذال
النمل : ( 63 ) أم من يهديكم . . . . .
) أم من يهديكم في ظلمات البر والبحر ( بالنجوم وعلامات الأرض وال ) ظلمات ( ظلمات الليالي واضافتها إلى ) البر والبحر ( للملابسة أو مشتبهات الطرق يقال طريقة ظلماء وعمياء للتي لا منار بها ) ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ( يعني المطر ولو صح أن السبب الأكثر في تكون الرياح معاودة الادخنة الصاعدة من الطبقة الباردة لانكسار حرها وتمويجها الهواء فلا شك أن الاسباب الفاعلية والقابلية لذلك من خلق الله تعالى والفاعل للسبب فعل للمسبب ) أإله مع الله ( يقدر على مثل ذلك ) تعالى الله عما يشركون ( تعالى الله القادر الخالق عن مشاركة العاجز المخلوق
النمل : ( 64 ) أم من يبدأ . . . . .
) أم من يبدأ الخلق ثم يعيده ( والكفرة وإن أنكروا الاعادة فهم محجوجون بالحجج الدالة عليها ) ومن يرزقكم من السماء والأرض ( أي بأسباب سماوية وأرضية ) أإله مع الله ( يفعل ذلك ) قل هاتوا برهانكم ( على أن غيره يقدر على شيء من ذلك ) إن كنتم صادقين ( في إشراككم فإن كمال القدرة من لوازم الألوهية
النمل : ( 65 ) قل لا يعلم . . . . .
) قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ( لما بين اختصاصه تعالى بالقدرة التامة الفائقة العامة اتبعه ما هو كاللازم له وهو التفرد بعلم الغيب والاستثناء منقطع ورفع المستثنى على اللغة التميمية للدلالة على انه تعالى إن كان ممن في السماوات(4/274)
" صفحة رقم 275 "
والأرض ففيها من يعلم الغيب مبالغة في نفيه عنهم أو متصل على أن المراد ممن في السماوات والأرض من تعلق علمه بها واطلع عليها اطلاع الحاضر فيها فإنه يعم الله تعالى وأولي العلم من خلقه وهو موصول أو موصوف ) وما يشعرون أيان يبعثون ( متى ينشرون مركبة من أي وآن وقرئت بكسر الهمزة والضمير لمن وقيل للكفرة
النمل : ( 66 ) بل ادارك علمهم . . . . .
) بل ادارك علمهم في الآخرة ( لما نفى عنهم علم الغيب واكد ذلك بنفي شعورهم بما هو مآلهم لا محالة بالغة فيه بأن أضرب عنه وبين أن ما انتهى وتكامل فيه اسباب علمهم من الحجج والايات هو أن القيامة كائنة لا محالة لا يعلمونه كما ينبغي ) بل هم في شك منها ( كمن تحير في الأمر لا يجد عليه دليلا ) بل هم منها عمون ( لا يدركون دلائلها لاختلال بصيرتهم وهذا وإن اختص بالمشركين ممن في السماوات والأرض نسب إلى جميعهم كما يسند فعل البعض إلى الكل والاضرابات الثلاث تنزيل لاحوالهم وقل الأول اضراب عن نفي الشعور بوقت القيامة عنهم إلى وصفهم باستحكام علمهم في أمر الآخرة تهكما بهم وقيل أدرك بمعنى انتهى واضمحل من قولهم ادركت الثمرة لأن تلك غايتها التي عندها تعدم وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وحفص / بل ادراك / بمعنى تتابع حتى استحكم أو تتابع حى انقطع من تدارك بنو فلان إذا تتابعوا في الهلاك وأبو بكر أدرك واصلهما تفاعل وافتعل وقرئ / أأدرك / بهمزتين و / آأدرك / بألف بينهما و / بل أدرك / و / بل تدارك / و / بلى أأدرك / و / أم إدراك / أو / تدارك / وما فيه استفهام صريح أو مضمن من ذلك فإنكار وما فيه بلى فإثبات لشعورهم وتفسير له بالادراك على التهكم وما بعده اضراب عن التفسير مبالغة في نفيه ودلالة على أن شعورهم بها أنهم شاكون فيها ) بل ( إنهم ) منها عمون ( أو رد وانكار لشعورهم(4/275)
" صفحة رقم 276 "
النمل : ( 67 ) وقال الذين كفروا . . . . .
) وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون ( كالبيان لعمههم والعامل في إذا ما دل عليه ) أئنا لمخرجون ( وهو نخرج لا مخرجون لأن كلا من الهمزة وإن واللم مانعة من عمله فيما قبلها وتكرير الهمزة للمبالغة في الإنكار والمراد بالاخراج الاخراج من الاجداث أو من حال الفناء إلى الحياة وقرأ نافع إذا كنا بهمزة واحدة مكسورة وقرأ ابن عامر والكسائي / إننا لمخرجون / بنونين على الخبر
النمل : ( 68 ) لقد وعدنا هذا . . . . .
) لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل ( من قبل وعد محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وتقديم هذا على نحن لأن المقصود بالذكر هو البعث وحيث أخر فالمقصود به المبعوث ) إن هذا إلا أساطير الأولين ( التي هي كالاسمار
النمل : ( 69 ) قل سيروا في . . . . .
) قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين ( تهديد لهم على التكذيب وتخويف بأن ينزل بهم مثل ما نزل بالمكذبين قبلهم والتعبير عنهم ب ) المجرمين ( ليكون لطفا بالمؤمنين في ترك الجرائم
النمل : ( 70 ) ولا تحزن عليهم . . . . .
) ولا تحزن عليهم ( على تكذيبهم واعراضهم ) ولا تكن في ضيق ( في حرج صدر وقرأ ابن كثير بكسر الضاد وهما لغتان وقرئ ضيق أي أمر ضيق ) مما يمكرون ( من مكرهم فإن الله يعصمك من الناس
النمل : ( 71 ) ويقولون متى هذا . . . . .
) ويقولون متى هذا الوعد ( العذاب الموعود ) إن كنتم صادقين )
النمل : ( 72 ) قل عسى أن . . . . .
) قل عسى أن يكون ردف لكم ( تبعكم ولحقكم واللام مزيدة للتأكيد أو الفعل مضمن معنى فعل يتعدى باللام مثل دنا وقرئ بالفتح وهو لغة فيه ) بعض الذي تستعجلون ( حلوله وهو عذاب يوم بدر وعسى ولعل وسوف في مواعيد الملوك كالجزم بها وإنما يطلقونها اظهارا لوقارهم واشعارا بأن الرمز منهم كالتصريح من غيرهم وعليه جرى وعد الله تعالى ووعيده(4/276)
" صفحة رقم 277 "
النمل : ( 73 ) وإن ربك لذو . . . . .
) وإن ربك لذو فضل على الناس ( لتأخير عقوبتهم على المعاصي والفضل والفاضلة الافضال وجميعها فضول وفواضل ) ولكن أكثرهم لا يشكرون ( لا يعرفون حق النعمة فيه فلا يشكرونه بل يستعجلون بجهلهم وقوعه
النمل : ( 74 ) وإن ربك ليعلم . . . . .
) وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم ( ما تخفيه وقرئ بفتح التاء من كنت أي سترت ) وما يعلنون ( من عداوتك فيجازيهم عليه
النمل : ( 75 ) وما من غائبة . . . . .
) وما من غائبة في السماء والأرض ( خافية فيهما وهما من الصفات الغالبة والتاء فيهما للمبالغة كما في الرواية أو اسمان لما يغيب ويخفى كالتاء في عافية وعاقبة ) إلا في كتاب مبين ( بين أو ) مبين ( ما فيه لما يطالعه والمراد اللوح أو القضاء على الاستعارة
النمل : ( 76 ) إن هذا القرآن . . . . .
) إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون ( كالتشبيه والتنزيه وأحوال الجنة والنار وعزيز والمسيح
النمل : ( 77 ) وإنه لهدى ورحمة . . . . .
) وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين ( فإنهم المنتفعون به
النمل : ( 78 ) إن ربك يقضي . . . . .
) إن ربك يقضي بينهم ( بين بني إسرائيل ) بحكمه ( بما يحكم به وهو الحق أو بحكمته ويدل عليه انه قرئ بحكمه ) وهو العزيز ( فلا يرد قضاؤه ) العليم ( بحقيقة ما يقضى فيه وحكمه
النمل : ( 79 ) فتوكل على الله . . . . .
) فتوكل على الله ( ولا تبال بمعاداتهم ) إنك على الحق المبين ( وصاحب الحق حقيق بالوثوق بحفظ الله ونصره
النمل : ( 80 ) إنك لا تسمع . . . . .
) إنك لا تسمع الموتى ( تعليل آخر للامر بالتوكل من حيث إنه يقطع طعمه عن مشايعتهم ومعاضدتهم رأسا وانما شبهوا بالموتى لعدم انتفاعهم باستماع ما يتلى عليهم كما شبهوا بالصم في قوله ) لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين ( فإن إسماعهم في هذه الحالة أبعد وقرأ ابن كثير ) ولا يسمع الصم ((4/277)
" صفحة رقم 278 "
النمل : ( 81 ) وما أنت بهادي . . . . .
) وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم ( حيث الهداية لا تحصل إلا بالبصر وقرأ حمزة وحده ) وما أنت بهادي العمي ( ) إن تسمع ( أي ما يجدي اسماعك ) إلا من يؤمن بآياتنا ( من هو في علم الله كذلك ) فهم مسلمون ( مخلصون من أسلم وجهه لله
النمل : ( 82 ) وإذا وقع القول . . . . .
) وإذا وقع القول عليهم ( إذا دنا وقوع معناه وهو ما وعدوا به من البعث والعذاب ) أخرجنا لهم دابة من الأرض ( وهي الجساسة روي أن طولها ستون ذراعا ولها أربع قوائم وزغب وريش وجناحان لا يفوتها هارب ولا يدركها طالب وروي انه ( صلى الله عليه وسلم ) سئل من أين مخرجها فقال من أعظم المساجد حرمة على الله يعني المسجد الحرام ) تكلمهم ( من الكلام وقيل من الكلم إذ قرئ ) تكلمهم ( وروي إنها تخرج ومعها عصى موسى وخاتم سليمان عليهما الصلاة والسلام فتنكت بالعصا في مسجد المؤمن نكتة بيضاء فيبيض وجهه وبالخاتم في أنف الكافر نكتة سوداء فيسود وجهه ) أن الناس كانوا بآياتنا ( خروجها وسائر احوالها فإنها من آيات الله تعالى وقيل القرآن وقرأ الكوفيون أن الناس بالفتح ) لا يوقنون ( لا يتيقنون وهو حكاية معنى قولها أو حكايتها لقول الله عز وجل أو علة خروجها أو تكلمها على حذف الجار
النمل : ( 83 ) ويوم نحشر من . . . . .
) ويوم نحشر من كل أمة فوجا ( يعني يوم القيامة ) ممن يكذب بآياتنا ( بيان للفوج أي فوجا مكذبين و ) من ( الأولى للتبعيض لان أمة كل نبي وهل كل قرن شامل(4/278)
" صفحة رقم 279 "
للمصدقين المكذبين ) فهم يوزعون ( يحبس اولهم على آخرهم ليتلاحقوا وهو عبارة عن كثرة عددهم وتباعد اطرافهم
النمل : ( 84 ) حتى إذا جاؤوا . . . . .
) حتى إذا جاؤوا ( إلى المحشر ) قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما ( الواو للحال أي اكذبتم بها بادئ الرأي غير ناظرين فيها نظرا يحيط علمكم بكنهها وأنها حقيقة بالتصديق أو التكذيب أو للعطف أي اجمعتم بين التكذيب بها وعدم القاء الاذهان لتحققها ) أم ماذا كنتم تعملون ( أم أي شيء كنتم تعملونه بعد ذلك وهو للتبكيت إذ لم يفعوا غير التكذيب من الجهل فلا يقدرون أن يقولوا فعلنا غير ذلك
النمل : ( 85 ) ووقع القول عليهم . . . . .
) ووقع القول عليهم ( حل بهم العذاب الموعود وهو كبهم في النار بعد ذلك ) بما ظلموا ( بسبب ظلمهم وهو التكذيب بآيات الله ) فهم لا ينطقون ( باعتذار لشغلهم بالعذاب
النمل : ( 86 ) ألم يروا أنا . . . . .
) ألم يروا ( ليتحقق لهم التوحيد ويرشدهم إلى تجويز الحشر وبعثة الرسل لأن تعاقب النور والظلمة إلى وجه مخصوص غير متعين بذاته لا يكون إلا بقدرة قاهر وان من قدر على إبدال الظلمة بالنور في مادة واحدة قدر على إبدال الموت بالحياة في مواد الابدان وان من جعل النهار ليبصروا فيه سببا من اسباب معاشهم لعله لا يخل بما هو مناط جميع مصالحهم في معاشهم ومعادهم ) أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه ( بالنوم والقرار ) والنهار مبصرا ( فإن أصله ليبصروا فيه فبولغ فيه بجعل الابصار حالا من أحواله المجعول عليها بحيث لا ينفك عنها ) إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ( لدلاتها على الأمور الثلاثة
النمل : ( 87 ) ويوم ينفخ في . . . . .
) ويوم ينفخ في الصور ( في الصور أو القرن وقيل إنه تمثيل لانبعاث الموتى بانبعاث الجيش إذا نفخ في البوق ) ففزع من في السماوات ومن في الأرض ( من الهول وعبر عنه بالماضي لتحقق وقوعه ) إلا من شاء الله ( أن لا يفزع بأن يثبت قلبه قيل هم(4/279)
" صفحة رقم 280 "
جبريل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل وقيل الحور والخزنة وحملة العرش وقيل الشهداء وقيل موسى عليه الصلاة والسلام لانه صعق مرة ولعل المراد ما يعم ذلك ) وكل أتوه ( حاضرون الموقف بعد النفخة الثانية أو راجعون إلى أمره وقرأ حمزة وحفص ) آتوه ( على الفعل وقرئ ) آتاه ( على التوحيد للفظ الكل ) داخرين ( صاغرين وقرئ / دخرين /
النمل : ( 88 ) وترى الجبال تحسبها . . . . .
) وترى الجبال تحسبها جامدة ( ثابتة في مكانها ) وهي تمر مر السحاب ( في السرعة وذلك لأن الاجرام الكبار إذا تحركت في سمت واحد لا تكاد تبين حركتها ) صنع الله ( مصدر مؤكد لنفسه وهو لمضمون الجملة المتقدمة كقوله ) وعد الله ( ) الذي أتقن كل شيء ( احكم خلقه وسواه على ما ينبغي ) إنه خبير بما تفعلون ( عالم بظواهر الأفعال وبواطنها فيجازيكم عليها كما قال
النمل : ( 89 ) من جاء بالحسنة . . . . .
) من جاء بالحسنة فله خير منها ( إذ ثبت له الشريف بالخسيس والباقي بالفاني وسبعمائة بواحدة وقيل ) خير منها ( أي خير حاصل من جهتها وهو الجنة وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وهشام / خبير بما يفعلون / بالياء والباقون بالتاء ) وهم من فزع يومئذ آمنون ( يعني به خوف عذاب يوم القيامة وبالاول ما يلحق الإنسان من التهيب لما يرى من الاهوال والعظائم لذلك يعم الكافر والمؤمن وقرأ الكوفيون بالتنوين لأن المراد فزع واحد من أفزاع ذلك اليوم وآمن يتعدى بالجار وبنفسه كقوله ) أفأمنوا مكر الله ( وقرأ الكوفيون ونافع ) يومئذ ( بفتح الميم والباقون بكسرها
النمل : ( 90 ) ومن جاء بالسيئة . . . . .
) ومن جاء بالسيئة ( قيل بالشرك ) فكبت وجوههم في النار ( فكبوا فيها على(4/280)
" صفحة رقم 281 "
وجوههم ويجوز أن يراد بالوجوه أنفسهم كما اريدت بالايدي في قوله تعالى ) ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ( ) هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ( على الالتفات أو باضمار القول أي قيل لهم ذلك
النمل : ( 91 ) إنما أمرت أن . . . . .
) إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها ( أمر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يقول لهم ذلك بعدما بين المبدأ والمعاد وشرح احوال القيامة واشعار بأنه قد أتم الدعوة وقد كملت وما عليه بعد إلا الاشتغال بشأنه والاستغراق في عبادة ربه وتخصيص مكة بهذه الاضافة تشريف لها وتعظيم لشأنها وقرئ / التي حرمها / ) وله كل شيء ( خلقا وملكا ) وأمرت أن أكون من المسلمين ( المنقادين أو الثابتين على ملة الإسلام
النمل : ( 92 ) وأن أتلو القرآن . . . . .
) وأن أتلو القرآن ( وان اواظب على تلاوته لتنكشف لي حقائقه في تلاوته شيئا فشيئا أو اتباعه وقرئ ) واتل عليهم ( / وأن أتل / ) فمن اهتدى ( باتباعه اياي في ذلك ) فإنما يهتدي لنفسه ( فإن منافعه عائدة إليه ) ومن ضل ( بمخالفتي ) فقل إنما أنا من المنذرين ( فلا علي من وبال ضلاله شيء إذ ما على الرسول إلا البلاغ وقد بلغت
النمل : ( 93 ) وقل الحمد لله . . . . .
) وقل الحمد لله ( على نعمة النبوة أو على ما علمني ووفقني للعمل به ) سيريكم آياته ( القاهرة في الدنيا كوقعة بدر وخروج دابة الأرض أو في الآخرة ) فتعرفونها ( أنها آيات الله ولكن حين لا تنفعكم المعرفة ) وما ربك بغافل عما تعملون ( فلا تحسبوا أن تأخير عذابكم لغفلته عن أعمالكم وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي بالياء عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة طس كان له من الاجر عشر حسنات بعدد من صدق سليمان وكذب به وهودا وصالحا وإبراهيم وشعيبا ويخرج من قبره وهو ينادي لا اله إلا الله(4/281)
" صفحة رقم 282 "
سورة القصص
مكية وقيل إلا قوله تعالى الذين آتيناهم الكتاب إلى قوله لا نبتغي الجاهلين وهي ثمان وثمانون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
القصص : ( 1 ) طسم
) طسم )
القصص : ( 2 ) تلك آيات الكتاب . . . . .
) تلك آيات الكتاب المبين )
القصص : ( 3 ) نتلوا عليك من . . . . .
) نتلوا عليك ( نقرؤه بقراءة جبريل ويجوز أن يكون بمعنى ننزله مجازا ) من نبإ موسى وفرعون ( بعض نبئهما مفعول ) نتلوا ( ) بالحق ( محقين ) لقوم يؤمنون ( لأنهم المنتفعون به
القصص : ( 4 ) إن فرعون علا . . . . .
) إن فرعون علا في الأرض ( استئناف ) مبين ( لذلك البعض والأرض ارض مصر ) وجعل أهلها شيعا ( فرقا يشيعونه فيما يريد أو يشيع بعضهم بعضا في طاعته أو اصنافا في استخدامه استعمل كل صنف في عمل أو احزابا بأن أغرى بينهم العداوة كي لا يتفقوا عليه ) يستضعف طائفة منهم ( وهم بنو إسرائيل والجمة حال من فاعل ) جعل ( أو صفة ل ) شيعا ( أو استئناف وقوله ) يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ( بدل منها وكان ذلك لأن كاهنا قال له يولد مولود في بني إسرائيل يذهب ملكك على يده وذلك كان من(4/282)
" صفحة رقم 283 "
غاية حمقه فإنه لو صدق لم يندفع بالقتل وإن كذب فما وجهه ) إنه كان من المفسدين ( فلذلك اجترأ على قتل خلق كثير من أولاد الأنبياء لتخيل فاسد
القصص : ( 5 ) ونريد أن نمن . . . . .
) ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ( أن نتفضل عليهم بإنقاذهم من بأسه ) ونريد ( حكاية حال ماضية معطوفة على ) إن فرعون علا في الأرض ( من حيث انهما واقعان تفسير لل ) نبأ ( أو حال من ) يستضعف ( ولا يلزم من مقارنة الارادة للاستضعاف مقارنة المراد له لجواز أن يكون تعلق الارادة به حينئذ تعلقا استقباليا مع أن منة الله بخلاصهم لما كانت قريبة الوقوع منه جاز أن تجري مجرى المقارن ) ونجعلهم أئمة ( مقدمين في أمر الدين ) ونجعلهم الوارثين ( لما كان في ملك فرعون وقومه
القصص : ( 6 ) ونمكن لهم في . . . . .
) ونمكن لهم في الأرض ( ارض مصر والشام واصل التمكين أن تجعل للشيء مكانا يتمكن فيه ثم استعير للتسليط واطلاق الأمر ) ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ( من بني إسرائيل ) ما كانوا يحذرون ( من ذهاب ملكهم وهلاكهم على يد مولود منهم وقرأ حمزة والكسائي ) ويرى ( بالياء و ) فرعون وهامان وجنودهما ( بالرفع
القصص : ( 7 ) وأوحينا إلى أم . . . . .
) وأوحينا إلى أم موسى ( بالهام أو رؤيا ) أن أرضعيه ( ما أمكنك اخفاؤه ) فإذا خفت عليه ( بأن يحس به ) فألقيه في اليم ( في البحر يريد النيل ) ولا تخافي ( عليه ضيعة ولا شدة ) ولا تحزني ( لفراقه ) إنا رادوه إليك ( عن قريب بحيث تأمنين عليه ) وجاعلوه من المرسلين ( روي إنها لما ضر بها الطلق دعت قابلة من الموكلات بحبالى بني إسرائيل فعالجتها فلما وقع موسى على الأرض هالها نور بين عينيه وارتعشت مفاصلها ودخل حبه في قلبها بحيث منعها من السعاية فأرضعته ثلاثة اشهر ثم الح فرعون في طلب الماليد واجتهد العيون في تفحصها فأخذت له تابوتا فقذفته في النيل
القصص : ( 8 ) فالتقطه آل فرعون . . . . .
) فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ( تعليل لالتقاطهم إياه بما هو عاقبته ومؤداه تشبيها له بالغرض الحامل عليه وقرأ حمزة والكسائي ) وحزنا ( ) إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ( في كل شيء فليس ببدع منهم أن قتلوا ألوفا لأجله ثم اخذوه يربونه ليكبر ويفعل بهم ما كانوا يحذرون أو مذنبين فعاقبهم الله تعالى بأن ربى عدوهم على أيديهم فالجملة اعتراض لتأكيد خطئهم أو لبيان الموجب لما ابتلوا به(4/283)
" صفحة رقم 284 "
وقرئ / خاطين / تخفيف ) خاطئين ( أو / خاطين / الصواب إلى الخطأ
القصص : ( 9 ) وقالت امرأة فرعون . . . . .
) وقالت امرأة فرعون ( أي لفرعون حين أخرجته من التابوت ) قرة عين لي ولك ( هو قرة عين لنا لأنهما لما رأياه أخرج من التابوت أحباه أو لأنه كانت له ابنة برصاء وعالجها الاطباء بريق حيوان بحري يشبه الإنسان فلطخت برصها بريقه فبرئت وفي الحديث انه قال لك لا لي ولو قال هو لي كما هو لك لهداه الله كما هداها ) لا تقتلوه ( خطاب بلفظ الجمع للتعظيم ) عسى أن ينفعنا ( فإن فيه مخايل اليمن ودلائل النفع وذلك لما رأت من نور بين عينيه وارتضاعه إبهامه لبنا وبرئ البرصاء بريقه ) أو نتخذه ولدا ( أو نتبناه فإنه أهل له ) وهم لا يشعرون ( حال من الملتقطين أو من القائلة والمقول له أي وهم لا يشعرون انهم على الخطأ في التقاطه أو في طمع النفع منه والتبني له أو من أحد ضميري نتخذه على أن الضمير للناس أي ) وهم لا يشعرون ( انه لغيرنا وقد تبنيناه
القصص : ( 10 ) وأصبح فؤاد أم . . . . .
) وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ( صفرا من العقل لما دهمها من الخوف والحيرة حين سمعت بوقوعه في يد فرعون كقوله تعالى ) وأفئدتهم هواء ( أي خلاء لا عقول فيها(4/284)
" صفحة رقم 285 "
ويؤيده انه قرئ / فرغا / من قولهم دماؤهم بينهم فرغ أي هدر أو من الهم لفرط وثوقها بوعد الله تعالى أو سماعها أن فرعون عطف عليه وتبناه ) إن كادت لتبدي به ( إنها كادت لتظهر بموسى أي بأمره وقصته من فرط الضجر أو الفرح لتبنيه ) لولا أن ربطنا على قلبها ( بالصبر والثبات ) لتكون من المؤمنين ( من المصدقين بوعد الله أو من الواثقين بحفظه لا بتبني فرعون وعطفه وقرئ موسى اجراء للضمة في جوار الواو مجرى ضمتها في استدعاء همزها همز واو وجوه وهو علة الربط وجواب ) لولا ( محذوف دل عليه ما قبله
القصص : ( 11 ) وقالت لأخته قصيه . . . . .
) وقالت لأخته ( مريم ) قصيه ( ابتعي أثره وتتبعي خبره ) فبصرت به عن جنب ( عن بعد وقرئ / عن جانب / و ) عن جنب ( وهو بمعناه ) وهم لا يشعرون ( إنها تقص أو إنها اخته
القصص : ( 12 ) وحرمنا عليه المراضع . . . . .
) وحرمنا عليه المراضع ( ومنعناه أن يرتضع من المرضعات جمع مرضع أو مرضع وهو الرضاع أو موضع يعني الثدي ) من قبل ( من قبل قصها اثره ) فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم ( لاجلكم ) وهم له ناصحون ( لا يقصرون في ارضاعه وتربيته روي أن هامان لما سمعه قال إنها لتعرفه وأهله فخذوها حتى تخبر بحاله فقالت إنما اردت وهم للملك ناصحون فأمرها فرعون أن تأتي بمن يكفله فأتت بأمها وموسى على يد فرعون يبدي وهو يعلله فلما وجد ريحها استأنس والتقم ثديها فقال لها من أنت منه فقد أبى كل ثدي إلا ثديك فقالت أني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا اوتى بصبي إلا قبلني فدفعه إليها واجرى عليها فرجعت به إلى بيتها من يومها وهو قوله تعالى
القصص : ( 13 ) فرددناه إلى أمه . . . . .
) فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ( بولدها ) ولا تحزن ( بفراقه ) ولتعلم أن وعد الله حق ( علم مشاهدة ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( أن وعده حق فيرتابون فيه أو أن(4/285)
" صفحة رقم 286 "
الغرض الاصلي من الرد علمها بذلك وما سواه تبع وفيه تعريض بما فرط منها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون
القصص : ( 14 ) ولما بلغ أشده . . . . .
) ولما بلغ أشده ( مبلغه الذي لا يزيد عليه نشؤه وذلك من ثلاثين إلى أربعين سنة فإن العقل يكمل حينئذ وروي انه لم يبعث نبي إلا على رأس الأربعين سنة ) واستوى ( قده أو عقله ) آتيناه حكما ( أي نبوة ) وعلما ( بالدين أو علم الحكماء والعلماء سمتهم قبل استنبائه فلا يقول ولا يفعل ما يستجهل فيه وهو اوفق لنظم القصة لان الاستنباء بعد الهجرة في المراجعة ) وكذلك ( ومثل الذي فعلنا بموسى وأمه ) نجزي المحسنين ( على احسانهم
القصص : ( 15 ) ودخل المدينة على . . . . .
) ودخل المدينة ( ودخل مصر آتيا من قصر فرعون وقيل منف أو حائين أو عين شمس من نوماحيها ) على حين غفلة من أهلها ( في وقت لا يعتاد دخولها ولا يتوقعونه فيه قيل كان وقت القيلولة وقيل بين العشاءين ) فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه ( أحدهما ممن شايعه على دينه وهم بنو إسرائيل والآخر من مخالفين وهم القبط والاشارة على الحكاية ) فاستغاثه الذي من شيعته على الذي ( هو ) من عدوه ( فسأله أن يغيثه بالاعانة ولذلك عدي ب ) على ( وقرئ / استعانه / ) فوكزه موسى ( فضرب القبطي بجمع كفه وقرئ فلكزه أي فضرب به صدره ) فقضى عليه ( فقتله واصله فأنهى حياته من قوله ) وقضينا إليه ذلك الأمر ( ) قال هذا من عمل الشيطان ( لانه لم يؤمر بقتل الكفار أو لأنه كان مأمونا فيهم فلم يكن له اغتيالهم ولا يقدح ذلك في عصمته لكونه خطأ وإنما عده من عمل الشيطان وسماه ظلما واستغفر منه على عادتهم(4/286)
" صفحة رقم 287 "
في استعظام محقرات فرطت منهم ) إنه عدو مضل مبين ( ظاهر العداوة
القصص : ( 16 ) قال رب إني . . . . .
) قال رب إني ظلمت نفسي ( بقتله ) فاغفر لي ( ذنبي ) فغفر له ( لاستغفاره ) إنه هو الغفور ( لذنوب عباده ) الرحيم ( بهم
القصص : ( 17 ) قال رب بما . . . . .
) قال رب بما أنعمت علي ( قسم محذوف الجواب أي اقسم بإنعامك علي بالمغفرة وغيرها لأتوبن ) فلن أكون ظهيرا للمجرمين ( أو استعطاف أي بحق انعامك على عصمني فلن أكون معينا لمن ادت معاونته إلى جم وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما انه لم يستثن فابتلي به مرة أخرى وقيل معناه بما انعمت علي من القوة اعين اولياءك فلن استعملها في مظاهرة اعدائك
القصص : ( 18 ) فأصبح في المدينة . . . . .
) فأصبح في المدينة خائفا يترقب ( يترقب الاستفادة ) فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه ( يستغيثه مشتق من الصراخ ) قال له موسى إنك لغوي مبين ( بين الغواية لانك تسببت لقتل رجل وتقاتل آخر
القصص : ( 19 - 20 ) فلما أن أراد . . . . .
) فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما ( لموسى والاسرائيلي لانه لم يكن على دينهما ولان القبط كانوا أعداء لبني إسرائيل ) قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ( قاله الاسرائيلي لأنه لما سماه غويا ظن أنه يبطش عليه أو القبطي وكأنه توهم من قوله أنه الذي قتل القبطي بالامس لهذا الاسرائيلي ) إن تريد ( ما تريد ) إلا أن تكون جبارا في الأرض ( تطاول على الناس ولا تنظر في العواقب ) وما تريد أن تكون من المصلحين ( بين الناس فتدفع التخاصم بالتي هي احسن ولما قال هذا انتشر الحديث وارتقى إلى فرعون وملئه وهموا بقتله فخرج مؤمن آل فرعون وهو ابن عمه ليخبره كما قال تعالى ) وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى ( يسرع صفة رجل أو حال منه إذا جعل من(4/287)
" صفحة رقم 288 "
أقصى المدينة صفة له لا صلة لجاء لأن تخصيصه بها يلحقه بالمعارف ) قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك ( يتشاورون بسببك وانما سمي التشاور ائتمارا لأن كلا من المتشاورين يأمر الآخر ويأتمر ) فاخرج إني لك من الناصحين ( اللام للبيان وليس صلة ل ) الناصحين ( لأن معمول الصلة لا يتقدم الموصول
القصص : ( 21 ) فخرج منها خائفا . . . . .
) فخرج منها ( من المدينة ) خائفا يترقب ( لحوق طالب ) قال رب نجني من القوم الظالمين ( خلصني منهم واحفظني من لحوقهم
القصص : ( 22 ) ولما توجه تلقاء . . . . .
) ولما توجه تلقاء مدين ( قبالة مدين قرية شعيب سميت باسم مدين بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام ولم تكن في سلطان فرعون وكان بينها وبين مصر مسيرة ثمان ) قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ( توكلا على الله وحسن ظن به وكان لا يعرف الطريق فعن له ثلاث طرق فأخذ في اوسطها وجاء الطلاب عقيبه فأخذوا في الآخرين
القصص : ( 23 ) ولما ورد ماء . . . . .
) ولما ورد ماء مدين ( وصل إليه وهو بئر كانوا يسقون منها ) وجد عليه ( وجد فوق شفيرها ) أمة من الناس ( جماعة كثيرة مختلفين ) يسقون ( مواشيهم ) ووجد من دونهم ( في مكان اسفل من مكانهم ) امرأتين تذودان ( تمنعان اغنامهما عن الماء لئلا تختلط بأغنامهم ) قال ما خطبكما ( ما شأنكما تذودان ) قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء ( تصرف الرعاة مواشيهم عن الماء حذرا عن مزاحمة الرجال وحذف المفعول لأن الغرض هو بيان ما يدل على عفتهما ويدعوه إلى السقي لهما ثم دونه وقرأ أبو عمرو وابن(4/288)
" صفحة رقم 289 "
عامر ) يصدر ( أي ينصرف وقرئ ) الرعاء ( بالضم وهو اسم جمع كالرخال ) وأبونا شيخ كبير ( كبير السن لا يستطيع أن يخرج للسقي فيرسلنا اضطرارا
القصص : ( 24 ) فسقى لهما ثم . . . . .
) فسقى لهما ( مواشيهما رحمة عليهما قيل كانت الرعاة يضعون على رأس البئر حجرا لا يقله إلا سبعة رجال أو اكثر فأقله وحده مع ما كان به من الوصب والجوع وجراحة القدم وقيل كانت بئرا أخرى عليها صخرة فرفعها واستقى منها ) ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي ( لأي شيء انزلت الي ) من خير ( قليل أو كثير وحمله الاكثرون على الطعام ) فقير ( محتاج سائل ولذلك عدي باللام وقيل معناه أني لما انزلت إلى من خير الدين صرت فقيرا في الدنيا لانه كان في سعة عند فرعون والغرض منه اظهار التبجح والشكر على ذلك
القصص : ( 25 ) فجاءته إحداهما تمشي . . . . .
) فجاءته إحداهما تمشي على استحياء ( أي مستحيية متخفرة قيل كانت الصغرة منهما وقيل الكبرى واسمها صفوراء أو صفراء وهي التي تزوجها موسى عليه السلام ) قالت إن أبي يدعوك ليجزيك ( ليكافئك ) أجر ما سقيت لنا ( جزاء سقيك لنا ولعل موسى عليه الصلاة والسلام إنما اجابها ليتبرك برؤية الشيخ ويستظهر بمعرفته لا طمعا في الاجر بل روي انه لما جاءه قدم إليه طعاما فامتنع عنه وقال إنا هل بيت لا نبيع ديننا بالدنيا حتى قال له شعيب عليه الصلاة والسلام هذه عادتنا مع كل من ينزل بنا هذا وأن كل من فعل معروفا فأهدي بشيء لم يحرم أخذه ) فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين ( يريد فرعون وقومه
القصص : ( 26 ) قالت إحداهما يا . . . . .
) قالت إحداهما ( يعني التي استدعته ) يا أبت استأجره ( لرعي الغنم ) إن خير من استأجرت القوي الأمين ( تعليل شائع يجري مجرى الدليل على انه حقيق بالاستئجار(4/289)
" صفحة رقم 290 "
وللمبالغة فيه جعل ) خير ( اسما وذكر الفعل بلفظ الماضي لدلالة على أنه امرؤ مجرب معروف روي أن شعيبا قال لها وما أعلمك بقوته فذكرت إقلال الحجر وأنه صوب رأسه حتى بلغته رسالته وأمرها بالمشي خلفه
القصص : ( 27 ) قال إني أريد . . . . .
) قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ( أي تأجر نفسك مني أو تكون لي أجيرا أو تثيبني من أجرك الله ) ثماني حجج ( ظرف على الأولين ومفعول به على الثالث بإضمار مضاف أي رعية ثماني حجج ) فإن أتممت عشرا ( علمت عشر حجج ) فمن عندك ( فإتمامه من عندك تفضلا لا من عندي إلزاما عليك وهذا استدعاء العقد لا نفسه فلعله جرى على أجره معينة وبمهر آخر أو برعية الأجل الأول ووعد له أن يوفي الأخير إن تيسر له قبل العقد وكانت الأغنام للمزوجة مع أنه يمكن اختلاف الشرائع في ذلك ) وما أريد أن أشق عليك ( بإلزام إتمام العشر أو المناقشة في مراعاة الأوقات واستيفاء الأعمال واشتقاق المشقة من الشق فإن ما يصعب عليك يشق عليك اعتقادك في إطاقته ورأيك في مزاولته ) ستجدني إن شاء الله من الصالحين ( في حسن المعاملة ولين الجانب والوفاء بالمعاهدة
القصص : ( 28 ) قال ذلك بيني . . . . .
) قال ذلك بيني وبينك ( أي ذلك الذي عاهدتني فيه قائم بيننا لا نخرج عنه ) أيما الأجلين ( أطولهما أو أقصرهما ) قضيت ( وفيتك إياه ) فلا عدوان علي ( لا تعتدي علي بطلب الزيادة فكما لا أطالب بالزيادة على العشر لا أطالب بالزيادة على الثمان أو فلا أكون متعديا بترك الزيادة عليه كقولك لا إثم علي وهو أبلغ في إثبات الخيرة وتساوي الأجلين في القضاء من أن يقال إن قضيت الأقصر فلا عدوان علي وقرئ ) أيما ( كقوله " تنظرت نصرا والسماكين أيما علي من الغيث استهلت مواطره " وأي الأجلين ما قضيت فتكون ما مزيدة لتأكيد الفعل أي أي الأجلين جردت عزمي لقضائه وعدوان بالكسر ) والله على ما نقول ( من المشارطة ) وكيل ( شاهد حفيظ(4/290)
" صفحة رقم 291 "
القصص : ( 29 ) فلما قضى موسى . . . . .
) فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله ( بامرأته روي أنه قضى أقصى الأجلين ومكث بعد ذلك عنده عشرا أخرى ثم عزم على الرجوع ) آنس من جانب الطور نارا ( أبصر من الجهة التي تلي الطور ) قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر ( بخبر الطريق ) أو جذوة ( عود غليظ سواء كان في رأسه نار أو لم يكن قال " باتت حواطب ليلى يلتمسن لها جزال الجذى غير خوار ولا دعر " وقال آخر " وألقى على قبس من النار جذوة شديدا عليه حرها والتهابها " ولذلك بينه بقوله ) من النار ( وقرأ عاصم بالفتح وحمزة بالضم وكلها لغات ) لعلكم تصطلون ( تستدفئون بها
القصص : ( 30 ) فلما أتاها نودي . . . . .
) فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن ( أتاه النداء من الشاطئ الأيمن لموسى ) في البقعة المباركة ( متصل بالشاطئ أو صلة ل ) نودي ( ) من الشجرة ( بدل من شاطئ بدل الاشتمال لأنها كانت ثابتة على الشاطئ ) أن يا موسى ( أي يا موسى ) إني أنا الله رب العالمين ( هذا وإن خالف ما في طه والنمل لفظا فهو طبقة في المقصود
القصص : ( 31 ) وأن ألق عصاك . . . . .
) وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز ( أي فألقاها فصارت ثعبانا واهتزت ) فلما رآها تهتز ( ) كأنها جان ( في الهيئة والجثة أو في السرعة ) ولى مدبرا ( منهزما من الخوف ) ولم يعقب ( ولم يرجع ) يا موسى ( نودي يا موسى ) أقبل ولا تخف إنك من الآمنين ( من المخاوف فإنه لا ) يخاف لدي المرسلون ((4/291)
" صفحة رقم 292 "
القصص : ( 32 ) اسلك يدك في . . . . .
) اسلك يدك في جيبك ( أدخلها ) تخرج بيضاء من غير سوء ( عيب ) واضمم إليك جناحك ( يديك المبسوطتين تتقي بهما الحية كالخائف الفزع بإدخال اليمنى تحت عضد اليسرى وبالعكس أو بإدخالهما في الجيب فيكون تكريرا لغرض آخر وهو أن يكون ذلك في وجه العدو إظهار جراءة ومبدأ لظهور معجزة ويجوز أن يراد بالضم التجلد والثبات عند انقلاب العصا حية استعارة من حال الطائر فإنه إذا خاف نشر جناحيه وإذا أمن واطمأن ضمهما إليه ) من الرهب ( من أجل الرهب أي إذا عراك الخوف فافعل ذلك تجلدا وضبطا لنفسك وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر بضم الراء وسكون الهاء وقرئ بضمهما وقرأ حفص بالفتح والسكون والكل لغات ) فذانك ( إشارة إلى العصا واليد وشدده ابن كثير وأبو عمرو ورويس ) برهانان ( حجتان وبرهان فعلان لقولهم أبره الرجل إذا جاء بالبرهان من قولهم بره الرجل إذا ابيض ويقال برهاء وبرهرهة للمرأة البيضاء وقيل فعلال لقولهم برهن ) من ربك ( مرسلا بهما ) إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين ( فكانوا أحقاء بأن يرسل إليهم
القصص : ( 33 ) قال رب إني . . . . .
) قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون ( بها
القصص : ( 34 ) وأخي هارون هو . . . . .
) وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا ( معينا وهو في الأصل اسم ما يعان به كالدفء وقرأ نافع / ردا / بالتخفيف ) يصدقني ( بتخليص الحق وتقرير الحجة وتزييف الشبهة ) إني أخاف أن يكذبون ( ولساني لا يطاوعني عند المحاجة وقيل المراد تصديق القوم لتقريره وتوضيحه لكنه أسند إليه إسناد الفعل إلى السبب وقرأ عاصم وحمزة ) يصدقني ( بالرفع على أنه صفة والجواب محذوف
القصص : ( 35 ) قال سنشد عضدك . . . . .
) قال سنشد عضدك بأخيك ( سنقويك به فإن قوة الشخص بشدة اليد على مزاولة الأمور ولذلك يعبر عنه باليد وشدتها بشدة العضد ) ونجعل لكما سلطانا ( غلبة أو حجة ) فلا يصلون إليكما ( باستيلاء أو حجاج ) بآياتنا ( متعلق بمحذوف أي اذهبا(4/292)
" صفحة رقم 293 "
بآياتنا أو ب ) نجعل ( نسلطكما بها أو بمعنى لا يصلون أي تمتنعون منهم أو قسم جوابه لا يصلون أو بيان ل ) الغالبون ( في قوله ) أنتما ومن اتبعكما الغالبون ( بمعنى أنه صلة لما بينه أو صلة له على أن اللام فيه للتعريف لا بمعنى الذي
القصص : ( 36 ) فلما جاءهم موسى . . . . .
) فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى ( سحر تختلقه لم يفعل قبل مثله أو سحر تعمله ثم تفتريه على الله أو سحر موصوف بالافتراء كسائر أنواع السحر ) وما سمعنا بهذا ( يعنون السحر أو ادعاء النبوة ) في آبائنا الأولين ( كائنا في أيامهم
القصص : ( 37 ) وقال موسى ربي . . . . .
) وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ( فيعلم أني محق وأنتم مبطلون وقرأ ابن كثير / قال / بغير واو لأنه قال ما قاله جوابا لمقالهم ووجه العطف أن المراد حكاية القولين ليوازن الناظر بينهما فيميز صحيحهما من الفاسد ) ومن تكون له عاقبة الدار ( العاقبة المحمودة فإن المراد بالدار الدنيا وعاقبتها الأصلية هي الجنة لأنها خلقت مجازا إلى الآخرة والمقصود منها بالذات هو الثواب والعقاب إنما قصد بالعرض وقرأ حمزة والكسائي ) يكون ( بالياء ) إنه لا يفلح الظالمون ( لا يفوزون بالهدى في الدنيا وحسن العاقبة في العقبى
القصص : ( 38 ) وقال فرعون يا . . . . .
) وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري ( نفى علمه بإله غيره دون وجوده إذ لم يكن عنده ما يقتضي الجزم بعدمه ولذلك أمر ببناء الصرح ليصعد إليه ويتطلع على الحال بقوله ) فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى ((4/293)
" صفحة رقم 294 "
كأنه توهم أنه لو كان لكان جسما في السماء يمكن الترقي إليه ثم قال ) وإني لأظنه من الكاذبين ( أو أراد أن يبني له رصدا يترصد منه أوضاع الكواكب فيرى هل فيها ما يدل على بعثه رسول وتبدل دولة وقيل المراد بنفي العلم نفي المعلوم كقوله تعالى ) أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض ( فإن معناه بما ليس فيهن وهذا من خواص العلوم الفعلية فإنها لازمة لتحقق معلوماتها فيلزم من انتفائها لك انتفائها ولا كذلك العلوم الانفعالية قيل أول من اتخذ الآجر فرعون ولذلك أمر باتخاذه على وجه يتضمن تعليم الصنعة مع ما فيه من تعظم ولذلك نادى هامان باسمه ب ) يا ( في وسط الكلام
القصص : ( 39 ) واستكبر هو وجنوده . . . . .
) واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق ( بغير استحقاق ) وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون ( بالنشور وقرأ نافع وحمزة والكسائي بفتح الياء وكسر الجيم
القصص : ( 40 ) فأخذناه وجنوده فنبذناهم . . . . .
) فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم ( كما مر بيانه وفيه فخامة وتعظيم لشأن الآخذ واستحقار للمأخوذين كأنه أخذهم مع كثرتهم في كف وطرحهم في اليم ونظيره قوله تعالى ) وما قدروا الله حق قدره ( ) والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ( ) فانظر ( يا محمد ) كيف كان عاقبة الظالمين ( وحذر قومك عن مثلها
القصص : ( 41 ) وجعلناهم أئمة يدعون . . . . .
) وجعلناهم أئمة ( قدوة للضلال بالحمل على الإضلال وقيل بالتسمية كقوله تعالى ) وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ( أو بمنع الألطاف الصارفة عنه ) يدعون إلى النار ( إلى موجباتها من الكفر والمعاصي ) ويوم القيامة لا ينصرون ( بدفع العذاب عنهم(4/294)
" صفحة رقم 295 "
القصص : ( 42 ) وأتبعناهم في هذه . . . . .
) وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ( طردا عن الرحمة أو لعن اللاعنين يلعنهم الملائكة والمؤمنين ) ويوم القيامة هم من المقبوحين ( من المطرودين أو ممن قبح وجوههم
القصص : ( 43 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
) ولقد آتينا موسى الكتاب ( التوراة ) من بعد ما أهلكنا القرون الأولى ( أقوام نوح وهود وصالح ولوط ) بصائر للناس ( أنوارا لقلوبهم تتبصر بها الحقائق وتميز بين الحق والباطل ) وهدى ( إلى الشرائع التي هي سبل الله تعالى ) ورحمة ( لأنهم لو عملوا بها نالوا رحمة الله سبحانه تعالى ) لعلهم يتذكرون ( ليكونوا على حال يرجى منهم التذكر وقد فسر بالأرادة وفيه ما عرفت
القصص : ( 44 - 45 ) وما كنت بجانب . . . . .
) وما كنت بجانب الغربي ( يريد الوادي أو الطور فانه كان في شق الغرب من مقام موسى أو الجانب الغربي منه والخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أي ما كنت حاضرا ) إذ قضينا إلى موسى الأمر ( إذا اوحينا إليه الأمر الذي أردنا تعريفه ) وما كنت من الشاهدين ( للوحي إليه أو على الوحي إليه وهم السبعون المختارون الميقات والمراد الدلالة على أن اخباره عن ذلك من قبيل الأخبار عن المغيبات التي لا تعرف إلا بالوحي ولذلك استدرك عنه بقوله ) ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر ( أي ولكنا اوحينا إليك لانا انشأنا قرونا مختلفة عبد موسى فتطاولت عليهم المدد فحرفت الأخبار وتغيرت الشرائع واندرست العلوم فحذفت المستدرك واقام سببه مقامه ) وما كنت ثاويا ( مقيما ) في أهل مدين ( شعيب والمؤمنين به ) تتلو عليهم ( تقرأ عليهم تعلما منهم ) آياتنا ( التي فيها قصتهم ) ولكنا كنا مرسلين ( اياك ومخبرين لك بها
القصص : ( 46 ) وما كنت بجانب . . . . .
) وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ( لعل المراد به وقت ما اعطاه التوراة وبالأول حين ما استنبأه لانهما المذكوران في القصد ) ولكن ( علمناك ) رحمة من ربك ( وقرئت بالرفع على هذه ) رحمة من ربك ( ) لتنذر قوما ( متعلق بالفعل المحذوف ) ما أتاهم من نذير من قبلك ( لوقوعهم في فترة بينك وبين عيسى وهي خمسمائة وخمسون سنة أو(4/295)
" صفحة رقم 296 "
بينك وبين اسماعلي على أن دعوة موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام كانت مختصة ببني إسرائيل وما حواليهم ) لعلهم يتذكرون ( يتعظون
القصص : ( 47 ) ولولا أن تصيبهم . . . . .
) ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا ( ) لولا ( الأولى امتناعية والثانية تخضيضية واقعة في سياقها لأنها إنما اجيبت بالفاء تشبيها لها بالأمر مفعول يقولوا المعطوف على تصيبهم بالفاء المعطية معنى السببية المنهبهة على أن القول هو المقصود بان يكون سببا لانتفاء ما يجاب به وانه لا يصدر عنهم حتى تلجئهم العقوبة والجواب محذوف والمعنى لولا قولهم إذا اصابتهم عقوبة بسبب كفرهم ومعاصيهم ربنا هلا ارسلت إلينا رسولا يبلغنا اياتك فتتبعها ونكون من المصدقين ما ارسلناك أي إنما ارسلناك قطعا لعذرهم والزاما للحجة عليهم ) فنتبع آياتك ( يعني الرسول المصدق بنوع من المعجزات ) ونكون من المؤمنين )
القصص : ( 48 ) فلما جاءهم الحق . . . . .
) فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى ( من الكتاب جملة واليد والعصا وغيرها اقتراحا وتعنتا ) أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل ( يعني أبناء جنسهم في الرأي والمذهب وهم كفرة زمان موسى أو كان فرعون عربيا من أولاد عاد ) قالوا سحران ( يعني موسى وهارون أو موسى ومحمدا عليهما السلام ) تظاهرا ( تعاونا بأظهار تلك الخوارق أو بتوافق الكتابين وقرأ الكوفيون ) سحران ( بتقدير مضاف أو جعلهما سحرين مبالغة أو اسناد تظاهرهما إلى فعلهما دلالة على سبب الاعجاز وقرئ ظاهرا على الادغام ) وقالوا إنا بكل كافرون ( أي بكل منهما أو بكل الأنبياء
القصص : ( 49 ) قل فأتوا بكتاب . . . . .
) قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما ( مما انزل على موسى وعلى محمد ص واضمارهما لدلالة المعنى وهو يؤيد أن المراد بالساحرين موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ) أتبعه إن كنتم صادقين ( أنا ساحران مختلفان وهذا من الشروط التي يراد بها الالزام والتبكيت ولعل مجيء حرف الشك للتهكم بهم(4/296)
" صفحة رقم 297 "
القصص : ( 50 ) فإن لم يستجيبوا . . . . .
) فإن لم يستجيبوا لك ( دعاءك إلى الاتيان بالكتاب الاهدى فحذف المفعول للعلم به ولان فعل الاستجابة يعدى بنفسه إلى الدعاء وباللام إلى الداعي فإذا عدي إليه حذف الدعا غالبا كقوله " وداع يا من يجيب إلى الندا فلم يستجبه عند ذاك مجيب " ) فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ( إذ لو اتبعوا حجة لاتوا بها ) ومن أضل ممن اتبع هواه ( استفهام بمعنى النفي ) بغير هدى من الله ( في موضع الحال للتأكيدا أو التقييد فان هوى النفس قد يوافق الحق ) إن الله لا يهدي القوم الظالمين ( الذين ظلموا أنفسهم بالانهماك في اتباع الهوى
القصص : ( 51 ) ولقد وصلنا لهم . . . . .
) ولقد وصلنا لهم القول ( اتبعنا بعضه بعضا في الانزال ليتصل التذكير أو في النظم لتقرر الدعوة بالحجة والمواعظ بالمواعيد والنصائح بالعبر ) لعلهم يتذكرون ( فيؤمنون ويطيعون
القصص : ( 52 - 53 ) الذين آتيناهم الكتاب . . . . .
) الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ( نزلت في مؤمني أهل الكتاب وقيل في أربعين من أهل الانجيل اثنان وثلاثون جاءوا مع جعفر من الحبشة وثمانية من الشام والضمير في ) من قبله ( للقران كالمستكين في ) وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به ( أي بأنه كلام الله تعالى ) إنه الحق من ربنا ( استئناف لبيان ما أوجب إيمانهم به ) إنا كنا من قبله مسلمين ( استئناف آخر الدلالة على أن إيمانهم به ليس مما أحدثوه حينئذ وانما هو أمر تقادم عهده لما رأوا ذكره في الكتب المتقدمة وكونهم على دين الإسلام قبل نزول القران أو تلاوته عليهم باعتقادهم صحته في الجملة
القصص : ( 54 ) أولئك يؤتون أجرهم . . . . .
) أولئك يؤتون أجرهم مرتين ( مرة على إيمانهم بكتابهم ومرة على إيمانهم بالقران(4/297)
" صفحة رقم 298 "
) بما صبروا ( بصبرهم وثباتهم على الإيمانين أو على الإيمان بالقرآن قبل النزول وبعده أو على أذى المشركين ومن هاجرهم من أهل دينهم ) ويدرؤون بالحسنة السيئة ( ويدفعون بالطاعة المعصية لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) أتبع السيئة الحسنة تمحها ) ومما رزقناهم ينفقون ( في سبيل الخير
القصص : ( 55 ) وإذا سمعوا اللغو . . . . .
) وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ( تكرما ) وقالوا ( اللاغين ) لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم ( متاركة لهم وتوديعا أو دعاء لهم بالسلامة عما هم فيه ) لا نبتغي الجاهلين ( لا نطلب صحبتهم ولا نريدها
القصص : ( 56 ) إنك لا تهدي . . . . .
) إنك لا تهدي من أحببت ( لا تقدر على أن تدخلهم في الإسلام ) ولكن الله يهدي من يشاء ( فيدخله في الإسلام ) وهو أعلم بالمهتدين ( بالمستعدين لذلك والجمهور على أنها نزلت في أبي طالب فإنه لما احتضر جاءه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله قال يا ابن أخي قد علمت إنك لصادق ولكن أكره أن يقال خدع عند الموت
القصص : ( 57 ) وقالوا إن نتبع . . . . .
) وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ( نخرج منها نزلت في الحرث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال نحن نعلم أنك على الحق ولكنا نخاف إن اتبعناك وخالفنا العرب وإنما نحن أكلة رأس أن يتخطفونا من أرضنا فرد الله عليهم بقوله ) أو لم نمكن لهم حرما آمنا ( أو لم نجعل مكانهم حرما ذا أمن بحرمة البيت الذي فيه يتناحر العرب حوله وهم آمنون فيه ) يجبى إليه ( يحمل إليه ويجمع فيه وقرأ نافع ويعقوب في رواية بالتاء ) ثمرات كل شيء ( من كل أوب ) رزقا من لدنا ( فإذا كان(4/298)
" صفحة رقم 299 "
هذا حالهم وهم عبدة الأصنام فكيف نعرضهم للتخوف والتخطف إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة التوحيد ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( جهلة لا يتفطنون له ولا يتفكرون ليعلموه وقيل إنه متعلق بقوله ) من لدنا ( أي قليل منهم يتدبرون فيعلمون أن ذلك رزق من عند الله وأكثرهم لا يعلمون إذ لو علموا لما خافوا غيره وانتصاب ) رزقا ( على المصدر من معنى ) يجبى ( أو حال من ال ) ثمرات ( لتخصصها بالإضافة
القصص : ( 58 ) وكم أهلكنا من . . . . .
ثم بين أن الأمر بالعكس فإنهم أحقاء بأن يخافوا من بأس الله على ما هم عليه بقوله ) وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها ( أي وكم من أهل قرية كانت حالهم كحالهم في الأمن وخفض العيش حتى أشروا فدمر الله عليهم وخرب ديارهم ) فتلك مساكنهم ( خاوية ) لم تسكن من بعدهم إلا قليلا ( من السكنى إذ لا يسكنها إلا المارة يوما أو بعض يوم أو لا يبقى من يسكنها من شؤم معاصيهم ) وكنا نحن الوارثين ( منهم بنزع الخافض أو بجعلها ظرفا بنفسها كقولك زيد ظني مقيم أو بإضمار زمان مضاف إليها أو مفعولا على تضمين بطرت معنى كفرت
القصص : ( 59 ) وما كان ربك . . . . .
) وما كان ربك ( وما كانت عادته ) مهلك القرى حتى يبعث في أمها ( في أصلها التي هي أعمالها لأن أهلها تكون أفطن وأنبل ) رسولا يتلو عليهم آياتنا ( لإلزام الحجة وقطع المعذرة ) وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون ( بتكذيب الرسل والعتو في الكفر
القصص : ( 60 ) وما أوتيتم من . . . . .
) وما أوتيتم من شيء ( من أسباب الدنيا ) فمتاع الحياة الدنيا وزينتها ( تتمتعون وتتزينون به مدة حياتكم المنقضية ) وما عند الله ( وهو ثوابه ) خير ( في نفسه من ذلك لأنه لذة خاصة وبهجة كاملة ) وأبقى ( لأنه أبدى ) أفلا تعقلون ( فتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير وقرأ أبو عمرو بالياء وهو أبلغ في الموعظة
القصص : ( 61 ) أفمن وعدناه وعدا . . . . .
) أفمن وعدناه وعدا حسنا ( وعدا بالجنة فإن حسن الوعد بحسن الموعود ) فهو لاقيه ( مدركه لا محالة لامتناع الخلف في وعده ولذلك عطفه بالفاء المعطية معنى السببية ) كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ( الذي هو مشوب بالآلام مكدر بالمتاعب(4/299)
" صفحة رقم 300 "
مستعقب بالتحسر على الانقطاع ) ثم هو يوم القيامة من المحضرين ( للحساب أو العذاب و ) ثم ( للتراخي في الزمان أو الرتبة وقرأ نافع وابن عامر في رواية والكسائي ثم هو بسكون الهاء تشبيها للمنفصل بالمتصل وهذه الآية كالنتيجة للتي قبلها ولذلك رتبت عليها بالفاء
القصص : ( 62 ) ويوم يناديهم فيقول . . . . .
) ويوم يناديهم ( عطف على يوم القيامة أو منصوب باذكر ) فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ( أي الذين كنتم تزعمونهم شركائي فحذف المفعولان لدلالة الكلام عليهما
القصص : ( 63 ) قال الذين حق . . . . .
) قال الذين حق عليهم القول ( بثبوت مقتضاه وحصول مؤداه وهو قوله تعالى ) لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ( وغيره من آيات الوعيد ) ربنا هؤلاء الذين أغوينا ( أي هؤلاء الذين أغويناهم فحذف الراجع إلى الموصول ) أغويناهم كما غوينا ( أي أغويناهم فغووا غيا مثل ما غوينا وهو استئناف للدلالة على أنهم غووا باختيارهم وأنهم لم يفعلوا بهم إلا وسوسة وتسويلا ويجوز أن يكون ) الذين ( صفة و ) أغويناهم ( الخبر لأجل ما اتصل به فإفادة زيادة على الصفة وهو إن كان فضله لكنه صار من اللوازم ) تبرأنا إليك ( منهم ومما اختاره من الكفر هوى منهم وهو تقرير للجملة المتقدمة ولذلك خلت عن العاطف وكذا ) ما كانوا إيانا يعبدون ( أي ما كانوا يعبدوننا وإنما كانوا يعبدون أهواءهم وقيل ) ما ( مصدرية متصلة ب ) تبرأنا ( أي تبرأنا من عبادتهم إيانا
القصص : ( 64 ) وقيل ادعوا شركاءكم . . . . .
) وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم ( من فرط الحيرة ) فلم يستجيبوا لهم ( لعجزهم عن الإجابة والنصرة ) ورأوا العذاب ( لازما بهم ) لو أنهم كانوا يهتدون ( لوجه من الحيل يدفعون به العذاب أو إلى الحق لما رأوا العذاب ) لو ( للتمني أي تمنوا أنهم كانوا مهتدين(4/300)
" صفحة رقم 301 "
القصص : ( 65 ) ويوم يناديهم فيقول . . . . .
) ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين ( عطف على الأول فإنه تعالى يسأل أولا عن إشراكهم به ثم عن تكذيبهم الأنبياء
القصص : ( 66 ) فعميت عليهم الأنباء . . . . .
) فعميت عليهم الأنباء يومئذ ( فصارت الأنباء كالعمي عليهم لا تهتدي إليهم وأصله فعموا عن الأنباء لكنه عكس مبالغة ودلالة على أن ما يحضر الذهن إنما يقبض ويرد عليه من خارج فإذا أخطأه لم يكن له حيلة إلى استحضاره والمراد بالأنباء ما أجابوا به الرسل أو ما يعمها وغيرها فإذا كانت الرسل يتعتعون في الجواب عن مثل ذلك من الهول ويفوضون إلى علم الله تعالى فما ظنك بالضلال من أممهم وتعدية الفعل بعلى لتضمنه معنى الخفاء ) فهم لا يتساءلون ( لا يسأل بعضهم بعضا عن الجواب لفرط الدهشة والعلم بأنه مثله في العجز
القصص : ( 67 ) فأما من تاب . . . . .
) فأما من تاب ( من الشرك ) وآمن وعمل صالحا ( وجمع بين الإيمان والعمل الصالح ) فعسى أن يكون من المفلحين ( عند الله وعسى تحقيق على عادة الكرام أو ترج من التائب بمعنى فليتوقع أن يفلح
القصص : ( 68 ) وربك يخلق ما . . . . .
) وربك يخلق ما يشاء ويختار ( لا موجب عليه ولا مانع له ) ما كان لهم الخيرة ( أي التخير كالطيرة بمعنى التطير وظاهره نفي الاختيار عنهم رأسا والأمر كذلك عند التحقيق فإن اختيار العباد مخلوق باختيار الله منوط بدواع لا اختيار لهم فيها وقيل المراد أنه ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه ولذلك خلا عن العاطف ويؤيده ما روي أنه نزل في قولهم ) لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ( وقيل ) ما ( موصولة مفعول ل يختار والراجع إليه محذوف والمعنى ويختار الذي كان لهم فيه الخيرة أي الخير والصلاح ) سبحان الله ( تنزيه له أن ينازعه أحد أو يزاحم اختياره اختيار ) وتعالى عما يشركون ( عن إشراكهم أو مشاركة ما يشركونه(4/301)
" صفحة رقم 302 "
القصص : ( 69 ) وربك يعلم ما . . . . .
) وربك يعلم ما تكن صدورهم ( كعداوة الرسول وحقده ) وما يعلنون ( كالطعن فيه
القصص : ( 70 ) وهو الله لا . . . . .
) وهو الله ( المستحق للعبادة ) لا إله إلا هو ( لا أحد يستحقها إلا هو ) له الحمد في الأولى والآخرة ( لأنه المتولى للنعم كلها عاجلها وآجلها يحمده المؤمنون في الآخرة كما حمدوه في الدنيا بقولهم ) الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ( ) الحمد لله الذي صدقنا وعده ( ابتهاجا بفضله والتذاذا بحمده ) وله الحكم ( القضاء النافذ في كل شيء ) وإليه ترجعون ( بالنشور
القصص : ( 71 ) قل أرأيتم إن . . . . .
) قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا ( دائما من السرد وهو المتابعة والميم مزيدة كميم دلامص ) إلى يوم القيامة ( بإسكان الشمس تحت الأرض أو تحريكها حول الأفق الغائر ) من إله غير الله يأتيكم بضياء ( كان حقه هل إله فذكر ب ) من ( على زعمهم أن غيره آلهة وعن ابن كثير / بضئاء / بهمزتين ) أفلا تسمعون ( سماع تدبر واستبصار
القصص : ( 72 ) قل أرأيتم إن . . . . .
) قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة ( بإسكانها في وسط السماء أو تحريكها على مدار فوق الأفق ) من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه ( استراحة عن متاعب الأشغال ولعله لم يصف الضياء بما يقابله لأن الضوء نعمة في ذاته مقصود بنفسه ولا كذلك الليل ولأن منافع الضوء أكثر مما يقابله ولذلك قرن ) أفلا تسمعون ( و ) بالليل ( ) أفلا تبصرون ( لأن استفادة العقل من السمع أكثر من استفادته من البصر
القصص : ( 73 ) ومن رحمته جعل . . . . .
) ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ( في الليل ) ولتبتغوا من فضله ( في النهار بأنواع المكاسب ) ولعلكم تشكرون ( ولكي تعرفوا نعمة الله في ذلك فتشكروه عليها
القصص : ( 74 ) ويوم يناديهم فيقول . . . . .
) ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ( تقريع بعد تقريع للإشعار بأنه لا شيء أجلب لغضب الله من الإشراك به أو الأول لتقرير فساد رأيهم والثاني لبيان أنه لم يكن عن سند وإنما كان محض تشه وهوى(4/302)
" صفحة رقم 303 "
القصص : ( 75 ) ونزعنا من كل . . . . .
) ونزعنا ( وأخرجنا ) من كل أمة شهيدا ( وهو نبيهم يشهد عليهم بما كانوا عليه ) فقلنا ( للأمم ) هاتوا برهانكم ( على صحة ما كنتم تدينون به ) فعلموا ( حينئذ ) أن الحق لله ( في الألوهية لا يشاركه فيها أحد ) وضل عنهم ( وغاب عنهم غيبة الضائع ) ما كانوا يفترون ( من الباطل
القصص : ( 76 ) إن قارون كان . . . . .
) إن قارون كان من قوم موسى ( كان ابن عمه يصهر بن قاهث بن لاوي وكان ممن آمن به ) فبغى عليهم ( فطلب الفضل عليهم وأن يكونوا تحت أمره أو تكبر عليهم أو ظلمهم قيل وذلك حين ملكه فرعون على بني إسرائيل أو حسدهم لما روي أنه قال لموسى ( صلى الله عليه وسلم ) لك الرسالة ولهارون الحبورة وأنا في غير شيء إلى متى أصبر قال موسى هذا صنع الله ) وآتيناه من الكنوز ( من الأموال المدخرة ) ما إن مفاتحه ( مفاتيح صناديقه جمع مفتح بالكسر وهو ما يفتح به وقيل خزائنه وقياس واحدها المفتح ) لتنوء بالعصبة أولي القوة ( خبر إن والجملة صلة وهو ثاني مفعولي آتى ونائبه الحمل إذا أثقله حتى أماله والعصبة والعصابة الجماعة الكثيرة واعصوصبوا اجتمعوا وقرئ / لينوء / بالياء على إعطاء المضاف حكم المضاف إليه ) إذ قال له قومه ( منصوب ب تنوء ) لا تفرح ( لا تبطر والفرح بالدنيا مذموم مطلقا لأنه نتيجة حبها والرضا بها والذهول عن ذهابها فإن العلم بأن ما فيها من اللذة مفارقة لا محالة يوجب الترح كما قيل " أشد الغم عندي في سرور تيقن عنه صاحبه انتقالا " ولذلك قال تعالى ) ولا تفرحوا بما آتاكم ( وعلل النهي ها هنا بكونه مانعا من محبة الله تعالى فقال ) إن الله لا يحب الفرحين ( أي بزخارف الدنيا
القصص : ( 77 ) وابتغ فيما آتاك . . . . .
) وابتغ فيما آتاك الله ( من الغنى ) الدار الآخرة ( بصرفه فيما يوجبها لك فإن المقصود منه أن يكون وصلة إليها ) ولا تنس ( ولا تترك ترك المنسي ) نصيبك من الدنيا ( وهو أن تحصل بها آخرتك وتأخذ منها ما يكفيك ) وأحسن ( إلى عباد الله ) كما أحسن الله إليك ( فيما أنعم الله عليك وقيل ) أحسن ( بالشكر والطاعة ) كما أحسن ( إليك(4/303)
" صفحة رقم 304 "
بالإنعام ) ولا تبغ الفساد في الأرض ( بأمر يكون علة للظلم والبغي نهي له عما كان عليه من الظلم والبغي ) إن الله لا يحب المفسدين ( لسوء أفعالهم
القصص : ( 78 ) قال إنما أوتيته . . . . .
) قال إنما أوتيته على علم عندي ( فضلت به على الناس واستوجبت به التفوق عليهم بالجاه والمال و ) على علم ( في موضع الحال وهو علم التوراة وكان أعلمهم بها وقيل هو الكيمياء وقيل علم التجارة والدهقنة وسائر المكاسب وقيل العلم بكنوز يوسف و ) عندي ( صفة له أو متعلق ب ) أوتيته ( كقولك جاز هذا عندي أي في ظني واعتقادي ) أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ( تعجب وتوبيخ على اغتراره بقوته وكثرة ماله مع علمه بذلك لأنه قرأه في التوراة وسمعه من حفاظ التواريخ أو رد لادعائه للعلم وتعظمه به بنفي هذا العلم عنه أي أعنده مثل ذلك العلم الذي ادعى ولم يعلم هذا حتى يقي به نفسه مصارع الهالكين ) ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ( سؤال استعلام فإنه تعالى مطلع عليها أو معاتبة فإنهم يعذبون بها بغتة كأنه لما هدد قارون بذكر إهلاك من قبله ممن كانوا أقوى منه وأغنى أكد ذلك بأن بين أنه لم يكن مطلعا على ما يخصهم بل الله مطلع على ذنوب المجرمين كلهم معاقبهم عليها لا محالة
القصص : ( 79 ) فخرج على قومه . . . . .
) فخرج على قومه في زينته ( كما قيل إنه خرج على بغلة شهباء عليه الأرجوان وعليها سرج من ذهب ومعه أربعة آلاف على زيه ) قال الذين يريدون الحياة الدنيا ( على ما هو عادة الناس من الرغبة ) يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون ( تمنوا مثله لا عينه حذرا عن الحسد ) إنه لذو حظ عظيم ( من الدنيا
القصص : ( 80 ) وقال الذين أوتوا . . . . .
) وقال الذين أوتوا العلم ( بأحوال الآخرة للمتمنين ) ويلكم ( دعاء بالهلاك استعمل للزجر عما لا يرتضى ) ثواب الله ( في الآخرة ) خير لمن آمن وعمل صالحا ( مما أوتي قارون بل من الدنيا وما فيها ) ولا يلقاها ( الضمير فيه للكلمة التي تكلم بها العلماء أو لل ) ثواب ( فإنه معنى المثوبة أو الجنة أو للإيمان والعمل الصالح فإنهما في معنى السيرة والطريقة ) إلا الصابرون ( على الطاعات وعن المعاصي
القصص : ( 81 ) فخسفنا به وبداره . . . . .
) فخسفنا به وبداره الأرض ( روي أنه كان يؤذي موسى ( صلى الله عليه وسلم ) كل وقت وهو يداريه لقرابته حتى نزلت الزكاة فصالحه عن كل ألف على واحد فحسبه فاستكثره فعمد إلى أن يفضح موسى بين بني إسرائيل ليرفضوه فبرطل بغية لترميه بنفسها فلما كان يوم(4/304)
" صفحة رقم 305 "
العيد قام موسى خطيبا فقال من سرق قطعناه ومن زنى غير محصن جلدناه ومن زنى محصنا رجمناه فقال قارون ولو كنت قال ولو كنت قال إن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة فأحضرت فناشدها موسى ( صلى الله عليه وسلم ) أن تصدق فقالت جعل لي قارون جعلا على أن أرميك بنفسي فخر موسى شاكيا منه إلى ربه فأوحى إليه أن مر الأرض بما شئت فقال يا أرض خذيه إلى ركبتيه ثم قال خذيه إلى وسطه ثم قال خذيه فأخذته إلى عنقه ثم قال خذيه فخسفت به وكان قارون يتضرع إليه في هذه الأحوال فلم يرحمه فأوحى الله إليه ما أفظك استرحمك مرارا فلم ترحمه وعزتي وجلالي لو دعاني مرة لأجبته ثم قال بنو إسرائيل إنما فعله ليرثه فدعا الله تعالى حتى خسف بداره وأمواله ) فما كان له من فئة ( أعوان مشتقة من فأوت رأسه إذا ميلته ) ينصرونه من دون الله ( فيدفعون عنه عذابه ) وما كان من المنتصرين ( الممتنعين منه من قولهم نصره من عدوه فانتصر إذا منعه منه فامتنع
القصص : ( 82 ) وأصبح الذين تمنوا . . . . .
) وأصبح الذين تمنوا مكانه ( منزلته ) بالأمس ( منذ زمان قريب ) يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر ( ) يبسط ( ) ويقدر ( بمقتضى مشيئته لا لكرامة تقتضي البسط ولا لهوان يوجب القبض وويكأن عند البصريين مركب من وي للتعجب وكأن للتشبه والمعنى ما أشبه الأمر أن يبسط الرزق وقيل من ويك بمعنى ويلك وأن تقديره ويك اعلم أن الله ) لولا أن من الله علينا ( فلم يعطنا ما تمنينا ) لخسف بنا ( لتوليده فينا ما ولده فيه فخسف بنا لأجله وقرأ حفص بفتح الخاء والسين ) ويكأنه لا يفلح الكافرون ( لنعمة الله أو المكذبون برسله وبما وعدوا لهم ثواب الآخرة
القصص : ( 83 ) تلك الدار الآخرة . . . . .
) تلك الدار الآخرة ( إشارة تعظيم كأنه قال تلك التي سمعت خبرها وبلغك وصفها و ) الدار ( صفة والخبر ) نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ( غلبة وقهرا ) ولا فسادا ( ظلما على الناس كما أراد فرعون وقارون ) والعاقبة ( المحمودة ) للمتقين ( ما لا يرضاه الله(4/305)
" صفحة رقم 306 "
القصص : ( 84 ) من جاء بالحسنة . . . . .
) من جاء بالحسنة فله خير منها ( ذاتا وقدرا ووصفا ) ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات ( وضع فيه الظاهر موضع الضمير تهجينا لحالهم بتكرير إسناد السيئة إليهم ) إلا ما كانوا يعملون ( أي إلا مثل ما كانوا يعملون فحذف المثل وأقيم ) ما كانوا يعملون ( مقامه مبالغة في المماثلة
القصص : ( 85 - 86 ) إن الذي فرض . . . . .
) إن الذي فرض عليك القرآن ( أوجب عليك تلاوته وتبليغه والعمل بما فيه ) لرادك إلى معاد ( أي معاد وهو المقام المحمود الذي وعدك أن يبعثك فيه أو مكة التي اعتدت بها أنه من العادة رده إليها يوم الفتح كأنه لما حكم بأن ) العاقبة للمتقين ( وأكد ذلك بوعد المحسنين ووعيد المسيئين وعده بالعاقبة الحسنى في الدارين روي أنه لما بلغ جحفة في مهاجره اشتاق إلى مولده ومولده آبائه فنزلت ) قل ربي أعلم من جاء بالهدى ( وما يستحقه من الثواب والنصر ومن منتصب بفعل يفسره أعلم ) ومن هو في ضلال مبين ( وما استحقه من العذاب والإذلال يعني به نفسه والمشركين وهو تقرير للوعد السابق وكذا قوله ) وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب ( أي سيردك إلى معادك كما ألقى إليك الكتاب وما كنت ترجوه ) إلا رحمة من ربك ( ولكن ألقاه رحمة منه ويجوز أن يكون استثناء محمولا على المعنى كأنه قال وما ألقى إليك الكتاب إلا رحمة ) فلا تكونن ظهيرا للكافرين ( بمدارتهم والتحمل عنهم والإجابة إلى طلبتهم
القصص : ( 87 ) ولا يصدنك عن . . . . .
) ولا يصدنك عن آيات الله ( عن قراءتها والعمل بها ) بعد إذ أنزلت إليك ( وقرئ ) يصدنك ( من أصد ) وادع إلى ربك ( إلى عبادته وتوحيده ) ولا تكونن من المشركين ( بمساعدتهم
القصص : ( 88 ) ولا تدع مع . . . . .
) ولا تدع مع الله إلها آخر ( هذا وما قبله للتهييج وقطع أطماع المشركين عن مساعدته لهم ) لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه ( إلا ذاته فإن ما عداه ممكن هالك في حد ذاته معدوم ) له الحكم ( القضاء النافذ في الخلق ) وإليه ترجعون ( للجزاء بالحق عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ طسم القصص كان له من الأجر بعدد من صدق موسى وكذب ولم يبق ملك في السموات والأرض إلا شهد له يوم القيامة أنه صادقا(4/306)
" صفحة رقم 307 "
سورة العنكبوت
بسم الله الرحمن الرحيم
العنكبوت : ( 1 ) الم
) الم ( سبق القول فيه ووقوع الاستفهام بعده دليل استقلاله بنفسه أو بما يضمر معه
العنكبوت : ( 1 ) الم
) أحسب الناس ( الحسبان مما يتعلق بمضامين الجمل للدلالة على جهة ثبوتها ولذلك اقتضى مفعولين متلازمين أو ما يسد مسدهما كقوله ) أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ( فإن معناه أحسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم ) آمنا ( فالترك أول مفعوليه وغير مفتونين من تمامه ولقولهم ) آمنا ( هو الثاني كقولك حسبت ضربه للتأديب أو أنفسهم متروكين غير مفتونين لقولهم ) آمنا ( بل يمتحنهم الله بمشاق التكاليف كالمهاجرة والمجاهدة ورفض الشهوات ووظائف الطاعات وأنواع المصائب في الأنفس والأموال ليتميز المخلص من المنافق والثابت في الدين من المضطرب فيه ولينالوا بالصبر عليها عوالي الدرجات فإن مجرد الإيمان وإن كان عن خلوص لا يقتضي غير الخلاص من الخلود في العذاب روي أنها نزلت في ناس من الصحابة جزعوا من أذى المشركين وقيل في عمار وقد عذب في الله تعالى وقيل في مهجع مولى عمر بن الخطاب رماه عامر بن الحضرمي بسهم يوم بدر فقتله فجزع عليه أبواه وامرأته(4/307)
" صفحة رقم 308 "
العنكبوت : ( 3 ) ولقد فتنا الذين . . . . .
) ولقد فتنا الذين من قبلهم ( متصل ب ) أحسب ( أو ب ) لا يفتنون ( والمعنى أن ذلك سنة قديمة جارية في الأمم كلها فلا ينبغي أن يتوقع خلافه ) فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ( فليتعلقن علمه بالامتحان تعلقا حاليا يتميز به الذين صدقوا في الإيمان والذين كانوا فيه وينوط به ثوابهم وعقابهم ولذلك قيل المعنى وليميزن أو ليجازين وقرئ ) وليعلمن ( من الإعلام أي وليعرفنهم الله الناس أو ليسمنهم بسمة يعرفون بها يوم القيامة كبياض الوجوه وسوادها
العنكبوت : ( 4 ) أم حسب الذين . . . . .
) أم حسب الذين يعملون السيئات ( الكفر والمعاصي فإن العمل يعم أفعال القلوب والجوارح ) أن يسبقونا ( أن يفوتونا فلا نقدر أن نجازيهم على مساويهم وهو ساد مسد مفعولي ) حسب ( لاشتماله على مسند ومسند إليه ويجوز أن يضمن ) حسب ( معنى قدر أو أم منقطعة والإضراب فيها لأن هذا الحسبان أبطل من الأول ولهذا عقبه بقوله ) ساء ما يحكمون ( أي بئس الذي يحكمونه أو حكما يحكمونه حكمهم هذا فحذف المخصوص بالذم
العنكبوت : ( 5 ) من كان يرجو . . . . .
) من كان يرجو لقاء الله ( في الجنة وقيل المراد بلقاء الله الوصول إلى ثوابه أو إلى العاقبة من الموت والبعث والحساب والجزاء على تمثيل حاله بحال عبد قدم على سيده بعد زمان مديد وقد اطلع السيد على أحواله فأما أن يلقاه ببشر لما رضي من أفعاله أو بسخط لما سخط منها ) فإن أجل الله ( فإن الوقت المضروب للقائه ) لآت ( لجاء وإذا كان وقت اللقاء آتيا كان اللقاء كائنا لا محالة فليبادر ما يحقق أمله ويصدق رجاءه أو ما يستوجب به القربة والرضا ) وهو السميع ( لأقوال العباد ) العليم ( بعقائدهم وأفعالهم
العنكبوت : ( 6 ) ومن جاهد فإنما . . . . .
) ومن جاهد ( نفسه بالصبر على مضض الطاعة والكف عن الشهوات ) فإنما يجاهد لنفسه ( لأن منفعته لها ) إن الله لغني عن العالمين ( فلا حاجة به إلى طاعتهم وإنما كلف عباده رحمة عليهم ومراعاة لصلاحهم
العنكبوت : ( 7 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . .
) والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ( الكفر بالإيمان والمعاصي بما يتبعها من الطاعات ) ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون ( أي أحسن جزاء أعمالهم
العنكبوت : ( 8 ) ووصينا الإنسان بوالديه . . . . .
) ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ( بإيتائهما فعلا ذا حسن أو كأنه في ذاته حسن لفرط حسنه ووصى يجري مجرى أمر معنى وتصرفا وقيل هو بمعنى قال أي وقلنا له أحسن(4/308)
" صفحة رقم 309 "
بوالديك ) حسنا ( وقيل ) حسنا ( منتصب بفعل مضمر على تقدير قول مفسر للتوصية أي قلنا أولهما أو افعل بهما ) حسنا ( وهو أفق لما بعده وعليه يحسن الوقف على ) بوالديه ( وقرئ ) حسنا ( و ) إحسانا ( ) وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم ( بإلهيته عبر عن نفيها بنفي العلم بها إشعارا بأن ما لا يعلم صحته لا يجوز اتباعه وإن لم يعلم بطلانه فضلا عما علم بطلانه ) فلا تطعهما ( في ذلك فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ولا بد من إضمار القول إن لم يضمر قبل ) إلي مرجعكم ( مرجع من آمن منكم ومن أشرك ومن بر بوالديه ومن عق ) فأنبئكم بما كنتم تعملون ( بالجزاء عليه والآية نزلت في سعد بن أبي وقاص وأمه حمنة فإنها لما سمعت بإسلامه حلفت أنها لا تنتقل من الضح ولا تطعم ولا تشرب حتى يرتد ولبثت ثلاثة أيام كذلك وكذا التي في لقمان والأحقاف
العنكبوت : ( 9 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . .
) والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين ( في جملتهم والكمال في الصلاح منتهى درجات المؤمنين ومتمنى أنبياء الله المرسلين أو في مدخلهم وهو الجنة
العنكبوت : ( 10 ) ومن الناس من . . . . .
) ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله ( بأن عذبهم الكفرة على الإيمان ) جعل فتنة الناس ( ما يصيبه من أذيتهم في الصرف عن الإيمان ) كعذاب الله ( في الصرف عن الكفر ولئن جاء نصر من ربك فتح وغنيمة ) ليقولن إنا كنا معكم ( في الدين فأشركونا فيه والمراد المنافقون أو قوم ضعف إيمانهم فارتدوا من أذى المشركين ويؤيد الأول ) أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين ( من الإخلاص والنفاق(4/309)
" صفحة رقم 310 "
العنكبوت : ( 11 ) وليعلمن الله الذين . . . . .
) وليعلمن الله الذين آمنوا ( بقلوبهم ) وليعلمن المنافقين ( فيجازي الفريقين
العنكبوت : ( 12 ) وقال الذين كفروا . . . . .
) وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ( الذي نسلكه في ديننا ) ولنحمل خطاياكم ( إن كان ذلك خطيئة أو إن كان بعث ومؤاخذة وإنما أمروا أنفسهم بالحمل عاطفين على أمرهم بالاتباع مبالغة في تعليق الحمل بالاتباع والوعد بتخفيف الأوزار عنهم إن كانت تشجيعا لهم عليه وبهذا الاعتبار رد عليهم وكذبهم بقوله ) وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون ( من الأولى للتبيين والثانية مزيدة والتقدير وما هم بحاملين شيئا من خطاياهم
العنكبوت : ( 13 ) وليحملن أثقالهم وأثقالا . . . . .
) وليحملن أثقالهم ( أثقال ما اقترفته أنفسهم ) وأثقالا مع أثقالهم ( وأثقالا أخر معها لما تسببوا له بالإضلال والحمل على المعاصي من غير أن ينقص من أثقال من تبعهم شيء ) وليسألن يوم القيامة ( سؤال تقريع وتبكيت ) عما كانوا يفترون ( من الأباطيل التي أضلوا بها
العنكبوت : ( 14 ) ولقد أرسلنا نوحا . . . . .
) ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ( بعد المبعث إذ روي أنه بعث على رأس الأربعين ودعا قوما تسعمائة وخمسين وعاش بعد الطوفان ستين ولعل اختيار هذه العبارة للدلالة على كمال العدد فإن تسعمائة وخمسين قد يطلق على ما يقرب منه ولما في ذكر الألف من تخييل طول المدة إلى السامع فإن المقصود من القصة تسلية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتثبيته على ما يكابده من الكفرة واختلاف المميزين لما في التكرير من البشاعة ) فأخذهم الطوفان ( طوفان الماء وهو لما طاف بكثرة من سيل أو ظلام أو نحوهما ) وهم ظالمون ( بالكفر
العنكبوت : ( 15 ) فأنجيناه وأصحاب السفينة . . . . .
) فأنجيناه ( أي نوحا ( صلى الله عليه وسلم ) ) وأصحاب السفينة ( ومن أركب معه من أولاده وأتباعه وكانوا ثمانين وقيل ثمانية وسبعين وقيل عشرة نصفهم ذكور ونصفهم إناث ) وجعلناها ( أي السفينة أو الحادثة ) آية للعالمين ( يتعظون ويستدلون بها(4/310)
" صفحة رقم 311 "
العنكبوت : ( 16 ) وإبراهيم إذ قال . . . . .
) وإبراهيم ( عطف على ) نوحا ( أو نصب بإضمار اذكر وقرئ بالرفع على تقدير ومن المرسلين إبراهيم ) إذ قال لقومه اعبدوا الله ( ظرف لأرسلنا أي أرسلناه حين كمل عقله وتم نظره بحيث عرف الحق وأمر الناس به أو بدل منه بدل اشتمال إن قدر باذكر ) واتقوه ذلكم خير لكم ( مما أنتم عليه ) إن كنتم تعلمون ( الخير والشر وتميزون ما هو خير مما هو شر أو كنتم تنظرون في الأمور بنظر العلم دون نظر الجهل
العنكبوت : ( 17 ) إنما تعبدون من . . . . .
) إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا ( وتكذبون كذبا في تسميتها آلهة وادعاء شفاعتها عند الله تعالى أو تعملونها وتنحتونها للإفك وهو استدلال على شرارة ما هم عليه من حيث إنه زور وباطل وقرئ / تخلقون / من خلق للتكثير ) وتخلقون ( من تخلق للتكلف و ) إفكا ( على أنه مصدر كالكذب أو نعت بمعنى خلقا ذا إفك ) إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا ( دليل ثان على شرارة ذلك من حيث إنه لا يجدي بطائل و ) رزقا ( يحتمل المصدر بمعنى لا يستطيعون أن يرزقوكم وأن يراد المرزوق وتنكيره للتعميم ) فابتغوا عند الله الرزق ( كله فإنه المالك له ) واعبدوه واشكروا له ( متوسلين إلى مطالبكم بعبادته مقيدين لما حفكم من النعم بشكره أو مستعدين للقائه بهما فإنه ) إليه ترجعون ( وقرئ بفتح التاء
العنكبوت : ( 18 ) وإن تكذبوا فقد . . . . .
) وإن تكذبوا ( وإن تكذبوني ) فقد كذب أمم من قبلكم ( من قبلي من الرسل فلم يضرهم تكذيبهم وإنما ضر أنفسهم حيث تسبب لما حل بهم من العذاب فكذا تكذيبهم ) وما على الرسول إلا البلاغ المبين ( الذي يزال معه الشك وما عليه أن يصدق ولا يكذب فالآية وما بعدها من جملة قصة ) إبراهيم ( إلى قوله ) فما كان جواب قومه ( ويحتمل أن تكون اعتراضا بذكر شأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقريش وهدم مذهبهم والوعيد على سوء صنيعهم توسط بين طرفي قصته من حيث إن مساقها لتسلية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والتنفيس عنه بأن أباه خليل الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان ممنوا بنحو ما مني به من شرك القوم وتكذيبهم وتشبيه حاله فيهم بحال إبراهيم في قومه
العنكبوت : ( 19 ) أو لم يروا . . . . .
) أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ( من مادة ومن غيرها وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر بالتاء على تقدير القول وقرئ ) يبدأ ( ) ثم يعيده ( إخبار بالإعادة بعد الموت معطوف(4/311)
" صفحة رقم 312 "
على ) أو لم يروا ( لا على ) يبدئ ( فإن الرؤية غير واقعة عليه ويجوز أن تؤول الإعادة بأن ينشئ في كل سنة مثل ما كان في السنة السابقة من النبات والثمار ونحوهما وتعطف على ) يبدئ ( ) إن ذلك ( الإشارة إلى الإعادة أو إلى ما ذكر من الأمرين ) على الله يسير ( إذ لا يفتقر في فعله إلى شيء
العنكبوت : ( 20 ) قل سيروا في . . . . .
) قل سيروا في الأرض ( حكاية كلام الله لإبراهيم أو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) فانظروا كيف بدأ الخلق ( على اختلاف الأجناس والأحوال ) ثم الله ينشئ النشأة الآخرة ( بعد النشأة الأولى التي هي الإداء فإنه والإعادة نشأتان من حيث أن كلا اختراع وإخراج من العدم والإفصاح باسم الله مع إيقاعه مبتدأ بعد إضماره في بدأ والقياس الاقتصار عليه للدلالة على أن المقصود بيان الإعادة وأن من عرف بالقدرة على الإبداء ينبغي أن يحكم له بالقدرة على الإعادة لأنها أهون والكلام في العطف ما مر وقرئ / النشاءة / كالرآفة ) إن الله على كل شيء قدير ( لأن قدرته لذاته ونسبة ذاته إلى كل الممكنات على سواء فيقدر على النشأة الأخرى كما قدر على النشأة الأولى
العنكبوت : ( 21 ) يعذب من يشاء . . . . .
) يعذب من يشاء ( تعذيبه ) ويرحم من يشاء ( رحمته ) وإليه تقلبون ( تردون
العنكبوت : ( 22 ) وما أنتم بمعجزين . . . . .
) وما أنتم بمعجزين ( ربكم عن إدراككم ) في الأرض ولا في السماء ( إن فررتم من قضائه بالتواري في الأرض أو الهبوط في مهاويها والتحصن ) في السماء ( أو اقلاع الذاهبة فيها وقيل ولا من في السماء كقول حسان " أمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء " ) وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ( يحرسكم عن بلاء يظهر من الأرض أو ينزل من السماء ويدفعه عنكم(4/312)
" صفحة رقم 313 "
العنكبوت : ( 23 ) والذين كفروا بآيات . . . . .
) والذين كفروا بآيات الله ( بدلائل وحدانيته أو بكتبه ) ولقائه ( بالبعث ) أولئك يئسوا من رحمتي ( أي ييأسون منها يوم القيامة فعبر عنه بالماضي للتحقق والمبالغة أو أيسوا في الدنيا لإنكار البعث والجزاء ) أولئك لهم عذاب أليم ( بكفرهم
العنكبوت : ( 24 ) فما كان جواب . . . . .
) فما كان جواب قومه ( قوم إبراهيم له وقرئ بالرفع على أنه الاسم والخبر ) إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه ( وكان ذلك قول بعضهم لكن لما قيل فيهم ورضي به الباقون أسند إلى كلهم ) فأنجاه الله من النار ( أي فقذفوه في النار فأنجاه الله منها بأن جعلها عليه بردا وسلاما ) إن في ذلك ( في إنجائه منها ) لآيات ( هي حفظه من أذى النار وإخمادها مع عظمها في زمان يسر وإنشاء روض مكانها ) لقوم يؤمنون ( لأنهم المنتفعون بالتفحص عنها والتأمل فيها
العنكبوت : ( 25 ) وقال إنما اتخذتم . . . . .
) وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ( أي لتتوادوا بينكم وتتواصلوا لاجتماعكم على عبادتها وثاني مفعولي ) اتخذتم ( محذوف ويجوز أن تكون مودة المفعول الثاني بتقدير مضاف أي اتخذتم أوثان سبب المودة بينكم أو بتأويلها بالمودودة وقرأها نافع وابن عامر وأبو بكر منونة ناصبة بينكم والوجه ما سبق وابن كثير وأبو عمرو والكسائي ورويس مرفوعة مضافة على أنها خبر مبتدأ محذوف أي هي مودودة أو سبب مودة بينكم والجملة صفة ) أوثانا ( أو خبر إن عاة ) إنما ( مصدرية أو موصولة والعائد محذوف وهو المفعول الأول وقرئت مرفوعه منونة ومضافة بفتح ) بينكم ( كما قرئ ) لقد تقطع بينكم ( وقرئ / إنما مودة بينكم / ) ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ( أي يقوم التناكر والتلاعن بينكم أو بينكم وبين الأوثان على تغليب المخاطبين كقوله تعالى ) ويكونون عليهم ضدا ( ) ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ( يخلصونكم منها
العنكبوت : ( 26 ) فآمن له لوط . . . . .
) فآمن له لوط ( هو ابن أخيه وأول من آمن به وقيل إنه آمن به حين رأى النار لم تحرقه ) وقال إني مهاجر ( من قومي ) إلى ربي ( إلى حيث أمرني ) إنه هو العزيز ( الذي يمنعني من أعدائي ) الحكيم ( الذي لا يأمرني إلا بما فيه صلاحي روي أنه(4/313)
" صفحة رقم 314 "
هاجر من كوثى من سواد الكوفة مع لوط وامرأته سارة ابنة عمه إلى حران ثم منها إلى الشام فنزل فلسطين ونزل لوط سدوم
العنكبوت : ( 27 ) ووهبنا له إسحاق . . . . .
) ووهبنا له إسحاق ويعقوب ( ولدا ونافلة حين أيس من الولادة من عجوز عاقر ولذلك لم يذكر إسماعيل ) وجعلنا في ذريته النبوة ( فكثر منهم الأنبياء ) والكتاب ( يريد به الجنس ليتناول الكتب الأربعة ) وآتيناه أجره ( على هجرته إلينا ) في الدنيا ( بإعطاء الولد في غير أوانه والذرية الطيبة واستمرار النبوة فيهم وإنماء أهل الملل إليه والثناء والصلاة عليه إلى آخر الدهر ) وإنه في الآخرة لمن الصالحين ( لفي عداد الكاملين في الصلاح
العنكبوت : ( 28 ) ولوطا إذ قال . . . . .
) ولوطا ( عطف على إبراهيم أو على ما عطف عليه ) إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ( الفعلة البالغة في القبح وقرأ الحرميان وابن عامر وحفص بهمزة مكسورة على الخبر والباقون على الاستفهام وأجمعوا على الاستفهام في الثاني ) ما سبقكم بها من أحد من العالمين ( استئناف مقرر لفاحشتها من حيث إنها مما اشمأزت منه الطباع وتحاشت عنه النفوس حتى أقدموا عليه لخبث طينتهم
العنكبوت : ( 29 ) أئنكم لتأتون الرجال . . . . .
) أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل ( وتتعرضون للسابلة بالتقل وأخذ المال أو بالفاحشة حتى انقطعت الطرق أو تقطعون سبيل النسل بالاعراض عن الحرث واتيان ما ليس بحرث ) وتأتون في ناديكم ( في مجالسكم الغاصة بأهلها ولا يقال النادي إلا لما فيه أهله ) المنكر ( كالجماع والضراط وحل الازار وغيرها من القبائح عدم مبالاة بها وقيل الخذف ورمي البنادق ) فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين ( في استقباح ذلك أو في دعوى النبوة المفهومة من التوبيخ
العنكبوت : ( 30 ) قال رب انصرني . . . . .
) قال رب انصرني ( بإنزال العذاب ) على القوم المفسدين ( باتباع الفاحشة وسنها فيمن بعدهم وصفهم بذلك مبالغة في استنزال العذاب واشعارا بأنهم احقاء بأن يعجل لهم العذاب
العنكبوت : ( 31 ) ولما جاءت رسلنا . . . . .
) ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى ( بالبشارة بالولد والنافلة ) قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية ( قرية سدوم والاضافة لفظية لأن المعنى على الاستقبال ) إن أهلها كانوا ظالمين ((4/314)
" صفحة رقم 315 "
تعليل لإهلاكهم لهم بإصرارهم وتماديهم في ظلمهم الذي هو الكفر وأنواع المعاصي
العنكبوت : ( 32 ) قال إن فيها . . . . .
) قال إن فيها لوطا ( اعتراض عليهم بأن فيها من لم يظلم أو معارضة للموجب بالمانع وهو كون النبي بين أظهرهم ) قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله ( تسليم لقوله مع ادعاء مزيد العلم به وأنهم ما كانوا غافلين عنه وجواب عنه بتخصيص الاهل بمن عداه وأهله أو تأقيت الاهلاك بإخراجهم منها وفيه تأخير للبيان عن الخطاب ) إلا امرأته كانت من الغابرين ( الباقين في العذاب أو القرية
العنكبوت : ( 33 ) ولما أن جاءت . . . . .
) ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم ( جاءته المساءة والغم بسببهم مخافة أن يقصدهم قومه بسوء و ) إن ( صلة لتأكيد الفعلين واتصالهما ) وضاق بهم ذرعا ( وضاق بشأنهم وتدبير أمرهم ذرعه أي طاقته كقولهم ضاقت يده وبإزائه رحب ذرعه بكذا إذا كان مطيقا له وذلك لأن طويل الذراع ينال ما لا يناله قصير الذراع ) وقالوا ( لما رأوا فيه أثر الضجرة ) لا تخف ولا تحزن ( على تمكنهم منا ) إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين ( وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب ) لننجينه ( / ومنجوك / بالتخفيف ووافقهم أبو بكر وابن كثير في الثاني وموضع الكاف الجر على المختار ونصب ) أهلك ( بإضمار فعل أو بالعطف على محلها باعتبار الأصل
العنكبوت : ( 34 ) إنا منزلون على . . . . .
) إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء ( عذابا منها سمي بذلك لأنه يقلق المعذب من قولهم ارتجز إذا ارتجس أي اضطرب وقرأ ابن عامر ) منزلون ( بالتشديد ) بما كانوا يفسقون ( بسبب فسقهم
العنكبوت : ( 35 ) ولقد تركنا منها . . . . .
) ولقد تركنا منها آية بينة ( هي حكايتها الشائعة أو آثار الديار الخربة وقيل الحجارة الممطرة فإنها كانت باقية بعد وقيل بقية انهارها المسودة ) لقوم يعقلون ( يستعملون عقولهم في الاستبثار والاعتبار وهو متعلق ب ) تركنا ( أو ) آية ((4/315)
" صفحة رقم 316 "
العنكبوت : ( 36 ) وإلى مدين أخاهم . . . . .
) وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ( وافعلوا ما ترجون به ثومابه فأقيم المسبب مقام السبب وقيل إنه من الرجاء بمعنى الخوف ) ولا تعثوا في الأرض مفسدين )
العنكبوت : ( 37 ) فكذبوه فأخذتهم الرجفة . . . . .
) فكذبوه فأخذتهم الرجفة ( الزلزلة الشديدة وقيل صيحة جبريل عليه السلام لأن القلوب ترجف لها ) فأصبحوا في دارهم ( في بلدهم أو دورهم ولم يجمع لأمن اللبس ) جاثمين ( باركين على الركب ميتين
العنكبوت : ( 38 ) وعادا وثمود وقد . . . . .
) وعادا وثمود ( منصوبان بإضمار اذكر أو فعل دل عليه ما قبله مثل اهلكنا وقرأ حمزة وحفص ويعقوب / وثمودا / غير منصرف على تأويل القبيلة وقد تبين لكم من مساكنهم أي تبين لهم بعض مساكنهم أو اهلاكهم من جهة مساكنهم إذا نظرتم إليها عند مروركم بها ) وزين لهم الشيطان أعمالهم ( من الكفر والمعاصي ) فصدهم عن السبيل ( السوي الذي بينه الرسل لهم ) وكانوا مستبصرين ( متمكنين من النظر والاستبصار ولكنهم لم يفعلوا أو متبينين أو العذاب لاحق بهم بأخبار الرسل لهم ولكنهم لجوا حتى هلكوا
العنكبوت : ( 39 ) وقارون وفرعون وهامان . . . . .
) وقارون وفرعون وهامان ( معطوف على عادا وتقديم ) قارون ( لشرف نسبه ) ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين ( فائتين بل أدركهم أمر الله من سبق طالبه إذا فاته
العنكبوت : ( 40 ) فكلا أخذنا بذنبه . . . . .
) فكلا ( من المذكورين ) أخذنا بذنبه ( عاقبناه بذنبه ) فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ( ريحا عاصفا فيها حصباء أو ملكا رماهم بها كقوم لوط ) ومنهم من أخذته الصيحة ( كمدين وثمود ) ومنهم من خسفنا به الأرض ( كقارون ) ومنهم من أغرقنا ( كقوم نوح وفرعون وقومه ) وما كان الله ليظلمهم ( ليعاملهم معاملة الظالم فيعاقبهم بغير جرم إذ ليس ذلك من عادته عز وجل ) ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( بالتعرض للعذاب
العنكبوت : ( 41 ) مثل الذين اتخذوا . . . . .
) مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء ( فما اتخذوه معتمدا ومتكلا ) كمثل العنكبوت اتخذت بيتا ( فيما نيسجته في الوهن والخور بل ذاك اوهن فإن لهذا حقيقة(4/316)
" صفحة رقم 317 "
وانتفاعا ما أو مثلهم بالاضافة إلى رجل بنى بيتا من حجر وجص والعنكبوت يقع على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث والتاء فيه كتاء طاغوت ويجمع على عناكيب وعناكب وعكاب وعكبة وأعكب ) وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت ( لا بيت اوهن وأقل وقاية للحر والبرد منه ) لو كانوا يعلمون ( يرجعون إلى علم لعلموا أن هذا مثلهم وان دينهم اوهن من ذلك ويجوز أن يكون المراد ببيت العنكبوت دينهم سماه به تحقيقا للتمثيل فيكون المعنى وان اوهن ما يعتمد به في الدين دينهم
العنكبوت : ( 42 ) إن الله يعلم . . . . .
) إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء ( على اضمار القول أي قل للكفرة إن الله يعلم وقرأ البصريان بالياء حملا على ما قبله و / ما استفهامية / منصوبة ب ) تدعون ( و ) يعلم ( معلقة عنها و ) من ( للتبيين أو نافية و ) من ( مزيدة و ) شيء ( مفعول ) تدعون ( أو مصدرية و ) شيء ( مصدر أو موصولة مفعول ليعلم ومفعول ) تدعون ( عائدها المحذوف والكلام على الأولين تجهيل لهم وتوكيل للمثل وعلى الاخيرين وعيد لهم ) وهو العزيز الحكيم ( تعليل على المعنيين فإن من فرط الغباوة اشراك ما لا يعد شيئا بمن هذا شأنه وان الجماد بالاضافة إلى القاهر على كل شيء البالغ في العلم واتقان الفعل الغاية كالمعدوم وان من هذا وصفه قادر على مجازاتهم
العنكبوت : ( 43 ) وتلك الأمثال نضربها . . . . .
) وتلك الأمثال ( يعني هذا المثل ونظائره ) نضربها للناس ( تقيبا لما بعد من افهامهم ) وما يعقلها ( ولا يعقل حسنها وفائدتها ) إلا العالمون ( الذين يتدبرون الاشياء على ما ينبغي وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) أنه تلا هذه الآية فقال العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه(4/317)
" صفحة رقم 318 "
العنكبوت : ( 44 ) خلق الله السماوات . . . . .
) خلق الله السماوات والأرض بالحق ( محقا غير قاصد به باطلا فإن المقصود بالذات من خلقها إفادة الخير والدلالة على ذاته وصفاته كما أشار إليه بقوله ) إن في ذلك لآية للمؤمنين ( لأنهم المنتفعون به
العنكبوت : ( 45 ) اتل ما أوحي . . . . .
) اتل ما أوحي إليك من الكتاب ( تقربا إلى الله تعالى بقراءته وتحفظا لألفاظه واستكشافا لمعانيه فإن القارئ المتأمل قد ينكشف به بالتكرار ما لم ينكشف له أول ما قرع سمعه ) وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ( بأن تكون سببا للانتهاء عن المعاصي حال الاشتغال بها وغيرها من حيث إنها تذكر الله وتورث النفس خشية منه روي أن فتى من الأنصار كان يصلي مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الصلوات ولا يدع شيئا من الفواحش إلا ارتكبه فوصف له عليه السلام فقال أن صلاته ستنهاه فلم يلبث أن تاب ) ولذكر الله أكبر ( وللصلاة اكبر من سائر الطاعات وانما عبر عنها به للتعليل بأن اشتمالها على ذكره هو العمدة في كونها مفضلة على الحسنات ناهية عن السيئات أو لذكر الله اياكم برحمته اكبر من ذكركم إياه بطاعته ) والله يعلم ما تصنعون ( منه ومن سائر الطاعات فيجازيكم به أحسن المجازاة
العنكبوت : ( 46 ) ولا تجادلوا أهل . . . . .
) ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ( إلا بالخصلة التي هي احسن كمعارضة الخشونة باللين والغضب بالكظم والمشاغبة بالنصح وقيل هو منسوخ بآية السيف إذ لا مجادلة اشد منه وجوابه انه آخر الدواء وقيل المراد به ذو العهد منهم ) إلا الذين ظلموا منهم ( بالافراط في الاعتداء والعناد أو بإثبات الولد قولهم ) يد الله مغلولة ( أو بنبيذ العهد ومنه الجزية ) وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم ( هو من المجادلة بالتي هي احسن وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وبكتبه ورسله فإن قالوا باطلا لم تصدقوهم وان قالوا حقا لم تكذبوهم ) وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون ((4/318)
" صفحة رقم 319 "
مطيعون له خاصة وفيه تعريض باتخاذهم احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله
العنكبوت : ( 47 - 48 ) وكذلك أنزلنا إليك . . . . .
) وكذلك ( ومثل ذلك الانزال ) أنزلنا إليك الكتاب ( وحيا مصدقا لسائر الكتب الإلهية وهو تحقيق لقوله ) فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ( هم عبد الله بن سلام واضرابه أو من تقدم عهد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) من أهل الكتاب ) ومن هؤلاء ( ومن العرب أو أهل مكة أو ممن في عهد الرسول من أهل الكتابين ) من يؤمن به ( بالقرآن ) وما يجحد بآياتنا ( مع ظهورها وقيام الحجة عليها ) إلا الكافرون ( إلا المتوغلون في الكفر فإن جزمهم به يمنعهم عن التأمل فيما يقيد لهم صدقها لكونها معزة بالاضافة إلى الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) كما أشار إليه بقوله ) وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك ( فإن ظهور هذا الكتاب الجامع لأنواع العلوم الشريفة أمي لم يعرف بالقراءة والتعلم خارق للعادة وذكر اليمين زيادة تصوير للمنفي ونفي للتجوز في الإسناد ) إذا لارتاب المبطلون ( أي لو كنت ممن يخط ويقرأ لقالوا لعله تعلمه أو التقطه من كتب الأولين الاقدمين وانما سماهم مبطلين لكفرهم أو لاتيابهم بانتفاء وجه واحد من وجوه الاعجاز المكاثرة وقيل لارتاب أهل الكتاب لوجدانهم نعتك على خلاف ما في كتبهم فيكون ابطالهم باعتبار الواقع دون المقدر ) بل هو ( بل القرآن(4/319)
" صفحة رقم 320 "
العنكبوت : ( 49 ) بل هو آيات . . . . .
) آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ( يحفظونه لا يقدر أحد على تحريفه ) وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون ( المتوغلون في الظلم بالمكابرة بعد وضوح دلائل اعجازها حتى لم يعتدوا بها ) وقالوا لولا أنزل عليه آية من ربه ( مثل ناقة صالح وعصا موسى ومائدة عيسى وقرأ نافع وابن عامر والبصريان وحفص ) آيات ( ) قل إنما الآيات عند الله ( ينزلها كما يشاء لست املكها فآتيكم بما تقترحونه ) أنما أنا نذير مبين ( ليس من شأني إلا الانذار وابانته بما عطيت من الآيات
العنكبوت : ( 51 ) أو لم يكفهم . . . . .
) أو لم يكفهم ( آية مغنية عما اقترحوه ) أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ( تدوم تلاوته عليهم متحدين به فلا يزال معهم آية ثابتة لا تضمحل بخلاف سائر الآيات أو يتلى عليهم يعني اليهود بتحقيق ما في أيديهم من نعتك ونعت دينك ) إن في ذلك ( الكتاب الذي هو آية مستمرة وحجة مبينة ) لرحمة ( لنعمة عظيمة ) وذكرى لقوم يؤمنون ( وتذكرة لمن همه الإيمان دون التعنت وقيل أن اناسا من المسلمين أتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بكتب كتب فيها بعض ما يقول اليهود فقال كفى بها ضلالة قوم أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم إلى ما جاء به غير نبيهم فنزلت
العنكبوت : ( 52 ) قل كفى بالله . . . . .
) قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا ( بصدقي وقد صدقني بالمعجزات أو بتبليغي ما ارسلت به اليكم ونصحي ومقابلتكم اياي بالتكذيب والتعنت ) يعلم ما في السماوات والأرض ( فلا يخفى عليه حالي وحالكم ) والذين آمنوا بالباطل ( وهو ما يعبد من دون(4/320)
" صفحة رقم 321 "
الله ) وكفروا بالله ( منكم ) أولئك هم الخاسرون ( في صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالأيمان
العنكبوت : ( 53 ) ويستعجلونك بالعذاب ولولا . . . . .
) ويستعجلونك بالعذاب ( بقولهم ) فأمطر علينا حجارة من السماء ( ) ولولا أجل مسمى ( لكل عذاب أو قوم ) لجاءهم العذاب ( عاجلا ) وليأتينهم بغتة ( فجأة الدنيا كوقعة بدر أو الآخرة عند نزول الموت بهم ) وهم لا يشعرون ( بإتيانه
العنكبوت : ( 54 ) يستعجلونك بالعذاب وإن . . . . .
) يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ( ستحيط بهم يوم يأتيهم العذاب أو هي كالمحيطة بهم الآن لإحاطة الكفر والمعاصي التي توجبها بهم واللام للعهد على وضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على موجب الاحاطة أو للجنس فيكون استدلالا بحكم الجنس على حكمهم
العنكبوت : ( 55 ) يوم يغشاهم العذاب . . . . .
) يوم يغشاهم العذاب ( ظرف ) لمحيطة ( أو مقدرة مثل كان كيت وكيت ) من فوقهم ومن تحت أرجلهم ( من جميع جوانبهم ) ويقول ( الله أو بعض ملائكته بأمره لقراءة ابن كثير وابن عامر والبصريين بالنون ) ذوقوا ما كنتم تعملون ( أي جزاءه
العنكبوت : ( 56 ) يا عبادي الذين . . . . .
) يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون ( أي إذا لم يتسهل لكم العبادة في بلدة ولم يتيسر لكم اظهار دينكم فهاجروا إلى حيث يتمشى لكم ذلك وعنه عليه الصلاة والسلام من فر بدينه من ارض إلى ارض ولو كان شرا استوجب الجنة وكان رفيق إبراهيم محمد عليهما السلام والفاء جواب شرط محذوف إذ المعنى إن ارضي واسعة أن لم تخلصوا العبادة لي في ارض فأخلصوها في غيرها
العنكبوت : ( 57 ) كل نفس ذائقة . . . . .
) كل نفس ذائقة الموت ( تناله لا محالة ) ثم إلينا ترجعون ( للجزاء ومن هذا عاقبته ينبغي أن يجتهد في الاستعداد له وقرأ أبو بكر بالياء(4/321)
" صفحة رقم 322 "
العنكبوت : ( 58 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . .
) والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم ( لننزلنهم ) من الجنة غرفا ( علالي وقرأ حمزة الكسائي / لنثوينهم / أي لنقيمنهم من الثواء فيكون انتصاب غرفا لاجرائه مجرى لننزلهم أو بنزع الخافض أو بتشبيه الظرف المؤقت بالمبهم ) تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين ( وقرئ ) فنعم ( والمخصوص بالمدح محذوف دل عليه ما قبله
العنكبوت : ( 59 ) الذين صبروا وعلى . . . . .
) الذين صبروا ( على اذية المشركين والهجرة للدين إلى غير ذلك من المحن والمشاق ) وعلى ربهم يتوكلون ( ولا يتوكلون إلا على الله
العنكبوت : ( 60 ) وكأين من دابة . . . . .
) وكأين من دابة لا تحمل رزقها ( لا تطيق حمله لضعفها أو لا تدخره وانما تصبح ولا معيشة عندها ) الله يرزقها وإياكم ( ثم إنها مع ضعفها وتوكلها واياكم مع قوتكم واجتهادكم سواء في انه لا يرزقها واياكم إلا الله لان رزق الكل بأسباب هو المسبب لها وحده فلا تخافوا على معاشكم بالهجرة فإنهم لما امروا بالهجرة قال بعضهم كيف نقدم بلدة ليس لنا فيها معيشة فنزلت ) وهو السميع ( لقولكم هذا ) العليم ( بضميركم
العنكبوت : ( 61 ) ولئن سألتهم من . . . . .
) ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ( المسؤول عنهم أهل مكة ) ليقولن الله ( لما تقرر في العقول من وجوب انتهاء الممكنات إلى واحد واجب الوجود ) فأنى يؤفكون ( يصرفون عن توحيده بعد اقرارهم بذلك
العنكبوت : ( 62 ) الله يبسط الرزق . . . . .
) الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له ( يحتمل أن يكون الموسع له والمضيق عليه واحدا على أن البسط والقبض على التعاقب وألا يكون على وضع الضمير موضع من يشاء وابهامه لأن من يشاء مبهم ) أن الله بكل شيء عليم ( يعلم مصالحهم ومفاسدهم
العنكبوت : ( 63 ) ولئن سألتهم من . . . . .
) ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله ((4/322)
" صفحة رقم 323 "
معترفين بأنه الموجد للممكنات بأسرها اصولها وفروعها ثم انهم يشركون به بعض مخلوقاته الذي لا يقدر على شيء من ذلك ) قل الحمد لله ( على ما عصمك من مثل هذه الضلالة أو على تصديقك واظهار حجتك ) بل أكثرهم لا يعقلون ( فيتناقضون حيث يقرون بأنه المبدئ لكل ما عداه ثم انهم يشركون به الصنم وقيل لا يعقلون ما تريد بتحميدك عن مقالهم
العنكبوت : ( 64 ) وما هذه الحياة . . . . .
) وما هذه الحياة الدنيا ( إشارة تحقير وكيف لا وهي لا تزن عند الله جناح بعوضة ) إلا لهو ولعب ( إلا كما يلهى ويلعب به الصبيان يجتمعون عليه ويبتهجون به ساعة ثم يتفرقون متعبين ) وإن الدار الآخرة لهي الحيوان ( لهي دار الحياة الحقيقة لامتناع طريان الموت عليها أو هي في ذاتها حياة للمبالغة و ) الحيوان ( مصدر حي سمي به ذو الحياة واصله حييان فقلبت الياء الثانية واوا وهو ابلغ من الحياة لما في بناء فعلان من الحركة والاضطراب اللازم للحياة ولذلك اختير عليها ها هنا ) لو كانوا يعلمون ( لم يؤثروا عليها الدنيا التي اصلها عدم الحياة والحياة فيها عارضة سريعة الزوال
العنكبوت : ( 65 ) فإذا ركبوا في . . . . .
) فإذا ركبوا في الفلك ( متصل بما دل عليه شرح حالهم أي هم على ما وصفوا به من الشرك فإذا ركبوا البحر ) دعوا الله مخلصين له الدين ( كائنين في صورة من أخلص دينه من المؤمنين حيث لا يذكرون إلا الله ولا يدعون سواه لعلمهم بأنه لا يكشف الشدائد إلا هو ) فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ( فاجؤوا المعاودة إلى الشرك
العنكبوت : ( 66 ) ليكفروا بما آتيناهم . . . . .
) ليكفروا بما آتيناهم ( اللام فيه لام كي أي يشركون ليكونوا كافرين بشركهم نعمة النجاة ) وليتمتعوا ( باجتماعهم على عبادة الاصنام وتوادهم عليها أو لام الأمر على التهديد ويؤيده قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي وقالون عن نافع ) وليتمتعوا ( بالسكون ) فسوف يعلمون ( عاقبة ذلك حين يعاقبون(4/323)
" صفحة رقم 324 "
العنكبوت : ( 67 ) أو لم يروا . . . . .
) أو لم يروا ( يعني أهل مكة ) أنا جعلنا حرما آمنا ( أي جعلنا بدلهم مصونا عن النهب والتعدي آمنا أهله عن القتل والسبي ) ويتخطف الناس من حولهم ( يختلسون قتلا وسبيا إذ كانت العرب حوله في تغاور وتناهب ) أفبالباطل يؤمنون ( ابعد هذه النعمة المكشوفة وغيرها مما لا يقدر عليه إلا الله يؤمنون بالصنم أو الشيطان ) وبنعمة الله يكفرون ( حيث اشركوا به غيره وتقديم الصلتين للاهتمام أو الاختصاص على طريق المبالغة
العنكبوت : ( 68 ) ومن أظلم ممن . . . . .
) ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( بأن زعم أن له شريكا ) أو كذب بالحق لما جاءه ( يعني الرسول أو الكتاب وفي ) لما ( تسفيه لهم بأن لم يتواقفوا ولم يتأملوا قط حين جاءهم بل سارعوا إلى التكذيب أول ما سمعوه ) أليس في جهنم مثوى للكافرين ( تقرير لثوائهم كقوله " الستم خير من ركب المطايا " أي إلا يستوجبون الثواء فيها وقد افتروا مثل هذه الكذب على الله وكذبوا بالحق مثل هذا التكذيب أو لاجترائهم أي ألم يعلموا أن ) في جهنم مثوى للكافرين ( حتى اجترؤوا مثل هذه الجراءة
العنكبوت : ( 69 ) والذين جاهدوا فينا . . . . .
) والذين جاهدوا فينا ( في حقنا واطلاق المجاهدة ليعم جهاد الاعادي الظاهرة والباطنة بأنواعه ) لنهدينهم سبلنا ( سبل السير إلينا والوصول إلى جنابنا أو لنزيدنهم هداية إلى سبيل الخير وتوفيقا لسلوكها كقوله تعالى ) والذين اهتدوا زادهم هدى ( وفي(4/324)
" صفحة رقم 325 "
الحديث من عمل بما عمل ورثه الله علم ما لم يعلم ) وإن الله لمع المحسنين ( بالنصر والاعانة قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة العنكبوت كان له من الاجر عشر حسنات بعدد كل المؤمنين المنافقين(4/325)
" صفحة رقم 326 "
سورة الروم
مكية إلا قوله فسبحان الله الآية وآيها ستون أو تسع وخمسون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الروم : ( 1 ) الم
) الم )
الروم : ( 2 - 3 ) غلبت الروم
) غلبت الروم في أدنى الأرض ( ارض العرب منهم لأنها الأرض المعهودة عندهم أو في ادنى ارضهم من العرب واللام بدل من الاضافة ) وهم من بعد غلبهم ( من إضافة المصدر إلى المفعول وقرئ ) غلبهم ( وهو لغة كالجلب والجلب ) سيغلبون )
الروم : ( 4 ) في بضع سنين . . . . .
) في بضع سنين ( روي أن فارس غزوا الروم فوافوهم بأذرعات وبصرى وقيل بالجزيرة وهي ادنى ارض الروم من الفرس فغلبوا عليهم وبلغ الخبر مكة ففرح المشركون وشمتوا بالمسلمين وقالوا أنتم والنصارى أهل كتاب ونحن وفارس اميون وقد ظهر اخواننا على اخوانكم ولنظهرن عليكم فنزلت فقال لهم أبو بكر لا يقرن الله اعينكم فوالله لتظهرن الروم على فارس بعد بضع سنين فقال له أبي بن خلف كذبت اجعل بيننا اجلا أنا حبك عليه فناحبه على عشر قلائص من كل واحد منهما وجعلا الاجل ثلاث سنين فأخبر أبو بكر رضي الله عنه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال البضع ما بين الثلاث إلى التسع فزايده في الخطر وماده في الاجل فجعلاه مائة قلوص إلى تسع سنين ومات أبي من جرح رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعد قفوله من أحد وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية فأخذ أبو بكر(4/326)
" صفحة رقم 327 "
الخطر من ورثة أبي وجاء به إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال تصدق به واستدلت به الحنفية على جواز العقود الفاسدة في دار الحرب واجيب بأنه كان قبل تحريم القمار والاية من دلائل النبوة لأنها إخبار عن الغخيب وقرئ ) غلبت ( بالفتح و ) سيغلبون ( بالضم ومعناه أن الروم غلبوا على الروم على ريف الشام والمسلمون سيغلبونهم وفي السنة التاسعة من نزوله غزاهم المسلمون وفتحوا بعض بلادهم وعلى هذا تكون إضافة الغلب إلى الفاعل ) لله الأمر من قبل ومن بعد ( من قبل كونهم غالبين وهو وقت كونهم مغلوبين ومن بعد كونهم مغلوبين وهو وقت كوهم غالبين أي له الأمر حين غلوا وحين يغلبون ليس شيء منهما إلا بقضائه وقرئ ) من قبل ومن بعد ( من غير تقدير مضاف إليه كأنه قيل قبلا وبعدا أي أولا وآخرا ) ويومئذ ( ويوم تغلب الروم ) يفرح المؤمنون )
الروم : ( 5 ) بنصر الله ينصر . . . . .
) بنصر الله ( من له كتاب على من لا كتاب له لما فيه من انقلاب التفاؤل وظهور صدقهم فيما اخبرا به المشركين وغلبتهم في رهانهم وازدياد يقينهم وثباتهم في دينهم وقيل بنصر الله المؤمنين باظهار صدقهم أو بان ولي بعض أعدائهم بعضا حتى تفانوا ) ينصر من يشاء ( فينصر هؤلاء تارة وهؤلاء أخرى ) وهو العزيز الرحيم ( ينتقم من عباده بالنصر عليهم تارة ويتفضل عليهم بنصرهم أخرى
الروم : ( 6 ) وعد الله لا . . . . .
) وعد الله ( مصدر مؤكد لنفسه لأن ما قبله في معنى الوعد ) لا يخلف الله وعده ( لامتناع الكذب عليه تعالى ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( وعده ولا صحة وعده لجهلهم وعدم تفكرهم
الروم : ( 7 ) يعلمون ظاهرا من . . . . .
) يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ( ما يشاهدونه منها والتمتع بزخارفها ) وهم عن الآخرة ( التي هي غايتها والمقصود منها ) هم غافلون ( لا تخطر ببالهم و ) هم ( الثانية تكرير للاولى أو مبتدأ و ) غافلون ( خبره والجملة خبر الأولى وهو على الوجهين مناد على تمكين غفلتهم عن الآخرة المحققة لمقتضى الجملة المتقدمة المبدلة من قوله ) لا يعلمون ( تقريرا لجهالتهم وتشبيها لهم بالحيوانات المقصور ادراكها من الدنيا ببعضها(4/327)
" صفحة رقم 328 "
ظاهرها فإن من العلم بظاهرها معرفة حقائقها وصفاتها وخصائصها وأفعالها واسبابها وكيفية صدورها منها وكيفية التصرف فيها ولذلك نكر ظاهرا واما باطنها فإنها خاز إلى الآخرة ووصلة إلى نيلها وانموذج لاحوالها واشعارا بأنه لا فرق بين عدم العلم والعلم الذي يختص بظاهر الدنيا
الروم : ( 8 ) أو لم يتفكروا . . . . .
) أو لم يتفكروا في أنفسهم ( أو لم يحدثوا التفكر فيها أو أو لم يتفكروا في أمر أنفسهم فإنها اقرب إليهم من غيرها ومرآة يجتلى فيها للمستبصر ما يجتلى له في الممكنات بأسرها ليتحقق لهم قدرة مبدعها على إعادتها مثل قدرته على ابدائها ) ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ( متعلق بقول أو علم محذوف يدل عليه الكلام ) وأجل مسمى ( تنتهي عنده ولا تبقى بعده ) وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم ( بلقاء جزائه عند انقضاء الاجل المسمى أو قيام لاساعة ) لكافرون ( جاحدون يحسبون أن الدنيا ابدية وان الآخرة لا تكون
الروم : ( 9 ) أو لم يسيروا . . . . .
) أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ( تقرير لسيرهم في اقطار الأرض ونظرهم في آثار المدمرين قبلهم ) كانوا أشد منهم قوة ( كعاد وثمود ) وأثاروا الأرض ( وقلبوا وجهها لاستنباط المياه واستخراج المعادن وزرع البذور وغيرها ) وعمروها ( وعمروا الأرض ) أكثر مما عمروها ( من عمارة أهل مكة إياها فإنهم أهل واد غير ذي زرع لا تبسط لهم في غيرها وفيه تهكم بهم من حيث إنهم مغترون بالدنيا مفتخرون بها وهم اضعف حالا فيها إذ مدار أمرها على التبسط في البلاد والتسلط على العباد والتصرف في اقطار الأرض بأنواع العمارة وهم ضعفاء ملجئون إلى دار لا نفع لها ) وجاءتهم رسلهم بالبينات ( بالمعجزات أو الآيات الواضحات ) فما كان الله ليظلمهم ((4/328)
" صفحة رقم 329 "
ليفعل بهم ما تفعل الظلمة فيدمرهم من غير جرم ولا تذكير ) ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( حيث عملوا ما أدى إلى تدميرهم ) ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى ( أي ثم كان عاقبتهم العاقبة ) السوأى ( أو الخصلة ) السوأى ( فوضع الظاهر موضع الضمير للدلالة على ما اقتضى أن تكون تلك عاقبتهم وانهم جاءوا بمثل افعالهم و ) السوأى ( تأنيث الاسوأ كالحسنى أو مصدر كالبشرى نعت به ) أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون ( علة أو بدل أو عطف بيان ل ) السوأى ( أو خبر كان و ) السوأى ( مصدر اساؤوا أو مفعوله بمعنى
الروم : ( 10 ) ثم كان عاقبة . . . . .
) ثم كان عاقبة ( الذين اقترفوا الخطيئة أن طبع الله على قلوبهم حتى كذبوا بآيات الله واستهزؤوا بها ويجوز أن تكون ) السوأى ( صلة الفعل و ) أن كذبوا ( تابعها والخبر محذوف للابهام والتهويل وان تكون ) إن ( مفسرة لان الاساءة إذا كانت مفسرة بالتكذيب والاستهزاء كانت متضمنة معنى القول وقرأ ابن عامر والكوفيون ) عاقبة ( بالنصب على أن الاسم ) السوأى ( و ) أن كذبوا ( على الوجوه المذكورة
الروم : ( 11 ) الله يبدأ الخلق . . . . .
) الله يبدأ الخلق ( ينشئهم ) ثم يعيده ( يبعثهم ) ثم إليه ترجعون ( للجزاء والعدول إلى الخطاب للمبالغة في المقصود وقرأ أبو بكر وأبو عمرو وروح بالياء على الأصل
الروم : ( 12 ) ويوم تقوم الساعة . . . . .
) ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون ( يسكتون متحرين آيسين يقال ناظرته فأبلس إذا سكت وآيس من أن يحتج ومنه الناقة المبلاس التي لا ترغو وقرئ بفتح اللام من ابلسه إذا اسكته
الروم : ( 13 ) ولم يكن لهم . . . . .
) ولم يكن لهم من شركائهم ( ممن اشركوهم بالله ) شفعاء ( يجيرونهم من عذاب الله مجيئه بلفظ الماضي لتحققه ) وكانوا بشركائهم كافرين ( يكفرون بآلهتهم حين يئسوا منهم وقيل كانوا في الدنيا كافرين بسببهم وكتب في المصحف شفعواء / علموا بني إسرائيل / بالواو وكذا ) السوأى ( بالألف اثباتا للهمزة على صورة الحرف الذي منه حركتها
الروم : ( 14 ) ويوم تقوم الساعة . . . . .
) ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون ( أي المؤمنون والكافرون لقوله تعالى(4/329)
" صفحة رقم 330 "
الروم : ( 15 ) فأما الذين آمنوا . . . . .
) فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة ( ارض ذات ازهار وانهار ) يحبرون ( يسرون سرورا تهلك له وجوههم
الروم : ( 16 ) وأما الذين كفروا . . . . .
) وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون ( مدخلون لا يغيبون عنه
الروم : ( 17 - 18 ) فسبحان الله حين . . . . .
) فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون ( إخبار في معنى الأمر بتنزيه الله تعالى والثناء عليه في هذه الاوقات التي تظهر فيها قدرته وتتجدد فيها نعمته أو دلالة على أن ما يحدث فيها من الشواهد الناطقة بتنزهه واستحقاقه الحمد ممن له تمييز من أهل السموات والأرض وتخصيص التسبيح بالمساء والصباح لان آثاره القدرة والعظمة فيهما اظهر وتخصيص الحمد بالعشي الذي هو آخر النهار من عشى العين إذا نقص نورها والظهيرة التي هي وسطه لأن تجدد النعم فيهما اكثر ويجوز أن يكون ) وعشيا ( معطوفا على ) حين تمسون ( وقوله ) وله الحمد في السماوات والأرض ((4/330)
" صفحة رقم 331 "
اعتراضا وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الآية جامعة للصلوات الخمس ) تمسون ( صلاتا المغرب والعشاء و ) تصبحون ( صلاة الفجر و ) وعشيا ( صلاة العصر و ) تظهرون ( صلاة الظهر ولذلك زعم الحسن إنها مدينة لانه كان يقول كان الواجب بمكة ركعتين في أي وقت اتفقتا وانما فرضه الخمس بالمدينة والاكثر على إنها فرضت بمكة وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) من سره أن يكال له بالفقيز الاوفى فليقل فسبحان الله حين تمسون الآية وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) من قال حين يصبح فسبحان الله حين تمسون إلى قوله وكذلك تخرجون أدرك ما فاته في ليلته ومن قال حين يسمي أدرك ما فاته في يومه وقرئ حينا تمسون وحينا تصبحون أي تمسون فيه وتصبحون فيه
الروم : ( 19 ) يخرج الحي من . . . . .
) يخرج الحي من الميت ( كالانسان من النطفة والطائر من البيضة ) ويخرج الميت من الحي ( كالنطفة والبيضة أو يعقب الحياة الموت وبالعكس ) ويحيي الأرض ( بالنبات ) بعد موتها ( يبسها ) وكذلك ( ومثل ذلك الاخراج ) تخرجون ( من قبوركم فإنه أيضا تعقيب الحياة الموت وقرأ حمزة والكسائي بفتح التاء
الروم : ( 20 ) ومن آياته أن . . . . .
) ومن آياته أن خلقكم من تراب ( أي في أصل الانشاء لانه خلق اصلهم منه ) ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ( ثم فاجأتم وقت كونكم بشرا منتشرين في الأرض
الروم : ( 21 ) ومن آياته أن . . . . .
) ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا ( لان حواء خلقت من ضلع آدم وسائر النساء خلقن من نطف الرجال أو لأنهن من جنسه لا من جنس آخر ) لتسكنوا إليها ( لتميلوا إليها وتألفوا بها فإن الجنسية علة للضم والاختلاف سبب للتنافر ) وجعل بينكم ((4/331)
" صفحة رقم 332 "
أي بين الرجال والنساء أو بين افراد الجنس ) مودة ورحمة ( بواسطة الزواج حال الشبق وغيرها بخلاف سائر الحيوانات نظما لأمر المعاش أو بأن تعيش الإنسان متوقف على التعارف والتعاون المحوج إلى التواد والتراحم وقيل المودة كناية عن الجماع والرحمة عن الولد كقوله تعالى ) ورحمة منا ( ) إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ( فيعلمون ما في ذلك من الحكم
الروم : ( 22 ) ومن آياته خلق . . . . .
) ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم ( لغاتكم بأن علم كل صنف لغته أو ألهمه وضعها وأقدره عليها أو اجناس نطفكم واشكاله فإنك لا تكاد تسمع منطقين متساويين في الكيفية ) وألوانكم ( بياض الجلد وسواده أو تخطيطات الاعضاء وهيئاتها والوانها وحلاها بحيث وقع التمايز والتعارف حتى أن التوأمين مع توافق موادهما واسبابهما والامور الملاقية لهما في التخليق يختلفان في شيء من ذلك لا محالة ) إن في ذلك لآيات للعالمين ( لا تكاد تخفى على عاقل من ملك أو انس أو جن وقرأ حفص بكسر اللام ويؤيد قوله ) وما يعقلها إلا العالمون ((4/332)
" صفحة رقم 333 "
الروم : ( 23 ) ومن آياته منامكم . . . . .
) ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله ( منامكم في الزمنين لاستراحة القوى النفسانية وتقوي القوى الطبيعية وطلب معاشكم فيها أو منامكم بالليل وابتغاؤكم بالنهار فلف وضم بين الزمانين والفعلين بعاطفين اشعارا بأن كلا من الزمانين وإن اختص بإحداهما فهو صالح للاخر عند الحاجة ويؤيده سائر الآيات الواردة فيه ) إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ( سماع نفهم واستبصار فإن الحكمة فيه ظاهرة
الروم : ( 24 ) ومن آياته يريكم . . . . .
) ومن آياته يريكم البرق ( مقدر بأن المصدرية كقوله " إلا ايهذا الزاجري احضر الوغى وأن اشهد اللذات هل أنت مخلدي " أو الفعل فيه منزلة المصدر كقولهم تسمع بالمعيدي خير م أن تراه أو صفة لمحذوف تقديره آية يريكم بها البرق كقوله " فما الدهر إلا تارتان فمنهما أموت وأخرى ابتغي العيش اكدح " ) خوفا ( من الصاعقة للمسافر ) وطمعا ( في الغيث للمقيم ونصبهما على العلة لفعل يلزم المذكور فإن اراءتهم تستلزم رؤيتهم أو له على تقدير مضاف نحو إرادة خوف وطمع أو تأويل الخوف والطمع بالاخافة والاطماع كقولك فعلته رغما للشيطان أو على الحال مثل كلمته شفاها ) وينزل من السماء ماء ( وقرئ بالتشديد ) فيحيي به الأرض ( بالنبات ) بعد موتها ( يبسها ) إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ( يستعملون عقولهم في استنباط اسبابها وكيفية تكونها ليظهر لهم كمال قدرة الصانع وحكمته
الروم : ( 25 ) ومن آياته أن . . . . .
) ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ( قيامهما بإقامته لهما وارادته لقيامهما في حيزيها المعينين من غير مقيم محسوس والتعبير بالأمر للمبالغة في كمال القدرة والغنى عن الآلة ) ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ( عطف على ) أن تقوم ( على تأويل مفرد كأنه قيل ومن آياته قيام السماوات والأرض بأمره ثم خروجكم من القبور ) إذا دعاكم دعوة ( واحد فيقول أيها الموتى اخرجوا والمراد تشبيه سرعة ترتب حصول ذلك على تعلق ارادته بلا توقف واحتياج إلى تجشم عمل بسرعة ترتب اجابة الداعي المطاع(4/333)
" صفحة رقم 334 "
على دعائه وثم أما لتراخي زمانه أو لعظم ما فيه ومن الأرض متعلق بدعا كقولك دعوته من اسفل الوادي فطلع الي لا بتخرجون لان ما بعد إذا لا يعمل فيما قبلها و ) إذا ( الثانية للمفاجأة ولذلك نابت مناب الفاء في جواب الأولى
الروم : ( 26 ) وله من في . . . . .
) وله من في السماوات والأرض كل له قانتون ( منقادون لفعله فيهم لا يمتنعون عنه
الروم : ( 27 ) وهو الذي يبدأ . . . . .
) وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده ( بعد هلاكهم ) وهو أهون عليه ( والاعادة اسهل عليه من الأصل بالااضافة إلى قدركم والقياس على اصولكم وألا فهما عليه وسواء وللك قيل الهاء ل ) الخلق ( وقيل ) أهون ( بمعنى هين وتذكير هو لاهون أو لان الاعادة بمعنى أن يعيد ) وله المثل ( الوصف العجيب الشأن كالقدرة العامة والحكمة التامة ومن فسره بقول لا اله إلا الله أراد به الوصف بالوحدانية ) الأعلى ( الذي ليس لغيره ما يساويه أو يدانيه ) في السماوات والأرض ( يصفه به ما فيها دلالة ونطقا ) وهو العزيز ( القادر الذي لا يعجز عن ابداء ممكن واعادته ) الحكيم ( الذي يجري الأفعال على مقتضى حكمته
الروم : ( 28 ) ضرب لكم مثلا . . . . .
) ضرب لكم مثلا من أنفسكم ( منتزعا من احوالها التي هي اقرب الأمور اليكم ) هل لكم من ما ملكت أيمانكم ( من مماليككم ) من شركاء في ما رزقناكم ( من الأموال وغيرها ) فأنتم فيه سواء ( فتكونوا أنتم وهم فيه شرعا يتصرفون فيه كتصرفكم مع انهم لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي ) تخافونهم ( أن يستبدوا بتصرف فيه ) كخيفتكم أنفسكم ( كما يخاف الاحرار بعضهم من بعض ) كذلك ( مثل ذلك التفضيل ) نفصل الآيات ( نبينها فإن التفصيل مما يكشف المعاني ويوضحها ) لقوم يعقلون ( يستعملون عقولهم في تدبر الأمثال(4/334)
" صفحة رقم 335 "
الروم : ( 29 ) بل اتبع الذين . . . . .
) بل اتبع الذين ظلموا ( بالاشراك ) أهواءهم بغير علم ( جاهلين لا يكفهم شيء فإن العالم إذا اتبع هواه ربما ردعه علمه ) فمن يهدي من أضل الله ( فمن يقدر على هدايته ) وما لهم من ناصرين ( يخلصونهم من الضلالة ويحفظوهم عن آفاتها
الروم : ( 30 ) فأقم وجهك للدين . . . . .
) فأقم وجهك للدين حنيفا ( فقومه له غير ملتفت أو ملتفت عنه وهو تمثيل للاقبال والاستقامة عليه والاهتمام به ) فطرة الله ( خلقته نصب على الاغراء أو المصدر لما دل عليه ما بعدها ) التي فطر الناس عليها ( خلقهم عليها وهي قبولهم للحق وتمكنهم من إدراكه أو ملة الإسلام فإنهم لو خلوا وما خلقوما عليه أدى بهم إليها وقيل العهد المأخوذ من آدم وذريته ) لا تبديل لخلق الله ( لا يقدر أحد أن يغيره أو ما ينبغي أن يغير ) ذلك ( إشارة إلى الدين المأمور بإقامة الوجه له أو الفطرة أن فسرت بالملة ) الدين القيم ( المستقيم الذي لا عوج فيه ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( استقامته لعدم تدبرهم
الروم : ( 31 ) منيبين إليه واتقوه . . . . .
) منيبين إليه ( راجعين إليه من اناب إذا رجع مرة بعد أخرى وقيل منقطعين إليه من الناب وهو حال من الضمير في الناصب المقدر لفطرة الله أو في أم لان الآية خطاب للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) والامة لقوله ) واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين ( غير إنها صدرت بخطاب الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) تعظيما له
الروم : ( 32 ) من الذين فرقوا . . . . .
) من الذين فرقوا دينهم ( بدل من المشركين وتفريقهم اختلافهم فيها يعبدونه على اختلاف اهوائهم وقرأ حمزة والكسائي / فارقوا / بمعنى تركوا دينهم الذي امروا به ) وكانوا شيعا ( فرقا تشايع كل امامها الذي اضل دينها ) كل حزب بما لديهم فرحون ((4/335)
" صفحة رقم 336 "
مسرورون ظنا بأنه الحق ويجوز أن يجعل فرحون صفة كل على أن الخبر ) من الذين فرقوا )
الروم : ( 33 ) وإذا مس الناس . . . . .
) وإذا مس الناس ضر ( شدة ) دعوا ربهم منيبين إليه ( راجعين من دعاء غيره ) ثم إذا أذاقهم منه رحمة ( خلاصا من تلك الشدة ) إذا فريق منهم بربهم يشركون ( فاجأ فريق منهم بالاشراك بربهم الذي عافاهم
الروم : ( 34 ) ليكفروا بما آتيناهم . . . . .
) ليكفروا بما آتيناهم ( اللام فيه للعاقبة وقيل للامر بمعنى التهديد لقوله ) فتمتعوا ( غير انه التفت فيه مبالغة وقرئ ) وليتمتعوا ( ) فسوف تعلمون ( عاقبة تمتعكم وقرئ بالياء التحتية على أن تمتعوا ماض
الروم : ( 35 ) أم أنزلنا عليهم . . . . .
) أم أنزلنا عليهم سلطانا ( حجة وقيل ذا سلطان أي ملكا مع برهان ) فهو يتكلم ( تكلم دلالة كقوله ) كتابنا ينطق عليكم بالحق ( أو نطق ) بما كانوا به يشركون ( بإشراكهم وصحته أو بالأمر الذي يسببه يشركون به في الوهيته
الروم : ( 36 ) وإذا أذقنا الناس . . . . .
) وإذا أذقنا الناس رحمة ( نعمة من صحة وسعة ) فرحوا بها ( بطروا بسببها ) وإن تصبهم سيئة ( شدة ) بما قدمت أيديهم ( بشؤم معاصيهم ) إذا هم يقنطون ( فاجؤوا القنوط من رحمته وقرأ الكسائي وأبو عمرو بكسر النون
الروم : ( 37 ) أو لم يروا . . . . .
) أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ( فلما لهم يشركوا ولم يحتسبوا في السراء والضراء كالمؤمنين ) إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ( فيستدلون بها على كمال القدرة والحكمة
الروم : ( 38 ) فآت ذا القربى . . . . .
) فآت ذا القربى حقه ( كصلة الرحم واحتج به الحنفية على وجوب النفقة للمحارم وهو غير مشعر به ) والمسكين وابن السبيل ( ما وظف لهما من الزكاة والخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لمن بسط له ولذلك رتب على ما قبله بالفاء ) ذلك خير للذين يريدون وجه الله ( ذاته أو جهته أي يقصدون بمعروفهم إياه خالصا أو جهة التقرب إليه لا جهة(4/336)
" صفحة رقم 337 "
أخرى ) وأولئك هم المفلحون ( حيث حصلوا بما بسط لهم النعيم المقيم
الروم : ( 39 ) وما آتيتم من . . . . .
) وما آتيتم من ربا ( زيادة محرمة في المعاملة أو عطية يتوقع بها مزيد مكافأة وقرأ ابن كثير بالقصر بمعنى ما جئتم به من إعطاء ربا ) ليربو في أموال الناس ( ليزيد ويزكو في أموالهم ) فلا يربو عند الله ( فلا يزكو عنده ولا يبارك فيه وقرأ نافع ويعقوب / لتربوا / أي لتزيدوا أو لتصيروا ذوي ربا ) وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله ( تبتغون به وجهه خالصا ) فأولئك هم المضعفون ( ذوو الأضعاف من الثواب ونظير المضعف المقوي والموسر لذي القوة واليسار أو الذين ضعفوا ثوابهم وأموالهم ببركة الزكاة وقرئ بفتح العين وتغييره عن سنن المقابلة عبارة ونظما للمبالغة والالتفات فيه للتعظيم كأنه خاطب به الملائكة وخواص الخلق تعريفا لحالهم أو للتعميم كأنه قال فمن فعل ذلك ) فأولئك هم المضعفون ( والراجع منه محذوف إن جعلت ما موصولة تقديره المضعفون به أو فمؤتوه أولئك هم المضغفون
الروم : ( 40 ) الله الذي خلقكم . . . . .
) الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء ( أثبت له لوازم الألوهية ونفاها رأسا عما اتخذوه شركاء له من الأصنام وغيرها مؤكدا بالإنكار على ما دل عليه البرهان والعيان ووقع عليه الوفاق ثم استنتج من ذلك تقسه عن أن يكون له شركاء فقال ) سبحانه وتعالى عما يشركون ( ويجوز أن تكون الكلمة الموصولة صفة والخبر ) هل من شركائكم ( والرابط ) من ذلكم ( لأنه بمعنى من أفعاله و ) من ( الأولى والثانية تفيد أن شيوع الحكم في جنس الشركاء والأفعال والثالثة مزيدة لتعميم المنفي وكل منها مستقلة بتأكيد لتعجيز الشركاء وقرأ حمزة والكسائي بالتاء(4/337)
" صفحة رقم 338 "
الروم : ( 41 ) ظهر الفساد في . . . . .
) ظهر الفساد في البر والبحر ( كالجدب والموتان وكثرة الحرق والغرق وإخفاق الغاصة ومحق البركات وكثرة المضار أو الضلالة والظلم وقيل المراد بالبحر قرى السواحل وقرئ و / البحور / ) بما كسبت أيدي الناس ( بشؤم معاصيهم أو بكسبهم إياه وقيل ظهر الفساد في البر بقتل قابيل أخاه وفي البحر بأن جلندا ملك عمان كان يأخذ كل سفينة غصبا ) ليذيقهم بعض الذي عملوا ( بعض أجزائه فإن تمامه في الآخرة واللام للعلة أو العاقبة وعن ابن كثير ويعقوب ) لنذيقهم ( بالنون ) لعلهم يرجعون ( عما هم عليه
الروم : ( 42 ) قل سيروا في . . . . .
) قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل ( لتشاهدوا مصداق ذلك وتحققوا صدقه ) كان أكثرهم مشركين ( استئناف للدلالة على أن سوء عاقبتهم كان لفشو الشرك وغلبته فيهم أو كان الشرك في أكثرهم وما دونه من المعاصي في قليل منهم
الروم : ( 43 ) فأقم وجهك للدين . . . . .
) فأقم وجهك للدين القيم ( البليغ الاستقامة ) من قبل أن يأتي يوم لا مرد له ( لا يقدر أن يرده أحد وقوله ) من الله ( متعلق ب ) يأتي ( ويجوز أن يتعلق ب ) مرد ( لأنه مصدر على معنى لا يرده الله لتعلق إرادته القديمة بمجيئه ) يومئذ يصدعون ( يتصدعون أي يتفرقون ) فريق في الجنة وفريق في السعير ( كما قال(4/338)
" صفحة رقم 339 "
الروم : ( 44 ) من كفر فعليه . . . . .
) من كفر فعليه كفره ( أي وباله وهو النار المؤبدة ) ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون ( يسوون منزلا في الجنة وتقديم الظرف في الموضعين للدلالة على الاختصاص
الروم : ( 45 ) ليجزي الذين آمنوا . . . . .
) ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله ( علة ل ) يمهدون ( أو ل ) يصدعون ( والاقتصار على جزاء المؤمنين للإشعار بأنه المقصود بالذات والاكتفاء على فحوى قوله ) إنه لا يحب الكافرين ( فإن فيه إثبات البعض لهم والمحبة للمؤمنين وتأكيد اختصاص الصلاح المفهوم من ترك ضميرهم إلى التصريح بهم تعليل له ومن فضله دال على أن الإثابة تفضل محض وتأويله بالعطاء أو الزيادة على الثواب عدول عن الظاهر
الروم : ( 46 ) ومن آياته أن . . . . .
) ومن آياته أن يرسل الرياح ( الشمال والصبا والجنوب فإنها رياح الرحمة وأما الدبور فريح العذاب ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي ) الريح ( على إرادة الجنس ) مبشرات ( بالمطر ) وليذيقكم من رحمته ( يعني المنافع التابعة لها وقيل الخصب التابع لنزول المطر المسبب عنها أو الروح الذي هو مه هبوبها والعطف على علة محذوفة دل عليها ) مبشرات ( أو عليها باعتبار المعنى أو على ) يرسل ( بإضمار فعل معلل دل عليه ) ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ( يعني تجارة البحر ) ولعلكم تشكرون ( ولتشكروا نعمة الله تعالى فيها
الروم : ( 47 ) ولقد أرسلنا من . . . . .
) ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا ( بالتدمير ) وكان حقا علينا نصر المؤمنين ( إشعار بأن الانتقام لهم وإظهار لكرامتهم(4/339)
" صفحة رقم 340 "
حيث جعلهم مستحقين على الله أن ينصرهم وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) ما من امرئ مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حقا على الله أن يرد عنه نار جهنم ثم تلا ذلك وقد يوقف على ) حقا ( على أنه متعلق بالانتقام
الروم : ( 48 ) الله الذي يرسل . . . . .
) الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه ( متصلا تارة ) في السماء ( في سمتها ) كيف يشاء ( سائرا أو واقفا مطبقا وغير مطبق من جانب دون جانب إلى غير ذلك ) ويجعله كسفا ( قطعا تارة أخرى وقرأ ابن عامر بالسكون على أنه مخفف أو جمع كسفة أو مصدر وصف به ) فترى الودق ( المطر ) يخرج من خلاله ( في التارتين ) فإذا أصاب به من يشاء من عباده ( يعني بلادهم وأراضيهم ) إذا هم يستبشرون ( لمجيء الخصب
الروم : ( 49 ) وإن كانوا من . . . . .
) وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم ( المطر ) من قبله ( تكرير للتأكيد والدلالة على تطاول عهدهم بالمطر واستحكام يأسهم وقيل الضمير للمطر أو السحاب أو الإرسال ) لمبلسين ( لآيسين
الروم : ( 50 ) فانظر إلى آثار . . . . .
) فانظر إلى آثار رحمة الله ( أثر الغيث من النبات والأشجار وأنواع الثمار ولذلك جمعه ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص ) كيف يحيي الأرض بعد موتها ( وقرئ بالتاء على إسناده إلى ضمير الرحمة ) إن ذلك ( يعني إن الذي قدر على إحياء الأرض بعد موتها ) لمحيي الموتى ( لقادر على إحيائهم فإنه إحداث لمثل ما كان في مواد أبدانهم من القوى الحيوانية كما أن إحياء الأرض إحداث لمثل ما كان فيها من القوى النباتية هذا ومن المحتمل أن يكون من الكائنات الراهنة ما يكون من مواد تفتت وتبددت من جنسها في بعض الأعوام السالفة ) وهو على كل شيء قدير ( لأن نسبة قدرته إلى جميع الممكنات على سواء
الروم : ( 51 ) ولئن أرسلنا ريحا . . . . .
) ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا ( فرأوا الأثر أو الزرع فإنه مدلول عليه بما تقدم(4/340)
" صفحة رقم 341 "
وقيل السحاب لأنه إذا كان ) مصفرا ( لم يمطر والام موطئة للقسم دخلت على حرف الشرط وقوله ) لظلوا من بعده يكفرون ( جواب سد مسد الجزاء ولذلك فسر بالاستقبال وهذه الآية ناعية على الكفار بقلة تثبتهم وعدم تدبرهم وسرعة تزلزلهم لعدم تفكرهم وسوء رأيهم فإن النظر السري يقتضي أن يتوكلوا على الله ويلتجئوا إليه بالاستغفار إذا احتبس القطر عنهم ولا ييأسوا من رحمته وأن يبادروا إلى الشكر والاستدامة بالطاعة إذا أصابهم برحمته ولم يفرطوا في الاستبشار وأن يصبروا على بلائه إذا ضرب زرعهم بالاصفرار ولا يكفروا نعمه
الروم : ( 52 ) فإنك لا تسمع . . . . .
) فإنك لا تسمع الموتى ( وهم مثلهم لما سدوا عن الحق مشاعرهم ) ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين ( قيد الحكم به ليكون أشد استحالة فإن الأصم المقبل وإن لم يسمع الكلام يفطن منه بواسطة الحركات شيئا وقرأ ابن كثير بالياء مفتوحة ورفع ) الصم )
الروم : ( 53 ) وما أنت بهادي . . . . .
) وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم ( سماهم عميا لفقدهم المقصود الحقيقي من الأبصار أو لعمى قلوبهم وقرأ حمزة وحده ) تهدي العمي ( ) إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا ( فإن إيمانهم يدعوهم إلى تلقي اللفظ وتدبر المعنى ويجوز أن يراد بالمؤمن المشارف للإيمان ) فهم مسلمون ( لما تأمرهم به
الروم : ( 54 ) الله الذي خلقكم . . . . .
) الله الذي خلقكم من ضعف ( أي ابتدأكم ضعفاء وجعل الضعف أساس أمركم كقوله ) وخلق الإنسان ضعيفا ( أو خلقكم من أصل ضعيف وهو النطفة ) ثم جعل من بعد ضعف قوة ( وذلك إذا بلغتم الحلم أو تعلق بأبدانكم الروح ) ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة ( إذا أخذ منكم السن وفتح عاصم وحمزة الضاد في جميعها والضم أقوى لقول ابن عمر رضي الله عنهما قرأتها على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من ضعف فأقرأني من ضعف وهما لغتان كالفقر والفقر والتنكير مع التكرير لأن المتأخر ليس عين المتقدم(4/341)
" صفحة رقم 342 "
) يخلق ما يشاء ( من ضعف وقوة وشبيبة وشيبة ) وهو العليم القدير ( فإن الترديد في الأحوال المختلفة مع إمكان غيره دليل العلم والقدرة
الروم : ( 55 ) ويوم تقوم الساعة . . . . .
) ويوم تقوم الساعة ( القيامة سميت بها لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا أو لأنها تقع بغتة وصارت علما بها بالغلبة كالكوكب للزهرة ) يقسم المجرمون ما لبثوا ( في الدنيا أو في القبور أو فيما بين فناء الدنيا والبعث وانقطاع عذابهم وفي الحديث ما بين فناء الدنيا والبعث أربعون وهو محتمل الساعات والأيام والأعوام ) غير ساعة ( استقلوا مدة ليثهم إضافة إلى مدة عذابهم في الآخرة أو نسيانا ) كذلك ( مثل ذلك الصرف عن الصدق والتحقيق ) كانوا يؤفكون ( يصرفون في الدنيا
الروم : ( 56 ) وقال الذين أوتوا . . . . .
) وقال الذين أوتوا العلم والإيمان ( من الملائكة والإنس ) لقد لبثتم في كتاب الله ( في علمه أو قضائه أو ما كتبه لكم أي أوجبه أو اللوح أو القرآن وهو قوله ) ومن ورائهم برزخ ( ) إلى يوم البعث ( ردوا بذلك ما قالوه وحلفوا عليه ) فهذا يوم البعث ( الذي أنكرتموه ) ولكنكم كنتم لا تعلمون ( أنه حق لتفريطكم في النظر والفاء لجواب شرط محذوف تقديره إن كنتم منكرين البعث فهذا يومه أي فقد تبين بطلان إنكاركم
الروم : ( 57 ) فيومئذ لا ينفع . . . . .
) فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ( وقرأ الكوفيون بالياء لأن المعذرة بمعنى(4/342)
" صفحة رقم 343 "
العذر أو لأن تأنيثها غير حقيقي وقد فصل بينهما ) ولا هم يستعتبون ( لا يدعون إلى ما يقتضي إعتابهم أي إزالة عتبهم من التوبة والطاعة كما دعوا إليه في الدنيا من قولهم استعتبني فلان فأعتبته أي استرضاني فأرضيته
الروم : ( 58 ) ولقد ضربنا للناس . . . . .
) ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ( ولقد وصفناهم فيه بأنواع الصفات التي هي في الغرابة كالأمثال مثل صفة المبعوثين يوم القيامة فيما يقولون وما يقال لهم وما لا يكون من الانتفاع بالمعذرة والاستعتاب أو بينا لهم من كل مثل ينبههم على التوحيد والبعث وصدق الرسول ) ولئن جئتهم بآية ( من آيات القرآن ) ليقولن الذين كفروا ( من فرط عنادهم وقساوة قلوبهم ) إن أنتم ( يعنون الرسول والمؤمنين ) إلا مبطلون ( مزورون
الروم : ( 59 ) كذلك يطبع الله . . . . .
) كذلك ( مثل ذلك الطبع ) يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون ( لا يطلبون العلم ويصرون على خرافات اعتقدوها فإن الجهل المركب يمنع إدراك الحق ويوجب تكذيب المحق
الروم : ( 60 ) فاصبر إن وعد . . . . .
) فاصبر ( على أذاهم ) إن وعد الله ( بنصرتك وإظهار دينك على الدين كله ) حق ( لا بد من إنجازه ) ولا يستخفنك ( ولا يحملنك على الخفة والقلق ) الذين لا يوقنون ( بتكذيبهم وإيذائهم فإنهم شاكون ضالون لا يستبدع منهم ذلك وعن يعقوب بتخفيف النون وقرئ / ولا يستحقنك / أي لا يزيغنك فيكونوا أحق بك مع المؤمنين عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الروم كان له من الأجر عشر حسنات بعدد كل ملك سبح الله بين السماء والأرض وأدرك ما ضيع في يومه وليلته(4/343)
" صفحة رقم 344 "
سورة لقمان
مقدمة
مكية إلا آية وهي ) الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ( فإن وجوبهما بالمدينة وهو ضعيف لأنه لا ينافي شرعيتهما بمكة وقيل إلا ثلاثا من قوله ) ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ( وهي أربع وثلاثون آية وقيل ثلاث وثلاثون
بسم الله الرحمن الرحيم
لقمان : ( 1 - 2 ) الم
) الم تلك آيات الكتاب الحكيم ( سبق بيانه في يونس
لقمان : ( 3 ) هدى ورحمة للمحسنين
) هدى ورحمة للمحسنين ( حالان من الآيات والعامل فيهما معنى الإشارة ورفعهما حمزة على الخبر بعد الخبر أو الخبر لمحذوف
لقمان : ( 4 ) الذين يقيمون الصلاة . . . . .
) الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون ( بيان لإحسانهم أو تخصيص لهذه الثلاثة من شعبه لفضل اعتداد بها وتكرير الضمير للتوكيد ولما حيل بينه وبين خبره
لقمان : ( 5 ) أولئك على هدى . . . . .
) أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ( لاستجماعهم العقيدة الحقة والعمل الصالح
لقمان : ( 6 ) ومن الناس من . . . . .
) ومن الناس من يشتري لهو الحديث ( ما يلهي عما يعني كالأحاديث التي لا أصل لها والأساطير التي لا اعتبار بها والمضاحك وفضول الكلام والإضافة بمعنى من وهي(4/344)
" صفحة رقم 345 "
تبيينية إن أراد بالحديث المنكر وتبعيضية إن أراد به الأعم منه وقيل نزلت في النضر بن الحارث اشترى كتب الأعاجم وكان يحدث بها قريشا ويقول إن كان محمد يحدثكم بحديث عاد وثمود فأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار والأكاسرة وقيل كان يشتري القيان ويحملهن على معاشرة من أراد الإسلام ومنعه عنه ) ليضل عن سبيل الله ( دينه أو قراءة كتابه وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء بمعنى ليثبت على ضلاله ويزيد فيه ) بغير علم ( بحال ما يشتريه أو بالتجارة حيث استبدل اللهو بقراءة القرآن ) ويتخذها هزوا ( ويتخذ السبيل سخرية وقد نصبه حمزة والكسائي ويعقوب وحفص عطفا على ) ليضل ( ) أولئك لهم عذاب مهين ( لإهانتهم الحق باستئثار الباطل عليه
لقمان : ( 7 ) وإذا تتلى عليه . . . . .
) وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا ( متكبرا لا يعبأ بها ) كأن لم يسمعها ( مشابها حاله حال من لم يسمعها ) كأن في أذنيه وقرا ( مشابها من في أذنيه ثقل لا يقدر أن يسمع والأولى حال من المستكن في ) ولي ( أو في ) مستكبرا ( والثانية بدل منها أو حال من المستكن في ) لم يسمعها ( ويجوز أن يكونا استئنافين وقرأ نافع ) في أذنيه ( ) فبشره بعذاب أليم ( أعلمه بأن العذاب يحيق به لا محالة وذكر البشارة على التهكم
لقمان : ( 8 ) إن الذين آمنوا . . . . .
) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم ( أي لهم نعيم الجنات فعكس للمبالغة
لقمان : ( 9 ) خالدين فيها وعد . . . . .
) خالدين فيها ( حال من الضمير في ) لهم ( أو من ) جنات النعيم ( والعامل ما تعلق به اللام ) وعد الله حقا ( مصدران مؤكدان الأول لنفسه والثاني لغيره لأن قوله ) لهم جنات ( وعد وليس كل وعد حقا ) وهو العزيز ( الذي لا يغلبه شيء فيمنعه عن إنجاز وعده ووعيده ) الحكيم ( الذي لا يفعل إلا ما تستدعيه حكمته
لقمان : ( 10 - 11 ) خلق السماوات بغير . . . . .
) خلق السماوات بغير عمد ترونها ( قد سبق في الرعد ) وألقى في الأرض رواسي ( جبالا شوامخ ) أن تميد بكم ( كراهة أن تميد بكم فإن تشابه أجزائها يقتضي(4/345)
" صفحة رقم 346 "
تبدل أحيازها وأوضاعها لامتناع اختصاص كل منها لذاته أو لشيء من لوازمه بحيز ووضع معينين ) وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم ( من كل صنف كثير المنفعة وكأنه استدل بذلك على عزته التي هي كمال القدرة وحكمته التي هي كمال العلم ومهد به قاعدة التوحيد وقررها بقوله ) هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه ( هذا الذي ذكر مخلوقه فماذا خلق آلهتكم حتى استحقوا مشاركته و ) ماذا ( نصب ب ) خلق ( أو ما مرتفع بالابتداء وخبره ذا بصلته ) فأروني ( معلق عنه ) بل الظالمون في ضلال مبين ( إضراب عن تبكيتهم إلى التسجيل عليهم بالضلال الذي لا يخفى على ناظر ووضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على أنهم ظالمون بإشراكهم
لقمان : ( 12 ) ولقد آتينا لقمان . . . . .
) ولقد آتينا لقمان الحكمة ( يعني لقمان بن باعوراء من أولاد آزر ابن أخت أيوب أو خالته وعاش حتى أدرك داود ( صلى الله عليه وسلم ) وأخذ منه العلم وكان يفتي قبل مبعثه والجمهور على أنه كان حكيما ولك يكن نبيا والحكمة في عرف العلماء استكمال النفس الإنسانية باقتباس العلوم النظرية واكتساب الملكة التامة على الأفعال الفاضلة على قدر طاقتها ومن حكمته أنه صحب داود شهورا وكان يسرد الدرع فلم يسأله عنها فلما أتمها لبسها وقال نعم لبوس الحرب أنت فقال الصمت حكم وقليل فاعله وأن داود ( صلى الله عليه وسلم ) قال له يوما كيف أصبحت فقال أصبحت في يدي غيري فتفكر داود فيه فصعق صعقة وأنه أمره بأن يذبح شاة ويأتي بأطيب مضغتين منها فأتى باللسان والقلب ثم بعد أيام أمره بأن يأتي بأخبث مضغتين منها فأتى بهما أيضا فسأله عن ذلك فقال هما أطيب شيء إذا طابا وأخبث شيء إذا خبثا ) أن اشكر لله ( لأن أشكر أو أي أشكر فإن إيتاء الحكمة في معنى القول ) ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ( لأن نفعه عائد إليهما وهو دوام النعمة واستحقاق مزيدها ) ومن كفر فإن الله غني ( لا يحتاج إلى الشكر ) حميد ( حقيق بالحمد وإن لم يحمد أو محمود ينطق بحمده جميع مخلوقات بلسان الحال(4/346)
" صفحة رقم 347 "
لقمان : ( 13 ) وإذ قال لقمان . . . . .
) وإذ قال لقمان لابنه ( أنعم أو أشكم أو ماثان ) وهو يعظه يا بني ( تصغير إشفاق وقرأ ابن كثير هنا وفي ) يا بني أقم الصلاة ( بإسكان الياء وحفص فيهما وفي ) يا بني إنها إن تك ( بفتح الياء ومثله البزي في الأخير وقرأ الباقون في الثلاثة بكسر الياء ) لا تشرك بالله ( قيل كان كافرا فلم يزل به حتى أسلم ومن وقف على ) لا تشرك ( جعل بالله قسما ) إن الشرك لظلم عظيم ( لأنه تسوية بين من لا نعمة إلا منه ومن لا نعمة منه
لقمان : ( 14 ) ووصينا الإنسان بوالديه . . . . .
) ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا ( ذات وهن أو تهن وهنا ) على وهن ( أي تضعف ضعفا فوق ضعف فإنها لا تزال يتضاعف ضعفها والجملة في موضع الحال وقرئ بالتحريك ويقال وهن يهن وهنا ووهن يوهن وهنا ) وفصاله في عامين ( وفطامه في انقضاء عامين وكانت ترضعه في تلك المدة وقرئ / وفصله في عامين / وفيه دليل على أن أقصى مدة الرضاع حولان ) أن اشكر لي ولوالديك ( تفسير ل ) وصينا ( أو علة له أو بدل من والديه بدل الاشتمال وذكر الحمل والفصال في البين اعتراض مؤكد للتوصية في حقها خصوصا ومن ثم قال ( صلى الله عليه وسلم ) لمن قال من أبر أمك ثم أمك ثم أمك ثم قال بعد ذلك أباك ) إلي المصير ( فأحاسبك على شكرك وكفرك
لقمان : ( 15 ) وإن جاهداك على . . . . .
) وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم ( باستحقاقه الإشراك تقليدا لهما وقيل أراد بنفي العلم به نفيه ) فلا تطعهما ( في ذلك ) وصاحبهما في الدنيا معروفا ( صحابا معروفا يرتضيه الشرع ويقتضيه الكرم ) واتبع ( في الدين ) سبيل من أناب إلي ( بالتوحيد والإخلاص في الطاعة ) ثم إلي مرجعكم ( مرجعك ومرجعهما ) فأنبئكم بما كنتم تعملون ( بأن أجازيك على إيمانك وأجازيهما على كفرهما والآيتان معترضتان في تضاعيف وصية لقمان تأكيدا لما فيها من النهي عن الشرك كأنه قال وقد وصينا بمثل ما وصى به وذكر الوالدين للمبالغة في ذلك فإنهما مع أنهما تلو الباري في استحقاق التعظيم والطاعة لا يجوز أن يستحقاه في الإشراك فما ظنك بغيرهما نزولهما في سعد بن أبي(4/347)
" صفحة رقم 348 "
وقاص وأمه مكثت لإسلامه ثلاثا لم تطعم فيها شيئا ولذلك قيل من أناب إليه أبو بكر رضي الله عنه فإنه أسلم بدعوته
لقمان : ( 16 ) يا بني إنها . . . . .
) يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل ( أي أن الخصلة من الإحسان أو الإساءة إن تك مثلا في الصغر كحبة الخردل ورفع نافع ) مثقال ( على أن الهاء ضمير القصة وكان تامة وتأنيثها لإضافة المثقال إلى الحبة كقول الشاعر " كما شرقت صدر القناة من الدم " أو لأن المراد به الحسنة أو السيئة ) فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض ( في أخفى مكان وأحرزه كجوف صخرة أو أعلاه كمحدب السموات أو أسفله كمقعر الأرض وقرئ بكسر الكاف من وكن الطائر إذا استقر في وكنته ) يأت بها الله ( يحضرها فيحاسب عليها ) إن الله لطيف ( يصل علمه إلى كل خفي ) خبير ( عالم بكنهه
لقمان : ( 17 ) يا بني أقم . . . . .
) يا بني أقم الصلاة ( تكميلا لنفسك ) وأمر بالمعروف وانه عن المنكر ( تكميلا لغيرك ) واصبر على ما أصابك ( من الشدائد سيما في ذلك ) إن ذلك ( إشارة إلى الصبر أو إلى كل ما أمر به ) من عزم الأمور ( مما عزمه الله من الأمور أي قطعه قطع إيجاب مصدر أطلق للمفعول ويجوز أن يكون بمعنى الفاعل من قوله ) فإذا عزم الأمر ( أي جد
لقمان : ( 18 ) ولا تصعر خدك . . . . .
) ولا تصعر خدك للناس ( لا تمله عنهم ولا تولهم صفحة وجهك كما يفعله المتكبرون من الصعر وهو داء يعتري البعير فيلوي عنقه وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي / ولا تصاعر / وقرئ ) ولا تصعر ( والكل واحد مثل علاه وأعلاه وعالاه ) ولا تمش في الأرض مرحا ( أي فرحا مصدر وقع موقع الحال أي تمرح مرحا أو لأجل المرح وهو البطر ) إن الله لا يحب كل مختال فخور ( علة للنهي وتأخير ال ) فخور ((4/348)
" صفحة رقم 349 "
وهو مقابل للمصعر خده والمختال للماشي مرحا لتوافق رؤوس الآي
لقمان : ( 19 ) واقصد في مشيك . . . . .
) واقصد في مشيك ( توسط فيه بين الدبيب والإسراع وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن وقول عائشة في عمر رضي الله عنهما كان إذا مشى أسرع فالمراد ما فوق دبيب المتماوت وقرئ بقطع الهمزة من أقصد الرامي إذا سدد سهمه نحو الرمية ) واغضض من صوتك ( وانقص منه واقصر ) إن أنكر الأصوات ( أوحشها ) لصوت الحمير ( والحمار مثل في الذم سيما نهاقه ولذلك يكنى عنه فيقال طويل الأذنين وفي تمثيل الصوت الرمتفع بصوته ثم إخراجه مخرج الاستعارة مبالغة شديدة وتوحيد الصوت لأن المراد تفضيل الجنس في النكير دون الآحاد أو لأنه مصدر في الأصل
لقمان : ( 20 ) ألم تروا أن . . . . .
) ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات ( بأن جعله أسبابا محصلة لمنافعكم ) وما في الأرض ( بأن مكنكم من الانتفاع به بوسط أو غير وسط ) وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ( محسوسة ومعقولة ما تعرفونه وما لا تعرفونه وقد مر شرح النعمة وتفصيلها في الفاتحة وقرئ / وأصبغ / بالإبدال وهو جار في كل سين اجتمع من الغين أو الخاء أو القاف كصلخ وصقر وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص ) نعمة ( بالجمع والإضافة ) ومن الناس من يجادل في الله ( فو توحيده وصفاته ) بغير علم ( مستفاد من دليل ) ولا هدى ( راجع إلى رسول ) ولا كتاب منير ( أنزله الله بل بالتقليد كما قال
لقمان : ( 21 ) وإذا قيل لهم . . . . .
) وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ( وهو منع صريح من التقليد في الأصول ) أولو كان الشيطان يدعوهم ( يحتمل أن يكون الضمير ) لهم ( ولآبائهم ) إلى عذاب السعير ( إلى ما يؤول إليه من التقليد أو الإشراك وجواب محذوف مثل لاتبعوه والاستفهام للإنكار والتعجب
لقمان : ( 22 ) ومن يسلم وجهه . . . . .
) ومن يسلم وجهه إلى الله ( بأن فوض أمره إليه وأقبل بشراشره عليه من أسلمت المتاع إلى الزبون ويؤيده القراءة بالتشديد وحيث عدي باللام فلتضمن معنى الإخلاص ) وهو محسن ( في عمله ) فقد استمسك بالعروة الوثقى ( تعلق بأوثق ما يتعلق به وهو تمثيل لمتوكل المشتغل بالطاعة بمن أراد أن يترقى إلى شاهق جبل فتمسك بأوثق عرى الحبل المتدلي منه ) وإلى الله عاقبة الأمور ( إذ الكل صائر إليه(4/349)
" صفحة رقم 350 "
لقمان : ( 23 ) ومن كفر فلا . . . . .
) ومن كفر فلا يحزنك كفره ( فإنه لا يضرك في الدنيا والآخرة وقرئ ) فلا يحزنك ( من أحزن وليس بمستفيض ) إلينا مرجعهم ( في الدارين ) فننبئهم بما عملوا ( بالإهلاك والتعذيب ) إن الله عليم بذات الصدور ( فمجاز عليه فضلا عما في الظاهر
لقمان : ( 24 ) نمتعهم قليلا ثم . . . . .
) نمتعهم قليلا ( تمتيعا أو زمانا قليلا فإن ما يزول بالنسبة إلى ما يدوم قليل ) ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ ( يثقل عليهم ثقل الأجرام الغلاظ أو يضم إلى الإحراق الضغط
لقمان : ( 25 ) ولئن سألتهم من . . . . .
) ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ( لوضوح الدليل المانع من إسناد الخلق إلى غيره بحيث اضطروا إلى إذاعته ) قل الحمد لله ( على إلزامهم وإلجائهم إلى الاعتراف بما يوجب بطلان معتقدهم ) بل أكثرهم لا يعلمون ( أن ذلك يلزمهم
لقمان : ( 26 ) لله ما في . . . . .
) لله ما في السماوات والأرض ( لا يستحق العبادة فيهما غيره ) إن الله هو الغني ( عن حمد الحامدين ) الحميد ( المستحق للحمد وإن لم يحمد
لقمان : ( 27 ) ولو أنما في . . . . .
) ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ( ولو ثبت كون الأشجار أقلاما وتوحيد ) شجرة ( لأن المراد تفصيل الآحاد ) والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ( والبحر المحيط بسعته مدادا ممدودا بسبعة أبحر فأغنى عن ذكر المداد بمده لأنه من مد الدواة وأمدها ورفعه للعطف على محل أن ومعموليها وبمده حال أو للابتداء على أنه مستأنف أو الواو للحال ونصبه البصريان بالعطف على اسم ) إن ( أو إضمار فعل يفسره ) يمده ( وقرئ(4/350)
" صفحة رقم 351 "
/ تمده / ويمده بالياء والتاء ) ما نفدت كلمات الله ( بكتبها بتلك الأقلام بذلك المداد وإيثار جمع القلة للإشعار بأن ذلك لا يفي بالقليل فكيف بالكثير ) أن الله عزيز ( لا يعجزه شيء ) حكيم ( لا يخرج عن علمه وحكمته أمر والآية جواب لليهود سألوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو أمروا وفد قريش أن يسألوه عن قوله تعالى ) وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ( وقد أنزل التوراة وفيها علم كل شيء
لقمان : ( 28 ) ما خلقكم ولا . . . . .
) ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ( إلا كخلقها وبعثها إذ لا يشغله شأن عن شأن لأنه يكفي لوجود الكل تعلق إرادته الواجبة مع قدرته الذاتية كما قال ) إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ( ) إن الله سميع ( يسمع كل مسموع ) بصير ( يبصر كل مبصر لا يشغله إدراك بعضها عن بعض فكذلك الحق
لقمان : ( 29 ) ألم تر أن . . . . .
) ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري ( كل من النيرين يجري في فلكه ) إلى أجل مسمى ( إلى منتهى معلوم الشمس إلى آخر السنة والقمر إلى آخر الشهر وقيل إلى يوم القيامة والفرق بينه وبين قوله ) لأجل مسمى ( أن ال ) أجل ( ها هنا منتهى الجري وثمة غرضه حقيقة أو مجازا وكلا المعنيين حاصل في الغايات ) وأن الله بما تعملون خبير ( عالم بكنهه
لقمان : ( 30 ) ذلك بأن الله . . . . .
) ذلك ( إشارة إلى الذي ذكر من سعة العلم وشمول القدرة وعجائب الصنع(4/351)
" صفحة رقم 352 "
واختصاص الباري بها ) بأن الله هو الحق ( بسبب أنه الثابت في ذاته الواجب من جميع جهاته أو الثابت إلهيته ) وأن ما يدعون من دونه الباطل ( المعدوم في حد ذاته لأنه لا يوجد ولا يتصف إلا بجعله أو الباطل إلهيته وقرأ البصريان والكوفيون غير أبي بكر بالياء ) وأن الله هو العلي الكبير ( مترفع على كل شيء ومتسلط عليه
لقمان : ( 31 ) ألم تر أن . . . . .
) ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ( بإحسانه في تهيئة أسبابه وهو استشهاد آخر على باهر قدرته وكمال حكمه وشمول إنعامه والباء للصلة أو الحال وقرئ ) الفلك ( بالتثقيل و / بنعمات الله / بسكون العين وقد جوز في مثله الكسر والفتح والسكون ) ليريكم من آياته ( دلائل ) إن في ذلك لآيات لكل صبار ( على المشاق فيتعب نفسه بالتفكير في الآفاق والأنفس ) شكور ( يعرف النعم ويتعرف مانحها أو للمؤمنين فإن الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر
لقمان : ( 32 ) وإذا غشيهم موج . . . . .
) وإذا غشيهم ( علاهم وغطاهم ) موج كالظلل ( كما يظل من جبل أو سحاب أو غيرهما وقرئ كالظلال جمع ظلة كقلة وقلال ) دعوا الله مخلصين له الدين ( لزوال ما ينازع الفطرة من الهوى والتقليد بما دهاهم من الخوف الشديد ) فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد ( مقيم على الطريق القصد الذي هو التوحيد أو متوسط في الكفر لإنجازه بعض لانزجاره بعض الانزجار ) وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار ( غدار فإنه نقض للعهد الفطري أو لما كان في البحر والختر أشد الغدر ) كفور ( للنعم
لقمان : ( 33 ) يا أيها الناس . . . . .
) يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ( لا يقضي عنه وقرئ / لا يجزئ / من أجزأ إذا أغنى والراجع إلى الموصوف محذوف أي لا يجزى فيه ) ولا مولود ( عطف على ) والد ( أو مبيتدأ خبره ) هو جاز عن والده شيئا ( وتغيير النظم للدلالة على أن المولود أولى بأن لا يجزي وقطع طمع من توقع من المؤمنين أن ينفع أباه الكافر في الآخرة ) إن وعد الله ( بالثواب والعقاب ) حق ( لا يمكن خلفه ) فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ( الشيطان بأن يرجيكم التوبة والمغفرة فيجسركم على المعاصي(4/352)
" صفحة رقم 353 "
لقمان : ( 34 ) إن الله عنده . . . . .
) إن الله عنده علم الساعة ( علم وقت قيامها لما روي أن الحرث بن عمرو أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال متى قيام الساعة وإني قد ألقيت حباتي في الأرض فمتى السماء تمطر وحمل امرأتي أذكر أو أنثى وما أعمل غدا وأين أموت فنزلت وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) مفاتح الغيب خمس وتلا هذه الآية ) وينزل الغيث ( في إبانه المقدر له والمحل المعين له في علمه وقرأ نافع زابن عامر وعاصم بالتشديد ) ويعلم ما في الأرحام ( أذكر أم أنثى أتام أم ناقص ) وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ( من خير أو شر وربما تعزم على شيء وتفعل خلافه ) وما تدري نفس بأي أرض تموت ( كما لا تدري في أي وقت تموت روي أن ملك الموت مر على سليمان فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه يديم النظم إليه فقال الرجل من هذا قال ملك الموت فقال كأنه يريدني فمر الريح أن تحملني وتلقيني بالهند ففعل فقال الملك كان دوام نظري إليه تعجبا منه إذ أمرت أن أقبض روحه بالهند وهو عندك وإنما جعل العلم لله تعالى والدراية للعبد لأن فيها معنى الحيلة فيشعر بالفرق بين العلمين ويدل على أنه إن أعمل حيلة وأنفذ فيها وسعه لم يعرف ما هو الحق به من كسبه وعاقبته فكيف بغيره مما لم ينصب له دليل عليه وقرئ / بأية أرض / وشبه سيبويه تأنيثها بتأنيث كل في ) كلهن ( ) إن الله عليم ( يعلم الأشياء كلها ) خبير ( يعلم بواطنها كما يعلم ظواهرها وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة لقمان كان له لقمان رفيقا يوم القيامة وأعطي من الحسنات عشرا عشرا بعدد من عمل بالمعروف ونهى عن المنكر(4/353)
" صفحة رقم 354 "
سورة السجدة
مكية وآيها ثلاثون آية وقي تسع وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
السجدة : ( 1 - 2 ) الم
) الم ( إن جعل اسما للسورة أو القرآن فمبتدأ خبره ) تنزيل الكتاب ( على أن التنزيل بمعنى المنزل وإن جعل تعديدا للحروف كان ) تنزيل ( خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره ) لا ريب فيه ( فيكون ) من رب العالمين ( حالا من الضمير في ) فيه ( لأن المصدر لا يعمل فيما بعد الخبر ويجوز أن يكون خبرا ثانيا ولا ) ريب فيه ( حال من ) الكتاب ( أو اعتراض والضمير فيه لمضمون الجملة ويؤيده قوله
السجدة : ( 3 ) أم يقولون افتراه . . . . .
) أم يقولون افتراه ( فإنه إنكار لكونه من رب العالمين وقوله ) بل هو الحق من ربك ( فإنه تقرير له ونظم الكلام على هذا أنه أشار أولا إلى إعجازه ثم رتب عليه أن تنزيله من رب العالمين وقرر ذلك بنفي الريب عنه ثم أضرب عن ذلك إلى ما يقولون فيه على خلاف ذلك إنكارا له وتعجيبا منه فإن ) أم ( منقطعة ثم أضرب عنه إلى إثبات أنه الحق المنزل من الله وبين المقصود من تنزيله فقال ) لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك ( إذا كانوا أهل الفترة ) لعلهم يهتدون ( بإنذارك إياهم
السجدة : ( 4 ) الله الذي خلق . . . . .
) الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ( مر بيانه في الأعراف ) ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع ( ) ما لكم ( إذا جاوزتم رضا الله(4/354)
" صفحة رقم 355 "
أحد ينصركم ويشفع لكم أو ) ما لكم ( سواه ولي ولا شفيع بل هو الذي يتولى مصالحكم وينصركم في مواطن نصركم على أن الشفيع متجوز به للناصر فإذا خذلكم لم يبق لكم ولي ولا ناصر ) أفلا تتذكرون ( بمواعظ الله تعالى
السجدة : ( 5 ) يدبر الأمر من . . . . .
) يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ( يدبر أمر الدنيا بأسباب سماوية كالملائكة وغيرها نازلة آثارها إلى الأرض ) ثم يعرج إليه ( ثم يصعد إليه ويثبت في عمله موجودا ) في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ( في برهة من الزمان متطاولة يعني بذلك استطالة ما بين التدبير والوقوع وقيل يدبر الأمر بإظهاره في اللوح فينزل به الملك ثم يعرج إليه في زمان هو كألف سنة لأن مسافة نزوله وعروجه مسيرة ألف سنة فإن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة وقيل يقضي قضاء ألف سنة فينزل به الملك ثم يعرج بعد الألف لألف آخر وقيل يدبر الأمر إلى قيام الساعة ثم يعرج إليه الأمر كله يوم القيامة وقيل يدبر المأمور به من الطاعات منزلا من السماء إلى الأرض بالوحي ثم لا يعرج إليه خالصا كما يرتضيه إلا في مدة متطاولة لقلة المخلصين والأعمال الخلص وقرئ ) يعرج ( و ) يعدون )
السجدة : ( 6 ) ذلك عالم الغيب . . . . .
) ذلك عالم الغيب والشهادة ( فيدبر أمرهما على وفق الحكمة ) العزيز ( الغالب على أمره ) الرحيم ( على العباد في تدبيره وفيه إيماء بأنه سبحانه يراعي المصالح تفضلا وإحسانا
السجدة : ( 7 ) الذي أحسن كل . . . . .
) الذي أحسن كل شيء خلقه ( خلقة موفرا عليه ما يستعد له ويليق به على وفق الحكمة والمصلحة وخلقه بدل من كل بدل الاشتمال وقل علم كيف يخلقه من قولهم قيمة المرء ما يحسنه أي يحسن معرفته و ) خلقه ( مفعول ثان وقرأ نافع والكوفيون بفتح اللام على الوصف فالشيء على الأول مخصوص بمنفصل وعلى الثاني بمتصل ) وبدأ خلق الإنسان ( يعني آدم ) من طين ((4/355)
" صفحة رقم 356 "
السجدة : ( 8 ) ثم جعل نسله . . . . .
) ثم جعل نسله ( ذريته سميت بذلك لأنها تنسل منه أي تنفصل ) من سلالة من ماء مهين ( ممتهن
السجدة : ( 9 ) ثم سواه ونفخ . . . . .
) ثم سواه ( قومه بتصوير أعضائه على ما ينبغي ) ونفخ فيه من روحه ( إضافة إلى نفسه تشريفا له وإشعارا بأنه خلق عجيب وأن له شأنا له مناسبة ما إلى الحضرة الربوبية ولأجله قيل من عرف نفسه فقد عرف ربه ) وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ( خصوصا لتسمعوا وتبصروا وتعلقوا ) قليلا ما تشكرون ( تشكرون شكرا قليلا
السجدة : ( 10 ) وقالوا أئذا ضللنا . . . . .
) وقالوا أئذا ضللنا في الأرض ( أي صرنا ترابا مخلوط بتراب الأرض لا نتميز منه أو غبنا فيها وقرأ ) ضللنا ( بالكسر من ضل يضل و ) ضللنا ( من صل اللحم إذا أنتن وقرأ ابن عامر ) إذا ( على الخبر والعامل فيه ما دل عليه ) أئنا لفي خلق جديد ( وهو نبعث أو يجدد خلقنا وقرأ نافع والكسائي ويعقوب ) إنا ( على الخبر والقائل أبي بن خلف وإسناده إلى جميعهم لرضاهم به ) بل هم بلقاء ربهم ( بالبعث أو بتلقي ملك الموت وما بعده ) كافرون ( جاحدون
السجدة : ( 11 ) قل يتوفاكم ملك . . . . .
) قل يتوفاكم ( يستوفي نفوسكم لا يترك منها شيئا ولا يبقى منكم أحدا والتفعل والاستفعال يلتقيان كثيرا كتقصيته واستقصيته وتعجلته واستعجلته ) ملك الموت الذي وكل بكم ( بقبض أرواحكم وإحصاء آجالكم ) ثم إلى ربكم ترجعون ( للحساب والجزاء
السجدة : ( 12 ) ولو ترى إذ . . . . .
) ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم ( من الحياء والخزي ) ربنا ( قائلين ربنا ) أبصرنا ( ما وعدتنا ) وسمعنا ( منك تصديق رسلك ) فارجعنا ( إلى الدنيا ) نعمل صالحا إنا موقنون ( إذ لم يبق لنا شك بما شاهدنا وجواب ) لو ( محذوف تقديره لرأيت أمرا فظيعا ويجوز أن تكون للتمني والمضي فيها وفي ) إذا ( لأن الثابت في علم الله بمنزلة الواقع ولا يقدر ل ) ترى ( مفعول لأن المعنى لو يكون منك رؤية في هذا الوقت أو يقدر ما دل عليه صلة إذا والخطاب للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل أحد(4/356)
" صفحة رقم 357 "
السجدة : ( 13 - 14 ) ولو شئنا لآتينا . . . . .
) ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ( ما تهتدي به إلى الإيمان والعمل الصالح بالتوفيق له ) ولكن حق القول مني ( ثبت قضائي وسبق وعيدي وهو ) لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ( وذلك تصريح بعدم إيمانهم لعدم المشيئة المسبب عن سبق الحكم بأنهم من أهل النار ولا يدفعه جعل ذوق العذاب مسببا عن نسيانهم العاقبة وعدم تفكرهم فيها بقوله ) فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا ( فإنه من الوسائط والأسباب المقتضية له ) إنا نسيناكم ( تركناكم من الرحمة أو في العذاب ترك المنسي وفي استئنافه وبناء الفعل على أن واسمها تشديد في الانتقام منهم ) وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون ( كرر الأمر للتأكيد ولما نيط به من التصريح بمفعوله وتعليله بأفعالهم السيئة من التكذيب والمعاصي كما علله بتركهم تدبر أمر العاقبة والتفكير فيها دلالة على أن كلا منهما يقتضي ذلك
السجدة : ( 15 ) إنما يؤمن بآياتنا . . . . .
) إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها ( وعظوا بها ) خروا سجدا ( خوفا من عذاب الله ) وسبحوا ( نزهوه عما لا يليق به كالعجز عن البعث ) بحمد ربهم ( حامدين له شكرا على ما وفقهم للإسلام وآتاهم الهدى ) وهم لا يستكبرون ( عن الإيمان والطاعة كم يفعل من يصر متكبرا
السجدة : ( 16 ) تتجافى جنوبهم عن . . . . .
) تتجافى جنوبهم ( ترتفع وتتنحى ) عن المضاجع ( الفرش ومواضع النوم ) يدعون ربهم ( داعين إياه ) خوفا ( من سخطه ) وطمعا ( في رحمته وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في تفسيرها قيام العبد من الليل وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) إذا جمع الله الأولين(4/357)
" صفحة رقم 358 "
والآخرين في صعيد واحد جاء مناد ينادي بصوت يسمع الخلائق كلهم سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم ثم يرجع فينادي ليقم الذين كانت تتجافي جنوبهم عن المضاجع فيقومون وهم قليل ثم يرجع فينادي ليقم الذين كانوا يحمدون الله في السراء والضراء فيقومون وهم قليل فيسرحون جميعا إلى الجنة ثم يحاسب سائر الناس وقيل كان أناس من الصحابة يصلون من المغرب إلى العشاء فنزلت فيهم ) ومما رزقناهم ينفقون ( في وجوه الخير
السجدة : ( 17 ) فلا تعلم نفس . . . . .
) فلا تعلم نفس ما أخفي لهم ( لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ) من قرة أعين ( مما تقربه عيونهم وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) يقول الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر بله ما أطلعتهم عليه أقرؤوا فلا تعلم نفس ما أخفي لهم وقرأ حمزة ويعقوب ) أخفي لهم ( على أنه مضارع أخفيت وقروء نخفي وأخفي الفاعل للكل هو الله وقرأت ) أعين ( لاختلاف أنواعها والعلم بمعنى المعرفة و ) ما ( موصولة أو استفهامية معلق عنها الفعل ) جزاء بما كانوا يعملون ( أي جزوا جزاء أو أخفي للجزاء فإن إخفاءه لعلو شأنه وقيل هذا القوم أخفوا أعمالهم فأخفى الله ثوابهم
السجدة : ( 18 ) أفمن كان مؤمنا . . . . .
) أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا ( خارجا عن الإيمان ) لا يستوون ( في الشرف والمثوبة تأكيد وتصريح والجمع للحمل على المعنى
السجدة : ( 19 ) أما الذين آمنوا . . . . .
) أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى ( فإنها المأوى الحقيقي(4/358)
" صفحة رقم 359 "
والدنيا منزل مرتحل عنها لا محالة وقيل المأوى جنة من الجنان ) نزلا ( سبق تفسيره في سورة آل عمران ) بما كانوا يعملون ( بسبب أعمالهم أو على أعمالهم
السجدة : ( 20 ) وأما الذين فسقوا . . . . .
) وأما الذين فسقوا فمأواهم النار ( مكان جنة المأوى للمؤمنين ) كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ( عبارة عن خلودهم فيها ) وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ( إهانة لهم وزيادة في غيظهم
السجدة : ( 21 ) ولنذيقنهم من العذاب . . . . .
) ولنذيقنهم من العذاب الأدنى ( عذاب الدنيا يريد ما محنوا به من السنة سبع سنين والقتل والأسر ) دون العذاب الأكبر ( عذاب الآخرة ) لعلهم ( لعل من بقي منهم ) يرجعون ( يتوبون عن الكفر روي أن الوليد بن عقبة فاخر عليا رضي الله عنه يوم بدر فنزلت هذه الآيات
السجدة : ( 22 ) ومن أظلم ممن . . . . .
) ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها ( فلم يتفكر فيها و ) ثم ( لاستبعاد الإعراض عنها مع فرض وضوحها وإرشادها إلى أسباب السعادة بعد التذكير بها عقلا كما في بيت الحماسة " ولا يكشف الغماء إلا ابن حرة يرى غمرات الموت ثم يزورها " ) إنا من المجرمين منتقمون ( فكيف ممن كان أظلم من كل ظالم
السجدة : ( 23 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
) ولقد آتينا موسى الكتاب ( كما آتيناك ) فلا تكن في مرية ( في شك ) من لقائه ( من لقائك الكتاب كقوله ) وإنك لتلقى القرآن ( فإنا آتيناك من الكتاب مثل ما آتيناه منه فليس ذلك ببدع لم يكن قط حتى ترتاب فيه أو من لقاء موسى للكتاب أو من لقائك(4/359)
" صفحة رقم 360 "
موسى وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) رأيت ليلة أسري بي موسى ( صلى الله عليه وسلم ) رجلا آدم طوالا جعدا كأنه من رجال شنوءة ) وجعلناه ( أي المنزل على موسى ) هدى لبني إسرائيل )
السجدة : ( 24 ) وجعلنا منهم أئمة . . . . .
) وجعلنا منهم أئمة يهدون ( الناس إلى ما فيه من الحكم والأحكام ) بأمرنا ( إياهم به أو بتوفيقنا له ) لما صبروا ( وقرأ حمزة والكسائي ورويس ) لما صبروا ( أي لصبرهم على الطاعة أو عن الدنيا ) وكانوا بآياتنا يوقنون ( لإمعانهم فيها النظر
السجدة : ( 25 ) إن ربك هو . . . . .
) إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة ( يقضي فيميز الحق من الباطل بتمييز المحق من المبطل ) فيما كانوا فيه يختلفون ( من أمر الدين
السجدة : ( 26 ) أولم يهد لهم . . . . .
) أولم يهد لهم ( الواو للعطف على منوي من جنس المعطوف والفاعل ضمير ما دل عليه ) كم أهلكنا من قبلهم من القرون ( أي كثرة من أهلكناهم من القرون الماضية أو ضمير الله بدليل القراءة بالنون ) يمشون في مساكنهم ( يعني أهل مكة يمرون في متاجرهم على ديارهم وقرئ ) يمشون ( بالتشديد ) إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون ( سماع تدبر واتعاظ
السجدة : ( 27 ) أولم يروا أنا . . . . .
) أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز ( التي جرز نباتها أي قطع وأزيل لا التي لا تنبت لقوله ) فنخرج به زرعا ( وقيل اسم موضع باليمن ) تأكل منه ( من الزرع ) أنعامهم ( كالتين والورق ) وأنفسهم ( كالحب والثمر ) أفلا يبصرون ( فيستدلون به على كمال قدرته وفضله
السجدة : ( 28 ) ويقولون متى هذا . . . . .
) ويقولون متى هذا الفتح ( النصر أو الفصل بالحكومة من قوله ) ربنا افتح بيننا ( ) إن كنتم صادقين ( في الوعد به
السجدة : ( 29 ) قل يوم الفتح . . . . .
) قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون ( وهو يوم القيامة فإنه يوم نصر المؤمنين على الكفرة والفصل بينهم وقيل يوم بدر أو يوم فتح مكة والمراد بالذين كفروا المقتولون منهم فيه فإنهم لا ينفعهم إيمانهم حال القتل ولا يمهلون وانطباقه(4/360)
" صفحة رقم 361 "
جوابا على سؤالهم من حيث المعنى باعتبار ما عرف من غرضهم فإنهم لما أرادوا به الاستعجال تكذيبا واستهزاء أجيبوا بما يمنع الاستعجال
السجدة : ( 30 ) فأعرض عنهم وانتظر . . . . .
) فأعرض عنهم ( ولا تبال بتكذيبهم وقيل هو منسوخ بآية السيف ) وانتظر ( النصرة عليهم ) إنهم منتظرون ( الغلبة عليك وقرئ بالفتح على معنى أنهم أحقاء بأن ينتظر هلاكهم أو أن الملائكة ينتظرونه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ ألم تنزيل تبارك الذي بيده الملك أعطي من الأجر كأنما أحيا ليلة القدر وعنه من قرأ ألم تنزيل في بيته لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام(4/361)
" صفحة رقم 362 "
سورة الأحزاب
مدنية وآيها ثلاث وسبعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الأحزاب : ( 1 ) يا أيها النبي . . . . .
) يا أيها النبي اتق الله ( ناداه بالنبي وأمره بالتقوى تعظيما له وتفخيما لشأن التقوى والمراد به الأمر بالثبات عليه ليكون مانعا له عما نهى عنه بقوله ) ولا تطع الكافرين والمنافقين ( فيما يعود بوهن في الدين روي أن أبا سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبا الأعور السلمي قدموا عليه في الموادعة التي كانت بينه وبينهم وقام معهم بن أبي ومعتب بن قشير والجد بن قيس فقالوا له ارفض ذكر آلهتنا وقل إن لها شفاعة وندعك وربك فنزلت ) إن الله كان عليما ( بالمصالح والمفاسد ) حكيما ( لا يحكم إلا بما تقتضيه الحكمة
الأحزاب : ( 2 ) واتبع ما يوحى . . . . .
) واتبع ما يوحى إليك من ربك ( كالنهي عن طاعتهم ) إن الله كان بما تعملون خبيرا ( فموح إليك ما تصلح به أعمالك ويغني عن الاستماع إلى الكفرة وقرأ أبو عمرو بالياء على أن الواو ضمير الكفرة والمنافقين أي أن الله خبير بمكايدهم فيدفعها عنك
الأحزاب : ( 3 ) وتوكل على الله . . . . .
) وتوكل على الله ( وكل أمرك إلى تدبيره ) وكفى بالله وكيلا ( موكولا إليه الأمور كلها ) ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ( أي ما جمع قلبين في جوف لأن القلب معدن الروح الحيواني المتعلق بالنفس الإنساني أولا ومنع القوى بأسرها وذلك يمنع التعدد
الأحزاب : ( 4 ) ما جعل الله . . . . .
) وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ((4/362)
" صفحة رقم 363 "
وما جمع الزوجية والأمومة في امرأة ولا الدعوة والبنوة في رجل والمراد بذلك رد ما كانت العرب تزعم من أن اللبيب الأريب له قلبان ولذلك قيل لأبي معمر أو جميل بن أسد الفهري ذو القلبين والزوجة المظاهر عنها كالأم ودعي الرجل ابنه ولذلك كانوا يقولون لزيد بن حارثة الكلبي عتيق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ابن محمد أو المراد نفي الأمومة والبنوة عن المظاهر عنها والمتنبى ونفي القلبين لتمهيد أصل يحملان عليه والمعنى كما لم يجعل الله قلبين في جوف لأدائه إلى التناقض وهو أن يكون كل منهما أصلا لكل القوى وغير أصل لم يجعل الزوجة والدعي اللذين لا ولادة بينهما وبينه أمه وابنه اللذين بينهما وبينه ولادة وقرأ أبو عمرو / اللاي / بالياء وحده على أن أصله اللاء بهمزة فخففت وعن الحجازيين مثله وعنهما وعن يعقوب بالهمز وحده وأصل ) تظاهرون ( تتظاهرون فأدغمت التاء الثانية في الظاء وقرأ ابن عامر ) تظاهرون ( بالإدغام وحمزة والكسائي بالحذف وعاصم ) تظاهرون ( من ظاهر وقرئ ) تظهرون ( من ظهر بمعنى ظاهر كعقد بمعنى عاقد وتظهرون من الظهور ومعنى الظهار أن يقول للزوجة أنت علي كظهر أمي مأخوذ من الظهر باعتبار اللفظ كالتلبية من لبيك وتعديته بمن لتضمنه معنى التجنب لأنه كان طلاقا في الجاهلية وهو في الإسلام يقتضي الطلاق أو الحرمة إلى أداء الكفارة كما عدي آلى بها وهو بمعنى حلف وذكر الظهر للكناية عن البطن الذي هو عموده فإن ذكره يقارب ذكر الفرج أو للتغليظ في التحريم فإنهم كانوا يحرمون إتيان المرأة وظهرها إلى السماء وأدعياء جمع دعي على الشذوذ وكأنه شبه بفعيل بمعنى فاعل فجمع جمعه ) ذلكم ( إشارة إلى ما ذكر أو إلى الأخير ) قولكم بأفواهكم ( لا حقيقة له في الأعيان كقول الهاذي ) والله يقول الحق ( ما له حقيقة عينية مطابقة له ) وهو يهدي السبيل ( سبيل الحق(4/363)
" صفحة رقم 364 "
الأحزاب : ( 5 ) ادعوهم لآبائهم هو . . . . .
) ادعوهم لآبائهم ( انسبوهم إليهم وهو افراد للمقصود من اقواله الحقه وقوله ) هو أقسط عند الله ( تعليل له والضمير لمصدر ) ادعوهم ( و ) أقسط ( افعل تفضيل قصد به الزيادة مطلقا من القسط بمعنى العدل ومعناه البالغ في الصدق ) فإن لم تعلموا آباءهم ( فتنسبوهم إليهم ) فإخوانكم في الدين ( أي فهم اخوانكم في الدين ) ومواليكم ( واولياؤكم فيه فقولوا هذا أخي ومولاي بهذا التأويل ) وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ( ولا إثم عليكم فيما فعلتموه من ذلك مخطئين قبل النهي أو بعده على النسيان أو سبق اللسان ) ولكن ما تعمدت قلوبكم ( ولكن الجناح فيما تعمدت قلوبكم أو ولكن ما تعمدت قلوبكم فيه الجناح ) وكان الله غفورا رحيما ( لعفوه عن المخطئ واعلم أن التبني لا عبرة به عندنا وعند أبي حنيفة يوجب عتق مملوكه ويثبت النسب لمجهوله الذي يمكن الحاقه به
الأحزاب : ( 6 ) النبي أولى بالمؤمنين . . . . .
) النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ( في الأمور كلها فإنه لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم بخلاف النفس فلذلك اطلق فيجب عليهم أن يكون احب إليهم من أنفسهم وأمره انفذ عليهم من أمرها وشفقتهم عليه أتم من شفقتهم عليها روي انه ( صلى الله عليه وسلم ) أراد غزوة تبوك فأمر الناس بالخروج فقال ناس نستأذن آباءنا وأمهاتنا فنزلت وقرئ / وهو اب لهم / أي في الدين فإن كل نبي اب لأمته من حيث انه اصل فيما به الحياة الابدية ولذلك صار المؤمنون اخوة ) وأزواجه أمهاتهم ( منزلات منزلتهن في التحريم واستحقاق التعظيم وفيما عدا ذلك فكما الاجنبيات ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها لسنا امهات النساء ) وأولو الأرحام ( وذوو القرابات ) بعضهم أولى ببعض ( في التوارث وهو نسخ لما كان في صدر الإسلام في التوارث بالهجرة والموالاة في الدين ) في كتاب الله ( في اللوح أو فيما انزل وهو هذه الآية أو آية المواريث أو فيم فرض الله ) من المؤمنين والمهاجرين ( بيان لاولي الأرحام أو صلة(4/364)
" صفحة رقم 365 "
لاولي أي اولوا الأرحام بحق القرابة اولى بالميراث من المؤنين بحق الدين ومن المهاجرين بحق الهجرة ) إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ( استثناء من اعم ما يقدر الاولية فيه من النفع والمراد يفعل المعروف التوصية أو منقطع ) كان ذلك في الكتاب مسطورا ( كان ما ذكر في الايتين ثابتا في اللوح أو القرآن وقيل في التوراة
الأحزاب : ( 7 ) وإذ أخذنا من . . . . .
) وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ( مقدر باذكر وميثاقهم عهدوهم بتبليغ الرسالة والدعاء إلى الدين القيم ) ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ( خصهم بالذكر لانهم مشاهير ارباب الشرائع وقد نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) تعظيما له وتكريما لشأنه ) وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ( عظيم الشأن أو مؤدا باليمين والتكرير لبيان هذا الوصف تعظيما له
الأحزاب : ( 8 ) ليسأل الصادقين عن . . . . .
) ليسأل الصادقين عن صدقهم ( أي فعلنا ذلك ليسأل الله يوم القيامة الأنبياء الذين صدقوا عهدهم عما قالوه لقوهم أو تصديقهم اياهم تبكيتا لهم أو المصدقين لهم عن تصديقهم فإن مصدق الصادق صادق أو المؤمنين الذين صدقوا عهدهم حين أشهدهم على أنفسهم عن صدقهم عهدهم ) وأعد للكافرين عذابا أليما ( عطف على ) أخذنا ( من جهة أن بعثة الرسل وأخذ الميثاق منهم لاثابة المؤمنين أو على ما دل عليه ليسأل كأنه قال فأثاب المؤمنين واعدللكافرين
الأحزاب : ( 9 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود ( يعني الأحزاب وهم قريش غطفان ويهود والنضير وكانوا زهاء اثني عشر الفا ) فأرسلنا عليهم ريحا ( ريح الصبا ) وجنودا لم تروها ( الملائكة روي انه ( صلى الله عليه وسلم ) لما سمع بإقبالهعم ضرب الخندق على المدينة ثم خرج إليهم في ثلاثة آلاف والخندق بينه وبينهم(4/365)
" صفحة رقم 366 "
ومضى على الفريقين قريب من شهر لا حرب بينهم إلا الترامي بالنبل والحجارة حتى بعث الله عليهم ريحا بادرة في ليلة شاتية فأخصرتهم وسفت التراب في وجوهم وأطفأت نيرانهم وقلعت خيامهم وماجت الخيل بعضها في بعض وكبرت الملائكة في جوانب العسكر فقل طليحة بن خويلد الاسدي أما محمد فقد بدأكم بالسحر فالنجاء النجاء فانهزموا من غير قتال ) وكان الله بما تعملون ( من حفر الخندق وقرأ البصريان بالياء أي بما يعمل المشركون من التحزب والمحاربة ) بصيرا ( رائيا
الأحزاب : ( 10 ) إذ جاؤوكم من . . . . .
( إذ جاؤوكم ( بدل من إذا جاءتكم ) من فوقكم ( من أعلى الوادي من قبل المشرق بنو غطفان ) ومن أسفل منكم ( من أسفل الوادي من قبل المغرب قريش ) وإذ زاغت الأبصار ( مات عن مستوى نظرها حيرة وشخوصا ) وبلغت القلوب الحناجر ( رعبا لإإن الرئة تنتفخ من شدة الروع فيرتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة وهي منتهى الحلقوم مدخل الطعام والشراب ) وتظنون بالله الظنونا ( لأنواعمن الظن فظن المخلصون الثبت القلوب أن الله منجز وعده في اعلاء دينه أو ممتحنهم فخافوا الزلل وضعف الاحتمال والضعاف القلوب والمنافقون ما حكي عنهم والالف مزيدة في امثاله تشبيها للفواصل بالقوافي وقد أجرى نافع وابن عامر وأبو بكر فيها الوصل مجرى الوقف ولم يزدها أبو عمرو وحمزة ويعقوب مطلقا وهو القياس
الأحزاب : ( 11 ) هنالك ابتلي المؤمنون . . . . .
) هنالك ابتلي المؤمنون ( اختبروا فظهر المخلص من المنافق والثابت من المتزلزل ) وزلزلوا زلزالا شديدا ( من شدة الفزع وقرئ ) زلزالا ( بالفتح
الأحزاب : ( 12 ) وإذ يقول المنافقون . . . . .
) وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ( ضعف اعتقاد ) ما وعدنا الله ورسوله ( من الظفر واعلاء الدين ) إلا غرورا ( وعدا باطلا قيل قائله معتب بن قشير قال يعدنا محمد بتفح فارس والروم واحدنا لا يقدر أن يتبرز فرقا ما هذا إلا وعد غرور(4/366)
" صفحة رقم 367 "
الأحزاب : ( 13 ) وإذ قالت طائفة . . . . .
) وإذ قالت طائفة منهم ( يعني اوس بن قيظي واتباعه ) يا أهل يثرب ( أهل المدينة وقيل هو اسم ارض وقعت المدينة في ناحية منها ) لا مقام ( لا موضع قيام ) لكم ( ها هنا وقرأ حفص بالضم على انه مكان أو مصدر من اقام ) فارجعوا ( إلى منازلكم هاربين وقيل المعنى لا مقام لكم على دين محمد فارجعوا إلى الشرك واسلموه لتسلمموا أو لا مقام لكم بيثرب فارجعوا كفارا ليمكنكم المقام بها ) ويستأذن فريق منهم النبي ( للرجوع ) يقولون إن بيوتنا عورة ( غير حصينة واصلها الخلل ويجوز أن يكون تخفيف العورة من عورت الدار إذا اختلت وقد قرئ بها ) وما هي بعورة ( بل هي حصينة ) إن يريدون إلا فرارا ( أي وما يريدون بذلك إلا الفرار من القتال
الأحزاب : ( 14 ) ولو دخلت عليهم . . . . .
) ولو دخلت عليهم ( دخلت المدينة أو بيوتهم ) من أقطارها ( من جوانبها وحذف الفاعل للايماء بان دخول هؤلاء المتحزبين عليهم ودخول غيرهم من العساكر سيان في اقتضاء الحكم المرتب عليه ) ثم سئلوا الفتنة ( الردة ومقاتلة المسلمين ) لآتوها ( لاعطوها وقرأ الحجازيان بالقصر بمعنى لجاءوها وفعلوها ) وما تلبثوا بها ( بالفتنة أو بإعطائها ) إلا يسيرا ( ريثما يكون السؤال والجواب وقيل ما لبثوا بالمدينة بعد تمام الارتداد إلا يسيرا
الأحزاب : ( 15 ) ولقد كانوا عاهدوا . . . . .
) ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار ( يعني بني حارثة عاهدوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم أحد حين فشلوا ثم تابوا أن لا يعودوا لمثله ) وكان عهد الله مسؤولا ( عن الوفاء به مجازى عليه
الأحزاب : ( 16 ) قل لن ينفعكم . . . . .
) قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل ( فإنه لا بد لكل شخص من حتف أنف أو قتل في وقت معين سبق به القضاء وجرى عليه القلم ) وإذا لا تمتعون إلا قليلا ( أي وإن نفعكم الفرار مثلا فمنعتم بالتأخير لم يكن ذلك التمتيع إلا تمتيعا أو زمانا قليلا
الأحزاب : ( 17 ) قل من ذا . . . . .
) قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ( أي أو يصيبكم بسوء أن أراد بكم رحمة فاختصر الكلام كما في قوله " متقلدا سيفا ورمحا " أو حمل الثاني على الأول لما في العصمة من معنى المنع ) ولا يجدون لهم من دون الله وليا ( ينفعهم ) ولا نصيرا ( يدفع الضر عنهم(4/367)
" صفحة رقم 368 "
الأحزاب : ( 18 ) قد يعلم الله . . . . .
) قد يعلم الله المعوقين منكم ( المثبطين عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهم المنافقون ) والقائلين لإخوانهم ( من ساكني المدينة ) هلم إلينا ( قربوا انفسكم إلينا وقد ذكر اصله في الأنعام ) ولا يأتون البأس إلا قليلا ( إلا اتيانا أو زمانا أو بأسا قليلا فإنهم يعتذرون ويتثبطون ما أمكن لهم أو يخرجون مع المؤمنين ولكن لا يقاتلون إلا قليلا كقوله ) ما قاتلوا إلا قليلا ( وقيل انه من تتم كلامهم ومعناه لا يأتي أصحاب محمد حرب الأحزاب ولا يقاوموهم إلا قليلا
الأحزاب : ( 19 ) أشحة عليكم فإذا . . . . .
) أشحة عليكم ( بخلاء عليكم بالمعاونة أو النفقة في سبيل الله أو الظفر أو الغنيمة جمع شحيح ونصبها على الحال من فاعل ) المعوقين ( أو على الذم ) فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم ( في احداقهم ) كالذي يغشى عليه ( كنظر المغشي عليه أو كدوران عينيه أو مشبهين به أو مشبهة بعينه ) من الموت ( من معالجة سكرات الموت خوفا ولواذا بك ) فإذا ذهب الخوف ( وحيزت الغنائم ) سلقوكم ( ضربوكم ) بألسنة حداد ( ذرية يطلبون الغنيمة والسلق البسط بقهر باليد أو اللسان ) أشحة على الخير ( نصب على الحال أو الذم ويؤيده قراءة الرفع وليس بتكرير لان كلا منهما مقيد من وجه ) أولئك لم يؤمنوا ( اخلاصا ) فأحبط الله أعمالهم ( فأظهر بطلانها إذ لم تثبت لهم أعمال فتبطل أو ابطل تصنعهم ونفاقهم ) وكان ذلك ( الاحباط ) على الله يسيرا ( هينا لتعلق الارادة به وعدم ما يمنعه عنه
الأحزاب : ( 20 ) يحسبون الأحزاب لم . . . . .
) يحسبون الأحزاب لم يذهبوا ( أي هؤلاء لجبنهم يظنون أن الأحزاب لم ينهزموا وقد انهزموا ففروا إلى داخل المدينة ) وإن يأت الأحزاب ( كره ثانية ) يودوا لو أنهم بادون في الأعراب ( تمنوا انهم خارجون إلى البدو حاصلون بين الاعراب ) يسألون ( كل قادم من جانب المدينة ) عن أنبائكم ( عما جرى عليكم ) ولو كانوا فيكم ( هذه الكرة ولم يرجعوا إلى المدينة وكان قتال ) ما قاتلوا إلا قليلا ( رياء وخوفا من التعبير
الأحزاب : ( 21 ) لقد كان لكم . . . . .
) لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ( خصلة حسنة من حقها أن يؤتسى بها(4/368)
" صفحة رقم 369 "
كالثبات في الحرب ومقاساة الشدائد أو هو في نفسه قدوة يحس التأسي به كقولك في البيضة عشرون منا حديدا أي هي في نفسها هذا القدر من الحديد وقرأ عاصم بضم الهمزة وهو لغة فيه ) لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ( أي ثواب الله أو لقاءه ونعيم الآخرة أو أيام الله واليوم الآخر خصوصا وقيل هو كقولك أرجو زيدا وفضله فإن ) اليوم الآخر ( داخل فيها بحسب الحكم والرجاء يحتمل الأمل والخوف و ) لمن ( كان صلة لحسنة أو صفة لها وقيل بدل من ) لكم ( والاكثر على أن ضمير المخاطب لا يبدل منه ) وذكر الله كثيرا ( وقرن بالرجاء كثرة الذكر المؤدية إلى ملازمة الطاعة فإن المؤتسي بالرسول من كان كذلك(4/369)
" صفحة رقم 370 "
الأحزاب : ( 22 ) ولما رأى المؤمنون . . . . .
) ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله ( بقوله تعالى ) أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم ( الآية وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) سيشتد الأمر باجتماع الأحزاب عليكم والعاقبة لكم عليهم وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) انهم سائرون اليكم بعد تسع أو عشر وقرأ حمزة وأبو بكر بكسر الراء وفتح الهمزة ) وصدق الله ورسوله ( ظهر صدق خبر الله ورسوله أو صدقا في النصرة والثواب كما صدقا في البلاء واظهار الاسم للتعظيم ) وما زادهم ( فيه ضمير ) لما رأوا ( أو الخطب أو البلاء ) إلا إيمانا ( بالله ومواعيده ) وتسليما ( لأوامره ومقاديره
الأحزاب : ( 23 ) من المؤمنين رجال . . . . .
) من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ( من الثبات مع الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) والمقاتلة لاعلاء الدين من صدني إذا قال لك الصدق فإن المعاهد إذا وفى بعهده فقد صدق فيه ) فمنهم من قضى نحبه ( نذره بأن قاتل حتى استشهد كحمزة ومصعب بن عمير وانس بن النضر والنحب النذر واستعير للموت لأنه كنذر لازم في رقبة كل حيوان ) ومنهم من ينتظر ( الشهادة كعثمان وطلحة رضي الله عنهما ) وما بدلوا ( العهد ولا غيروه ) تبديلا ( شيئا من التبديل روي أن طلحة ثبت مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم أحد حتى اصيبت يده فقال ( صلى الله عليه وسلم ) اوجب طلحة وفيه تعريض أهل النفاق ومرض القلب بالتبديل
الأحزاب : ( 24 ) ليجزي الله الصادقين . . . . .
وقوله ) ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم ( تعليل(4/370)
" صفحة رقم 371 "
للمنطوق والمعرض به فكأن المنافقين قصدوا بالتبديل عاقبة السوء كما قصد المخلصون بالثبات والوفاء العاقبة الحسنى والتوبة عليهم مشروطة بتوبتهم أو المراد بها التوفيق للتوبة ) إن الله كان غفورا رحيما ( لمن تاب
الأحزاب : ( 25 ) ورد الله الذين . . . . .
) ورد الله الذين كفروا ( يعني الأحزاب ) بغيظهم ( متغيظين ) لم ينالوا خيرا ( غير ظافرين وهما حالان بتداخل أو تعاقب ) وكفى الله المؤمنين القتال ( بالريح والملائكة ) وكان الله قويا ( على احداث ما يريده ) عزيزا ( غالبا على كل شيء
الأحزاب : ( 26 ) وأنزل الذين ظاهروهم . . . . .
) وأنزل الذين ظاهروهم ( ظاهروا الأحزاب ) من أهل الكتاب ( يعني قريظة ) من صياصيهم ( من حصونهم جمع صيصية وهي ما يتحصن به ولذلك يقال لقرن الثور والظبي وشوكة الديك ) وقذف في قلوبهم الرعب ( الخوف وقرئ بالضم ) فريقا تقتلون وتأسرون فريقا ( وقرئ بضم السين روي أن جبريل أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) صبيحة الليلة التي انهزم فيها الأحزاب فقال انتزع لامتك والملائكة لم يضعوا السلاح أن الله يأمرك بالسير إلى بني قريظة وأنا عامد إليهم فأذن في الناس أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة فحاصرهم إحدى وعشرين حتى جهدهم الحصار فقال لهم تنزلون على حكمي فأبوا فقال على حكم سعد بن معاذ فرضوا به فحكم سعد بقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم ونسائهم فكبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة ارقعة فقتل منهم ستمائة أو اكثر واسر منهم سبعمائة
الأحزاب : ( 27 ) وأورثكم أرضهم وديارهم . . . . .
) وأورثكم أرضهم ( مزارعهم ) وديارهم ( حصونهم ) وأموالهم ( نقودهم ومواشيهم واثاثهم روي انه ( صلى الله عليه وسلم ) جعل عقارهم للمهاجرين فتكلم فيه الأنصار فقال انكم في منازلكم وقال عمر رضي الله عنه أما تخمس كما خمست يوم بدر فقال لا إنما جعلت هذه لي طعمة ) وأرضا لم تطؤوها ( كفارس والروم وقيل خيبر(4/371)
" صفحة رقم 372 "
وقيل كل ارض تفتح إلى يوم القيامة ) وكان الله على كل شيء قديرا ( فيقدر على ذلك
الأحزاب : ( 28 ) يا أيها النبي . . . . .
) يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا ( السعة والتنعم فيها ) وزينتها ( زخارفها ) فتعالين أمتعكن ( اعطن المتعة ) وأسرحكن سراحا جميلا ( طلاقا من غير ضرار وبدعة روي انهم سألنه ثياب الزينة وزيادة النفقة فنزلت فبدأ بعائشة رضي الله عنها فخيرها فاختارت الله ورسوله ثم اختارت الباقيات اختيارها فشكر الله لهن ذلك فانزل ) لا يحل لك النساء من بعد ( وتعليق التسريح بإرادتهن الدنيا وجعلها قسيما لإرادتهن الرسول يدل على المخيرة إذا اختارت زوجها لم تطلق خلافا لزيد والحسن ومالك واحدى الروايتين عن علي ويؤيده قوله عائشة رضي الله عنها خيرنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاخترناه ولم يعده طلاقا وتقديم للتمتع على التسريح المسبب عنه من الكرم وحسن الخلق قيل لأن الفرقة كانت بإرادتهن كاختيار المخيرة نفسها فإنه طلقة رجعية عندنا وبائنة عند الحنفية واختلف في وجوبه للمدخول بها وليس فيه ما يدل عليه وقرئ ) أمتعكن وأسرحكن ( بالرفع على الاستئناف
الأحزاب : ( 29 ) وإن كنتن تردن . . . . .
) وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما ( يستحقر دونه الدنيا وزينتها ومن للتبيين لانهن كلهن كن محسنات
الأحزاب : ( 30 ) يا نساء النبي . . . . .
) يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة ( بكبيرة ) مبينة ( ظاهر قبحها على قراءة ابن كثير وأبي بكر والباقون بكسر الياء ) يضاعف لها العذاب ضعفين ( ضعفي عذاب غيرهن أي مثليه لان الذنب منهن اقبح فإن زيادة قبحه تتبع زيادة فضل المذنب والنعمة عليه ولذلك جعل حد الحر ضعفي حد العبد وعوتب الأنبياء بما لا يعاتب به غيرهم وقرأ البصريان / يضعف / على البناء للمفعول ورفع ) العذاب ( وابن كثير وابن عامر / نضعف / بالنون وبناء الفاعل ونصب ) العذاب ( ) وكان ذلك على الله يسيرا ( لا منعه عن التضعيف كونهن نساء النبي وكيف وهو سببه(4/372)
" صفحة رقم 373 "
الأحزاب : ( 31 ) ومن يقنت منكن . . . . .
) ومن يقنت منكن ( ومن يدم على الطاعة ) لله ورسوله ( ولعل ذكر الله للتعظيم أو لقوله ) وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين ( مرة على الطاعة ومرة على طلبهن رضا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالقناعة وحسن المعاشرة وقرأ حمزة والكسائي ) ويعمل ( بالياء حملا على لفظ / من ويؤتها / على أن فيه ضمير اسم الله ) وأعتدنا لها رزقا كريما ( في الجنة زيادة على اجرها
الأحزاب : ( 32 ) يا نساء النبي . . . . .
) يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ( اصل أحد وحد بمعنى الواحد ثم وضع في النفي العام مستويا فيه المذكر والمؤنث والواحد والكثير والمعنى لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء في الفضل ) إن اتقيتن ( مخالفة حكم الله ورضا رسوله ) فلا تخضعن بالقول ( فلا تجثن بقولكن خاضعا لينا مثل قول المريبات ) فيطمع الذي في قلبه مرض ( فجور وقرئ بالجزم عطفا على محل فعل النهي على انه نهى مريض القلب عن الطمع عقيب نهيهن عن الخضوع بالقول ) وقلن قولا معروفا ( حسنا بعيدا عن الريبة
الأحزاب : ( 33 ) وقرن في بيوتكن . . . . .
) وقرن في بيوتكن ( ومن وقر يقر وقارا أو من قر يقر حذفت الأولى من راءي اقررن ونقلت كسرتها إلى القاف فاستغني عن همزة الوصل ويؤيده قراءة نافع وعاصم بالفتح من قررت اقر وهو لغة فيه ويحتمل أن يكون من قار يقار إذا اجتمع ) ولا تبرجن ( ولا تتبخترن في مشيكن ) تبرج الجاهلية الأولى ( تبرجا مثل تبرج النساء في أيام الجاهلية القديمة وقل هي ما بين آدم ونوح وقيل الزمان الذي ولد فيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام كانت المرأة تلبس درعا من اللؤلؤ فتمشي وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال والجاهلية الأخرى ما بين عيسى ومحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل الجاهلية الأولى جاهلية الكفر قبل الإسلام والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق في الإسلام ويعضده قوله ( صلى الله عليه وسلم ) لأبي الدرداء رضي الله عنه إن فيك جاهلية قال جاهلية كفر أو إسلام(4/373)
" صفحة رقم 374 "
قال بل جاهلية كفر ) وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله ( في سائر ما امركن به ونهاكن عنه ) إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ( الذنب المدنس لعرضكم وهو تعليل لأمرهن ونهيهن على الاستئناف ولذلك عمم الحكم ) أهل البيت ( نصب على النداء أو المدح ) ويطهركم ( عن المعاصي ) تطهيرا ( واستعارة الرجس للمعصية والترشيح بالتطهير للتنقير عنها وتخصيص الشيعة أهل البيت بفاطمة وعلي وابنيهما رضي الله عنهم لما روي انه ( صلى الله عليه وسلم ) خرج ذات غدوة وعليه مرط مرجل من شعر اسود فجلس فأتت فاطمة رضي الله عنها فأدخلها فيه ثم جاء علي فأدخله فيه ثم جاء الحسن والحسين رضي الله عنهما فأدخلهما فيه ثم قال ) إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ( والاحتجاج بذلك على عصمتهم وكون إجماعهم حجة ضعيف لان التخصيص بهم لا يناسب ما قبل الآية وما بعدها والحديث يقتضي انهم من أهل البيت لا أنه ليس غيرهم
الأحزاب : ( 34 ) واذكرن ما يتلى . . . . .
) واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ( من الكتاب الجامع بين الأمرين وهو تذكير بما أنعم الله عليهم من حيث جعلهن أهل بيت النبوة ومهبط الوحي وما شاهدن من برحاء الوحي مما يوجب قوة الإيمان والحرص على الطاعة حثا على الانتهاء والائتمار فيما كلفن به ) إن الله كان لطيفا خبيرا ( يعلم ويدير ما يصلح في الدين ولذلك خيركن ووعظكن أو يعلم من يصلح لنبوته ومن يصلح أن يكون أهل بيته(4/374)
" صفحة رقم 375 "
الأحزاب : ( 35 ) إن المسلمين والمسلمات . . . . .
) إن المسلمين والمسلمات ( الداخلين في السلم المنقادين لحكم الله ) والمؤمنين والمؤمنات ( المصدقين بما يجب أن يصدق به ) والقانتين والقانتات ( المداومين على الطاعة ) والصادقين والصادقات ( في القول والعمل ) والصابرين والصابرات ( على الطاعات وعن المعاصي ) والخاشعين والخاشعات ( المتواضعين لله بقلوبهم وجوارحهم ) والمتصدقين والمتصدقات ( بما وجب في مالهم ) والصائمين والصائمات ( الصوم المفروض ) والحافظين فروجهم والحافظات ( عن الحرام ) والذاكرين الله كثيرا والذاكرات ( بقلوبهم وألسنتهم ) أعد الله لهم مغفرة ( لما اقترفوا من الصغائر لأنهم مكفرات ) وأجرا عظيما ( على طاعتهم والاية وعد لهن ولأمثالهم على الطاعة والتدرع بهذه الخصال روي أن أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قلن يا رسول الله ذكر الله الرجال في القرآن بخير فما فينا خير نذكر به فنزلت وقيل لما نزل فيهن ما نزل قال نساء المسلمين فما نزل فينا شيء فنزلت وعطف الاناث على الذكور لاختلاف الجنسين وهو ضروري وعطف الزوجين على الزوجين لتغاير الوصفين فليس بضروري ولذلك ترك في قوله ) مسلمات مؤمنات ( وفائدته الدلالة على أن اعداد المعد لهم للجمع بين هذه الصفات
الأحزاب : ( 36 ) وما كان لمؤمن . . . . .
) وما كان لمؤمن ولا مؤمنة ( ما صح له ) إذا قضى الله ورسوله أمرا ( أي قضى رسول الله وذكر الله لتعظيم أمره والاشعار بأن قضاءه قضاء الله لأنه نزل في زينب بنت جحش بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب خطبها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لزيد بن حارثة فأبت هي واخوها عبد الله وقيل في أم كلثوم بنت عقبة وهبت نفسها للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فزوجها من زيد ) أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ( أن يختاروا من أمرهم شيئا بل يجب عليهم أن يجعلوا اختيارهم تبعا لاختيار الله ورسوله والخيرة ما يتخير وجمع الضمير الأول لعموم مؤمن(4/375)
" صفحة رقم 376 "
ومؤمنة من حيث انهما في سياق النفي وجمع الثاني للتعظيم وقرأ الكوفيون وهشام ) يكون ( بالياء ) ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ( بين الانحراف عن الصواب
الأحزاب : ( 37 ) وإذ تقول للذي . . . . .
) وإذ تقول للذي أنعم الله عليه ( بتوفيقك لعتقه واختصاصه ) وأنعمت عليه ( بما وفقك الله فيه وهو زيد بن حارثة ) أمسك عليك زوجك ( زينب وذلك انه ( صلى الله عليه وسلم ) ابصرها بعد ما انكحها إياه فوقعت في نفسه فقال سبحان الله مقلب القلوب وسمعت زينب بالتسبيحة فذكرت لزيد ففطن لذلك ووقع في نفسه كراهة صحبتها فأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقال أريد أن افارق صاحبتي فقال ما لك ارابك منها شيء فقال لا والله ما رأيت منها إلا خيرا ولكنها لشرفها تتعظم علي فقال له امسك عليك زوجك ) واتق الله ( في أمرها فلا تطلقها ضرارا وتعللا بتكبرها ) وتخفي في نفسك ما الله مبديه ( وهو نكاحها أن طلقها أو إرادة طلاقها ) وتخشى الناس ( تعييرهم اياك به ) والله أحق أن تخشاه ( أن كان في ما يخشى والواو للحال وليست المعاتبة على الاخفاء وحده فإنه حسن بل على الاخفاء مخافة قالة الناس واظهار ما ينافي اضماره فإن الأولى في امثال ذلك أن يصمت أو يفوض الأمر إلى ربه ) فلما قضى زيد منها وطرا ( حاجة بحيث ملها ولم يبق له فيها حاجة وطلقها وانقضت عدتها(4/376)
" صفحة رقم 377 "
) زوجناكها ( وقيل قضاء الوطر كناية عن الطلاق مثل لا حاجة لي فيك وقرئ / زوجتكها / والمعنى انه أمر بتزويجها منه أو جعلها زوجته بلا واسطة عقد ويؤيده إنها كانت تقول لسائر نساء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله تعالى تولى انكاحي وأنتن زوجكن اولياؤكن وقيل كان زيد السفير في خطبتها وذلك ابتلاء عظيم وشاهد بين على قوة ايمانه ) لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا ( علة للتزويج وهو دليل على أن حكمه وحكم الأمة واحدة إلا ما خصه الدليل ) وكان أمر الله ( أمره الذي يريده ) مفعولا ( مكونا لا محالة كما كان تزويج زينب
الأحزاب : ( 38 ) ما كان على . . . . .
) ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له ( قسم وقدر من قولهم فرض له في الديوان ومنه فروض العكس لارزاقهم ) سنة الله ( سن ذلك سنة ) في الذين خلوا من قبل ( من الأنبياء وهو نفي الحرج عنهم فيما أباح لهم ) وكان أمر الله قدرا مقدورا ( قضاء مقضيا وحكما مبتوتا
الأحزاب : ( 39 ) الذين يبلغون رسالات . . . . .
) الذين يبلغون رسالات الله ( صفة للذين خلوا أو مدح لهم منصوب أو مرفوع وقرئ / رسالة الله / ) ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله ( تعريض بعد تصريح ) وكفى بالله حسيبا ( كافيا للمخاوف أو محاسبا فينبغي أن لا يخشى إلا منه
الأحزاب : ( 40 ) ما كان محمد . . . . .
) ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ( على الحقيقة فيثبت بينه وبينه ما بين الوالد وولده من حرمة المصاهرة وغيرها ولا ينتقضن عمومه بكونه أبا للطاهر والقاسم وإبراهيم لانهم لم يبلغوا مبلغ الرجال ولو بلغوا كانوا رجاله لا رجالهم ) ولكن رسول الله ( وكل رسول أبو امته لا مطلقا بل من حيث انه شفيق ناصح لهم واجب التوقير والطاعة عليهم وزيد منهم ليس بينه وبينه ولادة وقرئ ) رسول الله ( من عرفتم انه يعش له ولد ذكر ) وخاتم النبيين ( وآخرهم الذي ختمهم أو ختموا به على قراءة عاصم بالفتح ولو(4/377)
" صفحة رقم 378 "
كان له ابن بالغ لاق بمنصبه أن يكون نبيا كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) في إبراهيم حين توفى لو عاش لكان نبيا ولا يقدح في نزول عيسى بعده لأنه إذا نزل كان على دنيه مع أن المراد منه انه آخر من نبئ ) وكان الله بكل شيء عليما ( فيعلم من يليق بأن يختم به النبوة وكيف ينبغي شأنه
الأحزاب : ( 41 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ( يغلب الاوقات ويعم الانواع بما هو أهله من التقديس والتحميد والتهليل والتمجيد
الأحزاب : ( 42 ) وسبحوه بكرة وأصيلا
) وسبحوه بكرة وأصيلا ( أول النهار وآخره خصوصا وتخصيصهما بالذكر للدلالة على فضلهما على سائر الاوقات لكونهما مشهودين كأفراد التسبيح من جملة الاذكار لانه العمدة فيها وقيل الفعلان موجهان أليهما وقيل المراد بالتسبيح الصلاة
الأحزاب : ( 43 ) هو الذي يصلي . . . . .
) هو الذي يصلي عليكم ( بالرحمة ) وملائكته ( بالاستغفار لكم والاهتمام بما يصلحكم والمراد بالصلاة المشترك وهو العناية بصلاح أمركم وظهور شرفكم مستعار من الصلو وقيل الترحم والانعطاف المعنوي مأخوذ من الصلاة المشتملة على الانعطاف الصوري الذي هو الركوع والسجود واستغفار الملائكة ودعاؤهم للمؤمنين ترحم عليه سيما وهو السبب للرحمة من حيث إنهم مجابو الدعوة ) ليخرجكم من الظلمات إلى النور ( من ظلمات الكفر والمعصية إلى انوري الإيمان والطاعة ) وكان بالمؤمنين رحيما ( حيث اعتنى بصلاح أمرهم وانافة قدرهم واستعمل في ذلك ملائكته المقربين
الأحزاب : ( 44 ) تحيتهم يوم يلقونه . . . . .
) تحيتهم ( من إضافة المصدر إلى المفعول أو يحيون ) يوم يلقونه ( يوم لقائه عند الموت أو الخروج من القبور أو دخول الجنة ) سلام ( إخبار بالسلامة عن كل مكروه(4/378)
" صفحة رقم 379 "
وآفة ) وأعد لهم أجرا كريما ( هي الجنة ولعل اختلاف النظم لمحافظة الفواصل والمبالغة فيما هو اهم
الأحزاب : ( 45 ) يا أيها النبي . . . . .
) يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ( على من بعثت إليهم بتصديقهم وتكذيبهم ونجاتهم وضلالهم وهو حال مقدرة ) ومبشرا ونذيرا )
الأحزاب : ( 46 ) وداعيا إلى الله . . . . .
) وداعيا إلى الله ( إلى الإقرار به وبتوحيده وما يجب الإيمان به من صفاته ) بإذنه ( بتيسيره واطلق له من حيث انه من اسبابه وقيد به الدعوة ايذانا بأنه أمر صعب لا يتأتى إلا بمعونة من جناب قدسه ) وسراجا منيرا ( يستضاء به عن ظلمات الجهالات ويقتبس من نوره انوار البصائر
الأحزاب : ( 47 ) وبشر المؤمنين بأن . . . . .
) وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ( على سائر الأمم أو على جزاء أعمالهم ولعله معطوف على محذوف مثل فراقب احوال امتك
الأحزاب : ( 48 ) ولا تطع الكافرين . . . . .
) ولا تطع الكافرين والمنافقين ( تهييج له على ما هو عليه من مخالفتهم ) ودع أذاهم ( ايذاءهم اياك ولا تحتفل به أو ايذاءك اياهم مجازاة أو مؤاخذة على كفرهم ولذلك قيل إنه منسوخ ) وتوكل على الله ( فإنه يكفيكهم ) وكفى بالله وكيلا ( موكولا إليه الأمر في الأحوال كلها ولعله سبحانه وتعالى لما وصفه بخمس صفات قابل كلا منها بخاطب يناسبه فحذف مقابل الشاهد وهو الأمر بالمراقبة لان ما بعده كالتفصيل له وقابل المبشر بالأمر والسراج المنير بالاكتفاء به فإن من اناره الله برهانا على جميع خلقه كان حقيقا بأن يكتفى به عن غيره(4/379)
" صفحة رقم 380 "
الأحزاب : ( 49 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ( نجامعوهن وقرأ حمزة الكسائي بألف وضم التاء ) فما لكم عليهن من عدة ( أيام يتربصن فيها بأنفسهن ) تعتدونها ( تستوفون عددها من عددت الدراهم فاعتدها كقولك كلته فاكتاله أو تعدونها والاسناد إلى الرجال للدلالة على أن العدة حق الأزواج كما اشعر به فما لكم وعن ابن كثير ) تعتدونها ( مخففا على إبدال إحدى الدالية بالياء أو على انه من الاعتداء بمعنى تعتدون فيها وظاهره يقتضي عدم وجوب العدة بمجرد الخلوة وتخصيص المومنات والحكم عام للتنبيه على أن من شأن المؤمن أن لا ينكح إلا مؤمنة تخييرا لنطفته وفائدة ثم ازاحة ما عسى أن يتوهم تراخي الطلاق ريثما تمكن الاصابة كما يؤثر في النسب يؤثر في العدة ) فمتعوهن ( أي إن لم يكن مفروضا لها فإن الواجب للمفروض لها نصف المفروض دون المتعة ويجوز أن يؤول التمتيع بما يعمهما أو الأمر بالمشترك بين الوجوب والندب فإن المتعة سنة للمفروض لها ) وسرحوهن ( اخرجوهن من منازلكم إذ ليس لكم عليهن عدة ) سراحا جميلا ( من غير ضرار ولا منع حق ولا يجوز تفسيره بالطلاق السني لانه مرتب على الطلاق والضمير لغير المدخول بهن
الأحزاب : ( 50 ) يا أيها النبي . . . . .
) يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن ( مهورهن لان المهر اجر على البضع وتقييد الاحلال بإعطائها معجلة لا لتوقف الحل عليه بل لايثار الأفضل له كتقييد احلال المملوكة بكونها مسببة بقوله ) وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك ( فإن المشتراة لا يتحقق بدء أمرها وما جرى عليها وتقييد القرائب بكونها مهاجرات معه في قوله ) وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك ( ويحتمل تقييد الحل بذلك ف يحقه خاصة ويعضده قول أم هانئ بنت أبي طالب خطبني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاعتذرت إليه فعذرني ثم انزل الله هذ الآية فلم احل له لاني لم اهاجر معه كنت من الطلقاء ) وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ( نصب بفعل يفسره ما قبله(4/380)
" صفحة رقم 381 "
أو عطف على ما سبق ولا يدفعه التقييد بأن التي للاستقبال فإن المعنى بالاحلال والاعلام بالحل أي اعلمناك حل امرأة مؤمنة تهب لك نفسها ولا تطلب مهرا إن اتفق ولذلك نكرها واختلف في اتفاق ذلك والقائل به ذكر اربعا ميمونة بنت الحارث وزينب بنت خزيمة الأنصارية وأم شريك بنت جابر وخولة بنت حكيم وقرئ ) إن ( بالفتح أي لان وهب أو مدة أن وهبت كقولك اجلس ما دام زيد جالسا ) إن أراد النبي أن يستنكحها ( شرك للشرط الأول في استيجاب الحل فإن هبتها نفسها منه لا توجب له حلها إلا بإرادته نكاحها فإنها جارية مجرى القبول والعدول عن الخطاب إلى الغيبة بلفظ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مكررا ثم الرجوع إليه في قوله ) خالصة لك من دون المؤمنين ( ايذان بأنه مما خص به لشرف نبوته وتقرير لاستحقاق الكرامة لاجله واحتج به اصحابنا على أن النكاح لا ينعقد بلفظ الهبة لان اللفظ تابع للمعنى وقد خص ( صلى الله عليه وسلم ) بالمعنى فيختص باللفظ والاستنكاح طلب النكاح والرغبة فيه ) خالصة ( مصدر مؤكد أي خلص احلالها أو احلال ما احللنا لك على القيود المذكورة خلصوا لك أو حال نم الضمير في ) وهبت ( أو صفة لمصدر محذوف أي هبة خالصة قد علمنا ما فرضنا عليهم في ازواجهم من شرائط العقد ووجوب القسم والمهر بالوطء حيث لم يسم ) وما ملكت أيمانهم ( من توسيع الأمر فيها انه كيف ينبغي أن يفرض عليهم والجملة اعتراض بين قوله ) لكيلا يكون عليك حرج ( ومتعلقه وهو ) خالصة ( للدلالة على أن الفرق بينه وبين ) المؤمنين ( في نحو ذلك لا لمجرد قصد التوسيع عليه بل لمعان تقتضي التوسيع عليه والتضييق عليهم تارة وبالعكس أخرى ) وكان الله غفورا ( لما يعسر التحرز عنه ) رحيما ( بالتوسعة في مظان الحرج
الأحزاب : ( 51 ) ترجي من تشاء . . . . .
) ترجي من تشاء منهن ( تؤخرها وتترك مضاجعتها ) وتؤوي إليك من تشاء ((4/381)
" صفحة رقم 382 "
وتضم إليك من تشاء وتضاجعها أو تطلق من تشاء وتمسك من تشاء وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص ) ترجي ( بالياء والمعنى واحد ) ومن ابتغيت ( طلبت ) ممن عزلت ( طلقت بالرجعة ) فلا جناح عليك ( في شيء من ذلك ) ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن ( ذلك التفويض إلى مشيئتك اقرب إلى قرة عيونهن وقلة حزنهن ورضاهن جميعا لأن حكم كلهن فيه سواء ثم أن سويت بينهن وجدن ذلك تفضلا منك وان رجحت بعضهن علمن انه بحكم الله تعالى فتطمئن به نفوسهم وقرئ ) تقر ( بضم التاء و ) أعينهن ( بالنصب و ) تقر ( بالبناء للمفعول و ) كلهن ( تأكيد نون / يرضين / وقرئ بالنصب تأكيدا لهن ) والله يعلم ما في قلوبكم ( فاجتهدوا في احسانه ) وكان الله عليما ( بذات الصدور ) حليما ( لا يعاجل بالعقوبة فهو حقيق بأن يتقى
الأحزاب : ( 52 ) لا يحل لك . . . . .
) لا يحل لك النساء ( بالياء لأن تأنيث الجمع غير حقيقي وقرأ البصريان بالتاء ) من بعد ( من بعد التسع وهو في حقه كالاربع في حقنا أو من بعد اليوم حتى لو ماتت واحدة لم يحل له نكاح أخرى ) ولا أن تبدل بهن من أزواج ( فتطلق وماحدة وتنكح مكانها أخرى و ) من ( مزيدة لتأكيد الاستغراق ) ولو أعجبك حسنهن ( حسن الأزواج المستبدلة وهو حال من فاعل ) تبدل ( دون مفعوله وهو ) من أزواج ( لتوغله في التنكير وتقديره مفروضا اعجابك بهن واختلف في أن الآية محكمة أو منسوخة بقوله ) ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ( على المعنى الثاني فإنه وإن تقدمها قراءة فهو(4/382)
" صفحة رقم 383 "
مسبوق بها نزولا وقيل المعنى لا يحل لك النساء من بعد الاجناس الأربعة اللاتي نص على احلالهن لك ولا أن تبدل بهن ازواجا من اجناس آخر ) إلا ما ملكت يمينك ( استثناء من النساء لانه يتناول الأزواج والاماء وقيل منقطع ) وكان الله على كل شيء رقيبا ( فتحفظوا امركم ولا تتخطوا ما حد لكم
الأحزاب : ( 53 - 54 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ( إلا وقت أن يؤذن لكم أو إلا مأذونا لكم ) إلى طعام ( متعلق ب ) يؤذن ( لانه متضمن معنى يدعى للاشعار بأنه لا يحسن الدخول على الطعام من غير دعوة وان أذن كما اشعر به قوله ) غير ناظرين إناه ( غير منتظرين وقته أو إدراكه حال من فاعل ) لا تدخلوا ( أو المجرور في ) لكم ( وقرئ بالجر صفة لطعام فيكون جاريا على غير من هو له بلا ابراز الضمير وهو غير جائز عند البصريين وقد امال حمزة والكسائي اناه لانه مصدر انى الطعام إذا أدرك ) ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ( تفرقوا ولا تمكثوا ولأنه خطاب لقوم كانوا يتحينون طعام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيدخلون ويقعدون منتظرين لادراكه مخصوصة بهم وبأمثالهم وإلا لما جاز أحد أن يدخل بيوته بالاذن لغير الطعام ولا اللبث بعد الطعام لهم ) ولا مستأنسين لحديث ( لحديث بعضكم بعضا أو لحديث أهل البيت بالتسمع له عطف على ) ناظرين ( أو مقدر بفعل أي ولا تدخلوا أو ولا تمكثوا مستأنسين ) إن ذلكم ( اللبث ) كان يؤذي النبي ( لتضييق المنزل عليه وعلى أهله واشغاله بما لا يعنيه ) فيستحيي منكم ( من اخراجكم بقوله ) والله لا يستحيي من الحق ( يعني أن اخراجكم حق فينبغي أن لا يترك(4/383)
" صفحة رقم 384 "
حياء كما لم يتركه الله ترك الحيي فأمركم بالخروج وقرئ / لا يستحي / بحذف الياء الأولى والقاء حركتها على الحاء ) وإذا سألتموهن متاعا ( شيئا ينتفع به ) فاسألوهن ( المتاع ) من وراء حجاب ( ستر روي أن عمر رضي الله عنه قال يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو امرت امهات المؤمنين بالحجاب فنزلت وقيل انه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يطعم ومعه بعض اصحابه فاصابت يد رجل عائشة رضي الله عنها فكره النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك فنزلت ) ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ( من الخواطر النفسانية الشيطانية ) وما كان لكم ( وما صح لكم ) أن تؤذوا رسول الله ( أن تفعلوا ما يكرهه ) ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ( من بعد وفاته أو فراقه وخص التي لم يدخل بها لما روي أن اشعث بن قيس تزوج المستعيذة في أيام عمر رضي الله عنه فهم برجمها فأخبر بأنه ( صلى الله عليه وسلم ) فارقها قبل أن يمسها فتركها من غير نكير ) إن ذلكم ( يعني ايذاءه ونكاح نسائه ) كان عند الله عظيما ( ذنبا عظيما وفيه تعظيم من الله لرسوله وايجاب لحرمته حيا وميتا ولذلك بالغ في الوعيد عليه فقال ) إن تبدوا شيئا ( كنكاحهن على السنتكم ) أو تخفوه ( في صدوركم ) فإن الله كان بكل شيء عليما ( فيعلم ذلك فيجازيكم به وفي هذا التعميم مع البرهان على المقصود مزيد تهويل ومبالغة في الوعيد
الأحزاب : ( 55 ) لا جناح عليهن . . . . .
) لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ( استثناء لمن لا يجب الاحتجاب عنهم روي انه لما نزلت آية الحجاب قال الاباء والابناء والاقارب يا رسول الله أو نكلمهن أيضا من وراء حجاب فنزلت وانما لم يذكر العم والخال لانهما بمنزلة الوالدين ولذلك سمى العم أبا في قوله ) إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ( أو لانه كره ترك الاحتجاب عنهما مخافة أن يصفا لابنائهما ) ولا نسائهن ( يعني نساء المؤمنات ) ولا ما ملكت أيمانهن ( من العبيد والاماء وقيل من(4/384)
" صفحة رقم 385 "
الاماء خاصة وقد مر في سورة النور ) واتقين الله ( فيما امرتن به ) إن الله كان على كل شيء شهيدا ( لا يخفى عليه خافية
الأحزاب : ( 56 ) إن الله وملائكته . . . . .
) إن الله وملائكته يصلون على النبي ( يعتنون بإظهار شرفه وتعظيم شأنه ) يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه ( اعتنوا أنتم أيضا فإنكم اولى بذلك وقولوا اللهم صل على محمد ) وسلموا تسليما ( وقولوا السلام عليك آيها النبي وقيل وانقادوا لاوامره والاية تدل على وجوب الصلاة والسلام عليه في الجملة وقيل تجب الصلاة كلما جرى ذكره لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) رغم انف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي وقوله من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده الله وتجوز الصلاة على غيره تبعا وتكره استقلالا لانه في العرف صار شعارا لذكر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ولذلك كره أن يقال محمد عز وجل وان كان عزيزا وجليلا
الأحزاب : ( 57 ) إن الذين يؤذون . . . . .
) إن الذين يؤذون الله ورسوله ( يرتكبون ما يكرهانه من الكفر والمعاصي أو يؤذون رسول الله بكسر رباعيته وقولهم شاعر مجنون ونحو ذلك وذكر الله للتعظيم له من جوز إطلاق اللفظ على معنيين فسره بالمعنيين باعتبار المعمولين ) لعنهم الله ( ابعدهم من رحمته ) في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا ( يهينهم مع الايلام
الأحزاب : ( 58 ) والذين يؤذون المؤمنين . . . . .
) والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا ( بغير جناية استحقوا بها(4/385)
" صفحة رقم 386 "
الايذاء ) فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ( ظاهرا قيل إنها نزلت في منافقين كانوا يؤذون عليا رضي الله عنه وقل في أهل الإفك وقيل في زناة كانوا يتبعون النساء وهن كارهات
الأحزاب : ( 59 ) يا أيها النبي . . . . .
) يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ( يغطين وجوههن وابدانهن بملاحفهن إذا برزن لحاجة و ) من ( للتبعيض فإن المرأة ترخي بعضه جلبابها وتتلفع ببعض و ) ذلك أدنى أن يعرفن ( يميزن من الاماء والقينات ) فلا يؤذين ( فلا يؤذيهن أهل الريبة بالتعرض لهن ) وكان الله غفورا ( لما سلف ) رحيما ( بعباده حيث يراعي مصالحهم حتى الجزئيات منها
الأحزاب : ( 60 ) لئن لم ينته . . . . .
) لئن لم ينته المنافقون ( عن نفاقهم ) والذين في قلوبهم مرض ( ضعف إيمان وقلة ثبات عليه أو فجور عن تزلزلهم في الدين أو فجورهم ) والمرجفون في المدينة ( يرجفون أخبار السوء عن سرايا المسلمين ونحوها من ارجافهم واصله التحريك من الرجفة وهي الزلزلة سمي بها الأخبار الكاذاب لكونه متنزلزلا غير ثابت ) لنغرينك بهم ( لنأمرنك بقتالهم واجلائهم أو ما يضطرهم إلى طلب الجلاء ) ثم لا يجاورونك ( عطف على ) لنغرينك ( و ) ثم ( للدلالة على أن الجلاء ومفارقة جوار الرسول اعظم ما يصيبهم ) فيها ( في المدينة ) إلا قليلا ( زما نا أو جوارا قليلا
الأحزاب : ( 61 ) ملعونين أينما ثقفوا . . . . .
) ملعونين ( نصب على الشتم أو الحال والاستثناء شامل له أيضا أي ) لا يجاورونك ( إلا معلونين ولا يجوز أن ينصب عن قوله ) أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ( لان ما بعد كلمة الشرط لا يعمل فيما قبلها
الأحزاب : ( 62 ) سنة الله في . . . . .
) سنة الله في الذين خلوا من قبل ( مصدر مؤكد أي سن الله ذلك في الأمم الماضية وهو أن يقتل الذين نافقوا الأنبياء وسعوا في وهنهم بالأرجاف ونحوه ) أينما ثقفوا ( ) ولن تجد لسنة الله تبديلا ( لانه لا يبدلها ولا يقدر أحد أن يبدلها(4/386)
" صفحة رقم 387 "
الأحزاب : ( 63 ) يسألك الناس عن . . . . .
) يسألك الناس عن الساعة ( عن وقت قيامها استهزاء وتعنتا أو امتحانا ) قل إنما علمها عند الله ( لم يطلع عليه ملكا ولا نبيا ) وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ( شيئا قريبا أو تكون الساعة عن قريب وانتصابه على الظرف ويجوز أن بكون التذكير لان ) الساعة ( في معنى اليوم وفيه تهديد للمستعجلين واسكات للمتعنتين
الأحزاب : ( 64 ) إن الله لعن . . . . .
) إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا ( نارا شديدة الاتقاد
الأحزاب : ( 65 ) خالدين فيها أبدا . . . . .
) خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ( يحفظهم ) ولا نصيرا ( يدفع العذاب عنهم
الأحزاب : ( 66 ) يوم تقلب وجوههم . . . . .
) يوم تقلب وجوههم في النار ( تصرف من جهة إلى جهة كاللحم يشوى بالنار أو من حال إلى حال وقرئ ) تقلب ( بمعنى تتقلب و ) تقلب ( ومتعلق الظرف ) يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا ( فلن نبتلي بهذا العذاب
الأحزاب : ( 67 ) وقالوا ربنا إنا . . . . .
) وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا ( يعنون قادتهم الذي لقنوهم الكفر وقرأ ابن عامر ويعقوب / ساداتنا / على جمع الجمع للدلالة على الكثرة ) فأضلونا السبيلا ( بما زينوا لنا
الأحزاب : ( 68 ) ربنا آتهم ضعفين . . . . .
) ربنا آتهم ضعفين من العذاب ( مثلي ما آتيتنا منه لأنهم ضلوا وأضلوا ) والعنهم لعنا كبيرا ( كثير العدد وقرأ عاصم بالباء أي لعنا هو اشد اللعن وأعظمه
الأحزاب : ( 69 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا ( فأظهر براءته من مقولهن يعني مؤداه ومضمونه وذلك أن قارون حرض امرأة على قذفه بنفسها فعصمه الله كما مر في القصص أو اتهمه ناس بقتل هارون لما خرج معه إلى الطور فمات هناك فحملته الملائكة ومروا به حتى رؤوه غير مقتول وقيل احياه الله فأخبرهم ببراءته أو قذفوه بعيب ف بدنه من برص أو ادرة لفرط تستره حياء فأطلعهم الله على انه بريء منه(4/387)
" صفحة رقم 388 "
الأحزاب : ( 70 ) يا أيها الذين . . . . .
) وكان عند الله وجيها ( ذا قربة ووجاهة وقرئ وكان عبد الله وجيها ) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ( في ارتكاب ما يكرهه فضلا عما يؤذي رسوله ) وقولوا قولا سديدا ( قاصدا إلى الحق من سد يسد سدادا والمراد النهي عن ضده كحديث زينب من غير قصد
الأحزاب : ( 71 ) يصلح لكم أعمالكم . . . . .
) يصلح لكم أعمالكم ( يوفقكم للاعمال الصالحة أو يصلحها بالقبول والاثابة عليها ) ويغفر لكم ذنوبكم ( ويجعلها مكفرة باستقامتكم في القول والعمل ) ومن يطع الله ورسوله ( في الاوامر والنواهي ) فقد فاز فوزا عظيما ( يعيش في الدنيا حميدا في الآخرة سعيدا
الأحزاب : ( 72 ) إنا عرضنا الأمانة . . . . .
) إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان ( تقرير للوعد السابق بتعظيم الطاعة وسماها امانة من حيث إنها واجبة الاداء والمعنى إنها لعظمة شأنها بحيث لو عرضت على هذه الاجرام العظام وكانت ذات شعور وادراك لابين أن يحملنها واشفقن منها وحملها الإنسان مع ضعيف بنيته ورخاوة قوته لا جرم فاز الراعي لها والقائم بحقوقها بخر الدارين ) إنه كان ظلوما ( حيث لم يف بها ولم يراع حقها ) جهولا ( بكنه عاقبتها وهذا وصف للجنس باعتبار الاغلب ويقل المراد ب ) الأمانة ( الطاعة التي تعم الطبيعية والاختيارية وبعرضها استدعاؤها الذي يعم طلب الفعل من المختار وارادة صدوره من غيره وبحملها الخيانة فيها والامتناع عن أدائها ومنه قولهم حامل الأمانة ومحتملها لمن لا يؤديها فتبرأ ذمته فيكون الاباء عنه اتيانا بما(4/388)
" صفحة رقم 389 "
يمكن أن يتأتى منه والظلم والجهالة الخيانة والتقصير وقيل انه تعالى لما خلق هذه الاجرام خلق فيها فهما وقال لها أني فرضت فريضة وخلقت جنة لمن اطاعني فيها ونارا لمن عصاني فقلن نحن مسخرات على ما خلقتنا لا نحتمل فريضة ولا نبغي ثوابا ولا عقابا ولما خلق آدم عرض عليه مثل ذلك فحمله وكان ظلوما لنفسه بتحمله ما يشق عليها جهولا بوخامة عاقبته ولعل المراد ب ) الأمانة ( العقل أو التكليف وبعرضها عليهن اعتبارها بالاضافة إلى استعدادهن وبإبائهن الاباء الطبيعي الذي هو عدم اللياقة والاستعداد وبحمل الإنسان قابليته واستعداده لها وكونه ظلوما جهولا لما غلب عليه من القوة الغضبية والشهوية وعلى هذا يحسن أن يكون علة للحمل عليه فإن من فوائد العقل أن يكون مهيمنا على القوتين حافظا لهما عن التعدي ومجاوزة الحد ومعظم مقصود التكليف تعديلهما وكسر سورتهما
الأحزاب : ( 73 ) ليعذب الله المنافقين . . . . .
) ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات ( تعليل للحمل من حيث انه نتيجته كالتأديب للضرب في ضربته تأديبا وذكر التوبة في الوعد أشعار بأنهم كونهم ظلوما جهولا ي جبلتهم لا يخليهم عن فرطات ) وكان الله غفورا رحيما ( حيث تاب عن فرطاتهم واثاب بالفوز على طاعاتهم قال ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الأحزاب وعلمها أهله أو ما ملكت يمينه اعطي الامان من عذاب القبر(4/389)
" صفحة رقم 390 "
سورة سبأ
مكية وقيل إلا قوله ويرى الذين أتوا العلم الآية وآيها أربع وخمسون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
سبأ : ( 1 ) الحمد لله الذي . . . . .
) الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ( خلقا ونعمة فله الحمد في الدنيا لكمال قدرته وعلى تمام نعمته ) وله الحمد في الآخرة ( لان ما في الآخرة أيضا كذلك وليس هذا من عطف المقيد على المطلق فإن الوصف بما يدل على انه المنعم بالنعم الدنيوية قيد الحمد بها وتقديم الصلة للاختصاص فإن النعم الدنيوية قد تكون بواسطة من يستحق الحمد لأجلها ولا كذلك نعم الآخرة ) وهو الحكيم ( الذي احكم أمور الدارين ) الخبير ( ببواطن الاشياء
سبأ : ( 2 ) يعلم ما يلج . . . . .
) يعلم ما يلج في الأرض ( كالغيث ينفذ في موضع وينبع في آخر وكالكنوز والدفائن والاموات ) وما يخرج منها ( كالحيوان والنبات والفلزات وماء العيون ) وما ينزل من السماء ( كالملائكة والكتب والمقادير والارزاق والانداء والصواعق ) وما يعرج فيها ( كالملائكة واعمال العباد والابخرة والادخنة ) وهو الرحيم الغفور ( للمفرطين في شكر نعمته مع كثرتها أو في الآخرة مع ما له من سوابق هذه النعم الفائتة للحصر
سبأ : ( 3 ) وقال الذين كفروا . . . . .
) وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة ( انكار لمجيئها أو استبطاء استهزاء بالوعد به(4/390)
" صفحة رقم 391 "
) قل بلى ( رد لكلامهم واثبات لما نفوه ) وربي لتأتينكم عالم الغيب ( تكرير لايجابه مؤكدا بالقسم مقررا لوصف القسم به بصفات تقرر امكانه وتنفي استبعاده على ما مر غير مرة وقرأ حمزة والكسائي / علام الغيب / للمبالغة ونافع وابن عمر ورويس ) عالم الغيب ( بالرفع على انه خبر محذوف أو مبتدأ خبره ) لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ( وقرأ الكسائي ) لا يعزب ( بالكسر ) ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ( جملة مؤكدة لنفي العزوب ورفعهما بالابتداء ويؤيده القراءة بالفتح على نفي الجنس ولا يجوز عطف المرفوع على ) مثقال ( والمفتوح على ) ذرة ( بأنه فتح في موضع الجر لامتناع الصرف لان الاستثناء يمنعه اللهم إلا إذا جعل الضمير في ) عنه ( للغيب وجعل المثبت في اللوح خارجا عنه لظهوره على المطالعين له فيكون المعنى لا ينفصل عن الغيب شيء إلا مسطورا في اللوح
سبأ : ( 4 ) ليجزي الذين آمنوا . . . . .
) ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( علة لقوله ) لتأتينكم ( وبيان لما يقتضي اتيانها ) أولئك لهم مغفرة ورزق كريم ( لا تعب فيه ولا من عليه
سبأ : ( 5 ) والذين سعوا في . . . . .
) والذين سعوا في آياتنا ( بإبطال وتزهيد فيها ) معاجزين ( مسابقين كي يفوتونا وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ) معجزين ( أي مثبطين عن الإيمان من اراده ) أولئك لهم عذاب من رجز ( من سيء العذاب ) أليم ( مؤلم ورفعه ابن كثير ويعقوب وحفص
سبأ : ( 6 ) ويرى الذين أوتوا . . . . .
) ويرى الذين أوتوا العلم ( ويعلم أولو العلم من الصحابة ومن شايعهم من الأمة أو من مسلمي أهل الكتاب ) الذي أنزل إليك من ربك ( القرآن ) هو الحق ( ومن رفع ) الحق ( جعل هو مبتدأ و ) الحق ( خبره والجملة ثاني مفعولي ) يرى ( وهو مرفوع مستأنف للاستشهاد بأولي العلم على الجهلة الساعين في الآيات وقيل منصوب معطوف على ) ليجزي ( أي وليعلم اولو العلم عند مجيء الساعة انه الحق عيانا كما علموه الآن برهانا ) ويهدي إلى صراط العزيز الحميد ( الذي هو التوحيد والتدرع بلباس التقوى
سبأ : ( 7 ) وقال الذين كفروا . . . . .
) وقال الذين كفروا ( ى قال بعضهم لبعض ) هل ندلكم على رجل ( يعنون محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) ) ينبئكم ( يحدثكم بأعجب الاعاجيب ) إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد ((4/391)
" صفحة رقم 392 "
انكم تنشؤون خلقا جديدا بعد أن تمزق اجساكم كل تمزيق وتفريق بحيث تصير ترابا وتقديم الظرف للدلالة على البعد والمبالغة فيه وعامله محذوف دل عليه ما بعده فإن ما قبله لم يقارنه وما بعده مضاف إليه أو محجوب بينه وبينه بأن و ) ممزق ( يحتمل أن يكون مكانا بمعنى إذا مزقتم وذهبت بكم السيول كل مذهب وطرحتم كل مطرح وجديد بمعنى فاعل من حد وقيل بمعنى مفعول من جد النساج الثوب إذا قطعه
سبأ : ( 8 ) أفترى على الله . . . . .
) أفترى على الله كذبا أم به جنة ( جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه واستدل بجعلهم إياه قسيم الافتراء غير معتقدين صقده على أن بين الصدق والكذب واسطة وهو كل خبر لا يكون عن بصيرة بالمخبر عنه وضعفه بين لان الافتراء أخص من الكذب ) بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ( رد من الله تعالى عليهم ترديدهم واثبات لهم ما هو افظع من القسمين وهو الضلال البعيد عن الصواب بحيث لا يرجى الخلاص منه وما هو مؤداه من العذاب وجعله رسيلا له في الوقوع ومقدما عليه في اللفظ للمبالغة في استحقاقهم له والبعد في الأصل صفة الضال ووصف الضلال به على الإسناد المجازي
سبأ : ( 9 ) أفلم يروا إلى . . . . .
) أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء ( تذكير بما يعاينونه مما يدل على كمال قدرة الله وما يحتمل فيه ازاحة لاستحالتهم الإحياء حتى جعلوه افتراء وهزؤا وتهديدا عليها والمعنى(4/392)
" صفحة رقم 393 "
اعموا فلم ينظروا إلى ما احاط بجوانبهم من السماء والأرض ولم يتفكروا اهم اشد خلقا أم السماء وإنا ) إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا ( ولتكذيبهم بالآيات بعد ظهور البينات وقرأ حمزة والكسائي ) يشأ ( و ) يخسف ( و / يسقط / بالياء لقوله ) افترى على الله ( والكسائي وحده بإدغام الفاء في الباء وحفص ) كسفا ( بالتحريك ) إن في ذلك ( النظر والتفكر فيهما وما يدلان عليه ) لآية ( لدلالة ) لكل عبد منيب ( راجع إلى ربه فإنه يكون كثيرا التأمل في آمره
سبأ : ( 10 ) ولقد آتينا داود . . . . .
) ولقد آتينا داود منا فضلا ( أي على سائر الأنبياء وهو ما ذكر بعد أو علا سائر الناس فيندرج فيه النبوة والكتاب والملك والصوت الحسن ) يا جبال أوبي معه ( رجعي معه التسبيح أو النوحة على الذنب وذلك أما بخلق صوت مثل صوته فيها أو بحملها إياه على التسبيح إذا تأمر ما فيها أو سيري معه حيث سار وقرئ ) أوبي ( من الاوب أي ارجعي في التسبيح كلما رجع فيه وهو بدل من ) فضلا ( أو من ) آتينا ( بإضمار قولنا أو قلنا ) والطير ( عطف على محل الجبال ويؤيده القراءة بالرفع عطفا على لفظها تشبيها للحركة البنائية العارضة بالحركة الاعرابية أو على ) فضلا ( أو مفعول معه ل ) أوبي ( وعلى هذا يجوز أن يكون الرفع بالعطف على ضميره وكان الأصل ولقد آتينا داود منا فضلا تأويب الجبال والطير فبدل بهذا النظم لما فيه من الفخامة والدلالة على عظم شأنه وكبرياء سلطانه حيث جعل الجبال والطيور كالعقلاء المنقادين لامره في نفاذ مشيئته فيها ) وألنا له الحديد ( جعلناه في يده كالشمع يصرفه كيف يشاء من غير احماء وطرق بالانته أو بقوته(4/393)
" صفحة رقم 394 "
سبأ : ( 11 ) أن اعمل سابغات . . . . .
) أن اعمل ( امرناه أن اعمل ف ) إن ( مفسرة أو مصدرية ) سابغات ( دروعا واسعات وقرئ / صابغات / وهو أول من اتخذها ) وقدر في السرد ( وقد في نسجها بحيث يتناسب حلقها أو قدر مساميرها فلا تجعلها دقاقا فتقلق ولا غلاظا فتنخرق ورد بأن دروعه لم تكن مسمرة ويؤيده قوله ) وألنا له الحديد ( ) واعملوا صالحا ( الضمير فيه لداود وأهله ) إني بما تعملون بصير ( فأجازيكم عليه
سبأ : ( 12 ) ولسليمان الريح غدوها . . . . .
) ولسليمان الريح ( أي وسخرنا له الريح وقرئ ) الريح ( بالرفع أي ولسليمان الريح مسخرة وقرئ ) الرياح ( ) غدوها شهر ورواحها شهر ( جريها بالغداة مسيرة شهر وبالعشي كذلك وقرئ / غدوتها / و / وروحتها / ) وأسلنا له عين القطر ( النحاس المذاب أساله من معدنه فنبع منه نبوع الماء من الينبوع ولذلك سماه عينا وكان ذلك باليمن ) ومن الجن من يعمل بين يديه ( عطف على ) الريح ( ) ومن الجن ( حال مقدمة أو جملة ) من ( مبتدأ وخبر ) بإذن ربه ( بأمره ) ومن يزغ منهم ( ومن يعدل منهم ) عن أمرنا ( عما أمرناه من طاعة سليمان وقرئ / بزغ / من أزاغه ) نذقه من عذاب السعير ( عذاب الآخرة
سبأ : ( 13 ) يعملون له ما . . . . .
) يعملون له ما يشاء من محاريب ( قصور حصينة ومساكن شريفة سميت بها لأنها يذب عنها ويحارب عليها ) وتماثيل ( وصورا هي تماثيل للملائكة والانبياء على ما اعتادوا من العبادات ليراها الناس فيعبدوا نحو عبادتهم وحرمة التصاوير شرع مجدد روي انهم عملوا له اسدين في اسفل كرسيه ونسرين فوقه فإذا أراد أن يصعد بسط الاسدان له ذراعيهما وإذا قعد اظله النسران باجنحتهما ) وجفان ( وصحاف ) كالجواب ( كالحياض الكبار جمع جابية من الجباية وهي من الصفات الغالبة كالدابة ) وقدور راسيات ( ثابتات على الاثافي لا تنزل عنها لعظمها ) اعملوا آل داود شكرا ( حكاية عما قيل لهم ) شكرا ( نصب على العلة أي اعلموا له واعبدوه شكرا أو المصدر لأن العمل(4/394)
" صفحة رقم 395 "
له شكرا أو الوصف له أو الحال أو المفعول به ) وقليل من عبادي الشكور ( المتوفر على أداء الشكر بقلبه ولسانه وجوارحه اكثر اوقاته ومع ذلك لا يوفي حقه لان توفيقه الشكر نعمة تستدعي شكرا آخر لا إلى نهايته ولذلك قيل الشكور من يرعى عجزه عن الشكر
سبأ : ( 14 ) فلما قضينا عليه . . . . .
) فلما قضينا عليه الموت ( أي على سليمان ) ما دلهم على موته ( ما دل الجن وقيل آله ) إلا دابة الأرض ( أي الارضة اضيفت إلى فعلها وقرئ بفتح الراء وهو تأثر الخشية من فعلها يقال ارضت الارضة الخشبة ارضا فأرضت ارضا مثل أكلت القوادح الأسنان اكلا فأكلت اكلا ) تأكل منسأته ( عصاه من نسأت البعير إذا طردته لأنها يطرد بها وقرئ بفتح الميم وتخفيف الهمزة قلبا وحذفا على غير قياس إذ القياس اخراجها بين و ) منسأته ( على مفعالة كميضاءة في ميضاة و ) منسأته ( أي طرف عصاه مستعار من سأة القوس وفيه لغتان كما في قحة وقحة وقرأ نافع وأبو عمرو ) منسأته ( بألف بدلا من الهمزة وابن ذكوان بهمزة ساكنة وحمزة إذا وقف جعلها بين بين ) فلما خر تبينت الجن ( علمت الجن بعد التباس الأمر عليهم ) أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ( انهم لو كانوا يعلمون الغيب كما يزعمون لعلموا موته حينما وقع فلم يلبثوا حولا في تسخيره إلى أن خر أو ظهرت الجن وان بما في حيزه بدل منه أي ظهر أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب وذلك أن داود اسس بيت المقدس في موضع فسطاط موسى عليهما الصلاة والسلام فمات قبل تمامه فوصى به إلى سليمان عليه السلام فاستعمل الجن فيه فلم يتم بعد إذ دنا اجله واعلم به أراد أن يعمي عليهم موته(4/395)
" صفحة رقم 396 "
ليتموه فدعاهم فبنوا عليه صرحا من قوارير ليس له باب فقام يصلي متكئا على عصاه فقبض روحه وهو متكئ عليها فبقي كذلك حتى اكلتها الارضة فخر ثم فتحوا عنه أرادوا أن يعرفوا وقت موته فوضعوا الارضة على العصا فأكلت يوما وليلة مقدارا فحسبوا على ذلك فوجوده قد مات منذ سنة وكان عمره ثلاثا وخمسين سنة وملك وهو ابن ثلاثة عشرة سنة وابتدأ عمارة بيت المقدس لاربع مضين من ملكه
سبأ : ( 15 ) لقد كان لسبإ . . . . .
) لقد كان لسبإ ( لاولاد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ومنع الصرف عنه ابن كثير وأبو عمرو لانه صار اسم القبيلة وعن ابن كثير قلب همزته الفا ولعله أخرجه بين بين فلم يؤده الراوي كما وجب ) في مساكنهم ( في مواضع سكناهم وهي باليمين يقال لها مأرب بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث أيام وقرأ حمزة وحفص بالافراد والفتح والكسائي بالكسر حملا على ما شذ من القياس كالمسجد والمطلع ) آية ( علامة دالة على وجود الصانع المختار وانه قادر على ما يشاء من الأمور العجيبة مجاز للمحسن والمسيء معاضدة للبرهان السابق كما في قصتي داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام ) جنتان ( بدل من ) آية ( أو خبر محذوف تقديره الآية جنتان وقرئ بالنصب على المدح والمراد جماعتان من البساتين ) عن يمين وشمال ( جماعة عن يمين بلدهم وجماعة عن شماله كل واحدة منهما في تقاربها وتضامنها كأنها جنة واحدة أو بستانا كل رجل منهم عن يمين مسكنه وشماله ) كلوا من رزق ربكم واشكروا له ( حكاية لما قال لهم نبيهم أو لسان الحال أو دلالة بأنهم كانوا احقاء بأن يقال لهم ذلك ) بلدة طيبة ورب غفور ( استئناف للدلالة على موجب الشكر أي هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة طيبة وربكم الذي رزقكم وطلب شركركم رب غفور فرطات من يشكره وقرئ الكل بالنصب على المدح قيل كانت اخصب البلاد واطيبها لم يكن فيها عاهة ولا هامة(4/396)
" صفحة رقم 397 "
سبأ : ( 16 ) فأعرضوا فأرسلنا عليهم . . . . .
) فأعرضوا ( عن الشكر ) فأرسلنا عليهم سيل العرم ( سيل الأمر العرم أي الصعب من عرم الرجل هو عارم وعرم إذا شرس خلقه وصعب أو المطر الشديد أو الجرذ اضاف إليه ال ) سيل ( لأنه نقب عليهم سكرا ضربته لهم بلقيس فحقنت به ماء الشجر وتركت فيه ثقبا على ما يحتاجون إليه أو المسناة التي عقدت سكرا على انه جمع عرمة وهي الحجارة المركومة وقيل اسم واد جاء السيل من قبله وكان ذلك بين عسى ومحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط ( ثمر بشع فإن الخمط كل نبت اخذ طعما من مرارة وقيل الاراك أو كل شجر لا شوك له والتقدير كل آكل خمط فحذف المضاف واقيم المضاف إليه مقامة في كونه بدلا أو عطف بيان ) وأثل وشيء من سدر قليل ( معطوفان على ) أكل ( لا على ) خمط ( فإن الاثل هو الطرفاء ولا ثمر له وقرئا بالنصب عطفا على ) جنتين ( ووصف السدر بالقلة فإن جناه وهو النبق مما يطيب أكله ولذلك يغرس في البساتين وتسمية البدل ) جنتين ( للمشاكلة والتهكم وقرأ أبو عمرو / ذاتي / آكل بغير تنوين اللام وقرأ الحرميان بتخفيف ) أكل )
سبأ : ( 17 ) ذلك جزيناهم بما . . . . .
) ذلك جزيناهم بما كفروا ( بكفرانهم النعمة أو بكفرهم بالرسل إذ روي انه بعث إليهم ثلاثة عشر نبيا فكذبوهم وتقديم المفعول للتعظيم لا للتخصيص ) وهل نجازي إلا الكفور ( وهل يجازى بمثل ما فعلنا بهم إلا البليغ في الكفران أو الكفر وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص ) نجازي ( بالنون و ) الكفور ( بالنصب
سبأ : ( 18 ) وجعلنا بينهم وبين . . . . .
) وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها ( بالتوسعة على أهلها وهي قرى الشأم ) قرى ظاهرة ( متواصلة يظهر بعضها لبعض أو راكبة متن الطريق ظاهرة لابناء السبيل ) وقدرنا فيها السير ( بحيث يقيل الغادي في قرية ويبيت الرائح في قرية إلى أن يبلغ الشام ) سيروا فيها ( على إرادة القول بلسان الحال أو المقال ) ليالي وأياما ( متى شئتم من ليل(4/397)
" صفحة رقم 398 "
أو نهار ) آمنين ( لا يختلف الامن فيها باختلاف الاوقات أو سيروا آمنين وان طالت مدة سفركم فيها أو سيروا فيها ليالي اعماركم وايامها لا تلقون فيها إلا الامن
سبأ : ( 19 ) فقالوا ربنا باعد . . . . .
) فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا ( اشروا النعمة وملوا العافية كبني إسرائيل فسألوا الله أن يجعل بينهم وبين الشام مفاوز ليتطاولوا فيها على الفقراء بركوب الرواحل وتزود الازواد فأجابهم الله بتخريب القرى المتوسطة وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وهشام ) بعد ( ويعقوب ) ربنا باعد ( بلفظ الخبر على انه شكوى منهم لبعد سفرهم افراطا في الترفه وعدم الاعتداد بما انعم الله عليهم فيه ومثله قراءة من قرأ / ربنا بعد / أو ) بعد ( على النداء واسناد الفعل إلى ) بين ( ) وظلموا أنفسهم ( حيث بطروا النعمة ولم يعتدوا بها ) فجعلناهم أحاديث ( يتحدث الناس بهم تعجبا وضرب مثل فيقولون تفرقوا أيدي سبأ ) ومزقناهم كل ممزق ( ففرقناهم غاية التفريق حتى لحق غسان منهم بالشأم وانمار بيثرب وجذام بتهامة والازد بعمان ) إن في ذلك ( فيما ذكر ) لآيات لكل صبار ( عن المعاصي ) شكور ( على النعم
سبأ : ( 20 ) ولقد صدق عليهم . . . . .
) ولقد صدق عليهم إبليس ظنه ( أي صدق في ظنه أو صدق بظن ظنه مثل فعلته جهدك ويجوز أن يعدى الفعل إليه بنفسه كما في ) صدق عليهم ( لانه نوع من القول وشدده الكوفيون بمعنى حق ظنه أو وجده صادقا وقرئ بنصب ) إبليس ( ورفع الظن مع التشديد بمعنى وجد ظنه صادقا والتخفيف بمعنى قال له ظنه الصدق حين خيله اغواءهم وبرفعهما والتخفيف على الابدان وذلك أما ظنه بسبأ حين رأى انهماكهم في الشهوات أو ببني آدم حين رأى اباهم النبي ضعيف العزم أو ما ركب فيهم من الشهوة والغضب أو سمع من الملائكة قولهم ) أتجعل فيها من يفسد فيها ( فقال ) ولأضلنهم ( ) ولأغوينهم ( ) فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين ( إلا فريقا هم المؤمنون لم يبتعوه(4/398)
" صفحة رقم 399 "
وتقليلهم بالاضافة إلى الكفار أو إلا فريقا من فرق المؤمنين لم يتبعوه في العصيان وهم المخلصون
سبأ : ( 21 ) وما كان له . . . . .
) وما كان له عليهم من سلطان ( تسلط واستيلاء بالوسوسة والاستغواء ) إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك ( إلا ليتعلق علمنا بذلك تعلقا يترتب عليه الجزاء أو ليتميز المؤمن من الشاك أو ليؤمن من قدر ايمانه ويشك من قدر ضلاله والمراد من حصول العلم حصول متعلقة مبالغة في نظم الصلتين نكتة لا تخفى ) وربك على كل شيء حفيظ ( محافظ والزنتان متآخيتان
سبأ : ( 22 ) قل ادعوا الذين . . . . .
) قل ( للمشركين ) ادعوا الذين زعمتم ( أي زعمتموهم آلهة وهما مفعولا زعم حذف الأول لطول الموصول بصلته والثاني لقيام صفته مقامه ولا يجوز أن يكون هو مفعوله الثاني لأنه لا يلتئم مع الضمير كلاما ولا ) لا يملكون ( لانهم لا يزعمونه ) من دون الله ( والمعنى ادعوهم فيما يهمكم من جلب نفع أو دفع ضر لعلهم يستجيبون لكم إن صحدعواكم ثم اجاب عنهم اشعارا بتعين الجواب وأنه لا يقبل المكابرة فقال ) لا يملكون مثقال ذرة ( من خير أو شر ) في السماوات ولا في الأرض ( في أمر ما وذكرهما للعموم العرفي أو لأن آلهتهم بعضها سماوية كالملائكة والكواكب وبعضها ارضية كالاصنام أو لان الاسباب القريبة للشر والخير سماوية وارضية والجملة استئناف لبيان حالهم ) وما لهم فيهما من شرك ( من شركة لا خلقا ولا ملكا ) وما له منهم من ظهير ( يعينه على تدبير امرهما
سبأ : ( 23 ) ولا تنفع الشفاعة . . . . .
) ولا تنفع الشفاعة عنده ( فلا ينفعهم شفاعة أيضا كما يزعمون إذ لا تنفع الشفاعة(4/399)
" صفحة رقم 400 "
عند الله ) إلا لمن أذن له ( أذن له أن يشفع أو أذن أن يشفع له لعلو شأنه ولم يثبت ذلك واللام على الأول كاللام في قولك الكرم لزيد وعلى الثاني كاللام في قولك جئتك لزيد وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بضم الهمزة ) حتى إذا فزع عن قلوبهم ( غاية لمفهوم الكلام من أن ثم توقفا وانتظارا للإذن أي يتربصون فزعين حتى إذا كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بالاذن وقيل الضمير للملائكة وقد تقدم ذكرهم ضمنا وقرأ ابن عامر ويعقوب ) فزع ( على البناء للفاعل وقرئ / فرغ / أي نفي الوجل من فرغ الزاد إذا فني ) قالوا ( قال بعضهم لبعض ) ماذا قال ربكم ( في الشفاعة ) قالوا الحق ( قالوا قال القول الحق وهو الأذن بالشفاعة لمن ارتضى وهم المؤمنون وقرئ بالرفع أي مقوله الحق ) وهو العلي الكبير ( ذو العلو والكبرياء ليس لملك ولا نبي من الأنبياء أن يتكلم ذلك اليوم إلا بإذنه
سبأ : ( 24 ) قل من يرزقكم . . . . .
) قل من يرزقكم من السماوات والأرض ( يريد به تقرير قوله ) لا يملكون ( ) قل الله ( إذ لا جواب سواه وفي أشعار ب أنهم سكتوا أو تلعثموا في الجواب مخافة الالزام فهم مقرون به بقلوبهم ) وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ( أي وان أحد الفريقين من المومحدين المتوحد بالرزق والقدرة الذاتية بالعبادة والمشركين به الجماد النازل في ادنى المراتب الامكانية لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال المبينين وهو بعد ما تقدم من التقرير البليغ الدال على من هو على الهدى ومن هو في الضلال ابلغ من التصريح لأنه في صورة الأنصاف المسكت للخصم المشاغب ونظيره قول حسان(4/400)
" صفحة رقم 401 "
" أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء " وقيل انه على اللف والنشر وفيه نظر واختلاف الحرفين لان الهادي كمن صعد منارا ينظر الاشياء ويتطلع عليها أو ركب جوادا يركضه حيث يشاء والضال كأنه منغمس في ظلام مرتبك لا يرى شيئا أو محبوس في مطمورة لا يستطيع أن يتفصى منها
سبأ : ( 25 ) قل لا تسألون . . . . .
) قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون ( هذا ادخل في الأنصاف وابلغ في الاخباث حيث اسند الاجرام إلى أنفسهم والعمل إلى المخاطبين
سبأ : ( 26 ) قل يجمع بيننا . . . . .
) قل يجمع بيننا ربنا ( يوم القيامة ) ثم يفتح بيننا بالحق ( يحكم ويفصل بأن يدخل المحقين الجنة والمبطلين النار ) وهو الفتاح ( الحاكم الفاصل في القضايا المتغلقة ) العليم ( بما ينبغي أن يقضى به
سبأ : ( 27 ) قل أروني الذين . . . . .
) قل أروني الذين ألحقتم به شركاء ( لأرى بأي صفة الحقتموهم بالله في استحقاق العبادة وهو استفسار عن شبهتهم بعد الزام الحجة عليهم زيادة في تبكيتهم ) كلا ( ردع لهم عن المشاركة بعد ابطال المقايسة ) بل هو الله العزيز الحكيم ( الموصوف بالغلبة وكمال القدرة والحكمة وهؤلاء الملحقون به متسمون بالذلة متأبية عن قبول العلم والقدرة رأسا والضمير لله أو للشأن
سبأ : ( 28 ) وما أرسلناك إلا . . . . .
) وما أرسلناك إلا كافة للناس ( إلا ارسالة عامة لهم من الكف إنها إذا عمتهم قد كفتهم أن يخرج منها أحد مهم أو إلا جامعا لهم في الابلاغ فهي حال من الكاف والتاء للمبالغة ولا يجوز جعلها حالا من الناس على المختار ) بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( فيحملهم جهلهم على مخالفتك
سبأ : ( 29 ) ويقولون متى هذا . . . . .
) ويقولون ( من فرط جهلهم ) متى هذا الوعد ( يعنون المبشر به والمنذر عنه أو(4/401)
" صفحة رقم 402 "
الموعود بقوله تعالى ) يجمع بيننا ربنا ( ) إن كنتم صادقين ( يخاطبون رسوله الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين
سبأ : ( 30 ) قل لكم ميعاد . . . . .
) قل لكم ميعاد يوم ( وعد يوم أو زمان وعد واضافته إلى يوم للتبيين ويؤيده انه قرئ ) يوم ( على البدل وقرئ ) يوم ( بإضمار اعني ) لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون ( إذا فاجأكم وهو جواب تهددي جاء مطابقا لما قصدون بسؤالهم من التعنت والانكار
سبأ : ( 31 ) وقال الذين كفروا . . . . .
) وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ( ولا بما تقدمه من الكتب الدالة على النعت قيل أن كفار مكة سألوا أهل الكتاب عن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبروهم انهم يجدون نعته في كتبهم فغضبوا وقالوا ذلك وقيل الذين بين يديه يوم القيامة ) ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم ( أي في موضع المحاسبة ) يرجع بعضهم إلى بعض القول ( يتحاورون ويتراجعون القول ) يقول الذين استضعفوا ( يقول الاتباع ) للذين استكبروا ( للرؤساء ) لولا أنتم ( لولا اضلالكم وصدكم ايانا عن الإيمان ) لكنا مؤمنين ( باتباع الرسول ( صلى الله عليه وسلم )
سبأ : ( 32 ) قال الذين استكبروا . . . . .
) قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين ( أنكروا انهم كانوا صادين لهم عن الإيمان واثبتوا انهم هم الذين صدوا أنفسهم حيث اعرضوا عن الهدى وآثروا التقليد عليه ولذلك بنوا الإنكار على الاسم
سبأ : ( 33 ) وقال الذين استضعفوا . . . . .
) وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار ( اضراب عن اضرابهم أي لم يكن اجرامنا الصاد بل مكركم لنا دائبا ليلا ونهارا حتى اعورتم علينا رأينا ) إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا ( والعاطف يعطفه على كلامهم الأول واضافة ال ) مكر ( إلى الظرف على الاتساع وقرئ ) مكر الليل ( بالنصب على المصدر و ) مكر الليل ( بالتنوين ونصب الظرف و ) مكر الليل ( من الكرور ) وأسروا الندامة لما رأوا العذاب ((4/402)
" صفحة رقم 403 "
واضمر الفريقان الندامة على الضلال والاضلال واخفاها كل عن صاحبه مخافة التعيير أو أظهروها فانه من الأضداد إذ الهمزة للإثبات والسلب كما في أكشيته ) وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا ( أي في أعناقهم فجاء بالظاهر تنويها بذمهم واشعارا بموجب اغلالهم ) هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ( أي لا يفعل بهم ما يفعل إلا جزاء على أعمالهم وتعدية يجزي أما لتضمن معنى يقضي أو بنزع الخافض
سبأ : ( 34 ) وما أرسلنا في . . . . .
) وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها ( تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مما مني به من قومه وتخصيص المتنعمين بالتكذيب لأن الداعي المعظم إليه التكبر والمفاخرة بزخارف الدنيا والانهماك في الشهوات والاستهانة بمن لم يحظ منها ولذلك ضموا التهكم والمفاخرة إلى التكذيب فقالوا ) إنا بما أرسلتم به كافرون ( على مقابلة الجمع بالجمع
سبأ : ( 35 ) وقالوا نحن أكثر . . . . .
) وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا ( فنحن اولى بما تدعونه إن أمكن ) وما نحن بمعذبين ( إما لأن العذاب لا يكون أو لأنه اكرمنا بذلك فلا يهيننا بالعذاب
سبأ : ( 36 - 37 ) قل إن ربي . . . . .
) قل ( ردا لحسبانهم ) إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ( ولذلك يختلف فيه الاشخاص المتماثلة في الخصائص والصفات ولو كان ذلك لكرامة وهو أن يوجبانه لم يكن بمشيئته ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( فيظنون أن كثرة الأموال والاولاد للشرف والكرامة وكثيرا ما يكون للاستدراج كما قال ) وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ( قربة والتي أما لان المراد وما جماعة أموالكم وأولادكم أو لأنها صفة محذوف كالتقوى والخصلة وقرئ ) بالذي ( أي بالشي الذي يقربكم ) إلا من آمن وعمل صالحا ( استثناء من مفعول ) تقربكم ( أي الأموال والاولاد لا تقرب احدا إلا المؤمن الصلاح الذي ينفق ماله في سبيل الله ويعلم ولده الخير ويربيه على الصلاح أو من ) أموالكم ( و ) أولادكم ( على حذف المضاف(4/403)
" صفحة رقم 404 "
) فأولئك لهم جزاء الضعف ( أن يجازوا الضعف إلى عشر فما فوقه والاضافة إضافة المصدر إلى المفعول وقرئ بالأعمال على الأصل وعن يعقوب رفعهما على إبدال الضعف ونصب الجزاء على التمييز أو المصدر لفعله الذي دل عليه لهم ) بما عملوا وهم في الغرفات آمنون ( من المكاره وقرئ بفتح الراء وسكونها وقرأ حمزة / في الغرفة / على إرادة الجنس
سبأ : ( 38 ) والذين يسعون في . . . . .
) والذين يسعون في آياتنا ( بالرد والطعن فيها ) معاجزين ( مسابقين لانبيائنا أو ظانين انهم يفوتوننا ) أولئك في العذاب محضرون ( ) والذين يسعون في آياتنا ( بالرد والطعن فيها ) معاجزين ( مسابقين لانبيائنا أو ظانين انهم يفوتوننا ) أولئك في العذاب محضرون )
سبأ : ( 39 ) قل إن ربي . . . . .
) قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له ( يوسع عليه تارة ويضيع عليه أخرى فهذا في شخص واحد باعتبار وقتين وما سبق في شخصين فلا تكرير ) وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ( عوضا أما عاجلا أو آجلا ) وهو خير الرازقين ( فإن غيره وسط في ايصال رزقه لا حقيقة لرازقيته
سبأ : ( 40 ) ويوم يحشرهم جميعا . . . . .
) ويوم نحشرهم جميعا ( المستكبرين والمستضعفين ) ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ( تقريعا للمشركين وتبكيتا لهم واقناطا لهم عما يتوقعون من شفاعتهم وتخصيص الملائكة لانهم اشرف شركائهم والصالحون للخطاب منهم ولأن عبادتهم مبدأ الشرك وأصله وقرأ حفص ويعقوب بالياء فيهما
سبأ : ( 41 ) قالوا سبحانك أنت . . . . .
) قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم ( أنت الذي نواليه من دونهم لا موالاة بيننا وبينهم كأنهم بينوا بذلك براءتهم من الرضا بعبادتهم ثم اضربوا عن ذلك ونفوا انهم عبدوهم على الحقيقة بقولهم ) بل كانوا يعبدون الجن ( أي الشياطين حيث اطاعوهم في عبادة غير الله وقيل كانوا يتمثلون لهم ويخيلون إليهم انهم الملائكة فيعبدونهم ) أكثرهم بهم مؤمنون ((4/404)
" صفحة رقم 405 "
الضمير الأول للإنس أو للمشركين والاكثر بمعنى الكل والثاني ل ) الجن )
سبأ : ( 42 ) فاليوم لا يملك . . . . .
) فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ( إذ الأمر فيه كله له لان الدار دار جزاء وهو المجازي وحده ) ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون ( عطف على ) لا يملك ( مبين للمقصود من تمهيده
سبأ : ( 43 ) وإذا تتلى عليهم . . . . .
) وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا ( يعنون محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) ) إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم ( فيستتبعكم بما يستبدعه ) وقالوا ما هذا ( يعنون القرآن ) إلا إفك ( لعدم مطابقة ما فيه الواقع ) مفترى ( باضافته إلى الله سبحانه وتعالى ) وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم ( لأمر النبوة أو للإسلام أو للقرآن والاول باعتبار معناه وهذا باعتبار لفظه واعجازه ) إن هذا إلا سحر مبين ( ظاهر سحريته وفي تكرير الفعل والتصريح بذكر الكفرة وما في اللامين من الاشارة إلى القائلين والمقول فيه وما في ) لما ( من المبادهة إلى البت بهذا القول انكار عظيم له وتعجيب بليغ منه
سبأ : ( 44 ) وما آتيناهم من . . . . .
) وما آتيناهم من كتب يدرسونها ( فيها دليل على صحة الاشراك ) وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير ( يدعوهم إليه وينذرهم على تركه وقد بان من قبل أن لا وجه له فمن أين وقع لهم هذه الشبهة وهذا في غاية التجهيل لهم والتسفيه لرأيهم
سبأ : ( 45 ) وكذب الذين من . . . . .
ثم هددهم فقال ) وكذب الذين من قبلهم ( كما كذبوا ) وما بلغوا معشار ما آتيناهم ( وما بلغ هؤلاء عشر ما آتينا أولئك من القوة وطول العمر وكثرة المال أو ما بلغ أولئك عشر ما آتينا هؤلاء من البينات والهدى ) فكذبوا رسلي فكيف كان نكير ( فحين كذبوا رسلي جاءهم انكاري بالتدمير فكيف كان نكيري لهم فليحذر هؤلاء من مثله ولا تكرير في كذب لان الأول للتكثير والثاني للتكذيب أو الأول مطلق والثاني مقيد ولذلك عطف عليه بالفاء
سبأ : ( 46 ) قل إنما أعظكم . . . . .
) قل إنما أعظكم بواحدة ( أرشدكم وانصح لكم بخصلة واحدة هي ما دل عليه ) أن تقوموا لله ((4/405)
" صفحة رقم 406 "
وهو القيام من مجلس رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو الانتصاب في الأمر خالصا لوجه الله معرضا عن المراء والتقليد ) مثنى وفرادى ( متفرقين اثنين اثنين وواحدا واحدا فإن الازدحام يشوش الخاطر وبخلط القول ) ثم تتفكروا ( في أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وما جاء به لتعلموا حقيقته ومحله الجر على البدل أو البيان أو الرفع أو النصب بإضمار هو اعني ) ما بصاحبكم من جنة ( فتعلموا ما به من جنون يحمله على ذلك أو استئناف منبه لهم على أن ما عرفوا من رجاحة عقله كاف في ترجيح صدقه فإنه لا يدعه أن يتصدى لادعاء أمر خطير وخطب عظيم من غير تحقق ووثوق ببرهان فيفتضح على رؤوس الاشهاد ويلقي نفسه إلى الهلاك فكيف وقد انضم إليه معجزات كثيرة وقيل ) ما ( استفهامية والمعنى ثم تتفكروا أي شيء به من آثار الجنون ) إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد ( قدامه لانه مبعوث في نسيم الساعة
سبأ : ( 47 ) قل ما سألتكم . . . . .
) قل ما سألتكم من أجر ( أي شيء سألتكم من اجر على الرسالة ) فهو لكم ( والمراد نفي السؤال عنه كأن جعل التنبي مستلزما أحد الأمرين أما الجنون واما توقع نفع دنيوي عليه لانه أما أن يكون لغرض أو لغيره وايا ما كان يلزم أحدهما ثم نفى كلا منهما وقيل ) ما ( موصولة مراد بها ما سألهم بقوله ) ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا ( وقوله ) لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ( واتخاذ السبيل ينفعهم وقرباه قرباهم ) إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد ( مطلع يعلم صدقي وخلوص نيتي وقرأ ابن كثير وأبو بكر وحمزة والكسائي بإسكان الياء
سبأ : ( 48 ) قل إن ربي . . . . .
) قل إن ربي يقذف بالحق ( يلقيه وينزله على من يجتبيه من عباده أو يرمي به الباطل فيدمغه أو يرمي به إلى اقطار الأفاق فيكون وعدا بإظهار الإسلام وافشائه وقرأ نافع وأبو عمرو بفتح الياء ) علام الغيوب ( صفة محمولة على محل ) إن ( واسمها أو بدل نم المستكن في ) يقذف ( أو خبر ثان أو خبر محذوف وقرئ بالنصب صفة ل ) ربي ( أو مقدرا بأعني وقرأ حمزة أبو بكر ) الغيوب ( بالكسر كالبيوت وبالضم كالعشور وقرئ بالفتح كالصبور على انه مبالغة غائب(4/406)
" صفحة رقم 407 "
سبأ : ( 49 ) قل جاء الحق . . . . .
) قل جاء الحق ( أي الإسلام ) وما يبدئ الباطل وما يعيد ( وزهق الباطل أي الشرك بحيث لم يبق له اثر مأخوذ من هلاك الحي فإنه إذا هلك لم يبق له ابداء ولا اعادة قال " اقفر من أهله عبيد فاليوم لا يبدي ولا يعيد " وقيل الباطل إبليس أو الصنم والمعنى لا ينشئ خلقا ولا يعيده أو لا يبدئ خيرا لأهله ولا يعيده وقيل ) ما ( استفهامية منتصبة بما بعدها
سبأ : ( 50 ) قل إن ضللت . . . . .
) قل إن ضللت ( عن الحق ) فإنما أضل على نفسي ( فإن وبال ضلالي عليها لأنه بسببها إذ هي الجاهلة بالذات والامارة بالسوء وبهذا الاعتبار قابل الشرطية بقوله ) وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي ( فإن الاهتداء بهدايته وتوفيقه ) إنه سميع قريب ( يدرك قول كل ضال ومهتد وفعله وان اخفاه
سبأ : ( 51 ) ولو ترى إذ . . . . .
) ولو ترى إذ فزعوا ( عند الموت أو البعث أو يوم بدر وجواب ) لو ( محذوف تقديره لرأيت امرا فظيعا ) فلا فوت ( فلا يفوتون الله بهرب أو تحصن ) وأخذوا من مكان قريب ( من ظهر الأرض إلى باطنها أو من الموقف إلى النار أو من صحراء بدر إلى القليب والعطف على ) فزعوا ( أو لا فوت ويؤيده انه قرئ ) وأخذ ( عطفا على محله أي فلا فوت هناك وهناك اخذ
سبأ : ( 52 ) وقالوا آمنا به . . . . .
) وقالوا آمنا به ( بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقد مر ذكره في قوله ) ما بصاحبكم ( ) وأنى لهم التناوش ( ومن أين لهم أن يتناولوا الإيمان تناولا سهلا ) من مكان بعيد ( فإنه في حيز التكليف وقد بعد عنهم وهو تمثيل لحالهم في الاستخلاص بالأيمان بعدما فات عنهم اوانه وبعد عنهم بحال من يريد أن يتناول الشيء من غلوة تناوله من ذراع في الاستحالة وقرأ أبو عمرو والكوفيون غير حفص بالهمز على قلب الواو لضمتها(4/407)
" صفحة رقم 408 "
أو أنه من نأشت الشيء إذا طلبته قال رؤبة " أقحمني جار أبي الجاموش إليك نأش القدر التؤوش " أو من نشأت إذا تأخرت ومنه قوله " تمنى نشيشا أن يكون اطاعني وقد حدثت بعد الأمور أمور " فيكون بمعنى التناول من بعد
سبأ : ( 53 ) وقد كفروا به . . . . .
) وقد كفروا به ( بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) أو بالعذاب ) من قبل ( من قبل ذلك اوان التكليف ) ويقذفون بالغيب ( ويرجمون بالظن ويتكلمون بما لم يظهر لهم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) من المطاعن أو في العذاب من البث على نفيه ) من مكان بعيد ( من جانب بعيد من أمره وهو الشبه التي تمحلوها في أمر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أو حال الآخرة كما حكاه من قبل ولعله تمثيل لحالهم في ذلك بحال من يرمي شيئا لا يراه من مكان بعيد لا مجال للظن في لحوقه وقرئ ) ويقذفون ( على أن الشيطان يلقي إليهم ويلقنهم ذلك والعطف على ) وقد كفروا ( على حكاية الحال الماضية أو على قالوا فيكون تمثيلا لحالهم بحال القاذف في تحصيل ما ضيعوه من الإيمان في الدنيا
سبأ : ( 54 ) وحيل بينهم وبين . . . . .
) وحيل بينهم وبين ما يشتهون ( من نفع الإيمان والنجاة به من النار وقرأ ابن عمر والكسائي بإشمام الضم للحاء ) كما فعل بأشياعهم من قبل ( بأشباههم من كفرة الأمم الدارجة ) إنهم كانوا في شك مريب ( موقف في الريبة أو ذي ريبة منقول من المشكك أو الشك نعت به الشك للمبالغة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة سبأ لم يبق رسول ولا نبي إلا كان له يوم القيامة رفيقا ومصافحا(4/408)
" صفحة رقم 409 "
سورة فاطر
مكية وآيها خمس واربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
فاطر : ( 1 ) الحمد لله فاطر . . . . .
) الحمد لله فاطر السماوات والأرض ( مبدعهما من الفطر بمعنى الشق كأنه شق العدم بإخراجهما منه والاضافة محضة لانه بمعنى الماضي ) جاعل الملائكة رسلا ( وسائط بين الله وبين انبيائه والصالحين من عباده يبلغون إليهم رسالاته بالوحي والالهام والرؤيا الصادقة أو بينه وبين خلقه يوصلون إليهم آثار صنعه ) أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع ( ذوي اجنحة متعددة متفاوة بتفاوت ما لهم من المراتب ينزلون بها ويعرجون أو يسرعون بها نحو ما وكلهم الله عليه فيتصرفون فيه على أمرهم به ولعله لم يرد به خصوصية الأعداد ونفي ما زال عليها لما وري انه ( صلى الله عليه وسلم ) رأى جبريل ليلة المعراج وله ستمائة جناح ) يزيد في الخلق ما يشاء ( استئناف للدلالة على أن تفاوتهم في ذلك بمقتضى مشيئته ومؤدة حكمته لا أمر تستدعيه ذواتهم لأن اختلاف الاصناف والانواع بالخواص(4/409)
" صفحة رقم 410 "
والفصول إن كان لذواتهم المشتركة لزم تنافي لوازم الأمور المتفقة وهو محال والاية متناولة زيادات الصور والمعاني كملاحة الوجه وحسن الصوت وحصافة العقل وسماحة النفس ) إن الله على كل شيء قدير ( وتخصيص بعض الاشياء بالتحصيل دون بعض إنما هو من جهة الارادة
فاطر : ( 2 ) ما يفتح الله . . . . .
) ما يفتح الله للناس ( ما يطلق لهم ويرسل وهو من تجوز السبب للمسبب ) من رحمة ( كنعمة وأمن وصحة وعلم ونبوة ) فلا ممسك لها ( يحبسها ) وما يمسك فلا مرسل له ( يطلقه واختلاف الضميرين لان الموصول الأول مفسر بالرحمة والثاني مطلق بتناولها والغضب وفي ذلك إشعار بأن رحمه سبقت غضبه ) من بعده ( من بعد امساكه ) وهو العزيز ( الغالب على ما يشاء ليس أحد أن ينازعه فيه ) الحكيم ( لا يفعل إلا بعلم واتقان
فاطر : ( 3 ) يا أيها الناس . . . . .
ثم لما بين انه الموجد للملك والملوك والمتصرف فيهما على الإطلاق أمر الناس بشكر انعامه فقال ) يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم ( احفظوا بمعرفة حقها والاعتراف بها وطاقة موليها ثم انكر أن يكون لغيره في ذلك مدخل فيستحق أن يشرك به بقوله ) هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون ( فمن أي وجه تصرفون عن التوحيد إلى اشراك غيره به ورفع ) غير ( للحمل على محل ) من خالق ( بأنه وصف أو بدل فإن الاستفهام بمعنى النفي أو لانه فاعل ) خالق ( وجره حمزة والكسائي حملا على(4/410)
" صفحة رقم 411 "
لفظه وقد نصب على الاستثناء و ) يرزقكم ( صفة ل ) خالق ( أو استئناف مفسر له أو كلام مبتدأ وعلى الأخير يكون إطلاق ) هل من خالق ( مانعا من اطلاقه على غير الله
فاطر : ( 4 ) وإن يكذبوك فقد . . . . .
) وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك ( أي فتأس بهم في الصبر على تكذيبهم فوضع ) فقد كذبت ( موضعه استغناء بالسبب عن المسبب وتنكير رسل للتعظيم المقتضي زيادة التسلية والحث على المصابرة ) وإلى الله ترجع الأمور ( فيجازيك واياهم على الصبر والتكذيب
فاطر : ( 5 ) يا أيها الناس . . . . .
) يا أيها الناس إن وعد الله ( بالحشر والجزاء ) حق ( لا خلف فيه ) فلا تغرنكم الحياة الدنيا ( فيذهلكم التمتع بها عن طلب الآخرة والسعي لها ) ولا يغرنكم بالله الغرور ( الشيطان بأن يمنيكم المغفرة مع الإصرار على المعصية فإنها وان امكنت لكن الذبن بهذا التوقع كتناول السم اعتمادا على دفع الطبيعة وقرئ بالضم وهو مصدر أو جمع كقعود
فاطر : ( 6 ) إن الشيطان لكم . . . . .
) إن الشيطان لكم عدو ( عداوة عامة قديمة ) فاتخذوه عدوا ( في عقائدكم وافعالكم وكونوا على حذر منه في مجامع احوالكم ) إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ( تقرير لعداوته وبيان لغرضه في دعوة شيعته إلى اتباع الهوى والركون إلى الدنيا
فاطر : ( 7 ) الذين كفروا لهم . . . . .
) الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير ( وعيد لمن اجاب دعاءه ووعد لنم خالفه وقطع للاماني الفارغة وبناء للامر كله على الإيمان والعمل الصالح
فاطر : ( 8 ) أفمن زين له . . . . .
وقوله ) أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ( تقرير له أي افمن زين له سوء عمله بأن غلب وهمه وهواه على عقله حتى انتكس رأيه فرأى الباطل حقا والقبيح حسنا كمن لم يزين له بل وفق حتى عرف الحق واستحسن الأعمال واستقبحها على ما هي عليه فحذف الجواب لدلالة ) فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ( وقيل تقديره افمن زين له سوء عمله(4/411)
" صفحة رقم 412 "
ذهبت نفسك عليهم حسرة فحذف الجواب لدلالة ) فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ( عليه ومعناه فلا تهلك نفسك عليهم للحسرات على غيرهم واصرارهم على التذيب والفاءات الثلاث للسببية غير أن الاوليين دخلتا على السبب والثالثة دخلت على المسبب وجمع احلسرات للدلالة على تضاعف اغتمامه على أحوالهم أو كثرة مساوي افعالهم المقتضية للتأسف وعليهم ليس صلة لها لان صلة المصدر لا تتقدمه بل صلة تذهب أو بيان للمتحسر عليه ) إن الله عليم بما يصنعون ( فيجازيهم عليه
فاطر : ( 9 ) والله الذي أرسل . . . . .
) والله الذي أرسل الرياح ( وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي الريح ) فتثير سحابا ( على حكاية الحال الماضية استحضارا لتلك الصورة البديعة الدالة على كمال الحكمة ولان المراد بيان احداثها بهذه الخاصية ولذلك اسنده إليها ويجوز أن يكون اختلاف الأفعال للدلالة على استمرار الأمر ) فسقناه إلى بلد ميت ( وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص بالتشديد ) فأحيينا به الأرض ( بالمطر النازل منه وذكر السحاب كذكره أو بالسحاب فإنه سبب السبب أو الصائر مطرا ) بعد موتها ( بعد يبسها والعدول فيهما من الغيبة إلى ما هو ادخل في الاختصاص لما فيهما من مزيد الصنع ) كذلك النشور ( أي مثل أحياء الموات نشور الاموات في صحة المقدورية إذ ليس بينهما إلا احتمال اختلاف(4/412)
" صفحة رقم 413 "
المادة في المقيس عليه وذلك لا مدخل له فيها وقيل في كيفية الأحياء فإنه تعالى يرسل ماء من تحت العرش تنبت منه اجساد الخلق
فاطر : ( 10 - 11 ) من كان يريد . . . . .
) من كان يريد العزة ( الشرف والمنعة ) فلله العزة جميعا ( أي فليطلبها من عنده فإن له كلها فاستغنى بالدليل عن المدلول ) إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ( بيان لما يطلب به العزة وهو التوحيد والعمل الصالح وصعودهما إليه مجاز عن قبوله اياهما أو صعود الكتبة بصحيفتهما والمستكن في ) يرفعه ( ل ) والعمل ( فإنه يحقق الإيمان ويقويه أو له وتخصيص العمل بهذا الشرف لما فيه من الكلفة وقرئ ) يصعد ( على البناءين والمعصد هو الله تعالى أو المتكلم به أو الملك وقيل ) الكلم الطيب ( يتناول الذكر والدعاء وقراءة القرآن وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) هو سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله اكبر فإذا قالها العبد عرج بها الملك إلى السماء فحيا بها وجه الرحمن فإذا لم يكن عمل صالح لم تقبل ) والذين يمكرون السيئات ( المكرات السيئات يعني مكرات قريش للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) في دار الندوة وتداورهم الرأي في إحدى ثلاث حبسه وقتله واجلائه ) لهم عذاب شديد ( لا يؤبه دونه بما يمكرون به ) ومكر أولئك هو يبور ( يفسد ولا ينفذ لأن الأمور مقدرة لا تتغير به كما دل عليه بقوله ) والله خلقكم من تراب ( بخلق آدم عليه السلام منه ) ثم من نطفة ( بخلق ذريته منها ) ثم جعلكم أزواجا ( ذكرانا واناثا ) وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ( إلا(4/413)
" صفحة رقم 414 "
معلومة له ) وما يعمر من معمر ( وما يمد في عمر من مصيره إلى الكبر ) ولا ينقص من عمره ( من عمر المعمر لغيره بأن يعطى له عمر ناقص من عمره أو لا ينقص من عمر المنقوص عمره بجعله ناقصا والضمير له وان لم يذكر لدلالة مقابلة عليه أو للعمر على التسامح فيه ثقة بفهم السامع كقولهم لا يثيب الله عبدا ولا يعاقبه إلا بحق وقيل الزيادة والنقصان في عمر واحد باعتبار اسباب مختلفة اثبتت في اللوح مثل أن يكون فيه أن حج عمرو فعمره ستون سنة وألا فأربعون وقيل المراد بالنقصان ما يمر من عمره وينقضي فإنه يكتب في صحيفة عمره يوما فيوما وعن يعقوب ) ولا ينقص ( على البناء للفاعل ) إلا في كتاب ( هو علم الله تعالى أو اللوح المحفوظ أو الصحيفة ) إن ذلك على الله يسير ( إشارة إلى الحفظ أو الزيادة أو النقص
فاطر : ( 12 ) وما يستوي البحران . . . . .
) وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ( ضرب مثل للمؤمن والكافر والفرات الذي يكسر العطش والسائغ الذي يسهل انحداره والاجاج الذي يحرق بملوحته وقرئ / سيغ / بالتخفيف و ) ملح ( على فعل ) ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها ( استطراد في صفة الحرين وما فيهما من النعم أو تمام التمثيل والمعنى كما أنهما وان اشتركا في بعض الفوائد لا يتساويان فيما هو المقصود بالذات من الماء فإنه خالط أحدهما ما افسده وغيره عن كمال فطرته لا يستاوى المؤمن والكافر وان اتفق اشتراكهما في بعض الصفات كالشجاعة والسخاوة لاختلافهما فيما هو الخاصية العظمى وهي بقاء أحدهما على الفطرة الاصلية دون الآخر أو تفضل للاجاج على الكافر بما يشارك فيه العذب من المنافع والمراد ب ) الحلية ( اللآلئ واليواقيت ) وترى الفلك فيه ( في كل ) مواخر ((4/414)
" صفحة رقم 415 "
تشق الماء بجريها ) لتبتغوا من فضله ( من فضل الله بالنقلة فيها واللام متعلقة ب ) مواخر ( ويجوز أن تتعلق بما دل عليه الأفعال المذكورة ) ولعلكم تشكرون ( على ذلك وحرف الترجي باعتبار ما يقتضيه ظاهر الحال
فاطر : ( 13 ) يولج الليل في . . . . .
) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى ( هي مدة دوره أو منتهاه أو يوم القيامة ) ذلكم الله ربكم له الملك ( الاشارة إلى الفاعل لهذه الاشياء وفيها أشعار بأن فاعليته لها موجبة لثبوت الأخبار المترادفة ويحتمل أن يكون ) له الملك ( كلاما مبتدأ في قرآن ) والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ( للدلالة على تفرده بالالوهية والربوبية والقطمير لفافة النواة
فاطر : ( 14 ) إن تدعوهم لا . . . . .
) إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ( لانهم جماد ) ولو سمعوا ( على سبيل الفرض ) ما استجابوا لكم ( لعدم قدرتهم على الانفاع أو لتبرئهم منكم مما تدعون لهم ) ويوم القيامة يكفرون بشرككم ( بإشراككم لهم يقرون ببطلانه أو يقولون ) ما كنتم إيانا تعبدون ( ) ولا ينبئك مثل خبير ( ولا يخبرك بالأمر مخبر ) مثل خبير ( به أخبرك وهو الله سبحانه وتعالى فإنه الخبير به على الحقيقة دون سائر المخبرين والمراد تحقيق ما اخبر به من حال آلهتهم ونفي ما يدعون لهم
فاطر : ( 15 ) يا أيها الناس . . . . .
) يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله ( في انفسكم وما يعن لكم وتعريف الفقراء للمبالغة في فقرهم كأنهم لشدة افتقارهم وكثرة احتياجهم هم الفقراء وان افتقار سائر الخلائق بالاضافة إلى فقرهم غير معتد به ولذلك قال ) وخلق الإنسان ضعيفا ( ) والله هو الغني الحميد ((4/415)
" صفحة رقم 416 "
المستغني على الإطلاق المنعم على سائر الموجودات حتى استحق عليهم الحمد
فاطر : ( 16 ) إن يشأ يذهبكم . . . . .
) إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ( بوقم آخرين اطوع منكم أو بعالم آخر غير ما تعرفونه
فاطر : ( 17 ) وما ذلك على . . . . .
) وما ذلك على الله بعزيز ( بمتعذر أو متعسر
فاطر : ( 18 ) ولا تزر وازرة . . . . .
) ولا تزر وازرة وزر أخرى ( ولا تحمل نفس آثمة اثم نفس أخرى واما قوله ) وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ( ففي الضالين المضلين فإنهم يحملون اثقال اضلالهم مع اثقال ضلالهم وكل ذلك اوزارهم وليس فيها شيء من اوزار غيره ) وإن تدع مثقلة ( نفس اثقلها الاوزار ) إلى حملها ( تحمل بعض اوزارها ) لا يحمل منه شيء ( لم تجب لحمل شيء منه نفى أن يحمل عنها ذنبها كما نفى أن يحمل عليها ذنب غيرها ) ولو كان ذا قربى ( ولو كان المدعو ذا قرابتها فأضمر المدعو لدلالة أن تدع عليه وقرئ / ذو قربى / على حذف الخبر وهو اولى من جعل كان التامة فإنها لا تلائم نظم الكلام ) إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب ( غائبين عن عذابه أو عن الناس في خلواتهم أو غائبا عنهم عذابه ) وأقاموا الصلاة ( فإنهم المتفعون بالانذار لا غير واختلاف الفعلين لما مر من الاستمرار ) ومن تزكى ( ومن تطهر من دنس المعاصي ) فإنما يتزكى لنفسه ( إذ نفعه لها وقرئ / ومن ازكى فإنما يزكي / وهو اعتراض مؤكد لخشيتهم واقامتهم الصلاة لانهما من جملة التزكي ) وإلى الله المصير ( فيجازيهم على تزكيهم
فاطر : ( 19 ) وما يستوي الأعمى . . . . .
) وما يستوي الأعمى والبصير ( الكافر والمؤمن وقيل هما مثلان للصنم ولله عز وجل(4/416)
" صفحة رقم 417 "
فاطر : ( 20 ) ولا الظلمات ولا . . . . .
) ولا الظلمات ولا النور ( ولا الباطل ولا الحق
فاطر : ( 21 ) ولا الظل ولا . . . . .
) ولا الظل ولا الحرور ( ولا الثواب ولا العقاب ولا لتأكيد نفي الاستواء وتكريرها على الشقين لمزيد التأكيد و ) الحرور ( فعول من الحر غلب على السموم وقيل السموم ما يهب نهارا والحرور ما تهب ليلا
فاطر : ( 22 ) وما يستوي الأحياء . . . . .
) وما يستوي الأحياء ولا الأموات ( تمثيل آخر للمؤمنين والكافرين ابلغ من الأول ولذلك كرر الفعل وقيل للعلماء والجهلاء ) إن الله يسمع من يشاء ( هدايته فيوفقه لفهم اياته والاتعاظ بعظاته ) وما أنت بمسمع من في القبور ( ترشيح لتمثيل المصرين على الكفر بالاموات ومبالغة في اقناطه عنهم
فاطر : ( 23 ) إن أنت إلا . . . . .
) إن أنت إلا نذير ( فما عليك إلا الانذار واما الاسماع فلا إليك ولا حيلة لك إليه في المطبوع على قلوبهم
فاطر : ( 24 ) إنا أرسلناك بالحق . . . . .
) إنا أرسلناك بالحق ( محقين أو محقا أو ارسالا مصحوبا بالحق ويجوز أن يكون صلة لقوله ) بشيرا ونذيرا ( أي بشيرا بالوعد الحق ونذيرا بالوعيد الحق ) وإن من أمة ( أهل عصر ) إلا خلا ( مضى ) فيها نذير ( من نبي أو عالم ينذر عنه والاكتفاء بذكره للعلم بان النذارة قرينة البشارة سيما وقد قرن به من قبل أو لان الانذار هو الاههم المقصود من البعثة
فاطر : ( 25 ) وإن يكذبوك فقد . . . . .
) وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات ( بالمعجزات الشاهدة على نبوتهم ) وبالزبر ( كصحف إبراهيم عليه السلام ) وبالكتاب المنير ( كالتوراة والانجيل على إرادة التفصيل دون الجمع ويجوز أن يراد بهما واحد والعطف لتغاير الوصفين
فاطر : ( 26 ) ثم أخذت الذين . . . . .
) ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير ( أي انكار بالعقوبة
فاطر : ( 27 ) ألم تر أن . . . . .
) ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ( اجناسها واصنافها على أن كلا منها ذو أصناف مختلفة أو هيئاتها من الصفرة والخضرة ونحوهما(4/417)
" صفحة رقم 418 "
) ومن الجبال جدد ( أي ذو جدد أي خطط وطرائق يقال جدة الحمار للخطة السوداء على ظهره وقرئ ) جدد ( بالضم جمع جديدة بمعنى الجدة و ) جدد ( بفتحتين وهوالطريق الواضح ) بيض وحمر مختلف ألوانها ( بالشدة والضعف ) وغرابيب سود ( عطف على ) بيض ( أو على ) جدد ( كأنه قيل ومن الجبال ذو جدد مختلفة اللون ومنها ) وغرابيب ( متحدة اللون وهو تأكيد مضمر يفسره ما بعده فإن الغربيب تأكيد للاسود ومن حق التأكيد أن يتبع المؤكد ونظير ذلك في الصفة قول النابغة " والمؤمن العائذات الطير يمسحها " وفي مثله مزيد تاكيد لما فيه من التكرير باعتبار الاضمار والاظهار
فاطر : ( 28 ) ومن الناس والدواب . . . . .
) ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك ( كاختلاف الثمار والجبال ) إنما يخشى الله من عباده العلماء ( إذ شرط الخشية معرفة المخشي والعلم بصفاته وافعاله فمن كان اعلم به كان أخشى منه ولذلك قال ( صلى الله عليه وسلم ) أني اخشاكم لله واتقاكم له ولذلك اتبعه بذكر افعاله الدالة على كمال قدرته وتقديم المفعول لان المقصود حصر الفاعلية ولو آخر انعكس الأمر وقرئ برفع اسم الله ونصب العلماء على أن الخشية مستعارة للتعظيم فإن المعظم يكون مهيبا ) إن الله عزيز غفور ( تعليل لوجب الخشية لدلالته على انه معاقب للمصر على طغيانه غفور للتائب عن عصيانه
فاطر : ( 29 ) إن الذين يتلون . . . . .
) إن الذين يتلون كتاب الله ( يداومون على قارئته أو متابعة ما فيه حتى صارت سمة لهم وعنوانا والمراد بكتاب الله القرآن أو جنس كتب الله فيكون ثناء على المصدقين من(4/418)
" صفحة رقم 419 "
الأمم بعد اقتصاص حال المكذبين ) وأقاموا الصلاة وأنفقوا من ما رزقناهم سرا وعلانية ( كيف اتفق من غير قصد أليهما وقيل السر في المسنونة والعلانية في المفروضة ) يرجون تجارة ( تحصيل ثوتب الطاعة وهو خبر م ) لن تبور ( لن تكسد ولن تهلك بالخسران صفة للتجارة
فاطر : ( 30 ) ليوفيهم أجورهم ويزيدهم . . . . .
وقوله ) ليوفيهم أجورهم ( علة لمدلوله أي ينتفي عنها الكساد وتنفق عند الله ليوفيهم بنفاقها أجور أعمالهم أو لمدلول ما عد من امثالهم نحو فعلوا ذلك ) ليوفيهم ( أو عاقبة ل ) يرجون ( ) ويزيدهم من فضله ( على ما يقابل أعمالهم ) إنه غفور ( لفرطاتهم ) شكور ( لطاعاتهم أي مجازيه عليها وهو علة للتوفية والزيادة أو خبر أن ويرجون حال من واو وانفقوا
فاطر : ( 31 ) والذي أوحينا إليك . . . . .
) والذي أوحينا إليك من الكتاب ( يعني القرآن و ) من ( للتبين أو الجنس و ) من ( للتبعيض ) هو الحق مصدقا لما بين يديه ( أحقه مصدقا لما تقدمه من الكتب السماوية حال مؤكدة لان حقيته تستلزم موافقته إياه في العقائد واصول الأحكام ) إن الله بعباده لخبير بصير ( عالم بالبواطن والظواهر فلو كان في احوالك ما ينافي النبوة لم يوح إليك مثل هذا الكتاب المعجز الذي هو عيار على سائر الكتب وتقديم الخبير للدلالة على أن العمدة في ذلك الأمور الروحانية
فاطر : ( 32 ) ثم أورثنا الكتاب . . . . .
) ثم أورثنا الكتاب ( حكنا بتوريثه منك أو نورثه فعبر عنه بالماضي لتحققه أو اورثناه من الأمم السالفة والعطف على ) إن الذين يتلون ( ) والذي أوحينا إليك ( اعتراض لبيان كيفية التوريث ) الذين اصطفينا من عبادنا ( يعني علماء الأمة من الصحابة ومن بعدهم أو الأمة باسرهم فإن الله اصطفاهم على سائر الأمم ) فمنهم ظالم لنفسه ( بالتقصير في العمل به ) فمنهم مقتصد ( يعمل به في غالب الاوقات ) ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ( بضم التعليم والارشاد إلى العمل وقيل الظالم الجاهل والمقتصد(4/419)
" صفحة رقم 420 "
المتعلم والسابق العالم وقيل الظالم المجرم والمقتصد الذي خلط الصالح بالسيء ولسابق الذي ترجحت حسناته بحيث صارت سيئاته مكفرة وهو معى قوله ( صلى الله عليه وسلم ) أما الذين سبقوا فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب واما الذين اقتصدوا فأولئك يحاسبون حسابا يسيرا واما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك يحبسون في طول المحشر ثم يتلقاهم الله برحمته وقيل الظالم الكافر على أن الضمير للعباد وتقديمه لكثرة الظالمين ولأن الظلم بمعنى الجهل و الركون إلى الهوى مقتضى الجبلة والاقتصاد والسبق عارضان ) ذلك هو الفضل الكبير ( إشارة إلى التوريث أو الاصطفاء أو السبق
فاطر : ( 33 ) جنات عدن يدخلونها . . . . .
) جنات عدن يدخلونها ( مبتدأ وخبر والضمير للثلاثة أو ل ) الذين ( أو لل ) مقتصد ( وال ) سابق ( فإن المراد بهما الجنس وقرئ / جنة عدن / و ) جنات عدن ( منصوب بفعل يفسره الظاهر وقرأ أبو عمرو ) يدخلونها ( على البناء للمفعول ) يحلون فيها ( خبر ثان أو حال مقدرة وقرئ ) يحلون ( من حليت المرأة فهي حالية ) من أساور من ذهب ( ) من ( الأولى للتبعيض والثانية للتبيين ) ولؤلؤا ( عطف على ) ذهب ( أي(4/420)
" صفحة رقم 421 "
) من ذهب ( مرصع باللؤلؤ أو ) من ذهب ( في صفا اللؤلؤ ونصبه نافع وعاصم رحمهما الله تعالى عطفا على محل ) من أساور ( ) ولباسهم فيها حرير )
فاطر : ( 34 ) وقالوا الحمد لله . . . . .
) وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ( همهم من خوف العاقبة أو همهم من اجل المعاش وآفاته أو من وسوسة إبليس وغيرها وقرئ ) الحزن ( ) إن ربنا لغفور ( للمذنبين ) شكور ( للمطيعين
فاطر : ( 35 ) الذي أحلنا دار . . . . .
) الذي أحلنا دار المقامة ( دار الاقامة ) من فضله ( من انعامه وتفضله إذ لا واجب عليه ) لا يمسنا فيها نصب ( تعب ) ولا يمسنا فيها لغوب ( كلا إذ لا تكليف فيها ولا كذ اتبع نفي النصب نفي ما يتبعه مبالغة
فاطر : ( 36 ) والذين كفروا لهم . . . . .
) والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم ( لا يحكم عليهم بموت ثان ) فيموتوا ( فيتسريحوا ونصبه بإضمار أن وقرئ / فيموتون / عطفا على ) يقضي ( فقوله تعالى ) ولا يؤذن لهم فيعتذرون ( ) ولا يخفف عنهم من عذابها ( بل كلما خبت زيد اسعارها كذلك مثل ذلك الجزاء ) نجزي كل كفور ( مبالغ في الكفر أو الكفران وقرأ أبو عمرو ) يجزى ( على بناء المفعول واسناده إلى ) كل ( وقرى / يجازي /
فاطر : ( 37 ) وهم يصطرخون فيها . . . . .
) وهم يصطرخون فيها ( يستغيثون يفتعلون من الصراخ وهو الصياح استعمل في الاستغاثة لجهر المستغيث صوته ) ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ( بإضمار القول وتقييد العمل الصالح بالوصف المذكور للتحسر على ما عملوه من غير الصالح والاعتراف به والاشعار بأن استخراجهم لتلافيه وانهم كانوا يحسبون انه صالح والان تحقق لهم خلافه ) أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير ( جواب من الله وتوبيخ لهم و ) ما يتذكر ( فيه متناول كل عمر يمكن المكلف فيه من التفكر والتذكر وقيل ما بين العشرين إلى الستين وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) العمر الذي اعذر الله فيه إلى ابن(4/421)
" صفحة رقم 422 "
آدم ستون سنة والعطف على معنى ) أولم نعمركم ( فإنه للتقرير كأنه قال عمرناكم وجاءكم النذير وهو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو الكتاب وقيل العقل أو الشيب أو موت الاقارب ) فذوقوا فما للظالمين من نصير ( يدفع العذاب عنهم
فاطر : ( 38 ) إن الله عالم . . . . .
) إن الله عالم غيب السماوات والأرض ( لا يخفى عليه خافية فلا يخفى عليه أحوالهم ) إنه عليم بذات الصدور ( تعليل له لأنه إذا علم مضمرات اصدور وهي اخفى ما يكون كان اعلم بغيرها
فاطر : ( 39 ) هو الذي جعلكم . . . . .
) هو الذي جعلكم خلائف في الأرض ( ملقى اليكم مقاليد التصرف فيها وقيل خلفا بعد خلف جمع خليفة والخلفاء جمع خليف ) فمن كفر فعليه كفره ( جزاء كفره ) ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا ( بيان له والتكرير للدلالة على عن اقتضاء الكفر لكل واحد من الأمرين مستقل باقتضاء قبحه ووجوب التجنب عنه والمراد بالمقت وهو اشد البغض مقت الله وبالخسار خسار الآخرة
فاطر : ( 40 ) قل أرأيتم شركاءكم . . . . .
) قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله ( يعني آلهتهم والاضافة إليهم لانهم جعلوهم شركاء الله أو لانفسهم فيما يملكونه ) أروني ماذا خلقوا من الأرض ( بدل من ) أرأيتم ( بدل الاشتمال لانه بمعنى اخبروني كفأنه قال اخبروني عن هؤلاء الشركاء اروني أي جزء من الأرض استبدوا بخلقه ) أم لهم شرك في السماوات ( أم لهم شركة مع الله في خلق السماوات فاستحقوا بذلك شركة في الألوهية ذاتية ) أم آتيناهم كتابا ( ينطق على أنا اتخذناهم شركاء ) فهم على بينة منه ( على حجة من ذلك الكتاب بأن لهم شركة جعلية ويجوز أن يكون هم للمشركين كقوله ) أم أنزلنا عليهم سلطانا ( وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب وأبو بكر والكسائي / على بينات / فيكون ايماء إلى أن الشرك خطير لا بد فيه من تعاضد الدلائل ) بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا ( لما نفى أنواع الحجج في(4/422)
" صفحة رقم 423 "
ذلك اضرب عنه بذكر ما حملهم عليه وهو تغرير الاسلاف الاخلاف أو الرساء الاتباع بأنهم شفعاء عند الله يشفعون لهم بالتقرب إليهم
فاطر : ( 41 ) إن الله يمسك . . . . .
) إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ( كراهة أن تزولا فإن الممكن حال بقائه لا بد له من حافظ أو يمنعهما أن تزولا لان الامساك منع ) ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد ( ما مسكهما ) من بعده ( من بعد الله أو من بعد الزوال والجملة سادة مسد الجوابين ومن الأولى زائدة والثانية للابتداء ) إنه كان حليما غفورا ( حيث امسكهما وكانتا جيدرتي بأن تهدا هدا كما قال تعالى ) تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض )
فاطر : ( 42 ) وأقسموا بالله جهد . . . . .
) وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم ( وذلك أن قريشا لما بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم قالوا لعن الله اليهود والنصارى لو أتانا رسول لنكونن ) أهدى من إحدى الأمم ( أي من واحدة من الأمم اليهود والنصارى وغيرهم أو من الأمة التي يقال فيها هي ) إحدى الأمم ( تفضلا لها على غيرها في الهدى والاستقامة ) فلما جاءهم نذير ( يعني محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) ما زادهم ( أي النذير أو مجئيه على التسبب ) إلا نفورا ( تباعدا عن الحق
فاطر : ( 43 ) استكبارا في الأرض . . . . .
) استكبارا في الأرض ( بدل من نفورا أو مفعول له ) ومكر السيء ( اصله وإن مكروا المكر السيء فحذف الموصوف استغناء بوصفه ثم بدل أن مع الفعل بالمصدر ثم اضيف وقرأ حمزة وحده بسكون الهمزة في الوصل ) ولا يحيق ( ولا يحيط ) المكر السيء إلا بأهله ( وهو الماكر وقد حاق بهم يوم بدر وقرئ ) ولا يحيق المكر ( أي ولا يحيق الله ) فهل ينظرون ( ينتظرون ) إلا سنة الأولين ( سنة الله فيهم بتعذيب مكذبيهم ) فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ( إ يبدلها بجعله غير التعذيب تعذيبا ولا يحولها بأن ينقله من المكذبين إلى غيرهم
فاطر : ( 44 ) أو لم يسيروا . . . . .
وقوله(4/423)
" صفحة رقم 424 "
) أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ( اتشهاد علم بما يشاهدونه في مسايرهم إلى الشام واليمن والعراق من آثار الماضين ) وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء ( ليسبقه ويقوته ) في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما ( بالاشياء كلها ) قديرا ( عليها
فاطر : ( 45 ) ولو يؤاخذ الله . . . . .
) ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ( من المعاصي ) ما ترك على ظهرها ( ظهر الأرض ) من دابة ( من نسمة تدب عليها بشؤم معاصيهم وقيل المراد بالدابة الأنس وحده لقوله ) ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى ( هو يم القيامة ) فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا ( فيجازيهم على أعمالهم عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الملائكة دعته ثمانية أبواب الجنة أن ادخل من أي باب(4/424)
" صفحة رقم 425 "
سورة يس
مكية وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) يس تدعى المعمة تعم صاحبها خير الدارين والدافعة والقاضية تدفع عنه كل سوء وتقضي له كل حاجة وآيها ثلاث وثمانون
بسم الله الرحمن الرحيم
يس : ( 1 - 2 ) يس
) يس ( في المعنى والاعراب وقيل معناه يا إنسان بلغة طيئ على انه اصله يا انيسين فاتقصر على شطره لكثرة النداء به كماقيل من الله في ايمن وقرئ بالكسر كجير وبالفتح على البناء كأين أو الاعراب على تل يس أو باضمار حرف القسم والفتحة لمنع الصرف وبالضم بناء كحيث أو اعرابا على هذه ) يس ( وأمال الياء حمزة والكسائي وروح وأبو بكر وادغم النون في واو ) والقرآن الحكيم ( ابن عامر والكسائي وأبو بكر وورش ويعقوب وهي واو القسم أو العطف إن جعل ) يس ( مقسما به
يس : ( 3 ) إنك لمن المرسلين
) إنك لمن المرسلين ( لمن الذين ارسلوا
يس : ( 4 ) على صراط مستقيم
) على صراط مستقيم ( وهو التوحيد والاستقامة في الأمور ويجوز أن يكون ) على صراط ( خبرا ثانيا أو حالا من المستكن في الجار والمجرور وفائدته وصف الشرع صريحا بالاستقامة وإن دل عليه ) لمن المرسلين ( التزاما(4/425)
" صفحة رقم 426 "
يس : ( 5 ) تنزيل العزيز الرحيم
) تنزيل العزيز الرحيم ( خبر محذوف والمصدر بمعنى المفعول وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص بالنصب بإضمار اعني أو فعله على انه على اصله وقرئ بالجر على البدل من القرآن
يس : ( 6 ) لتنذر قوما ما . . . . .
) لتنذر قوما ( متعلق ب ) تنزيل ( أو بمعنى ) لمن المرسلين ( ) ما أنذر آباؤهم ( قوما غير منذر آباؤهم يعني آباءهم الاقربين لتطاول مدة الفترة فيكون صفة مبينة لشدة حاجتهم إلى ارساله أو الذي انذر به أو شيئا أنذر به آباؤهم الابعدون فيكون مفعولا ثانيا ) لتنذر ( أو انذار آبائهم على المصدر ) فهم غافلون ( متعلق بالنفي على الأول أي لم ينذروا فبقوا غافلين أو بقوله ) إنك لمن المرسلين ( على الوجوه الأخرى أي ارسلناك إليهم لتنذرهم فإنهم غافون
يس : ( 7 ) لقد حق القول . . . . .
) لقد حق القول على أكثرهم ( يعني قوله تعالى ) لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ( ) فهم لا يؤمنون ( لأنهم ممن علم الله انهم لا يؤمنون
يس : ( 8 ) إنا جعلنا في . . . . .
) إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا ( تقرير لتصميمهم على الكفر والطبع على قلوبهم بحيث لا تغني عنهم الآيات والنذر بتمثيلهم بالذين غلت أعناقهم ) فهي إلى الأذقان ( فالاغلال واصلة إلى اذقانهم فلا تخليهم يطأطئون رؤوسهم له ) فهم مقمحون ( رافعون رؤوسهم غاضون ابصارهم في انهم لا يلتفتون لفت الحق ولا يعطفون أعناقهم نحوه ولا يطأطئون رؤوسهم له
يس : ( 9 ) وجعلنا من بين . . . . .
) وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ( وبمن احاط بهم سدان فغطى ابصارهم بحيث لا يبصرون قدامهم ووراءهم في انهم محبوسون في(4/426)
" صفحة رقم 427 "
مطموة الجهالة ممنوعون عن النظر في الآيات والدلائل وقرأ حمزة والكسائي وحفص سدا بالفتح وهو لغة فيه وقيل ما كان بعف الناس فبالفتح وما كان بخلق الله فبالضم وقرئ / فأعشيناهم / من العشاء وقيل الايتان في بني مخزوم حلف أبو جعل أن يرضخ رأس النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأتاه وهو يصلي ومعه حجر ليدمغه فلما رفع يده انثت إلى عنقه ولزق الحجر بيده حتى فكوه عنها بجهد فرجع إلى قومه فأخبرهم فقال مخزومي آخر أنا اقله بهذا الحجر فذهب فأعمى الله بصره
يس : ( 10 ) وسواء عليهم أأنذرتهم . . . . .
) وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ( سبق في سورة البقرة تفسيره
يس : ( 11 ) إنما تنذر من . . . . .
) إنما تنذر ( انذارا يترتب عليه البغية المرومة ) من اتبع الذكر ( أي القرآن بالتأمل فيه والعمل به ) وخشي الرحمن بالغيب ( وخاف عقابه قبل حلوله ومعاينة اهواله أو في سريرته ولا يغتر برحمته فإنه كما هو رحمن منتقم قهار ) فبشره بمغفرة وأجر كريم )
يس : ( 12 ) إنا نحن نحيي . . . . .
) إنا نحن نحيي الموتى ( الاموات بالبعث أو الجهال بالهداية ) ونكتب ما قدموا ( ما اسلفوا من الأعمال الصالحة والطالحة ) وآثارهم ( الحسنة كعلم علموه وحبيس وقفوه والسيئة كإشاعة باطل وتأسيس ظلم ) وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ( يعني اللوح المحفوظ
يس : ( 13 - 14 ) واضرب لهم مثلا . . . . .
) واضرب لهم ( ومثل لهم من قولهم هذه الاشياء على ضرب واحد أي مثال واحد وهو يتعدى إلى مفعولين لتضمنه معنى الجعل وهما ) مثلا أصحاب القرية ( على حذف مضاف أي اجعل لهم مثل أصحاب القرية مثلا ويجوز أن يقتصر على واحد ويجعل المقدر(4/427)
" صفحة رقم 428 "
بدلا من الملفوظ أو بيانا له والقرية إنطاكية ) إذ جاءها المرسلون ( بدل م أصحاب القرية و ) المرسلون ( رسل عيسى عليه الصلاة والسام إلى اهلاه واضافته إلى نفسه في قوله ) إذ أرسلنا إليهم اثنين ( لأنه فعل رسوله وخليفته وهما يحيى ويونس عليهم الصلاة والسلام وقيل غيرهما ) فكذبوهما فعززنا ( فقوينا وقرأ أبو بكر مخففا من عزه إذا غلبه وحذف المفعول لدلالة ما قبله عليه ولأن المقصود ذكر المعزز به ) بثالث ( وهو شمعون ) فقالوا إنا إليكم مرسلون ( وذلك انهم كانوا عبدة اصنام أرسل إليهم عيسى عليه السلام اثنين فلما قربا من المدينة رأيا حبيبا النجار يرعى غنما فسألهما فأخبراه فقال امعكما آية فقالا نشفي المريض ونبرئ الاكمة والابرص وكان له ولد مريض فمسحاه فبرأ فآمن حبيب وفشا الخبر فشفي على ايديهما خلق كثير وبلغ حديثهما إلى الملك وقال لهما النا إله سوى آلهتنا قالا نعم من اوجدك وآلهتك قال حتى انظر في امركما فحبسهما ثم بعث عيسى شمعون فدخل متنكرا وعاش أصحاب الملك حتى استأنسوا به واوصلوه إلى الملك فأنس به فقال له يوما سمعت أنك حبست رجلين فهل سمعت ما يقولانه قال فدعاهما فقال شمعون من ارسلكما قال الله الذي خلق كل شيء وليس له شريك فقال صفاه واوجزا قالا يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد قال وما آيتكما قالا ما يتمنى الملك فدعا بغلام مطموس العينين فدعواالله حتى انشق له بصره وأخذا بندقتين فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مقلتين ينظر بهما فقال شمعو ارأيت لو سألت آلهتك حتى تصنع مثل هذا حتى يكون لك ولها الشرف قال ليس لي عنك سر آلهتنا لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع ثم قال أن قدر اهلكما على حياء ميت آمنا به فأتوا بغلام مات منذ سبعة أيام فدعوا الله فقام وقال أني ادخلت في سبعة اودية من النار وأنا احذركم ما أنتم فيه فآمنوا وقال فتحت أبواب السماء فرأيت شابا حسنا يشفع لهؤلاء الثلاثة فقال الملك من هم قال شمعون وهذان فلما رأى شمعون أن قوله قد أثر فيه نصحه فآمن في جمع ومن ل يؤمن صاح عليهم جبريل عليه الصلاة والسالم فهلكوا(4/428)
" صفحة رقم 429 "
يس : ( 15 ) قالوا ما أنتم . . . . .
) قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا ( لا مزية لكم علينا تقتضي اختصاصكم بما تدعون ورفع بشر لانتقاض النفي المتقضي أعمال ما بإلا ) وما أنزل الرحمن من شيء ( وحي ورسالة ) إن أنتم إلا تكذبون ( في دعوى الرسالة
يس : ( 16 ) قالوا ربنا يعلم . . . . .
) قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون ( استشدهوا بعلم الله وهو يجري مجرى القسم وزادوا اللام المؤكدة لانه جواب عن إنكارهم
يس : ( 17 ) وما علينا إلا . . . . .
) وما علينا إلا البلاغ المبين ( الظاهر البين بالآيات الشاهدة لصحته وهو المحسن للاستشهاد فإنه لا يحسن إلا ببينة
يس : ( 18 ) قالوا إنا تطيرنا . . . . .
) قالوا إنا تطيرنا بكم ( وذلك لاستغرابهم ما ادعوه واستقباحهم له وتنفرهم عنه ) لئن لم تنتهوا ( عن مقالتكم هذه ) لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم )
يس : ( 19 ) قالوا طائركم معكم . . . . .
) قالوا طائركم معكم ( سبب شؤمكم وهو سوء عقيدتكم واعمالكم وقرئ / طيركم معكم / ) أئن ذكرتم ( وعظتم وجواب الشرط محذوف مثل تطيرتم أو توعدتم بالرجم والتعذيب وقد قرئ بألف بين الهمزتين وبفتح أن بمعنى اتطيرتم لأن ذكرتم وان بغير الاستفهام ) أئن ذكرتم ( بمعى طائركم معكم حيث جرى ذكركم وهو ابلغ ) بل أنتم قوم مسرفون ( قوم عادتكم الاسراف في العصيان فمن ثم جاءكم الشؤم أو في الضلال ولذلك توعدتم وتشاءمتم بمن يجب أن يكرم ويتبرك به
يس : ( 20 ) وجاء من أقصى . . . . .
) وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى ( هو حبيب النجار وكان ينحت اصنامهم وهو ممن آمن بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وبينهم ستمائة سنة وقيل كان في غار يعبد الله(4/429)
" صفحة رقم 430 "
فلما بلغه خبر الرسل أتاهم وأظهر دينه ) قال يا قوم اتبعوا المرسلين )
يس : ( 21 ) اتبعوا من لا . . . . .
) اتبعوا من لا يسألكم أجرا ( على النصح وبليغ الرسالة ) وهم مهتدون ( إلى خير الدارين
يس : ( 22 ) وما لي لا . . . . .
) وما لي لا أعبد الذي فطرني ( على قراءة غير حمزة فإنه يسكن الياء في الوصل تطلف في الارشاد بإ ] راده في معرض المناصحة لنفسه وامحاض النصح حيث أراد لهم ما أراد لها والمراد تقريعهم على تركهم عبادة خالقهم إلى عبادة غيره ولذلك قال ) وإليه ترجعون ( مبالغة في التهديد
يس : ( 23 ) أأتخذ من دونه . . . . .
ثم عاد إلى المساق الأول فقال ) أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ( لا تنفعني شفاعتهم ) ولا ينقذون ( بالنصرة والمظاهرة
يس : ( 24 ) إني إذا لفي . . . . .
) إذا لفي ضلال مبين ( فإن ايثار ما لا ينفع ولا يدفع ضرا بوجه ما على الخالق المقتدر على النفع والضر واشراكه به ضلال بين لا يخفى على عاقل وقرأ نافع ويعقوب وأبو عمرو بفتح الياء
يس : ( 25 ) إني آمنت بربكم . . . . .
) إني آمنت بربكم ( الذي خلقكم وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء ) فاسمعون ( فاسمعوا إيماني وقيل الخطاب للرسل إنه لما نصح قومه اخذوا يرجمونه فأسرع نوحهم قبل أن يقتلو
يس : ( 26 ) قيل ادخل الجنة . . . . .
) قيل ادخل الجنة ( قيل له ذلك لما قتلوه بشرى له بأنه من أهل الجنة أو اكراما واذنا في دخولها كسائر الشهداء أو لما هموا بقتله رفعه الله إلى الجنة على ما قاله الحسن وانما لم يقل له لان الغرض بيان المقول دون المقول له فإنه معلوم والكلام استئناف في حيز الجواب عن السؤال عن حاله عند لقاء ربه بعد تصليه في نصر دينه وكذلك ) قال يا ليت قومي يعلمون )
يس : ( 27 ) بما غفر لي . . . . .
) بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ( فإنه جواب عن السؤال عن قوله عند ذلك القوم وانما تمنى علم قومه بحاله ليجملهم على اكتساب مثلها بالتوبة عن الكفر(4/430)
" صفحة رقم 431 "
والدخول في الإيمان والطاعة على دأب الأولياء في كظم والترحم على الأعداء أو ليعلموا انهم كانوا على خطأ عظيم في أمره وانه كان على حق وقرئ ) المكرمين ( و ) ما ( خبرية أو مصدرية والباء صلة ) يعلمون ( أو استفهامية جاء على الأصل والباء صلة غفر أي بأي شيء ) غفر ( لي يريد به المهاجرة عن دينهم والمصابر على اذيتهم
يس : ( 28 ) وما أنزلنا على . . . . .
) وما أنزلنا على قومه من بعده ( من بعد هلاكه أو رفعه ) من جند من السماء ( اهلاكهم كما ارسلنا يوم بدر والخندق بل كفينا أمرهم بصيحة ملك وفيه استحقار لاهلاكهم وايماء بتعظيم الرسول عليه السام ) وما كنا منزلين ( وما صح في حكمتنا أن ننزل جندا لأهلاك قومه إذ قدرنا لكل شيء سببا وجعلنا ذلك سببا لانتصارك من قومك وقيل ) ما ( موصولة معطوفة على ) جند ( أي ومما كنا منزلين على من قبلهم من حجارة وريح وامطار شديدة
يس : ( 29 ) إن كانت إلا . . . . .
) إن كانت ( ما كانت الاخذة أو العقوبة ) إلا صيحة واحدة ( صاح بها جبريل عليه السلام وقرئت بالرفع على كان التامة ) فإذا هم خامدون ( ميتون شبهوا بالنار رمزا إلى أن الحي كالنار الساطعة ولميت كرمادها كما قال لبيد " وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يحور رمادا بعد إذ هو ساطع "
يس : ( 30 ) يا حسرة على . . . . .
) يا حسرة على العباد ( تعالي فهذه كن الأحوال التي من حقها أن تحضري فيها وهي ما دل عليها ) وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون ( فإن المستهزين بالناصحين المخلصين المنوط بنصحهم خير الدارين احقاء أن يتحسروا ويتحسر عليهم وقد تلهف على حالهم الملائكة والمؤمنون من الثقلين ويجوز أن يكون حسرا من الله(4/431)
" صفحة رقم 432 "
عليهم على سبيل الاستعارة لتعظيم ما جنوه على أنفسهم ويؤيده قراءة / يا حسرتا / ى ونصبها لطولها بالجار المتعلق بها وقيل بإذمار فعلها والمنادى محذوف وقرئ / ياحسرة العباد / بالإضافة إلى الفاعل أو المفعول و ) يا حسرة ( بالهاء على العباد بإجراء الوصل مجرى الوقف
يس : ( 31 ) ألم يروا كم . . . . .
) ألم يروا ( ألم يعلموا وهو معلق عن قوله ) كم أهلكنا قبلهم من القرون ( لأن ) كم ( لا يعمل فيها ما قبلها وإن كانت خبرية لأن أصلها الاستفهام ) أنهم إليهم لا يرجعون ( بدل من ) كم ( على المعنى أي آلم يروا كثرة اهلاكنا من قبلهم كونهم غير راجعين إليهم وقرئ بالكسر على الاستئناف
يس : ( 32 ) وإن كل لما . . . . .
) وإن كل لما جميع لدينا محضرون ( يوم القيامة للجزاء و ) إن ( مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة و ) ما ( للتأكيد وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة ) لما ( بالتشديد بمعنى إلا فتكون إن نافية وجميع فعيل بمعنى مفعول و ) لدينا ( ظرف له أو ل ) محضرون )
يس : ( 33 ) وآية لهم الأرض . . . . .
) وآية لهم الأرض الميتة ( وقرأ نافع بالتشديد ) أحييناها ( خبر ل ) الأرض ( والجملة خبر ) آية ( أو صفة لها إذ لم يرد بها معينة وهي أو المبتدأ والاية خبرها أو(4/432)
" صفحة رقم 433 "
استئناف لبيان كونها ) آية ( ) وأخرجنا منها حبا ( جنس الحب ) فمنه يأكلون ( قدم الصلة للدلالة على أن الحب معظم ما يؤكل ويعاش به
يس : ( 34 ) وجعلنا فيها جنات . . . . .
) وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب ( من أنواع النخل والعنب ولذلك جمعهما دون الحب فإن الدال على الجنس مشعر بالاختلاف ولا كذلك الدال على الانواع وذكر النخيل دون التمور ليطابق الحب والاعناب لاختصاص شجرها بمزيد النفع وآثار الصنع ) وفجرنا فيها ( وقرئ بالتخفيف والفجر والتفجير كالفتح والتفتيح لفظا ومعنى ) من العيون ( أي شيئا من العيون فحذف الموصوف واقيمت الصفة مقامه أو ) العيون ( و ) من ( مزيدة عند الاخفش
يس : ( 35 ) ليأكلوا من ثمره . . . . .
) ليأكلوا من ثمره ( ثمر ما ذكر وه الجنات وقيل الضمير لله تعالى على طريقة الالتفات والاضافة إليه الثمر بخلقه وقرأ حمزة والكسائي بضمتين وهو لغة فيه أو جمع ثمار وقرئ بضمة وسكون ) وما عملته أيديهم ( عطف على الثمر والمراد ما يتخذ منه كالعصير والدبس ونحوهما وقيل ) ما ( نافية والمراد أن الثمر بخلق الله لا بفعلهم ويؤيد الأول قراءة الكوفيين غير حفص بلا هاء فإن حذفه من الصلة أحسن من غيرها ) أفلا يشكرون ( أمر بالشكر من حيث انه انكار لتركه
يس : ( 36 ) سبحان الذي خلق . . . . .
) سبحان الذي خلق الأزواج كلها ( الانواع والاصناف ) مما تنبت الأرض ( من النبات والشجر ) ومن أنفسهم ( الذكر والانثى ) ومما لا يعلمون ( ازواجا مما لم يطلعهم الله تعالى عليه ولم يجعل لهم طريقا إلى معرفته
يس : ( 37 ) وآية لهم الليل . . . . .
) وآية لهم الليل نسلخ منه النهار ( نزيله ونكشفه عن مكانه مستعار من سلخ الجلد والكلام في إرابه ما سبق ) فإذا هم مظلمون ( داخلون في الظلام
يس : ( 38 ) والشمس تجري لمستقر . . . . .
) والشمس تجري لمستقر لها ( لحد معين ينتهي إليه دورها فشبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره أو لكبد السماء فإن حركتها فيه يوجد فيها بطء بحيث يظن أن لها هناك وقفة قال ) والشمس تجري لمستقر لها ( بالجو تدويم(4/433)
" صفحة رقم 434 "
لو لاستقرار لها على نهج مخصوص أو لمنتهى مقدر لكل يوم من المشارق والمغارب فإن لها في دورها ثلثمائة وستين مشرقا ومغربا تطلع كل يوم من مطلع وتغرب من مغرب ثم لا تعود إليها إلى العام القابل أو لمنقطع جريها عند خراب العالم وقرئ / لا مستقر لها / أي لا سكون فإنها متحركة دائما و / لا مستقر / على أن ) لا ( بمعنى ليس ) ذلك ( الجري على هذا التقدير المتضمن للحكم التي تكل الفطن عن احصائها ) تقدير العزيز ( الغالب بقدرته على كل مقدور ) العليم ( المحيط علمه بكل معلوم
يس : ( 39 ) والقمر قدرناه منازل . . . . .
) والقمر قدرناه ( قدرنا مسيرة ) منازل ( أو سره في منازل وهي مانية وعشرو السرطان البطين الثريا الدبران الهقعة الهنعة الذراع النثرة الطرف الجبهة الزبرة الصرفة العواء السماك الغفر الزبانا الاكليل القلب الشولة النعائم البلدة سعد الذابح سعد بلع سعد السعود سعد الأخبية فرغ الدلو الممقدم فرغ الدلو المؤخر الرشا هوهو بطن لحوت ينزل كل ليلة في واحد منها لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه فإذا كان في آخر منازله وهوالذي يكون فيه قبيل الاجتماع دق واستقوس وقرأ الكوفيون وابن عامر ) والقمر ( بنصب الراء ) حتى عاد كالعرجون ( كالشمراخ المعوج فعلون من الانعراج وهو العوجاج وقرئ ) كالعرجون ( وهما لغتان كالبزيون والبزيون ) القديم ( العتيق وقيل ما مر عليه حل فصاعدا
يس : ( 40 ) لا الشمس ينبغي . . . . .
) لا الشمس ينبغي لها ( يصح لها ويتسهل ) أن تدرك القمر ( في سرعة سيهر فإن ذلك يخل بتكون النبات وتعيش احليوان أو في آثاره ومنافعه أو مكانه بالنزول إلى محله أو سلطانه فتطمس نوره وايلاء حرف النفي ) الشمس ( للدلالة على إنها مسخرة لا يتيسر لها إلا ما أريد بها ) ولا الليل سابق النهار ( يسبقه فيفوته ولكن يعاقبه وقيل المراد بهما آيتاهما وهما النيران وبالسبق سبق القمر إلى سلطان الشمس فيكون عكسا للأول وتبديل الادراك بالسبق لانه الملائم لسرعة سيره ) وكل ( وكلهم والتنوين عوض عن المضاف إليه والضمير للشموس والاقمار فإن اختلاف الأحوال يوجب تعددا ما في الذات أو(4/434)
" صفحة رقم 435 "
للكواكب فإنت ذكرهما مشعر بهما ) في فلك يسبحون ( يسيرون فيه بانبساط
يس : ( 41 ) وآية لهم أنا . . . . .
) وآية لهم أنا حملنا ذريتهم ( أولادهم الذين يبعثونهم إلى تجارتهم أو صبيانهم ونساءهم الذين يستصحبونهم فإن الذرية تقع عليهن لأنهن مزارعها وتخصيصهم لان استقرارهم في السفن اشق وتماسكهم فيها اعجب وقرأ نافع وابن عامر / ذرياتهم / ) في الفلك المشحون ( المملوء وقيل المراد فلك نوح عليه الصلاة والسلام وحمل الله ذرياتهم فيها انه حمل فيها آباءهم الاقدمين وفي اصلابهم هم وذرياتهم وتخصيص الذرية لأنه ابلغ في الامتنان وادخل في التعجب مع الايجاز
يس : ( 42 ) وخلقنا لهم من . . . . .
) وخلقنا لهم من مثله ( من مثل الفلك ) ما يركبون ( من الإبل فإنها سفائن البر أو من السفن والزوارق
يس : ( 43 ) وإن نشأ نغرقهم . . . . .
) وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ( فلا مغيث لهم يحرسهم عن الغرق أو فلا اغاثة كقولهم أتاهم الصريخ ) ولا هم ينقذون ( يندون من الموت به
يس : ( 44 ) إلا رحمة منا . . . . .
) إلا رحمة منا ومتاعا ( إلا لرحمة ولتمتيع بالحياة ) إلى حين ( زمان قدر لآجالهم
يس : ( 45 - 46 ) وإذا قيل لهم . . . . .
) وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم ( الوقائع التي خلت أو العذاب المعد في الآخرة أو نوازل السماء ونوائب الأرض كقوله ) أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض ( أو عذاب الدنيا وعذاب الآخرة اوعكسه أو ما تقدم من الذنوب وما تأخر ) لعلكم ترحمون ( لتكونوا راجين رحمة الله وجواب إذا محذوف دل عليه قوله ) وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ( كأنه قال وإذ قيل لهم اتقوا العذاب اعرضوا لانهم اعتادوه وتمرنواعليه
يس : ( 47 ) وإذا قيل لهم . . . . .
) وإذا قيل لهم أنفقوا من ما رزقكم ( على محاويجكم ) قال الذين كفروا ((4/435)
" صفحة رقم 436 "
بالصانع يعني معطلة كانوا بمكة ) للذين آمنوا ( تهكما بهم من اقرارهم به وتعليقهم الأمور بمشيئته ) أنطعم من لو يشاء الله أطعمه ( على زعمكم وقيل قاله مشركو قريش حين استطعمهم فقراء ايهاما بأن الله تعالى لما كان قادرا أن يطعمهم ولم يطعمهم فنحن احق بذلك وهذا من فرط جهالتهم فإن الله يطعم باسباب منها حث الاعنياء على اطعام الفقراء وتوفيقهم له ) إن أنتم إلا في ضلال مبين ( حيث امرتمونا ما يخالف مشيئة الله ويجوز أن يكون جوابا من الله لهم أو حكاية لجواب المؤمنين لهم
يس : ( 48 ) ويقولون متى هذا . . . . .
) ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ( يعنون وعد البعث
يس : ( 49 ) ما ينظرون إلا . . . . .
) ما ينظرون ( ما ينتظرون ) إلا صيحة واحدة ( هي النفخة الأولى ) تأخذهم وهم يخصمون ( يتخاصمون في متاجرهم ومعاملاتهم لا يخطر ببالهم أمرها كقوله ) أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون ( وأصله يختصمون فسكنت التاء ادغمت ثم كسرت الخاء لالتقاء الساكنين وقرأ أبو بكر بكسر الياء للاتباع وقرأ ابن كثير وورش وهشام بفتح الخاء على القاء حركة التاء إليه وأبو عمرو وقالون به مع الاختلاس وعن نافع الفتح فيه والاسكان والتشديد وكأنه جوز الجمع بين الساكنين إذا كان الثاني مدغما وقرأ حمزة ) يخصمون ( من خصمه إذا جادله
يس : ( 50 ) فلا يستطيعون توصية . . . . .
) فلا يستطيعون توصية ( في شئ من أمورهم .) ولا إلى أهلهم يرجعون ( فيروا حالهم بل يموتون حيث تبغتهم
يس : ( 51 ) ونفخ في الصور . . . . .
) ونفخ في الصور ( أي مرة ثانية وقد سبق تفسيره في سورة المؤمنين ) فإذا هم من الأجداث ( من القبور جمع جدث وقرئ بالفاء ) إلى ربهم ينسلون ( يسرعون وقرئ بالضم
يس : ( 52 ) قالوا يا ويلنا . . . . .
) قالوا يا ويلنا ( وقرئ ) يا ويلتنا ( ) من بعثنا من مرقدنا ( وقرئ / من أهبنا / من هب من نومه إذا انتبه ومن هبنا بمعنى أهبنا وفيه ترشيح ورمز وإشعار بأنهم لاختلاط عقولهم يظنون أنهم كانوا نياما و ) من بعثنا ( و / من هبنا / على الجارة والمصدر وسكت حفص وحده عليها سكته لطيفة والوقف عليها في سائر القراءات حسن ) هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ( مبتدأ وخبر و ) ما ( مصدرية أو موصولة محذوفة الراجع(4/436)
" صفحة رقم 437 "
أو ) هذا ( صفة ل ) مرقدنا ( و ) ما وعدنا ( خبر محذوف أو مبتدأ خبره محذوف أي ) هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ( أو ) ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ( حق وهو من كلامهم وقيل جواب للملائكة أو المؤمنين عن سؤالهم معدول عن سننه تذكيرا لكفرهم وتقريعا لهم عليه وتنبيها بأن الذي يهمهم هو السؤال عن البعث دون الباعث كأنهم قالوا بعثكم الرحمن الذي وعدكم البعث وأرسل إليكم الرسل فصدقوكم وليس الأمر كما تظنون فإنه ليس يبعث النائم فيهمكم السؤال عن الباعث وإنما هو البعث الأكبر ذو الأهوال
يس : ( 53 ) إن كانت إلا . . . . .
) إن كانت ( ما كانت الفعلة ) إلا صيحة واحدة ( هي النفخة الأخيرة وقرئت بالرفع على كان التامة ) فإذا هم جميع لدينا محضرون ( بمجرد تلك الصيحة وفي كل ذلك تهويم أمر البعث والحشر واستغناؤهما عن الأسباب التي ينوطان بها فيما يشاهدونه
يس : ( 54 ) فاليوم لا تظلم . . . . .
) فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون ( حكاية لما يقال لهم حينئذ تصويرا للموعود وتمكينا له في النفوس وكذا قوله
يس : ( 55 ) إن أصحاب الجنة . . . . .
) إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون ( متلذذون في النعمة من الفكاهة وفي تنكير ) شغل ( وإبهامه تعظيم لما هم فيه من البهجة والتلذذ وتنبيه على أنه أعلى ما يحيط به الأفهام ويعرب عن كنهه الكلام وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ) في شغل ( بالسكون ويعقوب في رواية / فكهون / للمبالغة وهما خبران ل ) إن ( ويجوز أن يكون ) في شغل ( صلة ) فاكهون ( وقرىء فكهون بالضم وهو لغة كنطس ونطس ) فاكهين ( و ) فكهين ( على الحال من المستكهن في الظرف و ) شغل ( بفتحتين وفتحة وسكون والكل لغات
يس : ( 56 ) هم وأزواجهم في . . . . .
) هم وأزواجهم في ظلال ( جمع ظل كشعاب أو ظلة كقباب ويؤيده قراءة حمزة والكسائي في ) ظلل ( ) على الأرائك ( على السرر المزينة ) متكئون ( و ) هم ( مبدأ خبره ) في ظلال ( و ) على الأرائك ( جملة مستأنفة أو خبر ثان أو ) متكئون ( والجاران(4/437)
" صفحة رقم 438 "
صلتان له أو تأكيد للضمير في شغل أو في فاكهون وعلى الارائك متكون خبر آخر لأن وأزواجهم عطف على ) هم ( للمشاركة في الأحكام الثلاثة و ) ظلال ( حال من المعطوف والمعطوف عليه
يس : ( 57 - 58 ) لهم فيها فاكهة . . . . .
) لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون ( ما يدعون به لأنفسهم يفتعلون من الدعاء كاشتوى واجتمل إذا شوى وجمل لنفسه أو ما يتداعون كقولك ارتموه بمعنى تراموه أو يتمنون من قولهم ادع عي ما شئت بمعنى تمنه علي أو ما يدعونه في الدنيا من الجنة ودرجاتها و ) ما ( موصولة أو موصوفة مرتفعة بالابتداء و ) لهم ( خبرها وقوله ) سلام ( بدل منها أو صفة أخرى ويجوز أن يكون خبرا أو خبر محذوف أو مبتدأ محذوف الخبر أي ولهم سلام وقرئ بالنصب على المصدر أو الحال أي لهم مرادهم خالصا ) قولا من رب رحيم ( أي قول الله أو يقال لهم قولا كائنا من جته والمعنى أن الله يسلم عليهم بواسطة الملائكة أو بغير واسطة تعظيما لهم وذلك مطلوبهم ومتمناهم ويحتمل نصبه على الاختصاص
يس : ( 59 ) وامتازوا اليوم أيها . . . . .
) وامتازوا اليوم أيها المجرمون ( وانفردوا عن المؤمنين وذلك حين يسار بهم إلى الجنة كقوله ) ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون ( وقيل اعتزلوا من كل خير أو تفرقوا في النار فإن لكل كافر بيتا ينفرد به لا يرى ولا يرى
يس : ( 60 ) ألم أعهد إليكم . . . . .
) ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان ( من جملة ما يقال لهم تقريعا والزاما للحجة وعهده إليهم ما نصب لهم من الحجج العقلية والسمعية الامرة بعبادته الزاجرة عن عبادة غيره وجعلها عبادة الشيطان لانه الأمر بها والمزين لها وقرئ ) أعهد ( بكسر حرف المضارعة و / احهد / و ) أحد ( على لغة بني تميم ) إنه لكم عدو مبين ( تعليل للمنع عن عبادته بالطاعة فيها يحملهم عليه(4/438)
" صفحة رقم 439 "
يس : ( 61 ) وأن اعبدوني هذا . . . . .
) وأن اعبدوني ( عطف على ) أن لا تعبدوا ( ) هذا صراط مستقيم ( إشارة إلى ما عهد إليهم أو إلى عبادته فالجملة استئناف لبيان المقتضي للعهد بشقيه أو بالشق الآخر والتنكير للمبالغة والتعظيم أو للتبعيض فإن التوحيد سلوك بعض الطريق المستقيم
يس : ( 62 ) ولقد أضل منكم . . . . .
) ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون ( رجوع إلى بيان معاداة الشيطان مع ظهور عداوته ووضوح اضلاله لمن له ادنى عقل ورأي والجبل الخلق وقرأ يعقوب بضمتين وابن كثير وحمزة والكسائي بهما مع تخفيف اللام وابن عامر وأبو عمرو بضمة وسكون مع التخفيف والكل لغات وقرئ ) جبلا ( جمع جبلة كخلقة وخلق و / جيلا / واحد الاجيال
يس : ( 63 ) هذه جهنم التي . . . . .
) هذه جهنم التي كنتم توعدون )
يس : ( 64 ) اصلوها اليوم بما . . . . .
) اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون ( ذوقوا حرها اليوم بكفركم في الدنيا
يس : ( 65 ) اليوم نختم على . . . . .
) اليوم نختم على أفواههم ( نمنعها عن الكلام ) وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ( بظهور آثار المعاصي علهيا ودلالتها على افعالها أو انطاق الله إياها وفي الحديث " إنهم يجحدون ويخاصمون فيختم على افواههم وتتكلم أيديهم وارجلهم "
يس : ( 66 ) ولو نشاء لطمسنا . . . . .
) ولو نشاء لطمسنا على أعينهم ( لمسحنا اعينهم حتى تصير مسموحة ) فاستبقوا الصراط ( فاستبقوا إلى الطريق الذي اعتادوا سلوكه وانتصابه بنزع الخافض أو بتضمين الاستباق معنى الابتدار أو جعل المسبوق إليه مسبوقا على الاتساع أو بالظرف ) فأنى يبصرون ( الطريق وجهة السلوك فضلا عن غيره(4/439)
" صفحة رقم 440 "
يس : ( 67 ) ولو نشاء لمسخناهم . . . . .
) ولو نشاء لمسخناهم ( بتغيير صورهم وابطال قواهم ) على مكانتهم ( مكانهم بحيث يجمدون فيه وقرأ أبو بكر / مكاناتهم / ) فما استطاعوا مضيا ( ذهابا ) ولا يرجعون ( ولا رجوعا فوضع الفعل موضعه للفواصل وقيل ) لا يرجعون ( عن تكذيبهم وقرئ ) مضيا ( باتباع الميم الضاد المكسورة لقلب الواو ياء كالمعتى والمعتي ومضيا كصبي والمعنى انهم بكفرهم ونقضهم ما عهد إليهم احقاء بأن يفعل بهم ذلك لكنا لم نفعل لشمول الرحمة لهم واقتضاء الحكمة امهالهم
يس : ( 68 ) ومن نعمره ننكسه . . . . .
) ومن نعمره ( ومن نطل عمره ) ننكسه في الخلق ( نقلبه فيه فلا يزال يتزايد ضعفه وانتقاض بنيته وقواه عكس ما كان عليه بدء آمره وابن كثير على هذه يشبع ضمة الهاء على اصله وقرأ عاصم وحمزة ) ننكسه ( من التنكيس وهو ابلغ والنكس اشهر ) أفلا يعقلون ( أن من قدر على ذلك قدر على الطمس والمسخ فإنه مشتمل عليهما ويزاد غير انه على تدرج وقرأ نافع برواية ابن عامر وابن ذكوان ويعقوب بالتاء لجري الخطاب قبله
يس : ( 69 ) وما علمناه الشعر . . . . .
) وما علمناه الشعر ( رد لقولهم أن محمدا شاعر أي ما علمناه الشعر بتعليم القرآن فإنه لا يماثله لفظا ولا معنى لانه غير مقفى ولا موزون وليس معناه ما يتوخاه الشعراء من التخيلات المرغبة والنمفرة ونحوها ) وما ينبغي له ( وما يصح له الشعر ولا يتأتى له أن أراد قرضه على ما خبرتم طبعه نحوا من أربعين سنة وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب وقوله " هل أنت إلا اصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت " اتفاقي من غير تكلف وقصد منه إلى ذلك وقد يقع مثله كثيرا في تضاعيف المنثورات على أن الخليل ما عد المشطور من الرجز شعرا هذا وقد روي انه حرك الباءين(4/440)
" صفحة رقم 441 "
وكسر التاء الأولى بلا اشباع وسكن الثانية وقيل الضمير لل ) قرآن ( أي وما يصح للقرآن أن يكون شعرا ) إن هو إلا ذكر ( عظة وارشاد من الله تعالى ) وقرآن مبين ( وكتاب سماوي يتلى في المعابد ظاهر انه ليس من كلام البشر لما فيه من الاعجاز
يس : ( 70 ) لينذر من كان . . . . .
) لينذر ( القرآن أو الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ويؤيده قراءة نافع وابن عامر ويعقوب بالتاء ) من كان حيا ( عاقلا فهما فإن الغافل كالميت أو مؤمنا في علم الله تعالى فإن الحياة الابدية بالأيمان وتخصيص الانذار به لانه المنتفع به ) ويحق القول ( وتجب كلمة العذاب ) على الكافرين ( المصرين على الكفر وجعلهم في مقابلة من كان حيا اشعارا بأنهم لكفرهم وسقوط حجتهم وعدم تأملهم اموات في الحقيقة
يس : ( 71 ) أو لم يروا . . . . .
) أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا ( مما تولينا إحداثه ولم يقدر على إحداثه غيرنا وذكر الأيدي واسناد العمل إليها استعارة تفيد مبالغة في الاختصاص والتفرد بالاحداث ) أنعاما ( خصها بالذكر لما فيها بدائع الفطرة وكثرة المنافع ) فهم لها مالكون ( متملكون لها بتمليكنا إياها أو متمكنون من ضبطها والتصرف فيها بتسخيرنا إياها لهم قال " أصبحت لا احمل السلاح ولا املك راس البعير إن نفرا "
يس : ( 72 ) وذللناها لهم فمنها . . . . .
) وذللناها لهم ( وصيرناها منقادة لهم ) فمنها ركوبهم ( مركوبهم وقرئ / ركوبتهم / وهي بمعناه كالحلوب والحلوبة وقيل جمعه وركوبهم أي ذو ركوبهم أو فمن منافعها ) ركوبهم ( ) ومنها يأكلون ( أي ما يأكلون لحمه
يس : ( 73 ) ولهم فيها منافع . . . . .
) ولهم فيها منافع ( من الجلود والاصواف والاوبار ) ومشارب ( من اللبن جمع مشرب بمعنى الموضع أو المصدر وامال الشين ابن عامر وحمده برواية هشام ) أفلا يشكرون ((4/441)
" صفحة رقم 442 "
نعم الله في ذلك إذ لولا خلقه لها وتذليله إياها كيف امكن التوسل إلى تحصيل هذه المنافع المهمة
يس : ( 74 - 75 ) واتخذوا من دون . . . . .
) واتخذوا من دون الله آلهة ( اشركوها به في العبادة بعد ما رأوا منه تلك القدرة الباهرة والنعم المتظاهرة وعلموا انه المتفرد بها ) لعلهم ينصرون ( رجاء أن ينصروهم فيما حزبهم من الأمور والأمر بالعكس لأنهم ) لا يستطيعون نصرهم وهم لهم ( لآلهتهم ) جند محضرون ( معدون لحفظهم والذب عنهم أو ) محضرون ( اثرهم في النار
يس : ( 76 ) فلا يحزنك قولهم . . . . .
) فلا يحزنك ( فلا يهمنك وقرئ بضم الياء من احزن ) قولهم ( في الله بالالحاد والشرك أو فيك بالتكذيب والتهجين ) إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون ( فنجازيهم عليه وكفى ذلك أن تتسلى به وهو تعليل للنهي على الاستئناف ولذلك لو قرئ ) إنا ( بالفتح على حذف لام التعليل جاز
يس : ( 77 ) أو لم ير . . . . .
) أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين ( تسلية ثانية بتهوين ما يقولونه بالنسبة إلى إنكارهم الحشر وفيه تقبيح بليغ لانكاره حيث عجب منه وجعله افراطا في الخصومة بينا ومنافاة لجحود القدرة على ما هو اهون مما عمله في بدء خلقه ومقابلة النعمة التي لا مزيد عليها وهي خلقه من اخس شيء وامهنه شريفا مكرما بالعقوق والتكذيب روي أن أبي بن خلف أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعظم بال يفتته بيده وقل اترى الله يحيى هذا بعد ما رم فقال ( صلى الله عليه وسلم ) نعم ويبعثك ويدخلك النار فنزلت وقيل معنى ) فإذا هو خصيم مبين ( فإذا هو بعد ما كان ماء مهينا مميز منطيق قادر على الخصام معرب عما في نفسه
يس : ( 78 ) وضرب لنا مثلا . . . . .
) وضرب لنا مثلا ( امرا عجيبا وهو نفي القدرة على أحياء الموتى أو تشبيهه بخلقه(4/442)
" صفحة رقم 443 "
بوصفه بالعجز عما عجزوا عنه ) ونسي خلقه ( خلقنا إياه ) قال من يحيي العظام وهي رميم ( منكرا إياه مستبعدا له والرميم ما بلي من العظام ولعله فعيل بمعنى فاعل من رم الشيء صار اسما بالغلبة ولذلك لم يؤنث أو بمعنى مفعول من رممته وفيه دليل على أن العظم ذو حياة فيؤثر فيه الموت كسائر الاعضاء
يس : ( 79 ) قل يحييها الذي . . . . .
) قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ( فإن قدرته كما كانت لامتناع التغير فيه والمادة على حالها في القابلية اللازمة لذاتها ) وهو بكل خلق عليم ( يعلم تفاصل المخلوقات بعلمه وكيفية خلقها فيعلم أجزاء الاشخاص المتفتتة المتبددة اصولها وفصولها ومواقعها وطريق تمييزها وضم بعضها إلى بعض على النمط السابق واعادة الاعراض والقوى التي كانت فيها أو احداث مثلها
يس : ( 80 ) الذي جعل لكم . . . . .
) الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ( كالمرخ والعفار ) نارا ( بأن يسحق المرخ على العقال وهما خضراوان يقطر منهما الماء فتنقدح النار ) فإذا أنتم منه توقدون ( لا تشكون فإنها نار تخرج منه ومن قدر على احداث النار من الشجر الاخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها بكيفيتها كان اقدر على اعادة الغضاضة فيما كان غضا فيبس وبلي وقرئ من / الشجر الخضراء / على المعنى كقوله ) فمالئون منها البطون )
يس : ( 81 ) أو ليس الذي . . . . .
) أو ليس الذي خلق السماوات والأرض ( مع كبر جرمهما وعظم شأنهما ) بقادر على أن يخلق مثلهم ( في الصغر والحقارة بالاضافة الهيما أو مثلهم في اصول الذات وصفاتها وهو المعاد وعن يعقوب ) يقدر ( ) بلى ( جواب من الله تعالى لتقرير ما بعد النفي مشعر بأنه لا جواب سواه ) وهو الخلاق العليم ( كثير المخلوقات والمعلومات
يس : ( 82 ) إنما أمره إذا . . . . .
) إنما أمره ( إنما شأنه ) إذا أراد شيئا أن يقول له كن ( أي تكون ) فيكون ( فهو يكون أي يحدث وهوتمثيل لتأثير قدرته في مراده بأمر المطاع للمطيع في حصول المأمور من غير امتناع وتوقف وافتقار إلى مزاولة عمل واستعمال آلة قطعا لمادة الشبهة وهو قياس قدرة الله تعالى على قدرة الخلق ونصبه ابن عامر والكسائي عطفا على يقول
يس : ( 83 ) فسبحان الذي بيده . . . . .
) فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء ( تنزيه عما ضربوا له وتعجيب عما قالوا فيه معللا بكونه مالكا للأمر كله قادرا على كل شيء ) وإليه ترجعون ( وعد ووعيد للمقرين(4/443)
" صفحة رقم 444 "
والمنكرين وقرأ يعقوب بفتح التاء وعن ابن عباس رضي الله عنه كنت لا أعلم ما روي في فضل يس كيف خصت به فإذا انه بهذه الآية وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) أن لكل شيء قلبا وقلب القرآن يس وايما مسلم قرأها يريد بها وجه الله غفر الله له واعطي من الاجر كأنما قرأ القرآن اثنتين وعشرين مرة وايما مسلم قرئ عنده إذا نزل به ملك الموت سورة يس نزل بكل حرف منها عشرة املاك يقومون بين يديه صفوفا يصلون عليه ويستغفرون له ويشهدون غسله ويشيعو ن جنازته ويصلون عليه ويشهدون دفنه وايما مسلم قرأ يس وهو في سكرات الموت لم يقبض ملك الموت روحه حتى يجيئه رضوان بشربة من الجنة فيشربها وهو على فراشه فيقبض روحه وهو ريان ويمكن في قبره وهو ريان ولا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء حتى يدخل الجنة وهو ريان(4/444)
" صفحة رقم 3 "
سورة الصافات
مكية وآيها مائة واثنتان وثمانون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الصافات : ( 1 - 3 ) والصافات صفا
) والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا ( أقسم بالملائكة الصافين في مقام العبودية على مراتب باعتبارها تفيض عليهم الأنوار الإلهية منتظرين لأمر الله الزاجرين الأجرام العلوية والسفلية بالتدبير المأمور به فيها أو الناس عن المعاصي بإلهام الخير أو الشياطين عن التعرض لهم التالين آيات الله وجلايا قدسه على أنبيائه وأوليائه أو بطوائف الأجرام المرتبة كالصفوف المرصوصة والأرواح المدبرة لها والجواهر القدسية المستغرقة في بحار القدس ) يسبحون الليل والنهار لا يفترون ( أو بنفوس العلماء الصافين في العبادات الزاجرين عن الكفر والفسوق بالحجج والنصائح التالين آيات الله وشرائعه أو نفوس الغزاة الصافين في الجهاد الزاجرين الخيل أو العدو التالين ذكر الله لا يشغلهم عنه مباراة العدو والعطف لاختلاف الذوات أو الصفات والفاء لترتيب الوجود كقوله " يا لهف زيابة للحارث الص ابح فالغانم فالآيب " فإن الصف كمال والزجر تكميل بالمنع عن الشر أو الإشاقة إلى قبول الخير والتلاوة إفاضته أو الرتبة كقوله عليه الصلاة والسلام رحم الله المحلقين فالمقصرين غير أنه(5/3)
" صفحة رقم 4 "
لفضل المتقدم على المتأخر وهذا للعكس وأدغم أبو عمرو وحمزة التاءات فيما يليها لتقاربها فإنها من طرف اللسان وأصول الثنايا
الصافات : ( 4 - 5 ) إن إلهكم لواحد
) إن إلهكم لواحد ( جواب للقسم والفائدة فيه تعظيم المقسم به وتأكيد المقسم عليه على ما هو المألوف في كلامهم وأما تحقيقه فبقوله تعالى ) رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق ( فإن وجودها وانتظامها على الوجه الأكمل مع إمكان غيره دليل على وجود الصانع الحكيم ووحدته على ما مر غير مرة ) ورب ( بدل من واحد أو خبر ثان أو خبر محذوف وما بينهما يتناول أفعال العباد فيدل على أنها من خلقه و ) المشارق ( مشارق الكواكب أو مشارق الشمس في السنة وهي ثلاثمائة وستون مشرقا تشرق كل يوم في واحد وبحسبها تختلف المغارب ولذلك اكتفى بذكرها مع أن الشروق أدل على القدرة وأبلغ في النعمة وما قيل إنها مائة وثمانون إنما يصح لو لم تختلف أوقات الانتقال
الصافات : ( 6 ) إنا زينا السماء . . . . .
) إنا زينا السماء الدنيا ( القربى منكم ) بزينة الكواكب ( بزينة هي ) الكواكب ( والإضافة للبيان ويعضده قراءة حمزة ويعقوب وحفص بتنوين زينة وجر ) الكواكب ((5/4)
" صفحة رقم 5 "
على إبدالها منه أو بزينة هي لها كأضوائها وأوضاعها أو بأن زينا ) الكواكب ( فيها على إضافة المصدر إلى المفعول فإنها كما جاءت اسما كالليقة جاءت مصدرا كالنسبة ويؤيده قراءة أبي بكر بالتنوين والنصب على الأصل أو بأن زينتها ) الكواكب ( على إضافته إلى الفاعل وركوز الثوابت في الكرة الثامنة وما عدا القمر من السيارات في الست المتوسطة بينها وبين السماء الدنيا إن تحقق لم يقدح في ذلك فإن أهل الأرض يرونها بأسرها كجواهر مشرقة متلألئة على سطحها الأزرق بأشكال مختلفة
الصافات : ( 7 ) وحفظا من كل . . . . .
) وحفظا ( منصوب بإضمار فعله أو العطف على زينة باعتبار المعنى كأنه قال إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء الدنيا وحفظا ) من كل شيطان مارد ( خارج من الطاعة برمي الشهب
الصافات : ( 8 ) لا يسمعون إلى . . . . .
) لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ( كلام مبتدأ لبيان حالهم بعدما حفظ السماء عنهم ولا يجوز جعله صفة لكل شيطان فإنه يقتضي أن يكون الحفظ من شياطين لا يسمعون ولا علة للحفظ على حذف اللام كما في جئتك أن تكرمني ثم حذف أن واهدارها كقوله " ألا أيهذا الزاجري احضر الوغى " فإن اجتماع ذلك منكر والضمير ل ) كل ( باعتبار المعنى وتعدية السماع بإلى لتضمنه معنى الإصغاء مبالغة لنفيه وتهويلا لما يمنعهم عنه ويدل عليه قراءة حمزة والكسائي وحفص بالتشديد من التسمع وهو طلب السماع و ) الملإ الأعلى ( الملائكة وأشرافهم ) ويقذفون ( ويرمون ) من كل جانب ( من جوانب السماء إذا قصدوا صعوده(5/5)
" صفحة رقم 6 "
الصافات : ( 9 ) دحورا ولهم عذاب . . . . .
) دحورا ( علة أي للدحور وهو الطرد أو مصدر لأنه والقذف متقاربان أو حال بمعنى مدحورين أو منزوع عنه الباء جمع دحر وهو ما يطرد به ويقويه القراءة بالفتح وهو يحتمل أيضا أن يكون مصدرا كالقبول أو صفة له أي قذفا دحورا ) ولهم عذاب ( أي عذاب آخر ) واصب ( دائم أو شديد وهو عذاب الآخرة
الصافات : ( 10 ) إلا من خطف . . . . .
) إلا من خطف الخطفة ( استثناء من واو ) يسمعون ( ومن بدل منه والخطف الاختلاس والمراد اختلاس كلام الملائكة مسارقة ولذلك عرف الخطفة وقرئ خطف بالتشديد مفتوح الخاء ومكسورها وأصلهما اختطف ) فأتبعه شهاب ( أتبع بمعنى تبع والشهاب ما يرى كأن كوكبا انقض وما قيل إنه بخار يصعد إلى الأثير فيشتعل فتخمين إن صح لم يناف ذلك إذ ليس فيه ما يدل على أنه ينقض من الفلك ولا في قوله ) ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين ( فإن كل نير يحصل في الجو العالي فهو مصباح لأهل الأرض وزينة للسماء من حيث إنه يرى كأنه على سطحه ولا يبعد أن يصير الحادث كما ذكر في بعض الأوقات رجما لشياطين تتصعد إلى قرب الفلك للتسمع وما روي أن ذلك حدث بميلاد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إن صح فلعل المراد كثرة وقوعه أو مصيره ) دحورا ( واختلف في أن المرجوم يتأذى به فيرجع أو يحترق به لكن قد يصيب الصاعد مرة وقد لا يصيب كالموج لراكب السفينة ولذلك لا يرتدعون عنه رأسا ولا يقال إن الشيطان من النار فلا يحترق لأنه ليس من النار الصرف كما ان الإنسان ليس من التراب(5/6)
" صفحة رقم 7 "
الخالص مع أن النار القوية إذا استولت على الضعيفة استهلكتها ) ثاقب ( مضيء كأنه يثقب الجو بضوئه
الصافات : ( 11 ) فاستفتهم أهم أشد . . . . .
) فاستفتهم ( فاستخبرهم والضمير لمشركي مكة أو لبني آدم ) أهم أشد خلقا أم من خلقنا ( يعني ما ذكر من الملائكة والسماء والأرض وما بينهما والمشارق والكواكب والشهب الثواقب و ) من ( لتغليب العقلاء ويدل عليه إطلاقه ومجيئه بعد ذلك وقراءة من قرأ أم من عددنا وقوله ) إنا خلقناهم من طين لازب ( فإنه الفارق بينهم وبينها لا بينهم وبين من قبلهم كعاد وثمود وإن المراد إثبات المعاد ورد استحالته والأمر فيه بالإضافة إليهم وإلى من قبلهم سواء وتقريره أن استحالة ذلك إما لعدم قابلية المادة ومادتهم الأصلية هي الطين اللازب الحاصل من ضم الجزء المائي إلى الجزء الأرضي وهما باقيان قابلان للانضمام بعد وقد علموا أن الإنسان الأول إنما تولد منه إما لاعترافهم بحدوث العالم أو بقصة آدم وشاهدوا تولد كثير من الحيوانات منه بلا توسط مواقعة فلزمهم أن يجوزوا إعادتهم كذلك وإما لعدم قدرة الفاعل ومن قدر على خلق هذه الأشياء قدر على ما لا يعتد به بالإضافة إليها سيما ومن ذلك بدؤهم أولا وقدرته ذاتية لا تتغير
الصافات : ( 12 ) بل عجبت ويسخرون
) بل عجبت ( من قدرة الله تعالى وإنكارهم للبعث ) ويسخرون ( من تعجبك وتقريرك للبعث وقرأ حمزة والكسائي بضم التاء أي بلغ كمال قدرتي وكثرة خلائقي أن تعجبت منها وهؤلاء لجهلهم يسخرون منها أو عجبت من أن ينكر البعث ممن هذه أفعاله وهم يسخرون ممن يجوزه والعجب من الله تعالى إما على الفرض والتخييل أو على معنى الاستعظام اللازم له فإنه روعة تعتري الإنسان عند استعظامه الشيء وقيل إنه مقدر بالقول أي قال يا محمد بل عجبت(5/7)
" صفحة رقم 8 "
الصافات : ( 13 ) وإذا ذكروا لا . . . . .
) وإذا ذكروا لا يذكرون ( وإذا وعظوا بشيء لا يتعظون به أو إذا ذكر لهم ما يدل على صحة الحشر لا ينتفعون به لبلادتهم وقلة فكرهم
الصافات : ( 14 ) وإذا رأوا آية . . . . .
) وإذا رأوا آية ( معجزة تدل على صدق القائل به ) يستسخرون ( يبالغون في السخرية ويقولون إنه سحر أو يستدعي بعضهم من بعض أن يسخر منها
الصافات : ( 15 ) وقالوا إن هذا . . . . .
) وقالوا إن هذا ( يعنون ما يرونه ) إلا سحر مبين ( ظاهر سحريته
الصافات : ( 16 ) أئذا متنا وكنا . . . . .
) أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ( أصله أنبعث إذا متنا فبدلوا الفعلية بالاسمية وقدموا الظرف وكرروا الهمزة مبالغة في الإنكار وإشعارا بأن البعث مستنكر في نفسه وفي هذه الحالة أشد استنكارا فهو أبلغ من قراءة ابن عامر بطرح الهمزة الأولى وقراءة نافع والكسائي ويعقوب بطرح الثانية
الصافات : ( 17 ) أو آباؤنا الأولون
) أو آباؤنا الأولون ( عطف على محل ) إن ( واسمها أو على الضمير في مبعوثون فإنه مفصول منه بهمزة الاستفهام لزيادة الاستبعاد لبعد زمانهم وسكن نافع برواية قالون بن عامر والواو على معنى الترديد
الصافات : ( 18 ) قل نعم وأنتم . . . . .
) قل نعم وأنتم داخرون ( صاغرون وإنما اكتفى به في الجواب لسبق ما يدل على جوازه وقيام المعجز على صدق المخبر عن وقوعه وقرئ قال أي الله أو الرسول وقرأ الكسائي وحده نعم بالكسر وهو لغة فيه
الصافات : ( 19 ) فإنما هي زجرة . . . . .
) فإنما هي زجرة واحدة ( جواب شرط مقدر أي إذا كان ذلك فإنما البعثة ) زجرة ( أي صيحة واحدة وهي النفخة الثانية من زجر الراعي غنمه إذا صاح عليها وأمرها في الإعادة كأمر ) كن ( في الإبداء ولذلك رتب عليها ) فإذا هم ينظرون ( فإذا هم قيام من مراقدهم أحياء يبصرون أو ينتظرون ما يفعل بهم(5/8)
" صفحة رقم 9 "
الصافات : ( 20 ) وقالوا يا ويلنا . . . . .
) وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين ( اليوم الذي تجازى بأعمالنا وقد تم به كلامهم
الصافات : ( 21 ) هذا يوم الفصل . . . . .
وقوله ) هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون ( جواب الملائكة وقيل هو أيضا من كلام بعضهم لبعض والفصل القضاء أو الفرق بين المحسن والمسيء
الصافات : ( 22 - 23 ) احشروا الذين ظلموا . . . . .
) احشروا الذين ظلموا ( أمر الله للملائكة أو أمر بعضهم لبعض بحشر الظلمة من مقامهم إلى الموقف وقيل منه إلى الجحيم ) وأزواجهم ( وأشباههم عابد الصنم مع عبدة الصنم وعابد الكوكب مع عبدته كقوله تعالى ) وكنتم أزواجا ثلاثة ( أو نساءهم اللاتي على دينهم أو قرناءهم من الشياطين ) وما كانوا يعبدون من دون الله ( من الأصنام وغيرها زيادة في تحسيرهم وتخجيلهم وهو عام مخصوص بقوله تعالى ) إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ( الآية وفيه دليل على أن ) الذين ظلموا ( هم المشركون ) فاهدوهم إلى صراط الجحيم ( فعرفوهم طريقا ليسلكوها
الصافات : ( 24 ) وقفوهم إنهم مسؤولون
) وقفوهم ( احبسوه في الموقف ) إنهم مسؤولون ( عن عقائدهم وأعمالهم والواو لا توجب الترتيب مع جواز أن يكون موقفهم متعددا
الصافات : ( 25 ) ما لكم لا . . . . .
) ما لكم لا تناصرون ( لا ينصر بعضكم بعضا بالتخليص وهو توبيخ وتقريع(5/9)
" صفحة رقم 10 "
الصافات : ( 26 ) بل هم اليوم . . . . .
) بل هم اليوم مستسلمون ( منقادون لعجزهم وانسداد الحيل عليهم وأصل الاستسلام طلب السلامة أو متسالمون كأنه يسلم بعضهم بعضا ويخذله
الصافات : ( 27 ) وأقبل بعضهم على . . . . .
) وأقبل بعضهم على بعض ( يعني الرؤوساء والأتباع أو الكفرة والقرناء ) يتساءلون ( يسأل بعضهم بعضا للتوبيخ ولذلك فسر ب يتخاصمون
الصافات : ( 28 ) قالوا إنكم كنتم . . . . .
) قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين ( عن أقوى الوجوه وأيمنها أو عن الدين أو عن الخير كأنكم تنفعوننا نفع السانح فتبعناكم وهلكنا مستعار من يمين الإنسان الذي هو أقوى الجانبين وأشرفهما وأنفعهما ولذلك سمي يمينا وتيمن بالسانح أو عن القوة والقهر فتقسروننا على الضلال أو على الحلف فإنهم كانوا يحلفون لهم إنهم على الحق
الصافات : ( 29 ) قالوا بل لم . . . . .
) قالوا بل لم تكونوا مؤمنين )
الصافات : ( 30 ) وما كان لنا . . . . .
) وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين ( أجابهم الرؤساء أولا بمنع إضلالهم بأنهم كانوا ضالين في أنفسهم وثانيا بأنهم ما أجبروهم على الكفر إذ لم يكن لهم عليهم تسلط وإنما جنحوا إليه لأنهم كانوا قوما مختارين الطغيان
الصافات : ( 31 ) فحق علينا قول . . . . .
) فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون )
الصافات : ( 32 ) فأغويناكم إنا كنا . . . . .
) فأغويناكم إنا كنا غاوين ( ثم بينوا أن ضلال الفريقين ووقوعهم في العذاب كان أمرا مقضيا لا محيص لهم عنه وإن غاية ما فعلوا بهم أنهم دعوهم إلى الغي لأنهم كانوا على الغي فأحبوا أن يكونوا مثلهم وفيه إيماء بأن غوايتهم في الحقيقة ليست من قبلهم إذ لو كان كل غواية لإغواء غاو فمن أغواهم
الصافات : ( 33 ) فإنهم يومئذ في . . . . .
) فإنهم ( فإن الأتباع والمتبوعين ) يومئذ في العذاب مشتركون ( كما كانوا مشتركين في الغواية
الصافات : ( 34 - 35 ) إنا كذلك نفعل . . . . .
) إنا كذلك ( مثل ذلك الفعل ) نفعل بالمجرمين ( بالمشركين لقوله تعالى ) إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ( أي عن كلمة التوحيد أو على من يدعوهم إليه
الصافات : ( 36 ) ويقولون أئنا لتاركوا . . . . .
) ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون ( يعنون محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) (5/10)
" صفحة رقم 11 "
الصافات : ( 37 ) بل جاء بالحق . . . . .
) بل جاء بالحق وصدق المرسلين ( رد عليهم بأن ما جاء به من التوحيد حق قام به البرهان وتطابق عليه المرسلون
الصافات : ( 38 ) إنكم لذائقوا العذاب . . . . .
) إنكم لذائقوا العذاب الأليم ( بالإشراك وتكذيب الرسل وقرئ بنصب العذاب على تقرير النون كقوله ) ولا يذكرون الله إلا قليلا ( وهو ضعيف في غير المحلى باللام وعلى الأصل
الصافات : ( 39 ) وما تجزون إلا . . . . .
) وما تجزون إلا ما كنتم تعملون ( إلا مثل ما عملتم
الصافات : ( 40 ) إلا عباد الله . . . . .
) إلا عباد الله المخلصين ( استثناء منقطع إلا أن يكون الضمير في ) تجزون ( لجميع المكلفين فيكون استثناؤهم عنه باعتبار المماثلة فإن ثوابهم مضاعف والمنقطع أيضا بهذا الاعتبار
الصافات : ( 41 - 42 ) أولئك لهم رزق . . . . .
) أولئك لهم رزق معلوم ( خصائصه من الدوام أو تمحض اللذة ولذلك فسره بقوله ) فواكه ( فإن الفاكهة ما يقصد للتلذذ دون التغذي والقوت بالعكس وأهل الجنة لما أعيدوا على خلقة محكمة محفوظة عن التحلل كانت أرزاقهم فواكه خالصة ) وهم مكرمون ( في نيله يصل إليهم من غير تعب وسؤال كما عليه رزق الدنيا
الصافات : ( 43 - 44 ) في جنات النعيم
) في جنات النعيم ( في جنات ليس فيها إلا النعيم وهو ظرف أو حال من المستكن في ) مكرمون ( أو خبر ثان لأولئك وكذلك(5/11)
" صفحة رقم 12 "
) على سرر ( يحتمل الحال أو الخبر فيكون ) متقابلين ( حالا من المستكن فيه أو في ) مكرمون ( وأن يتعلق ب ) متقابلين ( فيكون حالا من ضمير ) مكرمون )
الصافات : ( 45 - 46 ) يطاف عليهم بكأس . . . . .
) يطاف عليهم بكأس ( بإناء فيه خمر أو خمر كقوله " وكأس شربت على لذة " ) من معين ( من شراب معين أو نهر معين أي ظاهر للعيون أو خارج من العيون وهو صفة للماء من عان الماء إذا نبع وصف به خمر الجنة لأنها تجري كالماء أو للإشعار بأن ما يكون لهم بمنزلة الشراب جامع لما يطلب من أنواع الأشربة لكمال اللذة وكذلك قوله ) بيضاء لذة للشاربين ( وهما أيضا صفتان لكأس ووصفها ب ) لذة ( إما للمبالغة أو لأنها تأنيث لذ بمعنى لذيذ كطب ووزنه فعل قال ولذ كطعم الصرخدي تركته بأرض العدا من خشية الحدثان
الصافات : ( 47 ) لا فيها غول . . . . .
) لا فيها غول ( غائلة كما في خمر الدنيا كالخمار من غاله يغوله إذا أفسده ومنه الغول ) ولا هم عنها ينزفون ( يسكرون من نزف الشارب فهو نزيف ومنزوف إذا ذهب عقله أفرده بالنفي وعطفه على ما يعمه لأنه من عظم فساده كأنه جنس برأسه وقرأ حمزة والكسائي بكسر الزاي وتابعهما عاصم في الواقعة من أنزف الشارب إذا نفد عقله أو شرابه وأصله للنفاد يقال نزف المطعون إذا خرج دمه كله ونزحت الركية حتى نزفتها
الصافات : ( 48 ) وعندهم قاصرات الطرف . . . . .
) وعندهم قاصرات الطرف ( قصرن أبصارهن على أزواجهن ) عين ( نجل العيون جمع عيناء
الصافات : ( 49 ) كأنهن بيض مكنون
) كأنهن بيض مكنون ( شبههن ببيض النعام المصون عن الغبار ونحوه في الصفاء والبياض المخلوط بأدنى صفرة فإنه أحسن ألوان الأبدان(5/12)
" صفحة رقم 13 "
الصافات : ( 50 ) فأقبل بعضهم على . . . . .
) فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ( معطوف على ) يطاف عليهم ( أي يشربون فيتحادثون على الشراب قال " وما بقيت من اللذات إلا أحاديث الكرام على المدام " والتعبير عنه بالماضي للتأكيد فيه فإنه ألذ تلك اللذات إلى العقل وتساؤلهم عن المعارف والفضائل وما جرى لهم وعليهم في الدنيا
الصافات : ( 51 ) قال قائل منهم . . . . .
) قال قائل منهم ( في مكالمتهم ) إني كان لي قرين ( جليس في الدنيا
الصافات : ( 52 ) يقول أئنك لمن . . . . .
) يقول أئنك لمن المصدقين ( يوبخني على التصديق بالبعث وقرئ بتشديد الصاد من التصديق
الصافات : ( 53 ) أئذا متنا وكنا . . . . .
) أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون ( لمجزيون من الدين بمعنى الجزاء
الصافات : ( 54 ) قال هل أنتم . . . . .
) قال ( أي ذلك القائل ) هل أنتم مطلعون ( إلى أهل النار لأريكم ذلك القرين وقيل القائل هو الله سبحانه وتعالى أو بعض الملائكة يقول لهم هل تحبون أن تطلعوا على أهل النار لأريكم ذلك القرين فتعلموا أين منزلتكم من منزلتهم وعن أبي عمرو مطلعون فاطلع بالتخفيف وكسر النون وضم الألف على أنه جعل اطلاعهم سبب اطلاعه من حيث إن أدب المجالسة يمنع الاستبداد به أو خاطب الملائكة على وضع المتصل موضع المنفصل كقوله هم الآمرون الخير والفاعلونه أو شبه اسم الفاعل بالمضارع
الصافات : ( 55 ) فاطلع فرآه في . . . . .
) فاطلع ( عليهم ) فرآه ( أي قرينه ) في سواء الجحيم ( وسطه
الصافات : ( 56 ) قال تالله إن . . . . .
) قال تالله إن كدت لتردين ( لتهلكني بالإغواء وقرئ لتغوين و ) إن ( هي المخففة واللام هي الفارقة
الصافات : ( 57 ) ولولا نعمة ربي . . . . .
) ولولا نعمة ربي ( بالهداية والعصمة ) لكنت من المحضرين ( معك فيها
الصافات : ( 58 ) أفما نحن بميتين
) أفما نحن بميتين ( عطف على محذوف أي أنحن مخلدون منعمون فما نحن بميتين أي بمن شأنه الموت وقرئ بمائتين(5/13)
" صفحة رقم 14 "
الصافات : ( 59 ) إلا موتتنا الأولى . . . . .
) إلا موتتنا الأولى ( التي كانت في الدنيا وهي متناولة لما في القبر بعد الإحياء للسؤال ونصبها على المصدر من اسم الفاعل وقيل على الاستثناء المنقطع ) وما نحن بمعذبين ( كالكفار وذلك تمام كلامه لقرينه تقريعا له أو معاودة إلى مكالمة جلسائه تحدثا بنعمة الله أو تبجحا بها وتعجبا منها وتعريضا للقرين بالتوبيخ
الصافات : ( 60 ) إن هذا لهو . . . . .
) إن هذا لهو الفوز العظيم ( يحتمل أن يكون من كلامهم وأن يكون كلام الله سبحانه وتعالى لتقرير قوله والإشارة إلى ما هم عليه من النعمة والخلود والأمن من العذاب
الصافات : ( 61 ) لمثل هذا فليعمل . . . . .
) لمثل هذا فليعمل العاملون ( أي لنيل مثل هذا يجب أن يعمل العاملون لا للحظوظ الدنيوية المشوبة بالآلام السريعة الانصرام وهو أيضا يحتمل الأمرين
الصافات : ( 62 ) أذلك خير نزلا . . . . .
) أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم ( شجرة ثمرها نزل أهل النار وانتصاب ) نزلا ( على التمييز أو الحال وفي ذكره دلالة على أن ما ذكر من النعيم لأهل الجنة بمنزلة ما يقال للنازل ولهم وراء ذلك ما تقصر عنه الأفهام وكذلك الزقوم لأهل النار وهو اسم شجرة صغيرة الورق ذفر مرة تكون بتهامة سميت به الشجرة الموصوفة
الصافات : ( 63 ) إنا جعلناها فتنة . . . . .
) إنا جعلناها فتنة للظالمين ( محنة وعذابا لهم في الآخرة أو ابتلاء في الدنيا فإنهم لما سمعوا أنها في النار قالوا كيف ذلك والنار تحرق الشجر ولم يعلموا أن من قدر على خلق حيوان يعيش في النار ويلتذ بها فهو أقدر على خلق الشجرة في النار وحفظه من الإحراق(5/14)
" صفحة رقم 15 "
الصافات : ( 64 ) إنها شجرة تخرج . . . . .
) إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ( منبتها في قعر جهنم وأغصانها ترتفع إلى دركاتها
الصافات : ( 65 ) طلعها كأنه رؤوس . . . . .
) طلعها ( حملها مستعار من طلع التمر لمشاركته إياه في الشكل أو الطلوع من الشجر ) كأنه رؤوس الشياطين ( في تناهي القبح والهول وهو تشبيه بالمتخيل كتشبيه الفائق الحسن بالملك وقيل ) الشياطين ( حيات هائلة قبيحة المنظر لها أعراف ولعلها سميت بها لذلك
الصافات : ( 66 ) فإنهم لآكلون منها . . . . .
) فإنهم لآكلون منها ( من الشجرة أو من طلعها ) فمالئون منها البطون ( لغلبة الجوع أو الجبر على أكلها
الصافات : ( 67 ) ثم إن لهم . . . . .
) ثم إن لهم عليها ( أي بعد ما شبعوا منها وغلبهم العطش وطال استسقاؤهم ويجوز أن يكون ثم لما في شرابهم من مزيد الكراهة والبشاعة ) لشوبا من حميم ( لشرابا من غساق أو صديد مشوبا بماء حميم يقطع أمعاءهم وقرئ بالضم وهو اسم ما يشاب به والأول مصدر سمي به
الصافات : ( 68 ) ثم إن مرجعهم . . . . .
) ثم إن مرجعهم ( مصيرهم ) لإلى الجحيم ( إلى دركاتها أو إلى نفسها فإن الزقوم والحميم نزل يقدم إليهم قبل دخولهم وقيل الحميم خارج عنها لقوله تعالى ) هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن ( يوردون إليه كما تورد الإبل إلى الماء ثم يردون إلى الجحيم ويؤيده أنه قرئ ثم إن منقلبهم
الصافات : ( 69 - 70 ) إنهم ألفوا آباءهم . . . . .
) إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون ( تعليل لاستحقاقهم تلك الشدائد بتقليد الآباء في الضلال والإهراع الإسراع الشديد كأنهم يزعجون على الإسراع على ) آثارهم ( وفيه إشعار بأنهم بادروا إلى ذلك من غير توقف على نظر وبحث
الصافات : ( 71 ) ولقد ضل قبلهم . . . . .
) ولقد ضل قبلهم ( قبل قومك ) أكثر الأولين )
الصافات : ( 72 ) ولقد أرسلنا فيهم . . . . .
) ولقد أرسلنا فيهم منذرين ( أنبياء أنذروهم من العواقب
الصافات : ( 73 ) فانظر كيف كان . . . . .
) فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ( من الشدة والفظاعة(5/15)
" صفحة رقم 16 "
الصافات : ( 74 ) إلا عباد الله . . . . .
) إلا عباد الله المخلصين ( إلا الذين تنبهوا بإنذارهم فأخلصوا دينهم لله وقرئ بالفتح أي الذين أخلصهم الله لدينه والخطاب مع الرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمقصود خطاب قومه فإنهم أيضا سمعوا أخبارهم ورأوا آثارهم
الصافات : ( 75 ) ولقد نادانا نوح . . . . .
) ولقد نادانا نوح ( شروع في تفصيل القصص بعد إجمالها أي ولقد دعانا حين أيس من قومه ) فلنعم المجيبون ( أي فأجبناه أحسن الإجابة فوالله لنعم المجيبون نحن فحذف منها ما حذف لقيام ما يدل عليه
الصافات : ( 76 ) ونجيناه وأهله من . . . . .
) ونجيناه وأهله من الكرب العظيم ( من الغرق أو أذى قومه
الصافات : ( 77 ) وجعلنا ذريته هم . . . . .
) وجعلنا ذريته هم الباقين ( إذ هلك من عداهم وبقوا متناسلين إلى يوم القيامة إذ روي أنه مات كل من كان معه في السفينة غير بنيه وأزواجهم
الصافات : ( 78 ) وتركنا عليه في . . . . .
) وتركنا عليه في الآخرين ( من الأمم
الصافات : ( 79 ) سلام على نوح . . . . .
) سلام على نوح ( هذا الكلام جيء به على الحكاية والمعنى يسلمون عليه تسليما وقيل هو سلام من الله عليه ومفعول ) تركنا ( محذوف مثل الثناء ) في العالمين ( متعلق بالجار والمجرور ومعناه الدعاء بثبوت هذه التحية في الملائكة والثقلين جميعا
الصافات : ( 80 ) إنا كذلك نجزي . . . . .
) إنا كذلك نجزي المحسنين ( تعليل لما فعل بنوح من التكرمة بأنه مجازاة له على إحسانه
الصافات : ( 81 ) إنه من عبادنا . . . . .
) إنه من عبادنا المؤمنين ( تعليل لإحسانه بالإيمان إظهارا لجلالة قدره وأصالة أمره(5/16)
" صفحة رقم 17 "
الصافات : ( 82 ) ثم أغرقنا الآخرين
) ثم أغرقنا الآخرين ( يعني كفار قومه
الصافات : ( 83 ) وإن من شيعته . . . . .
) وإن من شيعته ( ممن شايعه في الإيمان وأصول الشريعة ) لإبراهيم ( ولا يبعد اتفاق شرعهما في الفروع أو غالبا وكان بينهما ألفان وستمائة وأربعون سنة وكان بينهما نبيان هود وصالح عليهما الصلاة والسلام
الصافات : ( 84 ) إذ جاء ربه . . . . .
) إذ جاء ربه ( متعلق بما في الشيعة من معنى المشايعة أو بمحذوف هو اذكر ) بقلب سليم ( من آفات القلوب أو من العلائق خالص لله أو مخلص له وقيل حزين من السليم بمعنى اللديغ ومعنى المجيء به ربه إخلاصه له كأنه جاء به متحفا إياه
الصافات : ( 85 ) إذ قال لأبيه . . . . .
) إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون ( بدل من الأولى أو ظرف ل ) جاء ( أو ) سليم )
الصافات : ( 86 ) أئفكا آلهة دون . . . . .
) أئفكا آلهة دون الله تريدون ( أي تريدون آلهة دون الله إفكا مقدم المفعول للعناية ثم المفعول له لأن الأهم أن يقرر أنهم على الباطل ومبنى أمرهم على الافك ويجوز أن يكون ) إفكا ( مفعولا به و ) آلهة ( بدل منه على أنها إفك في نفسها للمبالغة أو المراد بها عبادتها بحذف المضاف أو حالا بمعنى إفكين
الصافات : ( 87 ) فما ظنكم برب . . . . .
) فما ظنكم برب العالمين ( بمن هو حقيق بالعبادة لكونه ربا للعالمين حتى تركتم عبادته أو أشركتم به غيره أو أمنتم من عذابه والمعنى إنكار ما يوجب ظنا فضلا عن قطع يصد عن عبادته أو يجوز الإشراك به أو يقتضي الأمن من عقابه على طريقة الإلزام وهو كالحجة على ما قبله
الصافات : ( 88 ) فنظر نظرة في . . . . .
) فنظر نظرة في النجوم ( فرأى مواقعها واتصالاتها أو في علمها أو في كتابها ولا منع منه مع أن قصده إيهامهم وذلك حين سألوه أن يعبد معهم
الصافات : ( 89 ) فقال إني سقيم
) فقال إني سقيم ( أراهم أنه استدل بها لأنهم كانوا منجمين على أنه مشارف للسقم(5/17)
" صفحة رقم 18 "
لئلا يخرجوه إلى معبدهم فإنه كان أغلب أسقامهم الطاعون وكانوا يخافون العدوى أو أراد إني سقيم القلب لكفركم أو خارج المزاج عن الاعتدال خروجا قل من يخلو منه أو بصدد الموت ومنه المثل كفى بالسلامة داء وقول لبيد " فدعوت ربي بالسلامة جاهدا ليصحني فإذا السلامة داء "
الصافات : ( 90 ) فتولوا عنه مدبرين
) فتولوا عنه مدبرين ( هاربين مخافة العدوى
الصافات : ( 91 ) فراغ إلى آلهتهم . . . . .
) فراغ إلى آلهتهم ( فذهب إليها في خفية من روغة الثعلب وأصله الميل بحيلة ) فقال ( أي للأصنام استهزاء ) ألا تأكلون ( يعني الطعام الذي كان عندهم
الصافات : ( 92 ) ما لكم لا . . . . .
) ما لكم لا تنطقون ( بجوابي
الصافات : ( 93 ) فراغ عليهم ضربا . . . . .
) فراغ عليهم ( فمال عليهم مستخفيا والتعدية بعلى للاستعلاء وإن الميل لمكروه ) ضربا باليمين ( مصدر لراغ عليهم لأنه في معنى ضربهم أو لمضمر تقديره فراغ عليهم يضربهم وتقييده باليمين للدلالة على قوته فإن قوة الآلة تستدعي قوة الفعل وقيل ) باليمين ( بسبب الحلف وهو قوله ) وتالله لأكيدن أصنامكم )
الصافات : ( 94 ) فأقبلوا إليه يزفون
) فأقبلوا إليه ( إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام بعدما رجعوا فرأوا أصنامهم مكسرة وبحثوا عن كاسرها فظنوا أنه هو كما شرحه في قوله ) من فعل هذا بآلهتنا ( الآية ) يزفون ( يسرعون من زفيف النعام وقرأ حمزة على بناء المفعول من أزفة أي يحملون على الزفيف وقرئ ) يزفون ( أي يزف بعضهم بعضا ويزفون من(5/18)
" صفحة رقم 19 "
وزف يزف إذا أسرع ويزفون من زفاه إذا حداه كأن بعضهم يزفو بعضا لتسارعهم إليه
الصافات : ( 95 ) قال أتعبدون ما . . . . .
) قال أتعبدون ما تنحتون ( ما تنحتونه من الأصنام
الصافات : ( 96 ) والله خلقكم وما . . . . .
) والله خلقكم وما تعملون ( أي وما تعملونه فإن جوهرها بخلقه وشكلها وإن كان بفعلهم ولذلك جعل من أعمالهم فبإقداره إياهم عليه وخلقه ما يتوقف عليه فعلهم من الدواعي والعدد أو عملكم بمعنى معمولكم ليطابق ما تنحتون أو إنه بمعنى الحدث فإن فعلهم إذا كان بخلق الله تعالى فيهم كان مفعولهم المتوقف على فعلهم أولى بذلك وبهذا المعنى تمسك أصحابنا على خلق الأعمال ولهم أن يرجحوه على الأولين لما فيها من حذف أو مجاز
الصافات : ( 97 ) قالوا ابنوا له . . . . .
) قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم ( في النار الشديدة من الجحمة وهي شدة التأجج واللام بدل الإضافة أي جحيم ذلك البنيان
الصافات : ( 98 ) فأرادوا به كيدا . . . . .
) فأرادوا به كيدا ( فإنه لما قهرهم بالحجة قصدوا تعذيبه بذلك لئلا يظهر للعامة عجزهم ) فجعلناهم الأسفلين ( الأذلين بإبطال كيدهم وجعله برهانا نيرا على علو شأنه حيث جعل النار عليه بردا وسلاما
الصافات : ( 99 ) وقال إني ذاهب . . . . .
) وقال إني ذاهب إلى ربي ( إلى حيث أمرني ربي وهو الشام أو حيث أتجرد فيه لعبادته ) سيهدين ( إلى ما فيه صلاح ديني أو إلى مقصدي وإنما بت القول لسبق وعده أو لفرط توكله أو البناء على عادته معه ولم يكن كذلك حال موسى عليه الصلاة والسلام حين ) قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ( فلذلك ذكر بصيغة التوقع(5/19)
" صفحة رقم 20 "
الصافات : ( 100 - 101 ) رب هب لي . . . . .
) رب هب لي من الصالحين ( بعض الصالحين يعينني على الدعوة والطاعة ويؤنسني في الغربة يعني الولد لأن لفظ الهبة غالبة فيه ولقوله ) فبشرناه بغلام حليم ( بشره بالولد وبأنه ذكر يبلغ أوان الحلم فإن الصبي لا يوصف بالحلم ويكون حليما وأي حلم مثل حلمه حين عرض عليه أبوه الذبح وهو مراهق فقال ) ستجدني إن شاء الله من الصابرين ( وقيل ما نعت الله نبيا بالحلم لعزة وجوده غير إبراهيم وابنه عليهما الصلاة والسلام وحالهما المذكورة بعد تشهد عليه
الصافات : ( 102 ) فلما بلغ معه . . . . .
) فلما بلغ معه السعي ( أي فلما جد وبلغ ان يسعى معه في أعماله و ) معه ( متعلق بمحذوف دل عليه ) السعي ( لا به لأن صلة المصدر لا تتقدمه ولا يبلغ فإن بلوغهما لم يكن معا كأنه لما قال ) فلما بلغ معه السعي ( فقيل مع من فقيل ) معه ( وتخصيصه لأن الأب أكمل في الرفق والاستصلاح له فلا يستسعيه قبل أوانه أو لأنه استوهبه لذلك وكان له يومئذ ثلاث عشرة سنة ) قال يا بني ( وقرأ حفص بفتح الياء ) إني أرى في المنام أني أذبحك ( يحتمل أنه رأى ذلك وأنه رأى ما هو تعبيره وقيل إنه رأى ليلة التروية أن قائلا يقول له إن الله يأمرك بذبح ابنك فلما أصبح روى أنه من الله أو من الشيطان فلما أمسى رأى مثل ذلك فعرف أنه من الله ثم رأى مثله في الليلة الثالثة فهم بنحره وقال له ذلك ولهذا سميت الأيام الثلاثة بالتروية وعرفة والنحر والأظهر أن المخاطب إسماعيل عليه السلام لأنه الذي وهب له أثره الهجرة ولأن البشارة بإسحاق بعد معطوفة على البشارة بهذا الغلام ولقوله عليه الصلاة والسلام أنا ابن الذبيحين فأحدهما جده إسماعيل والآخر أبوه عبد الله فإن جده عبد المطلب نذر أن يذبح ولدا إن سهل الله له حفر زمزم أو بلغ بنوه عشرة فلما سهل أقرع فخرج السهم على عبد الله ففداه بمائة من الإبل ولذلك سنت الدية(5/20)
" صفحة رقم 21 "
مائة ولأن ذلك كان بمكة وكان قرنا الكبش معلقين بالكعبة حتى احترقا معها في أيام ابن الزبير ولم يكن إسحاق ثمة ولأن البشارة بإسحاق كانت مقرونة بولادة يعقوب منه فلا يناسبها الأمر بذبحه مراهقا وما روي أنه عليه الصلاة والسلام سئل أي النسب أشرف فقال يوسف صديق الله بن يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن خليل الله فالصحيح أنه قال فقال يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم والزوائد من الراوي وما روي أن يعقوب كتب إلى يعقوب كتب إلى يوسف مثل ذلك لم يثبت وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو بفتح الياء فيهما ) فانظر ماذا ترى ( من الرأي وإنما شاوره فيه وهو حتم ليعلم ما عنده فيما نزل من بلاء الله فيثبت قدمه إن جزع ويأمن عليه إن سلم وليوطن نفسه عليه فيهون ويكتسب المثوبة بالانقياد له قبل نزوله وقرأ حمزة والكسائي ماذا ترى بضم التاء وكسر الراء خالصة والباقون بفتحها وأبو عمرو يميل فتحة الراء وورش بين بين والباقون بإخلاص فتحها ) قال يا أبت ( وقرأ ابن عامر بفتح التاء ) افعل ما تؤمر ( أي ما تؤمر به فحذفا دفعة أو على الترتيب كما عرفت أو أمرك على إرادة المأمور به والإضافة إلى المأمور أو لعله فهم من كلامه أنه رأى أنه يذبحه مأمورا به أو علم أن رؤيا الأنبياء حق وأن مثل ذلك لا يقدمون عليه إلا بأمر ولعل الأمر في المنام دون اليقظة لتكون مبادرتهما إلى الامتثال أدل على كمال الانقياد والإخلاص وإنما ذكر بلفظ المضارع لتكرر الرؤيا ) ستجدني إن شاء الله من الصابرين ( على الذبح أو على قضاء الله وقرأ نافع بفتح الياء
الصافات : ( 103 ) فلما أسلما وتله . . . . .
) فلما أسلما ( استسلما لأمر الله أو سلما الذبيح نفسه وإبراهيم ابنه وقد قرئ بهما وأصلها سلم هذا لفلان إذا خلص له فإنه سلم من أن ينازع فيه ) وتله للجبين ( صرعه(5/21)
" صفحة رقم 22 "
على شقه فوقع جبينه على الأرض وهو أحد جانبي الجبهة وقيل كبه على وجهه بإشارته لئلا يرى فيه تغيرا يرق له فلا يذبحه وكان ذلك عند الصخرة بمنى أو في الموضع المشرف على مسجده أو المنحر الذي ينحر فيه اليوم
الصافات : ( 104 - 105 ) وناديناه أن يا . . . . .
) وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ( بالعزم والإتيان بالمقدمات وقد روي أنه أمر السكين بقوته على حلقه مرارا فلم تقطع وجواب لما محذوف تقديره كان ما كان مما ينطلق به الحال ولا يحيط به المقال من استبشارهما وشكرهما لله تعالى على ما أنعم عليهما من دفع البلاء بعد حلوله والتوفيق بما لم يوفق غيرهما لمثله وإظهار فضلهما به على العالمين مع إحراز الثواب العظيم إلى غير ذلك ) إنا كذلك نجزي المحسنين ( تعليل لإفراج تلك الشدة عنهما بإحسانهما واحتج به من جوز النسخ قبل وقوعه فإنه عليه الصلاة والسلام كان مأمورا بالذبح لقوله ) يا أبت افعل ما تؤمر ( ولم يحصل
الصافات : ( 106 ) إن هذا لهو . . . . .
) إن هذا لهو البلاء المبين ( الابتلاء البين الذي يتميز فيه المخلص من غيره أو المحنة البينة الصعوبة فإنه لا أصعب منها
الصافات : ( 107 ) وفديناه بذبح عظيم
) وفديناه بذبح ( بما يذبح بدله فيتم به الفعل ) عظيم ( عظيم الجثة سمين أو عظيم القدر لأنه يفدي به الله نبيا ابن نبي وأي نبي من نسله سيد المرسلين قيل كان كبشا من الجنة وقيل وعلا أهبط عليه من ثبير وروي أنه هرب منه عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتى أخذه فصارت سنة والفادي على الحقيقة إبراهيم عليه الصلاة والسلام(5/22)
" صفحة رقم 23 "
وإنما قال وفديناه لأن الله المعطي له والآمر به على التجوز في الفداء أو الإسناد واستدل به الحنفية على أن من نذر ذبح ولده لزمه ذبح شاة وليس فيه ما يدل عليه
الصافات : ( 108 - 109 ) وتركنا عليه في . . . . .
) وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم ( سبق بيانه في قصة نوح عليه السلام
الصافات : ( 110 ) كذلك نجزي المحسنين
) كذلك نجزي المحسنين ( لعله طرح عنه أنا اكتفاء بذكره مرة في هذه القصة
الصافات : ( 111 - 112 ) إنه من عبادنا . . . . .
) إنه من عبادنا المؤمنين وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ( مقضيا نبوته مقدرا كونه من الصالحين وبهذا الاعتبار وقعا حالين ولا حاجة إلى وجود المبشر به وقت البشارة فإن وجود ذي الحال غير شرط بل الشرط مقارنة تعلق الفعل به لاعتبار المعنى بالحال فلا حاجة إلى تقدير مضاف يجعل عاملا فيهما مثلا ) وبشرناه ( بوجود إسحاق أي بأن يوجد إسحق نبيا من الصالحين ومع ذلك لا يصير نظير قوله ) فادخلوها خالدين ((5/23)
" صفحة رقم 24 "
فإن الداخلين مقدرون خلودهم وقت الدخول وإسحاق لم يكن مقدرا نبوة نفسه وصلاحها حينما يوجد ومن فسر الذبيح بإسحق جعل المقصود من البشارة نبوته وفي ذكر الصلاح بعد النبوة تعظيم لشأنه وإيماء بأنه الغاية لها لتضمنها معنى الكمال والتكميل بالفعل على الإطلاق
الصافات : ( 113 ) وباركنا عليه وعلى . . . . .
) وباركنا عليه ( على إبراهيم في أولاده ) وعلى إسحاق ( بأن أخرجنا من صلبه أنبياء بني إسرائيل وغيرهم كأيوب وشعيب أو أفضنا عليهما بركات الدين والدنيا وقرئ وبركنا ) ومن ذريتهما محسن ( في عمله أو إلى نفسه بالإيمان والطاعة ) وظالم لنفسه ( بالكفر والمعاصي ) مبين ( ظاهر ظلمه وفي ذلك تنبيه على أن النسب لا أثر له في الهدى والضلال وأن الظلم في أعقابها لا يعود عليهما بنقيصة وعيب
الصافات : ( 114 ) ولقد مننا على . . . . .
) ولقد مننا على موسى وهارون ( أنعمنا عليهما بالنبوة وغيرها من المنافع الدينية والدنيوية
الصافات : ( 115 ) ونجيناهما وقومهما من . . . . .
) ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم ( من تغلب فرعون أو الغرق
الصافات : ( 116 ) ونصرناهم فكانوا هم . . . . .
) ونصرناهم ( ثم الضمير لهما مع القوم ) فكانوا هم الغالبين ( على فرعون وقومه
الصافات : ( 117 ) وآتيناهما الكتاب المستبين
) وآتيناهما الكتاب المستبين ( البليغ في بيانه وهو التوراة
الصافات : ( 118 ) وهديناهما الصراط المستقيم
) وهديناهما الصراط المستقيم ( الطريق الموصل إلى الحق والصواب(5/24)
" صفحة رقم 25 "
الصافات : ( 119 ) وتركنا عليهما في . . . . .
) وتركنا عليهما في الآخرين )
الصافات : ( 120 ) سلام على موسى . . . . .
) سلام على موسى وهارون )
الصافات : ( 121 ) إنا كذلك نجزي . . . . .
) إنا كذلك نجزي المحسنين )
الصافات : ( 122 ) إنهما من عبادنا . . . . .
) إنهما من عبادنا المؤمنين ( سبق مثل ذلك
الصافات : ( 123 ) وإن إلياس لمن . . . . .
) وإن إلياس لمن المرسلين ( هو إلياس بن ياسين سبط هارون أخي موسى بعث بعده وقيل إدريس لأنه قرئ إدريس وإدراس مكانه وفي حرف أبي رضي الله عنه وقيل إبليس وقرأ ابن ذكوان مع خلاف عنه بحذف همزة إلياس
الصافات : ( 124 ) إذ قال لقومه . . . . .
) إذ قال لقومه ألا تتقون ( عذاب الله
الصافات : ( 125 ) أتدعون بعلا وتذرون . . . . .
) أتدعون بعلا ( أتعبدونه أو أتطلبون الخير منه وهو اسم صنم كان لأهل بك من الشام وهو البلد الذي يقال له الآن بعلبك وقيل البعل الرب بلغة اليمن والمعنى أتدعون بعض البعول ) وتذرون أحسن الخالقين ( وتتركون عبادته وقد أشار فيه إلى المقتضي للإنكار المعني بالهمزة
الصافات : ( 126 ) الله ربكم ورب . . . . .
ثم صرح به بقوله ) الله ربكم ورب آبائكم الأولين ( وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص بالنصب على البدل
الصافات : ( 127 ) فكذبوه فإنهم لمحضرون
) فكذبوه فإنهم لمحضرون ( أي في العذاب وإنما أطلقه اكتفاء منه بالقرينة أو لأن الإحضار المطلق مخصوص بالشر عرفا
الصافات : ( 128 ) إلا عباد الله . . . . .
) إلا عباد الله المخلصين ( مستثنى من الواو لا من المحضرين لفساد المعنى
الصافات : ( 129 ) وتركنا عليه في . . . . .
) وتركنا عليه في الآخرين ((5/25)
" صفحة رقم 26 "
الصافات : ( 130 - 132 ) سلام على إل . . . . .
) سلام على إل ياسين ( لغة في الياس كسيناه وسينين وقيل جمع له مراد به هو وأتباعه كالمهلبين لكن فيه أن العلم إذا جمع يجب تعريفه باللام أو للمنسوب إليه بحذف ياء النسب كالأعجمين وهو قليل ملبس وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب على إضافة ) آل ( إلى ) ياسين ( لأنهما في المصحف مفصولان فيكون ) ياسين ( أبا ) إلياس ( وقيل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أو القرآن أو غيره من كتب الله والكل لا يناسب نظم سائر القصص ولا قوله ) إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين ( إذ الظاهر أن الضمير لإلياس
الصافات : ( 133 - 136 ) وإن لوطا لمن . . . . .
) وإن لوطا لمن المرسلين إذ نجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين ثم دمرنا الآخرين ( سبق بيانه
الصافات : ( 137 ) وإنكم لتمرون عليهم . . . . .
) وإنكم ( يا أهل مكة ) لتمرون عليهم ( على منازلهم في متاجركم إلى الشام فإن سدوم في طريقه ) مصبحين ( داخلين في الصباح
الصافات : ( 138 ) وبالليل أفلا تعقلون
) وبالليل ( أي ومساء أو نهارا وليلا ولعلها وقعت قريب منزل يمر بها المرتحل عنه صباحا والقاصد لها مساء ) أفلا تعقلون ( أفليس فيكم عقل تعتبرون به
الصافات : ( 139 ) وإن يونس لمن . . . . .
) وإن يونس لمن المرسلين ( وقرئ بكسر النون
الصافات : ( 140 ) إذ أبق إلى . . . . .
) إذ أبق ( هرب وأصله الهرب من السيد لكن لما كان هربه من قومه بغير إذن ربه حسن إطلاقه عليه ) إلى الفلك المشحون ( المملوء(5/26)
" صفحة رقم 27 "
الصافات : ( 141 ) فساهم فكان من . . . . .
) فساهم ( فقارع أهله ) فكان من المدحضين ( فصار من المغلوبين بالقرعة وأصله المزلق عن مقام الظفر روي أنه لما وعد قومه بالعذاب خرج من بينهم قبل أن يأمره الله فركب السفينة فوقفت فقالوا ها هنا عبد آبق فاقترعوا فخرجت القرعة عليه فقال أنا الآبق ورمى بنفسه في الماء
الصافات : ( 142 ) فالتقمه الحوت وهو . . . . .
) فالتقمه الحوت ( فابتلعه من اللقمة ) وهو مليم ( داخل في الملامة أو آت بما يلام عليها أو مليم نفسه وقرئ بالفتح مبنيا من ليم كمشيب في مشوب
الصافات : ( 143 ) فلولا أنه كان . . . . .
) فلولا أنه كان من المسبحين ( الذاكرين الله كثيرا بالتسبيح مدة عمره أو في بطن الحوت وهو قوله ) لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ( وقيل من المصلين
الصافات : ( 144 ) للبث في بطنه . . . . .
) للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ( حيا وقيل ميتا وفيه حث على إكثار الذكر وتعظيم لشأنه ومن أقبل عليه في السراء أخذ بيده عند الضراء
الصافات : ( 145 ) فنبذناه بالعراء وهو . . . . .
) فنبذناه ( بأن حملنا الحوت على لفظه ) بالعراء ( بالمكان الخالي عما يغطيه من شجر أو نبت روي أن الحوت سار مع السفينة رافعا رأسه يتنفس فيه يونس ويسبح حتى انتهوا إلى البر فلفظه واختلف في مدة لبثه فقيل بعض يوم وقيل ثلاثة أيام وقيل سبعة وقيل عشرون وقيل أربعون ) وهو سقيم ( مما ناله قيل صار بدنه كبدن الطفل حين يولد
الصافات : ( 146 ) وأنبتنا عليه شجرة . . . . .
) وأنبتنا عليه ( أي فوقه مظلة عليه ) شجرة من يقطين ( من شجر ينبسط على وجه الأرض ولا يقوم على ساقه يفعيل من قطن بالمكان إذا أقام به والأكثر على أنها كانت الدباء غطته بأوراقها عن الذباب فإنه لا يقع عليه ويدل عليه أنه قيل لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إنك لتحب القرع قال أجل هي شجرة أخي يونس وقيل التين وقيل الموز تغطى بورقه واستظل بأغصانه وأفطر على ثماره(5/27)
" صفحة رقم 28 "
الصافات : ( 147 ) وأرسلناه إلى مائة . . . . .
) وأرسلناه إلى مائة ألف ( هم قومه الذين هرب عنهم وهم أهل نينوى والمراد به ما سبق من إرساله أو إرسال ثان إليهم أو إلى غيرهم ) أو يزيدون ( في مرأى الناظر أي إذا نظر إليهم قال هم مائة ألف أو يزيدون والمراد الوصف بالكثرة وقرئ بالواو
الصافات : ( 148 ) فآمنوا فمتعناهم إلى . . . . .
) فآمنوا ( فصدقوه أو فجددوا الإيمان به بمحضره ) فمتعناهم إلى حين ( إلى أجلهم المسمى ولعله إنما لم يختم قصته وقصة لوط بما ختم به سائر القصص تفرقة بينهما وبين أرباب الشرائع الكبر وأولي العزم من الرسل أو اكتفاء بالتسليم الشامل لكل الرسل المذكورين في آخر السورة
الصافات : ( 149 ) فاستفتهم ألربك البنات . . . . .
) فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون ( معطوف على مثله في أول السورة أمر رسوله أولا باستفتاء قريش عن وجه إنكارهم البعث وساق الكلام في تقريره جارا لما يلائمه من القصص موصولا بعضها ببعض ثم أمر باستفتائهم عن وجه القسمة حيث جعلوا لله البنات ولأنفسهم البنين في قولهم الملائكة بنات الله وهؤلاء زادوا على الشرك ضلالات أخر التجسيم وتجويز الفناء على الله تعالى فإن الولادة مخصوصة بالأجسام الكائنة الفاسدة وتفضيل أنفسهم عليه حيث جعلوا أوضع الجنسين له وأرفعهما لهم واستهانتهم بالملائكة حيث أنثوهم ولذلك كرر الله تعالى إنكار ذلك وإبطاله في كتابه مرارا وجعله مما ) تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا ( والإنكار ها هنا مقصور على الأخيرين لاختصاص هذه الطائفة بهما أو لأن فسادهما مما تدركه(5/28)
" صفحة رقم 29 "
العامة بمقتضى طباعهم حيث جعل المعادل للاستفهام عن التقسيم
الصافات : ( 150 ) أم خلقنا الملائكة . . . . .
) أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون ( وإنما خص علم المشاهدة لأن أمثال ذلك لا تعلم إلا بها فإن الأنوثة ليست من لوازم ذاتهم لتمكن معرفته بالعقل الصرف مع ما فيه من الاستهزاء والإشعار بأنهم لفرط جهلهم يبتون به كأنهم قد شاهدوا خلقهم
الصافات : ( 151 - 152 ) ألا إنهم من . . . . .
) ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله ( لعدم ما يقتضيه وقيام ما ينفيه ) وإنهم لكاذبون ( فيما يتدينون به وقرئ ولد الله أي الملائكة ولده فعل بمعنى مفعول يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث
الصافات : ( 153 ) أصطفى البنات على . . . . .
) أصطفى البنات على البنين ( استفهام إنكار واستبعاد والاصطفاء أخذ صفوة الشيء وعن نافع كسر الهمزة على حذف حرف الاستفهام لدلالة أم بعدها عليها أو على الإثبات بإضمار القول أي لكاذبون في قولهم اصطفى أو إبداله من ) ولد الله )
الصافات : ( 154 ) ما لكم كيف . . . . .
) ما لكم كيف تحكمون ( بما لا يرتضيه عقل
الصافات : ( 155 ) أفلا تذكرون
) أفلا تذكرون ( أنه منزه عن ذلك
الصافات : ( 156 ) أم لكم سلطان . . . . .
) أم لكم سلطان مبين ( حجة واضحة نزلت عليكم من السماء بأن الملائكة بناته
الصافات : ( 157 ) فأتوا بكتابكم إن . . . . .
) فأتوا بكتابكم ( الذي أنزل عليكم ) إن كنتم صادقين ( في دعواكم
الصافات : ( 158 ) وجعلوا بينه وبين . . . . .
) وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ( يعني الملائكة ذكرهم باسم جنسهم وضعا منهم أن يبلغوا هذه المرتبة وقيل قالوا إن الله تعالى صاهر الجن فخرجت الملائكة وقيل قالوا الله(5/29)
" صفحة رقم 30 "
والشياطين إخوان ) ولقد علمت الجنة إنهم ( إن الكفرة أو الأنس والجن إن فسرت بغير الملائكة ) لمحضرون ( في العذاب
الصافات : ( 159 ) سبحان الله عما . . . . .
) سبحان الله عما يصفون ( من الولد والنسب
الصافات : ( 160 ) إلا عباد الله . . . . .
) إلا عباد الله المخلصين ( استثناء من المحضرين منقطع أو متصل إن فسر الضمير بما يعمهم وما بينهما اعتراض أو من ) يصفون )
الصافات : ( 161 ) فإنكم وما تعبدون
) فإنكم وما تعبدون ( عود إلى خطابهم
الصافات : ( 162 ) ما أنتم عليه . . . . .
) ما أنتم عليه ( على الله ) بفاتنين ( مفسدين الناس بالإغواء
الصافات : ( 163 ) إلا من هو . . . . .
) إلا من هو صال الجحيم ( إلا من سبق في علمه أنه من أهل النار ويصلاها لا محالة ) وأنتم ( ضمير لهم ولآلهتهم غلب فيه المخاطب على الغائب ويجوز أن يكون ) وما تعبدون ( لما فيه من معنى المقارنة سادا مسد الخبر أي إنكم وآلهتكم قرناء لا تزالون تعبدونها ما أنتم على ما تعبدونه بفاتنين بباعثين على طريق الفتنة إلا ضالا مستوجبا للنار مثلكم وقرئ ) صال ( بالضم على أنه جمع محمول على معنى من ساقط واوه لالتقاء الساكنين أو تخفيف صائل على القلب كشاك في شائك أو المحذوف منه كالمنسي كما في قولهم ما باليت به بالة فإن أصلها بالية كعافية
الصافات : ( 164 ) وما منا إلا . . . . .
) وما منا إلا له مقام معلوم ( حكاية اعتراف الملائكة بالعبودية للرد على عبدتهم والمعنى وما منا أحد إلا له مقام معلوم في المعرفة والعبادة والانتهاء إلى أمر الله في تدبير العالم ويحتمل أن يكون هذا وما قبله من قوله ) سبحان الله ( من كلامهم ليتصل بقوله ) ولقد علمت الجنة ( كأنه قال ولقد علمت الملائكة أن المشركين معذبون بذلك وقالوا(5/30)
" صفحة رقم 31 "
) سبحان الله ( تنزيها له عنه ثم استثنوا ) المخلصين ( تبرئة لهم منه ثم خاطبوا المشركين بأن الافتتان بذلك للشقاوة المقدرة ثم اعترفوا بالعبودية وتفاوت مراتبهم فيه لا يتجاوزونها فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه
الصافات : ( 165 ) وإنا لنحن الصافون
) وإنا لنحن الصافون ( في أداء الطاعة ومنازل الخدمة
الصافات : ( 166 ) وإنا لنحن المسبحون
) وإنا لنحن المسبحون ( المنزهون الله عما لا يليق به ولعل الأول إشارة إلى درجاتهم في الطاعة وهذا في المعارف وما في إن واللام وتوسيط الفصل من التأكيد والاختصاص لأنهم المواظبون على ذلك دائما من غير فترة دون غيرهم وقيل هو من كلام النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين والمعنى وما منا إلا له مقام معلوم في الجنة أو بين يدي الله يوم القيامة ) وإنا لنحن الصافون ( له في الصلاة والمنزهون له عن السوء
الصافات : ( 167 ) وإن كانوا ليقولون
) وإن كانوا ليقولون ( أي مشركو قريش
الصافات : ( 168 ) لو أن عندنا . . . . .
) لو أن عندنا ذكرا من الأولين ( كتابا من الكتب التي نزلت عليهم
الصافات : ( 169 ) لكنا عباد الله . . . . .
) لكنا عباد الله المخلصين ( لأخلصنا العبادة له ولم نخالف مثلهم
الصافات : ( 170 ) فكفروا به فسوف . . . . .
) فكفروا به ( أي لما جاءهم الذكر الذي هو أشرف الأذكار والمهيمن عليها ) فسوف يعلمون ( عاقبة كفرهم
الصافات : ( 171 - 172 ) ولقد سبقت كلمتنا . . . . .
) ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ( أي وعدنا لهم النصر والغلبة وهو قوله ) إنهم لهم المنصورون )
الصافات : ( 173 ) وإن جندنا لهم . . . . .
) وإن جندنا لهم الغالبون ( وهو باعتبار الغالب والمقضي بالذات وإنما سماه كلمة وهي كلمات لانتظامهم في معنى واحد
الصافات : ( 174 ) فتول عنهم حتى . . . . .
) فتول عنهم ( فأعرض عنهم ) حتى حين ( هو الموعد لنصرك عليهم وهو يوم بدر وقيل يوم الفتح
الصافات : ( 175 ) وأبصرهم فسوف يبصرون
) وأبصرهم ( على ما ينالهم حينئذ والمراد بالأمر الدلالة على أن ذلك كائن قريب كأنه قدامه ) فسوف يبصرون ( ما قضينا لك من التأييد والنصرة والثواب في الآخرة وسوف للوعيد لا للتبعيد(5/31)
" صفحة رقم 32 "
الصافات : ( 176 ) أفبعذابنا يستعجلون
) أفبعذابنا يستعجلون ( روي أنه لما نزل ) فسوف يبصرون ( قالوا متى هذا فنزلت
الصافات : ( 177 ) فإذا نزل بساحتهم . . . . .
) فإذا نزل بساحتهم ( فإذا نزل العذاب بفنائهم شبهه بجيش هجمهم فأناخ بفنائهم بغتة وقيل الرسول وقرئ نزل على إسناده إلى الجار والمجرور ونزل أي العذاب ) فساء صباح المنذرين ( فبئس صباح المنذرين صباحهم واللام للجنس وال ) صباح ( مستعار من صباح الجيش المبيت لوقت نزول العذاب ولما كثر فيهم الهجوم والغارة في الصباح سموا الغارة صباحا وإن وقعت في وقت آخر
الصافات : ( 178 - 179 ) وتول عنهم حتى . . . . .
) وتول عنهم حتى حين وأبصر فسوف يبصرون ( تأكيد إلى تأكيد وإطلاق بعد تقييد للإشعار بأنه يبصر وأنهم يبصرون ما لا يحيط به الذكر من أصناف المسرة وأنواع المساءة أو الأول لعذاب الدنيا والثاني لعذاب الآخرة
الصافات : ( 180 ) سبحان ربك رب . . . . .
) سبحان ربك رب العزة عما يصفون ( عما قاله المشركون فهي على ما حكي في السورة وإضافة الرب إلى العزة لاختصاصها به إذ لا عزة إلا له أو لمن أعزه وقد أدرج فيه جملة صفاته السلبية والثبوتية مع الإشعار بالتوحيد
الصافات : ( 181 ) وسلام على المرسلين
) وسلام على المرسلين ( تعميم للرسل بالتسليم بعد تخصيص بعضهم(5/32)
" صفحة رقم 33 "
الصافات : ( 181 ) وسلام على المرسلين
) والحمد لله رب العالمين ( على ما أفاض عليهم وعلى من اتبعهم من النعم وحسن العاقبة ولذلك أخره عن التسليم والمراد تعليم المؤمنين كيف يحمدونه ويسلمون على رسله وعن علي رضي الله عنه من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه من مجلسه سبحان ربك إلى آخر السورة وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة والصافات أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كل جني وشيطان وتباعدت عنه مردة الجن والشياطين وبرئ من الشرك وشهد له حافظاه يوم القيامة أنه كان مؤمنا بالمرسلين(5/33)
" صفحة رقم 34 "
سورة ص
مكية وآيها ست أو ثمان وثمانون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
ص : ( 1 - 2 ) ص والقرآن ذي . . . . .
) ص ( وقرئ بالكسر لالتقاء الساكنين وقيل إنه أمر من المصاداة بمعنى المعارضة ومنه الصدى فإنه يعارض الصوت الأول أي عارض القرآن بعملك وبالفتح لذلك أو لحذف حرف القسم وإيصال فعله إليه أو إضماره والفتح في موضع الجر فإنها غير مصروفة لأنها علم السورة وبالجر والتنوين على تأويل الكتاب ) والقرآن ذي الذكر ( الواو للقسم إن جعل ) ص ( اسما للحرف أو مذكور للتحدي أو للرمز بكلام مثل صدق محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أو للسورة خبر المحذوف أو لفظ الأمر وللعطف إن جعل مقسما به كقولهم الله لأفعلن بالجر والجواب محذوف دل عليه ما في ) ص ( من الدلالة على التحدي أو الأمر بالمعادلة أي إنه لمعجز أو لواجب العمل به أو إن محمدا صادق أو قوله(5/34)
" صفحة رقم 35 "
) بل الذين كفروا ( أي ما كفر به من كفر لخلل وجده فيه ) بل الذين كفروا ( به ) في عزة ( أي استكبار عن الحق ) وشقاق ( خلاف لله ورسوله ولذلك كفروا به وعلى الأولين الإضراب أيضا من الجواب المقدر ولكن من حيث إشعاره بذلك والمراد بالذكر العظة أو الشرف والشهرة أو ذكر ما يحتاج إليه في الدين من العقائد والشرائع والمواعيد والتنكير في ) عزة وشقاق ( للدلالة على شدتهما وقرئ في غرة أي غفلة عما يجب عليهم النظر فيه
ص : ( 3 ) كم أهلكنا من . . . . .
) كم أهلكنا من قبلهم من قرن ( وعيد لهم على كفرهم به استكبارا وشقاقا ) فنادوا ( استغاثة أو توبة أو استغفار ) ولات حين مناص ( أي ليس الحين حين مناص ولا هي المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث للتأكيد كما زيدت على رب وثم خصت بلزوم الأحيان وحذف أحد المعمولين وقيل هي النافية للجنس أي ولا حين مناص لهم وقيل للفعل والنصب بإضماره أي ولا أرى حين مناص وقرئ بالرفع على أنه اسم لا أو مبتدأ محذوف الخبر أي ليس حين مناص حاصلا لهم أو لا حين مناص كائن لهم وبالكسر كقوله " طلبوا صلحنا ولات أوان فأجبنا أن لات حين بقاء " إما لأن لات تجر الأحيان كما أن لولا تجر الضمائر في قوله " لولاك هذا العام لم أحجج " أو لأن أوان شبه بإذ لأنه مقطوع عن الإضافة إذ أصله أوان صلح ثم حمل عليه ) مناص ( تنزيلا لما أضيف إليه الظرف منزلته لما بينهما من الاتحاد إذ أصله يحن(5/35)
" صفحة رقم 36 "
مناصهم ثم بني الحين لإضافته إلى غير متمكن ) ولات ( بالكسر كجير وتقف الكوفية عليها بالهاء كالأسماء والبصرية بالتاء كالأفعال وقيل إن التاء مزيدة على حين لاتصالها به في الإمام ولا يرد عليه أن خط المصحف خارج عن القياس إذ مثله لم يعهد فيه والأصل اعتباره إلا فيما خصه الدليل ولقوله " العاطفون تحين لا من عاطف والمطعمون زمان ما من مطعم " والمناص المنجا من ناصه ينوصه إذا فاته
ص : ( 4 ) وعجبوا أن جاءهم . . . . .
) وعجبوا أن جاءهم منذر منهم ( بشر مثلهم أو أمي من عدادهم ) وقال الكافرون ( وضع فيه الظاهر موضع الضمير غضبا عليهم وذما لهم وإشعارا بأن كفرهم جسرهم على هذا القول ) هذا ساحر ( فيما يظهره معجزة ) كذاب ( فيما يقوله على الله تعالى
ص : ( 5 ) أجعل الآلهة إلها . . . . .
) أجعل الآلهة إلها واحدا ( بأن جعل الألوهية التي كانت لهم لواحد ) إن هذا لشيء عجاب ( بليغ في العجب فإنه خلاف ما أطبق عليه آباؤنا وما نشاهده من أن الواحد لا يفي علمه وقدرته بالأشياء الكثيرة وقرئ مشددا وهو أبلغ ككرام وكرام وروي أنه لما أسلم عمر رضي الله عنه شق ذلك على قريش فأتوا أبا طالب وقالوا أنت شيخنا وكبيرنا وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء وإنا جئناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك فاستحضر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال هؤلاء قومك يسألونك السواء فلا تمل كل الميل عليهم فقال ( صلى الله عليه وسلم ) ماذا يسألونني فقالوا ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك فقال أرأيتم إن أعطيتكم ما سألتم أمعطي أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم فقالوا نعم وعشرا فقال قولوا لا إله إلا الله فقاموا وقالوا ذلك(5/36)
" صفحة رقم 37 "
ص : ( 6 ) وانطلق الملأ منهم . . . . .
) وانطلق الملأ منهم ( وانطلق أشراف قريش من مجلس أبي طالب بعدما بكتهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) أن امشوا ( قائلين بعضهم لبعض ) امشوا ( ) اصبروا ( واثبتوا ) على آلهتكم ( على عبادتها فلا ينفعكم مكالمته و ) إن ( هي المفسرة لأن الانطلاق عن مجلس التقاول يشعر بالقول وقيل المراد بالانطلاق الاندفاع في القول ) امشوا ( من مشت المرأة إذا كثرت أولادها ومنه الماشية أي اجتمعوا وقرئ بغير ) إن ( وقرئ يمشون أن اصبروا ) إن هذا لشيء يراد ( إن هذا الأمر لشيء من ريب الزمان يراد بنا فلا مرد له أو أن هذا الذي يدعيه من التوحيد أو يقصده أو يقصده من الرئاسة والترفع على العرب والعجم لشيء يتمنى أو يريده كل أحد أو أن دينكم لشيء يطلب ليؤخذ منكم
ص : ( 7 ) ما سمعنا بهذا . . . . .
) ما سمعنا بهذا ( بالذي يقوله ) في الملة الآخرة ( في الملة التي أدركنا عليها آباءنا أو في ملة عيسى عليه الصلاة والسلام التي هي آخر الملل فإن النصارى يثلثون ويجوز أن يكون حالا من هذا أي سمعنا من أهل الكتاب ولا الكهان بالتوحيد كائنا في الملة المترقبة ) إن هذا إلا اختلاق ( كذب اختلقه
ص : ( 8 ) أأنزل عليه الذكر . . . . .
) أأنزل عليه الذكر من بيننا ( إنكار لاختصاصه بالوحي وهو مثلهم أو أدون منهم في الشرف والرئاسة كقولهم ) لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ( وأمثال ذلك دليل على أن مبدأ تكذيبهم لم يكن إلا الحسد وقصور النظر على الحطام الدنيوي(5/37)
" صفحة رقم 38 "
) بل هم في شك من ذكري ( من القرآن أو الوحي لميلهم إلى التقليد وإعراضهم عن الدليل وليس في عقيدتهم ما يبتون به من قولهم ) هذا ساحر كذاب ( ) إن هذا إلا اختلاق ( ) بل لما يذوقوا عذاب ( بل لم يذوقوا عذابي بعد فإذا ذاقوه زال شكهم والمعنى أنهم لا يصدقون به حتى يمسهم العذاب فيلجئهم إلى تصديقه
ص : ( 9 ) أم عندهم خزائن . . . . .
) أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب ( بل أعندهم خزائن رحمته وفي تصرفهم حتى يصيبوا بها من شاؤوا ويصرفوها عمن شاؤوا فيتخير للنبوة بعض صناديدهم والمعنى أن النبوة عطية من الله يتفضل بها على من يشاء من عباده لا مانع له فإنه العزيز أي الغالب الذي لا يغلب الوهاب الذي له أن يهب كل ما يشاء لمن يشاء
ص : ( 10 ) أم لهم ملك . . . . .
ثم رشح ذلك فقال ) أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما ( كأنه لما أنكر عليهم التصرف في نبوته بأن ليس عندهم خزائن رحمته التي لا نهاية لها أردف ذلك بأنه ليس لهم مدخل في أمر هذا العالم الجسماني الذي هو جزء يسير من خزائنه فمن أين لهم أن يتصرفوا فيها ) فليرتقوا في الأسباب ( جواب شرط محذوف أي إن كان لهم ذلك فليصعدوا في المعارج التي يتوصل بها إلى العرش حتى يستووا عليه ويدبروا أمر العالم فينزلوا الوحي إلى من يستصوبون وهو غاية التهكم بهم والسبب في الأصل هو الوصلة وقيل المراد بالأسباب السموات لأنها أسباب الحوادث السفلية
ص : ( 11 ) جند ما هنالك . . . . .
) جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب ( أي هم جند ما من الكفار المتحزبين على الرسل ) مهزوم ( مكسور عما قريب فمن أين لهم التدابير الإلهية والتصرف في الأمور الربانية أو فلا تكترث بما يقولون و ) ما ( مزيدة للتقليل كقولك أكلت شيئا ما وقيل للتعظيم على الهزء وهو لا يلائم ما بعده وهنالك إشارة إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم من الانتداب لمثل هذا القول
ص : ( 12 ) كذبت قبلهم قوم . . . . .
) كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد ( ذو الملك الثابت بالأوتاد كقوله(5/38)
" صفحة رقم 39 "
" ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة في ظل ملك ثابت الأوتاد " مأخوذ من ثبات البيت المطنب بأوتاده أو ذو الجموع الكثيرة سموا بذلك لأن بعضهم يشد بعضا كالوتد يشد البناء وقيل نصب أربع سوار وكان يمد يدي المعذب ورجليه إليها ويضرب عليها أوتادا ويتركه حتى يموت
ص : ( 13 ) وثمود وقوم لوط . . . . .
) وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة ( وأصحاب الغيضة وهم قوم شعيب وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر ليكة ) أولئك الأحزاب ( يعني المتحزبين على الرسل الذين جعل الجند المهزوم منهم
ص : ( 14 ) إن كل إلا . . . . .
) إن كل إلا كذب الرسل ( بيان لما أسند إليهم من التكذيب على الإبهام مشتمل على أنواع من التأكيد ليكون تسجيلا على استحقاقهم للعذاب ولذلك رتب عليه ) فحق عقاب ( وهو إما مقابلة الجمع بالجمع أو جعل تكذيب الواحد منهم تكذيب جميعهم
ص : ( 15 ) وما ينظر هؤلاء . . . . .
) وما ينظر هؤلاء ( وما ينتظر قومك أو الأحزاب فإنهم كالحضور لاستحضارهم بالذكر أو حضورهم في علم الله تعالى ) إلا صيحة واحدة ( هي النفخة الأولى ) ما لها من فواق ( من توقف مقدار فواق وهو ما بين الحلبتين أو رجوع وترداد فإنه فيه يرجع اللبن إلى الضرع وقرأ حمزة والكسائي بالضم وهما لغتان
ص : ( 16 ) وقالوا ربنا عجل . . . . .
) وقالوا ربنا عجل لنا قطنا ( قسطنا من العذاب الذي توعدنا به أو الجنة التي تعدها للمؤمنين وهو من قطه إذا قطعه وقيل لصحيفة الجائزة قط لأنها قطعة من القرطاس وقد فسر بها أي عجل لنا صحيفة أعمالنا للنظر فيها ) قبل يوم الحساب ( استعجلوا ذلك استهزاء
ص : ( 17 ) اصبر على ما . . . . .
) اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ( واذكر لهم قصته تعظيما للمعصية في(5/39)
" صفحة رقم 40 "
أعينهم فإنه مع علو شأنه واختصاصه بعظائم النعم والمكرمات لما أتى صغيرة نزل عن منزلته ووبخه الملائكة بالتمثيل والتعريض حتى تفطن فاستغفر ربه وأناب فما الظن بالكفرة وأهل الطغيان أو تذكر قصته وصن نفسه أن تزل فيلقاك ما لقيه من المعاتبة على إهمال عنان نفسه أدنى إهمال ) ذا الأيد ( ذا القوة يقال فلان أيد وذو أيد وآد وأياد بمعنى ) إنه أواب ( رجاع إلى مرضاة الله تعالى وهو تعليل ل ) الأيد ( ودليل على أن المراد به القوة في الدين وكان يصوم يوما ويفطر يوما ويقوم نصف الليل
ص : ( 18 ) إنا سخرنا الجبال . . . . .
) إنا سخرنا الجبال معه يسبحن ( قد مر تفسيره و ) يسبحن ( حال وضع موضع مسبحات لاستحضار الحال الماضية والدلالة على تجدد التسبيح حالا بعد حال ) بالعشي والإشراق ( ووقت الإشراق وهو حين تشرق الشمس أي تضيء ويصفو شعاعها وهو وقت الضحى وأما شروقها فطلوعها يقال شرقت الشمس ولما تشرق وعن أم هانئ رضي الله عنها أنه ( صلى الله عليه وسلم ) صلى صلاة الضحى وقال هذه صلاة الإشراق وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ما عرفت صلاة الضحى إلا بهذه الآية
ص : ( 19 ) والطير محشورة كل . . . . .
) والطير محشورة ( إليه من كل جانب وإنما لم يراع المطابقة بين الحالين لأن(5/40)
" صفحة رقم 41 "
الحشر جملة أدل على القدرة منه مدرجا وقرئ والطير محشورة بالمبتدأ والخبر ) كل له أواب ( كل واحد من الجبال والطير لأجل تسبيحه رجاع إلى التسبيح والفرق بينه وبين ما قبله أنه يدل على الموافقة في التسبيح وهذا على المداومة عليها أو كل منهما ومن داود عليه الصلاة والسلام مرجع لله التسبيح
ص : ( 20 ) وشددنا ملكه وآتيناه . . . . .
) وشددنا ملكه ( وقويناه بالهيبة والنصرة وكثرة الجنود وقرئ بالتشديد للمبالغة قيل إن رجلا ادعى بقرة على آخر وعجز عن البيان فأوحى إليه أن اقتل المدعى عليه فأعلمه فقال صدقت إني قتلت أباه وأخذت البقرة فعظمت بذلك هيبته ) وآتيناه الحكمة ( النبوة أو كمال العلم واتقان العمل ) وفصل الخطاب ( وفصل الخصام بتمييز الحق عن الباطل أو الكلام المخلص الذي ينبه المخاطب على المقصود من غير التباس يراعى فيه مظان الفصل والوصل والعطف والاستئناف والإضمار والحذف والتكرار ونحوها وإنما سمي به أما بعد لأنه يفصل المقصود عما سبق مقدمة له من الحمد والصلاة وقيل هو الخطاب القصد الذي ليس فيه اختصار مخل ولا إشباع ممل كما جاء في وصف كلام الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فصل لا نزر ولا هذر
ص : ( 21 ) وهل أتاك نبأ . . . . .
) وهل أتاك نبأ الخصم ( استفهام معناه التعجيب والتشويق إلى استماعه والخصم في الأصل مصدر ولذلك أطلق على الجمع ) إذ تسوروا المحراب ( إذ تصعدوا سور الغرفة تفعل من السور كتسنم من السنام وإذ متعلق بمحذوف أي نبأ تحاكم الخصم ) إذ تسوروا ( أو بالنبأ على أن المراد به الواقع في عهد داود عليه الصلاة والسلام وأن إسناد(5/41)
" صفحة رقم 42 "
أتى إليه على حذف مضاف أي قصة نبأ الخصم لما فيه من معنى الفعل لا بأتى لأن إتيانه الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لم يكن حينئذ
ص : ( 22 ) إذ دخلوا على . . . . .
) وإذ ( الثانية في ) إذ دخلوا على داود ( بدل من الأولى أو ظرف ل ) تسوروا ( ) ففزع منهم ( نزلوا عليه من فوق في يوم الاحتجاب والحرس على الباب لا يتركون من يدخل عليه فإنه عليه الصلاة والسلام كان جزأ زمانه يوما للعبادة ويوما للقضاء ويوما للوعظ ويوما للاشتغال بخاصته فتسور عليه ملائكة على صورة الإنسان في يوم الخلوة ) قالوا لا تخف خصمان ( نحن فوجان متخاصمان على تسمية مصاحب الخصم خصما ) بغى بعضنا على بعض ( وهو على الفرض وقصد التعريض إن كانوا ملائكة وهو المشهور ) فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط ( ولا تجر في الحكومة وقرئ ولا تشطط أي ولا تبعد عن الحق ولا تشطط ولا تشاط والكل من معنى الشطط وهو من مجاوزة الحد ) واهدنا إلى سواء الصراط ( أي إلى وسطه وهو العدل
ص : ( 23 ) إن هذا أخي . . . . .
) إن هذا أخي ( بالدين أو بالصحبة ) له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة ( هي الأنثى من الضان وقد يكنى بها عن المرأة والكناية والتمثيل فيما يساق للتعريض أبلغ في المقصود وقرئ تسع وتسعون بفتح التاء ونعجة بكسر النون وقرأ حفص بفتح ياء ) ولي نعجة ( ) فقال أكفلنيها ( ملكنيها وحقيقته اجعلني أكفلها كما أكفل ما تحت يدي وقيل اجعلها كفلي أي نصيبي ) وعزني في الخطاب ( وغلبني في مخاطبته إياي محاجة بأن جاء بحجاج لم أقدر على رده أو في مغالبته إياي في الخطبة يقال خطبت المرأة وخطبها هو فخاطبني خطابا حيث زوجها دوني وقرئ وعازني أي غالبني وعزني على تخفيف غريب
ص : ( 24 ) قال لقد ظلمك . . . . .
) قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ( جواب قسم محذوف قصد به المبالغة(5/42)
" صفحة رقم 43 "
في إنكار فعل خليطه وتهجين طمعه ولعله قال ذلك بعد اعترافه أو على تقدير صدق المدعي والسؤال مصدر مضاف إلى مفعوله وتعديته إلى مفعول آخر بإلى لتضمنه معنى الإضافة ) وإن كثيرا من الخلطاء ( الشركاء الذين خلطوا أموالهم جمع خليط ) ليبغي ( ليتعدى ) بعضهم على بعض ( وقرئ بفتح الياء على تقدير النون الخفيفة وحذفها كقوله " اضرب عنك الهموم طارقها " وبحذف الياء اكتفاء بالكسرة ) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم ( أي وهم قليل و ) ما ( مزيدة للإبهام والتعجب من قلتهم ) وظن داود أنما فتناه ( ابتليناه بالذنب أو امتحناه بتلك الحكومة هل يتنبه بها ) فاستغفر ربه ( لذنبه ) وخر راكعا ( ساجدا على تسمية السجود ركوعا لأنه مبدؤه أو خر للسجود راكعا أي مصليا كأنه أحرم بركعتي الاستغفار و ) وأناب ( ورجع إلى الله بالتوبة وأقصى ما في هذه القضية الإشعار بأنه عليه الصلاة والسلام ود أن يكون له ما لغيره وكان له أمثاله فنبهه الله بهذه القصة فاستغفر وأناب عنه وما روي أن بصره وقع على امرأة فعشقها وسعى حتى تزوجها وولدت منه سليمان إن صح فلعله خطب مخطوبته أو استنزله عن زوجته وكان ذلك معتادا فيما بينهم وقد واسى الأنصار المهاجرين بهذا المعنى وما قيل إنه أرسل أوريا إلى الجهاد مرارا وأمر أن يقدم حتى قتل فتزوجها هزء وافتراء ولذلك قال علي رضي الله عنه من حدث بحديث داود عليه السلام على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين وقيل إن قوما قصدوا أن يقتلوه فتسوروا المحراب ودخلوا عليه فوجدوا عنده أقواما فتصنعوا بهذا التحاكم فعلم غرضهم وأراد أن ينتقم منهم فظن أن ذلك ابتلاء من الله له ) فاستغفر ربه ( مما هم به ) وأناب ((5/43)
" صفحة رقم 44 "
ص : ( 25 ) فغفرنا له ذلك . . . . .
) فغفرنا له ذلك ( أي ما استغفر عنه ) وإن له عندنا لزلفى ( لقربة بعد المغفرة ) وحسن مآب ( مرجع في الجنة
ص : ( 26 ) يا داود إنا . . . . .
) يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض ( استخلفناك على الملك فيها أو جعلناك خليفة ممن قبلك من الأنبياء القائمين بالحق ) فاحكم بين الناس بالحق ( بحكم الله ) ولا تتبع الهوى ( ما تهوى النفس وهو يؤيد ما قيل إن ذنبه المبادرة إلى تصديق المدعي وتظليم الآخر قبل مسألته ) فيضلك عن سبيل الله ( دلائله التي نصبها على الحق ) إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ( بسبب نسيانهم وهو ضلالهم عن السبيل فإن تذكره يقتضي ملازمة الحق ومخالفة الهوى
ص : ( 27 ) وما خلقنا السماء . . . . .
) وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ( لا حكمة فيه أو ذوي باطل بمعنى مبطلين عابثين كقوله ) وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ( أو للباطل الذي هو متابعة الهوى بل للحق الذي هو مقتضى الدليل من التوحيد والتدرع بالشرع كقوله تعالى ) وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ( على وضعه موضع المصدر مثل هنيئا ) ذلك ظن الذين كفروا ( الإشارة إلى خلقها باطلا والظن بمعنى المظنون ) فويل للذين كفروا من النار ( بسبب هذا الظن
ص : ( 28 ) أم نجعل الذين . . . . .
) أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض ( ) أم ( منقطعة والاستفهام فيها لإنكار التسوية بين الحزبين التي هي من لوازم خلقها باطلا ليدل على نفيه وكذا التي في قوله ) أم نجعل المتقين كالفجار ( كأنه أنكر التسوية أولا بين المؤمنين والكافرين ثم بين المتقين من المؤمنين والمجرمين منهم ويجوز أن يكون تكريرا للإنكار الأول باعتبار وصفين آخرين يمنعان التسوية من الحكيم الرحيم والآية تدل على صحة القول بالحشر فإن التفاضل بينهما إما أن يكون في الدنيا والغالب فيها عكس ما يقتضي الحكمة فيه أو في غيرها وذلك يستدعي أن يكون لهم حالة أخرى يجازون بها(5/44)
" صفحة رقم 45 "
ص : ( 29 ) كتاب أنزلناه إليك . . . . .
) كتاب أنزلناه إليك مبارك ( نفاع وقرئ بالنصب على الحال ) ليدبروا آياته ( ليتفكروا فيها فيعرفوا ما يدبر ظاهرها من التأويلات الصحيحة والمعاني المستنبطة وقرئ ليتدبروا على الأصل ولتدبروا أي أنت وعلماء أمتك ) وليتذكر أولوا الألباب ( وليتعظ به ذوو العقول السليمة أو ليستحضروا ما هو كالمركوز في عقولهم من فرط تمكنهم من معرفته بما نصب عليه من الدلائل فإن الكتب الإلهية بيان لما لا يعرف إلا من الشرع وإرشاد إلى ما يستقل به العقل ولعل التدبر للمعلوم الأول والتذكر الثاني
ص : ( 30 ) ووهبنا لداود سليمان . . . . .
) ووهبنا لداود سليمان نعم العبد ( أي نعم العبد سليمان إذ ما بعده تعليل للمدح وهو في حاله ) إنه أواب ( رجاع إلى الله بالتوبة أو إلى التسبيح مرجع له
ص : ( 31 ) إذ عرض عليه . . . . .
) إذ عرض عليه ( ظرف ل ) أواب ( أو ل ) نعم ( والضمير ل ) سليمان ( عند الجمهور ) بالعشي ( بعد الظهر ) الصافنات ( الصافن من الخيل الذي يقوم على طرف سنبك يد أو رجل وهو من الصفات المحمودة في الخيل الذي لا يكاد يكون إلا في العراب الخلص ) الجياد ( جمع جواد أو جود وهو الذي يسرع في جريه وقيل الذي يجود في الركض وقيل جمع جيد روي أنه عليه الصلاة والسلام غزا دمشق ونصيبين وأصاب ألف فرس وقيل أصابها أبوه من العمالقة فورثها منه فاستعرضها فلم تزل تعرض عليه حتى غربت الشمس وغفل عن العصر أو عن ورد كان له فاغتم لما فاته فاستردها فعقرها تقربا لله
ص : ( 32 ) فقال إني أحببت . . . . .
) فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي ( أصل ) أحببت ( أن يعدى بعلى لأنه بمعنى آثرت لكن لما أنيب مناب أنبت مناب عدي تعديته وقيل هو بمعنى تقاعدت من قوله " مثل بعير السوء إذا أحبا " (5/45)
" صفحة رقم 46 "
أي برك و ) حب الخير ( مفعول له والخير المال الكثير والمراد به الخيل التي شغلته ويحتمل أنه سماها خيرا لتعلق الخير بها قال ( صلى الله عليه وسلم ) الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة وقرأ ابن كثير ونافع أبو عمرو بفتح الياء / حتى توارث بالحجاب / أي غربت الشمس شبه غروبها بتواري المخبأة بحجابها وإضمارها من غير ذكر لدلالة العشي عليها
ص : ( 33 ) ردوها علي فطفق . . . . .
) ردوها علي ( الضمير ل ) الصافنات ( ) فطفق مسحا ( فأخذ بمسح السيف مسحا ) بالسوق والأعناق ( أي بسوقها وأعناقها يقطعها من قولهم مسح علاوته إذا ضرب عنقه وقيل جعل يمسح بيده أعناقها وسوقها حبالها وعن ابن كثير بالسؤق على همز الواو لضمة ما قبلها كمؤقن وعن أبي عمرو بالسؤوق وقرئ بالساق اكتفاء بالواحد عن الجمع لأمن الالباس
ص : ( 34 ) ولقد فتنا سليمان . . . . .
) ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب ( وأظهر ما قيل فيه ما روي مرفوعا أنه قال لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تأتي كل واحدة بفارس يجاهد في سبيل الله ولم يقل إن شاء الله فطاف عليهن فلم تحمل إلا امرأة جاءت بشق رجل فوالذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا فرسانا وقيل ولد له ابن فاجتمعت الشياطين على قتله فعلم ذلك فكان يغدوه في السحاب فما شعر به إلا أن ألقي على كرسيه ميتا فتنبه(5/46)
" صفحة رقم 47 "
على خطئه بأن لم يتوكل على الله وقيل إنه غزا صيدون من الجزائر فقتل ملكها وأصاب ابنته جرادة فأحبها وكان لا يرقأ دمعها جزعا على أبيها فأمر الشياطين فمثلوا لها صورته فكانت تغدو إليها وتروح مع ولائدها يسجدن لها كعادتهن في ملكه فأخبره آصف فكسر الصورة وضرب المرأة وخرج إلى الفلاة باكيا متضرعا وكانت له أم ولد اسمها أمينة إذا دخل للطهارة أعطاها خاتمه وكان ملكه فيه فأعطاها يوما فتمثل لها بصورته شيطان اسمه صخر وأخذ الخاتم وتختم به وجلس على كرسيه فاجتمع عليه الخلق ونفذ حكمه في كل شيء إلا في نسائه وغير سليمان عن هيئته فأتاها لطلب الخاتم فطردته فعرف أن الخطيئة قد أدركته فكان يدور على البيوت يتكفف حتى مضى أربعون يوما عدد ما عبدت الصورة في بيته فطار الشيطان وقذف الخاتم في البحر فابتلعته سمكة فوقعت في يده فبقر بطنها فوجد الخاتم فتختم به وخر ساجدا وعاد إليه الملك فعلى هذا الجسد صخر سمي به وهو جسم لا روح فيه لأنه كان متمثلا بما لم يكن كذلك والخطيئة تغافله عن حال أهله لأن اتخاذ التماثيل كان جائزا حينئذ وسجود الصورة بغير علمه لا يضره
ص : ( 35 ) قال رب اغفر . . . . .
) قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ( لا يتسهل له ولا يكون ليكون معجزة لي مناسبة لحالي أو لا ينبغي لأحد أن يسلبه مني بعد هذه السلبة أو لا يصح لأحد من بعدي لعظمته كقولك لفلان ما ليس لأحد من الفضل والمال على إرادة وصف الملك بالعظمة لا أن لا يعطى أحد مثله فيكون منافسة وتقديم الاستغفار على الاستيهاب لمزيد اهتمامه بأمر الدين ووجوب تقديم ما يجعل للدعاء بصدد الإجابة وقرأ نافع وأبو عمرو بفتح الياء ) إنك أنت الوهاب ( المعطي ما تشاء لمن تشاء
ص : ( 36 ) فسخرنا له الريح . . . . .
) فسخرنا له الريح ( فذللناها لطاعته إجابة لدعوته وقرئ الرياح ) تجري بأمره رخاء ((5/47)
" صفحة رقم 48 "
لينة من الرخاوة لا تزعزع أو لا تخالف إرادته كالمأمور المنقاد ) حيث أصاب ( أراد من قولهم أصاب الصواب فأخطأ الجواب
ص : ( 37 ) والشياطين كل بناء . . . . .
) والشياطين ( عطف على ) الريح ( ) كل بناء وغواص ( بدل منه
ص : ( 38 ) وآخرين مقرنين في . . . . .
) وآخرين مقرنين في الأصفاد ( عطف على كل كأنه فصل الشيطان إلى عملة استعملهم في الأعمال الشاقة كالبناء والغوص ومردة قرن بعضهم مع بعض في السلاسل ليكفوا عن الشر ولعل أجسامهم شفافة صلبة فلا ترى ويمكن تقييدها هذا والأقرب أن المراد تميل كفهم عن الشرور بالإقران في الصفد وهو القيد وسمي به العطاء لأنه يرتبط به المنعم عليه وفرقوا بين فعليهما فقالوا صفده قيده وأصفده أعطاه عكس وعد وأوعد وفي ذلك نكتة
ص : ( 39 ) هذا عطاؤنا فامنن . . . . .
) هذا عطاؤنا ( أي هذا الذي أعطيناك من الملك والبسطة والتسلط على ما لم يسلط به غيرك عطائنا ) فامنن أو أمسك ( فاعط من شئت وامنع من شئت ) بغير حساب ( حال من المستكن في الأمر أي غير محاسب على منه وإمساكه لتفويض التصرف فيه إليك أو من العطاء أو صلة له وما بينهما اعتراض والمعنى أنه عطاء جم لا يكاد يمكن حصره وقيل الإشارة إلى تسخير الشياطين والمراد بالمن والإمساك إطلاقهم وإبقاءهم في القيد
ص : ( 40 ) وإن له عندنا . . . . .
) وإن له عندنا لزلفى ( في الآخرة مع ما له من الملك العظيم في الدنيا ) وحسن مآب ( هو الجنة
ص : ( 41 ) واذكر عبدنا أيوب . . . . .
) واذكر عبدنا أيوب ( هو ابن عيص بن إسحاق وامرأته ليا بنت يعقوب صلوات الله عليه ) إذ نادى ربه ( بدل من ) عبدنا ( و ) أيوب ( عطف بيان له ) أني مسني ( بأن مسني وقرأ حمزة بإسكان الياء وإسقاطها في الوصل ) الشيطان بنصب ( بتعب ) وعذاب ( ألم وهي حكاية لكلامه الذي ناداه به ولولا هي لقال إنه مسه والإسناد إلى ) الشيطان ( إما لأن الله مسه بذلك لما فعل بوسوسته كما قيل إنه أعجب بكثرة ماله أو استغاثة مظلوم فلم يغثه أو كانت مواشيه في ناحية ملك كافر فداهنه ولم يغزه أو لسؤاله(5/48)
" صفحة رقم 49 "
امتحانا لصبره فيكون اعترافا بالذنب أو مراعاة للأدب أو لأنه وسوس إلى أتباعه حتى رفضوه وأخرجوه من ديارهم أو لأن المراد بالنصب والعذاب ما كان يوسوس إليه في مرضه من عظم البلاء والقنوط من الرحمة ويغريه على الجزع وقرأ يعقوب بفتح النون على المصدر وقرىء بفتحتين وهو لغة كالرشد والرشد وبضمتين للتثقيل
ص : ( 42 ) اركض برجلك هذا . . . . .
) اركض برجلك ( حكاية لما أجيب به أي اضرب برجلك الأرض ) هذا مغتسل بارد وشراب ( أي فضربها فنبعت عين فقيل هذا مغتسل أي ماء تغتسل به وتشرب منه فيبرأ باطنك وظاهرك وقيل نبعث عينان حارة وباردة فاغتسل من الحارة واشرب من الأخرى
ص : ( 43 ) ووهبنا له أهله . . . . .
) ووهبنا له أهله ( بأن جمعناهم عليه بعد تفرقهم أو أحييناهم بعد موتهم وقيل وهبنا له مثلهم ) ومثلهم معهم ( حتى كان له ضعف ما كان ) رحمة منا ( لرحمتنا عليه ) وذكرى لأولي الألباب ( وتذكيرا لهم لينتظروا الفرج بالصبر واللجأ إلى الله فيما يحيق بهم
ص : ( 44 ) وخذ بيدك ضغثا . . . . .
) وخذ بيدك ضغثا ( عطف على اركض والضغث الحزمة الصغيرة من الحشيش ونحوه ) فاضرب به ولا تحنث ( روي أن زوجته ليا بنت يعقوب وقيل رحمة بنت افراثيم بن يوسف ذهبت لحاجة فأبطأت فحلف إن برىء ضربها مائة ضربة فحلل الله يمينه بذلك وهي رخصة باقية في الحدود ) إنا وجدناه صابرا ( فيما أصابه في النفس والأهل والمال ولا يخل به شكواه إلى الله من الشيطان فإنه لا يسمى جزعا كتمني العافية وطلب الشفاء مع أنه قال ذلك خيفة أن يفتنه أو قومه في الدين ) نعم العبد ( أيوب ) إنه أواب ( مقبل بشراشره على الله تعالى
ص : ( 45 ) واذكر عبادنا إبراهيم . . . . .
) واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب ( وقرأ ابن كثير عبدنا وضع الجنس موضع الجمع أو على أن ) إبراهيم ( وحده لمزيد شرفه عطف بيان له ) وإسحاق ويعقوب ( عطف عليه ) أولي الأيدي والأبصار ( أولي القوة في الطاعة والبصيرة في(5/49)
" صفحة رقم 50 "
الدين أو أولي الأعمال الجليلة والعلوم الشريفة فعبر بالأيدي عن الأعمال لأن أكثرها بمباشرتها وبالأبصار عن المعارف لأنها أقوى مباديها وفيه تعريض بالبطلة الجهال أنهم كالزمنى والعماة
ص : ( 46 ) إنا أخلصناهم بخالصة . . . . .
) إنا أخلصناهم بخالصة ( جعلناهم خالصين لنا بخصلة خالصة لا شوب فيها هي ) ذكرى الدار ( تذكرهم الدار الآخرة دائما فإن خلوصهم في الطاعة بسببها وذلك لأن مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون جوار الله والفوز بلقائه وذلك في الآخرة وإطلاق ) الدار ( للبيان أو لأنه بمعنى الخلوص فأضيف إلى فاعله
ص : ( 47 ) وإنهم عندنا لمن . . . . .
) وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار ( لمن المختارين من أمثالهم المصطفين عليهم في الخير جمع خير كشر وأشرار وقيل جمع خير أو خير على تخفيفه كأموات في جمع ميت أو ميت
ص : ( 48 ) واذكر إسماعيل واليسع . . . . .
) واذكر إسماعيل واليسع ( هو ابن أخطوب استخلفه إلياس على بني إسرائيل ثم استنبىء واللام فيه كما في قوله " رأيت الوليد بن اليزيد مباركا " وقرأ حمزة والكسائي ولليسع تشبيها بالمنقول من ليسع من اللسع ) وذا الكفل ( ابن عم يسع أو بشر بن أيوب واختلف في نبوته ولقبه فقيل فر إليه مائة نبي من بني إسرائيل من القتل فآواهم وكفلهم وقيل كفل بعمل رجل صالح كان يصلي كل يوم مائة صلاة ) وكل ( أي وكلهم من الأخبار(5/50)
" صفحة رقم 51 "
ص : ( 49 ) هذا ذكر وإن . . . . .
) هذا ( إشارة إلى ما تقدم من أمورهم ) ذكر ( شرف لهم أو نوع من الذكر وهو القرآن ثم شرع في بيان ما أعد لهم ولأمثالهم فقال ) وإن للمتقين لحسن مآب ( مرجع
ص : ( 50 ) جنات عدن مفتحة . . . . .
) جنات عدن ( عطف بيان ) لحسن مآب ( وهو من الأعلام الغالبة لقوله ) جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب ( وانتصب عنها ) مفتحة لهم الأبواب ( على الحال والعامل فيها ما في المتقين من معنى الفعل وقرئتا مرفوعتين على الابتداء والخبر أو أنهما خبران لمحذوف
ص : ( 51 ) متكئين فيها يدعون . . . . .
) متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب ( حالان متعاقبان أو متداخلان من الضمير في لهم لا من المتقين للفصل والأظهر أن يدعون استئناف لبيان حالهم فيها ومتكئين حال من ضميره والاقتصار على الفاكهة للإشعار بان مطاعمهم لمحض التلذذ فإن التغذي للتحلل ولا تحلل ثمة
ص : ( 52 ) وعندهم قاصرات الطرف . . . . .
) وعندهم قاصرات الطرف ( لا ينظرون إلى غير أزواجهن ) أتراب ( لذات لهم فإن التحاب بين الأقرن ثبت أو بعضهن لبعض لا عجوز فيهن ولا صبية واشتقاقه من التراب فإنه يمسهن في وقت واحد
ص : ( 53 ) هذا ما توعدون . . . . .
) هذا ما توعدون ليوم الحساب ( لآجاله فإن الحساب علة الوصول إلى الجزاء وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء ليوافق ما قبله
ص : ( 54 ) إن هذا لرزقنا . . . . .
) إن هذا لرزقنا ما له من نفاد ( انقطاع
ص : ( 55 ) هذا وإن للطاغين . . . . .
) هذا ( أي لأمر هذا أو هذا كما ذكر أو خذ هذا ) وإن للطاغين لشر مآب )
ص : ( 56 ) جهنم يصلونها فبئس . . . . .
) جهنم ( إعرابه ما سبق ) يصلونها ( حال من جهنم ) فبئس المهاد ( المهد(5/51)
" صفحة رقم 52 "
والمفترش مستعار من فراش النائم والمخصوص بالذم محذوف وهو ) جهنم ( لقوله ) لهم من جهنم مهاد )
ص : ( 57 ) هذا فليذوقوه حميم . . . . .
) هذا فليذوقوه ( أي ليذوقوا هذا فليذوقوه أو العذاب هذا فليذوقوه ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره ) حميم وغساق ( وهو على الأولين خبر محذوف أي هو ) حميم ( والغساق ما يغسق من صديد أهل النار من غسقت العين إذا سال دمعها وقرأ حفص وحمزة والكسائي غساق بتشديد السين
ص : ( 58 ) وآخر من شكله . . . . .
) وأخر ( أي مذوق أو عذاب آخر وقرأ البصريان وأخرى أي ومذوقات أو أنواع عذاب أخر ) من شكله ( من مثل هذا المذوق أو العذاب في الشدة وتوحيد الضمير على أنه لما ذكر أو للشراب الشامل للحميم والغساق أو للغساق وقرئ بالكسر وهو لغة ) أزواج ( أجناس خبر ل ) أخر ( أو صفة له أو للثلاثة أو مرتفع بالجار والخبر محذوف مثل لهم
ص : ( 59 ) هذا فوج مقتحم . . . . .
) هذا فوج مقتحم معكم ( حكاية ما يقال للرؤساء الطاغين إذا دخلوا النار واقتحمها معهم فوج تبعهم في الضلال والاقتحام ركوب الشدة والدخول فيها ) لا مرحبا بهم ( دعاء من المتبوعين على أتباعهم أو صفة ل ) فوج ( أو حال أي مقولا فيهم لا مرحبا أي ما أتوا بهم رحبا وسعة ) إنهم صالوا النار ( داخلون النار بأعمالهم مثلنا
ص : ( 60 ) قالوا بل أنتم . . . . .
) قالوا ( أي الأتباع للرؤساء ) بل أنتم لا مرحبا بكم ( بل أنتم أحق بما قلتم أو قيل لنا لضلالكم وإضلالكم كما قالوا ) أنتم قدمتموه لنا ( قدمتم العذاب أو الصلي لنا بإغوائنا وإغرائنا على ما قدمتموه من العقائد الزائغة والأعمال القبيحة ) فبئس القرار ( فبئس المقر جهنم
ص : ( 61 ) قالوا ربنا من . . . . .
) قالوا ( أي الاتباع أيضا ) ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار ( مضاعفا أي ذا ضعف وذلك أن يزيد على عذابه مثله فيصير ضعفين كقوله ) ربنا آتهم ضعفين من العذاب )
ص : ( 62 ) وقالوا ما لنا . . . . .
) وقالوا ( أي الطاغوت ) ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار ( يعنون(5/52)
" صفحة رقم 53 "
فقراء المسلمين الذين يسترذلون ويسخرون بهم
ص : ( 63 ) أتخذناهم سخريا أم . . . . .
) أتخذناهم سخريا ( صفة أخرى ل ) رجالا ( وقرأ الحجازيان وابن عامر وعاصم بهمزة الاستفهام على أنه إنكار على أنفسهم وتأنيب لها في الاستسخار منهم وقرأ نافع وحمزة والكسائي ) سخريا ( بالضم وقد سبق مثله في المؤمنين ) أم زاغت ( مالت ) عنهم الأبصار ( فلا نراهم ) أم ( معادلة ل ) ما لنا لا نرى ( على أن المراد نفي رؤيتهم لغيبتهم كأنهم قالوا أليسوا ها هنا أم زاغت عنهم أبصارنا أو لاتخذناهم على القراءة الثانية بمعنى أي الأمرين فعلنا بهم الاستسخار منهم أم تحقيرهم فإن زيغ الأبصار كناية عنه على معنى إنكارهما على أنفسهم أو منقطعة والمراد الدلالة على أن استرذالهم والاستسخار منهم كان لزيغ أبصارهم وقصور أنظارهم على رثاثة حالهم
ص : ( 64 ) إن ذلك لحق . . . . .
) إن ذلك ( الذي حكيناه عنهم ) لحق ( لا بد أن يتكلموا به ثم بين ما هو فقال ) تخاصم أهل النار ( وهو بدل من لحق أو خبر محذوف وقرئ بالنصب على البدل من ذلك
ص : ( 65 ) قل إنما أنا . . . . .
) قل ( يا محمد للمشركين ) إنما أنا منذر ( أنذركم عذاب الله ) وما من إله إلا الله الواحد ( الذي لا يقبل الشركة والكثرة في ذاته ) القهار ( لكل شيء يريد قهره
ص : ( 66 ) رب السماوات والأرض . . . . .
) رب السماوات والأرض وما بينهما ( منه خلقها وإليه أمرها ) العزيز ( الذي لا يغلب إذا عاقب ) الغفار ( الذي يغفر ما يشاء من الذنوب لمن يشاء وفي هذه الأوصاف تقرير للتوحيد ووعد ووعيد للموحدين والمشركين وتثنية ما يشعر بالوعيد وتقديمه لأن المدعو به هو الإنذار(5/53)
" صفحة رقم 54 "
ص : ( 67 ) قل هو نبأ . . . . .
) قل هو ( أي ما أنبأتكم به من أني نذير من عقوبة من هذه صفته وأنه واحد في ألوهيته وقيل ما بعده من نبأ آدم ) نبأ عظيم )
ص : ( 68 - 69 ) أنتم عنه معرضون
) أنتم عنه معرضون ( لتمادي غفلتكم فإن العاقل لا يعرض عن مثله كيف وقد قامت عليه الحجج الواضحة أما على التوحيد فما مر وأما على النبوة فقوله ) ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون ( فإن إخباره عن تقاول الملائكة وما جرى بينهم على ما ورد في الكتب المتقدمة من غير سماع ومطالعة كتاب لا يتصور إلا بالوحي و ) إذ ( متعلق ب ) علم ( أو بمحذوف إذ التقرير من علم بكلام الملأ الأعلى
ص : ( 70 ) إن يوحى إلي . . . . .
) إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين ( أي لأنما كأنه لما جوز أن الوحي يأتيه بين بذلك ما هو المقصود به تحقيقا لقوله ) إنما أنا منذر ( ويجوز أن يرتفع بإسناد يوحى إليه وقرئ إنما بالكسر على الحكاية
ص : ( 71 ) إذ قال ربك . . . . .
) إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين ( بدل من ) إذ يختصمون ( مبين له فإن القصة التي دخلت إذ عليها مشتملة على تقاول الملائكة وإبليس في خلق آدم عليه السلام واستحقاقه للخلافة والسجود على ما مر في البقرة غير أنها اختصرت اكتفاء بذلك واقتصارا على ما هو المقصود منها وهو إنذار المشركين على استكبارهم على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بمثل ما حاق بإبليس على استكباره على آدم عليه السلام هذا ومن الجائز أن يكون مقاولة الله تعالى إياهم بواسطة ملك وأن يفسر الملأ الأعلى بما يعم الله تعالى والملائكة
ص : ( 72 ) فإذا سويته ونفخت . . . . .
) فإذا سويته ( عدلت خلقته ) ونفخت فيه من روحي ( وأحييته بنفخ الروح فيه(5/54)
" صفحة رقم 55 "
وإضافته إلى نفسه وطهارته ) فقعوا له ( فخروا له ) ساجدين ( تكرمة وتبجيلا له وقد مر من الكلام فيه في البقرة
ص : ( 73 ) فسجد الملائكة كلهم . . . . .
) فسجد الملائكة كلهم أجمعون )
ص : ( 74 ) إلا إبليس استكبر . . . . .
) إلا إبليس استكبر ( تعظم ) وكان ( وصار ) من الكافرين ( باستنكاره أمر الله تعالى واستكباره عن المطاوعة أو كان منهم في علم الله تعالى
ص : ( 75 ) قال يا إبليس . . . . .
) قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ( خلقته بنفسي من غير توسط كأب وأم والتثنية لما في خلقه من مزيد القدرة واختلاف الفعل وقرئ على التوحيد وترتيب الإنكار عليه للإشعار بأنه المستدعي للتعظيم أو بأنه الذي تشبث به في تركه وهو لا يصلح مانعا إذ للسيد أن يستخدم بعض عبيده لبعض سيما وله مزيد اختصاص ) أستكبرت أم كنت من العالين ( تكبرت من غير استحقاق أو كنت ممن علا واستحق التفوق وقيل استكبرت الآن أم لم تزل منذ كنت من المستكبرين وقرئ ) أستكبرت ( بحذف الهمزة لدلالة ) أم ( عليها أو بمعنى الإخبار
ص : ( 76 ) قال أنا خير . . . . .
) قال أنا خير منه ( إبداء للمانع وقوله ) خلقتني من نار وخلقته من طين ( دليل عليه وقد سبق الكلام فيه
ص : ( 77 ) قال فاخرج منها . . . . .
) قال فاخرج منها ( من الجنة أو من السماء أو من الصورة الملكية ) فإنك رجيم ( مطرود من الرحمة ومحل الكرامة
ص : ( 78 - 81 ) وإن عليك لعنتي . . . . .
) وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ( مر بيانه في الحجر
ص : ( 82 - 83 ) قال فبعزتك لأغوينهم . . . . .
) قال فبعزتك ( فبسلطانك وقهرك ) لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ( الذين أخلصهم الله لطاعته وعصمهم من الضلالة أو أخلصوا قلوبهم لله على اختلاف القراءتين
ص : ( 84 - 85 ) قال فالحق والحق . . . . .
) قال فالحق والحق أقول ( أي فأحق الحق وأقوله وقيل الحق الأول اسم الله نصبه بحذف حرف القسم كقوله " إن عليك الله أن تبايعا " (5/55)
" صفحة رقم 56 "
وجوابه ) لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ( وما بينهما اعتراض وهو على الأول جواب محذوف والجملة تفسير ل ) الحق ( المقول وقرأ عاصم وحمزة برفع الأول على الابتداء أي الحق يميني أو قسمي أو الخبر أي أنا ) الحق ( وقرئا مرفوعين على حذف الضمير من أقول كقوله كله لم أصنع ومجرورين على إضمار حرف القسم في الأول وحكاية لفظ المقسم به في الثاني للتأكيد وهو سائغ فيه إذا شارك الأول وبرفع الأول وجره ونصب الثاني وتخريجه على ما ذكرناه والضمير في منهم للناس إذ الكلام فيهم والمراد بمنك من جنسك ليتناول الشياطين وقيل للثقلين وأجمعين تأكيد له أو للضميرين
ص : ( 86 ) قل ما أسألكم . . . . .
) قل ما أسألكم عليه من أجر ( أي على القرآن أو تبليغ الوحي ) وما أنا من المتكلفين ( المتصفين بما ليسوا من أهله على ما عرفتم من حالي فأنتحل النبوة وأتقول القرآن
ص : ( 87 ) إن هو إلا . . . . .
) إن هو إلا ذكر ( عظة ) للعالمين ( للثقلين ) ولتعلمن نبأه ( وهو ما فيه من الوعد والوعيد أو صدقه بإتيان ذلك ) بعد حين ( بعد الموت أو يوم القيامة أو عند ظهور الإسلام وفيه تهديد عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة ص كان له بوزن كل جبل سخره الله لداود عشر حسنات وعصمه الله أن يصر على ذنب صغير أو كبير(5/56)
" صفحة رقم 57 "
سورة الزمر
مكية إلا قوله قل يا عبادي الآية وآيها خمس وسبعون أو اثنتان وسبعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الزمر : ( 1 ) تنزيل الكتاب من . . . . .
) تنزيل الكتاب ( خبر محذوف مثل هذا أو مبتدأ خبره ) من الله العزيز الحكيم ( وهو على الأول صلة ل ) تنزيل ( أو خبر ثان أو حال عمل فيها الإشارة أو ال ) تنزيل ( والظاهر أن ) الكتاب ( على الأول السورة وعلى الثاني القرآن وقرئ تنزيل بالنصب على إضمار فعل نحو اقرأ أو الزم
الزمر : ( 2 - 3 ) إنا أنزلنا إليك . . . . .
) إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق ( ملتبسا بالحق أو بسبب إثبات الحق وإظهاره وتفصيله ) فاعبد الله مخلصا له الدين ( ممحصا له الدين من الشرك والرياء وقرئ برفع الدين عن الاستئناف لتعليل الأمر وتقديم الخبر لتأكيد الاختصاص المستفاد من اللام كما صرح به مؤكدا وإجراؤه مجرى المعلوم المقرر لكثرة حججه وظهور براهينه فقال ) ألا لله الدين الخالص ( أي ألا هو الذي وجب اختصاصه بأن يخلص له الطاعة فإنه المتفرد بصفات الألوهية والاطلاع على الأسرار والضمائر ) والذين اتخذوا من دونه أولياء ( يحتمل المتخذين من الكفرة والمتخذين من الملائكة وعيسى والأصنام على حذف(5/57)
" صفحة رقم 58 "
الراجع وإضمار المشركين من غير ذكر لدلالة المساق عليهم وهو مبتدأ خبره على الأول ) ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ( بإضمار القول ) إن الله يحكم بينهم ( وهو متعين على الثاني وعلى هذا يكون القول المضمر بما في حيزه حالا أو بدلا من الصلة و ) زلفى ( مصدر أو حال وقرئ قالوا ما نعبدهم وما نعبدكم إلا ليقربونا إلى الله حكاية لما خاطبوا به آلهتهم و ) نعبدهم ( بضم النون اتباعا ) فيما هم فيه يختلفون ( من الدين بإدخال المحق الجنة والمبطل النار والضمير للكفرة ومقابليهم وقيل لهم ولمعبوديهم فإنهم لا يرجون شفاعتهم وهم يلعنونها ) إن الله لا يهدي ( لا يوفق للاهتداء إلى الحق ) من هو كاذب كفار ( فإنهما فاقدا البصيرة
الزمر : ( 4 ) لو أراد الله . . . . .
) لو أراد الله أن يتخذ ولدا ( كما زعموا ) لاصطفى مما يخلق ما يشاء ( إذ لا موجود سواه إلا هو مخلوقه لقيام الدلالة على امتناع وجود واجبين ووجوب استناد ما عدا الواجب إليه ومن البين ان المخلوق لا يماثل الخالق فيقوم مقام الوالد ثم له قرر ذلك بقوله ) سبحانه هو الله الواحد القهار ( فإن الألوهية الحقيقية تتبع الوجوب المستلزم للواحدة الذاتية وهي تنافي المماثلة فضلا عن التوالد لأن كل واحد من المثلين مركب من الحقيقة المشتركة والتعين المخصوص والقهارية المطلقة تنافي قبول الزوال المحوج إلى الولد ثم استدل على ذلك بقوله
الزمر : ( 5 ) خلق السماوات والأرض . . . . .
) خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ( يغشى كل واحد منهما الآخر كأنه يلفه عليه لف اللباس باللابس أو يغيبه به كما يغيب الملفوف باللفافة أو يجعله كارا عليه كرورا متتابعا تتابع أكوار العمامة ) وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ( هو منتهى دوره أو منقطع حركته ) إلا هو العزيز ( القادر على كل ممكن الغالب على كل شيء ) الغفار ( حيث لم يعاجل بالعقوبة وسلب ما في هذه الصنائع من الرحمة وعموم المنفعة
الزمر : ( 6 ) خلقكم من نفس . . . . .
) خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها ( استدلال آخر بما أوجده في العالم السفلي مبدوء به من خلق الإنسان لأنه أقرب وأكثر دلالة وأعجب وفيه على ما ذكره ثلاث(5/58)
" صفحة رقم 59 "
دلالات خلق آدم أولا من غير أب وأم ثم خلق حواء من قصيراه ثم تشعيب الخلق الفائت للحصر منهما و ) ثم ( للعطف على محذوف هو صفة ) نفس ( مثل خلقها أو على معنى واحدة أي من نفس وحدت ثم جعل منها زوجها فشفعها بها أو على ) خلقكم ( لتفاوت ما بين الآيتين فإن الأولى عادة مستمرة دون الثانية وقيل أخرج من ظهره ذريته كالذر ثم خلق منها حواء ) وأنزل لكم ( وقضى أو قسم لكم فإن قضاياه وقسمه توصف بالنزول من السماء حيث كتبت في اللوح المحفوظ أو أحدث لكم بأسباب نازلة كأشعة الكواكب والأمطار ) من الأنعام ثمانية أزواج ( ذكر وأنثى من الإبل والبقر والضأن والمعز ) يخلقكم في بطون أمهاتكم ( بيان لكيفية ما ذكر من الأناسي والأنعام إظهارا لما فيها من عجائب القدرة غير أنه غلب أولي العقل أو خصهم بالخطاب لأنهم المقصودون ) خلقا من بعد خلق ( حيوانا سويا من بعد عظام مكسوة لحما من بعد عظام عارية من بعد مضغ من بعد علق من بعد نطف ) في ظلمات ثلاث ( ظلمة البطن والرحم والمشيمة أو الصلب والرحم والبطن ) ذلكم ( الذي هذه أفعاله ) الله ربكم ( هو المستحق لعبادتكم والمالك ) له الملك لا إله إلا هو ( إذ لا يشاركه في الخلق غيره ) فأنى تصرفون ( يعدل بكم عن عبادته إلى الإشراك
الزمر : ( 7 ) إن تكفروا فإن . . . . .
) إن تكفروا فإن الله غني عنكم ( عن إيمانكم ) ولا يرضى لعباده الكفر ( لاستضرارهم به رحمة عليهم ) وإن تشكروا يرضه لكم ( لأنه سبب فلا حكم وقرأ ابن كثير ونافع في رواية وأبو عمرو والكسائي بإشباع ضمة الهاء لأنها صارت بحذف الألف موصولة بمتحرك وعن أبي عمرو ويعقوب إسكانها وهو لغة فيها ) ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون ( بالمحاسبة والمجازاة ) إنه عليم بذات الصدور ( فلا تخفى عليه خافية من أعمالكم
الزمر : ( 8 ) وإذا مس الإنسان . . . . .
) وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ( لزوال ما ينازع العقل في الدلالة على أن مبدأ الكل منه ) ثم إذا خوله ( أعطاه من الخول وهو التعهد أو الخول وهو الافتخار ) نعمة منه ( من الله ) نسي ما كان يدعو إليه ( أي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه أو ربه الذي كان يتضرع إليه و ) ما ( مثل الذي في قوله ) وما خلق الذكر والأنثى ( ) من قبل ( من نعمة ) وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله ( وقرأ ابن كثير وأبو عمرو(5/59)
" صفحة رقم 60 "
ورويس بفتح الياء والضلال والإضلال لما كانا نتيجة جعله صح تعليله بهما وإن لم يكونا غرضين ) قل تمتع بكفرك قليلا ( أمر تهديد فيه إشعار بأن الكفر نوع تشه لا سند له وإقناط للكافرين من التمتع في الآخرة ولذلك علله بقوله ) إنك من أصحاب النار ( على سبيل الاستئناف للمبالغة
الزمر : ( 9 ) أم من هو . . . . .
) أم من هو قانت ( قائم بوظائف الطاعات ) آناء الليل ( ساعاته وأم متصلة بمحذوف تقديره الكافر خير أم من هو قانت أو منقطعة والمعنى بل ) أم من هو قانت ( كمن هو بضده وقرأ الحجازيان وحمزة بتخفيف الميم بمعنى أمن هو قانت لله كمن جعل له أندادا ) ساجدا وقائما ( حالان من ضمير ) قانت ( وقرئا بالرفع على الخبر بعد الخبر والواو للجمع بين الصفتين ) يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ( في موضع الحال أو الاستئناف للتعليل ) قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ( نفى لاستواء الفريقين باعتبار القوة العلمية بعد نفيه باعتبار القوة العملية على وجه أبلغ لمزيد فضل العلم وقيل تقرير للأول على سبيل التشبيه أي كما لا يستوي العالمون والجاهلون لا يستوي القانتون والعاصون ) إنما يتذكر أولوا الألباب ( بأمثال هذه البيانات وقرئ يذكر بالإدغام
الزمر : ( 10 ) قل يا عباد . . . . .
) قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم ( بلزوم طاعته ) للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ( أي للذين أحسنوا بالطاعات في الدنيا مثوبة حسنة في الآخرة وقيل معناه للذين أحسنوا حسنة في الدنيا هي الصحة والعافية وفي هذه بيان لمكان ) حسنة ( ) وأرض الله واسعة ((5/60)
" صفحة رقم 61 "
فمن تعسر عليه التوفر على الإحسان في وطنه فليهاجر إلى حيث يتمكن منه ) إنما يوفى الصابرون ( على المشاق الطاعات من احتمال البلاء ومهاجرة الأوطان لها ) أجرهم بغير حساب ( أجرا لا يهتدي إليه حساب الحساب وفي الحديث إنه ينصب الموازين يوم القيامة لأهل الصلاة والصدقة والحج فيوفون بها أجورهم ولا ينصب لأهل البلاء بل يصب يوم القيامة عليهم الأجر صبا حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل
الزمر : ( 11 ) قل إني أمرت . . . . .
) قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين ( موحدا له
الزمر : ( 12 ) وأمرت لأن أكون . . . . .
) وأمرت لأن أكون أول المسلمين ( وأمرت بذلك لأجل أن أكون مقدمهم في الدنيا والآخرة لأن قصب السبق في الدين بالإخلاص أو لأنه أول من أسلم وجهه لله من قريش ومن دان بدينهم والعطف لمغايرة الثاني الأول بتقييده بالعلة والإشعار بأن العبادة المقرونة بالإخلاص وإن اقتضت لذاتها أن يؤمر بها فهي أيضا تقتضيه لما يلزمها من السبق في الدين ويجوز أن تجعل اللام مزيدة كما في أردت لأن أفعل فيكون أمر بالتقدم في الإخلاص والبدء بنفسه في الدعاء إليه بعد الأمر به
الزمر : ( 13 ) قل إني أخاف . . . . .
) قل إني أخاف إن عصيت ربي ( بترك الإخلاص والميل إلى ما أنتم عليه من الشرك والرياء ) عذاب يوم عظيم ( لعظمة ما فيه
الزمر : ( 14 - 15 ) قل الله أعبد . . . . .
) قل الله أعبد مخلصا له ديني ( أمر بالإخبار عن إخلاصه وأن يكون مخلصا له دينه بعد الأمر بالإخبار عن كونه مأمورا بالعبادة والإخلاص خائفا عن المخالفة من العقاب قطعا لأطماعهم ولذلك رتب عليه قوله(5/61)
" صفحة رقم 62 "
) فاعبدوا ما شئتم من دونه ( تهديدا وخذلانا لهم ) قل إن الخاسرين ( الكاملين في الخسران ) الذين خسروا أنفسهم ( بالضلال ) وأهليهم ( بالإضلال ) يوم القيامة ( حين يدخلون النار بدل الجنة لأنهم جمعوا وجوه الخسران وقيل خسروا أهليهم لأنهم إن كانوا من أهل النار فقد خسروهم كما خسروا أنفسهم وإن كانوا من أهل الجنة فقد ذهبوا عنهم ذهابا لا رجوع بعده ) ألا ذلك هو الخسران المبين ( مبالغة في خسرانهم لما فيه من الاستئناف والتصدير ب ) إلا ( وتوسيط الفصل وتعريف الخسران ووصفه ب ) المبين )
الزمر : ( 16 ) لهم من فوقهم . . . . .
) لهم من فوقهم ظلل من النار ( شرح لخسرانهم ) ومن تحتهم ظلل ( أطباق من النار هي ظلل للآخرين ) ذلك يخوف الله به عباده ( ذلك العذاب هو الذي يخوفهم به ليتجنبوا ما يوقعهم فيه ) يا عباد فاتقون ( ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي
الزمر : ( 17 ) والذين اجتنبوا الطاغوت . . . . .
) والذين اجتنبوا الطاغوت ( البالغ غاية الطغيان فعلوت منه بتقديم اللام على العين بني للمبالغة في المصدر كالرحموت ثم وصف به للمبالغة في النعت ولذلك اختص بالشيطان ) أن يعبدوها ( بدل اشتمال منه ) وأنابوا إلى الله ( وأقبلوا إليه بشراشرهم عم سواه ) لهم البشرى ( بالثواب على ألسنة الرسل أو الملائكة عند حضور الموت ) فبشر عباد )
الزمر : ( 18 ) الذين يستمعون القول . . . . .
) الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ( وضع فيه الظاهر موضع ضمير ) والذين اجتنبوا ( للدلالة على مبدأ اجتنابهم وأنهم نقاد في الدين يميزون بين الحق والباطل ويؤثرون الأفضل فالأفضل ) أولئك الذين هداهم الله ( لدينه ) وأولئك هم أولوا الألباب ( العقول السليمة عن منازعة الوهم والعادة وفي ذلك دلالة على أن الهداية تحصل بفعل الله وقبول النفس لها
الزمر : ( 19 ) أفمن حق عليه . . . . .
) أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار ( جملة شرطية معطوفة على محذوف دل عليه الكلام تقديره أأنت مالك أمرهم فمن حق عليه العذاب فأنت تنقذه فكررت الهمزة في الجزاء لتأكيد الإنكار والاستبعاد ووضع ) من في النار ( موضع الضمير لذلك وللدلالة على أن من حكم عليه بالعذاب كالواقع فيه لامتناع الخلف فيه وأن اجتهاد الرسل في دعائهم إلى الإيمان سعي في إنقاذهم من النار ويجوز أن يكون ) أفأنت ( ينقذ جملة مستأنفة للدلالة على ذلك والإشعار بالجزاء المحذوف(5/62)
" صفحة رقم 63 "
الزمر : ( 20 ) لكن الذين اتقوا . . . . .
) لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف ( علالي بعضها فوق بعض ) مبنية ( بنيت بناء النازل على الأرض ) تجري من تحتها الأنهار ( أي من تحت تلك الغرف و ) وعد الله ( مصدر مؤكد لأن قوله ) لهم غرف ( في معنى الوعد ) لا يخلف الله الميعاد ( ولأن الخلف نقص وهو على الله محال
الزمر : ( 21 ) ألم تر أن . . . . .
) ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء ( هو المطر ) فسلكه ( فأدخله ) ينابيع في الأرض ( هي عيون ومجاري كائنة فيها أو مياه نابعات فيها إذ الينبوع جاء للمنبع وللنابع فنصبها على الظرف أو الحال ) ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ( أصنافه من بر وشعير وغيرهما أو كيفياته من خضرة وحمرة وغيرهما ) ثم يهيج ( يتم جفافه لأنه إذا تم جفافه حان له أن يثور عن منبته ) فتراه مصفرا ( من يبسه ) ثم يجعله حطاما ( فتاتا ) إن في ذلك لذكرى ( لتذكيرا بأنه لا بد من صانع حكيم دبره وسواه أو بأنه مثل الحياة الدنيا فلا تغتر بها ) لأولي الألباب ( إذ لا يتذكر به غيرهم
الزمر : ( 22 ) أفمن شرح الله . . . . .
) أفمن شرح الله صدره للإسلام ( حتى تمكن فيه بيسر عبر به عمن خلق نفسه شديدة الاستعداد لقبوله غير متأبية عنه من حيث إن الصدر محل القلب المنيع للروح المتعلق للنفس القابلة للإسلام ) فهو على نور من ربه ( يعني المعرفة والاهتداء إلى الحق وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) إذا دخل النور قلب انشرح وانفسح فقيل فما علامة ذلك قال الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والتأهب للموت قبل نزوله وخبر ) من ( محذوف دل عليه ) فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ( من أجل ذكره وهو أبلغ من أن يكون عن مكان من لأن القاسي من أجل الشيء أشد تأبيا عن قبوله من القاسي عنه لسبب آخر وللمبالغة في وصف أولئك بالقبول وهؤلاء بامتناع ذكر شرح الصدر وأسنده إلى الله وقابله بقساوة القلب وأسنده إليه ) أولئك في ضلال مبين ( يظهر للناظر بأدنى نظر(5/63)
" صفحة رقم 64 "
والآية نزلت في حمزة وعلي وأبي لهب وولده
الزمر : ( 23 ) الله نزل أحسن . . . . .
) الله نزل أحسن الحديث ( يعني القرآن روي أن أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ملوا ملة فقالوا له حدثنا فنزلت وفي الابتداء باسم الله وبناء نزل عليه تأكيد للإسناد إليه وتفخيم للمنزل واستشهاد على حسنه ) كتابا متشابها ( بدل من ) أحسن ( أو حال منه وتشابهه تشابه أبعاضه في الإعجاز وتجاوب النظم وصحة المعنى والدلالة على المنافع العامة ) مثاني ( جمع مثنى أو مثنى أو مثن على ما مر في الحجر وصف به كتابا باعتبار تفاصيله كقولك القرآن سور وآيات والإنسان عظام وعروق وأعصاب أو جعل تمييزا من ) متشابها ( كقولك رأيت رجلا حسنا شمائله ) تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ( تشمئز خوفا مما فيه من الوعيد وهو مثل في شدة الخوف واقشعرار الجلد تقبضه وتركيبه من حروف القشع وهو الأديم اليابس بزيادة الراء ليصير رباعيا كتركيب اقمطر من القمط وهو الشد ) ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ( بالرحمة وعموم المغفرة والإطلاق للإشعار بأن أصل أمره الرحمة وأن رحمته سبقت غضبه والتعدية ب ) إلى ( لتضمن معنى السكون والاطمئنان وذكر القلوب لتقدم الخشية التي هي من عوارضها ) ذلك ( أي الكتاب أو الكائن من الخشية والرجاء ) هدى الله يهدي به من يشاء ( هدايته ) ومن يضلل الله ( ومن يخذله ) فما له من هاد ( يخرجهم من الضلال
الزمر : ( 24 ) أفمن يتقي بوجهه . . . . .
) أفمن يتقي بوجهه ( يجعله درقة يقي به نفسه لأنه يكون يداه مغلولة إلى عنقه فلا يقدر أن يتقي إلا بوجهه ) سوء العذاب يوم القيامة ( كمن هو آمن منه فحذف الخبر كما حذف في نظائره(5/64)
" صفحة رقم 65 "
) وقيل للظالمين ( أي لهم فوضع الظاهر موضعه تسجيلا عليهم بالظلم وإشعارا بالموجب لما يقال لهم وهو ) ذوقوا ما كنتم تكسبون ( أي وباله والواو للحال وقد مقدرة
الزمر : ( 25 ) كذب الذين من . . . . .
) كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ( من الجهة التي لا يخطر ببالهم أن الشر يأتيهم منها
الزمر : ( 26 ) فأذاقهم الله الخزي . . . . .
) فأذاقهم الله الخزي ( الذل ) في الحياة الدنيا ( كالمسخ والخسف والقتل والسبي والإجلاء ) ولعذاب الآخرة ( المعد لهم ) أكبر ( لشدته ودوامه ) لو كانوا يعلمون ( لو كانوا من أهل العلم والنظر لعلموا ذلك واعتبروا به
الزمر : ( 27 ) ولقد ضربنا للناس . . . . .
) ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ( يحتاج إليه الناظر في أمر دينه ) لعلهم يتذكرون ( يتعظون به
الزمر : ( 28 ) قرآنا عربيا غير . . . . .
) قرآنا عربيا ( حال من هذا والاعتماد فيها على الصفة كقولك جاءني زيد رجلا صالحا أو مدح له ) غير ذي عوج ( لا اختلال فيه بوجه ما وهو أبلغ من المستقيم وأخص بالمعاني وقيل بالشك استشهادا بقوله " وقد أتاك يقين غير ذي عوج من الإله وقول غير مكذوب " وهو تخصيص له ببعض مدلوله ) لعلهم يتقون ( علة أخرى مرتبة على الأولى
الزمر : ( 29 ) ضرب الله مثلا . . . . .
) ضرب الله مثلا ( للمشرك والموحد ) رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل ( مثل المشرك على ما يقتضيه مذهبه من أن يدعي كل واحد من معبوديه عبوديته ويتنازعوا فيه بعبد يتشارك فيه جمع يتجاذبونه ويتعاورونه في مهماتهم المختلفة في تحيره وتوزع قلبه والموحد بمن خلص لواحد ليس لغيره عليه سبيل و ) رجلا ( بدل من مثل وفيه صلة ) شركاء ( والتشاكس والتشاخص والاختلاف وقرأ نافع وابن عامر والكوفيون(5/65)
" صفحة رقم 66 "
سلما بفتحتين وقرئ بفتح السين وكسرها مع سكون اللام وثلاثتها مصادر سلم نعت بها أو حذف منها ذا ورجل سالم أي وهناك رجل سالم وتخصيص الرجل لأنه أفطن للضر والنفع ) هل يستويان مثلا ( صفة وحالا ونصبه على التمييز ولذلك وحده وقرئ مثلين للإشعار باختلاف النوع أو لأن المراد على ) يستويان ( في الوصفين على أن الضمير للمثلين فإن التقدير مثل رجل ومثل رجل ) الحمد لله ( كل الحمد له لا يشاركه فيه على الحقيقة سواه لأنه المنعم بالذات والمالك على الإطلاق ) بل أكثرهم لا يعلمون ( فيشركون به غيره من فرط جهلهم
الزمر : ( 30 ) إنك ميت وإنهم . . . . .
) إنك ميت وإنهم ميتون ( فإن الكل بصدد الموت وفي عداد الموتى وقرئ مائت ومائتون لأنه مما سيحدث
الزمر : ( 31 ) ثم إنكم يوم . . . . .
) ثم إنكم ( على تغليب المخاطب على الغيب ) يوم القيامة عند ربكم تختصمون ( فتحتج عليهم بأنك كنت على الحق في التوحيد وكانوا على الباطل في التشريك واجتهدت في الإرشاد والتبليغ ولجوا في التكذيب والعناد ويعتذرون بالأباطيل مثل ) أطعنا سادتنا ( و ) وجدنا آباءنا ( وقيل المراد به الاختصام العام يخاصم الناس بعضهم بعضا فيما دار بينهم في الدنيا
الزمر : ( 32 ) فمن أظلم ممن . . . . .
) فمن أظلم ممن كذب على الله ( بإضافة الولد والشريك إليه ) وكذب بالصدق ( وهو ما جاء به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) إذ جاءه ( من غير توقف وتفكر في أمره ) أليس في جهنم مثوى للكافرين ( وذلك يكفيهم مجازاة لأعمالهم واللام تحتمل العهد والجنس(5/66)
" صفحة رقم 67 "
واستدل به على تكفير المبتدعة فإنهم يكذبون بما علم صدقه وهو ضعيف لأنه مخصوص بمن فاجأ ما علم مجيء الرسول به بالتكذيب
الزمر : ( 33 ) والذي جاء بالصدق . . . . .
) والذي جاء بالصدق وصدق به ( اللام للجنس ليتناول الرسل والمؤمنين لقوله ) أولئك هم المتقون ( وقيل هو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد هو ومن تبعه كما في قوله تعالى ) ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون ( وقيل الجائي هو الرسول والمصدق أبو بكر رضي الله عنه وذلك يقتضي إضمار الذي هو غير جائز وقرئ وصدق به بالتخفيف أي صدق به الناس فأداه إليهم كما نزل من غير تحريف أو صار صادقا بسببه لأنه معجز يدل على صدقه وصدق به على البناء للمفعول
الزمر : ( 34 ) لهم ما يشاؤون . . . . .
) لهم ما يشاؤون عند ربهم ( في الجنة ) ذلك جزاء المحسنين ( على إحسانهم
الزمر : ( 35 ) ليكفر الله عنهم . . . . .
) ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ( خص الأسوأ للمبالغة فإنه إذا كفر كان غيره أولى بذلك أو للإشعار بأنهم لاستعظامهم الذنوب يحسبون أنهم مقصرون مذنبون وأن ما يفرط منهم من الصغائر أسوأ ذنوبهم ويجوز أن يكون بمعنى السيئ كقولهم الناقص والأشج أعدلا بني مروان وقرئ أسوأ جمع سوء ) ويجزيهم أجرهم ( ويعطيهم ثوابهم ) بأحسن الذي كانوا يعملون ( فتعد لهم محاسن أعمالهم بأحسنها في زيادة الأجر وعظمه لفرط إخلاصهم فيها
الزمر : ( 36 ) أليس الله بكاف . . . . .
) أليس الله بكاف عبده ( استفهام إنكار للنفي مبالغة في الإثبات والعبد(5/67)
" صفحة رقم 68 "
رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويحتمل الجنس ويؤيده قراءة حمزة والكسائي عباده وفسر بالأنبياء صلوات الله عليهم ) ويخوفونك بالذين من دونه ( يعني قريشا فإنهم قالوا له إنا نخاف أن تخبلك آلهتنا بعيبك إياها وقيل إنه بعث خالدا ليكسر العزى فقال له سادنها أحذركها فإن لها شدة فعمد إليها خالد فهشم أنفها فنزل تخويف خالد منزلة تخويفه لأنه الآمر له بما خوف عليه ) ومن يضلل الله ( حتى غفل عن كفاية الله له وخوفه بما لا ينفع ولا يضر ) فما له من هاد ( يهديه إلى الرشاد
الزمر : ( 37 ) ومن يهد الله . . . . .
) ومن يهد الله فما له من مضل ( إذ لا راد لفعله كما قال ) أليس الله بعزيز ( غالب منيع ) ذي انتقام ( ينتقم من أعدائه
الزمر : ( 38 ) ولئن سألتهم من . . . . .
) ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ( لوضوح البرهان على تفرده بالخالقية ) قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره ( أي أرأيتم بعد ما تحققتم أن خالق العالم هو الله تعالى وأن آلهتكم إن أراد الله أن يصيبني بضر هل يكشفنه ) أو أرادني برحمة ( بنفع ) هل هن ممسكات رحمته ( فيمسكنها عني وقرأ أبو عمرو كاشفات ضره ممسكات رحمته بالتنوين فيهما ونصب ضره ورحمته ) قل حسبي الله ( كافيا في إصابة الخير ودفع الضر إذ تقرر بهذا التقرير أنه القادر الذي لا مانع لما يريده من خير أو شر روي أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سألهم فسكتوا فنزل ذلك وإنما قال ) كاشفات ( و ) ممسكات ( على ما يصفونها به من الأنوثة تنبيها على كمال ضعفها ) عليه يتوكل المتوكلون ( لعلمهم بأن الكل منه تعالى
الزمر : ( 39 ) قل يا قوم . . . . .
) قل يا قوم اعملوا على مكانتكم ( على حالكم اسم للمكان استعير للحال كما استعير هنا وحيث من المكان للزمان وقرئ مكاناتكم ) إني عامل ( أي على مكانتي فحذف للاختصار والمبالغة في الوعيد والإشعار بأن حاله لا يقف فإنه تعالى يزيده على مر الأيام قوة ونصرة ولذلك توعدهم بكونه منصورا عليهم في الدارين فقال ) فسوف تعلمون ((5/68)
" صفحة رقم 69 "
الزمر : ( 40 ) من يأتيه عذاب . . . . .
) من يأتيه عذاب يخزيه ( فإن خزي أعدائه دليل غلبته وقد أخزاهم الله يوم بدر ) ويحل عليه عذاب مقيم ( دائم وهو عذاب النار
الزمر : ( 41 ) إنا أنزلنا عليك . . . . .
) إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس ( لأجلهم فإنه مناط مصالحهم في معاشهم ومعادهم ) بالحق ( متلبسا به ) فمن اهتدى فلنفسه ( إذ نفع به نفسه ) ومن ضل فإنما يضل عليها ( فإن وباله لا يتخطاها ) وما أنت عليهم بوكيل ( وما وكلت عليهم لتجبرهم على الهدى وإنما أمرت بالبلاغ وقد بلغت
الزمر : ( 42 ) الله يتوفى الأنفس . . . . .
) الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ( أي يقبضها عن الأبدان بأن يقطع تعلقها عنها وتصرفها فيها إما ظاهرا وباطنا وذلك عند الموت أو ظاهرا لا باطنا وهو في النوم ) فيمسك التي قضى عليها الموت ( ولا يردها إلى البدن وقرأ حمزة والكسائي قضي بضم القاف وكسر الضاد والموت بالرفع ) ويرسل الأخرى ( أي النائمة إلى بدنها عند اليقظة ) إلى أجل مسمى ( هو الوقت المضروب لموته وهو غاية جنس الإرسال وما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن في ابن آدم نفسا وروحا بينهما مثل شعاع الشمس فالنفس التي بها العقل والتمييز والروح التي بها النفس والحياة فيتوفيان عند الموت وتتوفى النفس وحدها عند النوم قريب مما ذكرناه ) إن في ذلك ( من التوفي والإمساك والإرسال ) لآيات ( دالة على كمال قدرته وحكمته وشمول رحمته ) لقوم يتفكرون ( في كيفية تعلقها بالأبدان وتوفيها عنها بالكلية حين الموت وإمساكها باقية لا تفنى بفنائها وما يعتريها من السعادة والشقاوة والحكمة في توفيها عن ظواهرها وإرسالها حينا بعد حين إلى توفي آجالها
الزمر : ( 43 ) أم اتخذوا من . . . . .
) أم اتخذوا ( بل اتخذت قريش ) من دون الله شفعاء ( تشفع لهم عند الله ) قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون ( ولو كانوا على هذه الصفة كما تشاهدونهم جمادات لا تقدر ولا تعلم(5/69)
" صفحة رقم 70 "
الزمر : ( 44 ) قل لله الشفاعة . . . . .
) قل لله الشفاعة جميعا ( لعله رد لما عسى يجيبون به وهو أن الشفعاء أشخاص مقربون هي تماثيلهم والمعنى أنه مالك الشفاعة كلها لا يستطيع أحد شفاعة إلا بإذنه ورضاه ولا يستقل بها ثم قرر ذلك فقال ) له ملك السماوات والأرض ( فإنه مالك الملك كله لا يملك أحد أن يتكلم في أمره دون إذنه ورضاه ) ثم إليه ترجعون ( يوم القيامة فيكون الملك له أيضا حينئذ
الزمر : ( 45 ) وإذا ذكر الله . . . . .
) وإذا ذكر الله وحده ( دون آلهتهم ) اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ( انقبضت ونفرت ) وإذا ذكر الذين من دونه ( يعني الأوثان ) إذا هم يستبشرون ( لفرط افتتانهم بها ونسيانهم حق الله ولقد بالغ في الأمرين حتى بلغ الغاية فيهما فإن الاستبشار أن يمتلىء قلبه سرورا حتى تنبسط له بشرة وجهه والاشمئزاز أن يمتلىء غما حتى ينقبض أديم وجهه والعامل في ) إذا ذكر ( العامل في إذ المفاجأة
الزمر : ( 46 ) قل اللهم فاطر . . . . .
) قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة ( التجىء إلى الله بالدعاء لما تحيرت في أمرهم وضجرت من عنادهم وشدة شكيمتهم فإنه القادر على الأشياء والعالم بالأحوال كلها ) أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ( فأنت وحدك تقدر أن تحكم بيني وبينهم
الزمر : ( 47 ) ولو أن للذين . . . . .
) ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة ( وعيد شديد وإقناط كلي لهم من الخلاص
الزمر : ( 48 ) وبدا لهم سيئات . . . . .
) وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ( زيادة مبالغة فيه وهو نظير قوله تعالى ) فلا تعلم نفس ما أخفي لهم ( في الوعد ) وبدا لهم سيئات ما كسبوا ( سيئات أعمالهم أو كسبهم حين تعرض صحائفهم ) وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون ( وأحاط بهم جزاؤه
الزمر : ( 49 ) فإذا مس الإنسان . . . . .
) وإذا مس الإنسان الضر دعانا ( إخبار عن الجنس بما يغلب فيه والعطف على قوله(5/70)
" صفحة رقم 71 "
) وإذا ذكر الله وحده ( بالفاء لبيان مناقضتهم وتعكيسهم في التسبب بمعنى أنهم يشمئزون عن ذكر الله وحده ويستبشرون بذكر الآلهة فإذا مسهم ضر دعوا من اشمأزوا من ذكره دون من استبشروا بذكره وما بينهما اعتراض مؤكد لإنكار ذلك عليهم ) ثم إذا خولناه نعمة منا ( أعطيناه إياه تفضلا فإن التخويل مختص به ) قال إنما أوتيته على علم ( مني بوجوه كسبه أو يأتي سأعطاه لما لي من استحققه أو من الله بي واستحقاقي وألهاه فيه لما إن جعلت موصولة وإلا فللنعمة والتذكير لأن المراد شيء منها ) بل هي فتنة ( امتحان له أيشكر أم يكفر وهو رد لما قاله وتأنيث الضمير باعتبار الخير أو لفظ ال ) نعمة ( وقرىء بالتذكير ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( ذلك وهو دليل على أن الإنسان للجنس
الزمر : ( 50 ) قد قالها الذين . . . . .
) قد قالها الذين من قبلهم ( الهاء لقوله ) إنما أوتيته على علم ( لأنها كلمة أو جملة وقرىء بالتذكير ) والذين من قبلهم ( قارون وقومه فإنه قاله ورضي به قومه ) فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ( من متاع الدنيا
الزمر : ( 51 ) فأصابهم سيئات ما . . . . .
) فأصابهم سيئات ما كسبوا ( جزاء سيئات أعمالهم أو جزاء أعمالهم وسماه سيئة لأنه في مقابلة أعمالهم السيئة رمزا إلى أن جميع أعمالهم كذلك ) والذين ظلموا ( بالعتو ) من هؤلاء ( المشركين و ) من ( للبيان أو للتبغيض ) سيصيبهم سيئات ما كسبوا ( كما أصاب أولئك وقد أصابهم فإنهم قحطوا سبع سنين وقتل ببدر صناديدهم ) وما هم بمعجزين ( بفائتين
الزمر : ( 52 ) أولم يعلموا أن . . . . .
) أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ( حيث حبس عنهم الرزق سبعا ثم بسط لهم سبعا ) إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ( بأن الحوادث كلها من الله بوسط أو غيره
الزمر : ( 53 - 54 ) قل يا عبادي . . . . .
) قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ( أفرطوا في الجناية عليها بالإسراف في المعاصي وإضافة العباد تخصصه بالمؤمنين على ما هو عرف القرآن ) لا تقنطوا من رحمة الله ( لا تيأسوا من مغفرته أولا وتفضله ثانيا ) إن الله يغفر الذنوب جميعا ( عفوا ولو بعد بعد تقييده بالتوبة خلاف الظاهر ويدل على إطلاقه فيما عدا الشرك قوله تعالى ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ((5/71)
" صفحة رقم 72 "
الآية والتعليل بقوله ) إنه هو الغفور الرحيم ( على المبالغة وإفادة الحصر والوعد بالرحمة بعد المغفرة وتقديم ما يستدعي عموم المغفرة مما في ) عبادي ( من الدلالة على الذلة والاختصاص المقتضيين للترحم وتخصيص ضرر الإسراف بأنفسهم والنهي عن القنوط مطلقا عن الرحمة فضلا عن المغفرة وإطلاقها وتعليله بأن الله يغفر الذنوب جميعا ووضع ) اسم ( موضع الضمير لدلالته على أنه المستغني والمنعم على الإطلاق والتأكيد بالجميع وما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قال ما أحب أن تكون لي الدنيا وما فيها بها فقال رجل يا رسول الله ومن أشرك فسكت ساعة ثم قال ألا ومن أشرك ثلاث مرات وما روي أن أهل مكة قالوا يزعم محمد أن من عبد الوثن وقتل النفس بغير حق لم يغفر له فكيف ولم نهاجر وقد عبدنا الأوثان وقتلنا النفس فنزلت وقيل في عياش والوليد بن الوليد في جماعة افتتنوا أو في الوحشي لا ينفي عمومها وكذا قوله(5/72)
" صفحة رقم 73 "
) وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ( فإنها لا تدل على حصول المغفرة لكل أحد من غير توبة وسبق تعذيب لتغني عن التوبة والإخلاص في العمل وتنافي الوعيد بالعذاب
الزمر : ( 55 ) واتبعوا أحسن ما . . . . .
) واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ( القرآن أو المأمور به دون المنهي عنه أو العزائم دون الرخص أو الناسخ دون المنسوخ ولعله ما هو أنجى وأسلم كالإنابة والمواظبة على الطاعة ) من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ( بمجيئه فتتداركوا
الزمر : ( 55 ) واتبعوا أحسن ما . . . . .
) أن تقول نفس ( كراهة أن تقول وتنكير ) نفس ( لأن القائل بعض الأنفس أو للتكثير كقول الأعشى " ورب بقيع لو هتفت بجوه أتاني كريم ينفض الرأس مغضبا " (5/73)
" صفحة رقم 74 "
) يا حسرتى ( وقرىء بالياء على الأصل ) على ما فرطت ( بما قصرت ) في جنب الله ( في جانبه أي في حقه وهو طاعته قال سابق البريري " أما تتقين الله في جنب وامق له كبد حرى عليك تقطع " وهو كناية فيها مبالغة كقوله " إن السماحة والمروءة والندى في قبة ضربت على ابن الحشرج " وقيل في ذاته على تقدير مضاف كالطاعة وقيل في قربه من قوله تعالى ) والصاحب بالجنب ( وقرىء في ذكر الله ) وإن كنت لمن الساخرين ( المستهزئين بأهله ومحل ) إن كنت ( نصب على الحال كأنه قال فرطت وأنا ساخر
الزمر : ( 57 ) أو تقول لو . . . . .
) أو تقول لو أن الله هداني ( بالإرشاد إلى الحق ) لكنت من المتقين ( الشرك والمعاصي
الزمر : ( 58 ) أو تقول حين . . . . .
) أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين ( في العقيدة والعمل و أو للدلالة على أنها لا تخلو من هذه الأقوال تحيرا وتعللا بما لا طائل تحته
الزمر : ( 59 ) بلى قد جاءتك . . . . .
) بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين ( رد من الله عليه لما تضمنه قوله ) لو أن الله هداني ( من معنى النفي وفصله عنه لأن تقديمه يفرق القرائن وتأخير المودود يخل بالنظم المطابق للوجود لأنه يتحسر بالتفريط ثم يتعلل بفقد الهداية ثم(5/74)
" صفحة رقم 75 "
يتمنى الرجعة وهو لا يمنع تأثير قدرة الله في فعل العبد ولا ما فيه من إسناد الفعل إليه كما عرفت وتذكير الخطاب على المعنى وقرئ بالتأنيث للنفس
الزمر : ( 60 ) ويوم القيامة ترى . . . . .
) ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله ( بأن وصفوه بما لا يجوز كاتخاذ الولد ) وجوههم مسودة ( بما ينالهم من الشدة أو بما يتخيل عليها من ظلمة الجهل والجملة حال إذ الظاهر أن ترى من رؤية البصر واكتفى فيها بالضمير عن الواو ) أليس في جهنم مثوى ( مقام ) للمتكبرين ( عن الإيمان والطاعة وهو تقرير لأنهم يرون كذلك
الزمر : ( 61 ) وينجي الله الذين . . . . .
) وينجي الله الذين اتقوا ( وقرئ وينجي ) بمفازتهم ( بفلاحهم مفعلة من الفوز وتفسيرها بالنجاة تخصيصها بأهم أقسامه وبالسعادة والعمل الصالح إطلاق لها على السبب وقرأ الكوفيون غير حفص بالجمع تطبيقا لهم بالمضاف إليه والباء فيها للسببية صلة لينجي أو لقوله ) لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون ( وهو حال أو استئناف لبيان المفازة
الزمر : ( 62 ) الله خالق كل . . . . .
) الله خالق كل شيء ( من خير وشر وإيمان وكفر ) وهو على كل شيء وكيل ( يتولى التصرف
الزمر : ( 63 ) له مقاليد السماوات . . . . .
) له مقاليد السماوات والأرض ( لا يملك أمرها ولا يتمكن من التصرف فيها غيره وهو كنايه عن قدرته وحفظه لها وفيها مزيد دلالة على الاختصاص لأن الجزئن لا يدخلها ولا يتصرف فيها إلا من بيده مفاتيحها وهو جمع مقليد أو مقلاد من قلدته إذا ألزمته وقيل جمع إقليد معرب إكليد على الشذوذ كمذاكير وعن عثمان رضي الله عنه أنه سأل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن المقاليد فقال تفسيرها لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله وبحمده وأستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وهو الأول والآخر والظاهر والباطن بيده الخير يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير والمعنى على هذا إن لله هذه الكلمات يوحد بها(5/75)
" صفحة رقم 76 "
ويمجد وهي مفاتيح خير السموات والأرض من تكلم بها أصابه ) والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون ( متصل بقوله ) وينجي الله الذين اتقوا ( وما بينهما اعتراض للدلالة على أنه مهيمن على العباد مطلع على أفعالهم مجاز عليها وتغيير النظم للإشعار بأن العمدة في فلاح المؤمنين فضل الله وفي هلاك الكافرين أن خسروا أنفسهم وللتصريح بالوعد والتعريض بالوعيد قضية للكرم أو بما يليه والمراد بآيات الله دلائل قدرته واستبداده بأمر السموات والأرض أو كلمات توحيده وتمجيده وتخصيص الخسار بهم لأن غيرهم ذو حظ من الرحمة والثواب
الزمر : ( 64 ) قل أفغير الله . . . . .
) قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ( أي أفغير الله أعبد بعد هذه الدلائل والمواعيد و ) تأمروني ( اعتراض للدلالة على أنهم أمروه به عقيب ذلك وقالوا استلم بعض آلهتنا ونؤمن بإلهك لفرط غباوتهم ويجوز أن ينتصب غير بما دل عليه ) تأمروني أعبد ( لأنه بمعنى تعبدونني على أن أصله تأمرونني أن أعبد فحذف إن ورفع كقوله " ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى " ويؤيده قراءة ) أعبد ( وقرأ ابن عامر تأمرونني بإظهار النونين على الأصل ونافع بحذف الثانية فإنها تحذف كثيرا
الزمر : ( 65 ) ولقد أوحي إليك . . . . .
) ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك ( أي من الرسل ) لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ( كلام على سبيل الفرض والمراد به تهييج الرسل وإقناط الكفرة والإشعار على حكم الأمة وإفراد الخطاب باعتبار كل واحد واللام الأولى موطئة(5/76)
" صفحة رقم 77 "
للقسم والأخريان للجواب وإطلاق الإحباط يحتمل أن يكون من خصائصهم لأن شركهم أقبح وأن يكون على التقييد بالموت كما صرح به في قوله ) ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم ( وعطف الخسران عليه من عطف المسبب على السبب
الزمر : ( 66 ) بل الله فاعبد . . . . .
) بل الله فاعبد ( رد لما امروه به ولولا دلالة التقديم على الاختصاص لم يكن كذلك ) وكن من الشاكرين ( إنعامه عليك وفيه إشارة إلى موجب الاختصاص
الزمر : ( 67 ) وما قدروا الله . . . . .
) وما قدروا الله حق قدره ( ما قدروا عظمته في أنفسهم حق تعظيمه حيث جعلوا له شركاء ووصفوه بما لا يليق به وقرئ بالتشديد ) والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ( تنبيه على عظمته وحقارة الأفعال العظام التي تتحير فيها الأوهام بالإضافة إلى قدرته ودلالة على ان تخريب العالم أهون شيء عليه على طريقة التمثيل والتخييل من غير اعتبار القبضة واليمين حقيقة ولا مجازا كقولهم شابت لمة الليل والقبضة المرة من القبض أطلقت بمعنى القبضة وهي المقدار المقبوض بالكف تسمية بالمصدر أو بتقدير ذات قبضة وقرئ بالنصب على الظرف تشبيها للمؤقت بالمبهم وتأكيد ) الأرض ( بالجميع لأن المراد بها الأرضون السبع أو جميع أبعاضها البادية والغائرة وقرئ ) مطويات ( على أنها حال و ) السماوات ( معطوفة على ) الأرض ( منظومة في حكمها ) سبحانه وتعالى عما يشركون ( ما أبعد وأعلى من هذه قدرته وعظمته عن إشراكهم أو ما يضاف إليه من الشركاء(5/77)
" صفحة رقم 78 "
الزمر : ( 68 ) ونفخ في الصور . . . . .
) ونفخ في الصور ( يعني المرة الأولى ) فصعق من في السماوات ومن في الأرض ( خر ميتا أو مغشيا عليه ) إلا من شاء الله ( قيل جبريل ومكائيل وإسرافيل فإنهم يموتون بعد وقيل وقيل حملة العرش ) ثم نفخ فيه أخرى ( نفخة أخرى وهي تدل على أن المراد بالأولى ونفخ في الصور نفخة واحدة كما صرح به في مواضع وأخرى تحتمل النصب والرفع ) فإذا هم قيام ( قائمون من قبورهم أو متوقفون وقرىء بالنصب على أن الخبر ) ينظرون ( وهو حال من ضميره والمعنى يقلبون أبصارهم في الجوانب كالمبهوتين أو ينتظرون ما يفعل بهم
الزمر : ( 69 ) وأشرقت الأرض بنور . . . . .
) وأشرقت الأرض بنور ربها ( بما أقام فيها من العدل سماه نور لأنه يزين البقاع ويظهر الحقوق كما سمى الظلم ظلمة وفي الحديث الظلم ظلمات يوم القيامة ولذلك أضاف اسمه إلى ) الأرض ( أو بنور خلق فيها بلا واسطة أجسام مضيئة ولذلك أضافه إلى نفسه ) ووضع الكتاب ( للحساب والجزاء من وضع المحاسب كتاب المحاسبة بين يديه أو صحائف الأعمال في أيدي العمال واكتفى باسم الجنس عن الجمع وقيل اللوح المحفوظ يقابل الصحائف ) وجيء بالنبيين والشهداء ( الذين يشهدون للأمم وعليهم من الملائكة والمؤمنين وقيل المستشهدون ) وقضي بينهم ( بين العباد ) بالحق وهم لا يظلمون ( بنقص ثواب أو زيادة عقاب على ما جرى به الوعد
الزمر : ( 70 ) ووفيت كل نفس . . . . .
) ووفيت كل نفس ما عملت ( جزاءه ) وهو أعلم بما يفعلون ( فلا يفوته شيء من أفعالهم
الزمر : ( 71 ) وسيق الذين كفروا . . . . .
ثم فصل التوفية فقال ) وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا ( أفواجا متفرقة بعضها في أثر بعض على تفاوت(5/78)
" صفحة رقم 79 "
أقدامهم في الضلالة والشرارة جمع زمرة واشتقاقها من الزمر وهو الصوت إذ الجماعة لا تخلو عنه أو من قولهم شاة زمرة قليلة الشعر ورجل زمر قليل المروءة وهي الجمع القليل ) حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها ( ليدخلوها و ) حتى ( وهي التي تحكي بعدها الجملة وقرأ الكوفيون فتحت بتخفيف التاء ) وقال لهم خزنتها ( تقريعا وتوبيخا ) ألم يأتكم رسل منكم ( من جنسكم ) يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا ( وقتكم هذا وهو وقت دخولهم النار وفيه دليل على أنه لا تكليف قبل الشرع من حيث إنهم عللوا توبيخهم بإتيان الرسل وتبليغ الكتب ) قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين ( كلمة الله بالعذاب علينا وهو الحكم عليهم بالشقاوة وأنهم من أهل النار ووضع الظاهر فيه موضع الضمير للدلالة على اختصاص ذلك بالكفرة وقيل هو قوله ) لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين )
الزمر : ( 72 ) قيل ادخلوا أبواب . . . . .
) قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها ( أبهم القائل لتهويل ما يقال لهم ) فبئس مثوى ( مكان ) المتكبرين ( اللام فيه للجنس والمخصوص بالذم سبق ذكره ولا ينافي إشعاره بأن مثواهم في النار لتكبرهم عن الحق أن يكون دخولهم فيها لأن كلمة العذاب حقت عليهم فإن تكبرهم وسائر مقابحهم مسببة عنه كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله تعالى إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخل الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخل به النار(5/79)
" صفحة رقم 80 "
الزمر : ( 73 ) وسيق الذين اتقوا . . . . .
) وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة ( إسراعا بهم إلى دار الكرامة وقيل سيق مراكبهم إذ لا يذهب بهم إلا راكبين ) زمرا ( على تفاوت مراتبهم في الشرف وعلو الطبقة ) حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها ( حذف جواب إذا للدلالة على أن لهم حينئذ من الكرامة والتعظيم ما لا يحيط به الوصف وأن أبواب الجنة تفتح لهم قبل مجيئهم غير منتظرين وقرأ الكوفيون فتحت بالتخفيف ) وقال لهم خزنتها سلام عليكم ( لا يعتريكم بعد مكروه ) طبتم ( طهرتم من دنس المعاصي ) فادخلوها خالدين ( مقدرين الخلود فيها والفاء للدلالة على أن طيبهم سبب لدخولهم وخلودهم وهو لا يمنع دخول العاصي بعفوه لأنه مطهره
الزمر : ( 74 ) وقالوا الحمد لله . . . . .
) وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده ( بالبعث والثواب ) وأورثنا الأرض ( يريدون المكان الذي استقروا فيه على الاستعارة وإيراثها تمليكها مخلفة عليهم من أعمالهم أو تمكينهم من التصرف فيها تمكين الوارث فيما يرثه ) نتبوأ من الجنة حيث نشاء ( أي يتبوأ كل من في أي مقام أراده من جنته الواسعة مع أن في الجنة مقامات معنوية لا يتمانع واردوها ) فنعم أجر العاملين ( الجنة
الزمر : ( 75 ) وترى الملائكة حافين . . . . .
) وترى الملائكة حافين ( محدقين ) من حول العرش ( أي حوله و ) من ( مزيدة أو لابتداء الحفوف ) يسبحون بحمد ربهم ( ملتبسين بحمده والجملة حال ثانية أو مقيدة للأولى والمعنى ذاكرين له بوصفي جلاله وإكرامه تلذذا به وفيه إشعار بأن منتهى درجات(5/80)
" صفحة رقم 81 "
العليين وأعلى لذائذهم هو الاستغراق في صفات الحق ) وقضي بينهم بالحق ( أي بين الخلق بإدخال بعضهم النار وبعضهم الجنة أو بين الملائكة بإقامتهم في منازلهم على حسب تفاضلهم ) وقيل الحمد لله رب العالمين ( أي على ما قضي بيننا بالحق والقائلون هم المؤمنون من المقضي بينهم أو الملائكة وطي ذكرهم لتعينهم وتعظيمهم عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الزمر لم يقطع رجاءه يوم القيامة وأعطاه الله ثواب الخائفين عن عائشة رضي الله عنها أنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقرأ كل ليلة بني إسرائيل والزمر والله أعلم(5/81)
" صفحة رقم 82 "
سورة غافر
مكية وآيها خمس وثمانون
بسم الله الرحمن الرحيم
غافر : ( 1 ) حم
) حم ( أماله ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر صريحا ونافع برواية ورش وأبو عمرو بين بين وقرئ بفتح الميم على التحريك لالتقاء الساكنين أو النصب بإضمار اقرأ ومنع صرفه للتعريف والتأنيث أو لأنها على زنة أعجمة كقابيل وهابيل
غافر : ( 2 ) تنزيل الكتاب من . . . . .
) تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ( لعل تخصيص الوصفين لما في القرآن من الإعجاز والحكم الدال على القدرة الكاملة والحكمة البالغة
غافر : ( 3 ) غافر الذنب وقابل . . . . .
) غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول ( صفات أخرى لتحقيق ما فيه من الترغيب والترهيب والحث على ما هو المقصود منه والإضافة فيها حقيقية على أنه لم يرد بها زمان مخصوص وأريد ب ) شديد العقاب ( مشدده أو الشديد عقابه فحذف اللام للازدواج وأمن الالتباس أو إبدال وجعله وحده بدلا مشوش للنظم وتوسيط الواو بين الأولين لإفادة الجمع بين محو الذنوب وقبول التوبة أو تغاير الوصفين إذ ربما يتوهم الاتحاد أو تغاير موقع الفعلين لأن الغفر هو الستر فيكون لذنب باق وذلك لمن لم يتب فإن(5/82)
" صفحة رقم 83 "
التائب من الذنب كمن لا ذنب له والتوب مصدر كالتوبة وقيل جمعا والطول الفضل بترك العقاب المستحق وفي توحيد صفة العذاب مغمورة بصفات الرحمة دليل رجحانها ) لا إله إلا هو ( فيجب الإقبال الكلي على عبادته ) إليه المصير ( فيجازي المطيع والعاصي
غافر : ( 4 - 5 ) ما يجادل في . . . . .
) ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ( لما حقق أمر التنزيل سجل بالكفر على المجادلين فيه بالطعن وإدحاض الحق لقوله ) وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ( وأما الجدال فيه لحل عقده واستنباط حقائقه وقطع تشبث أهل الزيغ به وقطع مطاعنهم فيه فمن أعظم الطاعات ولذلك قال ( صلى الله عليه وسلم ) إن جدالا في القرآن كفر بالتنكير مع أنه ليس جدالا فيه على الحقيقة ) فلا يغررك تقلبهم في البلاد ( فلا يغررك إمهالهم وإقبالهم في دنياهم وتقلبهم في بلاد الشام واليمن بالتجارات المربحة فإنهم مأخوذون عما قريب بكفرهم أخذ من قبلهم كما قال ) كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم ( والذين تحزبوا على الرسل وناصبوهم بعد قوم نوح كعاد وثمود ) وهمت كل أمة ( من هؤلاء ) برسولهم ( وقرىء برسولها ) ليأخذوه ( ليتمكنوا من إصابته بما أرادوا من تعذيب وقتل من الأخذ بمعنى(5/83)
" صفحة رقم 84 "
الأسر ) وجادلوا بالباطل ( بما لا حقيقة له ) ليدحضوا به الحق ( ليزيلوه به ) فأخذتهم ( بالإهلاك جزاء لهم ) فكيف كان عقاب ( فإنكم تمرون على دياهم وترون أثره وهو تقرير فيه تعجيب
غافر : ( 6 ) وكذلك حقت كلمة . . . . .
) وكذلك حقت كلمة ربك ( وعيده أو قضاؤه بالعذاب ) على الذين كفروا ( بكفرهم ) أنهم أصحاب النار ( بدل من كلمة ) ربك ( بدل الكل أو الاشتمال على إرادة اللفظ أو المعنى
غافر : ( 7 ) الذين يحملون العرش . . . . .
) الذين يحملون العرش ومن حوله ( الكروبيون أعلى طبقات الملائكة وأولهم وجودا وحملهم إياه وحفيفهم حوله مجاز عن حفظهم وتدبيرهم له أو كناية عن قربهم من ذي العرش ومكانتهم عنده وتوسطهم في نفاذ أمره ) يسبحون بحمد ربهم ( يذكرون الله بمجامع الثناء من صفات الجلال والإكرام وجعل التسبيح أصلا والحمد حالا لأن الحمد مقتضى حالهم دون التسبيح أصلا ) ويؤمنون به ( أخبر عنهم بالإيمان إظهارا لفضله وتعظيما لأهله ومساق الآية لذلك كما صرح به بقوله ) ويستغفرون للذين آمنوا ( وإشعارا بأن حملة العرش وسكان الفرش في معرفته سواء ردا على المجسمة واستغفارهم شفاعتهم وحملهم على التوبة وإلهامهم ما يوجب المغفرة وفيه تنبيه على أن المشاركة في الإيمان توجب النصح والشفقة وإن تخالفت الأجناس لأنها أقوى المناسبات كما قال تعالى ) إنما المؤمنون إخوة ( ) ربنا ( أي يقولون ) ربنا ( وهو بيان ل ) يستغفرون ( أو حال(5/84)
" صفحة رقم 85 "
) وسعت كل شيء رحمة وعلما ( أي وسعت رحمتك وعلمك فأزيل عن أصله للإغراق في وصفه بالرحمة والعلم والمبالغة في عمومها وتقديم الرحمة لأنها المقصودة بالذات ها هنا ) فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك ( للذين علمت منهم التوبة واتباع سبيل الحق ) وقهم عذاب الجحيم ( واحفظهم عنه وهو تصريح بعد إشعار للتأكيد والدلالة على شدة العذاب
غافر : ( 8 ) ربنا وأدخلهم جنات . . . . .
) ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ( وعدتهم إياها ) ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ( عطف على هم الأول أي أدخلهم ومعهم هؤلاء ليتم سرورهم أو الثاني لبيان عموم الوعد وقرئ جنة عدن وصلح بالضم وذريتهم بالتوحيد ) إنك أنت العزيز ( الذي لا يمتنع عليه مقدور ) الحكيم ( الذيلا يفعل إلا ما تقتضيه حكمته ومن ذلك الوفاء بالوعد
غافر : ( 9 ) وقهم السيئات ومن . . . . .
) وقهم السيئات ( العقوبات أو جزاء السيئات وهو تعميم بعد تخصيص أو تخصيص بمن ) صلح ( أو المعاصي في الدنيا لقوله ) ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته ( أي ومن تقها في الدنيا فقد رحمته في الآخرة كأنهم طلبوا السبب بعد ما سألوا المسبب ) وذلك هو الفوز العظيم ( يعني الرحمة أو الوقاية أو مجموعهما
غافر : ( 10 ) إن الذين كفروا . . . . .
) إن الذين كفروا ينادون ( يوم القيامة فيقال لهم ) لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم ( أي لمقت الله إياكم أكبر من مقتكم أنفسكم الأمارة بالسوء ) إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون ( ظرف لفعل دل عليه المقت الأول لا له لأنه أخبر عنه ولا للثاني لأن(5/85)
" صفحة رقم 86 "
مقتهم أنفسهم يوم القيامة حين عاينوا جزاء أعمالهم الخبيثة إلا أن يؤول بنحو بالصيف ضيعت اللبن أو تعليل للحكم وزمان المقتين واحد
غافر : ( 11 - 12 ) قالوا ربنا أمتنا . . . . .
) قالوا ربنا أمتنا اثنتين ( إماتتين بأن خلقتنا أمواتا ثم صيرتنا أمواتا عند انقضاء آجالنا فإن الإماتة جعل الشيء عادم الحياة ابتداء أو بتصيير كالتصغير والتكبير ولذلك قيل سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل وإن خص بالتصيير فاختيار الفاعل المختار أحد مفعوليه تصيير وصرف له عن الآخر ) وأحييتنا اثنتين ( الإحياءة الأولى وإحياءة البعث وقيل الإماتة الأولى عند انخرام الأجل والثانية في القبر بعد الإحياء للسؤال والإحياءان ما في القبر والبعث إذ المقصود اعترافهم بعد المعاينة بما غفلوا عنه ولم يكترثوا به ولذلك تسبب بقوله ) فاعترفنا بذنوبنا ( فإن اقترافهم لها من اغترارهم بالدنيا وإنكارهم البعث ) فهل إلى خروج ( نوع خروج من النار ) من سبيل ( طريق فنسلكه وذلك إنما يقولونه من فرط قنوطهم تعللا وتحيرا ولذلك أجيبوا بقوله ) ذلكم ( الذي أنتم فيه ) بأنه ( بسبب أنه ) إذا دعي الله وحده ( متحدا أو توحد وحده فحذف الفعل وأقيم مقامه في الحالية ) كفرتم ( بالتوحيد ) وإن يشرك به تؤمنوا ((5/86)
" صفحة رقم 87 "
بالإشراك ) فالحكم لله ( المستحق للعبادة حيث حكم عليكم بالعذاب السرمد الدائم ) العلي ( عن أن يشرك به ويسوى بغيره ) الكبير ( حيث حكم على من أشرك وسوى به بعض مخلوقاته في استحقاق العبادة بالعذاب السرمد
غافر : ( 13 ) هو الذي يريكم . . . . .
) وهو الذي يريكم آياته ( الدالة على التوحيد وسائر ما يجب أن يعلم تكميلا لنفوسكم ) وينزل لكم من السماء رزقا ( أسباب رزق كالمطر مراعاة لمعاشكم ) وما يتذكر ( بالآيات التي هي كالمركوزة في العقول لظهورها المغفول عنها للانهماك في التقليد واتباع الهوى ) إلا من ينيب ( يرجع عن الإنكار بالإقبال عليها والتفكير فيها فإن الجازم بشيء لا ينظر فيما ينافيه
غافر : ( 14 ) فادعوا الله مخلصين . . . . .
) فادعوا الله مخلصين له الدين ( من الشرك ) ولو كره الكافرون ( إخلاصكم وشق عليهم
غافر : ( 15 ) رفيع الدرجات ذو . . . . .
) رفيع الدرجات ذو العرش ( خبران آخران للدلالة على علو صمديته من حيث المعقول والمحسوس الدال على تفرده في الألوهية فإن من ارتفعت درجات كماله بحيث لا يظهر دونها كمال وكان العرش الذي هو أصل العالم الجسماني في قبضة قدرته لا يصح أن يشرك به وقيل الدرجات مراتب المخلوقات أو مصاعد الملائكة إلى العرش أو السموات أو درجات الثواب وقرىء رفيع بالنصب على المدح ) يلقي الروح من أمره ( خبر رابع للدلالة على أن الروحانيات أيضا مسخرات لأمره بإظهار آثارها وهو الوحي وتمهيد للنبوة بعد تقرير التوحيد والروح الوحي ومن أمره بيانه لأنه أمر بالخير أو مبدؤه والآمرهو الملك المبلغ ) على من يشاء من عباده ( يختاره للنبوة وفيه دليل على أنها عطائية ) لينذر ( غاية الإلقاء والمستكن فيه لله أو لمن أو للروح واللام مع القرب تؤيد الثاني ) يوم التلاق ( يوم القيامة فإن فيه تتلاقى الأرواح والأجساد وأهل السماء والأرض أو المعبودون والعباد أو الأعمال والعمال
غافر : ( 16 ) يوم هم بارزون . . . . .
) يوم هم بارزون ( خارجون من قبورهم أو ظاهرون لا يسترهم شيء أو ظاهرة نفوسهم لا تحجبهم غواشي الأبدان أو أعمالهم وسرائرهم ) لا يخفى على الله منهم شيء ((5/87)
" صفحة رقم 88 "
من أعيانهم وأعمالهم وأحوالهم وهو تقرير لقوله ) هم بارزون ( وإزاحة لنحو ما يتوهم في الدنيا ) لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ( حكاية لما يسأل عنه في ذلك اليوم ولما يجاب به أو لما دل عليه ظاهر الحال فيه من زوال الأسباب وارتفاع الوسائط وأما حقيقة الحال فناطقة بذلك دائما
غافر : ( 17 ) اليوم تجزى كل . . . . .
) اليوم تجزى كل نفس بما كسبت ( كأنه نتيجة لما سبق وتحقيقه أن النفوس تكتسب بالعقائد والأعمال هيئات توجب لذتها وأملها لكنها لا تشعر بها في الدنيا لعوائق تشغلها فإذا قامت قيامتها زالت العوائق وأدركت لذاتها وألمها ) لا ظلم اليوم ( ينقص الثواب وزيادة العقاب ) إن الله سريع الحساب ( إذ لا يشغله شأن عن شأن فيصل إليهم ما يستحقونه سريعا
غافر : ( 18 ) وأنذرهم يوم الآزفة . . . . .
) وأنذرهم يوم الآزفة ( أي القيامة سميت بها لأزوفها أي قربها أو الخطة الآزفة وهي مشارفتهم النار وقيل الموت ) إذ القلوب لدى الحناجر ( فإنها ترتفع عن أماكنها فتلصق بحلوقهم فلا تعود فيتروحوا ولا تخرج فيستريحوا ) كاظمين ( على الغم حال من أصحاب القلوب على المعنى لأنه على الإضافة أو منها أو من ضميرها في لدى وجمعه كذلك لأن الكظم من أفعال العقلاء كقوله ) فظلت أعناقهم لها خاضعين ( أو من مفعول ) أنذرهم ( على أنه حال مقدرة ) ما للظالمين من حميم ( قريب مشفق ) ولا شفيع يطاع ( ولا شفيع مشفع والضمائر إن كانت للكفار وهو الظاهر كان وضع الظالمين موضع ضميرهم للدلالة على اختصاص ذلك بهم وأنه لظلمهم
غافر : ( 19 ) يعلم خائنة الأعين . . . . .
) يعلم خائنة الأعين ( النظرة الخائنة كالنظرة الثانية إلى غير المحرم واستراق النظر(5/88)
" صفحة رقم 89 "
إليه أو خيانة الأعين ) وما تخفي الصدور ( من الضمائر والجملة خبر خامس للدلالة على أنه ما من خفي إلا وهو متعلق العلم والجزاء
غافر : ( 20 ) والله يقضي بالحق . . . . .
) والله يقضي بالحق ( لأنه المالك الحاكم على الإطلاق فلا يقضي بشيء إلا وهو حقه ) والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء ( تهكم بهم لأن الجماد لا يقال فيه إنه يقضي أو لا يقضي وقرأ نافع وهشام بالتاء على الالتفات أو إضمار قل ) إن الله هو السميع البصير ( تقرير لعلمه ب ) خائنة الأعين ( وقضائه بالحق ووعيد لهم على ما يقولون ويفعلون وتعريض بحال ما ) يدعون من دونه )
غافر : ( 21 ) أولم يسيروا في . . . . .
) أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم ( مآل حال الذين كذبوا الرسل قبلهم كعاد وثمود ) كانوا هم أشد منهم قوة ( قدرة وتمكنا وإنما جيء بالفصل وحقه أن يقع بين معرفتين لمضارعة أفعل من للمعرفة في امتناع دخول اللام عليه وقرأ ابن عامر أشد منكم بالكاف ) وآثارا في الأرض ( مثل القلاع والمدائن الحصينة وقيل المعنى وأكثر آثارا كقوله متقلدا سيفا ورمحا ) فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق ( يمنع العذاب عنهم
غافر : ( 22 ) ذلك بأنهم كانت . . . . .
) ذلك ( الأخذ ) بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات ( بالمعجزات أو الأحكام الواضحة ) فكفروا فأخذهم الله إنه قوي ( متمكن مما يريده غاية التمكن ) شديد العقاب ( لا يؤبه بعقاب دون عقابه
غافر : ( 23 ) ولقد أرسلنا موسى . . . . .
) ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ( يعني المعجزات ) وسلطان مبين ( وحجة قاهرة ظاهرة والعطف لتغاير الوصفين أو لإفراد بعض المعجزات كالعصا تفخيما لشأنه
غافر : ( 24 ) إلى فرعون وهامان . . . . .
) إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب ( يعنون موسى عليه الصلاة والسلام وفيه تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وبيان لعاقبة من هو أشد الذين كانوا من قبلهم بطشا وأقربهم زمانا
غافر : ( 25 ) فلما جاءهم بالحق . . . . .
) فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم ( أي أعيدوا عليهم ما كنتم تفعلون بهم أولا كي يصدوا عن مظاهرة موسى عليه السلام ) وما كيد الكافرين إلا في ضلال ( في ضياع ووضع الظاهر فيه موضع الضمير لتعميم الحكم والدلالة على العلة(5/89)
" صفحة رقم 90 "
غافر : ( 26 ) وقال فرعون ذروني . . . . .
) وقال فرعون ذروني أقتل موسى ( كانوا يكفونه عن قتله ويقولون إنه ليس الذي تخافه بل هو ساحر ولو قتلته ظن أنك عجزت عن معارضته بالحجة وتعلله بذلك مع كونه سفاكا في أهون شيء دليل على أنه تيقن أنه نبي فخاف من قتله أو ظن أنه لو حاوله لم يتيسر له ويؤيده قوله ) وليدع ربه ( فإنه تجلد وعدم مبالاة بدعائه ) إني أخاف ( إن لم أقتله ) أن يبدل دينكم ( أن يغير ما أنتم عليه من عبادته وعبادة الأصنام لقوله تعالى ) ويذرك وآلهتك ( ) أو أن يظهر في الأرض الفساد ( ما يفسد دنياكم من التحارب والتهارج إن لم يقدر أن يبطل دينكم بالكلية وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر بالواو على معنى الجمع وابن كثير وابن عامر والكوفيون غير حفص بفتح الياء والهاء ورفع الفساد
غافر : ( 27 ) وقال موسى إني . . . . .
) وقال موسى ( أي لقومه لما سمع بكلامه ) إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ( صدر الكلام بأن تأكيدا وإشعارا على أن السبب المؤكد في دفع الشر هو العياذ بالله وخص اسم الرب لأن المطلوب هو الحفظ والتربية وإضافته إليه وإليهم حثا لهم على موافقته لما في تظاهر الأرواح من استجلاب الإجابة ولم يسم فرعون وذكر وصفا يعمه وغيره لتعميم الاستعاذة ورعاية الحق والدلالة على الحامل له على القول وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي ) عذت ( فيه وفي سورة الدخان بالإدغام وعن نافع مثله
غافر : ( 28 ) وقال رجل مؤمن . . . . .
) وقال رجل مؤمن من آل فرعون ( من أقاربه وقيل ) من ( متعلق بقوله ) يكتم إيمانه ( والرجل إسرائيلي أو غريب موحد كان ينافقهم ) أتقتلون رجلا ( أتقصدون قتله ) أن يقول ( لأن يقول أو وقت أن يقول من غير روية وتأمل في أمره ) ربي الله ( وحده وهو في الدلالة على الحصر مثل صديقي زيد ) وقد جاءكم بالبينات ( المتكثرة الدالة على صدقه من المعجزات والاستدلالات ) من ربكم ( أضافه إليهم بعد ذكر البينات احتجاجا(5/90)
" صفحة رقم 91 "
عليهم واستدراجا لهم إلى الاعتراف به ثم أخذهم بالاحتجاج من باب الاحتياط فقال ) وإن يك كاذبا فعليه كذبه ( لا يتخطاه وبال كذبه فيحتاج في دفعه إلى قتله ) وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ( فلا أقل من أن يصيبكم بعضه وفيه مبالغة في التحذير وإظهار للإنصاف وعدم التعصب ولذلك قدم كونه كاذبا أو يصبكم ما يعدكم من عذاب الدنيا وهو بعض مواعيده كأنه خوفهم بما هو أظهر احتمالا عندهم وتفسير ال ) بعض ( بالكل كقول لبيد " تراك أمكنة إذا لم أرضها أو يرتبط بعض النفوس حمامها " مردود لأنه أراد بال ) بعض ( نفسه ) إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ( احتجاج ثالث ذو وجهين أحدهما أنه لو كان مسرفا كذابا لما هداه الله إلى البينات ولما عضده بتلك المعجزات وثانيهما أن من خذله الله أهلكه فلا حاجة لكم إلى قتله ولعله أراد به المعنى الأول وخيل إليهم الثاني لتلين شكيمتهم وعرض به لفرعون بأنه ) مسرف كذاب ( لا يهديه الله سبيل الصواب وطريق النجاة
غافر : ( 29 ) يا قوم لكم . . . . .
) يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين ( غالبين عالين ) في الأرض ( أرض مصر ) فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ( أي فلا تفسدوا أمركم ولا تتعرضوا لبأس الله بقتله فإنه إن جاءنا لم يمنعنا منه أحد و إنما أدرج نفسه في الضميرين لأنه كان منهم في القرابة وليريهم أنه معهم ومساهمهم فيما ينصح لهم ) قال فرعون ما أريكم ( ما أشير عليكم ) إلا ما أرى ( وأستصوبه من قتله وما أعلمكم إلا ما علمت من الصواب وقلبي ولساني متواطئان عليه ) وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ( طريق الصواب وقرئ بالتشديد على انه فعال للمبالغة من رشد كعلام أو من رشد كعباد لا من أرشد كجبار من أجبر لأنه مقصور على السماع أو بالنسبة إلى الرشد كعواج وبتات(5/91)
" صفحة رقم 92 "
غافر : ( 30 ) وقال الذي آمن . . . . .
) وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم ( في تكذيبه والتعرض له ) مثل يوم الأحزاب ( مثل أيام الأمم الماضية يعني وقائعهم وجمع ) الأحزاب ( مع التفسير أغنى عن جمع ) اليوم )
غافر : ( 31 ) مثل دأب قوم . . . . .
) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود ( مثل جزاء ما كانوا عليه دائبا من الكفر وإيذاء الرسل ) والذين من بعدهم ( كقوم لوط ) وما الله يريد ظلما للعباد ( فلا يعاقبهم بغير ذنب ولا يخلي الظالم منهم بغير انتقام وهو أبلغ من قوله تعالى ) وما ربك بظلام للعبيد ( من حيث أن المنفي فيه حدوث تعلق إرادته بالظلم
غافر : ( 32 ) ويا قوم إني . . . . .
) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ( يوم القيامة ينادي فيه بعضهم بعضا للاستغاثة أو يتصايحون بالويل والثبور أو يتنادى أصحاب الجنة وأصحاب النار كما حكي في الأعراف وقرئ بالتشديد وهو أن يند بعضهم من بعض كقوله تعالى ) يوم يفر المرء من أخيه )
غافر : ( 33 ) يوم تولون مدبرين . . . . .
) يوم تولون ( عن الموقف ) مدبرين ( منصرفين عنه إلى النار وقيل فارين عنها ) ما لكم من الله من عاصم ( يعصمكم من عذابه ) ومن يضلل الله فما له من هاد )
غافر : ( 34 ) ولقد جاءكم يوسف . . . . .
) ولقد جاءكم يوسف ( يوسف بن يعقوب على أن فرعونه فرعون موسى أو على نسبة أحوال الآباء إلى الأولاد أو سبطه يوسف بن إبراهيم بن يوسف ) من قبل ( من قبل موسى ) بالبينات ( بالمعجزات ) فما زلتم في شك مما جاءكم به ( من الدين ) حتى إذا هلك ( مات ) قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا ( ضما إلى تكذيب رسالته تكذيب رسالة من بعده أو جزما بأن لا يبعث من بعده رسول مع الشك في رسالته وقرئ ألن يبعث الله على أن بعضهم يقرر بعضا بنفي البعث ) كذلك ( مثل ذلك الضلال ) يضل الله ( في العصيان ) من هو مسرف مرتاب ( شاك فيما تشهد به البينات لغلبة الوهم والانهماك في التقليد
غافر : ( 35 ) الذين يجادلون في . . . . .
) والذين يجادلون في آيات الله ( بدل من الموصول الأول لأنه بمعنى الجمع ) بغير سلطان أتاهم ((5/92)
" صفحة رقم 93 "
بغير حجة بل إما بتقليد أو بشبهة داحضة ) كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا ( فيه ضمير من وإفراده للفظ ويجوز أن يكون الذين آمنوا مبتدأ وخبره ) كبر ( على حذف مضاف أي وجدال الذين يجادلون كبر مقتا أو بغير سلطان وفاعل ) كبر ( ) كذلك ( أي كبر مقتا مثل ذلك الجدال فيكون قوله ) يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ( استئنافا للدلالة على الموجب لجدالهم وقرأ أبو عمرو وابن ذكوان قلب بالتنوين على وصفه بالتكبر والتجبر لأنه منبعهما كقولهم رأت عيني وسمعت أذني أو على حذف مضاف أي على كل ذي قلب متكبر
غافر : ( 36 ) وقال فرعون يا . . . . .
) وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا ( بناء مكشوفا عاليا من صرح الشيء إذا ظهر ) لعلي أبلغ الأسباب ( الطرق
غافر : ( 37 ) أسباب السماوات فأطلع . . . . .
) أسباب السماوات ( بيان لها أو في إبهامها ثم إيضاحها تفخيم لشأنها وتشويق للسامع إلى معرفتها ) فأطلع إلى إله موسى ( عطف على ) أبلغ ( وقرأ حفص بالنصب على جواب الترجي ولعله أراد أن يبني له رصدا في موضع عال يرصد منه أحوال الكواكب التي هي أسباب سماوية تدل على الحوادث الأرضية فيرى هل فيها ما يدل على إرسال الله إياه أو إن يرى فساد قول موسى بأن أخباره من إله السماء يتوقف على اطلاعه ووصوله إليه وذلك لا يتأتى إلا بالصعود إلى السماء وهو مما لا يقوى عليه الإنسان وذلك لجهله بالله وكيفية استنبائه ) وإني لأظنه كاذبا ( في دعوى الرسالة ) وكذلك ( ومثل التزيين ) زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل ( سبيل الرشاد والفاعل على الحقيقة هو الله تعالى ويدل عليه أنه قرئ زين بالفتح وبالتوسط الشيطان وقرأ الحجازيان والشامي وأبو عمرو ) وصد ( على أن فرعون صد الناس عن الهدى بأمثال هذه التمويهات والشبهات ويؤيده ) وما كيد فرعون إلا في تباب ( أي خسار
غافر : ( 38 ) وقال الذي آمن . . . . .
) وقال الذي آمن ( يعني مؤمن آل فرعون وقيل موسى عليه الصلاة والسلام ) يا قوم اتبعون أهدكم ((5/93)
" صفحة رقم 94 "
بالدلالة ) سبيل الرشاد ( سبيلا يصل سالكه إلى المقصود وفيه تعريض بأن ما عليه فرعون وقومه سبيل الغي
غافر : ( 39 ) يا قوم إنما . . . . .
) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع ( تمتع يسير لسرعة زوالها ) وإن الآخرة هي دار القرار ( لخلودها
غافر : ( 40 ) من عمل سيئة . . . . .
) من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ( عدلا من الله وفيه دليل على أن الجنايات تغرم بمثلها ) ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب ( بغير تقدير وموازنة بالعمل بل أضعافا مضاعفة فضلا منه ورحمة ولعل تقسيم العمال وجعل الجزاء جملة اسمية مصدرة باسم الإشارة وتفضيل الثواب لتغليب الرحمة وجعل عمدة والإيمان حالا للدلالة على أنه شرط في اعتبار العمل وأن ثوابه أعلى من ذلك
غافر : ( 41 ) ويا قوم ما . . . . .
) ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار ( كرر ندائهم إيقاظا لهم عن سنة الغفلة واهتماما بالمنادى له ومبالغة في توبيخهم على ما يقابلون به نصحه وعطفه على النداء الثاني الداخل على ما هو بيان لما قبله ولذلك لم يعطف على الأول فإن ما بعده أيضا تفسير لما أجمل فيه تصريحا أو تعريضا أو على الأول
غافر : ( 42 ) تدعونني لأكفر بالله . . . . .
) تدعونني لأكفر بالله ( بدل أو بيان فيه تعليل والدعاء كالهداية في التعدية بإلى واللام ) وأشرك به ما ليس لي به ( بربوبيته ) علم ( والمراد نفي المعلوم والإشعار بأن الألوهية لا بد لها من برهان فاعتقادها لا يصح إلا عن إيقان ) وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار ( المستجمع لصفات الألوهية من كمال القدرة والغلبة وما يتوقف عليه من العلم والإرادة والتمكن من المجازاة والقدرة على التعذيب والغفران
غافر : ( 43 ) لا جرم أنما . . . . .
) لا جرم ( لا رد لما دعوه إليه و ) جرم ( فعل بمعنى حق وفاعله ) أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة ((5/94)
" صفحة رقم 95 "
أي حق عدم دعوة آلهتكم إلى عبادتها أصلا لأنها جمادات ليس لها ما يقتضي ألوهيتها أو عدم دعوة مستجابة أو عدم استجابة دعوة لها وقيل ) جرم ( بمعنى كسب وفاعله مستكن فيه أي كسب ذلك الدعاء إليه أن لا دعوة له بمعنى ما حصل من ذلك إلا ظهور بطلان دعوته وقيل فعل من الجرم بمعنى القطع كما إن بدا من لا بد فعل من التبديد وهو التفريق والمعنى لا قطع لبطلان دعوة ألوهية الأصنام أي لا ينقطع في وقت ما فتنقلب حقا ويؤيده قولهم لا جرم إنه لغة فيه كالرشد والرشد ) وأن مردنا إلى الله ( بالموت ) وأن المسرفين ( في الضلالة والطغيان كالإشراك وسفك الدماء ) هم أصحاب النار ( ملازموها
غافر : ( 44 - 45 ) فستذكرون ما أقول . . . . .
) فستذكرون ( وقرئ ) فستذكرون ( أي فسيذكر بعضكم بعضا عند معاينة العذاب ) ما أقول لكم ( من النصيحة ) وأفوض أمري إلى الله ( ليعصمني من كل سوء ) إن الله بصير بالعباد ( فيحرسهم وكأنه جواب توعدهم المفهوم من قوله ) فوقاه الله سيئات ما مكروا ( شدائد مكرهم وقيل الضمير لموسى عليه الصلاة والسلام ) وحاق بآل فرعون ( بفرعون وقومه فاستغنى بذكرهم عن ذكره للعلم بأنه أولى بذلك وقيل بطلبة المؤمن من قومه فإنه فر إلى جبل فاتبعه طائفة فوجدوه يصلي والوحوش حوله صفوفا فرجعوا رعبا فقتلهم ) سوء العذاب ( الغرق أو القتل أو النار
غافر : ( 46 ) النار يعرضون عليها . . . . .
) النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ( جملة مستأنفة أو ) النار ( خبر محذوف و ) يعرضون ( استئناف للبيان أو بدل و ) يعرضون ( حال منها أو من الآل وقرئت منصوبة على الاختصاص أو بإضمار فعل يفسره ) يعرضون ( مثل يصلون فإن عرضهم على النار إحراقهم بها من قولهم عرض الأسارى على السيف إذا قتلوا به وذلك لأرواحهم كما روى ابن مسعود أن أرواحهم في أجواف طيور سود تعرض على النار بكرة وعشيا إلى يوم القيامة وذكر الوقتين تحتمل التخصيص والتأييد وفيه دليل على بقاء النفس وعذاب(5/95)
" صفحة رقم 96 "
القبر ) ويوم تقوم الساعة ( أي هذا ما دامت الدنيا فإذا قامت الساعة قيل لهم ) أدخلوا آل فرعون ( يا آل فرعون ) أشد العذاب ( عذاب جهنم فإنه أشد مما كانوا فيه أو أشد عذاب جهنم وقرأ حمزة والكسائي ونافع ويعقوب وحفص ) ادخلوا ( على أمر الملائكة بإدخالهم النار
غافر : ( 47 ) وإذ يتحاجون في . . . . .
) وإذ يتحاجون في النار ( واذكر وقت تخاصمهم فيها ويحتمل العطف على غدوا ) فيقول الضعفاء للذين استكبروا ( تفصيل له ) إنا كنا لكم تبعا ( تباعا كخدم في جمع خادم أو ذوي تبع بمعنى أتباع على الإضمار أو التجوز ) فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار ( بالدفع أو الحمل و ) نصيبا ( مفعول به لما دل عليه ) مغنون ( أوله بالتضمين أو مصدر كشيئا في قوله تعالى ) لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا ( فيكون من صلة ل ) مغنون )
غافر : ( 48 ) قال الذين استكبروا . . . . .
) قال الذين استكبروا إنا كل فيها ( نحن وأنتم فكيف نغني عنكم ولو قدرنا لأغنينا عن أنفسنا وقرئ كلا على التأكيد لأنه بمعنى كلنا وتنوينه عوض عن المضاف إليه ولا يجوز جعله حالا من المستكن في الظرف فإنه لا يعمل في الحال المتقدمة كما يعمل في الظرف المتقدم كقولك كل يوم لك ثوب ) إن الله قد حكم بين العباد ( بأن أدخل اهل الجنة الجنة وأهل النار النار و ) لا معقب لحكمه )
غافر : ( 49 ) وقال الذين في . . . . .
) وقال الذين في النار لخزنة جهنم ( أي لخزنتها ووضع ) جهنم ( موضع الضمير للتهويل أو لبيان محلهم فيها إذ يحتمل أن تكون ) جهنم ( أبعد دركاتها من قولهم بئر(5/96)
" صفحة رقم 97 "
جهنام بعيدة القعر ) ادعوا ربكم يخفف عنا يوما ( قدر يوم ) من العذاب ( شيئا من العذاب ويجوز أن يكون المفعول يوم بحذف المضاف و ) من العذاب ( بيانه
غافر : ( 50 ) قالوا أولم تك . . . . .
) وقالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات ( أرادوا به إلزامهم للحجة وتوبيخهم على إضاعتهم أوقات الدعاء وتعطيلهم أسباب الإجابة ) قالوا بلى قالوا فادعوا ( فإنا لا نجترئ فيه إذ لم يؤذن لنا في الدعاء لأمثالكم وفيه إقناط لهم عن الإجابة ) وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ( ضياع لا يجاب وفيه اقناط لهم عن الإجابة
غافر : ( 51 ) إنا لننصر رسلنا . . . . .
) إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا ( بالحجة والظفر والانتقام لهم من الكفرة ) في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ( أي في الدارين ولا ينتقض ذلك بما كان لأعدائهم عليهم من الغلبة أحيانا إذ العبرة بالعواقب وغالب الأمر و ) الأشهاد ( جمع شاهد كصاحب وأصحاب والمراد بهم من يقوم يوم القيامة الشهادة على الناس من الملائكة والأنبياء والمؤمنين
غافر : ( 52 ) يوم لا ينفع . . . . .
) يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ( بدل من الأول وعدم نفع المعذرة لأنها باطلة أو لأنه لم يؤذن لهم فيعتذروا وقرأ غير الكوفيين ونافع بالتاء ) ولهم اللعنة ( البعد عن الرحمة ) ولهم سوء الدار ( جهنم
غافر : ( 53 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
) ولقد آتينا موسى الهدى ( ما يهتدي به في الدين من المعجزات والصحف والشرائع ) وأورثنا بني إسرائيل الكتاب ( وتركنا عليهم بعده من ذلك التوراة
غافر : ( 54 ) هدى وذكرى لأولي . . . . .
) هدى وذكرى ( هداية وتذكرة أو هاديا ومذكرا ) لأولي الألباب ( لذوي العقول السليمة
غافر : ( 55 ) فاصبر إن وعد . . . . .
) فاصبر ( على أذى المشركين ) إن وعد الله حق ( بالنصر لا يخلفه واستشهد بحال موسى وفرعون ) واستغفر لذنبك ( وأقبل على أمر دينك وتدارك فرطاتك بترك(5/97)
" صفحة رقم 98 "
الأولى والاهتمام بأمر العدا بالاستغفار فإنه تعالى كافيك في النصر إظهار الأمر ) وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار ( ودم على التسبيح والتحميد لربك وقيل صل لهذين الوقتين إذ كان الواجب بمكة ركعتين بكرة وركعتين عشيا
غافر : ( 56 ) إن الذين يجادلون . . . . .
) إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم ( عام في كل مجادل مبطل وإن نزل في مشركي مكة واليهود حين قالوا لست صاحبنا بل هو المسيح بن داود يبلغ سلطانه البر والبحر وتسير معه الأنهار ) إن في صدورهم إلا كبر ( إلا تكبر عن الحق وتعظم عن التفكر والتعلم أو إرادة الرياسة أو إن النبوة والملك لا يكونان إلا لهم ) ما هم ببالغيه ( ببالغي دفع الآيات أو المراد ) فاستعذ بالله ( فالتجئ إليه ) إنه هو السميع البصير ( لأقوالكم وأفعالكم
غافر : ( 57 ) لخلق السماوات والأرض . . . . .
) لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ( فمن قدر على خلقها مع عظمها أولا من غير أصل قدر على خلق الإنسان ثانيا من أصل وهو بيان لا شكل ما يجادلون فيه من أمر التوحيد ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( لأنهم لا ينظرون ولا يتأملون لفرط غفلتهم واتباعهم أهواءهم
غافر : ( 58 ) وما يستوي الأعمى . . . . .
) وما يستوي الأعمى والبصير ( الغافل والمستبصر ) والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء ( والمحسن والمسيء فينبغي أن يكون لهم حال يظهر فيها التفاوت وهي فيما بعد البعث وزيادة لا في المسيء لأن المقصود نفي مساواته للمحسن فيما له من الفضل والكرامة والعاطف الثاني عطف الموصول بما عطف عليه على ) الأعمى والبصير ( لتغاير الوصفين في المقصود أو الدلالة بالصراحة والتمثيل ) قليلا ما تتذكرون ( أي تذكرا ما قليلا يتذكرون والضمير للناس أو الكفار وقرأ الكوفيون بالتاء على تغليب المخاطب أو الالتفات أو أمر الرسول بالمخاطبة(5/98)
" صفحة رقم 99 "
غافر : ( 59 ) إن الساعة لآتية . . . . .
) إن الساعة لآتية لا ريب فيها ( في مجيئها لوضوح الدلالة على جوازها وإجماع الرسل على الوعد بوقوعها ) ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ( لا يصدقون بها لقصور نظرهم على ظاهر ما يحسون به
غافر : ( 60 ) وقال ربكم ادعوني . . . . .
) وقال ربكم ادعوني ( اعبدوني ) أستجب لكم ( أثبكم لقوله ) إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ( صاغرين وإن فسر الدعاء بالسؤال كان الاستكبار الصارف عنه منزلا منزلته للمبالغة أو المراد بالعبادة الدعاء فإنه من أبوابها وقرأ ابن كثير وأبو بكر سيدخلون بضم الياء وفتح الخاء
غافر : ( 61 ) الله الذي جعل . . . . .
) الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه ( لتستريحوا فيه بأن خلقه باردا مظلما ليؤدي إلى ضعف الحركات وهدوء الحواس ) والنهار مبصرا ( يبصر فيه أو به وإسناد الإبصار إليه مجاز فيه مبالغة ولذلك عدل به عن التعليل إلى الحال ) إن الله لذو فضل على الناس ( لا يوازيه فضل وللإشعار به لم يقل لمفضل ) ولكن أكثر الناس لا يشكرون ( لجهلهم بالمنعم وإغفالهم مواقع النعم وتكرير الناس لتخصيص الكفران بهم
غافر : ( 62 ) ذلكم الله ربكم . . . . .
) ذلكم ( المخصوص بالأفعال المقتضية للألوهية والربوبية ) الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو ( أخبار مترادفة تخصص اللاحقة السابقة وتقررها وقرئ خالق بالنصب على الاختصاص فيكون ) لا إله إلا هو ( استئنافا بما هو كالنتيجة للأوصاف المذكورة ) فأنى تؤفكون ( فكيف ومن أي وجه تصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره(5/99)
" صفحة رقم 100 "
غافر : ( 63 ) كذلك يؤفك الذين . . . . .
) كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون ( أي كما أفكوا أفك عن الحق كل من جحد بآيات الله ولم يتأملها
غافر : ( 64 ) الله الذي جعل . . . . .
) الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء ( استدلال ثان بأفعال أخر مخصوصة ) وصوركم فأحسن صوركم ( بأن خلقكم منتصب القامة بادي البشرة متناسب الأعضاء والتخطيطات متهيأ لمزاولة الصنائع واكتساب الكمالات ) ورزقكم من الطيبات ( اللذائذ ) ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين ( فإن كل ما سواه مربوب مفتقر بالذات معرض للزوال
غافر : ( 65 ) هو الحي لا . . . . .
) هو الحي ( المتفرد بالحياة الذاتية ) لا إله إلا هو ( إذ لا موجد سواه ولا موجد يساويه أو يدانيه في ذاته وصفاته ) فادعوه ( فاعبدوه ) مخلصين له الدين ( أي الطاعة من الشرك والرياء ) الحمد لله رب العالمين ( قائلين له
غافر : ( 66 ) قل إني نهيت . . . . .
) قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي ( من الحجج والآيات أو من الآيات فإنها مقوية لأدلة العقل منبهة عليها ) وأمرت أن أسلم لرب العالمين ( بأن أنقاد له أو أخلص له ديني
غافر : ( 67 ) هو الذي خلقكم . . . . .
) هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ( أطفالا والتوحيد لإرادة الجنس أو على تأويل كل واحد منكم ) ثم لتبلغوا أشدكم ( اللام فيه متعلقة بمحذوف تقديره ثم يبقيكم لتبلغوا وكذا في قوله ) ثم لتكونوا شيوخا ( ويجوز عطفه على ) لتبلغوا ( وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص وهشام شيوخا بضم الشين وقرئ شيخا كقوله طفلا ) ومنكم من يتوفى من قبل ( من قبل الشيخوخة أو بلوغ الأشد ) ولتبلغوا ( ويفعل ذلك لتبلغوا ) أجلا مسمى ( هو وقت الموت أو يوم القيامة ) ولعلكم تعقلون ( ما في ذلك من الحجج والعبر
غافر : ( 68 ) هو الذي يحيي . . . . .
) هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا ( فإذا أراده ) فإنما يقول له كن فيكون ( فلا يحتاج في تكوينه إلى عدة وتجشم كلفة والفاء الأولى للدلالة على أن ذلك نتيجة ما سبق من حيث أنه يقتضي قدرة ذاتية غير متوقفة على العدد والمواد(5/100)
" صفحة رقم 101 "
غافر : ( 69 ) ألم تر إلى . . . . .
) ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون ( عن التصديق به وتكريم ذم المجادلة لتعدد المجادل أو المجادل فيه أو للتأكيد
غافر : ( 70 ) الذين كذبوا بالكتاب . . . . .
) الذين كذبوا بالكتاب ( بالقرآن أو بجنس الكتب السماوية ) وبما أرسلنا به رسلنا ( من سائر الكتب أو الوحي والشرائع ) فسوف يعلمون ( جزاء تكذيبهم
غافر : ( 71 ) إذ الأغلال في . . . . .
) إذ الأغلال في أعناقهم ( ظرف ل ) يعلمون ( إذ المعنى على الاستقبال والتعبير بلفظ المضي لتيقنه ) والسلاسل ( عطف على ) الأغلال ( أو مبتدأ خبره ) يسحبون )
غافر : ( 72 ) في الحميم ثم . . . . .
) في الحميم ( والعائد محذوف أي يسحبون بها وهو على الأول حال وقرئ ) والسلاسل يسحبون ( بالنصب وفتح الياء على تقديم المفعول وعطف الفعلية على الاسمية ) والسلاسل ( بالجر حملا على المعنى ) إذ الأغلال في أعناقهم ( بمعنى أعناقهم في الأغلال أو إضمار للباء ويدل عليه القراءة به ) ثم في النار يسجرون ( يحرقون من سجر التنور إذا ملأه بالوقود ومنه السجير للصديق كأنه سجر بالحب أي ملئ والمراد أنهم يعذبون بأنواع من العذاب وينقلون من بعضها إلى بعض
غافر : ( 73 - 74 ) ثم قيل لهم . . . . .
) ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله قالوا ضلوا عنا ( غابوا عنا وذلك قبل أن تقرن بهم آلهتهم أو ضاعوا عنا فلم نجد ما كنا نتوقع منهم ) بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا ( أي بل تبين لنا لم نكن نعبد شيئا بعبادتهم فإنهم ليسوا شيئا يعتد به كقولك حسبته شيئا فلم يكن ) كذلك ( مثل ذلك الضلال ) يضل الله الكافرين ( حتى لا يهتدوا إلى شيء ينفعهم في الآخرة أو يضلهم عن آلهتهم حتى لو تطالبوا لم يتصادقوا
غافر : ( 75 ) ذلكم بما كنتم . . . . .
) ذلكم ( الإضلال ) بما كنتم تفرحون في الأرض ( تبطرون وتتكبرون ) بغير الحق ( وهو الشرك والطغيان ) وبما كنتم تمرحون ( تتوسعون في الفرح والعدول إلى الخطاب للمبالغة في التوبيخ
غافر : ( 76 ) ادخلوا أبواب جهنم . . . . .
) ادخلوا أبواب جهنم ( الأبواب السبعة المقسومة لكم ) خالدين فيها ( مقدرين الخلود ) فبئس مثوى المتكبرين ( عن الحق جهنم وكان مقتضى النظم فبئس مدخل المتكبرين ولكن لما كان الدخول المقيد بالخلود بسبب الثواء عبر بالمثوى(5/101)
" صفحة رقم 102 "
غافر : ( 77 ) فاصبر إن وعد . . . . .
) فاصبر إن وعد الله ( بهلاك الكافرين ) حق ( كائن لا محالة ) فإما نرينك ( فإن نرك وما مزيدة لتأكيد الشرطية ولذلك لحقت النون الفعل ولا تلحق مع أن وحدها ) بعض الذي نعدهم ( وهو القتل والأسر ) أو نتوفينك ( قبل أن تراه ) فإلينا يرجعون ( يوم القيامة فنجازيهم بأعمالهم وهو جواب ) نتوفينك ( وجواب ) نرينك ( محذوف مثل فذاك ويجوز أن يكون جوابا لهما بمعنى إن نعذبهم في حياتك أو لم نعذبهم فإنا نعذبهم في الآخرة أشد العذاب ويدل على شدته الاقتصار بذكر الرجوع في هذا المعرض
غافر : ( 78 ) ولقد أرسلنا رسلا . . . . .
) ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك ( إذ قيل عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا والمذكور قصصهم أشخاص معدودة ) وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ( فإن المعجزات عطايا قسمها بينهم على ما اقتضته حكمته كسائر القسم ليس لهم اختيار في إيثار بعضها والاستبداد بإتيان المقترح بها ) فإذا جاء أمر الله ( بالعذاب في الدنيا أو الآخرة ) قضي بالحق ( بإنجاء المحق وتعذيب المبطل ) وخسر هنالك المبطلون ( المعاندون باقتراح الآيات بعد ظهور ما يغنيهم عنها
غافر : ( 79 ) الله الذي جعل . . . . .
) الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون ( فإن من جنسها ما يؤكل كالغنم ومنها ما يؤكل ويركب كالإبل والبقر
غافر : ( 80 ) ولكم فيها منافع . . . . .
) ولكم فيها منافع ( كالألبان والجلود والأوبار ) ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم ( بالمسافرة عليها ) وعليها ( في البر ) وعلى الفلك ( في البحر ) تحملون ( وإنما قال ) وعلى الفلك ( ولم يقل في الفلك للمزاوجة وتغيير النظم في الأكل لأنه في حيز الضرورة وقيل لأنه يقصد به التعيش وهو من الضروريات والتلذذ والركوب والمسافرة عليها قد تكون لأغراض دينية واجبة أو مندوبة أو للفرق بين العين والمنفعة(5/102)
" صفحة رقم 103 "
غافر : ( 81 ) ويريكم آياته فأي . . . . .
) ويريكم آياته ( دلائله الدالة على كمال قدرته وفرط رحمته ) فأي آيات الله ( أي فأي آية من تلك الآيات ) تنكرون ( فإنها لظهورها لا تقبل الإنكار وهو ناصب أي إذا لو قدرته متعلقا بضميره كان الأولى رفعة والتفرقة بالتاء في أي أغرب منها في الأسماء غير الصفات لإبهامه
غافر : ( 82 ) أفلم يسيروا في . . . . .
) أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض ( ما بقي منهم من القصور والمصانع ونحوهما وقيل آثار أقدامهم في الأرض لعظم أجرامهم ) فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ( ما الأولى نافية أو استفهامية منصوبة بأغنى والثانية موصولة أو مصدرية مرفوعة به
غافر : ( 83 ) فلما جاءتهم رسلهم . . . . .
) فلما جاءتهم رسلهم بالبينات ( بالمعجزات أو الآيات الواضحات ) فرحوا بما عندهم من العلم ( واستحقروا علم الرسل والمراد بالعلم عقائدهم الزائغة وشبههم الداحضة كقوله ) بل ادارك علمهم في الآخرة ( وهو قولهم لا نبعث ولا نعذب وما أظن الساعة قائمة ونحوها وسماها علما على زعمهم تهكما بهم أو علم الطبائع والتنجيم والصنائع ونحو ذلك أو علم الأنبياء وفرحهم به ضحكهم منه واستهزاؤهم به ويؤيده ) وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون ( وقيل الفرح أيضا للرسل فإنهم لما رأوا تمادي جهل الكفار وسوء عاقبتهم فرحوا بما أوتوا من العلم وشكروا الله عليه وحاق بالكافرين جزاء جهلهم واستهزائهم
غافر : ( 84 ) فلما رأوا بأسنا . . . . .
) فلما رأوا بأسنا ( شدة عذابنا ) قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين ( يعنون الأصنام
غافر : ( 85 ) فلم يك ينفعهم . . . . .
) فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ( لامتناع قبوله حينئذ ولذلك قال ) لم يك ( بمعنى لم يصح ولم يستقم والفاء الأولى لأن قوله ) فما أغنى ( كالنتيجة لقوله ) كانوا أكثر منهم ((5/103)
" صفحة رقم 104 "
والثانية لأن قوله ) فلما جاءتهم رسلهم ( كالتفسير لقوله ) فما أغنى ( والباقيتان لأن رؤية البأس مسببة عن مجيء الرسل وامتناع نفي الإيمان مسبب عن الرؤية ) سنة الله التي قد خلت في عباده ( أي سن الله ذلك سنة ماضية في العباد وهي من المصادر المؤكدة ) وخسر هنالك الكافرون ( أي وقت رؤيتهم البأس اسم مكان استعير للزمان عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة المؤمن لم يبق روح نبي ولا صديق ولا شهيد ولا مؤمن إلا صلى عليه واستغفر له(5/104)
" صفحة رقم 105 "
سورة فصلت
مكية وآيها ثلاث أو أربع وخمسون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
فصلت : ( 1 - 3 ) حم
) حم ( إن جعلته مبتدأ فخبره ) تنزيل من الرحمن الرحيم ( وإن جعلته تعديدا للحروف ف ) تنزيل ( خبر محذوف أو مبتدأ لتخصصه بالصفة وخبره ) كتاب ( وهو على الأولين بدل منه أو خبر آخر أو خبر محذوف ولعل افتتاح هذه السور السبع ب ) حم ( وتسميتها به لكونها مصدرة ببيان الكتاب متشاكلة في النظم والمعنى وإضافة ال ) تنزيل ( إلى ) الرحمن الرحيم ( للدلالة على أنه مناط المصالح الدينية والدنيوية ) فصلت آياته ( ميزت باعتبار اللفظ والمعنى وقرئ ) فصلت ( أي فصل بعضها من بعض باختلاف الفواصل والمعاني أو فصلت بين الحق والباطل ) قرآنا عربيا ( نصب على المدح أو الحال من ) فصلت ( وفيه امتنان بسهولة قراءاته وفهمه ) لقوم يعلمون ( أي لقوم يعلمون العربية أو لأهل العلم والنظر وهو صفة أخرى ل ) قرآنا ( أو صلة ل ) تنزيل ( أو ل ) فصلت ( والأول أولى لوقوعه بين الصفات
فصلت : ( 4 ) بشيرا ونذيرا فأعرض . . . . .
) بشيرا ونذيرا ( للعاملين به والمخالفين له وقرئا بالرفع على الصفة لل ) كتاب ( أو الخبر لمحذوف ) فأعرض أكثرهم ( عن تدبره وقبوله ) فهم لا يسمعون ( سماع تأمل وطاعة
فصلت : ( 5 ) وقالوا قلوبنا في . . . . .
) وقالوا قلوبنا في أكنة ( أغطية جمع كنان ) مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ( صمم(5/105)
" صفحة رقم 106 "
وأصله الثقل وقرئ بالكسر ) ومن بيننا وبينك حجاب ( يمنعنا عن التواصل ومن للدلالة على أن الحجاب مبتدأ منهم ومنه بحيث استوعب المسافة المتوسطة ولم يبق فراغ وهذه تمثيلات لنبو قلوبهم عن إدراك ما يدعوهم إليه واعتقادهم ومج أسماعهم له وامتناع مواصلتهم وموافقتهم للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) فاعمل ( على دينك أو في إبطال أمرنا ) إننا عاملون ( على ديننا أو في إبطال أمرك
فصلت : ( 6 ) قل إنما أنا . . . . .
) قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ( لست ملكا ولا جنيا لا يمكنكم التلقي منه ولا أدعوكم إلى ما تنبو عنه العقول والاسماع وإنما أدعوكم إلى التوحيد والاستقامة في العمل وقد يدل عليهما دلائل العقل وشواهد النقل ) فاستقيموا إليه ( فاستقيموا في أفعالكم متوجهين إليه أو فاستووا إليه بالتوحيد والإخلاص في العمل ) واستغفروه ( مما أنتم عليه من سوء العقيدة والعمل ثم هددهم على ذلك فقال ) وويل للمشركين ( من فرط جهالتهم واستخفافهم بالله
فصلت : ( 7 ) الذين لا يؤتون . . . . .
) الذين لا يؤتون الزكاة ( لبخلهم وعدم إشفاقهم على الخلق وذلك من أعظم الرذائل وفيه دليل على أن الكفار مخاطبون بالفروع وقيل معناه لا يفعلون ما يزكي أنفسهم وهو الإيمان والطاعة ) وهم بالآخرة هم كافرون ( حال مشعرة بأن امتناعهم عن الزكاة لاستغراقهم في طلب الدنيا وإنكارهم للآخرة
فصلت : ( 8 ) إن الذين آمنوا . . . . .
) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر ( عظيم ) غير ممنون ( لا يمن به عليهم من المن وأصله الثقل أو لا يقطع من مننت الحبل إذا قطعته وقيل نزلت في المرضى والهرمى إذا عجزوا عن الطاعة كتب لهم الأجر كأصلح ما كانوا يعملون(5/106)
" صفحة رقم 107 "
فصلت : ( 9 ) قل أئنكم لتكفرون . . . . .
) قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ( في مقدار يومين أو نوبتين وخلق في كل نوبة ما خلق في أسرع ما يكون ولعل المراد من ) الأرض ( ما في جهة السفل من الأجرام البسيطة ومن خلقها ) في يومين ( أنه خلق لها أصلا مشتركا ثم خلق لها صورا بها صارت أنواعا وكفرهم به إلحادهم في ذاته وصفاته ) وتجعلون له أندادا ( ولا يصح أن يكون له ند ) ذلك ( الذي ) خلق الأرض في يومين ( ) رب العالمين ( خالق جميع ما وجد من الممكنات ومربيها
فصلت : ( 10 ) وجعل فيها رواسي . . . . .
) وجعل فيها رواسي ( استئناف غير معطوف على ) خلق ( للفصل بما هو خارج عن الصلة ) من فوقها ( مرتفعة عليها ليظهر للنظار ما فيها من وجوه الاستبصار وتكون منافعها معرضة للطلاب ) وبارك فيها ( وأكثر خيرها بأن خلق فيها أنواع النبات والحيوان ) وقدر فيها أقواتها ( أقوات أهلها بأن عين لكل نوع ما يصلحه ويعيش به أو أقواتا تنشأ منها بأن خص حدوث كل قوت بقطر من أقطارها وقرىء وقسم فيها أقواتها ) في أربعة أيام ( في تتمة أربعة أيام كقولك سرت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام وإلى(5/107)
" صفحة رقم 108 "
الكوفة في خمسة عشر يوما ولعله قال ذلك ولم يقل في يومين للإشعار باتصالهما باليومين الأولين والتصريح على الفذلكة ) سواء ( أي استوت سواء بمعنى استواء والجملة صفة أيام ويدل عليه قراءة يعقوب بالجر وقيل حال من الضمير في أقواتها أو في فيها وقرىء بالرفع على هي سواء ) للسائلين ( متعلق بمحذوف تقديره هذا الحصر للسائلين عن مدة خلق الأرض وما فيها أو بقدر أي قدر فيها الأقوات للطالبين لها
فصلت : ( 11 ) ثم استوى إلى . . . . .
) ثم استوى إلى السماء ( قصد نحوها من قولهم استوى إلى مكان كذا إذا توجه إليه توجها لا يلوي على غيره والظاهر أن ثم لتفاوت ما بين الخلقتين لا للتراخي في المدة لقوله ) والأرض بعد ذلك دحاها ( ودحوها متقدم على خلق الجبال من فوقها ) وهي دخان ( أمر ظلماني ولعله أراد به مادتها أو الأجزاء المتصغرة التي كتب منها ) فقال لها وللأرض ائتيا ( بما خلقت فيكما من التأثير والتأثر وأبرزا ما أودعتكما من الأوضاع المختلفة والكائنات المتنوعة أو ) ائتيا ( في الوجود على أن الخلق السابق بمعنى التقدير أو الترتيب للرتبة أو الإخبار أو إتيان السماء حدوثها وإتيان الأرض أن تصير مدحوة وقد عرفت ما فيه أو لتأت كل منكما الأخرى في حدوث ما أريد توليده منكما ويؤيده قراءة آتيا في المؤاتاة أي لتوافق كل واحدة أختها فيما أردت منكما ) طوعا أو كرها ((5/108)
" صفحة رقم 109 "
شئتما ذلك أو أبيتما والمراد إظهار كمال قدرته ووجوب وقوع مراده لا إثبات الطوع والكره لهما وهما مصدران وقعا موقع الحال ) قالتا أتينا طائعين ( منقادين بالذات والأظهر أن المراد تصوير تأثير قدرته فيهما وتأثرهما بالذات عنها وتمثيلهما بأمر المطاع وإجابة المطيع الطائع كقوله ) كن فيكون ( وما قيل من أنه تعالى خاطبهما وأقدرهما على الجواب إنما يتصور على الوجه الأول والأخير وإنما قال طائعين على المعنى باعتبار كونهما مخاطبتين كقوله ) ساجدين )
فصلت : ( 12 ) فقضاهن سبع سماوات . . . . .
) فقضاهن سبع سماوات ( فخلقهن خلقا إبداعيا وأتقن أمرهن والضمير ل ) السماء ( على المعنى أو مبهم و ) سبع سماوات ( حال على الأول وتمييز على الثاني ) في يومين ( قيل خلق السموات يوم الخميس والشمس والقمر والنجوم يوم الجمعة ) وأوحى في كل سماء أمرها ( شأنها وما يتأتى منها بأن حملها عليه اختيارا أو طبعا وقيل أوحى إلى أهلها بأوامره ونواهيه ) وزينا السماء الدنيا بمصابيح ( فإن الكواكب كلها ترى كأنها تتلألأ عليها ) وحفظا ( أي وحفظناها من الآفات أو من المسترقة حفظا وقيل مفعول له على المعنى كأنه قال وخصصنا السماء الدنيا بمصابيح زينة وحفظا ) ذلك تقدير العزيز العليم ( البالغ في القدرة والعلم
فصلت : ( 13 ) فإن أعرضوا فقل . . . . .
) فإن أعرضوا ( عن الإيمان بعد هذا البيان ) فقل أنذرتكم صاعقة ( فحذرهم أن يصيبهم عذاب شديد الوقع كأنه صاعقة ) مثل صاعقة عاد وثمود ( وقرىء صعقة مثل(5/109)
" صفحة رقم 110 "
صعقة عاد وثمود وهي المرة من الصعق أو الصعق يقال صعقته الصاعقة صعقا فصعق صعقا
فصلت : ( 14 ) إذ جاءتهم الرسل . . . . .
) إذ جاءتهم الرسل ( حال من ) صاعقة عاد ( ولا يجوز جعله صفة ل ) صاعقة ( أو ظرفا ل ) أنذرتكم ( لفساد المعنى ) من بين أيديهم ومن خلفهم ( أتوهم من جميع جوانبهم واجتهدوا بهم من كل جهة أو من جهة الزمن الماضي بالإنذار عما جرى فيه على الكفار ومن جهة المستقبل بالتحذير عما أعد لهم في الآخرة وكل من اللفظين يحتملهما أو من قبلهم ومن بعدهم إذ قد بلغتهم خبر المتقدمين وأخبرهم هود وصالح عن المتأخرين داعين إلى الإيمان بهم أجمعين ويحتمل أن يكون عبارة عن الكثرة كقوله تعالى ) يأتيها رزقها رغدا من كل مكان ( ) ألا تعبدوا إلا الله ( بأن لا تعبدوا أو أي لا تعبدوا ) قالوا لو شاء ربنا ( إرسال الرسل ) لأنزل ملائكة ( برسالته ) فإنا بما أرسلتم به ( على زعمكم ) كافرون ( إذ أنتم بشر مثلنا لا فضل لكم علينا
فصلت : ( 15 ) فأما عاد فاستكبروا . . . . .
) فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق ( فتعظموا فيها على أهلها من غير(5/110)
" صفحة رقم 111 "
استحقاق ) وقالوا من أشد منا قوة ( اغترارا بقوتهم وشوكتهم قيل كان من قوتهم أن الرجل منهم ينزع الصخرة فيقتلعها بيده ) أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ( قدرة فإنه قادر بالذات مقتدر على ما لا يتناهى قوي على ما لا يقدر عليه أحد غيره ) وكانوا بآياتنا يجحدون ( يعرفون أنها حق وينكرونها وهو عطف على ) فاستكبروا )
فصلت : ( 16 ) فأرسلنا عليهم ريحا . . . . .
) فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا ( باردة تهلك بشدة بردها من الصر وهو البرد الذي يصر أي يجمع أو شديدة الصوت في هبوبها من الصرير ) في أيام نحسات ( جمع نحسة من نحس نحسا نقيص سعد سعدا وقرأ الحجازيان والبصريان بالسكون على التخفيف أو النعت على فعل أو الوصف بالمصدر قيل كان آخر شوال من الأربعاء إلى الأربعاء وما عذب قوم إلا في يوم الأربعاء ) لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ( أضاف ال ) عذاب ( إلى ) الخزي ( وهو الذل على قصد وصفة به لقوله ) ولعذاب الآخرة أخزى ( وهو في الأصل صفة المعذب وإنما وصف به العذاب على الإسناد المجازي للمبالغة ) وهم لا ينصرون ( بدفع العذاب عنهم
فصلت : ( 17 ) وأما ثمود فهديناهم . . . . .
) وأما ثمود فهديناهم ( فدللناهم على الحق بنصب الحجج وإرسال الرسل وقرىء ) ثمود ( بالنصب بفعل مضمر يفسره ما بعده ومنونا في الحالين وبضم الثاء ) فاستحبوا العمى على الهدى ( فاختاروا الضلالة على الهدى ) فأخذتهم صاعقة العذاب الهون ( صاعقة من السماء فأهلكتهم وإضافتها إلى ) العذاب ( ووصفه ب ) الهون ( للمبالغة ) بما كانوا يكسبون ( من اختيار الضلالة(5/111)
" صفحة رقم 112 "
فصلت : ( 18 ) ونجينا الذين آمنوا . . . . .
) ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون ( من تلك الصاعقة
فصلت : ( 19 ) ويوم يحشر أعداء . . . . .
) ويوم يحشر أعداء الله إلى النار ( وقرىء يحشر على البناء للفاعل وهو الله عز وجل وقرأ نافع نحشر بالنون مفتوحة وضم الشين ونصب ) أعداء ( ) فهم يوزعون ( يحبس أولهم على آخرهم لئلا يتفرقوا وهو عبارة عن كثرة أهل النار
فصلت : ( 20 ) حتى إذا ما . . . . .
) حتى إذا ما جاؤوها ( إذا حضروها و ) ما ( مزيدة لتأكيد اتصال الشهادة بالحضور ) شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون ( بأن ينطقها الله تعالى أو يظهر عليها آثارا تدل على ما اقترف بها فتنطق بلسان الحال
فصلت : ( 21 ) وقالوا لجلودهم لم . . . . .
) وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا ( سؤال توبيخ أو تعجب ولعل المراد به نفس التعجب ) قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء ( أي ما نطقنا باختيارنا بل أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء أو ليس نطقنا بعجب من قدرة الله الذي أنطق كل حي ولو أول الجواب والنطق بدلالة الحال بقي الشيء عاما في الموجودات الممكنة ) وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ( يحتمل أن يكون تمام كلام الجلود وأن يكون استئنافا
فصلت : ( 22 ) وما كنتم تستترون . . . . .
) وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ( أي كنتم تستترون عن الناس عند ارتكاب الفواحش مخافة الفضاحة وما ظننتم أن أعضاءكم تشهد عليكم بها فما استترتم عنها وفيه تنبيه على أن المؤمن ينبغي أن يتحقق أنه لا يمر عليه حال إلا وهو عليه رقيب ) ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون ( فلذلك اجترأتم على ما فعلتم
فصلت : ( 23 ) وذلكم ظنكم الذي . . . . .
) وذلكم ( إشارة إلى ظنهم هذا وهو مبتدأ وقوله ) ظنكم الذي ظننتم ( بدلا و ) أرداكم ( خبران له ويجوز أن يكون ) ظنكم ( بدلا و ) أرداكم ( خبرا ) فأصبحتم من الخاسرين ( إذ صار ما منحوا للاستسعاد في الدارين سببا لشقاء المنزلين(5/112)
" صفحة رقم 113 "
فصلت : ( 24 ) فإن يصبروا فالنار . . . . .
) فإن يصبروا فالنار مثوى لهم ( لا خلاص لهم عنها ) وإن يستعتبوا ( يسألوا العتبى وهي الرجوع إلى ما يحبون ) فما هم من المعتبين ( المجابين إليها ونظيره قوله تعالى حكاية ) أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ( وقرىء ) وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين ( أي إن يسألوا أن يرضوا ربهم فما هم فاعلون لفوات المكنة
فصلت : ( 25 ) وقيضنا لهم قرناء . . . . .
) وقيضنا ( وقدرنا ) لهم ( للكفرة ) قرناء ( أخذانا من الشياطين يستولون عليهم استيلاء القبض على البيض وهو القشر وقيل أصل القيض البدل ومنه المقايضة لمعاوضة ) فزينوا لهم ما بين أيديهم ( من أمر الدنيا واتباع الشهوات ) وما خلفهم ( من أمر الآخرة وإنكاره ) وحق عليهم القول ( أي كلمة العذاب ) في أمم ( في جملة أمم كقول الشاعر " إن تك عن أحسن الصنيعة مأ فوكا ففي آخرين قد أفكوا " وهو حال من الضمير المجرور ) قد خلت من قبلهم من الجن والإنس ( وقد عملوا مثل أعمالهم ) إنهم كانوا خاسرين ( تعليل لاستحقاقهم العذاب والضمير ) لهم ( ولل ) أمم )
فصلت : ( 26 ) وقال الذين كفروا . . . . .
) وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ( وعارضوه بالخرافات أو ارفعوا أصواتكم بها لتشوشوه على القارىء وقرىء بضم الغين والمعنى واحد يقال لغى يلغي ولغا يلغو إذا هذى ) لعلكم تغلبون ( أي تغلبونه على قراءته
فصلت : ( 27 ) فلنذيقن الذين كفروا . . . . .
) فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ( المراد بهم هؤلاء القائلون أو عامة الكفار ) ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون ( سيئات أعمالهم وقد سبق مثله(5/113)
" صفحة رقم 114 "
فصلت : ( 28 ) ذلك جزاء أعداء . . . . .
) ذلك ( إشارة إلى الأسوأ ) جزاء أعداء الله ( خبره ) النار ( عطف بيان لل ) جزاء ( أو خبر محذوف ) لهم فيها ( في النار ) دار الخلد ( فإنها دار إقامتهم وهو كقولك في هذه الدار دار سرور وتعني بالدار عينها على أن المقصود هو الصفة ) جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون ( ينكرون الحق أو يلغون وذكر الجحود الذي هو سبب اللغو
فصلت : ( 29 ) وقال الذين كفروا . . . . .
) وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس ( يعني شيطاني النوعين الحاملين على الضلالة والعصيان وقيل هما إبليس وقابيل فإنهما سنا الكفر والقتل وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب وأبو بكر والسوسي ) أرنا ( بالتخفيف كفخذ في فخذ وقرأ الدوري باختلاس كسرة الراء ) نجعلهما تحت أقدامنا ( ندوسهما انتقاما منهما وقيل نجعلهما في الدرك الأسفل ) ليكونا من الأسفلين ( مكانا أو ذلا
فصلت : ( 30 ) إن الذين قالوا . . . . .
) إن الذين قالوا ربنا الله ( اعترافا بربوبيته وإقرارا بوحدانيته ) ثم استقاموا ( في العمل ) ثم ( لتراخيه عن الإقرار في الرتبة من حيث إنه مبدأ الاستقامة أو لأنها عسر قلما تتبع الإقرار وما روي عن الخلفاء الراشدين في معنى الاستقامة من الثبات على الإيمان وإخلاص العمل وأداء الفرائض فجزئياتها ) تتنزل عليهم الملائكة ( فيما يعن لهم بما يشرح صدورهم ويدفع عنهم الخوف والحزن أو الخروج من القبر ) ألا تخافوا ( ما تقدمون عليه ) ولا تحزنوا ( على ما خلفتم وأن مصدرية أو مخففة مقدرة(5/114)
" صفحة رقم 115 "
بالباء أو مفسرة ) وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ( في الدنيا على لسان الرسل
فصلت : ( 31 ) نحن أولياؤكم في . . . . .
) نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا ( نلهمكم الحق ونحملكم على الخير بدل ما كانت الشياطين تفعل بالكفرة ) وفي الآخرة ( بالشفاعة والكرامة حيثما يتعادى الكفرة وقرناؤهم ما تتمنون من الدعاء بمعنى الطلب وهو أعم من الأول
فصلت : ( 32 ) نزلا من غفور . . . . .
) نزلا من غفور رحيم ( حال من ما تدعون للإشعار بأن ما يتمنون بالنسبة إلى ما يعطون مما لا يخطر ببالهم كالنزل للضيف
فصلت : ( 33 ) ومن أحسن قولا . . . . .
) ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله ( إلى عبادته ) وعمل صالحا ( فيما بينه وبين ربه ) وقال إنني من المسلمين ( تفاخرا به واتخاذا للإسلام دينا ومذهبا من قولهم هذا قول فلان لمذهبه والآية عامة لمن استجمع تلك الصفات وقيل نزلت في النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل في المؤذنين
فصلت : ( 34 ) ولا تستوي الحسنة . . . . .
) ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ( في الجزاء وحسن العاقبة و ) لا ( الثانية مزيدة لتأكيد النفي ) ادفع بالتي هي أحسن ( ادفع السيئة حيث اعترضتك بالتي هي أحسن منها وهي الحسنة على أن المراد بالأحسن الزائد مطلقا أو بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات وإنما أخرجه مخرج الاستئناف على أنه جواب من قال كيف أصنع للمبالغة ولذلك وضع ) أحسن ( موضع الحسنة ) فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ( أي إذا فعلت ذلك صار عدوك المشاق مثل الولي الشفيق
فصلت : ( 35 ) وما يلقاها إلا . . . . .
) وما يلقاها ( وما يلقى هذه السجية وهي مقابلته الإساءة بالإحسان ) إلا الذين صبروا ((5/115)
" صفحة رقم 116 "
فإنها تحبس النفس عن الانتقام ) وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ( من الخير وكمال النفس وقيل الحظ الجنة
فصلت : ( 36 ) وإما ينزغنك من . . . . .
) وإما ينزغنك من الشيطان نزغ ( نخس شبه به وسوسته لأنها تبعث الإنسان على ما لا ينبغي كالدفع بما هو أسوأ وجعل النزاغ نازغا على طريقة جديدة أو أريد به نازغ وصفا للشيطان بالمصدر ) فاستعذ بالله ( من شره ولا تطعه ) إنه هو السميع ( لاستعاذتك ) العليم ( بنيتك أو بصلاحك
فصلت : ( 37 ) ومن آياته الليل . . . . .
) ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر ( لأنهما مخلوقان مأموران مثلكم ) واسجدوا لله الذي خلقهن ( الضمير للأربعة المذكورة والمقصود تعليق الفعل بهما إشعارا بأنهما من عدادما لا يعلم ولا يختار ) إن كنتم إياه تعبدون ( فإن السجود أخص العبادات وهو موضع السجود عندنا لاقتران الأمر به وعند أبي حنيفة آخر الآية الأخرى لأنه تمام المعنى
فصلت : ( 38 ) فإن استكبروا فالذين . . . . .
) فإن استكبروا ( عن الامتثال ) فالذين عند ربك ( من الملائكة ) يسبحون له بالليل والنهار ( أي دائما لقوله ) وهم لا يسأمون ( أي لا يملون
فصلت : ( 39 ) ومن آياته أنك . . . . .
) ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة ( يابسة متطامنة مستعار من الخشوع بمعنى التذلل ) فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ( تزخرفت وانتفخت بالنبات وقرىء ربأت أي زادت ) إن الذي أحياها ( بعد موتها ) لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير ( من الإحياء والإماتة
فصلت : ( 40 ) إن الذين يلحدون . . . . .
) إن الذين يلحدون ( يميلون عن الاستقامة ) في آياتنا ( بالطعن والتحريف والتأويل الباطل والإلغاء فيها ) لا يخفون علينا ( فنجازيهم على إلحادهم ) أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة ( قابل الإلقاء في النار بالإتيان آمنا مبالغة في إحماد حال المؤمنين ) اعملوا ما شئتم ( تهديد شديد ) إنه بما تعملون بصير ( وعيد بالمجازاة
فصلت : ( 41 ) إن الذين كفروا . . . . .
) إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم ( بدل من قوله ) إن الذين يلحدون في آياتنا ((5/116)
" صفحة رقم 117 "
أو مستأنف وخبر ) إن ( محذوف مثل معاندون أو هالكون أو ) أولئك ينادون ( والذكر القرآن ) وإنه لكتاب عزيز ( كثير النفع عديم النظير أو منيع لا يتأتى إبطاله وتحريفه
فصلت : ( 42 ) لا يأتيه الباطل . . . . .
) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ( لا يتطرق إليه الباطل من جهة من الجهات أو مما فيه من الأخبار الماضية والأمور الآتية ) تنزيل من حكيم ( أي حكيم ) حميد ( يحمده كل مخلوق بما ظهر عليه من نعمه
فصلت : ( 43 ) ما يقال لك . . . . .
) ما يقال لك ( أي ما يقول لك كفار قومك ) إلا ما قد قيل للرسل من قبلك ( إلا مثل ما قال لهم كفار قومهم ويجوز أن يكون المعنى ما يقول الله لك إلا مثل ما قال لهم ) إن ربك لذو مغفرة ( لأنبيائه ) وذو عقاب أليم ( لأعدائهم وهو على الثاني يحتمل أن يكون المقول بمعنى أن حاصل ما أوحي إليك وإليهم وعد المؤمنين بالمغفرة والكافرين بالعقوبة
فصلت : ( 44 ) ولو جعلناه قرآنا . . . . .
) ولو جعلناه قرآنا أعجميا ( جواب لقولهم هلا أنزل القرآن بلغة العجم والضمير للذكر ) لقالوا لولا فصلت آياته ( بينت بلسان نفقهه ) أأعجمي وعربي ( أكلام أعجمي ومخاطب عربي إنكار مقرر للتخصيص والأعجمي يقال للذي لا يفهم كلامه وهذا قراءة أبي بكر وحمزة والكسائي وقرأ قالون وأبو عمرو بالمد والتسهيل وورش بالمد وإبدال الثانية ألفا وابن كثير وابن ذكوان وحفص بغير المد بتسهيل الثانية وقرئ أعجمي وهو منسوب إلى العجم وقرأ هشام أعجمي على الإخبار وعلى هذا يجوز أن يكون المراد هلا فصلت آياته فجعل بعضها أعجميا لإفهام العجم وبعضها عربيا لإفهام العرب والمقصود إبطال مقترحهم باستلزامه المحذور أو للدلالة على أنهم لا ينفكون عن التعنت في الآيات كيف جاءت ) قل هو للذين آمنوا هدى ( إلى الحق ) وشفاء ( لما في الصدور في الشك والشبه ) والذين لا يؤمنون ( مبتدأ خبره ) في آذانهم وقر ( على تقدير هو في ) آذانهم وقر ( لقوله ) وهو عليهم عمى ( وذلك لتصامهم عن سماعه وتعاميهم عما يريهم(5/117)
" صفحة رقم 118 "
من الآيات ومن جوز العطف على عاملين مختلفين عطف ذلك على ) للذين آمنوا هدى ( ) أولئك ينادون من مكان بعيد ( أي صم وهو تمثيل لهم في عدم قبولهم الحق واستماعهم له بمن يصاح به من مسافة بعيدة
فصلت : ( 45 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
) ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ( بالتصديق والتكذيب كما اختلف في القرآن ) ولولا كلمة سبقت من ربك ( وهي العدة بالقيامة وفصل الخصومة حينئذ أو تقدير الآجال ) لقضي بينهم ( باستئصال المكذبين ) وأنهم ( وإن اليهود أو ) الذين لا يؤمنون ( ) لفي شك منه ( من التوراة أو القرآن ) مريب ( موجب للاضطراب
فصلت : ( 46 ) من عمل صالحا . . . . .
) من عمل صالحا فلنفسه ( نفعه ) ومن أساء فعليها ( ضره ) وما ربك بظلام للعبيد ( فيفعل بهم ما ليس له أن يفعله
فصلت : ( 47 ) إليه يرد علم . . . . .
) إليه يرد علم الساعة ( أي إذا سئل عنها إذ لا يعلمها إلا هو ) وما تخرج من ثمرات من أكمامها ( من أوعيتها جمع كم بالكسر وقرأ نافع وابن عامر وحفص من ثمرات بالجمع لاختلاف الأنواع وقرئ بجمع الضمير أيضا و ) ما ( نافية و ) من ( الأولى مزيدة للاستغراق ويحتمل أن تكون موصولة معطوفة على ) الساعة ( و ) من ( مبينة بخلاف قوله ) وما تحمل من أنثى ولا تضع ( بمكان ) إلا بعلمه ( إلا مقرونا بعلمه واقعا حسب تعلقه به ) ويوم يناديهم أين شركائي ( بزعمكم ) قالوا آذناك ( أعلمناك ) ما منا من شهيد ( من أحد يشهد لهم بالشركة إذ تبرأنا عنهم لما عاينا الحال فيكون السؤال عنهم للتوبيخ أو من أحد يشاهدهم لأنهم ضلوا عنا وقيل هو قول الشركاء أي ما منا من يشهد لهم بأنهم كانوا محقين(5/118)
" صفحة رقم 119 "
فصلت : ( 48 ) وضل عنهم ما . . . . .
) وضل عنهم ما كانوا يدعون ( يعبدون ) من قبل ( لا ينفعهم أو لا يرونه ) وظنوا ( وأيقنوا ) ما لهم من محيص ( مهرب والظن معلق عنه بحرف النفي
فصلت : ( 49 ) لا يسأم الإنسان . . . . .
) لا يسأم الإنسان ( لا يمل ) من دعاء الخير ( من طلب السعة في النعمة وقرئ من دعاء بالخير ) وإن مسه الشر ( الضيقة ) فيؤوس قنوط ( من فضل الله ورحمته وهذا صفة الكافر لقوله ) إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ( وقد يولغ في يأسه من جهة البنية والتكرير وما في القنوط من ظهور أثر اليأس
فصلت : ( 50 ) ولئن أذقناه رحمة . . . . .
) ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ( بتفريجها عنه ) ليقولن هذا لي ( حقي أستحقه لمالي من الفضل والعمل أولي دائما لا يزول ) وما أظن الساعة قائمة ( تقوم ) ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى ( أي ولئن قامت على التوهم كان لي عند الله الحالة الحسنى من الكرامة وذلك لاعتقاده أن ما أصابه من نعم الدنيا فلاستحقاق لا ينفك عنه ) فلننبئن الذين كفروا ( فلنخبرنهم ) بما عملوا ( بحقيقة أعمالهم ولنبصرنهم عكس ما اعتقدوا فيها ) ولنذيقنهم من عذاب غليظ ( لا يمكنهم التقصي عنه
فصلت : ( 51 ) وإذا أنعمنا على . . . . .
) وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ( عن الشكر ) ونأى بجانبه ( وانحرف عنه أو ذهب بنفسه وتباعد عنه بكليته تكبرا والجانب مجاز عن النفس كالجنب في قوله ) في جنب الله ( ) وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض ( كثير مستعار مما له عرض متسع للإشعار بكثرته واستمراره وهو أبلغ من الطويل إذ الطول أطول الامتدادين فإذا كان عرضه كذلك فما ظنك بطوله
فصلت : ( 52 ) قل أرأيتم إن . . . . .
) قل أرأيتم ( أخبروني ) إن كان ( أي القرآن ) من عند الله ثم كفرتم به ( من غير نظر واتباع دليل ) من أضل ممن هو في شقاق بعيد ( أي من أضل منكم فوضع الموصول موضع الضمير شرحا لحالهم وتعليلا لمزيد ضلالهم(5/119)
" صفحة رقم 120 "
فصلت : ( 53 ) سنريهم آياتنا في . . . . .
) سنريهم آياتنا في الآفاق ( يعني ما أخبرهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) به من الحوادث الآتية وآثار النوازل الماضية وما يسر الله له ولخلفائه من الفتوح والظهور على ممالك الشرق والغرب على وجه خارق للعادة ) وفي أنفسهم ( ما ظهر فيما بين أهل مكة وما حل بهم أو ما في بدن الإنسان من عجائب الصنع الدالة على كمال القدرة ) حتى يتبين لهم أنه الحق ( الضمير للقرآن أو الرسول أو التوحيد أو الله ) أولم يكف بربك ( أي أو لم يكف ربك والفاء مزيدة للتأكيد كأنه قيل أو لم تحصل الكفاية به ولا تكاد تزاد في الفاعل إلا مع كفى ) أنه على كل شيء شهيد ( بدل منه والمعنى أو لم يكفك أنه تعالى على كل شيء شهيد محقق له فيحقق أمرك بإظهار الآيات الموعودة كما حقق سائر الأشياء الموعودة أو مطلع فيعلم حالك وحالهم أو لم يكف الإنسان رادعا عن المعاصي أنه تعالى مطلع على كل شيء لا يخفى عليه خافية
فصلت : ( 54 ) ألا إنهم في . . . . .
) ألا إنهم في مرية ( شك وقرىء بالضم وهو لغة كخفية وخفية ) من لقاء ربهم ( بالبعث والجزاء ) ألا إنه بكل شيء محيط ( عالم بجمل الأشياء وتفاصيلها مقتدر عليها لا يفوته شيء منها عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة السجدة أعطاه الله بكل حرف عشر حسنات(5/120)
" صفحة رقم 121 "
سورة الشورى
مكية وهي ثلاث وخمسون آية وتسمى سورة الشورى
بسم الله الرحمن الرحيم
الشورى : ( 1 - 2 ) حم
) حم ( ) عسق ( لعله اسمان للسورة ولذلك فصل بينهما وعدا آيتين وإن كانا اسما واحدا فالفصل ليطابق سائر الحواميم وقرىء حم سق
الشورى : ( 3 ) كذلك يوحي إليك . . . . .
) كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم ( أي مثل ما في هذه السورة من المعاني أو إيحاء مثل إيحائها أوحى الله إليك وإلى الرسل من قبلك وإنما ذكر بلفظ المضارع على حكاية الحال الماضية للدلالة على استمرار الوحي وأن إيحاء مثله عادته وقرأ ابن كثير يوحى بالفتح على أن كذلك مبتدأ ويوحى خبره المسند إلى ضميره أو مصدر و يوحى مسند إلى إليك و ) الله ( مرتفع بما دل عليه يوحى و ) العزيز الحكيم ( صفتان له مقررتان لعلو شأن الموحى به كما مر في السورة السابقة أو بالابتداء كما في قراءة نوحي بالنون و ) العزيز ( وما بعده أخبار أو ) العزيز الحكيم ( صفتان
الشورى : ( 4 ) له ما في . . . . .
وقوله ) له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلي العظيم ( خبران له وعلى الوجوه الأخر استئناف مقرر لعزته وحكمته
الشورى : ( 5 ) تكاد السماوات يتفطرن . . . . .
) تكاد السماوات ( وقرأ نافع والكسائي بالياء ) يتفطرن ( يتشققن من عظمة الله وقيل من ادعاء الولد له وقرأ البصريان وأبو بكر ينفطرن بالنون والأول أبلغ لأنه مطاوع(5/121)
" صفحة رقم 122 "
فطر وهذا مطاوع فطر وقرىء تتفطرن بالتاء لتأكيد التأنيث وهو نادر ) من فوقهن ( أي يبتدىء الانفطار من جهتهن الفوقانية وتخصيصها على الأول لأن أعظم الآيات وأدلها على علو شأنه من تلك الجهة وعلى الثاني ليدل على الانفطار من تحتهن بالطريق الأولى وقيل الضمير للأرض فإن المراد بها الجنس ) والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ( بالسعي فيما يستدعي مغفرتهم من الشفاعة والإلهام وإعداد الأسباب المقربة إلى الطاعة وذلك في الجملة يعم المؤمن والكافر بل لو فسر الاستغفار بالسعي فيما يدفع الخلل المتوقع عم الحيوان بل الجماد وحيث خص بالمؤمنين فالمراد به الشفاعة ) ألا إن الله هو الغفور الرحيم ( إذ ما من مخلوق إلا وهو ذو حظ من رحمته والآية على الأول زيادة تقرير لعظمته وعلى الثاني دلالة على تقدسه عما نسب إليه وإن عدم معاجلتهم بالعقاب على تلك الكلمة الشنعاء باستغفار الملائكة وفرط غفران الله ورحمته
الشورى : ( 6 ) والذين اتخذوا من . . . . .
) والذين اتخذوا من دونه أولياء ( شركاء وأندادا ) الله حفيظ عليهم ( رقيب على أحوالهم وأعمالهم فيجازيهم بها ) وما أنت ( يا محمد ) عليهم بوكيل ( بموكل بهم أو بموكول إليك أمرهم
الشورى : ( 7 ) وكذلك أوحينا إليك . . . . .
) وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا ( الإشارة إلى مصدر ) يوحى ( أو إلى معنى الآية المتقدمة فإنه مكرر في القرآن في مواضع جمة فتكون الكاف مفعولا به و ) قرآنا عربيا ( حال منه ) لتنذر أم القرى ( أهل أم القرى وهي مكة شرفها الله تعالى ) ومن حولها ( من العرب ) وتنذر يوم الجمع ( يوم القيامة يجمع فيه الخلائق أو الأرواح أو الأشباح أو العمال والأعمال وحذف ثاني مفعول الأول وأول مفعولي الثاني للتهويل وإبهام التعميم وقرىء لينذر بالياء والفعل للقرآن ) لا ريب فيه ( اعتراض لا محل له من الإعراب ) فريق في الجنة وفريق في السعير ( أي بعد جمعهم في الموقف يجمعون أولا ثم يفرقون والتقدير منهم فريق والضمير للمجموعين لدلالة الجمع عليه وقرئا منصوبين(5/122)
" صفحة رقم 123 "
على الحال منهم أي وتنذر يوم جمعهم متفرقين بمعنى مشارفين للتفرق أو متفرقين في داري الثواب والعقاب
الشورى : ( 8 ) ولو شاء الله . . . . .
) ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ( مهتدين أو ضالين ) ولكن يدخل من يشاء في رحمته ( بالهداية والحمل على الطاعة ) والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير ( أي يدعهم بغير ولي ولا نصير في عذابه ولعل تغيير المقابلة للمبالغة في الوعيد إذ الكلام في الإنذار
الشورى : ( 9 ) أم اتخذوا من . . . . .
) أم اتخذوا ( بل اتخذوا ) من دونه أولياء ( كالأصنام ) فالله هو الولي ( جواب لشرط محذوف مثل إن أرادوا أولياء بحق فالله هو الولي بالحق ) وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير ( كالتقرير لكونه حقيقا بالولاية
الشورى : ( 10 ) وما اختلفتم فيه . . . . .
) وما اختلفتم ( أنتم والكفار ) فيه من شيء ( من أمر من أمور الدنيا أو الدين ) فحكمه إلى الله ( مفوض إليه يميزالمحق من المبطل بالنصر أو بالإثابة والمعاقبة وقيل ) وما اختلفتم فيه ( من تأويل متشابه فارجعوا فيه إلى المحكم من كتاب الله ) ذلكم الله ربي عليه توكلت ( في مجامع الأمور ) وإليه أنيب ( إليه أرجع في المعضلات
الشورى : ( 11 ) فاطر السماوات والأرض . . . . .
) فاطر السماوات والأرض ( خبر آخر ل ) ذلكم ( أو مبتدأ خبره ) جعل لكم ( وقرىء بالجر على البدل من الضمير أو الوصف لإلى الله ) من أنفسكم ( من جنسكم ) أزواجا ( نساء ) ومن الأنعام أزواجا ( أي وخلق للأنعام من جنسها أزواجا أو خلق لكم من الأنعام أصنافا أو ذكورا وأناثا ) يذرؤكم ( يكثركم من الذرء وهو البث وفي معناه الذر والذرو والضمير على الأول للناس و ) الأنعام ( على تغليب المخاطبين العقلاء ) فيه ( في هذا التدبير وهو جعل الناس والأنعام أزواجا يكون بينهم توالد فإنه كالمنبع للبث والتكثير ) ليس كمثله شيء ( أي ليس مثله شيء يزاوجه ويناسبه والمراد من مثله ذاته(5/123)
" صفحة رقم 124 "
كما في قولهم مثلك لا يفعل كذا على قصد المبالغة في نفيه عنه فإنه إذا نفى عمن يناسبه ويسد مسده كان نفيه عنه أولى ونظيره قول رقيقة بنت صيفي في سقيا عبد المطلب ألا وفيهم الطيب الطاهر لذاتهومن قال الكاف فيه زائدة لعله عني أنه يعطى معنى ) ليس كمثله ( غير أنه آكد لما ذكرناهوقيل مثله صفته أي ليس كصفته صفة ) وهو السميع البصير ( لكل ما يسمع و يبصر
الشورى : ( 12 ) له مقاليد السماوات . . . . .
) له مقاليد السماوات والأرض ( خزائنها ) يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ( يوسع ويضيق على وقف مشيئته ) إنه بكل شيء عليم ( فيفعله على ما ينبغي
الشورى : ( 13 ) شرع لكم من . . . . .
) شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ( أي شرع لكم من الدين دين نوح ومحمد عليهما الصلاة والسلام ومن بينهما من أرباب الشرائع وهو الأصل المشترك فيما بينهم المفسر بقوله ) أن أقيموا الدين ( وهو الإيمان بما يجب تصديقه والطاعة في أحكام الله ومحله النصب على البدل من مفعول ) شرع ( أو الرفع على الاستئناف كأنه جواب وما ذلك المشروع أو الجر على البدل من هاء به ) ولا تتفرقوا فيه ( ولا تختلفوا في هذا الأصل أما فروع الشرائع فمختلفة(5/124)
" صفحة رقم 125 "
كما قال ) لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ( ) كبر على المشركين ( عظم عليهم ) ما تدعوهم إليه ( من التوحيد ) الله يجتبي إليه من يشاء ( يجتلب إليه والضمير لما تدعوهم أو للدين ) ويهدي إليه ( بالإشارة والتوفيق من ينسب يقبل إليه
الشورى : ( 14 ) وما تفرقوا إلا . . . . .
) وما تفرقوا ( يعني الأمم السالفة وقيل أهل الكتاب لقوله ) وما تفرق الذين أوتوا الكتاب ( ) إلا من بعد ما جاءهم العلم ( العلم أن التفرق ضلال متوعد عليه أو العلم بمبعث الرسل عليهم الصلاة والسلام أو أسباب العلم من الرسل والكتب وغيرهما فلم يلتفتوا إليها ) بغيا بينهم ( عداوة أو طلبا للدنيا ) ولولا كلمة سبقت من ربك ( بالإمهال ) إلى أجل مسمى ( هو يوم القيامة أو آخر أعمارهم المقدرة ) لقضي بينهم ( باستئصال المبطلين حين اقترفوا لعظم ما اقترفوا ) وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم ( يعني أهل الكتاب الذين كانوا في عهد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أو المشركين الذين أورثوا القرآن من بعد أهل الكتاب وقرىء ورثوا و ورثوا ) لفي شك منه ( من كتابهم لا يعلمونه كما هو أو لا يؤمنون به حق الإيمان أو من القرآن ) مريب ( مقلق أو مدخل في الريبة
الشورى : ( 15 ) فلذلك فادع واستقم . . . . .
) فلذلك ( فلأجل ذلك التفرق أو الكتاب أو العلم الذي أوتيته ) فادع ( إلى الاتفاق على الملة الحنفية أو الاتباع لما أوتيت وعلى هذا يجوز أن تكون اللام في موضع إلى لإفادة الصلة والتعليل ) واستقم كما أمرت ( واستقم على الدعوة كما أمرك الله تعالى ) ولا تتبع أهواءهم ( الباطلة ) وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب ( يعني جميع الكتب المنزلة لا كالكفار الذين آمنوا ببعض وكفروا ببعض ) وأمرت لأعدل بينكم ( في تبليغ الشرائع والحكومات والأول إشارة إلى كمال القوة النظرية وهذا إشارة إلى كمال القوة العملية ) الله ربنا وربكم ( خالق الكل ومتولي إمره ) لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ( وكل مجازى بعمله ) لا حجة بيننا وبينكم ( لا حجاج بمعنى لا خصومة إذ الحق قد ظهر(5/125)
" صفحة رقم 126 "
ولم يبق للمحاجة مجال ولا للخلاف مبدأ سوى العناد ) الله يجمع بيننا ( يوم القيامة ) وإليه المصير ( مرجع الكل لفصل القضاء وليس في الآية ما يدل على متاركة الكفار رأسا حتى تكون منسوخة بآية القتال
الشورى : ( 16 ) والذين يحاجون في . . . . .
) والذين يحاجون في الله ( في دينه ) من بعد ما استجيب له ( من بعد ما استجاب له الناس ودخلوا فيه أو من بعد ما استجاب الله لرسوله فأظهر دينه بنصرة يوم بدر أو من بعد ما استجاب له أهل الكتاب بأن أقروا بنبوته واستفتحوا به ) حجتهم داحضة عند ربهم ( زائلة باطلة ) وعليهم غضب ( لمعاندتهم ) ولهم عذاب شديد ( على كفرهم
الشورى : ( 17 ) الله الذي أنزل . . . . .
) الله الذي أنزل الكتاب ( جنس الكتاب ) بالحق ( ملتبسا بعيدا من الباطل أو بما يحق إنزاله من العقائد والأحكام ) والميزان ( والشرع الذي توزن به الحقوق ويسوي بين الناس أو العدل بأن أنزل الأمر به أو آلة الوزن بأن أوحى بإعدادها ) وما يدريك لعل الساعة قريب ( إتيانها فاتبع الكتاب واعمل بالشرع وواظب على العدل قبل أن يفاجئك اليوم الذي توزن فيه أعمالك وتوفى جزاءك وقيل تذكير القريب لأنه بمعنى ذات قرب أو لأن الساعة بمعنى البعث
الشورى : ( 18 ) يستعجل بها الذين . . . . .
) يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها ( استهزاء ) والذين آمنوا مشفقون منها ( خائفون منها مع اغتيابها لتوقع الثواب ) ويعلمون أنها الحق ( أي الكائن لا محالة ) ألا إن الذين يمارون في الساعة ( يجادلون فيها من المرية أو من مريت الناقة إذا مسحت ضرعها بشدة للحلب لأن كلا من المتجادلين يستخرج ما عند صاحبه بكلام فيه شدة ) لفي ضلال بعيد ( عن الحق فإن البعث أشبه الغائبات إلى المحسوسات فمن لم يهتد لتجويزه فهو أبعد عن الاهتداء إلى ما وراءه
الشورى : ( 19 ) الله لطيف بعباده . . . . .
) الله لطيف بعباده ( بر بهم بصنوف من البر لا تبلغها الأفهام ) يرزق من يشاء ( أي يرزقه كما يشاء فيخص كلا من عباده بنوع من البر على ما اقتضته حكمته ) وهو القوي ( الباهر القدرة ) العزيز ( المنيع الذي لا يغلب(5/126)
" صفحة رقم 127 "
الشورى : ( 20 ) من كان يريد . . . . .
) من كان يريد حرث الآخرة ( ثوابها شبهه بالزرع من حيث أنه فائدة تحصل بعمل ولذلك قيل الدنيا مزرعة الآخرة والحرث في الأصل إلقاء البذرفي الأرض ويقال للزرع الحاصل منه ) نزد له في حرثه ( فنعطه بالواحد عشرا إلى سبعمائة فما فوقها ) ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها ( شيئا منها على ما قسمنا له ) وما له في الآخرة من نصيب ( إذ الأعمال بالنيات ولكل امرىء ما نوى
الشورى : ( 21 ) أم لهم شركاء . . . . .
) أم لهم شركاء ( بل ألهم شركاء والهمزة للتقرير والتقريع وشركاؤهم شياطينهم ) شرعوا لهم ( بالتزيين ) من الدين ما لم يأذن به الله ( كالشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا وقيل شركاؤهم أوثانهم وإضافتها إليهم لأنهم متخذوها شركاء وإسناد الشرع إليها لأنها سبب ضلالتهم وافتتانهم بما تدينوا به أو صور من سنة لهم ) ولولا كلمة الفصل ( أي القضاء السابق بتأجيل الجزاء أو العدة بأن الفصل يكون يوم القيامة ) لقضي بينهم ( بين الكافرين والمؤمنين أو المشركين وشركائهم ) وإن الظالمين لهم عذاب أليم ( وقرىء أن بالفتح عطفا على كلمة ) الفصل ( أي ) ولولا كلمة الفصل ( وتقدير عذاب الظالمين في الآخرة لقضي بينهم في الدنيا فإن العذاب الأليم غالب في عذاب الآخرة
الشورى : ( 22 ) ترى الظالمين مشفقين . . . . .
) ترى الظالمين ( في القيامة ) مشفقين ( خائفين ) مما كسبوا ( من السيئات ) وهو واقع بهم ( أي وباله لاحق بهم أشفقوا أو لم يشفقوا ) والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات ( في أطيب بقاعها وأنزهها ) لهم ما يشاؤون عند ربهم ( أي ما يشتهونه ثابت لهم عند ربهم ) ذلك ( إشارة إلى المؤمنين ) هو الفضل الكبير ( الذي يصغر دونه ما لغيرهم في الدنيا
الشورى : ( 23 ) ذلك الذي يبشر . . . . .
) ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( ذلك الثواب الذي(5/127)
" صفحة رقم 128 "
يبشرهم الله به فحذف الجار ثم العائد أو ذلك التبشير الذي يبشره الله عباده وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي يبشر من بشره وقرىء يبشر من أبشره ) قل لا أسألكم عليه ( على ما أتعاطاه من التبليغ والبشارة ) أجرا ( نفعا منكم ) إلا المودة في القربى ( أي تودوني لقرابتي منكم أو تودوا قرابتي وقيل الاستثناء منقطع والمعنى لا أسألكم أجرا قط ولكني أسالكم المودة و ) في القربى ( حال منها أي ) إلا المودة ( ثابتة في ذوي ) القربى ( متمكنة في أهلها أو في حق القرابة ومن أجلها كما جاء في الحديث الحب في الله والبغض في الله روي أنها لما نزلت قيل يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودتهم علينا قال علي وفاطمة وابناهما وقيل ) القربى ( التقرب إلى الله أي إلا تودوا الله ورسوله في تقربكم إليه بالطاعة والعمل الصالح وقرىء إلا مودة في القربى ) ومن يقترف حسنة ( ومن يكتسب طاعة سيما حب آل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) (5/128)
" صفحة رقم 129 "
وقيل نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ومودته لهم ) نزد له فيها حسنا ( في الحسنة بمضاعفة الثواب وقرىء يزد أي يزد الله وحسنى ) إن الله غفور ( لمن أذنب ) شكور ( لمن أطاع بتوفية الثواب والتفضل عليه بالزيادة
الشورى : ( 24 ) أم يقولون افترى . . . . .
) أم يقولون ( بل أيقولون ) افترى على الله كذبا ( افترى محمد بدعوى النبوة أو القرآن ) فإن يشأ الله يختم على قلبك ( استبعاد للافتراء عن مثله بالإشعار على أنه إنما يجترىء عليه من كان مختوما على قلبه جاهلا بربه فأما من كان ذا بصيرة ومعرفة فلا وكأنه قال إن يشأ الله خذلانك يختم على قلبك لتجترىء بالافتراء عليه وقيل يختم على قلبك يمسك القرآن أو الوحي عنه أو يربط عليه بالصبر فلا يشق عليك أذاهم ) ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور ( استئناف لنفي الافتراء عما يقوله بأنه لو كان مفترى لمحقه إذ من عادته تعالى محو الباطل وإثبات الحق بوحيه أو بقضائه أو بوعده بمحو باطلهم وإثبات حقه بالقرآن أو بقضائه الذي لا مرد له وسقوط الواو من ) يمحو ( في بعض المصاحف لاتباع اللفظ كما في قوله تعالى ) ويدع الإنسان بالشر )
الشورى : ( 25 ) وهو الذي يقبل . . . . .
) وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ( بالتجاوز عما تابوا عنه والقبول يعدى إلى مفعول ثان بمن وعن لتضمنه معنى الأخذ والإبانة وقد عرفت حقيقة التوبة وعن علي رضي الله تعالى عنه هي اسم يقع على ستة معان على الماضي من الذنوب الندامة ولتضييع الفرائض الإعادة ورد المظالم وإذابة النفس في الطاعة كما ربيتها في المعصية وإذاقتها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية والبكاء بدل كل ضحك ضحكته(5/129)
" صفحة رقم 130 "
) ويعفو عن السيئات ( صغيرها وكبيرها لمن يشاء ) ويعلم ما تفعلون ( فيجازي ويتجاوز عن إتقان وحكمة وقرأ الكوفيون غير أبي بكر ما تفعلون بالتاء
الشورى : ( 26 ) ويستجيب الذين آمنوا . . . . .
) ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( أي يستجيب الله لهم فحذف اللام كما حذف في ) وإذا كالوهم ( والمراد إجابة الدعاء أو الإثابة على الطاعة فإنها كدعاء وطلب لما يترتب عليها ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) أفضل الدعاء الحمد لله أو يستجيبون لله بالطاعة إذا دعاهم إليها ) ويزيدهم من فضله ( على ما سألوا واستحقوا واستوجبوا له بالاستجابة ) والكافرون لهم عذاب شديد ( بدل ما للمؤمنين من الثواب والتفضل
الشورى : ( 27 ) ولو بسط الله . . . . .
) ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ( لتكبروا وأفسدوا فيها بطرا أو لبغى بعضهم على بعض استيلاء واستعلاء وهذا على الغالب وأصل البغي طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى كمية أو كيفية ) ولكن ينزل بقدر ( بتقدير ) ما يشاء ( كما اقتضته مشيئته ) إنه بعباده خبير بصير ( يعلم خفايا أمرهم وجلايا حالهم فيقدر لهم ما يناسب شأنهم روي أن أهل الصفة تمنوا الغنى فنزلت وقيل في العرب كانوا إذا أخصبوا تحاربوا وإذا أجدبوا انتجعوا(5/130)
" صفحة رقم 131 "
الشورى : ( 28 ) وهو الذي ينزل . . . . .
) وهو الذي ينزل الغيث ( المطر الذي يغيثهم من الجدب ولذلك خص بالنافع وقرأ نافع وابن عامر وعاصم ينزل بالتشديد ) من بعد ما قنطوا ( أيسوا منه وقرئ بكسر النون ) وينشر رحمته ( في كل شيء من السهل والجبل والنبات والحيوان ) وهو الولي ( الذي يتولى عباده بإحسانه ونشر رحمته ) الحميد ( المستحق للحمد على ذلك
الشورى : ( 29 ) ومن آياته خلق . . . . .
) ومن آياته خلق السماوات والأرض ( فإنها بذاتها وصفاتها تدل على وجود صانع قادر حكيم ) وما بث فيهما ( عطف على ) السماوات ( أو ال ) خلق ( ) من دابة ( من حي على إطلاق اسم المسبب على السبب أو مما يدب على الأرض وما يكون في أحد الشيئين يصدق أن فيها في الجملة ) وهو على جمعهم إذا يشاء ( أي في أي وقت يشاء ) قدير ( متمكن منه و ) إذا ( كما ادخل على الماضي تدخل على المضارع
الشورى : ( 30 ) وما أصابكم من . . . . .
) وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ( فبسبب معاصيكم والفاء لأن ) ما ( شرطية أو متضمنة معناه ولم يذكرها نافع وابن عامر استغناء بما في الباء من معنى السببية ) ويعف عن كثير ( من الذنوب فلا يعاقب عليها والآية مخصوصة بالمجرمين فإن ما أصاب غيرهم فلأسباب أخر منها تعرضه للأجر العظيم بالصبر عليه
الشورى : ( 31 ) وما أنتم بمعجزين . . . . .
) وما أنتم بمعجزين في الأرض ( فائتين ما قضى عليكم من المصائب ) وما لكم من دون الله من ولي ( يحرصكم عنها ) ولا نصير ( يدفعها عنكم
الشورى : ( 32 ) ومن آياته الجوار . . . . .
) ومن آياته الجوار ( السفن الجارية ) في البحر كالأعلام ( كالجبال قالت الخنساء " وإن صخرا لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار "
الشورى : ( 33 ) إن يشأ يسكن . . . . .
) إن يشأ يسكن الريح ( وقرئ الرياح ) فيظللن رواكد على ظهره ( فيبقين ثوابت على ظهر البحر ) إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ( لكل من كل همته وحبس نفسه(5/131)
" صفحة رقم 132 "
على النظر في آيات الله والتفكر في آلائه أو لكل مؤمن كامل الإيمان فإن الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر
الشورى : ( 34 ) أو يوبقهن بما . . . . .
) أو يوبقهن ( أو يهلكهن بإرسال الريح العاصفة المغرقة والمراد إهلاك أهلها لقوله تعالى ) بما كسبوا ( وأصله أو يرسلها فيوبقهن لأنه قسيم يسكن فاقتصر فيه على المقصود كما في قوله تعالى ) ويعف عن كثير ( إذ المعنى أو يرسلها فيوبق ناسا بذنوبهم وينج ناسا على العفو منهم وقرئ ويعفو على الاستئناف
الشورى : ( 35 ) ويعلم الذين يجادلون . . . . .
) ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ( عطف على علة مقدرة مثل لينتقم منهم ) ويعلم ( أو على الجزاء ونصب نصب الواقع جوابا للأشياء الستة لأنه أيضا غير واجب وقرأ نافع وابن عامر بالرفع على الاستئناف وقرئ بالجزم عطفا على ) ويعف ( فيكون المعنى ويجمع بين إهلاك قوم وإنجاء قوم وتحذير آخرين ) ما لهم من محيص ( محيد من العذاب والجملة معلق عنها الفعل
الشورى : ( 36 ) فما أوتيتم من . . . . .
) فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا ( تمتعون به مدة حياتكم ) وما عند الله ( من ثواب الآخرة ) خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ( لخلوص نفعه ودوامه و ) ما ( الأولى موصولة تضمنت معنى الشرط من حيث أن إيتاء ما أوتوا سبب للتمتع بها في الحياة الدنيا فجاءت الفاء في جوابها بخلاف الثانية وعن علي رضي الله تعالى عنه تصدق أبو بكر رضي الله تعالى عنه بماله كله فلامه جمع فنزلت
الشورى : ( 37 ) والذين يجتنبون كبائر . . . . .
) والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون ( ) والذين ( بما بعده عطف على ) للذين آمنوا ( أو مدح منصوب أو مرفوع وبناء ) يغفرون ( على(5/132)
" صفحة رقم 133 "
ضميرهم خبرا للدلالة على أنهم الأخصاء بالمغفرة حال الغضب وقرأ حمزة والكسائي كبير الإثم
الشورى : ( 38 ) والذين استجابوا لربهم . . . . .
) والذين استجابوا لربهم ( نزلت في الأنصار دعاهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الإيمان فاستجابوا له ) وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ( ذو شورى بينهم لا ينفردون برأي حتى يتشاوروا ويجتمعوا عليه وذلك من فرط تدبرهم وتيقظهم في الأمور وهي مصدر كالفتيا بمعنى التشاور ) ومما رزقناهم ينفقون ( في سبيل الله الخير
الشورى : ( 39 ) والذين إذا أصابهم . . . . .
) والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ( على ما جعله الله لهم كراهة التذلل وهو وصفهم بالشجاعة بعد وصفهم بسائر أمهات الفضائل وهو لا يخالف وصفهم بالغفران فإنه ينبئ عن عجز المغفور والانتصار عن مقاومة الخصم والحلم عن العاجز محمود وعن المتغلب مذموم لأنه إجراء وإغراء على البغي ثم عقب وصفهم بالانتصار للمنع عن التعدي
الشورى : ( 40 ) وجزاء سيئة سيئة . . . . .
) وجزاء سيئة سيئة مثلها ( وسمي الثانية ) سيئة ( للازدواج أو لأنها تسوء من تنزل به ) فمن عفا وأصلح ( بينه وبين عدوه ) فأجره على الله ( عدة مبهمة تدل على عظم الموعود ) إنه لا يحب الظالمين ( المبتدئين بالسيئة والمتجاوزين في الانتقام
الشورى : ( 41 ) ولمن انتصر بعد . . . . .
) ولمن انتصر بعد ظلمه ( بعد ما ظلم وقد قرىء به ) فأولئك ما عليهم من سبيل ( بالمعاتبة والمعاقبة
الشورى : ( 42 ) إنما السبيل على . . . . .
) إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ( يبتدئونهم بالإضرار ويطلبون ما لا(5/133)
" صفحة رقم 134 "
يستحقونه تجبرا عليهم ) ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ( على ظلمهم وبغيهم
الشورى : ( 43 ) ولمن صبر وغفر . . . . .
) ولمن صبر ( على الأذى ) وغفر ( ولم ينتصر ) إن ذلك لمن عزم الأمور ( أي إن ذلك منه فحذف كما حذف في قولهم السمن منوان بدرهم للعلم به
الشورى : ( 44 ) ومن يضلل الله . . . . .
) ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده ( من ناصر يتولاه من بعد خذلان الله إياه ) وترى الظالمين لما رأوا العذاب ( حين يرونه فذكر بلفظ الماضي تحقيقا ) يقولون هل إلى مرد من سبيل ( هل إلى رجعة إلى الدنيا
الشورى : ( 45 ) وتراهم يعرضون عليها . . . . .
) وتراهم يعرضون عليها ( على النار ويدل عليه ) العذاب ( ) خاشعين من الذل ( متذللين متقاصرين مما يلحقهم من الذل ) ينظرون من طرف خفي ( أيبتدىء نظرهم إلى النار مع تحريك لأجفانهم ضعيف كالمصبور ينظر إلى السيف ) وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم ( بالتعريض للعذاب المخلد ) يوم القيامة ( ظرف ل ) خسروا ( والقول في الدنيا أو لقال أي يقولون إذا رأوهم على تلك الحال ) ألا إن الظالمين في عذاب مقيم ( تمام كلامهم أو تصديق من الله لهم
الشورى : ( 46 ) وما كان لهم . . . . .
) وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل ( إلى الهدى أو النجاة
الشورى : ( 47 ) استجيبوا لربكم من . . . . .
) استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ( لا يرده الله بعدما حكم به و ) من ( صلة ل ) مرد ( وقيل صلة ) يأتي ( أي من قبل أن ياتي يوم من الله لا يمكن رده ) ما لكم من ملجأ ( مفر ) يومئذ وما لكم من نكير ( إنكار لما اقترفتموه لأنه مدون في صحائف أعمالكم تشهد عليه ألسنتكم وجوارحكم
الشورى : ( 48 ) فإن أعرضوا فما . . . . .
) فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا ( رقيبا أو محاسبا ) إن عليك إلا البلاغ ( وقد بلغت ) وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها ( أراد بالإنسان الجنس لقوله ) وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور ( بليغ الكفران ينسى النعمة رأسا ويذكر البلية ويعظمها ولا يتأمل سببها وهذا وإن اختص بالمجرمين جاز إسناده إلى الجنس لغلبتهم واندراجهم فيه وتصدير الشرطية الأولى ب ) إذا ( والثانية ب ) إن ( لأن إذاقة النعمة محققة من حيث أنها عادة مقتضاة بالذات بخلاف إصابة البلية وإقامة علة الجزاء(5/134)
" صفحة رقم 135 "
مقامه ووضع الظاهر موضع المضمر في الثانية للدلالة على أن هذا الجنس مرسوم بكفران النعمة
الشورى : ( 49 ) لله ملك السماوات . . . . .
) لله ملك السماوات والأرض ( فله أن يقسم النعمة والبلية كيف يشاء ) يخلق ما يشاء ( من غير لزوم ومجال اعتراض ) يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور )
الشورى : ( 50 ) أو يزوجهم ذكرانا . . . . .
) أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما ( بدل من ) يخلق ( بدل البعض والمعنى يجعل أحوال العباد في الأولاد مختلفة على مقتضى المشيئة فيهب لبعض إما صنفا واحدا من ذكر أو أنثى أو الصنفين جميعا ويعقم آخرين ولعل تقديم الإناث أكثر لتكثير النسل أو لأن مساق الآية للدلالة على أن الواقع ما يتعلق به مشيئة الله لا مشيئة الإنسان والإناث كذلك أو لأن الكلام في البلاء والعرب تعدهن بلاء أو لتطييب قلوب آبائهن أو للمحافظة على الفواصل ولذلك عرف الذكور أو لجبر التأخير وتغيير العاطف في الثلث لأنه قسيم المشترك بين القسمين ولم يحتج إليه الرابع لا فصاحة بأنه قسيم المشترك بين الأقسام المتقدمة ) إنه عليم قدير ( فيفعل ما يفعل بحكمه واختيار
الشورى : ( 51 ) وما كان لبشر . . . . .
) وما كان لبشر ( وما صح له ) أن يكلمه الله إلا وحيا ( كلاما خفيا يدرك لأنه بسرعة تمثيل ليس في ذاته مركبا من حروف مقطعة تتوقف على تموجات متعاقبة وهو ما يعم(5/135)
" صفحة رقم 136 "
المشافه به كما روي في حديث المعراج وما وعد به في حديث الرؤية والمهتف به كما اتفق لموسى في طوى والطور ولكن عطف قوله ) أو من وراء حجاب ( عليه يخصه بالأول فالآية دليل على جواز الرؤية لا على امتناعها وقيل المراد به الإلهام والإلقاء في الروع أو الوحي المنزل به الملك إلى الرسل فيكون المراد بقوله ) أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء ( أو يرسل إليه نبيا فيبلغ وحيه كما أمره وعلى الأول المراد بالرسول الملك الموحي إلى الرسل ووحيا بما عطف عليه منتصب بالمصدر لأن ) من وراء حجاب ( ظرفا وقعت أحوالا وقرأ نافع ) أو يرسل ( برفع اللام ) إنه على ( عن صفات المخلوقين ) حكيم ( يفعل ما تقتضيه حكمته فيكلم تارة بوسط وتارة بغير وسط إما عيانا وإما من وراء حجاب(5/136)
" صفحة رقم 137 "
الشورى : ( 52 ) وكذلك أوحينا إليك . . . . .
) وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ( يعني ما أوحي إليه وسماه روحا لأن القلوب تحيا به وقيل جبريل والمعنى أرسلناه إليك بالوحي ) ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ( أي قبل الوحي وهو دليل على أنه لم يكن متعبدا قبل النبوة بشرع وقيل المراد هو الإيمان بما لا طريق إليه إلا السمع ) ولكن جعلناه ( أي الروح أو الكتاب أو الإيمان ) نورا نهدي به من نشاء من عبادنا ( بالتوفيق للقبول والنظر فيه ) وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ( هو الإسلام وقرىء لتهدي أي ليهديك الله
الشورى : ( 53 ) صراط الله الذي . . . . .
) صراط الله ( بدل من الأول ) الذي له ما في السماوات وما في الأرض ( خلقا وملكا ) ألا إلى الله تصير الأمور ( بارتفاع الوسائط والتعلقات وفيه وعد ووعيد للمطيعين والمجرمين عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ حم عسق كان ممن تصلي عليه الملائكة ويستغفرون له ويسترحمون له(5/137)
" صفحة رقم 138 "
سورة الزخرف
مكية وقيل إلا قوله واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا وآيها تسع وثمانون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الزخرف : ( 1 - 3 ) حم
) حم ( ) والكتاب المبين ( ) إنا جعلناه قرآنا عربيا ( أقسم بالقرآن على أنه جعله قرآنا عربيا وهو من البدائع لتناسب القسم والمقسم عليه كقول أبي تمام " وثناياك أنها إغريض " ولعل إقسام الله بالأشياء استشهاد بما فيها من الدلالة على المقسم عليه وبالقرآن من حيث أنه معجز مبين لطرق الهدى وما يحتاج إليه في الديانة أو بين للعرب ما يدل على أنه تعالى صيره كذلك ) لعلكم تعقلون ( لكي تفهموا معانيه
الزخرف : ( 4 ) وإنه في أم . . . . .
) وإنه ( عطف على انا وقرأ حمزة والكسائي بالكسر على الاستئناف ) في أم الكتاب ( في اللوح المحفوظ فإنه أصل الكتب السماوية وقرىء أو الكتاب بالكسر ) لدينا ( محفوظا عندنا عن التغيير ) لعلي ( رفيع الشأن في الكتب لكونه معجزا من بينها ) حكيم ( ذو حكمة بالغة أو محكم لا ينسخه غيره وهما خبران لأن ) في أم الكتاب ((5/138)
" صفحة رقم 139 "
متعلق ب ) لعلي ( واللام لا تمنعه أو حال منه و ) لدينا ( بدل منه أو حال من ) أم الكتاب )
الزخرف : ( 5 ) أفنضرب عنكم الذكر . . . . .
) أفنضرب عنكم الذكر صفحا ( أفنذوده ونبعده عنكم مجاز من قولهم ضرب الغرائب عن الحوض قال طرفة " اضرب عنك الهموم طارقها ضربك بالسيف قونس الفرس " والفاء للعطف على محذوف أي انهملكم فنضرب ) عنكم الذكر ( و ) صفحا ( مصدر من غير لفظه فإن تنحية الذكر عنهم إعراض أومفعول له أو حال بمعنى صافحين وأصله أن تولي الشيء صفحة عنقك وقيل إنه بمعنى الجانب فيكون ظرفا ويؤيده أنه قرىء صفحا بالضم وحينئذ يحتمل أن يكون تخفيف صفح جمع صفوح بمعنى صافحين والمراد إنكار أن يكون الأمر على خلاف ما ذكر من إنزال الكتاب على لغتهم ليفهموه ) أن كنتم قوما مسرفين ( أي لأن كنتم وهو في الحقيقة علة مقتضية لترك الإعراض عنهم وقرأ نافع وحمزة والكسائي ) إن ( بالكسر على أن الجملة شرطية مخرجة للمحقق مخرج المشكوك استجهالا لهم وما قبلها دليل الجزاء
الزخرف : ( 6 ) وكم أرسلنا من . . . . .
) وكم أرسلنا من نبي في الأولين )
الزخرف : ( 7 ) وما يأتيهم من . . . . .
) وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزؤون ( تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن استهزاء قومه
الزخرف : ( 8 ) فأهلكنا أشد منهم . . . . .
) فأهلكنا أشد منهم بطشا ( أي من القوم المسرفين لأنه صرف الخطاب عنهم إلى(5/139)
" صفحة رقم 140 "
الرسول مخبرا عنهم ) ومضى مثل الأولين ( وسلف في القرآن قصتهم العجيبة وفيه وعد للرسول ووعيد لهم بمثل ما جرى على الأولين
الزخرف : ( 9 ) ولئن سألتهم من . . . . .
) ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم ( لعله لازم مقولهم أو ما دل عليه إجمالا أقيم مقامه تقريرا لإلزام الحجة عليهم فكأنهم قالوا الله كما حكي عنهم في مواضع أخر وهو الذي من صفته ما سرد من الصفات ويجوز أن يكون مقولهم وما بعده استئناف ) الذي جعل لكم الأرض مهدا ( فتستقرون فيها وقرئ غير الكوفيون مهادا بالإلف
الزخرف : ( 10 ) الذي جعل لكم . . . . .
) وجعل لكم فيها سبلا ( تسلكونها ) لعلكم تهتدون ( لكي تهتدوا إلى مقاصدكم أو إلى حكمة الصانع بالنظر في ذلك
الزخرف : ( 11 ) والذي نزل من . . . . .
) والذي نزل من السماء ماء بقدر ( بمقدار ينفع ولا يضر ) فأنشرنا به بلدة ميتا ( مال عنه الماء وتذكيره لأن البلدة بمعنى البلد والمكان ) كذلك ( مثل ذلك الإنشار ) تخرجون ( تنشرون من قبوركم وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي ) تخرجون ( بفتح التاء وضم الراء
الزخرف : ( 12 - 14 ) والذي خلق الأزواج . . . . .
) والذي خلق الأزواج كلها ( أصناف المخلوقات ) وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون ( ما تركبونه على تغليب المتعدي بنفسه على المتعدي بغيره إذ يقال ركبت الدابة وركبت في السفينة أو المخلوق للركوب على المصنوع له أو الغالب على النادر ولذلك قال ) لتستووا على ظهوره ( أي ظهور ما تركبون وجمعه للمعنى ) ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه ( تذكروها بقلوبكم معترفين بها حامدين عليها ) وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ( مطيقين من أقرن الشيء إذا أطاقه وأصله وجد قرينته إذ الصعب لا يكون قرينته الضعيف وقرئ بالتشديد والمعنى واحد وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) (5/140)
" صفحة رقم 141 "
أنه كان إذا وضع رجله في الركاب قال بسم الله فإذا استوى على الدابة قال الحمد لله على كل حال ) سبحان الذي سخر لنا هذا ( إلى قوله ) وإنا إلى ربنا لمنقلبون ( أي راجعون واتصاله بذلك لأن الركوب للتنقل والنقلة العظمى هو الانقلاب إلى الله تعالى أو لأنه مخطر فينبغي للراكب أن لا يغفل عنه ويستعد للقاء الله تعالى
الزخرف : ( 15 ) وجعلوا له من . . . . .
) وجعلوا له من عباده جزءا ( متصل بقوله ) ولئن سألتهم ( أي وقد جعلوا له بعد ذلك الاعتراف من عباده ولدا فقالوا الملائكة بنات الله ولعله سماه جزءا كما سمي بعضا لأنه بضعة من الوالد دلالة على استحالته على الواحد الحق في ذاته وقرأ أبو بكر جزأ بضمتين ) إن الإنسان لكفور مبين ( ظاهر الكفران ومن ذلك نسبة الولد إلى الله لأنها من فرط الجهل به والتحقير لشأنه
الزخرف : ( 16 - 17 ) أم اتخذ مما . . . . .
) أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين ( معنى الهمزة في ) أم ( للإنكار والتعجب من شأنهم حيث لم يقنعوا بأن جعلوا له جزءا حتى جعلوا له من مخلوقاته أجزاء أخس مما اختير لهم وأبغض الأشياء إليهم بحيث إذا بشر أحدهم بها اشتد غمه به كما قال ) وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ( بالجنس الذي جعله له مثلا إذ الولد لا بد وأن يماثل الوالد ) ظل وجهه مسودا ( صار وجهه أسود في الغاية لما يعتريه من الكآبة ) وهو كظيم ( مملوء قلبه من الكرب وفي ذلك دلالات على فساد ما قالوه وتعريف البنين بما مر في الذكور وقرئ مسود ومسواد على أن في ظل ضمير المبشر ووجهه مسود وقعت خبرا(5/141)
" صفحة رقم 142 "
الزخرف : ( 18 ) أو من ينشأ . . . . .
) أو من ينشأ في الحلية ( أي أو جعلوا له أو اتخذ من يتربى في الزينة يعني البنات ) وهو في الخصام ( في المجادلة ) غير مبين ( مقرر لما يدعيه من نقصان العقل وضعف الرأي ويجوز أن يكون من مبتدأ محذوف الخبر أي أو من هذا حالة ولده و ) في الخصام ( متعلق ب ) مبين ( وإضافة ) غير ( إليه لا يمنعه لما عرفت وقرأ حمزة والكسائي وحفص ) ينشأ ( أي يربي وقرئ ) ينشأ ( ويناشأ بمعناه ونظير ذلك أعلاه وعلاه وعالاه بمعنى
الزخرف : ( 19 ) وجعلوا الملائكة الذين . . . . .
) وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ( كفر آخر تضمنه مقالهم شنع به عليهم وهو جعلهم أكمل العباد وأكرمهم على الله تعالى أنقصهم رأيا وأخسهم صنفا وقرئ عبيد وقرأ الحجازيان وابن عامر ويعقوب عند على تمثيل زلفاهم وقرئ أنثا وهو جمع الجمع ) أشهدوا خلقهم ( أحضروا خلق الله إياهم فشاهدوهم إناثا فإن ذلك مما يعلم بالمشاهدة وهو تجهيل وتهكم به وقرأ نافع أشهدوا بهمزة الاستفهام وهمزة مضمومة بين بين وآأشهدوا بمدة بينهما ) ستكتب شهادتهم ( التي شهدوا بها على الملائكة ) ويسألون ( أي عنها يوم القيامة وهو وعيد شديد وقرئ سيكتب وسنكتب بالياء والنون وشهاداتهم وهي أن الله جزء أو أن له بنات وهن الملائكة ويساءلون من المساءلة
الزخرف : ( 20 ) وقالوا لو شاء . . . . .
) وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ( أي لو شاء عدم عبادة الملائكة ما عبدناهم فاستدلوا بنفي مشيئته عدم العبادة على امتناع النهي عنها أو على حسنها وذلك باطل لأن المشيئة ترجح بعض الممكنات على بعض مأمورا كان أو منهيا حسنا كان أو غيره(5/142)
" صفحة رقم 143 "
ولذلك جهلهم فقال ) ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون ( يتمحلون تمحلا باطلا ويجوز أن تكون الإشارة إلى أصل الدعوى كأنه لما أبدى وجوه فسادها وحكى شبهتهم المزيفة نفى أن يكون لهم بها علم من طريق العقل
الزخرف : ( 21 ) أم آتيناهم كتابا . . . . .
ثم أضرب عنه إلى إنكار أن يكون لهم سند من جهة النقل فقال ) أم آتيناهم كتابا من قبله ( من قبل القرآن أو ادعائهم ينطق على صحة ما قالوه ) فهم به مستمسكون ( بذلك الكتاب متمسكون
الزخرف : ( 22 ) بل قالوا إنا . . . . .
) بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ( أي لا حجة لهم على عقلية ولا نقلية وإنما جنحوا فيه إلى تقليد آبائهم الجهلة وال ) أمة ( الطريقة التي تؤم كالراحلة للمرحول إليه وقرئت بالكسر وهي الحالة التي يكون عليها الأم أي القاصد ومنها الدين
الزخرف : ( 23 ) وكذلك ما أرسلنا . . . . .
) وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ( تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ودلالة على أن التقليد في نحو ذلك ضلال قديم وأن مقدميهم أيضا لم يكن لهم سند منظور إليه وتخصيص المترفين إشعار بأن التنعم وحب البطالة صرفهم عن النظر إلى التقليد
الزخرف : ( 24 ) قال أولو جئتكم . . . . .
) قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم ( أي أتتبعون آبائكم ولو جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم وهي حكاية أمر ماض أوحي إلى النذر أو خطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويؤيد الأول أنه قرأ ابن عامر وحفص قال وقوله ) قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون ( أي وإن كان اهدى إقناطا للنذير من أن ينظروا أو يتفكروا فيه
الزخرف : ( 25 ) فانتقمنا منهم فانظر . . . . .
) فانتقمنا منهم ( بالاستئصال ) فانظر كيف كان عاقبة المكذبين ( ولا تكترث بتكذيبهم
الزخرف : ( 26 ) وإذ قال إبراهيم . . . . .
) وإذ قال إبراهيم ( واذكر وقت قوله هذا ليروا كيف تبرأ عن التقليد وتمسك بالدليل أو ليقلدوه إن لم يكن لهم بد من التقليد فإنه أشرف آبائهم ) لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون ( برئ من عبادتكم أو معبودكم مصدر نعت به ولذلك استوى فيه الواحد والمتعدد والمذكر والمؤنث وقرئ برئ وبراء ككريم وكرام
الزخرف : ( 27 ) إلا الذي فطرني . . . . .
) إلا الذي فطرني ( استثناء منقطع أو متصل على أن ما يعم أولي العلم وغيرهم وأنهم كانوا يعبدون الله والأصنام والأوثان أو صفة على أن ما موصوفة أي إنني برئ من(5/143)
" صفحة رقم 144 "
آلهة تعبدونها غير الذي فطرني ) فإنه سيهدين ( سيثبتني على الهداية أو سيهديني إلى ما وراء ما هداني إليه
الزخرف : ( 28 ) وجعلها كلمة باقية . . . . .
) وجعلها ( وجعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام أو الله كلمة التوحيد ) كلمة باقية في عقبه ( في ذريته فيكون فيهم أبدا من يوحد الله ويدعو إلى توحيده وقرىء ) كلمة ( و ) في عقبه ( على التخفيف و في عاقبه أي فيمن عقبه ) لعلهم يرجعون ( يرجع من أشرك بدعاء من وحد
الزخرف : ( 29 ) بل متعت هؤلاء . . . . .
) بل متعت هؤلاء وآباءهم ( هؤلاء المعاصرين للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) من قريش وآباءهم بالمد في العمر والنعمة فاغتلاوا لذلك وانهمكوا في الشهوات وقرىء منعت بالفتح على أنه تعالى اعترض به على ذاته في قوله ) وجعلها كلمة باقية ( مبالغة في تعييرهم ) حتى جاءهم الحق ( أو ) مبين ( للتوحيد بالحجج والآيات
الزخرف : ( 30 ) ولما جاءهم الحق . . . . .
) ولما جاءهم الحق ( لينبههم عن غفلتهم ) قالوا هذا سحر وإنا به كافرون ( زادوا شرارة فضموا إلى شركهم معاندة الحق والاستخفاف به فسموا القرآن سحرا وكفروا به واستحقروا الرسول
الزخرف : ( 31 ) وقالوا لولا نزل . . . . .
) وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين ( من إحدى القريتين مكة والطائف ) عظيم ( بالجاه والمال كالوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود الثقفي فإن الرسالة منصب عظيم لا يليق إلا بعظيم ولم يعلموا أنها رتبة روحانية تستدعي عظم النفس بالتحلي بالفضائل والكمالات القدسية لا التزخرف بالزخارف الدنيوية
الزخرف : ( 32 ) أهم يقسمون رحمة . . . . .
) أهم يقسمون رحمة ربك ( إنكار فيه تجهيل وتعجيب من تحكمهم والمراد بالرحمة النبوة ) نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ( وهو عاجزون عن تدبيرها وهي خويصة أمرهم في دنياهم فمن أين لهم أن يدبروا أمر النبوة التي هي أعلى المراتب الإنسية وإطلاق المعيشة يقتضي أن يكون حلالها وحرامها من الله ) ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ((5/144)
" صفحة رقم 145 "
وأوقعنا بينهم التفاوت في الرزق وغيره ) ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ( ليستعمل بعضهم بعضا في حوائجهم فيحصل بينهم تآلف وتضام ينتظم بذلك نظام العالم لا لكمال في الموسع ولا لنقص في المقتر ثم إنه لا اعتراض لهم علينا في ذلك ولا تصرف فكيف يكون فيما هو أعلى منه ) ورحمة ربك ( يعني هذه النبوة وما يتبعها ) خير مما يجمعون ( من حطام الدنيا والعظيم من رزق منها لا منه
الزخرف : ( 33 ) ولولا أن يكون . . . . .
) ولولا أن يكون الناس أمة واحدة ( لولا أن يرغبوا في الكفر إذا رأوا الكفار في سعة وتنعم لحبهم الدنيا فيجتمعوا عليه ) لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج ( ومصاعد جمع معراج وقرىء معاريج جمع معراج ) عليها يظهرون ( يعلون السطوح لحقارة الدنيا
الزخرف : ( 34 ) ولبيوتهم أبوابا وسررا . . . . .
و ) لبيوتهم ( بدل من ) لمن ( بدل الاشتمال أو على كقولك وهبت له ثوبا لقميصه وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وسقفا اكتفاء بجميع البيوت وقرىء سقفا بالتخفيف وسقوفا وسقفا وهي لغة في سقف ) ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكؤون ( أي أبوابا وسررا من فضة
الزخرف : ( 35 - 36 ) وزخرفا وإن كل . . . . .
) وزخرفا ( وزينة عطف على ) سقفا ( أو ذهبا عطف على محل من فضة ) وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا ( إن هي المخففة واللام هي الفارقة وقرأ عاصم وحمزة وهشام بخلاف عنه لما بالتشديد بمعنى إلا وأن نافية وقرىء به مع أن وما ) والآخرة عند ربك للمتقين ( عن الكفر والمعاصي وفيه دلالة على أن العظيم هو العظيم في الآخرة لا في الدنيا وإشعار بما لأجله لم يجعل ذلك للمؤمنين حتى يجتمع الناس على الإيمان وهو أنه تمتع قليل بالإضافة إلى ما لهم في الآخرة مخل به في الأغلب لما فيه من الآفات قل من يتخلص عنها كما أشار إليه بقوله(5/145)
" صفحة رقم 146 "
) ومن يعش عن ذكر الرحمن ( يتعام ويعرض عنه لفرط اشتغاله بالمحسوسات وانهماكه في الشهوات وقرىء يعش بالفتح أي يعم يقال عشي إذا كان في بصره آفة وعشى إذا تعشى بلا آفة كعرج وعرج وقرئ يعشو على أن ) من ( موصولة ) نقيض له شيطانا فهو له قرين ( يوسوسه ويغويه دائما وقرأ يعقوب بالياء على إسناده إلى ضمير ) الرحمن ( ومن رفع يعشو ينبغي أن يرفع ) نقيض )
الزخرف : ( 37 ) وإنهم ليصدونهم عن . . . . .
) وإنهم ليصدونهم عن السبيل ( عن الطريق الذي من حقه أن يسبل وجمع الضميرين للمعنى إذ المراد جنس العاشي والشيطان المقيض له ) ويحسبون أنهم مهتدون ( الضمائر الثلاثة الأول له والباقيان للشيطان
الزخرف : ( 38 ) حتى إذا جاءنا . . . . .
) حتى إذا جاءنا ( أي العاشي وقرأ الحجازيان وابن عامر وأبو بكر جاءانا أي العاشي والشيطان قال أي العاشي للشيطان ) يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين ( بعد المشرق من المغرب فغلب المشرق وثنى وأضيف البعد إليهما ) فبئس القرين ( أنت
الزخرف : ( 39 ) ولن ينفعكم اليوم . . . . .
) ولن ينفعكم اليوم ( أي ما أنتم عليه من التمني ) إذ ظلمتم ( إذ صح إنكم ظلمتم أنفسكم في الدنيا بدل من ) اليوم ( ) أنكم في العذاب مشتركون ( لأن حقكم أن تشتركوا أنتم وشياطينكم في العذاب كما كنتم مشتركين في سببه ويجوز أن يسند الفعل إليه بمعنى ولن ينفعكم اشتراككم في العذاب كما ينفع الواقعين في أمر صعب معاونتهم في تحمل أعبائه وتقسمهم لمكابدة عنائه إذ لكل منكم ما لا تسعه طاقته وقرىء ) إنكم ( بالكسر وهو يقوي الأول
الزخرف : ( 40 ) أفأنت تسمع الصم . . . . .
) أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ( إنكار وتعجب من أن تحمل هو الذي يقدر على هدايتهم بعد تمرنهم على الكفر واستغراقهم في الضلال بحيث صار عشاهم عمى مقرونا بالصمم كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتعب نفسه في دعاء قومه وهم لا يزيدون إلا غيا فنزلت ) ومن كان في ضلال مبين ( عطف على ) العمي ( باعتبار تغاير الوصفين وفيه إشعار بأن الموجب لذلك تكنهم في ظلال لا يخفى
الزخرف : ( 41 ) فإما نذهبن بك . . . . .
) فإما نذهبن بك ( أي فإن قبضناك قبل أن نبصرك عذابهم و ما مزيدة مؤكدة بمنزلة لام القسم في استجلاب النون المؤكدة ) فإنا منهم منتقمون ( بعذاب في الدنيا والآخرة
الزخرف : ( 42 ) أو نرينك الذي . . . . .
) أو نرينك الذي وعدناهم ( أو إن أردنا أن نريك ما وعدناهم من العذاب وقرأ(5/146)
" صفحة رقم 147 "
يعقوب برواية رويس أو ) نرينك ( بإسكان النون وكذا ) نذهبن ( ) فإنا عليهم مقتدرون ( لا يفوتوننا
الزخرف : ( 43 ) فاستمسك بالذي أوحي . . . . .
) فاستمسك بالذي أوحي إليك ( من الآيات والشرائع وقرىء أوحي على البناء للفاعل وهو الله تعالى ) إنك على صراط مستقيم ( لا عوج له
الزخرف : ( 44 ) وإنه لذكر لك . . . . .
) وإنه لذكر لك ( لشرف لك ) ولقومك وسوف تسألون ( أي عنه يوم القيامة وعن قيامكم بحقه
الزخرف : ( 45 ) واسأل من أرسلنا . . . . .
) واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ( أي واسأل أممهم وعلماء دينهم وقرأ ابن كثير والكسائي بتخفيف الهمزة ) أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ( هل حكمنا بعبادة الأوثان وهل جاءت في ملة من مللهم والمراد به الاستشهاد بإجماع الأنبياء على التوحيد والدلالة على أنه ليس بدع ابتدعه فيكذب ويعادي له فإنه كان أقوى ما حملهم على التكذيب والمخالفة
الزخرف : ( 46 ) ولقد أرسلنا موسى . . . . .
) ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب العالمين ( يريد باقتصاصه تسلية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومناقضة قولهم ) لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ( والاستشهاد بدعوة موسى عليه السلام إلى التوحيد ليتأملوا فيها
الزخرف : ( 47 ) فلما جاءهم بآياتنا . . . . .
) فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون ( فاجئوا وقت ضحكهم منها أو استهزؤوا بها أول ما رأوها ولم يتأملوا فيها
الزخرف : ( 48 ) وما نريهم من . . . . .
) وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها ( إلا هي بالغة أقصى درجات الإعجاز بحيث يحسب الناظر فيها أنها أكبر مما يقاس إليها من الآيات والمراد وصف الكل بالكبر كقولك رأيت رجالا بعضهم أفضل من بعض وكقوله(5/147)
" صفحة رقم 148 "
" من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري " أو ) إلا ( وهي مختصة بنوع من الإعجاز مفضلة على غيرها بذلك الاعتبار ) وأخذناهم بالعذاب ( كالسنين والطوفان والجراد ) لعلهم يرجعون ( على وجه يرجى رجوعهم
الزخرف : ( 49 ) وقالوا يا أيها . . . . .
) وقالوا يا أيها الساحر ( نادوه بذلك في تلك الحال لشدة شكيمتهم وفرط حماقتهم أو لأنهم كانوا يسمون العالم الماهر ساحرا وقرأ ابن عامر بضم الهاء ) ادع لنا ربك ( فيكشف عنا العذاب ) بما عهد عندك ( بعهده عندك من النبوة أو من أن يستجيب دعوتك أو أن يكشف العذاب عمن اهتدى أو ) بما عهد عندك ( فوفيت به وهو الإيمان والطاعة ) إننا لمهتدون )
الزخرف : ( 50 ) فلما كشفنا عنهم . . . . .
) فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون ( فاجئوا نكث عهدعم بالاهتداء
الزخرف : ( 51 ) ونادى فرعون في . . . . .
) ونادى فرعون ( بنفسه أو بمناديه ) في قومه ( في مجمعهم أو فيما بينهم بعد كشف العذاب عنهم مخافة أن يؤمن بعضهم ) قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار ( أنهار النيل ومعظمها أربعة أنهر نهر الملك ونهر طولون ونهر دمياط ونهر تنيس ) تجري من تحتي ( تحت قصري أو أمري أو بين يدي في جناني والواو إما عاطفة لهذه ) الأنهار ( على الملك و ) تجري ( حال منها أو واو حال وهذه مبتدأ و ) الأنهار ( صفتها و ) تجري ( خبرها ) أفلا تبصرون ( ذلك
الزخرف : ( 52 ) أم أنا خير . . . . .
) أم أنا خير ( مع هذه المملكة والبسطة ) من هذا الذي هو مهين ( ضعيف حقير لا يستعد للرئاسة من المهانة وهي القلة ) ولا يكاد يبين ( الكلام لما به من الرتة فكيف يصلح للرسالة و ) أم ( إما منقطعة والهمزة فيها للتقرير إذ قدم من أسباب فضله أو متصلة على إقامة المسبب مقام السبب والمعنى أفلا تبصرون أم تبصرون فتعلمون أني خير منه
الزخرف : ( 53 ) فلولا ألقي عليه . . . . .
) فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب ( أي فهلا ألقي عليه مقاليد الملك إن كان صادقا إذ كانوا سودوا رجلا سوروه وطوقوه بسوار وطوق من ذهب وأساورة جمع أسوار بمعنى السوار على تعويض التاء من ياء أساوير وقد قرىء به وقرأ يعقوب وحفص(5/148)
" صفحة رقم 149 "
أسورة وهي جمع سوار وقرىء أساور جمع أسورة و ألقي عليه أسورة وأساور على البناء للفاعل وهو الله تعالى ) أو جاء معه الملائكة مقترنين ( مقرونين يعينونه أو يصدقونه من قرنته به فاقترن أو متقارنين من اقترن بمعنى تقارن
الزخرف : ( 54 ) فاستخف قومه فأطاعوه . . . . .
) فاستخف قومه ( فطلب منهم الخفة في مطاوعته أو فاستخف أحلامهم ) فأطاعوه ( فيما أمرهم به ) إنهم كانوا قوما فاسقين ( فلذلك أطاعوا ذلك الفاسق
الزخرف : ( 55 ) فلما آسفونا انتقمنا . . . . .
) فلما آسفونا ( أغضبونا بالإفراط في العناد والعصيان منقول من أسف إذا اشتد غضبه ) انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين ( في اليم
الزخرف : ( 56 ) فجعلناهم سلفا ومثلا . . . . .
) فجعلناهم سلفا ( قدوة لمن بعدهم من الكفار يقتدون به في استحقاق مثل عقابهم مصدر نعت به أو جمع سالف كخدم وخادم وقرأ حمزة والكسائي بضم السين واللام جمع سليف كرغف ورغيف أو سالف كصبر جمع صابر أو سلف كخشب وقرىء سلفا بإبدال ضمة اللام فتحة أو على أنه جمع سلفة أي ثلة قد سلفت ) ومثلا للآخرين ( وعظة لهم أو قصة عجيبة تسير مسير الأمثال لهم فيقال مثلكم مثل قوم فرعون
الزخرف : ( 57 ) ولما ضرب ابن . . . . .
) ولما ضرب ابن مريم مثلا ( أي ضربه ابن الزبعرى لما جادل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله تعالى ) إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ( أو غيره بأن قال النصارى أهل كتاب وهم يعبدون عيسى عليه السلام ويزعمون أنه ابن الله والملائكة أولى بذلك أو على قوله تعالى ) واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ( أو أن محمدا يريد أن نعبده كما عبد المسيح ) إذا قومك ( في قريش ) منه ( من هذا المثل ) يصدون ( يضجون فرحا لظنهم أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) صار ملزما به وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بالضم من الصدود أي(5/149)
" صفحة رقم 150 "
يصدون عن الحق ويعرضون عنه وقيل هما لغتان نحو يعكف ويعكف
الزخرف : ( 58 ) وقالوا أآلهتنا خير . . . . .
) وقالوا أآلهتنا خير أم هو ( أي آلهتنا خير عندك أم عيسى عليه السلام فإن يكن في النار فلتكن آلهتنا أولى بذلك أو آلهتنا خير أم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فنعبده وندع آلهتنا وقرأ الكوفيون أآلهتنا بتحقيق الهمزتين وألف بعدهما ) ما ضربوه لك إلا جدلا ( ما ضربوا هذا المثل إلا لأجل الجدل والخصومة لا لتمييز الحق من الباطل ) بل هم قوم خصمون ( شداد الخصومة حراص على اللجاج
الزخرف : ( 59 ) إن هو إلا . . . . .
) إن هو إلا عبد أنعمنا عليه ( بالنبوة ) وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ( أمرا عجيبا كالمثل السائر لبني إسرائيل وهو كالجواب المزيح لتلك الشبهة
الزخرف : ( 60 ) ولو نشاء لجعلنا . . . . .
) ولو نشاء لجعلنا منكم ( لولدنا منكم يا رجال كما ولدناعيسى من غير أب أو لجعلنا بدلكم ) ملائكة في الأرض يخلفون ( ملائكة يخلفونكم في الأرض والمعنى أن حال عيسى عليه السلام وإن كانت عجيبة فإنه تعالى قادر على ما هو أعجب من ذلك وأن الملائكة مثلكم من حيث أنها ذوات ممكنة يحتمل خلقها توليدا كما جاز خلقها إبداعا فمن أين لهم استحقاق الألوهية والانتساب إلى الله سبحانه وتعالى
الزخرف : ( 61 ) وإنه لعلم للساعة . . . . .
) وإنه ( وإن عيسى عليه السلام ) لعلم للساعة ( لأن حدوثه أو نزوله من أشراط الساعة يعلم به دنوها أو لأن أحياء الموتى يدل على قدرة الله تعالى عليه وقرئ ) لعلم ( أي لعلامة ولذكر على تسمية ما يذكر به ذكرا وفي الحديث ينزل عيسى عليه السلام على ثنية بالأرض المقدسة يقال لها أفيق وبيده حربة يقتل بها الدجال فيأتي بيت المقدس(5/150)
" صفحة رقم 151 "
والناس في صلاة الصبح فيتأخر الإمام فيقدمه عيسى عليه الصلاة والسلام ويصلي خلفه على شريعة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ثم يقتل الخنازير ويكسر الصليب ويخرب البيع والكنائس ويقتل النصارى إلا من آمن به وقيل الضمير للقرآن فإن فيه الإعلام بالساعة والدلالة عليها ) فلا تمترن بها ( فلا تشكن فيها ) واتبعون ( واتبعوا هداي أو شرعي أو رسولي وقيل هو قول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أمر أن يقوله ) هذا ( الذي أدعوكم إليه ) صراط مستقيم ( لا يضل سالكه
الزخرف : ( 62 ) ولا يصدنكم الشيطان . . . . .
) ولا يصدنكم الشيطان ( عن المتابعة ) إنه لكم عدو مبين ( ثابت عداوته بأن أخرجكم عن الجنة وعرضكم للبلية
الزخرف : ( 63 ) ولما جاء عيسى . . . . .
) ولما جاء عيسى بالبينات ( بالمعجزات أو بآيات الإنجيل أو بالشرائع الواضحات ) قال قد جئتكم بالحكمة ( بالإنجيل أو بالشريعة ) ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه ( وهو ما يكون من أمر الدين لا ما يتعلق بأمر الدنيا فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يبعثوا لبيانه ولذلك قال ( صلى الله عليه وسلم ) أنتم أعلم بأمر دنياكم ) فاتقوا الله وأطيعون ( فيما أبلغه عنه
الزخرف : ( 64 ) إن الله هو . . . . .
) إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه ( بيان لما أمرهم بالطاعة فيه وهو اعتقاد التوحيد والتعبد بالشرائع ) هذا صراط مستقيم ( الإشارة إلى مجموع الأمرين وهو تتمة كلام عيسى عليه الصلاة والسلام أو استئناف من الله تعالى يدل على ما هو المقتضي للطاعة في ذلك
الزخرف : ( 65 ) فاختلف الأحزاب من . . . . .
) فاختلف الأحزاب ( الفرق المتحزبة ) من بينهم ( من بين النصارى أو اليهود(5/151)
" صفحة رقم 152 "
والنصارى من بين قومه المبعوث إليهم ) فويل للذين ظلموا ( من المتحزبين ) من عذاب يوم أليم ( هو القيامة
الزخرف : ( 66 ) هل ينظرون إلا . . . . .
) هل ينظرون إلا الساعة ( الضمير لقريش أو ) للذين ظلموا ( ) أن تأتيهم ( بدل من ) الساعة ( والمعنى هل ينظرون إلا إتيان الساعة ) بغتة ( فجأة ) وهم لا يشعرون ( غافلون عنها لاشتغالهم بأمور الدنيا وإنكارهم لها
الزخرف : ( 67 ) الأخلاء يومئذ بعضهم . . . . .
) الأخلاء ( الأحياء ) يومئذ بعضهم لبعض عدو ( أي يتعادون يومئذ لانقطاع العلق لظهور ما كانوا يتخالون له سببا للعذاب ) إلا المتقين ( فإن خلتهم لما كانت في الله تبقى نافعة أبد الآباد
الزخرف : ( 68 ) يا عباد لا . . . . .
) يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ( حكاية لما ينادي به المتقون المتحابون في الله يومئذ وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص بغير الياء
الزخرف : ( 69 ) الذين آمنوا بآياتنا . . . . .
) الذين آمنوا بآياتنا ( صفة المنادي ) وكانوا مسلمين ( حال من الواو أي الذين آمنوا مخلصين غير أن هذه العبارة آكد وأبلغ
الزخرف : ( 70 ) ادخلوا الجنة أنتم . . . . .
) ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم ( نساؤكم المؤمنات ) تحبرون ( تسرون سرورا يظهر حباره أي أثره على وجوهكم أو تزينون من الحبر وهو حسن الهيئة أو تكرمون إكراما يبالغ فيه والحبرة المبالغة فيما وصف بجميل
الزخرف : ( 71 ) يطاف عليهم بصحاف . . . . .
) يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب ( الصحاف جمع صحفة والأكواب جمع كوب وهو كوز لا عروة له ) وفيها ( وفي الجنة ) ما تشتهي أنفسكم ( وقرأ نافع وابن عامر وحفص ) تشتهيه الأنفس ( على الأصل ) وتلذ الأعين ( بمشاهدته وذلك تعميم بعد(5/152)
" صفحة رقم 153 "
تخصيص ما يعد من الزوائد في التنعم والتلذذ ) وأنتم فيها خالدون ( فإن كل نعيم زائل موجب لكلفة الحفظ وخوف الزوال ومستعقب للتحسر في ثاني الحال
الزخرف : ( 72 ) وتلك الجنة التي . . . . .
) وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ( وقرأ ورثتموها شبه جزاء العمل بالميراث لأنه يخلفه عليه العامل وتلك إشارة إلى الجنة المذكورة وقعت مبتدأ والجنة خبرها و ) التي أورثتموها ( صفتها أو ) الجنة ( صفة ) تلك ( و ) التي ( خبرها أو صفة ) الجنة ( والخبر ) بما كنتم تعملون ( وعليه يتعلق الباء بمحذوف لا ب ) أورثتموها )
الزخرف : ( 73 ) لكم فيها فاكهة . . . . .
) لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون ( بعضها تأكلون لكثرتها ودوام نوعها ولعل تفصيل التنعم بالمطاعم والملابس وتكريره في القرآن وهو حقير بالإضافة إلى سائر نعائم الجنة لما كان بهم من الشدة والفاقة
الزخرف : ( 74 ) إن المجرمين في . . . . .
) إن المجرمين ( الكاملين في الإجرام وهم الكفار لأنه جعل قسيم المؤمنين بالآيات وحكى عنهم ما يخص بالكفار ) في عذاب جهنم خالدون ( خبر إن أو خالدون خبر والظرف متعلق به
الزخرف : ( 75 ) لا يفتر عنهم . . . . .
) لا يفتر عنهم ( لا يخفف عنهم من فترت عنه الحمى إذا سكنت قليلا والتركيب للضعف ) وهم فيه ( في العذاب ) مبلسون ( آيسون من النجاة
الزخرف : ( 76 ) وما ظلمناهم ولكن . . . . .
) وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين ( مر مثله غير مرة وهم فصل
الزخرف : ( 77 ) ونادوا يا مالك . . . . .
) ونادوا يا مالك ( وقرئ يا مال على الترخيم مكسورا ومضموما ولعله إشعار(5/153)
" صفحة رقم 154 "
بأنهم لضعفهم لا يستطيعون تأدية اللفظ بالتمام ولذلك اختصروا فقالوا ) ليقض علينا ربك ( والمعنى سل ربنا أن يقضي علينا من قضى عليه إذا أماته وهو لا ينافي إبلاسهم فإنه جؤار وتمن للموت من فرط الشدة ) قال إنكم ماكثون ( لا خلاص لكم بموت ولا بغيره
الزخرف : ( 78 ) لقد جئناكم بالحق . . . . .
) لقد جئناكم بالحق ( بالإرسال والإنزال وهو تتمة الجواب إن كان في قال ضمير الله وإلا فجواب منه فكأنه تعالى تولى جوابهم بعد جواب مالك ) ولكن أكثركم للحق كارهون ( لما في اتباعه من إتعاب النفس وآداب الجوارح
الزخرف : ( 79 - 80 ) أم أبرموا أمرا . . . . .
) أم أبرموا أمرا ( في تكذيب الحق ورده ولم يقتصروا على كراهته ) فإنا مبرمون ( أمرا في مجازاتهم والعدول عن الخطاب للإشعار بأن ذلك أسوأ من كراهتهم أو أم أحكم المشركون أمرا من كيدهم بالرسول ) فإنا مبرمون ( كيدنا بهم ويؤيده قوله ) أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ( حديث أنفسهم بذلك ) ونجواهم ( وتناجيهم ) بلى ( نسمعها ) ورسلنا ( والحفظة مع ذلك ) لديهم ( ملازمة لهم ) يكتبون ( ذلك
الزخرف : ( 81 ) قل إن كان . . . . .
) قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ( منكم فإن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يكون أعلم بالله وبما يصح له وبما لا يصح له وأولى بتعظيم ما يوجب تعظيمه ومن تعظيم الوالد تعظيم ولده ولا يلزم من ذلك صحة كينونة الولد وعبادته له إذ المحال قد يستلزم المحال بل المراد نفيهما على أبلغ الوجوه كقوله تعالى ) لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ( غير أن ) لو ( ثم مشعرة بانتفاء الطرفين و ) إن ( ههنا لا تشعر به ولا بنقيضه فإنها لمجرد الشريطة بل الانتفاء معلوم لانتفاء اللازم الدال على انتفاء ملزومه والدلالة على أن إنكاره الولد ليس لعناد ومراء بل لو كان لكان أولى الناس بالاعتراف به وقيل معناه إن كان له ولد في زعمكم(5/154)
" صفحة رقم 155 "
فأنا أول العابدين لله الموحدين له أو الآنفين منه أو من أن يكون له ولد من عبد يعبد إذا اشتد أنفه أو ما كان له ولد فأنا أول الموحدين من أهل مكة وقرأ حمزة والكسائي ) ولد ( بالضم وسكون اللام
الزخرف : ( 82 ) سبحان رب السماوات . . . . .
) سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون ( عن كونه ذا ولد فإن هذه الأجسام لكونها أصولا ذات استمرار تبرأت عما يتصف به سائر الأجسام من توليد المثل فما ظنك بمبدعها وخالقها
الزخرف : ( 83 ) فذرهم يخوضوا ويلعبوا . . . . .
) فذرهم يخوضوا ( في باطلهم ) ويلعبوا ( في دنياهم ) حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ( أي يوم القيامة أي يوم القيامة وهو دلالة على أن قولهم هذا جهل واتباع هوى وإنهم مطبوع على قلوبهم معذبون في الآخرة
الزخرف : ( 84 ) وهو الذي في . . . . .
) وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ( مستحق لأن يعبد فيهما والظرف متعلق به لأنه بمعنى المعبود أو متضمن معناه كقولك هو حاتم في البلد وكذا فيمن قرأ الله والراجع مبتدأ محذوف لطول الصلة بمتعلق الخبر والعطف عليه ولا يجوز جعله خبرا له لأنه لا يبقى له عائد لكن لو جعل صلة وقدر الإله مبتدأ محذوف يكون به جملة مبنية للصلة دالة على أن كونه في السماء بمعنى الألوهية دون الاستقرار وفيه نفي الآلهة السماوية والأرضية واختصاصه باستحقاق الألوهية ) وهو الحكيم العليم ( كالدليل عليه
الزخرف : ( 85 ) وتبارك الذي له . . . . .
) وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما ( كالهواء ) وعنده علم الساعة ( العلم بالساعة التي تقوم القيامة فيها ) وإليه ترجعون ( للجزاء وقرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو وعاصم وروح بالتاء على الالتفات للتهديد
الزخرف : ( 86 ) ولا يملك الذين . . . . .
) ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة ( كما زعموا أنهم شفعاؤهم عند الله ) إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ((5/155)
" صفحة رقم 156 "
بالتوحيد والاستثناء متصل إن أريد بالموصول كل ما عبد من دون الله لاندراج الملائكة والمسيح فيه ومنفصل إن خص بالأصنام
الزخرف : ( 87 ) ولئن سألتهم من . . . . .
) ولئن سألتهم من خلقهم ( سألت العابدين أو المعبودين ) ليقولن الله ( لتعذر المكابرة فيه من فرط ظهوره ) فأنى يؤفكون ( يصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره
الزخرف : ( 88 ) وقيله يا رب . . . . .
) وقيله ( وقول الرسول ونصبه للعطف على سرهم أو على محل الساعة أو إضمار فعله أي وقال ) وقيله ( وجره عاصم وحمزة عطفا على ) الساعة ( وقرىء بالرفع على أنه مبتدأ خبره ) يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون ( أو معطوف على ) علم الساعة ( بتقدير مضاف وقيل هو قسم منصوب بحذف الجار أو المجرور بإضماره أو مرفوع بتقدير ) وقيله يا رب ( قسمي و ) إن هؤلاء ( جوابه
الزخرف : ( 89 ) فاصفح عنهم وقل . . . . .
) فاصفح عنهم ( فأعرض عن دعوتهم آيسا عن إيمانهم ) وقل سلام ( تسلم منكم ومتاركة ) فسوف يعلمون ( تسلية للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وتهديد لهم وقرأ نلفع وابن عامر بالتاء على أنه من المأمور بقوله عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الزخرف كان ممن يقال له يوم القيامة ) يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ((5/156)
" صفحة رقم 157 "
سورة الدخان
مكية إلا قوله تعالى ) إنا كاشفو العذاب ( الآية وهي سبع أو تسع وخمسون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الدخان : ( 1 - 3 ) حم
) حم والكتاب المبين ( القرآن والواو للعطف إن كان ) حم ( مقسما به وإلا فللقسم والجواب قوله ) إنا أنزلناه في ليلة مباركة ( ليلة القدر أو البراءة ابتدىء فيها إنزاله أو أنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا من اللوح المحفوظ ثم أنزل على الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) نجوما وبركتها لذلك فإن نزول القرآن سبب للمنافع الدينية والدنيوية أو لما فيها من نزول الملائكة والرحمة وإجابة الدعوة وقسم النعمة وفصل الأقضية ) إنا كنا منذرين ( استئناف يبين المقتضى للإنزال وكذلك قوله
الدخان : ( 4 ) فيها يفرق كل . . . . .
) فيها يفرق كل أمر حكيم ( فإن كونها مفرق الأمور المحكمة أو الملتبسة بالحكمة يستدعي أن ينزل فيها القرآن الذي هو من عظائمها ويجوز أن يكون صفة ) ليلة مباركة ( وما بينهما اعتراض وهو يدل على أن الليلة ليلة القدر لأنه صفتها لقوله ) تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ( وقرىء يفرق بالتشديد و ) يفرق ( في كل أمر يفرقه الله ونفرق بالنون
الدخان : ( 5 ) أمرا من عندنا . . . . .
) أمرا من عندنا ( أي أعني بهذا الأمر أمرا حاصلا من عندنا على مقتضى حكمتنا وهو مزيد تفخيم للأمر ويجوز أن يكون حالا من كل أوامر أو ضميره المستكن في(5/157)
" صفحة رقم 158 "
) حكيم ( لأنه موصوف وأن يكون المراد به مقابل النهي وقع مصدرا ل ) يفرق ( أو لفعله مضمرا من حيث أن الفرق به أو حالا من أحد ضميري ) أنزلناه ( بمعنى آمرين أو مأمورا ) إنا كنا مرسلين )
الدخان : ( 6 ) رحمة من ربك . . . . .
) رحمة من ربك ( بدل من ) إنا كنا منذرين ( أي أنزلنا القرآن لأن من عادتنا إرسال الرسل بالكتب إلى العباد لأجل الرحمة عليهم وضع الرب موضع الضمير للإشعار بأن الربوبية اقتضت ذلك فإنه أعظم أنواع التربية أو علة ب ) يفرق ( أو ) أمرا ( و ) رحمة ( مفعول به أي يفصل فيها كل أمر أو تصدر الأوامر ) من عندنا ( لأن من شأننا أن نرسل رحمتنا فإن فصل كل أمر من قسمة الأرزاق وغيرها وصدور الأوامر الإلهية من باب الرحمة وقرئ ) رحمة ( على تلك رحمة ) إنه هو السميع العليم ( يسمع أقوال العباد ويعلم أحوالهم وهو بما بعده تحقيق لربوبيته فإنها لا تحق إلا لمن هذه صفاته
الدخان : ( 7 ) رب السماوات والأرض . . . . .
) رب السماوات والأرض وما بينهما ( خبر آخر أو استئناف وقرأ الكوفيون بالجر بدلا ) من ربك ( ) إن كنتم موقنين ( أي إن كنتم من أهل الإيقان في العلوم أو كنتم موقنين في إقراركم إذا سئلتم من خلقها فقلتم الله علمتم أن الأمر كما قلنا أو إن كنتم مريدين اليقين فاعلموا ذلك
الدخان : ( 8 ) لا إله إلا . . . . .
) لا إله إلا هو ( إذ لا خالق سواه ) يحيي ويميت ( كما تشاهدون ) ربكم ورب آبائكم الأولين ( وقرئا بالجر بدلا ) من ربك )
الدخان : ( 9 ) بل هم في . . . . .
) بل هم في شك يلعبون ( رد لكونهم موقنين
الدخان : ( 10 ) فارتقب يوم تأتي . . . . .
) فارتقب ( فانتظر لهم ) يوم تأتي السماء بدخان مبين ( يوم شدة ومجاعة فإن(5/158)
" صفحة رقم 159 "
الجائع يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان من ضعف بصره أو لأن الهواء يظلم عام القحط لقلة الأمطار وكثرة الغبار أو لأن العرب تسمي الشر الغالب دخانا وقد قحطوا حتى أكلوا جيف الكلاب وعظامها وإسناد الإتيان إلى السماء لأن ذلك يكفه عن الأمطار أو يوم ظهور الدخان المعدود في أشراط الساعة لما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) لما قال أول الآيات الدخان ونزول عيسى عليه السلام ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر قيل وما الدخان فتلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الآية وقال يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة أما المؤمن فيصيبه كهيئة الزكام وأما الكافر فهو كالسكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره أو يوم القيامة والدخان يحتمل المعنيين
الدخان : ( 11 ) يغشى الناس هذا . . . . .
) يغشى الناس ( يحيط بهم صفة للدخان وقوله ) هذا عذاب أليم )
الدخان : ( 12 ) ربنا اكشف عنا . . . . .
) ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون ( مقدر بقول وقع حالا و ) إنا مؤمنون ( وعد بالإيمان إن كشف العذاب عنهم
الدخان : ( 13 ) أنى لهم الذكرى . . . . .
) أنى لهم الذكرى ( من أين لهم وكيف يتذكرون بهذه الحالة ) وقد جاءهم رسول مبين ( بين لهم ما هو أعظم منها في إيجاب الادكار من الآيات والمعجزات
الدخان : ( 14 ) ثم تولوا عنه . . . . .
) ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون ( أي قال بعضهم يعلمه غلام أعجمي لبعض ثقيف وقال آخرون إنه ) مجنون )
الدخان : ( 15 ) إنا كاشفو العذاب . . . . .
) إنا كاشفو العذاب ( بدعاء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فإنه لما دعا رفع القحط ) قليلا ( كشفا قليلا أو زمانا قليلا وهو ما بقي من أعمارهم ) إنكم عائدون ( إلى الكفر غب الكشف ومن فسر الدخان بما هو من الأشراط قال إذا جاء الدخان غوث الكفار(5/159)
" صفحة رقم 160 "
بالدعاء فيكشفه الله عنهم بعد الأربعين فريثما يكشفه عنهم يرتدون ومن فسره بما في القيامة أوله بالشرط والتقدير
الدخان : ( 16 ) يوم نبطش البطشة . . . . .
) يوم نبطش البطشة الكبرى ( يوم القيامة أو يومبدر ظرف لفعل دل عليه ) إنا منتقمون ( لا لمنتقمون فإن إن تحجزه عنه أو بدل من ) يوم تأتي ( وقرئ ) نبطش ( أي نجعل البطشة الكبرى باطشة بهم أو نحمل الملائكة على بطشهم وهو التناول بصوله
الدخان : ( 17 ) ولقد فتنا قبلهم . . . . .
) ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون ( امتحناهم بإرسال موسى عليه السلام إليهم أو أوقعناهم في الفتنة بالإمهال وتوسيع الرزق عليهم وقرئ بالتشديد للتأكيد أو لكثرة القوم ) وجاءهم رسول كريم ( على الله أو على المؤمنين أو في نفسه لشرف نسبه وفضل حسبه
الدخان : ( 18 ) أن أدوا إلي . . . . .
) أن أدوا إلي عباد الله ( بأن أدوهم إلي وأرسلوا معي أو بأن أدوا إلي حق الله من الإيمان وقبول الدعوة يا عباد الله ويجوز أن تكون ) إن ( مخففة ومفسرة لأن مجيء الرسول يكون برسالة ودعوة ) إني لكم رسول أمين ( غير متهم لدلالة المعجزات على صدقه أو لائتمان الله إياه على وحيه وهو علة الأمر
الدخان : ( 19 ) وأن لا تعلوا . . . . .
) وأن لا تعلوا على الله ( ولا تتكبروا عليه بالاستهانة بوحيه ورسوله و ) إن ( كالأولى في وجهيها ) إني آتيكم بسلطان مبين ( علة للنهي ولذكر ال ) آمين ( مع الأداء والسلطان مع العلاء شأن لا يخفى
الدخان : ( 20 ) وإني عذت بربي . . . . .
) وإني عذت بربي وربكم ( التجأت إليه وتوكلت عليه ) أن ترجمون ( أن تؤذوني ضربا أو شتما أو أن تقتلوني وقرئ عت بالإدغام فيه
الدخان : ( 21 ) وإن لم تؤمنوا . . . . .
) وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون ( فكونوا بمعزل مني لا علي ولا لي ولا تتعرضوا إلي بسوء فإنه ليس جزاء من دعاكم إلى ما فيه فلا حكم(5/160)
" صفحة رقم 161 "
الدخان : ( 22 ) فدعا ربه أن . . . . .
) فدعا ربه ( بعدما كذبوه ) إن هؤلاء ( بان هؤلاء ) قوم مجرمون ( وهو تعريض بالدعاء عليهم بذكر ما استوجبوه به ولذلك سماه دعاء وقرئ بالكسر على إضمار القول
الدخان : ( 23 ) فأسر بعبادي ليلا . . . . .
) فأسر بعبادي ليلا ( أي فقال أسر أو قال إن كان الأمر كذلك ) فأسر ( وقرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير بوصل الهمزة من سرى ) إنكم متبعون ( يتبعكم فرعون وجنوده إذا علموا بخروجكم
الدخان : ( 24 ) واترك البحر رهوا . . . . .
) واترك البحر رهوا ( مفتوحا ذا فجوة واسعة أو ساكنا على هيئته بعد ما جاوزته ولا تضربه بعصاك ولا تغير منه شيئا ليدخله القبط ) إنهم جند مغرقون ( وقرئ بالفتح بمعنى لأنهم
الدخان : ( 25 ) كم تركوا من . . . . .
) كم تركوا ( كثيرا تركوا ) من جنات وعيون )
الدخان : ( 26 ) وزروع ومقام كريم
) وزروع ومقام كريم ( محافل مزينة ومنازل حسنة
الدخان : ( 27 ) ونعمة كانوا فيها . . . . .
) ونعمة ( تنعم ) كانوا فيها فاكهين ( متنعمين وقرئ فكهين
الدخان : ( 28 ) كذلك وأورثناها قوما . . . . .
) كذلك ( مثل ذلك الإخراج أخرجناهم أو الأمر كذلك ) وأورثناها ( عطف على المقدر أو على ) تركوا ( ) قوما آخرين ( ليسوا منهم في شيء وهم بنو إسرائيل وقيل غيرهم لأنهم لم يعودوا إلى مصر
الدخان : ( 29 ) فما بكت عليهم . . . . .
) فما بكت عليهم السماء والأرض ( مجاز من عدم الاكتراث بهلاكهم والاعتداد بوجودهم كقولهم بكت عليهم السماء والأرض وكسفت لمهلكهم الشمس في نقيض ذلك ومنه ما روي في الأخبار إن المؤمن ليبكي عليه مصلاه و محل عبادته ومصعد عمله ومهبط رزقه وقيل تقديره فما بكت عليهم أهل السماء والأرض ) وما كانوا منظرين ( ممهلين إلى وقت آخر
الدخان : ( 30 ) ولقد نجينا بني . . . . .
) ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين ( من استعباد فرعون وقتله أبناءهم(5/161)
" صفحة رقم 162 "
الدخان : ( 31 ) من فرعون إنه . . . . .
) من فرعون ( بدل من ) العذاب ( على حذف المضاف أو جعله عذابا لإفراطه في التعذيب أو حال من المهين بمعنى واقعا من جهته وقرئ ) من فرعون ( على الاستفهام تنكير له لنكر ما كان عليه من الشيطنة ) إنه كان عاليا ( متكبرا ) من المسرفين ( في العتو والشرارة وهو خبر ثان أي كان متكبرا مسرفا أو حال من الضمير في ) عاليا ( أي كان رفيع الطبقة من بينهم
الدخان : ( 32 ) ولقد اخترناهم على . . . . .
) ولقد اخترناهم ( اخترنا بني إسرائيل ) على علم ( عالمين بأنهم أحقاء بذلك أو مع علم منا بأنهم يزيغون في بعض الأحوال ) على العالمين ( لكثرة الأنبياء فيهم أو على عالمي زمانهم
الدخان : ( 33 ) وآتيناهم من الآيات . . . . .
) وآتيناهم من الآيات ( كفلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى ) ما فيه بلاء مبين ( نعمة جلية أو اختبار ظاهر
الدخان : ( 34 ) إن هؤلاء ليقولون
) إن هؤلاء ( يعني كفار قريش لأن الكلام فيهم وقصة فرعون وقومه مسوقة للدلالة على أنهم مثلهم في الإصرار على الضلالة والإنذار عن مثل ما حل بهم ) ليقولون )
الدخان : ( 35 ) إن هي إلا . . . . .
) إن هي إلا موتتنا الأولى ( ما العاقبة ونهاية الأمر إلا الموتة الأولى المزيلة للحياة الدنيوية ولا قصد فيه إلى إثبات ثانية كما في قولك حج زيد الحجة الأولى ومات وقيل لما قيل إنكم تموتون موتة يعقبها حياة كما تقدم منكم مودة كذلك قالوا إن هي إلا موتتنا الأولى أي ما الموتة التي من شأنها كذلك إلا الموتة الأولى ) وما نحن بمنشرين ( بمبعوثين
الدخان : ( 36 ) فأتوا بآبائنا إن . . . . .
) فأتوا بآبائنا ( خطاب لمن وعدهم بالنشور من الرسول والمؤمنين ) إن كنتم صادقين ( في وعدكم ليدل عليه(5/162)
" صفحة رقم 163 "
الدخان : ( 37 ) أهم خير أم . . . . .
) أهم خير ( في القوة والمنعة ) أم قوم تبع ( تبع الحميري الذي سار بالجيوش وحير الحيرة وبني سمرقند وقيل هدمها وكان مؤمنا وقومه كافرين ولذلك ذمهم دونه وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) ما أدري أكان تبع نبيا أم غير نبي وقيل لملوك اليمن التبابعة لأنهم يتبعون كما قيل لهم الأقيال لأنهم يتقيلون ) والذين من قبلهم ( كعاد وثمود ) أهلكناهم ( استئناف بمال قوم تبع ) والذين من قبلهم ( هدد به كفار قريش أو حال بإضمار قد أو خبر من الموصول إن استؤنف به ) إنهم كانوا مجرمين ( بيان للجامع المقتضي للإهلاك
الدخان : ( 38 ) وما خلقنا السماوات . . . . .
) وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما ( وما بين الجنسين وقرىء وما بينهن لاعبين لا هين وهو دليل على صحة الحشر كما مر في الأنبياء وغيرها
الدخان : ( 39 ) ما خلقناهما إلا . . . . .
) ما خلقناهما إلا بالحق ( إلا بسبب الحق الذي اقتضاه الدليل من الإيمان والطاعة أو البعث والجزاء ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( لقلة نظرهم
الدخان : ( 40 ) إن يوم الفصل . . . . .
) إن يوم الفصل ( فصل الحق عن الباطل أو المحق عن المبطل بالجزاء أو فصل الرجل عن أقاربه وأحبائه ) ميقاتهم ( وقت موعدهم ) أجمعين ( وقرىء ) ميقاتهم ( بالنصب على أنه الاسم أي أن ميعاد جزائهم في ) يوم الفصل )
الدخان : ( 41 ) يوم لا يغني . . . . .
) يوم لا يغني ( بدل من ) يوم الفصل ( أو صفة ل ) ميقاتهم ( أو ظرف لما دل عليه(5/163)
" صفحة رقم 164 "
الفصل لاله للفصل ) مولى ( من قرابة أو غيرها ) عن مولى ( أي مولى كان ) شيئا ( من الاغناء ) ولا هم ينصرون ( الضمير ل ) مولى ( الأول باعتبار المعنى لأنه عام
الدخان : ( 42 ) إلا من رحم . . . . .
) إلا من رحم الله ( بالعفو عنه وقبول الشفاعة فيه ومحله الرفع على البدل من الواو والنصب على الاستثناء ) إنه هو العزيز ( لا ينصر منه من أراد تعذيبه ) الرحيم ( لمن أراد أن يرحمه
الدخان : ( 43 ) إن شجرة الزقوم
) إن شجرة الزقوم ( وقرىء بكسر الشين ومعنى ) الزقوم ( سبق في الصافات
الدخان : ( 44 ) طعام الأثيم
) طعام الأثيم ( الكثير الآثام والمراد به الكافر لدلالة ما قبله وما بعده عليه
الدخان : ( 45 ) كالمهل يغلي في . . . . .
) كالمهل ( وهو ما يمهل في النار حتى يذوب وقيل دردي الزيت تغلي في البطون وقرأ ابن كثير وحفص ورويس بالياء على أن الضمير لل ) طعام ( أو ) الزقوم ( لا للمهل إذ الأظهر أن الجملة حال من أحدهما
الدخان : ( 46 ) كغلي الحميم
) كغلي الحميم ( غليانا مثل غليه
الدخان : ( 47 ) خذوه فاعتلوه إلى . . . . .
) خذوه ( على إرادة القول والمقول له الزبانية ) فاعتلوه ( فجروه والعتل الأخذ بمجامع الشيء وجره بقهر وقرأ الحجازيان وابن عامر ويعقوب بالضم وهما لغتان ) إلى سواء الجحيم ( وسطه
الدخان : ( 48 ) ثم صبوا فوق . . . . .
) ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ( كان أصله يصب من فوق رؤوسهم الحميم فقيل يصب من ) فوق ( رؤوسهم ) عذاب ( هو ) الحميم ( للمبالغة ثم أضيف ال ) عذاب ( إلى ) الحميم ( للتخفيف وزيد من الدلالة على أن المصبوب بعض هذا النوع
الدخان : ( 49 ) ذق إنك أنت . . . . .
) ذق إنك أنت العزيز الكريم ( أي وقولوا له ذلك استهزاء به وتفريعا على ما كان(5/164)
" صفحة رقم 165 "
يزعمه وقرأ الكسائي أنك بالفتح أي ذق لأنك أو ) عذاب ( ) إنك )
الدخان : ( 50 ) إن هذا ما . . . . .
) إن هذا ( أن هذا ال ) عذاب ( ) ما كنتم به تمترون ( تشكون وتمارون فيه
الدخان : ( 51 ) إن المتقين في . . . . .
) إن المتقين في مقام ( في موضع إقامة وقرأ وابن نافع وابن عامر بضم الميم ) آمين ( يأمن صاحبه عن الآفة والانتقال
الدخان : ( 52 ) في جنات وعيون
) في جنات وعيون ( بدل من مقام جيء به للدلالة على نزاهته واشتماله على ما يستلذ به من المآكل والمشارب
الدخان : ( 53 ) يلبسون من سندس . . . . .
) يلبسون من سندس وإستبرق ( خبر ثان أو حال من الضمير في الجار أو استئناف والسندس ما رق من الحرير والاستبرق ما غلظ منه معرب استبره أو مشتق من البراقة ) متقابلين ( في مجالسهم ليستأنس بعضهم ببعض
الدخان : ( 54 ) كذلك وزوجناهم بحور . . . . .
) كذلك ( الأمر كذلك أو آتيناهم مثل ذلك ) وزوجناهم بحور عين ( قرناهم بهن ولذلك عدي بالباء والحوراء البيضاء والعيناء عظيمة العينين واختلف في أنهن نساء الدنيا أو غيرها
الدخان : ( 55 ) يدعون فيها بكل . . . . .
) يدعون فيها بكل فاكهة ( يطلبون ويأمرون بإحضار ما يشتهون من الفواكه لا يتخصص شيء منها بمكان ولا بزمان ) آمنين ( من الضرر
الدخان : ( 56 ) لا يذوقون فيها . . . . .
) لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ( بل يحيون فيها دائما والاستثناء منقطع أو متصل والضمير للآخرة و ) الموت ( أول أحوالها أو الجنة والمؤمن يشارفها بالموت ويشاهدها عنده فكأنه فيها أو الاستثناء للمبالغة في تعميم النفي وامتناع ) الموت ( فكأنه قال ) لا يذوقون فيها الموت ( إلا إذا أمكن ذوق الموتة الأولى في المستقبل ) ووقاهم عذاب الجحيم ( وقرئ ووقاهم على المبالغة(5/165)
" صفحة رقم 166 "
الدخان : ( 57 ) فضلا من ربك . . . . .
) فضلا من ربك ( أي أعطوا كل ذلك عطاء وتفضلا منه وقرئ بالرفع أي ذلك فضل ) ذلك هو الفوز العظيم ( لأنه خلاص عن المكارة وفوز بالمطالب
الدخان : ( 58 ) فإنما يسرناه بلسانك . . . . .
) فإنما يسرناه بلسانك ( سهلناه حيث أنزلناه بلغتك وهو فذلكة السورة ) لعلهم يتذكرون ( لعلهم يفهمونه فيتذكرون به ما لم يتذكروا
الدخان : ( 59 ) فارتقب إنهم مرتقبون
) فارتقب ( فانتظر ما يحل بهم ) إنهم مرتقبون ( منتظرون ما يحل بك عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ حم الدخان ليلة جمعة أصبح مغفورا له(5/166)
" صفحة رقم 167 "
سورة الجاثية
بسم الله الرحمن الرحيم
الجاثية : ( 1 - 4 ) حم
) حم تنزيل الكتاب ( إن جعلت ) حم ( مبتدأ خبره ) تنزيل الكتاب ( احتجت إلى إضمار مثل ) تنزيل ( ) حم ( وإن جعلتها تعديدا للحروف كان ) تنزيل ( مبتدأ خبره ) من الله العزيز الحكيم ( وقيل ) حم ( مقسم به و ) تنزيل الكتاب ( صفته وجواب القسم ) إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين ( وهو يحتمل أن يكون على ظاهرة وأن يكون المعنى إن في خلق السموات لقوله ) وفي خلقكم وما يبث من دابة ( ولا يحسن عطف ما على الضمير المجرور بل عطفه على المضاف إليه بأحد الاحتمالين فإن بثه وتنوعه واستجماعه لما به يتم معاشه إلى غير ذلك دلائل على وجود الصانع المختار ) آيات لقوم يوقنون ( محمول على محل إن واسمها وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب بالنصب حملا على الاسم
الجاثية : ( 5 ) واختلاف الليل والنهار . . . . .
) واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق ( من مطر وسماه رزقا لأنه سببه ) فأحيا به الأرض بعد موتها ( يبسها ) وتصريف الرياح ( باختلاف جهاتها وأحوالها وقرأ حمزة والكسائي وتصريف الريح ) آيات لقوم يعقلون ( فيه القراءتان ويلزمهما العطف على عاملين في والابتداء أو أن إلا أن يضمر في أو ينصب ) آيات ( على(5/167)
" صفحة رقم 168 "
الاختصاص أو يرفع بإضمار هي ولعل اختلاف الفواصل الثلاث لاختلاف الآيات في الدقة والظهور
الجاثية : ( 6 ) تلك آيات الله . . . . .
) تلك آيات الله ( أي تلك الآيات دلائله ) نتلوها عليك ( حال عاملها معنى الإشارة ) بالحق ( ملتبسين به أو ملتبسة به ) فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون ( أي بعد ) آيات الله ( وتقديم اسم ) الله ( للمبالغة والتعظيم كما في قولك أعجبني زيد وكرمه أو بعد حديث ) الله ( وهو في القرآن كقوله تعالى ) الله نزل أحسن الحديث ( و ) آياته ( دلائله المتلوة أو القرآن والعطف لتغاير الوصفين وقرأ الحجازيان وحفص وأبو عمرو وروح ) يؤمنون ( بالياء ليوافق ما قبله
الجاثية : ( 7 ) ويل لكل أفاك . . . . .
) ويل لكل أفاك ( كذاب ) أثيم ( كثير الآثام
الجاثية : ( 8 ) يسمع آيات الله . . . . .
) يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر ( يقيم على كفره ) مستكبرا ( عن الإيمان بالآيات و ) ثم ( لاستبعاد الإصرار بعد سماع الآيات كقوله " يرى غمرات ثم يزورها " ) كأن لم يسمعها ( أي كأنه فخففت وحذف ضمير الشأن والجملة في موضع الحال أي يصر مثل غير السامع ) فبشره بعذاب أليم ( على إصراره والبشارة على الأصل أو التهكم(5/168)
" صفحة رقم 169 "
الجاثية : ( 9 ) وإذا علم من . . . . .
) وإذا علم من آياتنا شيئا ( وإذا بلغه شيء من ) آياتنا ( وعلم أنه منها ) اتخذها هزوا ( لذلك من غير أن يرى فيها ما يناسب الهزء والضمير ل ) آياتنا ( وفائدته الإشعار بأنه إذا سمع كلاما وعلم أنه من الآيات بادر إلى استهزاء بالآيات كلها ولم يقتصر على ما سمعه أو لشيء لأنه بمعنى الآية ) أولئك لهم عذاب مهين )
الجاثية : ( 10 ) من ورائهم جهنم . . . . .
) من ورائهم جهنم ( من قدامهم لأنهم متوجهون إليها أو من خلفهم لأنها بعد آجالهم ) ولا يغني عنهم ( ولا يدفع عنهم ) ما كسبوا ( من الأموال والأولاد ) شيئا ( من عذاب الله ) ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ( أي الأصنام ) ولهم عذاب عظيم ( لا يتحملونه
الجاثية : ( 11 ) هذا هدى والذين . . . . .
) هذا هدى ( الإشارة إلى القرآن ويدل عليه قوله ) والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم ( وقرأ ابن كثير ويعقوب وحفص برفع ) أليم ( وال ) رجز ( أشد العذاب
الجاثية : ( 12 ) الله الذي سخر . . . . .
) الله الذي سخر لكم البحر ( بأن جعله أملس السطح يطفو عليه ما يتخلخل كالأخشاب ولا يمنع الغوص فيه ) لتجري الفلك فيه بأمره ( بتسخيره وأنتم راكبوها ) ولتبتغوا من فضله ( التجارة والغوص والصيد وغيرها ) ولعلكم تشكرون ( هذه النعم
الجاثية : ( 13 ) وسخر لكم ما . . . . .
) وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا ( بأن خلقها نافعة لكم ) منه ( حال من ما أي سخر هذه الأشياء كائنة منه أو خبر لمحذوف أي هي جميعا منه أو ل ) ما في السماوات ( ) وسخر لكم ( تكرير للتأكيد أو ل ) ما في الأرض ( وقرئ منه على المفعول له ومنه على أنه فاعل ) سخر ( على الإسناد المجازي أو خبر محذوف ) إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ( في صنائعه
الجاثية : ( 14 ) قل للذين آمنوا . . . . .
) قل للذين آمنوا يغفروا ( حذف المقول لدلالة الجواب عليه والمعنى قل لهم(5/169)
" صفحة رقم 170 "
اغفروا يغفروا أي يعفوا ويصفحوا ) للذين لا يرجون أيام الله ( لا يتوقعون وقائعه بأعدائه من قولهم أيام العرب لوقائعهم أو لا يأملون الأوقات التي وقتها الله لنصر المؤم نين وثوابهم ووعدهم بها والآية نزلت في عمر رضي الله عنه شتمه غفاري فهم أن يبطش به وقيل إنها منسوخة بآية القتال ) ليجزي قوما بما كانوا يكسبون ( علة للأمر والقوم هم المؤمنون أو الكافرون أو كلاهما فيكون التنكير للتعظيم أو التحقير أو الشيوع والكسب المغفرة أو الإساءة أو ما يعمهما وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي لنجزي بالنون وقريء ليجزي قوم وليجزي قوما أي ليجزي الخير أو الشر أو الجزاء أعني ما يجزى به لا المصدر فإن الإسناد إليه سيما مع المفعول به ضعيف
الجاثية : ( 15 ) من عمل صالحا . . . . .
) من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ( أي لها ثواب العمل وعليها عقابه ) ثم إلى ربكم ترجعون ( فيجازيكم على أعمالكم
الجاثية : ( 16 ) ولقد آتينا بني . . . . .
) ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب ( التوراة ) والحكم ( والحكمة النظرية والعملية أو فصل الخصومات ) والنبوة ( إذ كثر فيهم الأنبياء ما لم يكثروا في غيرهم ) ورزقناهم من الطيبات ( مما أحل الله من اللذائذ ) وفضلناهم على العالمين ( حيث آتيناهم ما لم نؤت غيرهم
الجاثية : ( 17 ) وآتيناهم بينات من . . . . .
) وآتيناهم بينات من الأمر ( أدلة في أمر الدين ويندرج فيها المعجزات وقيل آيات من أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مبينة لصدقة ) فما اختلفوا ( في ذلك الأمر ) إلا من بعد ما جاءهم العلم ( بحقيقة الحال ) بغيا بينهم ( عداوة وحسدا ) إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ( بالمؤاخذة والمجازاة(5/170)
" صفحة رقم 171 "
الجاثية : ( 18 ) ثم جعلناك على . . . . .
) ثم جعلناك على شريعة ( طريقة ) من الأمر ( من أمر الدين ) فاتبعها ( فاتبع شريعتك الثابتة بالحجج ) ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ( آراء الجهال التابعة للشهوات وهم رؤساء قريش قالوا له ارجع إلى دين آبائك
الجاثية : ( 19 ) إنهم لن يغنوا . . . . .
) إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا ( مما أراد بك ) وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض ( إذ الجنسية علة الانضمام فلا توالهم باتباع أهوائهم ) والله ولي المتقين ( فواله بالتقى واتباع الشريعة
الجاثية : ( 20 ) هذا بصائر للناس . . . . .
) هذا ( أي القرآن أو اتباع الشريعة ) بصائر للناس ( بينات تبصرهم وجه الفلاح ) وهدى ( من الضلالة ) ورحمة ( ونعمة من الله ) لقوم يوقنون ( يطلبون اليقين
الجاثية : ( 21 ) أم حسب الذين . . . . .
) أم حسب الذين اجترحوا السيئات ( أم منقطعة ومعنى الهمزة فيها إنكار الحسبان والاجتراح الاكتساب ومنه الجارحة ) أن نجعلهم ( أن نصيرهم ) كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ( مثلهم وهو ثاني مفعولي نجعل وقوله ) سواء محياهم ومماتهم ( بدل منه إن كان الضمير للموصول الأول لأن المماثلة فيه إذ المعنى إنكار أن يكون حياتهم ومماتهم سيين في البهجة والكرامة كما هو للمؤمنين ويدل عليه قراءة حمزة والكسائي وحفص ) سواء ( بالنصب على البدل أو الحال من الضمير في الكاف أو المفعولية والكاف حال وإن كان للثاني فحال منه أو استئناف يبين المقتضى للإنكار وإن كان لهما فبدل أو حال من الثاني وضمير الأول والمعنى إنكار أن يستووا بعد الممات في الكرامة أو ترك المؤاخذة كما استووا في الرزق والصحة في الحياة أو استئناف مقرر لتساوي محيا كل صنف ومماته في الهدى والضلال وقرىء مماتهم بالنصب على أن ) محياهم ومماتهم ( ظرفان(5/171)
" صفحة رقم 172 "
كمقدم الحاج ) ساء ما يحكمون ( ساء حكمهم هذا أو بئس شيئا حكموا به ذلك
الجاثية : ( 22 ) وخلق الله السماوات . . . . .
) وخلق الله السماوات والأرض بالحق ( كأنه دليل على الحكم السابق من حيث أن خلق ذلك بالحق المقتضي للعدل يستدعي انتصار المظلوم من الظالم والتفاوت بين المسيء والمحسن وإذا لم يكن في المحيا كان بعد الممات ) ولتجزى كل نفس بما كسبت ( عطف على بالحق لأنه في معنى العلة أو على علة محذوفة مثل ليدل بها على قدرته أو ليعدل ) ولتجزى ( ) وهم لا يظلمون ( بنقص ثواب وتضعيف عقاب وتسمية ذلك ظلما ولو فعله الله لم يكن منه ظلما لأنه لو فعله غيره لكان ظلما كالابتلاء والاختبار
الجاثية : ( 23 ) أفرأيت من اتخذ . . . . .
) أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ( ترك متابعة الهدى إلى متابعة الهوى فكأنه يعبده وقرىء آلهة هواه لأنه كان أحدهم يستحسن حجرا فيعبده فإذا رأى أحسن منه رفضه إليه ) وأضله الله ( وخذله ) على علم ( عالما بضلاله وفساد جوهر روحه ) وختم على سمعه وقلبه ( فلا يبالي بالمواعظ ولا يتفكر في الآيات ) وجعل على بصره غشاوة ( فلا ينظر بعين الاستبصار والاعتبار وقرأ حمزة والكسائي غشوة ) فمن يهديه من بعد الله ( من بعد إضلاله ) أفلا تذكرون ( وقرىء تتذكرون
الجاثية : ( 24 ) وقالوا ما هي . . . . .
) وقالوا ما هي ( ما الحياة أو الحال ) إلا حياتنا الدنيا ( التي نحن فيها ) نموت ونحيا ( أي نكون أمواتا نطفا وما قبلها ونحيا بعد ذلك أو نموت بأنفسنا ونحيا ببقاء أولادنا أو يموت بعضنا ويحيا بعضنا أو يصيبنا الموت والحياة فيها وليس وراء ذلك حياة ويحتمل أنهم أرادوا به التناسخ فإنه عقيدة أكثر عبدة الأوثان ) وما يهلكنا إلا الدهر ( إلا مرور الزمان وهو في الأصل مدة بقاء العالم من دهره إذا غلبه ) وما لهم بذلك من علم ( يعني نسبة الحوادث إلى حركات الأفلاك وما يتعلق بها على الاستقلال أو إنكار(5/172)
" صفحة رقم 173 "
البعث أو كليهما ) إن هم إلا يظنون ( إذ لا دليل لهم عليه وإنما قالوه بناء على التقليد والإنكار لما لم يحسوا به
الجاثية : ( 25 ) وإذا تتلى عليهم . . . . .
) وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ( واضحات الدلالة على ما يخالف معتقدهم أو مبينات له ) ما كان حجتهم ( ما كان لهم متشبث يعارضونها به ) إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين ( وإنما سماه حجة على حسبانهم ومساقهم أو على أسلوب قولهم تحية بينهم ضرب وجيع فإنه لا يلزم من عدم حصول الشيء حالا امتناعه مطلقا
الجاثية : ( 26 ) قل الله يحييكم . . . . .
) قل الله يحييكم ثم يميتكم ( على ما دلت عليه الحجج ) ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ( فإن من قدر على الابتداء قدر على الإعادة والحكمة اقتضت الجمع للمجازاة على ما قرر مرارا والوعد المصدق بالآيات دل على وقوعها وإذا كان كذلك أمكن الإتيان بآبائهم لكن الحكمة اقتضت أن يعادوه يوم الجمع للجزاء ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( لقلة تفكرهم وقصور نظرهم على ما يحسونه
الجاثية : ( 27 ) ولله ملك السماوات . . . . .
) ولله ملك السماوات والأرض ( تعميم للقدرة بعد تخصيصها ) ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون ( أي ويخسر يوم تقوم و ) يومئذ ( بدل منه
الجاثية : ( 28 ) وترى كل أمة . . . . .
) وترى كل أمة جاثية ( مجتمعة من الجثوة وهي الجماعة أو باركة مستوفزة على الركب وقرئ جاذيه أي جالسة على أطراف الأصابع لاستيفازهم ) كل أمة تدعى إلى كتابها ( صحيفة أعمالها وقرأ يعقوب ) كل ( على أنه بدل من الأول وتدعى صفة أو مفعول ثان ) اليوم تجزون ما كنتم تعملون ( محمول على القول
الجاثية : ( 29 ) هذا كتابنا ينطق . . . . .
) هذا كتابنا ( أضاف صحائف أعمالهم إلى نفسه لأنه أمر الكتبة أن يكتبوا فيها أعمالهم ) ينطق عليكم بالحق ( يشهد عليكم بما عملتم بلا زيادة ولا نقصان ) إنا كنا نستنسخ ( نستكتب الملائكة ) ما كنتم تعملون ( أعمالكم
الجاثية : ( 30 ) فأما الذين آمنوا . . . . .
) فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ( التي من جملتها(5/173)
" صفحة رقم 174 "
الجنة ) ذلك هو الفوز المبين ( الظاهر لخلوصه عن الشوائب
الجاثية : ( 31 ) وأما الذين كفروا . . . . .
) وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم ( أي فيقال لهم ألم يكن يأتكم رسلي ) أفلم تكن آياتي تتلى عليكم ( فحذف القول والمعطوف عليه اكتفاء بالمقصود واستغناء بالقرينة ) فاستكبرتم ( عن الإيمان بها ) وكنتم قوما مجرمين ( عادتكم الإجرام
الجاثية : ( 32 ) وإذا قيل إن . . . . .
) وإذا قيل إن وعد الله ( يحتمل الموعود به والمصدر ) حق ( كائن هو أو متعلقة لا محالة ) والساعة لا ريب فيها ( إفراد للمقصود وقرأ حمزة بالنصب عطفا على اسم إن ) قلتم ما ندري ما الساعة ( أي شيء الساعة استغرابا لها ) إن نظن إلا ظنا ( أصله نظن ظنا فأدخل حرفا النفي والاستثناء لإثبات الظن ونفي ما عداه كأنه قال ما نحن نظن ظنا أو لنفي ظنهم فيما سوى ذلك مبالغة ثم أكده بقوله ) وما نحن بمستيقنين ( إي لإمكانه ولعل ذلك قول بعضهم تحيروا بين ما سمعوا من آبائهم وما تليت عليهم من الآيات في أمر الساعة
الجاثية : ( 33 ) وبدا لهم سيئات . . . . .
) وبدا لهم ( ظهر لهم ) سيئات ما عملوا ( على ما كانت عليه بأن عرفوا قبحها وعاينوا وخامة عاقبتها أو جزاءها ) وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون ( وهو الجزاء
الجاثية : ( 34 ) وقيل اليوم ننساكم . . . . .
) وقيل اليوم ننساكم ( نترككم في العذاب ترك ما ينسى ) كما نسيتم لقاء يومكم هذا ( كما تركتم عدته ولم تبالوا به وإضافة لقاء إلى يوم إضافة المصدر إلى ظرفه ) ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ( يخلصونكم منها
الجاثية : ( 35 ) ذلكم بأنكم اتخذتم . . . . .
) ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا ( استهزأتم بها ولم تتفكروا فيها ) وغرتكم الحياة الدنيا ( فحسبتم أن لا حياة سواها ) فاليوم لا يخرجون منها ( وقرأ حمزة والكسائي(5/174)
" صفحة رقم 175 "
بفتح الياء وضم الراء ) ولا هم يستعتبون ( لا يطلب منهم أن يعتبوا ربهم أي يرضوه لفوات أوانه
الجاثية : ( 36 ) فلله الحمد رب . . . . .
) فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين ( إذ الكل نعمة منه ودال على كمال قدرته ) وله الكبرياء في السماوات والأرض ( إذ ظهر فيها آثارها ) وهو العزيز ( الذي لا يغلب ) الحكيم ( فيما قدر وقضى فاحمدوه وكبروه وأطيعوا له عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ حم الجاثية ستر الله عورته وسكن روعته يوم الحساب(5/175)
" صفحة رقم 176 "
سورة الأحقاف
مكية وآيها خمس وثلاثون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الأحقاف : ( 1 - 3 ) حم
) حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ( إلا خلقا متلبسا بالحق وهو ما تقتضيه الحكمة والمعدلة وفيه دلالة على وجود الصانع الحكيم والبعث للمجازاة على ما قررناه مرارا ) وأجل مسمى ( وبتقدير أجل مسمى ينتهي إليه الكل وهو يوم القيامة أو كل واحد وهو آخر مدة بقائه المقدرة له ) والذين كفروا عما أنذروا ( من هول ذلك الوقت ويجوز أن تكون ما مصدرية ) معرضون ( لا يتفكرون فيه ولا يستعدون لحلوله
الأحقاف : ( 4 ) قل أرأيتم ما . . . . .
) قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ( أي أخبروني عن حال آلهتكم بعد تأمل فيها هل يعقل أن يكون لها في أنفسها مدخل في خلق شيء من أجزاء العالم فتستحق به العبادة وتخصيص الشرك بالسموات احتراز عما يتوهم أن للوسائط شركة في إيجاد الحوادث السفلية ) ائتوني بكتاب من قبل هذا ((5/176)
" صفحة رقم 177 "
من قبل هذا الكتاب يعني القرآن فإنه ناطق بالتوحيد ) أو أثارة من علم ( أو بقية من علم بقيت عليكم من علوم الأولين هل فيها ما يدل على استحقاقهم للعبادة أو الأمر به ) إن كنتم صادقين ( في دعواكم وهو إلزام بعدم ما يدل على إلوهيتهم بوجه ما نقلا بعد إلزامهم بعدم ما يقتضيها عقلا وقرىء إثارة بالكسر أي مناظرة فإن المناظرة تثير المعاني وأثرة أي شيء أوثرتم به وأثرة بالحركات الثلاث في الهمزة والسكون الثاء فالمفتوحة للمرة من مصدر أثر الحديث إذا رواه والمكسورة بمعنى الأثره والمضمومة إسم ما يؤثر
الأحقاف : ( 5 ) ومن أضل ممن . . . . .
) ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له ( إنكار أن يكون أحد أضل من المشركين حيث تركوا عبادة السميع البصير المجيب القادر الخبير إلى عبادة من لا يستجيب لهم لو سمع دعاءهم فضلا أن يعلم سرائرهم ويراعي مصالحهم ) إلى يوم القيامة ( ما دامت الدنيا ) وهم عن دعائهم غافلون ( لأنهم إما جمادات وإما عباد مسخرون مشتغلون بأحوالهم
الأحقاف : ( 6 ) وإذا حشر الناس . . . . .
) وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء ( يضربونهم ولا ينف
الأحقاف : ( 7 ) وإذا تتلى عليهم . . . . .
) وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ( واضحات أو مبينات ) قال الذين كفروا للحق ( لأجله وفي شأنه والمراد به الآيات ووضعه موضع ضميرها ووضع ) الذين كفروا ( موضع ضمير المتلو عليهم للتسجيل عليها بالحق وعليهم بالكفر والانهماك في الضلالة ) لما جاءهم ( حينما جاءهم من غير نظر وتأمل ) هذا سحر مبين ( ظاهر بطلانه
الأحقاف : ( 8 ) أم يقولون افتراه . . . . .
) أم يقولون افتراه ( إضراب عن ذكر تسميتهم إياه سحرا إلى ذكر ما هو أشنع منه(5/177)
" صفحة رقم 178 "
وإنكار له وتعجيب ) قل إن افتريته ( على الفرض ) فلا تملكون لي من الله شيئا ( أي إن عاجلني الله بالعقوبة فلا تقدرون على دفع شيء منها فكيف أجترىء عليه وأعرض نفسي للعقاب من غير توقع نفع ولا دفع ضر من قبلكم ) هو أعلم بما تفيضون فيه ( تندفعون فيه من القدح في آياته ) كفى به شهيدا بيني وبينكم ( يشهد لي بالصدق والبلاغ وعليكم بالكذب والإنكار وهو وعيد بجزاء إفاضتهم ) وهو الغفور الرحيم ( وعد بالمغفرة والرحمة لمن تاب وآمن وإشعار بحلم الله عنهم مع عظم جرمهم
الأحقاف : ( 9 ) قل ما كنت . . . . .
) قل ما كنت بدعا من الرسل ( بديعا منهم أدعوكم إلى ما لا يدعون إليه أو أقدر على ما لم يقدروا عليه وهو الإتيان بالمقترحات كلها ونظيره الخف بمعنى الخفيف وقرئ بفتح الدال على أنه كقيم أو مقدر بمضاف أي ذا بدع ) وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ( في الدارين على التفضيل إذ لا علم لي بالغيب و ) لا ( لتأكيد النفي المشتمل على ما يفعل بي ) وما ( إما موصولة منصوبة أو استفهامية مرفوعة وقرئ ) يفعل ( أي يفعل الله ) إن أتبع إلا ما يوحى إلي ( لا أتجاوزه وهو جواب عن اقتراحهم الإخبار عما لم يوح إليه من الغيوب أو استعجال المسلمين أن يتخلصوا من أذى المشركين ) وما أنا إلا نذير ( من عقاب الله ) مبين ( بين الإنذار بالشواهد المبينة والمعجزات المصدقة
الأحقاف : ( 10 ) قل أرأيتم إن . . . . .
) قل أرأيتم إن كان من عند الله ( أي القرآن ) وكفرتم به ( وقد كفرتم به ويجوز أن تكون الواو عاطفة على الشرط وكذا الواو في قوله ) وشهد شاهد من بني إسرائيل ( إلا أنها تعطفه بما عطف عليه على جملة ما قبله والشاهد هو عبد الله بن سلام وقيل موسى عليه الصلاة والسلام وشهادته ما في التوراة من نعت الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) على مثله ( مثل القرآن وهو ما في التوراة من المعاني المصدقة للقرآن المطابقة له أو مثل ذلك وهو كونه من عند الله ) فآمن ( أي بالقرآن لما رآه من جنس الوحي مطابقا للحق ) واستكبرتم ( عن الإيمان ) إن الله لا يهدي القوم الظالمين ( استئناف مشعر بأن كفرهم(5/178)
" صفحة رقم 179 "
به لضلالهم المسبب عن ظلمهم ودليل على الجواب المحذوف مثل ألستم ظالمين
الأحقاف : ( 11 ) وقال الذين كفروا . . . . .
) وقال الذين كفروا للذين آمنوا ( لأجلهم ) لو كان ( الإيمان أو ما أتى به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) خيرا ما سبقونا إليه ( وهم سقاط إذ عامتهم فقراء وموال ورعاة وإنما قاله قريش وقيل بنو عامر وغطفان وأسد وأشجع لما أسلم جهينة ومزينة وأسلم وغفار أو اليهود حين أسلم عبد الله بن سلام وأصحابه ) وإذ لم يهتدوا به ( ظرف لمحذوف مثل ظهر عنادهم وقوله ) فسيقولون هذا إفك قديم ( مسبب عنه وهو كقولهم أساطير الأولين
الأحقاف : ( 12 ) ومن قبله كتاب . . . . .
) ومن قبله ( ومن قبل القرآن وهو خبر لقوله ) كتاب موسى ( ناصب لقوله ) إماما ورحمة ( على الحال ) وهذا كتاب مصدق ( لكتاب موسى أو لما بين يديه وقد قرئ به ) لسانا عربيا ( حال من ضمير ) كتاب ( في ) مصدق ( أو منه لتخصصه بالصفة وعاملها معنى الإشارة وفائدتها الإشعار بالدلالة على أن كونه مصدقا للتوراة كما دل على أنه حق دل على أنه وحي وتوقيف من الله سبحانه وتعالى وقيل مفعول ) مصدق ( أي يصدق ذا لسان عربي بإعجازه ) لينذر الذين ظلموا ( علة ) مصدق ( وفيه ضمير الكتاب أو الله أو الرسول ويؤيد الأخير قراءة نافع وابن عامر والبزي بخلاف عنه ويعقوب بالتاء ) وبشرى للمحسنين ( عطف على محله
الأحقاف : ( 13 ) إن الذين قالوا . . . . .
) إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ( جمعوا بين التوحيد الذي هو خلاصة العلم والإستقامة في الأمور التي هي منتهى العمل وثم للدلالة على تأخر رتبة العمل وتوقف اعتباره على التوحيد ) فلا خوف عليهم ( من لحوق مكروه ) ولا هم يحزنون ( على فوات محبوب والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط
الأحقاف : ( 14 ) أولئك أصحاب الجنة . . . . .
) أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون ( من اكتساب الفضائل العلمية والعملية وخالدين حال من المستكن في أصحاب وجزاء مصدر لفعل دل عليه الكلام أي جوزوا جزاء ) ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ( وقرأ الكوفيون إحسانا وقرئ ) حسنا ( أي إيصاء ) حسنا ( ) حملته أمه كرها ووضعته كرها ( ذات كره أو حملا ذا كره وهو المشقة(5/179)
" صفحة رقم 180 "
وقرأ الحجازيان وأبو عمرو وهشام بالفتح وهما لغتان كالفقر والفقر وقيل المضموم اسم والمفتوح مصدر ) وحمله وفصاله ( ومدة ) وحمله وفصاله ( والفصال الفطام ويدل عليه قراءة يعقوب وفصله أو وقته والمراد به الرضاع التام المنتهى به ولذلك عبر به كما يعبر بالأمد عن المدة قال " كل حي مستكمل عدة العم ر ومود إذا انتهى أمده " ) ثلاثون شهرا ( كل ذلك بيان لما تكابده الأم في تربية الولد مبالغة في التوصية بها وفيه دليل على أن أقل مدة الحمل سنة أشهر لأنه إذا حط منه الفصال حولان لقوله تعالى ) حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ( بقي ذلك وبه قال الأطباء ولعل تخصيص أقل الحمل وأكثر الرضاع لانضباطهما وتحقق ارتباط حكم النسب والرضاع بهما ) حتى إذا بلغ أشده ( إذا اكتهل واستحكم قوته وعقله ) وبلغ أربعين سنة ( قيل لم يبعث نبي إلا بعد الأربعين ) قال رب أوزعني ( ألهمني وأصله أولعني من أوزعته بكذا ) أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي ( يعني نعمة الدين أو ما يعمها وغيرها وذلك يؤيد ما روي أنها نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه لأنه لم يكن أحد أسلم هو وأبواه من المهاجرين والأنصار سواه ) وأن أعمل صالحا ترضاه ( نكره للتعظيم أو لأنه أراد نوعا من الجنس يستجلب رضا الله عز وجل ) وأصلح لي في ذريتي ( واجعل لي الصلاح ساريا في ذريتي راسخا فيهم ونحوه قوله " وإن تعتذر بالمحل عن ذي ضروعها إلى الضيف يجرح في عراقيبها نصلي " (5/180)
" صفحة رقم 181 "
) إني تبت إليك ( عما لا ترضاه أو يشغل عنك ) وإني من المسلمين ( المخلصين لك
الأحقاف : ( 16 ) أولئك الذين نتقبل . . . . .
) أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ( يعني فإن المباح حسن ولا يثاب عليه ) ونتجاوز عن سيئاتهم ( لتوبتهم وقرأ حمزة الكسائي وحفص بالنون فيهما ) في أصحاب الجنة ( كائنين في عدادهم أو مثابين أو معدودين فيهم ) وعد الصدق ( مصدر مؤكد لنفسه فإن يتقبل ويتجاوز وعد ) الذي كانوا يوعدون ( أي في الدنيا
الأحقاف : ( 17 ) والذي قال لوالديه . . . . .
) والذي قال لوالديه أف لكما ( مبتدأ خبره ) أولئك ( والمراد به الجنس وإن صح نزولها في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه فإن خصوص السبب لا يوجب التخصيص وفي ) أف ( قراءات ذكرت في سورة بني إسرائيل ) أتعدانني أن أخرج ( أبعث وقرأ هشام أتعداني بنون واحدة مشددة ) وقد خلت القرون من قبلي ( فلم يرجع أحد منهم ) وهما يستغيثان الله ( يقولان الغياث بالله منك أو يسألانه أن يغيثه بالتوفيق للإيمان ) ويلك آمن ( أي يقولان له ) ويلك ( وهو الدعاء بالثبور بالحث على ما يخاف على تركه ) إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين ( أباطيلهم التي كتبوها
الأحقاف : ( 18 ) أولئك الذين حق . . . . .
) أولئك الذين حق عليهم القول ( بأنهم أهل النار وهو يرد النزول في عبد الرحمن لأنه يدل على أنه من أهلها لذلك وقد جب عنه إن كان لإسلامه ) في أمم قد خلت من قبلهم ((5/181)
" صفحة رقم 182 "
كقوله في أصحاب الجنة ) من الجن والإنس ( بيان للأمم ) إنهم كانوا خاسرين ( تعليل للحكم على الاستئناف
الأحقاف : ( 19 ) ولكل درجات مما . . . . .
) ولكل ( من الفريقين ) درجات مما عملوا ( مراتب من جزاء ما عملوا من الخير والشر أو من أجل ما عملوا وال ) درجات ( غالبة في المثوبة وها هنا جاءت على التغليب ) وليوفيهم أعمالهم ( جزاءها وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وابن ذكوان بالنون ) وهم لا يظلمون ( بنقص ثواب وزيادة عقاب
الأحقاف : ( 20 ) ويوم يعرض الذين . . . . .
) ويوم يعرض الذين كفروا على النار ( يعذبون بها وقيل تعرض النار عليهم فقلب مبالغة كقولهم عرضت الناقة على الحوض ) أذهبتم ( أي يقال لهم أذهبتم وهو ناصب اليوم وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب بالاستفهام غير أن ابن كثير يقرؤه بهمزة ممدودة وهما يقرآن بها وبهمزتين محققتين ) طيباتكم ( لذاتكم ) في حياتكم الدنيا ( باستيفائها ) واستمتعتم بها ( فما بقي لكم منها شيء ) فاليوم تجزون عذاب الهون ( الهوان وقد قرئ به ) بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ( بسبب الاستكبار الباطل والفسوق عن طاعة الله وقرئ ) تفسقون ( بالكسر
الأحقاف : ( 21 ) واذكر أخا عاد . . . . .
) واذكر أخا عاد ( يعني هودا ) إذ أنذر قومه بالأحقاف ( جمع حقف وهو رمل مستطيل مرتفع فيه انحناء من احقوقف الشيء إذا اعوج وكانوا يسكنون بين رمال مشرفة على البحر بالشحر من اليمن ) وقد خلت النذر ( الرسل ) من بين يديه ومن خلفه ( قبل هود وبعده والجملة حال أو اعتراض ) ألا تعبدوا إلا الله ( أي لا تعبدوا أو بأن لا تعبدوا فإن النهي عن الشيء إنذار من مضرته ) إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ( هائل بسبب شرككم
الأحقاف : ( 22 ) قالوا أجئتنا لتأفكنا . . . . .
) قالوا أجئتنا لتأفكنا ( لتصرفنا ) عن آلهتنا ( عن عبادتها ) فأتنا بما تعدنا ( من(5/182)
" صفحة رقم 183 "
العذاب على الشرك ) إن كنت من الصادقين ( في وعدك
الأحقاف : ( 23 ) قال إنما العلم . . . . .
) قال إنما العلم عند الله ( لا علم لي بوقت عذابكم ولا مدخل لي فيه فأستعجل به وإنما علمه عند الله فيأتيكم به في وقته المقدر له ) وأبلغكم ما أرسلت به ( إليكم وما على الرسول إلا البلاغ ) ولكني أراكم قوما تجهلون ( لا تعلمون أن الرسل بعثوا مبلغين منذرين لا معذبين مقترحين
الأحقاف : ( 24 ) فلما رأوه عارضا . . . . .
) فلما رأوه عارضا ( سحابا عرض في أفق السماء ) مستقبل أوديتهم ( متوجه أوديتهم والإضافة فيه لفظية وكذا في قوله ) قالوا هذا عارض ممطرنا ( أي يأتينا بالمطر ) بل هو ( أي قال هود عليه الصلاة والسلام ) بل هو ما استعجلتم به ( من العذاب وقرىء قل بل ) ريح ( هي ريح ويجوز أن يكون بدل ما ) فيها عذاب أليم ( صفتها وكذا قوله
الأحقاف : ( 25 ) تدمر كل شيء . . . . .
) تدمر ( تهلك ) كل شيء ( من نفوسهم وأحوالهم ) بأمر ربها ( إذ لا توجد نابضة حركة ولا قابضة سكون إلا بمشيئته وفي ذكر الأمر والرب وإضافة إلى الريح فوائد سبق ذكرها مرارا وقرىء يدمر كل شيء من دمر دمارا إذا هلك فيكون العائد محذوفا أو الهاء في ) ربها ( ويحتمل أن يكون استئنافا للدلالة على أن لكل ممكن فناء مقضيا لا يتقدم ولا يتأخر وتكون الهاء لكل شيء فإنه بمعنى الأشياء ) فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ( أي فجاءتهم الريح فدمرتهم فأصبحوا بحيث لو حضرت بلادهم لا ترى إلا مساكنهم وقرأ عاصم وحمزة والكسائي لا يرى إلا مساكنهم بالياء المضمومة ورفع المساكن ) كذلك نجزي القوم المجرمين ( روي أن هودا عليه السلام لما أحس بالريح اعتزل بالمؤمنين في الحظيرة وجاءت الريح فأمالت الأحقاف على الكفرة وكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام ثم كشفت عنهم واحتملتهم تقذفتهم في البحر(5/183)
" صفحة رقم 184 "
الأحقاف : ( 26 ) ولقد مكناهم فيما . . . . .
) ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه ( ) إن ( نافية وهي أحسن من ما ههنا لأنها توجب التكرير لفظا ولذلك قلبت ألفها هاء في مهما أو شرطية محذوفة الجواب والتقدير ولقد مكناهم في الذي أوفي شيء إن مكناكم فيه كان بغيكم أكثر أو صلة كما في قوله " يرجي المرء ما إن لا يراه ويعرض دون أدناه الخطوب " والأول أظهر وأوفق لقوله ) هم أحسن أثاثا ( ) كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا ( ) وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة ( ليعرفوا تلك النعم ويستدلوا بها على مانحها تعالى ويواظبوا على شكرها ) فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء ( من الإغناء وهو القليل ) إذ كانوا يجحدون بآيات الله ( صلة ) فما أغنى ( وهو ظرف جرى مجرى التعليل من حيث إن الحكم مرتب على ما أضيف إليه وكذلك حيث ) وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون ( من العذاب
الأحقاف : ( 27 ) ولقد أهلكنا ما . . . . .
) ولقد أهلكنا ما حولكم ( يا أهل مكة ) من القرى ( كحجر ثمود وقرى قوم لوط ) وصرفنا الآيات ( بتكريرها ) لعلهم يرجعون ( عن كفرهم
الأحقاف : ( 28 ) فلولا نصرهم الذين . . . . .
) فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة ( فهلا منعتهم من الهلاك آلهتهم الذين يتقربون بهم إلى الله تعالى حيث قالوا هؤلاء شفعاؤنا عند الله وأول مفعولي ) اتخذوا ( الراجع إلى الموصول محذوف وثانيهما ) قربانا ( و ) آلهة ( بدل أو عطف بيان أو ) آلهة ( و ) قربانا ( حال أو مفعول له على أنه بمعنى التقرب وقرىء قربانا(5/184)
" صفحة رقم 185 "
بضم الراء ) بل ضلوا عنهم ( غابوا عن نصرهم وامتنع أن يستمدوا بهم امتناع الاستمداد بالضال ) وذلك إفكهم ( وذلك الاتخاذ الذي هذا أثره صرفهم عن الحق وقرىء إفكهم بالتشديد للمبالغة وآفكهم أي جعلهم آفكين وآفكهم أي قولهم الآفك أي ذو الإفك ) وما كانوا يفترون )
الأحقاف : ( 29 ) وإذ صرفنا إليك . . . . .
) وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن ( أملناهم إليك والنفر دون العشرة وجمعه أنفار ) يستمعون القرآن ( حال محمولة على المعنى ) فلما حضروه ( أي القرآن أو الرسول ) قالوا أنصتوا ( قالوا بعضهم لبعض اسكتوا لنسمعه ) فلما قضى ( أتم وفرغ من قراءته وقرىء على بناء الفاعل وهو ضمير الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) ولوا إلى قومهم منذرين ( أي منذرين إياهم بما سمعوا روي أنهم وافوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بوادي النخلة عند منصرفه من الطائف يقرأ في تهجده
الأحقاف : ( 30 ) قالوا يا قومنا . . . . .
) قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى ( قيل إنما قالوا ذلك لأنهم كانوا يهودا أو ما سمعوا بأمر عيسى عليه الصلاة والسلام ) مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق ( من العقائد ) وإلى طريق مستقيم ( من الشرائع
الأحقاف : ( 31 ) يا قومنا أجيبوا . . . . .
) يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ( بعض ذنوبكم وهو ما يكون في خالص حق الله فإن المظالم لا تغفر بالإيمان ) ويجركم من عذاب أليم ( هو(5/185)
" صفحة رقم 186 "
معد للكفار واحتج أبو حنيفة رضي الله عنه باقتصارهم على المغفرة والإجارة على أن لا ثواب لهم والأظهر أنهم في توابع التكليف كبني آدم
الأحقاف : ( 32 ) ومن لا يجب . . . . .
) ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض ( إذ لا ينجي منه مهرب ) وليس له من دونه أولياء ( يمنعونه منه ) أولئك في ضلال مبين ( حيث أعرضوا عن إجابة من هذا شأنه
الأحقاف : ( 33 ) أو لم يروا . . . . .
) أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن ( ولم يتعب ولم يعجز والمعنى أن قدرته واجبة لا تنقص ولا تنقطع بالإيجاد أبدا الآباء ) بقادر على أن يحيي الموتى ( أي قادر ويدل عليه قراءة يعقوب يقدر والباء مزيدة لتأكيد النفي فإنه مشتمل على ) إن ( وما في حيزها ولذلك أجاب عنه بقوله ) بلى إنه على كل شيء قدير ( تقرير للقدرة على وجه عام يكون كالبرهان على المقصود كأنه صدرالسورة بتحقيق المبدأ أراد ختمها بإثبات المعاد
الأحقاف : ( 34 ) ويوم يعرض الذين . . . . .
) ويوم يعرض الذين كفروا على النار ( منصوب بقول مضمر مقوله ) أليس هذا بالحق ( والإشارة إلى العذاب ) قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ( بكفركم في الدنيا ومعنى الأمر هو الإهانة بهم والتوبيخ لهم
الأحقاف : ( 35 ) فاصبر كما صبر . . . . .
) فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ( أولو الثبات و الجد منهم فإنك من جملتهم و ) من ( للتبيين وقيل للتبعيض و ) أولوا العزم ( منهم أصحاب الشرائع اجتهدوا في تأسيسها وتقريرها وصبروا على تحمل مشاقها ومعاداة الطاعنين فيها ومشاهيرهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام وقيل الصابرون على بلاء الله كنوح صبر على أذى قومه كانوا يضربونه حتى يغشى عليه وإبراهيم على النار وذبح ولده و الذبيح على الذبح و يعقوب على فقد الولد والبصر ويوسف على الجب والسجن(5/186)
" صفحة رقم 187 "
وأيوب على الضر وموسى قال له قومه ) إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين ( وداود بكى على خطيئته أربعين سنة وعيسى لم يضع لبنة على لبنة ) ولا تستعجل لهم ( لكفار قريش بالعذاب فإنه نازل بهم في وقته لا محالة ) كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ( استقصروا من هوله مدة لبثهم في الدنيا حتى يحسبونها ساعة ) بلاغ ( هذا الذي وعظتم به أو هذه السورة بلاغ أي كفاية أو تبليغ من الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ويؤيده أنه قرىء بلغ وقيل ) بلاغ ( مبتدأ خبره ) لهم ( و ) ما ( بينهما اعتراض أي لهم وقت يبلغون إليه كأنهم إذا بلغوه ورأوا ما فيه استقصروا مدة عمرهم وقرىء بالنصب أي بلغوا بلاغا ) فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ( الخارجون عن الاتعاظ أو الطاعة وقرىء يهلك بفتح اللام وكسرها من هلك وهلك ونهلك بالنون ونصب القوم عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الأحقاف كتب له عشر حسنات بعدد كل رملة في الدنيا(5/187)
" صفحة رقم 188 "
سورة محمد ( صلى الله عليه وسلم )
وتسمى سورة القتال وهي مدنية وقيل
مكية وآيها سبع أو ثمان وثلاثون أو أربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
محمد : ( 1 ) الذين كفروا وصدوا . . . . .
) الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ( امتنعوا عن الدخول في الإسلام وسلوك طريقه أو منعوا الناس عنه كالمطعمين يوم بدر أو شياطين قريش أو المصريين من أهل الكتاب أو عام في جميع من كفر وصد ) أضل أعمالهم ( جعل مكارمهم كصلة الرحم وفك الأسارى وحفظ الجوار ضالة أي ضائعة محيطة بالكفر أو مغلوبة مغمورة فيه كما يضل الماء في اللبن أو ضلال حيث لم يقصدوا به وجه الله أو أبطل ما عملوه من الكيد لرسوله والصد عن سبيله بنصر رسوله وإظهار دينه على الدين كله
محمد : ( 2 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . .
) والذين آمنوا وعملوا الصالحات ( يعم المهاجرين والأنصار والذين آمنوا من أهل الكتاب وغيرهم ) وآمنوا بما نزل على محمد ( تخصيص للمنزل عليه مما يجب الإيمان به تعظيما له وإشعارا بأن الإيمان لا يتم دونه وأنه الأصل فيه ولذلك أكده بقوله ) وهو الحق من ربهم ( اعتراضا على طريقة الحصر وقيل حقيقته بكونه ناسخا لا ينسخ وقرئ نزل على البناء للفاعل وأنزل على البناءين ونزل بالتخفيف ) كفر عنهم سيئاتهم ( سترها بالإيمان وعملهم الصالح ) وأصلح بالهم ( في الدين والدنيا بالتوفيق والتأييد
محمد : ( 3 ) ذلك بأن الذين . . . . .
) ذلك ( إشار إلى مرة من الإضلال والتكفير والإصلاح وهو مبتدا خبره ) بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم ((5/188)
" صفحة رقم 189 "
بسبب اتباع هؤلاء الباطل واتباع هؤلاء الحق وهذا تصريح بما أشعر به ما قبلها ولذلك سمي تفسيرا ) كذلك ( مثل ذلك الضرب ) يضرب الله للناس ( يبين لهم ) أمثالهم ( أحوال الفريقين أو أحوال الناس أو يضرب أمثالهم بأن جعل اتباع الباطل مثلا لعمل الكفار والإضلال مثلا لخيبتهم واتباع الحق مثلا للمؤمنين وتكفير السيئات مثلا لفوزهم
محمد : ( 4 ) فإذا لقيتم الذين . . . . .
) فإذا لقيتم الذين كفروا ( في المحاربة ) فضرب الرقاب ( أصله فاضربوا الرقاب ضربا فحذف الفعل وقدم المصدر وأنيب منابه مضافا إلى المفعول ضما إلى التأكيد والإختصار والتعبير به عن القتل إشعارا بأنه ينبغي أن يكون بضرب الرقاب حيث أمكن وتصوير له بأشنع صورة ) حتى إذا أثخنتموهم ( أكثرتم قتلهم وأغلظتموه من الثخين وهو الغليظ ) فشدوا الوثاق ( فأسروهم واحفظوهم والوثاق بالفتح والكسر ما يوثق به ) فإما منا بعد وإما فداء ( أي فإما تمنون منا أو تفدون فداء والمراد التخيير بعد الأسر بين المن والإطلاق وبين أخذ الفداء وهو ثابت عندنا فإن الذكر الحر المكلف إذا أسر تخير الإمام بين القتل والمن والفداء والاسترقاق منسوخ عند الحنفية أو مخصوص بحرب بدر فإنهم قالوا يتعين القتل أو الاسترقاق وقرىء فدا كعصا ) حتى تضع الحرب أوزارها ( آلاتها وأثقالها التي لا تقوم إلا بها كالسلاح والكراع أي تنقضي الحرب ولم يبق إلا مسلم أو مسالم وقيل آثامها والمعنى حتى يضع أهل الحرب شركهم ومعاصيهم وهو غاية للضرب أو الشد أو للمن والفداء أو للمجموع بمعنى أن هذه الأحكام جارية فيها حتى لا يكون حرب مع المشركين بزوال شوكتهم وقيل بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام ) ذلك ( أي الأمر ذلك أو افعلوا بهم ذلك ) ولو يشاء الله لانتصر منهم ( لانتقم منهم بالاستئصال ) ولكن ليبلو بعضكم ببعض ( ولكن أمركم بالقتال ليبلوا المؤمنين بالكافرين بأن يجاهدوهم فيستوجبوا الثواب العظيم والكافرين بالمؤمنين بأن يعاجلهم على أيديهم(5/189)
" صفحة رقم 190 "
ببعض عذابهم كي يرتدع بعضهم عن الكفر ) والذين قتلوا في سبيل الله ( أي جاهدوا وقرأ البصريان وحفص أي استشهدوا ) فلن يضل أعمالهم ( فلن يضيعها وقرىء يضل من ضل ويضل على البناء للمفعول
محمد : ( 5 ) سيهديهم ويصلح بالهم
) سيهديهم ( إلى الثواب أو سيثبت هدايتهم ) ويصلح بالهم )
محمد : ( 6 ) ويدخلهم الجنة عرفها . . . . .
) ويدخلهم الجنة عرفها لهم ( وقد عرفها لهم في الدنيا حتى اشتاقوا إليها فعملوا ما استحقوها به أو بينها لهم بحيث يعلم كل واحد منزله ويهتدي إليه كأنه كان ساكنه منذ خلق أو طيبها لهم من العرف وهو طيب الرائحة أو حددها لهم بحيث يكون لكل جنة مفرزة
محمد : ( 7 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ( إن تنصروا دينه ورسوله ) ينصركم ( على عدوكم ) ويثبت أقدامكم ( في القيام بحقوق الإسلام والمجاهدة مع الكفار
محمد : ( 8 ) والذين كفروا فتعسا . . . . .
) والذين كفروا فتعسا لهم ( فعثورا لهم وانحطاطا ونقضه لعا قال الأعشى " فالتعس أولى بها من أن أقول لعا " وانتصابه بفعله الواجب إضماره سماعا والجملة خبر ) الذين كفروا ( أو مفسرة لناصبه ) وأضل أعمالهم ( عطف عليه
محمد : ( 9 ) ذلك بأنهم كرهوا . . . . .
) ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله ( القرآن لما فيه من التوحيد والتكاليف المخالفة لما ألفوه واشتهته أنفسهم وهو تخصيص وتصريح بسببه الكفر بالقرآن للتعس والإضلال ) فأحبط أعمالهم ( كرره إشعارا بأنه يلزم الكفر بالقرآن ولا ينفك عنه بحال
محمد : ( 10 ) أفلم يسيروا في . . . . .
) أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم ( استأصل عليهم ما اختص بهم من أنفسهم وأهليهم وأموالهم ) وللكافرين ( من وضع الظاهر موضع المضمر ) أمثالها ( أمثال تلك العاقبة أو العقوبة أو الهلكة لأن التدمير يدل عليها أو السنة لقوله ) سنة الله التي قد خلت ((5/190)
" صفحة رقم 191 "
محمد : ( 11 ) ذلك بأن الله . . . . .
) ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا ( ناصرهم على أعدائهم ) وأن الكافرين لا مولى لهم ( فيدفع العذاب عنهم وهو لا يخالف قوله ) وردوا إلى الله مولاهم الحق ( فإن المولى فيه بمعنى المالك
محمد : ( 12 ) إن الله يدخل . . . . .
) إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون ( ينتفعون بمتاع الدنيا ) ويأكلون كما تأكل الأنعام ( حريصين غافلين عن العاقبة ) والنار مثوى لهم ( منزل ومقام
محمد : ( 13 ) وكأين من قرية . . . . .
) وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك ( على حذف المضاف وإجراء أحكامه على المضاف إليه والإخراج باعتبار التسبب ) أهلكناهم ( بأنواع العذاب ) فلا ناصر لهم ( يدفع عنهم العذاب وهو كالحال المحكية
محمد : ( 14 ) أفمن كان على . . . . .
) أفمن كان على بينة من ربه ( حجة من عنده وهو القرآن أو ما يعمه والحجج العقلية كالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين ) كمن زين له سوء عمله ( كالشرك والمعاصي ) واتبعوا أهواءهم ( في ذلك لا شبهة لهم عليه فضلا عن حجة
محمد : ( 15 ) مثل الجنة التي . . . . .
) مثل الجنة التي وعد المتقون ( أي فيما قصصنا عليك صفتها العجيبة وقيل مبتدأ خبره ) كمن هو خالد في النار ( وتقدير الكلام أمثل أهل الجنة كمثل من هو خالد أو أمثل الجنة كمثل جزاء من هو خالد فعري عن حرف الإنكار وحذف ما حذف استغناء يجري مثله تصويرا لمكابرة من يسوي بين المتمسك بالبينة والتابع للهوى بمكابرة من يسوي بين الجنة والنار وهو على الأول خبر محذوف تقديره أفمن هو خالد في هذه الجنة كمن هو(5/191)
" صفحة رقم 192 "
خالد في النار أو بدل من قوله ) كمن زين ( وما بينهما اعتراض لبيان ما يمتاز به من على بينة في الآخرة تقريرا لإنكار المساواة ) فيها أنهار من ماء غير آسن ( استئناف لشرح المثل أو حال من العائد المحذوف أو خبر لمثل و ) آسن ( من أسن الماء بالفتح إذا تغير طعمه وريحه أو بالكسر على معنى الحدوث وقرأ ابن كثير أسن ) وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ( لم يصر قارصا و لا حازرا ) وأنهار من خمر لذة للشاربين ( لذيذة لا يكون فيها كراهة طعم وريح ولا غائلة سكر وخمار تأنيث لذ أو مصدر نعت به بإضمار ذات أو تجوز وقرئت بالرفع على صفة الأنهار والنصب على العلة ) وأنهار من عسل مصفى ( لم يخالطه الشمع وفضلات النحل وغيرها وفي ذلك تمثيل لما يقوم مقام الأشربة في الجنة بأنواع ما يستلذ منها في الدنيا بالتجريد عما ينقصها وينغصها والتوصيف بما يوجب غزارتها واستمرارها ) ولهم فيها من كل الثمرات ( صنف على هذا القياس ) ومغفرة من ربهم ( عطف على الصنف المحذوف أو مبتدأ خبره محذوف أي لهم مغفرة ) كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما ( مكان تلك الأشربة ) فقطع أمعاءهم ( من فرط الحرارة
محمد : ( 16 ) ومنهم من يستمع . . . . .
) ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك ( يعني المنافقين كانوا يحضرون مجلس الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وسمعون كلامه فإذا خرجوا ) قالوا للذين أوتوا العلم ( أي لعلماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم ) ماذا قال آنفا ( ما الذي قال الساعة استهزاء أو استعلاما إذا لم يلقوا له آذانهم تهاونا به و ) آنفا ( من قولهم أنف الشيء لما تقدم منه مستعار من الجارحة ومنه استأنف وائتنف وهو ظرف بمعنى وقتا مؤتنفا أو حال من الضمير في قال وقرأ ابن كثير ) آنفا ((5/192)
" صفحة رقم 193 "
) أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم ( فلذلك استهزؤوا وتهاونوا بكلامه
محمد : ( 17 ) والذين اهتدوا زادهم . . . . .
) والذين اهتدوا زادهم هدى ( أي زادهم الله بالتوفيق والإلهام أو قول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) وآتاهم تقواهم ( بين لهم ما يتقون أو أعانهم على تقواهم أو أعطاهم جزاءها
محمد : ( 18 ) فهل ينظرون إلا . . . . .
) فهل ينظرون إلا الساعة ( فهل ينتظرون غيرها ) أن تأتيهم بغتة ( بدل اشتمال من ) الساعة ( وقوله ) فقد جاء أشراطها ( كالعلة له وقرىء أن تأتهم على أنه شرط مستأنف جزاؤه ) فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ( والمعنى أن تأتهم الساعة بغتة لأنه قد ظهر أماراتها كمبعث النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وانشقاق القمر فكيف لهم ) ذكراهم ( أي تذكرهم ) إذا جاءتهم ( الساعة بغتة وحينئذ لا يفرغ له ولا ينفع
محمد : ( 19 ) فاعلم أنه لا . . . . .
) فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك ( أي إذا علمت سعادة المؤمنين وشقاوة الكافرين فاثبت على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية وتكميل النفس بإصلاح أحوالها وأفعالها وهضمها بالاستغفار ) لذنبك ( ) وللمؤمنين والمؤمنات ( ولذنوبهم بالدعاء لهم والتحريض على ما يستدعي غفرانهم وفي إعادة الجار وحذف المضاف إشعار بفرط احتياجهم وكثرة ذنوبهم وأنها جنس آخر فإن الذنب له ماله تبعة ما بترك الأولى ) والله يعلم متقلبكم ( في الدنيا فإنها مراحل لا بد من قطعها ) ومثواكم ( في العقبى فإنها دار إقامتكم فاتقوا الله واستغفروه وأعدوا لمعادكم
محمد : ( 20 ) ويقول الذين آمنوا . . . . .
) ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة ( أي هلا ) نزلت سورة ( في أمر الجهاد ) فإذا أنزلت سورة محكمة ( مبينة لا تشابه فيها ) وذكر فيها القتال ( أي الأمر به ) رأيت الذين في قلوبهم مرض ( ضعف في الدين وقيل نفاق ) ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت ((5/193)
" صفحة رقم 194 "
جبنا ومخافة ) فأولى لهم ( فويل ) لهم ( أفعل من الولى وهو القرب أو فعلى من آل ومعناه الدعاء عليهم بأن يليهم المكروه أو يؤول إليه أمرهم
محمد : ( 21 - 22 ) طاعة وقول معروف . . . . .
) طاعة وقول معروف ( استئناف أي أمرهم ) طاعة ( أو ) طاعة وقول معروف ( خير لهم أو حكاية قولهم لقراءة أبي يقولون طاعة ) فإذا عزم الأمر ( أي جد وهو لأصحاب الأمر وإسناده إليه مجاز وعامل الظرف محذوف وقيل ) فلو صدقوا الله ( أي فيما زعموا من الحرص على الجهاد أو الإيمان ) لكان ( الصدق ) خيرا لهم فهل عسيتم ( فهل يتوقع منكم ) إن توليتم ( أمور الناس وتأمرتم عليهم أو أعرضتم وتوليتم عن الإسلام ) أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ( تناحرا على الولاية وتجاذبا لها أو رجوعا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من التغاور ومقاتلة الأقارب والمعنى أنهم لضعفهم في الدين وحرصهم على الدنيا أحقاء بأن يتوقع ذلك منهم من عرف حالهم ويقول لهم هل عسيتم وهذا على لغة الحجاز فإن بني تميم لا يلحقون الضمير به وخبره ) أن تفسدوا ( و ) إن توليتم ( اعتراض وعن يعقوب ) توليتم ( أي إن تولاكم ظلمة خرجتم معهم وساعدتموهم في الإفساد وقطيعة الرحم ) وتقطعوا ( من القطع وقرىء / تقطعوا / من التقطع
محمد : ( 23 ) أولئك الذين لعنهم . . . . .
) أولئك ( إشارة إلى المذكورين ) الذين لعنهم الله ( لإفسادهم وقطعهم الأرحام ) فأصمهم ( عن استماع الحق ) وأعمى أبصارهم ( فلا يهتدون سبيله
محمد : ( 24 ) أفلا يتدبرون القرآن . . . . .
) أفلا يتدبرون القرآن ( يتصفحونه وما فيه من المواعظ والزواجر حتى لا يجسروا على المعاصي ) أم على قلوب أقفالها ( لا يصل إليها ذكر ولا ينكشف لها أمر وقيل ) أم ( منقطعة ومعنى الهمزة فيها التقرير وتنكير القلوب لأن المراد قلوب بعض منهم أو(5/194)
" صفحة رقم 195 "
لإشعار بأنهم لإبهام أمرها في القساوة أو لفرط جهالتها ونكرها كأنها مبهمة منكورة وإضافة الأقفال إليها للدلالة على أقفال مناسبة لها مختصة بها لا تجانس الأقفال المعهودة وقرىء أقفالها على المصدر
محمد : ( 25 ) إن الذين ارتدوا . . . . .
) إن الذين ارتدوا على أدبارهم ( أي ما كانوا عليه من الكفر ) من بعد ما تبين لهم الهدى ( بالدلائل الواضحة والمعجزات الظاهرة ) الشيطان سول لهم ( سهل لهم اقتراف الكبائر من السول وهو الاسترخاء وقيل حملهم على الشهوات من السول وهو التمني وفيه أن السول مهموز قلبت همزته واوا لضم ما قبلها ولا كذلك التسويل ويمكن رده بقولهم هما يتساولان وقرىء سول على تقدير مضاف أي كيد الشيطان ) سول لهم ( ) وأملي لهم ( ومد لهم في الامال والأماني أو أمهلهم الله تعالى ولم يعاجلهم بالعقوبة لقراءة يعقوب وأملي لهم أي وأنا أملي لهم فتكون الواو للحال أو الاستئناف وقرأ أبو عمرو وأملي لهم على البناء للمفعول وهو ضمير ) الشيطان ( أو ) لهم )
محمد : ( 26 ) ذلك بأنهم قالوا . . . . .
) ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله ( أي قال اليهود للذين كفروا بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعدما تبين لهم نعته للمنافقين أو المنافقون لهم أو أحد الفريقين للمشركين ) سنطيعكم في بعض الأمر ( في بعض أموركم أو في بعض ما تأمرون به كالقعود عن الجهاد والموافقة في الخروج معهم إن أخرجوا والتظافر على الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) والله يعلم إسرارهم ( ومنها قولهم هذا الذي أفشاه الله عليهم وقرأ حمزة والكسائي وحفص إسرارهم على المصدر
محمد : ( 27 ) فكيف إذا توفتهم . . . . .
) فكيف إذا توفتهم الملائكة ( فكيف يعملون ويحتالون حينئذ وقرىء توفاهم وهو يحتمل الماضي والمضارع المحذوف تاءيه ) يضربون وجوههم وأدبارهم ( تصوير لتوفيهم بما يخافون منه ويجبنون عن القتال له
محمد : ( 28 ) ذلك بأنهم اتبعوا . . . . .
) ذلك ( إشارة إلى التوفي الموصوف ) بأنهم اتبعوا ما أسخط الله ( من الكفر ككتمان نعت الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وعصيان الأمر ) وكرهوا رضوانه ( ما يرضاه من الإيمان والجهاد وغيرهما من الطاعات ) فأحبط أعمالهم ( لذلك
محمد : ( 29 ) أم حسب الذين . . . . .
) أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله ( أن لن يبرز الله لرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين ) أضغانهم ( أحقادهم(5/195)
" صفحة رقم 196 "
محمد : ( 30 ) ولو نشاء لأريناكهم . . . . .
) ولو نشاء لأريناكهم ( لعرفناكهم بدلائل تعرفهم بأعيانهم ) فلعرفتهم بسيماهم ( بعلاماتهم التي نسمهم بها واللام لام الجواب كررت في المعطوف ) ولتعرفنهم في لحن القول ( جواب قسم محذوف و ) لحن القول ( أسلوبه أو إمالته إلى جهة تعريض وتورية ومنه قيل للمخطىء لاحن لأنه يعدل بالكلام عن الصواب ) والله يعلم أعمالكم ( فيجازيكم على حساب قصدكم إذ الأعمال بالنيات
محمد : ( 31 ) ولنبلونكم حتى نعلم . . . . .
) ولنبلونكم ( بالأمر بالجهاد وسائر التكاليف الشاقة ) حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ( على مشاقه ) ونبلو أخباركم ( ما يخبر به عن أعمالكم فيظهر حسنها وقبحها أو أخبارهم عن إيمانهم وموالاتهم المؤمنين في صدقها وكذبها وقرأ أبو بكر الأفعال الثلاثة بالياء لتوافق ما قبلها وعن يعقوب ونبلو بسكون الواو على تقدير ونحن نبلو
محمد : ( 32 ) إن الذين كفروا . . . . .
) إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى ( هم قريظة والنضير أو المطعمون يوم بدر ) لن يضروا الله شيئا ( بكفرهم وصدهم أو لن يضروا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بمشاقته وحذف المضاف لتعظيمه وتفظيع مشاقته ) وسيحبط أعمالهم ( ثواب حسنات أعمالهم بذلك أو مكايدهم التي نصبوها في مشاقته فلا يصلون بها إلى مقاصدهم ولا تثمر لهم إلا القتل والجلاء عن أوطانهم
محمد : ( 33 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم ( بما أبطل به هؤلاء كالكفر والنفاق والعجب والرياء والمن والأذى ونحوها وليس فيه دليل على إحباط الطاعات بالكبائر
محمد : ( 34 ) إن الذين كفروا . . . . .
) إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم ( عام في كل من مات على كفره وإن صح نزوله في أصحاب القليب ويدل بمفهومه على أنه قد يغفر لمن لم يمت على كفره سائر ذنوبه
محمد : ( 35 ) فلا تهنوا وتدعوا . . . . .
) فلا تهنوا ( فلا تضعفوا ) وتدعوا إلى السلم ( ولا تدعوا إلى الصلح خورا وتذللا(5/196)
" صفحة رقم 197 "
ويجوز نصبه بإضمار إن وقرىء ولا تدعوا من ادعى بمعنى دعا وقرىء أبو بكر و حمزة بكسر السين ) وأنتم الأعلون ( الأغلبون ) والله معكم ( ناصركم ) ولن يتركم أعمالكم ( ولن يضيع أعمالكم من وترت الرجل إذا قتلت متعلقا به من قريب أو حميم فأفردته منه من الوتر شبه به تعطيل ثواب العمل وإفراده منه
محمد : ( 36 ) إنما الحياة الدنيا . . . . .
) إنما الحياة الدنيا لعب ولهو ( لا ثبات لها ) وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ( ثواب إيمانكم وتقواكم ) ولا يسألكم أموالكم ( جميع أموالكم بل يقتصر على جزء يسير كربع العشر والعشر
محمد : ( 37 ) إن يسألكموها فيحفكم . . . . .
) إن يسألكموها فيحفكم ( فيجهدكم بطلب الكل والإحفاء والإلحاف المبالغة وبلوغ الغاية يقال أحفى شاربه إذ أستأصله ) تبخلوا ( فلا تعطوا ) ويخرج أضغانكم ( ويضغنكم على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والضمير في يخرج لله تعالى ويؤيده القراءة بالنون أو البخل لأنه سبب الإضغان وقرىء وتخرج بالتاء والياء ورفع ) أضغانكم )
محمد : ( 38 ) ها أنتم هؤلاء . . . . .
) ها أنتم هؤلاء ( أي أنتم يا مخاطبون هؤلاء الموصوفون وقوله ) تدعون لتنفقوا في سبيل الله ( استئناف مقرر لذلك أو صلة ل ) هؤلاء ( على أنه بمعنى الذين وهو يعم نفقة الغزو والزكاة وغيرهما ) فمنكم من يبخل ( ناس يبخلون وهو كالدليل على الآية المتقدمة ) ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه ( فإن نفع الإنفاق وضر البخل عائدان إليه والبخل يعدى بعن وعلى لتضمنه معنى الإمساك والتعدي فإنه إمساك عن مستحق ) والله الغني وأنتم الفقراء ( فما يأمركم به فهو لاحتياجكم إليه فإن امتثلتم فلكم وإن توليتم فعليكم ) وإن تتولوا ( عطف على إن تومنوا ) يستبدل قوما غيركم ( يقم مقامكم قوما آخرين ) ثم لا يكونوا أمثالكم ( في التولي والزهد في الإيمان وهم الفرس لأنه(5/197)
" صفحة رقم 198 "
سئل ( صلى الله عليه وسلم ) عنه وكان سلمان إلى جنبه فضرب فخذه وقال هذا وقومه أو الأنصار أو اليمن أو الملائكة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة محمد كان حقا على الله أن يسقيه من أنهار الجنة(5/198)
" صفحة رقم 199 "
سورة الفتح
مدنية نزلت في مرجع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من الحديبية وآيها تسع وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الفتح : ( 1 ) إنا فتحنا لك . . . . .
) إنا فتحنا لك فتحا مبينا ( وعد بفتح مكة والتعبير عنه بالماضي لتحققه أو بما اتفق له في تلك السنة كفتح خيبر وفدك أو إخبار عن صلح الحديبية وإنما سماه فتحا لأنه كان بعد ظهوره على المشركين حتى سألوا الصلح وتسبب لفتح مكة وفرغ به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لسائر العرب فغزاهم وفتح مواضع وأدخل في الإسلام خلقا عظيما وظهر له في الحديبية آية عظيمة وهي أنه نزح ماؤها بالكلية فتمضمض ثم مجه فيها فدرت بالماء حتى شرب جميع من كان معه أو فتح الروم فإنهم غلبوا الفرس في تلك السنة وقد عرفت كونه فتحا للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في سورة الروم وقيل الفتح بمعنى القضاء أي قضينا لك أن تدخل مكة من قابل
الفتح : ( 2 ) ليغفر لك الله . . . . .
) ليغفر لك الله ( علة للفتح من حيث أنه مسبب عن جهاد الكفار والسعي في إزاحة الشرك وإعلاء الدين وتكميل النفوس الناقصة قهرا ليصير ذلك بالتدريج اختيارا وتخليص(5/199)
" صفحة رقم 200 "
الضعفة عن أيدي الظلمة ) ما تقدم من ذنبك وما تأخر ( جميع ما فرط منك مما يصح أن تعاتب عليه ) ويتم نعمته عليك ( بإعلاء الدين وضم الملك إلى النبوة ) ويهديك صراطا مستقيما ( في تبليغ الرسالة وإقامة مراسم الرئاسة
الفتح : ( 3 ) وينصرك الله نصرا . . . . .
) وينصرك الله نصرا عزيزا ( نصرا فيه عز ومنعة أو يعز به المنصور فوصف بوصفه مبالغة
الفتح : ( 4 ) هو الذي أنزل . . . . .
) هو الذي أنزل السكينة ( الثبات والطمأنينة ) في قلوب المؤمنين ( حتى ثبتوا حيث تقلق النفوس وتدحض الأقدام ) ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ( يقينا مع يقينهم برسوخ العقيدة واطمئنان النفس عليها أو نزل فيها السكون إلى ما جاء به الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ليزدادوا إيمانا بالشرائع مع إيمانهم بالله واليوم الآخر ) ولله جنود السماوات والأرض ( يدبر أمرها فيسلط بعضها على بعض تارة ويوقع فيما بينهم السلم أخرى كما تقتضيه حكمته ) وكان الله عليما ( بالمصالح ) حكيما ( فيما يقدر ويدبر
الفتح : ( 5 ) ليدخل المؤمنين والمؤمنات . . . . .
) ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ( علة بما بعده لما دل عليه قوله تعالى ) ولله جنود السماوات والأرض ( من معنى التدبير أي دبر ما دبر من تسليط المؤمنين ليعرفوا نعمة الله فيه ويشكروها فيدخلهم الجنة ويعذب الكفار والمنافقين لما غاظهم من ذلك أو ) فتحنا ( أو ) أنزل ( أو جميع ما ذكر أو ) ليزدادوا ( وقيل أنه بدل منه بدل الاشتمال ) ويكفر عنهم سيئاتهم ( يغطيها ولا يظهرها ) وكان ذلك ( أي الإدخال والتكفير ) عند الله فوزا عظيما ( لأنه منتهى ما يطلب من جلب نفع أو دفع ضر وعند حال من الفوز(5/200)
" صفحة رقم 201 "
الفتح : ( 6 ) ويعذب المنافقين والمنافقات . . . . .
) ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ( عطف على ) يدخل ( إلا إذا جعلته بدلا فيكون عطفا على المبدل منه ) الظانين بالله ظن السوء ( دائرة ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين لا يتخطاهم وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ) دائرة السوء ( بالضم وهما لغتان غير أن المفتوح غلب في أن يضاف إليه ما يراد ذمه والمضموم جرى مجرى الشر وكلاهما في الأصل مصدر ) وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم ( عطف على لما استحقوه في الآخرة على ما استوجبوه في الدنيا والواو في الأخيرين والموضع موضع الفاء إذ اللعن سبب للأعداد والغضب سبب له لاستقلال الكل في الوعيد بلا اعتبار النسبية ) وساءت مصيرا ( جهنم
الفتح : ( 7 ) ولله جنود السماوات . . . . .
) ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزا حكيما )
الفتح : ( 8 ) إنا أرسلناك شاهدا . . . . .
) إنا أرسلناك شاهدا ( على أمتك ) ومبشرا ونذيرا ( على الطاعة والمعصية
الفتح : ( 9 ) لتؤمنوا بالله ورسوله . . . . .
) لتؤمنوا بالله ورسوله ( الخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) والأمة أو لهم على أن خطابه منزل منزلة خطابهم ) وتعزروه ( وتقووه بتقوية دينه ورسوله ) وتوقروه ( وتعظموه ) وتسبحوه ( وتنزهوه أو تصلوا له ) بكرة وأصيلا ( غدوة وعشيا أو دائما وقرأ ابن كثير وأبو عمرو الأفعال الأربعة بالياء وقرىء تعزروه بسكون العين وتعزروه بفتح التاء وضم الزاي وكسرها وتعزروه بالزاءين وتوقروه من أوقره بمعنى وقره
الفتح : ( 10 ) إن الذين يبايعونك . . . . .
) إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ( لأنه المقصود ببيعته ) يد الله فوق أيديهم ( حال أو استئناف مؤكد له على سبيل التخييل ) فمن نكث ( نقض العهد ) فإنما ينكث على نفسه ( فلا يعود ضرر نكثه إلا عليه ) ومن أوفى بما عاهد عليه الله ( في مبايعته ) فسيؤتيه أجرا عظيما ( هو الجنة وقرئ عهد وقرأ حفص ) عليه ( بضم الهاء وابن كثير ونافع وابن عامر وروح / فسنؤتيه / بالنون نزلت في بيعة الرضوان(5/201)
" صفحة رقم 202 "
الفتح : ( 11 ) سيقول لك المخلفون . . . . .
) سيقول لك المخلفون من الأعراب ( هم أسلم وجهينة ومزينة وغفار استنفرهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) علم الحديبية فتخلفوا واعتلوا بالشغل بأموالهم وأهاليهم وإنما خلفهم الخذلان وضعف العقيدة والخوف من مقاتلة قريش إن صدوهم ) شغلتنا أموالنا وأهلونا ( إذ لم يكن لنا من يقوم بأشغالهم وقرئ بالتشديد للتكثير ) فاستغفر لنا ( من الله على التخلف ) يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ( تكذيب لهم في الاعتذار والاستغفار ) قل فمن يملك لكم من الله شيئا ( فمن يمنعكم من مشيئته وقضائه ) إن أراد بكم ضرا ( ما يضركم كقتل أو هزيمة أو خلل في المال والأهل عقوبة على التخلف وقرأ حمزة والكسائي بالضم ) أو أراد بكم نفعا ( ما يضاد ذلك وهو تعريض بالرد ) بل كان الله بما تعملون خبيرا ( فيعلم تخلفكم وقصدكم فيه
الفتح : ( 12 ) بل ظننتم أن . . . . .
) بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا ( لظنكم أن المشركين يستأصلونهم وأهلون جمع أهل وقد يجمع على أهلات كأرضات على أن أصله أهله وأما أهال فاسم جمع كليال ) وزين ذلك في قلوبكم ( فتمكن فيها وقرئ على البناء للفاعل وهو الله أو الشيطان ) وظننتم ظن السوء ( الظن المذكور والمراد التسجيل عليه ب ) السوء ( أو هو وسائر ما يظنون بالله ورسوله من الأمور الزائغة ) وكنتم قوما بورا ( هالكين عند الله لفساد عقيدتكم وسوء نيتكم
الفتح : ( 13 ) ومن لم يؤمن . . . . .
) ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا ( وضع الكافرين موضع الضمير إيذانا بأن من لم يجمع بين الإيمان بالله ورسوله فهو كافر وأنه مستوجب للسعير بكفره وتنكير سعيرا للتهويل أو لأنها نار مخصوصة(5/202)
" صفحة رقم 203 "
الفتح : ( 14 ) ولله ملك السماوات . . . . .
) ولله ملك السماوات والأرض ( يدبره كيف يشاء ) يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ( إذ لا وجوب عليه ) وكان الله غفورا رحيما ( فإن الغفران والرحمة من ذاته والتعذيب داخل تحت قضائه بالعرض ولذلك جاء في الحديث الإلهي سبقت رحمتي غضبي
الفتح : ( 15 ) سيقول المخلفون إذا . . . . .
) سيقول المخلفون ( يعني المذكورين ) إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ( يعني مغانم خيبر فإنه ( صلى الله عليه وسلم ) رجع من الحديبية في ذي الحجة من سنة ست وأقام بالمدينة بقيتها وأوائل المحرم ثم عزا خيبر بمن شهد الحديبية ففتحها وغنم أموالا كثيرة فخصها بهم ) ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله ( أن يغيروه وهو وعده لأهل الحديبية أن يعوضهم من مغانم مكة مغانم خيبر وقيل قوله تعالى ) لن تخرجوا معي أبدا ( والظاهر أنه في تبوك والكلام اسم للتكليم غلب في الجملة المفيدة وقرأ حمزة والكسائي كلم الله وهو جمع كلمة ) قل لن تتبعونا ( نفي في معنى النهي ) كذلكم قال الله من قبل ( من قبل تهيئهم للخروج إلى خيبر ) فسيقولون بل تحسدوننا ( أن يشارككم في الغنائم وقرئ بالكسر ) بل كانوا لا يفقهون ( لا يفهمون ) إلا قليلا ( إلا فهما قليلا وهو فطنتهم لأمور الدنيا ومعنى الإضراب الأول رد منهم أن يكون حكم الله أن لا يتبعوهم وإثبات للحسد والثاني رد من الله لذلك وإثبات لجهلهم بأمور الدين
الفتح : ( 16 ) قل للمخلفين من . . . . .
) قل للمخلفين من الأعراب ( كرر ذكرهم بهذا الاسم مبالغة في الذم وإشعارا بشناعة التخلف ) ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد ( بني حنيفة أو غيرهم ممن ارتدوا بعد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو المشركين فإنه قال ) تقاتلونهم أو يسلمون ( أي يكون أحد الأمرين أما المقاتلة أو الإسلام لا غير كما دل عليه قراءة أو يسلموا ومن عداهم يقاتل حتى يسلم أو(5/203)
" صفحة رقم 204 "
يعطي الجزية وهو يدل على إمامة أبي بكر رضي الله عنه إذا لم تتفق هذه الدعوة لغيره إلا إذا صح انهم ثقيف وهوازن فإن ذلك كان في عهد النبوة وقيل فارس والروم ومعنى ) يسلمون ( ينقادون ليتناول تقبلهم الجزية ) فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا ( هو الغنيمة في الدنيا والجنة في الآخرة ) وإن تتولوا كما توليتم من قبل ( عن الحديبية ) يعذبكم عذابا أليما ( لتضاعف جرمكم
الفتح : ( 17 ) ليس على الأعمى . . . . .
) ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ( لما أوعد على التخلف نفي الحرج عن هؤلاء المعذورين استثناء لهم عن الوعيد ) ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ( فصل الوعد واجمل الوعيد مبالغة في الوعد لسبق رحمته ثم جبر ذلك بالتكرير على سبيل التعميم فقال ) ومن يتول يعذبه عذابا أليما ( إذ الترهيب ها هنا أنفع من الترغيب وقرأ نافع وابن عامر ندخلة نعذبه بالنون
الفتح : ( 18 ) لقد رضي الله . . . . .
) لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ( روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) لما نزل الحديبية بعث جواس بن أمية الخزاعي إلى أهل مكة فهموا به فمنعه الأحابيش فرجع فبعث عثمان بن عفان رضي الله عنه فحبسوه فأرجف بقتله فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أصحابه وكانوا ألفا وثلثمائة أو وأربعمائة أو وخمسمائة وبايعهم على أن يقاتلوا قريشا ولا يفروا عنهم وكان جالسا تحت سمرة أو سدرة ) فعلم ما في قلوبهم ( من الإخلاص ) فأنزل السكينة عليهم ( الطمأنينة وسكون النفس بالتشجيع أو الصلح ) وأثابهم فتحا قريبا ( فتح خيبر غب انصرافهم وقيل مكة أو هجر
الفتح : ( 19 ) ومغانم كثيرة يأخذونها . . . . .
) ومغانم كثيرة يأخذونها ( يعني مغانم خيبر ) وكان الله عزيزا حكيما ( غالبا مراعيا مقتضى الحكمة(5/204)
" صفحة رقم 205 "
الفتح : ( 20 ) وعدكم الله مغانم . . . . .
) وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها ( وهي ما يفيء على المؤمنين إلى يوم القيامة ) فعجل لكم هذه ( يعني مقام خيبر ) وكف أيدي الناس عنكم ( أي أيدي أهل خيبر وخلفائهم من بني أسد وغطفان أو أيدي قريش بالصلح ) ولتكون ( هذه الكفة أو الغنيمة ) آية للمؤمنين ( أمارة يعرفون بها أنهم من الله بمكان أو صدق الرسول في وعدهم فتح خيبر في حين رجوعه من الحديبية أو وعد المغانم أو عنوانا لفتح مكة والعطف على محذوف هو علة ل ) كف ( أو عجل مثل لتسلموا أو لتأخذوا أو العلة لمحذوف مثل فعل ذلك ) ويهديكم صراطا مستقيما ( هو الثقة بفضل الله والتوكل عليه
الفتح : ( 21 ) وأخرى لم تقدروا . . . . .
) وأخرى ( ومغانم أخرى معطوفة على هذه أو منصوبة بفعل يفسره ) قد أحاط الله بها ( مثل قضى ويحتمل رفعها بالابتداء لأنها موصوفة وجرها بإضمار رب ) لم تقدروا عليها ( بعد لما كان فيها من الجولة ) قد أحاط الله بها ( استولى فأظفركم بها وهي مغانم هوازن أو فارس ) وكان الله على كل شيء قديرا ( لأن قدرته ذاتية لا تختص بشيء دون شيء
الفتح : ( 22 ) ولو قاتلكم الذين . . . . .
) ولو قاتلكم الذين كفروا ( من أهل مكة ولم يصالحوا ) لولوا الأدبار ( لانهزموا ) ثم لا يجدون وليا ( يحرسهم ) ولا نصيرا ( ينصرهم
الفتح : ( 23 ) سنة الله التي . . . . .
) سنة الله التي قد خلت من قبل ( أي سن غلبة أنبيائه سنة قديمة فيمن مضى من الأمم كما قال تعالى ) لأغلبن أنا ورسلي ( ) ولن تجد لسنة الله تبديلا ( تغييرا
الفتح : ( 24 ) وهو الذي كف . . . . .
) وهو الذي كف أيديهم عنكم ( أي أيدي كفار مكة ) وأيديكم عنهم ببطن مكة ( في داخل مكة ) من بعد أن أظفركم عليهم ( أظهركم عليهم وذلك أن عكرمة بن أبي جهل خرج في خمسمائة إلى الحديبية فبعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خالد بن الوليد على جند فهزمهم(5/205)
" صفحة رقم 206 "
حتى أدخلهم حيطان مكة ثم عاد وقيل كان ذلك يوم الفتح واستشهد به على أن مكة فتحت عنوة وهو ضعيف إذ السورة نزلت قبله ) وكان الله بما تعملون ( من مقاتلتهم اولا طاعة لرسوله وكفهم ثانيا لتعظيم بيته وقرأ أبو عمرو بالياء ) بصيرا ( فيجازيهم عليه
الفتح : ( 25 ) هم الذين كفروا . . . . .
) هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ( يدل على أن ذلك كان عام الحديبية والهدي ما يهدي إلى مكة وقرىء ) الهدى ( وهو فعيل بمعنى مفعول ومحله مكانه الذي يحل فيه نحره والمراد مكانه المعهود وهو منى لا مكانة الذي لا يجوز أن ينحر في غيره وإلا لما نحره الرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حيث أحصر فلا ينتهض حجة للحنفية على أن مذبح هدي المحصر هو الحرم ) ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم ( لم تعرفوهم بأعيانهم لاختلاطهم بالمشركين ) أن تطؤوهم ( أن توقعوا بهم وتبيدهم قال " ووطئتنا وطأ على حنق وطء المقيد ثابت الهرم " (5/206)
" صفحة رقم 207 "
وقال ( صلى الله عليه وسلم ) إن آخر وطأة وطئها الله بوج وهو واد بالطائف كان آخر وقعة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) بها وأصله الدوس وهو بدل الاشتمال من ) رجال ( ) ونساء ( أو من ضميرهم في ) تعلموهم ( ) فتصيبكم منهم ( من جهتهم ) معرة ( مكروه كوجوب الدية والكفارة بقتلهم وللتأسف عليهم وتعيير الكفار بذلك والإثم بالتقصير في البحث عنهم مفعلة عن عره إذا أعراه ما يكرهه ) بغير علم ( متعلق ب ) أن تطؤوهم ( أي تطؤهم غير عالمين بهم وجواب ) لولا ( محذوف لدلالة الكلام عليه والمعنى ) لولا ( كراهة أن تهلكوا أناسا مؤمنين بين أظهر الكافرين جاهلين بهم يصيبكم بإهلاكهم مكروه لما كف أيديكم عنهم ) ليدخل الله في رحمته ( علة لما دل عليه كف الأيدي عن أهل مكة صونا لمن فيها من المؤمنين أي كان ذلك ليدخل الله في رحمته أي في توفيقه لزيادة الخير أو للإسلام ) من يشاء ( من مؤمنيهم أو مشركيهم ) لو تزيلوا ( لو تفرقوا وتميز بعضهم من بعض وقرىء تزايلوا ) لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ( بالقتل والسبي
الفتح : ( 26 ) إذ جعل الذين . . . . .
) إذ جعل الذين كفروا ( مقدر باذكر أو ظرف ) لعذبنا ( أو ) صدوكم ( ) في قلوبهم الحمية ( الأنفة ) حمية الجاهلية ( التي تمنع إذعان الحق ) فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ( فأنزل عليهم الثبات والوقار وذلك ما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) لما هم بقتالهم بعثوا سهيل بن عمرو أو حويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص ليسألوه أن يرجع من عامه على أن يخلي له قريش مكة من القابل ثلاثة ايام فأجابهم وكتبوا بينهم كتابا فقال ( صلى الله عليه وسلم ) لعلي رضي الله عنه اكتب
بسم الله الرحمن الرحيم
فقالوا ما نعرف هذا اكتب باسمك اللهم ثم قال اكتب هذا ما صالح عليه رسول الله أهل مكة فقالوا لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت وما قاتلناك اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله أهل فقال ( صلى الله عليه وسلم ) اكتب ما يريدون فهم المؤمنون أن يأبوا ذلك ويبطشوا عليهم فأنزل الله السكينة عليهم فتوقروا(5/207)
" صفحة رقم 208 "
وتحملوا ) وألزمهم كلمة التقوى ( كلمة الشهادة أو
بسم الله الرحمن الرحيم
محمد رسول الله اختارها لهم أو الثبات والوفاء بالعهد وإضافة ال ) كلمة ( إلى ) التقوى ( لأنها سببها أو كلمة أهلها ) وكانوا أحق بها ( من غيرهم ) وأهلها ( والمستأهلين لها ) وكان الله بكل شيء عليما ( فيعلم أهل كل شيء وييسره له
الفتح : ( 27 ) لقد صدق الله . . . . .
) لقد صدق الله رسوله الرؤيا ( رأى ( صلى الله عليه وسلم ) أنه وصحابه دخلوا مكة آمنين وقد حلقوا وقصروا فقص الرؤيا على أصحابه ففرحوا وحسبوا ان ذلك يكون في عامهم فلما تأخر قال بعضهم والله ما حلقنا ولا قصرنا و لا رأينا البيت فنزلت والمعنى صدقة في رؤياه ) بالحق ( ملتبسا به فإن ما رآه كائن لا محالة في وقته المقدر له وهو العام القابل ويجوز أن يكون ) بالحق ( صفة مصدر محذوف أي صدقا ملتبسا ) بالحق ( وهو القصد إلى التمييز بين الثابت على الإيمان والمتزلزل فيه وأن يكون قسما إما باسم الله تعالى أو بنقيض الباطل وقوله ) لتدخلن المسجد الحرام ( جوابه وعلى الأولين جواب قسم محذوف ) إن شاء الله ( تعليق للعدة بالمشيئة تعليما للعباد أو إشعارا بأن بعضهم لا يدخل لموت أو غيبة أو حكاية لما قاله ملك الرؤيا إو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأصحابه ) آمنين ( حال من الواو والشرط معترض ) محلقين رؤوسكم ومقصرين ( أي محلقا بعضكم ومقصرا آخرون ) لا تخافون ( حال مؤكدة أو استئناف أي لا تخافون بعد ذلك ) فعلم ما لم تعلموا ( من الحكمة في تأخير ذلك ) فجعل من دون ذلك ( من دون دخولكم المسجد أو فتح مكة ) فتحا قريبا ( هو فتح خيبر ليستروح إليه قلوب المؤمنين إلى أن يتيسر الموعود
الفتح : ( 28 ) هو الذي أرسل . . . . .
) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ( ملتبسا به أو بسببه أو لأجله ) ودين الحق ( وبدين الإسلام ) ليظهره على الدين كله ( ليغلبه على جنس الدين كله بنسخ ما كان حقا وإظهار فساد ما كان باطلا أو بتسليط المسلمين على أهله إذ ما من أهل دين إلا وقد قهرهم(5/208)
" صفحة رقم 209 "
المسلمون وفيه تأكيد لما وعده من الفتح ) وكفى بالله شهيدا ( على أن ما وعده كائن أو على نبوته بإظهار المعجزات
الفتح : ( 29 ) محمد رسول الله . . . . .
) محمد رسول الله ( جملة مبينة للمشهود به ويجوز أن يكون ) رسول الله ( صفة و ) محمد ( خبر محذوف أو مبتدأ ) والذين معه ( معطوف عليه وخبرهما ) أشداء على الكفار رحماء بينهم ( و ) أشداء ( جمع شديد و ) رحماء ( جمع رحيم والمعنى أنهم يغلظون على من خالف دينهم ويتراحمون فيما بينهم كقوله ) أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ( ) تراهم ركعا سجدا ( لأنهم مشتغلون بالصلاة في أكثر أوقاتهم ) يبتغون فضلا من الله ورضوانا ( الثواب والرضا ) سيماهم في وجوههم من أثر السجود ( يريد السمة التي تحدث في جباهم من كثرة السجود فعلى من سامه إذا أعلمه وقد قرئت ممدودة و ) من أثر السجود ( بيانها أو حال من المستكن في الجار ) ذلك ( إشارة إلى الوصف المذكور أو إشارة مبهمة يفسرها ) كزرع ( ) مثلهم في التوراة ( صفتهم العجبية الشأن المذكور فيها ) ومثلهم في الإنجيل ( عطف عليه أي ذلك مثلهم في الكتابين وقوله ) كزرع ( تمثيل مستأنف أو تفسير أو مبتدأ و ) كزرع ( خبره ) أخرج شطأه ( فراخه يقال أشطأ الزرع إذا فرخ وقرأ ابن كثير وابن عامر برواية ابن ذكوان ) شطأه ( بفتحات وهو لغة فيه وقرىء شطاه بتخفيف الهمزة وشطاءه بالمد وشطه بنقل حركة الهمزة وحذفها وشطوه بقلبها واوا ) فآزره ( فقواه من المؤازرة وهي المعاونة أو من الإيزار وهي الإعانة وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان فأزره كأجره في آجره ) فاستغلظ ( فصار من الدقة إلى الغلظ ) فاستوى على سوقه ( فاستقام على قصبه جمع ساق وعن ابن كثير سؤقه بالهمزة ) يعجب الزراع ( بكثافته وقوته وغلظه وحسن منظره وهو مثل ضربه الله تعالى للصحابة قلوا في بدء الإسلام ثم كثروا واستحكموا فترقى(5/209)
" صفحة رقم 210 "
أمرهم بحيث أعجب الناس ) ليغيظ بهم الكفار ( علة لتشبيههم بالزرع في زكاته واستحكامه أو لقوله ) وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما ( فإن الكفار لما سمعوه غاظهم ذلك ومنهم للبيان عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الفتح فكأنما كان ممن شهد مع محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فتح مكة(5/210)
" صفحة رقم 211 "
سورة الحجرات
مدنية وآيها ثماني عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحجرات : ( 1 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا ( أي لا تقدموا أمرا فحذف المفعول ليذهب الوهم إلى كل ما يمكن أو ترك لأن المقصود نفي التقديم رأسا أو لا تتقدموا ومنه مقدمة الجيش لمتقدميهم ويؤيده قراءة يعقوب لا تقدموا وقرىء لا تقدموا من القدوم ) بين يدي الله ورسوله ( مستعار مما بين الجهتين المسامتتين ليدي الإنسان تهجينا لما نهوا عنه والمعنى لا تقطعوا أمرا قبل أن يحكما به وقيل المراد بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وذكر الله تعظيم له وإشعار بأنه من الله بمكان يوجب إجلاله ) واتقوا الله ( في التقديم أو مخالفة الحكم ) إن الله سميع ( لأقوالكم ) عليم ( بأفعالكم
الحجرات : ( 2 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ( أي إذا كلمتموه فلا تجاوزوا أصواتكم عن صوته ) ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ( ولا تبلغوا به الجهر الدائر بينكم بل اجعلوا أصواتكم أخفض من صوته محاماة على الترحيب ومراعاة للأدب وقيل معناه ولا تخاطبوه باسمه وكنيته كما يخاطب بعضكم بعضا وخاطبوه بالنبي والرسول وتكرير النداء لا ستدعاء مزيد الاستبصار والمبالغة في الاتعاظ والدلالة على(5/211)
" صفحة رقم 212 "
استقلال المنادى له وزيادة الاهتمام به ) أن تحبط أعمالكم ( كراهة أن تحبط فيكون علة للنهي أو لأن تحبط على أن النهي عن الفعل المعلل باعتبار التأدية لأن في الجهر والرفع استخفافا قد يؤدي إلى الكفر المحبط وذلك إذ انضم إليه قصد الإهانة وعدم المبالاة وقد روي أن ثابت بن قيس كان في أذنه وقر وكان جهوريا فلما نزلت تخلف عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فتفقده ودعا فقال يا رسول الله لقد أنزلت إليك هذه الآية وإني رجل جهير الصوت فأخاف أن يكون عملي قد حبط فقال ( صلى الله عليه وسلم ) لست هناك إنك تعيش بخير وتموت بخير وإنك من أهل الجنة ) وأنتم لا تشعرون ( أنها محبطة
الحجرات : ( 3 ) إن الذين يغضون . . . . .
) إن الذين يغضون أصواتهم ( يخفضونها ) عند رسول الله ( مراعاة للأدب أو مخافة عن مخالفة النهي قيل كان أبو بكر وعمر بعد ذلك يسرانه حتى يستفهمهما ) أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ( جربها للتقوى ومرنها عليها أو عرفها كائنة للتقوى خالصة لها فإن الامتحان سبب المعرفة واللام صلة محذوف أو للفعل باعتبار الأصل أو ضرب الله قلوبهم بأنواع المحن والتكاليف الشاقة لأجل التقوى فإنها لا تظهر إلا بالاصطبار عليها أو أخلصها للتقوى من امتحن الذهب إذا أذابه وميز إبريزه من خبثه ) لهم مغفرة ( لذنوبهم ) وأجر عظيم ( لغضهم وسائر طاعاتهم والتنكير للتعظيم والجملة خبر ثان لأن أو استئناف لبيان ما هو جزاء الغاضبين إحمادا لحالهم كما أخبر عنهم بجملة مؤلفة من معرفتين والمبتدأ اسم الإشارة المتضمن لما جعل عنوانا لهم والخبر الموصول بصلة(5/212)
" صفحة رقم 213 "
دلت على بلوغهم أقصى الكمال مبالغة في الاعتداد بغضهم والارتضاء له وتعريضا بشناعة الرفع والجهر وأن حال المرتكب لهما على خلاف ذلك
الحجرات : ( 4 ) إن الذين ينادونك . . . . .
) إن الذين ينادونك من وراء الحجرات ( من خارجها خلفها أو قدامها ومن ابتدائية فإن المناداة نشأت من جهة الوراء وفائدتها الدلالة على أن المنادي داخل الحجرة إذ لا بد وأن يختلف المبتدأ والمنتهى بالجهة وقرىء الحجرات بفتح الجيم وسكونها وثلاثتها جمع حجرة وهي القطعة من الأرض المحجورة بحائط ولذلك يقال لحظيرة الإبل حجرة وهي فعلة بمعنى مفعول كالغرفة والقبضة والمراد حجرات نساء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وفيها كناية عن خلوته بالنساء ومناداتهم من ورائها بإبأنهم أتوها حجرة حجرة فنادوه من ورائها أو بأنهم تفرقوا على الحجرات متطلبين له فأسند فعل الأبعاض إلى الكل وقيل إن الذي ناداه عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وفدا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في سبعين رجلا من بني تميم وقت الظهيرة وهو راقد فقالا يا محمد اخرج إلينا وإنما أسند إلى جميعهم لأنهم رضوا بذلك أو أمروا به أو لأنه وجد فيما بينهم ) أكثرهم لا يعقلون ( إذ العقل يقتضي حسن الأدب ومراعاة الحشمة سيما لمن كان بهذا المنصب
الحجرات : ( 5 ) ولو أنهم صبروا . . . . .
) ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم ( أي ولو ثبت صبرهم وانتظارهم حتى تخرج إليهم فإن أن وإن دلت بما في حيزها على المصدر دلت بنفسها على الثبوت ولذلك وجب إضمار الفعل وحتى تفيد أن الصبر ينبغي أن يكون مغنيا بخروجه فإن حتى مختصة بغاية الشيء في نفسه ولذلك تقول أكلت السمكة حتى رأسها ولا تقول نصفها(5/213)
" صفحة رقم 214 "
بخلاف إلى فإنها عامة وفي ) إليهم ( إشعار بأنه لو خرج لا لأجلهم ينبغي أن يصبروا حتى يفاتحهم بالكلام أو يتوجه إليهم ) لكان خيرا لهم ( لكان الصبر خيرا لهم من الاستعجال لما فيه من حفظ الأدب وتعظيم الرسول الموجبين للثناء والثواب والإسعاف بالمسؤول إذ روي انهم وفدوا شافعين في أسارى بني العنبر فأطلق النصف وفادى النصف ) والله غفور رحيم ( حيث اقتصر على النصح والتقريع لهؤلاء المسيئين الأدب التاركين تعظيم الرسول ( صلى الله عليه وسلم )
الحجرات : ( 6 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ( فتعرفوا وتصفحوا روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) بعث الوليد بن عقبة مصدقا إلى بني المصطلق وكان بينه وبينهم إحنة فلما سمعوا به استقبلوه فحسبهم مقاتليه فرجع وقال لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد ارتدوا ومنعوا الزكاة فهم بقتالهم فنزلت وقيل بعث إليهم خالد بن الوليد فوجدهم منادين بالصلاة متهجدين فسلموا إليه الصدقات فرجع وتنكير الفاسق والنبأ للتعميم وتعليق الأمر بالتبين على فسق المخبر يقتضي جواز قبول خبر العدل من حيث إن المعلق على شيء بكلمة إن عدم عند عدمه وأن خبر الواحد لو وجب تبينه من حيث هو كذلك لما رتب على الفسق إذ الترتيب يفيد التعليل وما بالذات لا يعلل بالغير وقرأ حمزة والكسائي فتثبتوا أي فتوقفوا إلى أن يتبين لكم الحال ) أن تصيبوا ( كراهة إصابتكم ) قوما بجهالة ( جاهلين بحالهم ) فتصبحوا ( فتصيروا ) على ما فعلتم نادمين ( مغتمين غما لازما متمنين أنه لم يقع وتركيب هذه الأحرف الثلاثة دائر مع الدوام
الحجرات : ( 7 ) واعلموا أن فيكم . . . . .
) واعلموا أن فيكم رسول الله ( أن بما في حيزه ساد مسد مفعولي اعلموا باعتبار ما قيد(5/214)
" صفحة رقم 215 "
به من الحال وهو قوله ) لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ( فإنه حال من أحد ضميري فيكم ولو جعل استئنافا لم يظهر للأمر فائدة والمعنى أن فيكم رسول الله على حال يجب تغييرها وهي أنكم تريدون أن يتبع رأيكم في الحوادث ولو فعل ذلك ) لعنتم ( أي لوقعتم في الجهد من العنت وفيه إشعار بأن بعضهم أشار إليه بالإيقاع ببني المصطلق وقوله ) ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان ( استدراك ببيان عذرهم وهو أنه من فرط حبهم للإيمان وكراهتهم للكفر حملهم على ذلك لما سمعوا قول الوليد أو بصفة من لم يفعل ذلك منهم إحمادا لفعلهم وتعريضا بذم من فعل ويؤيده قوله ) أولئك هم الراشدون ( أي أولئك المستثنون هم الذين أصابوا الطريق السوي ) وكره ( يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد فإذا شدد زاد له آخر لكنه لما تضمن معنى التبعيض نزل كره منزلة بغض فعدي إلى آخر بإلى أو نزل إليكم منزلة مفعول آخر و ) الكفر ( تغطية نعم الله بالجحود ) والفسوق ( الخروج عن القصد ) والعصيان ( الامتناع عن الانقياد
الحجرات : ( 8 ) فضلا من الله . . . . .
) فضلا من الله ونعمة ( تعليل ل ) كرة ( أو ) حبب ( وما بينهما اعتراض لا لا ) الراشدون ( فإن الفضل فعل الله والرشد وإن كان مسببا عن فعله مسند إلى ضميرهم أو مصدر لغير فعله فإن التحبيب والرشد فضل من الله وإنعام ) والله عليم ( بأحوال المؤمنين وما بينهم من التفاضل ) حكيم ( حيث يفضل وينعم بالتوفيق عليهم
الحجرات : ( 9 ) وإن طائفتان من . . . . .
) وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ( تقاتلوا والجمع باعتبار المعنى فإن كل طائفة جمع ) فأصلحوا بينهما ( بالنصح والدعاء إلى حكم الله تعالى ) فإن بغت إحداهما على الأخرى ((5/215)
" صفحة رقم 216 "
تعدت عليها ) فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ( ترجع إلى حكمه أو ما أمر به وإنما أطلق الفيء على الظل لرجوعه بعد نسخ الشمس والغنيمة لرجوعها من الكفار إلى المسلمين ) فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل ( بفصل ما بينهما على ما حكم الله و تقييد الإصلاح بالعدل ها هنا لأنة مظنة الحيف من حيث إنه بعد المقاتلة ) وأقسطوا ( واعدلوا في كل الأمور ) إن الله يحب المقسطين ( يحمد فعلهم بحسن الجزاء والآية نزلت في قتال حدث بين الآوس والخزرج في عهده ( صلى الله عليه وسلم ) بالسعف والنعال وهي تدل على أن الباغي مؤمن وأنه إذا قبض عن الحرب ترك كما جاء في الحديث لأنه فيء إلى أمر الله تعالى وأنه يجب معاونة من بغي عليه بعد تقديم النصح والسعي في المصالحة
الحجرات : ( 10 ) إنما المؤمنون إخوة . . . . .
) إنما المؤمنون إخوة ( من حيث إنهم منتسبون إلى أصل واحد وهو الإيمان الموجب للحياة الأبدية وهو تعليل وتقرير للأمر بالإصلاح ولذلك كرره مرتبا عليه بالفاء فقال ) فأصلحوا بين أخويكم ( ووضع الظاهر موضع الضمير مضافا إلى المأمورين للمبالغة في التقرير والتخصيص وخص الاثنين بالذكر لأنهما أقل من يقع بينهم الشقاق وقيل المراد بالأخوين الأوس والخزرج وقرىء بين إخوتكم و إخوانكم ) واتقوا الله ( في(5/216)
" صفحة رقم 217 "
مخالفة حكمه والإهمال فيه ) لعلكم ترحمون ( على تقواكم
الحجرات : ( 11 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ( أي لا يسخر بعض المؤمنين والمؤمنات من بعض إذ قد يكون المسخور منه خيرا عند الله من الساخر والقوم مختص بالرجال لأنه إما مصدر نعت به فشاع في الجمع أو جمع لقائم كزائر وزور والقيام بالأمور وظيفة الرجال كما قال الله تعالى ) الرجال قوامون على النساء ( وحيث فسر بالقبيلين كقوم عاد وفرعون فإما على التغليب أو الاكتفاء بذكر الرجال على ذكرهن لأنهن توابع واختيار الجمع لأن السخرية تغلب في المجامع و ) عسى ( باسمها استئناف بالعلة الموجبة للنهي ولا خبر لها لإغناء الاسم عنه وقرىء عسوا أن يكونا وعسين أن يكن فهي على هذا ذات خبر ) ولا تلمزوا أنفسكم ( أي ولا يغتب بعضكم بعضا فإن المؤمنين كنفس واحدة أو لا تفعلوا ما تلمزون به فإن من فعل ما يستحق به اللمز فقد لمز نفسه واللمز الطعن باللسان وقرأ يعقوب بالضم ) ولا تنابزوا بالألقاب ( ولا يدع بعضكم بعضا بلقب السوء فإن النبز مختص بلقب السوء عرفا ) بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ( أي بئس الذكر المرتفع للمؤمنين أن يذكروا بالفسوق بعد دخولهم الإيمان واشتهارهم به والمراد به إما تهجين نسبة الكفر والفسق إلى المؤمنين خصوصا إذ روي أن الآية نزلت في صفية بنت حيي رضي الله عنها أتت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت إن النساء يقلن لي يا يهودية بنت يهوديين فقال لها هلا قلت إن أبي هارون وعمي موسى وزوجي محمد عليهم السلام أو للدلالة على أن(5/217)
" صفحة رقم 218 "
التنابز فسق والجمع بينه وبين الإيمان مستقبح ) ومن لم يتب ( عما نهى عنه ) فأولئك هم الظالمون ( بوضع العصيان موضع الطاعة وتعريض النفس للعذاب
الحجرات : ( 12 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ( كونوا منه على جانب وإبهام الكثير ليحتاط في كل ظن ويتأمل حتى يعلم أنه من أي القبيل فإن من الظن ما يجب اتباعه كالظن حيث لا قاطع فيه من العمليات وحسن الظن بالله سبحانه وتعالى وما يحرم كالظن في الإلهيات والنبوات وحيث يحالفه قاطع وظن السوء بالمؤمنين وما يباح كالظن في الأمور المعاشية ) إن بعض الظن إثم ( مستأنف للأمر والإثم الذنب الذي يستحق العقوبة عليه والهمزة فيه بدل من الواو كأنه يثم الأعمال أي بكسرها ) ولا تجسسوا ( ولا تبحثوا عن عورات المسلمين تفعل من الجس باعتبار ما فيه من معنى الطلب كالتلمس وقرئ بالحاء من الحس الذي هو أثر الجس وغايته ولذلك قيل للحواس الخمس الجواس وفي الحديث لا تتبعوا عورات المسلمين فإن من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته حتى يفضحه ولو في جوف بيته ) ولا يغتب بعضكم بعضا ( ولا يذكر بعضكم بعضا بالسوء في غيبته وسئل ( صلى الله عليه وسلم ) عن الغيبة فقال أن تذكر أخاك بما يكرهه فإن كان فيه فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته ) أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا ( تمثيل لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على أفحش وجه مع مبالغات الاستفهام المقرر وإسناد الفعل إلى أحد للتعميم وتعليق المحبة بما هو في غاية الكراهة وتمثيل الاغتياب باكل لحم الإنسان وجعل المأكول أخا وميتا وتعقيب ذلك بقوله ) فكرهتموه ( تقريرا وتحقيقا لذلك والمعنى إن صح ذلك أو عرض عليكم هذا فقد كرهتموه ولا يمكنكم إنكار(5/218)
" صفحة رقم 219 "
كراهته وانتصاب ) ميتا ( على الحال من اللحم أو الأخ وشدده نافع ) واتقوا الله إن الله تواب رحيم ( لمن اتقى ما نهى عنه وتاب مما فرط منه والمبالغة في ال ) تواب ( لأنه بليغ في قبول التوبة إذ يجعل صاحبها كمن لم يذنب أو لكثرة المتوب عليهم أو لكثرة ذنوبهم روي أن رجلين من الصحابة بعثا سلمان إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يبغي لهما إداما وكان أسامة على طعامه فقال ما عندي شيء فأخبرهما سلمان فقالا لو بعثناه إلى بئر سميحة لغار ماؤها فلما راحا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال لهما ما لي أرى حضرة اللحم في أفواهكما فقالا ما تناولنا لحما فقال إنكما قد اغتبتما فنزلت
الحجرات : ( 13 ) يا أيها الناس . . . . .
) يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ( من آدم وحواء عليهما السلام أو خلقنا كل واحد منكم من أب وأم فالكل سواء في ذلك فلا وجه للتفاخر بالنسب ويجوز أن يكون تقريرا للأخوة المانعة عن الاغتياب ) وجعلناكم شعوبا وقبائل ( الشعب الجمع العظيم المنتسبون إلى أصل واحد وهو يجمع القبائل والقبيلة تجمع العمائر والعمارة تجمع البطون والبطن تجمع الأفخاذ والفخذ يجمع الفضائل فخزيمة شعب وكنانة قبيلة وقريش عمارة وقصي بطن وهاشم فخذ وعباس فصيلة وقبل الشعوب بطون العجم والقبائل بطون العرب ) لتعارفوا ( ليعرف بعضكم بعضا لا للتفاخر بالآباء والقبائل وقرئ ) لتعارفوا ( بالإدغام لتتعارفوا ولتعرفوا ) إن أكرمكم عند الله أتقاكم ( فإن التقوى بها تكمل النفوس وتتفاضل بها الأشخاص فمن أراد شرفا فليلتمسه منها كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله وقال ( صلى الله عليه وسلم ) (5/219)
" صفحة رقم 220 "
يا أيها الناس إنما الناس رجلان مؤمن تقي كريم على الله وفاجر شقي هين على الله ) إن الله عليم ( بكم ) خبير ( ببواطنكم
الحجرات : ( 14 ) قالت الأعراب آمنا . . . . .
) قالت الأعراب آمنا ( نزلت في نفر من بني أسد قدموا المدينة في سنة جدبة وأظهروا الشهادتين وكانوا يقولون لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أتيناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان يريدون الصدقة ويمنون ) قل لم تؤمنوا ( إذ الإيمان تصديق مع ثقة وطمأنينة قلب ولم يحصل لكم إلا لما مننتم على الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بالإسلام وترك المقاتلة كما دل عليه آخر السورة ) ولكن قولوا أسلمنا ( فإن الإسلام انقياد ودخول في السلم وإظهار الشهادتين وترك المحاربة يشعر به وكان نظم الكلام أن يقول لا تقولوا آمنا ) ولكن قولوا أسلمنا ( أو لم تؤمنوا ولكن أسلمتم فعدل منه إلى هذا النظم احترازا من النهي عن القول بالإيمان والجزم بإسلامهم وقد فقد شرط اعتباره شرعا ) ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ( توقيت ل ) قولوا ( فإنه حال من ضميره أي ) ولكن قولوا أسلمنا ( ولم تواطىء قلوبكم ألسنتكم بعد ) وإن تطيعوا الله ورسوله ( بالإخلاص وترك النفاق ) لا يلتكم من أعمالكم ( لا ينقصكم من أجورها ) شيئا ( من لات يليت ليتا إذا نقص(5/220)
" صفحة رقم 221 "
وقرأ البصريان لا يألتكم من الألت وهو لغة غطفان ) إن الله غفور ( لما فرط من المطيعين ) رحيم ( بالتفضل عليهم
الحجرات : ( 15 ) إنما المؤمنون الذين . . . . .
) إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا ( لم يشكوا من ارتاب مطاوع رابه إذا أوقعه في الشك مع التهمة وفيه إشارة إلى ما أوجب نفي الإيمان عنهم و ) ثم ( للإشعار بأن اشتراط عدم الارتياب في اعتبار الإيمان ليس حال الإيمان فقط بل فيه وفيما يستقبل فهي كما في قوله ) ثم استقاموا ( ) وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ( في طاعته والمجاهدة بالأموال والأنفس تصلح للعبادات المالية والبدنية بأسرها ) أولئك هم الصادقون ( الذين صدقوا في ادعاء الإيمان
الحجرات : ( 16 ) قل أتعلمون الله . . . . .
) قل أتعلمون الله بدينكم ( أتخبرونه به بقولكم ) آمنا ( ) والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شيء عليم ( لا يخفى عليه خافية وهو تجهيل لهم وتوبيخ روي أنه لما نزلت الآية المتقدمة جاؤوا وحلفوا أنهم مؤمنون معتقدون فنزلت هذه الآية
الحجرات : ( 17 ) يمنون عليك أن . . . . .
) يمنون عليك أن أسلموا ( يعدون إسلامهم عليك منة وهي النعمة التي لا يستثيب موليها ممن بذلها إليه من المن بمعنى القطع لأن المقصود بها قطع حاجته وقيل النعمة الثقيلة من المن ) قل لا تمنوا علي إسلامكم ( أي بإسلامكم فنصب بنزع الخافض أو تضمين الفعل معنى الاعتدال ) بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان ( على ما زعمتم مع(5/221)
" صفحة رقم 222 "
أن الهداية لا تستلزم الاهتداء وقرىء إن هداكم بالكسر وإذ هداكم ) إن كنتم صادقين ( في ادعاء الإيمان وجوابه محذوف يدل عليه ما قبله أي فالله المنة عليكم وفي سياق الآية لطف وهو أنهم لما سموا ما صدر عنهم إيمانا ومنوا به فنفى أنه إيمان وسماه إسلاما بأن قال يمنون عليكم بما هو في الحقيقة إسلام وليس بجدير أن يمن به عليك بل لو صح ادعاؤهم للإيمان فالله المنة عليهم بالهداية له لا لهم
الحجرات : ( 18 ) إن الله يعلم . . . . .
) إن الله يعلم غيب السماوات والأرض ( ما غاب فيهما ) والله بصير بما تعملون ( في سركم وعلانيتكم فكيف يخفى عليه ما في ضمائركم وقرأ ابن كثير بالياء لما في الآية من الغيبة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الحجرات أعطي من الأجر بعدد من اطاع الله وعصاه(5/222)
" صفحة رقم 223 "
سورة ق
مكية وهي خمس واربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
ق : ( 1 ) ق والقرآن المجيد
) ق والقرآن المجيد ( الكلام فيه كما مر في ) ص والقرآن ذي الذكر ( و ) المجيد ( ذو المجد والشرف على سائر الكتب أو لأنه كلام المجيد أو لأن من علم معانية وامتثل أحكامه مجد
ق : ( 2 ) بل عجبوا أن . . . . .
) بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم ( إنكار لتعجبهم مما ليس بعجب وهو أن ينذرهم أحد من جنسهم أو من أبناء جلدتهم ) فقال الكافرون هذا شيء عجيب ( حكاية لتعجبهم وهذا إشارة إلى اختيار الله محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) للرسالة وإضمار ذكرهم ثم إظهاره للإشعار بتعنتهم بهذا المقال ثم التسجيل على كفرهم بذلك أو عطف لتعجبهم من البعث على تعجبهم من البعثة والمبالغة فيه بوضع الظاهر موضع ضميرهم وحكاية تعجبهم مبهما(5/223)
" صفحة رقم 224 "
إن كانت الإشارة إلى منهم يفسره ما بعده أو مجملا إن أهون مما يشاهدون من صنعه
ق : ( 3 ) أئذا متنا وكنا . . . . .
) أئذا متنا وكنا ترابا ( أي أنرجع إذا متنا وصرنا ترابا ويدل على المحذوف قوله ) ذلك رجع بعيد ( أي بعيد عن الوهم أو العادة أو الإمكان وقيل الرجع بمعنى المرجوع
ق : ( 4 ) قد علمنا ما . . . . .
) قد علمنا ما تنقص الأرض منهم ( ما تأكل من أجساد موتاهم وهو رد لاستبعادهم بإزاحة ما هو الأصل فيه وقيل إنه جواب القسم واللام محذوف لطول الكلام ) وعندنا كتاب حفيظ ( حافظ لتفاصيل الأشياء كلها أو محفوظ عن التغيير والمراد إما تمثيل علمه بتفاصيل الأشياء بعلم من عنده كتاب محفوظ يطالعه أو تأكيد لعلمه بها بثبوتها في اللوح المحفوظ عنده
ق : ( 5 ) بل كذبوا بالحق . . . . .
) بل كذبوا بالحق ( يعني النبوة الثابتة بالمعجزات أو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو القرآن ) لما جاءهم فهم ( وقرىء لما بالكسر ) في أمر مريج ( مضطرب من مرج الخاتم في(5/224)
" صفحة رقم 225 "
أصبعه إذا خرج وذلك قولهم تارة أنه ) شاعر ( وتارة أنه ) ساحر ( وتارة أنه كاهن
ق : ( 6 ) أفلم ينظروا إلى . . . . .
) أفلم ينظروا ( حين كفروا بالبعث ) إلى السماء فوقهم ( إلى آثار قدرة الله تعالى في خلق العالم ) كيف بنيناها ( رفعناها بلا عمد ) وزيناها ( بالكواكب ) وما لها من فروج ( فتوق بأن خلقها ملساء متلاصقة الطباق
ق : ( 7 ) والأرض مددناها وألقينا . . . . .
) والأرض مددناها ( بسطناها ) وألقينا فيها رواسي ( جبالا ثوابت ) وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج ( أي من كل صنف ) بهيج ( حسن
ق : ( 8 ) تبصرة وذكرى لكل . . . . .
) تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ( راجع إلى ربه متفكر في بدائع صنعه وهما علتان للأفعال المذكورة معنى وإن انتصبتا عن الفعل الأخير
ق : ( 9 ) ونزلنا من السماء . . . . .
) ونزلنا من السماء ماء مباركا ( كثير المنافع ) فأنبتنا به جنات ( أشجارا وأثمارا ) وحب الحصيد ( وحب الزرع الذي من شأنه أن يحصد كالبر والشعير
ق : ( 10 ) والنخل باسقات لها . . . . .
) والنخل باسقات ( طوالا أو حوامل من أبسقت الشاة إذا حملت فيكون من أفعل فهو فاعل وإفرادها بالذكر لفرط ارتفاعها وكثرة منافعها وقرىء لأجل القاف ) لها طلع نضيد ( منضود بعضه فوق بعض والمراد تراكم الطلع أو كثرة ما فيه من الثمر
ق : ( 11 ) رزقا للعباد وأحيينا . . . . .
) رزقا ( للعباد علة ل ) أنبتنا ( أو مصدر فإن الإثبات رزق ) وأحيينا به ( بذلك الماء ) بلدة ميتا ( أرضا جدبة لا نماء فيها ) كذلك الخروج ( كما حييت هذه البلدة يكون خروجكم أحياء بعد موتكم
ق : ( 12 - 13 ) كذبت قبلهم قوم . . . . .
) كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون ( أراد بفرعون إياه وقومه ليلائم ما قبله وما بعده ) وإخوان لوط ( أخدانه لأنهم كانوا أصهاره
ق : ( 14 ) وأصحاب الأيكة وقوم . . . . .
) وأصحاب الأيكة وقوم تبع ( سبق في الحجر والدخان ) كل كذب الرسل ( أي كل واحد أو قوم منهم أو جميعهم وإفراد الضمير لإفراد لفظه ) فحق وعيد ( فوجب وحل عليه وعيدي وفيه تسلية للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وتهديد لهم(5/225)
" صفحة رقم 226 "
ق : ( 15 ) أفعيينا بالخلق الأول . . . . .
) أفعيينا بالخلق الأول ( أي أفعجزنا عن الإبداء حتى نعجز عن الإعادة من عيي بالأمر إذا لم يهتد لوجه عمله والهمزة فيه للإنكار ) بل هم في لبس من خلق جديد ( أي هم لا ينكرون قدرتنا على الخلق الأول بل هم في خلط وشبهة في خلق مستأنف لما فيه من مخالفة العادة وتنكير الخلق الجديد لتعظيم شأنه والإشعار بأنه على وجه غير متعارف ولا معتاد
ق : ( 16 ) ولقد خلقنا الإنسان . . . . .
) ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ( ما تحدثه به نفسه وهو ما يخطر بالبال والوسوسة الصوت الخفي ومنها وسواس الحلي والضمير لما إن جعلت موصولة والباء مثلها في صوت بكذا أو ل ) الإنسان ( إن جعلت مصدرية والباء للتعدية ) ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ( أي ونحن أعلم بحاله ممن كان أقرب إليه ) من حبل الوريد ( تجوز بقرب الذات لقرب العلم لأنه موجبة و ) حبل الوريد ( مثل في القرب قال والموت أدنى لي من الوريد وال ) حبل ( العرق وإضافته للبيان والوريدان عرقان مكتنفان بصفتحي العنق في مقدمها بالوتين يردان من الرأس إليه وقيل سمي وريدا لأن الزوج ترده
ق : ( 17 ) إذ يتلقى المتلقيان . . . . .
) إذ يتلقى المتلقيان ( مقدر باذكر أو متعلق ب ) أقرب ( أي هو أعلم بحاله من كل قريب حين يتلقى أي يتلقن الحفيظان ما يتلفظ به وفيه إيذان بأنه غني عن استحفاظ الملكين فإنه أعلم منهما ومطلع على ما يخفى عليهما لكنة لحكمة اقتضته وهي ما فيه من تشديد يثبط العبد عن المعصية وتأكيد في اعتبار الأعمال وضبطها للجزاء وإلزام للحجة يوم يقوم الاشهاد ) عن اليمين وعن الشمال قعيد ( أي ) عن اليمين ( قعيد ) وعن الشمال قعيد ( أي مقاعد كالجليس فحذف الأول لدلالة الثاني عليه كقوله(5/226)
" صفحة رقم 227 "
" فإني وقيار بها لغريب " وقد يطلق الفعل للواحد والمتعدد كقوله تعالى ) والملائكة بعد ذلك ظهير )
ق : ( 18 ) ما يلفظ من . . . . .
) ما يلفظ من قول ( ما يرمي به من فيه ) إلا لديه رقيب ( ملك يرقب عمله ) عتيد ( معد حاضر ولعله يكتب عليه ما فيه ثواب أو عقاب وفي الحديث كاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات فإذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشرا وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر
ق : ( 19 ) وجاءت سكرة الموت . . . . .
) وجاءت سكرة الموت بالحق ( لما ذكر استبعادهم البعث للجزاء وأزاح ذلك بتحقيق قدرته وعلمه أعلمهم بأنهم يلاقون ذلك عن قريب عند الموت وقيام الساعة ونبه على اقترابه بأن عبر عنه بلفظ الماضي وسكرة الموت شدته الذاهبة بالعقل والباء للتعدية كما في قولك جاء زيد بعمرو والمعنى وأحضرت سكرة الموت حقيقة الأمر أو الموعود الحق أو الحق الذي ينبغي أن يكون من الموت أو الجزاء فإن الإنسان خلق له أو مثل الباء في ) تنبت بالدهن ( وقرىء سكرة الحق بالموت على أنها لشدتها اقتضت(5/227)
" صفحة رقم 228 "
الزهوق أو لاستعقابها له كأنها جاءت به أو على أن الباء بمعنى مع وقيل ) سكرة الموت ( سكرة الله وإضافتها إليه للتهويل وقرىء سكرات الموت ) ذلك ( أي الموت ) ذلك ( أي الموت ) ما كنت منه تحيد ( تميل وتنفر عنه والخطاب للإنسان
ق : ( 20 ) ونفخ في الصور . . . . .
) ونفخ في الصور ( يعني نفخة البعث ) ذلك يوم الوعيد ( أي وقت ذلك يوم تحقق الوعيد وإنجازه والإشارة إلى مصدر ) نفخ )
ق : ( 21 ) وجاءت كل نفس . . . . .
) وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ( ملكان أحدهما يسوقه والآخر يشهد بعمله أو ملك جامع للوصفين وقيل السائق كاتب السيئات والشهيد كاتب الحسنات وقيل السائق نفسه أو قرينه والشهيد جوارحه أو أعماله ومحل ) معها ( النصب على الحال من كل لإضافته إلى ما هو في حكم المعرفة
ق : ( 22 ) لقد كنت في . . . . .
) لقد كنت في غفلة من هذا ( على إضمار القول والخطاب ) لكل نفس ( إذ ما من أحد إلا وله اشتغال ما عن الآخرة أو للكافر ) فكشفنا عنك غطاءك ( الغطاء الحاجب لأمور المعاد وهو الغفلة والانهماك في المحسوسات والإلف بها وقصور النظر عليها ) فبصرك اليوم حديد ( نافذ لزوال المانع للأبصار وقيل الخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى كنت في غفلة من أمر الديانة فكشفنا عنك غطاء الغفلة بالوحي وتعليم القرآن ) فبصرك اليوم حديد ( ترى ما لا يرون وتعلم ما لا يعلمون ويؤيد الأول قراءة من كسر التاء والكافات على خطاب النفس
ق : ( 23 ) وقال قرينه هذا . . . . .
) وقال قرينه ( قال الملك الموكل عليه ) هذا ما لدي عتيد ( هذا ما هو مكتوب عندي حاضر لدي أو الشيطان الذي قيض له هذا ما عندي وفي ملكتي عتيد لجهنم هيأته لها باغوائي وإضلالي و ) ما ( إن جعلت موصوفة ف ) عتيد ( صفتها وإن جعلت موصولة فبدلها أو خبر بعد خبر أو خبر محذوف
ق : ( 24 ) ألقيا في جهنم . . . . .
) ألقيا في جهنم كل كفار ( خطاب من الله تعالى للسائق والشهيد أو الملكين من(5/228)
" صفحة رقم 229 "
خزنة النار أو لواحد وتثنية الفاعل منزل منزلة تثنية الفعل وتكريره كقوله " فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا " أو الألف بدل من نون التأكيد على إجراء الوصل مجرى الوقف ويؤيده أنه قرىء ألقين بالنون الخفيفة ) عنيد ( معاند للحق
ق : ( 25 ) مناع للخير معتد . . . . .
) مناع للخير ( كثير المنع للمال عن حقوقه المفروضة وقيل المراد بالخير الإسلام فإن الآية نزلت في الوليد بن المغيرة لما منع بني أخيه عنه ) معتد ( متعد ) مريب ( شاك في الله وفي دينه
ق : ( 26 ) الذي جعل مع . . . . .
) الذي جعل مع الله إلها آخر ( مبتدأ متضمن معنى الشرط وخبره ) فألقياه في العذاب الشديد ( أو بدل من ) كل كفار ( فيكون ) فألقياه ( تكريرا للتوكيد أو مفعول لمضمر يفسره ) فألقياه )
ق : ( 27 ) قال قرينه ربنا . . . . .
) قال قرينه ( أي الشيطان المقيض له وإنما استؤنفت كما تستأنف الجمل الواقعة في حكاية التقاول فإنه جواب لمحذوف دل عليه ) ربنا ما أطغيته ( كأن الكافر قال هو أطغاني ف ) قال قرينه ربنا ما أطغيته ( بخلاف الأولى فإنها واجبة العطف على ما قبلها للدلالة على الجمع بين مفهوميهما في الحصول أعني مجيء كل نفس مع الملكين وقول للدلالة على الجمع بين مفهوميهما في الحصول أعني مجيء كل نفس مع الملكين وقول قرينه ) ولكن كان في ضلال بعيد ( فأعنته عليه فإن إغواء الشياطين إنما يؤثر فيمن كان مختل الرأي مائلا إلى الفجور كما قال الله تعالى ) وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي )
ق : ( 28 - 29 ) قال لا تختصموا . . . . .
) قال ( أي الله تعالى ) لا تختصموا لدي ( أي في موقف الحساب فإنه لا فائدة فيه وهو استئناف مثل الأول ) وقد قدمت إليكم بالوعيد ( على الطغيان في كتبي وعلى ألسنة رسلي فلم يبق لكم حجة وهو حال تعليل للنهي أي ) لا تختصموا ( عالمين بأني أوعدتكم والباء مزيدة أو معدية على أن قدم بمعنى تقدم ويجوز أن يكون ) بالوعيد ( حالا والفعل واقعا على قوله(5/229)
" صفحة رقم 230 "
) ما يبدل القول لدي ( أي بوقوع الخلف فيه فلا تطمعوا أن أبدل وعيدي وعفو بعض المذنبين لبعض الأسباب ليس من التبديل فإن دلائل العفو تدل على تخصيص الوعيد ) وما أنا بظلام للعبيد ( فأعذب من ليس لي تعذيبه
ق : ( 30 ) يوم نقول لجهنم . . . . .
) يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد ( سؤال وجواب جيء بهما للتخييل والتصوير والمعنى أنها مع اتساعها تطرح فيها الجنة والناس فوجا فوجا حتى تمتلئ لقوله تعالى ) لأملأن جهنم ( أو أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها بعد فراغ أو أنها من شدة زفيرها وحدتها وتشبثها بالعصاة كالمستكثرة لهم والطالبة لزيادتهم وقرأ نافع وأبو بكر يقول بالباء وال ) مزيد ( إما مصدر كالمحيد أو مفعول كالمبيع و ) يوم ( مقدر باذكر أو ظرف ل ) نفخ ( فيكون ذلك إشارة إليه فلا يفتقر إلى تقدير مضاف
ق : ( 31 ) وأزلفت الجنة للمتقين . . . . .
) وأزلفت الجنة للمتقين ( قربت لهم ) غير بعيد ( مكانا غير بعيد ويجوز أن يكون حالا وتذكيره لأنه صفة محذوف أو شيئا غير بعيد أو على زنة المصدر أو لأن الجنة بمعنى البستان
ق : ( 32 ) هذا ما توعدون . . . . .
) هذا ما توعدون ( على إضمار القول والإشارة إلى الثواب أو مصدر ) أزلفت ((5/230)
" صفحة رقم 231 "
وقرأ ابن كثير بالياء ) لكل أواب ( رجاع إلى الله تعالى بدل من المتقين بإعادة الجار ) حفيظ ( حافظ لحدوده
ق : ( 33 ) من خشي الرحمن . . . . .
) من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ( بعد بدل أو بدل من موصوف ) أواب ( ولا يجوز أن يكون في حكمه لأن ) من ( لا يوصف به أو مبتدأ خبره
ق : ( 34 ) ادخلوها بسلام ذلك . . . . .
) ادخلوها ( على تأويل يقال لهم ) ادخلوها ( فإن من بمعنى الجمع وبالغيب حال من الفاعل أو المفعول أو صفة لمصدر أي خشية ملتبسة بالغيب حيث خشي عقابه وهو غائب أو العقاب بعد غيب أو هو غائب عن الأعين لا يراه أحد وتخصيص ) الرحمن ( للإشعار بأنهم يرجون رحمته ويخافون عذابه أو بأنهم يخشون مع علمهم بسعة رحمته ووصف القلب بالإنابة إذ الاعتبار برجوعه إلى الله ) بسلام ( سالمين مع العذاب وزوال النقم أو مسلما عليكم من الله وملائكته ) ذلك يوم الخلود ( يوم تقدير الخلود كقوله تعالى ) فادخلوها خالدين )
ق : ( 35 ) لهم ما يشاؤون . . . . .
) لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد ( وهو ما لا يخطر ببالهم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
ق : ( 36 ) وكم أهلكنا قبلهم . . . . .
) وكم أهلكنا قبلهم ( قبل قومك ) من قرن هم أشد منهم بطشا ( قوة كعاد وثمود وفرعون ) فنقبوا في البلاد ( فخرقوا في البلاد وتصرفوا فيها أو جالوا في الأرض كل مجال حذر الموت فالفاء على الأول للتسبب وعلى الثاني لمجرد التعقيب وأصل التنقيب التنقير عن الشيء والبحث عنه ) هل من محيص ( أي لهم من الله أو من الموت وقيل الضمير في ) فنقبوا ( لأهل مكة أي ساروا في أسفارهم في بلاد القرون فهل رأوا لهم محيصا حتى يتوقعوا مثله لأنفسهم ويؤيده أنه قرئ فنقبوا على الأمر وقرئ فنقبوا بالكسر من النقب وهو أن ينتقب خف البعير أي أكثروا السير حتى نقبت أقدامهم أو أخفاف مراكبهم(5/231)
" صفحة رقم 232 "
ق : ( 37 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك ( فيما ذكر في هذه السورة ) لذكري ( لتذكرة ) لمن كان له قلب ( أي قلب واع يتفكر في حقائقه ) أو ألقى السمع ( أي أصغى لاستماعه ) وهو شهيد ( حاضر بذهنه ليفهم معانيه أو شاهد بصدقه فيتعظ بظواهره وينزجر بزواجره وفي تنكير ال ) قلب ( وإبهامه تفخيم وإشعار بأن كل قلب لا يتفكر ولا يتدبر كلا قلب
ق : ( 38 ) ولقد خلقنا السماوات . . . . .
) ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ( مر تفسيره مرارا ) وما مسنا من لغوب ( من تعب وإعياء وهو رد لما زعمت اليهود من أنه تعالى بدأ خلق العالم يوم الأحد وفرغ منه يوم الجمعة واستراح يوم السبت واستلقى على العرش
ق : ( 39 ) فاصبر على ما . . . . .
) فاصبر على ما يقولون ( ما يقول المشركون من إنكارهم البعث فإن من قدر على خلق العالم بلا عياء قدر على بعثهم والانتقام منهم أو ما يقول اليهود من الكفر والتشبيه ) وسبح بحمد ربك ( ونزهه عن العجز عما يمكن والوصف بما يوجب التشبيه حامدا له على ما أنعم عليك من إصابة الحق وغيرها ) قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ( يعني الفجر والعصر وقد عرفت فضيلة الوقتين
ق : ( 40 ) ومن الليل فسبحه . . . . .
) ومن الليل فسبحه ( أي وسبحه بعض الليل ) وأدبار السجود ( وأعقاب الصلوات جمع دبر من أدبر وقرأ الحجازيان وحمزة وخلف بالكسر من أدبرت الصلاة إذا انقضت وقيل المراد بالتسبيح الصلاة فالصلاة قبل طلوع الصبح وقبل الغروب الظهر والعصر ومن الليل العشاءان والتهجد وأدبار السجود النوافل بعد المكتوبات وقيل الوتر بعد العشاء
ق : ( 41 ) واستمع يوم يناد . . . . .
) واستمع ( لما أخبرك به من أحوال القيامة وفيه تهويل وتعظيم للمخبر به ) يوم يناد المناد ( إسرافيل أو جبريل عليهما الصلاة والسلام فيقول أيتها العظام البالية واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء ) من مكان قريب ((5/232)
" صفحة رقم 233 "
بحيث يصل نداؤه إلى الكل على سواء ولعله في الإعادة نظيركن في الإبداء ويوم نصب بما دل عليه يوم الخروج
ق : ( 42 ) يوم يسمعون الصيحة . . . . .
) يوم يسمعون الصيحة ( بدل منه و ) الصيحة ( النفخة الثانية ) بالحق ( متعلق ب ) الصيحة ( والمراد به البعث للجزاء ) ذلك يوم الخروج ( من القبور وهو من أسماء يوم القيامة وقد يقال للعبد
ق : ( 43 ) إنا نحن نحيي . . . . .
) إنا نحن نحيي ونميت ( في الدنيا ) وإلينا المصير ( للجزاء في الآخرة
ق : ( 44 ) يوم تشقق الأرض . . . . .
) يوم تشقق ( وقرئ تنشق وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وخلف وأبو عمرو بتخفيف الشين ) الأرض عنهم سراعا ( مسرعين ) ذلك حشر ( بعث وجمع ) علينا يسير ( هين وتقديم الظرف للاختصاص فإن ذلك لا يتيسر إلا على العالم القادر لذاته الذي لا يشغله شأن عن شأن كما قال الله تعالى ) ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة )
ق : ( 45 ) نحن أعلم بما . . . . .
) نحن أعلم بما يقولون ( تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتهديد لهم ) وما أنت عليهم بجبار ( بمسلط تقسرهم على الإيمان أو تفعل بهم ما تريد وإنما أنت داع ) فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ( فإنه لا ينتفع به غيره عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة ق هون الله عليه تارات الموت وسكراته والله أعلم(5/233)
" صفحة رقم 234 "
سورة الذاريات
مكية وآيها ستون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الذاريات : ( 1 ) والذاريات ذروا
) والذاريات ذروا ( يعني الرياح تذرو التراب وغيره أو النساء الولود فإنهن يذرين الأولاد أو الأسباب التي تذري الخلائق من الملائكة وغيرهم وقرأ أبو عمرو وحمزة بإدغام التاء في الذال
الذاريات : ( 2 ) فالحاملات وقرا
) فالحاملات وقرا ( فالسحب الحاملة للأمطار أو الرياح الحاملة للسحاب أو النساء الحوامل أو أسباب ذلك وقرىء وقرا على تسمية المحمول بالمصدر
الذاريات : ( 3 ) فالجاريات يسرا
) فالجاريات يسرا ( فالسفن الجارية في البحر سهلا أو الرياح الجارية في مهابها أو الكواكب التي تجري في منازلها و ) يسرا ( صفة مصدر محذوف أي جريا ذا يسر
الذاريات : ( 4 ) فالمقسمات أمرا
) فالمقسمات أمرا ( الملائكة التي تقسم الأمور من الأمطار والأرزاق وغيرها أو ما يعمهم وغيرهم من أسباب القسمة أو الريح يقسمن الأمطار يتصريف السحاب فإن حملت على ذوات مختلفة بالفاء لترتيب الأقسام بها باعتبار ما بينها من التفاوت في الدلالة على كمال القدرة وإلا فالفاء لترتيب الأفعال إذ الرياح مثلا تذرو الأبخرة إلى الجو حتى تنعقد سحابا فتحمله فتجري به باسطة له إلى حيث أمرت به فتقسم المطر
الذاريات : ( 5 ) إنما توعدون لصادق
) إنما توعدون لصادق ((5/234)
" صفحة رقم 235 "
الذاريات : ( 6 ) وإن الدين لواقع
) وإن الدين لواقع ( جواب القسم كأنه استدل باقتداره على هذه الأشياء العجيبة المخالفة لمقتضى الطبيعة على اقتداره على البعث للجزاء الموعود وما موصولة أو مصدرية و ) الدين ( الجزاء والواقع الحاصل
الذاريات : ( 7 ) والسماء ذات الحبك
) والسماء ذات الحبك ( ذات الطرائق والمراد إما الطرائق المحسوسة التي هي مسير الكواكب أو المعقولة التي يسلكها النظار وتتوصل بها إلى المعارف أو النجوم فإن لها طرائق أو أنها تزينها كما يزين الموشي طرائق الوشي جمع حبيكة كطريقة وطرق أو حباك كمثال ومثل وقرىء الحبك بالسكون والحبك كالإبل والحبك كالسلك والحبك كالجبل والحبك كالنعم والحبك كالبرق
الذاريات : ( 8 ) إنكم لفي قول . . . . .
) إنكم لفي قول مختلف ( في الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وهو قولهم تارة أنه ) شاعر ( وتارة أنه ) ساحر ( وتارة أنه ) مجنون ( أو في القرآن أو القيامة أو أمر الديانة ولعل النكتة في هذا القسم تشبيه أقوالهم في اختلافها وتنافي أغراضها بطرائق السموات في تباعدها واختلاف غاياتها
الذاريات : ( 9 ) يؤفك عنه من . . . . .
) يؤفك عنه من أفك ( يصرف عنه والضمير للرسول أو القرآن أو الإيمان من صرف إذ لا صرف أشد منه فكأنه لا صرف بالنسبة إليه أو يصرف من صرف في علم الله وقضائه ويجوز أن يكون الضمير لل ) قول ( على معنى يصدر ) إفك ( من أفك عن القول المختلف وبسببه كقوله " ينهون عن أكل وعن شرب " أي يصدر تناهيهم عنهما وسببهما وقرىء ) إفك ( بالفتح أي من أفك الناس وهم قريش كانوا يصدون الناس عن الإيمان(5/235)
" صفحة رقم 236 "
الذاريات : ( 10 ) قتل الخراصون
) قتل الخراصون ( الكذابون من أصحاب القول المختلف وأصله الدعاء بالقتل أجري مجرى اللعن
الذاريات : ( 11 ) الذين هم في . . . . .
) الذين هم في غمرة ( في جهل يغمرهم ) ساهون ( غافلون عما أمروا به
الذاريات : ( 12 ) يسألون أيان يوم . . . . .
) يسألون أيان يوم الدين ( أي فيقولون متى يوم الجزاء أي وقوعه ، وقرئ ) إيان ( بالكسر .
الذاريات : ( 13 ) يوم هم على . . . . .
) يوم هم على النار يفتنون ( يحرقون جواب للسؤال أي يقع ) يوم هم على النار يفتنون ( أو هو ) يوم هم على النار يفتنون ( وفتح ) يوم ( لإضافته إلى غير متمكن ويدل عليه أنه قرىء بالرفع
الذاريات : ( 14 ) ذوقوا فتنتكم هذا . . . . .
) ذوقوا فتنتكم ( أي مقولا لهم هذا القول ) هذا الذي كنتم به تستعجلون ( هذا العذاب هو الذي كنتم به تستعجلون ويجوز أن يكون هذا بدلا من ) فتنتكم ( و ) الذي ( صفته
الذاريات : ( 15 - 16 ) إن المتقين في . . . . .
) إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم ( قابلين لما أعطاهم راضين به ومعناه أن كل ما آتاهم حسن مرضي متلقى بالقبول ) إنهم كانوا قبل ذلك محسنين ( قد أحسنوا أعمالهم وهو تعليل لاستحقاقهم ذلك
الذاريات : ( 17 ) كانوا قليلا من . . . . .
) كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ( تفسير لإحسانهم و ) ما ( مزيدة أي يهجعون في طائفة من الليل أو ) يهجعون ( هجوعا فيه ولا يجوز أن تكون نافية لأن ) ما ( بعدها لا يعمل فيما قبلها وفيه مبالغات لتقليل نومهم واستراحتهم ذكر القليل و ) الليل ( الذي هو وقت السبات والهجوع الذي هو الفرار من النوم وزيادة ) ما )
الذاريات : ( 18 ) وبالأسحار هم يستغفرون
) وبالأسحار هم يستغفرون ( أي أنهم مع قلة هجوعهم وكثرة تهجدهم إذا أسحروا أخذوا في الاستغفار كأنهم أسلفوا في ليلهم الجرائم وفي بناء الفعل على الضمير إشعارا بأنهم أحقاء بذلك لوفور علمهم بالله وخشيتهم منه(5/236)
" صفحة رقم 237 "
الذاريات : ( 19 ) وفي أموالهم حق . . . . .
) وفي أموالهم حق ( نصيب يستوجبونه على أنفسهم تقربا إلى الله وإشفاقا على الناس ) للسائل والمحروم ( للمستجدي والمتعفف الذي يظن غنيا فيحرم الصدقة
الذاريات : ( 20 ) وفي الأرض آيات . . . . .
) وفي الأرض آيات للموقنين ( أي فيها دلائل من أنواع المعادن والحيوانات أو وجوه دلالات من الدحو والسكون وارتفاع بعضها عن الماء واختلاف أجزائها في الكيفيات والخواص والمنافع تدل على وجود الصانع وعلمه وقدرته وإرادته ووحدته وفرط رحمته
الذاريات : ( 21 ) وفي أنفسكم أفلا . . . . .
) وفي أنفسكم ( أي وفي أنفسكم آيات إذ ما في العالم شيء إلا وفي الإنسان له نظير يدل دلالته مع ما انفرد به من الهيئات النافعة والمناظر البهية والتركيبات العجيبة والتمكن من الأفعال الغريبة واستنباط الصنائع المختلفة واستجماع الكمالات المتنوعة ) أفلا تبصرون ( تنظرون نظر من يعتبر
الذاريات : ( 22 ) وفي السماء رزقكم . . . . .
) وفي السماء رزقكم ( أسباب رزقكم أو تقديره وقيل المراد ب ) السماء ( السحاب وبالرزق المطر فإنه سبب الأقوات ) وما توعدون ( من الثواب لأن الجنة فوق السماء السابعة أو لأن الأعمال وثوابها مكتوبة مقدرة في السماء وقيل إنه مستأنف خبره
الذاريات : ( 23 ) فورب السماء والأرض . . . . .
) فورب السماء والأرض إنه لحق ( وعلى هذا فالضمير ل ) ما ( وعلى الأول يحتمل أن يكون له ولما ذكر من أمر الآيات والرزق والوعد ) مثل ما أنكم تنطقون ( أي مثل نطقكم كما أنه لا شك لكم في أنكم تنطقون ينبغي أن لا تشكوا في تحقيق ذلك ونصبه على الحال من المستكن في لحق أو الوصف لمصدر محذوف أي أنه لحق حقا مثل نطقكم وقيل إنه مبني على الفتح لإضافته إلى غير متمكن وهو ما إن كانت بمعنى شيء وإن بما في حيزها إن جعلت زائدة ومحله الرفع على أنه صفة ) لحق ( ويؤيده قراءة حمزة والكسائي وأبي بكر بالرفع
الذاريات : ( 24 ) هل أتاك حديث . . . . .
) هل أتاك حديث ضيف إبراهيم ( فيه تفخيم لشأن الحديث وتنبيه على أنه أوحي إليه والضيف في الأصل مصدر ولذلك يطلق على الواحد والمتعدد قيل كانوا اثني عشر ملكا وقيل ثلاثة جبريل وميكائيل وإسرافيل وسماهم ضيفا لأنهم كانوا في صورة الضيف ) المكرمين ( أي مكرمين عند الله أو عند إبراهيم إذ خدمهم بنفسه وزوجته
الذاريات : ( 25 ) إذ دخلوا عليه . . . . .
) إذ دخلوا عليه ( ظرف لل ) قال سلام ( أي عليكم سلام عدل به إلى الرفع بالابتداء لقصد الثبات حتى تكون تحيته أحسن من تحيتهم وقرئا مرفوعين وقرأ حمزة والكسائي(5/237)
" صفحة رقم 238 "
قال سلم وقرىء منصوبا والمعنى واحد ) قوم منكرون ( أي أنتم قوم منكرون وإنما أنكرهم لأنه ظن أنهم بنو آدم ولم يعرفهم أو لأن السلام لم يكن تحيتهم فإنه علم الإسلام وهو كالتعرف عنهم
الذاريات : ( 26 ) فراغ إلى أهله . . . . .
) فراغ إلى أهله ( فذهب إليهم في خفية من ضيفه فإن من أدب المضيف أن يبادر بالقرى حذرا من أن يكفه الضيف أو يصير منتظرا ) فجاء بعجل سمين ( لأنه كان عامة ماله البقر
الذاريات : ( 27 ) فقربه إليهم قال . . . . .
) فقربه إليهم ( بأن وضعه بين أيديهم ) قال ألا تأكلون ( أي منه وهو مشعر بكونه حينذا والهمزة فيه للعرض والحث على الأكل على طريقة الأدب أن قاله أول ما وضعه وللإنكار إن قاله حينما رأى إعراضهم
الذاريات : ( 28 ) فأوجس منهم خيفة . . . . .
) فأوجس منهم خيفة ( فأضمر منهم خوفا لما رأى إعراضهم عن طعامه لظنه أنهم جاؤوه لشر وقيل وقع في نفسه أنهم ملائكة أرسلوا للعذاب ) قالوا لا تخف ( إنا رسل الله قيل مسح جبريل العجل بجناحه فقام يدرج حتى لحق بأمه فعرفهم وأمن منهم ) وبشروه بغلام ( هو إسحق عليه السلام ) عليم ( يكمل علمه إذ بلغ
الذاريات : ( 29 ) فأقبلت امرأته في . . . . .
) فأقبلت امرأته ( سارة إلى بيتها وكانت في زاوية تنظر إليهم ) في صرة ( في صيحة من الصرير ومحله النصب على الحال أو المفعول إن أول فأقبلت بأخذت ) فصكت وجهها ( فلطمت بأطراف الأصابع جبهتها فعل المتعجب وقيل وجدت حرارة دم الحيض فلطمت وجهها من الحياء ) وقالت عجوز عقيم ( أي أنا عجوز عاقر فكيف ألد(5/238)
" صفحة رقم 239 "
الذاريات : ( 30 ) قالوا كذلك قال . . . . .
) قالوا كذلك ( مثل ذلك الذي بشرنا به ) قال ربك ( وإنما نخبرك به عنه ) إنه هو الحكيم العليم ( فيكون قوله حقا وفعله محكما
الذاريات : ( 31 ) قال فما خطبكم . . . . .
) قال فما خطبكم أيها المرسلون ( لما علم أنهم ملائكة وأنهم لا ينزلون مجتمعين إلا لأمر عظيم سأل عنه
الذاريات : ( 32 ) قالوا إنا أرسلنا . . . . .
) قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين ( يعنون قوم لوط
الذاريات : ( 33 ) لنرسل عليهم حجارة . . . . .
) لنرسل عليهم حجارة من طين ( يريد السجيل فإنه طين متحجر
الذاريات : ( 34 ) مسومة عند ربك . . . . .
) مسومة عند ربك ( مرسلة من أسمت الماشية أو معلمة من السومة وهي العلامة ) للمسرفين ( المجاوزين الحد في الفجور
الذاريات : ( 35 ) فأخرجنا من كان . . . . .
) فأخرجنا من كان فيها ( في قرى قوم لوط وإضمارها ولم يجر ذكرها لكونها معلومة ) من المؤمنين ( ممن آمن بلوط
الذاريات : ( 36 ) فما وجدنا فيها . . . . .
) فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ( غير أهل بيت من المسلمين واستدل به على اتحاد الإيمان والإسلام وهو ضعيف لأن ذلك لا يقتضي إلا من صدق المؤمن والمسلم على من اتبعه وذلك لا يقتضي اتحاد مفهوميهما لجواز صدق المفهومات المختلفة على ذات واحدة
الذاريات : ( 37 ) وتركنا فيها آية . . . . .
) وتركنا فيها آية ( علامة ) للذين يخافون العذاب الأليم ( فإنهم المعتبرون بها وهي تلك الأحجار أو صخر منضود فيها أو ماء أسود منتن
الذاريات : ( 38 ) وفي موسى إذ . . . . .
) وفي موسى ( عطف على ) وفي الأرض ( أو ) وتركنا فيها ( على معنى وجعلنا في موسى كقوله " علفتها تبنا وماء باردا "
الذاريات : ( 39 ) فتولى بركنه وقال . . . . .
) إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين ( هو معجزاته كالعصا واليد ) فتولى بركنه ( فأعرض عن الإيمان به كقوله ) ونأى بجانبه ( أو فتولى بما كان يتقوى به من جنوده وهو اسم لما يركن إليه الشيء ويتقوى به وقرىء بضم الكاف ) وقال ساحر ( أي هو ساحر ) أو مجنون ( كأنه جعل ما ظهر عليه من الخوارق منسوبا إلى الجن وتردد في أنه حصل ذلك باختياره وسعيه أو بغيرهما(5/239)
" صفحة رقم 240 "
الذاريات : ( 40 ) فأخذناه وجنوده فنبذناهم . . . . .
) فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم ( فأغرقناهم في البحر ) وهو مليم ( آت بما يلام عليه من الكفر والعناد والجملة حال من الضمير في ) فأخذناه )
الذاريات : ( 41 ) وفي عاد إذ . . . . .
) وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ( سماها عقيما لأنها أهلكتهم وقطعت دابرهم أو لأنها لم تتضمن منفعة وهي الدبور أو الجنوب أو النكباء
الذاريات : ( 42 ) ما تذر من . . . . .
) ما تذر من شيء أتت ( مرت ) عليه إلا جعلته كالرميم ( كالرماد من الرم وهو البلى والتفتت
الذاريات : ( 43 ) وفي ثمود إذ . . . . .
) وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين ( تفسيره قوله ) تمتعوا في داركم ثلاثة أيام )
الذاريات : ( 44 ) فعتوا عن أمر . . . . .
) فعتوا عن أمر ربهم ( فاستكبروا عن امتثاله ) فأخذتهم الصاعقة ( أي العذاب بعد الثلاث وقرأ الكسائي الصعقة وهي المرة من الصعق ) وهم ينظرون ( إليها فإنها جاءتهم معاينة بالنهار
الذاريات : ( 45 ) فما استطاعوا من . . . . .
) فما استطاعوا من قيام ( كقوله ) فأصبحوا في دارهم جاثمين ( وقيل من قولهم ما يقوم به إذا عجز عن دفعه ) وما كانوا منتصرين ( ممتنعين منه
الذاريات : ( 46 ) وقوم نوح من . . . . .
) وقوم نوح ( أي وأهلكنا قوم نوح لأن ما قبله يدل عليه أو اذكر ويجوز أن يكون عطفا على محل ) وفي عاد ( ويؤيده قراءة أبي عمرو وحمزة والكسائي بالجر ) من قبل ( من قبل هؤلاء المذكورين ) إنهم كانوا قوما فاسقين ( خارجين عن الاستقامة بالكفر والعصيان(5/240)
" صفحة رقم 241 "
الذاريات : ( 47 ) والسماء بنيناها بأيد . . . . .
) والسماء بنيناها بأيد ( بقوة ) وإنا لموسعون ( لقادرون من الوسع بمعنى الطاقة والموسع القادر على الإنفاق أو ) لموسعون ( السماء أو ما بينها وبين الأرض أو الرزق
الذاريات : ( 48 ) والأرض فرشناها فنعم . . . . .
) والأرض فرشناها ( مهدناها لتستقروا عليها ) فنعم الماهدون ( أي نحن
الذاريات : ( 49 ) ومن كل شيء . . . . .
) ومن كل شيء ( من الأجناس ) خلقنا زوجين ( نوعين ) لعلكم تذكرون ( فتعلمون أن التعدد من خواص الممكنات وأن الواجب بالذات لا يقبل التعدد والانقسام
الذاريات : ( 50 ) ففروا إلى الله . . . . .
) ففروا إلى الله ( من عقابه بالإيمان والتوحيد وملازمة الطاعة ) إني لكم منه ( أي من عذابه المعد لمن أشرك أو عصى ) نذير مبين ( بين كونه منذرا من الله بالمعجزات أو ) مبين ( ما يجب أن يحذر عنه
الذاريات : ( 51 ) ولا تجعلوا مع . . . . .
) ولا تجعلوا مع الله إلها آخر ( إفراد لأعظم ما يجب أن يفر منه ) إني لكم منه ( أي من عذابه المعد لمن أشرك أو عصى ) نذير مبين ( بين كونه منذرا من الله بالمعجزات أو ) مبين ( ما يجب أن يحذر عنه ) ولا تجعلوا مع الله إلها آخر ( إفراد لأعظم أن يفر منه ) إني لكم منه نذير مبين ( تكرير للتأكيد أو الأول مرتب على ترك الإيمان والطاعة والثاني على الإشراك
الذاريات : ( 52 ) كذلك ما أتى . . . . .
) كذلك ( أي الأمر مثل ذلك والإشارة إلى تكذيبهم الرسول وتسميتهم إياه ) ساحر أو مجنون ( وقوله ) ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون ( كالتفسير له ولا يجوز نصبه ب ) أتى ( أو ما يفسره لأن ما بعد ) ما ( النافية لا يعمل فيما قبلها
الذاريات : ( 53 ) أتواصوا به بل . . . . .
) أتواصوا ( أي كأن الأولين والآخرين منهم أوصى بعضهم بعضا بهذا القول حتى قالوه جميعا ) بل هم قوم طاغون ( إضراب عن أن التواصي جامعهم لتباعد أيامهم إلى أن الجامع لهم على هذا القول مشاركتهم في الطغيان الحامل عليه
الذاريات : ( 54 ) فتول عنهم فما . . . . .
) فتول عنهم ( فاعرض عن مجادلتهم بعدما كررت عليهم الدعوة فأبوا إلا الإصرار والعناد ) فما أنت بملوم ( على الإعراض بعد ما بذلت جهدك في البلاغ
الذاريات : ( 55 ) وذكر فإن الذكرى . . . . .
) وذكر ( ولا تدع التذكير والموعظة ) فإن الذكرى تنفع المؤمنين ( من قدر الله إيمانه أو من آمن فإنه يزداد بها بصيرة(5/241)
" صفحة رقم 242 "
الذاريات : ( 56 ) وما خلقت الجن . . . . .
) وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ( لما خلقهم على صورة متوجهة إلى العبادة مغلبة لها جعل خلقهم مغيا بها مبالغة في ذلك ولو حمل على ظاهره مع أن الدليل يمنعه لنا في ظاهر قوله ) ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس ( وقيل معناه إلا لأمرهم بالعبادة أو ليكونوا عبادا لي
الذاريات : ( 57 ) ما أريد منهم . . . . .
) ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون ( أي ما أريد أن أصرفكم في تحصيل رزقي فاشتغلوا بما أنتم كالمخلوقين له والمأمورين به والمراد أن يبين أن شأنه مع عباده ليس شأن السادة مع عبيدهم فإنهم إنما يملكونهم ليستعينوا بهم في تحصيل معايشهم ويحتمل أن يقدر بقل فيكون بمعنى قوله ) قل لا أسألكم عليه أجرا )
الذاريات : ( 58 ) إن الله هو . . . . .
) إن الله هو الرزاق ( الذي يرزق كل ما يفتقر إلى الرزق وفيه إيماء باستغنائه عنه وقرىء إني أنا الرزاق ) ذو القوة المتين ( شديد القوة وقرىء ) المتين ( بالجر صفة ل ) القوة )
الذاريات : ( 59 ) فإن للذين ظلموا . . . . .
) فإن للذين ظلموا ذنوبا ( أي للذين ظلموا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالتكذيب نصيبا من العذاب ) مثل ذنوب أصحابهم ( مثل نصيب نظرائهم من الأمم السابقة وهو مأخوذ من مقاسمة السقاة الماء بالدلاء فإن الذنوب هو الدلو العظيم المملوء ) فلا يستعجلون ( جواب لقولهم ) متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ((5/242)
" صفحة رقم 243 "
الذاريات : ( 60 ) فويل للذين كفروا . . . . .
) فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون ( من يوم القيامة أو يوم بدر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة والذاريات أعطاه الله عشر حسنات بعدد كل ريح هبت وجرت في الدنيا(5/243)
" صفحة رقم 244 "
سورة الطور
مكية وآيها تسع أو ثمان وأربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الطور : ( 1 ) والطور
) والطور ( يريد طور سينين وهو جبل بمدين سمع فيه موسى عليه السلام كلام الله تعالى ) والطور ( الجبل بالسريانية أو ما طار من أوج الإيجاد إلى حضيض المواد أو من عالم الغيب إلى عالم الشهادة
الطور : ( 2 ) وكتاب مسطور
) وكتاب مسطور ( مكتوب والسطر ترتيب الحروف المكتوبة والمراد به القرآن أو ما كتبه الله في اللوح المحفوظ أو ألواح موسى عليه السلام أو في قلوب أوليائه من المعارف والحكم أو ما تكتبه الحفظة
الطور : ( 3 ) في رق منشور
) في رق منشور ( الرق الجلد الذي يكتب فيه استعير لما كتب فيه الكتاب وتنكيرهما للتعظيم والإشعار بأنهما ليسا من المتعارف فيما بين الناس
الطور : ( 4 ) والبيت المعمور
) والبيت المعمور ( يعني الكعبة وعمارتها بالحجاج و المجاورين أو الضراح وهو في السماء الرابعة وعمرانه كثرة غاشيته من الملائكة أو قلب المؤمن وعمارته بالمعرفة والإخلاص(5/244)
" صفحة رقم 245 "
الطور : ( 5 ) والسقف المرفوع
) والسقف المرفوع ( يعني السماء
الطور : ( 6 ) والبحر المسجور
) والبحر المسجور ( أي المملوء وهو المحيط أو الموقد من قوله ) وإذا البحار سجرت ( روي أنه تعالى يجعل يوم القيامة البحار نارا يسجر بها نار جهنم أو المختلط من السجير وهو الخليط
الطور : ( 7 ) إن عذاب ربك . . . . .
) إن عذاب ربك لواقع ( لنازل
الطور : ( 8 ) ما له من . . . . .
) ما له من دافع ( يدفعه ووجه دلالة هذه الأمور المقسم بها على ذلك أنها أمور تدل على كمال قدرة الله تعالى وحكمته وصدق أخباره وضبطه أعمال العباد للمجازاة
الطور : ( 9 ) يوم تمور السماء . . . . .
) يوم تمور السماء مورا ( تضطرب والمور تردد في المجيء والذهاب وقيل تحرك في تموج و ) يوم ( ظرف
الطور : ( 10 ) وتسير الجبال سيرا
) وتسير الجبال سيرا ( أي تسير عن وجه الأرض فتصير هباء
الطور : ( 11 ) فويل يومئذ للمكذبين
) فويل يومئذ للمكذبين ( أي إذا وقع ذلك فويل لهم
الطور : ( 12 ) الذين هم في . . . . .
) الذين هم في خوض يلعبون ( أي في الخوض في الباطل
الطور : ( 13 ) يوم يدعون إلى . . . . .
) يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ( يدفعون إليها دفعا بعنف وذلك بأن تغل أيديهم إلى أعناقهم وتجمع نواصيهم إلى أقدامهم فيدفعون إلى النار وقرىء يدعون من الدعاء فيكون دعا حالا بمعنى مدعوين و ) يوم ( بدل من ) يوم تمور ( أو ظرف لقول مقدر محكية
الطور : ( 14 ) هذه النار التي . . . . .
) هذه النار التي كنتم بها تكذبون ( أي يقال لهم ذلك
الطور : ( 15 ) أفسحر هذا أم . . . . .
) أفسحر هذا ( أي كنتم تقولون للوحي هذا سحر أفهذا المصداق أيضا سحر وتقديم الخبر لأنه المقصود بالإنكار والتوبيخ ) أم أنتم لا تبصرون ( هذا أيضا كما كنتم لا تبصرون في الدنيا ما يدل عليه وهو تقريع وتهكم أو أم سدت أبصاركم كما سدت في الدنيا على زعمكم حين قلتم ) إنما سكرت أبصارنا ((5/245)
" صفحة رقم 246 "
الطور : ( 16 ) اصلوها فاصبروا أو . . . . .
) اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا ( أي ادخلوها على أي وجه شئتم من الصبر وعدمه فإنه لا محيص لكم عنها ) سواء عليكم ( أي الأمران الصبر وعدمه ) إنما تجزون ما كنتم تعملون ( تعليل للاستواء فإنه لما كان الجزاء واجب الوقوع كان الصبر وعدمه سيين في عدم النفع
الطور : ( 17 ) إن المتقين في . . . . .
) إن المتقين في جنات ونعيم ( في أية جنات وأي نعيم أو في ) جنات ونعيم ( مخصوصة بهم
الطور : ( 18 ) فاكهين بما آتاهم . . . . .
) فاكهين ( ناعمين متلدذين ) بما آتاهم ربهم ( وقرىء فكهين وفاكهون على أنه الخبر والظرف لغو ) ووقاهم ربهم عذاب الجحيم ( عطف على ) آتاهم ( إن جعل ) ما ( مصدرية أو ) في جنات ( أو حال بإضمار قد من المستكن في الظرف أو الحال أو من فاعل آتى أو مفعوله أو منهما
الطور : ( 19 ) كلوا واشربوا هنيئا . . . . .
) كلوا واشربوا هنيئا ( أي أكلا وشرابا ) هنيئا ( أو طعاما وشرابا ) هنيئا ( وهو الذي لا تنغيص فيه ) بما كنتم تعملون ( بسببه أو بدله وقيل الباء زائدة وما فاعل ) هنيئا ( والمعنى هنأكم ما كنتم تعملون أي جزاؤه
الطور : ( 20 ) متكئين على سرر . . . . .
) متكئين على سرر مصفوفة ( مصطفة ) وزوجناهم بحور عين ( الباء لما في التزويج من معنى الوصل والإلصاق أو للسببية أذ المعنى صيرناهم أزواجا بسببهن أو لما في التزويج من معنى الإلصاق والقرن ولذلك عطف
الطور : ( 21 ) والذين آمنوا واتبعتهم . . . . .
) والذين آمنوا ( على حور أي قرناهم بأزواج حور ورفقاء مؤمنين وقيل إنه مبتدأ ) ألحقنا بهم ( وقوله ) واتبعتهم ذريتهم بإيمان ( اعتراض للتعليل وقرأ ابن عامر(5/246)
" صفحة رقم 247 "
ويعقوب ذرياتهم بالجمع وضم 2 التاء للمبالغة في كثرتهم والتصريح فإن الذرية تقع على الواحد والكثير وقرأ أبو عمرو و أتبعناهم ذرياتهم أي جعلناهم تابعين لهم في الإيمان وقيل ) بإيمان ( حال من الضمير أو الذرية أو منهما وتنكيره للتعظيم أو الإشعار بأنه يكفي للإلحاق المتابعة في أصل الإيمان ) ألحقنا بهم ذريتهم ( في دخول الجنة أو الدرجة لما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه لتقر بهم عينه ثم تلا هذه الآية وقرأ نافع وابن عامر والبصريان / ذرياتهم / ) وما ألتناهم ( وما نقصناهم ) من عملهم من شيء ( بهذا الإلحاق فإنه كان يحتمل أن يكون بنقص مرتبة الآباء أو بإعطاء الأبناء بعض مثوباتهم ويحتمل أن يكون بالتفصيل عليهم وهو اللائق بكمال لطفه وقرأ ابن كثير بكسر اللام من ألت يألت وعنه لتناهم من لات يليت وآلتناهم من آلت يولت و والتناهم من ولت يلت ومعنى الكل واحد ) كل امرئ بما كسب رهين ( بعمله مرهون عند الله تعالى فإن عمل صالحا فكه وإلا أهلكه
الطور : ( 22 ) وأمددناهم بفاكهة ولحم . . . . .
) وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون ( أي وزدناهم وقتا بعد وقت ما يشتهون من أنواع التنعم
الطور : ( 23 ) يتنازعون فيها كأسا . . . . .
) يتنازعون فيها ( يتعاطون هو وجلساؤهم بتجاذب ) كأسا ( خمرا سماها باسم محلها ولذلك أنت الضمير في قوله ) لا لغو فيها ولا تأثيم ( أي لا يتكلمون بلغو(5/247)
" صفحة رقم 248 "
الحديث في أثناء شربها ولا يفعلوا ما يؤثم به فاعله كما هو عادة الشاربين في الدنيا وذلك مثل قوله تعالى ) لا فيها غول ( وقرأهما ابن كثير والبصريان بالفتح
الطور : ( 24 ) ويطوف عليهم غلمان . . . . .
) ويطوف عليهم ( أي بالكأس ) غلمان لهم ( أي مماليك مخصوصون بهم وقيل هم أولادهم الذين سبقوهم ) كأنهم لؤلؤ مكنون ( مصون في الصدف من بياضهم وصفائهم وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) والذي نفسي بيده إن فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب
الطور : ( 25 ) وأقبل بعضهم على . . . . .
) وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ( يسأل بعضهم بعضا عن أحواله وأعماله
الطور : ( 26 ) قالوا إنا كنا . . . . .
) قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين ( خائفين من عصيان الله معتنين بطاعته أو وجلين من العاقبة
الطور : ( 27 ) فمن الله علينا . . . . .
) فمن الله علينا ( بالرحمة والتوفيق ) ووقانا عذاب السموم ( عذاب النار النافذة في المسام نفوذ السموم وقرىء ووقانا بالتشديد
الطور : ( 28 ) إنا كنا من . . . . .
) إنا كنا من قبل ( من قبل ذلك في الدنيا ) ندعوه ( نعبده أو نسأله الوقاية ) إنه هو البر ( المحسن وقرأ نافع والكسائي أنه بالفتح ) الرحيم ( الكثير الرحمة
الطور : ( 29 ) فذكر فما أنت . . . . .
) فذكر ( فاثبت على التذكير ولا تكترث بقولهم ) فما أنت بنعمة ربك ( بحمد الله وإنعامه ) بكاهن ولا مجنون ( كما يقولون
الطور : ( 30 ) أم يقولون شاعر . . . . .
) أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ( ما يقلق النفوس من حوادث الدهر وقيل ) المنون ( الموت فعول من منه إذا قطعه
الطور : ( 31 ) قل تربصوا فإني . . . . .
) قل تربصوا فإني معكم من المتربصين ( أتربص هلاككم كما تتربصون هلاكي
الطور : ( 32 ) أم تأمرهم أحلامهم . . . . .
) أم تأمرهم أحلامهم ( عقولهم ) بهذا ( بهذا التناقض في القول فإن الكاهن يكون ذا فطنة ودقة نظر والمجنون مغطى عقله والشاعر يكون ذا كلام موزون متسق مخيل ولا(5/248)
" صفحة رقم 249 "
يتأتى ذلك من المجنون وأمر الأحلام به مجاز عن أدائها إليه ) أم هم قوم طاغون ( مجاوزون الحد في العناد وقرىء بل هم
الطور : ( 33 ) أم يقولون تقوله . . . . .
) أم يقولون تقوله ( اختلقه من تلقاء نفسه ) بل لا يؤمنون ( فيرمونه بهذه المطاعن لكفرهم وعنادهم
الطور : ( 34 ) فليأتوا بحديث مثله . . . . .
) فليأتوا بحديث مثله ( مثل القرآن ) إن كانوا صادقين ( في زعمهم إذ فيهم كثير ممن عدوا فصحاء فهو رد للأقوال المذكورة بالتحدي ويجوز أن يكون رد للتقول فإن سائر الأقسام ظاهر الفساد
الطور : ( 35 - 36 ) أم خلقوا من . . . . .
) أم خلقوا من غير شيء ( أم أحدثوا وقدروا من غير محدث ومقدر فلذلك لا يعبدونه أو من أجل لا شيء من عبادة ومجازاة ) أم هم الخالقون ( يؤيد الأول فإن معناه أم خلقوا أنفسهم ولذلك عقبه بقوله ) أم خلقوا السماوات والأرض ( و ) أم ( في هذه الآيات منقطعة ومعنى الهمزة فيها الإنكار ) بل لا يوقنون ( إذا سئلوا من خلقكم ومن خلق السموات والأرض قالوا الله إذ لو أيقنوا ذلك لما أعرضوا عن عبادته
الطور : ( 37 ) أم عندهم خزائن . . . . .
) أم عندهم خزائن ربك ( خزائن رزقه حتى يرزقوا النبوة من شاؤوا أو خزائن علمه حتى يختاروا لها من اختارته حكمته ) أم هم المصيطرون ( الغالبون على الأشياء يدبرونها كيف شاؤوا وقرأ قنبل وحفص بخلاف عنه وهشام بالسين وحمزة بخلاف عن خلاد بين الصاد والزاي والباقون بالصاد خاصة
الطور : ( 38 ) أم لهم سلم . . . . .
) أم لهم سلم ( مرتقى إلى السماء ) يستمعون فيه ( صاعدين فيه إلى كلام الملائكة وما يوحي إليهم من علم الغيب حتى يعلموا ما هو كائن ) فليأت مستمعهم بسلطان مبين ( بحجة واضحة تصدق استماعة
الطور : ( 39 ) أم له البنات . . . . .
) أم له البنات ولكم البنون ( فيه تسفيه لهم وإشعار بأن من هذا رأيه لا يعد من العقلاء فضلا أن يترقى بروحه إلى عالم الملكوت فيتطلع على الغيوب
الطور : ( 40 ) أم تسألهم أجرا . . . . .
) أم تسألهم أجرا ( على تبليغ الرسالة ) فهم من مغرم ( من التزام غرم ) مثقلون ( محملون الثقل فلذلك زهدوا في اتباعك(5/249)
" صفحة رقم 250 "
الطور : ( 41 ) أم عندهم الغيب . . . . .
) أم عندهم الغيب ( اللوح المحفوظ المثبت فيه المغيبات ) فهم يكتبون ( منه
الطور : ( 42 ) أم يريدون كيدا . . . . .
) أم يريدون كيدا ( وهو كيدهم في دار الندوة برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) فالذين كفروا ( يحتمل العموم والخصوص فيكون وضعه موضع الضمير للتسجيل على كفرهم والدلالة على أنه الموجب للحكم المذكور ) هم المكيدون ( هم الذين يحيق بهم الكيد أو يعود عليهم وبال كيدهم وهو قتلهم يوم بدر أو المغلوبون في الكيد من كايدته فكدته
الطور : ( 43 ) أم لهم إله . . . . .
) أم لهم إله غير الله ( يعينهم ويحرسهم من عذابه ) سبحان الله عما يشركون ( عن إشراكهم أو شركة ما يشركونه به
الطور : ( 44 ) وإن يروا كسفا . . . . .
) وإن يروا كسفا ( قطعة ) من السماء ساقطا يقولوا ( من فرط طغيانهم وعنادهم ) سحاب مركوم ( هذا سحاب تراكم بعضه على بعض وهو جواب قولهم ) فأسقط علينا كسفا من السماء )
الطور : ( 45 ) فذرهم حتى يلاقوا . . . . .
) فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون ( وهو عند النفخة الأولى وقرئ يلقوا وقرأ ابن عامر وعاصم ) يصعقون ( على المبني للمفعول من صعقه أو أصعقه
الطور : ( 46 ) يوم لا يغني . . . . .
) يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ( أي شيئا من الإغناء في رد العذاب ) ولا هم ينصرون ( يمنعون من عذاب الله
الطور : ( 47 ) وإن للذين ظلموا . . . . .
) وإن للذين ظلموا ( يحتمل العموم والخصوص ) عذابا دون ذلك ( أي دون عذاب الآخرة وهو عذاب القبر أوالمؤاخذة في الدنيا كقتلهم ببدر والقحط سبع سنين ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( ذلك
الطور : ( 48 ) واصبر لحكم ربك . . . . .
) واصبر لحكم ربك ( بإمهالهم وإبقائك في عنائهم ) فإنك بأعيننا ( في حفظنا(5/250)
" صفحة رقم 251 "
بحيث نراك ونكلؤك وجمع العين لجمع الضمير والمبالغة بكثرة أسباب الحفظ ) وسبح بحمد ربك حين تقوم ( من أي مكان قمت أو من منامك أو إلى الصلاة
الطور : ( 49 ) ومن الليل فسبحه . . . . .
) ومن الليل فسبحه ( فإن العبادة فيه أشق على النفس وإبعد من الرياء ولذلك أفرده بالذكر وقدمه على الفعل ) وإدبار النجوم ( وإذا أدبرت النجوم من آخر الليل وقرئ بالفتح أي في أعقابها إذا غربت أو خفيت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة والطور كان حقا على الله أن يؤمنه من عذابه وأن ينعمه في جنته(5/251)
" صفحة رقم 252 "
سورة النجم
مكية وآيها إحدى أو اثنتان وستون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
النجم : ( 1 - 2 ) والنجم إذا هوى
) والنجم إذا هوى ( أقسم بجنس النجوم أو الثريا فإنه غلب فيها إذا غرب أو انتثر يوم القيامة أو انقض أو طلع فإنه يقال هوى هويا بالفتح إذا سقط وغرب وهويا بالضم إذا علا وصعد أو بالنجم من نجوم القرآن إذا نزل أو النبات إذا سقط على الأرض أو إذا نما ارتفع على قوله ) ما ضل صاحبكم ( ما عدل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) عن الطريق المستقيم والخطاب لقريش ) وما غوى ( وما اعتقد باطلا والخطاب لقريش والمراد نفي ما ينسبون إليه
النجم : ( 3 ) وما ينطق عن . . . . .
) وما ينطق عن الهوى ( وما يصدر نطقه بالقرآن عن الهوى
النجم : ( 4 ) إن هو إلا . . . . .
) إن هو ( ما القرآن أو الذي ينطق به ) إلا وحي يوحى ( أي إلا وحي يوحيه الله إليه واحتج به من لم ير الاجتهاد له وأجيب عنه بأنه إذا أوحي إليه بأن يجتهد كان اجتهاده وما يستند إليه وحيا وفيه نظر لأن ذلك حينئذ يكون بالوحي لا الوحي
النجم : ( 5 ) علمه شديد القوى
) علمه شديد القوى ( ملك شديد قواه وهو جبريل عليه السلام فإنه الواسطة في بداء الخوارق روي أنه قلع قرى قوم لوط ورفعها إلى السماء ثم قلبها وصاح صيحة بثمود فأصبحوا جاثمين(5/252)
" صفحة رقم 253 "
النجم : ( 6 ) ذو مرة فاستوى
) ذو مرة ( حصافة في عقله ورأيه ) فاستوى ( فاستقام على صورته الحقيقية التي خلقه الله تعالى عليها قيل ما رآه أحد من الأنبياء في صورته غير محمد ( صلى الله عليه وسلم ) مرتين مرة في السماء ومرة في الأرض وقيل استوى بقوته على ما جعل له من الأمر
النجم : ( 7 ) وهو بالأفق الأعلى
) وهو بالأفق الأعلى ( في أفق السماء والضمير لجبريل عليه السلام
النجم : ( 8 ) ثم دنا فتدلى
) ثم دنا ( من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) فتدلى ( فتعلق به وهو تمثيل لعروجه بالرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل ثم تدلى من الأفق الأعلى فدنا فيكون من الرسول إشعارا بأنه عرج به غير منفصل عن محله تقريرا لشدة قوته فإن التدلي استرسال مع تعلق كتدلي الثمرة ويقال دلى رجليه من السرير وأدلى دلوه والدوالي الثمر المعلق
النجم : ( 9 ) فكان قاب قوسين . . . . .
) فكان ( جبريل عليه السلام كقولك هو مني معقد إزار أو المسافة بينهما ) قاب قوسين ( مقدارهما ) أو أدنى ( على تقديركم كقوله أو يزيدون والمقصود تمثيل ملكة الاتصال وتحقيق استماعه لما أوحي إليه بنفي البعد الملبس
النجم : ( 10 ) فأوحى إلى عبده . . . . .
) فأوحى ( جبريل عليه السلام ) إلى عبده ( عبد الله وإضماره قبل الذكر لكونه معلوما كقوله ) على ظهرها ( ) ما أوحي ( جبريل عليه السلام وفيه تفخيم للموحى به أو الله إليه وقيل الضمائر كلها لله تعالى وهو المعنى بتشديد القوى كما في قوله تعالى(5/253)
" صفحة رقم 254 "
) إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ( ودنوه منه برفع مكانته وتدليه جذبه بشراشره إلى جناب القدس
النجم : ( 11 ) ما كذب الفؤاد . . . . .
) ما كذب الفؤاد ما رأى ( ما رأى ببصره من صورة جبريل عليه السلام أو الله تعالى أي ما كذب بصره بما حكاه له فإن الأمور القدسية تدرك أولا بالقلب ثم تنتقل منه إلى البصر أو ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك ولو قال ذلك كان كاذبا لأنه عرفه بقلبه كما رآه ببصره أو ما رآه بقلبه والمعنى أنه لم يكن تخيلا كاذبا ويدل عليه أنه ( صلى الله عليه وسلم ) سئل هل رأيت ربك فقال رأيته بفؤادي وقرأ هشام ما كذب أي صدقه ولم يشك فيه
النجم : ( 12 ) أفتمارونه على ما . . . . .
) أفتمارونه على ما يرى ( أفتجادلونه عليه من المراء وهو المجادلة واشتقاقه من مرى الناقة كان كلا من المتجادلين يمري ما عند صاحبه وقرأ حمزة والكسائي وخلف ويعقوب أفتمرونه أي أفتغلبونه في المراء من ماريته فمريته أو أفتجحدونه من مراه حقه إذا جحده وعلى لتضمين الفعل معنى الغلبة فإن المماري والجاحد يقصدان بفعلهما غلبة الخصم
النجم : ( 13 ) ولقد رآه نزلة . . . . .
) ولقد رآه نزلة أخرى ( مرة أخرى فعلة من النزول أقيمت مقام المرة ونصبت نصبها إشعارا بأن الرؤية في هذه المرة كانت أيضا بنزول ودنو والكلام في المرئي والدنو ما سبق وقيل تقديره ولقد رآه نازلا نزلة أخرى ونصبها على المصدر والمراد به نفي الريبة عن المرة الأخيرة(5/254)
" صفحة رقم 255 "
النجم : ( 14 ) عند سدرة المنتهى
) عند سدرة المنتهى ( التي ينتهي إليها أعمال الخلائق وعلمهم أوما ينزل من فوقها ويصعد من تحتها ولعلها شبهت بالسدرة وهي شجرة النبق لأنهم يجتمعون في ظلها وروي مرفوعا أنها في السماء السابعة
النجم : ( 15 ) عندها جنة المأوى
) عندها جنة المأوى ( الجنة التي يأوي إليها المتقون أو أرواح الشهداء
النجم : ( 16 ) إذ يغشى السدرة . . . . .
) إذ يغشى السدرة ما يغشى ( تعظيم وتكثير لما يغشاها بحيث لا يكتنهها نعت ولا يحصيها عد وقيل يغشاها الجم الغفير من الملائكة يعبدون الله عندها
النجم : ( 17 ) ما زاغ البصر . . . . .
) ما زاغ البصر ( ما مال بصر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عما رآه ) وما طغى ( وما تجاوزه بل أثبته إثباتا صحيحا مستيقنا أو ما عدل عن رؤية العجائب التي أمر برؤيتها وما جاوزها
النجم : ( 18 ) لقد رأى من . . . . .
) لقد رأى من آيات ربه الكبرى ( أي والله لقد رأى من آياته وعجائبه الملكية والملكوتية ليلة المعراج وقد قيل إنها المعنية بما ) رأي ( ويجوز أن تكون ) الكبرى ( صفة لل ) آيات ( على أن المفعول محذوف أي شيئا من آيات ربه أو ) من ( مزيدة(5/255)
" صفحة رقم 256 "
النجم : ( 19 - 20 ) أفرأيتم اللات والعزى
) أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ( هي أصنام كانت لهم فاللات كانت لثقيف بالطائف أو لقريش بنخلة وهي فعلة من لوى لأنهم كانوا يلوون عليها أي يطوفون وقرأ هبة الله عن البزي ورويس عن يعقوب اللات بالتشديد على أنه سمي به لأنه صورة رجل كان يلت السويق بالسمن ويطعم الحاج ) والعزى ( بالتشديد سمرة لغطفان كانوا يعبدونها فبعث إليها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خالد بن الوليد فقطعها وأصلها تأنيث الأعز ) ومناة ( صخرة كانت لهذيل وخزاعة أو لثقيف وهي فعلة من مناة إذا قطعه فإنهم كانوا يذبحون عندها القرابين ومنه منى وقرأ ابن كثير / مناة / وهي مفعلة من النوء فإنهم كانوا يستمطرون الأنواء عندها تبركا بها وقوله ) الثالثة الأخرى ( صفتان للتأكيد كقوله تعالى ) يطير بجناحيه ( أو ) الأخرى ( من التأخر في الرتبة
النجم : ( 21 ) ألكم الذكر وله . . . . .
) ألكم الذكر وله الأنثى ( إنكار لقولهم الملائكة بنات الله وهذه الأصنام استوطنها جنيات هن بناته أو هياكل الملائكة وهو المفعول الثاني لقوله ) أفرأيتم )
النجم : ( 22 ) تلك إذا قسمة . . . . .
) تلك إذا قسمة ضيزى ( جائرة حيث جعلتم له ما تستنكفون منه وهي فعلى من الضيز وهو الجور لكنه كسر فاؤه لتسلم الياء كما فعل في بيض فإن فعلى بالكسر لم تأت وصفا وقرأ ابن كثير بالهمز من ضأزه إذا ظلمه على أنه مصدر نعت به
النجم : ( 23 ) إن هي إلا . . . . .
) إن هي إلا أسماء ( الضمير للأصنام أي ما هي باعتبار الألوهية إلا أسماء تطلقونها عليها لأنهم يقولون أنها آلهة وليس فيها شيء من معنى الألوهية أو للصفة التي تصفونها بها من كونها آلهة وبنات وشفعاء أو للأسماء المذكورة فإنهم كانوا يطلقون اللات عليها باعتبار استحقاقها للعكوف على عبادتها والعزى لعزتها ومناة لاعتقادهم أنها تستحق أن يتقرب إليها بالقرابين ) سميتموها ( سميتم بها(5/256)
" صفحة رقم 257 "
) أنتم وآباؤكم ( بهواكم ) ما أنزل الله بها من سلطان ( برهان تتعلقون به ) إن يتبعون ( وقرئ بالتاء ) إلا الظن ( إلا توهم أن ما هم عليه حق تقليدا وتوهما باطلا ) وما تهوى الأنفس ( وما تشتهيه أنفسهم ) ولقد جاءهم من ربهم الهدى ( الرسول أو الكتاب فتركوه
النجم : ( 24 ) أم للإنسان ما . . . . .
) أم للإنسان ما تمنى ( ) أم ( منقطعة ومعنى الهمزة فيها الإنكار والمعنى ليس له كل ما يتمناه والمراد نفي طمعهم في شفاعة الآلهة وقولهم ) ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى ( وقوله ) لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ( ونحوهما
النجم : ( 25 ) فلله الآخرة والأولى
) فلله الآخرة والأولى ( يعطي منهما ما يشاء لمن يريد وليس لأحد أن يتحكم عليه في شيء منهما
النجم : ( 26 ) وكم من ملك . . . . .
) وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا ( وكثير من الملائكة لا تغني شفاعتهم شيئا ولا تنفع ) إلا من بعد أن يأذن الله ( في الشفاعة ) لمن يشاء ( من الملائكة أن يشفع أو من الناس أن يشفع له ) ويرضى ( ويراه أهلا لذلك فكيف تشفع الأصنام لعبدتهم
النجم : ( 27 ) إن الذين لا . . . . .
) إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة ( أي كل واحد منهم ) تسمية الأنثى ( بأن يسموه بنتا
النجم : ( 28 ) وما لهم به . . . . .
) وما لهم به من علم ( أي بما يقولون وقرئ بها أي بالملائكة أو بالتسمية ) إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ( فإن الحق الذي هو حقيقة الشيء لا يدرك إلا بالعلم والظن لا اعتبار له في المعارف الحقيقية وإنما العبرة به في العمليات وما يكون وصلة إليها
النجم : ( 29 ) فأعرض عن من . . . . .
) فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ( فأعرض عن دعوته والاهتمام بشأنه فإن من غفل عن الله وأعرض عن ذكره وانهمك في الدنيا بحيث كانت منتهى همته ومبلغ علمه لا تزيده الدعوة إلا عنادا وإصرارا على الباطل(5/257)
" صفحة رقم 258 "
النجم : ( 30 ) ذلك مبلغهم من . . . . .
) ذلك ( أي أمر الدنيا أو كونها شهية ) مبلغهم من العلم ( لا يتجاوزه علمهم والجملة اعتراض مقرر لقصور هممهم بالدنيا وقوله ) إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى ( تعليل للأمر بالإعراض أي إنما يعلم الله من يجيب ممن لا يجيب فلا تتعب نفسك في دعوتهم إذ ما عليك إلا البلاغ وقد بلغت
النجم : ( 31 ) ولله ما في . . . . .
) ولله ما في السماوات وما في الأرض ( خلقا وملكا ) ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ( بعقاب ما عملوا من السوء أو بمثله أو بسبب ما عملوا من السوء وهو بمثله دل عليه ما قبله أي خلق العالم وسواه للجزاء أو ميز الضال عن المهتدي وحفظ أحوالهم لذلك ) ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ( بالمثوبة الحسنى وهي الجنة أو بأحسن من أعمالهم أو بسبب الأعمال الحسنى
النجم : ( 32 ) الذين يجتنبون كبائر . . . . .
) الذين يجتنبون كبائر الإثم ( ما يكبر عقابه من الذنوب وهو ما رتب عليه الوعيد بخصوصه وقيل ما أوجب الحد وقرأ حمزة والكسائي وخلف كبير الإثم على إرادة الجنس أو الشرك ) والفواحش ( ما فحش من الكبائر خصوصا ) إلا اللمم ( إلا ما قل وصغر فإنه مغفور من مجتنبي الكبائر والاستثناء منقطع ومحل ) الذين ( النصب على الصفة أو المدح أو الرفع على أنه خبر محذوف ) إن ربك واسع المغفرة ( حيث يغفر الصغائر باجتناب الكبائر أو له أن يغفر ما شاء من الذنوب صغيرها وكبيرها ولعله عقب به وعيد المسيئين ووعد المحسنين لئلا ييأس صاحب الكبيرة من رحمته ولا يتوهم وجوب العقاب على الله تعالى ) هو أعلم بكم ( أعلم بأحوالكم منكم ) إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم ( علم أحوالكم ومصارف أموركم حين ابتدأ خلقكم من التراب بخلق آدم وحينما صوركم في الأرحام ) فلا تزكوا أنفسكم ( فلا تثنوا عليها بزكاء العمل وزيادة الخير أو بالطهارة عن المعاصي والرذائل ) هو أعلم بمن اتقى ( فإنه يعلم التقي وغيره منكم قبل أن يخرجكم من صلب آدم عليه السلام
النجم : ( 33 ) أفرأيت الذي تولى
) أفرأيت الذي تولى ( عن اتباع الحق والثبات عليه
النجم : ( 34 ) وأعطى قليلا وأكدى
) وأعطى قليلا وأكدى ( وقطع العطاء من قولهم أكدى الحافر إذا بلغ الكدية وهي الصخرة الصلبة فترك الحفر والأكثر على أنها نزلت في الوليد بن المغيرة وكان يتبع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فعيره بعض المشركين وقال تركت دين الأشياخ وضللتهم قال أخشى(5/258)
" صفحة رقم 259 "
عذاب الله تعالى فضمن أن يتحمل عنه العقاب إن أعطاه بعض ماله فارتد وأعطى بعض المشروط ثم بخل بالباقي
النجم : ( 35 ) أعنده علم الغيب . . . . .
) أعنده علم الغيب فهو يرى ( يعلم أن صاحبه يتحمل عنه
النجم : ( 36 - 37 ) أم لم ينبأ . . . . .
) أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى ( وفى وأتم ما التزمه وأمر به أو بالغ في الوفاء بما عاهد الله وتخصيصه بذلك لاحتماله ما لم يحتمله غيره كالصبر على نار نمروذ حتى أتاه جبريل عليه السلام حين ألقي في النار فقال ألك حاجة فقال أما إليك فلا وذبح الولد وأنه كان يمشي كل يوم فرسخا يرتاد ضيفا فإن وافقه أكرمه وإلا نوى الصوم وتقديم موسى عليه الصلاة والسلام لأن صحفه وهي التوراة كانت أشهر وأكبر عندهم
النجم : ( 38 ) ألا تزر وازرة . . . . .
) ألا تزر وازرة وزر أخرى ( أن هي المخففة من الثقيلة وهي بما بعدها في محل الجر بدلا مما ) في صحف موسى ( أو الرفع على هو أن ) ولا تزر ( كأنه قيل ما في صحفهما فأجاب به والمعنى أنه لا يؤاخذ أحد بذنب غيره ولا يخالف ذلك قوله ) كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ( وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة فإن ذلك للدلالة والتسبب الذي هو وزره
النجم : ( 39 ) وأن ليس للإنسان . . . . .
) وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ( إلا سعيه أي كما لا يؤاخذ أحد بذنب الغير لا يثاب بفعله وما جاء في الأخبار من أن الصدقة والحج ينفعان الميت فلكون الناوي له كالنائب عنه
النجم : ( 40 - 41 ) وأن سعيه سوف . . . . .
) وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى ( أي يجزى العبد سعيه بالجزاء(5/259)
" صفحة رقم 260 "
الأوفر فنصب بنزع الخافض ويجوز أن يكون مصدرا وأن يكون مصدرا وأن تكون الهاء للجزاء المدلول عليه بيجزى و ) الجزاء ( بدله
النجم : ( 42 ) وأن إلى ربك . . . . .
) وأن إلى ربك المنتهى ( انتهاء الخلائق ورجوعهم وقرئ بالكسر على أنه منقطع عما في الصحف وكذلك ما بعده
النجم : ( 43 - 44 ) وأنه هو أضحك . . . . .
) وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا ( لا يقدر على الإماتة والإحياء غيره فإن القاتل ينقض البنية والموت يحصل عنده بفعل الله تعالى على سبيل العادة
النجم : ( 45 - 46 ) وأنه خلق الزوجين . . . . .
) وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى ( تدفق في الرحم أو تخلق أو يقدر منها الولد من منى إذا قدر
النجم : ( 47 ) وأن عليه النشأة . . . . .
) وأن عليه النشأة الأخرى ( الإحياء بعد الموت وفاء بوعده وقرأ ابن كثير وأبو عمرو النشاءة بالمدة وهو أيضا مصدر نشأ
النجم : ( 48 ) وأنه هو أغنى . . . . .
) وأنه هو أغنى وأقنى ( وأعطى القنية وهو ما يتأثل من الأموال وإفرادها لأنها أشرف الأموال أو أرضى وتحقيقه جعل الرضا له قنية
النجم : ( 49 ) وأنه هو رب . . . . .
) وأنه هو رب الشعرى ( يعني العبور وهي أشد ضياء من الغميصاء عبدها أبو كبشة أحد أجداد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وخالف قريشا في عبادة الأوثان ولذلك كانوا يسمون الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ابن أبي كبشة ولعل تخصيصها للإشعار بأنه ( صلى الله عليه وسلم ) وإن وافق أبا كبشة في مخالفاتهم خالفه أيضا في عبادتها
النجم : ( 50 ) وأنه أهلك عادا . . . . .
) وأنه أهلك عادا الأولى ( القدماء لأنهم أولى الأمم هلاكا بعد قوم نوح عليه الصلاة والسلام وقيل ) عادا الأولى ( قوم هود وعاد الأخرى إرم وقرئ عادا لولي(5/260)
" صفحة رقم 261 "
بحذف الهمزة ونقل ضمها إلى لام التعريف وقرأ نافع وأبو عمرو عادا لولي بضم اللام بحركة الهمزة وبادغام التنوين وقالون بعد ضمة اللام بهمزة ساكنة في موضع الواو
النجم : ( 51 ) وثمود فما أبقى
) وثمود ( عطف على ) عادا ( لأن ما بعده لا يعمل فيه وقرأ عاصم وحمزة بغير تنوين ويقفان بغير الألف والباقون بالتنوين ويقفون بالألف ) فما أبقى ( الفريقين
النجم : ( 52 ) وقوم نوح من . . . . .
) وقوم نوح ( أيضا معطوف عليه ) من قبل ( من قبل عاد وثمود ) إنهم كانوا هم أظلم وأطغى ( من الفريقين لأنهم كانوا يؤذونه وينفرون عنه ويضربونه حتى لا يكون به حراك
النجم : ( 53 ) والمؤتفكة أهوى
) والمؤتفكة ( والقرى التي ائتفكت بأهلها أي انقلبت وهي قرى قوم لوط ) أهوى ( بعد أن رفعها فقلبها
النجم : ( 54 ) فغشاها ما غشى
) فغشاها ما غشى ( فيه تهويل وتعميم لما أصابهم
النجم : ( 55 ) فبأي آلاء ربك . . . . .
) فبأي آلاء ربك تتمارى ( تتشكك والخطاب للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل أحد والمعدودات وإن كانت نعما ونقما سماها ) آلاء ( من قبل ما في نقمه من العبر والمواعظ للمعتبرين والانتقام للأنبياء عليهم الصلاة والسلام والمؤمنين
النجم : ( 56 ) هذا نذير من . . . . .
) هذا نذير من النذر الأولى ( أي هذا القرآن إنذار من جنس الإنذارات المتقدمة أو هذا الرسول نذير من جنس المنذرين الأولين
النجم : ( 57 ) أزفت الآزفة
) أزفت الآزفة ( دنت الساعة الموصوفة بالدنو في نحو قوله تعالى ) اقتربت الساعة )
النجم : ( 58 ) ليس لها من . . . . .
) ليس لها من دون الله كاشفة ( ليس لها نفس قادرة على كشفها إذا وقعت إلا الله لكنه لا يكشفها أو الآن بتأخيرها إلا الله أو ليس لها كاشفة لوقتها إلا الله إذ لا يطلع(5/261)
" صفحة رقم 262 "
عليه سواه أو ليس لها من غير الله كشف على أنها مصدر كالعافية
النجم : ( 59 ) أفمن هذا الحديث . . . . .
) أفمن هذا الحديث ( يعني القرآن ) تعجبون ( إنكارا
النجم : ( 60 ) وتضحكون ولا تبكون
) وتضحكون ( استهزاء ) ولا تبكون ( تحزنا على ما فرطتم
النجم : ( 61 ) وأنتم سامدون
) وأنتم سامدون ( لا هون أو مستكبرون من سمد البعير في مسيرة إذا رفع رأسه أو مغنون لتشغلوا الناس عن استماعه من الثمود وهو الغناء
النجم : ( 62 ) فاسجدوا لله واعبدوا
) فاسجدوا لله واعبدوا ( أي واعبدوه دون الآلهة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة النجم أعطاه الله عشر حسنات بعدد من صدق بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وجحد به بمكة(5/262)
" صفحة رقم 263 "
سورة القمر
مكية وآيها خمس وخمسون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
القمر : ( 1 ) اقتربت الساعة وانشق . . . . .
) اقتربت الساعة وانشق القمر ( روي أن الكفار سألوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) آية فانشق القمر وقيل معناه سينشق يوم القيامة ويؤيد الأول أنه قرئ وقد انشق القمر أي اقتربت الساعة وقد حصل من آيات اقترابها انشقاق القمر
القمر : ( 2 ) وإن يروا آية . . . . .
وقوله ) وإن يروا آية يعرضوا ( عن تأملها والإيمان بها ) ويقولوا سحر مستمر ( مطرد وهو يدل على أنهم رأوا قبله آيات أخر مترادفة ومعجزات متتابعة حتى قالوا ذلك أومحكم من المرة يقال أمررته فاستمر إذا أحكمته فاستحكم أو مستبشع من استمر الشيء إذا اشتدت مرارته أو مار ذاهب لا يبقى
القمر : ( 3 ) وكذبوا واتبعوا أهواءهم . . . . .
) وكذبوا واتبعوا أهواءهم ( وهو ما زين لهم الشيطان من رد الحق بعد ظهوره وذكرهما بلفظ الماضي للإشعار بأنهما من عادتهم القديمة ) وكل أمر مستقر ( منته إلى غاية من خذلان أو نصر في الدنيا وشقاوة أو سعادة في الآخرة فإن الشيء إذا انتهى إلى غايته ثبت واستقر وقرئ بالفتح أي ذو مستقر بمعنى استقرار وبالكسر والجر على أنه صفة أمر وكل معطوف على الساعة(5/263)
" صفحة رقم 264 "
القمر : ( 4 ) ولقد جاءهم من . . . . .
) ولقد جاءهم ( في القرآن ) من الأنباء ( أنباء القرون الخالية أو أنباء الآخرة ) ما فيه مزدجر ( ازدجار من تعذيب أو وعيد وتاء الإفتعال تقلب دالا مع الذال والدال والزاي للتناسب وقرئ مزجر بقلبها زايا وإدغامها
القمر : ( 5 ) حكمة بالغة فما . . . . .
) حكمة بالغة ( غايتها لا خال فيها وهي بدل من ما أو خبر لمحذوف وقرئبالنصب حالا من ما فإنها موصولة أو مخصوصة بالصفة نصب الحال عنها ) فما تغن النذر ( نفي أو استفهام إنكار أي فأي غناء تغني النذر وهو جمع نذير بمعنى المنذر منه أو مصدر بمعنى الإنذار
القمر : ( 6 ) فتول عنهم يوم . . . . .
) فتول عنهم ( لعلمك بأن الإنذار لا يغني فيهم ) يوم يدع الداع ( إسرافيل ويجوز أن يكون الدعاء فيه كالأمر في قوله ) كن فيكون ( وإسقاط الياء إكتفاء بالكسرة للتخفيف وانتصاب ) يوم ( ب ) يخرجون ( أو بإضمار اذكر ) إلى شيء نكر ( فظيع تنكره النفوس لأنها لم تعهد مثله وهو هول يوم القيامة وقرأ ابن كثير بالتخفيف وقرئ نكرا بمعنى أنكر
القمر : ( 7 ) خشعا أبصارهم يخرجون . . . . .
) خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث ( أي يخرجون من قبورهم خاشعا ذليلا أبصارهم من الهول وإفراده وتذكيره لأن فاعله ظاهر غير حقيقي التأنيث وقرئ خاشعة على الأصل وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم ) خشعا ( وإنما حسن ذلك ولم يحسن مررت برجال قائمين غلمانهم لأنه ليس على صيغة تشبه الفعل وقرئ خشع أبصارهم على الابتداء والخبر فتكون الجملة حالا ) كأنهم جراد منتشر ( في الكثرة والتموج والانتشار في الأمكنة(5/264)
" صفحة رقم 265 "
القمر : ( 8 ) مهطعين إلى الداع . . . . .
) مهطعين إلى الداع ( مسرعين مادي أعناقهم إليه أو ناظرين إليه ) يقول الكافرون هذا يوم عسر ( صعب
القمر : ( 9 ) كذبت قبلهم قوم . . . . .
) كذبت قبلهم قوم نوح ( قبل قومك ) فكذبوا عبدنا ( نوحا عليه السلام وهو تفصيل بعد إجمال وقيل معناه كذبوه تكذيبا على عقب تكذيب كلما خلا منهم قرن مكذب تبعه قرن مكذب أو كذبوه بعدما كذبوا الرسل ) وقالوا مجنون ( هو مجنون ) وازدجر ( وزجر عن التبليغ بأنواع الأذية وقيل إنه من جملة قيلهم أي هو مجنون وقد ازدجرته الجن وتخبطته
القمر : ( 10 ) فدعا ربه أني . . . . .
) فدعا ربه أني ( بأني وقرئ بالكسر على إرادة القول ) مغلوب ( غلبني قومي ) فانتصر ( فانتقم لي منهم وذلك بعد يأسه منهم فقد روي أن الواحد منهم كان يلقاه فيخنقه حتى يخر مغشيا عليه فيفيق ويقول اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون
القمر : ( 11 ) ففتحنا أبواب السماء . . . . .
) ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر ( منصب وهو مبالغة وتمثيل لكثرة الأمطار وشدة انصبابها وقرأ ابن عامر ويعقوب ففتحنا بالتشديد لكثرة الأبواب
القمر : ( 12 ) وفجرنا الأرض عيونا . . . . .
) وفجرنا الأرض عيونا ( وجعلنا الأرض كلها كأنها عيون متفجرة وأصله وفجرنا عيون الأرض فغير للمبالغة ) فالتقى الماء ( ماء السماء وماء الأرض وقرئ الماءان لاختلاف النوعين والماوان بقلب الهمزة واوا ) على أمر قد قدر ( على حال قدرها الله(5/265)
" صفحة رقم 266 "
تعالى في الأزل من غير تفاوت أو على حال قدرت وسويت وهو أن قدر ما أنزل على قدر ما أخرج أو على أمر قدره الله تعالى وهو هلاك قوم نوح بالطوفان
القمر : ( 13 ) وحملناه على ذات . . . . .
) وحملناه على ذات ألواح ( ذات أخشاب عريضة ) ودسر ( ومسامير جمع دسار من الدسر وهو الدفع الشديد وهي صفة للسفينة أقيمت مقامها من حيث أنها كالشرح لها تؤدي مؤداها
القمر : ( 14 ) تجري بأعيننا جزاء . . . . .
) تجري بأعيننا ( بمرأى منا أي محفوظة بحفظنا ) جزاء لمن كان كفر ( أي فعلنا ذلك جزاء لنوح لأنه نعمة كفروها فإن كل نبي نعمة من الله تعالى ورحمة على أمته ويجوز أن يكون على حذف الجار وإيصال الفعل إلى الضمير وقرئ لمن كفر أي للكافرين
القمر : ( 15 ) ولقد تركناها آية . . . . .
) ولقد تركناها ( أي السفينة أو الفعلة ) آية ( يعتبر بها إذ شاع خبرها واشتهر ) فهل من مدكر ( معتبر وقرئ مذتكر على الأصل ومذكر بقلب التاء ذالا والإدغام فيها
القمر : ( 16 ) فكيف كان عذابي . . . . .
) فكيف كان عذابي ونذر ( استفهام تعظيم ووعيد والنذر يحتمل المصدر والجمع
القمر : ( 17 ) ولقد يسرنا القرآن . . . . .
) ولقد يسرنا القرآن ( سهلناه أو هيأناه من يسر ناقته للسفر إذا رحلها ) للذكر ( للادكار والاتعاظ بأن صرفنا فيه أنواع المواعظ والعبر أو للحفظ بالاختصار وعذوبة اللفظ ) فهل من مدكر ( متعظ
القمر : ( 18 ) كذبت عاد فكيف . . . . .
) كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر ( وإنذاري أتى لهم بالعذاب قبل نزوله أو لمن بعدهم في تعذيبهم
القمر : ( 19 ) إنا أرسلنا عليهم . . . . .
) إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا ( باردا أو شديد الصوت ) في يوم نحس ( شؤم ) مستمر ( أي استمر شؤمه أو استمر عليهم حتى أهلكهم أو على جميعهم كبيرهم(5/266)
" صفحة رقم 267 "
وصغيرهم فلم يبق منهم أحدا أو اشتد مرارته وكان يوم الأربعاء آخر الشهر
القمر : ( 20 ) تنزع الناس كأنهم . . . . .
) تنزع الناس ( تقلعهم روي أنهم دخلوا في الشعاب والحفر وتمسك بعضهم ببعض فنزعتهم الريح منها وصرعتهم موتى ) كأنهم أعجاز نخل منقعر ( أصول نخل منقلع عن مغارسه ساقط على الأرض وقيل شبهوا بالاعجاز لأن الريح طيرت رؤوسهم وطرحت أجسادهم وتذكير ) منقعر ( للحمل على اللفظ والتأنيث في قوله ) أعجاز نخل خاوية ( للمعنى
القمر : ( 21 ) فكيف كان عذابي . . . . .
) فكيف كان عذابي ونذر ( كرره للتهويل وقيل الأول لما حاق بهم في الدنيا والثاني لما يحيق بهم في الآخرة كما قال أيضا في قصتهم ) لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى )
القمر : ( 22 - 23 ) ولقد يسرنا القرآن . . . . .
) ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر كذبت ثمود بالنذر ( بالإنذارات والمواعظ أو الرسل
القمر : ( 24 ) فقالوا أبشرا منا . . . . .
) فقالوا أبشرا منا ( من جنسنا أو من حملنا لا فضل له علينا وانتصابه بفعل يفسره وما بعده وقرئ بالرفع على الابتداء والأول أوجه للاستفهام ) واحدا ( منفردا لا تبع له أو من آحادهم دون أشرافهم ) نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر ( جمع سعير كأنه عكسوا عليه فرتبوا على اتباعهم إياه ما رتبه على ترك اتباعهم له وقيل السعر الجنون ومنه ناقة مسعورة(5/267)
" صفحة رقم 268 "
القمر : ( 25 ) أؤلقي الذكر عليه . . . . .
) أؤلقي الذكر ( الكتاب أو الوحي ) عليه من بيننا ( وفيه من هو أحق منه بذلك ) بل هو كذاب أشر ( حمله بطره على الترفع علينا بادعائه إياه
القمر : ( 26 ) سيعلمون غدا من . . . . .
) سيعلمون غدا ( عند نزول العذاب بهم أو يوم القيامة ) من الكذاب الأشر ( الذي حمله أشره على الاستكبار عن الحق وطلب الباطل أصالح عليه السلام أم من كذبه وقرا ابن عامر وحمزة ورويس ستعلمون على الالتفات أو حكاية ما أجابهم به صالح وقرئ الأشر كقولهم حذر في حذر والأشر أي الأبلغ في الشرارة وهو أصل مرفوض كالأخير
القمر : ( 27 ) إنا مرسلو الناقة . . . . .
) إنا مرسلو الناقة ( مخرجوها وباعثوها ) فتنة لهم ( امتحانا لهم ) فارتقبهم ( فانتظرهم وتبصر ما يصنعون ) واصطبر ( على أذاهم
القمر : ( 28 ) ونبئهم أن الماء . . . . .
) ونبئهم أن الماء قسمة بينهم ( مقسوم لها يوم ولهم يوم و ) بينهم ( لتغليب العقلاء ) كل شرب محتضر ( يحضره صاحبه في نوبته أو يحضره عنه غيره
القمر : ( 29 ) فنادوا صاحبهم فتعاطى . . . . .
) فنادوا صاحبهم ( قدار بن سالف أحيمر ثمود ) فتعاطى فعقر ( فاجترأ على تعاطي قتلها فقتلها أو فتعاطى السيف فقتلها والتعاطي تناول الشيء بتكلف
القمر : ( 30 - 31 ) فكيف كان عذابي . . . . .
) فكيف كان عذابي ونذر إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة ( صيحة جبريل عليه السلام ) فكانوا كهشيم المحتظر ( كالشجر اليابس المتكسر الذي يتخذه من يعمل الحظيرة لأجلها أو كالحشيش اليابس الذي يجمعه صاحب الحظيرة لماشيته في الشتاء وقرئ بفتح الظاء أي كهشيم الحظيرة أو الشجر المتخذ لها
القمر : ( 32 ) ولقد يسرنا القرآن . . . . .
) ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر )
القمر : ( 33 ) كذبت قوم لوط . . . . .
) كذبت قوم لوط بالنذر )
القمر : ( 34 ) إنا أرسلنا عليهم . . . . .
) إنا أرسلنا عليهم حاصبا ( ريحا تحصبهم بالحجارة أي ترميهم ) إلا آل لوط نجيناهم بسحر ( في سحر وهو آخر الليل أو مسحرين
القمر : ( 35 ) نعمة من عندنا . . . . .
) نعمة من عندنا ( إنعاما منا وهو علة لنجينا ) كذلك نجزي من شكر ( نعمتنا بالإيمان والطاعة
القمر : ( 36 ) ولقد أنذرهم بطشتنا . . . . .
) ولقد أنذرهم ( لوط ) بطشتنا ( أخذتنا بالعذاب ) فتماروا بالنذر ( فكذبوا بالنذر متشاكين(5/268)
" صفحة رقم 269 "
القمر : ( 37 ) ولقد راودوه عن . . . . .
) ولقد راودوه عن ضيفه ( قصدوا الفجور بهم ) فطمسنا أعينهم ( فمسحناها وسويناها بسائر الوجه روي أنهم لما دخلوا داره عنوة صفقهم جبريل عليه السلام صفقة فأعماهم ) فذوقوا عذابي ونذر ( فقلنا لهم ذوقوا على ألسنة الملائكة أو ظاهر الحال
القمر : ( 38 ) ولقد صبحهم بكرة . . . . .
) ولقد صبحهم بكرة ( وقرئ بكرة غير مصروفة على أن المراد بها أول نهار معين ) عذاب مستقر ( يستقر بهم حتى يسلمهم إلى النار
القمر : ( 39 - 40 ) فذوقوا عذابي ونذر
) فذوقوا عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ( كرر ذلك في كل قصة إشعارا بأن تكذيب كل رسول مقتض لنزول العذاب واستماع كل قصة مستدع للادكار والاتعاظ واستئنافا للتنبيه والاتعاظ لئلا يغلبهم السهو والغفلة وهكذا تكرير قوله ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( ) ويل يومئذ للمكذبين ( ونحوهما
القمر : ( 41 ) ولقد جاء آل . . . . .
) ولقد جاء آل فرعون النذر ( اكتفى بذكرهم عن ذكره للعلم بأنه أولى بذلك منهم
القمر : ( 41 ) ولقد جاء آل . . . . .
) كذبوا بآياتنا كلها ( يعني الآيات التسع ) فأخذناهم أخذ عزيز ( لا يغالب ) مقتدر ( لا يعجزه شيء
القمر : ( 43 ) أكفاركم خير من . . . . .
) أكفاركم ( يا معشر العرب ) خير من أولئكم ( الكفار المعدودين قوة وعدة أو مكانة ودينا عند الله تعالى
القمر : ( 44 ) أم يقولون نحن . . . . .
) أم لكم براءة في الزبر ( أم نزل لكم في الكتب السماوية أن من كفر منكم فهو في أمان من العذاب ) أم يقولون نحن جميع ( جماعة أمرنا ) منتصر ( ممتنع لا نرام أو منتصر من الأعداء لا نغلب أو متناصر ينصر بعضنا بعضا والتوحيد على لفظ الجميع(5/269)
" صفحة رقم 270 "
القمر : ( 45 ) سيهزم الجمع ويولون . . . . .
) سيهزم الجمع ويولون الدبر ( أي الأدبار وإفراده لإرادة الجنس أو لأن كل واحد يولي دبره وقد وقع ذلك يوم بدر وهو من دلائل النبوة وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه لما نزلت قال لم أعلم ما هو فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يلبس الدرع ويقول سيهزم الجمع فعلمته
القمر : ( 46 ) بل الساعة موعدهم . . . . .
) بل الساعة موعدهم ( موعد عذابهم الأصلي وما يحيق بهم في الدنيا فمن طلائعه ) والساعة أدهى ( أشد والداهية أمر فظيع لا يهتدي لدوائه ) وأمر ( مذاقا من عذاب الدنيا
القمر : ( 47 ) إن المجرمين في . . . . .
) إن المجرمين في ضلال ( عن الحق في الدنيا ) وسعر ( ونيران في الآخرة
القمر : ( 48 ) يوم يسحبون في . . . . .
) يوم يسحبون في النار على وجوههم ( يجرون عليها ) ذوقوا مس سقر ( أي يقال لهم ذوقوا حر النار وألمها فإن مسها سبب التألم بها وسقر علم لجهنم ولذلك لم يصرف من سقرته النار وصقرته إذا لوحته
القمر : ( 49 ) إنا كل شيء . . . . .
) إنا كل شيء خلقناه بقدر ( أي إنا خلقنا كل شيء مقدرا مرتبا على مقتضى الحكمة أو مقدرا مكتوبا في اللوح المحفوظ قبل وقوعه وكل شيء منصوب بفعل يفسره ما بعده وقرئ بالرفع على الابتداء وعلى هذا فالأولى أن يجعل خلقناه خبرا لا نعتا ليطابق المشهورة في الدلالة على أن كل شيء مخلوق بقدر ولعل اختيار النصب ها هنا مع الإضمار لما فيه من النصوصية على المقصود
القمر : ( 50 ) وما أمرنا إلا . . . . .
) وما أمرنا إلا واحدة ( إلا فعلة واحدة وهو الإيجاد بلا معالجة ومعاناة أو ) إلا ((5/270)
" صفحة رقم 271 "
كلمة واحدة وهو قوله كن ) كلمح بالبصر ( في اليسر والسرعة وقيل معناه معنى قوله تعالى ) وما أمر الساعة إلا كلمح البصر )
القمر : ( 51 ) ولقد أهلكنا أشياعكم . . . . .
) ولقد أهلكنا أشياعكم ( أشباهكم في الكفر ممن قبلكم ) فهل من مدكر ( متعظ
القمر : ( 52 ) وكل شيء فعلوه . . . . .
) وكل شيء فعلوه في الزبر ( مكتوب في كتب الحفظة
القمر : ( 53 ) وكل صغير وكبير . . . . .
) وكل صغير وكبير ( من الأعمال ) مستطر ( مسطور في اللوح
القمر : ( 54 ) إن المتقين في . . . . .
) إن المتقين في جنات ونهر ( أنهار واكتفى باسم الجنس أو سعة أو ضياء من النهار وقرئ / نهر / وبضم الهاء جمع نهر كأسد وأسد
القمر : ( 55 ) في مقعد صدق . . . . .
) في مقعد صدق ( في مكان مرضي وقرئ مقاعد صدق ) عند مليك مقتدر ( مقربين عند من تعالى أمره في الملك والاقتدار بحيث أبهمه ذوو الأفهام عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة القمر في كل غب بعثه الله يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر(5/271)
" صفحة رقم 272 "
سورة الرحمن
مكية أو مدنية أو متبعضة وآيها ثمان وسبعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الرحمن : ( 1 - 2 ) الرحمن
) الرحمن علم القرآن ( لما كانت السورة مقصورة على تعداد النعم الدنيوية والآخروية صدرها ب ) الرحمن ( وقدم ما هو أصل النعم الدينية وأجلها وهو إنعامه بالقرآن وتنزيله وتعليمه فإنه أساس الدين ومنشأ الشرع وأعظم الوعي وأعز الكتب إذ هو بإعجازه واشتماله على خلاصتها مصدق لنفسه ومصداق لها
الرحمن : ( 3 - 4 ) خلق الإنسان
ثم اتبعه قوله ) خلق الإنسان علمه البيان ( إيماء بأن خلق البشر وما يميز به عن سائر الحيوان من البيان وهو التعبير عما في الضمير وإفهام الغير لما أدركه لتلقي الوحي وتعرف الحق وتعلم الشرع وإخلاء الجمل الثلاث التي هي أخبار مترادفة ل ) الرحمن ( عن العاطف لمجيئها على نهج التعديد
الرحمن : ( 5 ) الشمس والقمر بحسبان
) الشمس والقمر بحسبان ( يجريان بحساب معلوم مقدر في بروجهما ومنازلهما وتتسق بذلك أمور الكائنات السفلية وتختلف الفصول والأوقات ويعلم السنون والحساب
الرحمن : ( 6 ) والنجم والشجر يسجدان
) والنجم ( والنبات الذي ينجم أي يطلع من الأرض ولا ساق له ) والشجر ((5/272)
" صفحة رقم 273 "
الذي له ساق ) يسجدان ( ينقادان لله تعالى فيما يريد بهما طبعا انقياد الساجد من المكلفين طوعا وكان حق النظم في الجملتين أن يقال وأجرى الشمس والقمر وأسجد النجم والشجر أو ) الشمس والقمر بحسبان ( والنجم والشجر يسجدان له ليطابقا ما قبلهما وما بعدهما في اتصالهما ب ) الرحمن ( لكنهما جردتا عما يدل على الاتصال إشعارا بأن وضوحه يغنيه عن البيان وإدخال العاطف بينهما لاشتراكهما في الدلالة على أن ما يحس به من تغيرات أحوال الأجرام العلوية والسفلية بتقديره وتدبيره
الرحمن : ( 7 ) والسماء رفعها ووضع . . . . .
) والسماء رفعها ( خلقها مرفوعة محلا ومرتبة فإنها منشأ أقضيته ومتنزل أحكامه ومحل ملائكته وقرئ بالرفع على الابتداء ) ووضع الميزان ( العدل بأن وفر على كل مستعد مستحقه ووفى كل ذي حق حقه حتى انتظم أمر العالم واستقام كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) بالعدل قامت السموات والأرض أو ما يعرف به مقادير الأشياء من ميزان ومكيال ونحوهما كأنه لما وصف السماء بالرفعة من حيث إنها مصدر القضايا والإقرار أراد وصف الأرض بما فيها مما يظهر به التفاوت ويعرف به المقدار ويسوى به الحقوق والمواجب
الرحمن : ( 8 ) ألا تطغوا في . . . . .
) ألا تطغوا في الميزان ( لئلا تطغوا فيه أي لا تعتدوا ولا تجاوزوا الانصاف وقرئ لا تطغوا على إرادة القول
الرحمن : ( 9 ) وأقيموا الوزن بالقسط . . . . .
) وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ( ولا تنقصوه فإن من حقه أن يسوى لأنه المقصود من وضعه وتكريره مبالغة في التوصية به وزيادة حث على استعماله وقرئ(5/273)
" صفحة رقم 274 "
ولا تخسروا بفتح التاء وضم السين وكسرها وتخسروا بفتحها على أن الأصل ) ولا تخسروا ( في ) الميزان ( فحذف الجار وأوصل الفعل
الرحمن : ( 10 ) والأرض وضعها للأنام
) والأرض وضعها ( خفضها مدحوة ) للأنام ( للخلق وقيل الأنام كل ذي روح
الرحمن : ( 11 ) فيها فاكهة والنخل . . . . .
) فيها فاكهة ( ضروب مما يتفكه به ) والنخل ذات الأكمام ( أوعية التمر جمع كم أو كل ما يكم أي يغطى من ليف وسعف وكفري فإنه ينتفع به كالمكموم كالجذع والجمار والتمر
الرحمن : ( 12 ) والحب ذو العصف . . . . .
) والحب ذو العصف ( كالحنطة والشعير وسائر ما يتغذى به و ) العصف ( ورق النبات اليابس كالتين ) والريحان ( يعني المشموم أو الرزق من قولهم خرجت أطلب ريحان الله وقرأ ابن عامر والحب ذا العصف والريحان أي وخلق الحب والريحان أو وأخص ويجوز أن يراد وذا الريحان فحذف المضاف وقرأ حمزة والكسائي والريحان بالخفض ما عدا ذلك بالرفع وهو فيعلان من الروح فقلبت الواو ياء وأدغم ثم خفف وقيل روحان فقلبت واوه ياء للتخفيف
الرحمن : ( 13 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( الخطاب للثقلين المدلول عليهما بقوله ) للأنام ( وقوله ) أيها الثقلان )
الرحمن : ( 14 ) خلق الإنسان من . . . . .
) خلق الإنسان من صلصال كالفخار ( الصلصال الطين اليابس الذي له صلصلة والفخار الخزف وقد خلق الله آدم من تراب جعله طينا ثم حمأ مسنونا ثم صلصالا فلا يخالف ذلك قوله خلقه من تراب ونحوه
الرحمن : ( 15 ) وخلق الجان من . . . . .
) وخلق الجان ( الجن أو أبا الجن ) من مارج ( من صاف من الدخان ) من نار ( بيان ل ) مارج ( فإنه في الأصل للمضطرب من مرج إذا اضطرب(5/274)
" صفحة رقم 275 "
الرحمن : ( 16 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( مما أفاض عليكما في أطوار خلقتكما حتى صيركما أفضل المركبات وخلاصة الكائنات
الرحمن : ( 17 ) رب المشرقين ورب . . . . .
) رب المشرقين ورب المغربين ( مشرقي الشتاء والصيف ومغربيهما
الرحمن : ( 18 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( مما في ذلك من الفوائد التي لا تحصى كاعتدال الهواء واختلاف الفصول وحدوث ما يناسب كل فصل فيه إلى غير ذلك
الرحمن : ( 19 ) مرج البحرين يلتقيان
) مرج البحرين ( أرسلهما من مرجت الدابة إذا أرسلتها والمعنى أرسل البحر الملح والبحر العذب ) يلتقيان ( يتجاوران ويتماس سطوحهما أو بحري فارس والروم يلتقيان في المحيط لأنهما خليجان يتشعبان منه
الرحمن : ( 20 ) بينهما برزخ لا . . . . .
) بينهما برزخ ( حاجز من قدرة الله تعالى أو من الأرض ) لا يبغيان ( لا يبغي أحدهما على الآخر بالممازجة وإبطال الخاصية أو لا يتجاوزان حديهما بإغراق ما بينهما
الرحمن : ( 21 - 22 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ( كبار الدر وصغاره وقيل المرجان الخرز الأحمر وإن صح أن الدر يخرج من الملح فعلى الأول إنما قال منهما لأنه مخرج من مجتمع الملح والعذب أو لأنهما لما اجتمعا صارا كالشيء الواحد فكأن المخرج من أحدهما كالمخرج منهما وقرأ نافع وأبو عمرو ويعقوب ) يخرج ( وقرئ نخرج ويخرج بنصب ) اللؤلؤ والمرجان )
الرحمن : ( 23 - 24 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان وله الجوار ( أي السفن جمع جارية وقرئ بحذف الياء ورفع الراء كقوله(5/275)
" صفحة رقم 276 "
" لها ثنايا أربع حسان وأربع فكلها ثمان " ) المنشآت ( المرفوعات الشرع أو المصنوعات وقرأ حمزة وأبو بكر بكسر الشين أي الرافعات الشرع أو اللاتي ينشئن الأمواج أو السير ) في البحر كالأعلام ( كالجبال جمع علم وهو الجبل الطويل
الرحمن : ( 25 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( من خلق مواد السفن والإرشاد إلى أخذها وكيفية تركيبها وإجرائها في البحر بأسباب لا يقدر على خلقها وجمعها غيره
الرحمن : ( 26 - 27 ) كل من عليها . . . . .
) كل من عليها ( من على الأرض من الحيوانات أو المركبات و ) من ( للتغليب أو من الثقلين ) فان ويبقى وجه ربك ( ذاته ولو استقريت جهات الموجودات وتفحصت وجوهها وجدتها بأسرها فانية في حد ذاتها إلا وجه ذاتها إلا وجه الله أي الوجه الذي يلي جهته ) ذو الجلال والإكرام ( ذو الاستغناء المطلق والفضل العام
الرحمن : ( 28 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( أي مما ذكرنا قبل من بقاء الرب وإبقاء ما لا يحصى مما هو على صدد الفناء رحمة وفضلا أو مما يترتب على فناء الكل من الإعادة والحياة الدائمة والنعيم المقيم
الرحمن : ( 29 ) يسأله من في . . . . .
) يسأله من في السماوات والأرض ( فإنهم مفتقرون إليه في ذواتهم وصفاتهم وسائر ما يهمهم ويعن لهم المراد بالسؤال ما يدل على الحاجة إلى تحصيل الشيء في ذواتهم وصفاتهم نطقا كان أو غيره ) كل يوم هو في شأن ( كل وقت يحدث أشخاصا ويحدد أحوالا على ما سبق به قضاؤه وفي الحديث من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما(5/276)
" صفحة رقم 277 "
ويضع آخرين وهو رد لقول اليهود إن الله لا يقضي يوم السبت شيئا
الرحمن : ( 30 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( أي مما يسعف به سؤالكما وما يخرج لكما من مكمن العدم حينا فحينا
الرحمن : ( 31 ) سنفرغ لكم أيها . . . . .
) سنفرغ لكم أيها الثقلان ( أي سنتجرد لحسابكم وجزائكم وذلك يوم القيامة فإنه تعالى لا يفعل فيه غيره وقيل تهديد مستعار من قولك لمن تهدده سأفرغ لك فإن المتجرد للشيء كان أقوى وأجد فيه وقرأ حمزة والكسائي بالياء وقرئ سنفرغ إليكم أي سنقصد إليكم و ) الثقلان ( الإنس والجن سميا بذلك لثقلهما على الأرض أو لرزانة رأيهما وقدرهما أو لأنهما مثقلان بالتكليف
الرحمن : ( 32 - 33 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض ( إن قدرتم أن تخرجوا من جوانب السموات والأرض هاربين من الله فارين من قضائه ) فانفذوا ( فاخرجوا ) لا تنفذون ( لا تقدرون على النفوذ ) إلا بسلطان ( إلا بقوة وقهر وأنى لكم ذلك أو إن قدرتم أن تنفذوا لتعلموا ما في السموات والأرض ) فانفذوا ( لتعلموا لكن ) لا تنفذون ( ولا تعلمون إلا ببينة نصبها الله تعالى فتعرجون عليها بأفكاركم(5/277)
" صفحة رقم 278 "
الرحمن : ( 34 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( أي من التنبيه والتحذير والمساهلة والعفو مع كمال القدرة أو مما نصب من المصاعد العقلية والمعارج النقلية فتنفذون بها إلى ما فوق السموات العلا
الرحمن : ( 35 ) يرسل عليكما شواظ . . . . .
) يرسل عليكما شواظ ( لهب ) من نار ونحاس ( ودخان قال " تضيء كضوء السراج السلي ط لم يجعل الله فيه نحاسا " أو صفر مذاب يصب على رؤوسهم وقرأ ابن كثير شواظ بالكسر وهو لغة ونحاس بالجر عطفا على ) نار ( ووافقه فيه أبو عمرو ويعقوب في رواية وقرئ ونحس وهو جمع كلحف ) فلا تنتصران ( فلا تمتنعان
الرحمن : ( 36 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( فإن التهديد لطف والتمييز بين المطيع والعاصي بالجزاء والانتقام من الكفار في عداد الآلاء
الرحمن : ( 37 ) فإذا انشقت السماء . . . . .
) فإذا انشقت السماء فكانت وردة ( أي حمراء كوردة وقرئت بالرفع على كان التامة فيكون من باب التجريد كقوله " ولئن بقيت لأرحلن بغزوة تحوي الغنائم أو يموت كريم " كالدهان " وهو اسم لما يدهن به كالحزام أو جمع دهن وقيل هو الأديم الأحمر "
الرحمن : ( 38 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( أي مما يكون بعد ذلك(5/278)
" صفحة رقم 279 "
الرحمن : ( 39 ) فيومئذ لا يسأل . . . . .
) فيومئذ ( أي فيوم تنشق السماء ) لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ( لأنهم يعرفون بسيماهم وذلك حين ما يخرجون من قبورهم ويحشرون إلى الموقف ذودا ذودا على اختلاف مراتبهم وأما قوله تعالى ) فوربك لنسألنهم ( ونحوه فحين يحاسبون في المجمع والهاء للإنس باعتبار اللفظ فإنه وإن تأخر لفظا تقدم رتبة
الرحمن : ( 40 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( أي مما أنعم الله على عباده المؤمنين في هذا اليوم
الرحمن : ( 41 ) يعرف المجرمون بسيماهم . . . . .
) يعرف المجرمون بسيماهم ( وهو ما يعلوهم من الكآبة والحزن ) فيؤخذ بالنواصي والأقدام ( مجموعا بينهما وقيل يؤخذون ) بالنواصي ( تارة ب ) الأقدام ( أخرى
الرحمن : ( 42 - 44 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون يطوفون بينها ( بين النار يحرقون بها ) وبين حميم ( ماء حار ) إن ( بلغ النهاية في الحرارة يصب عليهم أو يسقون منه وقيل إذا استغاثوا من النار أغيثوا بالحميم
الرحمن : ( 45 - 46 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان ولمن خاف مقام ربه ( موقفه الذي يقف فيه العباد للحساب أو قيامه على أحواله من قام عليه إذا راقبه أو مقام الخائف عند ربه للحساب بأحد المعنيين فأضيف إلى الرب تفخيما وتهويلا أو ربه و ) مقام ( مفخم للمبالغة كقوله " ذعرت به القطا ونفيت عنه مقام الذئب كالرجل اللعين " ) جنتان ( جنة للخائف الإنسي والأخرى للخائف الجني فإن الخطاب للفريقين والمعنى لكل خائفين منكما أو لكل واحد جنة لعقيدته وأخرى لعمله أو جنة لفعل الطاعات وأخرى لترك المعاصي أو جنة يثاب بها وأخرى يتفضل بها عليه أو روحانية وجسمانية وكذا ما جاء مثنى بعد(5/279)
" صفحة رقم 280 "
الرحمن : ( 47 - 48 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان ذواتا أفنان ( أنواع من الأشجار والثمار جمع فن أو أغصان جمع فنن وهي الغصنة التي تتشعب من فرع الشجرة وتخصيصها بالذكر لأنها التي تورق وتثمر وتمد الظل
الرحمن : ( 49 - 50 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان تجريان ( حيث شاؤوا في الأعالي والأسافل قيل إحداهما التسنيم والأخرى السلسبيل
الرحمن : ( 51 - 52 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( ) فيهما من كل فاكهة زوجان ( صنفان غريب ومعروف أو رطب ويابس
الرحمن : ( 53 - 54 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان متكئين على فرش بطائنها من إستبرق ( من ديباج ثخين وإذا كانت البطائن كذلك فما ظنك بالظهائر و ) متكئين ( مدح للخائفين أو حال منهم لأن من خاف في معنى الجمع ) وجنى الجنتين دان ( قريب يناله القاعد والمضطجع ) وجنى ( اسم بمعنى مجني وقرئ بكسر الجيم
الرحمن : ( 55 - 56 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهن ( في الجنان فإن جنتان تدل على جنان هي للخائفين أو فيما فيهما من الأماكن والقصور أو في هذه الآلاء المعدودة من الجنتين والعينين والفاكهة والفرش ) قاصرات الطرف ( نساء قصرن أبصارهن على أزواجهن ) لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ( لم يمس الإنسيات إنس ولا الجنيات جن وفيه دليل على أن الجن يطمثون وقرأ الكسائي بضم الميم
الرحمن : ( 57 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان )
الرحمن : ( 58 ) كأنهن الياقوت والمرجان
) كأنهن الياقوت والمرجان ( أي حمرة الوجنة وبياض البشرة وصفائهما
الرحمن : ( 59 - 60 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان هل جزاء الإحسان ( في العمل ) إلا الإحسان ( في الثواب وهو الجنة(5/280)
" صفحة رقم 281 "
الرحمن : ( 61 - 62 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان ومن دونهما جنتان ( ومن دون تينك الجنتين الموعودتين للخائفين المقربين ) جنتان ( لمن دونهم من أصحاب اليمين
الرحمن : ( 63 - 64 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان مدهامتان ( خضراوان تضربان إلى السواد من شدة الخضرة وفيه إشعار بأن الغالب على هاتين الجنتين النبات والرياحين المنبسطة على وجه الأرض وعلى الأوليين الأشجار والفواكه دلالة على ما بينهما من التفاوت
الرحمن : ( 65 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان )
الرحمن : ( 66 ) فيهما عينان نضاختان
) فيهما عينان نضاختان ( فوارتان بالماء هو أيضا أقل مما وصف به الأوليين وكذا ما بعده
الرحمن : ( 67 - 68 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما فاكهة ونخل ورمان ( عطفهما على الفاكهة بيانا لفضلهما فإن ثمرة النخل فاكهة وغذاء وثمرة الرمان فاكهة ودواء واحتج به أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه على أن من حلف لا يأكل فاكهة فأكل رطبا أو رمانا لم يحنث
الرحمن : ( 69 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان )
الرحمن : ( 70 ) فيهن خيرات حسان
) فيهن خيرات ( أي خيرات فخففت لأن خيرا الذي بمعنى أخير لا يجمع وقد قرئ على الأصل ) حسان ( حسان الخلق والخلق
الرحمن : ( 71 - 72 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان حور مقصورات في الخيام ( قصرن في خدورهن يقال امرأة قصيرة وقصورة ومقصورة أي مخدرة أو مقصورات الطرف على أزواجهن
الرحمن : ( 73 - 74 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ( كحور الأولين وهم أصحاب الجنتين فإنهما يدلان عليهم
الرحمن : ( 75 - 76 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان متكئين على رفرف ( وسائد أو نمارق جمع رفرفة وقيل(5/281)
" صفحة رقم 282 "
الرفرف ضرب من البسط أو ذيل الخيمة وقد يقال لكل ثوب عريض ) خضر وعبقري حسان ( العبقري منسوب إلى عبقر تزعم العرب أنه اسم بلد للجن فينسبون إليه كل شيء عجيب والمراد به الجنس ولذلك جمع ) حسان ( حملا على المعنى
الرحمن : ( 77 - 78 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي آلاء ربكما تكذبان تبارك اسم ربك ( تعالى اسمه من حيث إنه مطلق على ذاته فما ظنك لذاته وقيل الاسم بمعنى الصفة أو مقحم كما في قوله إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ) ذي الجلال والإكرام ( وقرأ ابن عامر بالرفع صفة للاسم عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الرحمن أدى شكر ما أنعم الله تعالى عليه(5/282)
" صفحة رقم 283 "
سورة الواقعة
مكية وآيها ست وتسعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الواقعة : ( 1 ) إذا وقعت الواقعة
) إذا وقعت الواقعة ( إذا حدثت القيامة سماها واقعة لتحقق وقوعها وانتصاب ) إذا ( بمحذوف مثل اذكر أو كان كيت وكيت
الواقعة : ( 2 ) ليس لوقعتها كاذبة
) ليس لوقعتها كاذبة ( أي لا يكون حين تقع نفس تكذب على الله تعالى أو تكذب في نفيها كما تكذب الآن واللام مثلها في قوله تعالى ) قدمت لحياتي ( أو ليس لأحد في وقعتها كاذبة فإنه من أخبر عنها صدق أو ليس لها حينئذ نفس تحدث صاحبها بإطاقة شدتها واحتمالها وتغريه عليها من قولهم كذبت فلانا نفسه في الخطب العظيم إذا شجعته عليه وسولت له أنه يطيقه
الواقعة : ( 3 ) خافضة رافعة
) خافضة رافعة ( تخفض قوما وترفع آخرين وهو تقرير لعظمتها فإن الوقائع العظام كذلك أو بيان لما يكون حينئذ من خفض أعداء الله ورفع أوليائه أو إزالة الأجرام عن مقارها بنثر الكواكب وتسيير الجبال في الجو وقرئتا بالنصب على الحال
الواقعة : ( 4 ) إذا رجت الأرض . . . . .
) إذا رجت الأرض رجا ( حركت تحريكا شديدا بحيث ينهدم ما فوقها من بناء وجبل والظرف متعلق ب ) خافضة ( أو بدل من ) إذا وقعت )
الواقعة : ( 5 ) وبست الجبال بسا
) وبست الجبال بسا ( أي فتتت حتى صارت كالسويق الملتوت من بس السويق إذا لته أو سيقت وسيرت من بس الغنم إذا ساقها
الواقعة : ( 6 ) فكانت هباء منبثا
) فكانت هباء ( غبارا ) منبثا ( منتشرا(5/283)
" صفحة رقم 284 "
الواقعة : ( 7 ) وكنتم أزواجا ثلاثة
) وكنتم أزواجا ( أصنافا ) ثلاثة ( وكل صنف يكون أو يذكر مع صنف آخر زوج
الواقعة : ( 8 - 9 ) فأصحاب الميمنة ما . . . . .
) فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة ( فأصحاب المنزلة السنية وأصحاب المنزلة الدنيئة من تيمنهم بالميامن وتشاؤمهم بالشمائل أو ) أصحاب الميمنة ( و ) أصحاب المشأمة ( الذين يؤتون صحائفهم بأيمانهم والذين يؤتونها بشمائلهم أو أصحاب اليمن والشؤم فإن السعداء ميامين على أنفسهم بطاعتهم والأشقياء مشائيم عليها بمعصيتهم والجملتان الاستفهاميتان خبران لما قبلهما بإقامة الظاهر مقام الضمير ومعناهما التعجب من حال الفريقين
الواقعة : ( 10 ) والسابقون السابقون
) والسابقون السابقون ( والذين سبقوا إلى الإيمان والطاعة بعد ظهور الحق من غير تلعثم وتوان أو سبقوا في حيازة الفضائل والكمالات أو الأنبياء فإنهم مقدموا أهل الأديان هم الذين عرفت حالهم وعرفت مآلهم كقول أبي النجم " أنا أبو النجم وشعري شعري " أو الذين سبقوا إلى الجنة
الواقعة : ( 11 - 12 ) أولئك المقربون
) أولئك المقربون في جنات النعيم ( الذين قربت درجاتهم في الجنة وأعليت مراتبهم
الواقعة : ( 13 ) ثلة من الأولين
) ثلة من الأولين ( أي هم كثير من الأولين يعني الأمم السالفة من لدن آدم إلى سيدنا محمد ( صلى الله عليه وسلم )
الواقعة : ( 14 ) وقليل من الآخرين
) وقليل من الآخرين ( يعني أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ولا يخالف ذلك(5/284)
" صفحة رقم 285 "
قوله ( صلى الله عليه وسلم ) إن أمتي يكثرون سائر الأمم لجواز أن يكون سابقو سائر الأمم أكثر من سابقي هذه الأمة وتابعو هذه أكثر من تابعيهم ولا يرده قوله في أصحاب اليمين ) ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ( لأن كثرة الفريقين لا تنافي أكثرية أحدهما وروي مرفوعا أنهما من هذه الأمة واشتقاقها من الثل وهو القطع
الواقعة : ( 15 ) على سرر موضونة
) على سرر موضونة ( خبر آخر للضمير المحذوف وال ) موضونة ( المنسوجة بالذهب مشبكة بالدر والياقوت أو المتواصلة من الوضن وهو نسج الدرع
الواقعة : ( 16 ) متكئين عليها متقابلين
) متكئين عليها متقابلين ( حالان من الضمير في ) على سرر )
الواقعة : ( 17 ) يطوف عليهم ولدان . . . . .
) يطوف عليهم ( للخدمة ) ولدان مخلدون ( مبقون أبدا على هيئة الولدان وطراوتهم
الواقعة : ( 18 ) بأكواب وأباريق وكأس . . . . .
) بأكواب وأباريق ( حال الشرب وغيره والكوب إناء بلا عروة ولا خرطوم له والإبريق إناء له ذلك ) وكأس من معين ( من خمر(5/285)
" صفحة رقم 286 "
الواقعة : ( 19 ) لا يصدعون عنها . . . . .
) لا يصدعون عنها ( بخمار ) ولا ينزفون ( ولا تنزف عقولهم أو لا ينفد شرابهم وقرأ الكوفيون بكسر الزاي ) لا يصدعون ( بمعنى لا يتصدعون أي لا يتفرقون
الواقعة : ( 20 ) وفاكهة مما يتخيرون
) وفاكهة مما يتخيرون ( أي يختارون
الواقعة : ( 21 ) ولحم طير مما . . . . .
) ولحم طير مما يشتهون ( يتمنون
الواقعة : ( 22 ) وحور عين
) وحور عين ( عطف على ) ولدان ( أو مبتدأ محذوف الخبر أي وفيها أو ولهم حور وقرأ حمزة والكسائي بالجر عطفا على ) جنات ( بتقدير مضاف أي هم في جنات ومصاحبة حور أو على أكواب لأن معنى ) يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب ( ينعمون بأكواب وقرئتا بالنصب على ويؤتون حورا
الواقعة : ( 23 ) كأمثال اللؤلؤ المكنون
) كأمثال اللؤلؤ المكنون ( المصون عما يضربه في الصفاء والنقاء
الواقعة : ( 24 ) جزاء بما كانوا . . . . .
) جزاء بما كانوا يعملون ( أي يفعل ذلك كله بهم جزاء بأعمالهم
الواقعة : ( 25 ) لا يسمعون فيها . . . . .
) لا يسمعون فيها لغوا ( باطلا ) ولا تأثيما ( ولا نسبة إلى الإثم أي لا يقال لهم أثمتم
الواقعة : ( 26 ) إلا قيلا سلاما . . . . .
) إلا قيلا ( أي قولا ) سلاما سلاما ( بدل من ) قيلا ( كقوله تعالى ) لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ( أو صفته أو مفعوله بمعنى إلا أن يقولوا سلاما أو مصدر والتكرير للدلالة على فشو السلام بينهم وقرئ سلام سلام على الحكاية
الواقعة : ( 27 - 28 ) وأصحاب اليمين ما . . . . .
) وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود ( لا شوك فيه من خضد الشوك إذا قطعه أو مثني أغصانه من كثرة حمله من خضد الغصن إذا ثناه وهو رطب
الواقعة : ( 29 ) وطلح منضود
) وطلح ( وشجر موز أو أم غيلان وله أنوار كثيرة طيبة الرائحة وقرئ بالعين ) منضود ( نضد حمله من أسفله إلى أعلاه
الواقعة : ( 30 ) وظل ممدود
) وظل ممدود ( منبسط لا يتقلص ولا يتفاوت
الواقعة : ( 31 ) وماء مسكوب
) وماء مسكوب ( يسكب لهم أين شاؤوا وكيف شاؤوا بلا تعب أو مصبوب سائل(5/286)
" صفحة رقم 287 "
كأنه لما شبه حال السابقين في التنعم بأعلى ما يتصور لأهل المدن شبه حال أصحاب اليمين بأكمل ما يتمناه أهل البوادي إشعارا بالتفاوت بين الحالين
الواقعة : ( 32 ) وفاكهة كثيرة
) وفاكهة كثيرة ( كثيرة الأجناس
الواقعة : ( 33 ) لا مقطوعة ولا . . . . .
) لا مقطوعة ( لا تنقطع في وقت ) ولا ممنوعة ( لا تمنع عن متناولها بوجه
الواقعة : ( 34 - 35 ) وفرش مرفوعة
) وفرش مرفوعة ( رفيعة القدر أو منضدة مرتفعة وقيل الفرش النساء وارتفاعها أنها على الأرائك ويدل عليه قوله ) إنا أنشأناهن إنشاء ( أي ابتدأناهن ابتداء جديدا من غير ولادة إبداء أو إعادة وفي الحديث هن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز شمطا رمصا جعلهن الله بعد الكبر أترابا على ميلاد واحد كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكارا
الواقعة : ( 36 ) فجعلناهن أبكارا
) فجعلناهن أبكارا )
الواقعة : ( 37 ) عربا أترابا
) عربا ( متحببات إلى أزواجهن جمع عروب وسكن راءه حمزة وأبو بكر وروي عن نافع وعاصم مثله ) أترابا ( فإن كلهن بنات ثلاث وثلاثين وكذا أزواجهن
الواقعة : ( 38 - 40 ) لأصحاب اليمين
) لأصحاب اليمين ( متعلق ب ) أنشأنا ( أو جعلنا أو صفة ل ) أبكارا ( أو خبر لمحذوف مثل هن أو لقوله(5/287)
" صفحة رقم 288 "
) ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ( وهي على الوجه الأول خبر محذوف
الواقعة : ( 41 - 42 ) وأصحاب الشمال ما . . . . .
) وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم ( في حر نار ينفذ في المسام ) وحميم ( وماء متناه في الحرارة
الواقعة : ( 43 ) وظل من يحموم
) وظل من يحموم ( من دخان أسود يفعول من الحممة
الواقعة : ( 44 ) لا بارد ولا . . . . .
) لا بارد ( كسائر الظل ) ولا كريم ( ولا نافع نفى بذلك ما أوهم الظل من الاسترواح
الواقعة : ( 45 ) إنهم كانوا قبل . . . . .
) إنهم كانوا قبل ذلك مترفين ( منهمكين في الشهوات
الواقعة : ( 46 ) وكانوا يصرون على . . . . .
) وكانوا يصرون على الحنث العظيم ( الذنب العظيم يعني الشرك ومنه بلغ الغلام الحنث أي الحلم ووقت المؤاخذة بالذنب وحنث في يمينه خلاف بر فيها وتحنث إذا تأثم
الواقعة : ( 47 ) وكانوا يقولون أئذا . . . . .
) وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ( كررت الهمزة للدلالة على إنكار البعث مطلقا وخصوصا في هذا الوقت
الواقعة : ( 48 ) أو آباؤنا الأولون
كما دخلت العاطفة في قوله ) أو آباؤنا الأولون ( للدلالة على ذلك أشد إنكارا في حقهم لتقادم زمانهم وللفصل بها حسن العطف على المستكن في ) لمبعوثون ( وقرأ نافع وابن عامر ) أو ( بالسكون وقد سبق مثله والعامل في الظرف ما دل عليه مبعوثون لا هو للفصل بأن والهمزة(5/288)
" صفحة رقم 289 "
الواقعة : ( 49 - 50 ) قل إن الأولين . . . . .
) قل إن الأولين والآخرين لمجموعون ( وقرئ لمجمعون ) إلى ميقات يوم معلوم ( إلى ما وقت به الدنيا وحدث من يوم معين عند الله معلوم له
الواقعة : ( 51 ) ثم إنكم أيها . . . . .
) ثم إنكم أيها الضالون المكذبون ( أي بالبعث والخطاب لأهل مكة وأضرابهم
الواقعة : ( 52 ) لآكلون من شجر . . . . .
) لآكلون من شجر من زقوم ( ) من ( الأولى للابتداء والثانية للبيان
الواقعة : ( 53 ) فمالئون منها البطون
) فمالئون منها البطون ( من شدة الجوع
الواقعة : ( 54 ) فشاربون عليه من . . . . .
) فشاربون عليه من الحميم ( لغلبة العطش وتأنيث الضمير في منها وتذكيره في ) عليه ( على معنى الشجر ولفظه وقرئ من شجرة فيكون التذكير لل ) زقوم ( فإنه تفسيرها
الواقعة : ( 55 ) فشاربون شرب الهيم
) فشاربون شرب الهيم ( الإبل التي بها الهيام وهو داء يشبه الاستسقاء جمع أهيم وهيماء قال ذو الرمة " فأصبحت كالهيماء لا الماء مبرد صداها ولا يقضي عليها هيامها " وقيل الرمال على أنه جمع هيام بالفتح وهو الرمل الذي لا يتماسك جمع على هيم كسحب ثم خفف وفعل به ما فعل بجمع أبيض وكل من المعطوف والمعطوف عليه أخص من الآخر من وجه فلا اتحاد وقرأ نافع وحمزة وعاصم ) شرب ( بضم الشين
الواقعة : ( 56 ) هذا نزلهم يوم . . . . .
) هذا نزلهم يوم الدين ( يوم الجزاء فما ظنك بما يكون لهم بعد ما استقروا في الجحيم وفيه تهكم كما في قوله ) فبشرهم بعذاب أليم ( لأن النزل ما يعد للنازل تكرمة له وقرئ نزلهم بالتخفيف
الواقعة : ( 57 ) نحن خلقناكم فلولا . . . . .
) نحن خلقناكم فلولا تصدقون ( بالخلق متيقنين محققين للتصديق بالأعمال الدالة عليه أو بالبعث فإن من قدر على الإبداء قدر على الإعادة
الواقعة : ( 58 ) أفرأيتم ما تمنون
) أفرأيتم ما تمنون ( أي ما تقذفونه في الأرحام من النطف وقرئ بفتح التاء من منى النطفة بمعنى أمناها(5/289)
" صفحة رقم 290 "
الواقعة : ( 59 ) أأنتم تخلقونه أم . . . . .
) أأنتم تخلقونه ( تجعلونه بشرا سويا ) أم نحن الخالقون )
الواقعة : ( 60 ) نحن قدرنا بينكم . . . . .
) نحن قدرنا بينكم الموت ( قسمناه عليكم وأقتنا موت كل بوقت معين وقرأ ابن كثير بتخفيف الدال ) وما نحن بمسبوقين ( لا يسبقنا أحد فيهرب من الموت أو يغير وقته أو لا يغلبنا أحد من سبقته على كذا إذا غلبته عليه
الواقعة : ( 61 ) على أن نبدل . . . . .
) على أن نبدل أمثالكم ( على الأول حال أو علة ل ) قدرنا ( وعلى بمعنى اللام ) وما نحن بمسبوقين ( اعتراض وعلى الثاني صلة والمعنى على أن نبدل منكم أشباهكم فنخلق بدلكم أو نبدل صفاتكم على أن أمثالكم جمع مثل بمعنى صفة ) وننشئكم في ما لا تعلمون ( في خلق أو صفات لا تعلمونها
الواقعة : ( 62 ) ولقد علمتم النشأة . . . . .
) ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون ( أن من قدر عليها قدر على النشأة الأخرى فإنها أقل صنعا لحصول المواد وتخصيص الأجزاء وسبق المثال وفيه دليل على صحة القياس
الواقعة : ( 63 ) أفرأيتم ما تحرثون
) أفرأيتم ما تحرثون ( تبذرون حبة
الواقعة : ( 64 ) أأنتم تزرعونه أم . . . . .
) أأنتم تزرعونه ( تنبتونه ) أم نحن الزارعون ( المنبتون
الواقعة : ( 65 ) لو نشاء لجعلناه . . . . .
) لو نشاء لجعلناه حطاما ( هشيما ) فظلتم تفكهون ( تعجبون أو تندمون على اجتهادكم فيه أو على ما أصبتم لأجله من المعاصي فتتحدثون فيه والفكه التنقل بصنوف الفاكهة وقد استعير للتنقل بالحديث وقرئ فظلتم بالكسر وفظللتم على الأصل
الواقعة : ( 66 ) إنا لمغرمون
) إنا لمغرمون ( لملزمون غرامة ما أنفقنا أو مهلكون لهلاك رزقنا من الغرام وقرأ أبو بكر أئنا لمغرمون على الاستفهام
الواقعة : ( 67 ) بل نحن محرومون
) بل نحن ( قوم ) محرومون ( حرمنا رزقنا أو محدودون لا مجدودون(5/290)
" صفحة رقم 291 "
الواقعة : ( 68 ) أفرأيتم الماء الذي . . . . .
) أفرأيتم الماء الذي تشربون ( أي العذب الصالح للشرب
الواقعة : ( 69 ) أأنتم أنزلتموه من . . . . .
) أأنتم أنزلتموه من المزن ( من السحاب واحده مزنة وقيل ) المزن ( السحاب الأبيض وماؤه أعذب ) أم نحن المنزلون ( بقدرتنا والرؤية إن كانت بمعنى العلم فمتعلقة بالاستفهام
الواقعة : ( 70 ) لو نشاء جعلناه . . . . .
) لو نشاء جعلناه أجاجا ( ملحا أو من الأجيج فإنه يحرق الفم وحذف اللام الفاصلة بين جواب ما يتمحض للشرط وما يتضمن معناه لعلم السامع بمكانها أو الاكتفاء بسبق ذكرها أو يختص ما يقصد لذاته ويكون أهم وفقده أصعب بمزيد التأكيد ) فلولا تشكرون ( أمثال هذه النعم الضرورية
الواقعة : ( 71 ) أفرأيتم النار التي . . . . .
) أفرأيتم النار التي تورون ( تقدحون
الواقعة : ( 72 ) أأنتم أنشأتم شجرتها . . . . .
) أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون ( يعني الشجرة التي منها الزناد
الواقعة : ( 73 ) نحن جعلناها تذكرة . . . . .
) نحن جعلناها ( جعلنا نار الزناد ) تذكرة ( تبصرة في أمر البعث كما مر في سورة يس أو في تذكيرا وأنموذجا لنار جهنم ) ومتاعا ( ومنفعة ) للمقوين ( الذين ينزلون القواء وهي الفقر أو للذين خلت بطونهم أو مزاودهم من الطعام من أقوت الدار إذا خلت من ساكنيها
الواقعة : ( 74 ) فسبح باسم ربك . . . . .
) فسبح باسم ربك العظيم ( فأحدث التسبيح بذكر اسمه تعالى أو بذكره فإن إطلاق اسم الشيء ذكره والعظيم صفة للاسم أو الرب وتعقيب الأمر بالتسبيح لما عدد من بدائع صنعه وإنعامه إما لتنزيهه تعالى عما يقول الجاحدون لوحدانيته الكافرون لنعمته أو للتعجب من أمرهم في غمط نعمه أو للشكر على ما عدها من النعم(5/291)
" صفحة رقم 292 "
الواقعة : ( 75 ) فلا أقسم بمواقع . . . . .
) فلا أقسم ( إذ الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم أو فأقسم و لا مزيدة للتأكيد كما في ) لئلا يعلم ( أو فلأنا أقسم فحذف المبتدأ وأشبع فتحة لام الابتداء ويدل عليه قراءة ) فلا أقسم ( أو ) فلا ( رد لكلام يخالف المقسم عليه ) بمواقع النجوم ( بمساقطها وتخصيص المغارب لما في غروبها من زوال أثرها والدلالة على وجود مؤثر لا يزول تأثيره أو بمنازلها ومجاريها وقيل النجوم نجوم القرآن ومواقعها أوقات نزولها وقرأ حمزة والكسائي بموقع
الواقعة : ( 76 ) وإنه لقسم لو . . . . .
) وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ( لما في المقسم به من الدلالة على عظم القدرة وكمال الحكمة وفرط الرحمة ومن مقتضيات رحمته أن لا يترك عباده سدى وهو اعتراض في اعتراض فإنه اعتراض بين القسم والمقسم عليه و ) لو تعلمون ( اعتراض بين الموصوف والصفة
الواقعة : ( 77 ) إنه لقرآن كريم
) إنه لقرآن كريم ( كثير النفع لاشتماله على أصول العلوم المهمة في إصلاح المعاش والمعاد أو حسن مرضي في جنسه
الواقعة : ( 78 ) في كتاب مكنون
) في كتاب مكنون ( مصون وهو اللوح المحفوظ
الواقعة : ( 79 ) لا يمسه إلا . . . . .
) لا يمسه إلا المطهرون ( لا يطلع على اللوح إلا المطهرون من الكدورات الجسمانية وهم الملائكة أو لا يمس القرآن ) إلا المطهرون ( من الأحداث فيكون نفيا بمعنى النهي أو لا يطلبه ) إلا المطهرون ( من الكفر وقرئ المتطهرون(5/292)
" صفحة رقم 293 "
والمطهرون من أطهره بمعنى طهره والمطهرون أي أنفسهم أو غيرهم بالاستغفار لهم والإلهام
الواقعة : ( 80 ) تنزيل من رب . . . . .
) تنزيل من رب العالمين ( صفة ثالثة أو رابعة للقرآن وهو مصدر نعت به وقرئ بالنصب أي نزل تنزيلا
الواقعة : ( 81 ) أفبهذا الحديث أنتم . . . . .
) أفبهذا الحديث ( يعني القرآن ) أنتم مدهنون ( متهاونون به كمن يدهن في الأمر أي يلين جانبه ولا يتصلب فيه تهاونا به
الواقعة : ( 82 ) وتجعلون رزقكم أنكم . . . . .
) وتجعلون رزقكم ( أي شكر رزقكم ) أنكم تكذبون ( أي بمانحه حيث تنسبونه إلى الأنواء وقرئ شكركم أي تجعلون شكركم لنعمة القرآن أنكم تكذبون به وتكذبون أي بقولكم في القرآن أنه سحر وشعر أو في المطر أنه من الأنواء
الواقعة : ( 83 ) فلولا إذا بلغت . . . . .
) فلولا إذا بلغت الحلقوم ( أي النفس
الواقعة : ( 84 ) وأنتم حينئذ تنظرون
) وأنتم حينئذ تنظرون ( حالكم والخطاب لمن حول المحتضر والواو للحال
الواقعة : ( 85 ) ونحن أقرب إليه . . . . .
) ونحن أقرب ( أي ونحن أعلم ) إليه ( إلى المحتضر ) منكم ( عبر عن العلم بالقرب الذي هو أقوى سبب الاطلاع ) ولكن لا تبصرون ( لا تدركون كنه ما يجري عليه
الواقعة : ( 86 ) فلولا إن كنتم . . . . .
) فلولا إن كنتم غير مدينين ( أي مجزيين يوم القيامة أو مملوكين مقهورين من دانه إذا أذله واستعبده وأصل التركيب للذل والانقياد
الواقعة : ( 87 ) ترجعونها إن كنتم . . . . .
) ترجعونها ( ترجعون النفس إلى مقرها وهو عامل الظرف والمحضض عليه ب ) فلولا ( الأولى والثانية تكرير للتوكيد وهي بما في حيزها دليل جواب الشرط والمعنى(5/293)
" صفحة رقم 294 "
إن كنتم غير مملوكين مجزيين كما دل عليه جحدكم أفعال الله وتكذيبكم بآياته ) إن كنتم صادقين ( في أباطيلكم ) فلولا ( ترجعون الأرواح إلى الأبدان بعد بلوغها الحلقوم
الواقعة : ( 88 ) فأما إن كان . . . . .
) فأما إن كان من المقربين ( أي إن كان المتوفى من السابقين
الواقعة : ( 89 ) فروح وريحان وجنة . . . . .
) فروح ( فله استراحة وقرئ فروح بالضم وفسر بالرحمة لأنها كالسبب لحياة المرحوم وبالحياة الدائمة ) وريحان ( ورزق طيب ) وجنة نعيم ( ذات تنعم
الواقعة : ( 90 - 91 ) وأما إن كان . . . . .
) وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك ( يا صاحب اليمين ) من أصحاب اليمين ( أي من إخوانك يسلمون عليك
الواقعة : ( 92 ) وأما إن كان . . . . .
) وأما إن كان من المكذبين الضالين ( يعني أصحاب الشمال وإنما وصفهم بأفعالهم زجرا عنها وإشعارا بما أوجب لهم ما أوعدهم به
الواقعة : ( 93 - 94 ) فنزل من حميم
) فنزل من حميم وتصلية جحيم ( وذلك ما يجد في القبر من سموم النار ودخانها
الواقعة : ( 95 ) إن هذا لهو . . . . .
) إن هذا ( أي الذي ذكر في السورة أو في شأن الفرق ) لهو حق اليقين ( أي حق الخبر اليقين
الواقعة : ( 96 ) فسبح باسم ربك . . . . .
) فسبح باسم ربك العظيم ( فنزهه بذكر اسمه تعالى عما لا يليق بعظمه شأنه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا(5/294)
" صفحة رقم 295 "
سورة الحديد
مدنية وقيل
مكية وآيها تسع وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحديد : ( 1 ) سبح لله ما . . . . .
) سبح لله ما في السماوات والأرض ( ذكر ها هنا وفي الحشر والصف بلفظ الماضي وفي الجمعة والتغابن بلفظ المضارع إشعارا بأن من شأن ما أسند إليه أن يسبحه في جميع أوقاته لأنه دلالة جبلية لا تختلف باختلاف الحالات ومجيء المصدر مطلقا في بني إسرائيل أبلغ من حيث إنه يشعر بإطلاقه على استحقاق التسبيح من كل شيء وفي كل حال وإنما عدي باللام وهو متعد بنفسه مثل نصحت له في نصحته إشعارا بأن إيقاع الفعل لأجل الله وخالصا لوجهه ) وهو العزيز الحكيم ( حال يشعر بما هو المبدأ للتسبيح
الحديد : ( 2 ) له ملك السماوات . . . . .
) له ملك السماوات والأرض ( فإنه الموجد لها والمتصرف فيها ) يحيي ويميت ( استئناف أو خبر لمحذوف ) وهو على كل شيء ( من الإحياء والإماتة وغيرهما ) قدير ( تام القدرة
الحديد : ( 3 ) هو الأول والآخر . . . . .
) هو الأول ( السابق على سائر الموجودات من حيث إنه موجدها ومحدثها ) والآخر ( الباقي بعد فنائها ولو بالنظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن غيرها أو ) هو الأول ((5/295)
" صفحة رقم 296 "
الذي تبتدئ منه الأسباب وتنتهي إليه المسببات أو ) الأول ( خارجا و ) الآخر ( ذهنا ) والظاهر والباطن ( الظاهر وجوده لكثرة دلائله والباطن حقيقة ذاته فلا تكتنهها العقول أو الغالب على كل شيء والعالم بباطنه والواو الأولى والأخيرة للجمع بين الوصفين والمتوسطة للجمع بين المجموعين ) وهو بكل شيء عليم ( يستوي عنده الظاهر والخفي
الحديد : ( 4 ) هو الذي خلق . . . . .
) هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض ( كالبذور ) وما يخرج منها ( كالزروع ) وما ينزل من السماء ( كالأمطار ) وما يعرج فيها ( كالأبخرة ) وهو معكم أين ما كنتم ( لا ينفك علمه وقدرته عنكم بحال ) والله بما تعملون بصير ( فيجازيكم عليه ولعل تقديم الخلق على العلم لأنه دليل عليه
الحديد : ( 5 ) له ملك السماوات . . . . .
) له ملك السماوات والأرض ( ذكره مع الإعادة كما ذكره مع الإداء لأنه كالمقدمة لهما ) وإلى الله ترجع الأمور ((5/296)
" صفحة رقم 297 "
الحديد : ( 6 ) يولج الليل في . . . . .
) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور ( بمكنوناتها
الحديد : ( 7 ) آمنوا بالله ورسوله . . . . .
) آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ( من الأموال التي جعلكم الله خلفاء في التصرف فيها فهي في الحقيقة له لا لكم أو التي استخلفكم عمن قبلكم في تملكها والتصرف فيها وفيه حث على الإنفاق وتهوين له على النفس ) فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير ( وعد فيه مبالغات جعل الجملة اسمية وإعادة ذكر الإيمان والإنفاق وبناء الحكم على الضمير وتنكير الأجر ووصفه بالكبر
الحديد : ( 8 ) وما لكم لا . . . . .
) وما لكم لا تؤمنون بالله ( أي وما تصنعون غير مؤمنين به كقولك ما لك قائما ) والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم ( حال من ضمير تؤمنون والمعنى أي عذر لكم في ترك الإيمان والرسول يدعوكم إليه بالحجج والآيات ) وقد أخذ ميثاقكم ( أي وقد أخذ الله ميثاقكم بالإيمان قبل ذلك بنصب الأدلة والتمكين من النظر والواو للحال من مفعول ) يدعوكم ( وقرأ أبو عمرو وعلى البناء للمفعول ورفع ميثاقكم ) إن كنتم مؤمنين ( لموجب ما فإن هذا موجب لا مزيد عليه
الحديد : ( 9 ) هو الذي ينزل . . . . .
) هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم ( أي الله أو العبد ) من الظلمات إلى النور ( من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ) وإن الله بكم لرؤوف رحيم ( حيث نبهكم بالرسول والآيات ولم يقتصر على ما نصب لكم من الحجج العقلية
الحديد : ( 10 ) وما لكم ألا . . . . .
) وما لكم ألا تنفقوا ( وأي شيء لكم في ) ألا تنفقوا ( ) في سبيل الله ( فيما يكون(5/297)
" صفحة رقم 298 "
قربة إليه ) ولله ميراث السماوات والأرض ( يرث كل شيء فيهما فلا يبقى لأحد مال وإذا كان كذلك فإنفاقه بحيث يستخلف عوضا يبقى وهو الثواب كان أولى ) لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة ( بيان لتفاوت المنفقين باختلاف أحوالهم من السبق وقوة اليقين وتحري الحاجات حثا على تحري الأفضل منها بعد الحث على الإنفاق وذكر القتال للاستطراد وقسيم من أنفق محذوف لوضوحه ودلالة ما بعده عليه و ) الفتح ( فتح مكة إذ عز الإسلام به وكثر أهله وقلت الحاجة إلى المقاتلة والإنفاق ) من الذين أنفقوا من بعد ( أي من بعد الفتح ) وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى ( أي وعد الله كلا من المنفقين المثوبة الحسنى وهي الجنة وقرأ ابن عامر وكل بالرفع على الابتداء أي وكل وعده الله ليطابق ما عطف عليه ) والله بما تعملون خبير ( عالم بظاهره وباطنه فيجازيكم على حسبه والآية نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه فإنه أول من آمن وأنفق في سبيل الله وخاصم الكفار حتى ضرب ضربا أشرف به على الهلاك
الحديد : ( 11 ) من ذا الذي . . . . .
) من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ( أي من الذي ينفق ماله في سبيله رجاء أن يعوضه فإنه كمن يقرضه وحسن الإنفاق بالإخلاص فيه وتحري أكرم المال وأفضل الجهات له ) فيضاعفه له ( أي يعطى أجره أضعافا ) وله أجر كريم ( أي وذلك الأجر المضموم إليه الأضعاف كريم في نفسه ينبغي أن يتوخى وإن لم يضاعف فكيف وقد يضاعف أضعافا وقرأ عاصم فيضاعفه بالنصب على جواب الاستفهام باعتبار المعنى فكأنه قال أيقرض الله أحد فيضاعفه له وقرأ ابن كثير فيضعفه مرفوعا وقرأ ابن عامر ويعقوب فيضعفه منصوبا(5/298)
" صفحة رقم 299 "
الحديد : ( 12 ) يوم ترى المؤمنين . . . . .
) يوم ترى المؤمنين والمؤمنات ( ظرف لقوله ) وله ( أو ) فيضاعفه ( أو مقدر باذكر ) يسعى نورهم ( ما يوجب نجاتهم وهدايتهم إلى الجنة ) بين أيديهم وبأيمانهم ( لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين ) بشراكم اليوم جنات ( أي يقول لهم من يتلقاهم من الملائكة ) بشراكم ( أي المبشر به جنات أو ) بشراكم ( دخول جنات ) تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم ( الإشارة إلى ما تقدم من النور والبشرى بالجنات المخلدة
الحديد : ( 13 ) يوم يقول المنافقون . . . . .
) يوم يقول المنافقون والمنافقات ( بدل من ) يوم ترى ( ) للذين آمنوا انظرونا ( انتظرونا فإنهم يسرع بهم إلى الجنة كالبرق الخاطف أو انظروا إلينا فإنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم فيستضيئون بنور بين أيديهم وقرأ حمزة أنظرونا على أن اتئادهم ليلحقوا بهم إمهال لهم ) نقتبس من نوركم ( نصب منه ) قيل ارجعوا وراءكم ( إلى الدنيا ) فالتمسوا نورا ( بتحصيل المعارف الإلهية والأخلاق الفاضلة فإنه يتولد منها أو إلى الموقف فإنه من ثمة يقتبس أو إلى حيث شئتم فاطلبوا نورا آخر فإنه لا سبيل لكم إلى هذا وهو تهكم بهم وتخييب من المؤمنين أو الملائكة ) فضرب بينهم ( بين المؤمنين والمنافقين ) بسور ( بحائط ) له باب ( يدخل منه المؤمنون ) باطنه ( باطن السور أو الباب ) فيه الرحمة ( لأنه يلي الجنة ) وظاهره من قبله العذاب ( من جهته لأنه يلي النار
الحديد : ( 14 ) ينادونهم ألم نكن . . . . .
) ينادونهم ألم نكن معكم ( يريدون موافقتهم في الظاهر ) قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم ( بالنفاق ) وتربصتم ( بالمؤمنين الدوائر ) وارتبتم ( وشككتم في الدين ) وغرتكم الأماني ( كامتداد العمر ) حتى جاء أمر الله ( وهو الموت ) وغركم بالله الغرور ( الشيطان أو الدنيا(5/299)
" صفحة رقم 300 "
الحديد : ( 15 ) فاليوم لا يؤخذ . . . . .
) فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ( فداء وقرأ ابن عامر ويعقوب بالتاء ) ولا من الذين كفروا ( ظاهرا وباطنا ) مأواكم النار هي مولاكم ( هي أولى بكم كقول لبيد " فغدت كلا الفرجين تحسب أنه مولى المخافة خلفها وأمامها " وحقيقته مجراكم أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم كقولك هو مئنة الكرم أي مكان قول القائل إنه لكريم أو مكانكم عما قريب من الولي وهو القرب أو ناصركم على طريقة قوله " تحية بينهم ضرب وجيع " أو متوليكم يتولاكم كما توليتم موجباتها في الدنيا ) وبئس المصير ( النار
الحديد : ( 16 ) ألم يأن للذين . . . . .
) ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ( ألم يأت وقته يقال أني الأمر يأني أنيا وأنا إذا جاء إناه وقرئ ألم يئن بكسر الهمزة وسكون النون من آن يئين بمعنى أتى وألما يأن روي أن المؤمنين كانوا مجدبين بمكة فلما هاجروا أصابوا الرزق والنعمة ففتروا عما كانوا عليه فنزلت ) وما نزل من الحق ( أي القرآن وهو عطف على الذكر عطف أحد الوصفين على الآخر ويجوز أن يراد بالذكر أن يذكر الله وقرأ نافع وحفص ويعقوب ) نزل ( بالتخفيف وقرئ أنزل ) ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل ( عطف على ) تخشع ( وقرأ رويس بالتاء والمراد النهي عن مماثلة أهل الكتاب فيما حكي عنهم بقوله ) فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم ( أي فطال عليهم الأجل لطول أعمارهم وآمالهم أو ما بينهم وبين أنبيائهم ) فقست قلوبهم ( وقرئ ) الأمد ( وهو الوقت الأطول ) وكثير منهم فاسقون ( خارجون عن دينهم رافضون لما في كتابهم من فرط القسوة
الحديد : ( 17 ) اعلموا أن الله . . . . .
) اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها ( تمثيل لإحياء القلوب القاسية بالذكر(5/300)
" صفحة رقم 301 "
والتلاوة بالإحياء والأموات ترغيبا في الخشوع وزجرا عن القساوة ) قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون ( كي تكمل عقولكم
الحديد : ( 18 ) إن المصدقين والمصدقات . . . . .
) إن المصدقين والمصدقات ( إن المتصدقين والمتصدقات وقد قرئ بهما وقرأ ابن كثير وأبو بكر بتخفيف الصاد أي الذين صدقوا الله ورسوله ) وأقرضوا الله قرضا حسنا ( عطف على معنى الفعل في المحل باللام لأن معناه الذين أصدقوا أو صدقوا وهو على الأول للدلالة على أن المعتبر هو التصدق المقرون بالإخلاص ) يضاعف لهم ولهم أجر كريم ( معناه والقراءة في ) يضاعف ( كما مر غير أنه لم يجزم لأنه خبر إن وهو مسند إلى ) لهم ( أو إلى ضمير المصدر
الحديد : ( 19 ) والذين آمنوا بالله . . . . .
) والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم ( أي أولئك عند الله بمنزلة الصديقين والشهداء أو هم المبالغون في الصدق فإنهم آمنوا وصدقوا جميع أخبار الله ورسله والقائمون بالشهادة لله ولهم أو على الأمم يوم القيامة وقيل ) والشهداء عند ربهم ( مبتدأ وخبر والمراد به الأنبياء من قوله ) فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ( أو الذين استشهدوا في سبيل الله ) لهم أجرهم ونورهم ( مثل أجر الصديقين والشهداء ومثل نورهم ولكنه من غير تضعيف ليحل التفاوت أو الأجر والنور الموعودان لهم ) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم ( فيه دليل على أن الخلود في(5/301)
" صفحة رقم 302 "
النار مخصوص بالكفار من حيث أن التركيب يشعر بالاختصاص والصحبة تدل على الملازمة عرفاء
الحديد : ( 20 ) اعلموا أنما الحياة . . . . .
) اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد ( لما ذكر حال الفريقين في الآخرة حقر أمور الدنيا أعني ما لا يتوصل به إلى الفوز الأجل بأن بين أنها أمور خيالية قليلة النفع سريعة الزوال لأنها لعب يتعب الناس فيه أنفسهم جدا إتعاب الصبيان في الملاعب من غير فائدة ولهو يلهون به أنفسهم عما يهمهم وزينة كالملابس الحسنة والمواكب البهية والمنازل الرفيعة وتفاخر بالأنساب أو تكاثر بالعدد والعدد ثم قرر ذلك بقوله ) كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما ( وهو تمثيل لها في سرعة تقضيها وقلة جدواها بحال نبات أنبته الغيث فاستوى وأعجب به الحراث أو الكافرون بالله لأنهم أشداء إعجابا بزينة الدنيا ولأن المؤمن إذا رأى معجبا انتقل فكره إلى قدرة صانعه فأعجب بها والكافر لا يتخطى فكره عما أحس به فيستغرق فيه إعجابا ثم هاج أي يبس بعاهة فاصفر ثم صار حطاما ثم عظم أمور الآخرة الأبدية بقوله ) وفي الآخرة عذاب شديد ( تنفيرا عن الانهماك في الدنيا وحثا على ما يوجب كرامة العقبى ثم أكد ذلك بقوله ) ومغفرة من الله ورضوان ( أي لمن أقبل عليها ولم يطلب إلا الآخرة ) وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ( أي لمن أقبل عليها ولم يطلب بها الآخرة
الحديد : ( 21 ) سابقوا إلى مغفرة . . . . .
) سابقوا ( سارعوا مسارعة المسابقين في المضمار ) إلى مغفرة من ربكم ( إلى موجباتها ) وجنة عرضها كعرض السماء والأرض ( أي عرضها كعرضهما وإن كان العرض كذلك فما ظنك بالطول وقيل المراد به البسطة كقوله ) فذو دعاء عريض ( ) أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ( فيه دليل على أن الجنة مخلوقة وأن الإيمان وحده كاف في استحقاقها ) ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ( ذلك الموعود يتفضل به على من يشاء من(5/302)
" صفحة رقم 303 "
غير إيجاب ) والله ذو الفضل العظيم ( منه التفضل بذلك وإن عظم قدره
الحديد : ( 22 ) ما أصاب من . . . . .
) ما أصاب من مصيبة في الأرض ( كجدب وعاهة ) ولا في أنفسكم ( كمرض وآفة ) إلا في كتاب ( إلا مكتوبة في اللوح مثبتة في علم الله تعالى ) من قبل أن نبرأها ( نخلقها والضمير لل ) مصيبة ( أو ) الأرض ( أو للأنفس ) إن ذلك ( أي إثباته في كتاب ) على الله يسير ( لاستغنائه تعالى فيه عن العدة والمدة
الحديد : ( 23 ) لكي لا تأسوا . . . . .
) لكي لا تأسوا ( أي أثبت وكتب كي لا تحزنوا ) على ما فاتكم ( من نعم الدنيا ) ولا تفرحوا بما آتاكم ( بما أعطاكم الله منها فإن من علم أن الكل مقدر هان عليه الأمر وقرأ أبو عمرو ) بما آتاكم ( من الإتيان ليعادل ما فاتكم وعلى الأول فيه إشعار بأن فواتها يلحقها إذ خليت وطباعها واما حصولها وإبقاؤها فلا بد لهما من سبب يوجدها ويبقيها والمراد نفي الآسي المانع عن التسليم لأمر الله والفرح الموجب للبطر والاحتيال ولذلك عقبه بقوله ) والله لا يحب كل مختال فخور ( إذ قل من يثبت نفسه في حالي الضراء والسراء
الحديد : ( 24 ) الذين يبخلون ويأمرون . . . . .
) الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ( بدل من كل مختال فإن المختال بالمال يضن به غالبا أو مبتدأ خبره محذوف مدلول عليه بقوله ) ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ( لأن معناه ومن يعرض عن الإنفاق فإن الله غني عنه وعن إنفاقه محمود في ذاته لا يضره الإعراض عن شكره ولا ينفعه التقرب إليه بشكر من نعمه وفيه تهديد وإشعار بأن الأمر بالإنفاق لمصلحة المنفق وقرأ نافع وابن عامر / فإن الله الغني /
الحديد : ( 25 ) لقد أرسلنا رسلنا . . . . .
) لقد أرسلنا رسلنا ( أي الملائكة إلى الأنبياء أو الأنبياء إلى الأمم ) بالبينات ((5/303)
" صفحة رقم 304 "
بالحجج والمعجزات ) وأنزلنا معهم الكتاب ( ليبين الحق ويميز صواب العمل ) والميزان ( لتسوى به الحقوق ويقام به العدل كما قال تعالى ) ليقوم الناس بالقسط ( وإنزاله إنزال أسبابه والأمر باعداده وقيل أنزل الميزان إلى نوح عليه السلام ويجوز أن يراد به العدل ) ليقوم الناس بالقسط ( لتقام به السياسة وتدفع به الأعداء كما قال ) وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ( فإن آلات الحروب متخذة منه ) ومنافع للناس ( إذ ما من صنعة إلا والحديد آلاتها ) وليعلم الله من ينصره ورسله ( باستعمال الأسلحة في مجاهدة الكفار والعطف على محذوف دل عليه ما قبله فإنه حال يتضمن تعليلا أو اللام صلة لمحذوف أي أنزله ليعلم الله ) بالغيب ( حال من المستكن في ينصره ) إن الله قوي ( على إهلاك من أراد إهلاكه ) عزيز ( لا يفتقر إلى نصرة وإنما أمرهم بالجهاد لينتفعوا به ويستوجبوا ثواب الامتثال فيه
الحديد : ( 26 ) ولقد أرسلنا نوحا . . . . .
) ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب ( بأن استنبأناهم وأوحينا إليهم الكتب وقيل المراد بالكتب الخط ) فمنهم ( فمن الذرية أو من المرسل إليهم وقد دل عليهم ) أرسلنا ( ) مهتد وكثير منهم فاسقون ( خارجون عن الطريق المستقيم والعدول عن السنن القابلة للمبالغة في الذم والدلالة على أن الغلبة للضلال
الحديد : ( 27 ) ثم قفينا على . . . . .
) ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم ( أي أرسلنا رسولا بعد رسول حتى انتهى إلى عيسى عليه السلام والضمير لنوح وإبراهيم ومن أرسلا إليهم أو من عاصرهما من الرسل لا للذرية فإن الرسل الملقى بهم من الذرية ) وآتيناه الإنجيل ( وقرئ بفتح الهمزة وأمره أهون من أمر البرطيل لأنه أعجمي ) وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ((5/304)
" صفحة رقم 305 "
وقرئ رآفة على فعالة ) ورحمة ورهبانية ابتدعوها ( أي وابتدعوا رهبانية ابتدعوها أو رهبانية مبتدعة على أنها من المجعولات وهي المبالغة في العبادة والرياضة والانقطاع عن الناس منسوبة إلى الرهبان وهو المبالغ في الخوف من رهب كالخشيان من خشي وقرئت بالضم كأنها منسوبة إلى الرهبان وهو جمع راهب كراكب وركبان ) ما كتبناها عليهم ( ما فرضناها عليهم ) إلا ابتغاء رضوان الله ( استثناء منقطع أي ولكنهم ابتدعوها ) ابتغاء رضوان الله ( وقيل متصل فإن ) ما كتبناها عليهم ( بمعنى ما تعبدناهم بها وهو كما ينفي الإيجاب المقصود منه دفع العقاب ينفي الندب المقصود منه مجرد حصول مرضاة الله وهو يخالف قوله ) ابتدعوها ( إلا أن يقال ) ابتدعوها ( ثم ندبوا إليها أو ) ابتدعوها ( بمعنى استحدثوها وأتوا بها أو لأنهم اخترعوها من تلقاء أنفسهم ) فما رعوها ( أي فما رعوها جميعا ) حق رعايتها ( بضم التثليث والقول بالاتحاد وقصد السمعة والكفر بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ونحوها إليها ) فآتينا الذين آمنوا ( أتوا بالإيمان الصحيح ومن ذلك الإيمان بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وحافظوا حقوقها ) منهم ( من المتسمين باتباعه ) أجرهم وكثير منهم فاسقون ( خارجون عن حال الاتباع
الحديد : ( 28 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا ( بالرسل المتقدمة ) اتقوا الله ( فيما نهاكم عنه ) وآمنوا برسوله ( محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) يؤتكم كفلين ( نصيبين ) من رحمته ( لإيمانكم بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) إيمانكم بمن قبله ولا يبعد أن يثابوا على دينهم السابق وإن كان منسوخا ببركة الإسلام وقيل الخطاب للنصارى الذين كانوا في عصره ( صلى الله عليه وسلم ) ) ويجعل لكم نورا تمشون به ( يريد المذكور في قوله ) يسعى نورهم ( أو الهدى الذي يسلك به إلى جناب القدس ) ويغفر لكم والله غفور رحيم ((5/305)
" صفحة رقم 306 "
الحديد : ( 29 ) لئلا يعلم أهل . . . . .
) لئلا يعلم أهل الكتاب ( أي ليعلموا ولا مزيدة ويؤيده أنه قرئ ليعلم ولكي يعلم ولأن يعلم بإدغام النون في الياء ) ألا يقدرون على شيء من فضل الله ( أن هي المخففة والمعنى أنه لا ينالون شيئا مما ذكر من فضله ولا يتمكنون من نيله لأنهم لم يؤمنوا برسوله وهو مشروط بالإيمان به أو لا يقدرون على شيء من فضله فضلا عن أن يتصرفوا في أعظمه وهو النبوة فيخصوها بمن أرادوا ويؤيده قوله ) وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ( وقيل لا غير مزيدة والمعنى لئلا يعتقد أهل الكتاب أنه لا يقدر النبي والمؤمنون به على شيء من فضل الله ولا ينالونه فيكون ) وأن الفضل ( عطفا على ) لئلا يعلم ( وقرئ ليلا يعلم ووجهه أن الهمزة حذفت وأدغمت النون في اللام ثم أبدلت ياء وقرئ ليلا على أن الأصل في الحروف المفردة الفتح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الحديد كتب من الذين آمنوا بالله ورسله أجمعين(5/306)
" صفحة رقم 307 "
سورة المجادلة
مدنية وقيل العشر الأول مكي والباقي مدني وآيها اثنتان وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
المجادلة : ( 1 ) قد سمع الله . . . . .
) قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله ( روي ان خولة بنت ثعلبة ظاهر عنها زوجها أوس بن الصامت فاستفتت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال حرمت عليه فقالت ما طلقني فقال حرمت عليه فاغتمت لصغر أولادها وشكت إلى الله تعالى فنزلت هذه الآيات الأربع وقد تشعر بأن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أو المجادلة يتوقع أن الله يسمع مجادلتها وشكواها ويفرج عنها كربها وأدغم حمزة والكسائي وأبو عمرو وهشام عن ابن عامر دالها في السين ) والله يسمع تحاوركما ( تراجعكما الكلام وهو على تغليب الخطاب ) إن الله سميع بصير ( للأقوال والأحوال
المجادلة : ( 2 ) الذين يظاهرون منكم . . . . .
) الذين يظاهرون منكم من نسائهم ( الظهار أن يقول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي مشتق من الظهر وألحق به الفقهاء تشبيهها بجزء أنثى محرم وفي ) منكم ( تهجين لعادتهم فيه فإنه كان من إيمان أهل الجاهلية وأصل ) يظاهرون ( يتظاهرون وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي يظاهرون من اظاهر وعاصم ) يظاهرون ( من ظاهر ) ما هن ((5/307)
" صفحة رقم 308 "
) أمهاتهم ( أي على الحقيقة ) إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم ( فلا تشبه بهن في الحرمة إلا من ألحقها الله بهن كالمرضعات وأزواج الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وعن عاصم أمهاتهم بالرفع على لغة بني تميم وقرىء ب ) أمهاتهم ( وهو أيضا على لغة من ينصب ) وإنهم ليقولون منكرا من القول ( إذ الشرع أنكره ) وزورا ( منحرفا عن الحق فإن الزوجة لا تشبه الأم ) وإن الله لعفو غفور ( لما سلف منه مطلقا أو إذا تيب عنه
المجادلة : ( 3 ) والذين يظاهرون من . . . . .
) والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا ( أي إلى قولهم بالتدارك ومنه المثل عاد الغيث على ما أفسد وهو بنقض ما يقتضيه وذلك عند الشافعي بإمساك المظاهر عنها في النكاح زمانا يمكنه مفارقتها فيه إذ التشبيه يتناول حرمته لصحة استثنائها عنه وهو أقل ما ينتقض به وعند أبي حنيفة باستباحة استمتاعها ولو بنظرة شهوة وعند مالك بالعزم على الجماع وعند الحسن بالجماع أو بالظهار في الإسلام على أن قوله ) يظاهرون ( بمعنى يعتادون الظهار إذ كانوا يظاهرون في الجاهلية وهو قول الثوري أو بتكراره لفظا وهو قول الظاهرية أو معنى بأن يحلف على ما قال وهو قول أبي مسلم أو إلى المقول فيها بإمساكها أو استباحة استمتاعها أو وطئها ) فتحرير رقبة ( أي فعليهم أو فالواجب اعتقاق رقبة والفاء للسببية ومن فوائدها الدلالة على تكرر وجوب التحرير بتكرر الظهار والرقبة مقيدة بالإيمان عندنا قياسا على كفارة القتل ) من قبل أن يتماسا ( أن يستمتع كل من المظاهر عنها بالآخر لعموم اللفظ ومقتضى التشبيه أو أن يجامعها وفيه دليل على حرمة ذلك قبل التكفير ) ذلكم ( أي ذلكم الحكم بالكفارة ) توعظون به ( لأنه يدل على(5/308)
" صفحة رقم 309 "
ارتكاب الجناية الموجبة للغرامة ويردع عنه ) والله بما تعملون خبير ( لا تخفى عليه خافية
المجادلة : ( 4 ) فمن لم يجد . . . . .
) فمن لم يجد ( أي الرقبة والذي غاب ماله واجد ) فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا ( فإن أفطر بغير عذر لزمه الاستئناف وإن أفطر لعذر ففيه خلاف وإن جامع المظاهر عنها ليلا لم ينقطع التتابع عندنا خلافا لأبي حنيفة ومالك رضي الله تعالى عنهما ) فمن لم يستطع ( أي الصوم لهرم أو مرض مزمن أو شبق مفرط فإنه ( صلى الله عليه وسلم ) رخص للأعرابي المفطر أن يعدل لأجله ) فإطعام ستين مسكينا ( ستين مدا بمد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو رطل وثلث لأنه أقل ما قيل في الكفارات وجنسه المخرج في الفطرة وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه يعطي كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من غيره وإنما لم يذكر التماس مع الطعام اكتفاء بذكره مع الآخرين أو لجوازه في خلال الإطعام كما قال أبو حنيفه رضي الله تعالى عنه ) ذلك ( أي ذلك البيان أو التعليم للأحكام ومحله النصب بفعل معلل بقوله ) لتؤمنوا بالله ورسوله ( أي فرض ذلك لتصدقوا بالله ورسوله في قبول شرائعه ورفض ما كنتم عليه في جاهليتكم ) وتلك حدود الله ( لا يجوز تعديها ) وللكافرين ( أي الذين لا يقبلونها ) عذاب أليم ( هو نظير قوله تعالى ) ومن كفر فإن الله غني عن العالمين )
المجادلة : ( 5 ) إن الذين يحادون . . . . .
) إن الذين يحادون الله ورسوله ( يعادونهما فإن كلا من المتعادين في حد غير حد الآخر أو يضعون أو يختارون حدودا غير حدودهما ) كبتوا ( أخزوا وأهلكوا واصل(5/309)
" صفحة رقم 310 "
الكبت الكب ) كما كبت الذين من قبلهم ( يعني كفار الأمم الماضية ) وقد أنزلنا آيات بينات ( تدل على صدق الرسول وما جاء به ) وللكافرين عذاب مهين ( يذهب عزهم وتكبرهم
المجادلة : ( 6 ) يوم يبعثهم الله . . . . .
) يوم يبعثهم الله ( منصوب ب ) مهين ( أو بإضمار اذكر ) جميعا ( كلهم لا يدع أحدا غير مبعوث أو مجتمعين ) فينبئهم بما عملوا ( أي على رؤوس الأشهاد تشهيرا لحالهم وتقريرا لعذابهم ) أحصاه الله ( أحاط به عددا لم يغب منه شيء ) ونسوه ( لكثرته أو تعاونهم به ) والله على كل شيء شهيد ( لا يغيب عنه شيء
المجادلة : ( 7 ) ألم تر أن . . . . .
) ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ( كليا وجزئيا ) ما يكون من نجوى ثلاثة ( أي ما يقع من تناجي ثلاثة ويجوز أن يقدر مضاف أو يؤول ) نجوى ( بمتناجين ويجعل ) ثلاثة ( صفة لها واشتقاقها من النجوة وهي ما ارتفع من الأرض فإن السر أمر مرفوع إلى الذهن لا يتيسر لكل أحد أن يطلع عليه ) إلا هو رابعهم ( إلا الله يجعلهم أربعة من حيث أنه يشاركهم في الاطلاع عليها والاستثناء من أعم الأحوال ) ولا خمسة ( ولا نجوى خمسة ) إلا هو سادسهم ( وتخصيص العددين إما لخصوص الواقعة فإن الآية نزلت في تناجي المنافقين أو لأن الله تعالى وتر يحب الوتر والثلاثة أول الأوتار أو لأن التشاور لا بد له من اثنين يكونان كالمتنازعين وثالث يتوسط بينهما وقرىء ) ثلاثة ( و ) خمسه ( بالنصب على الحال بإضمار ) ويتناجون ( أو تأويل ) نجوى ( بمتناجين ) ولا أدنى من ذلك ( ولا أقل مما ذكر كالواحد والاثنين ) ولا أكثر ( كالستة وما فوقها ) إلا هو معهم ( يعلم ما يجري بينهم وقرأ يعقوب ولا أكثر بالرفع عطفا على محل من ) نجوى ( أو محل لا أدنى بأن جعلت لا لنفي الجنس ) أين ما كانوا ( فإن علمه بالأشياء ليس لقرب مكاني حتى يتفاوت باختلاف الأمكنة ) ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة ((5/310)
" صفحة رقم 311 "
تفضيحا لهم وتقريرا لما يستحقونه من الجزاء ) أن الله بكل شيء عليم ( لأن نسبة ذاته المقتضية للعلم إلى الكل على السواء
المجادلة : ( 8 ) ألم تر إلى . . . . .
) ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ( نزلت في اليهود والمنافقين كانوا يتناجون فيما بينهم ويتغامزون بأعينهم إذا رأوا المؤمنين فنهاهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم عادوا لمثل فعلهم ) ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ( أي بما هو إثم وعدوان للمؤمنين وتواص بمعصية الرسول وقرأ حمزة وينتجون وهو يفتعلون من النجوى وروي عن يعقوب مثله ) وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله ( فيقولون السام عليك أو أنعم صباحا والله تعالى يقول ) وسلام على عباده الذين اصطفى ( ) ويقولون في أنفسهم ( فيما بينهم ) لولا يعذبنا الله بما نقول ( هلا يعذبنا الله بذلك لو كان محمد نبيا ) حسبهم جهنم ( عذابا ) يصلونها ( يدخلونها ) فبئس المصير ( جهنم
المجادلة : ( 9 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ( كما يفعله المنافقون وعن يعقوب فلا تنتجوا ) وتناجوا بالبر والتقوى ( بما يتضمن خير المؤمنين والاتقاء عن معصية الرسول ) واتقوا الله الذي إليه تحشرون ( فيما تأتون وتذرون فإنه مجازيكم عليه
المجادلة : ( 10 ) إنما النجوى من . . . . .
) إنما النجوى ( أي النجوى بالإثم والعدوان ) من الشيطان ( فإنه المزين لها والحامل عليها ) ليحزن الذين آمنوا ( بتوهمهم انها في نكبة أصابتهم ) وليس ( أي الشيطان أو التناجي ) بضارهم ( بضار المؤمنين ) شيئا إلا بإذن الله ( إلا بمشيئته ) وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( ولا يبالوا بنجواهم(5/311)
" صفحة رقم 312 "
المجادلة : ( 11 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس ( توسعوا فيه وليفسح بعضكم عن بعض من قولهم افسح عني أي تنح وقرىء تفاسحوا والمراد بالمجلس الجنس ويدل عليه قراءة عاصم بالجمع أو مجلس رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإنهم كانوا يتضامون به تنافسا على القرب منه وحرصا على استماع كلامه ) فافسحوا يفسح الله لكم ( فيما تريدون التفسح فيه من المكان والرزق والصدر وغيرها ) وإذا قيل انشزوا ( انهضوا للتوسعة أو لما أمرتم به كصلاة أو جهاد أو ارتفعوا عن المجلس ) فانشزوا ( وقرأ نافع وابن عامر وعاصم بضم الشين فيهما ) يرفع الله الذين آمنوا منكم ( بالنصر وحسن الذكر في الدنيا وإيوائهم غرف الجنان في الآخرة ) والذين أوتوا العلم درجات ( ويرفع العلماء منهم خاصة درجات بما جمعوا من العلم والعمل فإن العلم مع علو درجته يقتضي العمل المقرون به مزيد رفعة ولذلك يقتدى بالعالم في أفعاله ولا يقتدى بغيره وفي الحديث فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ) والله بما تعملون خبير ( تهديد لمن لم يتمثل الأمر أو استكرهه
المجادلة : ( 12 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ( فتصدقوا قدامها مستعار ممن له يدان وفي هذا الأمر تعظيم الرسول وإنفاع الفقراء والنهي عن الإفراط في السؤال والميز بين المخلص والمنافق ومحب الآخرة ومحب الدنيا واختلف في أنه للندب أو للوجوب لكنه منسوخ بقوله ) أأشفقتم ( وهو إن اتصل به تلاوة لم يتصل به نزولا وعن علي كرم الله وجهه إن في كتاب الله آية ما عمل بها أحد غيري كان لي دينار فصرفته فكنت إذا ناجيته تصدقت بدرهم وهو على القول بالوجوب لا يقدح في غيره فلعله لم يتفق للأغنياء مناجاة في مدة بقائه إذ روي أنه لم يبق إلا عشرا وقيل إلا ساعة ) ذلك ( أي ذلك التصدق ) خير لكم وأطهر ( أي لأنفسكم من الريبة وحسب المال وهو(5/312)
" صفحة رقم 313 "
يشعر بالندبية لكن قوله ) فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم ( أي لمن لم يجده حيث رخص له في المناجاة بلا تصدق ادل على الوجوب
المجادلة : ( 13 ) أأشفقتم أن تقدموا . . . . .
) أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات ( أخفتم الفقر من تقديم الصدقة أو أخفتم التقديم لما يعدكم الشيطان عليه من الفقر وجمع ) صدقات ( لجمع المخاطبين أو لكثرة التناجي ) فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم ( بأن رخص لكم أن لا تفعلوه وفيه إشعار بأن إشفاقهم ذنب تجاوز الله عنه لما رأى منهم مما قام مقام توبتهم وإذ على بابها وقيل بمعنى إذا أو إن ) فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ( فلا تفرطوا في أدائهما ) وأطيعوا الله ورسوله ( في سائر الأوامر فإن القيام بها كالجابر للتفريط في ذلك ) والله خبير بما تعملون ( ظاهرا وباطنا
المجادلة : ( 14 ) ألم تر إلى . . . . .
) ألم تر إلى الذين تولوا ( والوا ) قوما غضب الله عليهم ( يعني اليهود ) ما هم منكم ولا منهم ( لأنهم منافقون مذبذبون بين ذلك ) ويحلفون على الكذب ( وهو ادعاء الإسلام ) وهم يعلمون ( أن المحلوف عليه كذب كمن يحلف بالغموس وفي هذا التقييد دليل على أن الكذب يعم ما يعلم المخبر عدم مطابقته وما لا يعلم وروي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان في حجرة من حجراته فقال يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعين شيطان فدخل عبد الله بن نبتل المنافق وكان أزرق فقال ( صلى الله عليه وسلم ) له علام تشتمني أنت وأصحابك فحلف بالله ما فعل ثم جاء بأصحابه فحلفوا فنزلت(5/313)
" صفحة رقم 314 "
المجادلة : ( 15 ) أعد الله لهم . . . . .
) أعد الله لهم عذابا شديدا ( نوعا من العذاب متفاقما ) إنهم ساء ما كانوا يعملون ( فتمرنوا على سوء العمل وأصروا عليه
المجادلة : ( 16 ) اتخذوا أيمانهم جنة . . . . .
) اتخذوا أيمانهم ( أي التي حلفوا بها وقرىء بالكسر أي إيمانهم الذي أظهروه ) جنة ( وقاية دون دمائهم وأموالهم ) فصدوا عن سبيل الله ( فصدوا الناس في خلال أمنهم عن دين الله بالتحريش والتثبيط ) فلهم عذاب مهين ( وعيد ثان بوصف آخر لعذابهم وقيل الأول عذاب القبر وهذا عذاب الآخرة
المجادلة : ( 17 ) لن تغني عنهم . . . . .
) لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( قد سبق مثله
المجادلة : ( 18 ) يوم يبعثهم الله . . . . .
) يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له ( أي لله تعالى على أنهم مسلمون ) كما يحلفون لكم ( في الدنيا ويقولون إنهم لمنكم ) ويحسبون أنهم على شيء ( في حلفهم الكاذب لأن تمكن النفاق في نفوسهم بحيث يخيل إليهم في الآخرة أن الإيمان الكاذبة تروج الكذب على الله كما تروجه عليكم في الدنيا ) ألا إنهم هم الكاذبون ( البالغون الغاية في الكذب حيث يكذبون مع عالم الغيب والشهادة ويحلفون عليه
المجادلة : ( 19 ) استحوذ عليهم الشيطان . . . . .
) استحوذ عليهم الشيطان ( استولى عليهم من حذت الإبل وأحذتها إذا استوليت عليها وهو مما جاء على الأصل ) فأنساهم ذكر الله ( لا يذكرونه بقلوبهم ولا بألسنتهم ) أولئك حزب الشيطان ( جنوده وأتباعه ) ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ( لأنهم فوتوا على أنفسهم النعيم المؤبد وعرضوها للعذاب المخلد
المجادلة : ( 20 ) إن الذين يحادون . . . . .
) إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين ( في جملة من هو أذل خلق الله
المجادلة : ( 21 ) كتب الله لأغلبن . . . . .
) كتب الله ( في اللوح ) لأغلبن أنا ورسلي ( أي بالحجة وقرأ نافع وابن عامر رسلي بفتح الياء ) إن الله قوي ( على نصر أنبيائه ) عزيز ( لا يغلب عليه شيء في مراده(5/314)
" صفحة رقم 315 "
المجادلة : ( 22 ) لا تجد قوما . . . . .
) لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ( أي لا ينبغي أن تجدهم وادين أعداء الله والمراد أنه لا ينبغي أن يوادوهم ) ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ( ولو كان المحادون أقرب الناس إليهم ) أولئك ( أي الذين لم يوادوهم ) كتب في قلوبهم الإيمان ( أثبته فيها وهو دليل على خروج العمل من مفهوم الإيمان فإن جزء الثابت في القلب يكون ثابتا فيه وأعمال الجوارح لا تثبت فيه ) وأيدهم بروح منه ( أي من عند الله وهو نور القلب أو القرآن أو بالنصر على العدو قيل الضمير ل ) الأيمان ( فإنه سبب لحياة القلب ) ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ( بطاعتهم ) ورضوا عنه ( بقضائه أو بما وعدهم من الثواب ) أولئك حزب الله ( جنده وأنصار دينه ) ألا إن حزب الله هم المفلحون ( الفائزون بخير الدارين عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة المجادلة كتب من حزب الله يوم القيامة(5/315)
" صفحة رقم 316 "
سورة الحشر
مدنية وآيها أربع وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحشر : ( 1 ) سبح لله ما . . . . .
) سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم ( روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) لما قدم المدينة صالح بني النضير على أن لا يكونوا له ولا عليه فلما ظهر يوم بدر قالوا إنه النبي المنعوت في التوراة بالنصرة فلما هزم المسلمون يوم أحد ارتابوا ونكثوا وخرج كعب بن الأشرف في أربعين راكبا إلى مكة وحالفوا أبا سفيان فأمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أخا كعب من الرضاعة فقتله غيلة ثم صبحهم بالكتائب وحاصرهم حتى صالحوا على الجلاء فجلا أكثرهم إلى الشام ولحقت طائفة بخيبر والحيرة فأنزل الله تعالى ) سبح لله ( إلى قوله ) والله على كل شيء قدير )
الحشر : ( 2 ) هو الذي أخرج . . . . .
) هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ( أي في أول حشرهم من جزيرة العرب إذ لم يصبهمهذا الذل قبل ذلك أو في أول حشرهم للقتال أو الجلاء إلى الشام وآخر حشرهم إجلاء عمر رضي الله تعالى عنه إياهم من خيبر إليه أو في(5/316)
" صفحة رقم 317 "
أول حشر الناس إلى الشام وآخر حشرهم أنهم يحشرون إليه عند قيام الساعة فيدركهم هناك أو أن نارا تخرج من المشرق فتحشرهم إلى المغرب والحشر إخراج جمع من مكان إلى آخر ) ما ظننتم أن يخرجوا ( لشدة بأسهم ومنعتهم ) وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله ( أي أن حصونهم تمنعهم من بأس الله وتغيير النظم وتقديم الخبر وإسناد الجملة إلى ضميرهم للدلالة على فرط وثوقهم بحصانتها واعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة بسببها ويجوز أن تكون ) حصونهم ( فاعلا ل ) مانعتهم ( ) فآتاهم الله ( أي عذابه وهو الرعب والاضطرار إلى الجلاء وقيل الضمير ل ) المؤمنين ( أي فأتاهم نصر الله وقرىء ) فآتاهم الله ( أي العذاب أو النصر ) من حيث لم يحتسبوا ( لقوة وثوقهم ) وقذف في قلوبهم الرعب ( وأثبت فيها الخوف الذي يرعبها أ يملؤها ) يخربون بيوتهم بأيديهم ( ضنا بها على المسلمين وإخراجا لما استحسنوا من آلاتها ) وأيدي المؤمنين ( فإنهم أيضا كانوا يخربون ظواهرها نكاية وتوسيعا لمجال القتال وعطفها على أيديهم من حيث أن تخريب المؤمنين مسبب عن نقضهم فكأنهم استعملوهم فيه والجملة حال أو تفسير ل ) الرعب ( وقرأ أبو عمرو يخربون بالتشديد وهو أبلغ لما فيه من التكثير وقيل الإخراب التعطيل أو ترك الشيء خرابا والتخريب الهدم ) فاعتبروا يا أولي الأبصار ( فاتعظوا بحالهم فلا تغدروا ولا تعتمدوا على غير الله واستدل به على أن القياس حجة من حيث أنه أمر بالمجاوزة من حال إلى حال وحملها عليها في حكم لما بينهما من المشاركة المقتضية له على ما قررناه في الكتب الأصولية
الحشر : ( 3 ) ولولا أن كتب . . . . .
) ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء ( الخروج من أوطانهم ) لعذبهم في الدنيا ((5/317)
" صفحة رقم 318 "
بالقتل والسبي كما فعل ببني قريظة ) ولهم في الآخرة عذاب النار ( استئناف معناه أنهم إن نجوا من عذاب الدنيا لم ينجوا من عذاب الآخرة
الحشر : ( 4 ) ذلك بأنهم شاقوا . . . . .
) ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب ( الإشارة إلى ما ذكر مما حاق بهم وما كانوا بصدده وما هو معد لهم أو إلى الأخير
الحشر : ( 5 ) ما قطعتم من . . . . .
) ما قطعتم من لينة ( أي شيء قطعتم من نخلة فعلة من اللون ويجمع على ألوان وقيل من اللين ومعناها النخلة الكريمة وجمعها أليان ) أو تركتموها ( الضمير لما وتأنيثه لأنه مفسر باللينة ) قائمة على أصولها ( وقرىء أصلها اكتفاء بالضمة عن الواو أو على أنه كرهن ) فبإذن الله ( فبأمره ) وليخزي الفاسقين ( علة لمحذوف أي وفعلتم أو وأذن لكم في القطع ليجزيهم على فسقهم بما غاظهم منه روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) لما أمر بقطع نخيلهم قالوا قد كنت يا محمد تنهى عن الفساد في الأرض فما بال قطع النخل وتحريقها فنزلت واستدل به على جواز هدم ديار الكفار وقطع أشجارهم زيادة لغيظهم
الحشر : ( 6 ) وما أفاء الله . . . . .
) وما أفاء الله على رسوله ( وما أعاده عليه بمعنى صيره له أو رده عليه فإنه كان حقيقا بأن يكون له لأنه تعالى خلق الناس لعبادته وخلق ما خلق لهم ليتوسلوا به إلى طاعته فهو جدير بأن يكون للمطيعين ) منهم ( من بني النضير أو من الكفرة ) فما أوجفتم عليه ( فما أجريتم على تحصيله من الوجيف وهو سرعة السير ) من خيل ولا ركاب ( ما يركب من الإبل غلب فيه كما غلب الراكب على راكبه وذلك إن كان المراد فيء بني النضير فلأن قراهم كانت على ميلين من المدينة فمشوا إليها رجالا غير رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإنه ركب جملا أو حمارا ولم يجر مزيد قتال ولذلك لم يعط الأنصار منه شيئا إلا ثلاثة كانت بهم(5/318)
" صفحة رقم 319 "
حاجة ) ولكن الله يسلط رسله على من يشاء ( بقذف الرعب في قلوبهم ) والله على كل شيء قدير ( فيفعل ما يريد تارة بالوسائط الظاهرة وتارة بغيرها
الحشر : ( 7 ) ما أفاء الله . . . . .
) ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ( بيان للأول ولذلك لم يعطف عليه ) فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ( اختلف في قسم الفيء فقيل يسدس لظاهر الآية ويصرف سهم الله في عمارة الكعبة وسائر المساجد وقيل يخمس لأن ذكر الله للتعظيم ويصرف الآن سهم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الإمام على قول وإلى العساكر والثغور على قول وإلى مصالح المسلمين على قول وقيل يخمس خمسه كالغنيمة فإنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقسم الخمس كذلك ويصرف الأخماس الأربعة كما يشاء والآن على الخلاف المذكور ) كي لا يكون ( أي الفيء الذي حقه أن يكون للفقراء وقرأ هشام في رواية بالتاء ) دولة بين الأغنياء منكم ( الدولة ما يتداوله الأغنياء ويدور بينهم كما كان في الجاهلية وقرىء ) دولة ( بمعنى كيلا يكون الفيء ذا تداول بينهم أو أخذه غلبة تكون بينهم وقرأ هشام دولة بالرفع على كان التامة أي كيلا يقع دولة جاهلية ) وما آتاكم الرسول ( وما أعطاكم من الفيء أو من الأمر ) فخذوه ( لأنه حلال لكم أو فتمسكوا به لأنه واجب الطاعة ) وما نهاكم عنه ( عن أخذه منه أو عن إتيانه ) فانتهوا ( عنه ) واتقوا الله ( في مخالفة رسوله ) أن الله شديد العقاب ( لمن خالفه
الحشر : ( 8 ) للفقراء المهاجرين الذين . . . . .
) للفقراء المهاجرين ( بدل من ) ولذي القربى ( و ) ما ( عطف عليه فإن ) الرسول ( لا يسمى فقيرا ومن أعطى أغنياء ذوي القربى خصص الإبدال بما بعده والفيء بفيء بني النضير ) الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ( فإن كفار مكة أخرجوهم وأخذوا أموالهم ) يبتغون فضلا من الله ورضوانا ( حال مقيدة لإخراجهم بما يوجب تفخيم شأنهم ) وينصرون الله ورسوله ( بأنفسهم وأموالهم ) أولئك هم الصادقون ( في إيمانهم(5/319)
" صفحة رقم 320 "
الحشر : ( 9 ) والذين تبوؤوا الدار . . . . .
) والذين تبوؤوا الدار والإيمان ( عطف على المهاجرين والمراد بهم الأنصار الذين ظهر صدقهم فإنهم لزموا المدينة والإيمان وتمكنوا فيهما وقيل المعنى تبوءوا دار الهجرة ودار الإيمان فحذف المضاف من الثاني والمضاف إليه من الأول وعوض عنه اللام أو تبوءوا الدار وأخلصوا الإيمان كقوله " علفتها تبنا وماء باردا " وقيل سمى المدينة بالإيمان لأنها مظهره ومصيره ) من قبلهم ( من قبل هجرة المهاجرين وقيل تقدير الكلام والذين تبوءوا الدار من قبلهم والإيمان ) يحبون من هاجر إليهم ( ولا يثقل عليهم ) ولا يجدون في صدورهم ( في أنفسهم ) حاجة ( ما تحمل عليه الحاجة كالطلب والحزازة والحسد والغيظ ) مما أوتوا ( مما أعطي المهاجرون من الفيء وغيره ) ويؤثرون على أنفسهم ( ويقدمون المهاجرين على أنفسهم حتى إن كان عنده مرأتان نزل عن واحدة وزوجها من أحدهم ) ولو كان بهم خصاصة ( حاجة من خصاص البناء وهي فرجه ) ومن يوق شح نفسه ( حتى يخالفها فيما يغلب عليها من حب المال وبغض الإنفاق ) فأولئك هم المفلحون ( الفائزون بالثناء العاجل والثواب الآجل
الحشر : ( 10 ) والذين جاؤوا من . . . . .
) والذين جاؤوا من بعدهم ( هم الذين هاجروا حين قوي الإسلام أو التابعون بإحسان وهم المؤمنون بعد الفريقين إلى يوم القيامة ولذلك قيل أن الآية قد استوعبت جميع المؤمنين ) يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ( أي لإخواننا في(5/320)
" صفحة رقم 321 "
الدين ) ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ( حقدا لهم ) ربنا إنك رؤوف رحيم ( فحقيق بأن تجيب دعاءنا
الحشر : ( 11 - 12 ) ألم تر إلى . . . . .
) ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب ( يريد الذين بينهم وبينهم أخوة الكفر أو الصداقة والموالاة ) لئن أخرجتم ( من دياركم ) لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم ( في قتالكم أو خذلانكم ) أحدا أبدا ( أي من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين ) وإن قوتلتم لننصرنكم ( لنعاوننكم ) والله يشهد إنهم لكاذبون ( لعلمه بأنهم لا يفعلون ذلك كما قال ) لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ( وكان كذلك فإن ابن أبي وأصحابه راسلوا بني النضير بذلك ثم أخلفوهم وفيه دليل على صحة النبوة وإعجاز القرآن ) ولئن نصروهم ( على الفرض والتقدير ) ليولن الأدبار ( انهزاما ) ثم لا ينصرون ( بعد بل يخذلهم الله ولا ينفعهم نصرة المنافقين أو نفاقهم إذ ضمير الفعلين يحتمل أن يكون لليهود وأن يكون للمنافقين
الحشر : ( 13 ) لأنتم أشد رهبة . . . . .
) لأنتم أشد رهبة ( أي أشد مرهوبية مصدر للفعل المبني للمفعول ) في صدورهم ( فإنهم كانوا يضمرون مخافتهم من المؤمنين ) من الله ( على ما يظهرونه نفاقا فإن استبطان رهبتكم سبب لإظهار مرهبة الله ) ذلك بأنهم قوم لا يفقهون ( لا يعلمون عظمة الله حتى يخشوه حق خشيته ويعلموا أنه الحقيق بأن يخشى(5/321)
" صفحة رقم 322 "
الحشر : ( 14 ) لا يقاتلونكم جميعا . . . . .
) لا يقاتلونكم ( اليهود والمنافقون ) جميعا ( مجتمعين متفقين ) إلا في قرى محصنة ( بالدروب والخنادق ) أو من وراء جدر ( لفرط رهبتهم وقرأ ابن كثير وأبو عمر جدار وأمال أبو عمرو فتحة الدال ) بأسهم بينهم شديد ( أي وليس ذلك لضعفهم وجبنهم فإنه يشتد بأسهم إذا حارب بعضهم بعضا بل لقذف الله الرعب في قلوبهم ولأن الشجاع يجبن والعزيز يذل إذا حارب الله ورسوله ) تحسبهم جميعا ( مجتمعين متفقين ) وقلوبهم شتى ( متفرقة لافتراق عقائدهم واختلاف مقاصدهم ) ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ( ما فيه صلاحهم وإن تشتت القلوب يوهن قواهم
الحشر : ( 15 ) كمثل الذين من . . . . .
) كمثل الذين من قبلهم ( أي مثل اليهود كمثل أهل بدر أو بني قينقاع إن صح أنهم أخرجوا قبل النضير أو المهلكين من الأمم الماضية ) قريبا ( في زمان قريب وانتصابه بمثل إذ التقدير كوجود مثل ) ذاقوا وبال أمرهم ( سوء عاقبة كفرهم في الدنيا ) ولهم عذاب أليم ( في الآخرة
الحشر : ( 16 ) كمثل الشيطان إذ . . . . .
) كمثل الشيطان ( أي مثل المنافقين في إغراء اليهود على القتال كمثل الشيطان ) إذ قال للإنسان اكفر ( أغراه على الكفر إغراء الآمر المأمور ) فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين ( تبرأ منه مخافة أن يشاركه في العذاب ولم ينفعه ذلك كما قال
الحشر : ( 17 ) فكان عاقبتهما أنهما . . . . .
) فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين ( والمراد من الإنسان الجنس قيل أبو جهل قال له إبليس يوم بدر ) لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ( الآية وقيل راهب حمله على الفجور والارتداد وقرىء ) عاقبتهما ((5/322)
" صفحة رقم 323 "
و خالدان على أن خبر إن و ) في النار ( لغو
الحشر : ( 18 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد ( ليوم القيامة سماه به لدنوه أو لأن الدنيا كيوم والآخرة كغده وتنكيره للتعظيم وأما تنكير النفس فلاستقلال الأنفس النواظر فيما قدمن للآخرة كأنه قال فلتنظر نفس واحدة في ذلك ) واتقوا الله ( تكرير للتأكيد أو الأول في أداء الواجبات لأنه مقرون بالعمل والثاني في ترك المحارم لاقترانه بقوله ) إن الله خبير بما تعملون ( وهو كالوعيد على المعاصي
الحشر : ( 19 ) ولا تكونوا كالذين . . . . .
) ولا تكونوا كالذين نسوا الله ( نسوا حقه ) فأنساهم أنفسهم ( فجعلهم ناسين لها حتى لم يسمعوا ما ينفعها ولم يفعلوا ما يخلصها أو أراهم يوم القيامة من الهول ما أنساهم أنفسهم ) أولئك هم الفاسقون ( الكاملون في الفسوق
الحشر : ( 20 ) لا يستوي أصحاب . . . . .
) لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة ( الذين استكملوا نفوسهم فاستأهلوا الجنة والذين استمهنوها فاستحقوا النار واحتج به أصحابنا على أن المسلم لا يقتل بالكافر ) أصحاب الجنة هم الفائزون ( بالنعيم المقيم
الحشر : ( 21 ) لو أنزلنا هذا . . . . .
) لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ( تمثيل وتخييل كما مر في قوله ) إنا عرضنا الأمانة ( ولذلك عقبه بقوله ) وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ( فإن الإشارة إليه وإلى أمثاله والمراد توبيخ الإنسان على عدم تخشعه عند تلاوة القرآن لقساوة قلبه وقلة تدبره والتصدع التشقق وقرىء مصدعا على الإدغام(5/323)
" صفحة رقم 324 "
الحشر : ( 22 ) هو الله الذي . . . . .
) هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة ( ما غاب عن الحس من الجواهر القدسية وأحوالها وما حضر له من الأجرام وأعراضها وتقديم ) الغيب ( لتقدمه في الوجود وتعلق العلم القديم به أو المعدوم والموجود أو السر و العلانية وقيل الدنيا والآخرة ) هو الرحمن الرحيم )
الحشر : ( 23 ) هو الله الذي . . . . .
) هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس ( البالغ في النزاهة عما يوجب نقصانا وقرىء بالفتح وهو لغة فيه ) السلام ( ذو السلامة من كل نقص وآفة مصدر وصف به للمبالغة ) المؤمن ( واهب الأمن وقرىء بالفتح بمعنى المؤمن به على حذف الجار ) المهيمن ( الرقيب الحافظ لكل شيء مفيعل من الأمن قلبت همزته هاء ) العزيز الجبار ( الذي جبر خلقه على ما أراده أو جبر حالهم بمعنى أصلحه ) المتكبر ( الذي تكبر عن كل ما يوجب حاجة أو نقصانا ) سبحان الله عما يشركون ( إذ لا يشركه في شيء من ذلك
الحشر : ( 24 ) هو الله الخالق . . . . .
) هو الله الخالق ( المقدر للأشياء على مقتضى حكمته ) البارئ ( الموجد لها بريئا من التفاوت ) المصور ( الموجد لصورها وكيفياتها كما أراد ومن أراد الإطناب في شرح هذه الأسماء وأخواتها فعليه بكتابي المسمى بمنتهى المنى ) له الأسماء الحسنى ( لأنها دالة على محاسن المعاني ) يسبح له ما في السماوات والأرض ( لتنزهه عن النقائص كلها ) هو العزيز الحكيم ( الجامع للكمالات بأسرها فإنها راجعة إلى الكمال في القدرة والعلم عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الحشر غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر(5/324)
" صفحة رقم 325 "
سورة الممتحنة
مدنية وآيها ثلاث عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الممتحنة : ( 1 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ( نزلت في حاطب بن أبي بلتعة فإنه لما علم أن رسول ( صلى الله عليه وسلم ) يغزو أهل مكة كتب إليهم أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يريدكم فخذوا حذركم وأرسل كتابه مع سارة مولاة بني المطلب فنزل جبريل عليه السلام فأعلم رسول الله فبعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عليا وعمارا وطلحة والزبير والمقداد وأبا مرثد وقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب حاطب إلى أهل مكة فخذوه منها وخلوها فإن أبت فاضربوا عنقها فأدركوها ثمة فجحدت فهموا بالرجوع فسل علي رضي الله تعالى عنه السيف فأخرجته من عقاصها فاستحضر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حاطبا وقال ما حملك عليه فقال يا رسول الله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك ولكني كنت امرأ ملصقا في قريش وليس لي فيهم من يحمي أهلي فأردت أن آخذ عندهم يدا وقد علمت أن كتابي لا يغني عنهم شيئا فصدقه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعذره ) تلقون إليهم بالمودة ( تفضون إليهم المودة بالمكاتبة والباء مزيدة أو إخبار رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بسبب(5/325)
" صفحة رقم 326 "
المودة والجملة حال من فاعل ) لا تتخذوا ( أو صفة لأولياء جرت على غير من هي له ولا حاجة فيها إلى إبراز الضمير لأنه مشروط في الإسم دون الفعل ) وقد كفروا بما جاءكم من الحق ( حال من فاعل أحد الفعلين ) يخرجون الرسول وإياكم ( أي من مكة وهو حال من ) كفروا ( أو استئناف لبيانه ) أن تؤمنوا بالله ربكم ( بأن تؤمنوا به وفيه تغليب المخاطب والالتفات من التكلم إلى الغيبة للدلالة على ما يوجب الإيمان ) إن كنتم خرجتم ( عن أوطانكم ) جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي ( علة للخروج وعمدة للتعليق وجواب الشرط محذوف دل عليه ) لا تتخذوا ( ) تسرون إليهم بالمودة ( بدل من ) تلقون ( أو استئناف معناه أي طائل لكم في إسرار المودة أو الإخبار بسبب المودة ) وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ( أي منكم وقيل ) أعلم ( مضارع والباء مزيدة وما موصولة أو مصدرية ) ومن يفعله منكم ( أي من يفعل الاتخاذ ) فقد ضل سواء السبيل ( أخطأه
الممتحنة : ( 2 ) إن يثقفوكم يكونوا . . . . .
) إن يثقفوكم ( يظفروا بكم ) يكونوا لكم أعداء ( ولا ينفعكم إلقاء المودة إليهم ) ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء ( ما يسوؤكم كالقتل والشتم ) وودوا لو تكفرون ( وتمنوا ارتدادكم ومجيء ) ودوا ( وحده بلفظ الماضي للإشعار بأنهم ) ودوا ( قبل كل شيء وأن ودادتهم حاصلة وإن لم يثقفوكم
الممتحنة : ( 3 ) لن تنفعكم أرحامكم . . . . .
) لن تنفعكم أرحامكم ( قراباتكم ) ولا أولادكم ( الذين توالون المشركين لأجلهم ) يوم القيامة يفصل بينكم ( يفرق بينكم بما عراكم من الهول فيفر بعضكم من بعض فما لكم ترفضون اليوم حق الله لمن يفر منكم غدا وقرأ حمزة والكسائي بكسر الصاد والتشديد وفتح الفاء وقرأ ابن عامر يفصل على البناء للمفعول وهو ) بينكم ( وقرأ عاصم ) يفصل ( ) والله بما تعملون بصير ( فيجازيكم عليه
الممتحنة : ( 4 ) قد كانت لكم . . . . .
) قد كانت لكم أسوة حسنة ( قدوة اسم لما يؤتسى به ) في إبراهيم والذين معه ( صفة ثانية أو خبر كان و ) لكم ( لغوا أو حال من المستكن في ) حسنة ( أو صلة لها لا(5/326)
" صفحة رقم 327 "
ل ) أسوة ( لأنها وصفت ) إذ قالوا لقومهم ( ظرف لخبر كان ) إنا برآء منكم ( جميع بريء كظريف وظرفاء ) ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم ( أي بدينكم أو بمعبودكم أو بكم وبه فلا نعتد بشأنكم وآلهتكم ) وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ( فتنقلب العداوة والبغضاء ألفة ومحبة ) إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك ( استثناء من قوله ) أسوة حسنة ( فإن استغفار إبراهيم عليه السلام لأبيه الكافر ليس مما ينبغي أن يأتسوا به فإنه كان قبل النهي أو لموعدة وعدها إياه ) وما أملك لك من الله من شيء ( من تمام قوله المستثنى ولا يلزم من استثناء المجموع استثناء جميع أجزائه ) ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ( متصل بما قبل الاستثناء أو أمر من الله للمؤمنين بأن يقولوه تتميما لما وصاهم به من قطع العلائق بينهم وبين الكفار
الممتحنة : ( 5 ) ربنا لا تجعلنا . . . . .
) ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ( بأن تسلطهم علينا فيفتنونا بعذاب لا نتحمله ) واغفر لنا ( ما فرط منا ) ربنا إنك أنت العزيز الحكيم ( ومن كان كذلك كان حقيقا بأن يجير المتوكل ويجيب الداعي
الممتحنة : ( 6 ) لقد كان لكم . . . . .
) لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة ( تكرير لمزيد الحث على التأسي بإبراهيم ولذلك صدر بالقسم وأبدل قوله ) لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ( من ) لكم ( فإنه يدل على أنه لا ينبغي لمؤمن أن يترك التأسي بهم وإن تركه مؤذن بسوء العقيدة ولذلك عقبه بقوله ) ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ( فإنه جدير بأن يوعد به الكفرة(5/327)
" صفحة رقم 328 "
الممتحنة : ( 7 ) عسى الله أن . . . . .
) عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة ( لما نزل ) لا تتخذوا ( عادى المؤمنون أقاربهم المشركين وتبرؤوا عنهم فوعدهم الله بذلك وأنجز إذ أسلم أكثرهم وصاروا لهم أولياء ) والله قدير ( على ذلك ) والله غفور رحيم ( لما فرط منكم في موالاتهم من قبل ولما بقي في قلوبكم من ميل الرحم
الممتحنة : ( 8 ) لا ينهاكم الله . . . . .
) لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ( أي لا ينهاكم عن مبرة هؤلاء لأن قوله ) أن تبروهم ( بدل من ) الذين ( ) وتقسطوا إليهم ( وتفضوا إليهم بالقسط أي العدل ) إن الله يحب المقسطين ( العادلين روي أن قتيلة بنت عبد العزى قدمت مشركة على بنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا فلم تقبلها ولم تأذن لها بالدخول فنزلت
الممتحنة : ( 9 ) إنما ينهاكم الله . . . . .
) إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم ( كمشركي مكة فإن بعضهم سعوا في إخراج المؤمنين وبعضهم أعانوا المخرجين ) أن تولوهم ( بدل من ) الذين ( بدل الاشتمال ) ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ( لوضعهم الولاية في غير موضعها
الممتحنة : ( 10 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ( فاختبروهن بما(5/328)
" صفحة رقم 329 "
يغلب على ظنكم موافقة قلوبهم لسانهم في الإيمان ) الله أعلم بإيمانهن ( فإنه المطلع على ما في قلوبهم ) فإن علمتموهن مؤمنات ( العلم الذي يمكنكم تحصيله وهو الظن الغالب بالحلف وظهور الإمارات وإنما سماه علما إيذانا بأنه كالعلم في وجوب العمل به ) فلا ترجعوهن إلى الكفار ( أي إلى أزواجهن الكفرة لقوله ) لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ( والتكرير للمطابقة والمبالغة أو الأولى لحصول الفرقة والثانية للمنع عن الاستئناف ) وآتوهم ما أنفقوا ( ما دفعوا إليهن من المهور وذلك لأن صلح الحديبية جرى على أن من جاءنا منكم رددناه فلما تعذر عليه ردهن لورود النهي عنه لزمه رد مهورهن إذ روي أنه عليه الصلاة والسلام كان بعد صلح الحديبية إذ جاءته سبيعة بنت الحارث الأسلمية مسلمة فأقبل زوجها مسافر المخزومي طالبا لها فنزلت فاستحلفها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فحلفت فأعطى زوجها ما أنفق وتزوجها عمر رضي الله تعالى عنه ) ولا جناح عليكم أن تنكحوهن ( فإن الإسلام حال بينهن وبين أزواجهن الكفار ) إذا آتيتموهن أجورهن ( شرط إيتاء المهر في نكاحهن إيذانا بأن ما أعطى أزواجهن لا يقوم مقام المهر ) ولا تمسكوا بعصم الكوافر ( بما يعتصم به الكافرات من عقد وسبب جمع عصمة(5/329)
" صفحة رقم 330 "
والمراد نهي المؤمنين عن المقام على نكاح المشركات وقرأ البصريان ولا تمسكوا بالتشديد ) واسألوا ما أنفقتم ( من مهور نسائكم اللاحقات بالكفار ) وليسألوا ما أنفقوا ( من مهور أزواجهم المهاجرات ) ذلكم حكم الله ( يعني جميع ما ذكر في الآية ) يحكم بينكم ( استئناف أو حال من الحكم على حذف الضمير أو جعل الحكم حاكما على المبالغة ) والله عليم حكيم ( يشرع ما تقتضيه حكمته
الممتحنة : ( 11 ) وإن فاتكم شيء . . . . .
) وإن فاتكم ( وإن سبقكم وانفلت منكم ) شيء من أزواجكم ( أحد من أزواجكم وقد قرئ به وإيقاع ) شيء ( موقعه للتحقير والمبالغة في التعميم أو ) شيء ( من مهورهن ) إلى الكفار فعاقبتم ( فجاءت أي نوبتكم من أداء المهر شبه الحكم بأداء هؤلاء مهور نساء أولئك تارة وأداء أولئك مهور نساء هؤلاء أخرى بأمر يتعاقبون فيه كما يتعاقب في الركوب وغيره ) فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا ( من مهر المهاجرة ولا تؤتوه زوجها الكافر روي أنه لما نزلت الآية المتقدمة أبى المشركون أن يؤدوا مهر الكوافر فنزلت وقيل معناه إن فاتكم فأصبتم من الكفار عقبى وهي الغنيمة ) فأتوا ( بدل الفائت من الغنيمة ) واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ( فإن الإيمان به يقتضي التقوى منه
الممتحنة : ( 12 ) يا أيها النبي . . . . .
) يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ( نزلت يوم الفتح فإنه ( صلى الله عليه وسلم ) لما فرغ من بيعة الرجال أخذ في بيعة النساء ) ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ( يريد وأد البنات ) ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف ( في حسنة تأمرهن بها والتقييد بالمعروف مع أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لا يأمر إلا به تنبيه على أنه لا يجوز طاعة مخلوق في معصية الخالق(5/330)
" صفحة رقم 331 "
) فبايعهن ( بضمان الثواب على الوفاء بهذه الأشياء ) واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم )
الممتحنة : ( 13 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم ( يعني عامة الكفار أو اليهود إذ روي أنها نزلت في بعض فقراء المسلمين كانوا يواصلون اليهود ليصيبوا من ثمارهم ) قد يئسوا من الآخرة ( لكفرهم بها أو لعلمهم بأنهم لا حظ لهم فيها لعنادهم الرسول المنعوت في التوراة المؤيد بالآيات ) كما يئس الكفار من أصحاب القبور ( أن يبعثوا أو يثابوا أو ينالهم خير منهم وعلى الأول وضع الظاهر فيه موضع المضمر للدلالة على أن الكفر آيسهم عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الممتحنة كان له المؤمنون والمؤمنات شفعاء يوم القيامة(5/331)
" صفحة رقم 332 "
سورة الصف
مدنية وقيل
مكية وآيها أربع عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الصف : ( 1 ) سبح لله ما . . . . .
) سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم ( سبق تفسيره
الصف : ( 2 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ( روي أن المسلمين قالوا لو علمنا أحب الأعمال إلى الله تعالى لبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا فأنزل الله ) إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا ( فولوا يوم أحد فنزلت و ) لم ( مركبة من لام الجر وما الاستفهامية والأكثر على حذف ألفها مع حرف الجر لكثرة استعمالهما معا واعتناقهما في الدلالة على المستفهم عنه
الصف : ( 3 ) كبر مقتا عند . . . . .
) كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ( المقت أشد البغض ونصبه على التمييز للدلالة على أن قولهم هذا مقت خالص ) كبر ( عند من يحقر دونه كل عظيم مبالغة في المنع عنه(5/332)
" صفحة رقم 333 "
الصف : ( 4 ) إن الله يحب . . . . .
) إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا ( مصطفين مصدر وصف به ) كأنهم بنيان مرصوص ( في تراصهم من غير فرجة حال من المستكن في الحال الأول والرص اتصال بعض البناء بالبعض واستحكامه
الصف : ( 5 ) وإذ قال موسى . . . . .
) وإذ قال موسى لقومه ( مقدرا باذكر أو كان كذا ) يا قوم لم تؤذونني ( بالعصيان والرمي بالادرة ) وقد تعلمون أني رسول الله إليكم ( بما جئتكم من المعجزات والجملة حال مقررة للإنكار فإن العلم بنبوته يوجب تعظيمه ويمنع إيذاءه ) وقد ( لتحقيق العلم ) فلما زاغوا ( عن الحق ) أزاغ الله قلوبهم ( صرفها عن قبول الحق والميل إلى الصواب ) والله لا يهدي القوم الفاسقين ( هداية موصلة إلى معرفة الحق أو إلى الجنة
الصف : ( 6 ) وإذ قال عيسى . . . . .
) وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل ( ولعله لم يقل ) يا قوم ( كما قال موسى عليه الصلاة والسلام لأنه لا نسب له فيهم ) إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا ( في حال تصديقي لما تقدمني من التوراة وتبشيري ) برسول يأتي من بعدي ( والعامل في الحالين ما في الرسول من معنى الإرسال لا الجار لأنه لغو إذ هو صلة للرسول فلا يعمل ) برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ( يعني محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى أن ديني التصديق بكتب الله وأنبيائه فذكر أول الكتب المشهورة الذي حكم به النبيون والنبي الذي هو خاتم المرسلين ) فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين ( الإشارة إلى ما جاء به أو إليه وتسميته سحر للمبالغة ويؤيده قراءة حمزة والكسائي هذا ساحرا على أن الإشارة إلى عيسى عليه الصلاة والسلام
الصف : ( 7 ) ومن أظلم ممن . . . . .
) ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام ( أي لا أحد أظلم ممن يدعي إلى الإسلام الظاهر حقيته المقتضي له خبر الدارين فيضع موضع إجابته الافتراء على الله بتكذيب رسوله وتسمية آياته سحرا فإنه يعم إثبات المنفي ونفي الثابت وقرئ يدعي يقال دعاه وادعاه كلمسه والتمسه ) والله لا يهدي القوم الظالمين ( لا يرشدهم إلى ما فيه فلاحهم(5/333)
" صفحة رقم 334 "
الصف : ( 8 ) يريدون ليطفئوا نور . . . . .
) يريدون ليطفئوا ( أي يريدون أن يطفئوا واللام مزيدة لما فيها من معنى الإرادة تأكيدا لها كما زيدت لما فيها من معنى الاضافة تأكيدا لها في لا أبا لك أو ) يريدون ( الافتراء ) ليطفئوا ( ) نور الله ( يعني دينه أو كتابه أو حجته ) بأفواههم ( بطعنهم فيه ) والله متم نوره ( مبلغ غايته بنشره وإعلائه وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص بالإضافة ) ولو كره الكافرون ( إرغاما لهم
الصف : ( 9 ) هو الذي أرسل . . . . .
) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ( بالقرآن أو المعجزة ) ودين الحق ( والملة الحنيفية ) ليظهره على الدين كله ( ليغلبه على جميع الأديان ) ولو كره المشركون ( لما فيه من محض التوحيد وإبطال الشرك
الصف : ( 10 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ( وقرأ ابن عامر تنجيكم بالتشديد
الصف : ( 11 ) تؤمنون بالله ورسوله . . . . .
) تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ( استئناف مبين للتجارة وهو الجمع بين الإيمان والجهاد المؤدي إلى كمال عزهم والمراد به الأمر وإنما جيء بلفظ الخبر إيذانا بأن ذلك مما لا يترك ) ذلكم خير لكم ( يعني ما ذكر من الإيمان والجهاد ) إن كنتم تعلمون ( إن كنتم من أهل العلم إذ الجاهل لا يعتد بفعله
الصف : ( 12 ) يغفر لكم ذنوبكم . . . . .
) يغفر لكم ذنوبكم ( جواب للأمر المدلول عليه بلفظ الخبر أو لشرط أو استفهام دل عليه الكلام تقديره أن تؤمنوا وتجاهدوا أو هل تقبلون أن أدلكم يغفر لكم ويبعد جعله جوابا لهل أدلكم لأن مجرد دلالته لا توجب المغفرة ) ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم ( الإشارة إلى ما ذكر من المغفرة وإدخال الجنة
الصف : ( 13 ) وأخرى تحبونها نصر . . . . .
) وأخرى تحبونها ( ولكم إلى هذه النعمة المذكورة نعمة أخرى عاجلة محبوبة وفي ) تحبونها ( تعريض بأنهم يؤثرون العاجل على الآجل وقيل ) أخرى ( منصوبة بإضمار يعطيكم أو تحبون أو مبتدأ خبره ) نصر من الله ( وهو على الأول بدل أو بيان وعلى قول(5/334)
" صفحة رقم 335 "
النصب خبر محذوف وقد قرئ بما عطف عليه بالنصب على البدل أو الاختصاص أو المصدر ) وفتح قريب ( عاجل ) وبشر المؤمنين ( عطف على محذوف مثل قل يا أيها الذين آمنوا ) وبشر ( أو على ) تؤمنون ( فإنه في معنى الأمر كأنه قال آمنوا وجاهدوا أيها المؤمنون وبشرهم يا رسول الله بما وعدتهم عليهما آجلا وعاجلا
الصف : ( 14 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله ( وقرأ الحجازيان وأبو عمرو بالتنوين واللام لأن المعنى كونوا بعض أنصار الله ) كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله ( أي من جندي موجها إلى نصرة الله ليطابق قوله تعالى ) قال الحواريون نحن أنصار الله ( والإضافة الأولى إضافة أحد المتشاركين إلى الآخر لما بينهما من الاختصاص والثانية إضافة الفاعل إلى المفعول والتشبيه باعتبار المعنى إذ المراد قل لهم كما قال عيسى ابن مريم أو كونوا أنصارا كما قال الحواريون حين قال لهم عيسى ) من أنصاري إلى الله ( والحواريون أصفياؤه وهم أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلا من الحور وهو البياض ) فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة ( أي بعيسى ) فأيدنا الذين آمنوا ((5/335)
" صفحة رقم 336 "
على عدوهم بالحجة وبالحرب وذلك بعد رفع عيسى ) فأصبحوا ظاهرين ( فصاروا غالبين عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الصف كان عيسى مصليا عليه مستغفرا له ما دام في الدنيا وهو يوم القيامة رفيقه(5/336)
" صفحة رقم 337 "
سورة الجمعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الجمعة : ( 1 ) يسبح لله ما . . . . .
) يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم ( وقد قرئ الصفات الأربع بالرفع على المدح
الجمعة : ( 2 ) هو الذي بعث . . . . .
) هو الذي بعث في الأميين ( أي في العرب لأن أكثرهم لا يكتبون ولا يقرؤون ) رسولا منهم ( من جملتهم أميا مثلهم ) يتلو عليهم آياته ( من كونه أميا مثلهم لم يعهد منه قراءة ولا تعلم ) ويزكيهم ( من خبائث العقائد والأعمال ) ويعلمهم الكتاب والحكمة ( القرآن والشريعة أو معالم الدين من المنقول والمعقول ولو لم يكن له سواه معجزة لكفاه ) وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ( من الشرك وخبث الجاهلية وهو بيان لشدة احتياجهم إلى نبي يرشدهم وإزاحة لما يتوهم أن الرسول تعلم ذلك من معلم و ) إن ( هي المخففة واللام تدل عليها
الجمعة : ( 3 ) وآخرين منهم لما . . . . .
) وآخرين منهم ( عطف على ) الأميين ( أو المنصوب في ) يعلمهم ( وهم الذين جاؤوا بعد الصحابة إلى يوم الدين فإن دعوته وتعليمه يعم الجميع ) لما يلحقوا بهم ( لم يحلقوا بهم بعد وسيلحقون ) وهو العزيز ( في تمكينه من هذا الأمر الخارق للعادة ) الحكيم ( في اختياره وتعليمه
الجمعة : ( 4 ) ذلك فضل الله . . . . .
) ذلك فضل الله ( ذلك الفضل الذي امتاز به عن أقرانه فضله ) يؤتيه من يشاء ((5/337)
" صفحة رقم 338 "
تفضلا وعطية ) والله ذو الفضل العظيم ( الذي يستحقر دونه نعيم الدنيا أو نعيم الآخرة أو نعميهما
الجمعة : ( 5 ) مثل الذين حملوا . . . . .
) مثل الذين حملوا التوراة ( علموها وكلفوا العمل بها ) ثم لم يحملوها ( لم يعملوا بها أو لم ينتفعوا بما فيها ) كمثل الحمار يحمل أسفارا ( كتبا من العلم يتعب في حملها ولا ينتفع بها ويحمل حال والعامل فيه معنى المثل أو صفة إذ ليس المراد من ) الحمار ( معينا ) بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله ( أي مثل الذين كذبوا وهم اليهود المكذبون بآيات الله الدالة على نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ويجوز أن يكون الذين صفة للقوم والمخصوص بالذم محذوفا ) والله لا يهدي القوم الظالمين )
الجمعة : ( 6 ) قل يا أيها . . . . .
) قل يا أيها الذين هادوا ( تهودوا ) إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس ( إذ كانوا يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه ) فتمنوا الموت ( فتمنوا من الله أن يميتكم وينقلكم من دار البلية إلى محل الكرامة ) إن كنتم صادقين ( في زعمكم
الجمعة : ( 7 ) ولا يتمنونه أبدا . . . . .
) ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم ( بسبب ما قدموا من الكفر والمعاصي ) والله عليم بالظالمين ( فيجازيهم على أعمالهم
الجمعة : ( 8 ) قل إن الموت . . . . .
) قل إن الموت الذي تفرون منه ( وتخافون أن تتمنوه بلسانكم مخافة أن يصيبكم فتؤخذوا بأعمالكم ) فإنه ملاقيكم ( لاحق بكم لا تفوتونه والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط باعتبار الوصف وكأن فرارهم يسرع لحوقه بهم وقد قرئ بغير فاء ويجوز أن يكون الموصول خبرا والفاء عاطفة ) ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ( بأن يجازيكم عليه
الجمعة : ( 9 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة ( أي إذا أذن لها ) من يوم الجمعة ( بيان ل ) إذا ( وإنما سمي جمعة لاجتماع الناس فيه للصلاة وكانت العرب تسميه العروبة(5/338)
" صفحة رقم 339 "
وقيل سماه كعب بن لؤي لاجتماع الناس فيه إليه وأول جمعة جمعها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه لما قدم المدينة نزل قباء فأقام بها إلى الجمعة ثم دخل المدينة وصلى الجمعة في واد لبني سالم بن عوف ) فاسعوا إلى ذكر الله ( فامضوا إليه مسرعين قصدا فإن السعي دون العدو وال ) ذكر ( الخطبة وقيل الصلاة والأمر بالسعي إليها يدل على وجوبها ) وذروا البيع ( واتركوا المعاملة ) ذلكم ( أي السعي إلى ذكر الله ) خير لكم ( من المعاملة فإن نفع الآخرة خير وأبقى ) إن كنتم تعلمون ( الخير والشر الحقيقيين أو إن كنتم من أهل العلم
الجمعة : ( 10 ) فإذا قضيت الصلاة . . . . .
) فإذا قضيت الصلاة ( أديت وفرغ منها ) فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ( إطلاق لما حظر عليهم واحتج به من جعل الأمر بعد الحظر للإباحة وفي الحديث ابتغوا من فضل الله ليس بطلب الدنيا وإنما هو عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله ) واذكروا الله كثيرا ( واذكروه في مجامع أحوالكم ولا تخصوا ذكره بالصلاة ) لعلكم تفلحون ( بخير الدارين
الجمعة : ( 11 ) وإذا رأوا تجارة . . . . .
) وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ( روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يخطب للجمعة فمرت عليه عير تحمل الطعام فخرج الناس إليهم إلا اثني عشر رجلا فنزلت(5/339)
" صفحة رقم 340 "
وإفراد التجارة برد الكناية لأنها المقصودة فإن المراد من اللهو الطبل الذي كانوا يستقبلون به العير والترديد للدلالة على أن منهم من انفض لمجرد سماع الطبل ورؤيته أو للدلالة على أن الانفضاض إلى التجارة مع الحاجة إليها والانتفاع بها إذا كان مذموما كان الانفضاض إلى اللهو أولى بذلك وقي تقديره إذا رأوا تجارة انفضوا إليها وإذا رأوا لهوا انفضوا إليه ) وتركوك قائما ( أي على المنبر ) قل ما عند الله ( من الثواب ) خير من اللهو ومن التجارة ( فإن ذلك محقق مخلد بخلاف ما تتوهمون من نفعهما ) والله خير الرازقين ( فتوكلوا عليه واطلبوا الرزق منه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الجمعة أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من أتى الجمعة ومن لم يأتها في أمصار المسلمين(5/340)
" صفحة رقم 341 "
سورة المنافقون
مدنية وآيها إحدى عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
المنافقون : ( 1 ) إذا جاءك المنافقون . . . . .
) إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله ( الشهادة إخبار عن علم من الشهود وهو الحضور والاطلاع ولذلك صدق المشهور به وكذبهم في الشهادة بقوله ) والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ( لأنهم لم يعتقدوا ذلك
المنافقون : ( 2 ) اتخذوا أيمانهم جنة . . . . .
) اتخذوا أيمانهم ( حلفهم الكاذب أو شهادتهم هذه فإنها تجري مجرى الحلف في التوكيد وقرئ إيمانهم ) جنة ( وقاية من القتل والسبي ) فصدوا عن سبيل الله ( صدا أو صدودا ) إنهم ساء ما كانوا يعملون ( من نفاقهم وصدهم
المنافقون : ( 3 ) ذلك بأنهم آمنوا . . . . .
) ذلك ( إشارة إلى الكلام المتقدم أي ذلك القول الشاهد على سوء أعمالهم أو إلى الحال المذكورة من النفاق والكذب والاستجنان بالإيمان ) بأنهم آمنوا ( بسبب أنهم آمنوا ظاهرا ) ثم كفروا ( سرا أو ) آمنوا ( إذا رأوا آية ) ثم كفروا ( حيثما سمعوا من شياطينهم شبهة ) فطبع على قلوبهم ( حتى تمرنوا على الكفر فاستحكموا فيه ) فهم لا يفقهون ( حقية الإيمان ولا يعرفون صحته
المنافقون : ( 4 ) وإذا رأيتهم تعجبك . . . . .
) وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم ( لضخامتها وصباحتها ) وإن يقولوا تسمع لقولهم ( لذلاقتهم وحلاوة كلامهم وكان ابن أبي جسيما فصيحا يحضر مجلس رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في جمع مثله فيعجب بهيكلهم ويصغي إلى كلامهم ) كأنهم خشب مسندة ( حال من الضمير المجرور في ) قولهم ( أي تسمع لما يقولونه مشبهين بأخشاب منصوبة مسندة إلى الحائط في كونهم أشباحا خالية عن العلم والنظر وقيل ال ) خشب ( جمع خشباء وهي(5/341)
" صفحة رقم 342 "
الخشبة التي نخر جوفها شبهوا بها في حسن المنظر وقبح المخبر وقرأ أبو عمرو الكسائي وقنبل عن ابن كثير بسكون الشين على التخفيف أو على أنه كبدن في جمع بدنة ) يحسبون كل صيحة عليهم ( أي واقعة عليهم لجبنهم واتهامهم ف ) عليهم ( ثاني مفعولي ) يحسبون ( ويجوز أن يكون صلته والمفعول ) هم العدو ( وعلى هذا يكون الضمير للكل وجمعه بالنظر إلى الخبر لكن ترتب قوله ) فاحذرهم ( عليه يدل على أن الضمير للمنافقين ) قاتلهم الله ( دعاء عليهم وهو طلب من ذاته أن يلعنهم أو تعليم للمؤمنين أن يدعوا عليهم بذلك ) أنى يؤفكون ( كيف يصرفون عن الحق
المنافقون : ( 5 ) وإذا قيل لهم . . . . .
) وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم ( عطفوها إعراضا واستكبارا عن ذلك وقرأ نافع بتخفيف الواو ) ورأيتهم يصدون ( يعرضون عن الاستغفار ) وهم مستكبرون ( عن الاعتذار
المنافقون : ( 6 ) سواء عليهم أستغفرت . . . . .
) سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم ( لرسوخهم في الكفر ) إن الله لا يهدي القوم الفاسقين ( الخارجين عن مظنة الاستصلاح لانهماكهم في الكفر والنفاق
المنافقون : ( 7 ) هم الذين يقولون . . . . .
) هم الذين يقولون ( أي للأنصار ) لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ( يعنون فقراء المهاجرين ) ولله خزائن السماوات والأرض ( بيده الأرزاق والقسم ) ولكن المنافقين لا يفقهون ( ذلك لجهلهم بالله
المنافقون : ( 8 ) يقولون لئن رجعنا . . . . .
) يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ( روي أن أعرابيا نازع أنصاريا في بعض الغزوات على ماء فضرب الأعرابي رأسه بخشبة فشكى إلى ابن أبي فقال لا تنفقوا على من عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى ينفضوا وإذا رجعنا إلى المدينة فليخرجن الأعز منها الأذل عنى الأعز نفسه وبالأذل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقرئ ليخرجن بفتح(5/342)
" صفحة رقم 343 "
الياء وليخرجن على بناء المفعول ولنخرجن بالنون ونصب الأعز والأذل على هذه القراءات مصدر أو حال على تقدير مضاف كخروج إو إخراج أو مثل ) ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ( والله الغلبة والقوة ولمن أعزه من رسوله والمؤمنين ) ولكن المنافقين لا يعلمون ( من فرط جهلهم وغرورهم
المنافقون : ( 9 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ( لا يشغلكم تدبيرها والاهتمام بها عن ذكره الصلوات وسائر العبادات المذكرة للمعبود والمراد نهيهم عن اللهو بها وتوجيه النهي إليها للمبالغة ولذا قال ) ومن يفعل ذلك ( أي اللهو بها وهو الشغل ) فأولئك هم الخاسرون ( لأنهم باعوا العظيم الباقي بالحقير الفاني
المنافقون : ( 10 ) وأنفقوا من ما . . . . .
) وأنفقوا من ما رزقناكم ( بعض أموالكم ادخارا للآخرة ) من قبل أن يأتي أحدكم الموت ( أي يرى دلالته ) فيقول رب لولا أخرتني ( هلا أمهلتني ) إلى أجل قريب ( أمد غير بعيد ) فأصدق ( فأتصدق ) وأكن من الصالحين ( بالتدارك وجزم ) أكن ( للعطف على موضع الفاء وما بعده وقرأ أبو عمرو وأكون منصوبا عطفا على ) فأصدق ( وقرئ بالرفع على وأنا أكون فيكون عدة بالصلاح
المنافقون : ( 11 ) ولن يؤخر الله . . . . .
) ولن يؤخر الله نفسا ( ولن يمهلها ) إذا جاء أجلها ( آخر عمرها ) والله خبير بما تعملون ( فمجاز عليه وقرأ أبو بكر بالياء ليوافق ما قبله في الغيبة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة المنافقين برىء من النفاق(5/343)
" صفحة رقم 344 "
سورة التغابن
مختلف فيها وآيها ثماني عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
التغابن : ( 1 ) يسبح لله ما . . . . .
) يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض ( بدلالتها على كماله واستغنائه ) له الملك وله الحمد ( قدم الظرفين للدلالة على اختصاص الأمرين به من حيث الحقيقة ) وهو على كل شيء قدير ( لأن نسبة ذاته المقتضية للقدرة إلى الكل على سواء
التغابن : ( 2 ) هو الذي خلقكم . . . . .
ثم شرع فيما ادعاه فقال ) هو الذي خلقكم فمنكم كافر ( مقدر كفره موجه إليه ما يحمله عليه ) ومنكم مؤمن ( مقدر إيمانه موفق لما يدعوه إليه ) والله بما تعملون بصير ( فيعاملكم بما يناسب أعمالكم(5/344)
" صفحة رقم 345 "
التغابن : ( 3 ) خلق السماوات والأرض . . . . .
) خلق السماوات والأرض بالحق ( بالحكمة البالغة ) وصوركم فأحسن صوركم ( فصوركم من جملة ما خلق فيهما بأحسن صورة حيث زينكم بصفوة أوصاف الكائنات وخصكم بخلاصة خصائص وجعلكم المبدعات أنموذج جميع المخلوقات ) وإليه المصير ( فأحسنوا سرائركم حتى لا يمسخ بالعذاب ظواهركم
التغابن : ( 4 ) يعلم ما في . . . . .
) يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور ( فلا يخفى عليه ما يصح أن يعلم كليا كان أو جزئيا لأن نسبة المقتضى لعلمه إلى الكل واحدة وتقديم تقرير القدرة على العلم لأن دلالة المخلوقات على قدرته أولا وبالذات وعلى علمه بما فيها من الإتقان والاختصاص ببعض الأنحاء
التغابن : ( 5 ) ألم يأتكم نبأ . . . . .
) ألم يأتكم ( يا أيها الكفار ) نبأ الذين كفروا من قبل ( كقوم نوح وهود وصالح عليهم السلام ) فذاقوا وبال أمرهم ( ضرر كفرهم في الدنيا وأصله الثقل ومنه الوبيل لطعام يثقل على المعدة والوابل المطر الثقيل القطار ) ولهم عذاب أليم ( في الآخرة
التغابن : ( 6 ) ذلك بأنه كانت . . . . .
) ذلك ( أي المذكور من الوبال والعذاب ) بأنه ( بسبب أن الشأن ) كانت تأتيهم رسلهم بالبينات ( بالمعجزات ) فقالوا أبشر يهدوننا ( أنكروا وتعجبوا من أن يكون الرسل بشرا والبشر يطلق للواحد والجمع ) فكفروا ( بالرسل ) وتولوا ( عن التدبر في البينات ) واستغنى الله ( عن كل شيء فضلا عن طاعتهم ) والله غني ( عن عبادتهم وغيرها ) حميد ( يدل على حمده كل مخلوق
التغابن : ( 7 ) زعم الذين كفروا . . . . .
) زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا ( الزعم ادعاء العلم ولذلك يتعدى إلى مفعولين وقد قام مقامهما أن بما في حيزه ) قل بلى ( أي بلى تبعثون ) وربي لتبعثن ( قسم أكد به الجواب ) ثم لتنبؤن بما عملتم ( بالمحاسبة والمجازاة ) وذلك على الله يسير ( لقبول المادة وحصول القدرة التامة
التغابن : ( 8 ) فآمنوا بالله ورسوله . . . . .
) فآمنوا بالله ورسوله ( محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) والنور الذي أنزلنا ( يعني(5/345)
" صفحة رقم 346 "
القرآن فيه بإعجازه ظاهر بنفسه مظهر لغيره مما فيه شرحه وبيانه ) والله بما تعملون خبير ( فمجاز عليه
التغابن : ( 9 ) يوم يجمعكم ليوم . . . . .
) يوم يجمعكم ( ظرف ) لتنبؤن ( أو مقدر باذكر وقرأ يعقوب نجمعكم ) ليوم الجمع ( لأجل ما فيه من الحساب والجزاء والجمع جمع الملائكة والثقلين ) ذلك يوم التغابن ( يغبن فيه بعضهم بعضا لنزول السعداء منازل الأشقياء لو كانوا سعداء وبالعكس مستعار من تغابن التجار واللام فيه للدلالة على أن التغابن الحقيقي هو التغابن في أمور الآخرة لعظمها ودوامها ) ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا ( أي عملا صالحا ) يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ( وقرأ نافع وابن عامر بالنون فيهما ) ذلك الفوز العظيم ( الإشارة إلى مجموع الأمرين ولذلك جعله الفوز العظيم لأنه جامع للمصالح من دفع المضار وجلب المنافع
التغابن : ( 10 ) والذين كفروا وكذبوا . . . . .
) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير ( كأنها والآية المتقدمة بيان ل ) التغابن ( وتفصيل له
التغابن : ( 11 ) ما أصاب من . . . . .
) ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ( إلا بتقديره وإرادته ) ومن يؤمن بالله يهد قلبه ( للثبات والاسترجاع عند حلولها وقرئ ) يهد قلبه ( بالرفع على إقامته مقام الفاعل وبالنصب على طريقة ) سفه نفسه ( ويهدأ بالهمزة أي يسكن ) والله بكل شيء عليم ( حتى القلوب وأحوالها
التغابن : ( 12 ) وأطيعوا الله وأطيعوا . . . . .
) وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين ( أي فإن توليتم فلا بأس عليه إذ وظيفته التبليغ وقد بلغ(5/346)
" صفحة رقم 347 "
التغابن : ( 13 ) الله لا إله . . . . .
) الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( لأن إيمانهم بأن الكل منه يقتضي ذلك
التغابن : ( 14 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم ( يشغلكم عن طاعة الله أو يخاصمكم في أمر الدين أو الدنيا ) فاحذروهم ( ولا تأمنوا غوائلهم ) وأن تعفوا ( عن ذنوبهم بترك المعاقبة ) وتصفحوا ( بالإعراض وترك التثريب عليها ) وتغفروا ( بإخفائها وتمهيد معذرتهم فيها ) فإن الله غفور رحيم ( يعاملكم بمثل ما عملتم ويتفضل عليكم
التغابن : ( 15 ) إنما أموالكم وأولادكم . . . . .
) أنما أموالكم وأولادكم فتنة ( اختبار لكم ) والله عنده أجر عظيم ( لمن آثر محبة الله وطاعته على محبة الأموال والأولاد والسعي لهم
التغابن : ( 16 ) فاتقوا الله ما . . . . .
) فاتقوا الله ما استطعتم ( أي ابذلوا في تقواه جهدكم وطاقتكم ) واسمعوا ( مواعظه ) وأطيعوا ( أوامره ) وأنفقوا ( في وجوه الخير خالصا لوجهه ) خيرا لأنفسكم ( أي افعلوا ما هو خير لها وهو تأكيد للحث على امتثال هذه الأوامر ويجوز أن يكون صفة مصدر محذوف تقديره انفاقا خيرا أو خبرا لكان مقدرا جوابا للأوامر ) ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ( سبق تفسيره
التغابن : ( 17 ) إن تقرضوا الله . . . . .
) إن تقرضوا الله ( تصرفوا المال فيما أمره ) قرضا حسنا ( مقرونا بإخلاص وطيب قلب ) يضاعفه لكم ( يجعل لكم بالواحد عشرا إلى سبعمائة وأكثر وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب يضعفه لكم ) ويغفر لكم ( ببركة الإنفاق ) والله شكور ( يعطي الجزيل بالقليل ) حليم ( لا يعاجل بالعقوبة
التغابن : ( 18 ) عالم الغيب والشهادة . . . . .
) عالم الغيب والشهادة ( لا يخفى عليه شيء ) العزيز الحكيم ( تام القدرة والعلم عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة التغابن دفع عنه موت الفجأة والله أعلم(5/347)
" صفحة رقم 348 "
سورة الطلاق
مدنية وآيها اثنتا عشرة أو إحدى عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الطلاق : ( 1 ) يا أيها النبي . . . . .
) يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ( خص النداء وعم الخطاب بالحكم لأنه أمام أمته فنداؤه كندائهم أو لأن الكلام معه والحكم يعمهم والمعنى إذا أردتم تطليقهن على تنزيل المشارف له منزلة الشارع فيه ) فطلقوهن لعدتهن ( أي في وقتها وهو الطهر فإن اللام في الأزمان وما يشبهها للتأقيت ومن عد العدة بالحيض علق اللام بمحذوف مثل مستقبلات وظاهره يدل على أن العدة بالأطهار وأن طلاق المعتدة بالأقراء ينبغي أن يكون في الطهر وأنه يحرم في الحيض من حيث إن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده ولا يدل على عدم وقوعه إذ النهي لا يستلزم الفساد كيف وقد صح أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما لما طلق امرأته حائضا أمره النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالرجعة وهو سبب نزوله ) وأحصوا العدة ((5/348)
" صفحة رقم 349 "
واضبطوها وأكملوها ثلاثة أقراء ) واتقوا الله ربكم ( في تطويل العدة والإضرار بهن ) لا تخرجوهن من بيوتهن ( من مساكنهن وقت الفراق حتى تنقضي عدتهن ) ولا يخرجن ( باستبدادهن أما لو اتفقا على الانتقال جاز إذ الحق لا يعدوهما وفي الجمع بين النهيين دلالة على استحقاقهما السكنى ولزومها ملازمة مسكن الفراق وقوله ) إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ( مستثنى من الأول والمعنى إلا أن تبذو على الزوج فإنه كالنشوز في إسقاط حقها أو إلا أن تزني فتخرج لإقامة الحد عليها أو من الثاني للمبالغة في النهي والدلالة على أن خروجها فاحشة ) وتلك حدود الله ( الإشارة إلى الأحكام المذكورة ) ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ( بأن عرضها للعقاب ) لا تدري ( أي النفس أو أنت أيها النبي أو المطلق ) لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ( وهو الرغبة في المطلقة برجعة أو استئناف
الطلاق : ( 2 ) فإذا بلغن أجلهن . . . . .
) فإذا بلغن أجلهن ( شارفن آخر عدتهن ) فأمسكوهن ( فراجعوهن ) بمعروف ( بحسن عشرة وإنفاق مناسب ) أو فارقوهن بمعروف ( بإيفاء الحق واتقاء الضرار مثل ان يراجعها ثم يطلقها تطويلا لعدتها ) وأشهدوا ذوي عدل منكم ( على الرجعة أو الفرقة تبريا عن الريبة وقطعا للتنازع وهو ندب كقوله تعالى ) وأشهدوا إذا تبايعتم ( وعن الشافعي وجوبه في الرجعة ) وأقيموا الشهادة ( أيها الشهود عند الحاجة ) لله ( خالصا لوجهه ) ذلكم يوعظ به ( يريد الحث على الإشهاد والإقامة أو على جميع ما في الآية ) من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ( فإنه المنتفع به والمقصود بذكره ) ومن يتق الله يجعل له مخرجا )
الطلاق : ( 3 ) ويرزقه من حيث . . . . .
) ويرزقه من حيث لا يحتسب ( جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق بالوعد على الاتقاء عما نهى عنه صريحا أو ضمنا من الطلاق في الحيض والإضرار بالمعتدة وإخراجها من(5/349)
" صفحة رقم 350 "
المسكين وتعدي حدود الله وكتمان الشهادة وتوقع جعل على إقامتها بأن يجعل الله له مخرجا مما في شأن الأزواج من المضايق والغموم ويرزقه فرجا وخلفا من وجه لم يخطر بباله أو بالوعد لعامة المتقين بالخلاص عن مضار الدارين والفوز بخيرهما من حيث لا يحتسبون أو كلام جيء به للاستطراد عند ذكر المؤمنين وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) إني لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم ) ومن يتق الله ( فما زال يقرؤها ويعيدها وروي أن سالم بن عوف بن مالك الأشجعي أسره العدو أسره العدو فشكا أبوه إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال له اتق الله وأكثر قول لا حول ولا قوة إلا بالله ففعل فبينما هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل غفل عنها العدو فاستاقها وفي رواية رجع ومعه غنيمات ومتاع ) ومن يتوكل على الله فهو حسبه ( كافية ) إن الله بالغ أمره ( يبلغ ما يريده ولا يفوته مراد وقرأ حفص بالإضافة وقرىء ) بالغ أمره ( أي نافذ وبالغا على أنه حال والخبر ) قد جعل الله لكل شيء قدرا ( تقديرا أو مقدرا أو أجلا لا يتأتى تغييره وهو بيان لوجوب التوكل وتقرير لما تقدم من تأقيت الطلاق بزمان العدة والأمر بإحصائها وتمهيد لما سيأتي من مقاديرها
الطلاق : ( 4 ) واللائي يئسن من . . . . .
) واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ( لكبرهن ) إن ارتبتم ( شككتم في عدتهن أي جهلتهم ) فعدتهن ثلاثة أشهر ( روي أنه لما نزل ) والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ( قيل فما عدة اللاتي لم يحضن فنزلت ) واللائي لم يحضن ( أي واللاتي لم(5/350)
" صفحة رقم 351 "
يحضن بعد كذلك ) وأولات الأحمال أجلهن ( منتهى عدتهن ) أن يضعن حملهن ( وهو حكم يعم المطلقات والمتوفى عنهم أزواجهن والمحافظة على عمومه أولى من محافظة عموم قوله تعالى ) والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ( لأن عموم أولات الأحمال بالذات وعموم أزواجا بالعرض والحكم معلل ها هنا بخلافة ثمة ولأنه صح أن سبيعة بنت الحرث وضعت بعد وفاة زوجها بليال فذكرت ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال قد حللت فتزوجي ولأنه متأخر النزول فتقديمه في العمل تخصيص وتقديم الآخر بناء للعام على الخاص والأول راجح للوفاق عليه ) ومن يتق الله ( في أحكامه فيراعي حقوقها ) يجعل له من أمره يسرا ( يسهل عليه أمره ويوفقه للخير
الطلاق : ( 5 ) ذلك أمر الله . . . . .
) ذلك أمر الله ( إشارة إلى ما ذكر من الأحكام ) أنزله إليكم ومن يتق الله ( في(5/351)
" صفحة رقم 352 "
أحكامه فيراعي حقوقها ) يكفر عنه سيئاته ( فإن الحسنات يذهبن السيئات ) ويعظم له أجرا ( بالمضاعفة
الطلاق : ( 6 ) أسكنوهن من حيث . . . . .
) أسكنوهن من حيث سكنتم ( أي مكان من مكان سكناكم ) من وجدكم ( من وسعكم أي مما تطيقونه أو عطف بيان لقوله من ) حيث سكنتم ( ) ولا تضاروهن ( في السكنى ) لتضيقوا عليهن ( فتلجئوهن إلى الخروج ) وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ( فيخرجن من العدة وهذا يدل على اختصاص استحقاق النفقة بالحامل من المعتدات والأحاديث تؤيده ) فإن أرضعن لكم ( بعد انقطاع علقة النكاح ) فآتوهن أجورهن ( على الإرضاع ) وأتمروا بينكم بمعروف ( وليأمر بعضكم بعضا بجميل في الإرضاع والأجر ) وإن تعاسرتم ( تضايقتم ) فسترضع له أخرى ( امرأة أخرى وفيه معاتبة للأم على المعاسرة
الطلاق : ( 7 ) لينفق ذو سعة . . . . .
) لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله ( أي فلينفق كل من الموسر والمعسر ما بلغه وسعه ) لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ( فإنه تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها وفيه تطييب لقلب المعسر ولذلك وعد له باليسر فقال ) سيجعل الله بعد عسر يسرا ( أي عاجلا وآجلا
الطلاق : ( 8 ) وكأين من قرية . . . . .
) وكأين من قرية ( أهل قرية ) عتت عن أمر ربها ورسله ( أعرضت عنه إعراض العاتي المعاند ) فحاسبناها حسابا شديدا ( بالاستقصاء والمناقشة ) وعذبناها عذابا نكرا ( منكرا والمراد حساب الآخرة وعذابها والتعبير بلفظ الماضي للتحقيق
الطلاق : ( 9 ) فذاقت وبال أمرها . . . . .
) فذاقت وبال أمرها ( عقوبة كفرها ومعاصيها ) وكان عاقبة أمرها خسرا ( لا ربح فيه أصلا
الطلاق : ( 10 ) أعد الله لهم . . . . .
) أعد الله لهم عذابا شديدا ( تكرير للوعيد وبيان لما يوجب التقوى المأمور بها في قوله ) فاتقوا الله يا أولي الألباب ( ويجوز أن يكون المراد بالحساب استقصاء ذنوبهم وإثباتها في صحف الحفظة وبالعذاب ما أصيبوا به عاجلا ) الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا ((5/352)
" صفحة رقم 353 "
الطلاق : ( 11 ) رسولا يتلو عليكم . . . . .
) رسولا ( يعني بالذكر جبريل عليه السلام لكثرة ذكره أو لنزوله بالذكر وهو القرآن أو لأنه مذكور في السموات أو ذا ذكر أي شرف أو محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) لمواظبته على تلاوة القرآن أو تبليغه وعبر عن إرساله بالإنزال ترشيحا أو لأنه مسبب عن إنزال الوحي إليه وأبدل منه ) رسولا ( للبيان أو أراد به القرآن و ) رسولا ( منصوب بمقدر مثل أرسل أو ذكرا مصدر ورسولا مفعوله أو بدله على أنه بمعنى الرسالة ) يتلو عليكم آيات الله مبينات ( حال من اسم ) الله ( أو صفة ) رسولا ( والمراد ب ) الذين آمنوا ( في قوله ) ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( الذين آمنوا بعد إنزاله أي ليحصل لهم ما هم عليه الآن من الإيمان والعمل الصالح أو ليخرج من علم أو قدر أنه يؤمن ) من الظلمات إلى النور ( من الضلالة إلى الهدى ) ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ( وقرأ نافع وابن عامر ندخله بالنون ) قد أحسن الله له رزقا ( فيه تعجيب وتعظيم لما رزقوا من الثواب
الطلاق : ( 12 ) الله الذي خلق . . . . .
) الله الذي خلق سبع سماوات ( مبتدأ وخبر ) ومن الأرض مثلهن ( أي وخلق مثلهن في العدد من الأرض وقرئ بالرفع على الابتداء والخبر ) يتنزل الأمر بينهن ( أي يجري أمر الله وقضاؤه بينهن وينفذ حكمه فيهن ) لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ( علة ل ) خلق ( أو ل ) يتنزل ( أو مضمر يعمهما فإن كلا منهما يدل على كمال قدرته وعلمه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الطلاق مات على سنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) (5/353)
" صفحة رقم 354 "
سورة التحريم
مدنية وآيها اثنتا عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
التحريم : ( 1 ) يا أيها النبي . . . . .
) يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ( روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) خلا بمارية في نوبة عائشة رضي الله تعالى عنها أو حفصة فاطلعت على ذلك حفصة فعاتبته فيه فحرم مارية فنزلت وقيل شرب عسلا عند حفصة فواطأت عائشة سودة وصفية فقلن له إنا نشم منك ريح المعافير فحرم العسل فنزلت ) تبتغي مرضات أزواجك ( تفسير ل ) تحرم ( أو حال من فاعله أو استئناف لبيان الداعي إليه ) والله غفور ( لك هذه الزلة فإنه لا يجوز تحريم ما أحله الله ) رحيم ( رحمك حيث لم يؤاخذك به وعاتبك محاماة على عصمتك(5/354)
" صفحة رقم 355 "
التحريم : ( 2 ) قد فرض الله . . . . .
) قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ( قد شرع لكم تحليلها وهو حل ما عقدته بالكفارة أو الاستثناء فيها بالمشيئة حتى لا تحنث من قولهم حلل في يمينه إذا استثنى فيها واحتج بها من رأى التحريم مطلقا أو تحريم المرأة يمينا وهو ضعيف إذ لا يلزم من وجوب كفارة اليمين فيه كونه يمينا مع احتمال أنه ( صلى الله عليه وسلم ) أتى بلفظ اليمين كما قيل ) والله مولاكم ( متولي أمركم ) وهو العليم ( بما يصلحكم ) الحكيم ( المتقن في أفعاله وأحكامه
التحريم : ( 3 ) وإذ أسر النبي . . . . .
) وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه ( يعني حفصة ) حديثا ( تحريم مارية أو العسل أو أن الخلافة بعده لأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ) فلما نبأت به ( أي فلما أخبرت حفصة عائشة رضي الله تعالى عنهما بالحديث ) وأظهره الله عليه ( واطلع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على الحديث أي على إفشائه ) عرف بعضه ( عرف الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) حفصة بعض ما فعلت ) وأعرض عن بعض ( عن أعلام بعض تكرما أو جازاها على بعض بتطليقه إياها وتجاوز عن بعض ويؤيده قراءة الكسائي بالتخفيف فإنه لا يحتمل ههنا غيره لكن المشدد من باب إطلاق اسم المسبب على السبب والمخفف بالعكس ويؤيد الأول قوله ) فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير ( فإنه أوفق للإسلام
التحريم : ( 4 ) إن تتوبا إلى . . . . .
) إن تتوبا إلى الله ( خطاب لحفصة وعائشة على الالتفات للمبالغة في المعاتبة ) فقد صغت قلوبكما ( فقد وجد منكما ما يوجب التوبة وهو ميل قلوبكما عن الواجب من مخالصة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بحب ما يحبه وكراهة ما يكرهه ) وإن تظاهرا عليه ( وإن تتظاهرا عليه بما يسؤوه وقرأ الكوفيون بالتخفيف ) فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين ((5/355)
" صفحة رقم 356 "
فلن يعدم من يظاهره من الله والملائكة وصلحاء المؤمنين فإن الله ناصره وجبريل رئيس الكروبيين قرينه ومن صلح من المؤمنين أتباعه وأعوانه ) والملائكة بعد ذلك ظهير ( متظاهرون وتخصيص جبريل عليه السلام لتعظيمه والمراد بالصالح الجنس ولذلك عمم بالإضافة وبقوله بعد ذلك تعظيم لمظاهرة الملائكة من جملة ما ينصره الله تعالى به
التحريم : ( 5 ) عسى ربه إن . . . . .
) عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن ( على التغليب أو تعميم الخطاب وليس فيه ما يدل على أنه لم يطلق حفصة وأن في النساء خيرا منهن لأن تعليق طلاق الكل لا ينافي تطليق واحدة والمعلق بما لم يقع لا يجب وقوعه وقرأ نافع وأبو عمرو ) يبدله ( بالتخفيف ) مسلمات مؤمنات ( مقرات مخلصات أو منقادات مصدقات ) قانتات ( مصليات أو مواظبات على الطاعات ) تائبات ( عن الذنوب ) عابدات ((5/356)
" صفحة رقم 357 "
متعبدات أو متذللات لأمر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) سائحات ( صائمات سمي الصائم سائحا لأنه يسبح بالنهار بلا زاد أو مهاجرات ) ثيبات وأبكارا ( وسط العاطف بينهما لتنافيهما ولأنهما في حكم صفة واحدة إذ المعنى مشتملات على الثيبات والأبكار
التحريم : ( 6 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم ( بترك المعاصي وفعل الطاعات ) وأهليكم ( بالنصح والتأديب وقرئ وأهلوكم عطف على واو ) قوا ( فيكون ) أنفسكم ( أنفس القبيلين على تغليب المخاطبين ) نارا وقودها الناس والحجارة ( نارا تتقد بهما اتقاد غيرها بالحطب ) عليها ملائكة ( تلي أمرها وهم الزبانية ) غلاظ شداد ( غلاظ الأقوال شداد الأفعال أو غلاظ الخلق شداد الخلق أقوياء على الأفعال الشديدة ) لا يعصون الله ما أمرهم ( فيما مضى ) ويفعلون ما يؤمرون ( فيما يستقبل أو لا يمتنعون عن قبول الأوامر والتزامها ويؤدون ما يؤمرون به
التحريم : ( 7 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون ( أي يقال لهم ذلك عند دخولهم النار والنهي عن الاعتذار لأنه لا عذر لهم أو العذر لا ينفعهم
التحريم : ( 8 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ( بالغة في النصح وهو صفة التائب فإنه ينصح نفسه بالتوبة وصفت به على الإسناد المجازي مبالغة أو في النصاحة وهي الخياطة كأنها تنصح ما خرق الذنب وقرأ أبو بكر بضم النون وهو مصدر بمعنى النصح كالشكر والشكور والنصاحة كالثبات والثبوت تقديره ذات نصوح أو تنصح نصوحا أو توبوا نصوحا لأنفسكم وسئل علي رضي الله تعالى عنه عن التوبة فقال يجمعها ستة أشياء على الماضي من الذنوب الندامة وللفرائض الإعادة ورد المظالم واستحلال الخصوم وأن تعزم على أن لا تعود وأن تربي نفسك في طاعة الله كما ربيتها في المعصية ) عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ((5/357)
" صفحة رقم 358 "
ذكر بصيغة الأطماع جريا على عادة الملوك وإشعارا بأنه تفضل والتوبة غير موجبة وأن العبد ينبغي أن يكون بين خوف ورجاء ) يوم لا يخزي الله النبي ( ظرف ل ) ويدخلكم ( ) والذين آمنوا معه ( عطف على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إحمادا لهم وتعريضا لمن ناوأهم وقيل مبتدأ خبره ) نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ( أي على الصراط ) يقولون ( إذا طفئ نور المنافقين ) ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير ( وقيل تتفاوت أنوارهم بحسب أعمالهم فيسألون إتمامه تفضلا
التحريم : ( 9 ) يا أيها النبي . . . . .
) يا أيها النبي جاهد الكفار ( بالسيف ) والمنافقين ( بالحجة ) واغلظ عليهم ( واستعمل الخشونة فيما تجاهدهم به إذا بلغ الرفق مداه ) ومأواهم جهنم وبئس المصير ( جهنم أو مأواهم
التحريم : ( 10 ) ضرب الله مثلا . . . . .
) ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط ( مثل الله تعالى حالهم في أنهم يعاقبون بكفرهم ولا يحابون بما بينهم وبين النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين من النسبة بحالهما ) كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين ( يريد به تعظيم نوح ولوط عليهما السلام ) فخانتاهما ( بالنفاق ) فلم يغنيا عنهما من الله شيئا ( فلم يغن النبيان عنهما بحق الزواج شيئا إغناء ما ) وقيل ( أي لهما عند موتهما أو يوم القيامة ) ادخلا النار مع الداخلين ( مع سائر الداخلين من الكفرة الذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء عليهم السلام
التحريم : ( 11 ) وضرب الله مثلا . . . . .
) وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون ( شبه حالهم في أن وصلة الكافرين لا تضرهم بحال أسية رضي الله عنها ومنزلتها عند الله مع أنها كانت تحت أعدى أعداء الله ) إذ قالت ( ظرف للمثل المحذوف ) رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ( قريبا من رحمتك أو في أعلى درجات المقربين ) ونجني من فرعون وعمله ( من نفسه الخبيثة وعلمه السيىء ) ونجني من القوم الظالمين ( من القبط التابعين له في الظلم
التحريم : ( 12 ) ومريم ابنة عمران . . . . .
) ومريم ابنة عمران ( عطف على ) امرأة فرعون ( تسلية للأرامل ) التي أحصنت فرجها ((5/358)
" صفحة رقم 359 "
من الرجال ) فنفخنا فيه ( في فرجها وقرئ فيها أي في ) مريم ( أو في الجملة ) من روحنا ( من روح خلقناه بلا توسط أصل ) وصدقت بكلمات ربها ( بصحفه المنزلة أو بما أوحى إلى أنبيائه ) وكتبه ( وما كتب في اللوح المحفوظ أو جنس الكتب المنزلة وتدل عليه قراءة البصريين وحفص بالجمع وقرىء بكلمة الله وكتابه أي بعيسى عليه السلام والإنجيل ) وكانت من القانتين ( من عداد المواظبين على الطاعة والتذكير للتغليب والإشعار بأن طاعتها لم تقصر عن طاعة الرجال الكاملين حتى عدت من جملتهم أو من نسلهم فتكون ) من ( ابتدائية عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة التحريم آتاه الله توبة نصوحا(5/359)
" صفحة رقم 360 "
سورة الملك
مكية وتسمى الواقية والمنجية لأنها تقي قارئها وتنجيه من عذاب القبر وآيها ثلاثون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الملك : ( 1 ) تبارك الذي بيده . . . . .
) تبارك الذي بيده الملك ( بقبضة قدرته التصرف في الأمور كلها ) وهو على كل شيء قدير ( على كل ما يشاء قدير
الملك : ( 2 ) الذي خلق الموت . . . . .
) الذي خلق الموت والحياة ( قدرهما أو أوجد الحياة وأزالها حسبما قدره وقدم الموت لقوله ) وكنتم أمواتا فأحياكم ( ولأنه أدعى إلى حسن العمل ) ليبلوكم ( ليعاملكم المختبر بالتكليف أيها المكلفون ) أيكم أحسن عملا ( أصوبه وأخلصه وجاء مرفوعا أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعته جملة واقعة موقع(5/360)
" صفحة رقم 361 "
المفعول ثانيا لفعل البلوى المتضمن معنى العلم وليس هذا من باب التعليق لأنه يخل به وقوع الجملة خبرا لما يعلق الفعل عنها بخلاف ما إذا وقعت موقع المفعولين ) وهو العزيز ( الغالب الذي لا يعجزه من أساء العمل ) الغفور ( لمن تاب منهم
الملك : ( 3 ) الذي خلق سبع . . . . .
) الذي خلق سبع سماوات طباقا ( مطابقة بعضها فوق بعض مصدر طابقت النعل إذا خلطتها طبقا على طبق وصف به أو طوبقت طباقا أو ذات طباق جمع طبق كجبل وجبال أو طبقة كرحبة ورحاب ) ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ( وقرأ حمزة والكسائي من تفوت ومعناهما واحد كالتعاهد والتعهد وهو الاختلاف وعدم التناسب من الفوت كأن كلا من المتفاوتين فات عنه بعض ما في الآخر والجملة صفة ثانية ل ) سبع ( وضع فيها خلق الرحمن موضع الضمير للتعظيم والإشعار بأنه تعالى يخلق مثل ذلك بقدرته الباهرة رحمة وتفضلا وأن في إبداعها نعما جليلة لا تحصى والخطاب فيها للرسول أو لكل مخاطب وقوله ) فارجع البصر هل ترى من فطور ( متعلق به على معنى التسبب أي قد نظرت إليها مرارا فانظر إليها مرة أخرى متأملا فيها لتعاين ما أخبرت به من تناسبها واستقامتها واستجماعها ما ينبغي لها وال ) فطور ( الشقوق والمراد الخلل من فطره إذا شقه
الملك : ( 4 ) ثم ارجع البصر . . . . .
) ثم ارجع البصر كرتين ( أي رجعتين أخريين في ارتياد الخلل والمراد بالتثنية التكرير والتكثير كما في لبيك وسعديك ولذلك أجاب الأمر بقوله ) ينقلب إليك البصر خاسئا ( بعيدا عن إصابة المطلوب كأنه طرد عنه طردا بالصغار ) وهو حسير ( كليل من طول المعاودة وكثرة المراجعة(5/361)
" صفحة رقم 362 "
الملك : ( 5 ) ولقد زينا السماء . . . . .
) ولقد زينا السماء الدنيا ( أقرب السموات إلى الأرض ) بمصابيح ( بالكواكب المضيئة بالليل إضاءة السرج فيها والتنكير للتعظيم ولا يمنع ذلك كون بعض الكواكب مركوزة في سموات فوقها إذ التزيين بإظهارها فيها ) وجعلناها رجوما للشياطين ( وجعلنا لها فائدة أخرى وهي رجم أعدائكم والرجوم جمع رجم بالفتح وهو مصدر سمي به ما يرجم به بانقضاض الشهب المسببة عنها وقيل معناه وجعلناها رجوما وظنونا لشياطين الإنس وهم المنجمون ) وأعتدنا لهم عذاب السعير ( في الآخرة بعد الإحراق بالشهب في الدنيا
الملك : ( 6 ) وللذين كفروا بربهم . . . . .
) والذين كفروا بربهم ( من الشياطين وغيرهم ) عذاب جهنم وبئس المصير ( وقرئ بالنصب على أن ) للذين ( عطف على ) لهم ( و ) عذاب ( على ) عذاب السعير )
الملك : ( 7 ) إذا ألقوا فيها . . . . .
) إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا ( صوتا كصوت الحمير ) وهي تفور ( تغلي بهم غليان المرجل بما فيه
الملك : ( 8 ) تكاد تميز من . . . . .
) تكاد تميز من الغيظ ( تتفرق غيظا عليهم وهو تمثيل لشدة اشتعالها بهم ويجوز أن يراد غيظ الزبانية ) كلما ألقي فيها فوج ( جماعة من الكفرة ) سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير ( يخوفكم هذا العذاب وهو توبيخ وتبكيت
الملك : ( 9 ) قالوا بلى قد . . . . .
) قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير ( أي فكذبنا الرسل وأفرطنا في التكذيب حتى نفينا الإنزال والإرسال رأسا وبلغنا في نسبتهم إلى الضلال فالنذير إما بمعنى الجمع لأنه فعيل أو مصدر مقدر بمضاف أي أهل إنذار أو منعوت به للمبالغة أو الواحد والخطاب له ولأمثاله على التغليب أو إقامة(5/362)
" صفحة رقم 363 "
تكذيب الواحد مقام تكذيب الكل أو على المعنى قالت الأفواج قد جاء إلى كل فوج منا رسول من الله فكذبناهم وضللناهم ويجوز أن يكون الخطاب من كلام الزبانية للكفار على إرادة القول فيكون الضلال ما كانوا عليه في الدنيا أو عقابه الذي يكونون فيه
الملك : ( 10 ) وقالوا لو كنا . . . . .
) وقالوا لو كنا نسمع ( كلام الرسل فنقبله جملة من غير بحث وتفتيش اعتمادا على ما لاح من صدقهم بالمعجزات ) أو نعقل ( فنتفكر في حكمه ومعانيه تفكر المستبصرين ) ما كنا في أصحاب السعير ( في عدادهم ومن جملتهم
الملك : ( 11 ) فاعترفوا بذنبهم فسحقا . . . . .
) فاعترفوا بذنبهم ( حين لا ينفعهم والاعتراف إقرار عن معرفة والذنب لم يجمع لأنه في الأصل مصدر أو المراد به الكفر ) فسحقا لأصحاب السعير ( فأسحقهم الله سحقا أبعدهم من رحمته والتغليب للإيجاز والمبالغة والتعليل وقرأ الكسائي بالتثقيل
الملك : ( 12 ) إن الذين يخشون . . . . .
) إن الذين يخشون ربهم بالغيب ( يخافون عذابه غائبا عنهم لم يعاينوه بعد أو غائبين عنه أو عن أعين الناس أو بالمخفي منهم وهو قلوبهم ) لهم مغفرة ( لذنوبهم ) وأجر كبير ( تصغر دونه لذائذ الدنيا
الملك : ( 13 ) وأسروا قولكم أو . . . . .
) وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ( بالضمائر قبل أن يعبر عنها سرا أو جهرا
الملك : ( 14 ) ألا يعلم من . . . . .
) ألا يعلم من خلق ( ألا يعلم السر والجهر من أوجد الأشياء حسبما قدرته حكمته ) وهو اللطيف الخبير ( المتوصل علمه إلى ما ظهر من خلقه وما بطن أو إلا يعلم الله من خلقه وهو بهذه المثابة والتقييد بهذه الحال يستدعي أن يكون ل ) يعلم ( مفعول ليفيد(5/363)
" صفحة رقم 364 "
روي أن المشركين كانوا يتكلمون فيما بينهم بأشياء فيخبر الله بها رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) فيقولون أسروا قولكم لئلا يسمع إله محمد فنبه الله على جهلهم
الملك : ( 15 ) هو الذي جعل . . . . .
) هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا ( لينة يسهل لكم السلوك فيها ) فامشوا في مناكبها ( في جوانبها أو جبالها وهو مثل لفرط التذليل فإن منكب البعير ينبو عن أن يطأه الراكب ولا يتذلل له فإذا جعل الأرض في الذل بحيث يمشي في مناكبها لم يبق شيء لم يتذلل ) وكلوا من رزقه ( والتمسوا من نعم الله ) وإليه النشور ( المرجع فيسألكم عن شكر ما أنعم عليكم
الملك : ( 16 ) أأمنتم من في . . . . .
) أأمنتم من في السماء ( يعني الملائكة الموكلين على تدبير هذا العالم أو الله تعالى على تأويل ) من في السماء ( أمره أو قضاؤه أو على زعم العرب فإنهم زعموا أنه تعالى في السماء وعن ابن كثير وامنتم بقلب الهمزة الأولى واوا لانضمام ما قبلها وآمنتم بقلب الثانية ألفا وهو قراءة نافع وأبي عمرو ورويس ) أن يخسف بكم الأرض ( فيغيبكم فيها كما فعل بقارون وهو بدل الاشتمال ) فإذا هي تمور ( تضطرب والمور التردد في المجيء والذهاب
الملك : ( 17 ) أم أمنتم من . . . . .
) أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا ( أن يمطر عليكم حصباء ) فستعلمون كيف نذير ( كيف إنذاري إذا شاهدتم المنذر به ولكن لا ينفعكم العلم حينئذ
الملك : ( 18 ) ولقد كذب الذين . . . . .
) ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير ( إنكاري عليهم بإنزال العذاب وهو تسلية للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وتهديد لقومه المشركين
الملك : ( 19 ) أولم يروا إلى . . . . .
) أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ( باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها(5/364)
" صفحة رقم 365 "
فإنهن إذا بسطنها صففن قوادمها ) ويقبضن ( ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن وقتا بعد وقت للاستظهار به على التحريك ولذلك عدل به إلى صيغة الفعل للتفرقة بين الأصل في الطيران والطارئ عليه ) ما يمسكهن ( في الجو على خلاف الطبع ) إلا الرحمن ( الشامل رحمته كل شيء بأن خلقهن على أشكال وخصائص هيأتهن للجري في الهواء ) إنه بكل شيء بصير ( يعلم كيف يخلق الغرائب ويدبر العجائب
الملك : ( 20 ) أم من هذا . . . . .
) أم من هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن ( عديل لقوله ) أو لم يروا ( على معنى أو لم تنظروا في أمثال هذه الصنائع فلم تعلموا قدرتنا على تعذيبهم بنحو خسف وإرسال حاصب أم لكم جند ينصركم من دون الله إن أرسل عليكم عذابه فهو كقوله ) أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا ( إلا أنه أخرج مخرج الاستفهام عن تعيين من ينصرهم إشعارا بأنهم اعتقدوا هذا القسم و ) من ( مبتدأ و ) هذا ( خبره و ) الذي ( بصلته صفته و ) ينصركم ( وصف ل ) جند ( محمول على لفظه ) إن الكافرون إلا في غرور ( لا معتمد لهم
الملك : ( 21 ) أم من هذا . . . . .
) أم من هذا الذي يرزقكم ( أم من يشار إليه ويقال ) هذا الذي يرزقكم ( ) إن أمسك رزقه ( بإمساك المطر وسائر الأسباب المخلصة والموصلة له إليكم ) بل لجوا ( تمادوا ) في عتو ( عناد ) ونفور ( شراد عن الحق لتنفر طباعهم عنه
الملك : ( 22 ) أفمن يمشي مكبا . . . . .
) أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى ( يقال كببته فأكب وهو من الغرائب كقشع الله السحاب فأقشع والتحقيق أنهما من باب أنفض بمعنى صار ذا كب وذا قشع وليس مطاوعي كب وقشع بل المطاوع لهما انكب وانقشع ومعنى ) مكبا ( أنه يعثر كل ساعة ويخر على وجهه لو عورة طريقه واختلاف أجزائه ولذلك قابله بقوله ) أم من يمشي سويا ( قائما سالما من العثار ) على صراط مستقيم ( مستوي الأجزاء والجهة والمراد تمثيل(5/365)
" صفحة رقم 366 "
المشرك والموحد بالسالكين والدينين بالمسلكين ولعل الاكتفاء بما في الكب من الدلالة على حال المسلك للإشعار بأن ما عليه المشرك لا يستأهل أن يسمى طريقا كمشي المتعسف في مكان متعاد غير مستو وقيل المراد بالمكب الأعمى فإنه يتعسف فينكب وبالسوي البصير وقيل من ) يمشي مكبا ( هو الذي يحشر على وجهه إلى النار ومن ) يمشي سويا ( الذي يحشر على قدميه إلى الجنة
الملك : ( 23 ) قل هو الذي . . . . .
) قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع ( لتسمعوا المواعظ ) والأبصار ( لتنظروا صنائعه ) والأفئدة ( لتتفكروا وتعتبروا ) قليلا ما تشكرون ( باستعمالها فيما خلقت لأجلها
الملك : ( 24 ) قل هو الذي . . . . .
) قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون ( للجزاء
الملك : ( 25 ) ويقولون متى هذا . . . . .
) ويقولون متى هذا الوعد ( أي الحشر أو ما وعدوا به من الخسف والحاصب ) إن كنتم صادقين ( يعنون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين
الملك : ( 26 ) قل إنما العلم . . . . .
) قل إنما العلم ( أي علم وقته ) عند الله ( لا يطلع عليه غيره ) وإنما أنا نذير مبين ( والإنذار يكفي فيه العلم بل الظن بوقوع المحذر منه
الملك : ( 27 ) فلما رأوه زلفة . . . . .
) فلما رأوه ( أي الوعد فإنه بمعنى الموعود ) زلفة ( ذا زلفة أي قرب منهم ) سيئت وجوه الذين كفروا ( بأن علتها الكآبة وساءتها رؤية العذاب ) وقيل هذا الذي كنتم به تدعون ( تطلبون وتستعجلون تفتعلون من الدعاء أو ) تدعون ( أن لا بعث فهو من الدعوى
الملك : ( 28 ) قل أرأيتم إن . . . . .
) قل أرأيتم إن أهلكني الله ( أماتني ) ومن معي ( من المؤمنين ) أو رحمنا ( بتأخير آجالنا ) فمن يجير الكافرين من عذاب أليم ( أي لا ينجيهم أحد من العذاب متنا أو بقينا وهو جواب لقولهم ) نتربص به ريب المنون )
الملك : ( 29 ) قل هو الرحمن . . . . .
) قل هو الرحمن ( الذي أدعوكم إليه مولى النعم كلها ) آمنا به ( للعلم بذلك ) وعليه توكلنا ( للوثوق عليه والعلم بأن غيره بالذات لا يضر ولا ينفع وتقديم الصلة للتخصيص والإشعار به ) فستعلمون من هو في ضلال مبين ( منا ومنكم وقرأ الكسائي بالياء(5/366)
" صفحة رقم 367 "
الملك : ( 30 ) قل أرأيتم إن . . . . .
) قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا ( غائرا في الأرض بحيث لا تناله الدلاء مصدر وصف به ) فمن يأتيكم بماء معين ( جار أو ظاهر سهل المأخذ عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الملك فكأنما أحيا ليلة القدر(5/367)
" صفحة رقم 368 "
سورة القلم
مكية وآيها ثنتان وخمسون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الملك : ( 30 ) قل أرأيتم إن . . . . .
) ن ( من أسماء الحروف وقيل اسم الحوت والمراد به الجنس أو البهموت وهو الذي عليه الأرض أو الدواة فإن بعض الحيتان يستخرج منه شيء أشد سوادا من النفس يكتب به ويؤيد الأول سكونه وكتبه بصورة الحرف ) والقلم ( وهو الذي خط اللوح أو الذي يخط به أقسم به تعالى لكثرة فوائده وأخفى ابن عامر والكسائي ويعقوب النون إجراء للواو المنفصل مجرى المتصل فإن النون الساكنة تخفى مع حروف الفم إذا اتصلت بها وقد روي ذلك عن نافع وعاصم وقرئت بالفتح والكسر ك ) ص ( ) وما يسطرون ( وما يكتبون والضمير ل ) والقلم ( بالمعنى الأول على التعظيم أو بالمعنى الثاني على إرادة الجنس وإسناد الفعل إلى الأدلة وإجراؤه مجرى أولي العلم لإقامته مقامهم أو لأصحابه أو للحفظة و ) ما ( مصدرية أو موصولة(5/368)
" صفحة رقم 369 "
القلم : ( 2 ) ما أنت بنعمة . . . . .
) ما أنت بنعمة ربك بمجنون ( جواب القسم والمعنى ما أنت بمجنون منعما عليك بالنبوة وحصافة الرأي والعامل في الحال معنى النفي وقيل ) بمجنون ( الباء لا تمنع عمله فيما قبله لأنها مزيدة وفيه نظر من حيث المعنى
القلم : ( 3 ) وإن لك لأجرا . . . . .
) وإن لك لأجرا ( على الاحتمال والإبلاغ ) غير ممنون ( مقطوع أو ممنون به عليك من الناس فإنه تعالى يعطيك بلا توسط
القلم : ( 4 ) وإنك لعلى خلق . . . . .
) وإنك لعلى خلق عظيم ( إذ تتحمل من قومك ما لا يتحمل أمثالك وسئلت عائشة رضي الله تعالى عنها عن خلقه ( صلى الله عليه وسلم ) فقلت كان خلقه القرآن ألست تقرأ القرآن ) قد أفلح المؤمنون )
القلم : ( 5 - 6 ) فستبصر ويبصرون
) فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون ( أيكم الذي فتن بالجنون والباء مزيدة أو بأيكم الجنون على أن المفتون مصدر كالمعقول والمجلود أو بأي الفريقين منكم المجنون أبفريق المؤمنين أو بفريق الكافرين أي في أيهما يوجد من يستحق هذا الاسم
القلم : ( 7 ) إن ربك هو . . . . .
) إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ( وهم المجانين على الحقيقة ) وهو أعلم بالمهتدين ( الفائزين بكمال العقل
القلم : ( 8 ) فلا تطع المكذبين
) فلا تطع المكذبين ( تهييج للتصميم على معاصاتهم
القلم : ( 9 ) ودوا لو تدهن . . . . .
) ودوا لو تدهن ( تلاينهم بأن تدع نهيهم عن الشرك أو توافقهم فيه أحيانا ) فيدهنون ( فيلا ينونك بترك الطعن والموافقة والفاء للعطف أي ودوا التداهن وتمنوه لكنهم أخروا أدهانهم حتى تدهن أو للسببية أي ) ودوا لو تدهن ( فهم يدهنون حينئذ أو(5/369)
" صفحة رقم 370 "
ودوا ادهانك فهم الآن يدهنون طمعا فيه وفي بعض المصاحف فيدهنوا على أنه جواب التمني
القلم : ( 10 ) ولا تطع كل . . . . .
) ولا تطع كل حلاف ( كثير الحلف في الحق والباطل ) مهين ( حقير الرأي من المهانة وهي الحقارة
القلم : ( 11 ) هماز مشاء بنميم
) هماز ( عياب ) مشاء بنميم ( نقال للحديث على وجه السعاية
القلم : ( 12 ) مناع للخير معتد . . . . .
) مناع للخير ( يمنع الناس عن الخير من الإيمان والإيقان والعمل الصالح ) معتد ( متجاوز في الظلم ) أثيم ( كثير الآثام
القلم : ( 13 ) عتل بعد ذلك . . . . .
) عتل ( جاف غليظ من عتله إذا قاده بعنف وغلظة ) بعد ذلك ( بعدما عد من مثالبه ) زنيم ( دعي مأخوذ من زنمتي الشاة وهما المتدليتان من أذنها وحلقها قيل هو الوليد بن المغيرة ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة من مولده وقيل الأخنس بن شريق أصله من ثقيف وعداده في زهرة
القلم : ( 14 - 15 ) أن كان ذا . . . . .
) أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ( قال ذلك حينئذ لأنه كان متمولا مستظهرا بالبنين من فرط غروره لكن العامل مدلول قال لا نفسه لأن ما بعد الشرط لا يعمل فيما قبله ويجوز أن يكون علة ل ) ولا تطع ( أي لا تطع من هذه مثاله لأن كان ذا مال وقرأ ابن عامر وحمزة ويعقوب وأبو بكر أن كان على الاستفهام غير أن ابن عامر جعل الهمزة الثانية بين بين أي الأن كان ذا مال كذب أو أتطيعه لأن كان ذا مال وقرئ أن كان بالكسر على أن شرط الغنى في النهي عن الطاعة كالتعليل بالفقر(5/370)
" صفحة رقم 371 "
في النهي عن قتل الأولاد أو ) إن ( شرطه للمخاطب أي لا تطعه شارطا يساره لأنه إذا أطاع للغني فكأنه شرطه في الطاعة
القلم : ( 16 ) سنسمه على الخرطوم
) سنسمه ( بالكي ) على الخرطوم ( على الأنف وقد أصاب أنف الوليد جراحة يوم بدر فبقي أثره وقيل هو عبارة عن أن يذله غاية الإذلال كقولهم جدع أنفه رغم أنفه لأن السمة على الوجه سيما على الأنف شين ظاهر أو نسود وجهه يوم القيامة
القلم : ( 17 ) إنا بلوناهم كما . . . . .
) إنا بلوناهم ( بلونا أهل مكة شرفها الله تعالى بالقحط ) كما بلونا أصحاب الجنة ( يريد البستان الذي كان دون صنعاء بفرسخين وكان لرجل صالح وكان ينادي الفقراء وقت الصرام ويترك لهم ما أخطأه المنجل وألقته الريح أو بعد من البساط الذي يبسط تحت النخلة فيجتمع لهم شيء كثير فلما مات قال بنوه إن فعلنا ما كان يفعله أبونا ضاق علينا الأمر فحلفوا ) ليصرمنها ( وقت الصباح خفية عن المساكين كما قال ) إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ( ليقطعنها داخلين في الصباح
القلم : ( 18 ) ولا يستثنون
) ولا يستثنون ( ولا يقولون إن شاء الله وإنما سماه استثناء لما فيه من الإخراج غير أن المخرج به خلاف المذكور والمخرج بالاستثناء عينه أو لأن معنى لأخرج إن شاء الله ولا أخرج إلى أن يشاء الله واحد أو ) ولا يستثنون ( حصة المساكين كما كان يخرج أبوهم(5/371)
" صفحة رقم 372 "
القلم : ( 19 ) فطاف عليها طائف . . . . .
) فطاف عليها ( على الجنة ) طائف ( بلاء طائف ) من ربك ( مبتدأ منه ) وهم نائمون )
القلم : ( 20 ) فأصبحت كالصريم
) فأصبحت كالصريم ( كالبستان الذي صرم ثماره بحيث لم يبق فيه شيء فعيل بمعنى مفعول أو كالليل باحتراقها واسودادها أو كالنهار بابيضاضها من فرط اليبس سميا بالصريم لأن كلا منهما ينصرم عن صاحبه أو كالرمل
القلم : ( 21 - 22 ) فتنادوا مصبحين
) فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم ( أن أخرجوا أو بأن اخرجوا إليه غدوة وتعدية الفعل بعلى إما لتضمنه معنى الاقبال أو لتشبيه الغدو للصرام بغدو العدو المتضمن لمعنى الاستيلاء ) إن كنتم صارمين ( قاطعين له
القلم : ( 23 ) فانطلقوا وهم يتخافتون
) فانطلقوا وهم يتخافتون ( يتشاورون فيما بينهم وخفى وخفت وخفد بمعنى الكتم ومنه الخفدود للخفاش
القلم : ( 24 ) أن لا يدخلنها . . . . .
) أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين ( ) إن ( مفسرة وقرئ بطرحها على إضمار القول والمراد بنهي المسكين عن الدخول المبالغة في النهي عن تمكينه من الدخول كقولهم لا أرينك ها هنا
القلم : ( 25 ) وغدوا على حرد . . . . .
) وغدوا على حرد قادرين ( وغدوا قادرين على نكد لا غير من حاردت السنة إذا لم يكن فيها مطر وحاردت الإبل إذا منعت درها والمعنى أنهم عزموا أن يتنكدوا على المساكين فتنكد عليهم بحيث لا يقدرون إلا على الانتفاع وقيل الحرد بمعنى الحرد وقد قرئ به أي لم يقدروا إلا على حنق بعضهم لبعض كقوله ) يتلاومون ( وقيل الحرد والقصد والسرعة قال أقبل سيل جاء من أمر الله يحرد حرد الجنة المغله أي غدوا قاصدين إلى جنتهم بسرعة قادرين عند أنفسهم على صرامها وقيل علم للجنة
القلم : ( 26 ) فلما رأوها قالوا . . . . .
) فلما رأوها ( أول ما رأوها ) قالوا إنا لضالون ( طريق جنتنا وما هي بها(5/372)
" صفحة رقم 373 "
القلم : ( 27 ) بل نحن محرومون
) بل نحن ( أي بعد ما تأملوه وعرفوا أنها هي قالوا ) بل نحن ( ) محرومون ( حرمنا خيرها لجنايتنا على أنفسنا
القلم : ( 28 ) قال أوسطهم ألم . . . . .
) قال أوسطهم ( رأيا أو سنا ) ألم أقل لكم لولا تسبحون ( لولا تذكرونه وتتوبون إليه من خبث نيتكم وقد قاله حينما عزموا على ذلك ويدل على هذا المعنى
القلم : ( 29 ) قالوا سبحان ربنا . . . . .
) قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين ( أي لولا تستثنون فسمي الاستثناء تسبيحا لتشاركهما في التعظيم أو لأنه تنزيه على أن يجري في ملكه ما لا يريده
القلم : ( 30 ) فأقبل بعضهم على . . . . .
) فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون ( يلوم بعضهم بعضا فإن منهم من أشار بذلك ومنهم من استصوبه ومنهم من سكت راضيا ومنهم من أنكره
القلم : ( 31 ) قالوا يا ويلنا . . . . .
) قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين ( متجاوزين حدود الله تعالى
القلم : ( 32 ) عسى ربنا أن . . . . .
) عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها ( ببركة التوبة والاعتراف بالخطيئة وقد روي أنهم أبدلوا خيرا منها وقرئ ) يبدلنا ( بالتخفيف ) إنا إلى ربنا راغبون ( راجون العفو طالبون الخير و ) إلى ( لانتهاء الرغبة أو لتضمنها معنى الرجوع
القلم : ( 33 ) كذلك العذاب ولعذاب . . . . .
) كذلك العذاب ( مثل ذلك العذاب الذي بلونا به أهل مكة وأصحاب الجنة العذاب في الدنيا ) ولعذاب الآخرة أكبر ( أعظم منه ) لو كانوا يعلمون ( لاحترزوا عما يؤديهم إلى العذاب
القلم : ( 34 ) إن للمتقين عند . . . . .
) إن للمتقين عند ربهم ( أي في الآخرة أو في جوار القدس ) جنات النعيم ( جنات ليس فيها إلا التنعم الخالص
القلم : ( 35 ) أفنجعل المسلمين كالمجرمين
) أفنجعل المسلمين كالمجرمين ( إنكار لقول الكفرة فإنهم كانوا يقولون إن صح أنا نبعث كما يزعم محمد ومن معه لم يفضلونا بل نكون أحسن حالا منهم كما نحن عليه في الدنيا
القلم : ( 36 ) ما لكم كيف . . . . .
) ما لكم كيف تحكمون ( التفات فيه تعجب من حكمهم واستبعاد له وإشعار بأنه صادر من اختلال فكر واعوجاج رأي
القلم : ( 37 ) أم لكم كتاب . . . . .
) أم لكم كتاب ( من السماء ) فيه تدرسون ( تقرأون(5/373)
" صفحة رقم 374 "
القلم : ( 38 ) إن لكم فيه . . . . .
) إن لكم فيه لما تخيرون ( إن لكم ما تختارونه وتشتهونه وأصله أن لكم بالفتح لأنه المدروس فلما جيء باللام كسرت ويجوز أن يكون حكاية للمدروس أو استئنافا وتخير الشيء واختاره أخذ خيره
القلم : ( 39 ) أم لكم أيمان . . . . .
) أم لكم أيمان علينا ( عهود مؤكدة بالايمان ) بالغة ( متناهية في التوكيد وقرئت بالنصب على الحال والعامل فيها أحد الظرفين ) إلى يوم القيامة ( متعلق بالمقدر في ) لكم ( أي ثابتة لكم علينا إلى يوم القيامة لا نخرج عن عهدتها حتى نحكمكم في ذلك اليوم أو ب ) بالغة ( أي أيمان تبلغ ذلك اليوم ) إن لكم لما تحكمون ( جواب القسم لأن معنى أم لكم أيمان علينا أم أقسمنا لكم
القلم : ( 40 ) سلهم أيهم بذلك . . . . .
) سلهم أيهم بذلك زعيم ( بذلك الحكم قائم يدعيه ويصححه
القلم : ( 41 ) أم لهم شركاء . . . . .
) أم لهم شركاء ( يشاركونهم في هذا القول ) فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين ( في دعواهم إذ لا أقل من التقليد وقد نبه سبحانه وتعالى في هذه الآيات على نفي جميع ما يمكن أن يتشبثوا به من عقل أو نقل يدل عليه الاستحقاق أو وعد أو محض تقليد على الترتيب تنبيها على مراتب النظر وتزييفا لما لا سند له وقيل المعنى ) أم لهم شركاء ( يعني الأصنام يجعلونهم مثل المؤمنين في الآخرة كأنه لما نفى أن تكون التسوية من الله تعالى نفى بهذا أن تكون مما يشاركون الله به
القلم : ( 42 ) يوم يكشف عن . . . . .
) يوم يكشف عن ساق ( يوم يشتد الأمر ويصعب الخطب وكشف الساق مثل في ذلك وأصله تشمير المخدرات عن سوقهن في الهرب قال حاتم(5/374)
" صفحة رقم 375 "
" أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا " أو يوم يكشف عن أصل الأمر وحقيقته بحيث يصير عيانا مستعار من ساق الشجر وساق الإنسان وتنكيره للتهويل أو للتعظيم وقرىء تكشف وتكشف بالتاء على بناء الفاعل أو المفعول والفعل للساعة أو الحال ) ويدعون إلى السجود ( توبيخا على تركهم السجود إن كان اليوم يوم القيامة أو يدعون إلى الصلوات لأوقاتها إن كان وقت النزع ) فلا يستطيعون ( لذهاب وقته أو زوال القدرة عليه
القلم : ( 43 ) خاشعة أبصارهم ترهقهم . . . . .
) خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ( تلحقهم ذلة ) وقد كانوا يدعون إلى السجود ( في الدنيا أو زمان الصحة ) وهم سالمون ( متمكنون منه مزاحوا العلل فيه
القلم : ( 44 ) فذرني ومن يكذب . . . . .
) فذرني ومن يكذب بهذا الحديث ( كله إلى فإني أكفيكه ) سنستدرجهم ( سندنيهم من العذاب درجة درجة بالإمهال وإدامة الصحة وازدياد النعمة ) من حيث لا يعلمون ( أنه استدراج وهو الإنعام عليهم لأنهم حسبوه تفضيلا لهم على المؤمنين
القلم : ( 45 ) وأملي لهم إن . . . . .
) وأملي لهم ( وأمهلهم ) إن كيدي متين ( لا يدفع بشيء وإنما سمي إنعامه استدراجا بالكيد لأنه في صورته
القلم : ( 46 ) أم تسألهم أجرا . . . . .
) أم تسألهم أجرا ( على الإرشاد ) فهم من مغرم ( من غرامة ) مثقلون ( يحملها فيعرضون عنك
القلم : ( 47 ) أم عندهم الغيب . . . . .
) أم عندهم الغيب ( اللوح أو المغيبات ) فهم يكتبون ( منه ما يحكمون به ويستغنون به عن علمك
القلم : ( 48 ) فاصبر لحكم ربك . . . . .
) فاصبر لحكم ربك ( وهو إمهالهم وتأخير نصرتك عليهم ) ولا تكن كصاحب الحوت ((5/375)
" صفحة رقم 376 "
يونس عليه الصلاة والسلام ) إذ نادى ( في بطن الحوت ) وهو مكظوم ( مملوء غيظا من الضجر فتبتلي ببلائه
القلم : ( 49 ) لولا أن تداركه . . . . .
) لولا أن تداركه نعمة من ربه ( يعني التوفيق للتوبة وقبولها وحسن تذكير الفعل للفصل وقرئ تداركته وتداركه أي تتداركه على حكاية الحال الماضية بمعنى لولا كان يقال فيه تتداركه ) لنبذ بالعراء ( بالأرض الخالية عن الأشجار ) وهو مذموم ( مليم مطرود عن الرحمة والكرامة وهو حال يعتمد عليها الجواب لأنها المنفية دون النبذ
القلم : ( 50 ) فاجتباه ربه فجعله . . . . .
) فاجتباه ربه ( بأن رد الوحي إليه أو استنبأه إن صح أنه لم يكن نبيا قبل هذه الواقعة ) فجعله من الصالحين ( من الكاملين في الصلاح بأن عصمه من أن يفعل ما تركه أولى وفيه دليل على خلق الأفعال والآية نزلت حين هم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يدعو على ثقيف وقيل بأحد حين حل به ما حل فأراد أن يدعو على المنهزمين
القلم : ( 51 ) وإن يكاد الذين . . . . .
) وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم ( ) إن ( هي المخففة واللام دليلها والمعنى إنهم لشدة عداوتهم ينظرون إليك شزرا بحيث يكادون يزلون قدمك أو يهلكونك من قولهم نظر إلي نظرا يكاد يصرعني أي لو أمكنه بنظره الصرع لفعله أو أنهم(5/376)
" صفحة رقم 377 "
يكادون يصيبونك بالعين إذ روي أنه كان في بني أسد عيانون فأراد بعضهم أن يعين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت وفي الحديث إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر ولعله يكون من خصائص بعض النفوس وقرأ نافع ) ليزلقونك ( من زلقته فزلق كحزنته فحزن وقرئ ليزهقونك أي ليهلكونك ) لما سمعوا الذكر ( أي القرآن أي ينبعث عند سماعه بعضهم وحسدهم ) ويقولون إنه لمجنون ( حيرة في أمره وتنفيرا عنه
القلم : ( 52 ) وما هو إلا . . . . .
) وما هو إلا ذكر للعالمين ( لما جننوه لأجل القرآن بين أنه ذكر عام لا يدركه ولا يتعاطاه إلا من كان أكمل الناس عقلا وأميزهم رأيا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة القلم أعطاه الله ثواب الذين حسن الله أخلاقهم(5/377)
" صفحة رقم 378 "
سورة الحاقة
مكية وآيها اثنتان وخمسون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحاقة : ( 1 - 2 ) الحاقة
) الحاقة ( أي الساعة أو الحالة التي يحق وقوعها أو التي تحق فيها الأمور أي نعرف حقيقتها أو تقع فيها حواق الأمور من الحساب والجزاء على الإسناد المجازي وهي مبتدأ خبرها ) ما الحاقة ( وأصله ما هي أي أي شيء هي على التعظيم لشأنها والتهويل لها فوضع الظاهر موضع الضمير لأنه أهول لها
الحاقة : ( 3 ) وما أدراك ما . . . . .
) وما أدراك ما الحاقة ( وأي شيء أعلمك ما هي أي أنك لا تعلم كنهها فإنها أعظم من أن تبلغها دراية أحد و ) ما ( مبتدأ و ) أدراك ( خبره
الحاقة : ( 4 ) كذبت ثمود وعاد . . . . .
) كذبت ثمود وعاد بالقارعة ( بالحالة التي تقرع فيها الناس بالإفزاع والأجرام بالانفطار والانتشار وإنما وضعت موضع ضمير ) الحاقة ( زيادة في وصف شدتها
الحاقة : ( 5 - 6 ) فأما ثمود فأهلكوا . . . . .
) فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية ( بالواقعة المجاوزة للحد في الشدة وهي الصيحة أو لرجفة لتكذيبهم ) بالقارعة ( أو بسبب طغيانهم بالتكذيب وغيره على أنها مصدر كالعاقبة هو لا يطابق قوله ) وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر ( أي شديدة الصوت أو البرد من الصر أو الصر ) عاتية ( شديدة العصف كأنها عتت على خزانها فلم يستطيعوا ضبطها أو على ) عاد ( فلم يقدروا على ردها
الحاقة : ( 7 ) سخرها عليهم سبع . . . . .
) سخرها عليهم ( سلطها عليهم بقدرته وهو استئناف أو صفة جيء به لنفي ما يتوهم من أنها كانت من اتصالات فلكية إذ لو كانت لكان هو المقدر لها والمسبب ) سبع ليال وثمانية أيام حسوما ((5/378)
" صفحة رقم 379 "
متتابعات جمع حاسم من حسمت الدابة إذا تابعت بين كيها أو نحسات حسمت كل خير واستأصلته أو قاطعات قطعت دابرهم ويجوز أن يكون مصدرا منتصبا على العلة بمعنى قطعا أو المصدر لفعله المقدر حالا أي تحسمهم ) حسوما ( ويؤيده القراءة بالفتح وهي كانت أيام العجوز من صبيحة أربعاء إلى غروب الأربعاء الآخر وإنما سميت عجوزا لأنها عجز الشتاء أو لأن عجوزا من عاد توارت في سرب فانتزعها الريح في الثامن فأهلكتها ) فترى القوم ( إن كنت حاضرهم ) فيها ( في مهابها أو في الليالي والأيام ) صرعى ( موتى جمع صريع ) كأنهم أعجاز نخل ( أصول نخل ) خاوية ( متأكلة الأجواف
الحاقة : ( 8 ) فهل ترى لهم . . . . .
) فهل ترى لهم من باقية ( من بقية أو نفس باقية أو بقاء
الحاقة : ( 9 ) وجاء فرعون ومن . . . . .
) وجاء فرعون ومن قبله ( ومن تقدمه وقرأ البصريان والكسائي ) ومن قبله ( أي ومن عنده من أتباعه ويدل عليه أنه قرئ ومن معه ) والمؤتفكات ( قرى قوم لوط والمراد أهلها ) بالخاطئة ( بالخطأ أو بالفعلة أو الأفعال ذات الخطأ
الحاقة : ( 10 ) فعصوا رسول ربهم . . . . .
) فعصوا رسول ربهم ( أي فعصت كل أمة رسولها ) فأخذهم أخذة رابية ( زائدة في الشدة زيادة أعمالهم في القبح
الحاقة : ( 11 ) إنا لما طغى . . . . .
) إنا لما طغى الماء ( جاوز حده المعتاد أو طغى على على خزانه وذلك في الطوفان وهو يؤيد من قبله ) حملناكم ( أي آباءكم وأنتم في أصلابهم ) في الجارية ( في سفينة نوح عليه الصلاة والسلام
الحاقة : ( 12 ) لنجعلها لكم تذكرة . . . . .
) لنجعلها لكم ( لنجعل الفعلة وهي إنجاء المؤمنين وإغراق الكافرين ) تذكرة ( عبرة ودلالة على قدرة الصانع وحكمته وكمال قهره ورحمته ) وتعيها ( وتحفظها وعن ابن كثير تعيها بسكون العين تشبيها بكتف والوعي أن تحفظ الشيء في نفسك والإيعاء أن تحفظه في غيرك ) أذن واعية ( من شأنها أن تحفظ ما يجب حفظه بتذكره وإشاعته(5/379)
" صفحة رقم 380 "
والتفكر فيه والعمل بموجبه والتنكير للدلالة على قلتها وأن من هذا شأنه مع قلته تسبب لإنجاء الجم الغفيروإدامة نسلهم وقرأ نافع أذن بالتخفيف
الحاقة : ( 13 ) فإذا نفخ في . . . . .
) فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة ( لما بالغ في تهويل القيامة وذكر مآل المكذبين بها تفخيما لشأنها وتنبيها على مكانها عاد إلى شرحها وإنما حسن إسناد الفعل إلى المصدرلتقيده وحسن تذكيره للفصل وقرىء ) نفخة ( بالنصب على إسناد الفعل إلى الجار والمجرور والمراد بها النفخة الأولى التي عندها خراب العالم
الحاقة : ( 14 ) وحملت الأرض والجبال . . . . .
) وحملت الأرض والجبال ( رفعت من أماكنها بمجرد القدرة الكاملة أو بتوسط زلزلة أو ريح عاصفة ) فدكتا دكة واحدة ( فضربت الجملتان بعضها ببعض ضربة واحدة فيصير الكل هباء أو فبسطتا بسطة واحدة فصارتا أرضا لا عوج فيها ولا أمتا لأن الدك سبب التسوية ولذلك قيل ناقة دكاء للتي لا سنام لها وأرض دكاء للمتسعة المستوية
الحاقة : ( 15 ) فيومئذ وقعت الواقعة
) فيومئذ ( فحينئذ ) وقعت الواقعة ( قامت القيامة
الحاقة : ( 16 ) وانشقت السماء فهي . . . . .
) وانشقت السماء ( لنزول الملائكة ) فهي يومئذ واهية ( ضعيفة مسترخية
الحاقة : ( 17 - 18 ) والملك على أرجائها . . . . .
) والملك ( والجنس المتعارف بالملك ) على أرجائها ( جوانبها جمع رجا بالقصر ولعله تمثيل لخراب السماء بخراب البنيان وانضواء أهلها إلى أطرافها وحواليها وإن كان على ظاهره فلعل هلاك الملائكة أثر ذلك ) ويحمل عرش ربك فوقهم ( فوق الملائكة الذين هم على الأرجاء أو فوق الثمانية لأنها في نية التقديم ) يومئذ ثمانية ((5/380)
" صفحة رقم 381 "
ثمانية أملاك لما روي مرفوعا أنهم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أمدهم الله بأربعة آخرين وقيل ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله ولعله أيضا تمثيل لعظمته بما يشاهد من أحوال السلاطين يوم خروجهم على الناس للقضاء العام وعلى هذا قال ) يومئذ تعرضون ( تشبيها للمحاسبة بعرض السلطان لتعرف أحوالهم وهذا وإن كان بعد النفخة الثانية لكن لما كان اليوم اسما لزمان متسع تقع فيه النفختان والصعقة والنشور والحساب وإدخال أهل الجنة الجنة وأهل النار النار صح ظرفا للكل ) لا تخفى منكم خافية ( سريرة على الله تعالى حتى يكون العرض للاطلاع عليها وإنما المراد منه إفشاء الحال والمبالغة في العدل أو على الناس كما قال الله تعالى ) يوم تبلى السرائر ( وقرأ حمزة والكسائي بالياء للفصل
الحاقة : ( 19 ) فأما من أوتي . . . . .
) فأما من أوتي كتابه بيمينه ( تفصيل للعرض ) فيقول ( تبجحا ) هاؤم اقرؤوا كتابيه ( هاء اسم لخذ وفيه لغات أجودها هاء يا رجل وهاء يا امرأة وهاؤما يا رجلان أو امرأتان وهاؤم يا رجال وهاؤن يا نسوة ومفعوله محذوف و ) كتابيه ( مفعول ) اقرؤوا ( لأنه أقرب العاملين ولأنه لو كان مفعول ) هاؤم ( لقيل اقرؤوه إذ الأولى اضماره حيث أمكن والهاء فيه وفي ) حسابيه ( و ) ماليه ( و ) سلطانيه ( للسكت تثبت في الوقف وتسقط في الوصل واستحب الوقف لثباتها في الإمام ولذلك قرئ بإثباتها في الوصل
الحاقة : ( 20 ) إني ظننت أني . . . . .
) إني ظننت أني ملاق حسابيه ( أي علمت ولعله عبر عنه بالظن إشعارا بأنه لا يقدح في الإعتقاد ما يهجس في النفس من الخطرات التي لا تنفك عنها العلوم النظرية غالبا(5/381)
" صفحة رقم 382 "
الحاقة : ( 21 ) فهو في عيشة . . . . .
) فهو في عيشة راضية ( ذات رضا على النسبة بالصيغة أو جعل الفعل لها مجازا وذلك لكونها صافية عن الشوائب دائمة مقرونة بالتعظيم
الحاقة : ( 22 ) في جنة عالية
) في جنة عالية ( مرتفعة المكان لأنها في السماء أو الدرجات أو الأبنية والأشجار
الحاقة : ( 23 ) قطوفها دانية
) قطوفها ( جمع قطف وهو ما يجتنى بسرعة والقطف بالفتح المصدر ) دانية ( يتناولها القاعد
الحاقة : ( 24 ) كلوا واشربوا هنيئا . . . . .
) كلوا واشربوا ( بإضمار القول وجمع الضمير للمعنى ) هنيئا ( أو هنئتم ) هنيئا ( ) بما أسلفتم ( بما قدمتم من الأعمال الصالحة ) في الأيام الخالية ( الماضية من أيام الدنيا
الحاقة : ( 25 ) وأما من أوتي . . . . .
) وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول ( لما يرى من قبح العمل وسوء العاقبة ) يا ليتني لم أوت كتابيه )
الحاقة : ( 26 - 27 ) ولم أدر ما . . . . .
) ولم أدر ما حسابيه يا ليتها ( يا ليت الموتة التي منها ) كانت القاضية ( القاطعة لأمري فلم أبعث بعدها أو يا ليت هذه الحالة كانت الموتة التي قضت علي لأنه صادفها أمر من الموت فتمناه عندها أو يا ليت حياة الدنيا كانت الموتة ولم أخلق فيها حيا
الحاقة : ( 28 ) ما أغنى عني . . . . .
) ما أغنى عني ماليه ( مالي من المال والتبع وما نفى والمفعول محذوف أو استفهام إنكار معفول لأغنى
الحاقة : ( 29 ) هلك عني سلطانيه
) هلك عني سلطانيه ( ملكي وتسلطي على الناس أو حجتي التي كنت أحتج بها في الدنيا وقرأ حمزة عني مالي عني سلطاني بحذف الهاءين في الوصل والباقون إثباتها في الحالين(5/382)
" صفحة رقم 383 "
الحاقة : ( 30 ) خذوه فغلوه
) خذوه ( يقوله الله تعالى لخزنة النار ) فغلوه )
الحاقة : ( 31 ) ثم الجحيم صلوه
) ثم الجحيم صلوه ( ثم لا تصلوه إلا الجحيم وهي النار العظمى لأنه كان يتعظم على الناس
الحاقة : ( 32 ) ثم في سلسلة . . . . .
) ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا ( أي طويلة ) فاسلكوه ( فأدخلوه فيها بأن تلقوها على جسده وهو فيما بينها مرهق لا يقدر على حركة وتقديم ال ) سلسلة ( كتقديم ) الجحيم ( للدلالة على التخصيص والاهتمام بذكر أنواع ما يعذب به و ) ثم ( لتفاوت ما بينها في الشدة
الحاقة : ( 33 ) إنه كان لا . . . . .
) إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ( تعليل على طريقة الاستئناف للمبالغة وذكر ) العظيم ( للإشعار بأنه هو المستحق للعظمة فمن تعظم فيها استوجب ذلك
الحاقة : ( 34 ) ولا يحض على . . . . .
) ولا يحض على طعام المسكين ( ولا يحث على بذل طعامه أو على إطعامه فضلا عن أن يبذل من ماله ويجوز أن يكون ذكر الحض للإشعار بأن تارك الحض بهذه المنزلة فكيف بتارك الفعل وفيه دليل على تكليف الكفار بالفروع ولعل تخصيص الأمرين بالذكر لأن أقبح العقائد الكفر بالله تعالى وأشنع الرذائل البخل وقسوة القلب
الحاقة : ( 35 ) فليس له اليوم . . . . .
) فليس له اليوم ها هنا حميم ( قريب يحميه
الحاقة : ( 36 ) ولا طعام إلا . . . . .
) ولا طعام إلا من غسلين ( غسالة أهل النار وصديدهم فعلين من الغسل
الحاقة : ( 37 ) لا يأكله إلا . . . . .
) لا يأكله إلا الخاطئون ( أصحاب الخطايا من خطئ الرجل إذا تعمد الذنب لا من الخطأ المضاد للصواب وقرىء الخاطيون بقلب الهمزة ياء والخاطون بطرحها
الحاقة : ( 38 - 39 ) فلا أقسم بما . . . . .
) فلا أقسم ( لظهور الأمر واستغنائه عن التحقيق بالقسم أو ف ) أقسم ( و ) لا ( مزيدة أو فلا رد لإنكارهم البعث و ) أقسم ( مستأنف ) بما تبصرون وما لا تبصرون ( بالمشاهدات والمغيبات وذلك يتناول الخالق والمخلوقات بأسرها(5/383)
" صفحة رقم 384 "
الحاقة : ( 40 ) إنه لقول رسول . . . . .
) أنه ( إن القرآن ) لقول رسول ( يبلغه عن الله تعالى فإن الرسول لا يقول عن نفسه ) كريم ( على الله تعالى وهو محمد أو جبريل عليهما الصلاة والسلام
الحاقة : ( 41 ) وما هو بقول . . . . .
) وما هو بقول شاعر ( كما تزعمون تارة ) قليلا ما تؤمنون ( تصدقون لما ظهر لكم صدقه تصديقا قليلا لفرط عنادكم
الحاقة : ( 42 ) ولا بقول كاهن . . . . .
) ولا بقول كاهن ( كما تدعون أخرى ) قليلا ما تذكرون ( تذكرون تذكرا قليلا فلذلك يلتبس الأمر عليكم وذكر الإيمان مع نفي الشاعرية وللتذكر مع نفي الكاهنية لأن عدم مشابهة القرآن للشعر أمر بين لا ينكره إلا معاند بخلاف مباينته للكهانة فإنها تتوقف على تذكر أحوال الرسول ومعاني القرآن المنافية لطريقة الكهنة ومعاني أقوالهم وقرأ ابن كثير ويعقوب بالياء فيهما
الحاقة : ( 43 ) تنزيل من رب . . . . .
) تنزيل ( هو تنزيل ) من رب العالمين ( نزله على لسان جبريل عليه السلام
الحاقة : ( 44 ) ولو تقول علينا . . . . .
) ولو تقول علينا بعض الأقاويل ( سمي الافتراء تقولا لأنه قول متكلف والأقوال المفتراة أقاويل تحقيرا لها كأنه جمع أفعولة من القول كالأضاحيك
الحاقة : ( 45 ) لأخذنا منه باليمين
) لأخذنا منه باليمين ( بيمينه
الحاقة : ( 46 ) ثم لقطعنا منه . . . . .
) ثم لقطعنا منه الوتين ( أي نياط قلبه بضرب عنقه وهو تصوير لإهلاكه بأفظع ما يفعله الملوك بمن يغضبون عليه وهو أن يأخذ المقتول بيمينه ويكفحه بالسيف ويضرب به جيده وقيل اليمين بمعنى القوة
الحاقة : ( 47 ) فما منكم من . . . . .
) فما منكم من أحد عنه ( عن القتل أو المقتول ) حاجزين ( دافعين وصف لأحد فإنه عام والخطاب للناس و
الحاقة : ( 48 ) وإنه لتذكرة للمتقين
) وإنه ( وإن القرآن ) لتذكرة للمتقين ( لأنهم المنتفعون به(5/384)
" صفحة رقم 385 "
الحاقة : ( 49 ) وإنا لنعلم أن . . . . .
) وإنا لنعلم أن منكم مكذبين ( فنجازيهم على تكذيبهم
الحاقة : ( 50 ) وإنه لحسرة على . . . . .
) وإنه لحسرة على الكافرين ( إذا رأوا ثواب المؤمنين به
الحاقة : ( 51 ) وإنه لحق اليقين
) وإنه لحق اليقين ( لليقين الذي لا ريب فيه
الحاقة : ( 52 ) فسبح باسم ربك . . . . .
) فسبح باسم ربك العظيم ( فسبح الله بذكر اسمه العظيم تنزيها له عن الرضا بالتقول عليه وشكرا على ما أوحى إليك عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الحاقة حاسبه الله تعالى حسابا يسيرا(5/385)
" صفحة رقم 386 "
سورة المعارج
مكية وآيها أربع وأربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
المعارج : ( 1 ) سأل سائل بعذاب . . . . .
) سأل سائل بعذاب واقع ( أي دعا داع به بمعنى استدعاه ولذلك عدي الفعل بالباء والسائل هو النضر بن الحارث فإنه قال ) إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ( الآية أو أبو جهل فإنه قال ) فأسقط علينا كسفا من السماء ( سأله استهزاء أو الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) استعجل بعذابهم وقرأ نافع وابن عامر سال وهو إما من السؤال على لغة قريش قال " سالت هذيل رسول الله فاحشة ضلت هذيل بما سالت ولم تصب " أو من السيلان ويؤيده أنه قرىء سال سيل على أن السيل مصدر بمعنى السائل كالغور والمعنى سال واد بعذاب ومضى الفعل لتحقق وقوعه إما في الدنيا وهو قتل بدر أو في الآخرة وهو عذاب النار
المعارج : ( 2 ) للكافرين ليس له . . . . .
) للكافرين ( صفة أخرى لعذاب أو صلة ل ) واقع ( وإن صح أن السؤال كان عمن يقع به العذاب كان جوابا والباء على هذا لتضمن ) سأل ( معنى اهتم ) ليس له دافع ( يرده
المعارج : ( 3 ) من الله ذي . . . . .
) من الله ( من جهته لتعلق إرادته ) ذي المعارج ( ذي المصاعد وهي الدرجات التي(5/386)
" صفحة رقم 387 "
يصعد فيها الكلم الطيب العمل الصالح أو يترقى فيها المؤمنون في سلوكهم أو في دار ثوابهم أو مراتب الملائكة أو في السموات فإن الملائكة يعرجون فيها
المعارج : ( 4 ) تعرج الملائكة والروح . . . . .
) تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ( استئناف لبيان - ارتفاع تلك المعارج وبعد مداها على التمثيل والتخيل والمعنى أنها بحيث لو قدر قطعها في زمان لكان في زمان يقدر بخمسين ألف سنة من سني الدنيا وقيل تعرج الملائكة والروح إلى عرشه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة من حيث أنهم يقطعون فيه ما يقطع الإنسان فيها لو فرض لا أن ما بين أسفل العالم وأعلى شرفات العرش مسيرة خمسين ألف سنة لأن ما بين مركز الأرض ومقعر السماء الدنيا على ما قيل مسيرة خمسمائة عام وثخن كل واحدة من السموات السبع والكرسي والعرش كذلك وحيث قال ) في يوم كان مقداره ألف سنة ( يريد زمان عروجهم من الأرض إلى محدب السماء الدنيا وقيل ) في يوم ( متعلق ب ) واقع ( أو ) سأل ( إذا جعل من السيلان و المراد به يوم القيامة واستطالته إما لشدته على الكفار أو لكثرة ما فيه من الحالات والمحاسبات أو لأنه على الحقيقة كذلك والروح جبريل عليه السلام وإفراده لفضله أو خلق أعظم من الملائكة
المعارج : ( 5 ) فاصبر صبرا جميلا
) فاصبر صبرا جميلا ( لا يشوبه استعجال واضطراب قلب وهو متعلق ب ) سأل ( لأن السؤال كان عن استهزاء أوتعنت وذلك مما يضجره أو عن تضجر واستبطاء للنصر أو ب ) سأل ( لأن المعنى قرب عن وقوع العذاب ) فاصبر ( فقد شارفت الانتقام
المعارج : ( 6 ) إنهم يرونه بعيدا
) إنهم يرونه ( الضمير للعذاب أو يوم القيامة ) بعيدا ( من الإمكان(5/387)
" صفحة رقم 388 "
المعارج : ( 7 ) ونراه قريبا
) ونراه قريبا ( منه أو من الوقوع
المعارج : ( 8 ) يوم تكون السماء . . . . .
) يوم تكون السماء كالمهل ( ظرف ل ) قريبا ( أي يمكن ) يوم تكون ( أو لمضمر دل عليه ) واقع ( أو بدل من ) في يوم ( إن علق به والمهل المذاب في مهل كالفلزات أو دردي الزيت
المعارج : ( 9 ) وتكون الجبال كالعهن
) وتكون الجبال كالعهن ( كالصوف المصبوغ ألوانا لأن الجبال مختلفة الألوان فإذا بست وطيرت في الجو أشبهت العهن المنفوش إذا طيرته الريح
المعارج : ( 10 ) ولا يسأل حميم . . . . .
) ولا يسأل حميم حميما ( ولا يسأل قريب قريبا عن حاله وعن ابن كثير ولا يسأل على بناء المفعول أي لا يطلب من حميم حميم أو لا يسأل منه حاله
المعارج : ( 11 - 12 ) يبصرونهم يود المجرم . . . . .
) يبصرونهم ( استئناف أو حال تدل على أن المانع من هذا السؤال هو التشاغل دون الخفاء أو ما يغني عنه من مشاهدة الحال كبياض الوجه وسواده وجمع الضميرين لعموم الحميم ) يود المجرم ( ) لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه ( حال من أحد الضميرين أو استئناف يدل على أن اشتغال كل مجرم بنفسه بحيث يتمنى أن يفتدي بأقرب الناس إليه وأعقلهم بقلبه فضلا أن يهتم بحاله ويسأل عنها وقرأ نافع والكسائي بفتح ميم ) يومئذ ( وقرىء بتنوين عذاب ونصب يومئذ به لأنه بمعنى تعذيب
المعارج : ( 13 ) وفصيلته التي تؤويه
) وفصيلته ( وعشيرته الذين فصل عنهم ) التي تؤويه ( تضمه في النسب أو عند الشدائد
المعارج : ( 14 ) ومن في الأرض . . . . .
) ومن في الأرض جميعا ( من الثقلين أو الخلائق ) ثم ينجيه ( عطف على ) يفتدي ( أي ثم ينجيه الافتداء و ) ثم ( للاستبعاد
المعارج : ( 15 - 16 ) كلا إنها لظى
) كلا ( ردع للمجرم عن الودادة ودلالة على أن الافتداء لا ينجيه ) إنها ( الضمير للنار أو مبهم يفسره ) لظى ( وهو خبر أو بدل أو للقصة و ) لظى ( مبتدأ خبره(5/388)
" صفحة رقم 389 "
) نزاعة للشوى ( وهو اللهب الخالص وقيل علم للنار منقول من اللظى بمعنى اللهب وقرأ حفص عن عاصم ) نزاعة ( بالنصب على الاختصاص أو الحال المؤكدة أو المتنقلة على أن ) لظى ( بمعنى متلظية والشوى والأطراف أو جمع شواة وهي جلدة الرأس
المعارج : ( 17 ) تدعو من أدبر . . . . .
) تدعو ( تجذب وتحضر كقول ذي الرمة " تدعو أنفه الريب " مجاز عن جذبها وإحضارها لمن فر عنها تدعو زبانيها وقيل تدعو تهلك من قولهم دعاه الله إذا أهلكه ) من أدبر ( عن الحق ) وتولى ( عن الطاعة
المعارج : ( 18 ) وجمع فأوعى
) وجمع فأوعى ( وجمع المال فجعله في وعاء وكنزه حرصا وتأميلا
المعارج : ( 19 ) إن الإنسان خلق . . . . .
) إن الإنسان خلق هلوعا ( شديد الحرص قليل الصبر
المعارج : ( 20 ) إذا مسه الشر . . . . .
) إذا مسه الشر ( الضر ) جزوعا ( يكثر الجزع
المعارج : ( 21 ) وإذا مسه الخير . . . . .
) وإذا مسه الخير ( السعة ) منوعا ( يبالغ بالإمساك والأوصاف الثلاثة أحوال مقدرة أو محققة لأنها طبائع جبل الإنسان عليها و ) إذا ( الأولى ظرف ل ) جزوعا ( والأخرى ل ) منوعا )
المعارج : ( 22 ) إلا المصلين
) إلا المصلين ( استثناء للموصوفين بالصفات المذكورة بعد من المطبوعين على الأحوال المذكورة قبل لمضادة تلك الصفات لها من حيث إنها دالة على الاستغراق في طاعة الحق والإشفاق على الخلق والإيمان بالجزاء والخوف من العقوبة وكسر الشهوة وإيثارالآجل على العاجل وتلك ناشئة من الانهماك في حب العاجل وقصور النظر عليها
المعارج : ( 23 ) الذين هم على . . . . .
) الذين هم على صلاتهم دائمون ( لا يشغلهم عنها شاغل
المعارج : ( 24 ) والذين في أموالهم . . . . .
) والذين في أموالهم حق معلوم ( كالزكوات والصدقات الموظفة
المعارج : ( 25 ) للسائل والمحروم
) للسائل ( الذي يسأل ) والمحروم ( الذي لا يسأل فيحسب نفسه غنيا فيحرم(5/389)
" صفحة رقم 390 "
المعارج : ( 26 ) والذين يصدقون بيوم . . . . .
) والذين يصدقون بيوم الدين ( تصديقا بأعمالهم وهو أن يتعب نفسه ويصرف ماله طمعا في المثوبة الأخروية ولذلك ذكر ) الدين )
المعارج : ( 27 ) والذين هم من . . . . .
) والذين هم من عذاب ربهم مشفقون ( خائفون على أنفسهم
المعارج : ( 28 ) إن عذاب ربهم . . . . .
) إن عذاب ربهم غير مأمون ( اعتراض يدل على أنه لا ينبغي لأحد يأمن عذاب الله وإن بالغ في طاعته
المعارج : ( 29 - 31 ) والذين هم لفروجهم . . . . .
) والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ( سبق تفسيره في سورة المؤمنين
المعارج : ( 32 ) والذين هم لأماناتهم . . . . .
) والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ( حافظون وقرأ ابن كثير / لأمانتهم / يعني لا يخونون ولا ينكرون ولا يخفون ما علموه من حقوق الله وحقوق العباد
المعارج : ( 33 ) والذين هم بشهاداتهم . . . . .
) والذين هم بشهاداتهم قائمون ( وقرأ يعقوب وحفص بشهاداتهم لاختلاف الأنواع
المعارج : ( 34 ) والذين هم على . . . . .
) والذين هم على صلاتهم يحافظون ( فيراعون شرائطها ويكملون فرائضها وسننها وتكرير ذكر الصلاة ووصفهم بها أولا وآخرا باعتبارين للدلالة على فضلها وإنافتهما على غيرها وفي نظم هذه الصلاة مبالغات لا تخفى
المعارج : ( 35 ) أولئك في جنات . . . . .
) أولئك في جنات مكرمون ( بثواب الله تعالى
المعارج : ( 36 ) فمال الذين كفروا . . . . .
) فمال الذين كفروا قبلك ( حولك ) مهطعين ( مسرعين
المعارج : ( 37 ) عن اليمين وعن . . . . .
) عن اليمين وعن الشمال عزين ( فرقا شتى جمع عزة وأصلها عزوة من العزو وكأن كل فرقة تعتزي إلى غير من تعتزي إليه الأخرى وكان المشركون يحتفون حول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حلقة ويستهزئون بكلامه(5/390)
" صفحة رقم 391 "
المعارج : ( 38 ) أيطمع كل امرئ . . . . .
) أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم ( بلا إيمان وهو إنكار لقولهم لو صح ما يقوله لنكون فيها أفضل حظا منهم كما في الدنيا
المعارج : ( 39 ) كلا إنا خلقناهم . . . . .
) كلا ( ردع لهم عن هذا الطمع ) إنا خلقناهم مما يعلمون ( تعليل له والمعنى أنهم مخلقون من نطفة مذرة لا تناسب عالم القدس فمن لم يستكمل بالإيمان والطاعة ولم يتخلق بالأخلاق الملكية لم يستعد لدخولها أو إنكم مخلوقون من أجل ما تعلمون وهو تكميل النفس بالعلم والعمل فمن لم يستكملها لم يتبوأ في منازل الكاملين أو الاستدلال بالنشأة الأولى على إمكان النشأة الثانية التي بنوا الطمع على فرضها فرضا مستحيلا عندهم بعد ردعهم عنه
المعارج : ( 40 - 41 ) فلا أقسم برب . . . . .
) فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم ( أي نهلكهم ونأتي بخلق أمثل منهم أو نعطي محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) بدلكم من هو خير منكم وهو الأنصار ) وما نحن بمسبوقين ( بمغلوبين إن أردنا ذلك
المعارج : ( 42 ) فذرهم يخوضوا ويلعبوا . . . . .
) فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ( مر في أخر سورة الطور
المعارج : ( 43 ) يوم يخرجون من . . . . .
) يوم يخرجون من الأجداث سراعا ( مسرعين جمع سريع ) كأنهم إلى نصب ( منصوب للعبادة أو علم ) يوفضون ( يسرعون وقرأ ابن عامر وحفص ) إلى نصب ( بضم النون والصاد والباقون من السبعة نصب بفتح النون وسكون الصاد وقرىء بالضم على أنه تخفيف ) نصب ( أو جمع
المعارج : ( 44 ) خاشعة أبصارهم ترهقهم . . . . .
) خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ( مر تفسيره ) ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون ( في الدنيا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة ) سأل سائل ( أعطاه الله ثواب الذين هم ) لأماناتهم وعهدهم راعون ((5/391)
" صفحة رقم 392 "
سورة نوح عليه السلام
مكية وآيها تسع أو ثمان وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
نوح : ( 1 ) إنا أرسلنا نوحا . . . . .
) إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر ( أي بأن أنذر أي بالأنذار أو بأن قلنا له ) أنذر ( ويجوز أن تكون مفسرة لتضمن الإرسال معنى القول وقرىء بغير ) إن ( على إرادة القول ) قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم ( عذاب الآخرة أو الطوفان
نوح : ( 2 - 3 ) قال يا قوم . . . . .
) قال يا قوم إني لكم نذير مبين أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون ( مر في الشعراء نظيره وفي ) إن ( يحتمل الوجهان
نوح : ( 4 ) يغفر لكم من . . . . .
) يغفر لكم من ذنوبكم ( يغفر لكم بعض ذنوبكم وهو ما سبق فإن الإسلام يجبه فلا يؤاخذكم به في الآخرة ) ويؤخركم إلى أجل مسمى ( هو أقصى ما قدر لكم بشرط الإيمان والطاعة ) إن أجل الله ( إن الأجل الذي قدره ) إذا جاء ( على الوجه المقدر به آجلا وقيل إذا جاء الأجل الأطول ) لا يؤخر ( فبادروا في أوقات الإمهال والتأخير ) لو كنتم تعلمون ( لو كنتم من أهل العلم والنظر لعلمتم ذلك وفيه أنهم لانهماكهم في حب الحياة كأنهم شاكون في الموت
نوح : ( 5 ) قال رب إني . . . . .
) قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا ( أي دائما
نوح : ( 6 ) فلم يزدهم دعائي . . . . .
) فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ( عن الإيمان والطاعة وإسناد الزيادة إلى الدعاء على السببية كقوله ) فزادتهم إيمانا ((5/392)
" صفحة رقم 393 "
نوح : ( 7 ) وإني كلما دعوتهم . . . . .
) وإني كلما دعوتهم ( إلى الإيمان اتغفر لهم بسببه ) جعلوا أصابعهم في آذانهم ( سدوا مسامعهم عن استماع الدعوة ) واستغشوا ثيابهم ( تغطوا بها لئلا يروني كراهة النظر إلي من فرط كراهة دعوتي أو لئلا أعرفهم فأدعوهم والتعبير بصيغة الطلب للمبالغة ) وأصروا ( وأكبوا على الكفر والمعاصي مستعار من أصر الحمار على العانة إذا صر أذنيه وأقبل عليها ) واستكبروا ( عن اتباعي ) استكبارا ( عظيما
نوح : ( 8 - 9 ) ثم إني دعوتهم . . . . .
) ثم إني دعوتهم جهارا ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا ( أي دعوتهم مرة بعد أخرى وكرة بعد أولى على أي وجه أمكنني و ) ثم ( لتفاوت الوجوه فإن الجهار أغلظ من الإسرار والجمع بينهما أغلظ من الإفراد لتراخي بعضها عن بعض و ) جهارا ( نصب على المصدر لأنه أحد نوعي الدعاء أو صفة مصدر محذوف بمعنى دعاء ) جهارا ( أي مجاهرا به أو الحال فيكون بمعنى مجاهرا
نوح : ( 10 - 12 ) فقلت استغفروا ربكم . . . . .
) فقلت استغفروا ربكم ( بالتوبة عن الكفر ) إنه كان غفارا ( للتائبين وكأنهم لما أمرهم بالعبادة قالوا إن كنا على حق فلا نتركه وإن كنا على باطل فكيف يقبلنا ويلطف بنا من عصيناه فأمرهم بما يجب معاصيهم ويجلب إليهم المنح ولذلك وعدهم عليه ما هو أوقع في قلبهم وقيل لما طالت دعوتهم وتمادى إصرارهم حبس الله عنهم القطر أربعين سنة وأعقم أرحام نسائهم فوعدهم بذلك على الاستغفار عما كانوا عليه بقوله ) يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ( ولذلك شرع الاستغفار في الاستسقاء و ) السماء ( تحتمل المظلة والسحاب والمدرار كثير الدرور ويستوي في هذا البناء المذكر والمؤنث والمراد بال ) جنات ( البساتين
نوح : ( 13 ) ما لكم لا . . . . .
) ما لكم لا ترجون لله وقارا ( لا تأملون له توقيرا أي تعظيما لمن عبده وأطاعه(5/393)
" صفحة رقم 394 "
فتكونوا على حال تأملون فيها تعظيمها إياكم و ) لله ( بيان للموقر ولو تأخر لكان صلة ل ) وقارا ( أو لا تعتقدون له عظمة فتخافوا عصيانة وإنما عبر عن الإعتقاد بالرجاء التابع لأدنى الظن مبالغة
نوح : ( 14 ) وقد خلقكم أطوارا
) وقد خلقكم أطوارا ( حال مقررة للإنكار من حيث إنها موجبة للرجاء فإنه خلقهم ) أطوارا ( أي تارات إذ خلقهم أولا عناصر ثم مركبات تغذي الإنسان ثم أخلاطا ثم نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما ولحوما ثم أنشأهم خلقا آخر فإنه يدل على أنه يمكن أن يعيدهم تارة أخرى فيعظمهم بالثواب وعلى أنه تعالى عظيم القدرة تام الحكمة ثم أتبع ذلك ما يؤيده من آيات الآفاق فقال
نوح : ( 15 - 16 ) ألم تروا كيف . . . . .
) ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا ( أي في السموات وهو في السماء الدنيا وإنما نسب إليهن من الملابسة ) وجعل الشمس سراجا ( مثلها به لأنها تزيل ظلمة الليل عن وجه الأرض كما يزيلها السراج عما حوله
نوح : ( 17 ) والله أنبتكم من . . . . .
) والله أنبتكم من الأرض نباتا ( أنشأكم منها فاستعير الإنبات للإنشاء لأنه أدل على الحدوث والتكون من الأرض وأصله ) أنبتكم من الأرض ( إنباتا فنبتم نباتا فاختصره اكتفاء بالدلالة الالتزامية
نوح : ( 18 ) ثم يعيدكم فيها . . . . .
) ثم يعيدكم فيها ( مقبورين ) ويخرجكم إخراجا ( بالحشر وأكده بالمصدر كما أكد به الأول دلالة على أن الإعادة محققة كالإ بداء وأنها تكون لا محالة
نوح : ( 19 ) والله جعل لكم . . . . .
) والله جعل لكم الأرض بساطا ( تتقلبون عليها
نوح : ( 20 ) لتسلكوا منها سبلا . . . . .
) لتسلكوا منها سبلا فجاجا ( واسعة جمع فج ومن لتضمن الفعل معنى الاتخاذ
نوح : ( 21 ) قال نوح رب . . . . .
) قال نوح رب إنهم عصوني ( فيما أمرتهم به ) واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ( واتبعوا رؤساءهم البطرين بأموالهم المغترين بأولادهم بحيث صار ذلك سببا(5/394)
" صفحة رقم 395 "
لزيادة خسارهم في الآخرة وفيه أنهم إنما اتبعوهم لوجاهة حصلت لهم بالأموال والأولاد وأدت بهم إلى الخسار وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي والبصريان وولده ة بالضم والسكون على أنه لغة كالحزن والحزن أو جمع كالأسد
نوح : ( 22 ) ومكروا مكرا كبارا
) ومكروا ( عطف على ) لم يزده ( والضمير لمن وجمعه للمعنى ) مكرا كبارا ( كبيرا في الغاية فإنه أبلغ من كبار وهو من كبير وذلك احتيالهم في الدين وتحريش الناس على أذى نوح عليه السلام
نوح : ( 23 ) وقالوا لا تذرن . . . . .
) وقالوا لا تذرن آلهتكم ( أي عبادتها ) ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا ( ) ولا تذرن ( هؤلاء خصوصا قيل هي أسماء رجال صالحين كانوا بين آدم ونوح فلما ماتوا صوروا تبركا بهم فلما طال الزمان عبدوا وقد انتقلت إلى العرب فكان ود لكلب وسواع لهمدان ويغوث لمذحج ويعوق لمراد ونسر لحمير وقرأ نافع ودا بالضم وقرىء يغوثا ويعوقا للتناسب ومنع صرفهما للعلمية والعجمة
نوح : ( 24 ) وقد أضلوا كثيرا . . . . .
) وقد أضلوا كثيرا ( الضمير للرؤساء أو للأصنام كقوله ) إنهن أضللن كثيرا ( ) ولا تزد الظالمين إلا ضلالا ( عطف على ) رب إنهم عصوني ( ولعل المطلوب هو الضلال في ترويج مكرهم ومصالح دنياهم لا في أمر دينهم أو الضياع والهلاك كقوله ) إن المجرمين في ضلال وسعر )
نوح : ( 25 ) مما خطيئاتهم أغرقوا . . . . .
) مما خطيئاتهم ( من أجل خطيئاتهم وما مزيدة للتأكيد والتفخيم وقرأ أبو(5/395)
" صفحة رقم 396 "
عمرو مما خطاياهم ) أغرقوا ( بالطوفان ) فأدخلوا نارا ( المراد عذاب القبر أو عذاب الآخرة والتعقيب لعدم الاعتداد بما بين الإغراق والإدخال أو لأن المسبب كالمتعقب للسبب وإن تراخى عنه لفقد شرط أو وجود مانع وتنكير النار للتعظيم أو لأن المراد نوع من النيران ) فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا ( تعريض لهم باتخاذ آلهة من دون الله لا تقدر على نصرهم
نوح : ( 26 ) وقال نوح رب . . . . .
) وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ( أي أحدا وهو مما يستعمل في النفي العام فيعال من الدار أو الدور وأصله ديوار ففعل به ما بأصل سيد الأفعال وإلا لكان دوارا
نوح : ( 27 ) إنك إن تذرهم . . . . .
) إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ( قال ذلك لما جربهم واستقرى أحوالهم ألف سنة إلا خمسين عاما فعرف شيمهم وطباعهم
نوح : ( 28 ) رب اغفر لي . . . . .
) رب اغفر لي ولوالدي ( لملك بن متوشلخ وشمخا بنت أنوش وكانا مؤمنين ) ولمن دخل بيتي ( منزلي أو مسجدي أو سفينتي ) مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ( إلى يوم القيامة ) ولا تزد الظالمين إلا تبارا ( هلاكا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة نوح كان من المؤمنين الذين تدركهم دعوة نوح(5/396)
" صفحة رقم 397 "
سورة الجن
مكية وآيها ثمان وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الجن : ( 1 ) قل أوحي إلي . . . . .
) قل أوحي إلي ( وقرىء أحي وأصله وحى من وحى إليه فقلبت الواو همزة لضمتها ووحى على الأصل وفاعله ) أنه استمع نفر من الجن ( والنفر ما بين الثلاثة إلى العشرة و ) الجن ( أجسام عاقلة خفية يغلب عليهم النارية أو الهوائية وقيل نوع من الأرواح المجردة وقيل نفوس بشرية مفارقة عن أبدانها وفيه دلالة على أنه عليه الصلاة والسلام ما رآهم ولم يقرأ عليهم وإنما اتفق حضورهم في بعض أوقات قراءته فسمعوها فأخبر الله به رسوله ) فقالوا ( لما رجعوا إلى قومهم ) إنا سمعنا قرآنا ( كتابا ) عجبا ( بديعا مباينا لكلام الناس في حسن نظمه ودقة معناه وهو مصدر وصف به للمبالغة
الجن : ( 2 ) يهدي إلى الرشد . . . . .
) يهدي إلى الرشد ( إلى الحق والصواب ) فآمنا به ( بالقرآن ) ولن نشرك بربنا أحدا ( على ما نطقت به الدلائل القاطعة على التوحيد
الجن : ( 3 ) وأنه تعالى جد . . . . .
) وأنه تعالى جد ربنا ( قرأه ابن كثير والبصريان بالكسر على أنه من جملة المحكي بعد القول وكذا ما بعده إلا قوله ) وأن لو استقاموا ( ) وأن المساجد ( ) وأنه لما قام ( فإنها من جملة الموحى به ووافقهم نافع وأبو بكر إلا في قوله ) وأنه لما قام ((5/397)
" صفحة رقم 398 "
على أنه استئناف أو مقول وفتح الباقون الكل إلا ما صدر بالفاء على أن ما كان من قولهم فمعطوف على محل الجار والمجرور في ) به ( كأنه قيل صدقنا ) وأنه تعالى جد ربنا ( أي عظمته من جد فلان في عيني إذا عظم أو سلطانه أو غناه مستعار من الجد الذي هو البخت والمعنى وصفه بالتعالي عن الصاحبة والولد لعظمته أو لسلطانه أو لغناه وقوله ) ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ( بيان لذلك وقرىء جدا على التمييز ) جد ربنا ( بالكسر أي صدق ربوبيته كأنهم سمعوا من القرآن ما نبههم على خطأ ما اعتقدوه من الشرك واتخاذ الصاحبة والولد
الجن : ( 4 ) وأنه كان يقول . . . . .
) وأنه كان يقول سفيهنا ( إبليس أو مردة الجن ) على الله شططا ( قولا ذا شطط وهو البعد ومجاوزة الحد أو هو شطط لفرط ما أشط فيه وهو نسبة الصاحبة والولد إلى الله
الجن : ( 5 ) وأنا ظننا أن . . . . .
) وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا ( اعتذار عن اتباعهم السفيه في ذلك بظنهم أن أحدا لا يكذب على الله و ) كذبا ( نصب على المصدر لأنه نوع من القول أو الوصف المحذوف أي قولا مكذوبا فيه ومن قرأ إن لن تقول كيعقوب جعله مصدرا لأن التقول لا يكون إلا ) كذبا )
الجن : ( 6 ) وأنه كان رجال . . . . .
) وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ( فإن الرجل كان إذا أمسى بقفر قال أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه ) فزادوهم ( فزادوا الجن باستعاذنهم بهم ) رهقا ( كبرا وعتوا أو فزاد الجن والإنس غيا بأن أصلوهم حتى استعاذوا بهم والرهق في الأصل غشيان الشيء
الجن : ( 7 ) وأنهم ظنوا كما . . . . .
) وأنهم ( وأن الإنس ) ظنوا كما ظننتم ( أيها الجن أو بالعكس والآيتان من كلام الجن بعضهم أو استئناف كلام من الله تعالى ومن فتح ) إن ( فيهما جعلهما من الموحى به ) أن لن يبعث الله أحدا ( ساد مسد مفعولي ) ظنوا )
الجن : ( 8 ) وأنا لمسنا السماء . . . . .
) وأنا لمسنا السماء ( طلبنا بلوغ السماء أو خبرها واللمس مستعار من المس للطلب كالجس يقال ألمسه والتمسه وتلمسه كطلبه واطلبه وتطلبه ) فوجدناها ملئت ((5/398)
" صفحة رقم 399 "
حرسا حراسا اسم جمع كالخدم ) شديدا ( قويا وهم الملائكة الذين يمنعونهم عنها ) وشهبا ( جمع شهاب وهو المضيء المتولد من النار
الجن : ( 9 ) وأنا كنا نقعد . . . . .
) وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع ( مقاعد خالية عن الحرس والشهب أو صالحة للترصد والاستماع و ) للسمع ( صلة ل ) نقعد ( أو صفة ل ) مقاعد ( ) فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا ( أي شهابا راصدا له ولأجله يمنعه عن الاستماع بالرجم أو ذوي شهاب راصدين على أنه اسم جمع للراصد وقد مر بيان ذلك في الصافات
الجن : ( 10 ) وأنا لا ندري . . . . .
) وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض ( بحراسة السماء ) أم أراد بهم ربهم رشدا ( خيرا
الجن : ( 11 ) وأنا منا الصالحون . . . . .
) وأنا منا الصالحون ( المؤمنون الأبرار ) ومنا دون ذلك ( أي قوم دون ذلك فحذف الموصوف وهم المقتصدون ) كنا طرائق ( ذوي طرائق أي مذاهب أو مثل طرائق في اختلاف الأحوال أو كانت طرائقنا طرائق ) قددا ( متفرقة مختلفة جمع قدة من قد إذا قطع
الجن : ( 12 ) وأنا ظننا أن . . . . .
) وأنا ظننا ( علمنا ) أن لن نعجز الله في الأرض ( كائنين في الأرض أينما كنا فيها ) ولن نعجزه هربا ( هاربين منها إلى السماء أو لن نعجزه في الأرض إن أراد بنا أمرا ولن نعجزه هربا إلى طلبنا
الجن : ( 13 ) وأنا لما سمعنا . . . . .
) وأنا لما سمعنا الهدى ( أي القرآن ) آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف ( فهو لا يخاف وقرىء فلا يخف والأول أدل على تحقيق نجاة المؤمنين واختصاصها بهم ) بخسا ولا رهقا ( نقصا في الجزاء ولا أن يرهقه ذلة أو جزاء بخس لأنه لم يبخس لأحد حقا ولم يرهق ظلما لأن من حق المؤمن بالقرآن أن يجتنب ذلك
الجن : ( 14 ) وأنا منا المسلمون . . . . .
) وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون ( الجائرون عن طريق الحق وهو الإيمان والطاعة ) فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا ( توخوا رشدا عظيما يبلغهم إلى دار الثواب
الجن : ( 15 ) وأما القاسطون فكانوا . . . . .
) وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ( توقد بهم كما توقد بكفار الإنس
الجن : ( 16 ) وأن لو استقاموا . . . . .
) وأن لو استقاموا ( أي أن الشأن لو استقام الجن أو الإنس أو كلاهما ) على الطريقة ((5/399)
" صفحة رقم 400 "
أي على الطريقة المثلى ) لأسقيناهم ماء غدقا ( لوسعنا عليهم الرزق وتخصيص الماء الغدق وهو الكثير بالذكر لأنه أصل المعاش والسعة ولعزة وجوده بين العرب
الجن : ( 17 ) لنفتنهم فيه ومن . . . . .
) لنفتنهم فيه ( لنختبرهم كيف يشكرونه وقيل معناه أن لو استقام الجن على طريقتهم القديمة ولم يسلموا باستماع القرآن لوسعنا عليهم الرزق مستدرجين لهم لنوقعهم في الفتنة ونعذبهم في كفرانهم ) ومن يعرض عن ذكر ربه ( عن عبادته أو موعظته أو وحيه ) يسلكه ( يدخله وقرأ غير الكوفيين بالنون ) عذابا صعدا ( شاقا يعلو المعذب ويغلبه مصدر وصف به
الجن : ( 18 ) وأن المساجد لله . . . . .
) وأن المساجد لله ( مختصة به ) فلا تدعوا مع الله أحدا ( فلا تعبدوا فيها غيره ومن جعل ) إن ( مقدرة باللام علة للنهي ألغى فائدة الفاء وقيل المراد ب ) المساجد ( الأرض كلها لأنها جعلت للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) مسجدا وقيل المسجد الحرام لأنه قيل المساجد ومواضع السجود على أن المراد النهي عن السجود لغير الله وأرابه السبعة أو السجدات على أنه جمع مسجد
الجن : ( 19 ) وأنه لما قام . . . . .
) وأنه لما قام عبد الله ( أي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وإنما ذكر بلفظ العبد للتواضع فإنه واقع موقع كلامه عن نفسه والاشعار بما هو المقتضى لقيامه ) يدعوه ( يعبده ) كادوا ( كاد الجن ) يكونون عليه لبدا ( متراكمين من ازدحامهم عليه تعجبا مما رأوا من عبادته وسمعوا من قراءته أو كاد الإنس والجن يكونون عليه مجتمعين لإبطال أمره وهو جمع لبدة وهي ما تلبد بعضه على بعض كلبدة الأسد وعن ابن عامر لبدا بضم(5/400)
" صفحة رقم 401 "
اللام جمع لبدة وهي لغة وقرئ لبدا كسجدا جمع لابدو لبدا كصبر جمع لبود
الجن : ( 20 ) قل إنما أدعو . . . . .
) قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا ( فليس ذلك ببدع ولا منكر يوجب تعجبكم أو إطباقكم على مقتي وقرأ عاصم وحمزة قل على الأمر للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليوافق ما بعده
الجن : ( 21 ) قل إني لا . . . . .
) قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا ( ولا نفعا أو غيا عبر عن أحدهما باسمه وعن الآخر باسم سببه أو مسببه إشعارا بالمعنيين
الجن : ( 22 ) قل إني لن . . . . .
) قل إني لن يجيرني من الله أحد ( إن أراد بي سوءا ) ولن أجد من دونه ملتحدا ( منحرفا أو ملتجأ وأصله المدخل من اللحد
الجن : ( 23 ) إلا بلاغا من . . . . .
) إلا بلاغا من الله ( استثناء من قوله لا أملك فإن التبليغ إرشاد وإنفاع وما بينهما اعتراض مؤكد لنفي الاستطاعة أو من ملتحدا أو معناه أن لا أبلغ بلاغا وما قبله دليل الجواب ) ورسالاته ( عطف على ) بلاغا ( و ) من الله ( صفته فإن صلته عن كقوله ( صلى الله عليه وسلم ) بلغوا عني ولو آية ) ومن يعص الله ورسوله ( في الأمر بالتوحيد إذ الكلام فيه ) فأن له نار جهنم ( وقرئ ) فإن ( على فجزاؤه أن ) خالدين فيها أبدا ( جمعه للمعنى
الجن : ( 24 ) حتى إذا رأوا . . . . .
) حتى إذا رأوا ما يوعدون ( في الدنيا كوقعة بدر أو في الآخرة والغاية لقوله ) يكونون عليه لبدا ( بالمعنى الثاني أو لمحذوف دل عليه الحال من استضعاف الكفار وعصيانهم له ) فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا ( هو أم هم(5/401)
" صفحة رقم 402 "
الجن : ( 25 ) قل إن أدري . . . . .
) قل إن أدري ( ما أدري ) أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا ( غاية تطول مدتها كأنه لما سمع المشركون ) حتى إذا رأوا ما يوعدون ( قالوا متى يكون إنكارا فقيل قل إنه كائن لا محالة ولكن لا أدري ما وقته
الجن : ( 26 ) عالم الغيب فلا . . . . .
) عالم الغيب ( هو عالم الغيب ) فلا يظهر ( فلا يطلع ) على غيبه أحدا ( أي على الغيب المخصوص به علمه
الجن : ( 27 ) إلا من ارتضى . . . . .
) إلا من ارتضى ( لعلم بعضه حتى يكون له معجزة ) من رسول ( بيان ل ) من ( واستدل به على إبطال الكرامات وجوابه تخصيص الرسول بالملك والإظهار بما يكون بغير وسط وكرامات الأولياء على المغيبات إنما تكون تلقيا عن الملائكة كاطلاعنا على أحوال الآخرة بتوسط الأنبياء ) فإنه يسلك من بين يديه ( من بين يدي المرتضى ) ومن خلفه رصدا ( حرسا من الملائكة يحرسونه من اختطاف الشياطين وتخاليطهم(5/402)
" صفحة رقم 403 "
الجن : ( 28 ) ليعلم أن قد . . . . .
) ليعلم أن قد أبلغوا ( أي ليعلم النبي الموحى إليه أن قد أبلغ جبريل والملائكة النازلون بالوحي أو ليعلم الله تعالى أن قد أبلغ الأنبياء بمعنى ليتعلق علمه به موجودا ) رسالات ربهم ( كما هي محروسة من التغيير ) وأحاط بما لديهم ( بما عند الرسل ) وأحصى كل شيء عددا ( حتى القطر والرمل عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الجن كان له بعدد كل جني صدق محمدا أو كذب به عتق رقبة(5/403)
" صفحة رقم 404 "
سورة المزمل
مكية وآيها تسع عشرة أو عشرون
بسم الله الرحمن الرحيم
المزمل : ( 1 ) يا أيها المزمل
) يا أيها المزمل ( أصله المتزمل من تزمل بثيابه إذا تلفف بها فأدغم التاء في الزاي وقد قرئ به وب المزمل مفتوحة الميم ومكسورتها أي الذي زمله غيره أو زمل نفسه سمي به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تهجينا لما كان عليه فإنه كان نائما أو مرتعدا مما دهشه من بدء الوحي متزملا في قطيفة أو تحسينا له إذ روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يصلي متلففا بمرط مفروش على عائشة رضي الله تعالى عنها فنزلت أو تشبيها له في تثاقله بالمتزمل لأنه لم يتمرن بعد في قيام الليل أو من تزمل الزمل إذا تحمل الحمل أي الذي تحمل أعباء النبوة
المزمل : ( 2 ) قم الليل إلا . . . . .
) قم الليل ( أي قم إلى الصلاة أو داوم عليها فيه وقرئ بضم الميم وفتحها للاتباع أو التخفيف ) إلا قليلا ((5/404)
" صفحة رقم 405 "
المزمل : ( 3 - 4 ) نصفه أو انقص . . . . .
) نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ( الاستثناء ) من الليل ( و ) نصفه ( بدل من ) قليلا ( وقلته بالنسبة إلى الكل والتخيير بين قيام النصف والزائد عليه كالثلثين والناقص عنه كالثلث أو ) نصفه ( بدل من ) الليل ( والاستثناء منه والضمير في ) منه ( و ) عليه ( للأقل من النصف كالثلث فيكون التخيير بينه وبين الأقل منه كالربع والأكثر منه كالنصف أو للنصف والتخيير بين أن يقوم أقل منه على البت وأن يختار أحد الأمرين من الأقل والأكثر أو الاستثناء من إعداد الليل فإنه عام والتخيير بين قيام النصف والناقص عنه الزائد عليه ) ورتل القرآن ترتيلا ( اقرأه على تؤده وتبيين حروف بحيث يتمكن السامع من عدها من قوله ثغر رتل ورتل إذا كان مفلجا
المزمل : ( 5 ) إنا سنلقي عليك . . . . .
) إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ( يعني القرآن فإنه لما فيه من التكاليف الشاقة ثقيل على المكلفين سيما على الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) إذ كان عليه أن يتحملها ويحملها أمته والجملة اعتراض يسهل التكليف عليه بالتهجد ويدل على أنه مشق مضاد للطبع مخالف للنفس أو رصين لرزانة لفظه ومتانة معناه أو ثقيل على المتأمل فيه لافتقاره إلى مزيد تصفية للسر وتجريد للنظر أو ثقيل في الميزان أو على الكفار والفجار أو ثقيل تلقيه لقوله عائشة رضي الله تعالى عنها رأيته ( صلى الله عليه وسلم ) ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليرفض عرقا وعلى هذا يجوز أن يكون صفة للمصدر والجملة على هذه الأوجه للتعليل مستأنف فإن التهجد يعد للنفس ما به تعالج ثقله(5/405)
" صفحة رقم 406 "
المزمل : ( 6 ) إن ناشئة الليل . . . . .
) إن ناشئة الليل ( إن النفس التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة من نشأ من مكانه إذا نهض وقام قال " نشأنا إلى خوص برانيها السرى وألصق منها مشرفات القماحد " أو قيام الليل على أن ال ) ناشئة ( له أو العبادة التي تنشأ بالليل أي تحدث أو ساعات الليل لأنها تحدث واحدة بعد أخرى أو ساعاتها الأول من نشأت إذا ابتدأت ) هي أشد وطأ ( أي كلفة أو ثبات قدم وقرأ أبو عمرو وابن عامر وطاء بكسر الواو وألف ممدودة أي مواطأة القلب اللسان لها أو فيها أو موافقة لما يراد منها من الخضوع والإخلاص ) وأقوم قيلا ( أي وأسد مقالا أو أثبت قراءة لحضور القلب وهدوء الأصوات
المزمل : ( 7 ) إن لك في . . . . .
) إن لك في النهار سبحا طويلا ( تقلبا في مهماتك واشتغالا بها فعليك بالتهجد فإن مناجاة الحق تستدعي فراغا وقرئ سبخا أي تفرق قلب بالشواغل مستعار من سبخ الصوف وهو نقشه ونشر أجزائه
المزمل : ( 8 ) واذكر اسم ربك . . . . .
) واذكر اسم ربك ( ودم على ذكره ليلا ونهارا وذكر الله يتناول كل ما يذكر به تسبيح وتهليل وتمجيد وتحميد وصلاة وقراءة قرآن ودراسة علم ) وتبتل إليه تبتيلا ( وانقطع إليه بالعبادة وجرد نفسك عما سواه ولهذه الرمزة ومراعاة الفواصل وضعه موضع تبتلا
المزمل : ( 9 ) رب المشرق والمغرب . . . . .
) رب المشرق والمغرب ( خبر محذوف أو مبتدأ خبره ) لا إله إلا هو ( وقرأ ابن عامر والكوفيون غير حفص ويعقوب بالجر على البدل من ربك وقيل بإضمار حرف القسم وجوابه ) لا إله إلا هو ( ) فاتخذه وكيلا ( مسبب عن التهليل فإن توحده بالألوهية يقتضي أن توكل إليه الأمور(5/406)
" صفحة رقم 407 "
المزمل : ( 10 ) واصبر على ما . . . . .
) واصبر على ما يقولون ( من الخرافات ) واهجرهم هجرا جميلا ( بأن تجانبهن وتداريهم ولا تكافئهم وتكل أمرهم إلى الله فالله يكفيكهم كما قال
المزمل : ( 11 ) وذرني والمكذبين أولي . . . . .
) وذرني والمكذبين ( دعني وإياهم وكل أمرهم فإن بي غنية عنك في مجازاتهم ) أولي النعمة ( أرباب التنعيم يريد صناديد قريش ) ومهلهم قليلا ( زمانا أو إمهالا
المزمل : ( 12 ) إن لدينا أنكالا . . . . .
) إن لدينا أنكالا ( تعليل للأمر والنكل القيد الثقيل ) وجحيما )
المزمل : ( 13 ) وطعاما ذا غصة . . . . .
) وطعاما ذا غصة ( طعاما ينشب في الحلق كالضريع والزقوم ) وعذابا أليما ( ونوعا آخر من العذاب مؤلما لا يعرف كنهه إلا الله تعالى ولما كانت العقوبات الأربع مما تشترك فيها الأشباح والأرواح فإن النفوس العاصية المنهمكة في الشهوات تبقى مقيدة بحبها والتعلق بها عن التخلص إلى عالم المجردات متحرقة بحرقة الفرقة متجرعة غصة الهجران معذبة بالحرمان عن تجلي أنوار القدس فسر العذاب بالحرمان عن لقاء الله تعالى
المزمل : ( 14 ) يوم ترجف الأرض . . . . .
) يوم ترجف الأرض والجبال ( تضطرب وتتزلزل ظرف لما في ) إن لدينا أنكالا ( من معنى الفعل ) وكانت الجبال كثيبا ( رملا مجتمعا كأنه فعيل بمعنى مفعول من كثبت الشيء إذا جمعته ) مهيلا ( منثورا من هيل هيلا إذا نثر
المزمل : ( 15 ) إنا أرسلنا إليكم . . . . .
) إنا أرسلنا إليكم رسولا ( يا أهل مكة ) شاهدا عليكم ( يشهد عليكم يوم القيامة بالإجابة والامتناع ) كما أرسلنا إلى فرعون رسولا ( يعني موسى عليه الصلاة والسلام ولم يعينه لأن المقصود لم يتعلق به
المزمل : ( 16 ) فعصى فرعون الرسول . . . . .
) فعصى فرعون الرسول ( عرفه لسبق ذكره ) فأخذناه أخذا وبيلا ( ثقيلا من قولهم طعام وبيل لا يستمر لثقله ومنه الوابل للمطر العظيم
المزمل : ( 17 ) فكيف تتقون إن . . . . .
) فكيف تتقون ( أنفسكم ) إن كفرتم ( بقيتم على الكفر ) يوما ( عذاب يوم ) يجعل الولدان شيبا ( من شدة هوله وهذا على الفرض أو التمثيل وأصله أن الهموم(5/407)
" صفحة رقم 408 "
تضعف القوى وتسرع الشيب ويجوز أن يكون وصفا لليوم بالطول
المزمل : ( 18 ) السماء منفطر به . . . . .
) السماء منفطر ( منشق والتذكير على تأويل السقف أو إضمار شيء ) به ( بشدة ذلك اليوم على عظمها وأحكامها فضلا عن غيرها والباء للآلة ) كان وعده مفعولا ( الضمير لله عز وجل أو لليوم على إضافة المصدر إلى المفعول
المزمل : ( 19 ) إن هذه تذكرة . . . . .
) إن هذه ( أي الآيات الموعدة ) تذكرة ( عظة ) فمن شاء ( أن يتعظ ) اتخذ إلى ربه سبيلا ( أي يتقرب إليه بسلوك التقوى
المزمل : ( 20 ) إن ربك يعلم . . . . .
) إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه ( استعار الأدنى للأقل لأن الأقرب إلى الشيء أقل بعدا منه وقرأ ابن كثير والكوفيون ) ونصفه وثلثه ( بالنصب عطفا على ) أدنى ( ) وطائفة من الذين معك ( ويقوم ذلك جماعة من أصحابك ) والله يقدر الليل والنهار ( لا يعلم مقادير ساعاتهما كما هي إلا الله تعالى فإن تقديم اسمه مبتدأ مبنيا عليه ) يقدر ( يشعر بالاختصاص ويؤيده قوله ) علم أن لن تحصوه ( أي لن تحصوا تقدير الأوقات ولن تستطيعوا ضبط الساعات ) فتاب عليكم ( بالترخيص في ترك القيام المقدر ورفع التبعة فيه كما رفع التبعة عن التائب ) فاقرؤوا ما تيسر من القرآن ( فصلوا ما تيسر عليكم من صلاة الليل عبر عن الصلاة بالقرآن كما عبر عنها بسائر أركانها قيل كان التهجد واجبا على التخيير المذكور فعسر عليهم القيام به فنسخ به ثم نسخ هذا بالصلوات الخمس أو فاقرؤوا القرآن بعينه كيفما تيسر عليكم ) علم أن سيكون منكم مرضى ( استئناف يبين حكمة أخرى مقتضية الترخيص والتخفيف ولذلك كرر الحكم مرتبا عليه وقال ) وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله ( والضرب في الأرض ابتغاء للفضل المسافرة للتجارة وتحصيل العلم ) وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرؤوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة ((5/408)
" صفحة رقم 409 "
المفروضة ) وآتوا الزكاة ( الواجبة ) وأقرضوا الله قرضا حسنا ( يريد به الأمر في سائر الانفاقات في سبل الخيرات أو بأداء الزكاة على أحسن وجه والترغيب فيه بوعد العوض كما صرح به في قوله ) وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا ( من الذي تؤخرونه إلى الوصية عند الموت أو من متاع الدنيا و ) خيرا ( ثاني مفعولي ) تجدوه ( وهو تأكيد أو فصل لأن أفعل من كالمعرفة ولذلك يمتنع من حرف التعريف وقرئ هو خير على الابتداء والخبر ) واستغفروا الله ( في مجامع أحوالكم فإن الإنسان لا يخلو من تفريط ) إن الله غفور رحيم ( عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة المزمل رفع الله عنه العسر في الدنيا والآخرة(5/409)
" صفحة رقم 410 "
سورة المدثر
مكية وآيها خمس وخمسون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
المدثر : ( 1 ) يا أيها المدثر
) يا أيها المدثر ( أي المتدثر وهو لابس الدثار روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قال كنت بحراء فنوديت فنظرت عن يميني وشمالي فلم أر شيئا فنظرت فوقي فإذا هو على عرش بين السماء والأرض يعني الملك الذي ناداه فرعبت فرجعت إلى خديجة فقلت دثروني فنزل جبريل وقال ) يا أيها المدثر ( ولذلك قيل هي أول سورة نزلت وقيل تأذى من قريش فتغطى بثوبه مفكرا أو كان نائما مدثرا فنزلت وقيل المراد بالمدثر المتدثر بالنبوة والكمالات النفسانية أو المختفي فإنه كان بحراء كالمختفي فيه على سبيل الاستعارة وقرئ ) المدثر ( أي الذي دثر هذا الأمر وعصب به
المدثر : ( 2 ) قم فأنذر
) قم ( من مضجعك أو قم قيام عزم وجد ) فأنذر ( مطلق للتعميم أو مقدر بمفعول دل عليه قوله ) وأنذر عشيرتك الأقربين ( أو قوله ) وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ((5/410)
" صفحة رقم 411 "
المدثر : ( 3 ) وربك فكبر
) وربك فكبر ( وخصص ربك بالتكبير وهو وصفه بالكبرياء عقدا وقولا روي أنه لما نزل كبر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأيقن أنه الوحي وذلك لأن الشيطان لا يأمر بذلك والفاء فيه وفيما بعده لإفادة معنى الشرط وكأنه قال وما يكن فكبر ربك أو الدلالة على أن المقصود الأول من الأمر بالقيام أن يكبر ربه عن الشرك والتشبيه فإن أول ما يجب معرفة الصانع وأول ما يجب بعد العلم بوجوده تنزيهه والقوم كانوا مقرين به
المدثر : ( 4 ) وثيابك فطهر
) وثيابك فطهر ( من النجاسات فإن التطهير واجب في الصلوات محبوب في غيرها وذلك بغسلها أو بحفظها عن النجاسة بتقصيرها مخافة جر الذيول فيها وهو أول ما أمر به من رفض العادات المذمومة أو طهر نفسك من الأخلاق الذميمة والأفعال الدنيئة فيكون أمرا باستكمال القوة العملية بعد أمره باستكمال القوة النظرية والدعاء إليه أو فطهر دثار النبوة عما يدنسه من الحقد والضجر وقلة الصبر
المدثر : ( 5 ) والرجز فاهجر
) والرجز فاهجر ( فاهجر العذاب بالثبات على هجر ما يؤدي إليه من الشرك وغيره من القبائح وقرأ يعقوب وحفص والرجز بالضم وهو لغة كالذكر
المدثر : ( 6 ) ولا تمنن تستكثر
) ولا تمنن تستكثر ( أي لا تعط مستكثرا نهى عن الاستفزاز وهو أن يهب شيئا طامعا في عوض أكثر نهي تنزيه أو نهيا خاصا به لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) المستفزز يثاب من هبته والموجب له ما فيه من الحرص والضنة أو ) ولا تمنن ( على الله تعالى بعبادتك مستكثرا إياها أو على الناس بالتبليغ مستكثرا به الأجر منهم أو مستكثرا إياه وقرئ ) تستكثر ( بالسكون للوقف أو الإبدال من تمنن على أنه من بكذا أو ) تستكثر ( بمعنى تجده كثيرا وبالنصب على إضمار أن وقد قرئ بها وعلى هذا يجوز أن يكون الرفع بحذفها وإبطال عملها كما روي احضر الوغى بالرفع(5/411)
" صفحة رقم 412 "
المدثر : ( 7 ) ولربك فاصبر
) ولربك ( لوجهه أو أمره ) فاصبر ( فاستعمل الصبر أو فاصبر على مشاق التكاليف وأذى المشكرين
المدثر : ( 8 ) فإذا نقر في . . . . .
) فإذا نقر ( نفخ ) في الناقور ( في الصور فاعول من النقر بمعنى التصويت وأصله القرع الذي هو سبب الصوت والفاء للسببية كأنه قال اصبر على زمان صعب تلقى فيه عاقبة صبرك وأعداؤك عاقبة ضرهم وإذا ظرف لما دل عليه قوله
المدثر : ( 9 - 10 ) فذلك يومئذ يوم . . . . .
) فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين ( لأن معناه عسر الأمر على الكافرين وذلك إشارة إلى وقت النقر وهو مبتدأ خبره ) يوم عسير ( و ) يومئذ ( بدل أو ظرف لخبره إذ التقدير فذلك الوقت وقت وقوع ) يوم عسير ( ) غير يسير ( تأكيد يمنع أن يكون عسيرا عليهم من وجه ويشعر بيسره على المؤمنين
المدثر : ( 11 ) ذرني ومن خلقت . . . . .
) ذرني ومن خلقت وحيدا ( نزلت في الوليد بن المغيرة و ) وحيدا ( حال من الياء أي ذرني وحدي معه فإني أكفيكه أو من التاء أي ومن خلقته وحدي لم يشركني في خلقه أحد أو من العائد المحذوف أي من خلقته فريدا لا مال له ولا ولد أو ذم فإنه كان ملقبا به فسماه الله به تهكما أو إرادة أنه وحيد ولكن في الشرارة أو عن أبيه فإنه كان زنيما
المدثر : ( 12 ) وجعلت له مالا . . . . .
) وجعلت له مالا ممدودا ( مبسوطا كثيرا أو ممدا بالنماء وكان له الزرع والضرع والتجارة(5/412)
" صفحة رقم 413 "
المدثر : ( 13 ) وبنين شهودا
) وبنين شهودا ( حضورا معه بمكة يتمتع بلقائهم لا يحتاجون إلى سفر لطلب المعاش استغناء بنعمته ولا يحتاج إلى أن يرسلهم في مصالحه لكثرة خدمه أو في المحافل والأندية لوجاهتهم واعتبارهم قيل كان له عشرة بنين أو أكثر كلهم رجال فأسلم منهم ثلاثة خالد وعمارة وهشام
المدثر : ( 14 ) ومهدت له تمهيدا
) ومهدت له تمهيدا ( وبسطت له الرياسة والجاه العريض حتى لقب ريحانة قريش والوحيد أي باستحقاقه الرياسة والتقدم
المدثر : ( 15 ) ثم يطمع أن . . . . .
) ثم يطمع أن أزيد ( على ما أوتيه وهو استبعاد لطمعه أما لأنه لا مزيد على ما أوتي أو لأنه لا يناسب ما هو عليه من كفران النعم ومعاندة المنعم ولذلك قال
المدثر : ( 16 ) كلا إنه كان . . . . .
) كلا إنه كان لآياتنا عنيدا ( فإنه ردع له عن الطمع وتعليل للردع على سبيل الاستئناف بمعاندة آيات المنعم المناسبة لإزالة النعمة المانعة عن الزيادة قيل ما زال بعد نزول هذه الآية في نقصان ماله حتى هلك
المدثر : ( 17 ) سأرهقه صعودا
) سأرهقه صعودا ( سأغشيه عقبة شاقة المصعد وهو مثل لما يلقى من الشدائد وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) الصعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوي فيه كذلك أبدا
المدثر : ( 18 ) إنه فكر وقدر
) إنه فكر وقدر ( تعليل أو بيان للعناد والمعنى فكر فيما يخيل طعنا في القرآن وقدر في نفسه ما يقول فيه
المدثر : ( 19 ) فقتل كيف قدر
) فقتل كيف قدر ( تعجب من تقديره استهزاء به أو لأنه أصاب أقصى ما يمكن أن يقال عليه من قولهم قتله الله ما أشجعه أي بلغ في الشجاعة مبلغا يحق أن يحسد ويدعو عليه حاسده بذلك روي أنه مر بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو يقرأ ) حم ( السجدة فأتى قومه وقال(5/413)
" صفحة رقم 414 "
لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس والجن إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن اسفله لمغدق وإنه ليعلو ولا يعلى فقالت قريش صبا الوليد فقال ابن أخيه أبو جهل أنا أكفيكموه فقعد إليه حزينا وكلمه بما أحماه فناداهم فقال تزعمون أن محمدا مجنون فهل رأيتموه يخنق وتقولون إنه كاهن فهل رأيتموه يتكهن وتزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعرا فقالوا لا فقال ما هو إلا ساحر أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه ففرحوا بقوله وتفرقوا عنه متعجبين منه
المدثر : ( 20 ) ثم قتل كيف . . . . .
) ثم قتل كيف قدر ( تكرير للمبالغة وثم للدلالة على أن الثانية أبلغ من الأولى وفيما بعد على أصلها
المدثر : ( 21 ) ثم نظر
) ثم نظر ( أي في أمر القرآن مرة بعد أخرى
المدثر : ( 22 ) ثم عبس وبسر
) ثم عبس ( قطب وجهه لما لم يجد فيه مطعنا ولم يدر ما يقول أو نظر إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقطب في وجهه ) وبسر ( اتباع لعبس
المدثر : ( 23 ) ثم أدبر واستكبر
) ثم أدبر ( عن الحق أو الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) واستكبر ( عن اتباعه
المدثر : ( 24 ) فقال إن هذا . . . . .
) فقال إن هذا إلا سحر يؤثر ( يروى ويتعلم والفاء للدلالة على أنه لما خطرت هذه الكلمة بباله تفوه بها من غير تلبث وتفكر
المدثر : ( 25 ) إن هذا إلا . . . . .
) إن هذا إلا قول البشر ( كالتأكيد للجملة الأولى ولذلك لم يعطف عليها
المدثر : ( 26 ) سأصليه سقر
) سأصليه سقر ( تفخيم لشأنها
المدثر : ( 27 ) وما أدراك ما . . . . .
وقوله تعالى ) وما أدراك ما سقر ( تفخيم لشأنها
المدثر : ( 27 ) وما أدراك ما . . . . .
وقوله ) لا تبقي ولا تذر ( بيان لذلك أو حال من سقر والعامل فيها معنى التعظيم والمعنى لا تبقي على شيء يلقى فيها ولا تدعه حتى تهلكه(5/414)
" صفحة رقم 415 "
المدثر : ( 29 ) لواحة للبشر
) لواحة للبشر ( أي مسودة لأعالي الجلد أو لائحة للناس وقرئت بالنصب على الاختصاص
المدثر : ( 30 ) عليها تسعة عشر
) عليها تسعة عشر ( ملكا أو صنفا من الملائكة يلون أمرها والمخصص لهذا العدد أن اختلال النفوس البشرية في النظر والعمل بسبب القوى الحيوانية الاثنتي عشرة والطبيعية السبع أو أن لجهنم سبع دركات ست منها لأصناف الكفار وكل صنف يعذب بترك الإعتقاد والإقرار أو العمل أنواعا من العذاب تناسبها على كل نوع ملك أو صنف يتولاه وواحدة لعصاة الأمة يعذبون فيها بترك العمل نوعا يناسبه ويتولاه ملك أو صنف أو أن الساعات أربع وعشرون خمسة منها مصروفة في الصلاة فيبقى تسعة عشر قد تصرف فيما يؤاخذ به بأنواع من العذاب يتولاها الزبانية وقرئ ) تسعة عشر ( بسكون العين كراهة توالي حركات فيها هو كاسم واحد وتسعة أعشر جمع عشير كيمين وأيمن أي تسعة كل عشير جمع يعني نقيبهم أو جمع عشر فتكون تسعين
المدثر : ( 31 ) وما جعلنا أصحاب . . . . .
) وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة ( ليخالفوا جنس المعذبين فلا يرقون لهم ولا يستروحون إليهم ولأنهم أقوى الخلق بأسا وأشدهم غضبا لله روي أن أبا جهل لما سمع عليها تسعة عشر قال لقريش أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم فنزلت ) وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ( وما جعلنا عددهم إلا العدد الذي اقتضى فتنتهم وهو التسعة عشر فعبر بالإثر عن المؤثر تنبيها على أنه لا ينفك منه وافتتانهم به استقلالهم واستهزاؤهم به واستبعادهم أن يتولى هذه العدد القليل تعذيب أكثر الثقلين ولعل المراد(5/415)
" صفحة رقم 416 "
الجعل بالقول ليحسن تعليله بقوله ) ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ( أي ليكتسبوا اليقين بنبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وصدق القرآن لما رأوا ذلك موافقا لما في كتابهم ) ويزداد الذين آمنوا إيمانا ( بالإيمان به وبتصديق أهل الكتاب به ) ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون ( أي في ذلك وهو تأكيد للاستيقان وزيادة الإيمان به ويتصدق أهل الكتاب له ) ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون ( أي في ذلك وهو تأكيد للاستيقان وزيادة الإيمان ونفي لما يعرض للمتيقن حيثما عراه شبهة ) وليقول الذين في قلوبهم مرض ( شك أو نفاق فيكون إخبارا بمكة عما سيكون في المدينة بعد الهجرة ) والكافرون ( الجازمون في التكذيب ) ماذا أراد الله بهذا مثلا ( أي شيء أراد بهذا العدد المستغرب استغراب المثل وقيل لما استبعدوه حسبوا أنه مثل مضروب ) كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ( مثل ذلك المذكور من الإضلال والهدى يضل الكافرين ويهدي المؤمنين ) وما يعلم جنود ربك ( جموع خلقه على ما هم عليه ) إلا هو ( إذ لا سبيل لأحد إلى حصر الممكنات والاطلاع على حقائقها وصفاتها وما يوجب اختصاص كل منها بما يخصه من كم وكيف واعتبار ونسبة ) وما هي ( وما سقر أو عدة الخزنة أو السورة ) إلا ذكرى للبشر ( إلا تذكرة لهم
المدثر : ( 32 ) كلا والقمر
) كلا ( ردع لمن أنكرها أو إنكار لأن يتذكروا بها ) والقمر )
المدثر : ( 33 ) والليل إذ أدبر
) والليل إذ أدبر ( أي أدبر كقبل بمعنى أقبل وقرأ نافع وحمزة ويعقوب وحفص إذا دبر على المضي
المدثر : ( 34 ) والصبح إذا أسفر
) والصبح إذا أسفر ( أضاء
المدثر : ( 35 ) إنها لإحدى الكبر
) إنها لإحدى الكبر ( أي لإحدى البلايا الكبر أي البلايا الكبر كثيرة و ) سقر ( واحدة منها وإنما جمع كبرى على كبر إلحاقا لها بفعله تنزيلا للألف منزلة التاء كما ألحقت قاصعاء بقاصعة فجمعت على قواصع والجملة جواب القسم أو تعليل ل ) كلا ( والقسم معترض للتأكيد(5/416)
" صفحة رقم 417 "
المدثر : ( 36 ) نذيرا للبشر
) نذيرا للبشر ( تمييز أي ) لإحدى الكبر ( إنذارا أو حال عما دلت عليه الجملة أي كبرت منذرة وقرئ بالرفع خبرا ثانيا أو خبرا لمحذوف
المدثر : ( 37 ) لمن شاء منكم . . . . .
) لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ( بدل من ) للبشر ( أي نذيرا للمتمكنين من السبق إلى الخير والتخلف عنه أو ) لمن شاء ( خبر ل ) أن يتقدم ( فيكون في معنى قوله ) فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )
المدثر : ( 38 ) كل نفس بما . . . . .
) كل نفس بما كسبت رهينة ( مرهونة عند الله مصدر كالشكيمة أطلقت للمفعول كالرهن ولو كانت صفة لقيل رهين
المدثر : ( 39 ) إلا أصحاب اليمين
) إلا أصحاب اليمين ( فإنهم فكوا رقابهم بما أحسنوا من أعمالهم وقيل هم الملائكة أو الأطفال
المدثر : ( 40 ) في جنات يتساءلون
) في جنات ( لا يكتنه وصفها وهي حال من ) أصحاب اليمين ( أو ضميرهم في قوله ) يتساءلون )
المدثر : ( 41 ) عن المجرمين
) عن المجرمين ( أي يسأل بعضهم بعضا أو يسألون غيرهم عن حالهم كقولك تداعيناه أي دعوناه
المدثر : ( 42 ) ما سلككم في . . . . .
وقوله ) ما سلككم في سقر ( بجوابه حكاية لما جرى بين المسؤولين والمجرمين أجابوا بها
المدثر : ( 43 ) قالوا لم نك . . . . .
) قالوا لم نك من المصلين ( الصلاة الواجبة
المدثر : ( 44 ) ولم نك نطعم . . . . .
) ولم نك نطعم المسكين ( أي ما يجب إعطاؤه وفيه دليل على أن الكفار مخاطبون بالفروع
المدثر : ( 45 ) وكنا نخوض مع . . . . .
) وكنا نخوض ( نشرع في الباطل ) مع الخائضين ( مع الشارعين فيه
المدثر : ( 46 ) وكنا نكذب بيوم . . . . .
) وكنا نكذب بيوم الدين ( أخره لتعظيمه أي وكنا بعد ذلك كله مكذبين بالقيامة(5/417)
" صفحة رقم 418 "
المدثر : ( 47 ) حتى أتانا اليقين
) حتى أتانا اليقين ( الموت ومقدماته
المدثر : ( 48 ) فما تنفعهم شفاعة . . . . .
) فما تنفعهم شفاعة الشافعين ( لو شفعوا لهم جميعا
المدثر : ( 49 ) فما لهم عن . . . . .
) فما لهم عن التذكرة معرضين ( أي معرضين عن التذكرة يعني القرآن أو ما يعمه و ) معرضين ( حال
المدثر : ( 50 ) كأنهم حمر مستنفرة
) كأنهم حمر مستنفرة ( شبههم في إعراضهم ونفارهم عن استماع الذكر بحمر نافرة
المدثر : ( 51 ) فرت من قسورة
) فرت من قسورة ( أي أسد فعولة من القسر وهو القهر
المدثر : ( 52 ) بل يريد كل . . . . .
) بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ( قراطيس تنشر وتقرأ وذلك أنهم قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) لن نتبعك حتى تأتي كلامنا بكتاب من السماء فيه من الله إلى فلان اتبع محمدا
المدثر : ( 53 ) كلا بل لا . . . . .
) كلا ( ردع لهم عن اقتراحهم الآيات ) بل لا يخافون الآخرة ( فلذلك أعرضوا عن التذكرة لا لامتناع إيتاء الصحف
المدثر : ( 54 ) كلا إنه تذكرة
) كلا ( ردع عن إعراضهم ) إنه تذكرة ( وأي تذكرة
المدثر : ( 55 ) فمن شاء ذكره
) فمن شاء ذكره ( فمن شاء أن يذكره
المدثر : ( 56 ) وما يذكرون إلا . . . . .
) وما يذكرون إلا أن يشاء الله ( ذكرهم أو مشيئتهم كقوله ) وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ( وهو تصريح بأن فعل العبد بمشيئة الله تعالى وقرأ نافع تذكرون بالتاء وقرئ بهما مشددا ) هو أهل التقوى ( حقيق بأن يتقى عقابه ) وأهل المغفرة ( حقيق بأن يغفر لعباده سيما المتقين منهم وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة المدثر أعطاه الله عشر حسنات بعدد من صدق بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وكذب به بمكة شرفها الله تعالى(5/418)
" صفحة رقم 419 "
سورة القيامة
مكية وآيها أربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
القيامة : ( 1 ) لا أقسم بيوم . . . . .
) لا أقسم بيوم القيامة ( إدخال ) لا ( النافية على فعل القسم للتأكيد شائع في كلامهم قال امرؤ القيس " لا وأبيك ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر " وقد مر الكلام فيه في قوله ) فلا أقسم بمواقع النجوم ( وقرأ قنبل لأقسم بغير ألف بعد اللام وكذا روي عن البزي
القيامة : ( 2 ) ولا أقسم بالنفس . . . . .
) ولا أقسم بالنفس اللوامة ( بالنفس المتقية التي تلوم النفوس المقصرة في التقوى يوم القيامة على تقصيرها أو التي تلوم نفسها أبدا وإن اجتهدت في الطاعة أو النفس المطمئنة اللائمة للنفس الأمارة أو بالجنس لما روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قال ليس من نفس برة ولا فاجرة إلا وتلوم نفسها يوم القيامة إن عملت خيرا قالت كيف لم أزدد وإن عملت شرا قالت يا ليتني كنت قصرت أو نفس آدم فإنها لم تزل تتلوم على ما خرجت به من الجنة وضمها إلى يوم القيامة لأن المقصود من إقامتها مجازاتها
القيامة : ( 3 ) أيحسب الإنسان ألن . . . . .
) أيحسب الإنسان ( يعني الجنس وإسناد الفعل إليه لأن فيهم من يحسب أو الذي نزل فيه وهو عدي بن أبي ربيعة سأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن أمر القيامة فأخبره به فقال لو(5/419)
" صفحة رقم 420 "
عاينت ذلك اليوم لم أصدقك أو يجمع الله هذه العظام ) ألن نجمع عظامه ( بعد تفرقها وقرئ أن لن يجمع على البناء للمفعول
القيامة : ( 4 ) بلى قادرين على . . . . .
) بلى ( نجمعها ) قادرين على أن نسوي بنانه ( بجمع سلامياته وضم بعضها إلى بعض كما كانت مع صغرها ولطافتها فكيف بكبار العظام أو ) على أن نسوي بنانه ( الذي هو أطرافه فكيف بغيرها وهو حال من فاعل الفعل المقدر بعد ) بلى ( وقرئ بالرفع أي نحن قادرون
القيامة : ( 5 ) بل يريد الإنسان . . . . .
) بل يريد الإنسان ( عطف على ) أيحسب ( فيجوز أن يكون استفهاما وأن يكون إيجابا لجواز أن يكون الإضراب عن المستفهم وعن الاستفهام ) ليفجر أمامه ( ليدوم على فجوره فيما يستقبله من الزمان
القيامة : ( 6 ) يسأل أيان يوم . . . . .
) يسأل أيان يوم القيامة ( متى يكون يوم القيامة استبعادا له أو استهزاء
القيامة : ( 7 ) فإذا برق البصر
) فإذا برق البصر ( تحير فزعا من برق فدهش بصره وقرأ نافع بالفتح وهو لغة أو من البريق بمعنى لمع من شدة شخوصه وقرئ بلق من بلق الباب إذا انفتح
القيامة : ( 8 ) وخسف القمر
) وخسف القمر ( ذهب ضوؤه وقرئ على البناء للمفعول
القيامة : ( 9 ) وجمع الشمس والقمر
) وجمع الشمس والقمر ( في ذهاب الضوء أو الطلوع من المغرب ولا ينافيه الخسوف فإنه مستعار للمحاق ولمن حمل ذلك أمارات الموت أن يفسر الخسوف بذهاب ضوء البصر والجمع باستتباع الروح الحاسة في الذهاب أو بوصوله إلى من كان يقتبس منه نور العقل من سكان القدس وتذكير الفعل لتقدمه وتغليب المعطوف(5/420)
" صفحة رقم 421 "
القيامة : ( 10 ) يقول الإنسان يومئذ . . . . .
) يقول الإنسان يومئذ أين المفر ( أي الفرار يقوله قول الآيس من وجدانه المتمني وقرئ بالكسر وهو المكان
القيامة : ( 11 ) كلا لا وزر
) كلا ( ردع عن طلب المفر ) لا وزر ( لا ملجأ مستعار من الحبل واشتقاقه من الوزر وهو الثقل
القيامة : ( 12 ) إلى ربك يومئذ . . . . .
) إلى ربك يومئذ المستقر ( إليه وحده استقرار العباد أو إلى حكمه استقرار أمرهم أو إلى مشيئته موضع قرارهم يدخل من يشاء الجنة ومن يشاء النار
القيامة : ( 13 ) ينبأ الإنسان يومئذ . . . . .
) ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ( بما قدم من عمل عمله وبما أخر منه لم يعمله أو بما قدم من عمل عمله وبما أخر من سنة حسنة أو سيئة عمل بها بعده أو بما قدم من مال تصدق به وبما أخر فخلفه أو بأول عمله وآخره
القيامة : ( 14 ) بل الإنسان على . . . . .
) بل الإنسان على نفسه بصيرة ( حجة بينة على أعمالها لأنه شاهد بها وصفها بالبصارة على المجاز أو عين بصيرة فلا يحتاج إلى الإنباء
القيامة : ( 15 ) ولو ألقى معاذيره
) ولو ألقى معاذيره ( ولو جاء بكل ما يمكن أن يعتذر به جمع معذار وهو العذر أو جمع معذرة على غير قياس بصيرة بها فلا يحتاج إلى الإنباء ) ولو ألقى معاذيره ( ولو جاء بكل ما يمكن أن يعتذر به جمع معذار وهو العذر أو جمع معذرة على غير قياس كالمناكير في المنكر فإن قياسه معاذر وذلك أولى وفيه نظر(5/421)
" صفحة رقم 422 "
القيامة : ( 16 ) لا تحرك به . . . . .
) لا تحرك ( يا محمد ) به ( بالقرآن ) لسانك ( قبل أن يتم وحيه ) لتعجل به ( لتأخذه على عجلة مخافة أن ينفلت منك
القيامة : ( 17 ) إن علينا جمعه . . . . .
) إن علينا جمعه ( في صدرك ) وقرآنه ( وإثبات قراءته في لسانك وهو تعليل للنهي
القيامة : ( 18 ) فإذا قرأناه فاتبع . . . . .
) فإذا قرأناه ( بلسان جبريل عليك ) فاتبع قرآنه ( قراءته وتكرر فيه حتى يرسخ في ذهنك
القيامة : ( 19 ) ثم إن علينا . . . . .
) ثم إن علينا بيانه ( بيان ما أشكل عليك من معانيه وهو دليل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب وهو اعتراض بما يؤكد التوبيخ على حب العجلة لأن العجلة إذا كانت مذمومة فيما هو أهم الأمور وأصل الدين فكيف بها في غيره أو بذكر ما اتفق في أثناء نزول هذه الآيات وقيل الخطاب مع الإنسان المذكور والمعنى أنه يؤتى كتابه فيتلجلج لسانه من سرعة قراءته خوفا فيقال له لا تحرك به لسانك لتعجل به فإن علينا بمقتضى الوعد جمع ما فيه من أعمالك وقراءته فإذا قرأناه فاتبع قراءته بالإقرار أو التأمل فيه ثم إن علينا بيان أمره بالجزاء عليه
القيامة : ( 20 ) كلا بل تحبون . . . . .
) كلا ( ردع للرسول عن عادة العجلة أو للإنسان عن الاغترار بالعاجل ) بل تحبون العاجلة )
القيامة : ( 21 ) وتذرون الآخرة
) وتذرون الآخرة ( تعميم للخطاب إشعارا بأن بني آدم مطبوعون على الاستعجال وإن كان الخطاب للإنسان والمراد به الجنس فجمع الضمير للمعنى ويؤيده قراءة ابن كثير وابن عامر والبصريين بالياء فيهما(5/422)
" صفحة رقم 423 "
القيامة : ( 22 ) وجوه يومئذ ناضرة
) وجوه يومئذ ناضرة ( بهية متهللة
القيامة : ( 23 ) إلى ربها ناظرة
) إلى ربها ناظرة ( تراه مستغرقة في مطالعة جماله بحيث تغفل عما سواه ولذلك قدم المفعول وليس هذا في كل الأحوال حتى ينافيه نظرها إلى غيره وقيل منتظرة إنعامه ورد بأن الانتظار لا يسند إلى الوجه وتفسيره بالجملة خلاف الظاهر وأن المستعمل بمعناه لا يتعدى بإلى وقول الشاعر " وإذا نظرت إليك من ملك والبحر دونك زدتني نعما " بمعنى السؤال فإن الانتظار لا يستعقب العطاء
القيامة : ( 24 ) ووجوه يومئذ باسرة
) ووجوه يومئذ باسرة ( شديدة العبوس والباسل أبلغ من الباسر لكنه غلب في الشجاع إذا اشتد كلوحه
القيامة : ( 25 ) تظن أن يفعل . . . . .
) تظن ( تتوقع أربابها ) أن يفعل بها فاقرة ( داهية تكسر الفقار
القيامة : ( 26 ) كلا إذا بلغت . . . . .
) كلا ( ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة ) إذا بلغت التراقي ( إذا بلغت النفس أعالي الصدر وإضمارها من غير ذكر لدلالة الكلام عليها
القيامة : ( 27 ) وقيل من راق
) وقيل من راق ( وقال حاضر وصاحبها من يرقيه مما به من الرقية أو قال ملائكة الموت أيكم يرقى بروحه ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب الرقي
القيامة : ( 28 ) وظن أنه الفراق
) وظن أنه الفراق ( وظن المحتضر أن الذي نزل به فراق الدنيا ومحابها
القيامة : ( 29 ) والتفت الساق بالساق
) والتفت الساق بالساق ( والتوت ساقه بساقه فلا يقدر على تحريكهما أو شدة فراق الدنيا بشدة خوف الآخرة(5/423)
" صفحة رقم 424 "
القيامة : ( 30 ) إلى ربك يومئذ . . . . .
) إلى ربك يومئذ المساق ( سوقه إلى الله تعالى وحكمه
القيامة : ( 31 ) فلا صدق ولا . . . . .
) فلا صدق ( ما يجب تصديقه أو فلا صدق ماله أي فلا زكاة ) ولا صلى ( ما فرض عليه والضمير فيهما للإنسان المذكور في ) أيحسب الإنسان )
القيامة : ( 32 ) ولكن كذب وتولى
) ولكن كذب وتولى ( عن الطاعة
القيامة : ( 33 ) ثم ذهب إلى . . . . .
) ثم ذهب إلى أهله يتمطى ( يتبختر افتخارا بذلك من المط فإن المتبختر يمد خطاه فيكون أصله يتمطط أو من المط وهو الظهر فإنه يلويه
القيامة : ( 34 ) أولى لك فأولى
) أولى لك فأولى ( ويل لك من الولي وأصله أولاك الله ما تكرهه واللام مزيدة كما في ) ردف لكم ( أو ) أولى لك ( الهلاك وقيل أفعل من الويل بعد القلب أدنى من أدون أو فعلى من ال يؤول بمعنى عقباك النار
القيامة : ( 35 ) ثم أولى لك . . . . .
) ثم أولى لك فأولى ( أي يتكرر ذلك عليه مرة بعد أخرى
القيامة : ( 36 ) أيحسب الإنسان أن . . . . .
) أيحسب الإنسان أن يترك سدى ( مهملا لا يكلف ولا يجازى وهو يتضمن تكرير إنكاره للحشر والدلالة عليه من حيث إن الحكمة تقتضي الأمر بالمحاسن والنهي عن القبائح والتكليف لا يتحقق إلا بالمجازاة وهي قد لا تكون في الدنيا فتكون في الآخرة
القيامة : ( 37 - 38 ) ألم يك نطفة . . . . .
) ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى ( فقدره فعدله
القيامة : ( 39 - 40 ) فجعل منه الزوجين . . . . .
) فجعل منه الزوجين ( للصنفين ) الذكر والأنثى ( وهو استدلال آخر بالإبداء على الإعادة على ما مر تقريره مرارا ولذلك رتب عليه قوله ) أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ( عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه كان إذا قرأها قال سبحانك بلى وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة القيامة شهدت له أنا وجبريل يوم القيامة أنه كان مؤمنا به(5/424)
" صفحة رقم 425 "
سورة الإنسان
مكية وآيها إحدى وثلاثون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الإنسان : ( 1 - 3 ) هل أتى على . . . . .
) هل أتى على الإنسان ( استفهام تقرير تقريب ولذلك فسر بقد وأصله أهل كقوله " أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم " ) حين من الدهر ( طائفة محدودة من الزمان الممتد الغير المحدود ) لم يكن شيئا مذكورا ( بل كان شيئا منسيا غير مذكور بالإنسانية كالعنصر والنطفة والجملة حال من ) الإنسان ( أو وصف ل ) حين ( بحذف الراجع والمراد بالإنسان الجنس لقوله ) إنا خلقنا الإنسان من نطفة ( أو آدم بين أولا خلقه ثم ذكر خلقه بنيه ) أمشاج ( أخلاط جمع مشج أو مشج أو مشيج من مشجت الشيء إذا خلطته وجمع النطفة به لأن المراد بها مجموع مني الرجل والمرأة وكل منهما مختلف الأجزاء في الرقة والقوام والخواص ولذلك يصير كل جزء منهما مادة عضو وقيل مفرد كأعشار وأكباش وقيل ألوان فإن ماء الرجل أبيض وماء المرآة أصفر فإذا اختلطا اخضرا أو أطوار فإن النطفة تصير علقة ثم مضغة إلى تمام الخلقة ) نبتليه ( في موضع الحال أي مبتلين له بمعنى مريدين اختباره أو ناقلين له من حال إلى حال فاستعير له الابتلاء ) فجعلناه سميعا بصيرا ( ليتمكن من مشاهدة الدلائل واستماع الآيات فهو كالمسبب عن الابتلاء ولذلك عطف بالفاء على الفعل المقيد به ورتب عليه قوله(5/425)
" صفحة رقم 426 "
) إنا هديناه السبيل ( أي بنصب الدلائل وإنزال الآيات ) إما شاكرا وإما كفورا ( حالان من الهاء و ) أما ( للتفصيل أو التقسيم أي ) هديناه ( في حاليه جميعا أو مقسوما إليهما بعضهم ) شاكرا ( بالاهتداء والأخذ فيه وبعضهم كفور بالإعراض عنه أو من ) السبيل ( ووصفه بالشكر والكفر مجاز وقرئ ) أما ( بالفتح على حذف الجواب ولعله لم يقل كافرا ليطابق قسيمه محافظة على الفواصل وإشعارا بأن الإنسان لا يخلو عن كفران غالبا وإنما المؤاخذ به التوغل فيه
الإنسان : ( 4 ) إنا أعتدنا للكافرين . . . . .
) إنا أعتدنا للكافرين سلاسل ( بها يقادون ) وأغلالا ( بها يقيدون ) وسعيرا ( بها يحرقون وتقديم وعيدهم وقد تأخر ذكرهم لإن الإنذار أهم وأنفع وتصدير الكلام وختمه بذكر المؤمنين أحسن وقرأ نافع والكسائي وأبو بكر سلاسلا للمناسبة
الإنسان : ( 5 ) إن الأبرار يشربون . . . . .
) إن الأبرار ( جمع بر كأرباب أو بار كأشهاد ) يشربون من كأس ( من خمر وهي في الأصل القدح تكون فيه ) كان مزاجها ( ما يمزج بها ) كافورا ( لبرده وعذوبته وطيب عرفه وقيل اسم ماء في الجنة يشبه الكافور في رائحته وبياضه وقيل يخلق فيها كيفيات الكافور فتكون كالممزوجة به
الإنسان : ( 6 ) عينا يشرب بها . . . . .
) عينا ( بدل من ) كافورا ( إن جعل اسم ماء أو من محل ) من كأس ( على تقدير مضاف أي ماء عين أو خمرها أو نصب على الاختصاص أو بفعل يفسره ما بعدها ) يشرب بها عباد الله ( أي ملتذا بها أو ممزوجا بها وقيل الباء مزيدة أو بمعنى من لأن الشرب مبتدأ منها كما هو ) يفجرونها تفجيرا ( يجرونها حيث شاءوا إجراء سهلا
الإنسان : ( 7 ) يوفون بالنذر ويخافون . . . . .
) يوفون بالنذر ( استئناف ببيان ما رزقوه لأجله كأنه سئل عنه فأجيب بذلك وهو(5/426)
" صفحة رقم 427 "
أبلغ في وصفهم بالتوفر على أداء الواجبات لأن من وفى بما أوجبه على نفسه لله تعالى كان أوفى بما أوجبه الله تعالى عليه ) ويخافون يوما كان شره ( شدائده ) مستطيرا ( فاشيا غاية الانتشار من استطار الحريق والفجر وهو أبلغ من طار وفيه إشعار بحسن عقيدتهم واجتنابهم عن المعاصي
الإنسان : ( 8 ) ويطعمون الطعام على . . . . .
) ويطعمون الطعام على حبه ( حب الله تعالى أو الطعام أو الإطعام ) مسكينا ويتيما وأسيرا ( يعني أسراء الكفار فإنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يؤتى بالأسير فيدفعه إلى بعض المسلمين فيقول أحسن إليه أو الأسير المؤمن ويدخل فيه المملوك والمسجون وفي الحديث غريمك أسير فأحسن إلى أسيرك
الإنسان : ( 9 ) إنما نطعمكم لوجه . . . . .
) إنما نطعمكم لوجه الله ( على إرادة القول بلسان الحال أو المقال إزاحة لتوهم المن وتوقع المكأفاة المنقصة للأجر وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت تبعث بالصدقة إلى أهل بيت ثم تسأل المبعوث ما قالوا فإن ذكر دعاء دعت لهم بمثله ليبقى ثواب الصدقة لها خالصا عند الله ) لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ( أي شكرا
الإنسان : ( 10 ) إنا نخاف من . . . . .
) إنا نخاف من ربنا ( فلذلك نحسن إليكم أو لا نطلب المكافأة منكم ) يوما ( عذاب يوم ) عبوسا ( تعبس فيه الوجوه أو يشبه الأسد العبوس في ضراوته ) قمطريرا ( شديد العبوس كالذي يجمع ما بين عينيه من اقمطرت الناقة إذا رفعت ذنبها وجمعت قرطيها أو مشتق من القطر والميم مزيدة
الإنسان : ( 11 ) فوقاهم الله شر . . . . .
) فوقاهم الله شر ذلك اليوم ( بسبب خوفهم وتحفظهم عنه ) ولقاهم نضرة وسرورا ( بدل عبوس الفجار وحزنهم(5/427)
" صفحة رقم 428 "
الإنسان : ( 12 ) وجزاهم بما صبروا . . . . .
) وجزاهم بما صبروا ( بصبرهم على أداء الواجبات واجتناب المحرمات وإيثار الأموال ) جنة ( بستانا يأكلون منه ) وحريرا ( يلبسونه وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن الحسن والحسين رضي الله عنهما مرضا فعادهما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في ناس فقالوا يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك فنذر علي وفاطمة رضي الله تعالى عنهما وفضة جارية لهما صوم ثلاث إن برئا فشفيا وما معهم شيء فاستقرض علي من شمعون الخيبري ثلاثة أصوع من شعير فطحنت فاطمة صاعا واختبزت خمسة أقراص فوضعوها بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم مسكين فآثروه وباتوا ولم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صياما فلما أمسوا ووضعوا الطعام وقف عليهم يتيم فأثروه ثم وقف عليهم في الثالثة أسير ففعلوا مثل ذلك فنزل جبريل عليه السلام بهذه السورة وقال خذها يا محمد هناك الله في أهل بيتك
الإنسان : ( 13 ) متكئين فيها على . . . . .
) متكئين فيها على الأرائك ( حال من هم في ) وجزاهم ( أو صفة ل ) جنة ( ) لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ( يحتملهما وأن يكون حالا من المستكن في ) متكئين ( والمعنى أنه يمر عليهم فيها هواء معتدل لا حار محم ولا بارد مؤذ وقيل الزمهرير القمر في لغة طيئ قال راجزهم " وليلة ظلامها قد اعتكر قطعتها والزمهرير ما زهر " والمعنى أن هواءها مضيء بذاته لا يحتاج إلى شمس وقمر
الإنسان : ( 14 ) ودانية عليهم ظلالها . . . . .
) ودانية عليهم ظلالها ( حال أو صفة أخرى معطوفة على ما قبلها أو عطف على ) جنة ( أي وجنة أخرى دانية على أنهم وعدوا جنتين كقوله ) ولمن خاف مقام ربه جنتان ( وقرئت بالرفع على أنها خبر ) ظلالها ( والجملة حال أو صفة ) وذللت قطوفها تذليلا ( معطوف على ما قبله أو حال من دانية وتذليل القطوف أن تجعل سهلة التناول لا تمتنع على قطافها كيف شاءوا(5/428)
" صفحة رقم 429 "
الإنسان : ( 15 ) ويطاف عليهم بآنية . . . . .
) ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب ( وأباريق بلا عروة ) كانت قواريرا )
الإنسان : ( 16 ) قوارير من فضة . . . . .
) قوارير من فضة ( أي تكونت جامعة بين صفاء الزجاجة وشفيفها وبياض الفضة ولينها وقد نون ) قوارير ( من نون سلاسلا وابن كثير الأولى لأنها رأس الآية وقرئ ) قوارير من فضة ( على هي ) قوارير ( ) قدروها تقديرا ( أي قدروها في أنفسهم فجاءت مقاديرها وأشكالها كما تمنوه أو قدروها بأعمالهم الصالحة فجاءت على حسبها أو قدر الطائفون بها المدلول عليهم بقوله يطاف شرابها على قدر اشتهائهم وقرئ ) قدروها ( أي جعلوا قادرين لها كما شاءوا من قدر منقولا من قدرت الشيء
الإنسان : ( 17 ) ويسقون فيها كأسا . . . . .
) ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا ( ما يشبه الزنجبيل في الطعم وكانت العرب يستلذون الشراب الممزوج به
الإنسان : ( 18 ) عينا فيها تسمى . . . . .
) عينا فيها تسمى سلسبيلا ( لسلاسة انحدارها في الحلق وسهولة مساغها يقال شراب سلسل وسلسال وسلسبيل ولذلك حكم بزيادة الباء والمراد به أن ينفي عنها لذع الزنجيل ويصفها بنقيضه وقيل أصله سل سبيلا فسميت به كتأبط شرا لأنه لا يشرب منها إلا من سأل إليها سبيلا بالعمل الصالح
الإنسان : ( 19 ) ويطوف عليهم ولدان . . . . .
) ويطوف عليهم ولدان مخلدون ( دائمون ) إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا ( من صفاء ألوانهم وانبثاثهم في مجالسهم وانعكاس شعاع بعضهم إلى بعض
الإنسان : ( 20 ) وإذا رأيت ثم . . . . .
) وإذا رأيت ثم ( ليس له مفعول ملفوظ ولا مقدر لأنه عام معناه أن بصرك أينما وقع ) رأيت نعيما وملكا كبيرا ( واسعا وفي الحديث أدنى أهل الجنة منزلة ينظر في ملكه مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى أدناه هذا وللعارف أكبر من ذلك وهو أن تنتقش نفسه بجلايا الملك وخفايا الملكوت فيستضيء بأنوار قدس الجبروت
الإنسان : ( 21 ) عاليهم ثياب سندس . . . . .
) عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق ( يعلوهم ثياب الحرير الخضر ما رق منها وما غلظ ونصبه على الحال من هم في عليهم أو ) حسبتهم ( أو ) ملكا ( على تقدير مضاف أي وأهل ملك كبير عاليهم وقرأ نافع ) عاليهم ( حمزة بالرفع على أنه خبر ) ثياب ((5/429)
" صفحة رقم 430 "
وقرا ابن كثير وأبو بكر خضر بالجر حملا على ) سندس ( بالمعنى فإنه اسم جنس ) وإستبرق ( بالرفع عطفا على ) ثياب ( وقرأهما حفص وحمزة والكسائي بالرفع وقرئ واستبرق بوصل الهمزة والفتح على أنه استفعل من البريق جعل علما لهذا النوع من الثياب ) وحلوا أساور من فضة ( عطف على ) ويطوف عليهم ( ولا يخالفه قوله ) أساور من ذهب ( لإمكان الجمع والمعاقبة والتبعيض فإن حلي أهل الجنة تختلف باختلاف أعمالهم فلعله تعالى يفيض عليهم جزاء لما عملوه بأيديهم حليا وأنوارا تتفاوت الذهب والفضة أو حال من الضمير في ) عاليهم ( بإضمار قد وعلى هذا يجوز أن يكون هذا للخدم وذلك للمخدومين ) وسقاهم ربهم شرابا طهورا ( يريد به نوعا آخر يفوق على النوعين المتقدمين ولذلك أسند سقيه إلى الله عز وجل ووصفه بالطهورية فإنه يطهر شاربه عن الميل إلى اللذات الحسية والركون إلى ما سوى الحق فيتجرد لمطالعة جماله ملتذا بلقائه باقيا ببقائه وهي منتهى درجات الصديقين ولذلك ختم بها ثواب الأبرار
الإنسان : ( 22 ) إن هذا كان . . . . .
) إن هذا كان لكم جزاء ( على إضمار القول والإشارة إلى ما عد من ثوابهم ) وكان سعيكم مشكورا ( مجازى عليه غير مضيع
الإنسان : ( 23 ) إنا نحن نزلنا . . . . .
) إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا ( مفرقا منجما لحكمة اقتضته وتكرير الضمير مع أن مزيد لاختصاص التنزيل به
الإنسان : ( 24 ) فاصبر لحكم ربك . . . . .
) فاصبر لحكم ربك ( بتأخير نصرك على كفار مكة وغيرهم ) ولا تطع منهم آثما أو كفورا ( أي كل واحد من مرتكب الإثم الداعي لك إليه ومن الغالي في الكفر الداعي لك إليه وأو للدلالة على أنهما سيان في استحقاق العصيان والاستقلال به والقسم باعتبار ما يدعونه إليه فإن ترتب النهي على الوصفين مشعر أنه لهما وذلك يستدعي أن تكون المطاوعة في الإثم والكفر فإن مطاوعتهما فيما ليس بإثم ولا كفر غير محظور
الإنسان : ( 25 ) واذكر اسم ربك . . . . .
) واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ( ودوام على ذكره أو دم على صلاة الفجر والظهر والعصر فإن الأصيل يتناول وقتيهما(5/430)
" صفحة رقم 431 "
الإنسان : ( 26 ) ومن الليل فاسجد . . . . .
) ومن الليل فاسجد له ( وبعض الليل فصل له تعالى ولعل المراد به صلاة المغرب والعشاء وتقديم الظرف لما في صلاة الليل من مزيد الكلفة والخلوص ) وسبحه ليلا طويلا ( وتهجد له طائفة طويلة من الليل
الإنسان : ( 27 ) إن هؤلاء يحبون . . . . .
) إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم ( أمامهم أو خلف ظهورهم ) يوما ثقيلا ( شديدا مستعار من الثقل الباهظ للحامل وهو كالتعليل لما أمر به ونهى عنه
الإنسان : ( 28 ) نحن خلقناهم وشددنا . . . . .
) نحن خلقناهم وشددنا أسرهم ( وأحكمنا ربط مفاصلهم بالأعصاب ) وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا ( وإذا شئنا أهلكناهم و ) بدلنا أمثالهم تبديلا ( في الخلقة وشدة الأسر يعني النشأة الثانية ولذلك جيء ب ) إذا ( أو بدلنا غيرهم ممن يطيع ) وإذا ( لتحقق القدرة وقوة الداعية
الإنسان : ( 29 ) إن هذه تذكرة . . . . .
) إن هذه تذكرة ( الإشارة إلى السورة أو الآيات القريبة ) فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ( تقرب إليه بالطاعة
الإنسان : ( 30 ) وما تشاؤون إلا . . . . .
) وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ( وما تشاءون ذلك إلا وقت أن يشاء الله مشيئتكم وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر يشاءون بالياء ) إن الله كان عليما ( بما يستأهل كل أحد ) حكيما ( لا يشاء إلا ما تقتضيه حكمته
الإنسان : ( 31 ) يدخل من يشاء . . . . .
) يدخل من يشاء في رحمته ( بالهداية والتوفيق للطاعة ) والظالمين أعد لهم عذابا أليما ( نصب ) الظالمين ( بفعل يفسره ) أعد لهم ( مثل أوعد وكافأ ليطابق الجملة المعطوف عليها وقرئ بالرفع على الابتداء عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة هل أتى كان جزاؤه على الله جنة وحريرا(5/431)
" صفحة رقم 432 "
سورة المرسلات
مكية وآيها خمسون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
المرسلات : ( 1 - 5 ) والمرسلات عرفا
) والمرسلات عرفا فالعاصفات عصفا والناشرات نشرا فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا ( إقسام بطوائف من الملائكة أرسلهن الله تعالى بأوامره متتابعة فعصفن عصف الرياح في امتثال أمره ونشرن الشرائع في الأرض أو نشرن النفوس الموتى بالجهل بما أوحين من العلم ففرقن بين الحق والباطل فألقين إلى الأنبياء ذكرا عذرا للمحقين ونذرا للمبطلين أو بآيات القرآن المرسلة بكل عرف إلى محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فعصفن سائر الكتب والأديان بالنسخ ونشرن آثار الهدى والحكم في الشرق والغرب وفرقن بين الحق والباطل فألقين ذكر الحق فيما بين العالمين أو بالنفوس الكاملة المرسلة إلى الأبدان لاستكمالها فعصفن ما سوى الحق ونشرن أثر ذلك في جميع الأعضاء ففرقن بين الحق بذاته والباطل في نفسه فيرون كل شيء هالكا إلا وجهه فألقين ذكرا بحيث لا يكون في القلوب والألسنة إلا ذكر الله تعالى أو برياح عذاب أرسلن فعصفن ورياح رحمة نشرن السحاب في الجو ففرقن فألقين ذكرا أي تسببن له فإن العاقل إذا شاهد هبوبها وآثارها ذكر الله تعالى وتذكر كمال قدرته وعرفا إما نقيض النكر وانتصابه على العلة أي أرسلن للإحسان والمعروف أو بمعنى المتتابعة من عرف الفرس وانتصابه على الحال ) عذرا أو نذرا ( مصدران لعذر إذا محا الإساءة وأنذر إذا خوف أو جمعان لعذير بمعنى المعذرة ونذير بمعنى الإنذار أو بمعنى العاذر والمنذر ونصبهما على الأولين بالعلية أي
المرسلات : ( 6 ) عذرا أو نذرا
) عذرا ( للمحقين ) أو نذرا ( للمبطلين أو البدل من ) ذكرا ( على أن المراد به الوحي أو ما يعم التوحيد والشرك والإيمان والكفر وعلى الثالث بالحالية وقرأهما أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص بالتخفيف(5/432)
" صفحة رقم 433 "
المرسلات : ( 7 ) إنما توعدون لواقع
) إنما توعدون لواقع ( جواب القسم ومعناه أن الذي توعدونه من مجيء القيامة كائن لا محالة
المرسلات : ( 8 ) فإذا النجوم طمست
) فإذا النجوم طمست ( محقت أو أذهب نورها
المرسلات : ( 9 ) وإذا السماء فرجت
) وإذا السماء فرجت ( صدعت
المرسلات : ( 10 ) وإذا الجبال نسفت
) وإذا الجبال نسفت ( كالحب ينسف بالمنسف
المرسلات : ( 11 ) وإذا الرسل أقتت
) وإذا الرسل أقتت ( عين لها وقتها الذي يحضرون فيه للشهادة على الأمم بحصوله فإنه لا يتعين لهم قبله أو بلغت ميقاتها الذي كانت تنتظره وقرأ أبو عمرو وقتت على الأصل
المرسلات : ( 12 ) لأي يوم أجلت
) لأي يوم أجلت ( أي يقال لأي يوم أخرت وضرب الأجل للجمع وهو تعظيم لليوم وتعجيب من هوله ويجوز أن يكون ثاني مفعولي ) أقتت ( على أنه بمعنى أعلمت
المرسلات : ( 13 ) ليوم الفصل
) ليوم الفصل ( بيان ليوم التأجيل
المرسلات : ( 14 ) وما أدراك ما . . . . .
) وما أدراك ما يوم الفصل ( ومن أين تعلم كنهه ولم تر مثله
المرسلات : ( 15 ) ويل يومئذ للمكذبين
) ويل يومئذ للمكذبين ( أي بذلك و ) ويل ( في الأصل مصدر منصوب بإضمار فعله عدل به إلى الرفع للدلالة على ثبات الهلك للمدعو عليه و ) يومئذ ( ظرفه أو صفته
المرسلات : ( 16 ) ألم نهلك الأولين
) ألم نهلك الأولين ( كقوم نوح وعاد وثمود وقرئ نهلك من هلكه بمعنى أهلكه
المرسلات : ( 17 ) ثم نتبعهم الآخرين
) ثم نتبعهم الآخرين ( أي ) ثم ( نحن ) نتبعهم ( نظراءهم ككفار مكة وقرئ(5/433)
" صفحة رقم 434 "
بالجزم عطفا على ) نهلك ( فيكون ) الآخرين ( المتأخرين من المهلكين كقوم لوط وشعيب وموسى عليهم الصلاة والسلام
المرسلات : ( 18 ) كذلك نفعل بالمجرمين
) كذلك ( مثل ذلك الفعل ) نفعل بالمجرمين ( بكل من أجرم
المرسلات : ( 19 ) ويل يومئذ للمكذبين
) ويل يومئذ للمكذبين ( بآيات الله وأنبيائه فليس تكريرا وكذا إن أطلق التكذيب أو علق في الموضعين بواحد لأن ال ) ويل ( الأول لعذاب الآخرة وهذا للإهلاك في الدنيا مع أن التكرير للتوكيد حسن شائع في كلام العرب
المرسلات : ( 20 ) ألم نخلقكم من . . . . .
) ألم نخلقكم من ماء مهين ( نطفة مذرة ذليلة
المرسلات : ( 21 ) فجعلناه في قرار . . . . .
) فجعلناه في قرار مكين ( هو الرحم
المرسلات : ( 22 ) إلى قدر معلوم
) إلى قدر معلوم ( إلى مقدار معلوم من الوقت قدره الله تعالى للولادة
المرسلات : ( 23 - 24 ) فقدرنا فنعم القادرون
) فقدرنا ( على ذلك أو فقدرناه ويدل عليه قراءة نافع والكسائي بالتشديد ) فنعم القادرون ( نحن ) ويل يومئذ للمكذبين ( بقدرتنا على ذلك أو على الإعادة
المرسلات : ( 25 ) ألم نجعل الأرض . . . . .
) ألم نجعل الأرض كفاتا ( كافتة اسم لما يكفت أي يضم ويجمع كالضمام والجماع اسم لما يضم ويجمع أو مصدر نعت به أو جمع كافت كصائم وصيام أو كفت وهو الوعاء أجري على الأرض باعتبار أقطارها
المرسلات : ( 26 ) أحياء وأمواتا
) أحياء وأمواتا ( منتصبان على المفعولية وتنكيرهما للتفخيم أو لأن أحياء الإنس وأمواتهم بعض الأحياء والأموات أو الحالية من مفعوله المحذوف للعلم به وهو الإنس أو بنجعل على المفعولية و ) كفاتا ( حال أو الحالية فيكون المعنى بالأحياء ما ينبت وبالأموات ما لا ينبت(5/434)
" صفحة رقم 435 "
المرسلات : ( 27 ) وجعلنا فيها رواسي . . . . .
) وجعلنا فيها رواسي شامخات ( جبالا ثوابت طوالا والتنكير للتفخيم أو الإشعار بأن فيها ما لم يعرف ولم ير ) وأسقيناكم ماء فراتا ( بخلق الأنهار والمنابع فيها
المرسلات : ( 28 ) ويل يومئذ للمكذبين
) ويل يومئذ للمكذبين ( بأمثال هذه النعم
المرسلات : ( 29 ) انطلقوا إلى ما . . . . .
) انطلقوا ( أي يقال لهم انطلقوا ) إلى ما كنتم به تكذبون ( من العذاب
المرسلات : ( 30 ) انطلقوا إلى ظل . . . . .
) انطلقوا ( خصوصا وعن يعقوب ) انطلقوا ( على الإخبار عن امتثالهم للأمر اضطرارا ) إلى ظل ( يعني ظل دخان جهنم كقوله تعالى ) وظل من يحموم ( ) ذي ثلاث شعب ( يتشعب لعظمه كما ترى الدخان العظيم يتفرق تفرق الذوائب وخصوصية الثلاث إما لأن حجاب النفس عن أنوار القدس الحس والخيال والوهم أو لأن المؤدي إلى هذا العذاب هو القوة الواهمة الحالية في الدماغ والغضبية التي في يمين القلب والشهوية التي في يساره ولذلك قيل شعبة تقف فوق الكافر وشعبة عن يمينه وشعبة عن يساره
المرسلات : ( 31 ) لا ظليل ولا . . . . .
) لا ظليل ( تهكم بهم ورد لما أوهم لفظ ال ) ظل ( ) ولا يغني من اللهب ( وغير مغن عنهم من حر اللهب شيئا
المرسلات : ( 32 ) إنها ترمي بشرر . . . . .
) إنها ترمي بشرر كالقصر ( أي كل شرارة ) كالقصر ( في عظمها ويؤيده أنه قرىء بشرار وقيل هو جمع قصرة وهي الشجرة الغليظة وقريء كالقصر بمعنى القصور كرهن ورهن وكالقصر جمع قصرة كحاجة وحوج وكالقصر جمع قصرة وهي أصل العنق والهاء للشعب
المرسلات : ( 33 ) كأنه جمالة صفر
) كأنه جمالة ( جمع جمال أو جمالة جمع جمل ) صفر ( فإن الشرار بما(5/435)
" صفحة رقم 436 "
فيه من النارية يكون أصفر وقيل سود لأن سواد الإبل يضرب إلى الصفرة والأول تشبيه في العظم وهذا في اللون والكثرة والتتابع والاختلاط وسرعة الحركة وقرأ حمزة والكسائي وحفص ) جمالة ( وعن يعقوب / جمالات / بالضم جمع جمالة وقد قرىء بها وهي الحبل الغليظ من حبال السفينة شبهه بها في امتداده والتفافه
المرسلات : ( 34 - 35 ) ويل يومئذ للمكذبين
) ويل يومئذ للمكذبين هذا يوم لا ينطقون ( أي بما يستحق فإن النطق بما لا ينفع كلا نطق أو بشيء من فرط الدهشة والحيرة وهذا في بعض المواقف وقرىء بنصب ال يوم أي هذا الذي ذكر واقع يومئذ
المرسلات : ( 36 - 37 ) ولا يؤذن لهم . . . . .
) ولا يؤذن لهم فيعتذرون ويل يومئذ للمكذبين ( عطف ) فيعتذرون ( على ) يؤذن ( ليدل على نفي الإذن والاعتذار عقيبه مطلقا ولو جعله جوابا لدل على أن عدم اعتذارهم لعدم الأذن فأوهم ذلك أن لهم عذرا لكن لا يؤذن لهم فيه
المرسلات : ( 38 ) هذا يوم الفصل . . . . .
) هذا يوم الفصل ( بين المحق والمبطل ) جمعناكم والأولين ( تقرير وبيان للفصل
المرسلات : ( 39 ) فإن كان لكم . . . . .
) فإن كان لكم كيد فكيدون ( تقريع لهم على كيدهم للمؤمنين في الدنيا وإظهار لعجزهم
المرسلات : ( 40 ) ويل يومئذ للمكذبين
) ويل يومئذ للمكذبين ( إذ لا حيلة لهم في التخلص من العذاب
المرسلات : ( 41 ) إن المتقين في . . . . .
) إن المتقين ( عن الشرك لأنهم في مقابلة المكذبين ) في ظلال وعيون )
المرسلات : ( 42 ) وفواكه مما يشتهون
) وفواكه مما يشتهون ( مستقرون في أنواع الترفه
المرسلات : ( 43 ) كلوا واشربوا هنيئا . . . . .
) كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون ( أي مقولا لهم ذلك
المرسلات : ( 44 ) إنا كذلك نجزي . . . . .
) إنا كذلك نجزي المحسنين ( في العقيدة
المرسلات : ( 45 ) ويل يومئذ للمكذبين
) ويل يومئذ للمكذبين ( يمحض لهم العذاب المخلد ولخصومهم الثواب المؤبد(5/436)
" صفحة رقم 437 "
المرسلات : ( 46 ) كلوا وتمتعوا قليلا . . . . .
) كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون ( حال من المكذبين أي الويل ثابت لهم في حال ما يقال لهم ذلك تذكيرا لهم بحالهم في الدنيا وبما جنوا على أنفسهم من إيثار المتاع القليل على النعيم المقيم
المرسلات : ( 47 ) ويل يومئذ للمكذبين
) ويل يومئذ للمكذبين ( حيث عرضوا أنفسهم للعذاب الدائم بالتمتع القليل
المرسلات : ( 48 ) وإذا قيل لهم . . . . .
) وإذا قيل لهم اركعوا ( أطيعوا واخضعوا أو صلوا أو اركعوا في الصلاة إذ روي أنه نزل حين أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثقيفا بالصلاة فقالوا لا نجبي أي لا نركع فإنها مسبة وقيل هو يوم القيامة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون ) لا يركعون ( لا يمتثلون واستدل به على أن الأمر للوجوب وأن الكفار مخاطبون بالفروع
المرسلات : ( 49 - 50 ) ويل يومئذ للمكذبين
) ويل يومئذ للمكذبين فبأي حديث بعده ( بعد القرآن ) يؤمنون ( إذ لم يؤمنوا به وهو معجز في ذاته مشتمل على الحجج الواضحة والمعاني الشريفة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة المرسلات كتب له أنه ليس من المشركين(5/437)
" صفحة رقم 438 "
سورة النبأ
مكية وآيها إحدى وأربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
النبأ : ( 1 ) عم يتساءلون
) عم يتساءلون ( أصله عما فحذف الألف لما مر ومعنى هذا الاستفهام تفخيم شأن ما يتساءلون عنه كأنه لفخامته خفي جنسه فيسأل عنه والضمير لأهل مكة كانوا يتساءلون عن البعث فيما بينهم أو يسألون الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين عنه استهزاء كقولهم يتداعونهم ويتراءونهم أي يدعونهم ويرونهم أو للناس
النبأ : ( 2 ) عن النبإ العظيم
) عن النبإ العظيم ( بيان لشأن المفخم أو صلة ) يتساءلون ( و ) عم ( متعلق بمضمر مفسر به ويدل عليه قراءة يعقوب عمه
النبأ : ( 3 ) الذي هم فيه . . . . .
) الذي هم فيه مختلفون ( بجزم النفي والشك فيه أو بالإقرار والإنكار
النبأ : ( 4 ) كلا سيعلمون
) كلا سيعلمون ( ردع عن التساؤل ووعيد عليه
النبأ : ( 5 ) ثم كلا سيعلمون
) ثم كلا سيعلمون ( تكرير للمبالغة و ) ثم ( للإشعار بأن الوعيد الثاني أشد وقيل الأول عند النزع والثاني في القيامة أو الأول للبعث والثاني للجزاء وعن ابن عامر ستعلمون بالتاء على تقدير قل لهم ستعلمون
النبأ : ( 6 - 7 ) ألم نجعل الأرض . . . . .
) ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا ( تذكير ببعض ما عاينوا من عجائب صنعه الدالة على كمال قدرته ليستدلوا بذلك على صحة البعث كما مر تقريره مرارا وقرئ مهدا أي أنها لهم كالمهد للصبي مصدر سمي به ما يمهد لينوم عليه(5/438)
" صفحة رقم 439 "
النبأ : ( 8 ) وخلقناكم أزواجا
) وخلقناكم أزواجا ( ذكرا وأنثى
النبأ : ( 9 ) وجعلنا نومكم سباتا
) وجعلنا نومكم سباتا ( قطعا عن الإحساس والحركة استراحة للقوى الحيوانية وإزاحة لكلاهما أو موتا لأنه أحد التوفيين ومنه المسبوت للميت وأصله القطع أيضا
النبأ : ( 10 ) وجعلنا الليل لباسا
) وجعلنا الليل لباسا ( غطاء يستتر بظلمته من أراد الاختفاء
النبأ : ( 11 ) وجعلنا النهار معاشا
) وجعلنا النهار معاشا ( وقت معاش تتقلبون فيه لتحصيل ما تعيشون به أو حياة تنبعثون فيها عن نومكم
النبأ : ( 12 ) وبنينا فوقكم سبعا . . . . .
) وبنينا فوقكم سبعا شدادا ( سبع سموات أقوياء محكمات لا يؤثر فيها مرور الدهور
النبأ : ( 13 ) وجعلنا سراجا وهاجا
) وجعلنا سراجا وهاجا ( متلألئا وقادا من وهجت النار إذا أضاءت أو بالغا في الحرارة من الوهج وهو الحر والمراد الشمس
النبأ : ( 14 ) وأنزلنا من المعصرات . . . . .
) وأنزلنا من المعصرات ( السحائب إذا أعصرت أي شارفت أن تعصرها الرياح فتمر كقولك احصد الزرع إذا حان له أن يحصد ومنه أعصرت الجارية إذا دنت أن تحيض أو من الرياح التي حان لها أن تعصر السحاب أو الرياح ذوات الأعاصير وإنما جعلت مبدأ للإنزال لأنها تنشيء السحاب وتدرأ خلافه ويؤيده أنه قرئ بالمعصرات ) ماء ثجاجا ( منصبا بكثرة يقال ثجه وثج بنفسه وفي الحديث أفضل الحج العج والثج أي رفع الصوت بالتلبية وصب دماء الهدي وقرئ ثجاجا ومثاجج الماء مصابه(5/439)
" صفحة رقم 440 "
النبأ : ( 15 ) لنخرج به حبا . . . . .
) لنخرج به حبا ونباتا ( ما يقتات به وما يعتلف من التبن والحشيش
النبأ : ( 16 ) وجنات ألفافا
) وجنات ألفافا ( ملتفة بعضها ببعض جمع لف كجذع قال " جنة لف وعيش مغدق وندامى كلهم بيض زهر " أو لفيف كشريف أو لف جمع لفاء كخضراء وخضر وأخضار أو متلفة بحذف الزوائد
النبأ : ( 17 ) إن يوم الفصل . . . . .
) إن يوم الفصل كان ( في علم الله تعالى أو في حكمه ) ميقاتا ( حدا تؤقت به الدنيا وتنتهي عنده أو حدا للخلائق ينتهون إليه
النبأ : ( 18 ) يوم ينفخ في . . . . .
) يوم ينفخ في الصور ( بدل أو بيان ليوم الفصل ) فتأتون أفواجا ( جماعات من القبور إلى المحشر روي أنه ( صلى الله عليه وسلم ) سئل عنه فقال يحشر عشرة أصناف من أمتي بعضهم على صورة القردة وبعضهم على صورة الخنازير وبعضهم منكسون يسبحون على وجوههم وبعضهم عمي وبعضهم صم بكم وبعضهم يمضغون ألسنتهم فهي مدلاة على صدورهم فيسيل القيح من أفواههم يتقذرهم أهل الجمع وبعضهم مقطعة أيديهم وآرجلهم وبعضهم مصلوبون على جذوع من نار وبعضهم أشد نتنا من الجيف وبعضهم ملبسون جبابا سابغة من قطران لازقة بجلودهم ثم فسرهم بالقتات وأهل السحت وأكلة الربا والجائرين في الحكم والمعجبين بأعمالهم والعلماء الذين خالف قولهم عملهم والمؤذين جيرانهم والساعين بالناس إلى السلطان والتابعين للشهوات المانعين حق الله تعالى والمتكبرين الخيلاء(5/440)
" صفحة رقم 441 "
النبأ : ( 19 ) وفتحت السماء فكانت . . . . .
) وفتحت السماء ( وشققت وقرأ الكوفيون بالتخفيف ) فكانت أبوابا ( فصارت من كثرة الشقوق كأن الكل أبواب أو فصارت ذات أبواب
النبأ : ( 20 ) وسيرت الجبال فكانت . . . . .
) وسيرت الجبال ( أي في الهواء كالهباء ) فكانت سرابا ( مثل سراب إذ ترى على صورة الجبال ولم تبق على حقيقتها لتفتت أجزائها وانبثاثها
النبأ : ( 21 ) إن جهنم كانت . . . . .
) إن جهنم كانت مرصادا ( موضع رصد يرصد فيه خزنة النار الكفار أو خزنة الجنة المؤمنين ليحرسوهم من فيحها في مجازهم عليها كالمضمار فإنه الموضع الذي تضمر فيه الخيل أو مجدة في ترصد الكفرة لئلا يشذ منها واحد كالمطعان وقرئ ) إن ( بالفتح على التعليل لقيام الساعة
النبأ : ( 22 ) للطاغين مآبا
) للطاغين مآبا ( مرجعا ومأوى
النبأ : ( 23 - 25 ) لابثين فيها أحقابا
) لابثين فيها ( وقرأ حمزة وروح لبثين وهو أبلغ ) أحقابا ( دهورا متتابعة وليس فيها ما يدل على خروجهم منها إذ لو صح أن الحقب ثمانون سنة أو سبعون ألف سنة فليس فيه ما يتقضي تناهي تلك الأحقاب لجواز أن يكون المراد أحقابا مترادفة كلما مضى حقب تبعه آخر وإن كان فمن قبيل المفهوم فلا يعارض المنطق الدال على خلود الكفار ولو جعل قوله ) لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا ( حالا من المستكن في ) لابثين ( أو نصب ) أحقابا ( ب ) لا يذوقون ( احتمل أن يلبثوا فيها أحقابا غير ذائقين إلا حميما وغساقا ثم يبدلون جنسا آخر من العذاب ويجوز أن يكون جمع حقب من حقب الرجل إذا أخطأه الرزق وحقب العام إذا قل مطره وخيره فيكون حالا بمعنى لابثين فيها حقبين وقوله ) لا يذوقون ( تفسير له والمراد بالبرد ما يروحهم وينفس عنهم حر النار أو النوم وبالغساق ما يغسق أي يسيل من صديدهم وقيل الزمهرير وهو مستثنى من البرد إلا أنه أخر ليتوافق رؤوس الآي وقرأ حمزة والكسائي وحفص بالتشديد
النبأ : ( 26 ) جزاء وفاقا
) جزاء وفاقا ( أي جوزوا بذلك جزاء ذا وفاق لأعمالهم أو موافقا لها أو وافقها وفاقا وقرئ وفاقا فعال من وفقه كذا
النبأ : ( 27 ) إنهم كانوا لا . . . . .
) إنهم كانوا لا يرجون حسابا ( بيان لما وافقه هذا الجزاء(5/441)
" صفحة رقم 442 "
النبأ : ( 28 ) وكذبوا بآياتنا كذابا
) وكذبوا بآياتنا كذابا ( تكذيبا وفعال بمعنى تفعيل مطرد شائع في كلام الفصحاء قرئ بالتخفيف وهو بمعنى الكذب كقوله " فصدقتها وكذبتها والمرء ينفعه كذابه " وإنما أقيم مقام التكذيب للدلالة على أنهم كذبوا في تكذيبهم أو المكاذبة فإنهم كانوا عند المسلمين كاذبين وكان المسلمين كاذبين عندهم فكان بينهم مكاذبة أو كانوا مبالغين في الكذب مبالغة فيه وعلى المعنيين يجوز أن يكون حالا بمعنى كاذبين أو مكاذبين ويؤيده أنه قرئ كذابا وهو جمع كاذب ويجوز أن يكون للمبالغة فيكون صفة للمصدر أي تكذيبا مفرطا كذبه
النبأ : ( 29 ) وكل شيء أحصيناه . . . . .
) وكل شيء أحصيناه ( وقرئ بالرفع على الابتداء ) كتابا ( مصدر لأحصيناه إن الأحصاء والكتبة يتشاركان في معنى الضبط أو لفعله المقدر أو حال بمعنى مكتوبا في اللوح أو صحف الحفظة والجملة اعتراض
النبأ : ( 30 ) فذوقوا فلن نزيدكم . . . . .
وقوله ) فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ( مسبب عن كفرهم بالحساب وتكذيبهم بالآيات مجيئه على طريقة الالتفات للمبالغة وفي الحديث هذه الآية أشد ما في القرآن على أهل النار
النبأ : ( 31 ) إن للمتقين مفازا
) إن للمتقين مفازا ( فوزا أو موضع فوز(5/442)
" صفحة رقم 443 "
النبأ : ( 32 ) حدائق وأعنابا
) حدائق وأعنابا ( بساتين فيها أنواع الأشجار المثمرة بدل من ) مفازا ( بدل الاشتمال والبعض
النبأ : ( 33 ) وكواعب أترابا
) وكواعب ( نساء فلكت ثديهن ) أترابا ( لدات
النبأ : ( 34 ) وكأسا دهاقا
) وكأسا دهاقا ( ملآنا وأدهق الحوض ملآه
النبأ : ( 35 ) لا يسمعون فيها . . . . .
) لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا ( وقرأ الكسائي بالتخفيف أي كذبا أو مكاذبة إذ لا يكذب بعضهم بعضا
النبأ : ( 36 ) جزاء من ربك . . . . .
) جزاء من ربك ( بمقتضى وعده ) عطاء ( تفضلا منه إذ لا يجب عليه شيء وهو بدل من ) جزاء ( وقيل منتصب به نصب المفعول به ) حسابا ( كافيا من أحسبه الشيء إذا كفاه حتى قال حسبي أو على حسب أعمالهم وقرئ حسابا أي محسبا كالدراك بمعنى المدرك
النبأ : ( 37 ) رب السماوات والأرض . . . . .
) رب السماوات والأرض وما بينهما ( بدل من ربك وقد رفعه الحجازيان وأبو عمرو على الابتداء ) الرحمن ( بالجر صفة له وكذا في قراءة ابن عامر وعاصم ويعقوب بالرفع في قراءة أبي عمرو وفي قراءة حمزة والكسائي بجر الأول ورفع الثاني على أنه خبر محذوف أو مبتدأ خبره ) لا يملكون منه خطابا ( والواو لأهل السموات والأرض أي لا يملكون خطابه والاعتراض عليه في ثواب أو عقاب لأنهم مملوكون له على الاطلاق فلا يستحقون عليه اعتراضا وذلك لا ينافي الشفاعة بإذنه
النبأ : ( 38 ) يوم يقوم الروح . . . . .
) يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ( تقرير وتوكيد لقوله ) لا يملكون ( فإن هؤلاء الذين هم أفضل الخلائق وأقربهم من الله إذا(5/443)
" صفحة رقم 444 "
لم يقدروا أن يتكلموا بما يكون صوابا كالشفاعة لمن ارتضى إلا بإذنه فكيف يملكه غيرهم و ) يوم ( ظرف ل ) لا يملكون ( أو ل ) يتكلمون ( و ) الروح ( ملك موكل على الأرواح أو جنسها أو جبريل عليه السلام أو خلق أعظم من الملائكة
النبأ : ( 39 ) ذلك اليوم الحق . . . . .
) ذلك اليوم الحق ( الكائن لا محالة ) فمن شاء اتخذ إلى ربه ( إلى ثوابه ) مآبا ( بالإيمان والطاعة
النبأ : ( 40 ) إنا أنذرناكم عذابا . . . . .
) إنا أنذرناكم عذابا قريبا ( يعني عذاب الآخرة وقربه لتحققه فإن كل ما هو آت قريب ولأن مبدأه الموت ) يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ( يرى ما قدمه من خير أو شر و ) المرء ( عام وقيل هو الكافر لقوله ) إنا أنذرناكم ( فيكون الكافر ظاهرا وضع موضع الضمير لزيادة الذم و ) ما ( موصولة منصوبة بينظر أو استفهامية منصوبة ب ) قدمت ( أي ينظر أي شيء قدمت يداه ) ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ( في الدنيا فلم أخلق ولم أكلف أو في هذا اليوم فلم أبعث وقيل يحشر سائر الحيوانات للاقتصاص ثم ترد ترابا فيود الكافر حالها عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة عم سقاه الله برد الشراب يوم القيامة(5/444)
" صفحة رقم 445 "
سورة النازعات
مكية وآيها خمس أو ست وأربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
النازعات : ( 1 - 5 ) والنازعات غرقا
) والنازعات غرقا والناشطات نشطا والسابحات سبحا فالسابقات سبقا فالمدبرات أمرا ( هذه صفات ملائكة الموت فإنهم ينزعون أرواح الكفار من أبدانهم غرقا أي إغراقا في النزع فإنهم ينزعونها من أقاصي الأبدان أو نفوسا غرقت في الأجساد وينشطون أي يخرجون أرواح المؤمنين برفق من نشط الدلو من البئر إذا أخرجها ويسبحون في إخراجها سبح الغواص الذي يخرج الشيء من أعماق البحر فيسبقون بأرواح الكفار إلى النار وبأرواح المؤمنين إلى الجنة فيدبرون إمر عقابها وثوابها بأن يهيئوها لإدراك ما أعد لها من الآلام واللذات أو الأوليان لهم والباقيات لطوائف من الملائكة يسبحون في مضيها أي يسرعون فيه فيسبقون إلى ما أمروا به فيدبرون أمره أو صفات النجوم فإنها تنزع من المشرق إلى المغرب غرقا في النزع بأن تقطع الفلك حتى تنحط في أقصى الغرب وتنشط من برج إلى برج أي تخرج من نشط الثور إذا خرج من بلد إلى بلد ويسبحون في الفلك فيسبق بعضها في السير لكونه أسرع حركة فيدبر أمرا نيط بها كاختلاف الفصول وتقدير الأزمنة وظهور مواقيت العبادات ولما كانت حركاتها من المشرق إلى المغرب قسرية وحركاتها من برج إلى برج ملائمة سمى الأولى نزعا والثانية نشطا أو صفات النفوس الفاضلة حال المفارقة فإنها تنزع عن الأبدان غرقا أي نزعا شديدا من إغراق النازع في القوس وتنشط إلى عالم الملكوت وتسبح فيها فتسبق إلى حظائر القدس فتصير لشرفها وقوتها من المدبرات أو حال سلوكها فإنها تنزع عن الشهوات فتنشط إلى عالم القدس فتسبح في مراتب الارتقاء فتسبق إلى الكمالات حتى تصير من المكملات أو صفات أنفس الغزاة أو أيديهم تنزع القسي بإغراق السهام وينشطون بالسهم للرمي ويسبحون في البر والبحر فيسبقون إلى حرب العدو فيدبرون أمرها أو صفات خيلهم فإنها(5/445)
" صفحة رقم 446 "
تنزع في أعنتها نزعا تغرق فيه الأعنة لطول أعناقها وتخرج من دار الإسلام إلى دار الكفر وتسبح في حربها فتسبق إلى العدو فتدبر أمر الظفر أقسم الله تعالى بها على قيام الساعة وإنما حذف لدلالة ما بعده عليه
النازعات : ( 6 ) يوم ترجف الراجفة
) يوم ترجف الراجفة ( وهو منصوب به والمراد ب ) الراجفة ( الأجرام الساكنة التي تشتد حركتها حينئذ كالأرض والجبال لقوله تعالى ) يوم ترجف الأرض والجبال ( أو الواقعة التي ترجف الأجرام عندها وهي النفخة الأولى
النازعات : ( 7 ) تتبعها الرادفة
) تتبعها الرادفة ( التابعة وهي السماء والكواكب تنشق وتنشر أو النفخة الثانية والجملة في موقع الحال
النازعات : ( 8 ) قلوب يومئذ واجفة
) قلوب يومئذ واجفة ( شديدة الاضطراب من الوجيف وهي صفة القلوب والخبر
النازعات : ( 9 ) أبصارها خاشعة
) أبصارها خاشعة ( أي أبصار أصحابها ذليلة من الخوف ولذلك أضافها إلى القلوب
النازعات : ( 10 ) يقولون أئنا لمردودون . . . . .
) يقولون أئنا لمردودون في الحافرة ( في الحالة الأولى يعنون الحياة بعد الموت من قولهم رجع فلان في حافرته أي طريقه التي جاء فيها فحفرها أي أثر فيها بمشيه على النسبة كقوله تعالى ) في عيشة راضية ( أو تشبيه القائل بالفاعل وقرئ في الحفرة بمعنى المحفورة يقال حفرت أسنانه فحفرت حفرا وهي حفرة
النازعات : ( 11 ) أئذا كنا عظاما . . . . .
) أئذا كنا ( وقرأ نافع وابن عامر والكسائي إذا كنا على الخبر ) عظاما نخرة ( بالية وقرأ الحجازيان والشامي وحفص وروح نخرة وهي أبلغ(5/446)
" صفحة رقم 447 "
النازعات : ( 12 ) قالوا تلك إذا . . . . .
) قالوا تلك إذا كرة خاسرة ( ذات خسران أو خاسر أصحابها والمعنى أنها إن صحت فنحن إذا خاسرون لتكذيبنا بها وهو استهزاء منهم
النازعات : ( 13 ) فإنما هي زجرة . . . . .
) فإنما هي زجرة واحدة ( متعلق بمحذوف أي لا يستصعبوها فما هي إلا صيحة واحدة يعني النفخة الثانية
النازعات : ( 14 ) فإذا هم بالساهرة
) فإذا هم بالساهرة ( فإذا هم أحياء على وجه الأرض بعد ما كانوا أمواتا في بطنها والساهرة الأرض البيضاء المستوية سميت بذلك لأن السراب يجري فيها من قولهم عين ساهرة للتي يجري ماؤها وفي ضدها نائمة أو لأن سالكها يسهر خوفا وقيل اسم لجهنم
النازعات : ( 15 ) هل أتاك حديث . . . . .
) هل أتاك حديث موسى ( أليس قد أتاك حديثه فيسليك على تكذيب قومك وتهددهم عليه بأن يصيبهم مثل ما أصاب من هو أعظم منهم
النازعات : ( 16 ) إذ ناداه ربه . . . . .
) إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى ( قد مر بيانه في سورة طه
النازعات : ( 17 ) اذهب إلى فرعون . . . . .
) اذهب إلى فرعون إنه طغى ( على إرادة القول وقرئ أن اذهب لما في النداء من معنى القول
النازعات : ( 18 ) فقل هل لك . . . . .
) فقل هل لك إلى أن تزكى ( هل لك ميل إلى أن تتطهر من الكفر والطغيان وقرأ الحجازيان ويعقوب تزكى بالتشديد
النازعات : ( 19 ) وأهديك إلى ربك . . . . .
) وأهديك إلى ربك ( وأرشدك إلى معرفته ) فتخشى ( بأداء الواجبات وترك المحرمات إذ الخشية إنما تكون بعد المعرفة وهذا كالتفصيل لقوله ) فقولا له قولا لينا )
النازعات : ( 20 ) فأراه الآية الكبرى
) فأراه الآية الكبرى ( أي فذهب وبلغ فأراه المعجزة الكبرى وهي قلب العصا حية فإنه كان المقدم والأصل أو مجموع معجزاته فإنها باعتبار دلالتها كالآية الواحدة
النازعات : ( 21 ) فكذب وعصى
) فكذب وعصى ( فكذب موسى وعصى الله عز وجل بعد ظهور الآية وتحقق الأمر(5/447)
" صفحة رقم 448 "
النازعات : ( 22 ) ثم أدبر يسعى
) ثم أدبر ( عن الطاعة ) يسعى ( ساعيا في إبطال أمره أو أدبر بعدما رأى الثعبان مرعوبا مسرعا في مشيه
النازعات : ( 23 ) فحشر فنادى
) فحشر ( فجمع السحرة أو جنوده ) فنادى ( في المجمع بنفسه أو بمناد
النازعات : ( 24 ) فقال أنا ربكم . . . . .
) فقال أنا ربكم الأعلى ( أعلى كل من يلي أمركم
النازعات : ( 25 ) فأخذه الله نكال . . . . .
) فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ( أخذا منكلا لمن رآه أو سمعه في الآخرة بالإحراق وفي الدنيا بالإغراق أو على كلمته ) الآخرة ( وهي هذه وكلمته الأولى وهو قوله ) ما علمت لكم من إله غيري ( أو للتنكيل فيهما أو لهما ويجوز أن يكون مصدرا مؤكدا مقدرا بفعله
النازعات : ( 26 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ( لمن كان من شأنه الخشية
النازعات : ( 27 ) أأنتم أشد خلقا . . . . .
) أأنتم أشد خلقا ( أصعب خلقا ) أم السماء ( ثم بين كيف خلقها فقال ) بناها )
النازعات : ( 28 ) رفع سمكها فسواها
ثم بين البناء فقال ) رفع سمكها ( أي جعل مقدار ارتفاعها من الأرض أو ثخنها لذاهب في العلو رفيعا ) فسواها ( فعدلها أو فجعلها مستوية أو فتممها بما يتم به كمالها من الكواكب والتداوير وغيرها من قولهم سوى فلان أمره إذا أصلحه
النازعات : ( 29 ) وأغطش ليلها وأخرج . . . . .
) وأغطش ليلها ( أظلمه منقول من غطش الليل إذا أظلم وإنما أضافه إليها لأنه يحدث بحركتها ) وأخرج ضحاها ( وأبرز ضوء شمسها كقوله تعالى ) والشمس وضحاها ( يريد النهار
النازعات : ( 30 ) والأرض بعد ذلك . . . . .
) والأرض بعد ذلك دحاها ( بسطها ومهدها للسكنى
النازعات : ( 31 ) أخرج منها ماءها . . . . .
) أخرج منها ماءها ( بتفجير العيون ) ومرعاها ( ورعيها وهو في الأصل لموضع لرعي وتجريد الجملة عن العاطف لأنها حال بإضمار قد أو بيان للدحو(5/448)
" صفحة رقم 449 "
النازعات : ( 32 ) والجبال أرساها
) والجبال أرساها ( أثبتها وقرئ والأرض والجبال بالرفع على الابتداء وهو مرجوع لأن العطف على فعلية
النازعات : ( 33 ) متاعا لكم ولأنعامكم
) متاعا لكم ولأنعامكم ( تمتيعا لكم ولمواشيكم
النازعات : ( 34 ) فإذا جاءت الطامة . . . . .
) فإذا جاءت الطامة ( الداهية التي تطم أي تعلو على سائر الدواهي ) الكبرى ( التي هي أكبر الطامات وهي القيامة أو النفخة الثانية أو الساعة التي يساق فيها أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار
النازعات : ( 35 ) يوم يتذكر الإنسان . . . . .
) يوم يتذكر الإنسان ما سعى ( بأن يراه مدونا في صحيفته وكان قد نسيه من فرط الغفلة أو طول المدة وهو بدل من ) فإذا جاءت ( و ) ما ( موصولة أو مصدرية
النازعات : ( 36 ) وبرزت الجحيم لمن . . . . .
) وبرزت الجحيم ( وأظهرت لمن ترى لكل راء بحيث لا تخفى على أحد وقرئ ) وبرزت ( ولمن رأى ولمن ترى على أن فيه ضمير الجحيم كقوله تعالى ) إذا رأتهم من مكان بعيد ( أو أنه خطاب الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أي لمن تراه من الكفار وجواب ) فإذا جاءت ( محذوف دل عليه ) يوم يتذكر ( أو ما بعده من التفضيل
النازعات : ( 37 ) فأما من طغى
) فأما من طغى ( حتى كفر
النازعات : ( 38 ) وآثر الحياة الدنيا
) وآثر الحياة الدنيا ( فانهمك فيها ولم يستعد للآخرة بالعبادة وتهذيب النفس
النازعات : ( 39 ) فإن الجحيم هي . . . . .
) فإن الجحيم هي المأوى ( هي مأواه واللام فيه سادة مسد الإضافة للعلم بأن صاحب المأوى هو الطاغي وهي فصل أو مبتدأ
النازعات : ( 40 ) وأما من خاف . . . . .
) وأما من خاف مقام ربه ( مقامه بين يدي ربه لعلمه بالمبدأ والمعاد ) ونهى النفس عن الهوى ( لعلمه بأنه مرد
النازعات : ( 41 ) فإن الجنة هي . . . . .
) فإن الجنة هي المأوى ( ليس له سواها مأوى(5/449)
" صفحة رقم 450 "
النازعات : ( 42 ) يسألونك عن الساعة . . . . .
) يسألونك عن الساعة أيان مرساها ( متى أرساؤها أي إقامتها وإثباتها أو منتهاها ومستقرها من مرسى السفينة وهو حيث تنتهي إليه وتستقر فيه
النازعات : ( 43 ) فيم أنت من . . . . .
) فيم أنت من ذكراها ( في أي شيء أنت من أن تذكر وقتها لهم أي ما أنت من ذكرها لهم وتبيين وقتها في شيء فإن ذكرها لا يزيدهم إلا غيا ووقتها مما استأثر الله تعالى بعلمه وقيل ) فيم ( إنكار لسؤالهم و ) أنت من ذكراها ( مستأنف ومعناه أنت ذكر من ذكرها أي علامة من أشراطها فإن إرساله خاتما للأنبياء أمارة من أماراتها وقيل إنه متصل بسؤالهم والجواب
النازعات : ( 44 ) إلى ربك منتهاها
) إلى ربك منتهاها ( أي منتهى علمها
النازعات : ( 45 ) إنما أنت منذر . . . . .
) إنما أنت منذر من يخشاها ( إنما بعثت لإنذار من يخاف هولها وهو لا يناسب تعيين الوقت وتخصيص من يخشى لأنه المنتفع به وعن أبي عمرو ومنذر بالتنوين والإعمال على الأصل لأنه بمعنى الحال
النازعات : ( 46 ) كأنهم يوم يرونها . . . . .
) كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا ( في الدنيا أو في القبور ) إلا عشية أو ضحاها ( أي عشية يوم أو ضحاه كقوله ) إلا ساعة من نهار ( ولذلك أضاف الضحى إلى ال ) عشية ( لأنهما من يوم واحد عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة النازعات كان ممن حبسه الله في القيامة حتى يدخل الجنة قدر صلاة المكتوبة(5/450)
" صفحة رقم 451 "
سورة عبس
مكية وآيها ثنتان وأربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
عبس : ( 1 - 3 ) عبس وتولى
) عبس وتولى ( ) أن جاءه الأعمى ( روي أن ابن أم مكتوم أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعنده صناديد قريش يدعوهم إلى الإسلام فقال يا رسول الله علمني مما علمك الله وكرر ذلك ولم يعلم تشاغله بالقوم فكره رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قطعه لكلامه وعبس وأعرض عنه فنزلت فكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يكرمه ويقول إذا رآه مرحبا بمن عاتبني فيه ربي واستخلفه على المدينة مرتين وقرئ عبس بالتشديد للمبالغة و ) أن جاءه ( علة ل ) تولى ( أو ) عبس ( على اختلاف المذهبين وقرئ آأن بهمزتين وبألف بينهما بمعنى ألئن جاءه الأعمى فعل ذلك وذكر الأعمى للإشعار بعذره في الإقدام على قطع كلام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالقوم والدلالة على أنه أحق بالرأفة والرفق أو لزيادة الإنكار كأنه قال تولى لكونه أعمى كالالتفات في قوله ) وما يدريك لعله يزكى ( أي وأي شيء يجعلك داريا بحاله لعله يتطهر من الآثام بما يتلقف منك وفيه إيماء بأن إعراضه كان لتزكية غيره(5/451)
" صفحة رقم 452 "
عبس : ( 4 ) أو يذكر فتنفعه . . . . .
) أو يذكر فتنفعه الذكرى ( أو يتعظ فتنفعه موعظتك وقيل الضمير في ) لعله ( للكافر أي أنك طمعت في تزكيه بالإسلام وتذكره بالموعظة ولذلك أعرضت عن غيره فما يدريك أن ما طمعت فيه كائن وقرأ عاصم فتنفعه بالنصب جوابا للعل
عبس : ( 5 - 6 ) أما من استغنى
) أما من استغنى فأنت له تصدى ( تتعرض له بالإقبال عليه وأصله تتصدى وقرأ ابن كثير ونافع تصدى بالإدغام وقرئ تصدى أي تعرض وتدعى إلى التصدي
عبس : ( 7 ) وما عليك ألا . . . . .
) وما عليك ألا يزكى ( وليس عليك بأس في أن لا يتزكى بالإسلام حتى يبعثك الحرص على إسلامه إلى الإعراض عمن أسلم ) إن عليك إلا البلاغ )
عبس : ( 8 ) وأما من جاءك . . . . .
) وأما من جاءك يسعى ( يسرع طالبا للخير
عبس : ( 9 ) وهو يخشى
) وهو يخشى ( الله أو أذية الكفار في إتيانك أو كبوة الطريق لأنه أعمى لا قائد له
عبس : ( 10 ) فأنت عنه تلهى
) فأنت عنه تلهى ( تتشاغل يقال لها عنه والتهى و ) تلهى ( ولعل ذكر التصدق والتلهي للإشعار بأن العتاب على اهتمام قلبه بالغني وتلهيه عن الفقير ومثله لا ينبغي له ذلك
عبس : ( 11 ) كلا إنها تذكرة
) كلا ( ردع عن المعاتب عليه أو عن معاودة مثله ) إنها تذكرة )
عبس : ( 12 ) فمن شاء ذكره
) فمن شاء ذكره ( حفظه أو اتعظ به والضميران للقرآن أو العتاب المذكور وتأنيث الأول لتأنيث خبره
عبس : ( 13 ) في صحف مكرمة
) في صحف ( مثبتة فيها صفة لتذكرة أو خبر ثان أو خبر لمحذوف ) مكرمة ( عند الله
عبس : ( 14 ) مرفوعة مطهرة
) مرفوعة ( القدر ) مطهرة ( منزهة عن أيدي الشياطين
عبس : ( 15 ) بأيدي سفرة
) بأيدي سفرة ( كتبة من الملائكة أو الأنبياء ينتسخون الكتب من اللوح أو الوحي أو سفراء يسفرون بالوحي بين الله تعالى ورسله أو الأمة جمع سافر من السفر أو السفارة والتركيب للكشف يقال سفرت المرأة إذا كشفت وجهها(5/452)
" صفحة رقم 453 "
عبس : ( 16 ) كرام بررة
) كرام ( أعزاء على الله أو متعطفين على المؤمنين يكلمونهم ويستغفرون لهم ) بررة ( أتقياء
عبس : ( 17 ) قتل الإنسان ما . . . . .
) قتل الإنسان ما أكفره ( دعاه عليه بأشنع الدعوات وتعجب من إفراطه في الكفران وهو مع قصره يدل على سخط عظيم وذم بليغ
عبس : ( 18 - 19 ) من أي شيء . . . . .
) من أي شيء خلقه ( بيان لما أنعم عليه خصوصا من مبدأ حدوثه والاستفهام للتحقير ولذلك أجاب عنه بقوله ) من نطفة خلقه فقدره ( فهيأه لما يصلح له من الأعضاء والأشكال أو ) فقدره ( أطوارا إلى أن تم خلقته
عبس : ( 20 - 22 ) ثم السبيل يسره
) ثم السبيل يسره ( ثم سهل مخرجه من بطن أمه بأن فتح فوهة الرحم وألهمه أن ينتكس أو ذلل له سبيل الخير والشر ونصب السبيل بفعل يفسره الظاهر للمبالغة في التيسير وتعريفه باللام دون الإضافة للإشعار بأنه سبيل عام وفيه على المعنى الأخير إيماء بأن الدنيا طريق والمقصد غيرها ولذلك عقبه بقوله ) ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره ( وعد الإماتة والإقبار في النعم لأن الإماتة وصلة في الجملة إلى الحياة الأبدية واللذات الخالصة والأمر بالقبر تكرمة وصيانة عن السباع وفي ) إذا شاء ( إشعار بأن وقت النشور غير متعين في نفسه وإنما هو موكول إلى مشيئته تعالى
عبس : ( 23 ) كلا لما يقض . . . . .
) كلا ( ردع للإنسان بما هو عليه ) لما يقض ما أمره ( لم يقض بعد من لدن آدم إلى هذه الغاية ما أمره الله أمره إذ لا يخلو أحد من تقصير ما(5/453)
" صفحة رقم 454 "
عبس : ( 24 ) فلينظر الإنسان إلى . . . . .
) فلينظر الإنسان إلى طعامه ( إتباع للنعم الذاتية بالنعم الخارجية
عبس : ( 25 ) أنا صببنا الماء . . . . .
) أنا صببنا الماء صبا ( استئناف مبين لكيفية إحداث الطعام وقرأ الكوفيون بالفتح على البدل منه بدل الاشتمال
عبس : ( 26 ) ثم شققنا الأرض . . . . .
) ثم شققنا الأرض شقا ( أي بالنبات أو بالكراب وأسند الشق إلى نفسه إسناد الفعل إلى السبب
عبس : ( 27 ) فأنبتنا فيها حبا
) فأنبتنا فيها حبا ( كالحنطة والشعير
عبس : ( 28 ) وعنبا وقضبا
) وعنبا وقضبا ( يعني الرطبة سميت بمصدر قضبه إذا قطعه لأنها تقضب مرة بعد أخرى
عبس : ( 29 - 30 ) وزيتونا ونخلا
) وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا ( عظاما وصف به الحدائق لتكاثفها وكثرة أشجارها أو لأنها ذات أشجار غلاظ مستعار من وصف الرقاب
عبس : ( 31 ) وفاكهة وأبا
) وفاكهة وأبا ( ومرعى من أب إذا أم لأنه يؤم وينتجع أو من أب لكذا إذا تهيأ له لأنه متهيئ للرعي أو فاكهة يابسة تؤوب للشتاء
عبس : ( 32 ) متاعا لكم ولأنعامكم
) متاعا لكم ولأنعامكم ( فإن الأنواع المذكورة بعضها طعام وبعضها علف
عبس : ( 33 ) فإذا جاءت الصاخة
) فإذا جاءت الصاخة ( أي النفخة وصفت بها مجازا لأن الناس يصخون لها
عبس : ( 34 - 36 ) يوم يفر المرء . . . . .
) يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ( لاشتغاله بشأنه وعلمه بأنهم لا ينفعونه أو للحذر من مطالبتهم بما قصر في حقهم وتأخير الأحب فالأحب للمبالغة كأنه قيل يفر من أخيه بل من أبويه بل من صاحبته وبنيه
عبس : ( 37 ) لكل امرئ منهم . . . . .
) لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ( يكفيه في الاهتمام به وقرئ يعنيه أي يهمه
عبس : ( 38 ) وجوه يومئذ مسفرة
) وجوه يومئذ مسفرة ( مضيئة من إسفار الصبح(5/454)
" صفحة رقم 455 "
عبس : ( 39 ) ضاحكة مستبشرة
) ضاحكة مستبشرة ( لما ترى من النعيم
عبس : ( 40 ) ووجوه يومئذ عليها . . . . .
) ووجوه يومئذ عليها غبرة ( غبار وكدورة
عبس : ( 41 ) ترهقها قترة
) ترهقها قترة ( يغشاها سواد وظلمة
عبس : ( 42 ) أولئك هم الكفرة . . . . .
) أولئك هم الكفرة الفجرة ( الذين جمعوا إلى الكفر الفجور فلذلك يجمع إلى سواد وجوههم الغبرة قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة عبس جاء يوم القيامة ووجهه ضاحك مستبشر(5/455)
" صفحة رقم 456 "
سورة التكوير
مكية وآيها تسع وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
التكوير : ( 1 ) إذا الشمس كورت
) إذا الشمس كورت ( لفت من كورت العمامة إذا لففتها بمعنى رفعت لأن الثوب إذا أريد رفعه لف أو لف ضوؤها فذهب انبساطه في الآفاق وزال أثره وألقيت عن فلكها من طعنه فكوره إذا ألقاه مجتمعا والتركيب للإرادة والجمع وارتفاع الشمس بفعل يفسره ما بعدها أولى لأن إذا الشرطية تطلب الفعل
التكوير : ( 2 ) وإذا النجوم انكدرت
) وإذا النجوم انكدرت ( انقضت قال " أبصر خربان فضاء فانكدر " أو أظلمت من كدرت الماء فانكدر
التكوير : ( 3 ) وإذا الجبال سيرت
) وإذا الجبال سيرت ( عن وجه الأرض أو في الجو
التكوير : ( 4 ) وإذا العشار عطلت
) وإذا العشار ( النوق اللواتي أتى على حملهن عشرة أشهر جمع عشراء ) عطلت ( تركت مهملة أو السحائب عطلت عن المطر وقرئ بالتخفيف
التكوير : ( 5 ) وإذا الوحوش حشرت
) وإذا الوحوش حشرت ( جمعت من كل جانب أو بعثت للقصاص ثم ردت ترابا أو أميتت من قولهم إذا أجحفت السنة بالناس حشرتهم وقرئ بالتشديد
التكوير : ( 6 ) وإذا البحار سجرت
) وإذا البحار سجرت ( أحميت أو ملئت بتفجير بعضها إلى بعض حتى تعود بحرا(5/456)
" صفحة رقم 457 "
واحدا من سجر التنور إذا ملأه بالحطب ليحميه وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وروح بالتخفيف
التكوير : ( 7 ) وإذا النفوس زوجت
) وإذا النفوس زوجت ( قرنت بالأبدان أو كل منها بشكلها أو بكتابها وعملها أو نفوس المؤمنين بالحور ونفوس الكافرين بالشياطين
التكوير : ( 8 - 9 ) وإذا الموؤودة سئلت
) وإذا الموؤودة ( المدفونة حية وكانت العرب تئد البنات مخافة الإملاق أو لحوق العار بهم من أجلهم ) سئلت بأي ذنب قتلت ( تبكيتا لوائدها كتبكيت النصارى بقوله تعالى لعيسى عليه الصلاة والسلام ) أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ( وقرئ سألت أي خاصمت عن نفسها وسألت وإنما قيل ) قتلت ( على الإخبار عنها وقرئ قتلت على الحكاية
التكوير : ( 10 ) وإذا الصحف نشرت
) وإذا الصحف نشرت ( يعني صحف الأعمال فإنها تطوى عند الموت وتنشر وقت الحساب وقيل ) نشرت ( فرقت بين أصحابها وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي بالتشديد للمبالغة في النشر أو لكثرة الصحف أو شدة التطاير
التكوير : ( 11 ) وإذا السماء كشطت
) وإذا السماء كشطت ( قلعت وأزيلت كما يكشط الإهاب عن الذبيحة وقرئ / قشطت / واعتقاب القاف والكاف كثير
التكوير : ( 12 ) وإذا الجحيم سعرت
) وإذا الجحيم سعرت ( أوقدت إيقادا شديدا وقرأ نافع وابن عامر وحفص ورويس بالتشديد
التكوير : ( 13 ) وإذا الجنة أزلفت
) وإذا الجنة أزلفت ( قربت من المؤمنين
التكوير : ( 14 ) علمت نفس ما . . . . .
) علمت نفس ما أحضرت ( جواب ) إذا ( وإنما صح والمذكور في سياقها اثنتا عشرة خصلة ست منها في مباديء قيام الساعة قبل فناء الدنيا وست بعده لأن المراد زمان متسع شامل لها ولمجازاة النفوس على أعمالها و ) نفس ( في معنى العموم كقولهم تمرة خير من جرادة(5/457)
" صفحة رقم 458 "
التكوير : ( 15 - 16 ) فلا أقسم بالخنس
) فلا أقسم بالخنس ( بالكواكب الرواجع من خنس إذا تأخر وهي ما سوى النيرين من الكواكب السيارات ولذلك وصفها بقوله ) الجوار الكنس ( أي السيارات التي تختفي تحت ضوء الشمس من كنس الوحش إذا دخل كناسه وهو بيته المتخذ من أغصان الشجر
التكوير : ( 17 ) والليل إذا عسعس
) والليل إذا عسعس ( أقبل ظلامه أو أدبر وهو من الأضداد يقال عسعس الليل وسعسع إذا أدبر
التكوير : ( 18 ) والصبح إذا تنفس
) والصبح إذا تنفس ( أي أضاء غبرته عند إقبال روح ونسيم
التكوير : ( 19 ) إنه لقول رسول . . . . .
) أنه ( أي القرآن ) لقول رسول كريم ( يعني جبريل فإنه قاله عن الله تعالى
التكوير : ( 20 ) ذي قوة عند . . . . .
) ذي قوة ( كقوله ) شديد القوى ( ) عند ذي العرش مكين ( عند الله ذي مكانة
التكوير : ( 21 ) مطاع ثم أمين
) مطاع ( في ملائكته ) ثم أمين ( على الوحي وثم يحتمل اتصاله بما قبله وما بعده وقرىء ) ثم ( تعظيما للأمانة وتفضيلا لها على سائر الصفات
التكوير : ( 22 ) وما صاحبكم بمجنون
) وما صاحبكم بمجنون ( كما تبهته الكفرة واستدل بذلك على فضل جبريل على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) حيث عدد فضائل جبريل واقتصر على نفي الجنون عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو ضعيف إذ المقصود منه نفي قولهم ) إنما يعلمه بشر ( افترى على الله كذبا ) أم به جنة ( لا تعداد فضلهما والموازنة بينهما(5/458)
" صفحة رقم 459 "
التكوير : ( 23 ) ولقد رآه بالأفق . . . . .
) ولقد رآه ( ولقد رآى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) جبريل عليه الصلاة والسلام ) بالأفق المبين ( بمطلع الشمس
التكوير : ( 24 ) وما هو على . . . . .
) وما هو ( وما محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) على الغيب ( على ما يخبره من الموحى إليه وغيره من الغيوب ) بضنين ( بمتهم من الظنة وهي التهمة وقرأ نافع وعاصم وحمزة وابن عامر ) بضنين ( بالضاد من الضن وهو البخل أي لا يبخل بالتبليغ والتعليم والضاد من أصل حافة اللسان وما يليها من الأضراس من يمين اللسان أو يساره والظاء من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا
التكوير : ( 25 ) وما هو بقول . . . . .
) وما هو بقول شيطان رجيم ( يقول بعض المسترقة للسمع وهو نفي لقولهم إنه لكهانة وسحر
التكوير : ( 26 ) فأين تذهبون
) فأين تذهبون ( استضلال لهم فيما يسلكونه في أمر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) والقرآن كقولك لتارك الجادة أين تذهب
التكوير : ( 27 ) إن هو إلا . . . . .
) إن هو إلا ذكر للعالمين ( تذكير لمن يعلم
التكوير : ( 28 ) لمن شاء منكم . . . . .
) لمن شاء منكم أن يستقيم ( بتحري الحق وملازمة الصواب وإبداله من العالمين لأنهم المنتفعون بالتذكير
التكوير : ( 29 ) وما تشاؤون إلا . . . . .
) وما تشاؤون ( الاستقامة يا من يشاؤها ) إلا أن يشاء الله ( إلا وقت أن يشاء الله مشيئتكم فله الفضل والحق عليكم باستقامتكم ) رب العالمين ( مالك الخلق كله قال ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة التكوير أعاذه الله أن يفضحه حين تنشر صحيفته(5/459)
" صفحة رقم 460 "
سورة الانفطار
مكية وآيها تسع عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الإنفطار : ( 1 ) إذا السماء انفطرت
) إذا السماء انفطرت ( انشقت
الإنفطار : ( 2 ) وإذا الكواكب انتثرت
) وإذا الكواكب انتثرت ( تساقطت متفرقة
الإنفطار : ( 3 ) وإذا البحار فجرت
) وإذا البحار فجرت ( فتح بعضها إلى بعض فصار الكل بحرا واحدا
الإنفطار : ( 4 ) وإذا القبور بعثرت
) وإذا القبور بعثرت ( قلب ترابها وأخرج موتاها وقيل أنه مركب من بعث وراء الإثارة كبسمل ونظيره بحثر لفظا ومعنى
الإنفطار : ( 5 ) علمت نفس ما . . . . .
) علمت نفس ما قدمت ( من عمل أو صدقة ) وأخرت ( من سيئة أو تركت ويجوز أن يراد بالتأخير التضييع وهو جواب ) إذا )
الإنفطار : ( 6 ) يا أيها الإنسان . . . . .
) يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ( أي شيء خدعك وجرأك على عصيانه وذكر ) الكريم ( للمبالغة في المنع عن الاغترار فإن محض الكرم لا يقتضي إهمال الظالم وتسوية الموالي والمعادي والمطيع والعاصي فكيف إذا انضم إليه صفة القهر والانتقام والإشعار بما به يغره الشيطان فإنه يقول له افعل ما شئت فربك كريم لا يعذب أحدا ولا يعاجل بالعقوبة والدلالة على أن كثرة كرمه تستدعي الجد في طاعته لا الانهماك في عصيانه اغترارا بكرمه(5/460)
" صفحة رقم 461 "
الإنفطار : ( 7 ) الذي خلقك فسواك . . . . .
) الذي خلقك فسواك فعدلك ( صفة ثانية مقررة للربوبية مبينة للكرم منبهة على أن من قدر على ذلك أولا قدر عليه ثانيا والتسوية جعل الأعضاء سليمة مسواة معدة لمنافعها والتعديل جعل البنية معدلة متناسبة الأعضاء أو معدلة بما تسعدها من القوى وقرأ الكوفيون فعدلك بالتخفيف أي عدل بعض أعضائك ببعض حتى اعتدلت أو فصرفك عن خلقه غيرك وميزك بخلقة فارقت خلقة سائر الحيوان
الإنفطار : ( 8 ) في أي صورة . . . . .
) في أي صورة ما شاء ركبك ( أي ركبك في أي صورة شاءها و ) ما ( مزيدة وقيل شرطية و ) ركبك ( جوابها و الظرف صلة عدلك وإنما لم يعطف الجملة على ما قبلها لأنها بيان لعدلك
الإنفطار : ( 9 ) كلا بل تكذبون . . . . .
) كلا ( ردع الاغترار بكرم الله وقوله ) بل تكذبون بالدين ( إضراب إلى بيان ما هو السبب الأصلي في اغترارهم والمراد ) بالدين ( الجزاء أو الإسلام
الإنفطار : ( 10 - 12 ) وإن عليكم لحافظين
) وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون ( تحقيق لما يكذبون به ورد لما يتوقعون من التسامح والإهمال وتعظم الكتبة بكونهم كراما عند الله لتعظيم الجزاء
الإنفطار : ( 13 - 14 ) إن الأبرار لفي . . . . .
) إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم ( بيان لما يكتبون لأجله
الإنفطار : ( 15 ) يصلونها يوم الدين
) يصلونها ( يقاسون حرها ) يوم الدين )
الإنفطار : ( 16 ) وما هم عنها . . . . .
) وما هم عنها بغائبين ( لخلودهم فيها وقيل معناه وما يغيبون عنها قبل ذلك إذ كانوا يجدون سمومها في القبور(5/461)
" صفحة رقم 462 "
الإنفطار : ( 17 - 18 ) وما أدراك ما . . . . .
) وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين ( تعجيب وتفخيم لشأن ال ) يوم ( أي كنه أمره بحيث لا تدركه دراية دار
الإنفطار : ( 19 ) يوم لا تملك . . . . .
) يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله ( تقرير لشدة هوله وفخامة أمره إجمالا ورفع ابن كثير والبصريان ) يوم ( على البدل من ) يوم الدين ( أو الخبر المحذوف عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة إذا السماء انفطرت كتب الله له بعد بعدد كل قطرة من السماء حسنة وبعدد كل قبر حسنة والله أعلم(5/462)
" صفحة رقم 463 "
سورة المطففين
مختلف فيها وآيها ست وثلاثون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
المطففين : ( 1 ) ويل للمطففين
) ويل للمطففين ( التطفيف البخس في الكيل والوزن لأن ما يبخس طفيف أي حقير روي أن أهل المدينة كانوا أخبث الناس كيلا فنزلت فأحسنوه وفي الحديث خمس بخمس ما نقض العهد قوم إلا سلط الله عليهم عدوهم وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر وما ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت ولا طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر
المطففين : ( 2 ) الذين إذا اكتالوا . . . . .
) الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ( أي إذا اكتالوا من الناس حقوقهم يأخذونها وافية وإنما أبدل ) على ( بمن للدلالة على أن اكتيالهم لما لهم على الناس أو اكتيال يتحامل فيه عليهم
المطففين : ( 3 ) وإذا كالوهم أو . . . . .
) وإذا كالوهم أو وزنوهم ( أي إذا كالوا الناس أو وزنوا لهم ) يخسرون ( فحذف الجار وأوصل الفعل كقوله(5/463)
" صفحة رقم 464 "
" ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا " بمعنى جنيت لك أو كالوا مكيلهم فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ولا يحسن جعل المنفصل تأكيدا للمتصل فإنه يخرج الكلام عن مقابلة ما قبله إذ المقصود بيان اختلاف حالهم في الأخذ والدفع لا في المباشرة وعدمها ويستدعي إثبات الألف بعد الواو كما هو خط المصحف في نظائره
المطففين : ( 4 ) ألا يظن أولئك . . . . .
) ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ( فإن من ظن ذلك لم يتجاسر على أمثال هذه القبائح فكيف بمن تيقنه وفيه انكار وتعجيب من حالهم
المطففين : ( 5 ) ليوم عظيم
) ليوم عظيم ( عظمه لعظم ما يكون فيه
المطففين : ( 6 ) يوم يقوم الناس . . . . .
) يوم يقوم الناس ( نصب بمبعوثون أو بدل من الجار والمجرور ويؤيده القراءة بالجر ) لرب العالمين ( لحكمه وفي هذا الانكار والتعجيب وذكر الظن ووصف اليوم بالعظم وقيام الناس فيه لله والتعبير عنه برب العالمين مبالغات في المنع عن التطفيف وتعظيم إثمه
المطففين : ( 7 ) كلا إن كتاب . . . . .
) كلا ( ردع عن التطفيف والغفلة عن البعث والحساب ) إن كتاب الفجار ( ما يكتب من أعمالهم أو كتابة أعمالهم ) لفي سجين ( كتاب جامع لأعمال الفجرة من الثقلين كما قال(5/464)
" صفحة رقم 465 "
المطففين : ( 8 - 9 ) وما أدراك ما . . . . .
) وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم ( أي مسطور بين الكتابة أو معلم بعلم من رآه أنه لا خير فيه فعيل من السجن لقب به الكتاب لأنه سبب الحبس أو لأنه مطروح كما قيل تحت الأرضين في مكان وحش وقيل هو اسم مكان والتقدير ما كتاب السجين أو محل كتاب مرقوم فحذف المضاف
المطففين : ( 10 ) ويل يومئذ للمكذبين
) ويل يومئذ للمكذبين ( بالحق أو بذلك
المطففين : ( 11 ) الذين يكذبون بيوم . . . . .
) الذين يكذبون بيوم الدين ( صفة مخصصة أو موضحة أو ذامة
المطففين : ( 12 ) وما يكذب به . . . . .
) وما يكذب به إلا كل معتد ( متجاوز عن النظر غال في التقليد حتى استقصر قدرة الله تعالى وعلمه فاستحال منه الإعادة ) أثيم ( منهمك في الشهوات المخدجة بحيث أشغلته عما وراءها وحملته على الإتقان لما عداه
المطففين : ( 13 ) إذا تتلى عليه . . . . .
) إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ( من فرط جهلة وإعراضه عن الحق فلا تنفعه شواهد النقل كما لم تنفعه دلائل العقل
المطففين : ( 14 ) كلا بل ران . . . . .
) كلا ( ردع عن هذا القول ) بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ( رد لما قالوه وبيان لما أدى بهم إلى هذا القول بأن غلب عليهم حب المعاصي بالانهماك فيها حتى صار ذلك صدأ على قلوبهم فعمي عليهم معرفة الحق والباطل فإن كثرة الأفعال سبب لحصول الملكات كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) إن العبد كلما أذنب ذنبا حصل في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه والرين الصدأ وقرأ حفص ) بل ران ( بإظهار اللام
المطففين : ( 15 ) كلا إنهم عن . . . . .
) كلا ( ردع عن الكسب الرائن ) إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ( فلا يرونه(5/465)
" صفحة رقم 466 "
بخلاف المؤمنين ومن أنكر الرؤية جعله تمثيلا لإهانتهم من يمنع عن الدخول على الملوك أو قدر مضافا مثل رحمة ربهم أو قرب ربهم
المطففين : ( 16 ) ثم إنهم لصالوا . . . . .
) ثم إنهم لصالوا الجحيم ( ليدخلون النار ويصلون بها
المطففين : ( 17 ) ثم يقال هذا . . . . .
) ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون ( تقوله لهم الزبانية
المطففين : ( 18 ) كلا إن كتاب . . . . .
) كلا ( تكرير ليعقب بوعد الأبرار كما عقب الأول بوعيد الفجار إشعارا بأن التطفيف فجور والإيفاء بر أو ردع عن التكذيب ) إن كتاب الأبرار لفي عليين )
المطففين : ( 19 - 20 ) وما أدراك ما . . . . .
) وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم ( الكلام فيه ما مر في نظيره
المطففين : ( 21 ) يشهده المقربون
) يشهده المقربون ( يحضرونه فيحفظونه أو يشهدون على ما فيه يوم القيامة
المطففين : ( 22 - 23 ) إن الأبرار لفي . . . . .
) إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ( على الأسرة في الحجال ) ينظرون ( إلى ما يسرده من النعم والمتفرجات
المطففين : ( 24 ) تعرف في وجوههم . . . . .
) تعرف في وجوههم نضرة النعيم ( بهجة النعيم وبريقه وقرأ يعقوب تعرف على البناء للمفعول و نضرة بالرفع
المطففين : ( 25 - 26 ) يسقون من رحيق . . . . .
) يسقون من رحيق ( شراب خالص ) مختوم ختامه مسك ( أي مختوم أوانيه بالمسك مكان الطين ولعله تمثيل لنفاسته أو الذي له ختام أي مقطع هو رائحة المسك وقرأ الكسائي خاتمه بفتح التاء أي ما يختم به ويقطع ) وفي ذلك ( يعني الرحيق أو النعيم ) فليتنافس المتنافسون ( فليرتغب المرتغبون
المطففين : ( 27 ) ومزاجه من تسنيم
) ومزاجه من تسنيم ( علم لعين بعينها سميت تسنيما لارتفاع مكانها أو رفعة شرابها(5/466)
" صفحة رقم 467 "
المطففين : ( 28 ) عينا يشرب بها . . . . .
) عينا يشرب بها المقربون ( فإنهم يشربونها صرفا لأنهم لم يشتغلوا بغير الله وتمزج لسائر أهل الجنة وانتصاب ) عينا ( على المدح أو الحال ) من تسنيم ( والكلام في الباء كما في ) يشرب بها عباد الله )
المطففين : ( 29 ) إن الذين أجرموا . . . . .
) إن الذين أجرموا ( يعني رؤساء قريش ) كانوا من الذين آمنوا يضحكون ( كانوا يستهزئون بفقراء المؤمنين
المطففين : ( 30 ) وإذا مروا بهم . . . . .
) وإذا مروا بهم يتغامزون ( يغمز بعضهم بعضا ويشيرون بأعينهم
المطففين : ( 31 ) وإذا انقلبوا إلى . . . . .
) وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين ( متلذذين بالسخرية منهم وقرأ حفص فكهين
المطففين : ( 32 ) وإذا رأوهم قالوا . . . . .
) وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون ( وإذا رأوا المؤمنين نسبوهم إلى الضلال
المطففين : ( 33 ) وما أرسلوا عليهم . . . . .
) وما أرسلوا عليهم ( على المؤمنين ) حافظين ( يحفظون عليهم أعمالهم ويشهدون برشدهم وضلالهم
المطففين : ( 34 ) فاليوم الذين آمنوا . . . . .
) فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون ( حين يرونهم أذلاء مغلوبين في النار وقيل يفتح لهم باب إلى الجنة فيقال لهم اخرجوا إليها فإذا وصلوا أغلق دونهم فيضحك المؤمنون منهم
المطففين : ( 35 ) على الأرائك ينظرون
) على الأرائك ينظرون ( حال من ) يضحكون )
المطففين : ( 36 ) هل ثوب الكفار . . . . .
) هل ثوب الكفار ( أي هل أثيبوا ) ما كانوا يفعلون ( وقرأ حمزة والكسائي بادغام اللام في الثاء عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة المطففين سقاه الله من الرحيق المختوم يوم القيامة(5/467)
" صفحة رقم 468 "
سورة الانشقاق
مكية وآيها خمس وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الإنشقاق : ( 1 ) إذا السماء انشقت
) إذا السماء انشقت ( بالغمام كقوله تعالى ) ويوم تشقق السماء بالغمام ( وعن علي رضي الله تعالى عنه تنشق من المجرة
الإنشقاق : ( 2 ) وأذنت لربها وحقت
) وأذنت لربها ( واستمعت له أي انقادت لتأثير قدرته حين أراد انشقاقها انقياد المطواع الذي يأذن للآمر ويذعن له ) وحقت ( وجعلت حقيقة بالاستماع والانقياد يقال حق بكذا فهو محقوق وحقيق
الإنشقاق : ( 3 ) وإذا الأرض مدت
) وإذا الأرض مدت ( بسطت بأن تزال جبالها وآكامها
الإنشقاق : ( 4 ) وألقت ما فيها . . . . .
) وألقت ما فيها وتخلت ( في الخلو أقصى جهدها حتى لم يبق شيء في باطنها
الإنشقاق : ( 5 ) وأذنت لربها وحقت
) وأذنت لربها ( في الإلقاء والتخلي ) وحقت ( للإذن وتكرير ) إذا ( لاستقلال كل من الجملتين بنوع من القدرة وجوابه محذوف للتهويل بالإبهام أو الاكتفاء بما مر في سورتي التكوير والانفطار أو لدلالة قوله(5/468)
" صفحة رقم 469 "
الإنشقاق : ( 6 ) يا أيها الإنسان . . . . .
) يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ( عليه وتقديره لاقى الإنسان كدحه أي جهدا يؤثر فيه من كدحه إذا خدشه أو ) فملاقيه ( و ) يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك ( اعتراض والكدح إليه السعي إلى لقاء جزائه
الإنشقاق : ( 7 - 8 ) فأما من أوتي . . . . .
) فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا ( سهلا لا يناقش فيه
الإنشقاق : ( 9 ) وينقلب إلى أهله . . . . .
) وينقلب إلى أهله مسرورا ( إلى عشيرته المؤمنين أو فريق المؤمنين أو ) أهله ( في الجنة من الحور
الإنشقاق : ( 10 ) وأما من أوتي . . . . .
) وأما من أوتي كتابه وراء ظهره ( أي يؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره قيل تغل يمناه إلى عنقه وتجعل يسراه وراء ظهره
الإنشقاق : ( 11 ) فسوف يدعو ثبورا
) فسوف يدعو ثبورا ( يتمنى الثبور ويقول يا ثبوراه وهو الهلاك
الإنشقاق : ( 12 ) ويصلى سعيرا
) ويصلى سعيرا ( وقرأ الحجازيان والشامي ويصلى لقوله تعالى ) وتصلية جحيم ( وقرئ ويصلى لقوله تعالى ) ونصله جهنم )
الإنشقاق : ( 13 ) إنه كان في . . . . .
) إنه كان في أهله ( أي في الدنيا ) مسرورا ( بطرا بالمال والجاه فارغا عن الآخرة
الإنشقاق : ( 14 ) إنه ظن أن . . . . .
) إنه ظن أن لن يحور ( لن يرجع إلى الله تعالى
الإنشقاق : ( 15 ) بلى إن ربه . . . . .
) بلى ( إيجاب لما بعد ) لن ( ) إن ربه كان به بصيرا ( عالما بأعماله فلا يهمله بل يرجعه ويجازيه
الإنشقاق : ( 16 ) فلا أقسم بالشفق
) فلا أقسم بالشفق ( الحمرة التي ترى في أفق المغرب بعد الغروب وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه البياض الذي يليها سمي به لرقته من الشفقة
الإنشقاق : ( 17 ) والليل وما وسق
) والليل وما وسق ( وما جمعه وستره من الدواب وغيرها يقال وسقه فاتسق واستوسق قال مستوسقات لو يجدن سائقا أو طرده إلى أماكنه من الوسيقة
الإنشقاق : ( 18 ) والقمر إذا اتسق
) والقمر إذا اتسق ( اجتمع وتم بدرا(5/469)